Professional Documents
Culture Documents
Translated by
Dar al-Nicosia
Dar al-Nicosia Educational Resources
Series: Key Readings in Kalām Texts
Author: Saʿīd Fūdah
Text: al-Sharḥ al-kabīr ʿalā al-ʿaqīda al-Ṭaḥāwiyya
Original Language: Arabic
Section: ‘On the Fundamentals of the Religion’,
‘The Science of Kalām’
Number of pages: 53
Translator: Safaruk Zaman Chowdhury
Electronic copy published: 2020
www.islamicanalytictheology.org
Info@islamicanalytictheology.org
Cite as: < Fūdah, Saʿīd. 2020. ‘On The Science of Kalām’. From The Great
Commentary (al-Sharḥ al-Kabīr ʿalā al-ʿAqīda al-Ṭaḥāwiyya). tr. S. Z.
Chowdhury. London: Dar al-Nicosia Publications >
The cover image is from the inside cover page of the printed edition of al-
2
5
Page
Saʿīd Fūdah and Rational Theology
فيلزمنا -ل حماةل -أن نعرف أن لنا ر ًاب أم ل ؟ وإان اكن فهل ميكن أن
يكون حي ًا متلكامً حَّت يأمر ويهنىى ويلكف ويبعث الرسل ؟ وإان اكن
متلكامً فهل هو قادر عىل أن يرعاقب ويشيب اإذا عصيناه أو أطعناه؟
وإاذا اكن قادراً فهل هذا الشخص اذلي أخربان بذكل (الرسول) صادق
يف قوهل :أان الرسول اإليمك؟ فاإذا اتضح لنا ذكل ،لزمنا -ل حماةل اإن كنا
16
Page
1أخرج الطربي يف تفسريه من حديث ابن عباس ريض هللا عهنا . . . ،)٥٥٦-٥٥٥:١٧( ،قال
رسول هللا ﷺ :ما يب ما تقولون ،ما جئتمك مبا جئتمك به أطلب أمو المك ،ول الرشف فيمك ول املكل
عليمك؛ ولكن هللا يبعثين اإليمك رسولً وأنزل عيل كتا ًاب ،وأمرين أن أكون لمك بشرياً ونذيراً ،فبلغتمك
رساةل ريب ،ونصحت لمك . ..
عقالء تعمل مبقتىض عقولنا ل مبقتىض أوهامنا وشهواتنا كسائر احليواانت
-أن نأخذ حذران وننظر لنفس نا ،وتس تحقر هذه ادلنيا املنقرضة
ابلإضافة اإىل الآخرة الباقية ،فالعاقل من ينظر العاقبته ،ول يغرت
بعاجلته.
و مقصود هذا العمل هو اإقامة الربهان عىل وجود الرب تعاىل وصفاته
وأفعاهل وصدق الرسل ،ولك ذكل همم ل حميص للعاقل عنه.
أمهية اخلوض يف عمل التوحيد أو أصول ادلين أو الالكم
ملا اكن هذا العمل قد حددت مسائهل وموضوعه بتحديد غايته ووسائهل،
فال بد أن يكون اخلوض فيه وتعرف مسائهل ليس عام ًا امجليع الناس
بل يكون خمتص ًا ببعضهم ،وهذا المر ليس بدع ًا لعمل الالكم من بني
سائر العلوم ،فلك عمل من العلوم هو كذكل ،فالفقه مث ًال ل بد أن
خيوض فيه البعض خوض تفصيل وإاتقان املسائهل وحترير ادللئهل ،ول
ميكن أن توجب حتقيق الفقه عىل لك الناس ،وكذكل عمل التفسري،
وسائر العلوم ادلينية ،بل اإن هذه القاعدة تنسحب أيض ًا عىل العلوم
ادلنيوية ،ول يشذ عهنا عمل من العلوم.
ويظن بعض الناظرين أن احلمك بأن عمل الالكم واجب عىل الكفاية ل
عىل الفرض اإمنا هو أمر خاص بعمل الالكم وحده ،ول يشرتك معه فيه
غريه! وهذا غري حصيح كام بيناه كل؛ فالعلوم حيتاج عامة الناس اإىل
مسائل مهنا ،أما معرفة أصولها وتفريعاهتا وكيفية انبناء الفروع عىل
17
Page
الصول ،وعىل ماذا تنبين هذه الصول؟ فاإن هذه المور -للكيهتا
وصعوبة الوصول اإلهيا عىل كثري من الناس -فاإهنم ل حيتاجوهنا احتياج ًا
مبارشاً ،بل يكفهيم أن حيصل العمل هبا بعضهم ،فتقوم هبم الكفاية عن
الآخرين ،أو اإن الحص أن نقول :اإن الناس ل يشعرون ابلحتياج اإلهيا
مبارشة ،بل يشعرون ابلحتياج املبارش اإىل املسائل الفرعية املبنية عىل
هذه الصول ،أما يه فال ،اإل اإن علموا أهنا ل تنبين ول يصح القول
هبا اإل عىل تكل الصول.
اإذن ،ل يصح أن يقال :اإن الناس ل حيتاجون هذه الصول وحيتاجون
تكل الفروع ،فهذا القول حيتوي عىل تناقض ؛ لن الفروع مبنية عىل
الصول ،ل يصح القول مع بعض حيطة علمت مما بيناه قبل -بذكل
اإل اإن أريد :أهنم ل حيتاجوهنا ابتداء ،وذلاهتا ،بل ملا يبىن علهيا من
الفروع ،وهذا هو ما جيب أن يفهم من قول من قال :اإن عمل الالكم ل
حيتاجه العامة ،أي :اإهنم ل حيتاجونه مبارشة من حيث هو اس تدلل
عىل العقائد؛ لهنم اإمنا حيتاجون العقائد ذلاهتا ،والدةل للتوصل هبا اإلهيا.
وكذكل يقال يف عمل الفقه ،فال جيوز القول :اإن الناس لكهم جيب أن
يكونوا فقهاء ،بل الفقهاء دامئ ًا مه البعض القل ،ولكن من هذا البعض
ينترش نور الفقه اإىل العامة ،وبنا ًء عىل تعلاميهتم وفهمهم للحاكم
الإسالمية يتحرك العامة يف حياهتم ادلنيا.
وهذا هو احلال يف أي عمل من العلوم ادلنيوية ،فالطب مث ًال ل جيوز
أن يقال فيه :اإن امجليع جيب أن يتعلموه ،بل الواجب أن يتعلمه البعض؛
18
Page
لن الطب -كسائر العلوم -أهل يكفي أن يتعمل اس تعاملها البعض ،مث
يطبقوهنا عىل البقية ،ول ميكن لواحد عاقل أن ينكر مدى احتياج
الناس اإىل الطباء ،فهم عىل قةل عددمه ابلنس بة اإىل عامة البرش،
حيتاهجم امجليع ،مبعىن أن امجليع ميكن أن حيتاهجم يف حلظة زمانية لعالج
من مرض يطرأ عىل أي فرد.
وكذكل يقال يف الرايضيات والطبيعيات (الفزيايء) وغريها من العلوم،
وهذه القاعدة عامة يف العلوم لكها.
واملعىن نفسه يقال يف عمل الالكم ،بل اإن ظهور هذا املعىن يف الالكم
أشد وأقوى من ظهوره يف غريه؛ لن العلوم لكها تنبين عليه وتس متد
مبادهئا منه؛ لنه عمل ابحث يف أصول املعلومات لكها ليبين الحاكم
ادلينية اليقينية علهيا ،ويظهر التطابق بني ادلين وبني الوجود يف ذاته.
ومعلوم أن ادلين يعطي أحاكم ًا يف خمتلف نوايح احلياة ،ول خترج
جزئية عنه ،ولك هذه الحاكم ل تصح اإن مل تكن العقيدة اليت بين
علهيا ادلين حصيحة ،واذلي يبني حصة هذه العقيدة اإمنا هو عمل الالكم
ل غري ،وذلكل فاإن الالكم أصل العلوم عىل الإطالق ،هذا عند من
عمل حقيقته ،أم عند اذلين غلبت عىل أنفسهم تصورات عنه منافية هل،
فهم ينكرون ما هجلوه ،ل لعدم ثبوته يف نفسه ،بل لنتفاء علمهم بثبوته
يف نفس المر !
19
Page
ومن هنا فاإننا نقول :اإن احلاجة اإىل عمل الالكم من البرش عامة يه
الصل اذلي جيب أن يكون معلوم ًا عند العلامء؛ لن سائر المور
ادلينية تنبين عىل ذكل ،واذلي يقدح من الناس يف هذه احلقيقة الثابتة
يف نفسها ،فاإنه ل شك س يواجه تناقضات يف حياته ويف فكره ل
يس تطيع حلها ول حتليلها حتلي ًال حصيح ًا ،وابلتايل فاإن مهنجه ل إالصالح
س يظل انقص ًا لنقصان نظرته اإىل أصل الوجود.
وما دمنا قد ش هبنا املتلكم ابلطبيب وغريه من هذه اجلهة ،وهذا التشبيه
اإمنا أردان به تقوية العمل ابحتياج الناس اإىل املتلكم ،ونفي لزوم تعمل مجيع
الناس لعمل الالكم فيجب أن يعرف الناظر أن الناس يتفاوتون يف
احتياهجم اإىل الالكم ،كام يتفاوتون يف احتياهجم اإىل الطباء لتفاوت
أمراضهم وذلكل فاإن املتلكم يلزمه أن يس تعمل مع لك واحد مهنم أسلو ًاب
يليق به ،وإاذا اكنت أدوية الطبيب يه الرتكيبات الكاميوية والعشبية
والطبيعية ،فاإن أدوية املتلكم يه لك معلوم من شأنه تعلمي وتعريف
املريض ابلغلط اذلي وقع فيه ،فاإن صلحت املوعظة احلس نة مع واحد
رمبا ل يصلح أآخر اإل اجلدال والنقاش ،ومع اثلث رمبا ل يفيد اإل البيان
الصحيح اجملرد عن اجلدل وعن املواعظ وهو الالكم ابحلمكة ،ومراتب
ذكل تتفاوت تفاو ًات ل ياكد ينضبط.
فبعض الناس رمبا يعتقدون ابدلين والعقائد الصحيحة من أول سامعهم
ملا يلقى اإلهيم منه ،ويبني هلم بعض البيان ،وذكل بسبب متابعة الهل،
أو الوادلين ،أو املعمل أو اطمئنان لنفسه خاص ،أو غري ذكل ،فاإن
20
Page
اكتفى هذا املعتقد هبذا القدر ،ومل يكن طالب ًا للتعمل والرتيق اإىل مراتب
عليا يف العلوم واملعارف ،واكن منشغ ًال ابلوظائف ادلنيوية من الشغل
والتقاط الرزق ،فينبغي أن يرتك عىل ما هو عليه ،ول تثار عقائده
ابإلقاء التشكياكت وإايراد الش به علهيا ،ول يلفت نظره اإىل الرباهني اليت
رمبا تصعب عليه ،أو تكون سبب ًا يف اإاثرة الشك يف نفسه.
وأما من اعتقدوا احلق تقليداً ،واكنوا متصفني بيشء من التنبه والتفكري،
حبيث اإن حركة فكرمه يف املوجودات واملعلومات يف أنفسهم أدّت اإىل
اإاثرة بعض الش به فهيا ،فهؤلء ل ينبغي أن يسكت عهنم ،بل جيب أن
يرعلموا ابحلمكة ويرعطوا من الرباهني بقدر ما فيه صالح أحواهلم ،ول
يزاد معهم من التدقيقات العقلية والنقلية اإل ابلقدر الالئق هبم وحباهلم،
وإان أمكن الرتيق هبم ودفع نفوسهم اإىل التأمل الصادق والتاكمل يف
العلوم فال ريب أن ذكل يكون أحسن.
وطائفة من الناس مالوا اإىل الباطل سواءاً اكن كفراً رصحي ًا أو بدعة
جامدة بسبب تقليد ،أو حمبة ملن هو معتقد هبا ،أو غري ذكل؛ كن
توافق ما عليه الواحد من اجلهل والتعلق النفيس الباطل ابلقضااي،
وأغلقوا علهيا نفوسهم ،ومل يطلبوا غريها ،بل تعصبوا ملا مه عليه ،ونفروا
من غريه ،فهؤلء قلي ًال ما جيدي احلوار معهم ،وغالب ًا ما يزيدمه تعصب ًا
ومقت ًا للمخالف ،فهؤلء ترض هبم املعارف والعلوم كام ترض أشعة
الشمس ابخلفاش !
21
Page
والإنسان -عىل وجه العموم -اإذا اندفع وراء نفسه وشهواته ،فاإنه
يتعصب لول فكرة متيل اإلهيا نفسه ،وقليل من الناس من يرساوون
بني الفاكر واملعارف من حيث زمان معرفة النفس لها ،فأغلب الناس
عندما يرتبطون بفكرة ،فاإهنم يعتقدون هبا ملا يظنونه من أهنم حيققون
ذواهتم وحيصلون عىل أقوى مراتب وجودمه اإذا متسكوا هبا ،وذلكل
فأنت عندما تواهجهم ابإبطال هذه الفاكر ،فاإهنم ل يفهمون هذا المر
عىل أنه مناقشة وحماوةل ملعرفة احلق وإابطال الباطل ،أو التعرف عىل
احلقائق من حيث ما يه يه ،بل يتومهون أنك اإمنا تريد اإفناء ذواهتم؛
لهنم ربطوا وجودمه هبذه الفكرة ،وصارت جزءاً من نفوسهم ،فأنت
عندما تبطلها هلم ،وتفي .حقيهتا يف الوجود ،فهذا يساوي عندمه أن
تريد قتلهم واس تالب احلياة من أجسادمه! ولهذا فاإهنم ل بد أن
يعارضوك ،ولن يسلموا كل ابلسهوةل اليت رمبا ينتظرها كثري من الغافلني
عن هذه احلقيقة.
ومن هنا فاإن ادلاعي اإىل فكرة معينة ل بد هل أن يعرف هذا المر،
ويعتربه عندما خيالط الناس ،ول بد هل من دراسة أوضاعهم حَّت ميكنه
التغلغل اإىل نفوسهم ،وحماوةل اإفناء هذا الاعتقاد الاكمن فهيا ،وإافهاهمم
أن الكامل احلقيقي اإمنا يكون ابعتقاد الحاكم الصحيح عن الوجود ،ل
اخلاطئة واخملالفة هل ،وابلتدرجي رمبا يمتكن من تغيري مواقفهم .وعىل لك
الحوال ،فاإن عىل ادلاعي أن ينتبه اإىل هذه الظاهرة اليت يسمهيا العلامء
ابلتعصب ،والتقليد ،وأن يعرف أن التعصب والتقليد ليس مذموم ًا
مطلق ًا ذلاته ،وإال لاكن لك تعصب مذموم ًا ،وليس المر كذكل ،اإذا
22
Page
أريد ابلتعصب المتسك ابلفكرة؛ لن المتسك ابلفكرة الصحيحة محمود،
اإذن فليس لك تعصب مذموم ًا ،وذلكل فال ينبغي لدلاعي أن خياطب
الإنسان من هذا اجلانب ،بل عليه أن يلفت نظره اإىل أن الساس
اذلي بىن عليه هذا التقليد والتعصب ليس حصيح ًا ،وابلتايل فال حيسن
هل هذا الفعل ،فيكون الساس المه ل اإىل جمرد متسك الفرد ابلفكرة
أو العقيدة ،بل هو ادلليل والساس اذلي بىن عليه ذاك الإنسان
عقيدته ومتسك هبا .فاإذا أمكن أن هتر نفس الإنسان ليعيد النظر يف
ذكل الساس ،فاإنك تكون قد قطعت خطوة هممة يف مساعدته عىل
الاهتداء .وبيان عدم حصة احلمك اذلي يبين عليه املرء نفسه ،يكون
بأساليب ووسائل خمتلفة ،بعضها عقلية حمضة ،وبعضها نفس ية أو
عادية ،وهكذا.
واخلالصة :اإن الإنسان اذلي تواهجه هو -يف عينه ويف نفس الوقت -
املشلكة اليت :جيب عليك حلها ،ومعلوم أن املشالكت ل رحت ُّل لكُّها
بنفس ) السلوب ،وذلكل فاإن خماطبة الناس ل جيوز أن تكون بنفس
السلوب امجليعهم ،فاإن هذا يكون تزني ًال للحمك يف غري حمهل ،وهذا
معارض للحمكة ،وهو قبيح! بل الواجب عىل ادلاعي أن يعرف
السلوب املناسب للشخص اذلي خياطبه ،فيس تعمهل .ومعلوم أن هذا
التقدير والتزنيل ل يقدر عليه لك أحد ،وهذا رم َس ىمل ،وذلكل فاإن
واجب ادلعوة ل جيوز أن يكون عين ًا عىل لك أحد ،وبلك الحاكم.
23
Page
بل التحقيق يف هذا أن نقول :اإن ادلعوة لها أطراف :الول :ادلاعي،
والثاين :املدعو ،والثالث :احلمك املدعو اإليه ،والرابع :الفعل ا نتلكم عن
ادلعوة فيجب أن نالحظ هذه الطراف لكها .اذلي هو ادلعوة.
فادلاعي جيب أن يكون عامل ًا مبا يدعو اإليه ،حكاميً يف توجيه الالكم اإىل
املدعو ،عارف ًا ابلتأثريات الالكمية عىل النفس الإنسانية ،مقدراً للعواقب
اليت ميكن أن ينحرف اإلهيا املدعو نتيجة املؤثرات الزمانية والعواطف
النفسانية.
واملدعو ل بد أن يكون يف حال تؤههل لفهم ادلعوة ،فال جيوز أن يكون
صبي ًا غراً أو غبي ًا أو جمنو ًان ،ول بد أن يكون ملكف ًا.
وأما ادلعوة -ويه :الفعل الإضايف احلاصل بني ادلاعي واملدعو -فال
بد أن تكون مناس بة للمدعو من حيث كوهنا مؤثرة به سائقة هل اإىل
الغاية من ادلعوة ،وذكل أن ادلعوة فعل ،ولك فعل اإنساين ل بد أن
يكون هل غاية ،فاإذا مل يكن الفعل مناس ب ًا للغاية اليت صدر من أجلها،
فالفعل عبارة عن عبث ل فائدة فيه ،ول مصلحة ترىج منه.
وأما املدعو اإليه فيجب أن يكون حمل خالف؛ اإذ ل جيوز أن يدعو
الواحد غريه اإىل ما هام متفقان عليه ،وعامالن من أجهل ،أو يكون حمل
غيبة عن اذلهن ،أو أن الناس قد ختلفوا عن العمل من أجل حتقيقه،
أو غري ذكل .
24
Page
مث اإن املدعو ،قد يكون نبهي ًا ،وقد يكون أمحق ،وقد يكون عنده بعض
املعارف والعلوم ،وقد يكون جاه ًال ،وقد يكون متعصب ًا ،أو عادلً
منصف ًا ،وأحواهل عديدة ،وهذه ل بد أن يراعهيا ادلاعي عند اإجراء
دعوته.
وهكذا يقال عن اجملادةل واملناظرة ،فهام أمران مطلوابن ،ولكن لك
واحد هل أحاكمه وقوانينه ،واحلكمي هو من يزنل لك هذا مزنهل ول
يتعدى به عنه.
فالتحقيق اإذن :أن املتلكم ل بدهل من معرفة النفس الإنسانية ،أي:
معرفة ما رحيركها وما يبقهيا خامدة ،ومعرفة ما يؤثر فهيا فيدفعها اإىل القيام
ابلفعل املعني أو الصدود عنه.
ول بد للمتلكم من أن يراعي ذكل لكه ويدرسه دراسة حتقيقية خالصة،
ويس تكشف قوانينه؛ لتكون أسلحة هل متكنه من التفاعل مع الناس
ابلصورة املؤثرة يف حتصيل الهدف املنظور اإليه .لك ذكل من صلب
وظيفة املتلكم.
ول جيوز لواحد من الناس أن يظن أن املتلكم ل شغل هل اإل يف الدةل
العقلية اخلالصة ،والاس تدللت املنطقية اجلامدة ،بل اإن وظيفته
وميدان معهل أبعد من ذكل ،اإىل املدى اذلي أرشان اإىل أطرافه فامي
س بق.
25
Page
فاإن موضوع الالكم هو لك معلوم من شأنه أن يكون دافع ًا لتأكيد
القضااي العقائدية والحاكم ادلينية ،فكام أن املتلكم ل بد هل من دراسة
الطبائع الكونية يف الرض ويف السامء ،فكذكل ل بد هل من اخلوض يف
غامر النفس الإنسانية ليك يتعرف اإىل أطوارها وحقائقها؛ ليمتكن من
الكشف عام يؤثر فهيا من أدةل وبراهني أو أساليب ولهذا فاإن عمل الالكم
هو س يد العلوم ،واملتلكم هو احلامك عىل سائر العلامء.
بيان بطالن ادلم لعمل الالكم
وقد ادعى بعض اذلين تلكموا يف هذا العمل ،أن السلف دموا البحث
فيه ،واحتجوا مبا ورد عن بعضهم؛ كيب يوسف من قوهل لبرش املرييس:
العمل ابلالكم هو اجلهل ،واجلهل ابلالكم هو العمل .وعنه أيض ًا أنه قال:
من طلب العمل ابلالكم تزندق ومن طلب املال ابلكميياء أفلس ،ومن
طلب غريب احلديث كذب.
وحنو ما روي عن الشافعي :حمكي يف أهل الالكم أن يرضبوا ابجلريد
والنعال ويطاف هبم يف العشائر والقبائل ويقال :هذا جزاء من ترك
الكتاب والس نة وأقبل عىل الالكم2.
26
Page
2وقد تعلق ابن أيب العز -التابع لبن تميية املروج لفاكره اخملالف لكثري مما يف العقيدة الطحاوية -
بنحو هذه القوال ،يف ذم عمل الالكم .وميكن للمهمت مبعرفة التفاصيل لهذه القوال الصادرة عن بعض
املتقدمني ومناقش هتا أن يرجع اإىل كتاب تدعمي املنطق ،فقد حبثت يف القسم الثاين منه مجةل وافية
مهنا ،ومقت بتحليلها بقدر اكف ،وكذكل فلريجع من أراد الاسزتادة اإىل كتايب موقف الإمام الغزايل
من عمل الالكم ،فقد بينت فيه هجات كثرية تتعلق هبذا املبحث.
واحلق أن عمل الالكم -كام وحضناه -واجب وجوب كفاية عىل
املسلمني ،فال بد من وجود من يقوم بكفاية املسلمني يف هذا اجلانب.
وأما ما ورد عن بعض السلف من اذلم عليه ،مفا قاهل أبو يوسف فاإهنا
وهجه اإىل بعض املتلكمني اذلين اش هتروا خبالفهم لهل الس نة ،وهو
برش املرييس ،ومل يذم مطلق عمل الالكم ،فيكون ذمه للالكم خاص ًا
ابلالكم اذلي عىل شألكة الكم املرييس ،أي :الالكم اخملالف لهل
احلق .وهذا ادلم حصيح اإذا تو ّجه عىل اخملالفني.
وكذكل نقول يف ما ورد عن الإمام الشافعي ،ويدل عىل ما فهمناه منه
تعليهل احلمك اذلي حمك به عىل أهل الالكم بقوهل :هذا جزاء من ترك
الكتاب والس نة ...اإخل ،فيكون ترك الكتاب والس نة هو السبب يف
اذلم الصادر عن الإمام الشافعي ،فاإن حتقق لنا أن بعض املتلكمني من
أهل الس نة اإمنا حبثوا يف هذا العمل ممتسكني مبا قامت عليه الدةل من
الكتاب والس نة ،فال يتوجه عىل هؤلء أي دم قطع ًا.
وأيض ًا ،فاإمنا ورد هذا اذلم عىل بعض املتلكمني يف زمان معني ،فال
يصح تعممي ادلم عىل لك زمان ،وذكل لن ادلم اإذا وقع عىل بعض
املتلكمني يف زمان معني ،فيحمتل أن يكون سببه أصل عمل الالكم
ومفهومه ،من حيث هو الاس تدلل عىل العقائد الإميانية ،ابلدةل
املقبوةل ،وحيمتل أن يكون متعلقا ببعض من اس تغل بعمل الالكم ،فأخطأ
السبيل وملا اكن هذا املش تغل اخملطئ مشهوراً يف ذكل الزمان علق
اذلم مبن اش تغل بعمل الالكم ،لتبادر هذا اخملطئ اإىل الذهان عند
27
Page
الإطالق ،فهذا ن هام الاحامتلن املمكنان لتفسري اذلم ،وإاذا نظران اإىل
السبب الول ،فال جيوز أن جنعهل مصحح ًا لذلم ،لن عمل الالكم هبذا
املفهوم عمل واجب عىل الكفاية ،ول أحد يس تطيع ردّه ول ذمه ،سواء
اكن من املتقدمني أو اكن من املتأخرين ،ومن ذمه قاصدا هذا املعنني
قدمه مردود عليه اكئنا من اكن ،ويس تحيل أن يكون العالم من
السلف أرادوا هذا املعىن ومه يرون أآايت القرأآن تدفع مهم الناس لتأييد
أراكن ادلين عقائد وفروع ًا ابلدةل املقنعة الباعثة عىل الطمأنينة والثقة
هبا ،وذلكل وجب أن حنملها عىل أهنم أ أرادوا ذم طائفة طا معينة
اش تغلوا بعمل الالكم ،وأخطأوا .وإاذا اكن هذا هو الواقع ،فال يصح
تعممي ذهمم لهذه الطائفة ،أو لهؤلء املتلكمني بأعياهنم ،اإىل أصل عمل
الالكم ،فض ًال عن تعممي اذلم عىل سائر املتلكمني ،فهذا التعممي يكون
عندئذ جمرد مغالطة مردودة.
مث نقول :كام ورد عن بعض العلامء ادلم يف عمل الالكم ،وإان اكن ابملعىن
اذلي وحضناه ،اإل أن غريمه من العلامء مدح عمل الالكم واعتربه عمل
أصول ادلين 3وقال :اإنه فرض كفاية عىل املسلمني.
فكيف جيوز أن نطلق احلمك بذم عمل الالكم ،وحنن نعرف أن بعض
العلامء مدحوه؟ وهذا أقل ما ميكن أن نقوهل يف هذا املقام .واحلقيقة أان
اإذا قس نا من أطلق احلمك مبدح هذا العمل مبن أطلق القول بذمه عرب
العصور ،لقلنا بلك ثقة اإن النس بة الغالية يه اليت مدحته وأقرت
28
Page
العلوم مع أدةل عامة اإن لزم ،وإاذا رؤي واحد مهنم ينقر ويبحث مفا ل
Page
4وهناك فرق بني فرض الشك ،وبني الشك ابلفعل ،كام يدرك ابلتأمل.
فيحسن ابلس تاذ أن يرشد الطالب، ول وقت هل دليه،سبيل هل اإليه
فالتعمق، وترك فضول العمل،ملا فيه مصلحته من الاهامتم ابلعمل النافع هل
أما ابلنس بة،يف املسائل الدةل لعامة الناس من فضول العمل يف حقهم
وهذا هو. فهو واجب علهيم،لطالب ذكل العمل املتعمقني ادلارسني
حاصل مراد الإمام الغزايل من اإطالقه قولته الشهرية اإجلام العوام عن
ول يراد، اإذا فهمت عىل وهجها،عمل الالكم فهىي قاعدة مهنجية سديدة
، كام تومه بعض املغرضني،مهنا أقفال أبواب العمل واملعرفة أمام الناس
.بل املراد اإرشادمه اإىل الطريق الصحيح يف حقهم
.وسوف نتلكم عىل هذا املعىن يف حمل أآخر من هذا الكتاب
5
Sharḥ al-mawāqif, p. 66 and what follows.
to their certitude, not because they are among the
fundamentals of the religion, like prayer and fasting. Whoever
denies them, undoubtedly disbelieves, despite them being
among the branches of religion, i.e., the practical matters
discussed in the subject of positive law (fiqh), but because their
ruling is definitive without any doubt in their attribution to the
true religion. Thus, disbelief results from their denial because it
is definitively certain, not because they are from the
fundamentals of the religion. In this context, according to Imām
al-Ṭaḥāwī, ‘the fundamentals of the religion’ is synonymous
with ‘beliefs’; whereas the ‘branches of the religion’ equate to
practical matters.
[A Possible Objection]
in others.
Therefore, this science is not suitable for study by majority
of the people; because they do not ascend to such levels, nor can
they undertake precise examination and research. If they
venture into it, they may mix the bad with the good, or they may
be tainted with corruptions, possibly exploiting the inherent
power in these knowledges to increase their misdeeds and
strengthen them in the eyes of the naïve.
For this reason, this science, like others, has levels in terms
of teaching it to people. Discussion on this will follow in its
appropriate place, inshā’allāh.
6
al-Ṭabarī narrated in his Tafsīr from the ḥadīth of Ibn ʿAbbas, may Allah be
pleased with them both, (17:555-556), . . . The Prophet ﷺsaid: “What you say
does not affect me. I did not come to you seeking your wealth, nor to attain
honour among you, nor to rule over you; but Allah sent me to you as a
messenger and revealed a book to me, and He commanded me to be a
bringer of good tidings and a warner to you. So, I have conveyed to you the
message of my Lord and advised you sincerely.”
are rational beings acting according to our intellects and not
according to our whims and desires like other animals - to take
caution, look out for ourselves, and deem this fleeting world
insignificant compared to the everlasting hereafter. The wise are
those who consider their end and are not deceived by what is
immediately before them.
The purpose of this science is to establish proof of the
existence of the Lord Almighty, His attributes, actions, and the
truthfulness of the messengers, all of which are crucial and
unavoidable for the rational person.
Since the issues and subject matter of this science have been
defined by its objectives and means, it must be that its
exploration and understanding of its issues are not for everyone
but are specifically for some people. This situation is not unique
to the science of theology among other sciences. Every science
is like this; for example, jurisprudence requires some people to
delve into it in detail, mastering its issues and refining its
evidences. It is not possible to require the mastery of
jurisprudence on everyone, and the same goes for the science of
Qur’ānic exegesis and other religious sciences. In fact, this rule
also applies to worldly sciences, and no science is exempt from
it.
Some observers might think that the judgment that the
science of kalām is a communal obligation upon the
community (farḍ kifāya) and not on the individual (farḍ ʿayn) is
a peculiar aspect of theology alone and does not apply to other
sciences. This is incorrect, as we have clarified. People generally
need some knowledge from all sciences. However,
41
Page
the extent to which people need doctors. Though they are few
in number compared to the general population, everyone may
need them at some point for treatment of a disease that may
afflict any individual.
The same applies to mathematics, physics, and other
Sciences.
This rule is general across all sciences. The same principle
then applies to the science of kalām, but the manifestation of
this principle in kalām is more intense and stronger than in
other sciences. This is because all sciences are based on kalām
and derive their principles from it, as it is the science that
investigates the fundamentals of all knowledge to establish the
certainties of religious beliefs and reveal the congruence
between religion and existence in its essence.
It is known that religion provides judgments on various
aspects of life, and no detail is outside its scope. All these
judgments are invalid if the belief that the religion is based on
is not correct. The science that clarifies the correctness of this
belief is none other than theology. Therefore, theology is
fundamentally the science of all sciences, to those who
understand its true nature. However, for those who have
opposing perceptions of it, they deny what they are ignorant of,
not because it is unfounded in itself, but because they lack
knowledge of its foundation!
Hence, we say that the need for the science of kalām
among all humans is a basic principle that scholars should be
aware of since all other religious matters are built upon it. Those
who criticize this established truth in itself will undoubtedly
face contradictions in their lives and thoughts that they cannot
solve or analyse correctly. Consequently, their approach to
reform will remain incomplete due to their limited
understanding of the essence of existence.
Since we have likened the theologian to a physician and
43
Page
most suitable method for the person they are addressing and to
Page
Some who have spoken about this science claimed that the
predecessors condemned studying and delving into it, citing
48
7
Ibn Abī al-ʿIzz, who followed Ibn Taymiyya and promoted ideas that diverge
from much of what is in the Ṭaḥāwī creed, criticized the science of kalām.
Those interested in understanding the details of these statements issued by
some of the predecessors and discussing them can refer to the book Tadʿīm
al-manṭiq (‘Supporting Logic’) I have extensively analysed them in the
second section of this book. Additionally, for further information, one can
refer to my book al-Imām al-Ghazālī min ʿilm al-kalām (‘The Stance of Imām
Ghazālī on the Science of Kalām’) where I have explained many aspects
related to this topic.
.” Thus, abandoning the Qur’ān and Sunna was the reason for
Imām al-Shāfiʿī’s condemnation. If we understand that some
Sunnī theologians engaged in this science while adhering to
evidence from the Qur’ān and Sunna, then such condemnation
would not apply to them.
Also, this condemnation was directed at some theologians
in a specific era, so it is not correct to generalize the
condemnation to all times. If the condemnation occurred in a
certain era, it might be due to the concept and foundation of
the science of kalām itself, in terms of reasoning for faith-based
beliefs with acceptable evidence, or it might be related to some
who misused kalām, straying from the correct path. Since the
mistaken individual was famous at that time, the
condemnation was associated with those engaged in kalām due
to this mistaken individual coming to mind upon mention.
These are the two possible interpretations of the
condemnation. If we consider the first reason, it cannot justify
the condemnation because the science of kalām, in this sense,
is a necessary science of collective responsibility, and no one
can deny or condemn it, whether they are from the early or later
generations. Anyone condemning it with this meaning in mind
is mistaken, regardless of who they are. It is implausible that the
esteemed predecessors intended this meaning while
recognizing that the Qur’ān encourages people to support the
pillars of the religion, both beliefs and practices, with
convincing evidence that brings tranquillity in the heart and
confidence.
Thus, we must interpret their statements as condemning a
specific group or individuals who engaged in kalām and erred.
If this is the case, then generalizing their condemnation of this
group or these specific theologians to the entire science of
50
8
As we will clarify shortly.
reality of the science of kalām. Regardless of the name of this
science, its essence and pursuit are obligatory, as clearly
instructed by the Qur’ān, which commands people to reflect
upon the horizons and within themselves to use reason to attain
knowledge, as we will soon clarify.
The religion’s validity, its alignment with human interests,
and the actual reality necessitate not to be deceived by
ignorance propagated by some without proper investigation of
the matter, i.e., without knowing to what this judgment is
specifically attached.
Having made this clear to you, adhere to it and be keen to
learn this science; a Muslim’s status does not stand firm without
it. The more one realizes from it, the higher their status and
firmer their footing in Islam.
Do not pay any attention to those who say that this science
breeds doubt and suspicion; that is only for beginners or those
who have not learned it properly. Who said that doubt and
suspicion arise only from studying the science of kalām? Do you
not know that when a person begins learning any science, they
might start with doubting many things, but once they are firmly
grounded in that science, their mind settles, and they find
peace? Doubt is not the aim of science; rather, sometimes
introducing doubt9 in the topics under discussion is necessary
to urge students to delve deeper and investigate the sciences.
People's views might become unsettled when they do not
distinguish between students of sciences who are meant to be
researchers in this field or wish to be so, and the general public,
whose primary concern is usually to attain the outcomes of the
science's research and issues. Science students must, at a
52
certain stage of their study, revisit many issues that they initially
Page
9
There is a difference between introducing (imposing) doubt, and actually
doubting, as one realizes through contemplation.
accepted on trust from their reputable teachers. A good teacher
should encourage them towards this, but guide them to adhere
to the correct scientific methods in research and investigation.
As for the general public, it is not appropriate to expose them to
anything other than the results of sciences with general
evidence if necessary. If it is seen that someone among them is
inquiring and researching beyond their reach and time, it is
wise for the teacher to guide the student towards what is
beneficial for them in terms of engaging with useful knowledge
and avoiding the superfluous. Delving into detailed evidence
and issues is considered superfluous for the general public but
obligatory for dedicated and deep studying students of that
science. This is essentially what Imām Al-Ghazali meant by his
famous statement of “preventing the laypeople from delving
into the science of kalām” (iljām al-ʿawāmm ʿan ʿilm al-kalām).
It is a sound methodological principle if understood correctly
and does not intend to close the doors of knowledge and
understanding to people, as some detractors might assume.
Instead, it aims to guide them towards the correct path for
them.
We will discuss this concept further in another part of this
book. 53
Page