You are on page 1of 12

‫ونجد ابن مسرة قد استمد نظريته في المعرفة من الفرابي‪ ،‬إذ أن أخص‬

‫خصائص النظرية الصوفية التي قال بها الفارابي قائمة على أساس عقلي‪.‬‬
‫فليس تصـوفه بالتصـوف الروحي البحث الذي يقوم على محاربة الجسم‬
‫والبعد عن اللذائذ لتطهر النفس وترقى مدارج الكمال‪ ،‬بل هو تصوف‬
‫نظري يعتمد على الدراسة والتأمل‪ .‬وطهارة النفس في رأيه ال تقصد عن‬
‫طريق الجسم واألعمال البدنية فحسب‪ ،‬بل عن طريق العقل واألعمال‬
‫الفكرية أوال وبالذات‪،‬ـ وهذا ما انتهجه ابن مسرة في رسالته ‪.‬‬
‫ففي نظرهم أن العقل البشـري سـالكا ً سبيل رقيه وتطوره يمر بمراحل‬
‫متدرجة بعضها فوق بعض‪ ،‬فهو في أول أمره عقل بالقوة‪ ،‬فإذا ما أدرك‬
‫قدراً كبيراً من المعلومات العامة والحقائق الكلية أصبح عقالً بالفعل‪ ،‬وقد‬
‫يتسع مدى نظره‪ ،‬ويحيط بأغلب الكليات فيرقى إلى أسمى درجة يصل إليها‬
‫اإلنسان وهي درجة العقل المستفاد أو درجة الفيض واإللهام‪ .‬ولعل في هذا‬
‫ما يبين كيف اتصل التصوف عند الفارابي بعلم النفس‪ ،‬ونظرية المعرفة‪.‬‬

‫ولن يقف األمر عند هذا الحد‪ ،‬بل التصـوف الفارابي متين الصـلة‬
‫بالنظريات الفلكية والميتافيزيقية‪ ،‬فان الفارابيـ يتخيل نظاما فلكيا ً أساسه أن‬
‫في كل سماء قوة روحية أو عقالً مفارقا ً يشرف على حركتها ومختلف‬
‫شؤونها‪ ،‬وآخر هذه القوى وهو العقل العاشـر موكل بالسماء الدنيا والعالم‬
‫األرضـي‪ ،‬فهو نقطة اتصال بين العالمين العلوي والسفلي‪ ،‬وكلما اتسعت‬
‫معلومات المرء اقترب من العالم العلوي ودنت روحه من مستوى العقول‬
‫المفارقة‪ ،‬فإذا وصـل إلى درجة العقل المستفاد أصـبـح أهالً لتقبل األنوار‬
‫اإللهية وأضـحى على اتصال مباشر بالعقل العاشر‪ .‬فبالعلم والعلم وحده‬
‫يمكننا أن نربط السماوي باألرضي واإللهي بالبشري والمالئكي باإلنساني‪،‬‬
‫وأن نصل إلى أعظم سعادة ممكنة‪ .‬والمعرفة النظرية الميتافيزيقية هي‬
‫أسمى غاية ينشـدها العقل اإلنساني‪ .‬وإذا ما انتهينا إلى هذه المرتبة تحررت‬
‫نفوسنا بتاتا ً من كل ما هو مادي وجسمي والتحقت بالكائنات العقلية‬
‫واطمأنت إلى حالهاـ هذه راجية أن تبقى فيها إلى النهاية‬

‫هذه هي السعادة التي تنحو نحوها الفلسفة واألخالق ويوصـب إليها‬


‫النظر والعمل ويسعى إليها اإلنسان بدراسته وسلوكه‪ ،‬هي الخير المطلق‬
‫وغاية الغايات ومنتهي الرفعة اإلنسانية وجنة الواصلين‪ ،‬يقول الفارابي‪:‬‬
‫(والسعادة هي أن تصير نفس اإلنسان من الكمال في الوجود بحيث ال‬
‫( )‬
‫تحتاج في قوامها ‪1‬‬

‫أفكار‪:‬‬
‫نجد ابن مسرة رسم مسار العقل من طريق التفكر الصاعد من الموجودات إلى‬
‫هللا‪ ،‬ثم من طريق الخبر النازل من هللا إلى الموجودات عبر أنبيائه‪ ،‬لتكتمل المعرفة ويتحقق‬
‫االتفاق والكمال‪.‬‬

‫‪ ‬تلتقي رسالة الخواص مع رسالة االعتبار التي رسم فيها ابن مسرة مسار العقل من‬
‫طريق الجدل الصاعد من الموجودات إلى هللا‪ ،‬ثم من طريق الجدل النازل من هللا إلى‬
‫الموجودات‪ ،‬لتكتمل المعرفة ويتحقق االتفاق والكمال‪.‬‬

‫فالتفلسف‪ ،‬وفق الفارابي‪ ،‬هو الطريق الوحيد للعروج إلى اهلل‬

‫يجب أن الننسى توجه ابن مسرة االعتزالي حيث يقدمون العقل على‬
‫النقل‬
‫كيف يمكن للعقل أن اإلنساني أن يدرك العالم المفارق لعالمنا األرضي‬
‫العالم المفارق البريء من المادة أي لم يكن في مادة أصاال بحسب‬
‫كاالم الفارابي نفسه وهو عالم ما فوق فمك القمر‪.‬‬

‫ال يختلف الفارابي مع الفالسفة اآلخرين في تصنيف موضوعات‬


‫المعرفة الى المراتب الثالثة ( الحسية والعقلية وما صار يعرف عند‬
‫الصوفية بالمعرفة الذوقية وهي موضوعات العالم البريء من المادة‪ .‬كما‬
‫إنه وظف أغلب المفاهيم المعرفية المتداولة في مجال المعرفة مثل النفس‬
‫وقواها والعقل ومراتبه‪ ،‬ولكنه أعطاها دالالت جديدة استمدتها من داخل‬
‫نسقه الفلسفي‬

‫الجديد‪.‬‬

‫النفس وقواها عند الفارابي‪:‬ـ‬

‫() الجانب الصوفي في الفلسفة اإلسالمية‪ ،‬إبراهيم بيومي مدكو (ص‪ ،)6-7‬األهرام‪( ،‬ط‪)2022-‬‬
‫‪1‬‬
‫يرى الفارابي أن النفس االنسانية تتألف من خمسة قوى هي ‪ -1 :‬القوة‬
‫الغاذية ‪ – ٢ .‬القوة الحاسة ‪ – 3 .‬القوة المتخيلة‪ - 4 .‬والقوة العاقلة‪- 5 .‬‬
‫والقوة النزوعية‪.‬‬

‫واالولى هي مابه يتغذي وينمو االنسان ‪ ،‬أما الحاسة والمتخيلة والعاقلة‬


‫فهي المعنية باالدراك والمعرفة أما النزوعية فبها تكون االرادة ‪ .‬والقوة‬
‫العاقلة هي رئيسة لكل هذه القوى االربعة‬

‫الباقية وكلها خادمة لها‪.‬‬


‫وأرقى الكائناتـ الحية هو االنسان الذي يحتاج للبقاء واستعمال‬
‫المقدرات أن يعيش بشكل (جماعات)‪ .‬والمعيشة مع اآلخرين تتطلب وجود‬
‫قانون موحى به‪ .‬وهذا القانون الوحي يتسلمه اإلنسان من العقل الفعال األول‬
‫(هللا) الذي هو في نشاط دائم‪ .‬ويرسل العقل األول قانونه الى العقل المستقبل‬
‫الذي يوجد في أرقي بني االنسان‪ .‬وأرقي بني االنسان هم األنبياء‬
‫والفالسفة‪ .‬والفرق بين الطرفين ان النبي يتسلم الوحي من خالل االتصال‬
‫المباشر بالعقل الفعال األول وبدون تعليم الن قواه العقلية من خالل التعليم‬
‫والجهود المتواصلة ثم يتسلم القانون(الوحي) من العقل الفعال (هللا) "‬
‫مشكلة التأويل هي التي مكنت الفالسفة المسلمين من التفكير في التوفيق بين الدين والفلسفة‬
‫‪.‬‬
‫لقد كانت قضية العالقة بين العقل والوحي‪ ،‬وبالتالي بين الحكمة والنبوة‪ ،‬أو الدين والفلسفة‪ ،‬أو‬
‫العقل والنقل‪ ،‬قضية حاضرة في المحيط اإلسالمي‪ ،‬وقد حاول المفكرون أن يظهروا التوافق بين‬
‫المصدرين‪ ،‬لكن معظمهم أخطأ حينما ظن التوفيق بين الدين والعقل‪ ،‬يعني التوفيق بين اإلسالم‬
‫والفلسفة اليونانية‪.‬‬
‫‪ -‬ومنها ما تبنى إلباس بعض المصطلحات والمبادئ الفلسفية ثوبا ً دينيا ً كما يظهر في نظرية‬
‫الفيض عند الفارابي وابن سينا‪ ،‬ومنها ما اتخذ صورة الرمز والقصص المفضيـ إلى نفس الغاية من‬
‫إثبات لقدرة العقل على الوصول إلى الحقائق التي دعا لها الدين‪ ،‬كقصة ابن طفيل “حي بني يقظان”‬
‫وغيرها كما سيأتي معنا‪.‬‬
‫االشراق‬
‫لم يقصر الكندي وسائل المعرفة على الحس والعقل‪،‬ـ بل أضاف إليهما اإلشراق الذي تمثل‬
‫قمته النبوة‪ ،‬ويؤكد أن هذا العلم خاص بهؤالء الذين اصطفاهم هللا‪ ،‬وهذا االصطفاء ينأى أن يكون ما‬
‫يأتي به هؤالء مكتسبا ً بالبحث والدراسة‪،‬‬

‫‪  ‬فاالعتبار يشهد للنبأ ويصدقه (أي أن التفكير يصدق الوحي)‪ ،‬والنبأ يوافق االعتبار وال‬
‫يخالفه‪.‬‬
‫ويمثِّل ابن مسرة لكالمه بالنظر إلى النبات‬
‫فجاء خبر النبوة من جهة العرش نازالً إلى األرض‪ ،‬فوافق االعتبار الصاعد من جهة األرض‬
‫إلى العرش سواء بسواء‪ ،‬ويختم ابن مسرة بالتأكيد على ضرورة البحث العقلي الهادف‪ ،‬ويذم من‬
‫يرفض أن يكون للعقل مجال في هذا الميدان مستشهداً بقوله تعالى‪{ :‬الذين كانت أعينهم في غطاء‬
‫عن ذكري وكانوا ال يستطيعون سمعا}‪.‬‬
‫فجاء خبر النبوة من جهة العرش نازالً إلى األرض‪ ،‬فوافق االعتبار الصاعد من جهة األرض‬
‫إلى العرش سواء بسواء‪،‬‬
‫ويختم ابن مسرة بالتأكيد على ضرورة البحث العقلي الهادف‪ ،‬ويذم من يرفض أن يكون للعقل‬
‫مجال في هذا الميدان مستشهداً بقوله تعالى‪{ :‬الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا ال‬
‫يستطيعون سمعا}‪.‬‬
‫والقصة ال تقتصر على الحس‪ ،‬بل كأنها تشير إلى العقل واإللهام والفيض‪،‬‬

‫بيل‬ ‫ع نفس الس‬ ‫كويه بتب‬ ‫س‬


‫كان أحمد بن يعقوبـ ‪-‬الملقب بمسكويه‪ -‬يرى أن كل نوع يبدأ بالبساطة ثم ال يزال يتعقد ويترقى حــتى‬
‫يبلغ أفق النوع الذي يليه‪ ،‬قبل صورة الحيوان‪ ،‬وكذلك الحيوان يبدأ بسيطا ً يــترقى حــتى يصــل مرتبــة‬
‫قريبــة من مرتبــة اإلنســان‪ ،‬واإلنســان نفســه ال يــزال يــترقى ويــزداد ذكــاء وصــحة في التفكــير حــتى‬
‫يتعرض به ألحد المنزلتين‪ ،‬إما أن يديم النظر في الحقائق لتلوح له األمور اإللهية‪ ،‬وإما أن تأتيه تلــك‬
‫األمــور من هللا من غــير ســعي منــه‪ ،‬وصــاحب المنزلــة األولى هــو الفيلســوف‪ ،‬والثانيــة هــو النــبي‪،‬‬
‫‪.‬ويصدق أحدهما اآلخر‪ ،‬التفاقهما في تلك الحقائق‬

‫وف‬ ‫بي والفيلس‬ ‫بين الن‬


‫تجب اإلشارة إلى أن اتفاق الفيلســوف والنــبي على مــا لــديهما من حقــائق قــد فهم عنــد البعض تســوية‬
‫مطلقة بينهما‪ ،‬بل عد بعضهم الفيلسوف أرقى ألنه جاهد وكافح وتأمل وتفكر‪ ،‬بينمــا وصــلت الحقــائق‬
‫للنــبي وهــو في دعــة وراحــة‪ ،‬والحقيقــة أن تالقي الفيلســوف والنــبي في عــرض الحقــائق‪ ،‬ال يعــني‬
‫تساويهما‪ ،‬فشؤون النبوة وأحكام الشريعة فهذا مما ال يدركه الفيلسوف وحـده‪ ،‬لكنـه أســرع إلى تفهمـه‬
‫‪.‬إذا عرضت عليه‬

‫والفكرة الــتي أراد الفالســفة التركــيز عليهــا هي إمكــان الوصــولـ إلى اإليمــان بوجــود هللا عن طريــق‬
‫التأمل الصحيح‪ ،‬والحقيقة أن هذا اإليمان العقلي يؤيده الشرع‪ ،‬لكن الوصول لهــذه الحقيقــة ال يقتضـيـ‬
‫االستغناء عن النبوة‪ ،‬ألن الفئة القادرة على التأمل الصحيح بمثــابرة وإخالص نــادرة‪ ،‬والنبــوة رســالة‬
‫‪.‬لكافة الناس‪ ،‬هذا عدا عن أمور التشريع التي أسلفنا ذكرها‪ ،‬وهي مما يأتي به النبي‬

‫وهناك محاوالت توفيقية أخرى منها المحاولة القائمة على كيفية‬


‫وصـول الفكر الحر النزيه إلى الحقائق الكبرى التي نادى بها الدين من‬
‫إثبات وجـود الـلـه وصـفاته‬
‫وغاية الحياة وهـذا مـا قـام بـه ابـن مسرة‪ ،‬والمحاولة القائمة على‬
‫إلباس بعـض المصطلحاتـ والمبادئ الفلسفية ثوبا دينيا مثلما هو الحال في‬
‫نظرية الصـدور والفيض عند الفارابي وابن سينا‪ ،‬والمحاولة التي تهدف‬
‫إلى إثبات قدرة العقل في الوصول إلى نفس الحقائق التي دعا إليها الدين‬
‫وعالقة ذلك بالـلـه واجب الوجـود وهي محاولة ابن سينا في رسالته حي بن‬
‫يقظان وكذلك قصة حي بن يقظان البـن طفيل‪ ،‬وقصة السهروردي في‬
‫الغربة الغريبة‪ ،‬وكان حي بن يقظان عنـد ابـن سـينا‬

‫ززززز‬
‫وقد سلك هؤالء الفالسفة في ذلك مسالك شتى ‪ ،‬وقدموا أنماطا أو‬
‫صوراً عديدة متباينة ‪ ،‬فمنها ماصدر على هيئة رسائل موجزة تشرح‬
‫حاول شرح كيف يصل الفكر الحر النزيه إلى الحقائق الكبرى التي‬
‫ورد بها الدين الحق ‪ ،‬من إثبات وجود هللا تعالى وصفاته وتوضيح غاية‬
‫الحياة في صورة قريبة المنال بالنسبة لألذهان العامة ‪ ،‬ومن هذه الرسائل‬
‫رسالة ( االعتبار ) البن مسرة القرطبي ( ت ‪ .‬سنة ‪ ٣١٩‬هـ ) ‪.‬‬

‫ومنها ما اتخذ أسلوب القصص التي تهدف إلى إثبات قدرة العقل على‬
‫الوصول والترقى المتدرج إلى المأل األعلى ‪ ،‬والوقوف على نفس الحقائق‬
‫التي دعا إليها الدين ‪ ،‬ومن هذه القصص قصة ( حي بن يقظان ) البن طفيل‬
‫( ت ‪ ،‬سنة ‪ ٥٨١‬هـ )‬

‫وهكذا يجمع ابن مسرة الدين والفلسفة على أهداف وحقائق بشرط أن‬
‫يكون المراد من الفلسفة ‪ ،‬الفلسفة الحقة التي يكون الغرض منها معرفة‬
‫الحقيقة لذاتها بنية خالصة سليمة‬

‫مضمون الرسالة‬
‫لقد عالج المؤلف في هذه الرسالة موضوعا فلسفيا بحثا ‪ ،‬وهو إثبات‬
‫أن العقل والوحي طريقان يؤديان إلى شئ واحد ‪ ،‬وأن الفلسفة والدين‬
‫نهجان مختلفان من حيث الوسيلة ولكنهما متفقان من حيث الغاية ‪ ،‬إال أن‬
‫الدين يبدأ من األعلى إلى األسفل ‪ ،‬بينما العقل يبدأ من األسفل ويأخذ طريقا‬
‫متدرجا حتى يصل إلى أعلى ‪ ،‬فالفيلسوف‬
‫(‪ )۱‬انظر‬

‫‪Palacois A.: Aben masarra, P. 14, Madrid, 1914‬‬

‫کالنبي في طلب الحق ‪ ،‬وهداية الناس إلى الخير ‪ ،‬وإن كان الحق يأتى‬
‫إلى النبي مباشرة من هللا تعالى ‪ ،‬بيما يسعى الفيلسوف إليه بالنظر والفكر ‪،‬‬
‫وقد ينجح في مسعاه إذا توفرت لديه النية الصحيحة ‪.‬‬

‫ونظرا ألن موضوع الرسالة موضوع فلسفی – والناس أنذاك‬


‫يضطهدون الفلسفة ويعادونها – فإن المؤلف اضطر لستر اسمه بصفة‬
‫محببة إلى نفوس أهل بلدته ‪ ،‬وهي صفة ( الفقيه ) ‪ ،‬وذلك ليضمن عدم‬
‫إحراقها من جهة ‪ ،‬ولئال يتعرض لإليذاء من يقتنيها وقد ذكر أصحاب‬
‫التراجم أن هذه الرسالة كانت من مؤلفات ابن مسرة ‪ ،‬كما ذكر‬

‫ذلك بروكلمان ‪ ،‬وإن كانوا قد أشاروا إلى أن اسمها هو التبصرة‬

‫وهذا هو األقرب إلى الصواب ‪ ،‬ألن هذا االسم يتفق مع مضمون‬


‫الفكرة التي تدور حولها الرسالة ‪ ،‬ويبدو أن ابن مسرة مال إلى استخدم هذا‬
‫االسم أو هذه الكلمة ألنها كلمة قرآنية لها إيحاءاتها التي تضفى على الرسالة‬
‫نوعا من القداسة ‪ ،‬مما يهين النفوس لتقبلها ‪ ،‬وكان ابن مسرة حريصا على‬
‫ذلك ألن محاولته للتوفيق بين الدين والفلسفة تعد من المحاوالت المبكرة في‬
‫هذا المجال ‪ ،‬إذ لم يفصل بينه وبين الكندى إال نصف قرن‬

‫تقريبا ‪.‬‬

‫وجوهر الرسالة يدور حول فكرة تتلخص فيمايلي ‪:‬‬

‫الوحي والعقل سبيالن لمعرفة الحقيقة ‪ ،‬لكن الوحي يبدأ من أعلى ‪ ،‬أي‬
‫من هللا ثم يهبط تدريجيا حتى يصل إلى أسفل العالم ‪ ،‬بينما العقل يسير على‬
‫النقيض من ذلك ‪ ،‬حيث يبدأ من أسفل ويصعد تدريجيا حتى يصل إلى‬
‫الحقيقة العليا وهي هللا ‪ ،‬وبهذا يلتقى الطريقان ‪ -‬طريق الوحي النازل من‬
‫أعلى ألسفل ‪ ،‬وطريق العقل الصاعد ‪ -‬في إثبات الحقيقة الكبرى التي ينبغي‬
‫أن يسعى اإلنسان إلدراكها ‪ ،‬يقول ابن مسرة فتبين لك أن « كل ماخلق من‬
‫شئ موضوع للفكرة ‪ ،‬ثم يضيف إلى ذلك قوله في شأن الحكماءـ أو األولياء‬
‫المستبصرين ‪ -‬أجل وهللا لقد أطلعتهم الفكرة على البصيرة فشهدت لهم‬
‫السماء واألرض بمانبات به النبوة أنه ماخلق هذا العالم المنضد المحكم‬
‫الموزون باطال (‪.)۱‬‬

‫ويوضح مانبات به لنبوة فيقول ‪ -‬فنبات الرسل عن أمر هللا تعالى ‪،‬‬
‫وافتتحت باألعظم فاألعظم واألول فاألول في الصفة ‪ ،‬فدلت على هللا عز‬
‫وجهه ‪ ،‬وعلى صفاته الحسني وكيف بدأ خلقه وأنشأه ‪ ،‬واستوى على عرشه‬
‫‪ ،‬وكرسي ملكوته وسماواته وأرضه‬

‫إلى آخر ذلك ‪.)٢(،‬‬

‫وأما بالنسبة لطريق االعتبار والتأمل فيقول المؤلف « فقد أمرنا ( هللا )‬
‫باالعتبار لذلك ‪ ،‬وأشار إلى البدو فيه من آيات األرض ‪ ...‬فالعالم وخالئقه‬
‫كلها وآياته درج يتصعد فيها المعتبرين إلى مافي العال من آيات هللا‬
‫الكبرى ‪ ،‬والمترقى إنما يترقى من األسفل إلى األعلى ‪ ،‬فهم يترقون بتصعد‬
‫العقول من مقامهم سفالً إلى ماانتهت إليه من صفات األنبياء من اآليات‬
‫العلى ‪ ،‬فإذا فكروا أبصروا ‪ ،‬وإذا أبصروا وجدوا الحق واحدا على ماحكت‬
‫الرسل عليهم السالم ‪ ،‬وعلى ماوصفوا به الحق عن هللا ‪ ،‬وأنه متفق‬

‫متصادق‪.)۳(،‬‬

‫ثم يسوق ابن مسرة خالصة قضيته فيقول عن هؤالء المفكرين ‪-‬‬
‫فوجدوا االعتبار يشهد للنبأ فيصدقه ‪ ،‬ووجدوا النبأ موافقا لالعتبار‬
‫اليخالفه ‪ ،‬فتعاضد البرهان ‪ ،‬وتجلى اليقين ‪ ،‬وأفضت القلوب إلى حقائق‬
‫اإليمان ‪ .)4(،‬وبعد أن يصل إلى هذه النتيجة يقرر أن من الواجب تأييد‬
‫التدبر واالعتبار لما جاء به الرسول ‪ ،‬إذ أنه اليمكن لإلنسان أن يصل إلى‬
‫معرفة علم الكتاب حتى يقر الخبرباالعتبار ‪ ،‬ويحقق السماع باالستبصار (‬
‫‪.)۰‬‬

‫ومن الجدير بالذكر أن ابن مسرة بهذا الموقف من الوحي والعقل كان‬
‫له دور بارز‬
‫في تهيئة األذهان في األندلس لتقبل التفكير الفلسفي ‪ ،‬مما يجعله رائدا‬
‫لمن ظهر بعده ونادى مثله في تلك البيئة بأن الدين والفلسفة اليختلفان « من‬
‫حيث الغاية ‪ ،‬فهما يبحثان ويعلمان حقيقة واحدة بطرق مختلفة ‪.)6(،‬‬
‫وينبغي التنبيه إلى أن الرسالة تحفل بالمصطلحات الفلسفية والعلمية‬
‫التي تتصل بالطبائع األربع واألفالك والنفوس وتقسيمها وخصائصها ‪.‬‬

‫والننكر أن الرسالة تثير كثيرا من المشكالت دون أن تدعى قدرة‬


‫مطلقة على حلها ‪ ،‬ولكننا ننكر مايثيره البعض من أن ماقررته من قدرة‬
‫العقل على الوصول إلى الحقيقة مستقالً عن الدين ‪ ،‬يقضى إلى القول‬
‫بإمكان االستغناء عن الدين كلية مادام العقل كافيا في هذا الميدان ‪ ،‬وليس‬
‫من اإلنصاف أن نتهم ابن مسرة بذلك ‪ ،‬ألنه يلح في مناسبات كثيرة على‬
‫ضرورة الجمع بين حقائق الوحي وبين ثمار العقل في نظام فكري متكامل‬
‫ومتناسق ‪ ،‬وهذا حق الغبار عليه ‪ ،‬ألنه اليعنى إال أن يجعل من العقل‬
‫ظهيرا للدين‪.‬‬

‫ومهما يكن من شئ فإن للرسالة أهميتها الخاصة التي ترجع إلى أنها‬
‫تعد إحدى المحاوالت المبكرة بعد الكندي – فيلسوف العرب ‪ -‬مباشرة‬
‫للتوفيق بين العقل والوحي ‪ ،‬كما أنها تساعدنا في التعرف على طبيعة‬
‫وتطور الفلسفة اإلسالمية عامة ‪ ،‬وعلى تبين‬

‫ذلك لدى ابن مسرة بصفة خاصة ‪ .‬وبعد أن قدمنا هذه اللمحة عن‬
‫رسالة ابن مسرة يجدر بنا أن نتحدث عن التوفيق‬

‫بين الدين والفلسفة أو بين الوحي والعقل في هذه الرسالة ‪.‬‬

‫لقد سجل هذا المفكر محاولته في رسالة بعث بها إلى تلميذ له ردا على‬
‫رسالة التلميذ ‪ ،‬الذي كتب إليه يقول إنه قد قرأ في بعض الكتب أنه وال يجد‬
‫المستدل باالعتبار من أسفل العالم إلىا ألعلى إال مثل ما دلت عليه األنبياء‬
‫من األعلى إلى األسفل ‪ . ،‬وقد طلب التلميذ من أستاذه أن يشرح ذلك ‪ ،‬وان‬
‫يذكر له بعض األمثلة التى تؤيد هذا الخبر ‪ .‬و تتجلى بحق براعة هذا‬
‫األستاذ في إجابته الى دا بمقدمة خالبة تمهيداً لعرضه التفصيلى المصحوب‬
‫بمثال متقن لكيفية تالقى الفكر مع الدين ؛ متبعا ذلك بتأكيد أن هذا السبيل‬
‫هو ما أراد الفالسفة أن يسلكوه ‪ ،‬فضلوا ألن النية الحسنة لم تكن متوفرة‬
‫لديهم ‪.‬و قد يبدو أن هذا التصريح األخير يدل على أن هذه المحاولة لم تكن‬
‫للتوفيق بين الدين والفلسفة – وإال لما هاجم المؤلف الفالسفة ما سنناقشه بعد‬
‫تقديم هذا االقتباس المختصر بقدر يكفي إلعطاء صورة واضحة عن‬
‫اتجاهات الرسالة ونتائجها ‪ .‬وتعتبر هذه الرسالة في الواقع من أهم الوثائق‬
‫التي تكشف للباحثـ جزءاً هاما ً من حقيقة الصراع الذي دار بين الفكر‬
‫والدين في تلك المرحلة المبكرة ‪27 .‬‬

‫من هنا‬
‫يذكر هذا المفكر في مقدمته دور العقول فهم أو هللا وقدرته واستنباط‬
‫صفاته ـ التي تتفق الصفات أوحى هللا بها إلى أنبيائه حيث جعل سبحانه في‬
‫كل أرضر وفي آيات دالة عليه مفصحة عن ربو يته ‪ .‬فالعالم كله كتاب‬
‫يقرأه المستبصرون بميان الفكرة الصادقه حسب أبصارهم وسعة اعتبارهم‬
‫قلوبهم تقلب في األعاجيب الظاهرة المكنونة ‪ ،‬المكشوفة لمن ‪ ،‬المحجوبة‬
‫عمن لمى ‪ ،‬ثم يستشهد هذا المفكر آيات كثيرة من القرآن‬

‫ويسوق المفكر خالصة قضيته في نهاية مقدمته للرسالة ‪ ،‬قائال إن‬

‫هؤالء المفكرين و وجدوا االعتبار يشهد للنبا فيصدقه ( أي أن التفكير‬

‫يصدق الوحى ) ووجدوا النبا موافقا لالعتبار ال يخالفه ‪ ،‬فتعاضد‬


‫البرهان ( تأييد و أوى ) ‪ ،‬وتجلى اليقين ‪ ،‬وأفضت القلوب إلى حقائق‬
‫اإليمان » ‪.‬‬

‫وربما كان أهم وأخطر ما تضمنه هذه المقدمة هو الجزء األخير منهـا‬
‫حيث يلمح أوال ثم يصرح ثانيا ً بأن طريقة التفكير واالعتبار هذه ـ إلى‬
‫جانب اتفاقها مع الدين فيما تؤول إليه ‪ -‬هي أمر واجب ال يتحقق كمال‬
‫اإليمان بدونه ‪ ،‬وهي نتيجة إثارة بقيت من طريقة النبي ابراهيم من النظر‬

‫في الملكوت ‪.‬‬


‫ثم انتقل إلى توضيح ماقاله بالمثال ‪ :‬مع أنه إلى جانب ذلك ‪ ،‬يذكر أن‬
‫لتأكيد هذا أمثلة كثيرة‪ ،‬بيد أنه اقتصر على واحد‪ ،‬يوضح فيه كيف يمكن‬
‫لإلنسان ‪ ،‬عن طريق المالحظة والتأمل فيما هو محسوس ومعلوم ‪ ،‬أن‬
‫ينتقل إلى ما هو مجهول من حقائق ومبادى‪ ، .‬تتفق في نهاياتها مع الحقائق‬
‫الدينية ‪ .‬ويجب أال ننسى أن هدف هذا المفكر كما هو واضح ـ أن يثبت‬
‫قاعدة التفكير ‪ ،‬وأن يكسبها قداسة دينية كخطوة تمهيدية لتقبل ما تنتجه هذه‬
‫الطريقة من فلسفات ومذاهب ‪ ،‬وال داعى ألن تهم هذا المفكر بسوء النية ‪،‬‬
‫وال نملك نحن مبررات هذا االتهام من خالل هذه الرسالة فقط ‪ .‬فما يريد‬
‫إثباته في هذه الرسالة يمكن أن يستفاد غير تكلف من اآليات القرآنية‬
‫الصريحة التي يطلب فيها إلى اإلنسان أن يتأمل ويعيد النظر في صنع هللا ‪،‬‬
‫ليعلم بحق مقدار إتقانه وإحكامه ‪ ،‬مثل اآلية ‪ ( :‬فاعتبروا يا أولى األبصار ‪،‬‬
‫‪ ،‬واآلية ‪ :‬و أفال ينظرون إلى اإلبل كيف خلقت ‪ ،‬و إلى السماء كيف رفعت‬
‫‪ ،‬وإلى‬

‫كما أننا نالحظ أن هذا المفكر يصرح في آخر الرسالة بأن الطريقة‬
‫التي شرحها وضرب مثاال لكيفية تطبيقها ‪ ،‬هي الطريقة التي ابتغاها‬
‫الفالسفة ‪ -‬يصفهم في هذا المقام بأنهم متنطعون ‪ -‬بغير نية مستقيمة‬
‫فأخطأوها و تاهوا في ترهات ال نور فيها ‪.‬‬

‫واآلن نرى أن من الخير االنتقال إلى عرض المثال الذي أوضح فيه‬
‫هذا المفكر طريقة التطبيق ‪ ،‬التي رآها مناسبة ومفضية إلى النتائج المتفقة‬

‫مع حقائق الدين ومبادئه العليا ‪ .‬عرض هذا المثال كنموذج حي‬
‫لالستدالل الذي ال تنقصه الثقافة الفلسفية في هذا "مصر ‪ ،‬كما ال ينقصه‬
‫الوضوح وجمال التعبير ودقته ‪ ،‬وفيه يتجلى لنا كيف يمكن اإلنسان أن‬
‫ينتقل من النظر في العالم الحسي مبتدئا ً بأجزائه السفلى ‪ --‬إلى األعلى حتى‬
‫يصل إلى حقيقة األلوهية ‪ ،‬وليس هذا فحسب‪ ،‬بل يصل أيضا ً إلى صفاتـ‬
‫إيجابية‬

‫لهذه األلوهية كما سنبين ذلك فيما بعد ‪.‬‬


‫وكنقطة بدء في المثال يمكن لإلنسان أن يختار موضعا ً لتأمله أو نظاره‬
‫واحدا أو أكثر من أنواع الموجودات الثالثة الحيوان أو النبات أو‬
‫الموات ( الجماد أو المادة ) فإذا نظر إلى النبات مثال وجده عوداً مواتا ً ال‬
‫حياة فيه ولكنه يحمد الغذاء يندفع فيه من أسفل إلى أعلى‪ ،‬وموزعا على‬
‫أقسام ال يتعداها مع الضروب المختلفة لهذه األجزاء عود وقشر وورقة و‬
‫نوارة وثمرة ونواة ‪ ...‬الخ وإذا علم أن طبيعة الماء تتحرك إلى أسفل مع أنه‬
‫يرى الغذاء يصعد فمعنى ذلك أن هذا الصعود يصدر عن طبيعة الماء‬
‫وليس من المناصر ما تتحرك طبيعته إلى أعلى إال النار مما يمكن أن ينسب‬
‫إليها حركة الرفع ولكن هذا التفسير ال يكفي إذ أن الماء والنار ليس من‬
‫طبيعتهما التقسيم والتفصيل على النحو الذي نراه دقيقا في النبات من حيث‬
‫الشكل والطعم والرائحة وال يكفى أيضا ً لتفسيرهذا أن تضم سائر العناصر‬
‫من هواء وتراب ‪ ،‬التحاد ذلك في كل نبات ‪ ،‬مع تباين هذا األخير وتعدد‬
‫صفوفه ‪.‬‬

‫ثم إن هذه العناصر جميعا ً تعتبر أضدادا ال تأتلف من قبل أنفسها ‪ ،‬بل‬
‫لها من مؤلف بردها بقوته إلى ما هو خالف طبيعتها ـ من التنافر‬

‫إلى التآلف‬

‫هذه القوة المؤلفة يجب أال تكون محصورة بأية طبيعة من طبائع هذه‬
‫العناصر األربعة ‪ .‬وإال لما أمكن تفسير التنوع والتشكل المتعدد األلوان‬

‫في النبات وباختصار ‪ ،‬يجب أن يكون المؤلف قوة أكبر من الطبيعة ‪.‬‬
‫و ترتقى همة الباحث إلى أعلى ‪ ،‬باحثة عن هذه القوة وربما وجدها في‬
‫السماء األولى اهلها تكون منتهى هذه الطبائع األربع ‪ ،‬ولكن سرعان ما‬
‫يقوده البحث إلى أن هناك سموات أخرى تشهد لها األفالك والكواكب‬
‫الكثيرة‬

‫مسخرة ‪ ،‬فيلزمها من المحدودية واالنقياد ما لزم ما تحتها من نبات‬

‫األرض ‪.‬‬

‫و هكذا يصور لنا المفكر أن الباحث ما يزال يجوب أسفل العالم‪ ،‬باحثا ً‬
‫عن مصدر هذا التدبير والتسخير ‪ ،‬ناشداً إياه تارة في النفس‬
‫الحيوانية ‪ ،‬المتصرفة ذات السمع والبصر والحركة والفهم ‪ ،‬وتطرق به‬
‫البحث إلى عالم النفس الذي لم يكن كافيا ً في تفسير هذه الظواهر ‪ ،‬رغم ما‬
‫يتمتع به هذا العالم من سمو وإحاطة ؛ وذلك للسبب البسيط ‪ ،‬وهو خضوع‬
‫هذا العالم‬

‫نفسه للقهر والتصرف من مبدأ غيره ‪.‬‬

‫وما يزال هذا المفكر يحلق بنا في أجواء من االستدالل الساعه إلى قة‬
‫الرجود مسجال مالحظاته على ما يعتور النفس اإلنسانية ضعف‬
‫وشيخوخه ؛ وتحطم أحيانا لمفارقتها البدن ومنتهيا إلى أن عالم النفس ‪،‬‬
‫رغم سموه وروعته ‪ ،‬يصلح أن يكون تفسيراً لمظاهر التدبير واالنسجام في‬
‫واحد ـ سائر األجزاء من العالم ويتابع هذا المفكر ندرجه إلى أعلى بطريقة‬
‫تفصيلية المحل لعرضها اآلن حتى يصل إلى أسمى ما يمكن أن يخاله الفكر‬
‫اإلنساني مصدرا لمثل هذا التدبير وهو الجانب العقلي الذي يتمتع بطا‬
‫هامين هما الشمول واإلحاطة والصفاءـ الالمادي والبساطة‪ .‬ومع ذلك يثبت‬
‫الفحص والتحليل أن هذا المبدأ هو اآلخر ال يصلح أن يكون السيد المهيمين‬
‫المطلق ألنه لم ينج هو نفسه من كو نه خاضعاـ لمؤثرات‬

‫خارجية تعلو عليه ويعلو عليها‬

‫وتنتهي بنا الرحلة العاويلة الشاقة التي يصطحبنا فيها هذا المفكر ‪،‬‬
‫والتي تثير من التعليقاتـ واألسئلة ما يضيق عنه صدر هذه المحاضراتـ ‪-‬‬
‫تنتهى بنا هذه الرحلة إلى الوصول إلى مبدأ متعال ‪ ،‬ال مثال له ‪ ،‬وال نهاية‬
‫له ‪ ،‬وال بدء له ‪ ،‬وال جزء له ‪ ،‬وال غاية له ‪ . . .‬فتعالى هذا الملك األعلى‬
‫وأهم نقطة في هذا الصدد في المحاولة اللبنة هذا المهكر في أن يسمع‬

‫الخصائص الفلسفية التي تعودنا أن يحدها في هذا المبدأ األعلى باال‬


‫الدينية المحضة ‪ ،‬باستعمال الصفات التقلية التي سجلها كتابنا المقدس والتى‬
‫أفاض فيها علماء المسلمين حمل مثال أنه بدل أن يقول من هذا المبدأ أنه «‬
‫العلة األولى‪ ،‬أو والمحرك األولى راء يقول هو األول واآلخر ‪ ...‬الخ‬

‫وأوجر جملة تعبر عن خالصة نتائجه في هذا الشأن مع جمال التعبير‬


‫قوله ‪ « :‬فقام الوجود به اضطراراً في حسن النقل مع عدم المثال والجنس‬

You might also like