You are on page 1of 415

‫االجتهاد بني التأصيل والتجديد‬

‫رسالة أعدت لنيل درجة التخصص الدقيق (الدكتوراه) يف الدراسات اإلسالمية‬

‫إعداد‪ :‬حسن بكري‬

‫إشراف األستاذ الدكتور‪ :‬عبد السالم حممود أبو ناجي‬

‫طرابلس ‪2005‬‬

‫‪1‬‬
‫االجتهــــــاد‬
‫بين التأصيل والتجديدـ‪.‬‬
‫المقدمة‬
‫تمهيد للتعريف بمصطلحات البحث‬
‫الباب األول‪ :‬االجتهاد نشأةً وتطوراً‬
‫الفصل األول‪ :‬االجتهاد عبر تاريخ الفقه اإلسالمي‬
‫المبحث األول‪ :‬اجتهاد الرسول صلى هللا عليه وسلم‬
‫المبحث الثاني‪ :‬االجتهاد في عصر الصحابة‬
‫المبحث الثالث‪ :‬االجتهاد في عهد التابعين‬
‫الفصل الثاني‪ :‬االجتهاد في عهد المدارسـ الفقهية‬
‫المبحث األول‪ :‬أهم العوامل المؤثرة في حركة االجتهاد‬
‫المبحث الثاني‪ :‬من أعالم المدرسة الفقهية‬
‫المبحث الثالث‪ :‬االجتهاد بعد تكوين المدارس الفقهية‬
‫المبحث الرابع‪ :‬حركة االجتهاد في القرون المتأخرة‬
‫الفصل الثالث‪ :‬علم أصول الفقه وتطوره التاريخي‬
‫المبحث األول‪ :‬أصول الفقه وجهود اإلمام الشافعي‬
‫المبحث الثاني‪ :‬األصول بعد اإلمام الشافعي‬
‫المبحث الثالث‪ :‬مناهج الدراسة األصولية بعد اإلمام الشافعي‬
‫الفصل الرابع‪ :‬علم القواعد‬
‫المبحث األول‪ :‬القواعد الفقهية‪ ،‬تعريفها وأقسامها‬
‫المبحث الثاني‪ :‬لمحة تاريخية حول القواعد الفقهية‬
‫المبحث الثالث‪ :‬وظيفة القواعد الفقهية وأهميتها للمجتهد‬
‫الفصل الخامس‪ :‬علم المقاصـد‬
‫المبحث األول‪ :‬في تعريفات المقاصد‬
‫المبحث الثاني‪ :‬المقاصد‪ :‬النشأة والتطور على عصر الشاطبي‬

‫المبحث الثالث‪ :‬المقاصد بعد اإلمام الشاطبي‬


‫المبحث الرابع‪ :‬االتجاهات في دراسة المقاصد‬
‫الفصل السادس‪ :‬الطوفي وتداعيات نظريته‬
‫المبحث األول‪ :‬عرض نظرية الطوفي‬
‫المبحث الثاني‪ :‬تداعيات آراء الطوفي‬
‫المبحث الثالث‪ :‬تداعيات آراء الطوفي في العصور الحديثة‬
‫‪2‬‬
‫الباب الثاني ‪ -‬اتجاهات التجديدـ األسس والمنطلقات‬
‫الفصل األول‪ :‬االتجاه العلماني‬
‫المبحث األول‪ :‬في تعريفات العلمانية‬
‫المبحث الثاني‪ :‬موقف االتجاه العلماني من مصادر التشريع اإلسالمي‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬االتجاه العلماني ونماذج من أعالمه‬


‫المبحث الرابع‪ :‬حسن حنفي أنموذجا ً معاصراً‬
‫الفصل الثاني‪ :‬اتجاه «إسالمية المعرفة‬
‫المبحث األول‪ « :‬أسلمة المعرفة» نشأته ودالالته‬
‫المبحث الثاني‪« :‬المنهجية اإلسالمية» كما يقدمها اتجاه «أسلمة‬
‫المعرفة»‬
‫المبحث الثالث‪ :‬منهجية التعامل مع القرآن الكريم‬
‫المبحث الرابع‪ :‬منهجية التعامل مع السنة النبوية‬
‫الفصل الثالث‪ :‬االتجاه السلفي المعاصر‬
‫المبحث األول – السلفية‪ :‬تعريفها ونشأتها‬
‫المبحث الثاني‪ :‬منهج دراسة العقيدة وأثره في منهج االجتهاد لديهم‬

‫الفصل الرابع‪ :‬االتجاه التأصيلي الشورويـ‬


‫المبحث األول‪ :‬النشأة والتطور‬
‫المبحث الثاني‪ :‬االتجاه التأصيلي الشوروي‪ :‬األسس والمنطلقات‬
‫الخاتمـــــــــــةـ‬
‫الفهارس العامـة‬

‫‪3‬‬
‫المقــدمـــة‬
‫إن احلمد هلل‪ ،‬حنم‪FF‬ده ونس‪FF‬تعينه ونس‪FF‬تهديه ونس‪FF‬تغفره ونت‪FF‬وب إلي‪FF‬ه‪ ،‬ونع‪FF‬وذ باهلل من‬
‫ش‪FF‬رور أنفس‪FF‬نا ومن س‪FF‬يئات أعمالن‪FF‬ا‪َ .‬م ْن يه‪FF‬ده اهلل فال مض‪Fَّ F‬ل له ومن يض‪FF‬لل فال ه‪FF‬ادي‬
‫‪F‬هد أن ال إله إال اهلل وح‪FF‬ده ال ش ‪FF‬ريك ل ‪FF‬ه‪ ،‬وأش ‪FF‬هد أن حمم ‪FF‬داً عب ‪FF‬ده ورس‪FF‬وله‪،‬‬
‫ل‪FF‬ه‪ .‬وأش ‪ُ F‬‬
‫صلى اهلل عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثرياً‪.‬‬
‫تقديم الدراسة ‪ -‬أهميتها وأهدافها‪:‬‬
‫لعل أهم ما مييز جمتمعاً ما عن غ‪FF‬ريه طبيعة منظومته القانونية وآلياهتا يف التعامل مع‬
‫ما يستجد من قضايا وما يطرأ من تغريات يف الزمان واملكان واحلال‪.‬‬
‫وقد أثبت الواقع التارخيي أن التش‪FF‬ريع اإلس‪FF‬المي متم‪FF‬يز يف أسسه وأهدافه عن كثري‬
‫من املنظوم ‪FF F‬ات القانوني ‪FF F‬ة‪ .‬وال غرابة يف ذل ‪FF F‬ك؛ ألن مقصد الش ‪FF F‬ارع احلكيم من إل ‪FF F‬زام‬
‫اإلنس ‪FF F‬ان املس ‪FF F‬لم – ابت ‪FF F‬داءً وانته ‪FF F‬اءً – بأحكامه وابتالئه هبا تعبيد املخل‪FF F‬وق خلالقه عز‬
‫وجل من خالل تنظيم تص ‪FF F F‬رفاته وعالقاته وفق منهج رب ‪FF F F‬اين ي ‪FF F F‬راعي ج ‪FF F F‬زاءي ال ‪FF F F‬دنيا‬
‫واآلخرة‪.‬‬
‫وإذا ك‪FF‬انت األمة اإلس‪FF‬المية تعيش ح‪FF‬ال ض‪FF‬عف وص‪FF‬غار وقد تك‪FF‬البت عليها األمم‬
‫كما تتك‪FF‬الب األكلة على قص‪FF‬عتها‪ ،‬فليس س‪FF‬بب ه‪FF‬ذا نظ‪FF‬ام ش‪F‬ريعتها ب‪FF‬أي ح‪FF‬ال‪ ،‬ولكن‬
‫مرجعه – أساساً – إىل م‪FF‬دى ص‪F‬دق عزميتها يف االل‪FF‬تزام بأحك‪FF‬ام ش‪F‬ريعتها وس‪FF‬عيها إىل‬
‫حتقيق رضى رهبا ليك‪FF F F F F‬ون عن‪FF F F F F‬وان متيزها وتفردها باخلريية بني األمم حىت يتحقق فيها‬
‫قوله تعاىل‪ُ  :‬ك ْنتُ ْم َخ ْي َر ُأ َّم ٍة ُأ ْخ ِر َج ْ_ت لِلنَّا ِ‬
‫س ‪. )1(‬‬
‫غير أن صدق النيةـ وتأكيد العزم على االلتزامـ بأحكام الشارع الحكيم‬
‫يظل مفتقراً إلى المعرفة الصحيحة بتلك األحكام كي يكون االلتزام مقبوالً‬
‫ومثمراً؛ ذلك أن الصواب شرط المقبوليةـ في اإلسالم‪.‬‬
‫وال شك أن أول الخطى في طريقـ المعرفة الصحيحة الفه ُم السليم؛ من‬
‫هنا تتأكد أهمية االجتهاد بصفته آليةً للفهم السليم في دائرة النص والحمل‬
‫عليه وأداةً الستنباط الحكم الشرعي عند عدم وجود النص‪.‬‬
‫ونظراً لوظيفة االجتهاد الخطيرة فقد ُوضعت أسسه أثناء فترة الوحي‬
‫المباركة وتولى الرسول الكريم صلى هللا عليه وسلم رسم منهجه وتوضيح‬
‫معالمه قوالً وعمالً وتقريراً‪ .‬واستمرت مسيرة الفقه وحركة االجتهاد تنمو‬
‫‪ -‬آل عمران ‪.110‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪4‬‬
‫وتتطور يقودها علماء أفذاذ بذلوا غاية وسعهم في تأصيل هذه الحركة حتى‬
‫تُعصم من االنحراف ذات اليمين أو ذات الشمال‪ .‬فبلغوا بها مستوى علميا ً‬
‫راقيا ً يعبِّر عن نضج فكري عميق ويبرهن على مدى اآلفاق التي فتحتها‬
‫الدراسات التشريعيةـ في اإلسالم‪.‬‬
‫غير أن مجال الفقه – كما هو الحال في مجاالت العقيدة والفكر – لم يسلم‬
‫من ظهور اتجاهات مضطربة تهدف – عن قصد أحيانا ً وعن جهل أحيانا ً‬
‫أخرى – إلى المساس بجوهر الشريعة الغراء بدعوى ضرورة التطور‬
‫والتجديد الستيعاب كل مستحدث وجديد زاعمين – تارةً ‪ -‬أنهم مستمسكون‬
‫بروح الشرع‪ ،‬وم َّدعين – تارةً – أنهم ملتزمون بمقاصد الشريعة‪ ،‬وتارةً‬
‫أخرى أنهم متبعون لقيم التسامح والوسطية‪.‬‬
‫وال شك أن ذلك كله دعاوى ظاهرها خدمة الدين وباطنها محاولة أكيدة‬
‫لمسخ حقيقته وهدم أركانه وأسسه‪.‬‬
‫إن االجتهاد ليس عملية تبرير للواقع وسلبياته؛ فهو ال يزكي االنحراف‬
‫أو يشرعه كي يقال عن اإلسالم أنه مساير للعصر ومستجيب لحاجاته‪ ،‬كما‬
‫أنه ليس عمالً فكريا ً مجرداً عن الواقع ليُصنف في نطاق الترف الفكري‪.‬‬
‫إنه – وقبل كل ش ‪FF‬يء – عمل تغي ‪FF‬ريي يه ‪FF‬دف إىل ربط الواقع بش ‪FF‬ريعة اإلس ‪FF‬الم‬
‫باعتبارها طريق اإلنسان اآلمن ملمارسة عبوديته الشاملة الكاملة هلل تعاىل‪.‬‬
‫ونظ‪FF‬راً ألمهية ه‪FF‬ذا املوض‪FF‬وع وخطورته للمس‪FF‬لم أف‪FF‬راداً ومجاع‪FF‬ات تأك‪Fَّ F‬د ع‪FF‬زمي على‬
‫تناوله ب‪FF F F‬البحث والدراس‪FF F F‬ة‪ .‬غري أن س‪FF F F‬عته وتش‪FF F F‬عب قض‪FF F F‬اياه قد جتعل استقص‪FF F F‬اء كل‬
‫جوانبه وارتي‪FF F F‬اد مجيع آفاقه أم‪FF F F‬راً عس‪FF F F‬رياً ِإ ْن مل يكن متع‪FF F F‬ذراً؛ فه‪FF F F‬ذا عمل موس‪FF F F‬وعي‬
‫يقتضي تض‪FF F F‬افر جه‪FF F F‬ود فريق من الب‪FF F F‬احثني‪ ،‬وحسيب أين ح‪FF F F‬اولت ‪ -‬يف حبثي ه‪FF F F‬ذا –‬
‫معاجلة أهم جوانب املوضوع من خالل دراسة تأصيلية لالجتهاد وحركته عرب التاريخ‬
‫وما تثريه دعوات التجديد والتطوير من قض‪FF‬ايا وإش‪FF‬كاليات‪ ،‬ولعلي – ب‪FF‬ذلك – أحقق‬
‫األهداف التالية‪:‬‬
‫‪ – 1‬تأصيل حركة االجتهاد منذ نشأتها ووضع أسس‪FF‬ها يف عهد الرس‪FF‬ول ص‪FF‬لى‬
‫اهلل عليه وسلم إىل أن منت وتطورت يف العصور الالحقة‪.‬‬
‫‪ – 2‬تحليل األسباب والعوامل التي أثرت في حركة االجتهاد – عرب مس‪FF‬رية‬
‫الفقه اإلسالمي – وبيان أبرز مظاهر هذا التأثري‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫‪ – 3‬رصد الجهود الكبيرة التي بُذلت لوضع االجتهاد في إطاره العلمي وما‬
‫أمثر ذلك من علوم ومعارف خادمة له كعلم أصول الفقه والقواعد الفقهية واملقاصد‪.‬‬
‫‪ – 4‬تحليل االتجاه ات المعاص رة في االجته اد وحماولة تق‪FF F F‬ومي منطلقاهتا‬
‫وأسسها‪.‬‬
‫‪ – 5‬محاولة إضافة لبنة إلى الدراسات اإلسالمية في مجال الفقه والفكر على‬
‫حد سواء من خالل اإلسهام يف التأريخ للفقه اإلسالمي ومسريته‪.‬‬
‫منهج البحث‪:‬‬
‫س‪FF‬لك الب‪FF‬احث يف إع‪FF‬داد ه‪FF‬ذه الدراسة املنهج الوص‪FF‬في التحليلي ال‪FF‬ذي يعتمد على‬
‫عملية اس‪FF F F F F‬رتداد ما ك‪FF F F F F‬ان يف املاضي ملعرفة حقيقته ومالبس‪FF F F F F‬اته وت‪FF F F F F‬أثريه يف ص‪FF F F F F‬ياغة‬
‫االجتاه ‪FF F‬ات املعاص ‪FF F‬رة يف االجته ‪FF F‬اد‪ ،‬وذلك وفق املنهج العلمي املوض ‪FF F‬وعي يف التحليل‬
‫والنقد والتقومي وحبسب ما تقتضيه موضوعات الدراسة‪.‬‬
‫وأذكر فيما ي‪FF F F F F‬أيت مجلة من امللحوظ‪FF F F F F‬ات تتعلق مبا ج‪FF F F F F‬رى عليه البحث واتبعه من‬
‫قواعد يف الدراسة واالقتباس والتوثيق‪ ،‬وهي على نوعني‪:‬‬
‫أوالً – الملحوظات العامة‪:‬‬
‫‪ – 1‬نظراً لتشعب املوضوع وتغطيته م‪FF‬دة زمنية طويلة هي ت‪FF‬اريخ الفقه اإلس‪FF‬المي‬
‫كله‪ ،‬فقد ركزت الدراسة التارخيية لالجتهاد على العوامل املؤثرة يف حركته‪.‬‬
‫‪ – 2‬نظ ‪FF‬راً لتع ‪FF‬ذر تقصي أفك ‪FF‬ار مجيع َم ْن اتبع ‪FF‬وا اجتاه‪F F‬اً معين‪F F‬اً يف االجته ‪FF‬اد‪ ،‬فقد‬
‫اقتصر على اإلشارة إىل أبرز ممثلي كل اجتاه‪.‬‬
‫‪ – 3‬ح‪FF F F F‬رص البحث على إب‪FF F F F‬راز األسس واملنطلق‪FF F F F‬ات لالجتاه‪FF F F F‬ات الفكرية يف‬
‫االجته ‪FF‬اد أك ‪FF‬ثر من احلرص على تتبع اجلزئي ‪FF‬ات أو األمثلة التطبيقية للقض ‪FF‬ايا املعاص ‪FF‬رة؛‬
‫لكون هذه التطبيق‪FF‬ات قد ُأف‪FF‬ردت بالدراسة يف كثري من البح‪FF‬وث املعاص‪FF‬رة مبا يغين عن‬
‫إع‪FF F‬ادة ذكرها – هنا ‪ ،-‬والقتن‪FF F‬اع الب‪FF F‬احث أن األسس الفكرية ألي منهج اجته‪FF F‬ادي‬
‫تنعكس حتماً على تطبيقاته‪.‬‬
‫ثانيا – الملحوظات الخاصة‪:‬‬
‫‪ – 1‬اعتمد يف ختريج اآليات القرآنية على رواية حفص‪.‬‬
‫‪ – 2‬اتبع يف ختريج األحاديث طريقتان‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫‪ ‬األولى‪ :‬الرجوع إىل كتب السنة مباشرة‪.‬‬
‫‪ ‬الثانية‪ :‬الرج‪FF F‬وع إىل جه‪FF F‬از احلاس‪FF F‬وب‪ .‬ويف ه‪FF F‬ذه احلالة أكتفي ب‪FF F‬ذكر من‬
‫أخرج احلديث مع اإلشارة إىل رقم احلديث واجلزء والصفحة‪.‬‬
‫‪ - 3‬اتُبع يف البحث – غالب‪F F F‬اً – إي ‪FF F‬راد ترمجة لألعالم اليت وردت يف موض ‪FF F‬وعات‬
‫الدراسة‪.‬‬
‫‪ - 4‬ت ‪FF‬ذكر املعلوم ‪FF‬ات املفص ‪FF‬لة عن املص ‪FF‬ادر واملراجع يف بداية وروده ‪FF‬ا‪ .‬مث يُكتفى‬
‫بعد ذلك ب ‪FF F‬ذكر عن ‪FF F‬وان الكت ‪FF F‬اب واسم الك ‪FF F‬اتب‪ ،‬أو عن ‪FF F‬وان الكت ‪FF F‬اب فقط إذا ك ‪FF F‬ثر‬
‫اس ‪FF‬تعماله أو اش ‪FF‬تهرت معرفت ‪FF‬ه‪ .‬وتُ ‪FF‬ذكر تلك املعلوم ‪FF‬ات مفص ‪FF‬لةً م ‪FF‬ر ًة أخ ‪FF‬رى يف قائمة‬
‫املصادر‪.‬‬
‫‪ – 5‬ذُيلت الرس ‪FF F‬الة بفه ‪FF F‬رس لآلي ‪FF F‬ات وآخر لألح ‪FF F‬اديث وث ‪FF F‬الث للمراجع ورابع‬
‫للموضوعات‪.‬‬
‫ويلحظ في هذا المجال‪:‬‬
‫أ – جرى ترتيب مراجع البحث حسب أمساء الكتب واملقاالت‪.‬‬
‫ب – اتبع يف أمساء املؤلفني الق ‪FF F F‬دامى الب ‪FF F F‬دء باسم الش ‪FF F F‬هرة‪ ،‬واملؤلفني احملدثني أو‬
‫املعاصرين ذكر االسم أوال مث اللقب أو الشهرة‪.‬‬
‫ج – مت تقسيم فهرس املراجع إىل الكتب مث الدوريات مث شبكة املعلومات الدولية‬
‫(اإلنرتنت)‪.‬‬
‫د – يوضع خط حتت عنوان الدورية لتمييزها عن الكتب‪.‬‬
‫الدراسات السابقة‪:‬‬
‫ج‪FF‬رت االس‪FF‬تفادة ‪ -‬يف إع‪FF‬داد ه‪FF‬ذه الدراسة – من الدراس‪FF‬ات الس‪FF‬ابقة اليت تن‪FF‬اولت‬
‫جانب ‪F‬اً أو أك‪FF‬ثر من ج‪FF‬وانب املوض‪FF‬وع س‪FF‬واء ك‪FF‬انت ذات ص‪FF‬لة قريبة به أو بعي‪FF‬دة‪ .‬فما‬
‫ُكتب عن االجته‪FF F‬اد ‪ -‬ق‪FF F‬دمياً وح‪FF F‬ديثاً ‪ -‬كث‪FF F‬ريٌ غري أن ما أف‪FF F‬دت منه أك‪FF F‬ثر دراس‪FF F‬ات‬
‫اإلم‪FF F‬ام حممد أيب زه‪FF F‬رة اليت تن‪FF F‬اول فيها ت‪FF F‬اريخ املذاهب اإلس‪FF F‬المية الفقهية والعقدي‪FF F‬ة‪،‬‬
‫والدراسات القيّمة اليت أفردها ألش‪F‬هر أئمة املدارس الفقهي‪F‬ة‪ .‬ولعل أب‪FF‬رز ما ش‪F‬دَّين إليها‬
‫– إض ‪FF F‬افةً إىل املعلوم ‪FF F‬ات الثرية اليت تض ‪FF F‬منتها – أس ‪FF F‬لوب ص ‪FF F‬احبها العلمي ومنهجه‬
‫الرصني واهلادئ واملتجرد يف حتليل القضايا واستخالص النتائج‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫كما أفدت من الدراسة القيمة «البعد الزماني والمكاني وأثرهما في‬
‫التعامل مع النص الشرعي» لصاحبها‪ :‬سعيد بن حممد بوهراوة‪ ،‬فقد فتح يل‬
‫االطالع عليها آفاقاً واسعة للبحث ودلتين على كثري من املراجع املفيدة‪.‬‬
‫وهن ‪FF‬اك دراس ‪FF‬ات حديثة تن ‪FF‬اولت االجته ‪FF‬اد‪ ،‬غري أين مل أجد فيها ما ي ‪FF‬ثري البحث‬
‫مث ‪FF F‬ل‪« :‬االجته‪FF F F‬اد يف األحك‪FF F F‬ام الش‪FF F F‬رعية» حملمد س ‪FF F‬يد طنط ‪FF F‬اوي‪ ،‬و«أدوات النظر‬
‫االجتهادي يف ضوء الواقع املعاصر» لقطب مصطفى سانو‪.‬‬
‫مصادر البحث‪:‬‬
‫مت يف البحث استخدام ثالثة أنواع من املصادر‪:‬‬
‫‪ – 1‬الكتب والرسائل اجلامعية‪.‬‬
‫‪ – 2‬املقاالت والبحوث يف الدوريات‪.‬‬
‫‪ – 3‬املقاالت والبحوث يف شبكة املعلومات الدولية (اإلنرتنت)‪.‬‬
‫الصعوبات التي واجهت الباحث‪:‬‬
‫لعل أهم الصعوبات اليت تواجه الباحثني تتعلق باملص‪FF‬ادر واملراجع وطبيعة املوض‪FF‬وع‬
‫علي الوصول إىل بعض املص‪F‬ادر‪ .‬كما أن املوض‪F‬وع شاسع ومتش‪F‬عب‬ ‫نفسه‪ .‬فقد تعذر َّ‬
‫وتتطلب اإلحاطة جبميع جوانبه جه ‪FF F‬ود فريق من الب ‪FF F‬احثني؛ ل ‪FF F‬ذلك فقد اس ‪FF F‬تعنت مبا‬
‫ت ‪FF‬وفر ل ‪FF‬دي من مص ‪FF‬ادر مكتوبة أو منش ‪FF‬ورة على ش ‪FF‬بكة (اإلن ‪FF‬رتنت) وح ‪FF‬اولت ترك ‪FF‬يز‬
‫البحث يف أهم عناصره اليت قد تضيف جديداً أو تفتح أفقاً للدراسات اإلسالمية‪.‬‬
‫خطة البحث‪:‬‬
‫تشمل هذه اخلطة‪:‬‬
‫‪ ‬مقدمة – اليت هي هذه – وفيها‪:‬‬
‫‪ – 1 ‬تقدمي الدراسة وأمهيتها اليت جعلتين أختارها موضوع حبثي‪.‬‬
‫‪ – 2 ‬منهج البحث‪.‬‬
‫‪ – 3 ‬الدراسات السابقة فيه ومصادره‪.‬‬
‫‪ – 4 ‬الصعوبات اليت واجهت الباحث‪.‬‬
‫‪ ‬التمهيد‪ :‬وفيه تعريف بأهم مصطلحات البحث‪.‬‬
‫‪ ‬الباب األول‪ :‬االجتهاد نشأ ًة وتطوراً‪ .‬وفيه ستة فصول‪:‬‬

‫‪8‬‬
‫‪ ‬الفصل األول‪ :‬االجتهاد عبر تاريخ الفقه اإلسالمي‪ .‬وفيه ثالثة مباحث‪:‬‬
‫‪ ‬املبحث األول‪ :‬اجتهاد الرسول صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬
‫‪ ‬املبحث الثاين‪ :‬االجتهاد يف عصر الصحابة‪.‬‬
‫‪ ‬املبحث الثالث‪ :‬االجتهاد يف عهد التابعني‪.‬‬
‫‪ ‬الفصل الثاني‪ :‬االجتهاد في عهد المدارس الفقهية‪ .‬وفيه أربعة مباحث‪:‬‬
‫‪ ‬املبحث األول‪ :‬أهم العوامل املؤثرة يف حركة االجتهاد‪.‬‬
‫‪ ‬املبحث الثاين‪ :‬من أعالم املدارس الفقهية‪.‬‬
‫‪ ‬املبحث الثالث‪ :‬االجتهاد بعد تكوين املدارس الفقهية‪.‬‬
‫‪ ‬املبحث الرابع‪ :‬حركة االجتهاد يف القرون املتأخرة‪.‬‬
‫‪ ‬الفصل الثالث‪ :‬علم أصول الفقه وتطوره التاريخي‪ .‬وفيه ثالثة مباحث‪:‬‬
‫‪ ‬املبحث األول‪ :‬أصول الفقه وجهود اإلمام الشافعي‪.‬‬
‫‪ ‬املبحث الثاين‪ :‬األصول بعد اإلمام الشافعي‪.‬‬
‫‪ ‬املبحث الثالث‪ :‬مناهج الدراسة األصولية بعد اإلمام الشافعي‪.‬‬
‫‪ ‬الفصل الرابع‪ :‬علم القواعد الفقهية‪ .‬وفيه ثالثة مباحث‪:‬‬
‫‪ ‬املبحث األول‪ :‬القواعد الفقهية‪ ،‬تعريفها وأقسامها‪.‬‬
‫‪ ‬املبحث الثاين‪ :‬حملة تارخيية حول القواعد الفقهية‪.‬‬
‫‪ ‬املبحث الثالث‪ :‬وظيفة القواعد الفقهية وأمهيتها للمجتهد‪.‬‬
‫‪ ‬الفصل الخامس‪ :‬علم مقاصد الشريعة‪ .‬وفيه أربعة مباحث‪:‬‬
‫‪ ‬املبحث األول‪ :‬يف تعريفات املقاصد‪.‬‬
‫‪ ‬املبحث الثاين‪ :‬املقاصد النشأة والتطور إىل عصر الشاطيب‪.‬‬
‫‪ ‬املبحث الثالث‪ :‬املقاصد بعد اإلمام الشاطيب‪.‬‬
‫‪ ‬املبحث الرابع‪ :‬االجتاهات يف دراسة املقاصد‪.‬‬
‫‪ ‬الفصل السادس‪ :‬الطوفي وتداعيات نظريته‪ .‬وفيه ثالثة مباحث‪:‬‬
‫‪ ‬املبحث األول‪ :‬عرض نظرية الطويف‪.‬‬
‫‪ ‬املبحث الثاين‪ :‬تداعيات آراء الطويف‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫‪ ‬املبحث الثالث‪ :‬تداعيات آراء الطويف يف العصور احلديثة‪.‬‬
‫‪ ‬البــاب الثــاني‪ :‬اتجاه ات التجدي د‪ :‬األسس والمنطلق ات‪ .‬وفيه أربعة‬
‫فصول‪:‬‬
‫‪ ‬الفصل األول‪ :‬االتجاه العلماني‪ .‬وفيه أربعة مباحث‪:‬‬
‫‪ ‬املبحث األول‪ :‬يف تعريفات العلمانية‪.‬‬
‫‪ ‬املبحث الثاين‪ :‬موقف االجتاه العلماين من مصادر التشريع اإلسالمي‪.‬‬
‫‪ ‬املبحث الثالث‪ :‬االجتاه العلماين ومناذج من أعالمه‪.‬‬
‫‪ ‬املبحث الرابع‪ :‬حسن حنفي أمنوذجاً معاصراً‪.‬‬
‫‪ ‬الفصل الثاني‪ :‬اتجاه «إسالمية المعرفة»‪ .‬وفيه متهيد ومخسة مباحث‪.‬‬
‫‪ ‬املبحث األول‪ :‬مصطلح «أسلمة املعرفة» نشأته ودالالته‪.‬‬
‫‪ ‬املبحث الثاين‪« :‬املنهجية اإلسالمية» كما يقدمها اجتاه «أسلمة املعرفة»‪.‬‬
‫‪ ‬املبحث الثالث‪ :‬منهجيته يف التعامل مع القرآن الكرمي‪.‬‬
‫‪ ‬املبحث الرابع‪ :‬منهجيته يف التعامل مع السنة النبوية‪.‬‬
‫‪ ‬املبحث اخلامس‪ :‬منهجيته يف التعامل مع الرتاث‪.‬‬
‫‪ ‬الفصل الثالث‪ :‬االتجاه السلفي المعاصر‪ .‬وفيه مبحثان‪:‬‬
‫‪ ‬املبحث األول‪ :‬السلفية تعريفها ونشأهتا‪.‬‬
‫‪ ‬املبحث الث ‪FF‬اين‪ :‬منهج دراسة العقي ‪FF‬دة وأث ‪FF‬ره يف املنهج االجته ‪FF‬ادي ل ‪FF‬دى االجتاه‬
‫السلفي‪.‬‬
‫‪ ‬الفصل الرابع‪ :‬االتجاه التأصيلي الشوروي‪ .‬وفيه مبحثان‪:‬‬
‫‪ ‬املبحث األول‪ :‬النشأة والتطور‪.‬‬
‫‪ ‬املبحث الثاين‪:‬االجتاه التأصيلي الشوروي‪ :‬األسس واملنطلقات‪.‬‬
‫‪ ‬الخاتمة‪ :‬وفيها أبرز ما انتهى إليه البحث‪.‬‬
‫‪ ‬الفهارس‪:‬‬
‫‪ – 1 ‬فهرس اآليات‪.‬‬
‫‪ – 2 ‬فهرس األحاديث‪.‬‬
‫‪ – 3 ‬فهرس املراجع‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫‪ – 4 ‬فهرس املوضوعات‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫الرموز المستخدمة في البحث‬

‫املرجع السابق‪.‬‬ ‫م س‪:‬‬


‫تاريخ الوفاة‪.‬‬ ‫ت(‪ --‬هـ)‪:‬‬
‫حتقيق‪.‬‬ ‫ت‪:‬‬
‫طبعة‪.‬‬ ‫ط‪:‬‬
‫دون تاريخ النشر‪.‬‬ ‫د‪.‬ت‪:‬‬
‫دون مكان النشر‪.‬‬ ‫د‪.‬م‪:‬‬
‫متابعة اهلامش يف الصفحة املوالية‪.‬‬ ‫=‪:‬‬

‫‪12‬‬
‫تمهيد‬
‫للتعريف بمصطلحات البحث‬
‫جرت عادة الب‪F‬احثني التمهيد للدراسة بتعريف أهم املص‪F‬طلحات اليت ي‪F‬دور البحث‬
‫عليه ‪FF F‬ا؛ من أجل حتديد املف ‪FF F‬اهيم وض ‪FF F‬بطها حىت ال حييد البحث عن س ‪FF F‬ياقه املنهجي‪.‬‬
‫الفقــه‪:‬‬
‫الفقه – يف اللغة ‪ :-‬فهم غ‪FF F F F F F‬رض املتكلم من كالمه(‪ .)1‬وقيل هو العلم بالش‪FF F F F F F‬يء‬
‫والفهم له والفطنة‪.‬‬
‫وفَقِهَ – بكسر العني يف املاضي وفتحها يف املض‪FF F‬ارع – َك َعلِ َم‪ :‬فَ ِه َم‪ :‬ق‪FF F‬ال تع‪FF F‬اىل‪:‬‬
‫ْ‬
‫‪َ ‬ما نَفقَهُ َكثِيراً ِم َّما تَقُو ُل ‪ ‬؛ وبفتحها فيهما مع‪F‬اً‪َ ،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫كمنَ‪Fَ F‬ع‪ :‬س‪FF‬بق غ‪FF‬ريه ب‪FF‬الفهم‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫ف‪ :‬صار الفقه له سجيةً‪.‬‬ ‫وشُر َ‬
‫وبضمها فيهما معاً – ك َكُر َم َ‬
‫وتك ‪FF F‬اد تتفق التعريف ‪FF F‬ات اللغوية – للفقه – على أن ‪FF F‬ه‪ :‬الفهم العميق النافذ ال ‪FF F‬ذي‬
‫(‪)4‬‬
‫يتعرف غايات األقوال واألفعال الدقيقة‪.‬‬
‫َّأما يف االص طالح األص ‪FF‬ويل‪ ،‬فإن ‪FF‬ه‪ « :‬العلم باألحك ‪FF‬ام الش ‪FF‬رعية العملية املكتسب‬
‫من أدلتها التفصيلية »(‪.)6()5‬‬

‫‪ -‬التعريفات‪ ،‬اجلرجاين‪ ،‬علي بن حممد الشريف‪ .‬بريوت‪ ،‬مكتبة لبنان‪ .‬ط‪ :‬عام (‪1985‬م)‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫مادة «فقه»‪ .‬ص ‪.175‬‬


‫‪ -‬هود ‪.91‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬الكليات‪ ،‬الكفوي‪،‬أبو البقاء أيوب‪ .‬ت‪ :‬عدنان درويش وحممد املصري‪ F.‬بريوت‪ ،‬مؤسسة‬ ‫‪3‬‬

‫الرسالة‪ .‬ط‪1419( .2:‬هـ‪1998/‬م)‪ .‬ص ‪.690‬‬


‫‪ -‬أصول الفقه‪ ،‬حممد أبو زهرة‪ .‬القاهرة‪ ،‬دار الفكر العريب‪ .‬ط‪ :‬عام (‪ F.)/1997‬ص ‪.8‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬البحر احمليط يف أصول الفقه‪ F،‬الزركشي‪ ،‬بدر الدين حممد بن هبادر‪ .‬ت‪ :‬حممد حممد تامر‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫بريوت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ .‬ط‪1421( .1 :‬هـ‪2000/‬م)‪ .‬ص ‪.15‬‬


‫‪ -‬من املعلوم أن الفقه يندرج يف باب الظنون‪ ،‬وإمنا عُرِّب عنه بالعلم؛ ألن اجملتهد إذا غلب على‬ ‫‪6‬‬

‫ظنه مشاركة صورة لصورة يف مناط احلكم قطع بوجوب العمل مبا أدى إليه ظنه‪ :‬فاحلكم معلوم‬
‫قطعاً‪ ،‬والظن واقع يف طريقه‪ .‬احملصول يف علم أصول الفقه‪ F،‬الرازي‪ ،‬فخر الدين حممد‪ .‬ت‪ :‬طه‬
‫جابر العلواين‪ .‬الرياض‪ ،‬جامعة اإلمام حممد بن سعود‪ ،‬جلنة البحوث والتأليف والرتمجة والنشر‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫وقد ُأطلق الفقه – ق‪FF F‬دمياً – وُأريد به كل ما فُ ِه َم من كت‪FF F‬اب أو س ‪FF F‬نة ال ف‪FF F‬رق يف‬
‫(‪)1‬‬
‫ذلك بني ما تعلق بالعقيدة أو العمل‪ ،‬غري أنه نُقل إىل علم الفروع بغلبة االستعمال‪.‬‬
‫وتقييد «األحكام» بالشرعية إخرا ٌج للغويات والمحسوسات‬
‫والعقليات(‪)2‬؛ فالفقه هو ما استنبطـ من طريقـ االجتهاد الشرعي‪.‬‬
‫وتقييدها بالعملية خمرج لألحكام االعتقادية‪.‬‬
‫أما تقييد العلم باملكتس‪FF F F F F F F F‬ب‪ ،‬فقد خ‪FF F F F F F F F‬رج به علم اهلل تع‪FF F F F F F F F‬اىل ووحيه إىل أنبيائه‬
‫ومالئكته‪.‬‬
‫وكونه من األدلة التفصيلية‪ :‬خمرج العتقاد املقلد؛ فإنه مكتسب من دليل إمجايل‪.‬‬
‫مدلول الفقه بين الفقهاء واألصوليين‪_:‬‬
‫إن دائ ‪FF‬رة الفقه – ل ‪FF‬دى الفقه ‪FF‬اء – أوسع منها ل ‪FF‬دى األص ‪FF‬وليني؛ ألهنم [الفقه ‪FF‬اء]‬ ‫َّ‬
‫استعملوا مصطلح الفقه للداللة على أحد معنيني‪:‬‬
‫‪ – 1‬طائفة من األحكام الشرعية العملية الواردة بالكتاب والسنة وما استنبط‬
‫منها‪ -‬سواء أحفظت هذه الطائفة مع أدلتها أم حفظت جمرد ًة عن هذه الدالئل‪.‬‬
‫وم ْن هو‬
‫فيشمل اسم الفقيه عندهم اجملتهد املطلق‪ ،‬واجملتهد املنتسب "جمتهد املذهب"‪َ ،‬‬
‫وم ْن كان ِم ْن عامة املشتغلني هبذه املسائل‪.‬‬ ‫م ْن أهل التخريج وأصحاب الوجوه‪َ ،‬‬
‫ِ‬
‫‪ – 2‬جمموعة من األحك ‪FF F‬ام واملس ‪FF F‬ائل‪ .‬وتش ‪FF F‬مل األحك‪FF F‬ام الش‪FF F‬رعية اليت ن ‪FF F‬زل هبا‬
‫الوحي – قطعيةً كانت أو ظنيةً ‪ ،-‬وما اس‪FF‬تنبطه اجملته‪F‬دون – على اختالف طبق‪FF‬اهتم‪،‬‬
‫وما استنبطه غريهم من األحكام املقررة‪.‬‬
‫أما األصوليون‪ ،‬فإهنم استخدموا هذا املصطلح للداللة على استنباط األحكـام‪.‬‬

‫ط‪1399( .1 :‬هـ‪1979/‬م)‪.1/78 .‬‬


‫‪ -‬البحر احمليط‪ ،‬الزركشي‪1/13 .‬؛ وموسوعة مصطلحات أصول الفقه عند املسلمني‪ ،‬رفيق‬ ‫‪1‬‬

‫العجم‪ .‬بريوت‪ ،‬مكتبة لبنان‪ .‬ط‪1998( .1 :‬م)‪.2/1109 .‬‬


‫‪ -‬أي ما َّ‬
‫دل عليه العقل اجملرد من غري استناد إىل الوحي‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪14‬‬
‫وه‪FF F‬ذا ما اخت‪FF F‬اره بعض‪FF F‬هم(‪ )1‬حيث ق‪FF F‬ال‪ « :‬إن الفقه هو اس‪FF F‬تنباط حكم املش‪FF F‬كل من‬
‫الواضح » مستش‪FF‬هداً مبا ُروي عن الرس‪FF‬ول ص‪FF‬لى اهلل عليه وس‪FF‬لم‪ « :‬رب حامل فقه‬
‫غري فقيه »(‪ .)2‬أي‪ :‬غري مس‪FF F F F F‬تنبط‪ .‬ومعن‪FF F F F F‬اه‪ :‬أنه حيمل الرواية من غري أن يك‪FF F F F F‬ون له‬
‫استدالل واستنباط فيها‪ .‬وقد ورد يف ديباجة كتابه‪ « :‬وما أش‪F‬بِّهُ الفقيه إال بغ‪FF‬واص يف‬
‫حبر در‪ ،‬كلما غاص يف حبر فطنته استخرج دراً وغريه مستخرج آجراً»(‪.)3‬‬
‫لقد راعى األصوليون – يف مصطلح الفقه – معنيني‪:‬‬
‫‪ – 1‬العلم باألحكام الشرعية العملية‪.‬‬
‫‪ – 2‬العلم باألدلة التفصيلية لكل قضية من القض‪F‬ايا‪ .‬فلبي‪F‬ان أن الربا ح‪F‬رام ‪ -‬قليالً‬
‫ك ‪FF‬ان أو كث ‪FF‬رياً – ينبغي ذكر ال ‪FF‬دليل املناسب من الق ‪FF‬رآن الك ‪FF‬رمي‪َ  :‬وَأ َح َّل هَّللا ُ ا ْلبَ ْي َع‬
‫الربا ‪. )4( ‬‬
‫َو َح َّر َم ِّ‬
‫فتعريف الفقه بأنه اس‪FF‬تنباط األحك‪FF‬ام‪ ،‬يعين أن ما ُد ِّون من مس‪FF‬ائل الفقه ليس فقه‪F‬اً‬
‫–اص ‪FF‬طالحاً‪ -‬وحافظها ليس فقيه ‪F‬اً‪ .‬ألن ه ‪FF‬ذه املس ‪FF‬ائل هي نت ‪FF‬ائج الفق ‪FF‬ه‪ ،‬فالع ‪FF‬ارف هبا‬
‫يس‪FF F F‬مى فروعي ‪F F F‬اً ال فقيه ‪F F F‬اً‪ .‬إذ الفقيه إمنا هو اجملتهد ال‪FF F F‬ذي يس‪FF F F‬تطيع اس‪FF F F‬تخالص تلك‬
‫الف ‪FF‬روع من أدلة ص ‪FF‬حيحة‪ ،‬أما دور الف ‪FF‬روعي فيقتصر على التقليد والت ‪FF‬دوين واحلف ‪FF‬ظ‪،‬‬
‫(‪)5‬‬
‫ولذا قيل عنه بأنه ناقل فقه وليس فقيهاً‪.‬‬
‫أصول الفقه‪:‬‬
‫م‪F‬ركب إض‪F‬ايف‪ ،‬وهو – يف ذاته – اسم لعلم خ‪F‬اص‪ .‬ولكن تركيبه اإلض‪F‬ايف يك ِّ‪F‬و ُن‬
‫ج‪FF F‬زءاً من حقيقت‪FF F‬ه؛ ل‪FF F‬ذا ل‪FF F‬زم معرفة ج‪FF F‬زأي ال‪FF F‬رتكيب حىت يتيسر الوق‪FF F‬وف على ه‪FF F‬ذه‬

‫‪ -‬مثل ابن السمعاين يف كتابه «القواطع»‪ .‬البحر المحيط‪ ،‬الزركشي‪.1/16 .‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬احلديث كما أخرجه أبو داود‪ :‬عن زيد بن ثابت قال‪ :‬مسعت رسول اهلل ‪ ‬يقول‪« :‬نضَّر اهلل‬ ‫‪2‬‬

‫ب حامل فقه ليس‬ ‫ور َّ‬


‫ب حامل فقه إىل َم ْن هو أفقه منه‪ُ ،‬‬
‫امرءاً مسع منَّا حديثاً حىت يبلغه‪ُ ،‬فر َّ‬
‫بفقيه»‪ .‬سنن أيب داود‪ .‬ت‪ :‬حممد حميي الدين عبد احلميد‪ .‬صيدا‪-‬بريوت‪ ،‬املكتبة العصرية‪.‬‬
‫كتاب العلم‪ -‬باب‪" :‬فضل نشر العلم"‪ .‬احلديث رقم‪3/322 )3660( :‬؛ ومسند أمحد بن‬
‫حنبل‪ .‬بريوت‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪ .‬ط‪1414( .2 :‬هـ‪1993/‬م)‪.5/83 .‬‬
‫‪ -‬البحر احمليط‪ ،‬الزركشي‪.1/16 .‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬البقرة ‪.275‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬البحر احمليط‪ ،‬الزركشي‪1/17 .‬؛ والتعريفات‪ ،‬اجلرجاين‪ .‬ص ‪.28‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪15‬‬
‫احلقيقة‪ ،‬وقد س‪FF‬بق بي‪FF‬ان معىن املض‪FF‬اف إليه – وهو «الفقه» ‪ -‬فأقتصر على بي‪FF‬ان معىن‬
‫املضاف‪« :‬أصول» وهو مجع‪ :‬أصل‪.‬‬
‫لغةً‪:‬‬
‫يطلق األصل ‪ -‬يف اللغة – على ع ّدة معان‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ -1‬ما يُبتىن عليه غريه‪ .‬سواء كان االبتناء عقلياً أو حسياً‪.‬‬
‫‪ -2‬أساس الشيء الذي يقوم عليه‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫‪ -3‬ما يتفرع عنه غريه‪.‬‬
‫واصطالحاً‪:‬‬
‫يطلق لفظ األصل – يف اصطالح الفقهاء – ويراد به أحد املعاين اآلتية‪:‬‬
‫‪ -1‬الدليل‪ :‬يقال‪ :‬أصل هذه املسألة من الكتاب‪ ،‬أي‪ :‬دليلها‪.‬‬
‫‪ -2‬الرجحان‪ :‬يقال‪ :‬األصل يف الكالم احلقيقة‪ ،‬أي‪ :‬الراجح فيه‪.‬‬
‫‪ -3‬القاع‪FF F‬دة املس‪FF F‬تمرة‪ ،‬كق‪FF F‬وهلم‪ :‬إباحة امليتة للمض‪FF F‬طر على خالف‬
‫األصل‪ ،‬أي‪ :‬على خالف القاعدة‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫‪ -4‬الصورة املقيس عليها‪.‬‬
‫تعريف أصول الفقه بمعناه اللقبي‪:‬‬
‫مبا أن أصل كل شيء هو ما يستند حتقيقه إليه‪ ،‬ميكن القول بأن أصول الفقه هي‪:‬‬
‫« معرفة دالئل الفقه إمجاالً وكيفية االستفادة منها وحال املستفيد »(‪.)3‬‬
‫أصول الفقه بني التعريفني اللقيب واإلضايف‪:‬‬
‫ميكن حصر الفروق بني التعريفني يف نقطتني رئيستني‪:‬‬
‫‪ – 1‬اللقيب هو العلم‪ ،‬واإلضايف موصل إىل العلم‪.‬‬
‫‪ – 2‬اللقيب ال بد فيه من ثالثة أشياء‪:‬‬
‫أ – معرفة الدالئل‪.‬‬
‫ب – كيفية االستفادة‪.‬‬

‫‪ -‬التعريفات‪ .‬ص ‪.28‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬هناية السول لألسنوي‪ ،‬مجال الدين عبد الرحيم‪ .‬عامل الكتب‪( .‬د‪.‬ت)‪.1/7 .‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬م‪.‬س‪.1/5 .‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪16‬‬
‫ج – حال املستفيد‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫أما اإلضايف فهو الدالئل خاصةً‪.‬‬
‫الصلة بين الفقه وأصوله‪:‬‬
‫إن الفقه يُعىن باألدلة التفص ‪FF‬يلية الس ‪FF‬تنباط األحك ‪FF‬ام العملية منه ‪FF‬ا‪ .‬أما أص ‪FF‬ول الفقه‬
‫فموض ‪FF F‬وعه األدلة اإلمجالية من حيث وج ‪FF F‬وه داللتها على األحك ‪FF F‬ام الش ‪FF F‬رعية(‪ .)2‬ومن‬
‫هنا كان علم أصول الفقه – بالنس‪F‬بة للفقه – مثل علم املنطق لس‪F‬ائر العل‪F‬وم الفلس‪F‬فية‪.‬‬
‫إذ إن علم املنطق م ‪FF F F F‬يزان يض ‪FF F F F‬بط العقل ومينعه من اخلطأ يف التفك ‪FF F F F‬ري‪ ،‬فك ‪FF F F F‬ذلك علم‬
‫ط له يض ‪FF F F‬بطه‪ ،‬وحيول دون وقوعه يف اخلطأ عند‬ ‫األص ‪FF F F‬ول‪ .‬فهو م ‪FF F F‬يزان للفقيه وض ‪FF F F‬اب ٌ‬
‫(‪)3‬‬
‫االستنباط‪.‬‬

‫الشريعة‪:‬‬
‫تُطلق كلمة «الشريعة» ‪ -‬في اللغة – على‪:‬‬
‫‪ – 1‬الطريقة املس‪FF F‬تقيمة‪ .‬ومن ذلك قوله تع‪FF F‬اىل‪  :‬ثُ َّم َج َع ْلنَاكَ َعلَى َ‬
‫ش ِري َع ٍة‬
‫ِم َن اَأْل ْم ِر فَاتَّبِ ْع َها ‪ . )4(‬أي‪ :‬على طريقة مستقيمة‪.‬‬
‫(‪)5‬‬
‫‪ – 2‬مورد الناس لالستسقاء‪ .‬ومُس ي – بذلك – لوضوحه وظهوره‪.‬‬
‫الشرع‪:‬‬

‫‪ -‬هناية السول‪.1/6 .‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬املوسوعة الفقهية‪ ،‬وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية‪ .‬الكويت‪ .‬ط‪1414( .4 :‬هـ‪/‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪1993‬م)‪.32/194 .‬‬
‫‪ -‬أصول الفقه‪ ،‬أبو زهرة‪ .‬ص ‪.9‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬اجلاثية ‪.18‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬لسان العرب‪ ،‬ابن منظور‪ .‬ت‪ :‬علي شريي‪ .‬بريوت‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب ومؤسسة‬ ‫‪5‬‬

‫التاريخ العريب‪ .‬ط‪1412( .2 :‬هـ‪1992/‬م)‪ .‬مادة‪« :‬شرع»‪.88-7/86 .‬‬

‫‪17‬‬
‫الشرع ‪ -‬ومجعه شرائع – معناه – لغةً – البيان واإلظهار‪ .‬يقال‪ :‬ش‪FF‬رع اهلل ك‪FF‬ذا‪،‬‬
‫أي‪ :‬جعله طريق‪F‬اً وم‪FF‬ذهباً(‪ .)1‬مث غلب اس‪FF‬تعماله يف ال‪FF‬دين ومجيع أحكام‪FF‬ه‪ ،‬ق‪FF‬ال تع‪FF‬اىل‪:‬‬
‫‪ ‬لِ ُك ٍّل َج َع ْلنَا ِم ْن ُك ْم ِش ْر َعةً َو ِم ْن َهاجا ً ‪. )2(‬‬
‫ق ‪FF‬ال ص ‪FF‬احب التحرير والتن ‪FF‬وير(‪ « :)3‬إن الش ‪FF‬رعة والش ‪FF‬ريعة‪ :‬املاء الكث ‪FF‬ري‪ ،‬ومُس يت‬
‫الديانة ش ‪FF‬ريعةً على التش ‪FF‬بيه‪ .‬ألن فيها ش ‪FF‬فاءً للنف ‪FF‬وس وطهارهتا‪ ،‬والع ‪FF‬رب تش ‪FF‬به باملاء‬
‫وأحواله كثرياً »‪.‬‬
‫واص طالحاً‪ « :‬ما ن‪FF F‬زل به ال‪FF F‬وحي على رس‪FF F‬ول اهلل ص‪FF F‬لى اهلل عليه وس‪FF F‬لم ‪ -‬من‬
‫األحك‪FF‬ام – يف الكت‪FF‬اب أو الس‪FF‬نة‪ .‬مما يتعلق بالعقائد والوج‪FF‬دانيات وأفع‪FF‬ال املكلفني –‬
‫قطعياً كان أو ظنياً»(‪ .)4‬وقد كان لفظ الشرع مرادفاً للفظ الفقه يف الصدر األول‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬وقد يُعرب عن الشريعة بألفاظ أخرى‪ ،‬مثل‪ :‬الدين‪ ،‬وامللة‪ ،‬واإلسالم‪.‬‬
‫ف ‪FF‬إن ه ‪FF‬ذه األلف‪FF F‬اظ – مجيعها – تعرِّب عن م ‪FF‬دلول واح ‪FF‬د‪ ،‬هو ما ش ‪FF‬رعه اهلل تع‪FF F‬اىل‬
‫وكلفنا ب‪FF F F F‬ه‪ ،‬وبلَّغه لنا رس‪FF F F F‬وله الك‪FF F F F‬رمي ص‪FF F F F‬لى اهلل عليه وس‪FF F F F‬لم من العقائد واألخالق‬
‫واآلداب واملع‪FF F‬امالت‪ .‬غري أن ه‪FF F‬ذه األحك‪FF F‬ام تس‪FF F‬مى ش‪FF F‬ريعةً باعتب‪FF F‬ار وض‪FF F‬عها وبياهنا‬
‫واس ‪FF‬تقامتها‪ ،‬وتس ‪FF‬مى دين ‪F‬اً باعتب ‪FF‬ار االنقي ‪FF‬اد واخلض ‪FF‬وع هلا وعب ‪FF‬ادة اهلل – عز وجل –‬
‫وفق مقتضاها‪ ،‬وتُسمى ملةً باعتبار إمالئها على الناس وتلقينهم إياها‪.‬‬
‫دائرة الشريعة‪:‬‬
‫مهم ج‪FF‬داً‪ .‬إذ به يتم‪FF‬يز ما هو من‬
‫إن حتديد دائ‪FF‬رة الش‪FF‬ريعة – حتدي‪FF‬داً دقيق ‪F‬اً – أمر ٌ‬
‫الش ‪FF F‬ريعة وما ليس منه ‪FF F‬ا‪ .‬فما دامت الش ‪FF F‬ريعة هي‪ « :‬الطريقة املخصوصة املش ‪FF F‬روعة‬
‫ببي‪FF‬ان النيب ص‪FF‬لى اهلل عليه وس‪FF‬لم »(‪ ،)5‬ف‪FF‬إن األحك‪FF‬ام اليت مل ت‪FF‬رد يف الق‪FF‬رآن الك‪FF‬رمي وال‬
‫يف الس ‪FF F‬نة النبوية – القولية أو الفعلية أو التقريرية ‪ ،-‬وإمنا ك ‪FF F‬انت اس‪FF F‬تنباطاً من ل ‪FF F‬دن‬

‫‪ -‬التعريفات‪ .‬ص ‪.132‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬املائدة ‪.48‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬حممد الطاهر بن عاشور‪ .‬تونس‪ ،‬الدار التونسية للنشر‪ .‬ط‪ :‬سنة (‪1984‬م)‪.6/233 .‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬املوسوعة الفقهية‪(.‬الكويت)‪.32/194 .‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬موسوعة مصطلحات أصول الفقه‪ ،‬رفيق العجم‪ .‬مادة‪« :‬شرع»‪ ،1/818 .‬نقالً عن‪:‬‬ ‫‪5‬‬

‫«نسمات األسحار» البن عابدين (‪.)4/29‬‬

‫‪18‬‬
‫اجملته ‪FF‬دين‪ ،‬ال ت ‪FF‬دخل يف دائ ‪FF‬رة الش ‪FF‬ريعة‪ .‬وإن تس ‪FF‬ميتها ش ‪FF‬ريعةً‪ ،‬ونس ‪FF‬بتها إىل الش ‪FF‬رع‪،‬‬
‫والتعبري عنها بأحك ‪FF F F‬ام ش ‪FF F F‬رعية – يف تعريف الفقه وغ ‪FF F F‬ريه – من ب ‪FF F F‬اب اجملاز؛ ألهنا‬
‫مستنبطة من الشرع‪.‬‬
‫إن الفقه – كما م ‪Fَّ F‬ر – قد نُقل – بغلبة االس ‪FF‬تعمال – من معن ‪FF‬اه الع ‪FF‬ام إىل الداللة‬
‫على علم الفروع‪ .‬واملوازنة بني الفقه – مبفهومه األخري‪ -‬وبني مفهوم الشريعة توضح‬
‫أن بينهما عموم ‪F F‬اً وخصوص ‪F F‬اً من وج ‪FF F‬ه؛ فهما جيتمع ‪FF F‬ان يف األحك ‪FF F‬ام اليت وردت يف‬
‫الكت‪FF F F‬اب والس‪FF F F‬نة‪ ،‬وتنف‪FF F F‬رد الش‪FF F F‬ريعة يف أحك ‪FF F‬ام العقائ ‪FF F‬د‪ ،‬وينف ‪FF F‬رد الفقه يف األحك ‪FF F‬ام‬
‫االجتهادية اليت يرد فيها نص من الكتاب أو السنة ومل جيمع عليها أهل اإلمجاع‪.‬‬
‫وقد شاع ‪ -‬يف الوقت احلاضر – إطالق اسم « الشريعة اإلسالمية» على‬
‫الفقه وما يتصل ب ‪FF F F‬ه‪ ،‬حىت إنه ال يك ‪FF F F‬اد يُفهم من «الش ‪FF F F‬ريعة» ‪ -‬عند اإلطالق – إال‬
‫هذا املعىن‪ ،‬كما أصبح من املألوف – يف ميدان القضاء – استعمال عبارة «املنصوص‬
‫عليه شرعاً» مع أن هذا املنقول قد يكون جمرد رأي ألحد املشتغلني بالفقه‪.‬‬
‫ل‪FF‬ذا‪ ،‬ينبغي حتديد ما يقع يف دائ ‪FF‬رة الفقه وما يقع خارجه ‪FF‬ا؛ ليُعلم – ب ‪FF‬ذلك – مىت‬
‫تُس‪FF‬مى آراء الفقه‪FF‬اء واجته‪FF‬اداهتم فقه ‪F‬اً‪ ،‬فيُعتد هبا وتُ‪FF‬درج يف ب‪FF‬اب االجته‪FF‬اد‪ ،‬ومىت ال‬
‫(‪)1‬‬
‫تُسمى كذلك‪ ،‬فال يُعتد هبا وال تدخل حتت هذا الباب‪.‬‬
‫كما ينبغي – أيض‪F F F‬اً – توض ‪FF F‬يح مس ‪FF F‬ألة غاية يف األمهي ‪FF F‬ة‪ ،‬وهي أن عصر تك ‪FF F‬وين‬
‫الشرع اإلسالمي هو عصر النيب صلى اهلل عليه وس‪FF‬لم ال غ‪FF‬ري؛ ففي ه‪FF‬ذا العصر اكتمل‬
‫الش ‪FF F‬رع‪ ،‬واس ‪FF F‬تقر ال ‪FF F‬دين كما أخرب – ب ‪FF F‬ذلك – املوىل – عز وجل– يف كتابه العزيز‬
‫بقوله–جل ش ‪FF F‬أنه‪  :-‬ا ْليَ ْو َم َأ ْك َم ْلتُ لَ ُك ْم ِدينَ ُك ْم َوَأ ْت َم ْمتُ َعلَ ْي ُك ْم نِ ْع َمتِي َو َر ِ‬
‫ضيتُ‬
‫س_ال َم ِدين_ا ً ‪ .)2(‬وبانتق‪FF F‬ال الرس‪FF F‬ول ص‪FF F‬لى اهلل عليه وس‪FF F‬لم إىل الرفيق األعلى‬ ‫لَ ُك ُم اِأْل ْ‬
‫انتهى زمن التش ‪FF F‬ريع احلقيقي بعد أن أدى عليه الص ‪FF F‬الة والس ‪FF F‬الم الرس ‪FF F‬الة كامل‪F F F‬ةً غري‬
‫منقوص ‪Fٍ F F F‬ة‪َّ .‬أما ما تال عصر النب ‪FF F F‬وة من بي ‪FF F F‬ان أحك ‪FF F F‬ام‪ ،‬فإمنا هو جمرد ختريج على ما متَّ‬

‫‪ -‬موسوعة الفقه اإلسالمي‪ ،‬اجمللس األعلى للشؤون اإلسالمية‪ .‬القاهرة‪1418( .‬هـ)‪.13 /1 .‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬املائدة ‪.3‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪19‬‬
‫تأسيس‪FF‬ه‪ ،‬واس‪FF‬تنباط مما ورد يف كت‪FF‬اب اهلل تع‪FF‬اىل وس‪FF‬نة نبيه ص‪FF‬لى اهلل عليه وس‪FF‬لم ق‪FF‬والً‬
‫(‪)1‬‬
‫أو فعالً أو تقريراً‪.‬‬
‫االجتهاد‪:‬‬
‫االجته ‪FF‬اد – لغ ‪F‬ةً – مص ‪FF‬در م ‪FF‬أخوذ من اجله‪FF‬د‪ .‬وهو الطاقة واملش ‪FF‬قة‪ .‬يق ‪FF‬ال‪ :‬اجهد‬
‫جهدك‪ ،‬أي‪ :‬ابلغ غايتك(‪ )2‬يف حتصيل ما فيه مشقة وكلفة‪.‬‬
‫واصطالحاً‪ :‬هو‪ « :‬استفراغ الوسع يف درك األحكام الشرعية »(‪.)3‬‬
‫فاجملتهد هو املستفرغ جهده يف درك األحكام الشرعية‪.‬‬
‫واجملتهد فيه هو كل حكم شرعي ليس فيه دليل قطعي‪.‬‬
‫وقد أض ‪FF F F‬اف أبو إس ‪FF F F‬حاق الش ‪FF F F‬ريازي(‪ – )4‬يف تعريفه(‪ – )5‬قي ‪FF F F‬داً مهم‪F F F F‬اً‪ ،‬فقـال‪:‬‬
‫« االجته ‪FF‬اد هو ب ‪FF‬ذل الوسع وب ‪FF‬ذل اجمله ‪FF‬ود يف طلب احلكم الش ‪FF‬رعي ممن هو من أهل‬
‫االجتهاد »‪ .‬أي‪ :‬أن يكون اجملتهد عارفاً بطرق االجتهاد‪ ،‬فإن مل يكن عارف‪F‬اً هبا‪ ،‬فال‬
‫الوسع والطاقةَ‪.‬‬
‫َ‬ ‫ميكن َعدُّهُ جمتهداً وِإ ْن أفرغ‬
‫واشرتط الغزايل للمجتهد شرطني‪:‬‬
‫‪ – 1‬أن يك‪FF F‬ون حميط ‪F F‬اً مبدارك الش‪FF F‬رع‪ ،‬متمكن ‪F F‬اً من اس‪FF F‬تثارة الظن ب‪FF F‬النظر فيها‬
‫وتقدمي ما جيب تقدميه‪ ،‬وتأخري ما جيب تأخريه‪.‬‬

‫‪ -‬الشريعة اإلسالمية‪ ،‬حممد أبو زهرة‪ .‬القاهرة‪ ،‬دار الفكر العريب‪( .‬د‪.‬ت)‪ .‬ص ‪65‬؛ وتاريخ‬ ‫‪1‬‬

‫الفقه اإلسالمي‪ ،‬عمر سليمان األشقر‪ .‬اجلزائر‪ ،‬قصر الكتاب‪1990(.‬م)‪ .‬ص ‪.16 -14‬‬
‫‪ -‬القاموس احمليط‪ ،‬الفريوزآبادي‪ F،‬جمد الدين حممد‪ .‬بريوت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ .‬ط‪( .1 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪1415‬هـ‪1995/‬م)‪ .‬مادة‪« :‬جهد»‪.1/396 .‬‬


‫‪ -‬هناية السول‪.4/524 .‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬هو‪ :‬إبراهيم بن علي بن يوسف الشريازي‪ :‬شيخ اإلسالم‪ُ ،‬ولد يف فريوزآباد من قرى شرياز‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫قال – رمحه اهلل ‪ «:-‬ملا خرجت إىل خراسان مل أدخل قريةً وال بلد ًة إال وجدت قاضيها من‬
‫تالميذي »‪ .‬كان شاعراً فصيحاً‪ .‬كانت وفاته بالبصرة سنة (‪476‬هـ)‪ .‬طبقات الفقهاء‪،‬‬
‫الشريازي‪ ،‬أبو إسحاق‪ .‬تصحيح‪ :‬خليل امليِّس‪ .‬بريوت‪ ،‬دار القلم‪( .‬د‪.‬ت)‪ .‬ص ‪.236‬‬
‫‪ -‬شرح اللمع‪ ،‬الشريازي‪ .‬ت‪ :‬عبد اجمليد تركي‪ .‬بريوت‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ .‬ط‪( .1 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪1408‬هـ‪1988/‬م)‪.2/1043 .‬‬

‫‪20‬‬
‫‪ – 2‬أن يك ‪FF‬ون ع ‪FF‬دالً جمتنب‪F F‬اً للمعاصي القادحة يف العدال ‪FF‬ة‪ .‬لكن ه ‪FF‬ذا الش ‪FF‬رط –‬
‫(‪)1‬‬
‫كما قال الغزايل – هو جلواز الفتوى والعمل هبا ال لصحة االجتهاد‪.‬‬
‫االستنباط‪:‬‬
‫االستنباط – لغةً ‪ :-‬مصدر للفعل «نبط»‪ ،‬فالسين والتاء فيه للطلب‪.‬‬
‫ومعىن نب ‪FF F F F‬ط‪ :‬اس ‪FF F F F‬تخرج‪ .‬يق ‪FF F F F‬ال‪ :‬اس ‪FF F F F‬تنبط املاء‪ ،‬إذا اس ‪FF F F F‬تخرجه‪ .‬واملاء نفسه إذا‬
‫(‪)2‬‬
‫استخرج يسمى‪ :‬نبطاً‪.‬‬
‫ويُطلق النبط – أيض‪F‬اً – على أول ما يظهر من م‪FF‬اء الب‪FF‬ئر‪ ،‬وعلى كل ما أظهر بعد‬
‫خفاء‪ ،‬فإنه يقال عنه‪ُ :‬أنْبِ َط واستُنبط‪.‬‬
‫ويف االص طالح‪ :‬االس ‪FF‬تنباط هو إخ ‪FF‬راج الش ‪FF‬يء املغَيَّب من ش ‪FF‬يء آخر ك ‪FF‬ان في ‪FF‬ه‪.‬‬
‫ُ‬
‫وهو – يف ال ‪FF‬دين – ِإ ْن ك ‪FF‬ان منصوص‪F F‬اً على مجلة معن ‪FF‬اه فهو ح ‪FF‬ق‪ ،‬وإال فهو باطل ال‬
‫(‪)3‬‬
‫حيل القول به‪.‬‬
‫ومعىن اس ‪FF F F‬تنبط الفقي‪FF F F‬ه‪ :‬اس‪FF F F‬تخرج الب ‪FF F F‬اطن بفهمه واجته‪FF F F‬اده‪ .‬فاس ‪FF F F‬تنباطه يع‪FF F F‬ين‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫استخراج املعاين من النصوص بفرط الذهن وقوة القرحية‪.‬‬
‫ولعل سر الع ‪FF‬دول عن لفظ االس ‪FF‬تخراج إىل لفظ االس ‪FF‬تنباط اإلش ‪FF‬ارة إىل الكلفة يف‬
‫اس ‪FF‬تخراج املعىن من النص ‪FF‬وص اليت هبا عظمت أق ‪FF‬دار العلم ‪FF‬اء ومست درج ‪FF‬اهتم‪ ،‬فل ‪FF‬وال‬
‫(‪)5‬‬
‫املشقة لساد كل الناس كما قيل‪.‬‬
‫وملا كان االستنباط – يف األصل – هو العملية اليت يقوم هبا اجملتهد أثناء اجته‪FF‬اده‪،‬‬
‫عبُر به عن االجتهاد والعكس‪ .‬فهما لفظان مرتادفان‪.‬‬ ‫فإن كثرياً ما يُ َّ‬
‫المناهج‪:‬‬
‫‪ -‬املستصفى من علم األصول‪ ،‬الغزايل‪ ،‬أبو حامد‪ .‬بريوت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ .‬ط‪( .2:‬د‪.‬ت)‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪.2/350‬‬
‫‪ -‬معجم مقاييس اللغة‪ ،‬ابن فارس‪ ،‬أبو احلسني أمحد‪ .‬ت‪ :‬عبد السالم هارون‪ .‬قُ ْم‪ ،‬مكتب‬ ‫‪2‬‬

‫اإلعالم اإلسالمي‪1404( .‬هـ)‪.5/381 .‬‬


‫‪ -‬اإلحكام يف أصول األحكام‪ ،‬ابن حزم‪ ،‬أبو حممد علي‪ .‬ت‪ :‬جلنة من العلماء‪ .‬القاهرة‪ ،‬دار‬ ‫‪3‬‬

‫احلديث‪ .‬ط‪1404( .1 :‬هـ‪1984/‬م)‪.1/49 .‬‬


‫‪ -‬التعريفات‪ .‬ص ‪.22‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬التقرير والتحبري‪ ،‬ابن أمري احلاج‪.1/18 .‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪21‬‬
‫املن‪FF F F‬اهج‪ :‬مجع مف‪FF F F‬رده منهج وهو الطريق الواض‪FF F F‬ح‪ .‬ورد يف الق‪FF F F‬اموس احمليط(‪ )6‬أن‬
‫النهج واملنهج واملنه‪FF‬اج‪ :‬الطريق الواض‪FF‬ح‪ .‬وَأْن َه َج الطري‪Fُ F‬ق‪َ :‬وضح وأوض‪FF‬ح‪ ،‬وهنج فالن‬
‫سبيل فالن‪ :‬سلك مسلكه‪.‬‬

‫‪ -‬مادة‪« :‬هنج» ‪.1/288 .‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪22‬‬
‫وعلى ه‪FF‬ذا تك‪FF‬ون من‪FF‬اهج االجته‪FF‬اد أو االس‪FF‬تنباط‪ :‬هي ط‪FF‬رق االجته‪FF‬اد أو املس‪FF‬الك‬
‫(‪)1‬‬
‫اليت يسلكها اجملتهد الستنباط األحكام للحوادث موضوع النظر‪.‬‬
‫االختالف‪:‬‬
‫االختالف – لغةً – مصدر اختلف وهو نقيض االتفاق‪.‬‬
‫جاء يف الكليات(‪ ،)2‬اختلف‪ :‬ضد اتفق‪ ،‬واملخالفة ترك املوافقة‪.‬‬
‫ويُستعمل االختالف – عند الفقه‪FF‬اء – مبعن‪FF‬اه اللغ‪F‬وي وك‪F‬ذلك اخلالف‪ .‬وقد ذُكر‬
‫بأن االختالف هو أن يكون الطريق خمتلفاً واملقص‪FF‬ود واح‪FF‬داً‪ ،‬كما ذُكر أن االختالف‬
‫(‪)3‬‬
‫ما يستند إىل دليل‪ ،‬واخلالف ما ال يستند إىل دليل‪.‬‬
‫ولعل ابن خل ‪FF F F F F‬دون(‪ )4‬ممن أج ‪FF F F F F‬ادوا يف التعريف باخلالفي ‪FF F F F F‬ات‪ ،‬حيث ق ‪FF F F F F‬ال ‪ -‬يف‬
‫مقدمته(‪ « :- )5‬وأما اخلالفيات‪ ،‬فاعلم أن هذا الفقه املستنبط من األدلة الشرعية ك‪FF‬ثر‬
‫فيه اخلالف بني اجملته‪FF‬دين ب‪FF‬اختالف م‪FF‬داركهم وأنظ‪FF‬ارهم‪...‬واتسع ذلك – يف امللة –‬
‫اتس‪FF F‬اعاً عظيم ‪F F‬اً‪ ،‬وك‪FF F‬ان للمقل‪FF F‬دين أن يقل‪FF F‬دوا من ش‪FF F‬اءوا منهم‪ ،‬مث ملا انتهى ذلك إىل‬
‫األئمة األربعة من علم ‪FF‬اء األمص ‪FF‬ار وك‪FF F‬انوا مبك‪FF F‬ان من حسن الظن هبم‪ ،‬اقتصر الن‪FF F‬اس‬
‫على تقلي ‪FF‬دهم ومنع ‪FF‬وا من تقليد س ‪FF‬واهم ل ‪FF‬ذهاب االجته ‪FF‬اد‪...‬ف ‪FF‬أقيمت ه ‪FF‬ذه املذاهب‬
‫األربعة على أص ‪FF F F‬ول امللة وأج ‪FF F F‬ري اخلالف بني املتمس ‪FF F F‬كني هبا واآلخ ‪FF F F‬ذين بأحكامها‬
‫جمرى اخلالف يف النصوص الشرعية واألصول الفقهية‪.» ..‬‬
‫وعلم اخلالف مس‪FF F F‬تمد من العل‪FF F F‬وم العربية والش‪FF F F‬رعية‪ ،‬ومبادئه مس‪FF F F‬تنبطة من علم‬
‫(‪)6‬‬
‫اجلدل‪ ،‬ولعل أول َم ْن أخرج علم اخلالف أبو زيد الدبوسي‪.‬‬

‫‪ -‬يقول أحد األصوليني املعاصرين‪ « :‬املناهج هي القواعد العامة واملعايري العلمية اليت يتوصل هبا‬ ‫‪1‬‬

‫اجملتهد إىل استنباط األحكام من األدلة » ‪ .‬املناهج األصولية لالجتهاد بالرأي‪ F،‬فتحي الدريين‪.‬‬
‫دمشق‪ ،‬دار الكتاب احلديث‪ .‬ط‪1395( .1 :‬هـ‪1975/‬م)‪ .‬ص ‪.34‬‬
‫‪ -‬ص ‪.427-426‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬م‪.‬س‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬عبد الرمحن بن حممد‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬بريوت‪ ،‬دار اجليل‪( .‬د‪.‬ت)‪ .‬ص ‪.505‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ -‬عبيد بن عمر بن عيسى البخاري احلنفي‪ :‬فقيه أصويل‪ ،‬ويل القضاء‪ ،‬وهو أول من وضع علم‬ ‫‪6‬‬

‫اخلالف‪ .‬تويف ببخارى سنة (‪430‬هـ)‪ .‬من مؤلفاته‪« :‬تقومي األدلة»‪ ،‬و«كتاب األسرار»‪،‬‬

‫‪23‬‬
‫الجـدل‪:‬‬
‫لغة معن ‪FF‬اه اإلحك ‪FF‬ام‪ ،‬يق ‪FF‬ال‪ :‬درع جمدولة إذا ك ‪FF‬انت حُمْ َك َم‪ F‬ةَ النس ‪FF‬ج‪ ،‬وحبل جمدول‬
‫إذا ك ‪FF‬ان حمكم الفت ‪FF‬ل‪ .‬وه ‪FF‬ذا املص ‪FF‬طلح ق ‪FF‬ريب من س ‪FF‬ابقه‪ ،‬لكن هن ‪FF‬اك اختالف‪F F‬اً دقيق‪F F‬اً‬
‫بينهم ‪FF F F‬ا؛ فاجلدل – كما عُ ‪Fِّ F F F‬رف ‪ :-‬ت ‪FF F F‬ردد الكالم بني اخلص ‪FF F F‬مني إذا قصد كل واحد‬
‫(‪)1‬‬
‫منهما إحكام قوله ليدفع به قول صاحبه‪ ،‬واجلدال ال يصح إال من اثنني‪.‬‬
‫وقد عُ ‪Fِّ F‬رف – أيض‪F F‬اً – بأنه علم ب ‪FF‬احث عن الط ‪FF‬رق اليت يقت ‪FF‬در هبا على إب ‪FF‬رام أي‬
‫ُأريد ونقض أي وضع ك‪FF‬ان(‪ ،)2‬ف‪FF‬الغرض منه إل‪FF‬زام اخلصم والتغلب عليه يف مق‪FF‬ام‬
‫وضع َ‬
‫(‪)3‬‬
‫االستدالل‪.‬‬
‫وهو من ف‪FF F‬روع علم النظ‪FF F‬ر‪ ،‬وقد يق‪FF F‬ال عنه – أحيان ‪F F‬اً – علم املن‪FF F‬اظرة‪ ،‬لكن علم‬
‫املناظرة أعم من علم اجلدل؛ فاملناظرة أو ما يُعرف بآداب البحث األصل فيها العمل‬

‫(‪)4‬‬
‫للوقوف على أدلة كل من املتناظرين‪ ،‬مث املصري إىل من ثبت أن احلق معه‪.‬‬
‫ف‪FF F‬الغرض من املن‪FF F‬اظرة الوص‪FF F‬ول إىل الص‪FF F‬واب يف املوض‪FF F‬وع ال‪FF F‬ذي اختلفت أنظ‪FF F‬ار‬
‫املتناقشني فيه‪.‬‬

‫و«تأسيس النظر يف اختالف األئمة»‪.‬سري أعالم النبالء‪ ،‬الذهيب‪ ،‬مشس الدين حممد‪ .‬ت‪ :‬شعيب‬
‫األرنؤوط وآخرين‪.‬بريوت‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ .‬ط‪1414(.10:‬هـ)‪17/521.‬؛ وتاج الرتاجم‪،‬‬
‫ابن قطلوبغا‪ .‬ت‪ :‬إبراهيم صاحل‪ .‬بريوت‪ ،‬دار املأمون للرتاث‪ .‬ط‪1412( .1 :‬هـ‪1992/‬م)‪.‬‬
‫ص ‪131‬؛ ومعجم املؤلفني‪ F،‬عمر رضا كحالة‪ .‬بريوت‪،‬دار إحياء الرتاث العريب‪(.‬د‪.‬ت) ‪.6/97‬‬
‫‪ -‬لسان العرب‪ .‬مادة‪« :‬جدل»‪.2/211 .‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬أجبد العلوم‪ ،‬القنوجي‪ ،‬صديق‪ .‬بريوت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪-‬مكة املكرمة‪ ،‬دار الباز‪( .‬د‪.‬ت)‪F.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪.2/208‬‬
‫‪ -‬تاريخ اجلدل‪ ،‬حممد أبو زهرة‪ .‬القاهرة‪ ،‬دار الفكر العريب‪( .‬د‪.‬ت)‪ F.‬ص ‪.5‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬مفتاح السعادة‪ ،‬طاش كربي زاده‪ ،‬أمحد بن مصطفى‪ .‬بريوت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ .‬ط‪.1:‬‬ ‫‪4‬‬

‫(‪1405‬هـ‪1985/‬م)‪.2/555 .‬‬

‫‪24‬‬
‫ف ‪FF F‬إذا ح ‪FF F‬اد املتناقش ‪FF F‬ان عن طلب الوص ‪FF F‬ول إىل احلق‪ ،‬أو حتولت املناقشة إىل حماولة‬
‫إل ‪FF‬زام اخلصم باللجاجة وقصد االنتص ‪FF‬ار للنفس ولو على حس ‪FF‬اب طلب احلق‪ ،‬فإهنا –‬
‫(‪)5‬‬
‫حينئذ – تصبح مكابرةً‪.‬‬
‫القضـاء‪:‬‬
‫القضاء في اللغة‪:‬‬
‫للقضاء – يف اللغة – عدة معان‪ .‬منها‪ :‬احلكم والفصل والقطع‪ ،‬ويأيت على وجوه‬
‫مرجعها انقض ‪FF‬اء الش ‪FF‬يء ومتام ‪FF‬ه‪ .‬من ذلك اخللق والص ‪FF‬نع‪ ،‬كقوله تع ‪FF‬اىل‪  :‬فَقَ َ‬
‫ضاهُنَّ‬
‫ت ‪ ،)2(‬واحلتم واألمر واإلبالغ والعهد والوص‪FF‬ية واإلمتام وبل‪FF‬وغ الش‪FF‬يء‬
‫س َما َوا ٍ‬
‫س ْب َع َ‬
‫َ‬
‫(‪)3‬‬
‫ونواله‪.‬‬
‫عرفه األحن اف بأن ‪FF‬ه‪ « :‬فصل اخلص ‪FF‬ومات وقطع املنازع ‪FF‬ات على‬
‫ويف االص طالح َّ‬
‫وجه خاص »(‪.)4‬‬
‫وعرفه المالكية بأنه‪ « :‬اإلخبار عن حكم شرعي على سبيل اإللزام »(‪.)5‬‬
‫َّ‬

‫‪ -‬تاريخ اجلدل‪ ،‬أبو زهرة‪ .‬ص ‪.5‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ -‬فصلت ‪.12‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬لسان العرب‪ .‬مادة‪« :‬قضي»‪.11/209 .‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬حاشية رد احملتار على الدر املختار‪ :‬شرح تنوير األبصار‪ ،‬البن عابدين‪ ،‬حممد األمني‪ .‬بريوت‪،‬‬ ‫‪4‬‬

‫دار الفكر‪ .‬ط‪ :‬سنة (‪1412‬هـ‪1992/‬م)‪.5/352 .‬‬


‫‪ -‬تبصرة احلكام يف أصول األقضية ومناهج احلكام‪ ،‬البن فرحون‪ ،‬برهان الدين إبراهيم‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫بريوت‪ ،‬دار الكتب العلمية ( عن الطبعة األوىل مبصر لعام‪1301 :‬هـ)‪.1/8 .‬‬

‫‪25‬‬
‫وعرفه الشافعية بأنه‪ « :‬احلكم الذي يستفيده القاضي بالوالية‪ ،‬وهو إظهار حكم‬
‫َّ‬
‫الشرع يف الواقعة فيمن جيب عليه إمضاؤه »(‪.)1‬‬
‫وعرفه الحنابلة بأنه‪ « :‬تبيني احلكم الشرعي واإللزام به وفصل اخلصومات »(‪.)2‬‬
‫َّ‬
‫الفتوى‪:‬‬
‫الفت‪F‬وى – لغة – اسم مص‪F‬در مبعىن اإلفت‪F‬اء‪ .‬يق‪F‬ال‪ :‬أف‪F‬تيت فالن‪F‬اً رؤيا إذا عرَّب هتا ل‪F‬ه‪.‬‬
‫وأفتيته يف مسألته‪ :‬إذا أجبته عنها‪ .‬والفتيا تبيني املشكل من األحك‪FF‬ام‪ ،‬وأفىت املف‪FF‬يت‪ :‬إذا‬
‫(‪)3‬‬
‫أخرب عن حكم‪.‬‬
‫واالس‪FF F‬تفتاء – لغ ةً – طلب اجلواب عن األمر املش‪FF F‬كل‪ .‬ومنه قوله تع‪FF F‬اىل‪َ  :‬وال‬
‫ت فِي ِه ْم ِم ْن ُه ْم َأ َح___ داً ‪ ، )4(‬وقد يك‪FF F F F F‬ون جمرد س‪FF F F F F‬ؤال‪ ،‬ومنه قوله تع‪FF F F F F‬اىل‪ :‬‬
‫َس___تَ ْف ِ‬
‫ت ْ‬
‫ش ُّد َخ ْلقا ً َأ ْم َمنْ َخلَ ْقنَا ‪.)5(‬‬
‫ستَ ْفتِ ِه ْم َأ ُه ْم َأ َ‬
‫فَا ْ‬
‫واصطالحاً‪ :‬تبيني احلكم الشرعي عن دليل ملن سأل عنه‪ ،‬وهذا يشمل الس‪FF‬ؤال يف‬
‫(‪)6‬‬
‫الوقائع وغريها‪.‬‬
‫واملف ‪FF‬يت‪ :‬اسم فاع ‪FF‬ل‪ .‬من أف ‪FF‬ىت‪ ،‬وهو َم ْن ق ‪FF‬ام للن ‪FF‬اس ب ‪FF‬أمر دينهم‪ ،‬وعلم مجل عم ‪FF‬وم‬
‫القرآن وخصوصه‪ ،‬وناسخه ومنسوخه‪ ،‬وكذلك السنن واالستنباط‪.‬‬

‫‪ -‬زاد احملتاج بشرح املنهاج‪ ،‬للكوهجي‪ ،‬الشيخ عبد اهلل‪ .‬ت‪ :‬عبد اهلل بن إبراهيم األنصاري‪F.‬‬ ‫‪1‬‬

‫صيدا‪-‬بريوت‪ ،‬املكتبة العصرية‪1409( .‬هـ‪1988/‬م)‪.4/510 .‬‬


‫‪ -‬الروض املربع بشرح زاد املستقنع‪ ،‬للبهويت‪ ،‬منصور بن يونس‪ .‬بريوت‪ ،‬عامل الكتب‪( .‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪1405‬هـ‪1985/‬م)‪ .‬ص ‪.472‬‬


‫‪ -‬لسان العرب‪ .‬مادة‪« :‬فتوى»‪.10/183 .‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬الكهف ‪.22‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬الصافات ‪.11‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ -‬املوسوعة الفقهية‪( .‬الكويت)‪.32/20 .‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪26‬‬
‫الفرق بين القضاء والفتوى‪:‬‬
‫هناك فروق مهمة بني القضاء والفتوى‪ .‬وميكن إمجاهلا يف ما يلي‪:‬‬
‫‪ – 1‬الفتوى إخبار عن احلكم الشرعي‪ .‬والقضاء إنشاء للحكم بني املتخاصمني‪.‬‬
‫‪ – 2‬الفت ‪FF‬وى ال تل ‪FF‬زم املس ‪FF‬تفيت أو غ ‪FF‬ريه؛ فله أن يأخذ هبا ِإ ْن رآها ص ‪FF‬واباً‪ ،‬وله أن‬
‫يرتكها ويأخذ بفتوى مفت آخر‪ .‬أما احلكم القضائي فهو ملزم‪.‬‬
‫وعلي‪FF‬ه‪ ،‬فال إجب‪FF‬ار وال إل‪FF‬زام يف دع‪FF‬وى أحد املتخاص‪FF‬مني على فت‪FF‬اوى الفقه‪FF‬اء‪ ،‬أما‬
‫إذا ك‪FF‬انت ال‪FF‬دعوى إىل القاضي ُأل‪FF‬زم باإلجاب‪FF‬ة؛ ِإ ْذ القاضي منص‪FF‬وب لقطع اخلص‪FF‬ومات‬
‫وإهنائها‪.‬‬
‫‪ – 3‬املفيت يفيت ديّان ‪F F‬ةً – أي على ب‪FF F‬اطن األمر ‪ ،-‬ويُ‪FF F‬ديِّ ُن املس‪FF F‬تفيت‪ ،‬أما القاضي‬
‫فيقضي على الظاهر‪.‬‬
‫‪ – 4‬حكم القاضي ج ‪FF‬زئي خ ‪FF‬اص ال يتع ‪FF‬دى إىل غري احملك ‪FF‬وم عليه ول ‪FF‬ه‪ ،‬وفت ‪FF‬وى‬
‫املفيت شريعة عامة تتعلق باملستفيت وغريه‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫‪ – 5‬القضاء ال يكون إال بلفظ منطوق‪ ،‬أما الفتيا فتكون كتابةً وفعالً وإشار ًة‪.‬‬
‫الرأي‪:‬‬
‫من املهم ج‪FF F‬داً الوق‪FF F‬وف عند ه‪FF F‬ذا املص‪FF F‬طلح ملعرفة داللته وحتديد معانيه اليت ك‪FF F‬ثر‬
‫استعماهلا يف مواضع تبدو متعارضةً متام التعارض‪ .‬إذ وردت نصوص وآثار تذم ال‪FF‬رأي‬
‫والعمل به يف قضايا الفقه والتشريع‪ ،‬يف حني استشهد فقه‪FF‬اء كث‪F‬ريون بنص‪FF‬وص أخ‪FF‬رى‬
‫تستحسن الرأي وتنسب ألصحابه فضالً وميز ًة‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫فالرأي – يف اللغة ‪ :-‬العقل والتدبري‪ ،‬وما ارتآه اإلنسان واعتقده‪.‬‬
‫أما يف االصطالح فيطلق على معان ثالثة‪:‬‬
‫‪ – 1‬احلكم بغري دليل شرعي اتباعاً هلوى النفس‪ .‬ويف ه‪FF‬ذا املعىن ورد قوله تع‪FF‬اىل‪:‬‬
‫_وا َء ُه ْ_م َو َمنْ َأ َ‬
‫ض_ ُّل ِم َّم ِن اتَّبَ_ َع‬ ‫_ون َأ ْه_ َ‬
‫ست َِجيبُوا لَ__كَ فَ__ا ْعلَ ْم َأنَّ َما يَتَّبِ ُع_ َ‬
‫‪ ‬فَِإنْ لَ ْم يَ ْ‬

‫‪ -‬املوسوعة الفقهية‪( .‬الكويت)‪ ،32/21 .‬و‪.33/282‬‬ ‫‪1‬‬

‫املعرب‪ ،‬املطرزي‪ ،‬أبو الفتح ناصر‪.‬‬


‫واملغرب‪ F‬يف ترتيب ّ‬
‫‪ -‬لسان العرب‪ ،‬مادة "رأي"‪5/90 F‬؛ ّ‬
‫‪2‬‬

‫بريوت‪ ،‬دار الكتاب العريب‪( .‬د‪.‬ت)‪ F.‬ص ‪.179‬‬

‫‪27‬‬
‫ين ‪ ، )1(‬وقوله ص‪FF F‬لى اهلل‬‫ى ِم َن هَّللا ِ ِإنَّ هَّللا َ ال يَ ْه ِدي ا ْلقَ ْو َم الظَّالِ ِم َ‬
‫َه َواهُ بِ َغ ْي ِر هُد ً‬
‫عليه وس ‪FF‬لم ‪ « :‬إن اهلل ال يقبض العلم انتزاع‪F F‬اً ينتزعه من العب ‪FF‬اد‪ ،‬ولكن يقبض العلم‬
‫بقبض العلماء حىت إذا مل يبق عاملاً اختذ الن‪FF‬اس رءوس‪F‬اً جهـاالً‪ ،‬فس‪FF‬ئلوا ف‪FF‬أفتوا بغري علم‬
‫فض‪FF F‬لوا وأض‪FF F‬لوا »(‪ .)2‬وق‪FF F‬ول أيب بكر الص‪FF F‬ديق – رضي اهلل عنه ‪« :-‬أي مساء تظلين‬
‫وأي أرض تقلين إذا قلت يف كتاب اهلل برأيي »(‪.)3‬‬
‫‪ – 2‬االجتهاد يف تفسري النصوص وبيان الداللة منها‪ .‬فهو مرادف االجتهاد‪.‬‬
‫‪ – 3‬األدلة الش‪FF F F F‬رعية غري الكت‪FF F F F‬اب والس‪FF F F F‬نة‪ ،‬وهي القي‪FF F F F‬اس واملص‪FF F F F‬احل املرس‪FF F F F‬لة‬
‫واالستحس ‪FF‬ان وسد ال ‪FF‬ذرائع وغري ذلك من كل ما مل ي ‪FF‬رد فيه نص خ ‪FF‬اص وق ‪FF‬امت فيه‬
‫الفت‪FF F F‬وى على املقاصد العامة للتش‪FF F F‬ريع وأسسه الكلية ِإ ْن مل جيمع بني احلادثة املس‪FF F F‬تفىت‬
‫(‪)4‬‬
‫فيها والنص جامع قريب‪.‬‬

‫‪ -‬القصص ‪.50‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪-‬فتح الباري بشرح صحيح البخاري‪ ،‬البن حجر العسقالين‪ .‬القاهرة‪ ،‬دار الريان للرتاث‪ .‬ط‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪1409( .2‬هـ‪1988/‬م)‪ -‬كتاب العلم‪ .‬باب‪":‬كيف يقبض العلم"‪1/234 .‬؛ ومسند أمحد بن‬
‫حنبل‪..‬احلديث رقم‪ .)2/204( .)6857( :‬ج‪/2‬ص ‪ .414‬مع اختالف طفيف يف الرواية‪.‬‬
‫‪ -‬كنز العمال‪ ،‬اهلندي‪ ،‬عالء الدين علي املتقي‪ .‬مؤسسة الرسالة‪( .‬طرف حديث‪)4151 :‬؛‬ ‫‪3‬‬

‫ومصنف ابن أيب شيبة‪( .‬ح‪.1/136 .)30107:‬‬


‫‪ -‬الرأي يف الفقه اإلسالمي‪ ،‬حممد املختار القاضي‪ .‬القاهرة‪ ،‬جامعة فؤاد األول‪ .‬ط‪( .1 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪1368‬هـ‪1949/‬م)‪ .‬ص ‪.13‬‬

‫‪28‬‬
‫التطــور‪:‬‬
‫أصل الكلم ‪FF‬ة‪ :‬ط ‪FF‬ور‪ .‬والط ‪FF‬ور – يف اللغة – الت ‪FF‬ارة‪ ،‬وهي املرة من األفع ‪FF‬ال أو من‬
‫الزم ‪FF‬ان‪ .‬تق ‪FF‬ول‪ :‬ط ‪FF‬وراً بعد ط ‪FF‬ور‪ ،‬أي‪ :‬ت ‪FF‬ار ًة بعد ت ‪FF‬ار ٍة‪ ،‬واألط ‪FF‬وار‪ :‬احلاالت والت ‪FF‬ارات‬
‫(‪)1‬‬
‫واحلدود‪.‬‬
‫وتُستخدم ‪ -‬هذه الكلمة – للداللة على ما حيصل يف املرات واألزم‪FF‬ان من أح‪FF‬وال‬
‫خمتلف ‪FF‬ة؛ ألنه ال يقصد من تع ‪FF‬دد املرات واألزم ‪FF‬ان إال تع ‪FF‬دد ما حيصل فيه ‪FF‬ا‪ .‬فهو تع ‪FF‬دد‬
‫بالنوع ال بالتكرار(‪ .)2‬كما هو احلال يف قول النابغة الذبياين‪:‬‬
‫واملرء خيلق طوراً بعد أطوار‪.‬‬ ‫فإن أفاق لقد طالت عمايته‬
‫ون هَّلِل ِ َوقَ__اراً َوقَ _ ْد َخلَقَ ُك ْم َأ ْط _ َواراً ‪ .)3(‬أي‪:‬‬
‫وقوله تع ‪FF F‬اىل‪َ  :‬ما لَ ُك ْم ال ت َْر ُج_ َ‬
‫ض‪FF‬روباً وح‪FF‬االت خمتلف‪FF‬ة‪ ،‬من ط‪FF‬ور النطفة إىل ط‪FF‬ور اجلنني إىل ط‪FF‬ور خروجه طفالً إىل‬
‫وطرو املوت على احلي‪FF‬اة وط‪FF‬ور‬ ‫طور الصبا‪ ،‬إىل طور بلوغ األشد إىل طور الشيخوخة ّ‬
‫البلى على األجس‪FF‬اد بعد املوت‪...‬كل ذلك وال‪FF‬ذات واح‪FF‬دةٌ‪ ،‬ويف ه‪FF‬ذا – وال شك –‬
‫(‪)4‬‬
‫تعريض بالكافرين لكفرهم نعمة اهلل عز وجل‪.‬‬
‫أما المقص ود ب التطور – يف ه ‪FF‬ذا البحث – فهو تغري أحك ‪FF‬ام الوق ‪FF‬ائع اليت مل ي ‪FF‬رد‬
‫فيها نص إىل أحكام أخرى مباينة نظراً لتباين ظروف الزمان واملك‪FF‬ان‪ .‬وليس املقص‪FF‬ود‬
‫به ما ي ‪FF‬دخل يف دائ ‪FF‬رة اختالف الفقه ‪FF‬اء الن ‪FF‬اتج إما عن اختالفهم يف فهم النص ‪FF‬وص أو‬
‫(‪)5‬‬
‫ثبوهتا‪.‬‬
‫إن ما ثبت بالنص ليس حمل اجتهاد أو تطوير‪ .‬إذ « ال اجتهاد يف م‪FF‬ورد النص »؛‬
‫فالتطور إمنا يقع يف املتغريات اليت تبىن على أس‪F‬اس الث‪F‬وابت يف ظل قواعد فقهية حمكمة‬
‫يُفرتض يف كل مشتغل بقضايا الشريعة مراعاهتا‪.‬‬

‫‪ -‬لسان العرب‪ .‬مادة‪« :‬طور»‪.217-8/216 .‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬تفسري التحرير والتنوير‪ ،‬ابن عاشور‪.29/201 .‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬نوح ‪.14-13‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬التحرير والتنوير‪.29/201 .‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬مفهوم الفقه اإلسالمي‪ ،‬نظام الدين عبد احلميد‪ .‬بريوت‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ .‬ط‪( .1 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪1404‬هـ‪1984/‬م)‪ .‬ص ‪.25‬‬

‫‪29‬‬
‫ودواعي التط ‪FF F‬ور تب ‪FF F‬دو كث ‪FF F‬ري ًة‪ ،‬لكن أساس ‪FF F‬ها يتلخص يف الع ‪FF F‬رف‪ ،‬وتغري الزم ‪FF F‬ان‬
‫واملكان واملصاحل‪.‬‬
‫التأصيل‪:‬‬
‫م ‪FF‬أخوذ من األصل وهو أس ‪FF‬اس الش ‪FF‬يء وما ينبين عليه غ ‪FF‬ريه‪ ،‬وَأ َ‬
‫ص‪َ F F‬ل الش ‪FF‬يءَ‪ :‬قتله‬
‫علم‪F F‬اً فع ‪FF‬رف أص ‪FF‬له‪ .‬وَأ َّ‬
‫ص‪F F‬لَهُ تأص ‪FF‬يالً‪ :‬جعل له أص‪F F‬الً ثابت‪F F‬اً يبىن عليه غ ‪FF‬ريه‪ ،‬وتأص ‪FF‬يل‬
‫(‪)1‬‬
‫فكرة‪ :‬تثبيتها أو ترسيخها‪.‬‬
‫وما يقص‪FF F‬ده الب‪FF F‬احث بالتأص‪FF F‬يل ال يبعد كث‪FF F‬رياً عن املع‪FF F‬اين اللغوية ال‪FF F‬واردة؛ إ ْذ هو‬
‫حماولة معرفة األسس والقواعد اليت ينبغي أن تض‪FF F F F F F F F F F‬بط االجته‪FF F F F F F F F F F‬اد وحركته حىت ال‬
‫ينحرف ذات اليمني أو الشمال‪.‬‬
‫التجديـد‪:‬‬
‫إن معىن التجديد ق‪FF F F F‬ريب من معىن التط‪FF F F F‬ور‪ .‬ل‪FF F F F‬ذا‪ ،‬ينبغي التعريف به وبي‪FF F F F‬ان وجه‬
‫استعماله‪.‬‬
‫التجديد – يف اللغة ‪ :-‬مص ‪FF‬در للفعل « ج ‪FF‬دد »‪ .‬ومعىن التجدي ‪FF‬د‪ :‬جعل الش ‪FF‬يء‬
‫جدي ‪FF‬داً أي غري معه ‪FF‬ود ل ‪FF‬دى الش ‪FF‬خص؛ ول ‪FF‬ذلك ُوصف املوت باجلديد كما ج ‪FF‬اء يف‬
‫(‪)2‬‬
‫لسان العرب‪.‬‬
‫وه‪FF F‬ذا املص‪FF F‬طلح [التجدي‪FF F‬د] – وِإ ْن ش‪FF F‬اع اس‪FF F‬تعماله يف العص‪FF F‬ور املت‪FF F‬أخرة لك‪FF F‬ثرة‬
‫املن ‪FF F‬ادين به وس ‪FF F‬عة جماالته – ف ‪FF F‬إن له ج ‪FF F‬ذوراً يف الت ‪FF F‬اريخ اإلس ‪FF F‬المي ترجع إىل مب ‪FF F‬دأ‬
‫الرسالة‪ ،‬حيث ورد يف قولـه صلى اهلل عليه وسلم ‪ « :‬جددوا إميانكم‪ ،‬قيل‪ :‬يا رسول‬
‫اهلل كيف جندد إميانن‪FF‬ا؟ ق‪FF‬ال‪ :‬أك‪FF‬ثروا من ق‪FF‬ول ال إله إال اهلل »(‪ ،)3‬وقوله ص‪FF‬لى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ « :‬إن اهلل يبعث هلذه األمة على رأس كل مائة سنة من جيدد هلا دينها »(‪.)4‬‬
‫فمهمة اجملدد بيان السنة من البدعة‪ ،‬ونشر العلم ونصرة أهله‪.‬‬
‫‪ -‬لسان العرب‪ ،‬مادة "أصل"‪1/155 F،‬؛ الوايف‪ ،‬عبد اهلل البستاين‪ .‬بريوت‪ ،‬مكتبة لبنان‪ .‬ط‬ ‫‪1‬‬

‫‪ .1990‬مادة "أصل"‪ F،‬ص ‪.14‬‬


‫‪ -‬مادة‪« :‬جدد»‪.2/198 .‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬مسند اإلمام أمحد‪ .‬حديث (‪ .)2/359‬ج‪/3‬ص‪.43‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬سنن أيب داود‪ .‬حديث رقم‪4/109 .)4291( :‬؛ وكنز العمال‪ .‬حديث رقم‪.)34623( :‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪12/193‬‬

‫‪30‬‬
‫وقيل – يف معىن التجديد ‪ :-‬إحي‪FF‬اء ما ان‪FF‬درس من العمل بالكت‪FF‬اب والس‪FF‬نة واألمر‬
‫مبقتضامها‪.‬‬
‫والتجديد – هبذا املعىن – يب‪FF‬دو الزم ‪F‬اً من ل‪FF‬وازم اإلس‪FF‬الم جمتمع‪FF‬ات وأف‪FF‬راداً؛ ذلك‬
‫أن املسلم مطالب بتجديد إميانه بذكر « ال إله إال هللا » عن وعي كامل بمعانيها‬
‫وعمل صادق بمقتضياتها‪ .‬والمجتمع المسلم مأمور بتجديد إيمانه من كل ما‬
‫علق به من أسباب الضعف والبلىـ والخضوع واالنحراف‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫__و ٍم َحتَّى يُ َغيِّ ُروا َما بَِأ ْنفُ ِس__ ِه ْم ‪‬‬
‫ويف قولـه تع ‪FF F F‬اىل‪ِ  :‬إنَّ هَّللا َ ال يُ َغيِّ ُر َما بِقَ ْ‬
‫كل مع ‪FF‬اين التجدي ‪FF‬د‪ ،‬ملا حيمله فعل التغيري من دالالت عميقة تشري – بوض ‪FF‬وح – إىل‬
‫ضرورة اإلصالح والنهوض‪.‬‬
‫إن فهم شريعة اإلسالم يستوجب فهم نص‪FF‬وص الق‪FF‬رآن الك‪FF‬رمي والس‪F‬نة النبوية فهم‪F‬اً‬
‫ص ‪FF F F‬حيحاً‪ ،‬وت ‪FF F F‬دبرها وإعم ‪FF F F‬ال العقل فيها من خالل جهد منظم يكشف عن معانيها‬
‫عن ‪FF‬دما تك ‪FF‬ون ه ‪FF‬ذه النص ‪FF‬وص حمكم ‪F‬ةً ثابت ‪F‬ةً‪ ،‬ومن خالل االجته ‪FF‬اد يف الف ‪FF‬روع وتط ‪FF‬بيق‬
‫األصول على ما استجد من املسائل‪.‬‬
‫إن االجته‪FF F‬اد – يف اإلس‪FF F‬الم أصل مهم‪ ،‬وأس‪FF F‬اس ال غىن للش‪FF F‬ريعة عن‪FF F‬ه‪ ،‬والتجديد‬
‫الزم من لوازم‪FF‬ه‪ ،‬والص‪FF‬حابة الك‪FF‬رام هم أول من اس‪FF‬توعب ه‪FF‬ذا األصل فهم‪F‬اً وتطبيق‪F‬اً‪،‬‬
‫وأرس‪FF‬وا قواع‪FF‬ده وض‪FF‬وابطه‪ .‬مث ج‪FF‬اء – بع‪FF‬دهم – أئمة االجته‪FF‬اد األعالم ال‪FF‬ذين س‪FF‬اروا‬
‫على هنج أسالفهم فهماً للمناهج وتنظيم‪F‬اً للقواعد والض‪FF‬وابط‪ ،‬وتطبيق‪F‬اً لألص‪FF‬ول على‬
‫الفروع‪ ،‬فأنتجوا علماً ثرياً كان مثرة جودة فهمهم وحسن تطبيقهم‪.‬‬
‫لقد متثل التجديد – عرب مراحل تارخيه – خري متثل يف ق‪FF‬درة الفقه على االس‪FF‬تجابة‬
‫للتح ‪FF F‬ديات اليت فرض ‪FF F‬ها الواقع يف اجملتمع املس ‪FF F‬لم‪ ،‬عن ‪FF F‬دما وظَّف أهل االجته ‪FF F‬اد كل‬
‫طاقاهتم يف البيئة اليت أنشأهتا عقيدهتم ويف ظل الثوابت اليت أرستها شريعتهم‪.‬‬
‫لكن بعد عه‪FF F F‬ود – من اجلم‪FF F F‬ود والتقليد – ب‪FF F F‬رزت ‪ -‬بني ص‪FF F F‬فوف املس‪FF F F‬لمني –‬
‫اجتاهات خمتلفة للتجديد‪ ،‬لكل منها مفهوم خاص‪ ،‬ميكن إمجاهلا يف ثالثة اجتاهات‪:‬‬
‫‪ – 1‬اتجاه اتخذ التجديد عنواناً للتحلل من اإلسالم بدعوته الصرحية إىل جتاوز‬
‫الثوابت‪ ،‬وهذا ما يعرف بالتغريب‪.‬‬

‫‪ -‬الرعد ‪.11‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪31‬‬
‫‪ – 2‬اتج اه اتخذ التجديد ش عاراً الجته اد س ائب متحلل من كل الض وابط‬
‫ومتج ‪FF F F‬اوز لكل الث ‪FF F F‬وابت باس ‪FF F F‬تخدامه لط ‪FF F F‬رق التأويل املخلة واص ‪FF F F‬طدامه بالنص ‪FF F F‬وص‬
‫الص ‪FF‬رحية‪ .‬وهو وِإ ْن اختلف عن س ‪FF‬الفه – بع ‪FF‬دم اس ‪FF‬تبعاده لإلس ‪FF‬الم كلي ‪F‬ةً – فإنه جعل‬
‫للشرع دوراً ثانوي‪F‬اً مقابل الواقع وحاجات‪FF‬ه‪ ،‬حىت أض‪FF‬حت أحك‪FF‬ام الق‪FF‬رآن والس‪FF‬نة قابل‪F‬ةً‬
‫للتأويل والتعطيل بذريعة استلهام روح الشريعة ومقاصدها‪.‬‬
‫‪ – 3‬اتج اه ينطلق من أسس اإلس الم وثوابته متبع اً ط رق التأويل الص حيحة‪،‬‬
‫وغري معطل لألحك‪FF F F F F F F F‬ام املنزلة يف حماولته بن‪FF F F F F F F F‬اء فقه جديد جييب عن حتديات العصر‬
‫ومش ‪FF‬كالته اليت ال عهد للس ‪FF‬ابقني هبا‪ .‬والتجديد – هبذا املفه ‪FF‬وم – إمنا يب ‪FF‬دأ بالتأص ‪FF‬يل‬
‫أي العودة إىل األصول اإلسالمية‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫الباب األول‬
‫االجتهاد نشأةً وتطوراً‬

‫الفصل األول‬
‫االجتهادـ عبر تاريخ الفقه اإلسالمي‬

‫المبحث األول‬
‫اجتهاد الرسول صلى هللا عليه وسلم‬
‫لتتبع مسرية االجتهاد نشأ ًة وتطوراً‪ ،‬ينبغي اإلملام مبسألة اجتهاد الرسول صلى اهلل‬
‫عليه وسلم ‪ .‬وهي مسألة اختلفت فيها أنظار األصوليني‪ ،‬ودار اختالفهم حول‬
‫نقطتني‪:‬‬
‫‪ -‬أوالمها‪ :‬اإلمكان‪.‬‬
‫‪ -‬ثانيهما‪ :‬الوقوع‪.‬‬
‫‪ -‬أوال ‪ :‬اإلمكان‪:‬‬
‫أ – ذهب مجه ‪FF‬ور واسع من األص ‪FF‬وليني إىل ج ‪FF‬واز اجته ‪FF‬اد الرس ‪FF‬ول ص ‪FF‬لى اهلل عليه‬
‫وس ‪FF‬لم ؛ وي ‪FF‬أيت يف مق ‪FF‬دمتهم اإلم ‪FF‬ام مالك والش ‪FF‬افعي وأمحد بن حنب ‪FF‬ل‪ ،‬والقاض ‪FF‬يان أبو‬
‫يوسف وعبد اجلب ‪FF F F F F F‬ار وأبو احلسني البص ‪FF F F F F F‬ري(‪ ،)1‬وه ‪FF F F F F F‬ذا ما اخت ‪FF F F F F F‬اره اآلم ‪FF F F F F F‬دي(‪،)2‬‬

‫‪ -‬احملصول يف أصول الفقه‪ ،‬الرازي‪ .‬ج ‪ .2‬ق ‪ .3‬ص ‪.9‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬اإلحكام‪.4/172 .‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪33‬‬
‫والسرخسي(‪ ،)1‬واإلم‪FF F F‬ام الغ‪FF F F‬زايل(‪ ،)2‬واألرم ‪FF F‬وي(‪ ،)3‬وأغلب املش ‪FF F‬تغلني باألص‪FF F F‬ول من‬
‫(‪)4‬‬
‫املتأخرين‪.‬‬
‫وقد استدل اجلمهور بعدة أدلة(‪ )5‬منها‪:‬‬
‫صار ‪)6( ‬؛ ففي اآلية أمر باالعتب ‪FF‬ار‬ ‫‪ – 1‬قولـه تع ‪FF‬اىل‪  :‬فَا ْعتَبِ ُروا يَا ُأولِي اَأْل ْب َ‬
‫لكل ذوي األبص ‪FF F F‬ار‪ ،‬وال شك أن الرس ‪FF F F‬ول ص ‪FF F F‬لى اهلل عليه وس ‪FF F F‬لم أن ‪FF F F‬ورهم بص ‪FF F F‬ري ًة‬
‫وأعظمهم فطنةً وأح ّدهم ذكاءً‪ ،‬فيدخل – يف هذا اخلطاب – دخوالً أوليّاً‪.‬‬
‫س بِ َما َأ َرا َك‬ ‫‪ – 2‬قولـه تعاىل‪ِ :‬إنَّا َأ ْن َز ْلنَا ِإلَ ْيكَ ا ْل ِكت َ‬
‫َاب بِا ْل َح ِّ‬
‫ق لِت َْح ُك َم بَ ْي َن النَّا ِ‬
‫هَّللا ‪ ‬وما أراه ُّ‬
‫(‪)7‬‬
‫يعم احلكم بالنص واالستنباط منه‪.‬‬
‫‪ – 3‬قولـه تع ‪FF‬اىل‪َ  :‬وشَا ِو ْر ُه ْم فِي اَأْل ْمر ‪ ، )8(‬واملش ‪FF‬اورة تك ‪FF‬ون يف غري جمال‬
‫الوحي‪ ،‬أي فيما حيكم فيه بطريق االجتهاد‪.‬‬

‫‪ -‬أصول السرخسي‪ ،‬أبو بكر حممد‪ .‬ت‪ :‬رفيق العجم‪ .‬بريوت‪ .‬دار املعرفة‪ .‬ط‪1418( .1:‬هـ‪/‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪1997‬م)‪ .2/91 .‬وكذا إمام احلرمني‪ F،‬حيث قال‪ « :‬ولعل األصح أنه كان ال جيتهد يف‬
‫القواعد واألصول‪ ،‬بل كان ينتظر الوحي‪ .‬فأما يف التفاصيل‪ ،‬فكان مأذوناً له يف التصرف‬
‫واالجتهاد »‪ .‬الربهان يف أصول الفقه‪ F،‬اجلويين‪ ،‬إمام احلرمني أبو املعايل ‪ .‬ت‪ :‬عبد العظيم حممود‬
‫الديب‪ .‬مصر‪ F،‬دار الوفاء‪ .‬ط‪1420( .3 :‬هـ‪1999/‬م)‪( 2/887 .‬فقرة‪.)1544F:‬‬
‫‪ -‬املستصفى‪ .357-2/355 .‬وِإ ْن كان الغزايل قد َّفرق بني اجلواز العقلي والوقوع الفعلي‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫حيث قال‪ «:‬واملختار جواز تعبده بذلك؛ ألنه ليس مبحال يف ذاته وال يفضي إىل حمال‬
‫ومفسدة‪ ،»F...‬مث قال مستدركاً‪ «:‬هذا هو اجلواز العقلي‪ ،‬أما وقوعه فبعيد وِإ ْن مل يكن حماالً‪ ،‬بل‬
‫الظاهر أن ذلك كله كان عن وحي صريح ناص على التفصيل»‪.‬‬
‫‪ -‬احلاصل من احملصول يف أصول الفقه‪ ،‬األرموي‪ ،‬تاج الدين حممد بن احلسني‪ .‬ت‪:‬عبد السالم‬ ‫‪3‬‬

‫حممود أبو ناجي‪ .‬بنغازي‪ ،‬منشورات جامعة قار يونس‪ .‬ط‪( :‬سنة ‪1994‬م)‪.2/1000 .‬‬
‫‪ -‬مثل‪ :‬املراغي‪ ،‬وعبد الوهاب خالف‪ ،‬وحممد اخلضري‪ F،‬وحممد السايس‪ ،‬وحممد أبو زهرة‪،‬‬ ‫‪4‬‬

‫وغريهم‪...‬‬
‫‪ -‬اإلحكام‪ ،‬اآلمدي‪.4/172 .‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ -‬احلشر ‪.2‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪ -‬النساء ‪.105‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪ -‬آل عمران ‪.159‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪34‬‬
‫عرض ‪F‬اً للخط‪FF‬أ؛‬
‫‪ – 4‬إذا ج‪FF‬از لغري النيب ص‪FF‬لى اهلل عليه وس‪FF‬لم االجته‪FF‬اد مع كونه ُم َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫فالرسول صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وهو املعصوم – َْأوىَل بذلك‪.‬‬
‫‪ – 5‬إن العمل باالجته‪FF F‬اد أشق من العمل بداللة النص لظه‪FF F‬وره‪ ،‬والث‪FF F‬واب بق‪FF F‬در‬
‫املش ‪FF‬قة؛ لق ‪FF‬ول الرس ‪FF‬ول ص ‪FF‬لى اهلل عليه وس ‪FF‬لم لعائشة – رضي اهلل عنها ‪« : -‬إن لك‬
‫من األجر على ق‪FF F F F‬در نص‪FF F F F‬بك »(‪)2‬؛ فلو مل جيز له العمل باالجته‪FF F F F‬اد ال‪FF F F F‬ذي هو أعلى‬
‫درج‪FF‬ات العلم للعب‪F‬اد وأك‪FF‬ثر ثواب‪F‬اً الش‪F‬تماله على املش‪FF‬قة وج‪FF‬از ألمت‪FF‬ه‪ ،‬لل‪F‬زم اختصاص‪F‬ها‬
‫(‪)3‬‬
‫بفضل دونه عليه الصالة والسالم‪ ،‬وهذا غري جائز‪.‬‬
‫مث إن القياس ركن أساس يف االجته‪FF‬اد‪ ،‬وهو يق‪FF‬وم على النظر والتأمل والتح‪FF‬ري يف‬
‫متكن من إحلاق غري املنص ‪FF F‬وص عليه باملنص ‪FF F‬وص عليه يف احلكم‪ ،‬وال شك‬ ‫املع ‪FF F‬اين اليت ِّ‬
‫أنه يتطلب سالمةَ نظ ٍر وجودةَ فك ٍر‪ ،‬والرسول صلى اهلل عليه وسلم َْأوىَل مبعرفة ذل‪FF‬ك؛‬
‫(‪)4‬‬
‫لسالمة نظره‪ ،‬وبُعده عن اخلطأ واإلقرار عليه‪.‬‬
‫ب – ذهب أبو علي اجلب‪FF F‬ائي وابنه أبو هاشم(‪ )5‬إىل ع‪FF F‬دم ج‪FF F‬واز اجته‪FF F‬اد الرس‪FF F‬ول‬
‫ص‪FF‬لى اهلل عليه وس‪FF‬لم‪ ،‬وق‪FF‬ال األش‪FF‬اعرة وأك‪FF‬ثر املعتزلة واملتكلمني‪ :‬إنه ليس للنيب ص‪FF‬لى‬
‫اهلل عليه وسلم أن جيتهد يف األحكام الشرعية‪.‬‬

‫‪ -‬إرشاد الفحول‪ ،‬الشوكاين‪ ،‬حممد بن علي‪ .‬دار الفكر (د‪.‬ت)‪ .‬ص ‪.256‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬املستدرك على الصحيحني‪ .‬احلاكم النيسابوري (حديث‪ .1/644 .)1733 :‬نقال عن‬ ‫‪2‬‬

‫موسوعة التخريج الكربى واألطراف الشاملة‪ .‬األردن‪ ،‬مركز الرتاث ألحباث احلاسوب اآليل‪.‬‬
‫اإلصدار األول‪1421( .‬هـ‪2001/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬كشف األسرار عن أصول البزدوي‪ F،‬البخاري‪ ،‬عالء الدين عبد العزيز‪ .‬القاهرة‪ ،‬دار‬ ‫‪3‬‬

‫الفاروق‪ .‬ط‪1416( .2 :‬هـ‪1995/‬م)‪3/208 .‬؛ اإلحكام‪ ،‬اآلمدي‪.4/174 .‬‬


‫‪ -‬اإلحكام‪ ،‬اآلمدي‪.4/174 .‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬هو عبد السالم بن حممد بن عبد الوهاب أبو هاشم اجلبائي(‪321-274‬هـ)‪ ،‬وأبوه هو أبو‬ ‫‪5‬‬

‫علي اجلبائي‪ .‬من شيوخ املعتزلة‪ ،‬وله آراء خاصة يف أصول الفقه‪ .‬ألف كتباً كثري ًة يف علوم‬
‫خمتلفة‪ ،‬منها‪" :‬اجلامع الكبري"‪ ،‬و"اجلامع الصغري"‪ F،‬و"النقض على أرسطاليس"‪ ،‬و"كتاب‬
‫االجتهاد"‪ ...‬معجم األصوليني‪ ،‬حممد مظهر بقا‪ .‬مكة املكرمة‪ ،‬جامعة أم القرى‪1414(.‬هـ)‬
‫‪( .2/204‬ترمجة رقم‪.)438 :‬‬

‫‪35‬‬
‫وذكر القاضي يف «التق‪FF F‬ريب»(‪ ،)1‬أن كل من نفى القي‪FF F‬اس أح‪FF F‬ال تعبد النيب ص‪FF F‬لى‬
‫اهلل عليه وسلم باالجتهاد؛ قال الزركشي(‪ :)2‬وهو ظاهر اختيار ابن ح‪FF‬زم(‪)3‬؛ وه‪FF‬ذا أمر‬
‫منطقي لكون القياس أساس االجتهاد‪.‬‬
‫لقد قطع ابن ح‪FF F F‬زم األندلسي(‪ )4‬بع‪FF F F‬دم اجلواز مطلق ‪F F F‬اً‪ ،‬مؤك‪FF F F‬داً أن االعتق‪FF F F‬اد جبواز‬
‫اجته ‪FF‬اد األنبي ‪FF‬اء يف ش ‪FF‬رع مل ي ‪FF‬وح إليهم به يفضي إىل كفر عظيم‪ ،‬واستش ‪FF‬هد لرأيه مبا‬
‫يأتـي‪:‬‬
‫‪ – 1‬قولـه تع‪FF F F F‬اىل‪ِ  :‬إنْ َأتَّبِ___ ُع ِإاَّل َما يُ َ‬
‫___وحى ِإلَ ّي ‪ .)5( ‬لكن الق‪FF F F F‬ول جبواز‬
‫االجته‪FF‬اد ال يتن‪FF‬اىف مع ه‪FF‬ذه اآلية ؛ ألن ال‪FF‬وحي س‪FF‬ينزل بالتأييد أو التص‪FF‬ويب‪ ،‬ف‪FF‬آل أمر‬
‫ما اجتهد فيه ص ‪FF F‬لى اهلل عليه وس ‪FF F‬لم إىل أنه م ‪FF F‬وحى ب ‪FF F‬ه‪ ،‬وعليه فإنه إذا اجتهد فهو مل‬
‫يتبع إال ما يوحى إليه‪.‬‬
‫ق َع ِن ا ْل َه _ َوى ِإنْ ُه_ َ‬
‫_و ِإاَّل َو ْح ٌي يُ_ َ‬
‫_وحى ‪‬‬ ‫‪ – 2‬وقولـه تعالـى‪َ  :‬و َما يَ ْن ِط_ ُ‬
‫(‪)6‬‬
‫وحي‪ ،‬واملفه‪FF F F F‬وم من‬
‫ٌ‬ ‫‪F‬لم‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬
‫س‬ ‫و‬ ‫عليه‬ ‫اهلل‬ ‫‪F‬لى‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪F‬‬
‫ص‬ ‫به‬ ‫ينطق‬ ‫ما‬ ‫كل‬ ‫أن‬ ‫اآلية‬ ‫داللة‬ ‫‪.‬ووجه‬
‫الوحي‪ :‬ما ألقى اهلل تعاىل إليه بلسان امللك أو غريه‪ ،‬ال ما وصل إليه باجتهاده‪ ،‬وذلك‬
‫يقتضي ع‪FF‬دم ج‪FF‬واز التعبد باالجته‪FF‬اد؛ إذ لو ج‪FF‬از تعب‪FF‬ده به جلاز ص‪FF‬دور احلكم منه عن‬
‫(‪)7‬‬
‫اجتهاد؛ فيبطل العموم املذكور‪ ،‬فيقع اخللف يف خربه تعاىل‪.‬‬

‫‪ -‬الراجح أنه أمحد بن عمر بن سريج ‪ ،‬أبو العباس‪ :‬شيخ الشافعية يف عصره‪ .‬توىل قضاء‬ ‫‪1‬‬

‫شرياز‪ .‬له عدة مؤلفات منها‪" :‬التقريب بني املزين والشافعي"‪ .‬كانت وفاته سنة (‪306‬هـ)‪.‬‬
‫طبقات الفقهاء‪ ،‬الشريازي‪ .‬ص ‪.118‬‬
‫‪ -‬هو حممد بن هبادر بن عبد اهلل الرتكي املصري الزركشي(ت ‪794‬هـ) ‪ :‬أصويل وحمدث من‬ ‫‪2‬‬

‫أشهر فقهاء الشافعية‪ .‬له تصانيف كثرية‪ ،‬من أمهها‪":‬البحر احمليط يف أصول الفقه"‪ F،‬و"تشنيف=‬
‫=املسامع جبمع اجلوامع يف األصول"‪ .‬الدرر الكامنة‪3/397 .‬؛ وشذرات الذهب يف أخبار من‬
‫ذهب‪ ،‬ابن العماد احلنبلي‪ ،‬أبو الفالح عبد احلي‪ .‬بريوت‪ ،‬دار اآلفاق اجلديدة‪.6/335 .‬‬
‫‪ -‬البحر احمليط‪ ،‬الزركشي‪4/502 .‬؛ وإرشاد الفحول‪ .‬ص ‪.255‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬اإلحكام يف أصول األحكام‪ ،‬ابن حزم‪.5/124 .‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬يونس ‪.15‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ -‬النجم ‪.4-3‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪36‬‬
‫رداً على ما ك‪FF‬انوا‬ ‫وقد أجيب عنه ب‪FF‬أن العم‪FF‬وم غري ُم َس‪F‬لَّ ٍم؛ فالظ‪FF‬اهر أن اآلية ن‪FF‬زلت ّ‬
‫يقولونه يف القرآن من أنه افرتاء‪ ،‬مث إن الرسول صلى اهلل عليه وس‪FF‬لم ال ينق‪FF‬اد إىل ه‪FF‬واه‬
‫يف ق‪FF‬ول أو عم‪FF‬ل‪ ،‬وهو مؤيد ب‪FF‬الوحي‪ ،‬فهو ‪ -‬يف ح‪FF‬ال اجته‪FF‬اده – ال يُق‪Fُّ F‬ر على خط‪FF‬أ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫‪ – 3‬إن الرس ‪FF‬ول ص ‪FF‬لى اهلل عليه وس ‪FF‬لم ك ‪FF‬ان يُس ‪FF‬أل عن الش ‪FF‬يء‪ ،‬فينتظر ال ‪FF‬وحي‪.‬‬
‫وُأجيب عنه أن النيب ص ‪FF F‬لى اهلل عليه وس ‪FF F‬لم ال جيتهد إال بعد الي ‪FF F‬أس من ال ‪FF F‬وحي‪ ،‬وقد‬
‫يتأخر اجلواب جملرد االستثبات فيــه‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫والنظر فيما ينبغي النظر فيه كما هي عادة اجملتهدين‪.‬‬
‫والواقع أن أدلة ابن حزم ‪ -‬يف هذا املقام – ضعيفةٌ‪ ،‬وقد حفلت كتب األصول ‪-‬‬
‫قدميها وحديثها ‪ -‬باستعراض أقوال الفريقني ومناقشتها مناقشة دقيقة ومستفيضـة؛‬
‫(‪)3‬‬
‫ألن األمر يتعلق مبقام النبوة الذي جيب أن يظل حمصناً ومنيعاً ضد كل الشبهات‪.‬‬
‫ثانيا – الوقوع‪:‬‬
‫إذا ك‪FF F‬ان أغلب اجلمه‪FF F‬ور ذهب إىل الق‪FF F‬ول جبواز اجته‪FF F‬اد الرس‪FF F‬ول ص‪FF F‬لى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬فقد توقف فريق من احملققني(‪ )4‬يف وقوع االجتهاد منه صلى اهلل عليه وس‪FF‬لم ‪،‬‬
‫ويف حملّه [االجته ‪FF F‬اد] ‪ ،‬مما ي ‪FF F‬دعو إىل بي ‪FF F‬ان جماالت اجته ‪FF F‬اده عليه الص ‪FF F‬الة والس ‪FF F‬الم‬
‫واحلكمة منه‪.‬‬
‫مجاالت اجتهاد الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪:‬‬
‫‪ – 1‬مجال األمور الدنيوية الصرفة‪:‬‬
‫من تص‪FF‬رفات الرس‪FF‬ول ص‪FF‬لى اهلل عليه وس‪FF‬لم ما ليس داخالً يف ب‪FF‬اب تبليغ الرس‪FF‬الة‪،‬‬
‫وإمنا هو مش‪FF‬مول يف دائ‪FF‬رة التص‪FF‬رفات الدنيوية الص‪FF‬رفة اليت ختضع للتجرب‪FF‬ة‪ ،‬ولعل أب‪FF‬رز‬
‫‪ -‬حجية السنة‪ ،‬عبد الغين عبد اخلالق‪ .‬أمريكا‪ ،‬املعهد العاملي للفكر اإلسالمي‪ ،‬ومصر‪ ،‬دار‬ ‫‪7‬‬

‫الوفاء‪ .‬ط‪1418( .3 :‬هـ‪1997/‬م)‪ .‬ص ‪.166‬‬


‫‪ -‬م‪.‬س‪ .‬ص ‪.169‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬إرشاد الفحول‪ .‬ص ‪.256‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ميكن الرجوع يف هذا الصدد إىل الدراسة القيّمة للشيخ عبد الغين عبد اخلالق يف كتابه‬ ‫‪3‬‬

‫«حجية السنة»‪.‬‬
‫‪ -‬حجية السنة‪ ،‬عبد الغين عبد اخلالق‪ .‬ص ‪.215-214‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪37‬‬
‫مث‪FF‬ال على ه‪FF‬ذا الن‪FF‬وع‪ :‬حادثة "ت‪FF‬أبري(‪ )1‬النخ‪FF‬ل" اليت ورد ذكرها يف كتب الص‪FF‬حاح؛ ‪-‬‬
‫وهي كما ج‪FF‬اءت يف ص‪FF‬حيح مس‪FF‬لم(‪ « :- )2‬ق‪FF‬دم نيب اهلل ص‪FF‬لى اهلل عليه وس‪FF‬لم املدينة‬
‫وهم يَ‪ْF F‬أبِرون النخ ‪FF‬ل‪ ،‬يقول ‪FF‬ون يلقح ‪FF‬ون النخ ‪FF‬ل‪ ،‬فق ‪FF‬ال‪" :‬ما تص ‪FF‬نعون؟"‪ ،‬ق ‪FF‬الوا ‪" :‬كنا‬
‫نص‪FF‬نعه"‪ ،‬ق‪FF‬ال‪" :‬لعلكم لو مل تفعل‪FF‬وا ك‪FF‬ان خ‪FF‬رياً"‪ ،‬ف‪FF‬رتكوه‪ ،‬فنفضت‪ F‬أو فنقص‪FF‬ت‪ .‬ق‪FF‬ال‪:‬‬
‫ف ‪FF‬ذكروا ذلك له ‪ ،‬فق ‪FF‬ال‪" :‬إمنا أنا بش ‪FF‬ر‪ ،‬إذا أم ‪FF‬رتكم بش ‪FF‬يء من دينكم فخ ‪FF‬ذوا به وإذا‬
‫أمرتكم بشيء من رأيي‪ ،‬فإمنا أنا بشر"‪ ،‬قال عكرمة‪ :‬أو حنو هذا»‪.‬‬
‫ومعىن ق‪FF F F‬ول الرس‪FF F F‬ول ص‪FF F F‬لى اهلل عليه وس‪FF F F‬لم ‪ « :‬من رأيي »‪ ،‬أي من أمر ال‪FF F F‬دنيا‬
‫ومعايش ‪FF F F‬ها ال للتش ‪FF F F‬ريع‪ ،‬فأما ما قاله – باجته ‪FF F F‬اده ‪ -‬ص ‪FF F F‬لى اهلل عليه وس ‪FF F F‬لم وك ‪FF F F‬ان‬
‫(‪)3‬‬
‫للتشريع‪ ،‬فإنه جيب العمل به‪ ،‬وليس أبار النخل من هذا النوع‪.‬‬
‫ولعل الرواي‪FF F F‬ات األخ ‪FF F‬رى(‪ - )4‬ال‪FF F F‬واردة يف املوض ‪FF F‬وع نفس‪FF F F‬ه‪« :‬أنتم أعلم ب‪FF F F‬أمور‬
‫دني ‪FF‬اكم»‪« ،‬ف ‪FF‬إين إمنا ظننت ظن‪F F‬اً‪ ،‬فال تؤاخ ‪FF‬ذوين ب ‪FF‬الظن‪ ،‬ولكن إذا ح ‪FF‬دثتكم عن اهلل‬
‫ش‪FF‬يئاً فخ‪FF‬ذوا ب‪FF‬ه‪ - »...‬كلها تؤكد وتنبه على حقيقة بش‪FF‬رية الرس‪FF‬ول الك‪FF‬رمي ص‪FF‬لى اهلل‬
‫عليه وس‪FF‬لم‪ ،‬وأن البشر – مهم‪FF‬ا‪ -‬مست درج‪FF‬اهتم‪ ،‬وش‪FF‬رفت م‪FF‬راتبهم – بش‪FF‬رف النب‪FF‬وة‬
‫والرسالة ‪ ،-‬فإهنم ال يعلمون – من عامل الغيب – شيئاً إال أن يطلعهم اهلل تع‪FF‬اىل على‬
‫(‪)5‬‬
‫شيء منه‪.‬‬
‫وت ‪FF F‬بني من قوله ص ‪FF F‬لى اهلل عليه وس ‪FF F‬لم ‪« :‬وإذا أم ‪FF F‬رتكم بش ‪FF F‬يء من رأيي‪ ،‬فإمنا أنا‬
‫بش‪FF F‬ر»‪ ،‬أن ال‪FF F‬رأي منه – ك‪FF F‬الرأي من غ‪FF F‬ريه – يف احتم‪FF F‬ال اخلطأ ولكنه ليس كغ‪FF F‬ريه‪،‬‬
‫ومعلوم أن هذا فيما مل ينص عليه من أحكام الشرع‪.‬‬
‫‪ – 2‬مجال الحروب والسياسة‪:‬‬

‫‪ -‬أبر‪ :‬أبر النخل والزرع‪ ،‬يأبُره ويأبُِرهُ‪ ،‬أبراً وإباراً‪ ،‬وأبََّرهُ‪ :‬أصلحه‪ .‬وْأَتَبْر َ‬
‫ت فالناً‪ :‬سألته أن‬ ‫‪1‬‬

‫يأبر خنلك‪ ،‬وكذلك يف الزرع إذا سألته أن يصلحه لك‪ ..‬وزمن اإلبار‪ :‬زمن تلقيح النخل‬
‫وإصالحه‪ .‬لسان العرب‪ .‬مادة «أبر»‪.1/41 .‬‬
‫‪ -‬بشرح النووي‪" .‬باب وجوب امتثال ما قاله شرعاً دون ما ذكره صلى اهلل عليه وسلم من‬ ‫‪2‬‬

‫معايش الدنيا على سبيل الرأي"‪ .‬بريوت‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪ .‬ط‪.15/117 .3 :‬‬
‫‪ -‬صحيح مسلم بشرح النووي‪.15/118 .‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬م‪.‬س‪.118-15/117 .‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬أصول السرخسي‪.2/93 .‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪38‬‬
‫وهو من اجملاالت اليت ثبت فيها اجته ‪FF F F F‬اده ص ‪FF F F F‬لى اهلل عليه وس ‪FF F F F‬لم ؛ واألمثلة على‬
‫ذلك كث‪FF‬رية ومتنوع‪FF‬ة‪ ،‬نقلتها كتب احلديث والس‪FF‬رية(‪ ،)1‬ولعل أبرزه‪FF‬ا‪ :‬أخذ الف‪FF‬داء من‬
‫س َرى َحتَّى‬ ‫ون لَهُ َأ ْ‬‫ان لِنَبِ ٍّي َأنْ يَ ُك َ‬‫أسرى بدر؛ ويف هذا نزلت اآلية الكرمية ‪َ ‬ما َك َ‬
‫ض ال ُّد ْنيَا َوهَّللا ُ يُ ِري ُد اآْل ِخ_ َرةَ َوهَّللا ُ َع ِزي _ ٌز َح ِكي ٌم‬ ‫يُ ْث ِخ َن فِي اَأْل ْر ِ‬
‫ض تُ ِريد َ‬
‫ُون َع َر َ‬
‫‪ ،)2( ‬عتاباً من اهلل عز وجل ألصحاب النيب صلى اهلل عليه وسلم ع‪FF‬دا من ك‪FF‬ره ذلك‬
‫منهم كس‪FF‬عد بن مع‪FF‬اذ وعمر بن اخلط‪FF‬اب‪ ...‬وج‪FF‬اء ذكر النيب ص‪FF‬لى اهلل عليه وس‪FF‬لم يف‬
‫اآلية ألنه مل ينه عن‪FF F‬ه؛ وبي‪FF F‬ان ذلك كما ورد يف كتب احلديث ‪-‬والس‪FF F‬رية والتفسري –‬
‫أن املس ‪FF‬لمني ّملـا أس ‪FF‬روا األس ‪FF‬ارى يف معركة ب ‪FF‬در – وفيهم ص ‪FF‬ناديد ق ‪FF‬ريش – س ‪FF‬ألت‬
‫ق ‪FF‬ريش رس ‪FF‬ول اهلل ص ‪FF‬لى اهلل عليه وس ‪FF‬لم أن يف ‪FF‬اديهم باملال على أال يع ‪FF‬ودوا إىل قت ‪FF‬ال‬

‫‪ -‬منها‪ :‬أ – ما حصل يوم بدر يوم خرج الرسول صلى اهلل عليه وسلم يبادر املشركني إىل‬ ‫‪1‬‬

‫املاء؛ فإنه جاء إىل أدىن ماء من بدر فنزل به‪ ،‬فقال احلباب بن منذر بن اجلموح – مستفسراً ‪:-‬‬
‫"يا رسول اهلل‪ ،‬أرأيت هذا املنزل‪ ،‬أمنزالً أنزلكه اهلل ليس لنا أن نتق ّدمه وال نتأخر عنه‪ ،‬أم هو‬
‫الرأي واحلرب واملكيدة؟" قال عليه الصالة والسالم‪« :‬بل هو الرأي واحلرب واملكيدة»‪ ،‬قال‪:‬‬
‫نغور‬
‫"يا رسول اهلل‪ ،‬فإن هذا ليس مبنزل‪ ،‬فامض بالناس حىت نأيت أدىن ماء من القوم فننزله‪ ،‬مثّ ّ‬
‫ما وراءه من ال ُقلُب مث نبين عليه حوضاً فنمأله ماءً‪ ،‬مث نقاتل القوم‪ ،‬فنشرب وال يشربون"‪ ،‬فقال‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ « :‬لقد أشرت بالرأي »‪ .‬السرية النبوية البن كثري‪ ،‬أيب الفداء‬
‫إمساعيل‪ .‬ت‪ :‬مصطفى عبد الواحد‪ .‬بريوت‪ ،‬دار املعرفة‪1403(.‬هـ‪1983/‬م)‪.2/402 .‬‬
‫ب – إذنه صلى اهلل عليه وسلم للمستأذنني يف التخلف عن اخلروج للقتال يف غزوة تبوك‬
‫ك لِ َم َأ ِذ ْنتَ لَهُ ْم َحتَّى‬
‫واعتذارهم بأعذار كاذبة‪ ،‬ويف هذا نزل قوله تعاىل‪َ  :‬عفَا هَّللا ُ َع ْن َ‬
‫ص َدقُوا َوتَ ْعلَ َم ْال َكا ِذبِينَ ‪( ‬التوبة‪ . )43:‬قال صاحب "التحرير والتنوير" (‬ ‫ك الَّ ِذينَ َ‬
‫يَتَبَيَّنَ لَ َ‬
‫‪ )10/210‬يف تفسريه اآلية الكرمية‪ « :‬وافتتاح العتاب – باإلعالم بالعفو – إكرام عظيم ولطافة‬
‫شريفة؛ فأخربه بالعفو قبل أن يباشره بالعتاب‪ ،‬ويف هذا كناية عن خفة موجب العتاب؛ ألنه‬
‫مبنزلة أن يقال‪:‬ما كان ينبغي‪ .‬وتسمية الصفح عن ذلك عفواً ناظر إىل مغزى قول أهل احلقيقة‪:‬‬
‫"حسنات األبرار سيئات املقربني"‪ ،‬وألقي إليه العتاب بصيغة االستفهام عن العلة إمياءً إىل أنه ما‬
‫تأوله ورجا منه الصالح على اجلملة؛ حبيث يسأل عن مثله يف استعمال‬ ‫أذن هلم إال لسبب َّ‬
‫السؤال من سائل يطلب العلم‪ ،‬وهذا من صيغ التلطف يف اإلنكار أو اللوم بأن يظهر املنكر نفسه‬
‫كالسائل عن العلة اليت خفيت عليه‪ ،‬مث أعقبه بأن ترك اإلذن كان أجدر بتبني حاهلم‪ ،‬وهو غرض‬
‫مل يتعلق به قصد النيب صلى اهلل عليه وسلم »‪.‬‬
‫‪ -‬األنفال ‪.67‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪39‬‬
‫املسلمني؛ فاستشار ص‪F‬لى اهلل عليه وس‪FF‬لم أص‪FF‬حابه‪ ،‬فك‪FF‬ان منهم من رأى قب‪FF‬ول طلبهم‪،‬‬
‫ك‪FF F F F F F F F‬أيب بكر الص‪FF F F F F F F F‬ديق – رضي اهلل عنه ‪ ،-‬فإنه ق‪FF F F F F F F F‬ال‪ « :‬يا نيب اهلل‪ ،‬هم بنو العم‬
‫والعش‪FF F F F F‬رية‪ ،‬أرى أن تأخذ منهم فدية فتك‪FF F F F F‬ون لنا ق‪FF F F F F‬وة على الكف‪FF F F F F‬ار‪ ،‬فعسى اهلل أن‬
‫يهديهم لإلسالم »‪ .‬وكان منهم من رأى رأي‪F‬اً خمالف‪F‬اً‪ ،‬كعمر بن اخلط‪FF‬اب – رضي اهلل‬
‫عنه ‪ ،-‬فإنه قد أش‪FF F‬ار بض‪FF F‬رب أعن‪FF F‬اق "أئمة الكفر وص‪FF F‬ناديدها"‪ ،‬فاخت‪FF F‬ار رس‪FF F‬ول اهلل‬
‫ص‪FF F‬لى اهلل عليه وس‪FF F‬لم ما ق‪FF F‬ال أبو بك‪FF F‬ر‪ ،‬ملا يف ذلك من اليسر والرمحة باملس‪FF F‬لمني؛ إذ‬
‫ك ‪FF‬انوا يف حاجة إىل املال‪ ،‬وك ‪FF‬ان ص ‪FF‬لى اهلل عليه وس ‪FF‬لم ما ُخِّيَر بني أم ‪FF‬رين إال اخت ‪FF‬ار‬
‫أيس‪FF‬رمها ما مل يكن إمثاً‪ ،‬فأخذ منهم كما رواه أمحد عن ابـن عبـاس‪ ،‬ف‪FF‬أنزل اهلل تعالـى‪:‬‬
‫‪ ‬ما كان لنبي أن يكون له أسرى ‪.)1(.‬‬
‫‪ – 3‬مجال القضاء‪:‬‬
‫نقلت أغلب مص‪FF F F‬ادر األص‪FF F F‬ول أن اجته‪FF F F‬اد الرس‪FF F F‬ول ص‪FF F F‬لى اهلل عليه وس‪FF F F‬لم ‪ -‬يف‬
‫القض‪FF F F‬اء ‪ -‬ج ‪FF F‬ائز باإلمجاع‪ ،‬واس‪FF F F‬تندت – يف ذلك – إىل أنه ص ‪FF F‬لى اهلل عليه وس ‪FF F‬لم‬
‫مأمور بأن حيكم بالظاهر واهلل تعاىل يتوىل السرائر‪ ،‬وملا أخرجه مسلم يف صحيحه عن‬
‫أم س ‪FF F F‬لمة – رضي اهلل عنها – أن رس ‪FF F F‬ول اهلل ص ‪FF F F‬لى اهلل عليه وس ‪FF F F‬لم ق ‪FF F F‬ال‪ « :‬إنكم‬
‫إيل‪ ،‬ولعل بعض‪FF‬كم أن يك‪FF‬ون أحلن حبجته من بعض‪ ،‬فأقضي له على حنو مما‬ ‫ختتص‪FF‬مون َّ‬
‫أمسع من ‪FF‬ه‪ .‬فمن قطعت له من حق أخيه ش ‪FF‬يئاً فال يأخ ‪FF‬ذه‪ ،‬فإمنا أقطع له – به – قطعة‬
‫من النار»(‪.)2‬‬
‫واألمثلة على قضائه صلى اهلل عليه وسلم كثرية ومتنوعة‪ .‬أختار منها قض‪FF‬اءه ص‪FF‬لى‬
‫اهلل عليه وس‪FF F F F F F F‬لم لفاطمة(‪ )3‬بنت قيس أن تعتد عند أم ش‪FF F F F F F F‬ريك‪ ،‬مث رجوعه عن ذلك‬

‫‪ -‬السرية النبوية‪ ،‬ابن كثري‪458-2/457 .‬؛ واجلامع ألحكام القرآن‪ ،‬القرطيب‪ ،‬أبو عبد اهلل‬ ‫‪1‬‬

‫حممد‪ .‬دار الكتاب العريب‪ .‬ط‪49-8/45 .2 :‬؛ والتحرير والتنوير‪.75-10/72 .‬‬

‫‪ -‬صحيح مسلم بشرح النووي‪ .‬باب "أن حكم احلاكم ال يغري الباطن"‪12/4 .‬؛ وسنن أيب‬ ‫‪2‬‬

‫داود مع اختالف طفيف يف املنت‪ .‬احلديث رقم (‪ ،)3583‬كتاب "األقضية"‪ ،‬باب "قضاء‬
‫القاضي إذا أخطأ"‪.3/301 .‬‬
‫‪ -‬فاطمة بنت قيس بن خالد القرشية الفهرية‪ ،‬أخت الضحاك بن قيس‪ .‬من املهاجرات اُألول‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫كانت ذات عقل ومجال‪ ،‬وكانت عند أيب بكر بن حفص املخزومي‪ ،‬فطلقها‪ ،‬وتزوجت – بعده‬

‫‪40‬‬
‫ملص‪FF F‬لحة رآه‪FF F‬ا؛ ففي ص‪FF F‬حيح مس‪FF F‬لم‪":‬عن أيب س‪FF F‬لمة بن عبد ال‪FF F‬رمحن عن فاطمة بنت‬
‫قيس أن أبا عمر بن حفص طلقها البتة – وهو غ ‪FF F‬ائب ‪ ،-‬فأرسل إليها وكيله بش ‪FF F‬عري‬
‫فس‪FF‬خطته‪ ،‬فق‪FF‬ال‪ « :‬واهلل ما لك علينا من ش‪FF‬يء »‪ ،‬فج‪FF‬اءت رس‪FF‬ول اهلل ص‪FF‬لى اهلل عليه‬
‫وس ‪FF F‬لم ‪ ،‬ف ‪FF F‬ذكرت ذلك ل‪FF F‬ه‪ ،‬فق ‪FF F‬ال‪ « :‬ليس لك عليه نفقة »‪ ،‬فأمرها أن تعتد عند أم‬
‫شريك‪ ،‬مث قال‪ « :‬تلك امرأة يغش‪FF‬اها أص‪F‬حايب‪ ،‬اعت‪FF‬دي عند ابن أم مكث‪FF‬وم‪ ،‬فإنه رجل‬
‫ت ف ‪FF F‬آذنيين »‪ ،‬ق ‪FF F‬الت‪ « :‬فلما حللت ذك ‪FF F‬رت له أن‬ ‫أعمى تض ‪FF F‬عني ثياب ‪FF F‬ك‪ .‬ف ‪FF F‬إذا حلَْل ِ‬
‫معاوية بن أيب سفيان وأبا جهم خطباين »‪ ،‬فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وس‪FF‬لم ‪« :‬‬
‫أما أبو جهم فال يضع عص ‪FF F‬اه عن عاتق ‪FF F‬ه‪ ،‬وأما معاوية فص ‪FF F‬علوك ال م ‪FF F‬ال ل‪FF F‬ه‪ ،‬انكحي‬
‫أس‪FF‬امة بن زيد »‪ ،‬فكرهت‪FF‬ه‪ ،‬مث ق‪FF‬ال‪ «:‬انكحي أس‪FF‬امة »‪ ،‬فنكحت‪FF‬ه‪ ،‬فجعل اهلل فيه خ‪FF‬رياً‬
‫واغتبطت بـه"(‪.)1‬‬
‫اس ‪FF F‬تدل هبذا احلديث من ق ‪FF F‬ال إن املطلقة طالق‪F F F‬اً بائن‪F F F‬اً ليس هلا نفقة إال أن تك ‪FF F‬ون‬
‫حامالً(‪.)2‬‬

‫– أسامة بن زيد‪ ..‬ويف بيتها اجتمع أهل الشورى ملا قتل عمر‪ .‬اإلصابة يف متييز الصحابة‪ ،‬ابن‬
‫حجر العسقالين‪ ،‬شهاب الدين‪ .‬مؤسسة الرسالة‪ .‬ط‪1328( .1 :‬هـ)‪.4/384 .‬‬
‫‪ -‬صحيح مسلم بشرح النووي‪ " .‬كتاب الطالق – باب املطلقة البائن ال نفقة هلا "‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪.98-10/94‬‬
‫‪ -‬ذهب الفقهاء يف هذه املسألة إىل ثالثة آراء‪ ،‬بسبب اختالف الرواية يف احلديث‪ ،‬ومعارضة‬ ‫‪2‬‬

‫ظاهر الكتاب له‪:‬‬


‫‪ -‬الرأي األول‪ :‬أن املبتوتة ليس هلا نفقة وال سكىن؛ ملا روي يف حديث فاطمة بنت قيس أهنا‬
‫قالت‪« :‬طلقين زوجي ثالثاً على عهد رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬فأتيت النيب صلى‬
‫اهلل عليه وسلم ‪ ،‬فلم جيعل يل سكىن وال نفقة» (أخرجه مسلم)‪ .‬وهذا القول مروي‪ F‬عن‬
‫علي وابن عباس وجابر بن عبد اهلل‪ ،‬وبه قال أمحد‪.‬‬
‫‪ -‬الرأي الثاين‪ :‬أوجب هلا السكىن دون النفقة؛ واحتج أصحاب هذا الرأي بأن رسول اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وسلم قد قال لبنت قيس‪« :‬ليس لك عليه نفقة»‪ ،‬وأمرها أن تعتد يف بيت أم‬
‫مكتوم‪ ،‬ومل يذكر فيها إسقاط السكىن‪ ،‬فبقي على عمومه يف قوله تعاىل‪  :‬أسكنوهن من‬
‫حيث سكنتم من وجدكم ‪( ‬الطالق ‪ ،)6‬وعللوا أمره صلى اهلل عليه وسلم هلا بأن تعتد‬
‫يف بيت أم مكتوم بأنه كان يف لساهنا بذاء‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫كما أن فيه دليالً على أن قض ‪FF‬اء الرس ‪FF‬ول ص ‪FF‬لى اهلل عليه وس ‪FF‬لم لفاطمة بنت قيس‬
‫ب ‪FF‬أن تقضي ع ‪FF‬دهتا عند أم ش ‪FF‬ريك‪ ،‬هو اجته ‪FF‬اد منه ص ‪FF‬لى اهلل عليه وس ‪FF‬لم لرتاجعه عنه‬
‫وقضائه بغريه ملا رأى فيه من مصلحة‪.‬‬
‫إن من حكمة اهلل البالغة أن أج ‪FF‬رى أحك ‪FF‬ام رس ‪FF‬ول اهلل ص ‪FF‬لى اهلل عليه وس ‪FF‬لم على‬
‫الظ ‪FF F‬اهر ال ‪FF F‬ذي يس ‪FF F‬توي فيه هو وغ‪FF F‬ريه‪ ،‬حىت يصح االقت ‪FF F‬داء ب ‪FF F‬ه‪ ،‬وتطيب النف ‪FF F‬وس يف‬
‫انقيادها لألحك‪FF F‬ام الظ‪FF F‬اهرة من غري نظر إىل الب‪FF F‬اطن(‪ .)1‬ولعل تق‪FF F‬دير اخلطأ يف اجته‪FF F‬اد‬
‫الرسول صلى اهلل عليه وس‪FF‬لم يف القض‪FF‬اء – كما ورد يف احلديث األول – أمر يس‪FF‬وغه‬
‫ك‪FF‬ون القض‪FF‬اء ليس تش‪FF‬ريعاً‪ ،‬وإمنا هو تط‪FF‬بيق ألحك‪FF‬ام الش‪FF‬ريعة ومبادئها املق‪FF‬ررة؛ وف‪FF‬رق‬
‫بني التشريع والتطبيق‪ ،‬فالرسول الكرمي صلى اهلل عليه وس‪FF‬لم يف جمال التط‪FF‬بيق مثله مثل‬
‫غريه من البشر يف االستماع إىل البينات‪ .‬وأما يف جمال التشريع‪ ،‬فإنه يتلقى ال‪FF‬وحي من‬
‫(‪)2‬‬
‫السماء‪ ،‬ويبلغ ذلك إىل أهل األرض‪ ،‬والفرق بني األمرين واضح بنِّي ‪.‬‬
‫‪ – 4‬مجال العبادات‪:‬‬
‫ومن األمثلة اليت مشلها هذا اجملال‪:‬‬
‫أ – النهي عن االستغفار للمشركين‪:‬‬
‫ين َولَ ْو‬
‫ش ِر ِك َ‬ ‫ين آ َمنُوا َأنْ يَ ْ‬
‫ستَ ْغفِ ُروا لِ ْل ُم ْ‬ ‫ان لِلنَّبِ ِّي َوالَّ ِذ َ‬ ‫قال اهلل تع ‪FF F‬اىل‪َ  :‬ما َك َ‬
‫اب ا ْل َج ِح ِيم ‪.)3(‬‬ ‫ص َح ُ‬ ‫َكانُوا ُأولِي قُ ْربَى ِمنْ بَ ْع ِد َما تَبَيَّ َن لَ ُه ْم َأنَّ ُه ْم َأ ْ‬

‫‪ -‬الرأي الثالث‪ :‬أوجب هلا السكىن والنفقة؛ واعتمد أصحاب هذا الرأي على العموم يف قوله‬
‫تعاىل‪  :‬أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ‪ ‬يف وجوب السكىن هلا‪ ،‬كما‬
‫صاروا إىل وجوب النفقة هلا لكون النفقة تابعة لوجوب اإلسكان يف الرجعية ويف احلامل ويف‬
‫نفس الزوجية‪ .‬وإمجاالً فحيثما وجبت السكىن يف الشرع وجبت النفقة‪ .‬بداية اجملتهد‪ ،‬ابن‬
‫رشد‪ ،‬أبو الوليد حممد‪ .‬ت‪ :‬علي حممد معوض وعادل أمحد عبد املوجود‪ .‬بريوت‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ .‬ط‪1416( .1 :‬هـ‪1996/‬م)‪4/409 .‬؛ وإحكام األحكام شرح عمدة‬
‫األحكام‪ ،‬ابن دقيق العيد‪ ،‬تقي الدين‪ .‬بريوت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪( .‬د‪.‬ت)‪.4/54 F.‬‬
‫‪ -‬صحيح مسلم بشرح النووي‪.12/5 .‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬تاريخ املذاهب اإلسالمية‪ ،‬حممد أبو زهرة‪ .‬القاهرة‪ ،‬دار الفكر العريب‪ .‬ط‪( :‬سنة ‪1987‬م)‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪.240-2/239‬‬
‫‪ -‬التوبة ‪.113‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪42‬‬
‫ورد(‪)1‬أكثر من رواية يف سبب نزول هذه اآلية‪ ،‬وأوالها – كما ثبت يف الص‪FF‬حيح‬
‫– عن س ‪FF‬عيد(‪ )2‬بن املس ‪FF‬يب عن أبي ‪FF‬ه‪ ،‬ق ‪FF‬ال أن أبا ط ‪FF‬الب ملا حض ‪FF‬رته الوف ‪FF‬اة دخل عليه‬
‫عم‪،‬‬
‫النبيص‪FF F‬لى اهلل عليه وس‪FF F‬لم وعن‪FF F‬ده أبو جهل وعبد اهلل بن أيب أمي‪FF F‬ة‪ ،‬فق‪FF F‬ال‪ " :‬أي ّ‬
‫ق ‪FF F F‬ل‪ :‬ال إله إال اهلل كلمة أح ‪FF F F‬اج لك هبا عند اهلل"‪ ،‬فق ‪FF F F‬ال أبو جهل وعبد اهلل بن أيب‬
‫أمي‪FF‬ة‪ " :‬يا أبا ط‪FF‬الب أت‪FF‬رغب عن ملة عبد املطلب؟"‪ ،‬فلم ي‪FF‬زاال يكلمانه حىت ق‪FF‬ال آخر‬
‫ش ‪FF F F F‬يء كلمهم ب ‪FF F F F‬ه‪" :‬أنا على ملّة عبد املطلب"‪ ،‬فق ‪FF F F F‬ال النيب ص ‪FF F F F‬لى اهلل عليه وس ‪FF F F F‬لم‬
‫ين آ َمنُ__وا‪،...‬‬ ‫_ان لِلنَّبِ ِّي َوالَّ ِذ َ‬
‫‪":‬ألس‪FF F‬تغفرن لك ما مل ُأنْ‪FF F‬هَ عن‪FF F‬ه"‪ ،‬ف‪FF F‬نزلت‪َ  :‬ما َك_ َ‬
‫ونـزلــت‪ِ :‬إنَّ َك ال تَ ْه ِدي َمنْ َأ ْحبَ ْبتَ ‪.)4(»)3(‬‬
‫ت‪FF F‬بني من ه‪FF F‬ذه اآلية الكرمية أن النب‪FF F‬وة واإلميان مينع‪FF F‬ان من االس‪FF F‬تغفار للمش‪FF F‬ركني‪.‬‬
‫اب‬ ‫والس‪FF‬بب يف ذلك ما ذك‪FF‬ره اهلل تع‪FF‬اىل بقول‪FF‬ه‪ِ  :‬منْ بَ ْعدما تبيَّ َن له ْم أنَّ ُه ْم َأ ْ‬
‫ص َح ُ‬
‫ش َركَ‬ ‫يم ‪ ،)5( ‬وأشار إليه يف قوله عز وجل‪ِ  :‬إنَّ هَّللا َ ال يَ ْغفِ ُر َأنْ يُ ْ‬
‫الج ِح ِ‬
‫َ‬
‫ُون َذلِكَ لِ َمنْ يَشَاء ‪. ‬‬
‫(‪)7( )6‬‬
‫بِ ِه َويَ ْغفِ ُر َما د َ‬

‫‪ -‬أحكام القرآن‪ ،‬ابن العريب‪ ،‬أبو بكر‪ .‬ت‪ :‬علي حممد البجاوي‪ .‬بريوت‪ ،‬دار املعرفة‪(.‬د‪.‬ت)‪F.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪.2/1021‬‬
‫‪ -‬أبو حممد سعيد بن املسيب بن حزن القرشي‪ُ :‬ولد سنة (‪94‬هـ)‪ .‬سيد التابعني‪ ،‬وأحد الفقهاء‬ ‫‪2‬‬

‫السبعة باملدينة‪ .‬مجع بني احلديث والفقه والزهد والورع‪.‬كان أحفظ الناس ألقضية عمر وأحكامه‬
‫حىت مُس ي "راوية عمر"‪ .‬حفظ املسند من حديث أيب هريرة‪ ،‬إ ْذ كان زوج ابنته‪ .‬طبقات ابن‬
‫سعد‪5/119 .‬؛ وحلية األولياء وطبقات األصفياء‪ ،‬األصفهاين‪ ،‬أبو نعيم أمحد‪ .‬بريوت‪ ،‬دار‬
‫الكتاب العريب‪ .‬ط‪1405( .4 :‬هـ‪1985/‬م)‪.2/161 .‬‬
‫‪ -‬القصص ‪.56‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬قصة وفاة أيب طالب يف الصحيحني عن سعيد بن املسيب عن أبيه‪ .‬صحيح البخاري‪( .‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪( .)3/1409‬ح‪.)3671:‬‬
‫‪ -‬التوبة ‪.113‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ -‬النساء ‪.48‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪ -‬تفصيل ما قيل يف تفسري اآلية حمل االستشهاد يف‪ :‬التفسري الكبري‪ ،‬الرازي‪ ،‬فخر الدين‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫بريوت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ .‬ط‪1411( .1:‬هـ‪1990/‬م)‪16/166 .‬؛ وأحكام القرآن‪ ،‬ابن‬
‫العريب‪2/1021 .‬؛ وفتح القدير‪ ،‬الشوكاين‪ ،‬حممد بن علي‪ .‬بريوت‪ ،‬دار األرقم‪( .‬د‪.‬ت)‪F.‬‬
‫‪2/405‬؛ وتفسري املنار‪ ،‬رشيد رضا‪ .‬القاهرة‪ .‬مكتبة القاهرة‪ .‬ط‪( .4:‬د‪.‬ت)‪.11/56 .‬‬

‫‪43‬‬
‫ب – االستغفار للمنافقين والصالة على موتاهم‪:‬‬
‫ستَ ْغفِ ْر‬
‫فإن اهلل – سبحانه وتع‪FF‬اىل – قد أخرب يف كتابه العزيز بقوله جل ش‪FF‬أنه‪ :‬ا ْ‬
‫_ر هَّللا ُ لَ ُه ْم َذلِ_ َك‬
‫ين َم_ َّرةً فَلَنْ يَ ْغفِ_ َ‬
‫س_ ْب ِع َ‬‫َس_تَ ْغفِ ْر لَ ُه ْم َ‬ ‫لَ ُه ْم َأ ْو ال ت ْ‬
‫َس_تَ ْغفِ ْر لَ ُه ْم ِإنْ ت ْ‬
‫ين ‪ ،)1( ‬ب‪FF F‬أن ص‪FF F‬دور‬ ‫اس_قِ َ‬‫_و َم ا ْلفَ ِ‬ ‫بَِأنَّ ُه ْم َكفَ ُروا بِاهَّلل ِ َو َر ُ‬
‫سولِ ِه َوهَّللا ُ ال يَ ْه ِدي ا ْلقَ_ ْ‬
‫االس‪FF‬تغفار منه ص‪FF‬لى اهلل عليه وس‪FF‬لم للمن‪FF‬افقني مهما ك‪FF‬ثر ال ج‪FF‬دوى من‪FF‬ه؛ ألهنم ليس‪FF‬وا‬
‫أهالً الس‪FF‬تغفاره عليه الص‪FF‬الة والس‪FF‬الم‪ ،‬وال ملغف‪FF‬رة اهلل تع‪FF‬اىل‪ ،‬والتعبري بالع‪FF‬دد "س‪FF‬بعني"‬
‫غري م‪FF‬راد‪ ،‬وإمنا املراد به املبالغة يف ع‪FF‬دم القب‪FF‬ول‪ ،‬وعلة ع‪FF‬دم املغف‪FF‬رة كف‪FF‬رهم باهلل تع‪FF‬اىل‬
‫ورسوله صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬
‫ص ِّل َعلَى َأ َح ٍد ِم ْن ُه ْم‬
‫كما هنى – جل وعال – عن الصالة عليهم بقوله‪َ  :‬وال تُ َ‬
‫ون‬‫اس_قُ َ‬ ‫َماتَ َأبَداً َوال تَقُ ْم َعلَى قَ ْب ِر ِه ِإنَّ ُه ْم َكفَ ُروا بِاهَّلل ِ َو َر ُ‬
‫سولِ ِه َو َم__اتُوا َو ُه ْم فَ ِ‬
‫‪ُ .)2( ‬روي عن عمر بن اخلطاب – رضي اهلل عنه – أنه قال‪ « :‬ملا مات عبد اهلل بن‬
‫أيب بن س‪F‬لول‪ُ ،‬دعي له رس‪F‬ول اهلل ص‪F‬لى اهلل عليه وس‪F‬لم ليص‪F‬لي علي‪F‬ه‪ ،‬فلما ق‪F‬ام رس‪F‬ول‬
‫أيب وقد‬
‫اهلل ص‪FF F‬لى اهلل عليه وس‪FF F‬لم وثبت إلي‪FF F‬ه‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رس‪FF F‬ول اهلل أتص‪FF F‬لي على ابن ّ‬
‫ق‪FF‬ال ي‪FF‬وم ك‪FF‬ذا وك‪FF‬ذا‪ ،‬ك‪FF‬ذا وك‪FF‬ذا – أع‪FF‬دد عليه قوله ‪ -‬؟ فتبسم رس‪FF‬ول اهلل ص‪FF‬لى اهلل‬
‫ت ف‪FF‬اخرتت‪،‬‬ ‫"أخ ْر عين يا عم‪FF‬ر"‪ ،‬فلما أك‪FF‬ثرت عليه ق‪FF‬ال‪":‬إين ُخرِّي ُ‬
‫عليه وس‪FF‬لم‪ ،‬وق‪FF‬ال‪ِّ :‬‬
‫لو أعلم أين إن زدت على السبعني يغفر له لزدت عليه‪FF‬ا" ق‪FF‬ال‪":‬فص‪FF‬لى عليه رس‪FF‬ول اهلل‬
‫ص ‪FF F‬لى اهلل عليه وس ‪FF F‬لم ‪ ،‬مث انص ‪FF F‬رف‪ ،‬فلم ميكث إال يس ‪FF F‬رياً حىت ن ‪FF F‬زلت اآليت ‪FF F‬ان من‬
‫ص ِّل َعلَى َأ َح ٍد ِم ْن ُه ْم َماتَ َأبَداً َوال تَقُ ْم َعلَى قَ ْب_ ِر ِه ِإنَّ ُه ْم َكفَ_ ُروا‬
‫ب ‪FF‬راءة‪َ  :‬وال تُ َ‬
‫ون ‪ ، )3( ‬ق ‪FF F‬ال‪" :‬فعجبت – بعد – من ج ‪FF F‬رأيت‬ ‫اسقُ َ‬ ‫سولِ ِه َو َماتُوا َو ُه ْم فَ ِ‬
‫بِاهَّلل ِ َو َر ُ‬
‫على رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يومئذ‪ .‬واهلل أعلم " »‪.‬‬
‫وب‪FF‬نزول ه‪FF‬ذه اآلية ما ص‪FF‬لى رس‪FF‬ول اهلل ص‪FF‬لى اهلل عليه وس‪FF‬لم على من‪FF‬افق بعد حىت‬
‫قبضه اهلل عز وجل إليه‪.‬‬

‫‪ -‬التوبة ‪.80‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬التوبة ‪.84‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬التوبة ‪.84‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪44‬‬
‫إن النهي الصريح – عن الص‪FF‬الة على املن‪FF‬افقني – ال‪FF‬وارد يف اآلية الكرمية دليل على‬
‫أن ما ق‪FF‬ام به الرس‪FF‬ول ص‪FF‬لى اهلل عليه وس‪FF‬لم مل يكن عن وحي‪ ،‬وإمنا ك‪FF‬ان عن اجته‪FF‬اد‪،‬‬
‫وإال لتعذر فهم هذه األوامر الربانية احلكيمة لرسوله الكرمي صلوات اهلل وسالمه عليه‪.‬‬
‫إن األمثلة على اجته‪FF F F‬اده ص‪FF F F‬لى اهلل عليه وس‪FF F F‬لم ‪ -‬يف دائ‪FF F F‬رة العب‪FF F F‬ادات – كث‪FF F F‬رية‬
‫(‪)1‬‬
‫ومتنوعة‪ ،‬حسبنا ‪ -‬منها – ما ذكرته‪.‬‬
‫الخـــالصـــــــــــــة‪:‬‬
‫إن الرسول صلى اهلل عليه وس‪F‬لم قد جيتهد – فيما يق‪FF‬رره من أحك‪F‬ام ‪ ،-‬وقد جيوز‬
‫عليه اخلط ‪FF‬أ‪ ،‬لكنه ال يُقر علي ‪FF‬ه؛ فهو ‪ -‬ص ‪FF‬لى اهلل عليه وس ‪FF‬لم ‪ -‬معص ‪FF‬وم ب ‪FF‬الوحي فيما‬
‫سو َل فَقَ ْد َأطَا َع‬ ‫يبلغه عن ربه وفيما يق ‪FF‬رره‪ .‬ولقد ح ‪FF‬دد قولـه تع ‪FF‬اىل‪َ  :‬منْ يُ ِط ِع ال َّر ُ‬
‫سو ُل فَ ُخ ُذوهُ َو َما نَ َه__ا ُك ْم َع ْن _هُ‬
‫هَّللا َ ‪ ، ‬وقولـه – عز وجل ‪َ  :-‬و َما آتَا ُك ُم ال َّر ُ‬
‫(‪)2‬‬

‫فَ_ا ْنتَ ُهوا ‪ )3( ‬وج ‪FF‬وب امتث ‪FF‬ال أقواله وأفعاله دون تكليفنا ب ‪FF‬البحث عما هو وحي أو‬
‫اجتهاد منه صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫أقره‬
‫فمآل ما اجتهد فيه الرسول صلى اهلل عليه وسلم أن يصري واجب االتباع مىت َّ‬
‫عليه ال‪FF‬وحي ص‪FF‬راحةً أو س‪FF‬كوتاً‪ ،‬وما دام ص‪FF‬لى اهلل عليه وس‪FF‬لم ال يُق‪Fُّ F‬ر على خط‪FF‬أ‪ ،‬ف‪FF‬إن‬
‫اخلوض يف هذه املسألة ال يرتتب عليه مثرة إال ما كان بياناً للحكمة من اجتهاده صلى‬
‫اهلل عليه وسلم ‪.‬‬
‫أما أم‪FF F F‬ور ال‪FF F F‬دنيا كالزراعة والص‪FF F F‬ناعة وغريه‪FF F F‬ا‪ ،‬فاخلطأ فيها ليس مس‪FF F F‬تبعداً‪ .‬إذ أن‬
‫ث مبلغاً لرسالة اإلسالم عقي‪FF‬د ًة وش‪FF‬ريعةً وأخالق‪F‬اً‪ ،‬ومل‬ ‫الرسول صلى اهلل عليه وسلم بُعِ َ‬
‫يُبعث معلم صنعة أو حرفة‪.‬‬
‫أما يف القض‪FF F‬اء والفصل بني املتخاص‪FF F‬مني‪ ،‬ف‪FF F‬إن الرس‪FF F‬ول ص‪FF F‬لى اهلل عليه وس‪FF F‬لم قد‬
‫فرض – يف احلديث الشريف – إمكان وق‪F‬وع اخلطأ من‪F‬ه‪ ،‬لكن مل يت‪F‬وفر – ل‪F‬دينا – ما‬
‫يثبت أنه وقع منه فعالً وإ ْن كان ممكناً‪.‬‬

‫‪ -‬من رام املزيد من األمثلة فلينظر‪ :‬اجتهاد الرسول صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬نادية شريف العمري‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫بريوت‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ .‬ط‪1408( .4 :‬هـ‪1987/‬م)‪ .‬ص ‪.102‬‬


‫‪ -‬النساء ‪.80‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬احلشر ‪.7‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪45‬‬
‫إذن الرسول صلى هللا عليه وسلم للصحابة باالجتهاد‪:‬‬
‫ذهب أغلب األص‪FF‬وليني إىل ج‪FF‬واز اجته‪FF‬اد الص‪FF‬حابة – عقالً – يف عهد الرس‪FF‬ول‬
‫(‪)1‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬يف حني رأى بعضهم – وهم قليل – منع ذلك مطلقاً‪.‬‬
‫واجمليزون أنفس ‪FF‬هم تب ‪FF‬اين حتدي ‪FF‬دهم ل ‪FF‬دائرة ه ‪FF‬ذا االجته ‪FF‬اد‪ .‬فهم بني موسع ي ‪FF‬رى أن‬
‫اجته‪FF F‬اد الص‪FF F‬حابة – رضي اهلل عنهم ‪ -‬ج‪FF F‬ائز مطلق ‪F F‬اً ما دام مل يكن هن‪FF F‬اك م‪FF F‬انع –‬
‫قضاة‪ ،‬وسواء كانوا مبعية الرسول صلى اهلل عليه وس‪FF‬لمأو يف‬ ‫سواء كانوا قضاةً أو غري ٍ‬
‫غي ‪FF‬اهبم عنه ‪ ، -‬وبني مقتصد مل يتج ‪FF‬اوز دائ ‪FF‬رة القض ‪FF‬اء وال ‪FF‬والة الغ ‪FF‬ائبني عنه ص ‪FF‬لى اهلل‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬وبني مشرتط وجود اإلذن الصريح فيه من الرس‪F‬ول ص‪F‬لى اهلل عليه وس‪F‬لم‬
‫وعدم وجود املانع ‪ ،‬وبني مكتف بالسكوت عنه – مع العلم بوقوعه ‪.-‬‬
‫والراجح – عندي – القول باجلواز مطلقاً؛ يدل على ذلك‪:‬‬
‫‪ – 1‬أنه قد وقع يف حضوره وغيبته ظناً ال قطعاً‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫‪ – 2‬أنه ليس يف التعبد به استحالة يف ذاته وال يفضي إىل حمال وال مفسدة‪.‬‬
‫والدليل على وقوعه في حضرته صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫ما ُروي عن أيب قت ‪FF F‬ادة أنه قتل رجالً من املش ‪FF F‬ركني‪ ،‬فأخذ غ ‪FF F‬ريه س ‪FF F‬لبه‪ ،‬ومل يكن‬
‫أليب قت‪FF‬ادة بيِّن‪FF‬ة‪ ،‬وقد ق‪FF‬ال الرس‪FF‬ول ص‪FF‬لى اهلل عليه وس‪FF‬لم ‪ « :‬من قتل ق‪FF‬تيالً – له عليه‬
‫بيِّنة – فله س ‪FF‬لبه »‪ ،‬فلما ط ‪FF‬الب بس ‪FF‬لبه ق ‪FF‬ام آخذ الس ‪FF‬لب‪ ،‬فق ‪FF‬ال‪ « :‬ص ‪FF‬دق يا رس ‪FF‬ول‬
‫اهلل‪ ،‬وس‪FF‬لب ذلك القتيل عن‪F‬دي‪ ،‬فأرضه عنه يا رس‪FF‬ول اهلل »‪ .‬فق‪FF‬ال أبو بك‪FF‬ر‪ « :‬اله‪FF‬اءَ‬
‫اهلل إذاً‪ ،‬ال يعمد إىل أسد من أسد اهلل يقاتل عن اهلل ورس ‪FF‬وله فيعطيك س ‪FF‬لبه »‪ .‬فق ‪FF‬ال‬
‫(‪)3‬‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ « :‬صدق‪ ،‬فأعطه إياه‪ ،‬فأعطانيه‪.»...‬‬
‫فقد أقر الرس ‪FF‬ول ص ‪FF‬لى اهلل عليه وس ‪FF‬لم اجته ‪FF‬اد أيب بكر الص ‪FF‬ديق – رضي اهلل عنه‬
‫‪ ،-‬ولو كان حمظوراً ملا استجازه الصديق لنفسه‪ ،‬وملا أقره النيب صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫‪ -‬اإلحكام‪ ،‬اآلمدي‪.4/181 .‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬اإلحكام لآلمدي‪4/181 .‬؛ واملستصفى للغزايل‪2/354 .‬؛ وفواتح الرمحوت بشرح مسلم‬ ‫‪2‬‬

‫الثبوت (هبامش املستصفى) ‪.2/374‬‬


‫‪ -‬شرح الزرقاين على موطأ اإلمام مالك‪ ،‬الزرقاين‪ ،‬حممد بن عبد الباقي‪ .‬بريوت‪ ،‬دار الكتب‬ ‫‪3‬‬

‫العلمية‪ .‬ط‪1411( .1 :‬هـ‪1990/‬م)‪ .‬كتاب‪":‬اجلهاد‪ -‬ما جاء يف السلب يف النفل"‪.3/27.‬‬

‫‪46‬‬
‫وإذا احتج املانعون الجته ‪FF‬اد الص ‪FF‬حابة حبض ‪FF‬رة الرس ‪FF‬ول ص ‪FF‬لى اهلل عليه وس ‪FF‬لم ب ‪FF‬أن‬
‫الرج ‪FF F‬وع إليه ص ‪FF F‬لى اهلل عليه وس ‪FF F‬لم وتلقي احلكم منه مباش ‪FF F‬ر ًة أمر ممكن‪ ،‬وهو طريق‬
‫آمن‪ ،‬فال جيوز الع ‪FF‬دول عنه إىل غ ‪FF‬ريه مما ال يُ ‪FF‬ؤمن معه اخلط ‪FF‬أ؛ ف ‪FF‬إن اجلواب يتض ‪FF‬منه ما‬
‫ذُكر من أدلة تثبت ج‪FF F‬واز اجته‪FF F‬اد الرس‪FF F‬ول ص‪FF F‬لى اهلل عليه وس‪FF F‬لم (‪ ،)1‬إض‪FF F‬افة إىل أن‬
‫الص ‪FF F‬حابة مل يكون ‪FF F‬وا – كلهم – مالزمني له ص ‪FF F‬لى اهلل عليه وس ‪FF F‬لم مالزم‪F F F‬ةً وثيق‪F F F‬ةً‪،‬‬
‫حبيث جيدونه أىَّن ش‪FF‬اءوا ‪...‬فقد ك‪FF‬ان من الص‪FF‬حابة الغ‪FF‬ائب واحلاض‪FF‬ر؛ فالغ‪FF‬ائب متع‪FF‬ذر‬
‫عليه معرفة احلكم يف حينه‪ ،‬واحلاضر قد حيت‪FF‬اج إىل وقت ملعرفة احلكم إما لع‪FF‬دم وج‪FF‬ود‬
‫(‪)2‬‬
‫النص‪ ،‬أو لتأخر الوحي يف حادثة من احلوادث‪.‬‬
‫وقد تع ‪FF‬ددت الوق ‪FF‬ائع اليت تشري إىل اجته ‪FF‬اد الص ‪FF‬حابة يف ح ‪FF‬ال غيبتهم عن الرس ‪FF‬ول‬
‫صلى اهلل عليه وسلم وحضورهم‪ .‬وهذا ليس مبستغرب؛ إذ ك‪F‬ان ص‪F‬لى اهلل عليه وس‪F‬لم‬
‫يك ‪FF F F F‬ثر من استش ‪FF F F F‬ارته ألص ‪FF F F F‬حابه يف ح ‪FF F F F‬اليت احلرب والس ‪FF F F F‬لم‪ ،‬ويأخذ بأحسن اآلراء‬
‫وأص ‪FF F‬لحها‪ ،‬كما فعل يف معركة "ب ‪FF F‬در" عن ‪FF F‬دما استحسن رأي احلب ‪FF F‬اب بن من ‪FF F‬ذر يف‬
‫ال ‪FF‬نزول عند مك ‪FF‬ان املاء‪ ،‬وكما فعل يف ي ‪FF‬وم األح ‪FF‬زاب عن ‪FF‬دما وافق على رأي س ‪FF‬لمان‬
‫الفارسي – رضي اهلل عنه – حبفر اخلن‪FF F F‬دق ح‪FF F F‬ول املدين‪FF F F‬ة‪...‬واألمثلة يف ه‪FF F F‬ذا الب‪FF F F‬اب‬
‫(‪)3‬‬
‫كثرية‪.‬‬
‫حكمة اجتهاد الرسول صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫ثبت أن الرسول صلى اهلل عليه وسلم اجتهد يف حاالت شىت‪ ،‬فعالً وقوالً وإقراراً‪،‬‬
‫سواء يف جمال احلياة اليت يش‪FF‬رتك معه فيها غ‪FF‬ريه‪ ،‬ت‪FF‬دبرياً للش‪FF‬أن الع‪FF‬ام‪ ،‬وختطيط‪F‬اً وتنفي‪FF‬ذاً‬
‫ألم ‪FF‬ور احلرب وسياسة الدول‪FF F‬ة‪ ،‬أو يف ما هو من ش ‪FF‬أنه اخلاص‪ ،‬ش ‪FF‬أن الرس‪FF F‬الة والتبليغ‬
‫عند تأخر الوحي عنه كبيان شعرية من الشعائر‪...‬‬

‫‪ -‬تفصيل األدلة يف‪ :‬اإلحكام لآلمدي‪ 4/181 .‬وما بعدها؛ واجتهاد الرسول صلى اهلل عليه‬ ‫‪1‬‬

‫وسلم للعمري‪ .‬ص ‪ 171‬وما بعدها‪.‬‬


‫‪ -‬تيسري التحرير‪ ،‬أمري بادشاه‪ ،‬حممد أمني‪ ،‬وهو شرح على كتاب التحرير البن اهلمام‬ ‫‪2‬‬

‫اإلسكندري‪ .‬بريوت‪ ،‬دار الكتب العلمية(توزيع‪:‬دار الباز‪-‬مكة)(د‪.‬ت)‪.195-4/193 .‬‬


‫‪ -‬السرية النبوية‪ ،‬ابن كثري‪ ،2/402 .‬و‪.3/183‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪47‬‬
‫ويف احلاالت كلها يق‪FF‬رر ال‪FF‬وحي ص‪FF‬واب اجته‪FF‬اده ص‪FF‬لى اهلل عليه وس‪FF‬لم أو ما ك‪FF‬ان‬
‫ْأوىل مما ذهب إليه‪ ،‬أو خطأه مع بيان الصواب‪.‬‬
‫وما دام الرس ‪FF F‬ول الك ‪FF F‬رمي ص ‪FF F‬لى اهلل عليه وس ‪FF F‬لم املؤيد ب ‪FF F‬الوحي – وهو مس ‪FF F‬تغن‬
‫ب ‪FF‬الوحي عن االجته ‪FF‬اد – ثبت أنه اجته ‪FF‬د‪ ،‬وأذن لص ‪FF‬حابته باالجته ‪FF‬اد‪ ،‬وأق ‪FF‬رهم علي ‪FF‬ه‪،‬‬
‫ف‪FF‬إن يف ه‪FF‬ذا حكم‪F‬ةً بالغ‪F‬ةً وال ش‪FF‬ك؛ فش‪FF‬ريعة اإلس‪FF‬الم هي خامتة الش‪FF‬رائع‪ ،‬وهي للن‪FF‬اس‬
‫تعليم‬
‫كاف ‪FF‬ة‪ .‬ل ‪FF‬ذلك ك ‪FF‬ان – يف فعل الرس ‪FF‬ول ص ‪FF‬لى اهلل عليه وس ‪FF‬لم وقولـه وتقري ‪FF‬ره – ٌ‬
‫ألص‪FF‬حابه الك‪FF‬رام وملن يلي بع‪FF‬دهم إىل أن تق‪FF‬وم الس‪FF‬اعة طريقة االجته‪FF‬اد‪ ،‬وت‪FF‬دريب هلم‬
‫على منهج اس‪FF F F F‬تنباط األحك‪FF F F F‬ام الفرعية من أدلتها اإلمجالي‪FF F F F‬ة‪ .‬إذ املعل‪FF F F F‬وم أن احلوادث‬
‫اجلزئية متج ‪FF F‬ددة بتج ‪FF F‬دد اجلدي ‪FF F‬دين‪ ،‬وأية ش ‪FF F‬ريعة مل متتلك آلية س ‪FF F‬ليمة وفعال ‪FF F‬ة‪ ،‬ك ‪FF F‬ان‬
‫مصريها اجلمود واالندثار وااللتحاق بذمة التاريخ‪ ،‬ولعل هذا ما يفسر حرص الرسول‬
‫الك ‪FF F‬رمي ص ‪FF F‬لى اهلل عليه وس ‪FF F‬لم على شق طريق واضح تأخذ فيه ش ‪FF F‬ريعة اإلس ‪FF F‬الم كل‬
‫معامل احلياة والقوة والقدرة على مسايرة الزمان ومالءمة املكان واحلال‪.‬‬
‫ك ‪FF‬ان الرس ‪FF‬ول ص ‪FF‬لى اهلل عليه وس ‪FF‬لم ‪ -‬كث ‪FF‬رياً – ما يشري إش ‪FF‬ار ًة واض ‪FF‬حةً بيِّن‪F F‬ةً إىل‬
‫العلل أثن‪FF‬اء بيانه حلكم واقعة من الوق‪FF‬ائع‪ .‬كقوله ‪ -‬عليه الص‪FF‬الة والس‪FF‬الم – لس‪FF‬عد بن‬
‫أيب وق ‪FF F‬اص(‪ – )1‬عن ‪FF F‬دما اش ‪FF F‬تد به املرض‪ ،‬واستش ‪FF F‬اره يف التص ‪FF F‬دق بثل ‪FF F‬ثي ماله ‪« : -‬‬
‫الثلث‪ ،‬والثلث كث ‪FF‬ري‪ .‬إنك ِإ ْن ت ‪FF‬ذر ورثتك أغني ‪FF‬اء خري من أن ت ‪FF‬ذرهم عالة يتكفف ‪FF‬ون‬
‫‪F‬رت عليه‪FF F F‬ا‪ ،)2( »..‬فقد علل‬
‫الن‪FF F F F‬اس‪ ،‬وإنك لن تنفق نفق ‪F F F‬ةً تبتغي هبا وجه اهلل إال ُأج‪َ F F F‬‬
‫قصر الوص‪FF‬ية على الثلث مبص‪FF‬لحة الورثة املتمثلة يف اس‪FF‬تغنائهم عن س‪FF‬ؤال الن‪FF‬اس‪ ،‬وبنَّي َ‬
‫(‪)3‬‬
‫أن حتصيل الثواب له طرق شىت غري التصدق على الغري‪...‬‬

‫‪ -‬مالك بن أهيب‪ :‬الصحايب األمري فاتح العراق ومدائن كسرى وأحد الستة الذين عيَّنهم عمر‬ ‫‪1‬‬

‫للخالفة‪ .‬تويف سنة (‪55‬هـ)‪ .‬أسد الغابة يف معرفة الصحابة‪ ،‬ابن األثري‪ ،‬عز الدين علي اجلزري‪F.‬‬
‫ت‪ :‬حممد إبراهيم مهنا وآخرين‪ .‬دار الشعب‪( .‬د‪.‬م)‪( F‬د‪.‬ت)‪( .‬ترمجة‪.2/366 .)2037 :‬‬
‫‪ -‬شرح الزرقاين على املوطأ‪ ،‬الزرقاين‪.4/77 .‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬تعليل األحكام‪ ،‬حممد مصطفى شليب‪ .‬بريوت‪ ،‬دار النهضة العربية‪1401(.‬هـ‪1981/‬م)‪ .‬ص‬ ‫‪3‬‬

‫‪.25-23‬‬

‫‪48‬‬
‫وقوله ص‪FF‬لى اهلل عليه وس‪FF‬لم‪ « :‬هنيتكم عن زي‪FF‬ارة القب‪FF‬ور‪ ،‬فزروه‪FF‬ا‪ ،‬ف‪FF‬إن يف زيارهتا‬
‫تذكرة »(‪.)1‬‬
‫وهذا املنهج – من الرسول صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬منطقي؛ ألن الشرع اإلس‪FF‬المي‬
‫– كما س‪F‬بق ذك‪F‬ره – م َّ‪F‬ر ب‪F‬دورين أساس‪F‬يني‪ :‬دور التك‪F‬وين أو التأص‪F‬يل ودور التخ‪F‬ريج‬
‫أو التفري ‪FF‬ع‪ ،‬واألسس واملن ‪FF‬اهج املتبعة يف االس ‪FF‬تنباط إمنا ُوض ‪FF‬عت واتض ‪FF‬حت – يف عهد‬
‫التك ‪FF‬وين األول للش ‪FF‬رع اإلس ‪FF‬المي – كما بيَّنه وطبَّقه الرس ‪FF‬ول الك ‪FF‬رمي ص ‪FF‬لى اهلل عليه‬
‫وس‪FF‬لم ال‪FF‬ذي ك‪FF‬ان مكلف‪F‬اً بتعليم الن‪FF‬اس طريقة اس‪FF‬تنباط األحك‪FF‬ام إىل ج‪F‬انب حتمله أمانة‬
‫تبليغ التشريع‪.‬‬
‫وقد يتب‪FF‬ادر إىل ال‪FF‬ذهن ‪ -‬يف ه‪FF‬ذا املق‪FF‬ام – س‪F‬ؤال مهم‪ ،‬وه‪FF‬و‪ :‬ما دام النيب ص‪FF‬لى اهلل‬
‫عليه وسلم مؤيداً بالوحي فلِ َم مَلْ يبنِّي اهلل تعاىل له أوجهَ الصواب قبل أن يقع فيه؟‪.‬‬
‫و هنا يق ‪FF‬دم اإلم ‪FF‬ام أبو زه ‪FF‬رة تفس ‪FF‬رياً مناس ‪FF‬باً متام ‪F‬اً‪ .‬وهو أن كل جمتهد يف ‪FF‬رتض أن‬
‫يق ‪FF‬دِّر يف نفسه اخلطأ – يق ‪FF‬ول ‪ .. « :-‬وه ‪FF‬ذا أكمل اخللق عن ‪FF‬دما اجتهد أخط ‪FF‬أ‪..‬فال‬
‫يصح الم ‪FF‬رئ أن يثق برأيه وأن يق ‪FF‬ول‪" :‬رأيي احلق كل احلق وال ش ‪FF‬يء غري احلق"‪ ..‬ال‬
‫يصح ملسلم أن يغرت برأيه (بعد أن خطَّأ اهلل نبيّه إذ اجتهد) ما كان لنا إىل ه‪FF‬ذا ال‪FF‬درس‬
‫لوال خطأ النيب وتصويب اهلل له‪ ،‬فهو درس يعطيه اهلل لنا وللمستبدين منا ولكل ام‪FF‬رئ‬
‫يتحكم يف العامة منّا – يق ‪FF F‬ول له ‪" :-‬ق ‪FF F‬دِّر اخلطأ يف رأيك قبل أن تق ‪FF F‬در الص ‪FF F‬واب‪،‬‬
‫واس‪FF F F‬تمع ل‪FF F F‬رأي غ‪FF F F‬ريك قبل أن تق‪FF F F‬در أنه خطأ من كل الوج‪FF F F‬وه‪ ،‬وافعل كما فعل أبو‬
‫حنيفة عن‪FF‬دما ُس‪F‬ئل عما وصل إلي‪FF‬ه‪ ،‬فقيل ل‪FF‬ه‪ " :‬أه‪FF‬ذا ال‪FF‬ذي وص‪FF‬لت إليه هو احلق ال‪FF‬ذي‬
‫ال شك فيه؟ "‪ ،‬فقال‪ " :‬ال أدري‪ ،‬لعله الباطل الذي ال شك فيه " »(‪.)2‬‬
‫كما أن من حكم النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬يف االجته‪FF‬اد – أن ال تتس‪FF‬رع األمة‬
‫إىل التنديد باجملته ‪FF F‬دين إذا ما أخط ‪FF F‬أوا (‪)3‬؛ إذ أن احتم ‪FF F‬ال اخلطأ – من اجملتهد – وارد‬
‫دائماً‪ .‬وما دام الرسول صلى اهلل عليه وس‪FF‬لم ‪ -‬وهو أس‪F‬وة املس‪F‬لمني كافة – قد أخطأ‬

‫‪ -‬سنن أيب داود‪".‬كتاب اجلنائز‪ -‬باب يف زيارة القبور"(احلديث رقم‪.3/218 .)3234‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬الشريعة اإلسالمية‪ ،‬حممد أبو زهرة‪ .‬ص ‪.69-68‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬الفكر السامي يف تاريخ الفقه اإلسالمي‪ ،‬حممد بن احلسن احلجوي‪ .‬القاهرة‪ ،‬مكتبة دار‬ ‫‪3‬‬

‫الرتاث‪ .‬ط‪1396( .1 :‬هـ)‪.1/78 .‬‬

‫‪49‬‬
‫يف بعض األمور‪ ،‬فال ينبغي أن يصرفهم خوف اخلطأ – يف االجتهاد – عن االجته‪FF‬اد‪،‬‬
‫كما أن يف ه‪FF‬ذا أدل‪F‬ةً ناطق‪F‬ةً على بش‪FF‬رية الرس‪FF‬ول ص‪FF‬لى اهلل عليه وس‪FF‬لم وعبوديت‪FF‬ه‪ .‬فمع‬
‫كونه أفضل اخللق وأش‪FF‬رفهم برس‪FF‬الة النب‪FF‬وة‪ ،‬فإنه جيري عليه ما جيري على العب‪FF‬اد – يف‬
‫غري جمال الرس‪FF‬الة – من إمك‪FF‬ان اخلطأ يف االجته‪FF‬اد‪ .‬ويف ه‪FF‬ذا تنبيه بليغ للمس‪FF‬لمني حىت‬
‫ال يطروا رسوهلم ص‪F‬لى اهلل عليه وس‪FF‬لم كما أط‪FF‬رت النص‪FF‬ارى عيسى عليه الس‪FF‬الم حىت‬
‫بلغت به درجة التأليه‪.‬‬
‫مث إن الرسول صلى اهلل عليه وسلم كان يبادر إىل الرج‪FF‬وع إىل الص‪FF‬واب ال‪FF‬ذي بيَّنه‬
‫اهلل له ‪ -‬س ‪FF‬بحانه وتع ‪FF‬اىل – دون ح ‪FF‬رج أو ت ‪FF‬ردد أو كتم ‪FF‬ان ش ‪FF‬يء‪ .‬ويف ذلك – وال‬
‫(‪)1‬‬
‫شك – دليل قاطع على عصمته وأمانته وصدق رسالته عليه الصالة والسالم‪.‬‬

‫‪ -‬مناهل العرفان يف علوم القرآن‪ ،‬الزرقاين‪ ،‬حممد عبد العظيم‪ .‬ت‪ :‬بديع السيد اللحام‪ .‬دار‬ ‫‪1‬‬

‫قتيبة‪ .‬ط‪1418( .1 :‬هـ‪1998/‬م)‪.456-2/451 .‬‬

‫‪50‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫االجتهاد في عصر الصحابة‬

‫التحق الرس‪FF F F‬ول ص‪FF F F‬لى اهلل عليه وس‪FF F F‬لم ب‪FF F F‬الرفيق األعلى بعد أن أدى األمانة وبلغ‬
‫الرس‪FF‬الة ونصح األم‪FF‬ة‪ ،‬تارك ‪F‬اً إياها على احملجة البيض‪FF‬اء ليلها كنهاره‪FF‬ا‪ .‬وقد أكمل اهلل‬
‫– ب ‪FF F F‬ذلك – دينه للن ‪FF F F‬اس كاف ‪FF F F‬ة‪ ،‬وأمت عليهم نعمه اليت ال حيص ‪FF F F‬رها ع ‪FF F F‬دٌّ‪ ،‬ورضي هلم‬
‫_و َم َأ ْك َم ْلتُ لَ ُك ْم ِدينَ ُك ْم َوَأ ْت َم ْمتُ َعلَ ْي ُك ْم نِ ْع َمتِي‬
‫‪F‬الم دين‪F F‬اً‪ ،‬ق ‪FF‬ال اهلل تع ‪FF‬اىل‪  :‬ا ْليَ ْ‬
‫اإلس ‪َ F‬‬
‫ضيتُ لَ ُك ُم اِأْل ْ‬
‫سال َم ِدينا ً ‪.)1(‬‬ ‫َو َر ِ‬
‫وت‪FF F F F F‬رك يف األمة ثالثة أسس هبا تك‪FF F F F F‬ون حياهتا التش‪FF F F F F‬ريعية‪ ،‬وعليها يق‪FF F F F F‬وم نظامها‬
‫العق ‪FF‬دي واالجتم ‪FF‬اعي واالقتص ‪FF‬ادي والسياس ‪FF‬ي‪ ...‬ت ‪FF‬رك فيهم‪ :‬الق ‪FF‬رآن الك ‪FF‬رمي‪ ،‬والس ‪FF‬نة‬
‫النبوية‪ ،‬وإجازة االجتهاد بالرأي عندما ال يوجد نص من القرآن أو أثر من السنة‪.‬‬
‫‪F‬در من مص‪FF F F‬ادر التش‪FF F F‬ريع اإلس‪FF F F‬المي جبانب‬ ‫وال يُفهم من ه‪FF F F‬ذا أن االجته‪FF F F‬اد مص‪ٌ F F F‬‬
‫املص‪FF‬درين األص‪FF‬ليني؛ إذ ال مص‪FF‬در مع الق‪FF‬رآن والس‪FF‬نة‪ ،‬اللهم إال ما ك‪FF‬ان قائم ‪F‬اً عليهما‬
‫ومستمداً أصوله منهما وبإذهنما الواضح البنِّي ‪.‬‬
‫وكل ما كان من اجتهاد الصحابة الكرام ‪ -‬يف حياة الرسول صلى اهلل عليه وسلم‬
‫‪ -‬مل يكن معت ‪FF‬رباً إال بعد إجازته منه ص ‪FF‬لى اهلل عليه وس ‪FF‬لم وتقري ‪FF‬ره إي ‪FF‬اه أو بي ‪FF‬ان وجه‬
‫اخلطأ فيه إن مل يكن ص‪FF F‬واباً‪ .‬ف‪FF F‬املرجع – يف اجته‪FF F‬اداهتم كلها – هو س‪FF F‬نة رس‪FF F‬ول اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬
‫أما بعد وفاته ص ‪FF F‬لى اهلل عليه وس‪FF F‬لم ‪ ،‬فقد ظلت مص‪FF F‬ادر اس‪FF F‬تنباط األحك‪FF F‬ام هي‬
‫نفس ‪FF‬ها‪ :‬الق ‪FF‬رآن الك ‪FF‬رمي‪ ،‬والس ‪FF‬نة النبوي ‪FF‬ة‪ ،‬وحتددت آلية االس ‪FF‬تنباط يف االجته ‪FF‬اد ال ‪FF‬ذي‬
‫يشمل فهم النص‪FF‬وص والقي‪FF‬اس عليها – على اختالف بني الق‪FF‬ائلني به والن‪FF‬افني له – يف‬
‫ظل قواعد دينية ثابتة تكون نرباساً للمجتهدين يهتدون به‪ .‬ومن هذه القواعد‪:‬‬
‫ج ‪.)2( ‬‬ ‫أ – رفع الحرج‪ ،‬قال تعاىل‪َ :‬و َما َج َع َل َعلَ ْي ُك ْم فِي الد ِ‬
‫ِّين ِمنْ َح َر ٍ‬

‫‪ -‬املائدة ‪.3‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬احلج ‪.78‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪51‬‬
‫س َر َوال يُ ِري ُد بِ ُك ُم ا ْل ُع ْ‬
‫س َر ‪.)1( ‬‬ ‫ب – التيسير‪ ،‬قال تعاىل‪ َ :‬يُ ِري ُد هَّللا ُ بِ ُك ُم ا ْليُ ْ‬
‫َس__َألوا عَنْ‬ ‫ين آ َمنُ__وا ال ت ْ‬ ‫ج – قلـة التك اليف‪ ،‬قـال تع‪FF F F‬اىل ‪  :‬يَا َأيُّ َها الَّ ِذ َ‬
‫َس _َألوا َع ْن َها ِح َ‬
‫ين يُنَ _ َّز ُل ا ْلقُ_ ْ_رآنُ تُ ْب_ َد لَ ُك ْم َعفَا‬ ‫َأ ْ‬
‫شيَا َء ِإنْ تُ ْب َد لَ ُك ْم تَ ُ‬
‫سْؤ ُك ْم َوِإنْ ت ْ‬
‫هَّللا ُ َع ْن َها ‪.)2( ‬‬
‫منهج الصحابة في االجتهاد‬
‫إن منهج الص ‪FF‬حابة ‪ -‬يف االجته ‪FF‬اد – يوض ‪FF‬حه ح ‪FF‬ديث مع ‪FF‬اذ بن جبل – رضي اهلل‬
‫عنـه ‪-‬؛ فقد روى(‪ )3‬أن ‪FF‬اس من أهل محص [من أص ‪FF‬حاب مع ‪FF‬اذ] أن الرس‪FF‬ول ص‪FF‬لى اهلل‬
‫عليه وس‪FF F F‬لم ملا أراد أن يبعث مع‪FF F F‬اذاً إىل اليمن‪ ،‬ق‪FF F F‬ال‪ « :‬كيف تقضي إذا ع‪FF F F‬رض لك‬
‫قضاء ؟ »‪ ،‬قال‪« :‬أقضي بكتاب الله »‪ ،‬قال‪ « :‬ف‪FF‬إن مل جتد يف كت‪FF‬اب اهلل ؟ »‪ ،‬ق‪FF‬ال‪:‬‬
‫« فبس ‪FF‬نة رس ‪FF‬ول اهلل ص ‪FF‬لى اهلل عليه وس ‪FF‬لم »‪ ،‬ق ‪FF‬ال‪ « :‬ف ‪F‬إن مل جتد يف س ‪FF‬نة رس ‪FF‬ول اهلل‬
‫ص‪F‬لى اهلل عليه وس‪FF‬لم وال يف كت‪FF‬اب اهلل ؟ »‪ ،‬ق‪FF‬ال‪ « :‬أجتهد رأيي وال آلو »‪ ،‬فض‪F‬رب‬
‫‪F‬ول‬
‫‪F‬ول رس‪ِ F‬‬ ‫رس‪FF‬ول اهلل ص‪FF‬لى اهلل عليه وس‪FF‬لم ص‪FF‬دره‪ ،‬وق‪FF‬ال‪ « :‬احلمد هلل ال‪FF‬ذي وفق رس‪َ F‬‬
‫اهلل ملا يرضي رسول اهلل »(‪.)4‬‬

‫‪ -‬البقرة ‪.185‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬املائدة ‪.101‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬سنن أيب داود‪" .‬كتاب األقضية‪-‬باب اجتهاد الرأي يف القضاء" (احلديث رقم ‪.)3592‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪.3/303‬‬
‫‪ -‬قال األلباين‪ -‬يف هامش حتقيقه للمشكاة ‪ « :-‬إسناده ضعيف‪ ،‬وِإن احتجوا به يف أصول‬ ‫‪4‬‬

‫الفقه؛‪ F‬فقد صرح بتضعيفه أئمة احلديث‪ ،‬كالبخاري والرتمذي والدارقطين وعبد احلق اإلشبيلي‬
‫وابن اجلوزي والعراقي وغريهم‪ .‬وقد حققت القول يف ذلك يف األحاديث الضعيفة »‪(( .‬مشكاة‬
‫املصابيح‪ ،‬للخطيب التربيزي‪ .‬بريوت‪ ،‬دار املكتب اإلسالمي‪ .‬ط‪1405( .3 :‬هـ‪1985/‬م)‪.‬‬
‫(احلديث رقم‪.))2/1103 .)3737:‬‬
‫عد قول احلارث بن عمرو‪" :‬عن أناس من أصحاب معاذ" دليل شهرة احلديث‬ ‫لكن هناك من َّ‬
‫وكثرة رواته وليس دليل ضعفه‪ ،‬مستشهدين مبا عُرف عن معاذ من فضل وزهد؛ فكان الظاهر‬
‫– من حال أصحابه – أهنم ذوو دين وتفقه وصالح‪ ،‬بل لقد قيل‪ :‬إن عبادة بن نسي رواه عن‬
‫عبد الرمحن بن غنم عن معاذ‪ ،‬فيكون – حينئذ – اإلسناد متصالً‪ ،‬ورجاله معروفون بالثقة‪.‬‬
‫إضافة إىل هذا‪ ،‬فإن أهل العلم تلقوه بالقبول واحتجوا به‪ ،‬فكان دليالً آخر على صحته‪.‬‬
‫(( الفقيه= =واملتفقهة‪ ،‬اخلطيب البغدادي‪ ،‬أبو بكر محد‪ .‬تصحيح وتعليق‪:‬الشيخ إمساعيل‬

‫‪52‬‬
‫‪ – 1‬الرجوع إلى القرآن الكريم‪:‬‬
‫وقد اتبع الص‪FF‬حابة الك‪FF‬رام – رضي اهلل عنهم – نفس منهجه ص‪FF‬لى اهلل عليه وس‪FF‬لم‬
‫؛ فك‪FF F‬ان مف‪FF F‬زعهم الق‪FF F‬رآن الك‪FF F‬رمي‪ ،‬حبث ‪F F‬اً عن النص‪FF F‬وص وفهم ‪F F‬اً للمع‪FF F‬اين وال‪FF F‬دالالت‪،‬‬
‫وامتثاالً لألحكام واملقتضيات‪ .‬وأبرز مثال على هذا املنهج الذي اعتمد القرآن أساس ‪F‬اً‬
‫أولياً يف استنباط األحكام واالستدالل عليها‪:‬‬
‫تقسيم أرض سواد العراق‪:‬‬
‫عن ‪FF‬دما فتح املس ‪FF‬لمون أرض س ‪FF‬واد الع ‪FF‬راق ط ‪FF‬الب بعض الص ‪FF‬حابة بتقس ‪FF‬يمها على‬
‫الف‪FF‬احتني‪ .‬لكن عمر بن اخلط‪FF‬اب أىب ذل‪FF‬ك؛ لفهمه أهنا ال ت‪FF‬دخل يف عم‪FF‬وم قوله تع‪FF‬اىل‪:‬‬
‫ول َولِ_ ِذي ا ْلقُ_ ْ_ربَى‬
‫س_ ِ‬ ‫ش_ ْي ٍء فَ_َأنَّ هَّلِل ِ ُخ ُم َ‬
‫س_هُ َولِل َّر ُ‬ ‫‪َ ‬وا ْعلَ ُم__وا َأنَّ َما َغنِ ْمتُ ْم ِمنْ َ‬
‫سبِيل ‪)1( ‬؛ إذ أن الغن‪FF‬ائم تك‪FF‬ون يف األم‪FF‬ور املنقول‪FF‬ة‪،‬‬ ‫ين َوا ْب ِن ال َّ‬
‫سا ِك ِ‬‫َوا ْليَتَا َمى َوا ْل َم َ‬
‫واألرض ليست ك‪FF F F‬ذلك‪ ،‬فهي تفتح وال تغنم؛ وألنه خُي شى إذا ما قُس‪FF F F‬مت كل أرض‬
‫أن ي‪FF F‬أيت زمن ال ميلك فيه أن‪FF F‬اس ش‪FF F‬يئاً من األرض‪ )2(.‬ومل يوافقه بعض الص‪FF F‬حابة على‬
‫هذا الرأي‪ ،‬واستمر النقاش واجلدال حول هذه القضية ثالث ليال‪.‬‬
‫س_ولِ ِه‬ ‫ويف الي‪FF F‬وم الث‪FF F‬الث احتج عليهم عمر بقوله تع‪FF F‬اىل‪َ  :‬ما َأفَ__ا َء هَّللا ُ َعلَى َر ُ‬
‫ول َولِ _ ِذي ا ْلقُ_ ْ_ربَى َوا ْليَتَ__ا َمى َوا ْل َم َ‬
‫س _ا ِكي ِن َوا ْب ِن‬ ‫س_ ِ‬ ‫ِمنْ َأ ْه_ ِل ا ْلقُ _ َرى فَلِلَّ ِه َولِل َّر ُ‬
‫س _و ُل فَ ُخ_ ُذوهُ َو َما‬ ‫ون دُولَةً بَ ْي َن اَأْل ْغنِيَا ِء ِم ْن ُك ْم َو َما آتَا ُك ُم ال َّر ُ‬ ‫يل َك ْي ال يَ ُك َ‬ ‫سب ِ ِ‬
‫ال َّ‬
‫ب ‪ . ‬فس‪FF F‬لموا هبذا ال‪FF F‬دليل‪،‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫نَ َها ُك ْم َع ْنهُ فَا ْنتَ ُهوا َواتَّقُوا هَّللا َ ِإنَّ هَّللا َ َ‬
‫ش ِدي ُد ا ْل ِعقَ__ا ِ‬
‫واقتنعوا مبا ذهب إليه عمر – رضي اهلل عنه – واعرتفوا بسداد رأيه وصواب حجته‪.‬‬

‫جود‬
‫األنصاري‪ .‬بريوت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ .‬ط‪1400( .2 :‬هـ‪1980/‬م)‪ .))1/189 .‬وقد َّ‬
‫إسناده عدد من األئمة‪ ،‬مثل ابن تيمية‪ ،‬وابن القيم‪ ،‬والذهيب‪ ،‬وابن كثري وغريهم‪((..‬إعالم‪F‬‬
‫املوقعني عن رب العاملني‪ ،‬ابن قيم اجلوزية‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد‪ .‬ت‪ :‬حممد حميي الدين عبد احلميد‪.‬‬
‫‪1/202‬؛ وهامش احملقق عبد الفتاح أبو غدة لكتاب "فقه أهل العراق" لصاحبه زاهد الكوثري‪.‬‬
‫مكتب املطبوعات اإلسالمية‪ .‬ط‪1390( .1 :‬هـ‪1970/‬م)‪ .‬ص ‪.))25-24‬‬
‫‪ -‬األنفال ‪.41‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬تاريخ املذاهب اإلسالمية‪ ،‬أبو زهرة‪.2/243 .‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬احلشر ‪.7‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪53‬‬
‫واس ‪FF F F‬تدالل عمر – هبذه اآلي ‪FF F F‬ات – يبطل م ‪FF F F‬زاعم من ق ‪FF F F‬ال‪ :‬إنه ع ‪FF F F‬دل عن النص‬
‫الق‪FF‬رآين إىل ما رآه مص‪FF‬لحةً‪ ..‬إن ما ذهب إليه إمنا هو فهم ص‪FF‬ائب للنص الق‪FF‬رآين‪ .‬فما‬
‫ترك أحد من الصحابة – رضوان اهلل عليهم مجيعاً – نصاً آلرائهم أو ملصلحة تعارض‬
‫ص‪F F‬اً‪ .‬بل إن ما أفت ‪FF‬وا به ‪ -‬من املص ‪FF‬احل – ليس – يف الواقع – إال تطبيق‪F F‬اً للنص ‪FF‬وص‪،‬‬ ‫نّ‬
‫وفهماً ملقاصد الشريعة من غري احنراف (‪.)1‬‬
‫وإن تف‪FF F F F‬اوهتم يف فهم الق‪FF F F F‬رآن – مع أهنم ك‪FF F F F‬انوا األق‪FF F F F‬رب إىل إدراك معانيه وفهم‬
‫أن أدوات الفهم ل ‪FF‬ديهم مل تكن كلها س‪FF F‬واءً؛‬ ‫دالالته ومراميه – ليس أم‪FF F‬راً غريب ‪F F‬اً‪ .‬إ ْذ َّ‬
‫اطالع‪ ،‬ومعرف ‪F F‬ةً ب‪FF F‬الغريب منها –‬
‫ٍ‬ ‫ف‪FF F‬درجاهتم – يف اللغة – متفاوتة – علم ‪F F‬اً‪ ،‬وس‪FF F‬عةَ‬
‫كما أن حظوظهم يف مالزمة النيب صلى اهلل عليه وس‪FF‬لم مل تكن متكافئ‪F‬ةً‪ .‬وه‪FF‬ذا – بال‬
‫شك – له أثر كبري يف مق ‪FF F‬دار مع ‪FF F‬رفتهم بأس ‪FF F‬باب ال ‪FF F‬نزول‪ ..‬يض ‪FF F‬اف إىل ه ‪FF F‬ذا أهنم ال‬
‫خيتلف‪FF‬ون عن بقية البشر يف أهنم تتمثل فيهم الف‪FF‬روق الفردية وتف‪FF‬اوت الق‪FF‬درات الذهنية‬
‫واملستويات العلمية؛ قال مس‪FF‬روق(‪ « :)2‬جالست أص‪FF‬حاب حممد ص‪FF‬لى اهلل عليه وس‪FF‬لم‬
‫فك ‪FF‬انوا كاإلخ ‪FF‬اذ(‪ :)3‬اإلخ ‪FF‬اذة ت ‪FF‬روي ال ‪FF‬راكب‪ ،‬واإلخ ‪FF‬اذة ت ‪FF‬روي الراك ‪FF‬بني‪ ،‬واإلخ ‪FF‬اذة‬
‫تروي العشرة‪ ،‬واإلخاذة لو نزل هبا أهل األرض ألصدرهتم »(‪.)4‬‬
‫‪ – 2‬طلب السنة النبوية‪:‬‬
‫إذا كانت نصوص الق‪F‬رآن الك‪F‬رمي حمص‪F‬ور ًة ومعلوم‪F‬ةً‪ ،‬ف‪FF‬إن األمر مل يكن ك‪F‬ذلك مع‬
‫نص ‪FF‬وص الس ‪FF‬نة النبوي ‪FF‬ة؛ ألهنا مل ت ‪FF‬دون – كامل ‪F‬ةً – يف عهد الص ‪FF‬حابة الك ‪FF‬رام – رضي‬
‫اهلل عنهم ‪ ، -‬وإمنا ك ‪FF‬انت موزع‪F F‬ةً بينهم‪ .‬ك ‪Fٌ F‬ل حيفظ ج ‪FF‬زءاً منها حبسب ما ي َّس‪F F‬رته له‬
‫ظروف‪FF‬ه‪ ،‬وبق‪FF‬در س‪FF‬عيه يف تتبعها ل‪FF‬دى غ‪FF‬ريه‪ ،‬وقد ثبت أن بعض ص‪FF‬غار الص‪FF‬حابة ش‪FF‬رع‬

‫‪ -‬تاريخ املذاهب اإلسالمية‪.2/248 .‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬مسروق‪ :‬اهلمداين الكويف‪ ،‬فقيه ورع نقل كثرياً من فقه عمر بن اخلطاب – رضي اهلل عنه –‬ ‫‪2‬‬

‫وقضاياه‪ .‬اشتغل بالفتوى والقضاء‪ ،‬وكان ال يأخذ عليه أجراً‪ .‬كان ثقةً‪ .‬وله أحاديث صاحلة‪.‬‬
‫تويف سنة ‪ 63‬هـ‪ .‬الطبقات الكربى‪ ،‬البن سعد‪ .‬بريوت‪ ،‬دار صادر (د‪.‬ت)‪.6/76 .‬‬
‫‪ -‬اإلخاذ‪:‬ج ِإخاذة‪ :‬شيء كالغدير‪.‬خمتار الصحاح‪ ،‬الرازي‪ .‬بريوت‪،‬مكتبة لبنان‪1988(.‬م)ص‬ ‫‪3‬‬

‫‪.4‬‬
‫‪ -‬إعالم املوقعني ‪.1/16‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪54‬‬
‫يف ت ‪FF F‬دوينها يف عهد النيب ص ‪FF F‬لى اهلل عليه وس ‪FF F‬لم وبإذنه يف آخر عصر النب ‪FF F‬وة ّملـا أمن‬
‫(‪)1‬‬
‫اللبس بينها وبني القرآن الكرمي‪.‬‬
‫فك‪FF F‬انوا إذا ما ن‪FF F‬زلت هبم نازلة ومل جيدوا هلا – يف كت‪FF F‬اب اهلل – نص ‪F F‬اً‪ ،‬استقص‪FF F‬وا‬
‫الس‪FF F‬نة النبوية طلب ‪F F‬اً حلديث – رمبا ثبت ل‪FF F‬دى بعض‪FF F‬هم – مس‪FF F‬تخدمني منهج ‪F F‬اً دقيق ‪F F‬اً‬
‫ومتش ‪FF‬دداً يف قب ‪FF‬ول ما يُنسب إىل الرس ‪FF‬ول ص ‪FF‬لى اهلل عليه وس ‪FF‬لم حرص‪F F‬اً على س ‪FF‬المة‬
‫السنة النبوية من كل ما ميكن أن يشوهبا من وضع وكذب أو خلط وخطأ‪.‬‬
‫وكان أبو بكر الصديق – رضي اهلل عنه – أول من احت‪FF‬اط يف قب‪FF‬ول األخب‪FF‬ار‪ .‬فقد‬
‫ُروي أن اجلدة جاءت إليه سائلةً مرياثها‪ ،‬فلم جيد هلا يف القرآن الك‪FF‬رمي ش‪FF‬يئاً‪ ،‬ومل يعلم‬
‫بأن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ذكر هلا شيئاً‪ .‬فسأل الناس‪ ،‬فقام املغرية(‪ ،)2‬فق‪FF‬ال‪:‬‬
‫« مسعت رس ‪FF‬ول اهلل ص ‪FF‬لى اهلل عليه وس ‪FF‬لم يعطيها الس ‪FF‬دس »‪ ،‬فق ‪FF‬ال ل ‪FF‬ه‪ « :‬هل معك‬
‫أحد ؟ »‪ ،‬فش ‪FF‬هد حممد بن مس ‪FF‬لمة(‪ )3‬مبثل ذل ‪FF‬ك‪ ،‬فأنف ‪FF‬ذه هلا أبو بكر – رضي اهلل عنه‬
‫(‪)4‬‬
‫‪.-‬‬

‫‪ -‬مما يروى – يف إباحة كتابة احلديث الشريف – قول عبد اهلل بن عمرو بن العاص – رضي‬ ‫‪1‬‬

‫اهلل عنهما ‪ « :-‬كنت أكتب كل شيء أمسعه من رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أريد حفظه‪،‬‬
‫فنهتين قريش‪ ،‬وقالوا‪" :‬تكتب كل شيء مسعته من رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬ورسول اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وسلم بشر يتكلم يف الغضب والرضا"‪ ،‬فأمسكت عن الكتاب‪ ،‬فذكرت ذلك‬
‫«أكتب‪ ،‬فوالله الذي نفسي بيده‬
‫ْ‬ ‫لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فأومأ بأصبعه إىل فيه‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫ما خرج منه إال حق»‪ .‬سنن الدارمي‪ ،‬الدارمي‪ ،‬أبو حممد عبد اهلل‪ .‬بريوت‪ ،‬دار الفكر‪( .‬د‪.‬ت)‪.‬‬
‫‪ ،1/125‬وحنوه يف‪1/126 :‬؛ وتقييد العلم‪ ،‬اخلطيب البغدادي‪ F.‬ت‪ :‬يوسف العش‪ .‬دمشق‪،‬‬
‫املعهد الفرنسي للدراسات العربية‪1949(.‬م)‪ .‬ص ‪ 82-74‬حيث ورد بطرق كثرية‪.‬‬
‫‪ -‬ابن شعبة بن أيب عامر بن مسعود الثقفي‪ .‬أسلم عام اخلندق وشهد احلديبية‪ .‬وكان موصوفاً‬ ‫‪2‬‬

‫بالدهاء‪ .‬تويف بالكوفة سنة (‪ 50‬هـ)‪ .‬أسد الغابة (ترمجة ‪.5/247 .)5064‬‬
‫‪ -‬األوسي األنصاري احلارثي (ت ‪43‬هـ) صحايب جليل شهد بدراً وما بعدها إىل تبوك‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫استخلفه النيب صلى اهلل عليه وسلم على املدينة يف بعض غزواته‪ .‬اإلصابة (ترمجة‪.)7808:‬‬
‫‪.3/383‬‬
‫‪ -‬تذكرة احلفاظ‪ ،‬الذهيب‪ .‬بريوت‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪( .‬د‪.‬ت)‪ .1/2 .‬واحلديث أخرجه‬ ‫‪4‬‬

‫أبو داود "كتاب الفرائض‪-‬باب اجلدة"‪( .‬احلديث رقم‪ .3/121 .)2894:‬وقد كان منهج أيب‬
‫كرم اهلل‬
‫بكر وعمر – رضي اهلل عنهما ‪ -‬أال يقبال احلديث إال إذا شهد به اثنان‪ ،‬أما علي – ّ‬
‫‪55‬‬
‫‪ – 3‬استخدام الرأي‪:‬‬
‫ك‪FF F‬ان من الط‪FF F‬بيعي مالحظة منو اجملتمع اإلس‪FF F‬المي وتط‪FF F‬وره واتس‪FF F‬اع دائ‪FF F‬رة معتنقي‬
‫َّت‬
‫اإلس‪FF‬الم‪ ،‬مما يقتضي – منطقي ‪F‬اً – اتس‪FF‬اعاً يف دائ‪FF‬رة االس‪FF‬تنباط والتفري‪FF‬ع؛ إذ قد ج‪FF‬د ْ‬
‫ن ‪FF F‬وازل مل تكن يف عهد النب ‪FF F‬وة‪ ،‬وال بد هلم من بي ‪FF F‬ان أحكامه ‪FF F‬ا‪ .‬وه ‪FF F‬ذا – ب ‪FF F‬الطبع –‬
‫يستدعي إعمال آلية االجتهاد للوصول إىل معرفة تلك األحكام‪.‬‬
‫فاجتهاداهتم – رضي اهلل عنهم – كانت نتيجةً ملا تطلبه الواق‪FF‬ع‪ ،‬ومل تكن من قبيل‬
‫افرتاض وتقدير ملا مل يقع بعد؛ إ ْذ كانوا يرون أن فرض الصور واس‪FF‬تنباط أحكامها من‬
‫التمحل يف ال‪FF‬دين وض‪FF‬ياع ال‪FF‬وقت ال‪FF‬ذي هم يف أمس احلاجة إلي‪FF‬ه‪ ،‬لبن‪FF‬اء الدولة وتوس‪FF‬يع‬
‫حركة الدعوة إىل اإلسالم‪.‬‬
‫وقد برز – يف عهد الصحابة – منهجان لالجتهاد‪:‬‬
‫‪ -‬المنهج األول‪ :‬يتمثل يف االعتم ‪FF F‬اد على التح ‪FF F‬رك يف نط ‪FF F‬اق نص ‪FF F‬وص الكت ‪FF F‬اب‬
‫والسنة‪ ،‬فال خيرج أصحابه عن هذه الدائرة‪.‬‬
‫‪ -‬المنهج الثاني‪ :‬يتمثل يف االعتماد على الرأي عند عدم وج‪FF‬ود النص‪ ،‬لكن بعد‬
‫ط ‪FF‬ول تأمل وتفكري يف استكش ‪FF‬اف ما هو األق ‪FF‬رب إىل الكت ‪FF‬اب والس ‪FF‬نة‪ ،‬س ‪FF‬واء متَّ ه ‪FF‬ذا‬
‫االستكش‪FF‬اف عن طريق إثب‪FF‬ات حكم املنص‪FF‬وص عليه لغري املنص‪FF‬وص عليه الش‪FF‬رتاكهما‬
‫يف العل ‪FF F‬ة‪ ,‬وهو ما يس ‪FF F‬مى بالقي ‪FF F‬اس أو عن طريق النظر فيما هو األق ‪FF F‬رب إىل املقاصد‬
‫(‪)1‬‬
‫العامة للتشريع‪ ،‬وهو ما يُعرف باملصلحة‪.‬‬
‫ولقد تف‪FF F F‬اوت الص‪FF F F‬حابة الك‪FF F F‬رام – رضي اهلل عنهم – يف تط‪FF F F‬بيق ه‪FF F F‬ذين املنهجني‬
‫لسببني رئيسيني‪:‬‬
‫‪ -‬أولهم ا‪ :‬اختالف من ‪FF‬ازع التفكري وأس ‪FF‬اليب التحليل واملعاجلة‪ ،‬وه ‪FF‬ذا أمر طبعي‬
‫ج ّداً يف أي جتمع بشري‪.‬‬
‫‪ -‬ثانيهما‪ :‬أن بعضهم قد فرضت عليه مسؤولية املشاركة يف إدارة أمور الدولة –‬
‫على اختالف مس‪FF F F‬توياهتا – أن يواجه قض‪FF F F‬ايا تس‪FF F F‬تدعي حل‪FF F F‬والً عاجل ‪F F F‬ةً؛ مما جعلهم‬

‫وجهه ‪ -‬فكان يستحلف من يروي احلديث‪.‬‬


‫‪ -‬تاريخ املذاهب اإلسالمية‪ ،‬أبو زهرة‪.2/244 .‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪56‬‬
‫يلج‪FF‬أون إىل ال‪FF‬رأي حىت تنتظم ش‪FF‬ؤون العام‪FF‬ة؛ وه‪FF‬ذا يفسر اش‪FF‬تغال بعض‪FF‬هم باالجته‪FF‬اد‬
‫واإلفتاء أكثر من غريه‪.‬‬
‫‪ – 4‬اعتماد الشورى‪:‬‬
‫ت‪FF F F F F F F‬وزعت الوق‪FF F F F F F F‬ائع – يف عصر الص‪FF F F F F F F‬حابة كما هو احلال يف كل عصر – على‬
‫مستويني‪ :‬مستوى فردي خ‪FF‬اص‪ ،‬ومس‪FF‬توى مجاعي ع‪FF‬ام؛ ففي النوع األول – منها –‬
‫ك ‪FF‬انت تص ‪FF‬در – عن بعض الص ‪FF‬حابة – آراء واجته ‪FF‬ادات شخص ‪FF‬ية رمبا مل يش ‪FF‬اركهم‬
‫فيها غ ‪FF F‬ريهم‪ .‬ألن املس ‪FF F‬ألة ك ‪FF F‬انت فردي ‪FF F‬ة‪ ،‬وألن االستفس ‪FF F‬ار عنها مل يتج ‪FF F‬اوزهم إىل‬
‫غريهم‪.‬‬
‫أما الن وع الث اني‪ ،‬فك ‪FF‬ان ذا ص ‪FF‬لة ب ‪FF‬أمر املس ‪FF‬لمني الع ‪FF‬ام – س ‪FF‬واء فيما خيص تس ‪FF‬يري‬
‫ش‪FF‬أن من ش‪FF‬ؤون الدول ‪FF‬ة‪ ،‬أو تقرير قاع ‪FF‬دة من القواعد العامة ‪ ،-‬ويف ه ‪FF‬ذا احلال ك ‪FF‬انوا‬
‫يلجأون إىل مبدأ التشاور وتقليب اآلراء ووجهات النظر‪.‬‬
‫ودائ ‪FF F‬رة التش ‪FF F‬اور – نفس ‪FF F‬ها – تض ‪FF F‬يق وتتسع تبع‪F F F‬اً للمس ‪FF F‬ألة [موض ‪FF F‬وع البحث‬
‫واالستقص‪FF‬اء]؛ ف‪FF‬إن ك‪FF‬انت متعلق ‪F‬ةً بتس‪FF‬يري ش‪FF‬أن ‪ -‬من ش‪FF‬ؤون الدولة – مُج َع هلا كب‪FF‬ار‬
‫الص‪FF‬حابة ممن عُرف‪FF‬وا جبودة ال‪FF‬رأي وحسن الت‪FF‬دبري كما دأب عمر بن اخلط‪FF‬اب – رضي‬
‫اهلل عنه ‪ -‬يف إدارته لش ‪FF F F F‬ؤون احلكم‪ .‬وإ ْن ك ‪FF F F F‬انت عام ‪FF F F F‬ة‪ ،‬عُرضت على مجيع أف ‪FF F F F‬راد‬
‫اجملتمع‪ .‬إ ْذ أن الشورى العامة هي الوسيلة الوحيدة للوصول إىل رأي جُمْ َم ٍع عليه‪.‬‬
‫ومما ي َّس‪F F‬ر الش ‪FF‬ورى العامة أن أغلب الص ‪FF‬حابة ك ‪FF‬انوا مس ‪FF‬تقرين باملدينة – عاص ‪FF‬مة‬
‫الدولة اإلس ‪FF F F‬المية ‪ ،-‬وخباصة يف عهد عمر بن اخلط‪FF F F F‬اب – رضي اهلل عنه ‪ ،-‬فإنه مل‬
‫يس ‪FF‬مح للمه ‪FF‬اجرين وكب ‪FF‬ار الص ‪FF‬حابة مبغ ‪FF‬ادرة املدينة املن ‪FF‬ورة إىل األقط ‪FF‬ار املفتوحة كي‬
‫يظل ‪FF‬وا أهل ش ‪FF‬وراه‪ ،‬وعونَ ‪FF‬هُ يف حتمل أعب ‪FF‬اء اإلدارة والتس ‪FF‬يري‪ .‬ول ‪FF‬ذلك ك ‪FF‬ان من املتيسر‬
‫معرفة آراء الصحابة يف الوق‪FF‬ائع اجلدي‪FF‬دة‪ ،‬وتب‪FF‬ادل وجه‪FF‬ات النظر فيه‪FF‬ا‪ .‬األمر ال‪FF‬ذي نتج‬
‫(‪)1‬‬
‫عنه حسم للخالف الذي ميكن أن ينشأ أثناء االجتهاد‪.‬‬

‫‪ -‬الفكر السامي‪ ،‬احلجوي‪1/227 .‬وما بعدها؛ وتاريخ التشريع اإلسالمي‪ ،‬السبكي‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫والسايس‪ ،‬والرببري‪ .‬ت‪ :‬عالء الدين زعرتي‪ .‬دمشق‪ ،‬دار العصماء‪ .‬ط‪1417( .1:‬هـ‪/‬‬
‫‪1997‬م)‪ .‬ص ‪ 130‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫عد هذا العصر أقل العصور ‪ -‬ظهوراً – للخالف الفقهي؛ بفضل مبدأ التشاور‬ ‫ويُ ُّ‬
‫ال‪FF F‬ذي طبَّقه الص‪FF F‬حابة أفضل تط‪FF F‬بيق‪ ،‬وأمثر إمجاع ‪F F‬اً ح‪FF F‬ول كثري من املس‪FF F‬ائل‪ ،‬وبفضل‬
‫ال ‪FF F‬تزامهم ببي ‪FF F‬ان أحك ‪FF F‬ام املس ‪FF F‬ائل الواقعة – فعالً ‪ ،-‬وع ‪FF F‬دم جن ‪FF F‬وحهم إىل االف ‪FF F‬رتاض‬
‫والتقدير‪.‬‬
‫وإن االختالف بني الصحابة – يف االجتهاد – يرجع إىل سببني رئيسني‪:‬‬
‫‪ – 1‬االختالف حول النصوص‪:‬‬
‫وأقصد به االختالف يف فهم النص‪ ،‬وهو ناتج – بدوره – عن أسباب‪ ،‬أمهها‪:‬‬
‫دل على معىن متعني‬ ‫أ – قطعية داللة النص وظنيته‪ :‬ف‪FF F F‬النص قطعي الداللة هو ما َّ‬
‫فهمه منه‪ ،‬وال حيتمل تأويالً‪ ،‬وال جمال لفهم غريه منه‪.‬‬
‫والنص ظين الداللة هو ما كان حمتمالً ألكثر من معىن واحد‪.‬‬
‫ب – تع ارض ظ واهر النص وص‪ :‬حيث توجد نص ‪FF‬وص ت ‪FF‬وهم بالتع ‪FF‬ارض؛ ك ‪FF‬أن‬
‫حيكم الرس‪FF F F‬ول ص‪FF F F‬لى اهلل عليه وس‪FF F F‬لم حبكم معني يف حال‪FF F F‬ة‪ ،‬وحبكم آخر – بالنس‪FF F F‬بة‬
‫للمس‪FF‬ألة ذاهتا – يف حالة أخ‪FF‬رى‪ .‬فيت‪FF‬وهم اجملتهد التع‪FF‬ارض‪ ،‬واحلقيقة أنه ال تع‪FF‬ارض يف‬
‫املسألة الختالف احلكمني باختالف احلالتني‪.‬‬
‫ج – منهج المجتهد في قبول الرواية‪ :‬فلكل فقيه منهجه يف قبول أخب‪FF‬ار اآلح‪FF‬اد‬
‫ومتحيص ‪FF‬ها ونق ‪FF‬دها(‪ .)1‬كما أن من ثبتت عن ‪FF‬ده بعض نص ‪FF‬وص الس ‪FF‬نة عمل هبا ومن مل‬
‫تثبت عنده مل يعمل هبا‪.‬‬
‫د – العلم بوقوع النسخ أو الجهل به‪.‬‬
‫هـ – كيفية تن اول ألف اظ النص وص‪ :‬فالع ‪FF F‬ام قد ي ‪FF F‬راد به العم ‪FF F‬وم وقد ي ‪FF F‬راد به‬
‫اخلص ‪FF‬وص‪ ،‬وقد ي ‪FF‬رد بص ‪FF‬يغة اخلص ‪FF‬وص‪ ،‬فيب ‪FF‬دو من ظ ‪FF‬اهره التع ‪FF‬ارض وال تع ‪FF‬ارض يف‬
‫احلقيقة‪ .‬فل‪F‬زم معرفة كيفية تن‪F‬اول ألف‪F‬اظ النص‪F‬وص كتاب‪F‬اً وس‪F‬نةً‪ ،‬وط‪F‬رق تأويله‪F‬ا‪ ،‬ومتي‪F‬يز‬
‫نصها من ظاهرها‪ ،‬وحمكمها من متشاهبها‪ ،‬وخفيها من مشكلها‪ ،‬وجمملها من مبينها‪.‬‬

‫‪ -‬فابن حنبل – مثالً – يستغين خبرب اآلحاد ولو ضعيفاً عن القياس والرأي‪ .‬ومالك يشرتط‬ ‫‪1‬‬

‫موافقة الصحيح لعمل أهل املدينة‪ .‬والظاهرية يع ّدون اآلحاد قطعيةً توجب العلم اليقني يف العقيدة‬
‫والعمل على السواء‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫و – االختالف في تع يين دالالت األلف اظ‪ :‬وهل هي بإش ‪FF F‬ارة النص أو مفه ‪FF F‬وم‬
‫اَألوىل أو االقتض‪FF F F F F‬اء‪ ،‬أو املخالف‪FF F F F F‬ة‪ ،‬أو مفه‪FF F F F F‬وم اللقب‪ ،‬أو الوص‪FF F F F F‬ف‪ ،‬أو‬
‫املخالفة أو ْ‬
‫عاماً وخاصاً‪ ،‬مطلقاً ومقي‪FF‬داً‪،‬‬‫الشرط‪ ،‬أو الغاية‪ ،‬أو من حيث داللة الشمول يف اللفظ ّ‬
‫وكيفية ختصيص العام باملتواتر أو اآلحاد أو القياس أو املصلحة‪.‬‬
‫ولعل ه ‪FF‬ذه الش ‪FF‬مولية يف جمال االختالف ليست عيب ‪F‬اً يف الفقه اإلس ‪FF‬المي أو نقص ‪F‬اً‬
‫فيه – كما يق ‪FF‬ول أحد الب ‪FF‬احثني ‪ « : -‬بل هي من مميزات كماله ومرونته وص ‪FF‬الحيته‬
‫لكل زم‪FF‬ان ومك‪FF‬ان وح‪FF‬ال‪ .‬ومن خص‪FF‬ائص ش‪FF‬ريعته الربانية ودينه ال‪FF‬ذي نسخ ما س‪FF‬بقه‬
‫من أدي‪FF‬ان‪ ،‬ونبيه ال‪FF‬ذي ختمت به النب‪FF‬وة‪ ،‬وأحكامه اليت هي حج‪F‬ةٌ للن‪FF‬اس أو عليهم إىل‬
‫يوم القيامة »(‪.)1‬‬
‫‪ – 2‬اختالف الرأي فيما ال نص فيه‪:‬‬
‫فإن باب الرأي واس ٌ‪F‬ع‪ ،‬ولكل طريقته يف اس‪F‬تنباط األحك‪F‬ام من املس‪F‬ائل اليت ال نص‬
‫فيه‪FF F F F F F‬ا‪ ،‬وقد أف‪FF F F F F F‬رد كثري من العلم‪FF F F F F F‬اء مؤلف‪FF F F F F F‬ات خاصة عُ‪FF F F F F F‬رفت بكتب‪« :‬اختالف‬
‫الفقهاء»(‪.)2‬‬
‫ه ‪FF‬ذا‪ .‬وعلى ال ‪FF‬رغم من وج ‪FF‬ود االختالف يف اجته ‪FF‬ادات الص ‪FF‬حابة‪ ،‬ف ‪FF‬إن الفقه بقي‬
‫حمفوظ‪F F‬اً‪ ،‬ولعل الس ‪FF‬بب – يف ذلك – أنه ظ ‪Fَّ F‬ل حاكم‪F F‬اً يف اجملتم ‪FF‬ع‪ ،‬حيكم السياسة وال‬
‫حتكمه‪ ،‬ال سيما وقد اعتمدت األمة الشورى أساس‪F‬اً يف تس‪F‬يري ش‪F‬ؤوهنا؛ مما ض‪F‬يَّق ش‪F‬قة‬
‫االختالف‪ .‬لكن هذا األمر مل يستمر طويالً بعد أيب بكر وعمر –رضي اهلل عنهما‪ -‬؛‬
‫إ ْذ ظه‪FF F‬رت عوامل أثَّرت يف مس‪FF F‬رية الفقه اإلس‪FF F‬المي وحركة االجته‪FF F‬اد‪ ،‬ويف مق‪FF F‬دمتها‬
‫تف‪FF F‬رق الص‪FF F‬حابة يف األقط‪FF F‬ار – يف عهد عثم‪FF F‬ان – رضي اهلل عنه – للفتح والغ‪FF F‬زو‪ ،‬مث‬
‫للتعليم والتهذيب واملرابطة‪.‬‬
‫واألخطر من ذلك تط‪FF F F‬ور ال‪FF F F‬نزاع السياسي أثن‪FF F F‬اء الفتنة الك‪FF F F‬ربى حىت ص‪FF F F‬ار عامل‬
‫متزيق يف كي‪FF‬ان األم‪FF‬ة؛ فظه‪FF‬رت الف‪FF‬رق املتص‪FF‬ارعة واألح‪F‬زاب املتحارب‪FF‬ة‪ .‬ومل يقتصر ه‪FF‬ذا‬

‫‪ -‬حتفة الرتك فيما جيب أن يعمل يف امللك‪ ،‬الطرسوسي‪ ،‬جنم الدين‪ .‬ت‪ :‬عبد الكرمي مطيع‬ ‫‪1‬‬

‫احلمداوي‪ .‬دمشق – سوريا‪ ،‬دار الشهاب‪ .‬ط‪1421( .1 :‬هـ‪2000/‬م)‪ .‬من دراسة احملقق‪:‬‬
‫ص ‪.96-95‬‬
‫‪ -‬أسباب اختالف الفقهاء‪ ،‬علي اخلفيف‪ .‬القاهرة‪ ،‬دار الفكر العريب‪1417( .‬هـ‪1997/‬م)‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪59‬‬
‫ال‪FF F‬نزاع على جمال السياسة بل تع ‪ّ F F‬داه إىل مي‪FF F‬دان الفقه واالجته‪FF F‬اد‪ ،‬خصوص ‪F F‬اً بعد تغري‬
‫نظ ‪FF‬ام احلكم ب ‪FF‬دالً من أن ك ‪FF‬ان ش ‪FF‬ورى أص ‪FF‬بح وراثي ‪F‬اً قاعدته امللك الف ‪FF‬ردي والعص ‪FF‬بية‬
‫العائلية والقبلي‪FF F F F F‬ة‪ .‬فب‪FF F F F F‬دأت السياسة تتحكم يف الفقه بعد أن ك‪FF F F F F‬ان الفقه موجه‪F F F F F‬اً هلا‬
‫وحاكماً عليها‪.‬‬
‫وي أن م‪FF‬روان كتب إىل أس‪FF‬يد(‪ )1‬بن حضري – وك‪FF‬ان ع‪FF‬امالً على اليمامة – ب‪FF‬أن‬ ‫ُر َ‬
‫‪F‬رد‬
‫معاوية كتب إليه أن الرجل ال ‪FF‬ذي تس ‪FF‬رق منه س ‪FF‬رقة فهو أحق هبا حيث وج ‪FF‬دها‪ .‬ف ‪َّ F‬‬
‫أس‪FF‬يد على م‪FF‬روان ب‪FF‬أن الرس‪FF‬ول ص‪FF‬لى اهلل عليه وس‪FF‬لم قضى بأنه إذا ك‪FF‬ان ال‪FF‬ذي ابتاعها‬
‫من ال‪FF‬ذي س‪FF‬رقها غري متهم خيرّي ص‪FF‬احبها‪ ،‬ف‪FF‬إن ش‪FF‬اء أخذ ال‪FF‬ذي س‪FF‬رق منه بثمن‪FF‬ه‪ ،‬وإن‬
‫ش‪FF‬اء اتبع س‪FF‬ارقه‪ ،‬مث قضى – ب‪FF‬ذلك – أبو بكر وعمر وعثم‪FF‬ان‪ ،‬فبعث م‪FF‬روان بكت‪FF‬اب‬
‫أس ‪FF F‬يد إىل معاوي ‪FF F‬ة‪ ،‬فكتب معاوية إىل م ‪FF F‬روان‪ « :‬إنك لست أنت وال أس ‪FF F‬يد تقض ‪FF F‬يان‬
‫علي‪ ،‬ولكين أقضي فيما ُولِّيت عليكم ‪FF‬ا‪ ،‬فأنفذ ملا أمرتك به »‪ .‬فبعث م ‪FF‬روان بكت ‪FF‬اب‬ ‫َّ‬
‫معاوية إىل أسيد‪ ،‬فقال‪ « :‬ال أقضي ما ُوليت مبا قال معاوية »(‪.)3( )2‬‬
‫وعلى ال‪FF‬رغم من بعض العوامل الس‪FF‬لبية اليت أث‪FF‬رت يف الفقه وحركة االجته‪FF‬اد؛ ف‪FF‬إن‬
‫اتس‪FF‬اع رقعة الدولة اإلس‪FF‬المية واختالط الع‪FF‬رب بغ‪FF‬ريهم من املس‪FF‬لمني اجلدد‪ ،‬فتح للفقه‬
‫آفاقاً واسعةً‪ ،‬ومنح االجتهاد وحركته قوة دف ٍع واضحةً‪.‬‬
‫وميكن إمجال خصائص هذا العصر فيما يأيت‪:‬‬
‫‪ – 1‬اتفاق المسلمين على المصدر األول للتشريع؛ فقد مُج ع الق‪FF‬رآن الك‪FF‬رمي‪،‬‬
‫ووحد املص ‪FF F‬حف‪ ,‬وعلى ال‪FF F‬رغم من اف ‪FF F‬رتاق الص ‪FF F‬حابة – إىل ف‪FF F‬رق شىت ‪ ،-‬ف‪FF F‬إهنم –‬
‫ُ‬

‫‪ -‬ابن مساك األنصاري‪ F:‬من السابقني إىل اإلسالم‪ ،‬وهو أحد النقباء ليلة العقبة‪ .‬آخى الرسول‬ ‫‪1‬‬

‫صلى اهلل عليه وسلم بينه وبني زيد بن حارثة‪ .‬وكان ممن ثبت يوم أحد‪ .‬روى أبو هريرة أن‬
‫الرسول صلى اهلل عليه وسلم قال‪ِ « :‬نْعَم الرجل أسيد بن حضري »‪ .‬اإلصابة يف متييز الصحابة‪.‬‬
‫‪1/49‬؛ وأسد الغابة‪.1/111 .‬‬
‫‪ -‬سنن النسائي بشرح احلافظ السيوطي وحاشية اإلمام السندي(كتاب البيوع‪ -‬الرجل يبيع‬ ‫‪2‬‬

‫السلعة فيستحقها مستحق)‪ .‬بريوت‪ ،‬دار إحياء الرتاث‪( .‬د‪.‬ت)‪.7/312 .‬‬


‫‪ -‬الفكر السامي للحجوي‪.1/270 .‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪60‬‬
‫بفضل شهودهم لنزول الوحي‪ ،‬وإملامهم باللغة العربية – تالفوا خطر االختالف حول‬
‫هذا املصدر التشريعي‪.‬‬
‫أهم مص‪FF‬ادر‬
‫‪ – 2‬حرصهم على السنة النبوية‪ ،‬وتثبتهم يف نقلها وروايته‪FF‬ا‪ ،‬جنَّب َّ‬
‫التش ‪FF F‬ريع آف ‪FF F‬ات الك ‪FF F‬ذب على رس ‪FF F‬ول اهلل ص ‪FF F‬لى اهلل عليه وس ‪FF F‬لم على ال ‪FF F‬رغم من أهنا‬
‫[السنة] مل تكن قد ُد ِّونت آنذاك‪.‬‬
‫‪ – 3‬االعتم اد على الش ورى‪ :‬إن اعتم‪FF F F‬اد الش‪FF F F‬ورى – مب‪FF F F‬دًأ أساس‪FF F F‬ياً – يف‬
‫االجته‪FF‬اد‪ ،‬الس‪FF‬يما يف عهد الش‪FF‬يخني – أيب بكر وعمر رضي اهلل عنهما – ال‪FF‬ذي تيسر‬
‫فيه إمجاع الصحابة حول كثري من املسائل حبكم اجتماعهم يف مركز الدولة اإلسالمية‬
‫من األسباب اليت كان هلا أثر كبري يف تضييق شقة االختالف‪.‬‬
‫‪ – 4‬واقعية الفقه‪ :‬كان الفقه واقعياً تبعاً ملا ح‪F‬دث من وق‪F‬ائع‪ ،‬وظه‪F‬رت املص‪F‬لحة‬
‫بصفتها دليالً من أدلة األحكام اليت تناسب مصاحل الناس‪.‬‬
‫‪ – 5‬لم تدون اجتهادات الصحابة وفتاواهم‪ ،‬وإمنا ظلت حمفوظ ‪F‬ةً تُنقل ش‪FF‬فاهاً‬
‫عن طريق الرواية‪.‬‬
‫وميكن الق‪FF‬ول ب‪FF‬أن ه‪FF‬ذا ال‪FF‬دور قد امتد إىل قبيل هناية عهد اخللف‪FF‬اء الراش‪FF‬دين؛ حيث‬
‫ب‪FF‬دأت مرحلة جدي‪FF‬دة ع‪FF‬رفت – خالهلا – حركة االجته‪FF‬اد الفقهي تط‪FF‬ورات جدي‪FF‬دة‪،‬‬
‫وبرزت آثارها جلية يف مناهج الفقهاء وإنتاجاهتم الفقهية‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫االجتهاد في عهد التابعين‬

‫أهم ما ميَّز ه‪FF F F‬ذا ال‪FF F F‬دور االنش‪FF F F‬قاق السياسي بني املس‪FF F F‬لمني‪ ،‬وظه‪FF F F‬ور االجتاه‪FF F F‬ات‬
‫الفقهية املختلفة‪ ،‬والتعصب هلا‪ .‬تبعاً لالجتاه السياسي لكل فرقة‪.‬‬
‫ومع أن حركة االجته ‪FF F F‬اد الفقهي ح ‪FF F F‬افظت على زمخها وق ‪FF F F‬وة ان ‪FF F F‬دفاعها‪ ،‬فإهنا –‬
‫ب‪FF F‬دون شك – قد ت‪FF F‬أثرت بالنزاع‪FF F‬ات السياس‪FF F‬ية‪ ،‬وجتلّى ه‪FF F‬ذا الت‪FF F‬أثّر – واض‪FF F‬حاً ‪ -‬يف‬
‫مسائل فقهية‪ ،‬بل يف منهج االجتهاد نفس‪FF‬ه‪ .‬وأشري ‪ -‬هنا – إىل أن أصل اإلش‪FF‬كال قد‬
‫ب‪FF‬دأ سياس‪FF‬ياً‪ ،‬لكنه أخذ ص‪FF‬بغةً ديني‪F‬ةً‪ ،‬مث ظه‪FF‬رت تداعياته ُف ْرقَ‪F‬ةً مذهبي‪F‬ةً واختالف‪F‬اً فقهي‪F‬اً‬
‫ومنهجاً اجتهادياً‪.‬‬
‫ولعل منشأ اخلالف هو مس ‪FF‬ألة اإلمام ‪FF‬ة‪ .‬إذ ما ُس‪َّ F F‬ل س ‪FF‬يف يف اإلس ‪FF‬الم على قاع ‪FF‬دة‬
‫دينية مثل ما ُس‪َّ F‬ل على اإلمامة يف كل زم‪FF‬ان(‪ .)1‬وإذا ك‪FF‬ان الص‪FF‬حابة الك‪FF‬رام – رض‪FF‬وان‬
‫اهلل عليهم مجيعاً – قد أفلحوا يف جتاوز مشكلة اخلالفة عقب وف‪FF‬اة النيب ص‪FF‬لى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬فإن األمر مل يكن كذلك بعد الفتنة الك‪FF‬ربى ومقتل عثم‪FF‬ان بن عف‪FF‬ان – رضي‬
‫ٍ (‪)2‬‬
‫وخوارج وأهل سنة‪.‬‬‫َ‬ ‫اهلل عنه ‪-‬؛ إذ انقسم املسلمون – إىل شيعة‬
‫فما كاد يتم األمر لإلمام علي كرم اهلل وجهه – ويتوىل أعب‪FF‬اء اخلالفة حىت عارضه‬
‫ثالثة من كب‪FF F F F F F‬ار الص‪FF F F F F F‬حابة – طلحة بن عبيد اهلل والزبري بن الع‪FF F F F F F‬وام ومعاوية بن أيب‬
‫س ‪FF‬فيان – رافضني إق ‪FF‬راره على البيع ‪FF‬ة‪ ،‬ومتهمينه بالتقصري يف نص ‪FF‬رة اخلليفة عثم ‪FF‬ان –‬
‫(‪)3‬‬
‫رضي اهلل عنه ‪.-‬‬

‫‪ -‬موسوعة امللل والنحل‪ ،‬الشهرستاين‪ ،‬أبو الفتح حممد‪ .‬بريوت‪ ،‬مؤسسة ناصر للثقافة‪ .‬ط‪.1 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(‪1981‬م)‪ .‬ص ‪. 6‬‬


‫‪ -‬األخبار الطوال‪ ،‬الدينوري‪ ،‬أبو حنيفة‪ .‬ت‪ :‬عمر فاروق الطباع‪ .‬بريوت‪ ،‬دار األرقم‪ .‬ص‬ ‫‪2‬‬

‫‪.183 -133‬‬
‫‪ -‬تاريخ الرسل وامللوك‪ ،‬الطربي‪ ،‬ابن جرير‪ .‬ت‪ :‬حممد أبو الفضل إبراهيم‪ .‬القاهرة‪ ،‬دار‬ ‫‪3‬‬

‫املعارف‪ .‬ط‪ 4/365 .2 :‬وما بعدها ‪ ،‬و‪ 5/5‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫فحص ‪FF‬لت مواجه ‪FF‬ات بني اإلم ‪FF‬ام علي وبني الص ‪FF‬حابة الثالث ‪FF‬ة‪ .‬وبعد إش ‪FF‬راف جيش‬
‫معاوية على االهنزام‪ ،‬جلأ إىل حيلة التحكيم؛ مما أح‪FF F F F‬دث تص‪FF F F F‬دعاً يف ص‪FF F F F‬فوف جيش‬
‫علي‪ ،‬حيث أيّد فريق الفكرة وعارضها آخرون‪ ،‬فاض‪F‬طر اإلم‪F‬ام علي إىل القب‪F‬ول‬ ‫اإلمام ٍّ‬
‫هبا على ال ‪FF F F‬رغم من إدراكه أبعادها ومراميه ‪FF F F‬ا‪ .‬فخ ‪FF F F‬رجت عليه الفرقة اليت أص ‪FF F F‬بحت‬
‫تس ‪FF‬مى بـ"اخلوارج"‪ ،‬أما ال ‪FF‬ذين ظل ‪FF‬وا على والئهم له فس ‪FF‬موا بـ"الش ‪FF‬يعة"‪ .‬وإىل ج ‪FF‬انب‬
‫هاتني الفرقتني ُوجد مجهور املسلمني ال‪FF‬ذين ن‪FF‬أوا بأنفس‪FF‬هم عن ه‪FF‬ذا ال‪FF‬نزاع(‪ ،)1‬إما حتت‬
‫إك‪FF‬راه الس‪F‬لطة أو ابتع‪F‬اداً عن اخلوض يف الفنت اليت ت‪FF‬ركت آثارها يف اجته‪F‬اد كل فرق‪F‬ة‪،‬‬
‫وصبغت فقهها بصباغ خاص‪.‬‬
‫فــالخوارج(‪ - :)2‬وهم ال‪FF F‬ذين رأوا أن يف قب‪FF F‬ول اإلم‪FF F‬ام علي ‪-‬ك‪FF F‬رم اهلل وجهه ‪-‬‬
‫بفك‪FF‬رة التحكيم بينه وبني معاوية بن أيب س‪FF‬فيان – خمالفة ص‪FF‬رحيةً للنص الق‪FF‬رآين ال‪FF‬ذي‬
‫‪F‬أولوه على غري معن ‪FF‬اه‪ ،‬وهو قوله تع ‪FF‬اىل‪ِ  :‬إ ِن ا ْل ُح ْك ُم ِإاَّل‬
‫وض ‪FF‬عوه يف غري موض ‪FF‬عه‪ ،‬وت ‪ّ F‬‬
‫هَّلِل ‪ ،)3( ‬فحكموا خبطئه بل كفره‪ ،‬على الرغم من أهنم – هم – ال‪FF‬ذين محل‪FF‬وا اإلم‪FF‬ام‬
‫عليّاً – رضي اهلل عنه – على قبول التحكيم‪.‬‬
‫وقد أث‪FF‬ار اخلوارج – طيلة ف‪FF‬رتة األم‪FF‬ويني وج‪FF‬زءاً من حكم العباس‪FF‬يني – ص‪FF‬راعات‬
‫دامي ‪F F‬ةً‪ .‬ونتيجة منهجهم اخلاص‪ ،‬واس‪FF F‬تماتتهم من أجل الفك‪FF F‬رة اليت آمن‪FF F‬وا هبا‪ ،‬واحل ّدة‬
‫اليت رافقتهم متزق‪FF F‬وا طرائق ق‪FF F‬دداً؛ منهم املوغل ال‪FF F‬ذي أب‪FF F‬اح دم‪FF F‬اء املس‪FF F‬لمني – أطف‪FF F‬االً‬
‫ونساءً وشيوخاً – ومنهم املعتدل الذي خطّأ مجاعة املسلمني‪ ،‬لكن مل يذهب إىل ح ‪ّ F‬د‬
‫تكفريهم وحماربتهم‪.‬‬
‫وميكن تلخيص مبادئهم يف النقاط اآلتية‪:‬‬
‫‪ – 1‬الخالفة ليست ب النص‪ ،‬وإنما هي من اختيار المسلمين‪ ،‬وباتفاقهم‪ .‬ومل‬
‫خيتص هبا بيت دون بيت؛ فالقرشي وغريه سواء يف إمكان توليه‪.‬‬

‫‪ -‬تاريخ الطربي ‪ 5/48‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬م‪.‬س؛ وامللل والنحل‪ ،‬الشهرستاين‪ .‬ص ‪50‬؛ والفرق بني الفرق‪ ،‬البغدادي‪ ،‬عبد القاهر بن‬ ‫‪2‬‬

‫طاهر‪ .‬ت‪ :‬حممد حميي الدين عبد احلميد‪ .‬بريوت‪ ،‬املكتبة العصرية‪1411( .‬هـ‪1990/‬م)‪ .‬ص‬
‫‪.72‬‬
‫‪ -‬األنعام ‪.57‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪63‬‬
‫‪ – 2‬ليس لإلم ام ال ذي يتم اختي اره للخالفة أن يتن ازل عنها أو ِّ‬
‫يحكم‪ .‬وإذا‬
‫جار أو احنرف وجب خلعه أو قتله مهما كانت قوته‪.‬‬
‫‪ – 3‬تكفير م رتكب الذنب‪ ،‬س واء أكان كبيرةً أم خطًأ في ال رأي‪ .‬وكل من‬
‫خالفهم أو سكت عن جور احلاكم فهو مذنب؛ وهو – تبعاً لذلك – كافر‪.‬‬
‫‪ – 4‬األعمال جزء من اإليمان‪ .‬وال ب‪Fَّ F‬د لكم‪FF‬ال اإلميان من األعم‪FF‬ال – كلها –‬
‫صال ًة وصياماً وزكا ًة‪...‬‬
‫ومما مييز ه‪FF F‬ذه الفرقة – عن غريها – ت‪FF F‬ديّنها الش‪FF F‬ديد‪ ،‬واس‪FF F‬تماتتها يف ال‪FF F‬دفاع عن‬
‫حد الس‪FF‬ذاجة‪ ،‬ورغبتها اجلاحمة يف‬ ‫مبادئها‪ ،‬واستمساكها الشديد بظواهر النصوص إىل ِّ‬
‫االستشهاد‪.‬‬
‫عد تشخيصاً دقيقاً جلملة‬ ‫ولعل ما ع ّقب به اإلمام أبو زهرة – يف حديثه عنهم – يُ ُّ‬
‫املتناقض‪FF‬ات اليت اجتمعت فيهم؛ إذ الحظ أن أغلبهم من ع‪FF‬رب البادي‪FF‬ة‪ .‬وقليل – منهم‬
‫– من ك ‪FF‬ان من ع ‪FF‬رب الق ‪FF‬رى‪ ،‬وقد عاش ‪FF‬وا يف فقر ش ‪FF‬ديد‪ ،‬ومل يتحسن وض ‪FF‬عهم بعد‬
‫اإلس‪FF‬الم‪ .‬إذ ظل‪FF‬وا يف ب‪FF‬اديتهم بقس‪FF‬اوهتا وص‪FF‬عوبة حياهتا – يق‪FF‬ول اإلم‪FF‬ام ‪ « :-‬وأص‪FF‬اب‬
‫اإلس‪FF‬الم ش‪FF‬غاف قل‪FF‬وهبم مع س‪FF‬ذاجة يف التفك‪FF‬ري‪ ،‬وض‪FF‬يق يف التص‪FF‬ور‪ ،‬وبُع‪Fٍ F‬د عن العل‪FF‬وم‪.‬‬
‫فت َك‪Fَّ F‬و َن – من جمم ‪FF‬وع ذلك – نف ‪FF‬وس مؤمنة متعص ‪FF‬بة لض ‪FF‬يق نط ‪FF‬اق العق ‪FF‬ول‪ ،‬ومته ‪FF‬ورة‬
‫مندفع ‪FF F F F F‬ة؛ ألهنا نابعة من الص ‪FF F F F F‬حراء‪ ،‬وزاه ‪FF F F F F‬دة ألهنا مل جتد‪ .‬إذ النفس اليت ال جتد إذا‬
‫ومس وج‪FF‬داهنا اعتق‪FF‬اد ص‪FF‬حيح انص‪FF‬رفت عن الش‪FF‬هوات املادية ومالذ ه‪FF‬ذه‬ ‫غمرها إميان َّ‬
‫احلي‪FF F F F‬اة‪ ،‬واجتهت – بكليتها – إىل نعيم اآلخ‪FF F F F‬رة‪ .‬ولقد ك‪FF F F F‬انت ه‪FF F F F‬ذه املعيشة ‪ -‬اليت‬
‫يعيش ‪FF‬وهنا يف بي ‪FF‬دائهم دافع‪F F‬ةً هلم على اخلش ‪FF‬ونة والقس ‪FF‬وة والعن ‪FF‬ف‪ .‬إذ النفس ص ‪FF‬ورة ملا‬
‫تألف‪.)1( »...‬‬
‫ويبدو – واضحاً – أن ه‪F‬ذه املؤثرات قد ت‪F‬ركت أث‪F‬راً يف منهجهم االجته‪F‬ادي؛ بل‬
‫ميكن الق ‪FF‬ول ب ‪FF‬أن منهجهم – يف االس ‪FF‬تنباط – ص ‪FF‬ورةٌ ص ‪FF‬ادقةٌ ألس ‪FF‬لوهبم يف التفك ‪FF‬ري‪،‬‬
‫وطريقتهم اخلاصة يف قراءة النصوص وفهمها‪.‬‬

‫‪ -‬تاريخ املذاهب اإلسالمية‪.1/63 .‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪64‬‬
‫فقد ذهب‪FF‬وا إىل أن ت‪FF‬ارك احلج ك‪FF‬افر‪ .‬ألنه ذنب‪ ،‬وكل م‪FF‬رتكب ذنب فهو ك‪FF‬افر(‪.)1‬‬
‫ومعلوم أنه إمنا يكفر إذا أنكر فرضيته‪ ،‬ال ِإ ْن مل ِّ‬
‫يؤده وهو معرتف بأنه فرض‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وأنكروا الرجم للثيب الزاين خمالفني بذلك اجلمهور‪.‬‬
‫أما مس‪FF‬ألة اخلالفة – وهي من أهم املس‪FF‬ائل اليت ك‪FF‬ان لكل فرقة فيها رأي – ف‪FF‬إهنم‬
‫اعتربوها موض ‪FF‬وعاً اجتهادي ‪F‬اً‪ ،‬بل إن منهم من رأى أهنا غري الزمة إذا ما متكنت مجاعة‬
‫(‪)3‬‬
‫املسلمني من تسيري أمورها بنفسها‪.‬‬
‫اَألوىل‬
‫الشيعة‪ :‬وهم الذين شايعوا اإلمام عليّاً – كرم اهلل وجهه – العتق‪FF‬ادهم أنه ْ‬
‫واألحق باخلالفة بعد الرسول صلى اهلل عليه وس‪FF‬لم ‪ .‬ومل ي‪FF‬ربزوا بص‪FF‬فتهم فرقة سياس‪FF‬ية‬
‫إال بعد الفتنة الك ‪FF‬ربى ومقتل اخلليفة عثم ‪FF‬ان – رضي اهلل عنه ‪ . -‬وإذا ك ‪FF‬ان اخلوارج‬
‫قد خرج‪FF‬وا على اإلم‪FF‬ام علي وح ‪FF‬اربوه‪ ،‬ف‪FF‬إن الش ‪FF‬يعة ثبت‪FF‬وا على نص ‪FF‬رته وتأيي‪FF‬ده‪ .‬وعلى‬
‫ال‪FF F F‬رغم من أن اخلالف ب ‪FF F‬دأ سياس‪FF F F‬ياً‪ ،‬فإنه لبس لب ‪FF F‬وس العقي‪FF F F‬دة‪ ،‬وحبثت كل فرقة عن‬
‫علي – ك ‪FF F‬رم اهلل وجهه ‪ ، -‬وأن‬ ‫املؤي ‪FF F‬دات الش ‪FF F‬رعية ملواقفه ‪FF F‬ا‪ .‬فق ‪FF F‬ال الش ‪FF F‬يعة بإمامة ٍّ‬
‫خالفته ثابتة ب ‪FF‬النص والوص ‪FF‬ية من ل ‪FF‬دن الرس ‪FF‬ول ص ‪FF‬لى اهلل عليه وس ‪FF‬لم ‪ ،‬واعتق ‪FF‬دت أن‬
‫اإلمامة منحص‪FF F F‬رة يف ذريت‪FF F F‬ه‪ ،‬وهي – كما يق‪FF F F‬ول الشهرس‪FF F F‬تاين ‪ « : -‬ليست قض‪FF F F‬يةً‬
‫مص‪FF‬لحيةً تن‪FF‬اط باختي‪FF‬ار العام‪FF‬ة‪ ..‬بل هي قض‪FF‬ية أص‪FF‬ولية‪ ،‬وهي ركن من ال‪FF‬دين ال جيوز‬
‫للرسل – عليهم الص‪FF F‬الة والس‪FF F‬الم – إغفاله وإمهال‪FF F‬ه‪ ،‬وال تفويضه إىل العامة وإرس‪FF F‬اله‬
‫»(‪.)4‬‬
‫ومل يسلم الشيعة – ب‪F‬دورهم – من داء الفرقة والتم‪F‬زق‪ .‬فمع اتف‪F‬اقهم على أفض‪F‬لية‬
‫علي بن أيب طالب على سائر الصحابة – رضوان اهلل عليهم مجيعاً – وأحقيته مبنصب‬

‫‪ -‬شرح هنج البالغة‪ ،‬ابن أيب احلديد‪ .‬بريوت‪ ،‬دار األندلس‪(.‬د‪.‬ت)‪.)2/307(.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬أدلتهم والرد عليها يف‪ :‬أحكام القرآن‪ ،‬اجلصاص‪ ،‬أبو بكر أمحد الرازي‪ .‬بريوت‪ ،‬دار الكتاب‬ ‫‪2‬‬

‫العريب‪( .‬د‪.‬ت)‪3/263 .‬؛ وتفسري آيات األحكام‪ ،‬حممد علي السايس‪ .‬كلية الشريعة‪ ،‬مطبعة‬
‫حممد علي صبيح‪( .‬د‪.‬ت)‪3/106 .‬؛ وروائع البيان تفسري آيات األحكام‪ ،‬حممد علي الصابوين‪.‬‬
‫بريوت‪ ،‬عامل الكتب‪ .‬ط‪1406( .1 :‬هـ‪1986/‬م)‪.30-2/23 .‬‬
‫‪ -‬موسوعة امللل والنحل‪ ،‬الشهرستاين‪ .‬ص ‪.51‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬موسوعة امللل والنحل‪ .‬ص ‪63‬؛ والفرق بني الفرق‪ ،‬البغدادي‪ F.‬ص ‪ 29‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪65‬‬
‫اخلالفة بعد رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ؛ ف‪F‬إهنم ذهب‪F‬وا م‪F‬ذاهب‪ ،‬وتفرق‪F‬وا طرائق ما‬
‫علي إىل ح‪Fِّ F‬د تقديسه وتكفري غ‪FF‬ريه‪ ،‬وبني معت‪FF‬دل ال ي‪FF‬رى‬ ‫بني مغ‪FF‬ال يف تفض‪FF‬يل اإلم‪FF‬ام ٍّ‬
‫تكفري الصحابة ‪ -‬الذين سبقوه بتويل اخلالفة ‪ -‬أمراً سائغاً‪.‬‬
‫ويب‪FF F F F‬دو أن ما حل بكثري من آل ال‪FF F F F‬بيت الط‪FF F F F‬اهرين – من تش‪FF F F F‬ريد وتقتيل – دفع‬
‫الش‪FF‬يعة إىل املغ‪FF‬االة يف االستمس‪FF‬اك مبب‪FF‬ادئهم‪ ،‬واالس‪FF‬تماتة من أجله‪FF‬ا‪ ،‬والعمل ال‪FF‬دؤوب‪.‬‬
‫حتيّناً لفرصة االنتقام من أعدائهم‪ ،‬وانتزاع السلطة من أيديهم‪.‬‬
‫إن املتأمل يف مس ‪FF‬رية الفرق ‪FF‬تني – الش ‪FF‬يعة واخلوارج – ي ‪FF‬ربز له مظه ‪FF‬ران من مظ ‪FF‬اهر‬
‫احنرافهما‪:‬‬
‫‪ -‬المظهر األول‪ :‬مغاالة الشيعة يف تشيعهم آلل البيت‪.‬‬
‫‪ -‬المظهر الثاني‪ :‬مغ‪FF‬االة اخلوارج يف مع‪FF‬اداهتم لق‪FF‬ريش عام ‪F‬ةً واحلك‪FF‬ام – منهم –‬
‫خاصةً‪.‬‬
‫ويب ‪FF F‬دو أن العقلي ‪FF F‬تني متقاربت ‪FF F‬ان‪ .‬إذ أن إح ‪FF F‬دامها اجتهت إىل تق ‪FF F‬ديس األش ‪FF F‬خاص‪،‬‬
‫واألخ ‪FF‬رى إىل حماربتهم‪ ،‬وك ‪FF‬انت كلتا الط ‪FF‬ائفتني – كما يق ‪FF‬ول اإلم ‪FF‬ام أبو زه ‪FF‬رة ‪: -‬‬
‫« تتمسك بظ‪FF F‬واهر األلف‪FF F‬اظ‪ ،‬وتتحمس وتتعصب ملا تفكر فيه وتنتهي إلي‪FF F‬ه‪ ،‬وال تفتح‬
‫قلبها للتفكري يف غري ما ارتأت »(‪.)1‬‬
‫ولعل الذي يعنينا – يف هذا املقام – هو اإلشارة إىل أن التمزق الذي ب‪F‬دأ سياس‪F‬ياً‪،‬‬
‫وحتول ديني ‪F F‬اً عق ‪FF F‬دياً‪ ،‬قد ت ‪FF F‬رك آث ‪FF F‬اراً واض ‪FF F‬حةً على مس ‪FF F‬رية الفقه اإلس ‪FF F‬المي وحركة‬
‫االجتهاد‪ .‬وقد متثل ذلك يف‪:‬‬
‫‪ – 1‬أن مغ االة الش يعة – في تق دير األش خاص والتعلق بهم وادع ‪FF‬اء عص ‪FF‬مة‬
‫أي تفسري – لآلي‪FF F F‬ات الكرمية – غري تفسري أئمتهم‪،‬‬ ‫األئمة – دفعهم إىل ع‪FF F F‬دم قب‪FF F F‬ول ِّ‬
‫وإىل ع‪FF F‬دم االعتم‪FF F‬اد على األح‪FF F‬اديث اليت مل ت‪FF F‬رو عن ط‪FF F‬ريقهم س‪FF F‬واء ك‪FF F‬انت متعلق ‪F F‬ةً‬
‫‪F‬أي ح‪FF‬ديث مل ي‪FF‬روه أئمتهم فهو مرف‪FF‬وض عن‪FF‬دهم مهما ك‪FF‬انت‬ ‫باألص‪FF‬ول أو الف‪FF‬روع؛ ف‪ّ F‬‬
‫درجته من الصحة عند غريهم‪.‬‬

‫‪ -‬اإلمام الصادق‪ ،‬حممد أبو زهرة‪ .‬القاهرة‪ ،‬دار الفكر العريب‪( .‬د‪.‬ت)‪ F.‬ص ‪.139‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪66‬‬
‫ول ‪FF‬ذلك‪ ،‬ذهب ‪FF‬وا إىل الق ‪FF‬ول جبواز نك ‪FF‬اح املتعة(‪ )2‬مس ‪FF‬تدلني بتفس ‪FF‬ريهم لقولـه تع ‪FF‬اىل‪:‬‬
‫يض___ةً ‪ .)1( ‬يق ‪FF F F F‬ول أحد‬ ‫اس___تَ ْمتَ ْعتُ ْم بِ___ ِه ِم ْن ُهنَّ فَ___آتُوهُنَّ ُأ ُج___ َ‬
‫ورهُنَّ فَ ِر َ‬ ‫‪‬فَ َما ْ‬
‫مف ِّس ‪F F F F F‬ريهم‪ « :‬فمن املتعنّي أن حيمل االس‪FF F F F F‬تمتاع املذكور – يف اآلية – على نك‪FF F F F F‬اح‬
‫املتع‪FF‬ة‪ .‬لدورانه هبذا االسم – عن‪FF‬دهم – ي‪FF‬وم ن‪FF‬زول اآلي‪FF‬ة‪ .‬س‪FF‬واء قلنا بنسخ نك‪FF‬اح املتعة‬
‫– بعد ذلك – بكتاب أو سنة أو مل نقل‪ ،‬فإمنا هو أمر آخر »(‪.)2‬‬

‫‪ -‬أو النكاح املنقطع‪ :‬وهو أن يقول المرأة‪ :‬أمتتع بك كذا مدة بكذا من املال‪ .‬وأركانه – لدى‬ ‫‪2‬‬

‫الشيعة – أربعة‪ :‬الصيغة واحملل واألجل واملهر‪ F.‬وقد ذهب إىل حرمة هذا النكاح اجلمهور من‬
‫احلنفية واملالكية والشافعية واحلنابلة وكثري من السلف‪ .‬اهلداية يف شرح بداية املبتدي‪ ،‬للمرغيناين‪،‬‬
‫برهان الدين علي بن أيب بكر‪ .‬تصحيح‪ :‬طالل يوسف‪ .‬بريوت‪ ،‬دار إحياء الرتاث‪( .‬‬
‫‪1415‬هـ‪1995/‬م)‪1/190 .‬؛ وسلسلة الينابيع الفقهية (النكاح)‪ ،‬علي أصغر مرواريد‪.‬‬
‫بريوت‪ ،‬مؤسسة فقه الشيعة‪ .‬ط‪1410( .1 :‬هـ‪1990/‬م)‪19/490 .‬؛ واملوسوعة‬
‫الفقهية(الكويت) ‪.36/94‬‬
‫‪ -‬النساء ‪.24‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬امليزان يف تفسري القرآن‪ ،‬حممد حسني الطباطبائي‪ .‬بريوت‪ ،‬مؤسسة األعلمي للمطبوعات‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫ط‪1403( .5:‬هـ‪1983/‬م)‪.4/274 .‬‬

‫‪67‬‬
‫‪ – 2‬إنكار بعض المصادر التشريعية التبعية‪:‬‬
‫أنكر ك‪Fٌ F F F‬ل من الش‪FF F F‬يعة واخلوارج حجية اإلمجاع؛ إذ أن التس‪FF F F‬ليم حبجيته اع‪FF F F‬رتاف‬
‫بآراء اجملتهدين من غري الفرقتني‪ .‬فالشيعة ال يعتدون إال بإمجاع أهل البيت(‪ ،)1‬كما أن‬
‫(‪)2‬‬
‫اخلوارج ال يعريون اجتهاد غريهم اهتماماً‪.‬‬
‫وإذا كان هن‪FF‬اك اختالف – ح‪FF‬ول اإلمجاع – من حيث اإلمك‪FF‬ان والوق‪FF‬وع – ومن‬
‫له األهلية اليت هبا ينعقد اإلمجاع – ف‪FF‬إن ت‪FF‬أثري العوامل السياس‪FF‬ية وال‪FF‬نزاع احملت‪FF‬دم – بني‬
‫خمتلف الفرق – يبدو واضحاً يف تباين منهج كل فرقة يف االجتهاد‪.‬‬
‫‪ – 3‬آفة الوضع في الحديث النبوي‪:‬‬
‫إن الرغبة اجلاحمة – يف االنتص‪FF F‬ار للفرقة أو املذهب يف خضم الص‪FF F‬راع احلاد ال‪FF F‬ذي‬
‫يصل إىل ح ‪Fِّ F‬د إراقة ال ‪FF‬دماء – قد حتمل بعض األش ‪FF‬خاص على اللج ‪FF‬وء إىل س ‪FF‬الح غري‬
‫شرعي وهو الوضع والك‪FF‬ذب على رس‪FF‬ول اهلل ص‪FF‬لى اهلل عليه وس‪FF‬لم ‪ ،‬ال س‪FF‬يما أن كل‬
‫فرقة حتاول أن حتشد – من املؤي ‪FF‬دات الش ‪FF‬رعية – ما ليس ل ‪FF‬دى غريه ‪FF‬ا‪ .‬وبق ‪FF‬در تك ‪FF‬اثر‬
‫الفرق واملذاهب واألحزاب كان يزداد الوضع والكذب مع أن الرسول ص‪FF‬لى اهلل عليه‬
‫وتوعدهم بأشد العق ‪FF‬اب يف ح ‪FF‬ديث ش ‪FF‬ريف مت ‪FF‬واتر‪.‬‬ ‫ض ‪F‬اعني َّ‬ ‫وس ‪FF‬لم س ‪FF‬بق أن ح ‪Fَّ F‬ذر الو َّ‬
‫ولعل ‪ -‬يف قطعية ه ‪FF F‬ذا احلديث ثبوت ‪F F‬اً ودالل ‪F F‬ةً – حكم ‪F F‬ةً ك ‪FF F‬ربى تشري إىل خط ‪FF F‬ورة‬

‫‪ -‬اإلمجاع – عند الشيعة – ال يكون إال يف غيبة اإلمام؛ فهو – عندهم ‪ « :-‬اتفاق مجاعة‬ ‫‪1‬‬

‫يكشف اتفاقهم عن رأي املعصوم‪ F.‬ألن اتفاق مجيعهم حيصل العلم بأنه مأخوذ عن رئيسهم »‪.‬‬
‫اإلمام الصادق‪ ،‬أبو زهرة‪ .‬ص ‪.367‬‬
‫‪ -‬اإلحكام لآلمدي‪1/257 .‬؛ وميزان األصول‪ ،‬السمرقندي‪ ،‬اإلمام عالء الدين‪ .‬ت‪:‬عبد‬ ‫‪2‬‬

‫امللك عبد الرمحن السعدي‪ .‬العراق‪ ،‬وزارة األوقاف والشؤون الدينية‪ ،‬جلنة إحياء الرتاث العريب‬
‫واإلسالمي‪ .‬ط‪1407( .1 :‬هـ‪1987/‬م)‪ 2/772 .‬وقد جاء فيه‪ « :‬قال النظام والقاشاين –‬
‫من املعتزلة ‪" :-‬إنه ليس حبجة‪ ،‬وإمنا هو حجة يف حق العمل"‪ .‬وقالت اإلمامية‪ِ" :‬إ ْن أمجعوا على‬
‫موافقة قول إمامهم يكون اإلمجاع حجةً‪ ،‬وإ ْن كان على خمالفة قول إمامهم ال يكون حجةً‪ .‬ويف‬
‫احلاصل – عندهم – احلجة قول اإلمام‪ ،‬وجيوز أن يقولوا‪ :‬كالمها [ أي‪ :‬اجملمعون واإلمام ]‬
‫حجة‪»"...‬؛ واحلاصل من احملصول لألرموي‪2/676 .‬؛ ومقدمة ابن خلدون‪ .‬ص ‪.495‬‬

‫‪68‬‬
‫علي متعم‪FF‬داً فليتب‪FF‬وأ مقع‪FF‬ده من الن‪FF‬ار‬
‫األم‪FF‬ر؛ ق‪FF‬ال ص‪FF‬لى اهلل عليه وس‪FF‬لم ‪ « :‬من ك‪FF‬ذب َّ‬
‫»(‪.)1‬‬
‫وقد ذكر األرم‪FF‬وي(‪ )2‬أن من األح‪F‬اديث املنس‪F‬وبة إىل الرس‪F‬ول ص‪F‬لى اهلل عليه وس‪F‬لم‬
‫‪F‬ف إىل ك ‪FF‬ون « امللح‪FF F‬دة » ‪ -‬كما‬ ‫ما هو ك‪FF F‬ذب قطع ‪F F‬اً‪ .‬ويرجع بعض أس‪FF F‬بابه يف اخلَلَ‪ِ F F‬‬
‫يقول ‪ « : -‬قد افرتوا على رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم كث‪FF‬رياً من احملاالت‪ :‬تنف‪FF‬رياً‬
‫للعقالء من ال‪FF F F F‬دين‪ ،‬كما فعله عبد الك‪FF F F F‬رمي بن أيب العوج‪FF F F F‬اء(‪ - )3‬لعنه اهلل ‪ ،-‬وك‪FF F F F‬ذا‬
‫الش‪FF‬يعة ف‪FF‬إهنم ينس‪FF‬بون إىل رس‪FF‬ول ص‪FF‬لى اهلل عليه وس‪FF‬لم كل ما يصح من أحد أئمتهم‪،‬‬
‫وكـذا الكرامية (‪، )4‬يفرتون أحاديث ألجـ ــل‬

‫‪ -‬فتح الباري بشرح صحيح البخاري (كتاب العلم)‪1/244 .‬؛ ومسند اإلمام أمحد‪.1/78 .‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬احلاصل من احملصول‪.2/768 .‬‬ ‫‪2‬‬

‫وضاع لألحاديث‪ .‬وضع أربعة آالف حديث بأسانيدها‪،‬‬ ‫‪ -‬عبد الكرمي بن أيب العوجاء‪ :‬زنديق ّ‬ ‫‪3‬‬

‫كلها ضالالت يف التشبيه والتعطيل‪ ،‬ويف بعضها تغيري ألحكام الشريعة‪ .‬قُتل على يد حممد بن‬
‫سليمان العباسي أمري البصرة يف خالفة املهدي بعد الستني ومائة‪ .‬وقد قال قبيل ضرب عنقه‪:‬‬
‫«أما واهلل لئن قتلتموين لقد وضعت أربعة آالف حديث‪ ،‬أحرم فيها احلالل وأحلل فيها احلرام‪.‬‬
‫وصومتكم يف يوم فطركم»‪ .‬تاريخ الطربي‪.8/48 .‬‬ ‫واهلل لقد فطرتكم يوم صومكم‪َّ ،‬‬
‫‪ -‬الكرامية‪ :‬هم أصحاب أيب عبد اهلل حممد بن كرام‪ .‬فرقة من املرجئة‪ ،‬قالوا بالتشبيه‬ ‫‪4‬‬

‫والتجسيم‪ ،‬وادعوا قيام كثري من احلوادث بذات الباري عز وجل – تعاىل عن ذلك علواً كبرياً‬
‫‪ .-‬وهم طوائف بلغ عددهم اثنيت عشرة فرقة‪ .‬وقد جوزوا الوضع لغرض الرتغيب والرتهيب‬
‫دون ما يتعلق به حكم من الثواب والعقاب‪ .‬امللل والنحل‪ ،‬للشهرستاين‪ .‬ص ‪46‬؛ والفرق بني‬
‫الفرق‪ ،‬للبغدادي‪ F.‬ص ‪215‬؛ وتدريب الراوي يف شرح تقريب النواوي‪ ،‬للسيوطي‪ ،‬جالل‬
‫الدين عبد الرمحن‪.‬ت‪ F:‬عبد الوهاب عبد اللطيف‪ .‬بريوت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ .‬ط‪( .2 :‬‬
‫‪1399‬هـ‪1979/‬م)‪.1/283 .‬‬

‫‪69‬‬
‫اإلصـ ــالح »(‪.)1‬‬
‫وقد تص ‪FF F‬دى أئمة احلديث وعلومه إىل موجة الك ‪FF F‬ذب على رس ‪FF F‬ول اهلل ص ‪FF F‬لى اهلل‬
‫عليه وسلم بوضع قواعد صارمة‪ ،‬نشأ – من جمملها – ما عُ‪FF‬رف بـ«ـعلم الرج‪FF‬ال » أو‬
‫«علم اجلرح والتع‪FF‬ديل »؛ فقد تتبع‪FF‬وا ال‪FF‬رواة‪ ،‬وحبث‪FF‬وا يف أح‪FF‬واهلم وأخب‪FF‬ارهم‪ ،‬مميزين –‬
‫(‪)2‬‬
‫بدقة – بني اجملروحني وبني من ثبتت عدالتهم‪.‬‬
‫ومع أن علم‪FF F‬اء احلديث أفلح‪FF F‬وا يف حتديد ض‪FF F‬وابط ص‪FF F‬ارمة لنقد احلديث – س‪FF F‬نداً‬
‫ومتناً‪ ،-‬فإن من املؤكد أن مهمة اجملتهدين أض‪FF‬حت أك‪FF‬ثر ص‪FF‬عوبةً‪ .‬إ ْذ وجب عليهم أن‬
‫يبذلوا جهوداً مضنيةً ملعرفة صحيح احلديث من غريه قبل االس‪FF‬تدالل ب‪FF‬ه‪ .‬ول‪F‬وال ت‪FF‬دوين‬
‫ه‪FF F‬ذه املص‪FF F‬نفات ومجعها – فيما بعد – ألص‪FF F‬بح من املتع‪FF F‬ذر على اجملتهد الوص‪FF F‬ول إىل‬
‫الدليل الصحيح من السنة النبوية الشريفة‪.‬‬
‫التوسع في استخدام الرأي‪:‬‬
‫بدأ اس‪F‬تخدام ال‪F‬رأي – يف االجته‪F‬اد – كما ذك‪F‬رت – بش‪F‬كل حمدود‪ ،‬وتط‪F‬ور ه‪F‬ذا‬
‫االس ‪FF‬تخدام اس ‪FF‬تجابةً ملتطلب ‪FF‬ات النمو الط ‪FF‬بيعي للمجتمع اإلس ‪FF‬المي ح ‪FF‬ديث التأس ‪FF‬يس‪.‬‬

‫رجح ذلك ابن تيمية – كانوا أقل الفرق جرأةً يف الكذب على الرسول‬ ‫‪ -‬لعل اخلوارج – كما َّ‬ ‫‪1‬‬

‫صلى اهلل عليه وسلم ملا عُرف عنهم من الورع والتقوى‪ ،‬وااللتزام مببدئهم الشهري وهو تكفري‬
‫مرتكب الكبرية‪ .‬وال شك أن الكذب على رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يُ ُّ‬
‫عد من أكرب‬
‫الكبائر‪ .‬جاء يف كتاب "السنة ومكانتها يف التشريع اإلسالمي"‪...« :‬مل أعثر على حديث وضعه‬
‫كثريا – يف كتب املوضوعات‪ ،‬فلم أعثر على خارجي عُ َّد من َّ‬
‫الكذابني»‬ ‫خارجي‪ ،‬وحبثت – ً‬
‫[ مصطفى السباعي‪ .‬بريوت‪ ،‬املكتب اإلسالمي‪ .‬ط‪1405( .4 :‬هـ‪1985/‬م)‪ .‬ص ‪ .]82‬يف‬
‫حني أن الشيعة – وأخص الذين اختذوا التشيع ستاراً ألهوائهم واحنرافهم – قد أكثروا من وضع‬
‫األحاديث‪ .‬قال ابن أيب احلديد – وهو شيعي ‪« : -‬إن أصل الكذب يف أحاديث الفضائل جاء‬
‫من جهة الشيعة‪ ...‬وقد قابلهم جهلة أهل السنة بالوضع أيضاً »‪ .‬م‪.‬س‪ .‬ص ‪76‬؛ وقال أيضاً‪:‬‬
‫« فأما األمور الشنيعة اليت تذكرها الشيعة من إرسال قنفد إىل بيت فاطمة عليها السالم وأنه‬
‫ضرهبا بالسوط عليها السالم ‪ F...‬فكله ال أصل له عند أصحابنا وال يثبته أحد منهم وال رواه‬
‫أهل احلديث وال يعرفونه‪ ،‬وإمنا هو شيء تنفرد الشيعة بنقله »‪ .‬شرح هنج البالغة‪.1/135 .‬‬
‫‪ -‬املصنفات يف هذا العلم كثرية‪ ،‬منها‪" :‬لسان امليزان" للحافظ ابن حجر العسقالين؛ و"التاريخ‬ ‫‪2‬‬

‫الكبري" لإلمام البخاري؛ و"املدخل يف أصول احلديث" للحاكم؛ و"الضعفاء واملرتوكني"‪ F‬للنسائي؛‬
‫و"ميزان االعتدال" للذهيب؛ و"أمساء الضعفاء واملرتوكني"‪ F‬و"كتاب املوضوعات" البن اجلوزي‪...‬‬

‫‪70‬‬
‫‪F‬اليب متباين‪F‬ةً‬
‫لكن الفنت السياس‪F‬ية – اليت أخ‪F‬ذت طابع‪F‬اً ديني‪F‬اً – ب‪FF‬دأت تف‪F‬رز طرق‪F‬اً وأس‪َ F‬‬
‫يف اس ‪FF‬تعمال آلية [االجته ‪FF‬اد]؛ ففي ال ‪FF‬وقت ال ‪FF‬ذي اكتفى فيه بعض الت ‪FF‬ابعني ب ‪FF‬الوقوف‬
‫عند النص‪FF‬وص واآلث‪FF‬ار‪ ،‬جند بعض‪FF‬هم اآلخر قد جتاوزها إىل اس‪FF‬تعمال ال‪FF‬رأي حىت ش‪FF‬اع‬
‫أن هناك اجتاهني‪ :‬اجتاه أهل الرأي‪ ،‬واجتاه أهل احلديث‪.‬‬
‫واشتهر احلجاز بكونه موطن احلديث وأهل‪F‬ه‪ ،‬أما الع‪FF‬راق فعُ‪F‬رف مبركز أهل ال‪FF‬رأي‪.‬‬
‫وقد ع‪FF‬اب أهل احلج‪FF‬از على العراق‪FF‬يني بُع‪Fَ F‬دهم عن الس‪FF‬نة وإفت‪FF‬اءهم يف ال‪FF‬دين ب‪FF‬آرائهم‪،‬‬
‫لكن أهل العراق أنكروا ذلك‪.‬‬
‫وللحقيقة واإلنص‪FF‬اف‪ ،‬ينبغي التأكيد أن التمي‪FF‬يز ال‪FF‬دقيق والفاصل بني االجتاهني غري‬
‫ممكن‪ .‬ذلك أنه ليس ألحد منهما ق‪FF F F F F F‬ول مع نص ص‪FF F F F F F‬حيح‪ .‬وقد ثبت أن كالً منهما‬
‫اعتمد على احلديث واستعمل الرأي أيض‪F‬اً‪ ،‬حىت إن اإلم‪FF‬ام ال‪FF‬دهلوي ق‪FF‬ال‪ « :‬أخطأ من‬
‫إن هناك فرقتني‪ :‬أهل الرأي وأهل الظاهر »(‪.)1‬‬ ‫قال‪َّ :‬‬
‫فكالمها أخذ ب ‪FF‬النص ومل يس ‪FF‬تغن عن ال ‪FF‬رأي(‪ .)2‬غري أن حقيقة اخلالف تتلخص يف‬
‫أمرين‪:‬‬
‫واء‪ .‬فأهل الع ‪FF F‬راق أك ‪FF F‬ثر‬
‫‪ -‬أح دهما‪ :‬أن مق دار ال رأي – ل ديهما – ليس س ً‬
‫استخداماً للرأي من أهل احلجاز؛ ألن املدينة دار اهلجرة ومأوى الصحابة‪ ،‬ومن انتقل‬
‫منهم إىل الع‪FF F F‬راق ك‪FF F F‬ان ش‪FF F F‬غلهم باجله‪FF F F‬اد أك‪FF F F‬ثر‪ ،)3( ..‬فلم تتيسر تلك ال‪FF F F‬وفرة – يف‬
‫األح‪FF F‬اديث – كما ت‪FF F‬وفرت باملدين‪FF F‬ة‪ .‬إض‪FF F‬افة إىل أن حتقيق الرواية يف بلد ك‪FF F‬العراق –‬
‫وهو موطن احلضارات القدمية ومنبت امللل والنحل – مل يكن أمراً ميس‪FF‬وراً‪ .‬ل‪FF‬ذا غلب‬
‫رد احلديث املخ ‪FF‬الف للعقل أو القي ‪FF‬اس ألي ش ‪FF‬بهة ش ‪FF‬ابت روايته(‪،)4‬‬
‫على أهله تفض ‪FF‬يل ِّ‬
‫حرصاً على سالمة الشريعة‪ ،‬وخشيةَ أن يُنسب إىل الش‪FF‬رع ما ليس منه – ال س‪FF‬يما أن‬

‫‪ -‬حجة اهلل البالغة‪ .‬أمحد شاه ويل اله الدهلوي‪ .‬ت‪ :‬حممد شريف سكر‪ .‬بريوت‪ ،‬دار إحياء‬ ‫‪1‬‬

‫العلوم‪ .‬ط‪1413( .2 :‬هـ‪1992/‬م)‪1/461 .‬؛ وأسباب اختالف الفقهاء‪ ،‬علي اخلفيف‪ .‬ص‬
‫‪.187‬‬
‫‪ -‬البن القيم كالم جيد يف موضوع "الرأي" يف كتابه‪ :‬إعالم املوقعني‪ 1/79 .‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬مقدمة ابن خلدون‪ .‬ص ‪.493‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬الرأي يف الفقه اإلسالمي‪ ،‬حممد املختار القاضي‪ .‬ص ‪.47‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪71‬‬
‫الك‪FF‬ذب على رس‪FF‬ول اهلل ص‪FF‬لى اهلل عليه وس‪FF‬لم قد فشا ‪-‬؛ مما دعا الكثري من الص‪FF‬حابة‬
‫إىل ع ‪FF‬دم التص ‪FF‬ريح ‪ -‬يف كثري من فت ‪FF‬اويهم ‪ -‬ب ‪FF‬الرجوع إىل احلديث مع أن ال ‪FF‬راجح أن‬
‫يكون ‪FF‬وا قد اعتم ‪FF‬دوا – فيها ‪ -‬علي ‪FF‬ه‪ .‬وليس ه ‪FF‬ذا إال تنـزيهاً للش ‪FF‬رع‪ ،‬وخوف‪F F‬اً من أن‬
‫ينسبوا إىل الرسول صلى اهلل عليه وسلم ما مل يقله‪.‬‬
‫‪ -‬ثانيهما‪ :‬أساس االجتهاد بالرأي‪:‬‬
‫إن أس‪FF‬اس االجته‪FF‬اد – ب‪FF‬الرأي – يف الع‪FF‬راق خيتلف عنه يف احلج‪FF‬از‪ .‬فهو يف الع‪FF‬راق‬
‫يعتمد – أساس ‪F‬اً – على القي‪FF‬اس‪ ،‬أما يف احلج‪FF‬از‪ ،‬فإنه يرتكز على املص‪FF‬لحة‪ .‬ل‪FF‬ذا ك‪FF‬ان‬
‫طبيعي‪F‬اً أن حيفل فقه أهل الع‪FF‬راق حبشد من التفريع‪FF‬ات الفقهي‪FF‬ة‪ ،‬ويُفتح الب‪FF‬اب – واس‪FF‬عاً‬
‫جيد من‬‫– الف‪FF‬رتاض قض‪FF‬ايا غري واقعة اختب‪FF‬اراً لألقيس‪FF‬ة‪ ،‬وتأهب‪F‬اً ملعاجلة كل ما ميكن أن َّ‬
‫أحداث؛ وهذا ما عُرف بالفقه التقديري‪.‬‬
‫أما فقه املدينة‪ ،‬الذي اعتمد املص‪F‬لحة – أساس‪F‬اً – لالجته‪F‬اد ب‪F‬الرأي‪ ،‬فلم يظهر فيه‬
‫(‪)1‬‬
‫الفرض والتقدير‪ ،‬الرتباط املصلحة بالوقائع‪ .‬فبقدر الوقائع يتم اللجوء إىل املصلحة‪.‬‬
‫وعلى العم‪FF F F F‬وم ف‪FF F F F‬إن بس‪FF F F F‬اطة احلي‪FF F F F‬اة يف احلج‪FF F F F‬از – وهي البيئة البدوية – مل حتفز‬
‫فقهاءها إىل الف‪FF‬رض والتق‪FF‬دير‪ ،‬ال س‪FF‬يما أن احلج‪FF‬ازيني ت‪FF‬أثروا مبنهج روادهم‪ .‬كعبد اهلل‬
‫بن عمر(‪ – )2‬رضي اهلل عنهما– الذين آثروا األخذ باآلثار وجتنب الرأي ما استطاعوا‬
‫إىل ذلك سبيالً‪.‬‬
‫وعمقت الفنت‬
‫وبت ‪FF‬وايل األي ‪FF‬ام أخ ‪FF‬ذت زاوية اخلالف ت ‪FF‬زداد انفراج‪F F‬اً بني الف ‪FF‬ريقني‪َّ .‬‬
‫استمساك كل فريق مبنهجه‪ .‬لكن هذا مل يكن يشكل عائقاً أم‪FF‬ام حركة االجته‪FF‬اد‪ ،‬بل‬
‫إن التن ‪FF‬افس ال ‪FF‬ذي ُو ِج َد – بني الف ‪FF‬ريقني – قد حف ‪FF‬زهم إىل ب ‪FF‬ذل مزيد من الوسع من‬
‫كل منهما كان األجدر باالتباع‪.‬‬ ‫أجل الربهنة على أن منهج ٍّ‬

‫‪ -‬تاريخ املذاهب اإلسالمية‪.260-2/259 .‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬عبد اهلل بن عمر بن اخلطاب‪ :‬أسلم مع أبيه قبل اهلجرة‪ .‬شهد كثرياً من املشاهد مع الرسول‬ ‫‪2‬‬

‫صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وهو أحد الستة املكثرين من احلديث‪ ،‬محله ورعه أال يكثر من الفتوى‪ F.‬مل‬
‫يدخل يف شيء من= =الفنت‪ .‬تويف مبكة بعد احلج عام ‪73‬هـ‪ .‬اإلصابة يف متييز الصحابة‬
‫‪ ،2/347‬وهبامشه االستيعاب يف أمساء األصحاب‪ ،‬البن عبد الرب‪.2/341 .‬‬

‫‪72‬‬
‫ولعل مما زاد ه‪F‬ذه احلركة ق‪F‬و ًة ونش‪F‬اطاً ظه‪F‬ور علم‪F‬اء وفقه‪F‬اء من غري الع‪F‬رب‪ ،‬وهم‬
‫الذين عُرفوا باسم "املوايل"؛ إذ أن كثريين – منهم – عاش‪FF‬روا كب‪FF‬ار الص‪FF‬حابة وتعلم‪FF‬وا‬
‫منهم وحفظ‪FF‬وا عنهم ونقل‪FF‬وا إىل غ‪FF‬ريهم‪ .‬وس‪FF‬اعدهم ‪ -‬يف ذلك – ع‪FF‬دم مش‪FF‬اركتهم يف‬
‫(‪)1‬‬
‫االختالفات السياسية‪ .‬إذ أهنا كانت بيد العرب‪.‬‬
‫وميكن إمجال خص ائص حركة االجته اد – يف ه ‪FF‬ذا العهد – [عهد الت ‪FF‬ابعني] فيما‬
‫يأيت‪:‬‬
‫‪ – 1‬إن دائ ‪FF‬رة االجته ‪FF‬اد – يف ه ‪FF‬ذا العهد – قد اتس ‪FF‬عت‪ ،‬وازداد النش ‪FF‬اط الفقهي‬
‫نتيجة النمو الط‪FF F‬بيعي للمجتمع اإلس‪FF F‬المي ال ‪FF F‬ذي امت‪FF F‬دت أراض‪FF F‬يه وتض‪FF F‬اعفت أع‪FF F‬داد‬
‫معتنقيه‪.‬‬
‫‪ – 2‬إن اخلالف‪FF F F‬ات اليت ابت‪FF F F‬دأت – سياس‪FF F F‬يا ‪ ،-‬ودبَّت بني املس‪FF F F‬لمني انتهت إىل‬
‫انش ‪FF‬قاق ومتزق ذي ط ‪FF‬ابع دي ‪FF‬ين؛ فظهر اخلوارج والش ‪FF‬يعة‪ ...‬وك ‪FF‬ان هلذا أثر يف حركة‬
‫االجتهاد‪ ،‬نتيجة تب‪F‬اين من‪FF‬اهجهم الفقهي‪FF‬ة‪ .‬فقد تن‪F‬ازعت الف‪FF‬رق يف بعض مص‪F‬ادر الفق‪F‬ه‪،‬‬
‫كما تنازعت يف بعض مسائل الفقه ذات الطابع السياسي كمسألة اخلالفة‪.‬‬
‫‪ – 3‬تبلور علم الفقه‪ .‬فبعد أن كان ضمن عل‪F‬وم أخ‪F‬رى‪ ،‬أض‪FF‬حى فنّ‪F‬اً قائم‪F‬اً بذات‪FF‬ه‪.‬‬
‫له رجاله واملش ‪FF F F‬تغلون ب‪FF F F‬ه‪ .‬وك‪FF F F‬ان يف تف ‪FF F F‬رغ املوايل للفقه والتفقه أثر كبري يف ظه‪FF F F‬ور‬
‫املدارس الفقهية‪ .‬سواء منها ما ُكتب له البقاء والتطور وما عفا عليه الزمن‪.‬‬

‫‪ -‬تاريخ التشريع اإلسالمي‪ ،‬حممد اخلضري‪ .‬بريوت‪ ،‬دار القلم‪ .‬ط‪1983( :‬م)‪ .‬ص ‪.101‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪73‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫االجتهاد في عهد المدارس الفقهية‬

‫المبحث األول‬
‫أهم العوامل المؤثرة في حركة االجتهاد‬

‫الفقهاء المجتهدون والسلطة‪:‬‬


‫على الرغم من التحوالت السياسية اليت شهدها العامل اإلسالمي وأثرت على‬
‫مسرية الفقه اإلسالمي‪ ،‬فإن حركة االجتهاد قد حافظت على قوة اندفاعها‪ .‬وينبغي‬
‫التنويه – يف هذا املقام – إىل أن الفنت مل تكن كلها ذات آثار سلبية‪ .‬فقد نأى كثري‬
‫من كبار العلماء والفقهاء – بأنفسهم – عن اخلوض فيها‪ ،‬وسخروا كل طاقاهتم يف‬
‫جمال العلوم – ويف مقدمتها الفقه – حفظاً وفهماً واستنباطاً‪ .‬وال شك أن خدماهتم‬
‫اجلليلة لعلوم الشريعة أكسبتهم مكانةً رفيعةً لدى العامة واخلاصة‪.‬‬
‫ولعل هذا ما جعل السلطة تتقرب إليهم‪ ،‬وحتاول تقريب املربزين منهم‪ ،‬وتفخر‬
‫خبدمتها للعلم والعلماء‪ ،‬ال سيما أن االهتمام – بالعلوم – غدا مظهراً من مظاهر‬
‫الفخر والعظمة اليت يتنافس كل حاكم يف إبرازها خالل فرتة حكمه‪.‬‬
‫وقد حرصت الدولة العباسية أن تُظهر خدمتها للشريعة بتشجيعها للعلم والعلماء؛‬
‫ألن أساس قيامها كان دينياً‪ ،‬منذ أن كانت حركةً سريةً تدعو لالنقضاض على‬
‫احلكم األموي‪.‬‬
‫وقد ظلت املكانة اليت حظي هبا الفقيه – سواء كان ممن نأى بنفسه عن أصحاب‬
‫السلطة واحلكم أو ممن رأى إعانتهم والتعامل معهم – مكانةً خاصةً يف قلوب عامة‬
‫املسلمني‪ .‬فأئمة الفقه األربعة – أبو حنيفة ومالك والشافعي وابن حنبل – على‬
‫الرغم من كل احملن اليت فرضها عليهم احلكام وقضى بعضهم حنبه – على إثرها –‬

‫‪74‬‬
‫ظلت سريهتم نرباساً للعلماء العاملني‪ ،‬واضطر احلكام – أنفسهم ‪ -‬إىل التسليم‬
‫(‪) 1‬‬
‫بفضلهم‪ ،‬بل والعمل على نشر مذاهبهم‪.‬‬
‫إن ما شجع احلركة العلمية – يف هذا العصر – كون اخللفاء على اطالع علمي‬
‫واسع‪ ،‬مشل أصنافاً من العلوم واملعارف‪ .‬كالفقه والكالم‪ ...‬وتسجل كتب التاريخ‬
‫ٍ‬
‫مناظرات شهريةً عقدت يف جمالس اخللفاء وكانوا أحياناً طرفاً فيها‪.‬‬
‫وإذا كانت هذه املناظرات قد بدأت موضوعية ‪ ،‬فإهنا مل تستمر كذلك؛ إذ أن‬
‫احنياز بعض اخللفاء لتيارات فكرية معينة ابتعد هبم عن الروح العلمية‪ .‬وال خيفى أمر‬
‫اخلليفة املأمون الذي وقف مؤيداً ومناصراً لفرقة املعتزلة حىت محله احنيازه إىل معاداة‬
‫من خالف قوهلم(‪ ،)2‬فاحنرفت تلك اجملالس عن خطها العلمي الذي سارت فيه‪ .‬وعلى‬

‫‪ -‬تذكر املصادر التارخيية أن اخلليفة العباسي جعفر املنصور طلب من اإلمام مالك – أثناء‬ ‫‪1‬‬

‫موسم احلج – تدوين كتاب جامع‪ ،‬يبتعد فيه عن شدائد ابن عمر ورخص ابن عباس‪ ،‬حبيث‬
‫يكون موطًأ للناس‪ .‬وقد أجابه اإلمام إىل ذلك‪ ،‬وألف كتابه املسمى‪" :‬املوطأ"‪( F.‬ترتيب املدارك‬
‫وتقريب املسالك ملعرفة أعالم مذهب مالك‪ ،‬القاضي عياض‪ ،‬أبو الفضل ‪ .‬ت‪ :‬أمحد بكري‬
‫حممود‪ .‬بريوت‪ ،‬دار مكتبة احلياة‪ .‬طرابلس‪-‬ليبيا‪ ،‬دار مكتبة الفك ـ ـ ـ ــر‪=.)1/191 .‬‬
‫=ويف جانب آخر‪ ،‬هناك َم ْن نال احلظوة لدى السلطان‪ ،‬كالفقيه أيب يوسف صاحب أيب حنيفة‪،‬‬
‫وهو أول فقيه يعنّي قاضياً للقضاة‪ .‬وقد ألّف – بأمر اخلليفة هارون الرشيد – رسالة مهمة يف‬
‫سياسة الدولة املالية تضمنت مبادئ اإلسالم يف جباية األموال وتوزيعها‪ .‬والرسالة بعنوان‪:‬‬
‫"اخلراج"‪ ،‬وهي كتاب مطبوع متداول‪ .‬موسوعة اخلراج وضمنها كتاب اخلراج للقاضي أيب‬
‫يوسف‪ .‬بريوت‪ ،‬دار املعرفة‪ .‬ط‪ :‬سنة (‪1399‬هـ‪1979/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬قام اخللفاء العباسيون بدور كبري يف خدمة النشاط العلمي بتشجيعهم حركة ترمجة الرتاث‬ ‫‪2‬‬

‫اليوناين آداباً وفلسفةً ومنطقاً؛ مما أكسب علماء الكالم مكانةً رفيعةً‪ .‬لكن االحنياز هلذه الفئة‬
‫شان سرية بعض اخللفاء العباسيني‪ ،‬كاملأمون بن الرشيد الذي وقف مناصراً للقائلني "خبلق‬
‫القرآن"‪ F.‬وقد جتاوزت مناصرته القول إىل حماولة فرض هذا القول بالقهر والسلطان‪ ،‬يف حني أن‬
‫املسألة جدلية‪ ،‬واحلسم فيها إمنا يكون بالدليل والربهان‪ .‬ومما جاء يف رسالة املأمون إىل عامله‬
‫إسحاق بن إبراهيم – يف هذا الشأن ‪...« :-‬وليس‪ F‬يرى أمري املؤمنني ملن قال هبذه املقالة [القول‬
‫حيل أحداً منهم حمل‬
‫بخلق القرآن] حظاً يف الدين‪ ،‬وال نصيباً من اإلميان واليقني‪ ،‬وال يرى أن ّ‬
‫الثقة يف أمانة وال عدالة وال شهادة وال صدق قول وال حكاية‪ ،‬وال تولية لشيء من أمر‬
‫الرعية‪ .»F...‬تاريخ الطربي‪.8/636 .‬‬

‫‪75‬‬
‫العموم‪ ،‬فإن حرية الفكر كانت متاحةً وجمال الرأي واالجتهاد رحباً ما مل يكن‬
‫اخلوض يف قضايا احلكم والسياسة‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫االرتقاء الحضاري للمجتمع المسلم‪:‬‬
‫اتسعت رقعة البالد اإلسالمية‪ ،‬وتعايش املسلمون – عرباً وعجماً – مع غريهم‬
‫– يهوداً ونصارى ‪-‬؛ فكان هلذا االمتزاج أثر يف إثراء الفكر ونضج وسائل التفكري‬
‫والتحليل‪ .‬وبعد أن كان اجملتمع اإلسالمي األول بسيطاً‪ ،‬أضحى – يف هذا العهد –‬
‫جمتمعاً متنوعاً وغنياً بأمناط جديدة من الثقافة‪ ،‬بفعل حركة الرتمجة إىل العربية‪ .‬وهي‬
‫ٍ‬
‫جماالت معرفيةً واسعةً‪ ،‬كالفلسفة‬ ‫حركة مل تقتصر على علم دون غريه‪ ،‬وإمنا مشلت‬
‫(‪) 1‬‬
‫واملنطق والطب والكيمياء واآلداب وغريها‪...‬‬
‫عد العصر العباسي املرحلة الذهبية للرتمجة(‪ ،)2‬وِإ ْن كانت بدايتها األوىل قد‬
‫ويُ ُّ‬
‫انطلقت يف عهد األمويني‪ .‬والواضح أن العلوم اإلسالمية قد استعارت أدوات التحليل‬
‫من هذا الكم اهلائل الذي ترجم إىل العربية‪ ،‬وليس مستبعداً أن ترتك الثقافة املنقولة‬
‫آثاراً واضحةً – قليلةً كانت أم كثري ًة – وخباصة الفلسفة واملنطق اللذان استخدما يف‬
‫علم الكالم أوالً‪ ،‬مث تسربا إىل الفقه اإلسالمي(‪ .)3‬فانسلخ عن حالة البداوة إال ما‬
‫كان من فقه اإلمام مالك؛ فإنه حافظ على منهجه يف التمسك باآلثار ِإ ْن ُوجدت‪،‬‬
‫واالبتعاد عن االفرتاض والتقدير‪ .‬أما البالد اليت انتشر فيها فقه غريه من األئمة‪،‬‬
‫كالعراق والشام‪ ،‬فإن الفقه حنا فيها منحى غلب عليه طابع املعقول أكثر من املنقول‪.‬‬
‫(‪) 4‬‬

‫‪ -‬بواكري الثقافة اإلسالمية وحركة النقل والرتمجة من أواخر القرن األول حىت منتصف القرن‬ ‫‪1‬‬

‫الرابع اهلجري‪ ،‬عصام الدين حممد علي‪ .‬اإلسكندرية‪ ،‬دار املعارف‪1986( .‬م)‪ .‬ص ‪،40 ،37‬‬
‫‪.57‬‬
‫‪ -‬لقد أدت الكتب واملكتبات دوراً مهماً يف إثراء احلركة العلمية‪ ،‬حىت صار اخللفاء واخلواص‬ ‫‪2‬‬

‫يتنافسون يف إنشاء املكتبات‪ ،‬ويتباهون بامتالك أنفس الكتب وأمثنها وأضحت قصور اخلالفة –‬
‫كما يقول أحد الباحثني ‪ « :-‬منتدى يلتقي فيه الشعراء واألدباء والعلماء حيث حيفزهم‬
‫السخاء‪ .»..‬م‪.‬س‪ .‬ص ‪.65‬‬
‫‪ -‬تاريخ التشريع اإلسالمي‪ ،‬السبكي‪ .‬ص ‪.241‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬الفكر السامي‪ ،‬للحجوي‪1/330 .‬؛ وتاريخ التشريع اإلسالمي‪ ،‬للسبكي‪.241 .‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪77‬‬
‫التدوين‪:‬‬
‫إن تدوين العلوم – على اختالف جماالهتا – مظهر من مظاهر االرتقاء احلضاري‬
‫الذي شهده العامل اإلسالمي‪ .‬والفقه من مجلة العلوم اليت نالت حظها من التدوين‪ ،‬بل‬
‫ميكن القول بأن السنة النبوية الشريفة اليت هي أحد أسس االجتهاد الفقهي القت –‬
‫وسخرت هلا أكرب الطاقات – فرزاً وحفظاً وتدويناً‬ ‫من املختصني – أعظم عناية‪ُ ،‬‬
‫وتصنيفاً ‪-‬؛ ألهنا أهم مصدر مكمل للقرآن الكرمي‪ ،‬وملا شاع من الوضع والكذب‬
‫على الرسول الكرمي صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬
‫وقد كان تدوين السنة – اليت محلت جانباً عظيماً من الفقه – لبنةً أساسيةً يف‬
‫بناء االجتهاد الفقهي الذي أخذ – مع مرور الزمن – مالمح العمل املدرسي املنظم‬
‫وفق مناهج علمية دقيقة‪ ،‬وجتسد يف مدارس فقهية أرسى دعائمها أئمة جمتهدون‬
‫ب لبعضها البقاء‪ ،‬واندرس كثري‬ ‫ِ‬
‫َّأهلهم تفوقهم العلمي لتزعم تيارات فقهية بارزة‪ُ ،‬كت َ‬
‫منها ألسباب وظروف سياسية واجتماعية‪...‬‬
‫تدوين األصول‪:‬‬
‫الشائع – يف تاريخ العلوم – أن تدوين العلم يكون الحقاً لوجوده‪ ،‬وهو أمر‬
‫طبعي ومنطقي‪ ،‬وينطبق ‪ -‬متام االنطباق – على أصول الفقه؛ فقواعد االستنباط‬
‫كانت موجود ًة منذ عصر الرسول صلى اهلل عليه وسلم وصحابته األبرار ومعلومةً‬
‫للمشتغلني هبذا الفن‪ ،‬وحاضر ًة يف اجتهاداهتم واستدالالهتم‪ ،‬ومبثوثةً يف ثنايا‬
‫مصنفاهتم‪.‬‬
‫لكن اتساع النشاط الفقهي ووفرته – وخباصة الفقه التقديري – وتشعب‬
‫االختالفات يف االجتهاد بالرأي‪ ،‬جعل صياغة قواعد األصول وتوضيحها وتدوينها‬
‫عمالً بالغ األمهية حلسمه كثرياً من مواد النزاع اليت شاغب هبا الدخالء على هذا‬
‫العلم‪.‬‬
‫وهلذا فإن ما قام به اإلمام الشافعي – بتصنيفه "الرسالة" ‪ ،-‬يُ ُّ‬
‫عد إجنازاً رائداً‬
‫يدين له خلفه من األصوليني بفضل عظيم‪ ،‬حيث استطاع أن يرتب قواعد علم‬
‫األصول ويصوغها صياغةً علميةً دقيقةً‪ ،‬ويوضح منهجه يف االستنباط‪ ،‬حىت استحق‬
‫نسب إليه وضع هذا العلم‪.‬‬‫أن يُ َ‬

‫‪78‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫من أعالم المدرسة الفقهية‬
‫امتاز هذا العصر بتألق جنم فقهاء أعالم‪ ،‬اجتمع – لديهم – من جودة العقل‬
‫وملكة العلم – ما ّأهلهم إىل أن يكونوا زعماء مدارس فقهية رائدة‪ .‬وإذا كان مل‬
‫يُكتب للمذاهب كلها البقاء‪ ،‬فإن من أسباب ذلك أن األئمة أنفسهم مل يقصدوا‬
‫ابتداءً تأسيس مذاهب خاصة هبم‪ ،‬وإمنا تضافرت مجلة من العوامل يسرت حفظ‬
‫(‪) 1‬‬
‫مناهج بعضهم يف االستنباط دون بعضهم اآلخر‪.‬‬
‫َّد مصري كل‬
‫وبقدر ما توافر من تالميذ جنباء وظروف سياسية واجتماعية‪ ،‬حتد َ‬
‫مذهب ظهوراً وخفاءً‪ ،‬انتشاراً واحنساراً‪.‬‬
‫ومن أبرز الفقهاء الذين تيسر ملدارسهم البقاء واالنتشار األئمة األربعة‪:‬‬
‫‪ – 1‬اإلمام أبو حنيفة(‪:)2‬‬

‫‪ -‬تاريخ التشريع اإلسالمي‪ ،‬اخلضري‪ .‬ص ‪.167‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬أبو حنيفة‪ :‬هو النعمان بن ثابت بن زوطي موىل تيم بن ثعلبة‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه من أبناء فارس‪ُ .‬ولد‬ ‫‪2‬‬

‫عد تابعياً على أرجح األقوال؛ فقد التقى بأنس بن مالك‪ ،‬ومسع عطاء ابن‬ ‫بالكوفة سنة ‪80‬هـ‪ ،‬ويُ ُّ‬
‫أيب رباح ومحاد بن سليمان الذي الزمه مثان عشرة سنة‪ .‬كما التقى باألئمة‪ :‬زيد بن علي وحممد‬
‫علي‬
‫الباقر‪ .‬نشأ يف أسرة ذات يسار تشتغل بالتجارة‪ .‬يُروى أن جده ثابت ذهب إىل اإلمام ٍّ‬
‫صغرياً‪ ،‬فدعا له بالربكة فيه ويف ذريته‪ .‬حفظ القرآن الكرمي‪ ،‬واشتغل أول أمره بعلم الكالم‪،‬‬
‫لكنه انصرف عنه إىل الفقه‪ F.‬وال شك أن خوضه يف علم الكالم – يف زمن شهد كثرة اجلدل‬
‫وتشعب اآلراء ووفود أفكار جديدة بالعراق وهو البلد الذي عرف أعرق احلضارات وازدمحت‬
‫وأمد عقليته الفذة بأدوات البحث والتحري‬ ‫فيه امللل والنحل – قد أكسبه خربة يف احلجاج َّ‬
‫الضرورية للمشتغل بقضايا الفقه واالجتهاد‪.‬‬
‫وي عن ابن معني قوله‪ « :‬كان أبو حنيفة ثقةً ال حيدث باحلديث إال مبا حيفظه‪ ،‬وال حيدث مبا‬ ‫ُر َ‬
‫هد له‬
‫وش َ‬
‫ال حيفظه »[هتذيب التهذيب‪ ،‬العسقالين‪ ،‬ابن حجر‪ .‬بريوت‪ ،‬دار صادر‪ُ .]10/450 .‬‬
‫بأنه كان صاحب غوص يف املسائل حىت قال فيه اإلمام الشافعي‪ « :‬الناس عيال يف الفقه على أيب‬
‫حنيفة »(م‪.‬س)‪F.‬‬
‫عُرض عليه القضاء مرتني‪ .‬األوىل يف عهد األمويني والثانية يف عهد العباسيني‪ ،‬فأىب اإلجابة‪،‬‬
‫وأوذي بالسياط واحلبس‪ ،‬ومع ذلك كله مل حي ْد عن مواقف ـ ـ ـ ـ ـ ــه‪=.‬‬

‫‪79‬‬
‫إن ما ميَّز أبا حنيفة – الفقيه اجملتهد – تكوينه العلمي الراسخ؛ فلم يالزم شيخاً‬
‫واحداً‪ ،‬وإمنا أخذ عن العديد من جهابذة العلم وأعالم الفقه اإلسالمي(‪ .)1‬ويف تنوع‬
‫أساس العناصر اليت اعتمدها أبو حنيفة يف رسم‬ ‫هذه املدارس إثراء للفقه‪ ،‬بل إن فيها َ‬
‫منهجه االجتهادي؛ إذ مجع بني فقه عمر املبين على املصلحة‪ ،‬وفقه علي املبين على‬
‫االستنباط والغوص طلباً حلقائق الشرع‪ ،‬وعلم ابن مسعود القائم على التخريج‪ ،‬وعلم‬
‫(‪) 2‬‬
‫ابن عباس الذي هو علم القرآن وفقهه‪.‬‬
‫ومل يقتصر على فقه هؤالء فحسب‪ ،‬وإمنا استقاه من كل املصادر اليت توفرت‬
‫لديه‪ ،‬مبا يف ذلك رحالته الكثرية ‪ -‬أثناء أدائه مناسك احلج – اليت أتاحت له فرصة‬
‫االلتقاء بنخبة من خرية الفقهاء اجملتهدين‪.‬‬
‫وجتدر املالحظة أن األصول اليت يذكرها فقهاء املذهب احلنفي على أهنا أصول‬
‫املذهب‪ ،‬أو األصول اليت اعتمدها األئمة يف منهجهم االجتهادي ليست من وضع‬
‫األئمة أنفسهم – وِإ ْن كانوا يالحظوهنا يف استنباطاهتم ‪-‬؛ وإمنا وضعها َم ْن جاء‬
‫بعدهم بعد أن تلمسوها من أقواهلم وما ُأثَِر عنهم من فروع فقهية‪ .‬وكثري مما نُسب‬
‫(‪) 3‬‬
‫أليب حنيفة – مثالً – هو ختريج على مذهبه‪.‬‬
‫لقد حتدد منهاج االستنباط لدى أيب حنيفة – كما بيَّنه هو نفسه – يف األخذ‬
‫بكتاب اهلل مث بسنة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم مع االحتياط الشديد يف قبول‬
‫األخبار‪ ،‬مث مبا ُأثر عن الصحابة – رضوان اهلل عليهم – يتخري من بني أقواهلم وال‬
‫خيرج إىل قول غريهم‪ .‬أما التابعون‪ ،‬فإنه مل يُلزم نفسه بأقواهلم‪ ،‬فله أن جيتهد كما‬

‫=تاريخ بغداد‪ ،‬اخلطيب البغدادي‪ ،‬احلافظ أبو بكر أمحد‪ .‬بريوت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ .‬الرتمجة‬
‫رقم‪13/323 .)7297( :‬؛ وهتذيب التهذيب‪ ،‬للعسقالين‪10/449 .‬؛ وأبو حنيفة‪ ،‬حملمد أيب‬
‫زهرة‪ .‬القاهرة دار الفكر العريب‪ .‬ط‪ :‬سنة (‪1997‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬ذكر اخلطيب البغدادي أن أبا حنيفة قد أخذ ‪ « :‬عن أصحاب عمر عن عمر‪ ،‬وعن أصحاب‬ ‫‪1‬‬

‫علي‪ ،‬وعن أصحاب عبد اهلل عن عبد اهلل‪ ،‬وما كان يف وقت ابن عباس على وجه‬ ‫علي عن ّ‬
‫األرض أعلم منه »‪ .‬تاريخ بغداد‪.13/334 .‬‬
‫‪ -‬تاريخ املذاهب اإلسالمية‪.2/353 .‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬حجة اهلل البالغة‪ ،‬الدهلوي‪1/458 .‬؛ وأبو حنيفة‪ ،‬أليب زهرة‪.206-205 .‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪80‬‬
‫اجتهدوا(‪ ،)4‬وذلك باستخدام القياس الذي هو – يف أساسه – محل على النص بعد‬
‫تعرف علته أو تفسري للنص كما عرَّب عنه بعض األصوليني‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫وَأخ ُذ أيب حنيفة – مبا ُأثر عن الصحابة – يعين ضرور ًة أخذه باإلمجاع‪ .‬ويلي‬
‫ْ‬
‫هذه املصادر القياس واالستحسان والعرف‪.‬‬
‫ونظراً الحتياطه الشديد – يف االستدالل بالسنة النبوية‪ ،‬واعتماده الكبري على‬
‫املصادر االجتهادية ‪ ،-‬فإن مذهبه مُسِّ َي مبذهب أهل الرأي‪.‬‬
‫وميكن إمجال أهم خصائص منهجه يف االجتهاد فيما يأيت‪:‬‬
‫‪ – 1‬استقصاء علل األحكام ِ‬
‫وح َك ِم َها‪:‬‬
‫إن الشريعة معقولة املعىن؛ لذا كان البحث عن علل األحكام وحكمة التشريع‬
‫أمراً ضرورياً َلت َف ُّهم روح الشرع وأبعاده‪ ،‬وعدم االقتصار على التمسك بظواهر‬
‫النصوص‪.‬‬
‫‪ – 2‬االحتياط في قبول األخبار‪:‬‬
‫من خصائص منهج أيب حنيفة – يف االجتهاد – أنه كان حيتاط يف قبول أخبار‬
‫اآلحاد؛ ولعل مرجع ذلك أن هذا املذهب نشأ يف بيئة كثر فيها الوضع والكذب على‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬فتطلب هذا األمر وضع قيود كثرية لقبول أخبار‬
‫اآلحاد تضمن صحتها وسالمتها‪ ،‬وتوفر الثقة فيها واالطمئنان للعمل هبا‪.‬‬

‫‪ -‬تاريخ بغداد‪13/368 .‬؛ وأبو حنيفة‪ ،‬أليب زهرة‪ .‬ص ‪ 207‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪81‬‬
‫‪ - 2‬مالك بن أنس(‪:)1‬‬
‫كان منهج اإلمام مالك ‪ -‬يف االجتهاد – يعتمد على القرآن الكرمي والسنة‬
‫النبوية الشريفة‪ .‬وقد امتاز هذا املنهج باعتماد عمل أهل املدينة حجةً على اعتبار أهنم‬
‫توارثوا ما كانوا يعملون به عن سلفهم الذين أخذوا – بدورهم – عن الصحابة‬
‫الكبار؛ فهو – يف قوة املتواتر – لذلك فإنه مقدم على القياس وعلى خرب الواحد‬
‫املخالف ملا عليه أهل املدينة‪.‬‬
‫ومل يوافقه أكثر الفقهاء يف هذا األساس؛ فقد ذهبوا إىل أن عمل أهل املدينة ليس‬
‫حجةً؛ ألهنم‪:‬‬
‫(‪) 2‬‬
‫‪ – 1‬ليسوا معصومني‪.‬‬

‫‪ -‬مالك بن أنس‪ :‬بن عامر األصبحي‪ُ .‬ولد عام ‪93‬هـ باملدينة املنورة‪ ،‬وهبا أقام ومل خيرج منها‬ ‫‪1‬‬

‫حاجاً إىل مكة‪ .‬وكانت وفاته سنة ‪179‬هـ‪.‬‬


‫إال ّ‬
‫نشأ مالك يف بيت اشتهر بالعلم ورواية احلديث‪ .‬حفظ القرآن الكرمي صغرياً‪ ،‬وخرج إىل كتابة‬
‫العلم‪ .‬فجلس إىل ربيعة الرأي وغريه‪ ،‬لكنه الزم شيخه ابن هرمز [ عبد الرمحن بن هرمز‪ F،‬أبو‬
‫داود املدين‪ ،‬عُرف باألعرج‪ .‬من موايل بين هاشم‪ ،‬تابعي ثقة‪ .‬أخذ عن أيب هريرة‪ ،‬وكان عاملاً‬
‫باألنساب والعربية‪( .‬ت‪117‬هـ)‪.‬هتذيب التهذيب‪ ] 6/290 .‬مدةً طويلةً بلغت حوايل ثالث‬
‫عشرة سنةً‪ ،‬تأثر – خالهلا – به تأثراً كبرياً‪ ،‬وسار على هنجه يف التواضع واالعرتاف بالعجز‬
‫واحملدودية عند سؤاله عما ال يعلمه‪ .‬ومل يبلغ من العمر سبعة عشر عاماً حىت جلس للفتيا‬
‫واحلديث‪ ،‬وشهد له أهل العلم بالكفاءة‪ ،‬واعرتفوا له باإلمامة‪ ،‬فصار قبلةً لطالب العلم قاطبةً‪.‬‬
‫وأشهر مصنفاته كتاب "املوطأ" الذي أنفق أربعة عقود يف إجنازه‪ .‬ويُعد من أوائل املصنفات اليت‬
‫صنفت يف احلديث والفقه؛‪ F‬فجمعت احلديث واألثر وبوبتهما ورتبتهما حسب األبواب الفقهية‪.‬‬
‫وبلغ من شهرة املوطأ أن أشار احلكام على اإلمام باختاذه مرجعاً رمسياً وحيداً لألحكام الفقهية‪،‬‬
‫لكنه مل يرض أن يفرض كتابه وهو يعلم أن أصحاب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قد تفرقوا‬
‫يف اآلفاق‪ ،‬ورووا أحاديث غري أحاديث أهل احلجاز اليت اعتمدها‪ .‬ونظراً ملكانة اإلمام مالك‬
‫العلمية‪ ،‬والعمر املديد الذي قضاه يف جمال العلم والتعليم‪ ،‬فقد تلقى عنه عدد كبري من طالب‬
‫العلم‪ ،‬وروى عنه ما يزيد على ألف وثالمثائة من أعالم األقطار اإلسالمية‪ .‬ترمجة اإلمام الكاملة‬
‫يف‪ :‬ترتيب املدارك اجلزء األول كله؛ وهتذيب التهذيب ‪10/5‬؛ ومالك‪ ،‬حممد أبو زهرة‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬دار الفكر العريب؛ وتاريخ التشريع‪ ،‬للسبكي‪.‬ص‪.297‬‬
‫‪ -‬املستصفى‪ ،‬للغزايل‪.1/187 .‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪82‬‬
‫‪ – 2‬وألن كثرياً من السنة انتشر خارج املدينة نتيجة انتقال بعض الصحابة إىل‬
‫األقطار اإلسالمية‪.‬‬
‫ومن مظاهر أخذ اإلمام مالك بالرأي‪ ،‬إقامته كثرياً من األحكام الفقهية على‬
‫(‪)2‬‬
‫االستحسان(‪ )1‬وما عُرف باملصاحل املرسلة‪.‬‬
‫وقد خالف املالكيةَ – يف هذا األساس – فقهاءُ كثريون‪ ،‬بل عابوا عليهم‬
‫إفراطهم يف استخدام املصاحل‪ .‬قال إمام احلرمني(‪ « :)3‬وأفرط اإلمام – إمام دار اهلجرة‬
‫‪ -‬مالك ابن أنس يف القول باالستدالل؛ ُفرئي يثبت مصاحل بعيد ًة عن املصاحل املألوفة‪،‬‬
‫وجره ذلك إىل استحداث القتل‪ ،‬وأخذ املال مبصاحل‬ ‫واملعاين املعروفة يف الشريعة‪َّ ،‬‬
‫تقتضيها يف غالب الظن‪ ،‬وِإ ْن مل جيد لتلك املصاحل مستنداً إىل أصول‪ ،‬مث ال وقوف‬
‫استد نظره فيه‪ ،‬وانتقض عن أوضار التهم واألغراض »(‪.)4‬‬ ‫عنده‪ ،‬بل الرأي رأيه‪ ،‬ما َّ‬

‫‪ -‬االستحسان‪ :‬هو األخذ مبصلحة جزئية يف مقابلة دليل كلي‪ .‬ومقتضاه الرجوع إىل تقدمي‬ ‫‪1‬‬

‫االستدالل املرسل على القياس؛ أي أن اجملتهد يعدل عن احلكم يف مسألة مبا حيكم يف نظائرها إىل‬
‫احلكم خبالفه لوجه يقتضي العدول عنه‪ .‬املوافقات يف أصول الشريعة‪ ،‬الشاطيب ‪ ،‬أبو إسحاق‬
‫إبراهيم‪ .‬شرح ‪ :‬عبد اهلل دراز‪ .‬بريوت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ .‬ط‪1424( .3 :‬هـ‪2003/‬م )‪.‬‬
‫‪4/148‬؛ واإلحكام‪ ،‬لآلمدي‪4/162 .‬؛ واحلاصل من احملصول‪ ،‬لألرموي‪.2/1047 .‬‬
‫‪ -‬املصلحة املرسلة أو االستصالح‪ :‬هي املصاحل املالئمة ملقاصد الشرع‪ ،‬وال يشهد هلا أصل‬ ‫‪2‬‬

‫خاص باالعتبار أو اإللغاء‪ ،‬أو هي أن يوجد معىن يشعر باحلكم مناسب عقالً وال يوجد أصل‬
‫متفق عليه‪ .‬إرشاد الفحول‪ ،‬للشوكاين‪ .‬ص ‪242‬؛ وأصول الفقه ‪ ،‬أليب زهرة‪ .‬ص ‪.246‬‬
‫‪ -‬إمام احلرمني‪ :‬هو أبو املعايل عبد امللك بن عبد اهلل بن يوسف اجلويين (‪478-419‬هـ)‪ .‬فقيه‬ ‫‪3‬‬

‫وأصويل بارع‪ ،‬نشأ يف بيئة علمية‪ ،‬وبرع يف جماالت شىت‪ :‬كالكالم‪ ،‬وأصول الفقه‪ F،‬واخلالف‪،‬‬
‫واجلدل‪ ،‬والفقه‪ F،‬والتفسري‪ ،‬واخلطب‪ ،‬واملواعظ‪ ،‬والوصايا‪ .‬من أهم مصنفاته‪" :‬الربهان يف أصول‬
‫الفقه"‪ F،‬و"اإلرشاد"‪ F،‬و"الكافية"‪ ،‬و"تفسري القرآن الكرمي"‪. ...‬طبقات الشافعية‪ ،‬السبكي‪ ،‬تاج‬
‫الدين‪ .‬بريوت‪ ،‬دار املعرفة‪ .‬ط‪ 3/249 .2 :‬وما بعدها؛ ومقدمة الربهان للمحقق‪.35-23 .‬‬
‫‪ -‬الربهان يف أصول الفقه‪( 2/721.‬فقرة‪ .)1129F:‬ويضيف اجلويين ‪ -‬يف املصدر نفسه ‪-‬‬ ‫‪4‬‬

‫قائالً‪ « :‬والذي ننكره من مالك – رضي اهلل عنه – تركه رعاية ذلك‪ ،‬وجريانه على االستدالل‬
‫من غري اقتصاد‪ .‬وحنن نضرب يف ذلك مثالً‪ ،‬مث نذكر حبسبه ملالك مذهباً‪ .‬فلو قدر وقوع واقعة‬
‫حسبت نادرة ال عهد مبثلها‪ ،‬فلو رأى ذو نظر جدع األنف‪ ،‬أو اصطالم الشفة‪ ،‬وأبدى رأياً ال‬
‫تنكره العقول‪ ،‬صائراً إىل أن العقوبات مشروعة حلسم الفواحش‪ ،‬وهذه العقوبة الئقة هبذه‬

‫‪83‬‬
‫ويرى مجهور املالكية فرقاً بني االستحسان واملصاحل؛ فاالستحسان ال يكون إال‬
‫يف مقابلة قياس‪ .‬أما املصلحة املرسلة ‪ ،‬فإهنا – يف مسائلها – تكون دليالً حيث ال‬
‫(‪) 1‬‬
‫دليل سواها‪.‬‬
‫يسرا حفظه وانتشاره يف‬
‫وقد اجتمع ‪ -‬للمذهب املالكي – عامالن مهمان‪َّ ،‬‬
‫اآلفاق‪:‬‬
‫أولهما‪ :‬علمي‪ ،‬وهو يتمثل يف كثرة التالميذ النجباء الذين التفوا حول اإلمام‬
‫ودونوا فقهه‪.‬‬
‫وأخذوا عنه َّ‬
‫وثانيهما‪ :‬سياسي‪ ،‬فهو مذهب مرن؛ وهذه املرونة تتمثل يف فتحه باب املصاحل‪،‬‬
‫مما حفز احلكام على تشجيعه وتبنِّيه‪ .‬يقول ابن حزم‪ « :‬مذهبان انتشرا يف بدء أمرمها‬
‫وىل الرشيد أبا يوسف خطة القضاء‬‫بالرئاسة والسلطان‪ :‬مذهب أيب حنيفة فإنه ملا َّ‬
‫كانت القضاة من قِبَلِ ِه من أقصى املشرق إىل أقصى عمل إفريقية‪ ،‬ومذهب مالك‬
‫عندنا‬

‫مقبول ِ‬
‫القول يف القضاة‪،‬‬ ‫باألندلس‪ ،‬فإن حيىي(‪ )2‬بن حيىي كان مكيناً عند السلطان َ‬
‫وكان ال يلي قاض يف أقطار األندلس إال مبشورته واختياره وال يشري إال بأصحابه‬
‫ومن كان على مذهبه‪ ،‬والناس سراع إىل الدنيا‪ ،‬فأقبلوا على ما يرجون به أغراضهم‪.‬‬

‫النادرة – فمثل هذا مردود‪ .‬ومالك – رضي اهلل عنه – التزم مثل هذا يف جتويزه ألهل اإلياالت‬
‫القتل يف التهم العظيمة‪ ،‬حىت نقل عنه الثقات أنه قال‪ :‬أنا أقتل ثلث األمة الستبقاء ثلثيها»‪.‬‬
‫‪( 2/733‬فقرات رقم‪.)1154-1153 :‬‬
‫‪ -‬أصول الفقه‪ ،‬أبو زهرة‪ .‬ص ‪.234‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬حيىي بن حيىي بن كثري الليثي القرطيب‪ :‬فقيه مالكي بارز‪ .‬روى املوطأ عن مالك مباشر ًة‪ ،‬وهو‬ ‫‪2‬‬

‫أول من أدخل املوطأ إىل بالده كامالً مهذباً‪ ،‬ومثقفاً بالسماع منه‪ .‬مسَّاه اإلمام مالك عاقل‬
‫األندلس‪ .‬وقد توىل الفتوى ومل خيرج عن مذهب مالك إال يف بعض املسائل‪ .‬نفح الطيب يف‬
‫غصن األندلس الرطيب‪ ،‬املقري التلمساين‪ ،‬أمحد بن حممد‪ .‬ت‪ :‬إحسان عباس‪ .‬بريوت‪ ،‬دار‬
‫صادر‪1388( .‬هـ‪1968/‬م) ‪2/9‬؛ واملدارك‪.2/537 .‬‬

‫‪84‬‬
‫على أن حيىي مل ِيل قط وال أجاب إليه‪ ،‬وكان ذلك زائداً يف جاللته عندهم وداعياً‬
‫(‪)3‬‬
‫إىل قبول رأيه لديهم »‪.‬‬

‫‪ -‬نفح الطيب‪2/10 .‬؛ وجذوة املقتبس يف ذكر والة األندلس‪ ،‬احلميدي‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫ت‪ :‬حممد بن تاويت الطنجي‪ .‬القاهرة‪ ،‬مكتبة اخلاجني‪ .‬ص ‪360‬؛ واالستقصا ألخبار دول‬
‫املغرب األقصى‪ ،‬الناصري‪ F،‬أبو العباس أمحد بن خالد‪ .‬ت‪ :‬جعفر الناصري وحممد الناصري‪.‬‬
‫الدار البيضاء‪ ،‬دار الكتاب‪1418( .‬هـ‪1997/‬م)‪1/195 .‬؛‬
‫ومما يروى – أيضاً – يف أسباب ظهور مذهب مالك باألندلس واملغرب‪ F‬أن بعض احلجاج قدموا‬
‫[من املغرب واألندلس] على مالك – رضي اهلل عنه – باملدينة‪ ،‬فسأهلم عن سرية عبد الرمحن بن‬
‫معاوية – املعروف بالداخل ‪ ،-‬فقيل له‪ « :‬إنه يأكل الشعري ويلبس الصوف وجياهد يف سبيل‬
‫اهلل»‪ .‬فقال مالك‪ « :‬ليت اهلل زيَّن حرمنا مبثله »‪ .‬فنقم عليه بنو العباس هذه املقالة‪ ،‬وكان ذلك‬
‫سبب توصلهم إىل ضربه يف مسألة اإلكراه – كما هو مشهور ‪ .-‬وبلغت مقالته صاحب‬
‫فسَّر هبا ومجع الناس على مذهبه‪ ،‬فانتشر يف أقطار املغرب من يومئذ‪ ..‬االستقصا‪.‬‬
‫األندلس‪ُ ،‬‬
‫‪ .1/195‬ولالطالع أكثر على عوامل انتشار املذهب املالكي باألندلس واملغرب‪ F:‬نفح الطيب‪.‬‬
‫‪ ،2/222‬و‪3/230‬؛ ومقدمة ابن خلدون‪ .‬ص ‪498-497‬؛ ومالك‪ ،‬أليب زهرة‪ .‬ص ‪-344‬‬
‫‪.345‬‬

‫‪85‬‬
‫‪ - 3‬اإلمام الشافعي(‪:)1‬‬
‫إن الشافعي – كما يتبني من مصادر ترمجته – مل يقصد – يف األصل –‬
‫عد من تالميذ اإلمام مالك‪ ،‬وناطقاً‬ ‫االستقالل مبذهب خاص يف االجتهاد‪ .‬فقد كان يُ ُّ‬
‫مفوهاً باسم احملدثني‪ .‬إال أن رحالته واطالعه على مناهج مغايرة ملا كان عليه أهل‬ ‫َّ‬
‫املدينة استثار عقليته الناقدة‪ - ،‬كما يوضح ذلك أبو زهرة بقوله ‪ « :-‬ولعل اجملادلة‬
‫عن رأي مالك وِإ ْن دفعت إليها احلمية له‪ ،‬فإهنا قد َه َدتْهُ إىل عيوب فيه‪ ،‬كما نفذ –‬
‫ببصريته – إىل حماسن وعيوب فقهاء العراق يف جمادلتهم‪ ،‬ويف دراسة فقههم وآرائهم‪،‬‬
‫فكان ال بد – حينئذ – من فكر جديد واجتاه جديد‪ .‬مثَّ إن املناقشة – يف الفروع –‬
‫تعرف أصوهلا والبحث عن ضوابطها ومقاييسها‪ ،‬فخرج من بغداد وقد‬ ‫وجهته إىل ُّ‬
‫َّ‬
‫أخذ يرسم خطوطاً جديد ًة »(‪.)2‬‬
‫إن نسبة وضع علم األصول إىل اإلمام الشافعي يرجع – يف األساس – إىل االجتاه‬
‫ركز على الكليات أكثر من تركيزه على‬ ‫الذي سلكه أثناء اشتغاله هبذا العلم‪ .‬إذ َّ‬
‫الفروع واجلزئيات‪ ،‬يف حني أن الفقهاء – قبله – كانوا جيتهدون دون االعتماد على‬

‫‪ -‬الشافعي‪ :‬هو أبو عبد اهلل حممد بن إدريس الشافعي املطليب‪ُ .‬ولد يف غزة عام ‪150‬هـ‪ .‬وتويف‬ ‫‪1‬‬

‫مبصر سنة ‪ 204‬هـ‪.‬‬


‫ترىَّب – منذ صباه املبكر – يف قبيلة هذيل‪ .‬وهي من أفصح القبائل العربية‪ .‬ولقي عنايةً علميةً‬
‫كبريةً‪ ،‬فأخذ العلم عن أشهر علماء عصره‪ F.‬الزم مالكاً باملدينة وتتلمذ له‪ ،‬وحفظ "املوطأ"‪،‬‬
‫وروى احلديث عن سفيان بن عيينة والفضل بن عياض‪ .‬اهُّت م بالتشيع ومُح ل إىل العراق‪ ،‬لكنه‬
‫دافع عن نفسه أمام الرشيد‪ .‬وهناك هتيَّأت له االستفادة من فقه أهل العراق واألخذ عن حممد بن‬
‫احلسن الشيباين أشهر أصحاب أيب حنيفة‪ .‬ويف بغداد صنَّف مصنفات فقهية ضمت مذهبه‬
‫القدمي‪ ،‬أما مصر فقد ألف فيها آخر ما استقر عليه مذهبه اجلديد‪ .‬وأهم هذه الكتب اليت رواها‬
‫عنه تالميذه‪" :‬الرسالة" يف أصول الفقه‪ ،‬و"األم"‪ ،‬وهو شامل ألبواب الفقه‪ F،‬وقد ُروي أنه ألف‬
‫حنواً من مائيت جزء‪ .‬تاريخ بغداد‪( 2/56 .‬ترمجة رقم‪)454:‬؛ وهتذيب التهذيب‪9/25 .‬؛‬
‫وطبقات الشافعية‪ ،‬للسبكي‪1/100.‬؛ ومناقب اإلمام الشافعي ‪ ،‬الرازي‪ ،‬فخر الدين‪ .‬ت‪ :‬أمحد‬
‫حجازي السقا‪ .‬بريوت‪ ،‬دار اجليل‪ .‬ط‪1413( .1 :‬هـ‪1993/‬م)؛ وحسن احملاضرة يف تاريخ‬
‫مصر والقاهرة‪ ،‬السيوطي‪ ،‬احلافظ جالل الدين‪ .‬ت‪ :‬حممد أبو الفضل إبراهيم‪ .‬القاهرة‪ ،‬دار‬
‫الفكر العريب‪1997( .‬م)‪ 1/262 .‬؛ والشافعي‪ ،‬أليب زهرة‪ .‬القاهرة‪ ،‬دار الفكر العريب‪.‬‬
‫‪ -‬الشافعي‪ ،‬أبو زهرة‪ .‬ص ‪.126‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪86‬‬
‫حدود مرسومة لالستنباط‪ ،‬وإمنا معتمدهم فهم معاين الشريعة ومرامي األحكام‬
‫وغاياهتا(‪ .)1‬فكان – يف اشتغاله بالفروع – مقتصراً على القدر الذي يوضح نظرياته‪.‬‬
‫(‪) 2‬‬
‫وجه تالميذه إىل طرق االستنباط ووسائله‪ ،‬مع املوازنة بني املصادر الفقهية‪.‬‬‫وقد َّ‬
‫وقد وضَّح أصول مذهبه بقوله‪ :‬األصل قرآن أو سنة‪ ،‬فإن مل يكن فقياس عليهما‪.‬‬
‫وصح اإلسناد به فهو املنتهى‪.‬‬
‫وإذا اتصل احلديث عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم َّ‬
‫واإلمجاع أكرب من اخلرب املفرد‪ ،‬واحلديث على ظاهره‪ ،‬وإذا احتمل املعاين فما أشبه‬
‫منها ظاهره أوالها به‪ ،‬وإن تكافأت األحاديث‪ ،‬فأصحها إسناداً أوالها‪ .‬وليس‬
‫املنقطع بشيء ما عدا منقطع ابن املسيب(‪ .)3‬وال يقاس أصل على أصل‪ .‬وال يقال‬
‫صح وقامت به احلجة »(‪.)4‬‬ ‫صح قياسه على األصل َّ‬ ‫للفرع‪ :‬لِ َـم ؟ فإذا َّ‬
‫لقد اهتم الشافعي بالسنة اهتماماً كبرياً‪ ،‬ودافع عن العمل باخلرب الواحد‪ .‬فلم‬
‫يشرتط للعمل به سوى الصحة واالتصال‪ ،‬خبالف األحناف الذين اشرتطوا فيه‬
‫تعم به البلوى‪ ،‬وخبالف املالكية الذين اشرتطوا عدم خمالفته عمل‬ ‫الشهرة إذا كان مما ُّ‬
‫أهل املدينة‪ .‬كما أخذ بأحاديث غري احلجازيني إذا حتققت فيها الشروط اليت التزم‬
‫هبا‪.‬‬
‫وخالف املالكية واألحناف وغريهم يف عدم االحتجاج باملراسيل إال مرسل سعيد‬
‫ابن املسيب؛ لالتفاق على صحته‪.‬‬
‫ومل جيد – لزاماً عليه – األخذ – دائماً – بفتوى الصحايب حجةً مسلمةً‪.‬‬
‫(‪) 5‬‬
‫الحتمال أن يكون قوله جمرد اجتهاد قابل للخطأ‪.‬‬

‫‪ -‬الشافعي‪ ،‬أبو زهرة‪ .‬ص ‪.138‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬م‪.‬س‪.127 .‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬سبق خترجيه‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬تاريخ التشريع اإلسالمي‪ .‬السبكي‪ .‬ص ‪.315-314‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬فقد وجد «أهل العلم يأخذون بقول واحدهم مر ًة‪ ،‬ويرتكونه أخرى‪ ،‬ويتفرقون يف بعض ما‬ ‫‪5‬‬

‫أخذوا به منهم»‪ .‬الرسالة‪ ،‬للشافعي‪ ،‬حممد بن إدريس‪ .‬ت‪ :‬أمحد حممد شاكر‪ .‬القاهرة‪ ،‬مكتبة‬
‫مصطفى البايب احلليب‪ .‬ط‪1358( .1 :‬هـ‪1940/‬م)‪ .‬ص ‪.597‬‬

‫‪87‬‬
‫وأنكر العمل باالستحسان(‪ )1‬الذي – رمبا – توسع بعض األحناف واملالكية يف‬
‫العمل به ‪ ،‬وألف فيه كتاب إبطال االستحسان‪ ،‬وقال قولته املشهورة‪ « :‬من‬
‫رد املصاحل املرسلة‪ ،‬وأنكر االحتجاج بعمل أهل املدينة‪.‬‬ ‫شرع »‪ ،‬كما َّ‬ ‫استحسن فقد َّ‬
‫تب ملذهب الشافعي أن حُي فظ وينتشر على يد مؤسسه – أوالً – مبصنفاته‬ ‫وقد ُك َ‬
‫وأماليه‪ ،‬و – ثانياً – جبهود التالميذ(‪ )2‬النجباء الذين التفوا حوله وهنلوا من نبعه‬
‫الفياض‪.‬‬
‫ولعل مما ميَّز هذا املذهب انتشاره الواسع جبهد مؤسسيه دون إعانة من حاكم أو‬
‫تأييد من سلطة سياسية‪.‬‬

‫‪ -‬ينبغي التنبيه إىل أن االستحسان الذي أنكر الشافعي العمل به‪ :‬هو كل ما مل يعتمد فيه على‬ ‫‪1‬‬

‫الكتاب أو السنة أو أثر أو إمجاع أو على قياس على واحد منها‪ .‬يقول ‪ -‬يف "الرسالة" ‪« :-‬وإمنا‬
‫االستحسان تلذذ‪...‬ومل جيعل اهلل ألحد بعد رسول اهلل أن يقول إال من جهة علم مضى قبله‪.‬‬
‫بعد – الكتاب والسنة واإلمجاع واآلثار وما وصفت من القياس عليها »‪ .‬ص‬ ‫وجهة العلم – ُ‬
‫‪508-507‬؛ والشافعي‪ ،‬أليب زهرة‪ .‬ص ‪ 255‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ -‬أذكر منهم – على سبيل املثال ‪ : -‬إمساعيل بن حيىي املزين (ت ‪264‬هـ)؛ واحلسني بن علي‬ ‫‪2‬‬

‫الكرابيسي؛ ويوسف بن حيىي البويطي‪ .‬ترامجهم يف ‪":‬طبقات الشافعية الكربى" على التوايل‪( :‬‬
‫‪.)1/275( ،)1/251( ،)1/238‬‬

‫‪88‬‬
‫‪ - 4‬اإلمام أحمد بن حنبل(‪:)1‬‬
‫لعل ما رسخ إمامة أمحد بن حنبل ألهل احلديث والسنة أمران‪:‬‬
‫‪ – 1‬موقفه الشجاع من املعتزلة ومؤيديهم من احلكام العباسيني الذين امتحنوه –‬
‫سجناً وتعذيباً – ليقول مقالتهم خبلق القرآن(‪ ،)2‬فرفض‪.‬‬
‫‪ – 2‬عدم ميله إىل فقه أهل الرأي على الرغم من ظهوره يف موطنهم [العراق]‪،‬‬
‫واطالعه ‪ -‬عن قرب – على منهجهم يف االستنباط‪.‬‬

‫‪ -‬اإلمام أمحد‪ :‬هو أمحد بن حممد بن حنبل الشيباين‪ُ .‬ولد ببغداد سنة ‪164‬هـ يف أسرة ذات مهَّة‬ ‫‪1‬‬

‫وجود‪ ،‬وفيها حفظ القرآن الكرمي‪ ،‬ودرس اللغة العربية واحلديث وآثار الصحابة والتابعني‪.‬‬
‫وانصب اهتمامه على دراسة احلديث والفقه‪ .‬بدأ رحلته العلمية بطلب احلديث آخذاً عن أيب‬
‫يوسف صاحب أيب حنيفة وغريه من حمدثي عصره يف األمصار اإلسالمية‪ .‬وكان تتلمذه على يد‬
‫اإلمام الشافعي يف احلجاز وبغداد و ‪ -‬من قبله ‪ -‬أيب يوسف حافزاً كبرياً له على االجتاه حنو‬
‫دراسة الفقه‪ F.‬وقد نبغ فيه كما نبغ يف مجع السنة وحفظها حىت شهد له الشافعي بقوله‪:‬‬
‫«خرجت من بغداد وما خلفت هبا أفقه وال أورع وال أزهد وال أعلم من أمحد»‪ .‬وأمثر اهتمامه‬
‫ضم ما يربو على أربعني ألف حديث‪ .‬وقد بلغ من ورع‬ ‫بالسنة تصنيف مسنده الشهري الذي َّ‬
‫اإلمام أمحد أن هنى ولديه وعمه عن أخذ العطاء من مال اخلليفة‪ ،‬فاعتذروا باحلاجة‪ ،‬فهجرهم‬
‫شهراً ألخذ العطاء‪ .‬طبقات الفقهاء احلنابلة‪ ،‬ابن أيب يعلى‪ ،‬القاضي أبو احلسني حممد‪.‬ت‪:‬علي‬
‫حممد عمر‪ .‬القاهرة‪ ،‬دار مكتبة الثقافة الدينية‪ .‬ط‪1419( .1 :‬هـ‪1998/‬م)‪41-1/22.‬؛‬
‫واملنهج األمحد يف تراجم اإلمام أمحد‪ ،‬العليمي‪ ،‬أبو اليمن عبد الرمحن‪ .‬ت‪:‬حممد حميي الدين عبد‬
‫احلميد‪ .‬بريوت‪ ،‬عامل الكتب‪ .‬ط‪1404( .2 :‬هـ‪1984/‬م)‪109-1/51 .‬؛ وتاريخ بغداد‪.‬‬
‫‪( 4/412‬ترمجة رقم‪)2317:‬؛ وابن حنبل‪ ،‬حممد أبو زهرة‪ .‬القاهرة‪ ،‬دار الفكر العريب‪ .‬ص‬
‫‪141‬؛ طبقات الشافعية‪ ،‬للسبكي‪.1/199 .‬‬
‫‪ -‬تاريخ الطربي‪645-8/639 .‬؛ وضحى اإلسالم‪ ،‬أمحد أمني‪ .‬بريوت‪ ،‬دار الكتاب العريب‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫ط‪.3/161 .10:‬‬

‫‪89‬‬
‫وإذا كان بعض املؤرخني ينكرون على اإلمام أمحد الفقه وينسبونه إىل احلديث(‪)1‬؛‬
‫فإن مجهورهم يصنفه مع احملدثني والفقهاء(‪ .)2‬وهذا هو الواقع؛ ألنه وِإ ْن كان شديد‬
‫التمسك باألثر‪ ،‬حريصاً على تتبع الروايات الواردة يف املوضوع الواحد‪ ،‬فإنه – أيضاً‬
‫‪ -‬يستنبط – مما يطلع عليه من األحاديث – ما تتضمنه من األحكام ويقيس عليها‪.‬‬
‫وقد اشتهرت عنه مجلة من األصول يف االستنباط ترجح كونه حمدثاً وفقيهاً‪.‬‬
‫منهج اإلمام أحمد في االجتهاد‪:‬‬
‫يتلخص منهج اإلمام أحمد في االجتهاد فيما يلي(‪:)3‬‬
‫‪ – 1‬األخذ بالقرآن الكرمي واحلديث املرفوع‪.‬‬
‫فهو مل يقدم على احلديث الصحيح عمالً وال رأياً وال قول صحايب‪ ،‬وال عدم‬
‫العلم باملخالف الذي مسَّاه كثريون إمجاعاً‪ .‬بل إنه ك ّذب من ادعى اإلمجاع‪ ،‬وفضَّل‬
‫عبارة‪ « :‬ال أعلم شيئاً يدفعه »‪.‬‬
‫‪ – 2‬األخذ بفتوى الصحايب‪.‬‬
‫فهي تلي احلديث – عنده – يف القوة‪ ،‬فإذا ما وجد – ألحدهم – فتوى ليس هلا‬
‫خمالف – من الصحابة – أخذ هبا‪ ،‬ومل يقدم عليها عمالً وال رأياً وال قياساً‪.‬‬
‫‪ – 3‬التخيري بني فتاوى الصحابة‪:‬‬
‫كان إذا ما ثبت – عنده – أكثر من قول للصحابة – يف مسألة – خترَّي أقرهبا إىل‬
‫القرآن الكرمي والسنة النبوية‪ ،‬ومل خيرج عن أقواهلم‪ .‬فإن مل يظهر له موافقة أحد‬
‫األقوال حكى اخلالف ومل يرجح‪.‬‬
‫‪ – 4‬األخذ باحلديث املرسل والضعيف(‪:)4‬‬
‫إذا مل يكن يف الباب شيء يدفعه‪ ،‬وهو ‪ -‬عنده – مرجح على القياس‪.‬‬

‫‪ -‬يقول أمحد أمني‪ « :‬ذكروا أن حممداً بن جرير الطربي صاحب التفسري والتاريخ ألف كتاباً‬ ‫‪1‬‬

‫فسئل عن ذلك‪ ،‬فقال‪" :‬مل يكن أمحد فقيهاً‪ ،‬إمنا‬ ‫يف اختالف الفقهاء مل يذكر فيه أمحد بن حنبل‪ُ .‬‬
‫كان حمدثاً‪ ،‬وما رأيت له أصحاباً يعول عليهم"‪ .‬فأساء ذلك احلنابلة‪ ،‬وقالوا ‪ :‬إنه‬
‫رافضي‪..‬فمنعوا الناس من اجللوس إليه ومن الدخول عليه‪ ،‬ورموه مبحابرهم‪ ،‬فلما لزم داره رموه‬
‫باحلجارة حىت تكدست‪ .»...‬ضحى اإلسالم‪.3/200 .‬‬
‫‪ -‬تاريخ بغداد‪4/409 .‬؛ وابن حنبل‪ ،‬أليب زهرة‪ .‬ص ‪.141‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬إعالم املوقعني‪.32-1/29 .‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪90‬‬
‫‪ – 5‬العمل بالقياس‪:‬‬
‫عند عدم وجود نص – من قرآن أو فتوى لصحايب أو أثر مرسل أو ضعيف –‬
‫فهو مل يلجأ إىل القياس إال عند الضرورة‪.‬‬
‫‪ – 6‬العمل باملصاحل‪:‬‬
‫إن املصاحل املرسلة من األصول اليت يعتمد عليها اإلمام أمحد يف االستنباط‪ ،‬وإمنا مل‬
‫يذكرها ابن القيم ضمن أصوله ألهنا داخلة يف باب القياس الصحيح‪ .‬فنظرة فقهاء‬
‫(‪)1‬‬
‫احلنابـلـة – للقيـاس – أوسـع من نظـرة غـريهـم مـ ــن الفقهاء‪.‬‬
‫وقد سار أصحاب أمحد إىل مدى بعيد يف اإلفتاء على أساس املصلحة ‪ ،‬ال سيما‬
‫يف باب السياسة الشرعية(‪ .)2‬بل إن بعضهم أغرق يف العمل باملصاحل حىت احنرف عن‬
‫األصول وحاد عن الثوابت مثلما فعل الطويف الذي نُسب إىل احلنابلة ولكنه مل‬
‫(‪) 3‬‬
‫يسلك مسلكهم‪.‬‬
‫‪ – 7‬األخذ بالذرائع‪:‬‬
‫أشد املذاهب أخذاً بالذرائع طلباً وسداً؛ فما هو ذريعة ملطلوب كان‬ ‫عد احلنابلة َّ‬
‫يُ ُّ‬
‫(‪) 4‬‬
‫مطلوباً‪ ،‬وما هو مفض ملمنوع كان ممنوعاً‪ .‬فللوسائل حكم املقاصد‪.‬‬

‫‪ -‬ليس املراد بالضعيف – عند اإلمام أمحد – الباطل وال املنكر وال ما يف روايته متهم‪ ،‬بل هو‬ ‫‪4‬‬

‫قسيم الصحيح وقسم من أقسام احلسن‪ .‬إعالم املوقعني‪.1/31 .‬‬


‫‪ -‬للتذكري فقد اشرتطوا للعمل باملصلحة‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬أن تكون متفقة مع مقاصد الشرع اإلسالمي‪ ،‬وال تنايف أصال من أصوله‪.‬‬
‫‪ -‬أن تكون معقولة يف ذاهتا جرت على املناسبات اليت إذا عرضت على أهل العقول‬
‫تلقوها بالقبول‪.‬‬
‫‪ -‬أن يكون يف األخذ هبا رفع حرج الزم يف الدين‪.‬‬
‫‪ -‬مثال على ذلك‪ :‬السياسة الشرعية يف إصالح الراعي والرعية‪ ،‬البن تيمية؛ والطرق احلكمية‬ ‫‪2‬‬

‫يف السياسة الشرعية‪ ،‬البن قيم اجلوزية‪.‬‬


‫‪ -‬ابن حنبل‪ ،‬أبو زهرة‪ .‬ص ‪.268‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬إعالم املوقعني‪3/147 .‬؛ وابن حنبل‪ .‬ص ‪.283‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪91‬‬
‫وابن حنبل – باعتماده هذا األصل – قد خالف أستاذه الشافعي الذي نظر إىل‬
‫(‪)5‬‬
‫األحكام الظاهرة وإىل األفعال عند حدوثها‪ ،‬ومل ينظر إىل غاياهتا ومآالهتا‪.‬‬
‫‪ – 8‬األخذ باالستصحاب(‪:)2‬‬
‫أخذ ابن حنبل باالستصحاب أكثر من غريه؛ ألنه مل يتوسع يف األخذ بالقياس‬
‫واالستحسان‪..‬كما فعل غريه‪.‬‬
‫‪ – 9‬األخذ بالعرف‪:‬‬
‫كما أخذ بالعرف يف استنباطه الفقهي‪ .‬وقد ذكر ابن القيِّم أن العرف جرى‬
‫(‪)3‬‬
‫جمرى النطق يف أكثر من مائة موضع‪.‬‬
‫إن منهج اإلمام أمحد – يف االستنباط – وِإن ارتبط – ارتباطاً وثيقاً – باحلديث‬
‫والرواية‪ ،‬فإنه مل خيل من االعتماد على االجتهاد واستعمال الرأي‪.‬‬
‫وأما عنايته بالرواية واهتمامه باحلديث وعدم رغبته يف تدوين غريه‪ ،‬فإهنا اقتناعٌ‬
‫منه بأن اجلدير باحلفظ والنقل لألخالف هو علوم القرآن والسنة‪ .‬أما كالم الرجال‪،‬‬
‫فهو خاص بأزماهنم؛ ألنه عالج ملشاكل ختص عصرهم‪.‬‬

‫‪ -‬م‪.‬س‪ .‬ص ‪.292‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ -‬االستصحاب ‪ -‬يف اللغة ‪ :-‬اعتبار املصاحبة‪ .‬ويف اصطالح األصوليني‪ :‬ما ثبت يف الزمن‬ ‫‪2‬‬

‫املاضي‪ ،‬فاألصل بقاؤه يف الزمن املستقبل‪..‬ما مل يوجد غريه‪(.‬إرشاد الفحول‪ .‬ص‪)237‬؛ أو‬
‫عرفه األسنوي ‪ -‬تعريفاً أكثر دقةً ‪ -‬بقوله‪ «:‬استصحاب احلال وهو عبارة عن احلكم‬ ‫كما ّ‬
‫بثبوت أمر يف الزمان الثاين بناءً على ثبوته يف الزمان األول»‪ .‬هناية السول‪.4/358 .‬‬
‫‪ -‬إعالم املوقعني‪.2/322 .‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪92‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫االجتهاد بعد تكوين المدارس الفقهية‬
‫خصائص االجتهاد بعد القرن الرابع الهجري‪:‬‬
‫يتفق أغلب املؤرخني – للفقه اإلسالمي – على اعتبار القرن الرابع اهلجري‬
‫العصر الذهيب حلركة االجتهاد الفقهي‪ ،‬ألن املدارس الفقهية قد متيَّزت معاملها‬
‫واتضحت مناهجها‪ ،‬ووضع أصحاهبا مصنفات مجعت أصوهلم يف االستنباط‪،‬‬
‫واستوعبت ثروة ضخمة من اجتهاداهتم‪.‬‬
‫وإذا كان من السنن التارخيية أن يلي فرتة النضج والكمال بداية الضعف‬
‫والرتاجع؛ فإن االنتقال من عصر االجتهاد إىل التقليد واجلمود مل يكن انتقاالً فجائياً‪،‬‬
‫وإمنا تدرج عرب مراحل زمنية تطول أحياناً وتقصر أحياناً أخرى‪.‬‬
‫واإلشارة إىل ما أحاط بكل عصر من ظروف سياسية واجتماعية تسهم يف فهم‬
‫األوضاع اليت آلت إليها حركة االجتهاد‪ .‬فالسياسة ظلت عامالً مؤثراً يف الفقه‬
‫والفقهاء‪ ،‬واملدارس الفقهية اليت كتب لبعضها البقاء ومل يكتب لبعضها اآلخر‪.‬‬
‫إن ما ميَّز هذا الدور‪ ،‬االنقسام السياسي احلاد بني األقطار اإلسالمية وعدم‬
‫االستقرار داخل األنظمة السياسية نفسها‪ .‬فعمر الدول أصبح قصرياً؛ إذ – مع‬
‫إشراف الدولة العباسية على السقوط واالهنيار – برزت دويالت أخرى ورثت ما‬
‫كان للعباسيني من قوة ونفوذ‪ ،‬سواء – منها – من بقيت مرتبطة باخلالفة – امسياً –‬
‫وم ْن انفصلت عنها متاماً كما هو احلال بالنسبة لدولة بين أمية يف األندلس‪ ،‬والدولة‬
‫َ‬
‫الفاطمية يف الشمال اإلفريقي‪.‬‬
‫وال شك أن قيام دولة ِإ ْثَر دولة ال يوفر جو االستقرار الضروري لتطور احلركة‬
‫العلمية وازدهارها‪ ،‬وال حيقق حرية تنقل العلماء بني األقطار‪ ،‬وال حيافظ على‬
‫الصالت العلمية بينهم‪.‬‬
‫ث املتنافسني – غالباً – االهتمام بالسلطة‬‫ور َ‬
‫مثَّ إن الصراع – على احلكم – َّ‬
‫والنفوذ بدالً من االهتمام بالعلم والعلماء‪ .‬فتشجيع العلم ما كان يتم إال بالقدر الذي‬
‫خيدم هدف احلاكم‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫وعلى الرغم من تدهور األحوال السياسية‪ ،‬فإن املستوى العلمي مل ينحدر بنفس‬
‫سرعة االحندار السياسي؛ ولعل أهم ما يفسر هذه الظاهرة أن حركة االجتهاد قد‬
‫اكتسبت قو َة دف ٍع ذاتيةً بفضل اجلهود اهلائلة اليت بذهلا أئمة املدارس الفقهية أنفسهم‪،‬‬
‫وبإسهام تالميذهم النجباء الذين استطاعوا أن حيفظوا املذاهب بتحديد مناهج‬
‫االجتهاد وبتدوين الفقه – أصوالً وفروعاً ‪. -‬‬
‫وميكن القول بأن الثروة اهلائلة اليت ورثها عصر املدارس الفقهية – القرن الرابع‬
‫اهلجري – استهلكت قدراً كبرياً من طاقة العلماء‪ .‬وبدالً من أن تُبذل هذه الطاقة يف‬
‫االستمرار على هنج األئمة األعالم يف استخدام آليات االجتهاد مباشر ًة‪ ،‬فإهنا بذلت‬
‫يف فهم ما تركه األئمة – من إنتاج فقهي – وشرحه ومجعه وتبويبه‪.‬‬
‫وال شك أن يف هذا العمل خدمةً كبرية للفقه اإلسالمي‪ ،‬غري أهنا خدمة جاءت‬
‫َأس ِر التقليد‬
‫– مع مرور الزمن ‪ -‬على حساب حركة االجتهاد حىت وصل األمر إىل ْ‬
‫عد للتجديد واالبتكار‪ ،‬وإمنا يُعد لرواية‬‫احملض‪ ،‬يقول أمحد أمني‪ « :‬فاملنهج النقلي ال يُ َّ‬
‫فشل‬
‫اخللف عن السلف‪ ،‬وكلما تقدم الزمن زاد عبء السلف على أكتاف اخللف َّ‬
‫ابتكارهم »(‪.)1‬‬
‫وإذا كان من الواجب االعرتاف بأن االستقالل – يف االجتهاد – استقالالً تاماً‬
‫– بعد القرن الرابع – أضحى متعذراً‪ ،‬فإنه ينبغي مالحظة أن مرجع ذلك ليس إىل‬
‫ضعف يف القوى وامللكات‪ ،‬بل لكثرة الدراسات واتساع آفاقها يف املذهب‪ .‬إ ْذ ال‬
‫يكاد فقيه يأيت مبجموعة من األصول مل يسبقه إمام قبله‪ .‬فكان – طبعياً – االنتساب‬
‫(‪)2‬‬
‫إىل مذهب معنَّي مع حرية البحث واالجتهاد‪.‬‬
‫وعلى العموم‪ ،‬فإن االجتهاد – بعد القرن الرابع – احنصر يف دائرة املذاهب‬
‫املشهورة ال يتجاوزها‪ .‬ومتثل عمل الفقهاء يف‪:‬‬

‫‪ -‬ظهر اإلسالم‪ ،‬أمحد أمني‪.4/192 .‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ابن تيمية‪ ،‬حممد أبو زهرة‪ .‬القاهرة‪ ،‬دار الفكر العريب‪ .‬ص ‪.424‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪94‬‬
‫‪ – 1‬تعليل األحكام‪:‬‬
‫فتبلور االجتاهات الفقهية يف إطار مذاهب ذات مناهج خاصة يف االستنباط محل‬
‫املنتسبني ‪ -‬لكل مذهب – على استخالص علل األحكام هبدف القياس عليها فيما‬
‫مل يرد فيه نص‪.‬‬
‫وإذا كان الفقهاء أنفسهم قد ختتلف طرقهم يف استخراج علل األحكام‪ ،‬فإنه ال‬
‫َّ‬
‫بد وأن تظهر اختالفات يف التطبيق على الفروع‪ .‬وال خيفى أن االنتماء املذهيب‬
‫وشيوع اجلدل واملناظرات – بني أصحاب املذاهب – دعا كثرياً – من املشتغلني‬
‫بالفقه – إىل تتبع فتاوى أئمتهم‪ ،‬الستخالص أصوهلم وقواعدهم اليت يعتمدون عليها‬
‫يف االستنباط‪ ،‬ال سيما أن األئمة أنفسهم مل يصوغوا تلك القواعد كلها‪ ،‬ومل ينصوا‬
‫عليها بالتعيني‪ ،‬بل – كما يقول أحد املؤلفني املعاصرين ‪ « : -‬مل تصح هبا رواية‬
‫عنهم‪ ،‬وإمنا هي قواعد مستخرجة من كثري من الفروع‪ ،‬وعلى هذا أصول البزدوي‬
‫يف مذهب احلنفية‪ ،‬وقواعد القرايف وعياض وغريمها يف مذهب مالك »(‪ .)1‬وهذا مما‬
‫ساعد – كثرياً – على منو القياس وشيوعه بني أغلب املذاهب الفقهية‪.‬‬
‫‪ – 2‬الترجيح بين اآلراء‪:‬‬
‫وهو على نوعني‪:‬‬
‫أ – ترجيح الرواية‪ :‬ويتمثل يف تفضيل أوثق الروايات عن إمام املذهب‪ .‬فقد‬
‫يتعدد الرواة الذين يروون عن اإلمام وخيتلفون فقهاً وضبطاً‪ ،‬فكان من الضروري‬
‫ترجيح رواية أضبطهم وأفقههم‪ .‬كرتجيح األحناف روايات حممد بن احلسن الشيباين‬
‫(‪)2‬‬
‫على سائر األصحاب‪.‬‬

‫‪ -‬تاريخ التشريع اإلسالمي‪ ،‬للسبكي‪ .‬ص ‪.346‬‬ ‫‪1‬‬

‫كان األحناف أكثر من غريهم اشتغاالً بتعليل األحكام‪ .‬فهم أشهر من أخذ بالقياس؛ ألن كثرياً‬
‫عد األساس يف املذهب – خلت من التعليل‪ ،‬فدفعهم ذلك إىل استقراء‬ ‫من مصنفاهتم – اليت تُ ُّ‬
‫الفروع واستخراج العلل اليت يقوم عليها القياس‪.‬‬
‫‪ -‬تاريخ التشريع اإلسالمي‪ ،‬اخلضري‪ .‬ص ‪.246‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪95‬‬
‫ب – ترجيح الدراية‪ :‬ويتم بني الروايات الثابتة عن األئمة أنفسهم إذا اختلفت‪،‬‬
‫أو بني ما قاله اإلمام وما قاله األصحاب‪ .‬وال يكون هذا الرتجيح – طبعاً – إال من‬
‫فقيه عليم بأصول املذهب وقواعده‪ ،‬وعارف بطرق األئمة يف االستنباط‪.‬‬
‫‪ – 3‬االشتغال باختصار المصنفات الفقهية وشرحها‪:‬‬
‫إن كثرة املؤلفات الفقهية – يف القرن الرابع اهلجري – وانتشار املصنفات‬
‫الضخمة كان سبباً يف صعوبة احلفظ؛ لذلك اجته كثري من الفقهاء إىل االختصار‬
‫حد صارت معه‬ ‫ومجع الفروع جمردة عن أدلتها‪ .‬وقد بالغوا يف االختصار إىل ٍّ‬
‫العبارات أشبه ما تكون باأللغاز‪ .‬وقد دعا هذا إىل وضع شروح عليها وحواش‬
‫وتعليقات تزيل ما شاهبا من تعقيد‪ ،‬وتوضح ما لفها من غموض‪ .‬وال شك أن هذا‬
‫األسلوب ‪ -‬يف التعليم – يرهق العقول‪ ،‬ومييت امللكات؛ فيحمل املتعلم – عند تعذر‬
‫الفهم – على الركون إىل احلفظ اآليل حلشد املعلومات دون إدراك صحيح أو فهم‬
‫سليم‪.‬‬
‫لقد قامت فكرة االختصار على أساسني مهمني‪:‬‬
‫األول– تقليل األلفاظ لتيسري احلفظ‪.‬‬
‫الثاني – مجع شتات املسائل من أغلب كتب الفروع يف املذهب الواحد‪.‬‬
‫لكن املبالغة يف االختصار(‪ )1‬أضرت باملقصد من هذين األساسني‪ .‬والشُّراح(‪– )2‬‬
‫أنفسهم – مل يسلموا من أضرار االختصار حينما اختصر بعضهم لبعض‪.‬‬

‫‪ -‬مثال ذلك ‪" :‬املدونة"‪ ،‬وهي أشهر املصنفات يف الفقه املالكي‪ ،‬كانت األساس لكثري من‬ ‫‪1‬‬

‫املختصرات‪ ،‬أبرزها‪ :‬خمتصر ابن أيب زيد القريواين‪ ،‬الذي اختصر على يد الربادعي يف كتاب‬
‫"التهذيب" (الشهري باملدونة أيضاً)‪ .‬وقد اختُصر التهذيب –بدوره – على يد أيب عمرو بن‬
‫احلاجب يف أواسط القرن السابع اهلجري‪ .‬وخمتصر ابن احلاجب اختُصر – كذلك – يف القرن‬
‫خمتصر خمتص ِر املختص ِر‪ ،‬بتكرار اإلضافة ثالث‬
‫ُ‬ ‫الثامن وعُرف مبختصر خليل‪ .‬فمختصر خليل هو‬
‫مرات‪ .‬املقدمة‪ ،‬ابن خلدون‪ .‬ص ‪498‬؛ والفكر السامي‪ ،‬للحجوي‪.2/399 .‬‬
‫‪ -‬التزم الشراح بنقل عبارات املتقدمني حرفياً‪ ،‬مما أطال الشروح وأضاع الفقه احلقيقي بإهدار‬ ‫‪2‬‬

‫اجلهد والوقت يف حل املقفل وبيان الغامض‪ .‬الفكر السامي‪.2/400.‬‬

‫‪96‬‬
‫وقد ازداد األمر سوءاً مبرور الزمن ودخول القرن العاشر اهلجري‪ ،‬حيث قطعت‬
‫الصلة بذخائر مصنفات القرون األوىل‪ ،‬ودخل الفقه عهد التقليد احملض القائم على‬
‫أساس حكاية الشروح واحلواشي والتقريرات اليت أجنزها السلف‪.‬‬
‫‪ – 4‬االشتغال بالجدل والمناظرة‪:‬‬
‫مل يكن اجلدل غريباً عن الفقهاء يف القرون األوىل؛ فقد عرفوه منذ فرتة مبكرة‪،‬‬
‫لكنه كان يف دائرة حمدودة وضيِّقة‪ .‬أما املتكلمون‪ ،‬فكانوا األكثر اشتغاالً به‪ ،‬إال أن‬
‫ٍ‬
‫وصراعات‪ ،‬وأدى – أحياناً – إىل التكفري‬ ‫اجلدل يف القضايا الكالمية أثار فتناً‬
‫وسفك الدماء‪ .‬األمر الذي دعا احلكام إىل إغالق هذا الباب – بعد أن دخله كثري‬
‫منهم – وتوجيه اجلدل إىل قضايا الفقه؛ لكوهنا أهون خطباً من قضايا الكالم‪.‬‬
‫بيد أن املناظرات الفقهية – بعد القرن الرابع اهلجري – احنرفت عن مسارها‬
‫األول(‪)1‬؛ فقد كان اهلدف من التناظر – بدايةً – الوصول إىل احلق أينما كان ومع‬
‫من كان‪ ،‬مث حتول إىل رياء ومفاخرة أمام اخللفاء واألمراء‪ .‬لنيل احلظوة وحتقيق‬
‫ث املتنافسني حقداً‬
‫يور ُ‬
‫املكاسب‪ ،‬وال شك أن احلرص على حتقيق هذه األغراض ِّ‬
‫(‪)2‬‬
‫وحسداً‪ ،‬وجحوداً للحق‪.‬‬
‫وبشيوع التقليد انتشرت جمالس اجلدل والتناظر‪ ،‬حىت مل تكد ختل منها مدينة يف‬
‫العراق أو خراسان(‪ ،)3‬غري أنه قد نتج – عن احتدام املناقشات الفقهية(‪ ،)4‬وحتول‬
‫دوافعها من الرغبة يف معرفة علل األحكام أو استنباط قواعد الشرع إىل حب الغلبة‬
‫والتعصب للمذهب – أمران‪:‬‬

‫‪ -‬يقول أبو حامد اإلسفراييين – مصوراً خروج اجلدل واملناظرة عن اإلطار املوضوعي ‪ « :-‬ال‬ ‫‪1‬‬

‫تعلق كثرياً مما تسمع ميِّن يف جمالس اجلدل؛ فإن الكالم جيري فيها على ختل اخلصم ومغالطته‬
‫ودفعه ومغالبته‪ .‬فلسنا نتكلم لوجه اهلل خالصاً‪ .‬ولو أردنا ذلك لكان خطونا إىل الصمت أسرع‬
‫من تطاولنا يف الكالم‪ .‬وإ ْن كنَّا يف كثري من هذا نبوء بغضب اهلل‪ ،‬فإنَّا ‪ -‬مع ذلك ‪ -‬نطمع يف‬
‫سعة رمحته »‪ .‬طبقات الشافعية‪ ،‬للسبكي‪.4/62 .‬‬
‫‪ -‬الفكر السامي‪1/144 .‬؛ وتاريخ التشريع‪ ،‬للخضري‪ F.‬ص ‪248‬؛ وتاريخ التشريع‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫للسبكي‪ ،‬ص ‪.350‬‬


‫‪ -‬تاريخ اجلدل‪ ،‬أبو زهرة‪ .‬ص ‪.296‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬ال سيما بني احلنفية والشافعية‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪97‬‬
‫‪ – 1‬استقالل علم أدب البحث والمناظرة‪ ،‬أو علم اجلدل كما مسَّاه ابن‬
‫(‪) 1‬‬
‫خلدون‪.‬‬
‫‪ – 2‬تحول الخالف المذهبي إلى مخاصمات وعداوات‪ .‬ومل يقتصر اخلالف‬
‫على اخلاصة – من العلماء ‪ ،-‬بل ُأقحم فيه العوام‪ .‬والعوام – عاد ًة – ضيِّقو األفق‪،‬‬
‫قصريو النظر‪ ،‬عدميو التسامح؛ مما نتج عنه تناحر شديد‪ ،‬حىت وصل األمر ببعضهم إىل‬
‫عدم جتويز إمامة املخالف للمذهب‪.‬‬
‫ومع ذلك مل ختل العصور اليت أعقبت القرن الرابع اهلجري من نتاج فقهي مهم‬
‫– وِإ ْن كان نتاجاً مقيداً باملذهب‪ .‬وحسبنا أن معظم املصادر واملراجع الفقهية اليت‬
‫(‪)2‬‬
‫بني أيدينا – اليوم – من خمتلف املذاهب – هي من تأليف فقهاء هذه العصور‪.‬‬

‫‪ -‬ظهر اإلسالم‪4/194 .‬؛ وتاريخ اجلدل‪ ،‬أبو زهرة‪ .‬ص ‪.299‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬أ ‪ -‬من فقهاء المذهب الحنفي‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ – 1‬حممد بن أمحد السرخسي (ت‪490‬هـ) صاحب كتاب "املبسوط"‪ ،‬و"األصول"‪F..‬‬


‫‪ – 2‬مسعود بن أمحد الكاساين (ت‪587‬هـ) صاحب "البدائع"‪.‬‬
‫‪ – 3‬علي بن أيب بكر املرغيناين (ت ‪593‬هـ) صاحب كتاب "البداية" وشرحه "اهلداية"‪.‬‬
‫‪ – 4‬الكمال بن اهلمام السكندري (ت‪861‬هـ) صاحب كتاب "فتح القدير‪ ،‬شرح اهلداية"‪.‬‬
‫ب – ومن فقهاء المذهب المالكي‪:‬‬
‫‪ -1‬أبو الوليد حممد بن أمحد‪ ،‬بن رشد القرطيب (اجلد) (ت‪520‬هـ) صاحب "املقدمات"‪F،‬‬
‫و"البيان والتحصيل"‪.‬‬
‫‪ – 2‬أبو بكر حممد بن عبد اهلل املعروف بابن العريب (ت ‪543‬هـ)‪ .‬وله كتاب‪" :‬أحكام‬
‫القرآن"‪F.‬‬
‫‪ – 3‬حممد بن أمحد بن رشد القرطيب (احلفيد) (ت ‪595‬هـ)‪ .‬وله "بداية اجملتهد وهناية املقصد"‪.‬‬
‫‪ – 4‬شهاب الدين أبو العباس أمحد القرايف (ت‪684‬هـ) صاحب "الفروق"‪ ، F‬و"الذخرية"‪،‬‬
‫و"تنقيح الفصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــول"‪=.‬‬
‫= ج – ومن فقهاء المذهب الشافعي‪:‬‬
‫‪ – 1‬حممد بن حممد الغزايل (ت‪505‬هـ)‪ ،‬مصنف "املستصفى من علم األصول"‪ ،‬واملنخول"‪،‬‬
‫و"الوجيز يف الفقه"‪...‬‬
‫‪ – 2‬حميي الدين أبو زكريا بن شرف النووي(‪676‬هـ) صاحب كتاب"الروضة"‪ ،‬و"اجملموع‬
‫شرح املهذب"‪F..‬‬

‫‪98‬‬
‫‪ – 3‬أمحد بن حممد بن علي بن حجر (ت‪995‬هـ) وله "حتفة احملتاج شرح املنهاج"‪.‬‬
‫د – ومن فقهاء المذهب الحنبلي‪:‬‬
‫‪ – 1‬أبو القاسم عمر بن احلسني اخلرقي(ت‪334‬هـ)‪ ،‬وأشهر مصنفاته‪" :‬خمتصر اخلرقي"‪.‬‬
‫‪ – 2‬أبو حممد موفق الدين املقدسي(ت‪620‬هـ) صاحب "املغين" وهو شرح "خمتصر اخلرقي"‪.‬‬
‫‪ – 3‬أمحد بن عبد احلليم أبو العباس بن تيمية (ت ‪728‬هـ) صاحب املؤلفات املوسوعية‬
‫كـ"الفتاوى"‪ ،‬و"منهاج السنة النبوية"‪F..‬‬
‫‪ – 4‬حممد بن قيم اجلوزية (ت ‪751‬هـ) صاحب "إعالم املوقعني عن رب العاملني"‪ ،‬و"زاد‬
‫املعاد"‪ ،‬و"الطرق احلكمية"‪F...‬‬
‫ومن غير المذاهب األربعة المشهورة‪:‬‬
‫‪ -‬أبو حممد علي بن حزم (ت‪456‬هـ)‪ ،‬وله كتاب "احمللى يف الفقه"‪ F،‬و"إحكام األحكام يف‬
‫أصول الفقه"‪...‬‬

‫‪99‬‬
‫المبحث الرابع‬
‫حركة االجتهاد في القرون المتأخرة‬
‫أسهمت الظروف ‪ -‬السالف بياهنا ‪ -‬يف تثبيط حركة االجتهاد‪ ،‬حىت وصل األمر‬
‫إىل سيطرة التقليد احملض‪.‬‬
‫وميكن تلخيص أهم العوامل التي رسخت التقليد – جبانب ما ذُكر – فيما‬
‫يلي‪:‬‬
‫‪ – 1‬القضاء‪:‬‬
‫ارتبط القضاء – ابتداءً – باالجتهاد ارتباطاً وثيقاً‪ ،‬لكن ضعف الوازع الديين‬
‫هز ثقة العامة هبم؛ مما حتتم معه إلزام القاضي‬
‫لدى القضاة‪ ،‬وعبث بعضهم باألحكام َّ‬
‫بأحكام معروفة‪ ،‬وخباصة بعد انتشار املذاهب وتدوينها‪ .‬فرغب أهل كل إقليم يف‬
‫التحاكم إىل ما شاع بينهم من أحكام مذهبهم‪ ،‬حىت يقطعوا الطريق على القضاة يف‬
‫التالعب‪ F‬باألحكام‪.‬‬
‫‪ – 2‬المذهبية‪:‬‬
‫قام أنصار املذاهب بدعاية قوية ملذاهبهم‪ .‬وأسهم ارتباط بعض التالميذ باحلكام‬
‫يف نشر مذاهب دون أخرى‪ .‬ومبرور الزمن أصبح من غري املمكن – ألي جمتهد –‬
‫أن يصرح باالجتهاد دون أن يتعرض إىل اهلجوم من األتباع املقلدين ملا اشتهر من‬
‫املذاهب‪.‬‬
‫‪ – 3‬التدوين‪:‬‬
‫رسخ وجودها وساعد على جناحها‪ ،‬ودفع اجلمهور إىل‬ ‫إن تدوين املذاهب قد َّ‬
‫األخذ هبا واالعتماد عليها‪ .‬واالكتفاء باملوجود يصرف – غالباً – عن تكلف البحث‬
‫والتنقيب‪.‬‬
‫لقد سار التقليد موازياً للحياة السياسية واالجتماعية والعلمية يف العامل اإلسالمي‪.‬‬
‫ب فيها العلم‬ ‫ِ‬
‫وهي حياة مشحونة باالضطرابات والفنت يف كثري من فرتاهتا‪ ،‬نُك َ‬
‫والعلماء‪ ،‬وضعفت فيها اهلمم والعزائم‪ .‬وبدل أن تستمر حركة االجتهاد يف مسارها‬
‫الطبيعي حنو الرقي‪ ،‬اضطر العلماء إىل بذل اجلهود العظيمة للحفاظ على القدمي‪ ،‬حىت‬

‫‪100‬‬
‫شاعت عبارة «قفل باب االجتهاد»‪ ،‬مع أن بابه مفتوح يف كل األزمان‪ ،‬لكن ملن‬
‫ملك شرائطه وحاز مؤهالته‪.‬‬
‫والذي أراه أن جمرد احلفاظ على القدمي أمر حممود يف ظل ظروف االهنيار‬
‫السياسي والتخلخل االجتماعي‪.‬‬
‫لقد خلَّدت عصور االجتهاد مؤلفات مبتكرةً هي صورة صادقة ملا راج فيها من‬
‫ذات‬ ‫ٍ‬
‫نشاط فكري وإبداع منهجي‪ .‬أما عصور التقليد فقد تركت مصنفات فقهيةً َ‬
‫طاب ٍع موسوعي‪ ،‬وهذا أمر طبعي‪ .‬إذ العمل املوسوعي أساسه مجع املتفرق‪ ،‬وهو‬
‫جد وصرب(‪ )1‬أكثر من حاجته إىل عقل مبدع‪.‬‬ ‫حمتاج إىل ٍّ‬
‫وعلى الرغم من استحكام اجلمود الفقهي‪ ،‬فقد قامت حماوالت إلصالح أحوال‬
‫الفقه والثورة على منهج الفقهاء الذين استمسكوا بالفروع وقطعوا الصلة باألصول‪.‬‬

‫‪ -‬ظهر اإلسالم‪.4/195 .‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪101‬‬
‫وأبرز مثال على ذلك ما قام به املوحدون(‪ )1‬من مناهضة للفقهاء ولالجتهاد‬
‫بالرأي عموماً‪ ،‬داعني للرجوع إىل الكتاب والسنة والعمل بظاهر نصوصهما‪.‬‬
‫غري أن دعوهتم مل تكن دعو ًة سلميةً جمرد ًة عن اإلكراه‪ .‬بل صاحبها محل الناس‬
‫وحرقت كتب الفروع‪ .‬وأوقعت احملن بالفقهاء‬ ‫على ترك االشتغال بالفروع الفقهية‪ُ ،‬‬
‫سجناً وضرباً وقتالً‪.‬‬
‫وال شك أن ما يُفرض باإلكراه – ال سيما يف جمال العلم – فإن النفوس – عادةً‬
‫– تأباه وال تتقبله‪ .‬ولو أن املوحدين دعوا إىل منهجهم حبكمة‪ ،‬وجتردوا من أهواء‬
‫السياسة وأغراضها‪ ،‬ومل يضيقوا مبناهج خمالفيهم ألمكنهم أن يضعوا أرجلهم –‬
‫بثبات – يف طريق االجتهاد املستقيم‪.‬‬
‫لكن اإليغال يف العداوة والتطرف يف اخلصومة يضيِّ ُق اآلفاق‪ ،‬ويعيق الرؤية‬
‫السليمة الواضحة‪ .‬وهذا ما حصل للموحدين؛ فمعاداهتم الشديدة ألهل الرأي ‪ -‬يف‬

‫‪ -‬قامت دولة املوحدين سنة(‪515‬هـ‪1121/‬م) واستمرت إىل سنة(‪674‬هـ‪1275/‬م)‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫كوهنا حممد بن تومرت املهدي باملغرب األقصى‪ .‬وترجع‬ ‫وتُنسب هذه الدولة إىل اجلماعة اليت َّ‬
‫كلمة "املوحدين" إىل قوهلم بأن اهلل تعاىل وحده ال ميكن أن تتصوره احملسوسات‪ ،‬فهو فوق كل‬
‫تشبيه‪ .‬تويف ابن تومرت بعد أن وضع أسس هذه الدولة وأوصى باخلالفة – من بعده – لقائده‬
‫عبد املؤمن بن علي‪ .‬وقد امتازت الفرتة األوىل من حكم املوحدين بتقدم حضاري عظيم يف جمال‬
‫العمارة والثقافة‪ .‬كان اإلصالح الذي دعا إليه ابن تومرت يف ميدان العقيدة ثورة حقيقية ضد‬
‫املعتقدات السارية آنذاك يف املغرب‪ .‬ألنه أدى إىل إعالن اجلهاد على املرابطني أصحاب السلطة‬
‫آنذاك والذين اعتُربوا مسؤولني عنها‪.‬‬
‫وخالصة منهجهم اإلصالحي يف الفقه هو إحالل املنهج العقلي لتقرير األمور الشرعية بالدراسة‬
‫املباشرة لـ"ـألصول" (القرآن واحلديث) حمل املنهج املتبع – آنذاك – يف الشمال اإلفريقي‬
‫واألندلس‪ ،‬وهو دراسة املسائل الفقهية وفق املذهب املالكي‪.‬‬
‫املعجب يف تلخيص أخبار املغرب‪ ،‬املراكشي‪ ،‬عبد الواحد بن علي التميمي‪ .‬ت‪ :‬حممد سعيد‬
‫العريان‪ .‬مصر‪ ،‬مكتبة الثقافة الدينية‪ .‬ص ‪ 245‬وما بعدها؛ واملوسوعة العربية العاملية‪ ،‬مؤسسة‬
‫أعمال املوسوعة‪ .‬الرياض‪ .‬ط‪1419( .2 :‬هـ‪1999/‬م)‪24/371 .‬؛ والفرق اإلسالمية يف‬
‫الشمال اإلفريقي‪ ،‬ألفرد بل‪ ،‬تر‪ :‬عبد الرمحن بدوي‪ .‬بريوت‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ .‬ط‪= . 3 :‬‬
‫=‪1987‬م‪ .‬ص ‪ 247‬وما بعدها؛ وابن تومرت‪ ،‬عبد اجمليد النجار‪ .‬بريوت‪ ،‬دار الغرب‬
‫اإلسالمي‪ .‬ط‪1403( .1 :‬هـ‪1983/‬م)؛ وأغلب مراجع تاريخ املغرب يف فرتة املوحدين‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫الفقه – جعلتهم يقفون عند ظواهر النصوص ال يتجاوزوهنا‪ ،‬حىت أصبح االجتهاد –‬
‫عندهم – هو إبدال الرأي مبذهب الظاهرية الذي مل يستحسنه اجلمهور وعدَّه مجوداً‪.‬‬
‫والواقع أن من أهم الدوافع اليت محلت املوحدين على نصرة منهجهم الظاهري‬
‫هو االنتقام من الفقهاء املالكية الذين عظُم شأهنم أيام املرابطني‪ ،‬وحققوا – من‬
‫(‪) 1‬‬
‫املكاسب والنفوذ – ما جعلهم مثار نقمة أعدائهم‪.‬‬

‫‪ -‬املعجب يف تلخيص أخبار املغرب‪ .‬ص ‪236-235‬؛ والفكر السامي‪2/172 .‬؛ وجتربة‬ ‫‪1‬‬

‫اإلصالح يف حركة املهدي بن تومرت‪ ،‬عبد اجمليد النجار‪ .‬فريجينيا‪ ،‬املعهد العاملي للفكر‬
‫اإلسالمي‪ .‬ط‪1404( .2 :‬هـ‪1984/‬م)‪ .‬ص ‪.88-83‬‬

‫‪103‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫علم أصول الفقه وتطوره التاريخي‬

‫المبحث األول‬
‫أصول الفقه‬
‫وجهود اإلمام الشافعي‬

‫معرفة أحكام الشرع معرفةً صحيحةً عمليةٌ دقيقةٌ تتطلب منهجاً سليماً وواضحاً‪.‬‬
‫والثابت أنه مل تكن مثة حاجة إىل توضيح هذا املنهاج حبضرة الرسول صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬لقيامه باإلبالغ والبيان حتقيقا لقوله تعاىل‪َ  :‬وَأ ْن َز ْلنَا ِإلَ ْيكَ ِّ‬
‫الذ ْك َر لِتُبَيِّ َن‬
‫س َما نُ ِّز َل ِإلَ ْي ِه ْم َولَ َعلَّ ُه ْم يَتَفَ َّك ُر َ‬
‫ون ‪.)1( ‬‬ ‫لِلنَّا ِ‬
‫وقد ثبت أنه صلى اهلل عليه وسلم كان يبني – مبا يوحى إليه – األحكام‬
‫والتكاليف‪ .‬ومع أنه كان مستغنياً بالوحي عن االجتهاد‪ ،‬فإنه صلى اهلل عليه وسلم‬
‫اجتهد‪ ،‬وأذن لصحابته الكرام باالجتهاد‪ ،‬تعليماً هلم وملن يأيت بعدهم طرق االستنباط‬
‫وأساليبه وضوابطه‪ ،‬ولكن دون صياغة قانونية هلذه الضوابط؛ العتماد الصحابة –‬
‫رضوان اهلل تعاىل عنهم – على السليقة العربية وعلى معرفة ظروف التنـزيل وفهم‬
‫أسرار التشريع‪.‬‬
‫قوانني؛ ألن الكالم كان ملكةً ألهله(‪،)2‬‬
‫فلم تكن قواعد الفقه وأصوله علوماً وال َ‬
‫يقول ابن خلدون‪ « :‬واعلم أن هذا الفن من الفنون املستحدثة يف امللة‪ ،‬وكان السلف‬
‫يف غنية عنه مبا أن استفادة املعاين من األلفاظ ال حيتاج فيه إىل أزيد مما عندهم من‬
‫امللكة اللسانية‪ .‬وأما القوانني اليت حيتاج إليها يف استفادة األحكام خصوصا‪ ،‬فمنهم‬

‫‪ -‬النحل ‪.44‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬أجبد العلوم‪.2/75 .‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪104‬‬
‫ُأخذ معظمها‪ ،‬وأما األسانيد فلم يكونوا حيتاجون إىل النظر فيها لقرب العصر‬
‫وممارسة النقلة وخربهتم هبم »(‪.)1‬‬
‫لكن تطور العامل اإلسالمي واتساع رقعته ومنو جمتمعاته وامتزاج أقوامه‪ ،‬كان من‬
‫بني نتائجه ضعف امللكة يف لسان العرب وفسادها؛ مما محل أهل االختصاص على‬
‫وضع ضوابط تكون موازين للفهم واالستنباط‪ ،‬وتعصم املستنبط من الزلل‬
‫واالحنراف(‪ ،)2‬وهذا ما مهد لدخول االجتهاد إىل الطور العلمي القائم على طرق‬
‫ومناهج واحملكوم بأسس وقواعد‪.‬‬
‫وضع علم األصول‪:‬‬
‫الواقع أن علماء اإلسالم وفقهاءه حبثوا يف املسائل الفقهية العملية قبل اخلوض يف‬
‫املسائل االعتقادية النظرية‪ ،‬ويبعد أن يوجد حبث يف قضايا الشريعة وأحكامها دون‬
‫موازين ضابطة وقواعد منظمة‪.‬‬
‫فالصحابة الكرام وإن مل يصرحوا بقواعد االجتهاد‪ ،‬فإهنم كانوا يلتزمون منهاجاً‬
‫أصولياً حمدداً ‪ -‬أثناء االستنباط ‪ -‬سواء يف فهم النصوص وتفسريها أو يف البحث‬
‫(‪)3‬‬
‫وإعمال فك ٍر‪.‬‬
‫َ‬ ‫عما مل يرد فيه نص وكان مثار ٍ‬
‫جدل‬ ‫َ‬
‫‪ -‬املقدمة‪ .‬ص ‪.503‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬تفسري النصوص يف الفقه اإلسالمي‪ ،‬حممد أديب صاحل‪ .‬دمشق ‪ ،‬جامعة دمشق‪ .‬ط‪( .1:‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪1384‬هـ‪1964/‬م)‪ .‬ص ‪.49‬‬


‫‪ -‬عند استعراض اجتهادات الصحابة – رضوان اهلل عليهم – يتضح التزامهم جبملة من القواعد‬ ‫‪3‬‬

‫واألصول؛ إذ أن أول ما كانوا يلجأون إليه فيما كان يواجههم من وقائع آيات القرآن الكرمي‪،‬‬
‫فنصوص السنة النبوية الشريفة مع احتياط شديد يف قبول األخبار‪ ،‬كشأن أيب بكر الصديق –‬
‫رضي اهلل عنه ‪ -‬مع اجلدة اليت جاءت تسأل عن مرياثها ( يرجع إىل مبحث اجتهاد الصحابة يف‬
‫الفصل األول من البحث)؛ وكاجتهاد عمر – رضي اهلل عنه ‪ -‬يف مسألة تقسيم سواد العراق‪،‬‬
‫وكاجتهاد علي – كرم اهلل وجهه – يف عقوبة شارب اخلمر‪ ،‬حيث مل يرد ٌّ‬
‫حد معني هلذه العقوبة‪،‬‬
‫وإمنا الذي ورد مطلق الضرب فقط‪ .‬فقد جلد الصحابة أربعني‪ ،‬وستني‪ ،‬ومثانني‪ ،‬لكن عندما‬
‫استهان قوم بالعقوبة واهنمكوا يف الشراب‪ ،‬أشار اإلمام علي على عمر – رضي اهلل عنهما –‬
‫جبلده مثانني جلدة قياسا على حد الفرية ‪ ،‬حيث قال‪ « :‬نرى أن جتلده مثانني‪ ،‬فإنه إذا شرب‬
‫سكر‪ ،‬وإذا سكر هذى‪ ،‬وإذا هذى افرتى »‪ ،‬فقد سار اإلمام علي – كرم اهلل وجهه – على‬
‫منهاج احلكم باملآل واحلكم بالذرائع‪ .‬بداية اجملتهد‪ -‬كتاب القذف(باب شرب اخلمر) ‪6/149‬؛‬

‫‪105‬‬
‫مث جاء بعدهم التابعون الذين توسعوا يف االستنباط مستخدمني األسس نفسها‪.‬‬
‫ومع اتساع دائرة احلوادث وتنوعها أخذ التمييز بني املدارس الفقهية يأخذ شكالً‬
‫أكثر وضوحاً‪.‬‬
‫لكن تباين اجتاهات املستنبطني‪ ،‬وعدم وجود قواعد ضابطة مدونة أديا إىل ظهور‬
‫اختالفات اتسعت دائرهتا مبرور الزمن‪ .‬فكان من الطبيعي انبثاق مالمح متميزة‬
‫لالجتهاد املنضبط تؤسس لعلم جديد يف فلسفة التشريع اإلسالمي ومناهجه‪.‬‬
‫ولعل واصل بن عطاء(‪ )1‬أول من ميّز هذه املالمح‪ ،‬وحدد معامل هذا العلم ووضع‬
‫أسسه – كما تقول املصادر – فقد ورد يف كتاب "األوائل" أليب هالل العسكري‬
‫أن‪ « :‬كل أصل جنده يف أيدي العلماء يف الكالم يف األحكام‪ ،‬فإمنا هو منه‪ .‬وهو أول‬
‫من قال‪ :‬احلق يُعرف من وجوه أربعة‪ :‬كتاب ناطق‪ ،‬وخرب جممع عليه‪ ،‬وحجة عقل‬
‫أو إمجاع من األمة‪ ،‬وأول من علم الناس كيف جميء األخبار وصحتها وفسادها‪،‬‬
‫وأول من قال‪ :‬اخلرب خربان‪ :‬خاص وعام‪ ،..‬وأول من قال‪ :‬النسخ يكون يف األمر‬
‫والنهي دون األخبار »(‪.)2‬‬
‫إال أن هذا الرأي من أيب هالل العسكري مردود‪ ،‬فإن اإلمام الباقر(‪ )3‬أول مـن‬
‫ونيل األوطار شرح منتقى األخبار‪ ،‬الشوكاين‪ ،‬حممد بن علي‪ .‬القاهرة‪ ،‬مكتبة البايب احلليب‪ .‬ط‪:‬‬
‫‪7/157‬؛ وإعالم املوقعني ‪1/80‬؛ وسبل السالم شرح بلوغ املرام‪ ،‬الصنعاين‪،‬‬ ‫(األخرية) ‪.‬‬
‫حممد بن إمساعيل‪ .‬بريوت ‪ ،‬دار اجليل‪.4/1313 .‬‬
‫‪ -‬أبو حذيفة الغزال واصل بن عطاء (‪131 – 80‬هـ)‪ُ :‬ولد باملدينة ونشأ بالبصرة‪ .‬رأس املعتزلة‬ ‫‪1‬‬

‫ومن أئمة البلغاء واملتكلمني‪ ،‬مُس ي أصحابه باملعتزلة – على الراجح ‪ -‬العتزاله حلقة درس احلسن‬
‫البصري‪ .‬ومنهم طائفة تُنسب إليه تسمى «الواصلية»‪ ،‬وهو الذي نشر مذهب االعتزال يف اآلفاق‪.‬‬
‫له تصانيف منها‪« :‬أصناف املرجئة»‪ ،‬و«املنـزلة بني املنـزلتني»‪ ،‬و«معاين القرآن»‪ . ...،‬وفيات‬
‫األعيان‪ ،‬ابن خلكان‪ ،‬أبو العباس أمحد‪ .‬ت‪ :‬إحسان عباس‪ .‬بريوت‪ ،‬دار الثقافة‪6/7 .‬؛ وشذرات‬
‫الذهب ‪1/182‬؛ وموسوعة امللل والنحل ص ‪22‬؛ واألعالم‪ ،‬خري الدين الزركلي‪ .‬بريوت‪ ،‬دار‬
‫العلم للماليني‪ .‬ط‪1984( .6:‬م)‪.8/108 .‬‬
‫‪ -‬ص ‪.377‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬اإلمام الباقر‪ :‬هو أبو جعفر حممد بن زين العابدين علي بن احلسني امللقب بالباقر (‪-57‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪114‬هـ)‪ :‬أحد األئمة االثين عشر يف اعتقاد اإلمامية‪ ،‬وهو والد جعفر الصادق‪ .‬كان الباقر عاملاً‬
‫سيِّداً كبرياً‪ ،‬وإمنا قيل له الباقر؛ ألنه تبقر يف العلم‪ ،‬أي توسع‪ .‬تلقى عنه أخوه وأبو حنيفة‪ .‬كان=‬

‫‪106‬‬
‫ضبط األصول وأمالها على تالميذه(‪ ،)1‬وجاء من بعده ابنه اإلمام الصادق(‪ ،)2‬فأملى‬
‫ضوابط االستنباط متبعاً منهج أبيه(‪ ،)3‬مما جعل الشيعة ينسبون إليهما تأسيس علم‬
‫األصول‪ .‬وقد ذكر أبو زهرة أنه ال اعرتاض على هذه النسبة‪ ،‬ولكن الذي مل يثبت‬
‫ومل يدعه أحد ‪ -‬حىت من الشيعة أنفسهم ‪ ،-‬هو إفرادهم األصول بالتصنيف‪ ،‬فكل‬
‫ما ادعوه أن اإلمامني أمليا قواعده‪ ،‬وعلى ذلك تكون نسبة هذه القواعد إىل اإلمامني‬
‫كنسبة احلنفية يف أصوهلم أقواال ألئمة املذهب احلنفي يف األصول‪ ،‬وهذا ال ينقص –‬
‫أبداً – من قيمة جهودمها؛ فقد أمليا القواعد‪ ،‬وجاء بعدهم من تناوهلا بالرتتيب‬
‫والتبويب؛ إذ كان الزمن ‪ -‬آنئذ ‪ -‬ينحو يف اجلملة إىل ناحية مالحظة املناهج؛‬
‫(‪)4‬‬
‫ولذلك متيزت املدارس الفقهية يف مناهجها‪.‬‬
‫لقد تنازع أصحاب املذاهب الفقهية املختلفة َّأولِيَّةَ االشتغال باألصول والتصنيف‬
‫فيه‪ ،‬فاحلنفية يذهبون إىل أن اإلمام أبا حنيفة له الفضل يف بيان طرق االستنباط‪ ،‬وأن‬
‫أبا يوسف قد صنف بالفعل كتابا يف األصول يُعد فاحتة املؤلفات فيه على مذهب‬
‫اإلمام أيب حنيفة(‪ ،)5‬وأن حممد بن احلسن الشيباين أيضا له كتاب يف الفن نفسه ويف‬
‫(‪) 6‬‬
‫االجتهاد بالرأي واالستحسان‪.‬‬
‫=بيته مقصد العلماء‪ ،‬ومل يعرف أنه خاض يف السياسة‪ .‬وفيات األعيان ‪4/174‬؛ وحلية األولياء‬
‫(ترمجة رقم ‪.3/180 )241‬‬
‫‪ -‬كما ذهب إىل ذلك الشيعة‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬اإلمام الصادق‪ :‬هو جعفر بن حممد الباقر بن علي زين العابدين بن احلسني السبط‪ ،‬أبو عبد اهلل‬ ‫‪2‬‬

‫امللقب بالصادق (‪148-80‬هـ)‪ :‬سادس األئمة االثين عشر عند اإلمامية‪ .‬كان من أجالء التابعني‪،‬‬
‫ولـه منزلة رفيعة يف العلم‪ .‬أخذ عنه مجاعة‪ ،‬منهم‪ :‬أبو حنيفة ومالك‪ ،‬وتلقى عليه رواية احلديث‬
‫طائفة كبرية من التابعني‪ .‬درس علم الكالم حىت إن املعتزلة يعتربونه من أئمتهم‪ .‬وفيات األعيان‬
‫‪1/327‬؛ وحلية األولياء ‪3/192‬؛ واألعالم ‪2/126‬؛ واإلمام الصادق أليب زهرة‪.‬‬
‫‪ -‬أصول الفقه‪ ،‬أبو زهرة‪ .‬ص ‪.15‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬م‪.‬س‪ .‬ص ‪.16‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪« -‬مناقب اإلمام األعظم» للموفق املكي‪ )2/245( .‬نقال عن‪ :‬متهيد لتاريخ الفلسفة‪ ،‬مصطفى‬ ‫‪5‬‬

‫عبد الرزا ق‪ .‬مصر‪ ،‬مطبعة جلنة التأليف والرتمجة‪1362( .‬هـ‪1944/‬م) ‪ .‬ص ‪. 235‬‬
‫‪ -‬الفهرست‪ ،‬الندمي‪ ،‬أبو الفرج حممد‪ .‬ت‪ :‬رضا جتدد‪ .‬طهران‪( .‬د‪.‬ن) (د‪.‬ت)‪ F.‬ترمجة حممد بن‬ ‫‪6‬‬

‫احلسن الشيباين‪ .‬ص ‪.263-257‬‬

‫‪107‬‬
‫غري أن ادعاء أولية الصاحبني – أيب يوسف وحممد بن احلسن ‪ -‬يف التصنيف‬
‫األصويل رمبا قُصد به أصول فقه أيب حنيفة‪ ،‬أي املسائل اليت أشار اإلمام بإثباهتا بعد‬
‫مشاورة أصحابه(‪ ،)1‬ورمبا قصد به جمموع الفتاوى اليت اتفق عليها اإلمام وأصحابه‬
‫وليس أصول الفقه‪ ،‬ويرجح هذا عبارة صاحب الفهرست عند استعراضه ملصنفات‬
‫أيب يوسف وابن احلسن‪ ،‬فقد قال ما نصه‪ « :‬وأليب يوسف – من الكتب يف األصول‬
‫واألمايل – كتاب الصالة وكتاب الزكاة‪ « ،»..‬وحملمد من الكتب يف األصول‬
‫كتاب الصالة وكتاب الزكاة‪.)2( »..‬‬
‫فعبارة صاحب الفهرست تشري إىل أن املقصود من املصنفات مصنفات يف الفقه‬
‫وليس يف أصوله(‪.)3‬‬
‫من الثابت أن هؤالء األئمة مل يعدموا مناهج يالحظوهنا يف استنباطاهتم‪ .‬والراجح‬
‫– كما تشري الروايات – أهنم أملوا جمموعة من املباحث األصولية على تالميذهم(‪.)4‬‬
‫لكن أول حماولة منظمة وصرحية لوضع األصول يف إطار علمي ما قام به اإلمام‬
‫الشافعي من خالل رسالته الشهرية اليت ضبطت مصطلحات األصول و مباحثــه‬
‫الرئيسة(‪.)5‬ومل يكتف اإلمام الشافعي – يف تناوله ملا وصل إليه من منهج يف‬
‫االستنباط‪ -‬بالتحليل الدقيق والعرض املنظم – مع أنه عمل عظيم حقق خدمةً جليلةً‬
‫‪ -‬الفكر األصويل‪ ،‬عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان‪ .‬جدة‪ ،‬دار الشروق‪ .‬ط‪1414( .2 :‬هـ‪/‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪1984‬م)‪ .‬ص ‪.62‬‬


‫‪ -‬الفهرست‪ .‬ص ‪.236-235‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ومما يؤكد هذه اإلشارة ويقويها ما نقله ابن عابدين يف رسالته املسماة "العلم الظاهر يف نفع‬ ‫‪3‬‬

‫النسب الطاهر"‪ « :‬مث هذه املسائل اليت تسمى ظاهر الرواية واألصول هي ما وجد يف كتب حممد‬
‫اليت هي املبسوط‪ ،‬والزيادات‪ ،‬واجلامع الصغري‪ ،‬والسري الصغري‪ ،‬واجلامع الكبري‪ ،‬وإمنا مسيت بظاهر‬
‫الرواية ألهنا رويت عن محاد برواية الثقاة ‪ ،‬فهي ثابتة عنه‪ ،‬إما متواترة عنه‪ ،‬أو مشهورة عنه »‪.‬‬
‫الفكر األصويل‪ ،‬عبد الوهاب أبو سليمان‪ .‬ص ‪.61‬‬
‫‪ -‬اإلمام الصادق‪ ،‬أبو زهرة‪ .‬ص ‪.213-210‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬صحيح أن مفاهيم بعض هذه املصطلحات كان مما يرد على ألسنة بعض الصحابة‪ ،‬وأن معظم‬ ‫‪5‬‬

‫القوانني اليت حيتاج إليها يف استفادة األحكام قد أخذت عنهم‪ ،‬لكن الصياغة العلمية الدقيقة لعناصر‬
‫هذا العلم يعود الفضل فيها إىل اإلمام الشافعي – رمحه اهلل – قال اإلمام أمحد بن حنبل‪ « :‬مل نكن‬
‫نعرف العموم واخلصوص حىت ورد الشافعي »‪ .‬البحر احمليط يف أصول الفقه‪ ،‬الزركشي ‪.1/7 .‬‬

‫‪108‬‬
‫– وإمنا أضاف أحباثاً مهمةً‪ ،‬يف مقدمتها‪ :‬مباحث البيان – اليت أضحت ضرورية بعد‬
‫فساد امللكة اللسانية – وأكمل مباحث أخرى معتمداً – يف ذلك كله – إقامة فروع‬
‫املذهب على األصول‪.‬‬
‫ولكن كيف تأهل الشافعي إلجناز هذا العمل العلمي املتميز حىت دان له‬
‫األصوليون بالفضل فيه؟‬
‫إن الذي أهله هلذا العمل العظيم ما حباه اهلل به من قدرات عقلية وإمكانات‬
‫من به عليه من بيئة ثقافية وتكوين علمي راسخ؛ فقد‬ ‫ذهنية وملكة لسانية‪ ،‬وما َّ‬
‫اجتمعت هلذا اإلمام من مواهب العقل وقوة البيان وسعة االطالع ما أهله ليكون‬
‫رائداً يف علم يتطلب عقال قويا ينفذ إىل دقائق األمور وحييط بكلياهتا‪.‬‬
‫لقد رزق الشافعي صفاء ذهن وقوة حفظ استطاع – هبما – أن يستوعب كالم‬
‫العرب يف وقت مبكر؛ فقد انتقلت به أمه من مسقط رأسه بغزة إىل احلجاز‪ ،‬فنشأ يف‬
‫قبيلة هذيل – وهم أفصح العرب – مالزما أهلها يف حلهم وترحاهلم‪ ،‬متكلما‬
‫لساهنم‪ ،‬ومنشداً أشعارهم‪ ،‬ومتعلماً أيام العرب وآداهبم(‪ ،)1‬مما جعله يتمكن من لغة‬
‫مر يب حرف إال‬ ‫القرآن‪ ،‬فقد ُروي عنه قولـه‪... « :‬وحفظت القرآن‪ ،‬فما علمت أنه َّ‬
‫وقد علمت املعىن فيه واملراد ما خال حرفني »(‪.)2‬‬
‫وهذه اإلحاطة الدقيقة – باللسان العريب – أهلته ألن يعد يف صفوف كبار علماء‬
‫(‪)3‬‬
‫اللغة إن مل يكن يف مقدمتهم‪.‬‬
‫وقد مجع إىل علم اللغة الفقه واحلديث‪ ،‬فأخذ عن فقهاء مكة وحمدثيها حىت بلغ‬
‫(‪) 5‬‬
‫شأواً عظيماً(‪ ،)4‬مث تصدَّر للفتوى وهو مل يتجاوز العشرين من عمره‪.‬‬
‫دراسة الشافعي‪:‬‬

‫‪ -‬ترتيب املدارك‪ ،‬القاضي عياض‪1/383 .‬؛ ومناقب الشافعي‪ ،‬الرازي‪ .‬ص ‪.34‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬تاريخ بغداد‪2/63.‬؛ ومناقب الشافعي‪ .‬ص ‪.175‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬لالطالع على شهادات علماء اللغة يف الشافعي ونبوغه اللغوي‪ ،‬ينظر‪ :‬مناقب الشافعي‪ .‬ص‬ ‫‪3‬‬

‫‪.239-213‬‬
‫‪ -‬مناقب الشافعي‪.‬ص‪197 ،45 ،44 :‬؛ والشافعي‪ ،‬أبو زهرة‪ .‬ص ‪.18‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬املناقب‪ .‬ص ‪.37‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪109‬‬
‫توجه الشافعي ‪ -‬بتشجيع ممن الحظوا نبوغه – إىل التتلمذ على اإلمام مالك –‬
‫قبلة طالب العلم ‪ . -‬فقرأ عليه املوطأ‪ ،‬وحفظه يف فرتة قليلة من الزمن‪ ،‬فأعجب به‬
‫اإلمام مالك أميا إعجاب‪ .‬ورأى ‪ -‬بصادق فراسته – عقالً قوياً ونبوغاً واضحاً‪،‬‬
‫فوجهه بقوله‪ « :‬اتق اهلل‪ ،‬فإنه سيكون لك شأن »(‪ .)1‬وقد حتقق له – فعال ما توقعه‬
‫له أستاذه؛ فقد حفظ – يف سنوات قليلة – فقه اإلمام مالك‪ ،‬واستوعب أصوله‬
‫ومنهجه حىت صار من أملع تالميذه‪ ،‬مدافعاً عن فقهه‪ ،‬حريصاً على معرفة صحاح‬
‫األحاديث واختالفها‪ ،‬جمتهداً يف التوفيق بينها‪ ،‬بل ومتتبعا اختالفات الصحابة‬
‫(‪) 2‬‬
‫ومساراهتا ووجهاهتا املختلفة‪.‬‬
‫ولعل هذا احلرص الشديد منه على استقصاء اجتاهات الفقه هو الذي محله على‬
‫عدم االقتصار على مطالعة املدون منه؛ فتكلف الرحلة لألخذ – مباشر ًة – من‬
‫مصادره‪ .‬فانتقل إىل بغداد حيث السيادة لفقه أهل الرأي ملا هلم من جاه ومكانة لدى‬
‫احلكام‪ ،‬ولتوليهم شؤون القضاء(‪)3‬؛ فوجدها متوج حبركة علمية وفقهية‪ ،‬ووجد –‬
‫فيها – منطاً جديداً لالستنباط خيالف ما عهده يف املدينة‪ .‬ولعل من حسن طالعه أن‬
‫يكتب له االجتماع مبحمد بن احلسن الشيباين – أجنب أصحاب أيب حنيفة وناقل‬
‫(‪)4‬‬
‫فقهه ‪ ،-‬والتتلمذ عليه ومدارسته‪.‬‬
‫وقد الحظ الشافعي شيئا من التحامل على فقه اإلمام مالك من بعض فقهاء‬
‫األحناف‪ ،‬فلم يرض – وهو التلميذ الويف لإلمام مالك – هبذا التحامل على فقه‬
‫أستاذه ومدرسته األوىل‪ ،‬بل قام مناضالً ومدافعاً ‪ ،‬ودخل يف مناظرات مع أعالم‬
‫ورد على‬
‫مدرسة العراق‪ ،‬بل مع إمامهم ابن احلسن الشيباين – مع فضله عليه ‪َّ ، -‬‬
‫(‪)5‬‬
‫بعض أقواله وآرائه مناصر ًة ألهل احلديث‪.‬‬
‫‪ -‬الطبقات الكربى‪ ،‬الشعراين‪ ،‬عبد الوهاب‪ .‬القاهرة‪ ،‬دار الفكر العريب‪( .‬د‪.‬ت)‪1/443 .‬؛‬ ‫‪1‬‬

‫وترتيب املدارك‪1/384.‬؛ واملناقب‪ .‬ص ‪.38‬‬


‫‪ -‬الشافعي‪ ،‬أبو زهرة‪ .‬ص ‪.295‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬متهيد لتاريخ الفلسفة اإلسالمية‪ .‬ص ‪.221‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬أخذ من علمه وكتبه ونقل عنه وقيَّد ما نقل‪ ،‬حىت لقد قال‪ « :‬محلت عن حممد بن احلسن وقر‬ ‫‪4‬‬

‫بعري ليس عليه إال مساعي منه »‪ .‬الشافعي‪ ،‬أبو زهرة‪ .‬ص ‪.23‬‬
‫‪ -‬متهيد لتاريخ الفلسفة اإلسالمية‪ .‬ص‪.224‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪110‬‬
‫وال ريب أنه كان – حبق – رافع لواء احلديث وناصر أهله‪ ،‬ملا أويت من معرفة‬
‫بسنة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وعلومها‪ ،‬وملا هتيأ له من قدرة على النظر‬
‫واجلدال يف فصاحة وقوة بيان‪.‬‬
‫ومع أنه ناظر وجادل – دفاعاً عن فقه أهل احلديث‪ ،‬فإن املناظرة َه َدتْهُ إىل‬
‫جوانب الضعف لدى فقهاء احلجاز‪ ،‬وأسهمت يف حثه على التقارب مع مذهب‬
‫ت رحالتُه وتنقالتُه معر َفتَه بأعراف الناس وما لديهم مـن‬ ‫العراقيني‪ ،‬السيما وقد َأْثَر ْ‬

‫‪111‬‬
‫آثار الصحابة وعلمهم؛ فتنقالته الكثرية(‪ )1‬أكسبته معرفةً ببيئات ثقافية وفقهية‬
‫خمتلفة كان هلا أثر يف صبغ اجتهاده الفقهي بصباغ خاص‪.‬‬
‫لقد بدأ التأثري والتأثر بني املدارس الفقهية قبل الشافعي‪ ،‬حيث انتقل أعالم من‬
‫مدرسة الرأي لألخذ عن اإلمام مالك‪ ،‬فصاحب أيب حنيفة وناقل فقهه – حممد بن‬
‫احلسن – قصد عامل املدينة‪ ،‬وحفظ املوطأ ورواه عنه‪ ،‬وروايته له من أضبط‬
‫الروايات‪ .‬هذا التفاعل العملي القوي يدل على سعة أفق كبرية لدى فقهاء العصر‪،‬‬
‫وهي سعة ال ميكن إال أن تثمر نضجاً يف أساليب التفكري وطرائق التحليل‪ ،‬وتقريباً‬
‫بني مناهج االستنباط‪ ،‬حىت أننا جند أصحاب الرأي يستعينون مبا وجدوه لدى غريهم‬
‫من أحاديث لتوجيه آرائهم وهتذيبها‪ ،‬كما جند أصحاب احلديث يلجأون إىل الرأي‬
‫َّل التالقي العلمي بني‬‫لفهم ما بني أيديهم من أحاديث‪ .‬ولعل الشافعي خري َم ْن مث َ‬
‫املدرستني‪ ،‬فمنهجه مثرة التوفيق السديد بني االجتاهني‪.‬‬
‫وإذا كان قد استطاع ‪ -‬مبا ُوهب من عقل راجح‪ ،‬وفهم عميق‪ ،‬ومتكن من علوم‬
‫الشريعة – أن يستوعب مناهج سلفه استيعاباً عميقاً‪ ،‬ويتمثلها متثالً رائعاً‪ ،‬فيبدع‬
‫صياغةً علميةً دقيقةً هي أصول الفقه ‪ -‬كما جاءت نظراً يف «الرسالة»‪ ،‬وتطبيقاً يف‬
‫«األم» ‪ ،-‬فإننا ندرك السبب يف ظهور مذهبه‪ ،‬وقوة حجته‪ ،‬وكثرة أتباعه‪ ،‬ليس بني‬
‫العامة فحسب‪ ،‬ولكن بني خاصة الفقهاء اجملتهدين‪.‬‬
‫ونظرا إىل أنه [ الشافعي ] ميثل ملتقى الجتاهات فقهية متنوعة‪ ،‬وحلقةً مهمةً من‬
‫حلقات مدارس االجتهاد؛ فإن تأثريه كان عميقاً فيمن جاء بعده‪ ،‬سواء أكانوا من‬
‫الذين تلقوا عنه مباشرة‪ ،‬أم ممن أخذوا عنه بطريق غري مباشر‪.‬‬
‫التوفيق العلمي السديد بني مدارس الفقه‪ ،‬فإن مدرسته‬ ‫ِ‬ ‫وكما أنه كان باكور َة‬
‫كانت حمضناً الجتاهات فقهية جديدة؛ إذ من املدرسة الشافعية خترج أئمة فقهاء كان‬

‫‪ -‬مشلت تنقالت الشافعي ‪ :‬احلجاز‪ ،‬واليمن‪ ،‬وبغداد‪ ،‬ومصر‪ F.‬وثبت أنه دخل بغداد ثالث مرات‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫األوىل وهو شاب سنة ‪184‬هـ أو قبلها يف خالفة هارون الرشيد‪ ،‬والثانية يف سنة ‪195‬هـ حيث‬
‫مكث سنتني‪ ،‬والثالثة سنة ‪198‬هـ‪ ،‬ومل تتجاوز إقامته فيها أشهراً مث خرج إىل مصر‪ .‬الرسالة‪،‬‬
‫للشافعي‪ .‬من مقدمة احملقق أمحد شاكر‪ .‬ص ‪.6‬‬

‫‪112‬‬
‫هلم نظر يف الفقه جدي ٌد‪ ،‬وكأن حركة التالقح الفكري متضي – حثيثاً – يف دائرة‬
‫االجتهاد اخلصبة حنو آفاقها الرحبة‪.‬‬
‫وليس غريباً أن يتتلمذ – يف مدرسة الشافعي – فقهاء أعالم يستقلون برؤية‬
‫جديدة‪ ،‬ومنهج – يف االستنباط ‪ -‬حمدث‪ .‬ولعل أبرز هؤالء األعالم‪ :‬اإلمام أمحد بن‬
‫حنبل – رمحه اهلل ‪-‬؛ فإن للشافعي دوراً كبرياً يف توجيهه الفقهي حىت عدَّه الشافعية‬
‫منهم؛ وداود الظـاهري (‪ ،)1‬وابن جرير الط ـ ـ ـ ـ ـ ــربي(‪،)2‬‬

‫‪ -‬داود الظاهري‪ :‬هو أبو سليمان داود بن علي‪ ،‬املشهور بداود الظاهري‪ :‬أصله من أصفهان‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫ومولده بالكوفة‪ ،‬ومنشؤه ببغداد‪ .‬كان ورعاً ناسكاً زاهداً‪ .‬ذكر اخلطيب أن يف كتبه أحاديث‬
‫كثرية‪ ،‬لكن الرواية عنه عزيزة جداً‪ .‬كان من املتعصبني للشافعي‪ .‬صنف كتابني يف فضائله والثناء‬
‫عليه‪ .‬أصول مذهبه‪ :‬التمسك بظواهر النصوص قرآناً وسنةً‪ ،‬وتقدميها يف االجتهاد على مراعاة‬
‫مصاحل الشرع ومقاصده‪ F.‬تويف عام ‪270‬هـ‪ .‬تاريخ بغداد‪8/369 .‬؛ وطبقات الشافعية‪.2/42.‬‬
‫‪ -‬ابن جرير الطربي‪ :‬هو أبو جعفر حممد بن جرير الطربي‪ :‬عالمة وفقيه متبحر‪ ،‬أتقن علوماً‬ ‫‪2‬‬

‫كثري ًة‪ ،‬منها‪ :‬علوم القرآن‪ ،‬والنحو‪ ،‬والشعر‪ ،‬واللغة‪ ،‬والفقه‪ .‬عُرف حمدثاً جليالً ومؤرخا عظيما‬
‫ومفسراً شهرياً‪ ..‬مجع من العلوم ما مل يشاركه فيه غريه‪ .‬أخذ فقه مالك عن ابن وهب وأشهب‬
‫وغريمها‪ ،‬لذا ورد ذكره يف املدارك بصفته أحد أصحابه‪ ،‬وأخذ عن الشافعي‪ ،‬لذا عدَّه السبكي يف‬
‫طبقاته من الشافعية‪ ،‬كما أخذ فقه العراقيني عن أيب مقاتل‪ ،‬والراجح أنه جمتهد مطلق‪ .‬وقد تعرض‬
‫حمدث وليس فقيهاً‪ .‬من‬
‫لكثري من األذى على يد احلنابلة‪ ،‬ألنه كان يقول عن اإلمام أمحد أنه ٌ‬
‫تصانيفه‪ :‬كتاب التفسري‪ ،‬وكتاب التاريخ «تاريخ الرسل وامللوك»‪ ،‬و«اختالف العلماء»‪ ،‬و«تاريخ‬
‫الرجال من الصحابة والتابعني»‪ .‬كانت وفاته ببغداد عام ‪310‬هـ ‪ .‬تاريخ بغداد‪2/162 .‬؛‬
‫وطبقات الشافعية‪2/135 .‬؛ والفكر السامي‪.2/42 .‬‬

‫‪113‬‬
‫مث ابن حزم الظاهري(‪.)1‬‬
‫إن تتلمذ هؤالء الفقهاء األعالم وغريهم – يف مدرسة اإلمام الشافعي‪،‬‬
‫واستقالهلم مبناهج خاصة يف االجتهاد – يكشف عن جوانب من عقل اإلمام النازع‬
‫للتفكري احلر والرافض للتقليد؛ فكما أنه استوعب ما اطلع عليه من الثروة الفقهية‬
‫واستطاع أن ينظم قواعد األصول بفكر مستقل ومبدع‪ ،‬فإنه قدَّم أمنوذج اجملتهد‬
‫املتميز الذي ينبغي أن يكون مثاالً يقتدى‪.‬‬
‫ولعل من أكرب الفوائد اليت جناها َم ْن تتلمذ على اإلمام تلك الطريقة العلمية يف‬
‫حتديد األصول وصياغة القواعد وبيان املنهج االجتهادي‪.‬‬
‫فأبو داود الظاهري – عندما أنكر القياس – قيل له‪ « :‬كيف تبطل القياس وقد‬
‫أخذ به الشافعي؟ »‪ ،‬قال‪ « :‬أخذت أدلة الشافعي يف إبطال االستحسان فوجدهتا‬
‫تبطل القياس »(‪ .)2‬فهذا نص يكشف عن جوانب عقلية تنحو حنو االستقالل‪ ،‬وقد‬
‫كان للشافعي دور كبري يف صياغتها‪.‬‬
‫الشافعي ومالمح التفكير الفلسفي‪:‬‬

‫‪ -‬ابن حزم الظاهري‪ :‬هو أبو حممد علي بن أمحد بن سعيد بن حزم‪ :‬عامل األندلس وفقيهها‪ .‬مجع‬ ‫‪1‬‬

‫من العلوم أصنافاً‪ ،‬وألف فيها كتباً قيمةً كشفت عن نبوغه وسعة علمه بالكتاب والسنة واملذاهب‬
‫وامللل والنحل والعربية واآلداب واملنطق والشعر‪ .‬بدأ دراسته شافعيا مث حتول إىل املذهب الظاهري‪.‬‬
‫ويبدو تأثره بالشافعي واضحاً؛ إذ سلك مسلكه يف وضع األصول وحتريرها وحتديد منهجه يف‬
‫وطبقه في كتابه‬
‫االستنباط‪ ،‬وقد أبان عن ذلك كله يف كتاب «اإلحكام يف أصول األحكام»‪َّ ،‬‬
‫الفقهي «احمللى»‪ .‬متسك بالعموم والرباءة األصلية‪ ،‬وأنكر القياس ونقد فقهاءه نقداً الذعاً‪ ،‬كما‬
‫مراً ‪ ،‬وأتى يف دراساته مبجموعة من اآلثار العتماده على النصوص‬ ‫نقد فقهاء االستحسان نقداً ّ‬
‫وظواهرها‪ .‬كان جمادالً عنيفاً وصاحب لسان حاد سلطه على خمالفيه من الفقهاء انتصاراً ملذهبه‬
‫الذي مل يكن مقبوالً لديهم‪ .‬فأكثرهم كان على مذهب مالك؛ لذا عاداه الفقهاء وتألب عليه‬
‫األمراء‪ ،‬فاضطهد وأحرقت كتبه‪ ،‬وعاش منـزوياً مع قلة قليلة من تالميذه مسخراً كل قدراته‬
‫للكتابة والتأليف حىت وفاته سنة ‪456‬هـ ‪ .‬تذكرة احلفاظ‪2/1146 .‬؛ وشذرات الذهب‪.‬‬
‫‪3/299‬؛ وابن حزم أليب زهرة‪ .‬القاهرة‪ ،‬دار الفكر العريب‪.‬‬
‫‪ -‬ابن حزم‪ ،‬أبو زهرة‪ .‬ص ‪.258‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪114‬‬
‫تعكس مصنفات الشافعي جانبا مهما من عقليته املتميزة‪ ،‬وتأيت «الرسالة»(‪ )3‬يف‬
‫مقدمة هذه املصنفات لتكشف عن أسلوب جديد يف تنظيم القواعد واألصول اليت‬
‫يقوم عليها االجتهاد‪.‬‬
‫وقد جاءت الرسالة يف مقدمة مسهبة حول أمهية دعوة الرسول صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ومكانة القرآن الكرمي‪ ،‬وبضعة أبواب تضمنت بيان أوجه التعبد‪ ،‬ومسيت‪:‬‬
‫"مراتب بيان األحكام"‪ .‬وتال ذلك أبواب كثرية تناولت أهم القضايا األصولية‪:‬‬
‫كالعام واخلاص‪ ،‬والظاهر واملؤول‪ ،‬والسنة ومكانتها‪ ،‬والناسخ واملنسوخ‪ ،‬والفرائض‬
‫والعبادات‪ ،‬واحلديث وصحته ومراتبه‪ ،‬واإلمجاع‪ ،‬والقياس‪ ،‬واالجتهاد ‪،‬‬
‫واالستحسان‪ ،‬واالختالف‪.‬‬
‫والرسالة – هبذا – متثل وثيقةً تارخييةً مهمةً‪ ،‬لكوهنا فاحتةَ املؤلفات يف علم‬
‫األصول‪ ،‬كما متثل حماولةً موفقةً لوضع أسس هذا العلم وضعاً دقيقاً يكشف عــن‬

‫‪ُ -‬روي أن عبد الرمحن بن مهدي – إمام أهل احلديث يف عصره – التمس من الشافعي – وهو‬ ‫‪3‬‬

‫شاب – أن يضع له كتاباً يف معاين القرآن‪ ،‬وجيمع فنون األخبار فيه‪ ،‬وحجية اإلمجاع‪ ،‬وبيان‬
‫الناسخ واملنسوخ من القرآن والسنة‪ .‬فوضع له كتاب «الرسالة»‪ .‬فلما قرأها ابن مهدي قال‪ « :‬ما‬
‫أصلي صالة إال وأنا أدعو للشافعي فيها»‪ ،‬وقد ألفت الرسالة مرتني‪ ،‬آخرها كان مبصر من حفظه‬
‫لغياب بعض كتبه عنه‪ .‬وقد يكون سؤال عبد الرمحن بن مهدي سبباً مباشراً لتأليف الرسالة‪ ،‬لكن‬
‫من خالل مقدمتها يتضح أهنا جاءت يف سياق الواقع العلمي الذي كان سائداً لدى أهم مدرستني‬
‫فقهيتني‪ ،‬فحاول أن يسدد ويقارب مبيناً أن الرسول صلى اهلل عليه وسلم قد حسم ببعثته اخلالف‬
‫بني من مضوا من أهل الكتاب والكفار‪ ،‬وأن القرآن الكرمي والسنة النبوية كفيالن بضمان الوحدة‬
‫إذا ما تفهمنامها حق الفهم‪ ،‬ولذا شرع يف وضع القواعد والضوابط لالحتكام إليهما عند‬
‫االختالف‪ .‬الرسالة ‪ ،‬من مقدمة احملقق أمحد شاكر‪ .‬ص ‪11‬؛ والفكر األصويل‪ ،‬أبو سليمان‪ .‬ص‬
‫‪.74‬‬

‫‪115‬‬
‫توجيه جديد للدراسات الفقهية(‪ ،)1‬وهو العناية بالكليات بدل اجلزئيات على عكس‬
‫ما كان سائداً عند الفقهاء وهو امليل إىل مجع املسائل وترتيبها وردها إىل أدلتها‬
‫التفصيلية‪.‬‬
‫وهذا االجتاه اجلديد – يف الدراسة والتصنيف – جعل بعض مؤرخي الفلسفة‬
‫اإلسالمية احملدثني(‪ُّ )2‬‬
‫يعد «الرسالة» أمنوذجاً تتمثل فيه نشأة التفكري الفلسفي يف‬
‫اإلسالم‪ .‬ومما يرجح هذا الرأي تعدد مظاهر النظر الفلسفي يف «الرسالة»‪ ،‬ففضال عن‬
‫االهتمام بضبط الفروع باألصول يُالحظ‪:‬‬
‫أوال‪ :‬االجتاه املنطقي إىل وضع احلدود والتعاريف‪ ،‬غري أن املصطلحات‬ ‫‪-‬‬
‫األصولية مل يرد ذكرها بالصيغة اليت عرفت لدى األصوليني الحقاً؛ فعند‬
‫ذكر الكتاب والسنة واإلمجاع والقياس يناقش أحكامها ويعاجل عوارضها‪،‬‬
‫مما يدل على ثبوت معانيها ووضوحها لديه ولدى فقهاء عصره الذين مل‬
‫(‪)3‬‬
‫يتأثروا – مثلما تأثر من جاء بعدهم ‪ -‬بعلوم الفلسفة واملنطق‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬سرد التعاريف املختلفة أحيانا واملقارنة بينها‪ ،‬مث اختيار أحدها بعد‬ ‫‪-‬‬
‫التمحيص‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬اإلشارة إىل مباحث من علوم األصول ذات صلة وثيقة بقضايا‬ ‫‪-‬‬
‫العقيدة وعلم الكالم‪ ،‬كالبحث يف العلم‪ ،‬وأن هناك حقاً يف الظاهر‬

‫‪ -‬التزم الشافعي منهجا واضحا سار عليه يف رسالته‪ .‬فهو يبدأ دراسته للموضوعات األصولية‬ ‫‪1‬‬

‫بتقدمي القاعدة أو القضية األصولية؛ مث يعرض مجلة من الشواهد قرآناً وسنةً‪ ،‬فيحللها حتليالً كافياً‬
‫مع التأكيد على املناسبة املوضوعية بني القضية والشواهد املذكورة‪ ،‬فيقدم – بذلك – برهاناً على‬
‫القضية املطروحة أو القاعدة املثبتة من غري إفراط وال تفريط يف عرض الشواهد اليت راعى رتبتها يف‬
‫احلجية‪ .‬وقد سارت موضوعات‪ F‬الكتاب يف ترتيب وتنظيم دقيقني؛ حبيث يسلم كل جزء منه للذي‬
‫يليه‪ ،‬ولعل الفضل ‪ -‬يف ذلك – أن معاين القضايا املدروسة كانت واضحةً يف ذهنه‪ ،‬متصور ًة لديه‬
‫قبل تدوينها‪ .‬فالكتاب كله مبين – أساساً – على‪« :‬البيان»‪ :‬بيان القرآن الكرمي‪ ،‬فالسنة النبوية‪،‬‬
‫مث اإلمجاع‪ ،‬فالقياس‪ ،‬فاالجتهاد‪ ،‬فاالستحسان‪ .‬الفكر األصويل‪ .‬ص ‪.83-78‬‬
‫‪ -‬مثل‪ :‬مصطفى عبد الرازق‪ ،‬صاحب «التمهيد لتاريخ الفلسفة اإلسالمية»‪ ،‬وعلي سامي النشار‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫صاحب «منهج البحث عند مفكري‪ F‬اإلسالم»‪ ،‬و«نشأة التفكري الفلسفي يف اإلسالم»‪.‬‬
‫‪ -‬الفكر األصويل‪ .‬ص ‪.85‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪116‬‬
‫والباطن‪ ،‬وحقاً يف الظاهر دون الباطن‪ ،‬وأن اجملتهد مصيب أو خمطئ‬
‫معذور(‪ ،)1‬والفرق بني القرآن والسنة وعلل األحكام‪ ،‬وترتيب األصول‬
‫حبسب قوهتا وضعفها‪ .‬وقد استدل الشافعي على حجية القرآن نفسه‪،‬‬
‫(‪) 2‬‬
‫وهي مسألة وثيقة الصلة بأحباث املتكلمني‪.‬‬
‫إن ما ميَّز الشافعي – عن سابقيه – قدرته على حصر األدلة وترتيبها وبراعته يف‬
‫ضبطها وتنظيمها حىت نُسب إليه تأسيس علم األصول‪.‬‬
‫ويمكن أن يُالحظ – في منهجه – أمران مهمان‪:‬‬
‫األول‪ :‬وضع ميزان دقيق ملعرفة صحيح اآلراء من غريها‪ .‬وقد وزن به‬ ‫–‬
‫آراء أستاذه مالك وآراء العراقيني‪ ،‬كما وزن به – أيضاً – سري األوزاعي‬
‫وغريه من الفقهاء األعالم؛ فكان – بذلك – حاكماً على اآلراء الفقهية‬
‫غري خاضع هلا‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬وضع قوانني كلية يلزم مراعاهتا واخلضوع هلا عند االجتهاد‪ .‬وقد‬ ‫–‬
‫كان حريصاً على االلتزام هبا‪ ،‬فهي أصول مذهبه ال باعتبار أهنا دفاع عنه‬
‫وبيان لرأيه‪ ،‬وإمنا ألهنا أصول وقواعد جيب االلتزام هبا والسري على‬
‫منهاجها؛ فهي مل تكن خادمةً للمذهب‪ ،‬وإمنا كانت ضواب َط صارمةً‬
‫خضع هلا وقيّد هبا استنباطاته؛ ولذا مل يؤخذ عليه تشبثه بآرائه واجتهاداته‬
‫ما مل جيد أدلةً ترجحها‪ ،‬مما يفسر كثرة رجوعه يف فقهه(‪ ،)3‬ويؤكد براءته‬
‫من أي نزعة مذهبية‪ .‬يقول الشافعي‪ « :‬وأما أن خنالف حديثاً عن رسول‬
‫اهلل ثابتاً عنه فأرجو أال يؤخذ ذلك علينا إن شاء اهلل‪ ،‬وليس ذلك ألحد‪.‬‬
‫ولكن قد جيهل الرجل السنة فيكون له قول خيالفها‪ ،‬ال أنه عمد خالفها‪،‬‬
‫وقد يغفل املرء وخيطئ يف التأويل »(‪.)4‬‬

‫‪ -‬الرسالة‪ .‬ص ‪.478‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬متهيد لتاريخ الفلسفة‪ .‬ص ‪.245‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬الشافعي‪ .‬أبو زهرة‪ .‬ص ‪.297‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬الرسالة‪ .‬ص ‪.219‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪117‬‬
‫ومع أنه كان مهتماً بوضع القوانني والضوابط‪ ،‬فإن عمله مل يتجه اجتاهاً نظرياً‬
‫خالصاً‪ ،‬بل زاوج بني النظري والعملي‪ .‬فجاءت مصنفاته كتباً يف أصول الفقه‬
‫خال من الركاكة والتعقيد؛ ألنه كان يريد أن يضبط‬ ‫التطبيقي‪ )1(F‬بأسلوب فصيح ٍ‬
‫أموراً واقعةً وموجودةً‪ .‬ولذا اكتفى يف حديثه عن القياس ببيان حقيقته وأقسامه مع‬
‫تقدمي أمثلة لذلك‪ .‬أما العلة فلم يبني ضوابطها ومسالكها وطرق استخراجها وقوة‬
‫(‪)2‬‬
‫درجاهتا وعمومها وخصوصها‪ ،‬ألنه اعترب ذلك من عمل اجملتهد نفسه‪.‬‬
‫وصفوة القول وخالصته‪ :‬أن الشافعي – رضي اهلل عنه – يعكس يف عمله‬
‫جماوبةً تامةً مع روح عصره؛ إ ْذ كان وسيطاً نزيهاً بني أهم مدرستني فقهيتني‪ ،‬وممثال‬
‫صادقاً للتفكري العلمي الذي يبحث عن احلقيقة ال غري‪ .‬كما يصور بعض مظاهر‬
‫الصراع مع ذوي األهواء الذين اقتحموا ميدان االجتهاد‪ ،‬فاحتجوا مبا ال حيتج به‪،‬‬
‫وأنكروا بعض أدلة الشرع‪ ،‬فكان عمله أمنوذجياً يف ضبط االستنباط وتنظيمه‪.‬‬

‫‪ -‬الفكر األصويل‪ .‬ص ‪.95‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬الشافعي‪ ،‬أبو زهرة‪ .‬ص ‪.298‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪118‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫األصول بعد اإلمام الشافعي‬
‫ال شك أن عمل الشافعي يُ ُّ‬
‫عد إجنازاً علمياً عظيماً أفاد علوم الشريعة‪ ،‬لكنه ال‬
‫يغض من جهود غريه ‪ -‬سلفاً وخلفاً – فلكل فضل سواء يف التأسيس أو يف إكمال‬
‫البناء وتطويره‪.‬‬
‫ولقد ظلت اجتهادات اإلمام ومصنفاته – فرتة طويلة – موضوع اهتمام‬
‫الفقهاء‪ .‬فقد عكفوا عليها دراسةً وحبثاً‪ ،‬بيد أن تلقيهم هلا مل يكن على منط واحد‪،‬‬
‫بل منهم من اتبعه – فيها – شارحاً هلا وخمرجاً على منهاجها‪ ،‬كأكثر متبعي منهجه‪.‬‬
‫ومنهم من وافقه يف كل ما جاء به خمالفاً له يف بعض تفصيالت األصول ال يف‬
‫(‪) 2‬‬
‫مجيعها(‪ ،)1‬وذلك كأهل الظاهر الذين أنكروا القياس ومل يعرتفوا إال بالنصوص‪.‬‬
‫ومنهم من خالفوه يف هذه األصول‪ ،‬إما الختالفهم يف املنهج العام لالستنباط‪،‬‬
‫وإما الختالف يف الرؤية السياسية نتج عنه تباين يف طرائق االجتهاد؛ كشأن الفرق‬
‫اليت كانت نشأهتا سياسية‪ ،‬مث أخذ خالفها صبغةً دينيةً مما ظهرت آثاره يف‬
‫االجتهادات الفقهية املوجهة ‪ ،‬مثل اخلوارج والشيعة‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬ولعل مما يدل على أن مصنفات الشافعي تعد فتحاً عظيماً يف علم األصول‬
‫وطرائق التصنيف فيه عدم وجود مؤلفات أصولية متاثل الرسالة يف قيمتها العلمية‬
‫ومنهجها الشمويل املتميز إال بعد فاصل زمين ميتد إىل أكثر من قرن من الزمان‪.‬‬
‫لقد شهد هذا القرن حركةً علميةً نشطةً؛ ففيه وضعت أسس أغلب العلوم(‪،)3‬‬
‫وخالله متيزت املدارس الفقهية واتضحت معاملها‪َّ .‬‬
‫وإن استقراءً جزئياً – ملا ثبت‬

‫‪ -‬اتفقت أصول الشافعية واحلنفية يف اجلملة‪ ،‬اللهم إال يف بعض التفصيالت‪ ،‬كاخلالف يف أن‬ ‫‪1‬‬

‫العام خيصصه حديث اآلحاد أو ال خيصصه‪ F،‬ولعل كثرة االختالف يف الفروع ناجتة – يف الغالب‬
‫– عن االختالف يف التطبيقات‪.‬‬
‫‪ -‬اإلحكام‪ ،‬ابن حزم‪8/478 .‬؛ والشافعي‪ ،‬أبو زهرة‪ .‬ص ‪.300‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ضحى اإلسالم‪.2/13 .‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪119‬‬
‫وجوده من مصنفات أصولية – يدل على طبيعة املنهج الذي سار عليه العلماء يف‬
‫هذا الفن؛ من ذلك‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫‪ - 1‬كتاب إثبات القياس‪ ،‬وخرب الواحد‪ ،‬واجتهاد الرأي‪ ،‬البن صدقة احلنفي‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫‪ - 2‬كتاب «األصول» ‪ ،‬ألصبغ بن الفرج املصري‪.‬‬
‫‪ - 3‬كتاب «االجتهاد»‪ ،‬و«الناسخ واملنسوخ»‪ ،‬و«اإلمجاع ما هو؟»‪ ،‬وكتاب‬
‫(‪)3‬‬
‫على أصحاب الرأي والقياس‪ ،‬جلعفر بن مبشر‪.‬‬
‫‪- 4‬كتاب «إبطال التقليد»‪ ،‬و«إبطال القياس»‪ ،‬و«اخلصوص والعموم»‪،‬‬
‫و«املفسر واجململ» لداود بن علي الظاهري‪.‬‬
‫(‪) 4‬‬
‫‪«- 5‬االحتجاج بالقرآن»‪ ،‬و«األصول» للقاضي أيب إسحاق بن محاد‪.‬‬
‫من خالل هذه النماذج‪ ،‬يتبني أن الفكر األصويل – يف هذا القرن عموماً – مل‬
‫يكن فكراً مشولياً(‪ )5‬كما متثل لدى الشافعي‪ ،‬وإمنا كان جزئيا‪ .‬ترتكز فيه الدراسات‬

‫‪ -‬هو أبو موسى عيسى بن إبان بن صدقة احلنفي‪ :‬الزم حممد بن احلسن طويال‪ .‬كان فقيها عفيفاً‬ ‫‪1‬‬

‫ذا خلق كرمي‪ ،‬ويل القضاء عشر سنني‪ .‬له مسائل كثرية واحتجاج ملذهب أيب حنيفة‪ .‬تويف سنة‬
‫‪220‬هـ ( الفهرست ص ‪ )258‬؛ أو يف سنة ‪221‬هـ كما جاء يف تاريخ بغداد ‪..11/157‬‬
‫‪ -‬أصبغ بن فرج املصري‪ :‬إمام فقيه وحمدث ثقة‪ .‬روى عنه الدراوردي‪ F،‬ومسع ابن القاسم‬ ‫‪2‬‬

‫وأشهب‪ ،‬وروى عنه الذهيب والبخاري وأبو حامت الرازي وغريهم‪ .‬قال ابن املاجشون– يف‬
‫حقه‪ « : -‬ما أخرجت مصر مثل أصبغ »‪ .‬له تآليف منها‪« :‬تفسري حديث املوطأ»‪ ،‬و«آداب‬
‫القضاء»‪ .‬تويف سنة‪225‬هـ ‪ .‬شجرة النور الزكية‪ ،‬حممد بن خملوف‪ .‬بريوت‪ ،‬دار الكتاب العريب‪.‬‬
‫ط‪( :‬جديدة) عن ط‪ .1 :‬لعام (‪1349‬هـ)‪ .‬ص ‪.66‬‬
‫‪ -‬أبو حممد جعفر بن مبشر الثقفي‪ .‬من معتزلة بغداد‪ .‬كان فقيها متكلما‪ ،‬صاحب حديث‪ .‬وله‬ ‫‪3‬‬

‫خطابة وبالغة ورياسة‪ ،‬ومع ذلك كان ورعاً زاهداً عفيفاً‪ .‬تويف سنة‪234‬هـ ‪ .‬الفهرست‪ .‬ص‬
‫‪.208‬‬
‫‪ -‬أبو إسحاق إمساعيل بن إسحاق بن محاد‪ :‬إمام عالمة‪ ،‬وفقيه جمتهد معدود يف طبقات القراء‬ ‫‪4‬‬

‫وأئمة اللغة ‪ .‬أخذ القراءة عن قالون‪ ،‬وروى عنه مجاعة‪ ،‬منهم‪ :‬عبد اهلل بن أمحد بن حنبل‬
‫والبغوي‪ .‬له فضل كبري يف نشر الفقه املالكي يف أهل العراق‪ .‬من مصننفاته‪« :‬أحكام القرآن»‪،‬‬
‫و«املبسوط يف الفقه وخمتصره»‪ ،F‬و«كتاب يف الفرائض وشواهد املوطأ»‪ .‬كانت وفاته سنة ‪282‬‬
‫أو ‪284‬هـ‪ .‬شجرة النور الزكية‪ .‬ص ‪.66‬‬
‫‪ -‬الفكر األصويل‪ .‬ص ‪.102‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪120‬‬
‫حول موضوعات وقضايا هي مثار خالف وجدل بني الفقهاء‪ ،‬ال سيما أن النـزعة‬
‫املذهبية بدأت تأخذ شكالً أكثر وضوحاً وحد ًة‪.‬‬
‫ولعل من مجلة األسباب املهمة اليت ميكن أن تفسر هذا الفاصل الزمين الكبري بني‬
‫مصنفات الشافعي ومصنفات غريه من أصوليي القرنني‪ :‬الرابع واخلامس اهلجريني‪:‬‬
‫‪ – 1‬أن عمل الشافعي كان منطاً جديداً من التأليف‪ ،‬فاحتاج املشتغلون هبذا‬
‫الفن إىل فرتة زمنية طويلة كي يستوعبوه‪.‬‬
‫‪ – 2‬أن هيمنة املذهبني‪ :‬احلنفي واملالكي القوية جعلت – من العسري – الذهاب‬
‫إىل آراء غري معهودة لدى أتباع هذين املذهبني‪.‬‬
‫‪ – 3‬ما امتاز به اإلمام من مسو خلق وعلو مهة وجرأة يف احلق واستقالل يف الرأي‬
‫دفعه إىل‪:‬‬
‫‪ -‬مناقشة أستاذه – اإلمام مالك – ورد ما مل يره موافقاً للصواب(‪ ،)1‬مع‬
‫إشادته املستمرة بفضله وعلمه‪.‬‬
‫‪ -‬ونقد أعالم مدرسة أهل الرأي نقداً علمياً نزيهاً بعيداً عن أي هوى أو‬
‫تعصب‪.‬‬
‫إن هذه اجلرأة أثارت عليه محلة شديدة من أتباع املذهبني؛ ألن كل داع إىل‬
‫اجلديد يقابل – أول أمره – بالرفض واإلنكار‪ ،‬ال سيما إذا كان اجملال جمال‬
‫املعتقدات واألفكار‪ .‬فالشافعي طلع على القوم بأسلوب جديد يف التفكري‪ ،‬ومنهج‬
‫مبتكر يف االستنباط والتحليل‪ .‬وفيما أورده الرازي(‪ )2‬تأكيد هلذا الرأي‪ ،‬فقد ذكر أن‬
‫الشافعي ملا دخل مصر أتاه أكابر أصحاب مالك وأقبلوا عليه‪ ،‬فلما أظهر خمالفة‬
‫مالك تركوه‪ ،‬فنظم أبياتاً جاء فيها‪:‬‬
‫دراً بني سارحة النعــم أأنظم منثوراً لراعية الغنــم‬ ‫أأنثر ّ‬
‫فإن ّفرج اهلل اللطيف بلطفــه وصادفت أهالً للعلوم واحلكم‬
‫وإال فمكنون لدي و مكتتـم‬ ‫بثثت مفيداً واستفدت ودادهم‬

‫‪ -‬كإبطاله االستحسان وإنكاره حجية عمل أهل املدينة‪ .‬الرسالة‪ ،‬ص‪ ،25 :‬و‪ ،503‬و‪.508‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬مناقب الشافعي‪ .‬ص ‪270‬؛ وديوان الشافعي‪ .‬مجع وتعليق‪ :‬حممد عفيف الزعيب‪ .‬بريوت‪ ،‬دار‬ ‫‪2‬‬

‫اجليل‪ .‬ط‪1392( .3:‬هـ‪1974/‬م)‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫ومن منع املستوجبني فقد ظلم‬ ‫فمن منح اجلهال علماً أضاعه‬
‫وجرأة اإلمام يف احلق هي اليت محلته على نقد احلكام ورفض تصرفاهتم غري‬
‫(‪)1‬‬
‫السوية‪ ،‬مما أثار عليه نقمتهم يف أحيان كثرية‪.‬‬
‫وقد عاش الشافعي واقعا سياسياً مريراً‪ ،‬ووضعاً اجتماعياً وأخالقياً سيئاً‪َّ ،‬‬
‫وإن‬
‫ديوانه الذي يفيض حكمة يقدم تصويراً دقيقاً وترمجةً صادقةً هلذا الواقع‪ ،‬وإن‬
‫األبيات التالية تلخص تلك اآلفات اليت عاشها اجملتمع وعاناها اإلمام بكل وجدانه‬
‫الصادق‪ ،‬فعرّب عنها بأوجز العبارات وأبلغ املعاين فقال‪:‬‬
‫وما لزماننـا عيب سوانـا‬ ‫نعيب زماننـا و العيب فينـا‬
‫ولو نطق الزمان به هجانـا‬ ‫وقد هنجو الزمان بغري جـرم‬
‫فنحن خنادع به من يرانـا‬ ‫ديانتنا التصنع والرتائ ــي‬
‫(‪) 2‬‬
‫ويأكل بعضنا بعضا عيانـا‬ ‫وليس الذئب يأكل حلم ذئب‬

‫‪ -‬اشتهر عن الشافعي حبه آلل البيت حىت اهتم بالعلوية‪ .‬لذلك امتحنه العباسيون؛ ويف هذا يقول‬ ‫‪1‬‬

‫قوله املشهور‪ « :‬إذا كان رفضاً حب آل حممد فليشهد الثقالن أين رافضي »‪.‬‬
‫املناقب‪ .‬ص ‪68-67‬؛ والشافعي ‪ ،‬أليب زهرة‪ .‬ص ‪.21‬‬
‫‪ -‬املناقب‪ .‬ص ‪ .278‬لقد حاول الشافعي جهده أن يصف العالج بدعوته إىل االستغناء عن‬ ‫‪2‬‬

‫أبواب امللوك واحلكام مشرياً إىل ما كانوا عليه من احنراف‪:‬‬


‫فال يكن لك يف أبوابـهم ظـل‬ ‫إن امللوك بـالء حيثما حلـوا‬
‫جاروا عليك و إن أرضيتهم ملّوا‬ ‫ماذا تؤمـل من قوم إذا غضبوا‬
‫إن الوقوف على أبوابــهم ذل‪.‬‬ ‫فاستغن باهلل عن أبواهبم كرمـا‬
‫ديوان الشافعي‪.‬ص ‪.71‬‬

‫‪122‬‬
‫ومل يسلم اإلمام – رمحه اهلل – ‪،‬كما هو شأن كل ذي نبوغ‪ ،‬من احلسد الذي‬
‫ينشأ – عادة – بني األقران‪ .‬ذكر الرازي أن الربيع قال‪ « :‬رأيت أشهب(‪ )1‬بن عبد‬
‫العزيز ساجداً وهو يقول ‪ -‬يف سجوده ‪ : -‬اللهم أمت الشافعي وإال لذهب علم‬
‫مالك بن أنس‪ .‬فسمع الشافعي ذلك فتبسم وأنشأ يقول‪:‬‬
‫فتلك سبيل لست فيها بأوحـد‬ ‫متىن رجال أن أموت وإن أمت‬
‫(‪)2‬‬
‫إال عداوة من عاداك مـن حسد»‬ ‫كل العداوات ترجى إماتتهـا‬
‫هذه – إذن – بعض األسباب اليت تفسر تأخر ظهور مصنفات أصولية مثل‬
‫مصنفات الشافعي بعده‪ ،‬وتلقي ضوءاً على العقبات اليت واجهت انتشار مذهبه‬
‫وشيوعه‪ .‬ولعل مزيداً من البحث واالستقصاء عن سر فقدان «الرسالة» املؤلفة‬
‫ببغداد قد يكشف عن عوامل تعني على فهم كثري من الظواهر التارخيية اليت ما زالت‬
‫يف حاجة إىل تفسري يف هذا اخلصوص‪.‬‬

‫‪ -‬أشهب‪ :‬هو أبو عمرو أشهب بن عبد العزيز‪ :‬تفقه مبالك وباملدنيني وباملصريني‪ .‬قال فيه‬ ‫‪1‬‬

‫الشافعي‪ ":‬ما رأيت أفقه من أشهب لوال طيش فيه"‪ .‬انتهت إليه الرئاسة مبصر بعد ابن القاسم‪.‬‬
‫وكانت وفاته سنة ‪204‬هـ بعد الشافعي‪ .‬شجرة النور الزكية‪ ،‬خملوف‪ .‬ص ‪59‬؛ وطبقات الفقهاء‪،‬‬
‫للشريازي‪ .‬ص ‪.155‬‬
‫‪ -‬مناقب الشافعي‪ .‬ص ‪.275‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪123‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫مناهج الدراسة األصولية‬
‫بعد اإلمام الشافعي‬
‫على الرغم من كل العوائق‪ ،‬فإن منهج اإلمام أثبت وجوده يف جمال البحث‬
‫والتصنيف‪ ،‬وأنشأ تياراً علمياً قوياً التف حوله نوابغ الفقهاء‪ ،‬فأمثرت جهودهم‬
‫مصنفات أصوليةً على درجة عالية من الضبط واإلتقان‪ ،‬كما حفزت من خالف‬ ‫ٍ‬
‫الشافعي – يف منهجه – على البحث عن طريق جديد لضبط قواعد األصول‪،‬‬
‫فتميزت بذلك طريقتان شهريتان أمدت هذا الفن بكثري من الثراء وسعة األفق‪.‬‬
‫طريقة المتكلمين أو الشافعية‪:‬‬
‫وهي الطريقة اليت سار عليها الشافعية‪ ،‬وتبعهم – يف ذلك – املالكية وبعض‬
‫علماء الكالم‪ .‬وقد استمدت امسها من منهج مؤسسيها‪ ،‬فقيل عنها‪ :‬طريقة الشافعية‬
‫أو اجلمهور أو املتكلمني‪.‬‬
‫ويف نسبتها إىل الشافعية إصابة للحقيقة؛ لعنايتهم بتحرير املسائل وتقرير القواعد‬
‫وتنقيحها‪ ،‬ومتييز األصول عن الفروع؛ فهم يبحثون يف القاعدة األصولية – ثبوتاً‬
‫وعدماً – مستدلني على صحتها أو بطالهنا دون نظر إىل أثرها(‪ .)1‬وإمنا عمدهتم –‬
‫يف ذلك – املبادئ املنطقية واألدلة العقلية اجملردة‪.‬‬
‫وإن اعتماد هذا االجتاه على االستدالل العقلي والنظر اجملرد قد استمال متكلمني‬
‫كثريين‪ .‬منهم‪ :‬املعتزلة واألشاعرة واملاتريدية‪ .‬إذ وجدوا فيه ما يتفق مع منهجهم‬
‫املعتمد على الدراسة العقلية اخلالصة والبحث عن احلقائق اجملردة‪ .‬كبحثهم يف علم‬
‫الكالم الذي يلجأون فيه – عاد ًة – إىل التمحيص والتدقيق والتحقيق بعيداً عن أي‬
‫(‪)2‬‬
‫تقليد‪.‬‬

‫‪ -‬التمهيد يف ختريج األصول على الفروع‪ ،‬األسنوي‪ F،‬مجال الدين‪ .‬ت‪ :‬حممد حسن هيتو‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫بريوت‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪1401( .‬هـ‪1981/‬م)‪ .‬من مقدمة احملقق‪ .‬ص ‪.11‬‬


‫‪ -‬أصول الفقه‪ ،‬أبو زهرة‪ .‬ص ‪.20‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪124‬‬
‫مميزات هذه الطريقة‪:‬‬
‫من أهم ما مييز طريقة املتكلمني عن غريها ما يلي‪:‬‬
‫أ ‪ -‬حتقيق املسائل األصولية حتقيقاً منطقياً نظرياً بعيداً عن التعصب‪ F‬املذهيب‬
‫واخلالفات‪ .‬إذ الغرض تأسيس قواعد علمية أصولية جمردة لتكون حاكمة على‬
‫الفروع‪ ،‬وليست حمكومة هبا‪ ،‬ولتكون أساساً للفقه واالجتهاد‪.‬‬
‫ب – امليل الشديد إىل االستدالل العقلي والتوسع يف اجلدل واملناظرات‪ .‬فما‬
‫أيدته الدالئل – من القواعد – أثبتوه‪ ،‬وما خالف ذلك نفوه يف جترد علمي تام‪.‬‬
‫وهلذا يُالحظ كثرة االختالفات بني أصحاب هذه الطريقة يف حتديد بعض القواعد‪،‬‬
‫بل قد يكون االختالف مع مؤسس املذهب(‪ .)1‬وال ضري يف ذلك؛ ألن اهلدف هو‬
‫إنتاج أقوى القواعد العلمية املنظمة هلذا الفن‪.‬‬
‫ج – عدم أخذ الضوابط األصولية من الفروع الفقهية‪ .‬فبعد تقرير الضابط‬
‫األصويل واالتفاق عليه‪ ،‬ال يسأل – بعد ذلك – عن خمالفته للفروع الفقهية أو‬
‫موافقته‪ .‬يقول اجلويين‪ « :‬على أنّـا – يف مسالك األصول – ال نلتفت إىل مسائل‬
‫الفقه‪ ،‬فالفرع يصحح على األصل ال على الفرع »(‪.)2‬‬
‫د – كثرة الفروض النظرية‪ ،‬وإدراج مباحث فلسفية ومنطقية ليست من صميم‬
‫هذا الفن‪ ،‬ولكنها ذات عالقة به من قريب أو بعيد؛ من ذلك ما نصادفه من عناوين‬
‫يف كتايب «الربهان يف أصول الفقه» لإلمام اجلويين‪ ،‬و«اإلحكام يف أصول األحكام»‬
‫لآلمدي‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫‪ – 1‬التقبيح والتحسني‪.‬‬
‫(‪) 4‬‬
‫‪ – 2‬شكر املنعم ومب يدرك بالعقل أم بالسمع؟‬
‫(‪)5‬‬
‫‪ – 3‬حكم النظر العقلي‪.‬‬
‫‪ -‬من ذلك مثال‪ :‬أن اآلمدي – وهو شافعي املذهب – يرى أن اإلمجاع السكويت حجة يف حني‬ ‫‪1‬‬

‫َّ‬
‫أن الشافعي ال يقول حبجيته‪ .‬اإلحكام‪ ،‬لآلمدي‪.1/312 .‬‬
‫‪ -‬الربهان‪ ،‬اجلويين‪( .2/892 .‬فقرة ‪.)1552‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬الربهان‪83-1/79 .‬؛ واإلحكام‪.1/119 .‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬الربهان‪ ،1/84 .‬واإلحكام‪.1/126 .‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬الربهان‪.1/85 .‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪125‬‬
‫(‪) 1‬‬
‫‪ – 4‬حكم األشياء قبل ورود الشرع‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫‪ – 5‬التكليف مبا ال يطاق‪.‬‬
‫(‪) 3‬‬
‫‪ – 6‬هل الكفار خماطبون بفروع الشريعة؟‬
‫(‪)4‬‬
‫‪ – 7‬القول يف العلوم ومداركها وأدلتها‪.‬‬
‫‪ – 8‬القول يف اللغات ومأخذها‪ ،‬هل هي توقيف من اهلل أم تثبت‬
‫(‪) 5‬‬
‫اصطالحاً؟ وذكر ألفاظ جرى رسم األصوليني بالكالم عليها‪.‬‬
‫هكذا جند حبوثا نظرية ال ي‪FF‬رتتب عليها عمل وال تأص‪FF‬يل لناحية فقهي‪FF‬ة‪ ،‬بل إن منها‬
‫ما هو من ص‪FF F F F F‬ميم علم الكالم كج‪FF F F F F‬واز التكليف بالفعل قبل حدوثه(‪ ،)6‬وكمس‪FF F F F F‬ألة‬
‫عصمة األنبياء قبل النبوة(‪.)7‬‬
‫أقطاب هذا االتجاه وأهم مصنفاتهم‪:‬‬
‫قطب هذا االجتاه هو اإلمام الشافعي ممثال يف رسالته الشهرية ومصنفاته األصولية‬
‫(‪) 8‬‬
‫اليت ضمها كتاب األم‪.‬‬

‫‪ -‬الربهان‪1/86 .‬؛ واإلحكام‪.1/130 .‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬الربهان‪1/89 .‬؛ واإلحكام‪.1/179 .‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬الربهان‪.92 .‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬الربهان‪.1/95 .‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬الربهان‪1/130 .‬؛ واإلحكام‪.1/88 .‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ -‬اإلحكام‪.1/195 .‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪ -‬اإلحكام‪.1/224 .‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪ -‬نظراً ألمهية «الرسالة»‪ ،‬فقد تناوهلا – بالشرح – فقهاء نوابغ من أبرزهم‪:‬‬ ‫‪8‬‬

‫أ – أبو بكر الصرييف ( ت‪330‬هـ) يف كتابه «دالئل األحكام»‪( .‬طبقات الفقهاء‪ .‬ص ‪=) 202‬‬
‫=ب‪ -‬أبو الوليد حسان بن حممد النيسابوري(‪ F‬ت‪349‬هـ)‪ .‬طبقات الشافعية‪2/191 .‬؛ واألعالم‪.‬‬
‫‪.2/177‬‬
‫ج – اإلمام حممد بن علي القفال الكبري الشاشي ( ت ‪365‬هـ)‪( .‬طبقات الفقهاء‪ .‬ص‪.)209‬‬
‫د – اإلمام أبو بكر حممد بن عبد اهلل بن حممد الشيباين اجلوزقي النيسابوري ( ت ‪388‬هـ )‪.‬‬
‫و – اإلمام حممد عبد اهلل بن يوسف اجلويين والد إمام احلرمني ( ت ‪438‬هـ )‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫مث من أبرز األصوليني بعده‪ ،‬القاضي أبو بكر الباقالين املالكي‪ ،‬وعبد اجلبار‬
‫اهلمداين‪ ،‬اللذين قاما بدور رائد يف هذا الفن بتفصيلهما ملا أمجل فيه‪ ،‬وتوضيحهما ملا‬
‫أهبم منه‪.‬‬
‫وجاء بعدمها أبو احلسني البصري املعتزيل‪ ،‬فشرح ما كتبه القاضي عبد اجلبار‪،‬‬
‫وألف أكثر من كتاب – يف هذا املوضوع – لعل أشهرها‪ :‬كتاب «املعتمد»‪.‬‬
‫ويف هذا القرن منا علم أصول الفقه لدى الشيعة اإلمامية منواً عظيماً لسببني‬
‫موضوعيني‪:‬‬
‫أولهما ‪ :‬غيبة اإلمام‪ :‬من املعلوم أن أقوال أئمتهم حجة – عندهم – يف‬ ‫‪‬‬
‫ذاهتا؛ ألهنم يعتقدون أهنم معصومون‪ .‬فإذا غاب اإلمام وجب االعتناء‬
‫بضوابط االجتهاد وموازين اآلراء للسري على منهج سليم ومطرد يف‬
‫االستنباط‪.‬‬
‫وثانيهما‪ :‬أن باب االجتهاد مفتوح عند أكثرهم‪ ،‬ال سيما أن أقوال أئمتهم‬ ‫‪‬‬
‫ف باجلواب عن كل الوقائع؛ لذلك وجب وضع ضوابط منظمة لعمل‬ ‫مل تَ ِ‬
‫(‪)1‬‬
‫اجملتهد‪.‬‬
‫ولعل من أعالم الشيعة الذين أجادوا يف التصنيف األصويل‪ :‬السيد الشري ــف‬

‫‪ -‬اإلمام الصادق‪ ،‬أبو زهرة‪ .‬ص ‪.222‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪127‬‬
‫املرتضي(‪ ،)1‬صاحب الكتاب القيِّم «الذريعة يف علم أصول الشريعة» الذي استوىف‬
‫فيه كل مباحث هذا الفن‪ ،‬حىت أنه يعد أول كتاب جامع مستوعب لألصول‪.‬‬
‫ويليه تلميذه أبو جعفر الطوسي(‪ ،)2‬ومن أهم مصنفاته‪« :‬كتاب العدة»‪ ،‬وهو‬
‫(‪)3‬‬
‫جامع ملباحث األصول ومسائله عامة‪ ،‬غري أنه سار فيه على منهج الشيعة خاصة‪.‬‬
‫ومن هؤالء األعالم – أيضا – ابن حزم الظاهري؛ فقد أسهم جبهود وافرة يف‬
‫خدمة هذا العلم بتصنيفه لكتابه الشهري‪« :‬اإلحكام يف أصول األحكام»‪ ،‬واستطاع‬
‫– بذلك – أن يقدم خدمة جليلة ألهل الظاهر متمثلة يف توضيح منهجهم يف‬
‫االستنباط وتوثيقه والدفاع عنه بكل محاس على الرغم من املعارضة اليت واجهتها‬
‫آراؤه الصرحية ومواقفه احلدية‪.‬‬
‫ولعل أبرز األصوليني الذين كانت مصنفاهتم مراجع هذا العلم وأصوله‪:‬‬
‫‪ -‬القاضي عبد اجلبار (ت ‪415‬هـ) وكتابه «العمد»‪.‬‬
‫‪ -‬أبو احلسني البصري (ت ‪473‬هـ) شارح العمد يف كتابه الشهري‬
‫«املعتمد»‪ .‬وكالمها معتزيل‪.‬‬
‫‪ -‬إمام احلرمني اجلويين وكتابه «الربهان»‪ ،‬وهو من أحسن مَْن كتب على‬
‫طريقة املتكلمني‪ .‬وقد جاء مشحونا بقضايا كالمية ومنطقية تعرب عن مدى‬
‫تأثر اجلويين بعلم الكالم واملنطق األرسطي‪.‬‬
‫‪ -‬اإلمام الغزايل وكتابه «املستصفى‪ F‬من علم األصول»‪.‬‬
‫وقد اختصر هذه األمهات األربع متكلمان بارعان من املتأخرين مها‪:‬‬

‫‪ -‬الشريف املرتضي ‪ :‬هو علي بن احلسني بن موسى (‪436-355‬هـ) ‪ :‬من أحفاد احلسني بن‬ ‫‪1‬‬

‫علي – كرم اهلل وجهه – أحد األئمة يف علم الكالم‪ ،‬واألدب‪ ،‬والشعر‪ ،‬ومن القائلني باالعتزال‪.‬‬
‫وهو املتهم بوضع كتاب «هنج البالغة»‪ .‬من تصانيفه‪« :‬الغرر والدرر»‪ ،‬و«الشايف يف اإلمامة»‪،‬‬
‫و«الذخرية يف األصول»‪ . F...‬ميزان االعتدال يف نقد الرجال‪ ،‬الذهيب‪ .‬ت‪ :‬علي البجاوي وفتحية‬
‫البجاوي‪ .‬دار الفكر العريب‪( .‬د‪.‬م)(د‪.‬ت)‪4/44F.‬؛ واألعالم‪4/278 .‬؛ ومعجم املؤلفني‪.7/81 .‬‬
‫‪ -‬أبو جعفر الطوسي‪ :‬هو فقيه أصويل‪ ،‬جمتهد‪ ،‬حمدث‪ ،‬مفسر‪ .‬ولد بطوس‪ ،‬وهاجر إىل العراق‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫تفقه بالفقه‪ F‬الشافعي‪ ،‬مث أخذ الكالم واألصول عن شيوخ اإلمامية يف عصره‪ .‬من مؤلفاته‪« :‬التبيان‬
‫يف تفسري القرآن»‪ ،‬و«هتذيب األحكام»‪ .‬األعالم‪6/84.‬؛ ومعجم املؤلفني‪.9/202 F.‬‬
‫‪ -‬اإلمام الصادق‪ .‬ص ‪.223‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪128‬‬
‫اإلمام فخر الدين الرازي يف كتابه «احملصول يف أصول الفقه»‪ ،‬وكان مييل‬ ‫‪‬‬
‫(‪)1‬‬
‫فيه – كثرياً إىل االحتجاج واالستكثار من األدلة‪.‬‬
‫‪ ‬واإلمام سيف الدين اآلمدي يف كتابه «اإلحكام يف أصول األحكام»‪ ،‬وقد‬
‫(‪)2‬‬
‫متيز هذا الكتاب بتحقيق املذاهب وتفريع املسائل‪.‬‬
‫واختصر احملصول سراج الدين األرموي يف كتاب «التحصيل»‪ ،‬وتاج الدين‬
‫األرموي يف كتاب «احلاصل»‪.‬‬
‫مث خلص اإلمام شهاب الدين القرايف من هذين كتابا مساه‪« :‬التنقيحات»‪.‬‬
‫كما فعل الشيء نفسه القاضي البيضاوي يف كتاب «املنهاج»‪ .‬وقد عكف‬
‫طالب األصول على هذين املؤلفني ‪ ،‬وشرحهما علماء كثريون‪.‬‬
‫وأما «اإلحكام» لآلمدي‪ ،‬فله خمتصرات منها‪:‬‬
‫‪« – 1‬منتهى السول» لآلمدي نفسه‪.‬‬
‫‪« – 2‬منتهى السول واألمل يف علمي األصول واجلدل» لإلمام ابن احلاجب‪،‬‬
‫وقد اختصره يف كتاب آخر مساه‪« :‬خمتصر املنتهى»‪.‬‬
‫ونظراً لبلوغ املختصرات حداً كبرياً من اإلجياز ‪ -‬إىل درجة أن بعضها خييل إىل‬
‫القارئ أنه نوع من الطالسم – فإهنا احتاجت إىل شروح حتل رموزها وتوضح‬
‫معانيها‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬يتبني من خالل تتبع املصنفات األصولية أن هناك ثالث طبقات من‬
‫فقهاء األصول‪:‬‬
‫‪ – 1‬طبقة توسعت يف الكتابة فكتبت بطريقة مشولية استوعبت أغلب مباحث‬
‫األصول‪ .‬وميثلها أبو احلسني البصري‪ ،‬واجلويين‪ ،‬والغزايل‪ ،‬والرازي‪...‬‬
‫‪ – 2‬وطبقة مالت إىل اإلجياز‪ ،‬ومن أبرز أعالمها‪ :‬تاج الدين األرموي‪ ،‬والقاضي‬
‫البيضاوي‪ ،‬وشهاب الدين القرايف‪ ،‬وأبو عمرو بن احلاجب‪.‬‬
‫‪ -3‬وطبقة اهتمت بشرح املختصرات األصولية‪ ،‬ومن أعالمها ‪ :‬األسنوي‬
‫والبدخشي والسبكي‪.....‬‬

‫‪ -‬مقدمة ابن خلدون‪ .‬ص ‪.504‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬م‪.‬س‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪129‬‬
‫طريقة األحناف أو الفقهاء‪:‬‬
‫وهذه الطريقة يعتمد أصحاهبا على اإلكثار من ذكر الفروع الفقهية وبناء القواعد‬
‫األصولية عليها واستنتاجها منها؛ فهي متأثرة بالفروع الفقهية‪ ،‬ومتجهة خلدمتها‬
‫أمس بالفقه‬
‫وإثبات سالمة االجتهاد فيها‪ .‬وقد وصفها ابن خلدون بقوله‪ « :‬إهنا ُّ‬
‫وأليق بالفروع لكثرة األمثلة منها والشواهد‪ ،‬وبناء املسائل فيها عل ـى النكت الفقهية‬
‫»(‪)1‬؛ ألن القواعد فيها بنيت على مقتضى ما نقل من الفروع عن األئمة‪.‬‬
‫وقد زعم أرباب هذه الطريقة أن تلك القواعد هي ما الحظه أئمتهم عندما فرعوا‬
‫الفروع‪ .‬فهم جيتهدون يف إثبات سالمة األحكام الفقهية اليت انتهى إليها فقهاؤهم‬
‫بذكر ما يؤيدها من القواعد‪.‬‬
‫وهلذا يُالحظ أن احلنفية – وهم أبرز من أخذ هبذه الطريقة – عندما قرروا أن‬
‫(‪)2‬‬
‫العام داللته قطعية‪ ،‬ذهبوا إىل تضعيف أخبار اآلحاد اليت ختالفها‪ ،‬ألهنا ظنية‪.‬‬
‫وانسجاماً مع منهجهم‪ ،‬فقد جاءت مصنفاهتم األصولية مشحونةً بالفروع‬
‫الفقهية املوافقة ملذهبهم واملخالفـة ؛ ممـا أوجـد لديهم أحياناً بـعض التناقض‬
‫(‪)3‬‬
‫واالضطـراب‪ ،‬فاضطروا إىل االستثناء والتخصيص فيما دونوه من قواعد‪.‬‬

‫‪ -‬املقدمة‪ .‬ص ‪.504‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬أصول السرخسي‪1/146 .‬؛ وأبو حنيفة‪ ،‬أبو زهرة‪ .‬ص ‪.224‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬التمهيد يف ختريج الفروع على األصول‪ ،‬األسنوي‪ .‬من مقدمة احملقق‪ .‬ص ‪.10‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪130‬‬
‫ومن مميزات هذه الطريقة‪:‬‬
‫‪ – 1‬أن أصحاهبا اتبعوا منهجاً استقرائياً؛ حيث اعتمدوا يف تأليفهم على ثروة‬
‫أئمتهم الفقهية‪ ،‬حماولني تتبع الضوابط والقواعد اليت روعيت أثناء اجتهاداهتم‪ .‬وعلى‬
‫أصلُوا األصول‪ ،‬وحرروا قواعد هذا الفن‪.‬‬
‫هذا األساس َّ‬
‫ويالحظ أهنم يبدأون تصنيفهم – عادة – بذكر أقوال أئمتهم‪ ،‬مث بإقامة األدلة‬
‫عليها‪ .‬ومن أجل تأييد قاعدة أو مسألة‪ ،‬فإهنم يلجأون إىل االحتجاج هلا مبا ينقل عن‬
‫(‪) 1‬‬
‫أئمتهم‪.‬‬
‫‪ – 2‬إن التأليف على طريقة األحناف جاء يف سياق التمهيد ملؤلفات يف الفقه‬
‫واألحكام سعياً لفهمها‪ .‬يُدرك ذلك من خالل االستقراء للمصنفات األصولية اليت‬
‫ألفت عليها‪:‬‬
‫عد مقدمة أصولية‬ ‫‪ ‬فكتاب «الفصول يف األصول» أليب بكر اجلصاص يُ ُّ‬
‫لكتاب «أحكام القرآن» الذي ميثل فقه األحناف املستنبط من آيات‬
‫(‪)2‬‬
‫األحكام‪.‬‬
‫وكتاب «تقومي األدلة» ألفه أبو زيد الدبوسي استدراكاً ملا جاء يف كتابه‬ ‫‪‬‬
‫«اهلداية»‪ .‬يقول يف ذلك‪...« :‬واستعنت اهلل – فال حول وال قوة إال باهلل‬
‫زل خاطري يف بعضه حبكم‬ ‫– على قصد مين تقومي كتاب اهلداية الذي َّ‬
‫البداية فراراً عن التمادي يف الباطل‪ ،‬وخترجياً على األصول األربعة اليت هبا‬
‫(‪)3‬‬
‫تعلق االبتالء يف احلاصل‪.»...‬‬
‫وكتاب «أصول السرخسي» صنفه لبيان أصول املسائل اليت بىن عليها‬ ‫‪‬‬
‫شرحه لكتب حممد بن احلسن الشيباين‪ ،‬وهي الكتب املسماة بظاهر الرواية‪،‬‬
‫يشري إىل ذلك قوله‪... « :‬رأيت من الصواب أن أبنِّي للمقتبسني أصول ما‬

‫‪ -‬أصول السرخسي‪ ،294-1/291 .‬و ‪325-1/321‬؛ و الفكر األصويل ‪ .‬ص ‪.453‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬الفكر األصويل‪ .‬ص ‪.453‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬م‪.‬س‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪131‬‬
‫بنيت عليها شرح الكتب اليت صنفها حممد بن احلسن؛ ليكون الوقوف على‬
‫األصول معيناً هلم على فهم ما هو احلقيقة يف الفروع»(‪.)1‬‬
‫‪ ‬وهذا البزدوي يوضح – بدوره – اهلدف من تأليفه لكتاب «كنـز الوصول‬
‫إىل معرفة األصول‪ ،‬فيقول‪ ...« :‬وهذا الكتاب لبيان النصوص مبعانيها‬
‫وتعريف األصول بفروعها‪.)2( »...‬‬
‫ه ‪FF‬ذه أب ‪FF‬رز النم ‪FF‬اذج اليت ت ‪FF‬بني االرتب ‪FF‬اط الوثيق بني كتب األص ‪FF‬ول والف ‪FF‬روع ل ‪FF‬دى‬
‫األحناف‪.‬‬
‫‪ – 3‬أن قواعد األص‪FF F‬ول اليت أسست عليها ج‪FF F‬اءت متبوع ‪F F‬ةً مبجموعة كب‪FF F‬رية من‬
‫املب ‪FF‬احث اليت جماهلا علم الفق ‪FF‬ه‪ ،‬وك ‪FF‬ان ه ‪FF‬ذا على حس ‪FF‬اب القض ‪FF‬ايا الكالمي ‪FF‬ة‪ .‬إذ مل ميل‬
‫أك‪FF F F‬ثرهم إىل مناقش‪FF F F‬تها‪ .‬كما مل ت‪FF F F‬ربز – يف مؤلف‪FF F F‬اهتم – املص‪FF F F‬طلحات املنطقية مثلما‬
‫ب‪FF F F F‬رزت ل‪FF F F F‬دى املتكلمني‪ .‬لكن املدافعة املذهبية محلتهم على التس‪FF F F F‬لح ب‪FF F F F‬أدوات اجلدل‬
‫واملن‪FF‬اظرة؛ فظه‪FF‬رت املب‪FF‬احث اجلدلية اليت مه‪FF‬دت للدراس‪FF‬ات الفقهية املقارن‪FF‬ة‪ ،‬ال س‪FF‬يما‬
‫دون ‪FF‬وا أص ‪FF‬وهلم يف وقت مبك ‪FF‬ر‪ .‬مما محلهم [ احلنفية ] على‬ ‫بينهم وبني الش ‪FF‬افعية ال ‪FF‬ذين ّ‬
‫ب ‪FF‬ذل جه ‪FF‬ود عظيمة – ح ‪FF‬واراً ونقاش‪F F‬اً واجته ‪FF‬اداً – يف س ‪FF‬بيل إنش ‪FF‬اء م ‪FF‬ذهب أص ‪FF‬ويل‬
‫خ‪FF‬اص هبم‪ .‬فك‪FF‬ان إس‪FF‬هامهم – ب‪FF‬ذلك – كب‪FF‬رياً يف تط‪FF‬وير علم األص‪FF‬ول وال‪FF‬دفع به إىل‬
‫آفاق واسعة‪.‬‬
‫إال أن ط ‪FF‬ريقتهم قد ال تفيد املبت ‪FF‬دئ‪ ،‬لتش ‪FF‬عب مس ‪FF‬الك البحث علي ‪FF‬ه‪ ،‬وك ‪FF‬ثرة آث ‪FF‬ار‬
‫اخلالف‪ .‬أما الفقيه املتمكن من األصول والعارف بأس‪F‬راره ودقائق‪F‬ه؛ ف‪F‬إن ه‪F‬ذه الطريقة‬
‫قد حتقق له فائ ‪FF‬دة كب ‪FF‬رية‪ .‬إذ تيسر له الوق ‪FF‬وف على أثر األص ‪FF‬ول يف الفقه مبا تقدمه له‬
‫من مادة فقهية متنوعة ممزوجة مبادة أصولية مهمة‪.‬‬
‫‪ -4‬إن مما ميَّز منهج األحناف أن دراستهم جاءت دراسةً تطبيقي‪F‬ةً‪ ،‬وليست حبوث‪F‬اً‬
‫نظري ‪F‬ةً جمرد ًة‪ .‬فهي – ب‪FF‬ذلك – أس‪FF‬همت يف تط‪FF‬وير الدراس‪FF‬ات املقارن‪FF‬ة‪ ،‬وال أدل على‬
‫ذلك من استخدام أغلب املذاهب الفقهية هلا من أجل خدمة املذهب وتوسيع رحاب‪FF‬ه‪.‬‬
‫فقد وجد من الش‪FF F F‬افعية أنفس‪FF F F‬هم واملالكية واحلنابلة واإلمامية والزيدية َم ْن كتب على‬

‫‪ -‬الفكر األصويل‪ .‬ص ‪.454‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬م‪.‬س‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪132‬‬
‫طريقة األحن‪FF‬اف يف تط‪FF‬بيق األص‪FF‬ول الكلية على الف‪FF‬روع اجلزئي‪FF‬ة؛ وه‪FF‬ذا كت‪FF‬اب «تنقيح‬
‫الفص ‪FF‬ول يف علم األص ‪FF‬ول» للق ‪FF‬رايف يق ‪FF‬دم أمنوذج ‪F‬اً يوضح هنج مؤلفه يف بيانه ألص ‪FF‬ول‬
‫املذهب املالكي وتطبيقها على فروع ‪FF F‬ه‪ .‬وك ‪FF F‬ذلك كت ‪FF F‬اب «التمهيد يف ختريج الف ‪FF F‬روع‬
‫على األصول»‪ ،‬فإنه مث‪F‬ال آخر ي‪F‬بني تط‪F‬بيق األص‪F‬ول املعروفة عند الش‪F‬افعية على ف‪F‬روع‬
‫(‪)1‬‬
‫املذهب‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬ونظراً ملا يف كلتا الطريقتني من مزايا – طريقة املتكلمني وطريقة الفقهاء ‪،-‬‬
‫فقد حاول بعض الفقهاء اجلمع بينهما يف تصانيفهم‪ .‬وذلك بتحقيق القاع‪F‬دة األص‪F‬ولية‬
‫جمردة‪ ،‬مث تطبيقها على الفروع الفقهية‪ .‬وكان من أبرز هذه املصنفات‪:‬‬
‫«م‪FF F‬يزان األص‪FF F‬ول يف نت‪FF F‬ائج العق‪FF F‬ول يف أص‪FF F‬ول الفق‪FF F‬ه»‪ ،‬لإلم‪FF F‬ام عالء ال‪FF F‬دين‬ ‫‪‬‬
‫السمرقندي (ت ‪539‬هـ)‪.‬‬
‫«بديع النظام اجلامع بني كتاب البزدوي واإلحكام لآلمدي»‪ ،‬لصاحبه أمحد‬ ‫‪‬‬
‫بن علي الساعايت البغدادي ( ت ‪694‬هـ)‪.‬‬
‫«التنقيح» وشرحه املسمى «التوضيح»‪ ،‬وكالمها لصدر الش‪FF‬ريعة عبد اهلل بن‬ ‫‪‬‬
‫مس ‪FF‬عود البخ ‪FF‬اري (ت ‪747‬هـ)‪ .‬وهو تلخيص لثالثة كتب‪ ،‬هي‪« :‬أص ‪FF‬ول‬
‫البزدوي»‪ ،‬و«احملصول» للرازي‪ ،‬و«املختصر» البن احلاجب‪.‬‬
‫«مجع اجلوامع»‪ ،‬لإلمام تاج الدين السبكي (ت ‪771‬هـ)‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫«التحرير»‪ ،‬للكمال بن اهلمام‪( .‬ت ‪861‬هـ)‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫خالصـة‪:‬‬
‫قد يب ‪FF F‬دو أن ع ‪FF F‬دم وج ‪FF F‬ود قواعد أص ‪FF F‬ولية مدونة ل ‪FF F‬دى األحن ‪FF F‬اف مظهر نقص يف‬
‫م ‪FF‬ذهبهم‪ ،‬لكن التتبع ال ‪FF‬دقيق لتط ‪FF‬ور املذهب يكشف أن ه ‪FF‬ذه الظ ‪FF‬اهرة ك ‪FF‬انت ع ‪FF‬امالً‬
‫َّ‬
‫حفز ب‪FF F‬روز فقه‪FF F‬اء أعالم أث‪FF F‬روا عل‪FF F‬وم الش‪FF F‬ريعة – ويف مق‪FF F‬دمتها – علم األص‪FF F‬ول وما‬
‫تفرع عنه من علوم منبثقة منه ومكملة له‪.‬‬
‫لقد أس‪FF‬هم الفقه‪FF‬اء األحن‪FF‬اف إس‪FF‬هاماً ب‪FF‬ارزاً يف تأس‪FF‬يس علم اخلالف؛ فع‪FF‬دم وج‪FF‬ود‬
‫قواعد حمررة يف األصول – لديهم ‪ -‬محلهم على االستمساك الش‪FF‬ديد مبب‪FF‬ادئ م‪FF‬ذهبهم‬

‫‪ -‬أصول الفقه‪ .‬أبو زهرة‪ .‬ص ‪.23‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪133‬‬
‫وال‪FF F F F‬دفاع عن فقه أئمتهم‪ .‬وال شك أهنم ك‪FF F F F‬انوا حمت‪FF F F F‬اجني – يف ذلك – إىل جمادلني‬
‫أقوي‪FF F‬اء‪ ،‬مث‪FF F‬ل‪ :‬أيب زيد الدبوسي ال‪FF F‬ذي يع‪FF F‬ود إليه فضل كبري يف تأس‪FF F‬يس علم اخلالف‬
‫وتط‪FF F F F‬وير العل‪FF F F F‬وم املرتبطة ب‪FF F F F‬ه‪ ،‬ك‪FF F F F‬آداب البحث واملن‪FF F F F‬اظرة‪ .‬ومن املنطقي أن يك‪FF F F F‬ون‬
‫لألحن‪FF‬اف قصب الس‪FF‬بق يف إعط‪FF‬اء علم اخلالف ص‪FF‬ورته املتكامل‪FF‬ة‪ .‬ألن جماله أق‪FF‬رب إىل‬
‫الفقه أو الفقه املقارن منه إىل علم األصول‪.‬‬
‫ص‪FF‬حيح أن لعلم األص‪FF‬ول ت‪FF‬أثرياً مباش‪FF‬راً وغري مباش ‪ٍ F‬ر يف أس‪FF‬باب اختالف الفقه‪FF‬اء‪،‬‬
‫متعذر‪.‬‬
‫أمر ٌ‬ ‫لكن دراسة اخلالف بصفته موضوعا من مواضيع األصول يبدو أنه ٌ‬

‫‪134‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫علـــم القواعــــد‬
‫المبحث األول‬
‫القواعد الفقهية تعريفهــا وأقسامهــا‬
‫مل تقتصر إسهامات األحناف على علم اخلالف‪ ،‬وإمنا جتاوزته إىل علم آخر ساعد –‬
‫فعلياً ‪ -‬على تطوير الفقه وأصوله؛ ومنح الفقهاء آليةً عمليةً لالجتهاد أكثر انضباطاً‬
‫وأوسع دائرة‪ .‬وهو علم القواعد الفقهية واألشباه والنظائر‪ .‬ومن املناسب – هنا –‬
‫تقدمي نبذة خمتصرة عن هذا العلم الذي نشأ يف سياق التطور الطبيعي لعلوم الشريعة‬
‫املكمل بعضها بعضاً‪.‬‬
‫تعريف القاعدة‪:‬‬
‫القاعدة – في اللغة(‪ :- )1‬أساس الشيء وأصله؛ حسياً كان مثل‪ :‬قواعد البيت‪،‬‬
‫أو معنوياً مثل‪ :‬قواعد العلوم‪.‬‬
‫قال اهلل تعاىل‪َ  :‬وِإ ْذ يَ ْرفَ ُع ِإ ْب َرا ِهي ُم ا ْلقَ َو ِ‬
‫اع َد ِم َن ا ْلبَ ْي ِ‬
‫(‪)2‬‬
‫ت ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫وقال تعاىل – أيضاً ‪  :-‬فََأتَى هَّللا ُ بُ ْنيَانَ ُه ْم ِم َن ا ْلقَ َوا ِع ِد ‪. ‬‬
‫واصطالحاً‪ :‬عرفت بعدة تعريفات‪ ،‬منها‪:‬‬

‫‪ -‬الصحاح‪ ،‬للجوهري‪ F،‬إمساعيل بن محاد‪ .‬ت‪ :‬أمحد عبد الغفور عطار‪ .‬بريوت‪ ،‬دار العلم‬ ‫‪1‬‬

‫للماليني‪ .‬ط‪1407( .4 :‬هـ‪1980/‬م)‪2/525 .‬؛ ومعجم مقاييس اللغة‪ ،‬البن فارس‪.‬‬


‫‪5/109‬؛ ولسان العرب‪3/361 .‬؛ واملفردات يف غريب القرآن‪ ،‬الراغب األصفهاين‪ ،‬أبو‬
‫احلسني‪ .‬ت‪ :‬سيد كيالين‪ .‬بريوت‪ ،‬دار املعرفة‪( .‬د‪.‬ت)‪ .‬ص ‪.409‬‬
‫‪ -‬البقرة ‪.127‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬النحل ‪.26‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪135‬‬
‫أمر كلي منطبق على مجيع جزئياته عند تعرف أحكامها منه »‪ .‬وهبذا‬ ‫‪ – 1‬أهنا « ٌ‬
‫عرفها التهانوي يف كتابه(‪ ،)1‬وذكر بأهنا مرادفة لألصل والقانون واملسألة والضابط‬
‫واملقصد‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫‪ – 2‬أهنا « قضية كلية منطبقة على مجيع جزئياهتا »‪ ،‬وهبذا عرفها اجلرجاين‪.‬‬
‫‪ – 3‬أهنا « أصول فقهية كلية يف نصوص موجزة دستورية تتضمن أحكاماً‬
‫عرفها أحد الباحثني‬ ‫تشريعيةً عامةً يف احلوادث اليت تدخل حتت موضوعها »‪ .‬وبذلك َّ‬
‫(‪)3‬‬
‫املعاصرين يف مصنَّفه‪.‬‬
‫وهذه التعريفات – يف مجلتها ‪ -‬متقاربةٌ‪ ،‬ومرد ما يالحظ بينها من فرق‪،‬‬
‫االختالف يف وجهات النظر‪ :‬فإن بعضها راعى كوهنا جامعةً ملا حتتها من فروع‪ ،‬ومل‬
‫يلتفت إىل ما شذ عنها باعتبار أن الشاذ والنادر ال حكم له‪ ،‬وبعضها اآلخر راعى‬
‫األغلب واألكثر ومل يغفل املستثنيات اليت رمبا تكون كثري ًة نسبياً‪.‬‬
‫فالقاعدة الفقهية – إذن – قانون يضبط أحكام عدد من املسائل اليت قد تفوق‬
‫احلصر‪ .‬ومما مييزها‪ :‬إحكام صياغتها‪ ،‬وسعة معانيها(‪ ،)4‬مثل‪ :‬قاعدة‪ « :‬األمور‬
‫مبقاصدها» (‪ ،)5‬وقاعــدة‪ « :‬اليقيـ ـ ـن ال ي ـ ـ ـ ـ ـزول‬
‫‪ -‬كشاف اصطالح الفنون‪ 2/1295 .‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬التعريفات‪ .‬ص ‪.177‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬املدخل الفقهي العام (إخراج جديد)‪ ،‬مصطفى أمحد الزرقا‪ .‬دمشق‪ ،‬دار القلم‪ .‬ط‪( .1:‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪1418‬هـ‪1998/‬م)‪.2/965 .‬‬
‫‪ -‬املدخل الفقهي العام‪2/965 .‬؛ والقواعد الفقهية بني األصالة والتوجيه‪ ،‬حممد بكر إمساعيل‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫القاهرة‪ ،‬دار املنار‪ .‬ط‪1417( .1 :‬هـ‪1997/‬م)‪ .‬ص ‪.7‬‬


‫‪« -‬األمور مبقاصدها»‪ :‬من أهم القواعد وأرسخها يف الفقه اإلسالمي؛ ألن شطراً كبرياً من‬ ‫‪5‬‬

‫األحكام الشرعية يدور حوهلا‪ ،‬الستمدادها من نص احلديث املشهور‪ ،‬وهو قوله صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ «:‬إمنا األعمال بالنيات‪ ،‬وإمنا لكل امرئ ما نوى‪( F»...‬رواه الستة – متفق على صحته‪.‬‬
‫وقد صدَّر به البخاري صحيحه ملا له من أمهية)‪ .‬فهذه القاعدة اشتملت على أبواب فقهية كثرية؛‬
‫ألن هبا تتميز األعمال املقبولة واملردودة‪ F،‬وهبا يتميز ما هو من باب العبادات مما هو من قبيل‬
‫تفرع عنها جمموعة كبرية من القواعد‪ ،‬مثل‪ « :‬العربة باإلرادة ال باللفظ»‪F،‬‬‫العادات‪ .‬ولذلك َّ‬
‫و«مقاصد اللفظ على نيَّة الالفظ إال يف موضع واحد وهو اليمني عند القاضي»‪ ،‬و«ال عربة‬
‫للداللة يف مقابلة التصريح»‪ .‬األشباه والنظائر‪ ،‬ابن جنيم احلنفي‪ ،‬زين الدين بن إبراهيم‪ .‬ت‪:‬حممد‬

‫‪136‬‬
‫بالشـ ـك »(‪.)1‬‬
‫وهي تكتسب أمهيتها من مشوهلا واستيعاهبا ألبواب فقهية وأصولية كثرية؛ ولذلك‬
‫قال – يف شأهنا السيوطي ‪ « : -‬إهنا تدخل يف مجيع أبواب الفقه‪ ،‬واملسائل املخرجة‬
‫عليها تبلغ ثالثة أرباع الفقه وأكثر‪ ،)2( »...‬ويندرج فيها قواعد مهمة يف الفقه‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫«األصل بقاء ما كان على ما كان »(‪ ،)3‬و«األصل براءة الذمة»(‪ ،)4‬ومهمة يف‬
‫األصول ‪ -‬أيضاً ‪-‬؛ إذ األصل انتفاء األحكام عن املكلفني حىت يرد ما يدل على‬
‫خالف ذلك‪ ،‬واألصل يف األلفاظ أهنا للحقيقة‪ ،‬ويف األوامر أهنا للوجوب‪ ،‬ويف‬
‫النواهي أهنا للتحرمي‪ ،‬ويف العام بقاؤه على عمومه حىت يتحقق ورود املخصص‪ ،‬ويف‬
‫(‪) 5‬‬
‫النص بقاء حكمه حىت يرد الناسخ‪.‬‬
‫مطيع احلافظ‪ .‬دمشق‪ ،‬دار الفكر‪ .‬ط‪1420( .2 :‬هـ‪1999/‬م)‪ .‬ص ‪ 22‬وما بعدها؛ والقواعد‬
‫الفقهية بني األصالة والتوجيه‪ .‬ص ‪.51-30‬‬
‫‪« -‬اليقني ال يزول بالشك»‪ :‬مستند هذه القاعدة قوله صلى اهلل عليه وسلم يف احلديث املروي‬ ‫‪1‬‬

‫عن عبد اهلل بن زيد – رضي اهلل عنه ‪ ،-‬قال‪ُ « :‬شكي إىل النيب صلى اهلل عليه وسلم الرجل خُي يل‬
‫إليه أنه جيد الشيء يف الصالة‪ .‬قال‪" :‬ال ينصرف حىت يسمع صوتاً أو جيد رحياً"»‪ .‬قال النووي‬
‫‪ -‬يف شرحه للحديث ‪ «:-‬وهذا احلديث أصل من أصول اإلسالم‪ ،‬وقاعدة عظيمة من قواعد‬
‫الفقه؛‪ F‬وهي أن األشياء حيكم ببقائها على أصوهلا حىت يتيقن خالف ذلك‪ ،‬وال يضر الشك‬
‫الطارئ عليها»‪ .‬شرح النووي على صحيح مسلم‪.50-4/49 .‬‬
‫‪ -‬األشباه والنظائر‪ .‬بريوت‪ ،‬مؤسسة الكتب الثقافية‪ .‬ت‪ :‬خالد عبد الفتاح أبو سليمان‪ .‬ط‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪1415( .1‬هـ‪1994/‬م)‪ .‬ص ‪.72‬‬


‫‪ -‬يقول اإلمام الونشريسي‪ ،‬أمحد بن حيىي – يف توضيحه هلذه القاعدة ‪ « : -‬األصل بقاء ما‬ ‫‪3‬‬

‫كان على ما كان‪ ،‬وهو املسمى يف العرف األصويل باستصحاب احلال‪ ،‬وهو أصل من أصول‬
‫الشريعة تدور عليه مسائل وفروع »‪ .‬املعيار املعرب واجلامع املغرب عن فتاوى علماء إفريقية‬
‫واألندلس واملغرب‪ F.‬ت‪:‬حممد حجي‪ .‬بريوت‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪1401( .‬هـ‪1981/‬م)‪.‬‬
‫‪.4/424‬‬
‫عد مشغولة بواجب أو حق إال بيقني وثبوت‪ .‬يقول ابن عبد الرب‪«:‬‬ ‫‪ -‬فذمة كل شخص ال تُ ُّ‬ ‫‪4‬‬

‫الذمة بريئة‪ ،‬فال جيب فيها شيء إال بيقني »‪ .‬التمهيد ملا يف املوطأ من املعاين واألسانيد‪ .‬ت‪:‬‬
‫سعيد أعراب‪ .‬املغرب‪ ،‬وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية‪1409( .‬هـ‪1989/‬م)‪.20/181 .‬‬
‫‪ -‬القواعد الفقهية‪ .‬علي أمحد الندوي‪ .‬دمشق‪ ،‬دار القلم‪ .‬ط‪1414( .3 :‬هـ‪1994/‬م)‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫ص ‪.356‬‬

‫‪137‬‬
‫الفرق بين القواعد الفقهية والضوابط الفقهية‪:‬‬
‫ضبَ َط الشيءَ إذا حفظه حفظاً بليغاً‪.‬‬
‫الضابط – لغةً – مأخوذ من َ‬
‫ويف اصطالح احملدثني‪ :‬احلافظ املتقن‪.‬‬
‫أما يف اصطالح األصوليني فاملقصود به‪ :‬ضبط صور بنوع من أنواع الضبط من‬
‫(‪)1‬‬
‫غري نظر يف مأخذها‪.‬‬
‫وهناك نقطة التقاء بينه وبني القاعدة تتمثل يف أن كال منهما تندرج حتته أحكام‬
‫فقهية‪ .‬بيد أن ما يندرج من أحكام حتت الضابط يرجع إىل باب واحد‪ ،‬يف حني أن‬
‫القاعدة تتضمن أحكاما من أبواب فقهية شىت(‪ .)2‬وهذا هو الفرق بينهما‪ ،‬يقول ابن‬
‫جنيم(‪ « :)3‬والفرق بني الضابط والقاعدة أن القاعدة جتمع فروعاً من أبواب شىت‪،‬‬
‫والضابط جيمعها من باب واحد‪ ،‬هذا هو األصل»(‪.)4‬‬
‫فقاعدة «اليقني ال يزول بالشك» تندرج يف أبواب فقهية متعددة؛ كالطهارة‪،‬‬
‫والصالة ‪ ،‬والزكاة‪ ،‬والصوم‪ ،‬واحلج‪ ،‬والنكاح‪ ،‬والبيوع‪ ،‬واملواريث‪...‬إخل‪.‬‬
‫أما الضابط‪ ،‬فهو جيمع فروعاً فقهيةً يف باب واحد‪ ،‬كقول الفقهاء‪« :‬كل معصية‬
‫مقدر ففيها تعزير »(‪.)5‬‬
‫حد ٌ‬‫ليس فيها ٌّ‬
‫ويالحظ بعض(‪ )6‬الباحثني أن الفقهاء – قدمياً – مل يفرقوا – يف الغالب – بني‬
‫القواعد والضوابط؛ فكثرياً ما استخدموا مصطلح القاعدة وأرادوا به الضابط أو‬

‫‪ -‬معجم املصطلحات واأللفاظ الفقهية‪ .‬حممد عبد الرمحن عبد املنعم‪ .‬القاهرة‪ ،‬دار الفضيلة‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(د‪.‬ت)‪.404-2/403 .‬‬
‫‪ -‬القواعد الفقهية‪ ،‬الندوي‪ .‬ص ‪ 46‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬وابن جنيم(ت‪970‬هـ) هو زين الدين بن إبراهيم بن حممد‪ ،‬الشهري بابن جنيم‪ .‬من أبرز فقهاء‬ ‫‪3‬‬

‫احلنفية يف عصره‪ F.‬اشتغل باإلفتاء والتدريس‪ .‬وأغلب مؤلفاته املعروفة يف الفقه وأصوله‪ .‬من‬
‫أمهها‪« :‬البحر الرائق شرح "كنز الدقائق" لعبد اهلل النسفي»‪ ،‬و«األشباه والنظائر»‪ ...‬شذرات‬
‫الذهب‪8/358 .‬؛ ومعجم املؤلفني‪.4/192 F.‬‬
‫‪ -‬األشباه والنظائر‪ .‬ص ‪.192‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬األشباه والنظائر‪ ،‬ابن جنيم‪ .‬ص ‪.217‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ -‬القواعد الفقهية‪ ،‬الندوي‪ .‬ص ‪.47‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪138‬‬
‫العكس‪ .‬من ذلك كتاب "القواعد" البن رجب احلنبلي(‪ )1‬الذي أورد عشرات املسائل‬
‫حتت عنوان القاعدة وهي – يف حقيقتها – ضوابط‪ ,‬وهو عني ما سار عليه تاج‬
‫الدين السبكي وأبو زيد الدبوسي‪.‬‬
‫ولعل عدم التمييز بني الضابط والقاعدة يندرج يف سياق استقرار املصطلحات‬
‫العلمية‪ ،‬ومراعاة ما يطرأ عليها من تطور خالل استخدام العلماء هلا‪.‬‬
‫فإن استقرار معىن «القاعدة الفقهية» و«الضابط» ‪ -‬على ما هو عليه اآلن – قد‬
‫أخذ فرت ًة طويلةً من الزمن‪ .‬مث إن هؤالء الفقهاء كانوا يكتبون لقراء يفهمون – بداهةً‬
‫متك ٍن لغوي وصفاء ذهين َّأهلهم‬‫– الفرق بني القاعدة والضابط؛ ملا امتازوا به من ُّ‬
‫(‪)2‬‬
‫للتمييز بني املصطلحات‪.‬‬
‫الفرق بين القواعد الفقهية والنظريات الفقهية‪:‬‬
‫النظرية – لغةً ‪ :-‬مشتقة من النظر؛ وهو تقليب البصر والبصرية إلدراك الشيء‬
‫ورؤيته‪ .‬وقد يراد به التأمل والفحص‪ ،‬وقد يراد به املعرفة احلاصلة بعد الفحص‬
‫(‪)3‬‬
‫والرويَّة‪.‬‬
‫وعند الفالسفة‪ُ :‬مركب عقلي مؤلف من تصورات منسقة هتدف إىل ربط النتائج‬

‫(‪)4‬‬
‫باملبادئ‪.‬‬

‫‪ -‬احلافظ عبد الرمحن بن شهاب الدين‪ ،‬الشهري بابن رجب‪ .‬فقيه وحمدث‪ .‬من أعرف أهل‬ ‫‪1‬‬

‫عصره باملذهب احلنبلي‪ .‬من مؤلفاته‪« :‬تقرير القواعد وحترير الفوائد» املشهور بالقواعد‪،‬‬
‫و«جامع العلوم واحلكم»‪ ،‬و«الذيل على طبقات احلنابلة»‪ .‬شذرات الذهب‪.6/339 .‬‬
‫‪ -‬القاعدة الكلية«اليقني ال يزول بالشك» وعالقتها بعلم األصول‪ ،‬حممد سعيد العمور‪(.‬رسالة‬ ‫‪2‬‬

‫ماجستري)‪ .‬اجلماهريية العربية الليبية‪ -‬الزاوية‪ ،‬جامعة السابع من أبريل‪1995 .‬م‪ .‬ص ‪.16‬‬
‫‪ -‬املفردات يف غريب القرآن‪ .‬األصفهاين‪ .‬ص ‪.497‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬املعجم الفلسفي‪ ،‬مجيل صليبا‪ .‬بريوت‪ ،‬دار الكتاب اللبناين‪1979( .‬م)‪.2/477 .‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪139‬‬
‫وعند الفقهاء – مبعناها العام ‪ :-‬مفهوم كلي قوامه أركان(‪ )1‬وشرائط(‪ )2‬وأحكام‬
‫عامة يتصل مبوضوع عام معنّي ‪ ،‬حبيث يتكون من أولئك نظام تشريعي ملزم‪ ،‬يشمـل‬
‫بأحكامه كـل ما يتحقق فيه مناط(‪ )3‬موضوعه‪ )4(.‬وذلك كنظرية امللك‪ ،‬ونظرية‬
‫(‪) 6‬‬
‫العقد(‪ ،)5‬ونظرية احلق‪ ،‬ونظرية التعسف يف استعمال احلق‪.‬‬
‫ومن هنا يتضح أن النظرية الفقهية تلتقي مع القاعدة الفقهية يف أن كالً منهما‬
‫تشتمل على مسائل فقهية من أبواب متفرقة‪ ،‬مث يفرتقان يف النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ – 1‬أن القاعدة الفقهية تتضمن حكماً فقهياً واحداً‪ ،‬ينطبق على مجيع الفروع‬
‫املندرجة حتتها؛ فقاعدة «اليقني ال يزول بالشك» تضمنت حكماً فقهياً واحداً يف‬
‫كل جزئية اجتمع فيها يقني وشك‪.‬‬
‫أما النظرية الفقهية‪ ،‬فال تشتمل – بالضرورة – على حكم فقهي واحد؛ فهي‬
‫تتضمن أحكاماً خمتلفةً‪ .‬كنظرية العقد – مثالً ‪ ،-‬فإهنا تتضمن أحكاماً خمتلفةً جيمعها‬
‫(‪) 7‬‬
‫موضوع واحد هو موضوع هذه النظرية‪.‬‬

‫‪ -‬األركان‪ :‬مجع ركن‪ ،‬وهو ما ال يقوم الشيء إال به‪ .‬وهو ما يلزم من وجوده وجود الشيء‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫ويلزم من عدمه عدم الشيء ويكون داخالً يف ماهية الشيء وحقيقته‪ .‬معجم مصطلحات أصول‬
‫الفقه‪ F،‬قطب مصطفى سانو‪ .‬دمشق‪ ،‬دار الفكر‪ .‬ط‪1420(.1:‬هـ‪2000/‬م)‪ .‬ص ‪.223‬‬
‫‪ -‬الشروط‪ :‬مجع شرط‪ :‬وهو – لغةً ‪ :-‬العالمة‪ .‬واصطالحاً‪ :‬ما ال يلزم من وجوده وجود وال‬ ‫‪2‬‬

‫عدم لذاته‪ ،‬ولكنه يلزم من عدمه عدم املشروط‪ .‬مثاله‪ :‬الطهارة للصالة‪ ،‬فإن وجودها ال يلزم منه‬
‫وجود الصالة وال عدمها‪ ،‬خبالف عدم الطهارة فإنه يلزم منه عدم صحة الصالة شرعاً‪ .‬معجم‬
‫مصطلحات أصول الفقه‪ ،‬سانو‪ .‬ص ‪244‬؛ ومعجم املصطلحات الفقهية‪.2/325 .‬‬
‫‪ -‬املناط‪ :‬من ناط الشيء إذا علقه‪ .‬وهو الوصف الظاهر املنضبط الذي يدور مع احلكم وجوداً‬ ‫‪3‬‬

‫وعدماً‪ ،‬وهو العلة الشرعية‪ .‬ومسيت مناطاً ألن احلكم يناط هبا؛ أي يعلق هبا‪ .‬علماً بأن إطالق‬
‫املناط على العلة من اجملاز اللغوي‪ ،‬وذلك ألن احلكم ملا علق هبا كان كالشيء احملسوس الذي‬
‫تعلق بغريه‪ .‬معجم مصطلحات أصول الفقه‪ F،‬قطب مصطفى سانو‪ .‬ص ‪.450‬‬
‫‪ -‬النظريات الفقهية‪ ،‬فتحي الدريين‪ .‬جامعة دمشق‪ .‬ط‪(.2 :‬د‪.‬ت)‪ .‬ص ‪.140‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬امللكية ونظرية العقد‪ ،‬حممد أبو زهرة‪ .‬مصر‪ ،‬دار الفكر العريب‪( .‬د‪.‬ت)؛‪ F‬واملدخل الفقهي‬ ‫‪5‬‬

‫العام‪ ،‬الزرقا‪ ،1/331 .‬و‪.1/377‬‬


‫‪ -‬التعسف يف استعمال احلق‪ ،‬فتحي الدريين‪ .‬بريوت‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ .‬ط‪1981( .3 :‬م)‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪ -‬النظرية العامة للمعامالت يف الشريعة اإلسالمية‪ ،‬أمحد أبو سنة‪ .‬مصر‪ ،‬مطبعة دار التأليف‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪140‬‬
‫‪ – 2‬أن النظرية الفقهية ال بد أن تشتمل على شروط وأركان وإال فإهنا ال تُ ُّ‬
‫عد‬
‫نظرية؛ فنظرية العقد – مثالً – موضوع فقهي عام حتتاج دراسته إىل دراسة أركان‬
‫العقد وشروطه والقواعد العامة اليت تضبط جزئياته وأحكامه‪ .‬أما القاعدة الفقهية‬
‫فإهنا تشتمل على حكم فقهي من غري حاجة إىل شروط أو أركان(‪)1‬؛ كقاعدة‪« :‬‬
‫املشقة جتلب التيسري »‪ ،‬فإهنا تتضمن حكماً واحداً‪ .‬وهو التسهيل والتخفيف يف كل‬
‫احلد املعتاد‪.‬‬
‫ما يف التكليف به مشقة زائدة على ِّ‬
‫الفرق بين القواعد الفقهية والقواعد األصولية_‪:‬‬
‫تشرتك القواعد الفقهية والقواعد األصولية يف كون كل منهما قضيةً كليةً‬
‫ينسحب حكمها العام على أفرادها‪ ،‬وتفرتقان فيما يلي‪:‬‬
‫‪ – 1‬الحقيقة والغاية‪:‬‬
‫فالقواعد األصولية قواعد استداللية ملعرفة احلكم الشرعي – سواء أكان كلياً أم‬
‫جزئياً ‪-‬؛ فهي أدوات اجملتهد الضرورية الستنباطه األحكام من أدلتها وتقريرها وفق‬
‫منهج سليم ومقبول‪.‬‬
‫أما القواعد الفقهية فإهنا – يف أساسها – بيان ألحكام شرعية كلية تتفرع عنها‬
‫متكن من مجع األحكام املتشاهبة واملسائل املتناظرة املبثوثة‬‫أحكام جزئية كثرية؛ فهي ِّ‬
‫يف كتب الفقه ومصادره‪ .‬فهي – إذن ‪ -‬قضايا كلية أو أكثرية‪ ،‬جزئياهتا بعض‬
‫مسائل الفقه‪ ،‬وموضوعها – دائماً – فعل املكلف(‪)2‬؛ لذا فهي خاصة بالفقيه أو املفيت‬
‫أو املتعلم الذي يرجع إليها ‪ -‬ملعرفة احلكم املوجود للفروع – بدل الرجوع إىل‬
‫(‪)3‬‬
‫األبواب الفقهية الواسعة واملتفرقة‪.‬‬
‫‪ – 2‬االطراد والعموم‪:‬‬

‫(‪1386‬هـ‪1967/‬م)‪ .‬ص ‪.44‬‬


‫‪ -‬النظرية العامة للمعامالت يف الشريعة اإلسالمية‪ ،‬أبو سنة‪ .‬ص ‪44‬؛ والقواعد الفقهية‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫للندوي‪ .‬ص ‪64‬؛ وقاعدة «اليقني ال يزول بالشك» وعالقتها بعلم األصول‪ ،‬حممد سعيد‬
‫العمور‪ .‬ص ‪.17‬‬
‫‪ -‬القواعد الفقهية بني األصالة والتوجيه‪ .‬ص ‪.13‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬أصول الفقه‪ ،‬أبو زهرة‪ .‬ص ‪.12-11‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪141‬‬
‫القواعد األصولية مطردة ال استثناء فيها‪ .‬فهي قواعد كلية تنطبق على مجيع‬
‫جزئياهتا وموضوعاهتا‪ ،‬أما القواعد الفقهية فإهنا – مع تغطيتها جلميع فروعها – ال‬
‫ختلو – غالباً – من استثناءات؛ مما خيل باطرادها‪ .‬ولعل هذا ما دفع الفقهاء إىل القول‬
‫(‪)1‬‬
‫بعدم جواز الفتوى مبقتضاها‪.‬‬
‫‪ – 3‬المصدر والنشأة‪:‬‬
‫إن قواعد األصول – كما قال القرايف ‪ « :-‬ناشئة من األلفاظ العربية اخلاصة‪،‬‬
‫وما يعرض لتلك األلفاظ من النسخ والرتجيح‪ ،‬وحنو‪ :‬األمر للوجوب والنهي‬
‫للتحرمي‪ .)2( »......‬أما القواعد الفقهية فإهنا ناشئة عن األحكام الشرعية والقضايا‬
‫الفقهية اليت قد يكون مصدرها‪:‬‬
‫أ – نصاً شرعياً‪ :‬قرآناً(‪ )3‬أو سنةً(‪.)4‬‬

‫‪ -‬درر احلكام شرح جملة األحكام‪ ،‬علي حيدر‪ .‬تعريب فهمي احلسيين‪ .‬بريوت‪ ،‬دار اجليل‪ .‬ط‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪1411( .1‬هـ‪1991/‬م)‪.1/11 .‬‬


‫‪ -‬الفروق‪ ،‬القرايف‪ ،‬شهاب الدين أبو العباس‪ .‬بريوت‪ ،‬دار عامل الكتب‪( .‬د‪.‬ت)‪.1/2 F.‬‬ ‫‪2‬‬

‫اضطُ َّر َغ ْي َر‬


‫‪ -‬كقاعدة « الضرورات تبيح احملظورات » املستفادة من قوله تعاىل‪  :‬فَ َم ِن ْ‬ ‫‪3‬‬

‫اغ َوال عَا ٍد فَال ِإ ْث َم َعلَ ْي ِه ِإنَّ هَّللا َ َغفُو ٌر َر ِحي ٌم ‪( ‬البقرة‪ :‬من اآلية‪.)173‬‬
‫بَ ٍ‬
‫‪ -‬كقاعدة‪ « :‬الضرر يزال » اليت استفيدت من قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ « :‬ال ضرر وال‬ ‫‪4‬‬

‫ضرار » ‪ .‬مسند اإلمام أمحد ‪1/213‬؛ و سنن ابن ماجة (‪)2340‬؛ واألشباه والنظائر‪،‬‬
‫للسيوطي‪ .‬ص ‪.112‬‬

‫‪142‬‬
‫(‪) 1‬‬
‫ب – إمجاع الصحابة‪.‬‬
‫(‪) 2‬‬
‫ج – جمموعة من الفروع واجلزئيات املتحدة يف أصل مناطها ومضموهنا‪.‬‬
‫‪ – 4‬الوجود الذهني والواقعي‪:‬‬
‫القواعد الفقهية متأخرة – يف وجودها الذهين والواقعي – عن القواعد األصولية‪.‬‬
‫وهذا ما يقتضيه الرتتيب املنطقي لألشياء؛ فالفقيه – قبل أن يصوغ القاعدة الفقهية‬
‫اليت جتمع أشتات األحكام املتشاهبة – ال بد أن يلتزم مبجموعة من القواعد األصولية‬
‫تعصمه من اخلطأ يف االستنباط‪ .‬فقواعد األصول متهد الوصول إىل األحكام الشرعية‪،‬‬
‫أما قواعد الفقه‪ ،‬فهي تنظم سلك هذه األحكام وتيسر تطبيقها على املسائل‪.‬‬
‫هذا‪ .‬وقد تتحد القاعدة الفقهية مع القاعدة األصولية – لفظاً ونصاً – لكن‬
‫استعمال الفقيه هلا غري استعمال األصويل؛ وذلك كقاعدة‪ :‬سد الذرائع‪ .‬فإهنا –‬
‫بالنظر إىل كوهنا دليالً شرعياً – قاعدة أصولية‪ ،‬و – بالنظر إىل كوهنا فعالً للمكلف‬
‫(‪) 3‬‬
‫– قاعدة فقهية‪.‬‬
‫ومع أن بعض قواعد الفقه مستمدة من نصوص القرآن والسنة وإمجاع الصحابة‪،‬‬
‫فإهنا مل تظهر – بصفتها علماً له خصائصه ومميزاته – إال يف القرن الرابع اهلجري‪.‬‬
‫أقسام القواعد الفقهية‪:‬‬
‫ميكن تصنيف القواعد الفقهية إىل األقسام التالية‪:‬‬
‫‪ – 1‬قواعد كلية‪:‬‬
‫وهي اليت تتفق ‪ -‬حوهلا – معظم املذاهب الفقهية‪ ،‬ملا متتاز به من الشمول‬
‫والصياغة احملكمة ذات الطابع التقريري‪ ،‬حيث تقرر أحكاماً فقهيةً مستمد ًة ‪ -‬غالباً‬
‫‪ -‬من نصوص شرعية‪.‬‬

‫‪ -‬كقاعدة‪ « :‬االجتهاد ال يُنقض باالجتهاد » اليت استفيدت من إمجاع الصحابة‪ .‬األشباه‬ ‫‪1‬‬

‫والنظائر‪ ،‬السيوطي‪ .‬ص ‪.134‬‬


‫‪ -‬كقاعدة‪ « :‬التابع تابع »‪ .‬م‪.‬س‪ .‬ص ‪.153‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬إيضاح املسالك إىل قواعد اإلمام مالك‪ ،‬للونشريسي‪ ،‬أمحد بن حيىي‪ .‬ت‪ :‬الصادق عبد‬ ‫‪3‬‬

‫الرمحن الغرياين‪ .‬طرابلس‪ ،‬منشورات كلية الدعوة اإلسالمية‪ .‬ط‪1991( .1 :‬م)‪ .‬من مقدمة‬
‫احملقق‪ .‬ص ‪32‬؛ والقواعد الفقهية‪ ،‬للندوي‪ .‬ص‪.70-69‬‬

‫‪143‬‬
‫وتتلخص هذه القواعد يف مخس تعترب أساساً لكل ما يتفرع عنها من قواعد‪:‬‬
‫(‪) 1‬‬
‫أ – األمور مبقاصدها‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ب – اليقني ال يزول بالشك‪.‬‬
‫(‪) 3‬‬
‫ج – املشقة جتلب التيسري‪.‬‬
‫(‪) 4‬‬
‫د ‪ -‬الضرر يُزال‪.‬‬
‫(‪)5‬‬ ‫هـ ‪ -‬العادة َّ‬
‫حمكمة‪.‬‬
‫‪ – 2‬قواعد الخالف‪:‬‬
‫وهي قواعد جاءت بصيغة اخلالف االستفهامية وترتب عليها خالف آخر متثل يف‬
‫انطباقها على جزئياهتا‪ .‬من ذلك – مثالً ‪:-‬‬
‫(‪)6‬‬
‫‪ ‬اإلبراء هل هو إسقاط أو متليك ؟‬

‫‪ -‬األشباه والنظائر‪ ،‬ابن جنيم احلنفي‪ .‬ص ‪.22‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬م‪.‬س‪ .‬ص ‪.60‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬م‪.‬س‪ .‬ص ‪.84‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬م‪.‬س‪ .‬ص ‪.94‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬م‪.‬س‪ .‬ص ‪.101‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ -‬اإلبراء – اصطالحاً ‪ :-‬له معنيان‪ :‬أ ‪ -‬إسقاط الشخص حقاً له يف ذمة شخص آخر‪ .‬وهو‬ ‫‪6‬‬

‫– عند احلنفية – قسمان‪ :‬األول‪ :‬إبراء إسقاط‪ ،‬والثاين‪ :‬إبراء استيفاء‪ .‬واألول هو احلقيقي؛ إذ‬
‫الثاين ال يعدو أن يكون اعرتافاً بالقبض واالستيفاء للحق الثابت‪ .‬وهو نوع من اإلقرار‪ .‬ب –‬
‫نوع من التمليك‪ .‬املنثور يف القواعد‪ ،‬للزركشي‪ ،‬حممد بن هبادر‪ .‬ت‪ :‬تيسري فائق حممود‪.‬‬
‫(د‪.‬ن)‪.‬ط‪1999( .2 F:‬م)‪1/81 .‬؛ واألشباه والنظائر‪ ،‬للسيوطي‪ .‬ص ‪219‬؛ ومعجم‬
‫املصطلحات واأللفاظ الفقهية‪ ،‬حممود عبد املنعم‪.40-1/39 .‬‬

‫‪144‬‬
‫(‪)1‬‬
‫‪ ‬احلوالة هل هي بيع أو استيفاء ؟‬
‫(‪)2‬‬
‫‪ ‬النذر هل يسلك به مسلك الواجب أو اجلائز ؟‬
‫(‪) 3‬‬
‫‪ ‬العربة بصيغ العقود أو معانيها ؟‬
‫(‪)4‬‬
‫‪ ‬اإلقالة هل هي فسخ أو بيع ؟‬
‫عد أول الكتب اليت خصصت ملثل هذا‬ ‫ولعل كتاب «تأسيس النظر» للدبوسي يُ ُّ‬
‫النوع من القواعد‪ .‬فإن مؤلفه – وهو واضع علم اخلالف – جعل موضوع كتابه‬
‫هذا بيان أسباب منشأ اخلالف بني أيب حنيفة وأصحابه من جهة‪ ،‬وبني األحناف‬
‫عد – حبق – من أوائل‬ ‫والشافعية من جهة أخرى؛ ولذلك فإن هذا الكتاب يُ ُّ‬
‫املصنفات يف الفقه املقارن‪.‬‬
‫وكما ي‪FF‬وحي به اسم ه‪FF‬ذه القواع‪FF‬د‪ ،‬ف‪FF‬إن أغلبها قواعد مذهبي‪FF‬ة‪ ،‬تلم ش‪FF‬تات املس‪FF‬ائل‬
‫الفرعية يف كل مذهب من خالل إحلاق هذه الفروع بأصوهلا‪.‬‬
‫عد كتاب «إيضاح املسالك إىل قواعد اإلمام أيب عبد اهلل مالك» لإلمـ ـام‬ ‫ويُ ُّ‬

‫‪ -‬احلوالة – شرعاً ‪ :-‬عقد يقتضي نقل الدَّين وحتويله من ذمة احمليل إىل ذمة احملال عليه‬ ‫‪1‬‬

‫(احلنفية)‪ ،‬أو إبدال دين بآخر للدائن على غريه رخصة‪ ،‬أو طرح الدين عن ذمة مبثله يف أخرى‬
‫(املالكية)‪ .‬األشباه والنظائر‪ ،‬للسيوطي‪ .‬ص ‪217‬؛ ومعجم املصطلحات واأللفاظ الفقهية‪.‬‬
‫‪.1/600‬‬
‫‪ -‬النذر – شرعاً ‪ :-‬التزام مسلم مكلف قربةً ولو تعليقاً‪ .‬وهو يطلق باملعىن األعم ومبعىن‬ ‫‪2‬‬

‫أخص‪ .‬فاألعم يطلق على املندوب واملكروه واحلرام ملا ورد يف اإلطالقات الشرعية واألحاديث‬
‫النبوية‪ ,‬واألخص – وهو املأمور بأدائه – التزام طاعة بنية قربة ال المتناع‪ .‬واألشباه والنظائر‪،‬‬
‫للسيوطي‪ .‬ص ‪210‬؛ ومعجم املصطلحات واأللفاظ الفقهية‪3/408 .‬‬
‫‪ -‬م‪.‬س‪ .‬ص ‪.212‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬اإلقالة – لغة ‪ :-‬الرفع واإلزالة‪،‬و يف الشرع‪ :‬رفع العقد وإزالته برضى الطرفني‪ .‬وهذا القدر‬ ‫‪4‬‬

‫متفق عليه بني الفقهاء‪ ،‬لكنهم اختلفوا يف اعتبارها فسخاً أو عقداً جديداً‪ .‬وعلى العموم فاإلقالة‬
‫يف البيع تكون بفضه وإبطاله‪ .‬أي أنك ترد ما أخذت من الطرف [املتعاقد] إليه ويرد عليك ما‬
‫أخذ منك‪ .‬األشباه‪ ،‬للسيوطي‪ .‬ص ‪220‬؛ ومعجم املصطلحات الفقهية‪.1/256.‬‬

‫‪145‬‬
‫الونشريسي(‪ )1‬أمنوذج ‪F‬اً جي‪FF‬داً هلذا القس‪FF‬م؛ حيث خصصه مؤلفه للقواعد املختلف فيها‬
‫يف املذهب املالكي‪ .‬وهو – بذلك – استطاع أن جيمع كثرياً من املسائل سواء كانت‬
‫متن ‪FF‬اثرةً يف الكتب الفقهي ‪FF‬ة‪ ،‬مث ‪FF‬ل‪ :‬خمتصر ابن احلاجب‪ ،‬وبداية اجملته ‪FF‬د‪ ،‬وكت ‪FF‬اب عم ‪FF‬دة‬
‫األحك‪FF‬ام‪ ،‬أو مف‪FF‬ردةً يف أب‪FF‬واب خاصة ض‪FF‬من مؤلف‪FF‬ات‪ .‬ككت‪FF‬ايب‪« :‬األش‪FF‬باه والنظ‪FF‬ائر»‪،‬‬
‫لإلمامني‪ :‬السيوطي وابن جنيم‪.‬‬
‫قواعد الفروق وعالقتها بالقواعد الفقهية‪:‬‬
‫ق ‪FF F‬ام منهج الت ‪FF F‬أليف – يف ه ‪FF F‬ذا القسم – على بي ‪FF F‬ان األحك ‪FF F‬ام األساس ‪FF F‬ية يف كل‬
‫موضعني متشاهبني يف الفقه وإظهار ما بينهما من فروق‪.‬‬
‫وهناك خالف يف إدراج هذا القسم ضمن القواعد الفقهية؛ فاهتمام املؤلفني – يف‬
‫الف‪FF F‬روق – إمنا ي‪FF F‬رتكز على إظه‪FF F‬ار األحك‪FF F‬ام األساس‪FF F‬ية يف موض‪FF F‬وع القاع‪FF F‬دتني‪ :‬حمل‬
‫املقارن‪FF F F F F‬ة‪ .‬وعليه فهي ليست معت‪FF F F F F‬رب ًة يف جمال القواعد مبعناها االص‪FF F F F F‬طالحي‪ ،‬ولكنها‬
‫ُأدرجت فيه باعتبار أن القواعد موضوع أحباثها ومقارنتها‪.‬‬
‫ومن أش ‪FF‬هر املؤلف ‪FF‬ات – يف ه ‪FF‬ذا القسم(‪« :- )2‬الف ‪FF‬روق» لش ‪FF‬هاب ال ‪FF‬دين الق ‪FF‬رايف‪،‬‬
‫الذي تناول أربعاً ومثانني ومخسمائة قاعدة‪ ،‬مبيناً الفرق بينها‪ ،‬حنو قوله‪ « :‬الفرق بني‬

‫‪ -‬هو أمحد بن حيىي بن حممد بن عبد الواحد بن علي الونشريسي(‪914-834‬هـ)‪ :‬فقيه‬ ‫‪1‬‬

‫مالكي‪ ،‬وهو حامل لواء املذهب على رأس املائة التاسعة‪ .‬من مصنفاته‪« :‬إيضاح املسالك إىل‬
‫قواعد اإلمام مالك»‪ ،‬و«املعيار املعرب عن فتاوى علماء إفريقية واألندلس وبالد املغرب»‪،‬‬
‫و«الفروق»‪ F...‬نيل االبتهاج بتطريز الديباج‪ ،‬التنبكيت‪ ،‬أمحد بابا‪ .‬ت‪ :‬جمموعة من طلبة كلية‬
‫الدعوة اإلسالمية بإشراف‪ :‬عبد احلميد اهلرامة‪ .‬طرابلس‪ ،‬منشورات كلية الدعوة اإلسالمية‪ .‬ط‪:‬‬
‫‪1989( .1‬م)‪ .‬ترمجة رقم‪ .)130( :‬ص ‪135‬؛ واالستقصاء‪4/165 .‬؛ ونفح الطيب‪.‬‬
‫‪5/280‬؛ واألعالم‪1/269 .‬؛ ومعجم املؤلفني‪.2/205 F.‬‬
‫‪ -‬لالطالع على املزيد‪ :‬كشف الظنون‪ ،‬حاجي خليفة‪ .‬بريوت‪ ،‬مكتبة املثىن‪( .‬د‪.‬ت)‪F‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪2/1257‬؛ ومعجم املؤلفني‪2/140 .‬؛ وغريمها‪F...‬‬

‫‪146‬‬
‫قاع ‪FF F‬ديت الش‪F F F‬رط واملانع » (‪ ،)1‬و« الف ‪FF F‬رق بني قاع ‪FF F‬دة األدلة وقاع‪FF F‬دة احلج ‪FF F‬اج » (‪،)2‬‬
‫و«الفرق بني قاعدة الشك يف السبب‪ ،‬وبني قاعدة السبب يف الشك »(‪.)3‬‬
‫ونظراً ألمهية هذا القسم‪ ،‬فإن الزركشي ع‪F‬دَّه الن‪FF‬وع الث‪FF‬اين من أن‪FF‬واع الفق‪F‬ه‪ ،‬فق‪F‬ال‪:‬‬
‫« والث‪FF F‬اين‪ :‬معرفة اجلمع والف ‪FF F‬رق‪ ،‬وعليه جل من‪FF F‬اظرات الس‪FF F‬لف حىت ق‪FF F‬ال بعض ‪FF F‬هم‪:‬‬
‫"الفقه فرق ومجع" »(‪.)4‬‬

‫‪ -‬الفروق‪.1/110 .‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬م‪.‬س‪.1/129 .‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬م‪.‬س‪.1/225 .‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬املنثور يف القواعد‪.1/69 .‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪147‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫لمحة تاريخيةـ حول القواعد الفقهية‬
‫لعل مما ميَّز حركة الفقه اإلس ‪FF F F F‬المي – منذ بداية التش ‪FF F F F‬ريع إىل عهد أئمة املذاهب‬
‫الكب ‪FF‬ار – االجتاه حنو التأص ‪FF‬يل؛ أي‪ :‬تأص ‪FF‬يل القواعد والق ‪FF‬وانني اليت يعتم ‪FF‬دها الفقيه يف‬
‫اس‪FF‬تنباطه حىت يك‪FF‬ون – اس‪FF‬تنباطه – مقب‪FF‬والً ومعت‪FF‬رباً‪ .‬وقد أمثر ه‪FF‬ذا االجتاه علم‪F‬اً نفيس‪F‬اً‬
‫من أهم علوم الشريعة هو أصول الفقه‪.‬‬
‫وبعد أن بلغ التأص‪FF F‬يل مرحل ‪F F‬ةً متقدم ‪F F‬ةً – من النضج واالس‪FF F‬تواء – ب‪FF F‬رزت مرحلة‬
‫التفريع على تلك األص ‪FF F‬ول املس ‪FF F‬تنبطة‪ ،‬فاتسع الفقه باتس ‪FF F‬اع مادت ‪FF F‬ه‪ ،‬وبتن ‪FF F‬وع الوق ‪FF F‬ائع‬
‫وكثرهتا‪ .‬لكن ه ‪FF‬ذا االتس ‪FF‬اع وتلك الك ‪FF‬ثرة جعلت اإلحاطة ب ‪FF‬الفروع كلها أم ‪FF‬راً ش ‪FF‬اقاً‬
‫وعسرياً إن مل يكن متعذراً‪.‬‬
‫فلجأ بعض الفقه‪FF F F F F‬اء – يف عملية تركيبية – إىل ض‪FF F F F F‬بط تلك الف‪FF F F F F‬روع من خالل‬
‫قواعد وضوابط تندرج حتتها‪.‬‬
‫وتربز أمهية هذا العمل يف‪:‬‬
‫‪ – 1‬أن اإلحاطة بالقواعد أيسر وأسهل من اإلحاطة بالفروع واجلزئيات‪.‬‬
‫‪ – 2‬أن اإلحاطة هبا ِّ‬
‫متكن الفقيه اجملتهد من إحلاق أي ف‪FF F F F F F F‬رع مبا يناس‪FF F F F F F F‬به من‬
‫القواع‪F‬د‪ ،‬فيع‪F‬رف حكمه بأيسر طري‪F‬ق؛ وه‪F‬ذا مما مينح الفقيه مرون‪F‬ةً واس‪F‬تيعاباً لكثري من‬
‫(‪)1‬‬
‫املستجدات‪.‬‬
‫وإذا ك‪FF F‬انت أهم القواعد الفقهية وأعمها قد استخلصت من نص‪FF F‬وص الش‪FF F‬ريعة –‬
‫الس ‪FF F‬يما أق ‪FF F‬وال(‪ )2‬الرس‪FF F‬ول ص‪FF F‬لى اهلل عليه وس ‪FF F‬لم ال ‪FF F‬ذي أويت جوامع الكلم ‪-‬؛ ف ‪FF F‬إن‬

‫‪ -‬املنثور يف القواعد‪ .‬من مقدمة احملقق‪ .‬ص ‪.7‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬تضمنت بصيغها قواعد فقهية؛ وهي مستمدة – يف أصلها – إما من نص حديث نبوي‬ ‫‪2‬‬

‫شريف أو قول صحايب جليل أو قول فقيه جمتهد‪.‬‬


‫ومثال األحاديث اليت استمدت منها قواعد‪ ،‬ما ُروي عن الرسول صلى اهلل عليه وسلم ‪ « :‬البيِّنة‬
‫على من ادعى واليمني على من أنكر »‪ ( .‬سنن البيهقي الكربى‪8/123.‬؛ ومصنف ابن أيب‬
‫شيبة‪ .)4/294 .‬وقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ « :‬ادرأوا احلدود عن عباد اهلل ما استطعتم »‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫الب ‪FF‬احث يالحظ تط ‪FF‬وراً ت ‪FF‬درجيياً يف ص ‪FF‬ياغة القواعد عبـر ت ‪FF‬اريخ الفقه إىل أن اس ‪FF‬توت‬
‫علماً قائماً لـه خصائصه ومصنفاته‪.‬‬
‫إن اس ‪FF‬تقراءً جزئي‪F F‬اً – يف املوس ‪FF‬وعات الفقهية لكب ‪FF‬ار اجملته ‪FF‬دين يف الق ‪FF‬رنني‪ :‬الث ‪FF‬اين‬
‫وم ْن تالهم من فقه‪FF F‬اء املذاهب‬ ‫ٍ‬ ‫والث‪FF F‬الث – ِّ‬
‫ميكن من تلمس أق‪FF F‬وال لفقه‪FF F‬اء الص‪FF F‬حابة َ‬
‫غدت أساساً لعلم القواعد الذي تطور فيما حلق من قرون‪.‬‬
‫ولعل أس‪FF F F F‬اس ه‪FF F F F‬ذا التمهيد [ لعلم القواعد ] يرجع إىل اهتم‪FF F F F‬ام الفقه‪FF F F F‬اء بالتعليل‬
‫والتأصيل عقب ذكر مسألة أو تعليق على حديث شريف‪.‬‬
‫ومن أمثلة ذلك‪:‬‬
‫‪ – 1‬ما ورد يف كت ‪FF‬اب «اخلراج» ‪ -‬أليب يوسف – من أق ‪FF‬وال اس ‪FF‬تقرت – فيما‬
‫بعد – بص‪FF‬فتها قواعد فقهية أو أص‪FF‬ولية‪ .‬كقول‪FF‬ه‪ « :‬ليس لإلم‪FF‬ام أن خيرج ش‪FF‬يئاً من يد‬
‫أحد إال حبق ث‪FF‬ابت مع‪FF‬روف »(‪ .)1‬وقد ص‪FF‬يغ قوله ه‪FF‬ذا يف القاع‪FF‬دة املش‪FF‬هورة‪ « :‬الق‪FF‬دمي‬
‫يُرتك على قدمه »(‪.)2‬‬
‫‪ – 2‬ما ج ‪FF‬اء يف كت ‪FF‬اب «األص ‪FF‬ل» ‪ -‬البن احلسن الش ‪FF‬يباين – من ع ‪FF‬رض ملس ‪FF‬ائل‬
‫كث ‪FF F F‬رية مقرونة بتعليالهتا اليت حتددها القاع ‪FF F F‬دة الكلي ‪FF F F‬ة‪ « :‬اليقني ال ي ‪FF F F‬زول بالشك »‪:‬‬
‫«قلت‪ :‬أرأيت رجالً أح‪FF F F F‬دث‪ ،‬مث ش‪FF F F F‬ك‪ ،‬فال ي‪FF F F F‬دري أتوضأ أم ال ؟‪ .‬ق‪FF F F F‬ال‪ :‬هو على‬
‫حدثه غري متوضئ حىت يس‪FF F‬تيقن بالوض‪FF F‬وء‪ .‬وإذا توضأ فال يك‪FF F‬ون حمدثاً حىت يس‪FF F‬تيقن‬
‫باحلدث‪ .‬وإذا أحدث مل يكن متوضًأ حىت يستيقن بالوضوء »(‪.)3‬‬

‫(مصنف ابن أيب شيبة‪".‬رقم‪ .)5/511 "28496:‬وقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ « :‬ال ضرر وال‬
‫ضرار »‪( .‬سنن البيهقي‪" .‬رقم‪ ( .)6/69 ."11166:‬عن موسوعة التخريج الكربى)‪F.‬‬
‫‪ -‬كتاب اخلراج (ضمن موسوعة اخلراج)‪ .‬ص ‪.65‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬سند هذه القاعدة قول الرسول صلى اهلل عليه وسلم ‪ « :‬ال ضرر وال ضرار »‪ .‬درر احلكام‬ ‫‪2‬‬

‫شرح جملة األحكام‪( .‬املادة‪.1/24 .)6 :‬‬


‫‪ -‬كتاب األصل(املبسوط)‪ ،‬الشيباين‪ .‬ت‪ :‬أبو الوفا األفغاين‪ .‬بريوت‪ ،‬عامل الكتب‪ .‬ط‪.1 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫(‪1410‬هـ‪1990/‬م)‪.1/83 .‬‬

‫‪149‬‬
‫ونفس ه‪FF‬ذه النم‪FF‬اذج جندها ل‪FF‬دى فقه‪FF‬اء كث‪FF‬ريين‪ .‬كاخلط‪FF‬ايب(‪ )1‬يف «مع‪FF‬امل الس‪FF‬نن»‪،‬‬
‫وابن عبد الرب(‪ )2‬يف «التمهي‪FF F‬د»؛ فإهنما قد أج‪FF F‬ادا يف ص‪FF F‬ياغة قواعد التعليل مع ع‪FF F‬رض‬
‫(‪)3‬‬
‫طرق استنباطها من اآليات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة‪.‬‬
‫القواعد الفقهية في صياغتها_ العلمية‪:‬‬
‫ع ‪FF‬رفت الق ‪FF‬رون الثالثة األوىل للهج ‪FF‬رة وضع األسس الك ‪FF‬ربى لقواعد الفقه بعد أن‬
‫مهدا لظه‪FF‬ور الص‪FF‬ياغة املتم‪FF‬يزة ملا أص‪FF‬بح‬
‫ش‪FF‬هد علم الفقه نفسه تط‪FF‬وراً ونض‪FF‬جاً كب‪FF‬ريين َّ‬
‫يُعرف بعلم القواعد الفقهية‪.‬‬
‫وتنسب أغلب(‪ )4‬املصادر صياغة أول جمموعة من القواعد – اليت ما زال ــت‬

‫‪ -‬أبو سليمان أمحد بن حممد اخلطايب البسيت (ت‪ :)388‬حمدث‪ ،‬ولغوي‪ ،‬وفقيه‪ ،‬وأديب‪ .‬من‬ ‫‪1‬‬

‫تصانيفه‪« :‬معامل السنن يف شرح كتاب السنن أليب داود»‪ ،‬و«غريب احلديث»‪ ،‬و«شرح‬
‫البخاري»‪ ،‬ولـه شعر‪ .‬سري أعالم النبالء‪17/23 .‬؛ وكشف الظنون‪2/1005 .‬؛ ومعجم‬
‫املؤلفني‪2/61 F.‬؛‬
‫‪ -‬ابن عبد الرب‪ :‬هو اإلمام احلافظ يوسف بن عبد اهلل بن حممد بن عبد الرب النمري القرطيب‬ ‫‪2‬‬

‫املالكي‪ ،‬أبو عمر‪ .‬من كبار حفاظ احلديث‪ ،‬مؤرخ أديب‪ ،‬وحباثة‪ .‬ولد بقرطبة‪ ،‬ورحل رحالت‬
‫طويلة يف غريب األندلس وشرقيها‪ .‬ويل القضاء‪ ،‬وتويف بشاطبة سنة ‪463‬هـ‪ .‬من مؤلفاته الكثرية‪:‬‬
‫«االستيعاب يف معرفة األصحاب» يف تراجم الصحابة‪ ،‬و«التمهيد ملا يف املوطأ من املعاين‬
‫واألسانيد»‪ ،‬و«جامع بيان العلم وفضله»‪ ،‬و«االستذكار يف شرح مذاهب علماء األمصار»‪....‬‬
‫سري أعالم النبالء‪499-15/498 .‬؛ واألعالم‪.8/240 .‬‬
‫‪ -‬معامل السنن‪ ،3/182 .‬و‪ ،4/135‬و‪ ،153-4/152‬و‪6/305‬؛ والتمهيد‪ ،2/39 .‬و‬ ‫‪3‬‬

‫‪ ،14/369‬و‪...17/114‬؛‪ F‬والقواعد الفقهية‪ ،‬الندوي‪ .‬ص ‪.125-114‬‬


‫‪ -‬األشباه والنظائر‪ ،‬للسيوطي‪ .‬ص ‪15‬؛ واألشباه والنظائر‪ ،‬البن جنيم‪ .‬ص ‪.11-10‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪150‬‬
‫متداول ‪F F F‬ةً إىل ح‪Fِّ F F F‬د اآلن – إىل الفقيه احلنفي أيب ط‪FF F F‬اهر ال‪FF F F‬دبّاس(‪ ،)1‬فإنه هو ال‪FF F F‬ذي َّ‬
‫رد‬
‫مس ‪FF‬ائل الفقه احلنفي إىل س ‪FF‬بع عش ‪FF‬رة قاع ‪FF‬دة‪ ،‬وله يف ذلك واقعة طريفة مع أحد فقه ‪FF‬اء‬
‫الش‪FF F‬افعية ذكرهتا املص‪FF F‬ادر يف س ‪FF‬ياق احلديث عن ت ‪FF‬اريخ تط ‪FF‬ور حركة التقعيد يف الفقه‬
‫(‪)2‬‬
‫اإلسالمي‪.‬‬
‫وميكن الق ‪FF F‬ول ب ‪FF F‬أن الق ‪FF F‬رن الرابع اهلج ‪FF F‬ري قد ش ‪FF F‬هد بداية ت ‪FF F‬دوين القواعد الفقهية‬
‫بص ‪FF‬فتها فنّ ‪F‬اً من فن ‪FF‬ون الفق ‪FF‬ه‪ .‬ولعل حماولة أيب ط ‪FF‬اهر ال ‪FF‬دباس ك ‪FF‬انت األوىل من نوعها‬
‫لض ‪FF‬بط مس ‪FF‬ائل الفقه وحصر جزئياته يف هيئة قواع ‪FF‬د‪ ،‬على ال ‪FF‬رغم من أنه اقتصر – يف‬
‫عمله ه‪FF‬ذا – على مجع ف‪FF‬روع املذهب احلنفي؛ ل‪F‬ذا اس‪FF‬تحق نس‪FF‬بة وضع ه‪FF‬ذا العلم إلي‪FF‬ه‪،‬‬
‫كما استحق من قبله اإلمام الشافعي نسبة وضع أصول الفقه إليه‪.‬‬
‫ونظ ‪FF‬راً للنضج الكبري ال ‪FF‬ذي عرفته املذاهب الفقهي ‪FF‬ة‪ ،‬وما ص ‪FF‬احبه من ت ‪FF‬دوين للفقه‬
‫وتفص ‪FF F F‬يل لألدلة وموازنة بني خمتلف االجته ‪FF F F‬ادات‪ ،‬فقد تركز اهتم ‪FF F F‬ام أص ‪FF F F‬حاب كل‬
‫(‪)3‬‬
‫م ‪FF‬ذهب على التخ ‪FF‬ريج يف إط ‪FF‬ار املذهب‪ .‬كما ص ‪Fَّ F‬رح ب ‪FF‬ذلك ابن خل ‪FF‬دون يف مقدمته‬
‫بقول ‪FF‬ه‪ « :‬وملا ص ‪FF‬ار م ‪FF‬ذهب كل إم ‪FF‬ام علم ‪F‬اً خمصوص ‪F‬اً عند أهل مذهب ‪FF‬ه‪ ،‬ومل يكن هلم‬

‫‪ -‬حممد بن حممد بن س ‪FF‬فيان ال‪ّ F F‬دباس‪ :‬حافظ وخبري بالرواي ‪FF‬ات من املعاص ‪FF‬رين لإلم ‪FF‬ام الك ‪FF‬رخي‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫ويُع ‪Fُّ F‬د أحد أئمة ال ‪FF‬رأي يف الع ‪FF‬راق‪ ،‬وقد خترج به مجاعة من األئم ‪FF‬ة‪ .‬ك ‪FF‬انت وفاته يف الق ‪FF‬رن الرابع‬
‫اهلج‪FF F‬ري‪ .‬اجلواهر املض‪FF F‬ية يف طبق‪FF F‬ات احلنفي‪FF F‬ة‪ ،‬القرش‪FF F‬ي‪ ،‬عبد الق‪FF F‬ادر بن حمم‪FF F‬د‪ .‬ت‪ :‬عبد الفت‪FF F‬اح‬
‫احلل‪FF F F F F‬و‪ .‬مصر ‪ ،‬دار هج‪FF F F F F‬ر‪ .‬ط‪1413( F F .2 :‬هـ‪1993/‬م)‪ ،‬ومؤسسة الرس‪FF F F F F‬الة ‪( .‬ترمجة رقم‪:‬‬
‫‪.3/323 .)1489‬‬
‫‪ -‬يُروى أن بعض أئمة الشافعية هبراة [أبو سعد اهلروي(ت‪488F‬هـ)]بلغه أن اإلمام أبا طاهر‬ ‫‪2‬‬

‫رد مجيع مذهب أيب حنيفة إىل سبع عشرة قاعدة‪ ،‬فسافر إليه‪ .‬وكان أبو طاهر ضريراً‪،‬‬ ‫الدبّاس َّ‬
‫وكان يكرر يف كل ليلة تلك القواعد مبسجده بعد أن خيرج الناس منه‪ ،‬فالتف اهلروي حبصري‬
‫وخرج الناس‪ ،‬وأغلق أبو طاهر املسجد وسرد من تلك القواعد سبعاً‪ ،‬فحصلت للهروي سعلة‪،‬‬
‫فأحس به أبو طاهر فضربه وأخرجه من املسجد‪ ،‬مث مل يكررها فيه بعد ذلك‪ .‬فرجع اهلروي إىل‬
‫رد مجيع‬ ‫أصحابه وتال عليهم تلك السبع‪ .‬قال القاضي أبو سعيد‪«:‬فلما بلغ القاضي حسيناً ذلك َّ‬
‫مذهب الشافعي إىل أربع قواعد»‪ .‬األشباه والنظائر‪ ،‬للسيوطي‪ .‬ص ‪.15‬‬
‫‪ -‬ص ‪.498‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪151‬‬
‫س ‪FF‬بيل إىل االجته ‪FF‬اد والقي ‪FF‬اس‪ ،‬فاحت ‪FF‬اجوا إىل تنظري املس ‪FF‬ائل يف اإلحلاق‪ ،‬وتفريقها عند‬
‫االشتباه بعد االستناد إىل األصول املقررة من مذاهب إمامهم »‪.‬‬
‫ويب ‪FF‬دو ه ‪FF‬ذا اجلهد واض ‪FF‬حاً ل ‪FF‬دى األحن ‪FF‬اف ملا امت ‪FF‬ازوا به من ك ‪FF‬ثرة التفري ‪FF‬ع‪ ،‬وبن ‪FF‬اء‬
‫كثري من األصول على فروع أئمتهم‪.‬‬
‫فاإلم ‪FF‬ام الك ‪FF‬رخي (ت ‪340‬هـ) – وهو املعاصر لإلم ‪FF‬ام ال ‪FF‬دباس – أض ‪FF‬اف إىل ما‬
‫صاغه هذا األخري مجلةً من القواعد‪ ،‬فأصبحت س‪FF‬بعاً وثالثني قاع‪FF‬دةً‪ .‬ش‪FF‬كلت األس‪FF‬اس‬
‫ظ على بعض‪FF‬ها أهنا ليست قواعد ب‪FF‬املعىن‬ ‫للت‪FF‬أليف يف ه‪FF‬ذا العلم اجلدي‪FF‬د‪ ،‬وِإ ْن ك‪FF‬ان يُ َ‪F‬‬
‫الح ُ‬
‫االص‪FF F F‬طالحي‪ ،‬وإمنا هي توجيه‪FF F F‬ات ملا ق‪FF F F‬رره أئمة املذهب يف س‪FF F F‬ياق تعليل األحك‪FF F F‬ام‬
‫واملس ‪FF F‬ائل‪ ،‬مثل قول ‪FF F‬ه‪ « :‬األصل أن كل خرب جييء خبالف ق ‪FF F‬ول أص ‪FF F‬حابنا‪ ،‬فإنه حيمل‬
‫على النسخ أو على أنه مع ‪FF‬ارض مبثله مث ص ‪FF‬ار إىل دليل آخر أو ت ‪FF‬رجيح فيه مبا حيتج به‬
‫أصحابنا من وجوه الرتجيح أو حيمل على التوفيق‪.)1(»...‬‬
‫ويف الق ‪FF‬رن نفسه [ الرابع اهلج ‪FF‬ري ]‪ ،‬ألف الفقيه املالكي ح ‪FF‬ارث اخلشين(‪)2‬كت ‪FF‬اب‬
‫ضم كثرياً من القواعد والكليات الفقهية‪.‬‬
‫«أصول الفتيا» الذي َّ‬
‫أما يف الق ‪FF‬رن اخلامس‪ ،‬فقد ب ‪FF‬رز اإلم ‪FF‬ام أبو علي املروزي(‪ )3‬الش ‪FF‬افعي ال ‪FF‬ذي أرجع‬
‫الفقه الشافعي إىل أربع قواعد‪ ،‬إىل أن أضيف إليها خامسة‪ ،‬فأصبح هذا الفقه عائـداً‬

‫‪ -‬أصول اإلمام الكرخي (ضمن مخس رسائل يف كتاب‪" :‬قواعد الفقه")‪ ،‬مجع ‪:‬املفيت السيد‬ ‫‪1‬‬

‫حممد عميم اإلحسان اجملددي الربكيت‪ .‬كراتشي‪ ،‬الصدف ببلشر‪ .‬ط‪1407( .1 :‬هـ‪/‬‬
‫‪1986‬م) ‪ .‬ص ‪.18‬‬
‫‪ -‬حممد بن احلارث بن أسد اخلشين القريواين مث األندلسي‪ :‬مؤرخ من الفقهاء احلفاظ‪ .‬من‬ ‫‪2‬‬

‫مؤلفاته‪« :‬القضاء بقرطبة»‪ ،‬و«أخبار الفقهاء واحملدثين»‪ ،‬و«االتفاق واالختالف» يف مذهب‬


‫مالك والفتيا‪ .‬تويف على ما رجحه الزركلي حنو ‪366‬هـ‪ .‬األعالم‪.6/75 .‬‬
‫‪ -‬حممد املروزي‪ :‬فقيه شافعي‪ .‬من تصانيفه‪« :‬شرح كتاب الفروع البن احلداد»‪( .‬ت‬ ‫‪3‬‬

‫‪432‬هـ)‪ .‬معجم املؤلفني‪.3/283 .‬‬

‫‪152‬‬
‫إىل مخسة أصول(‪ ،)1‬هي‪:‬‬
‫‪ – 1‬اليقني ال يزول بالشك‪.‬‬
‫‪ – 2‬املشقة جتلب التيسري‪.‬‬
‫‪ – 3‬الضرر يزال‪.‬‬
‫‪ - 4‬العادة َّ‬
‫حمكمة‪.‬‬
‫‪ – 5‬األمور مبقاصدها‪.‬‬
‫كما ب ‪FF F‬رز يف املذهب احلنفي اإلم ‪FF F‬ام أبو زيد الدبوسي ص ‪FF F‬احب كت ‪FF F‬اب «تأس ‪FF F‬يس‬
‫النظ ‪FF‬ر»(‪ )2‬ال ‪FF‬ذي ُيع ‪Fُّ F‬د ب ‪FF‬اكورة املؤلف ‪FF‬ات يف الفقه املق ‪FF‬ارن‪ ،‬س ‪FF‬واء أك ‪FF‬ان داخل املذهب‬
‫الواحد – كاملقارنة اليت عق‪FF F F F F F‬دها بني أيب حنيفة وبني حممد بن احلسن الش‪FF F F F F F‬يباين وأيب‬
‫يوسف ‪ ،-‬أو بني املذهب وغ‪FF F‬ريه – كاملقارن‪FF F‬ات بني األحن‪FF F‬اف واإلم‪FF F‬ام الش‪FF F‬افعي –‬
‫رضي اهلل عنه ‪ ،-‬وبني األحناف واإلمام مالك – رضي اهلل عنه ‪.-‬‬
‫والكت ‪FF‬اب – مبا ض ‪FF‬مه من قواعد كلية وض ‪FF‬وابط فقهية مطبقة على الف ‪FF‬روع اجلزئية‬
‫– ميثل أمنوذجاً متقدماً ومتميزاً للمصنفات يف هذا الفن اجلديد‪.‬‬
‫مر العصور وعرب القرون – يف بن‪FF‬اء ص‪FF‬رح علم‬ ‫وقد تتابعت جهود الفقهاء – على ِّ‬
‫القواعد حىت استوى على سوقه‪.‬‬
‫وإذا كان القرن الس‪F‬ادس اهلج‪F‬ري مل يش‪F‬هد إض‪F‬افات متم‪F‬يز ًة؛ فإنه س‪F‬جل اس‪F‬تمراراً‬
‫للجه‪FF‬ود الس‪FF‬ابقة‪ .‬إذ ق‪FF‬ام اإلم‪FF‬ام جنم ال‪FF‬دين النس‪FF‬في(‪ )3‬ب‪FF‬ذكر أمثلة وش‪FF‬واهد من رس‪FF‬الة‬
‫الك ‪FF F F‬رخي األص ‪FF F F‬ولية‪ ،‬كما ألف اإلم ‪FF F F‬ام عالء ال ‪FF F F‬دين الس ‪FF F F‬مرقندي كت ‪FF F F‬اب «إيض ‪FF F F‬اح‬
‫القواعد»(‪ )4‬الذي ميكن – من خالل عنوانه – أن يندرج يف سياق هذا العلم اجلديد‪.‬‬
‫‪ -‬األشباه والنظائر‪ ،‬للسيوطي‪ .‬ص ‪.15‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬تأسيس النظر (أو أصول املسائل اخلالفية) ضمن كتاب قواعد الفقه للمجددي‪ .‬ص ‪.25‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬عمر بن حممد بن أمحد بن إمساعيل أبو حفص‪ ،‬جنم الدين النسفي (ت‪537‬هـ)‪ :‬ع‪F‬امل بالتفسري‬ ‫‪3‬‬

‫واألدب والت ‪FF‬اريخ‪ .‬من فقه ‪FF‬اء احلنفي ‪FF‬ة‪ُ ،‬ولد بنسف وت ‪FF‬ويف بس ‪FF‬مرقند‪ .‬له حنو مائة مص ‪FF‬نف‪ ،‬منه ‪FF‬ا‪:‬‬
‫«األكمل األطول» يف التفسري‪ ،‬و«نظم اجلامع الصغري» يف فقه احلنفية‪ ،‬و«منظومة اخلالفي‪FF‬ات» يف‬
‫الفق‪FF F F F F‬ه‪ ،‬و«طلبة الطلبة يف االص‪FF F F F F‬طالحات الفقهي‪F F F F F‬ة» ‪ .‬اجلواهر املض‪FF F F F F‬ية‪( .‬ترمجة رقم‪.)1062:‬‬
‫‪660-2/657‬؛ واألعالم‪.5/60‬‬
‫‪ -‬هدية العارفني‪ ،‬إمساعيل باشا البغدادي‪ F.‬بريوت‪ ،‬كتبة املثىن‪(.‬د‪.‬ت)‪.6/90 F.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪153‬‬
‫وميثل الق ‪FF‬رن الس ‪FF‬ابع اهلج ‪FF‬ري مرحل‪F F‬ةً مهم‪F F‬ةً تبل ‪FF‬ور فيها علم القواع ‪FF‬د‪ ،‬واتض ‪FF‬حت‬
‫معامله حىت أش‪F‬رف على النضج الت‪FF‬ام‪ .‬فقد ش‪F‬هدت أب‪FF‬رز املذاهب الفقهية حركة ت‪F‬أليف‬
‫نش‪FF‬يطة أمثرت مص‪FF‬نفات تُع‪Fُّ F‬د مص‪FF‬ادر أص‪FF‬يلة ‪ -‬يف ه‪FF‬ذا الفن – إىل وقتنا احلاض‪FF‬ر‪ .‬منها‬
‫– على سبيل املثال ‪:-‬‬
‫‪ ‬ما ألفه اإلم‪FF‬ام معني ال‪FF‬دين اجلاجرمي(‪ ،)1‬حتت عن‪FF‬وان‪ « :‬القواعد يف ف‪FF‬روع‬
‫الشافعية »‪.‬‬
‫‪ ‬ما ألفه اإلم‪FF F‬ام عز ال‪FF F‬دين بن عبد الس‪FF F‬الم الس‪FF F‬لمي(‪ )2‬يف كتابه الشهيـــر‪« :‬‬
‫قواعد األحكام يف مصاحل األنام »‪.‬‬
‫‪ ‬ما ص ‪FF‬نفه اإلم ‪FF‬ام املالكي ش ‪FF‬هاب ال ‪FF‬دين الق ‪FF‬رايف‪ « :‬أن ‪FF‬وار ال ‪FF‬ربوق يف أن ‪FF‬واء‬
‫الفروق»‪ ،‬وخصصه للفروق بني القواعد الفقهية‪.‬‬
‫‪ ‬ما كتبه الفقيه املالكي البك‪FF F F‬ري(‪ )3‬يف مص‪FF F F‬نفه‪ « :‬املذهب يف ض‪FF F F‬بط قواعد‬
‫املذهب»‪.‬‬
‫ويف القرن الثامن اهلجري عرفت القواعد الفقهية أنضج عصورها باملصنفات‬

‫‪ -‬اإلمام معني الدين بن إبراهيم الشهري باجلاجرمي‪ .‬من أشهر مصنفاته‪« :‬الكفاية يف الفقه»‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫و«القواعد يف فروع الشافعية»‪( .‬ت ‪613‬هـ)‪ .‬شذرات الذهب‪.5/56 .‬‬


‫‪ -‬عز الدين بن عبد العزيز بن عبد السالم امللقب بسلطان العلماء‪ .‬أحد كبار فقهاء الشافعية‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫له كتاب‪« :‬قواعد األحكام يف مصاحل األنام»‪ ،‬و«اإلشارة»‪ ،‬و«جماز القرآن»‪...‬تويف مبصر سنة‬
‫‪ 660‬هـ‪ .‬طبقات الفقهاء‪ ،‬للشريازي‪ .‬ص ‪.267‬‬
‫‪ -‬حممد بن عبد اهلل بن راشد البكري القفصي‪ :‬فقيه وأديب ‪ .‬له مشاركة يف كثري من العلوم‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫تويف بتونس سنة ‪736‬هـ تقريباً‪ .‬األعالم‪.7/111 .‬‬

‫‪154‬‬
‫اخلص‪FF‬بة اليت وض‪FF‬عها فقه‪FF‬اء من م‪FF‬ذاهب ش‪FF‬ىت؛ فقد ألَّف الط‪FF‬ويف(‪ – )1‬يف بداية ه‪FF‬ذا‬
‫(‪)2‬‬
‫الق‪FF F F‬رن – كتابه « القواعد الك‪FF F F‬ربى يف ف‪FF F F‬روع احلنابلة »‪ ،‬وتاله اإلم‪FF F F‬ام ابن ج‪FF F F‬زي‬
‫املالكي ال‪FF F F F F‬ذي أل‪FF F F F F‬ف‪ « :‬الق‪FF F F F F‬وانني الفقهية »‪ ،‬وهو كت‪FF F F F F‬اب مهم لتناوله القواعد يف‬
‫املذاهب األربع‪FF‬ة؛ إذ ق‪FF‬ام بتلخيص م‪FF‬ذهب املالكية منبهاً على م‪FF‬ذهب الش‪FF‬افعية واحلنفية‬
‫واحلنابل ‪FF F‬ة‪ .‬كما ألف اإلم ‪FF F‬ام ص ‪FF F‬در ال ‪FF F‬دين بن الوكيل(‪ )3‬الش ‪FF F‬افعي كت ‪FF F‬اب « األش ‪FF F‬باه‬
‫والنظ‪FF‬ائر »‪ .‬وقد ج‪FF‬اء كتاب ‪F‬اً دقيق ‪F‬اً حمكم ‪F‬اً حىت أض‪FF‬حى أمنوذج ‪F‬اً رائع ‪F‬اً للت‪FF‬أليف يف فن‬
‫القواعد‪.‬‬
‫مث أضاف الع‪F‬امل املالكي ‪ -‬املق‪F‬ري(‪ - )4‬كتابه الب‪FF‬ديع «الكلي‪F‬ات الفقهي‪F‬ة»‪ .‬وقد متيَّز‬
‫ه‪FF F‬ذا الفقيه بنزعة إىل الس‪FF F‬مو باملس‪FF F‬ائل الفقهية إىل مس‪FF F‬توى التقعي‪FF F‬د‪ ،‬وتفنن يف ص‪FF F‬وغ‬
‫(‪)5‬‬
‫القواعد الفقهية الضابطة لفروع عديدة من باب واحد أو من أبواب خمتلف ــة‪.‬‬
‫كما وضع اإلمام صالح الدين كيكلدي(‪ )6‬الشافعي كتابيه‪ « :‬اجملموع املذهب يف‬
‫قواعد املذهب »‪ ،‬و« األشباه والنظائر يف فروع الشافعية »‪.‬‬

‫‪ -‬جنم الدين سليمان بن عبد القوي الطويف‪ :‬فقيه انتسب إىل احلنابلة وله رأي شهري يف موضوع‬ ‫‪1‬‬

‫املصلحة؛ لذا خصص له الباحث فصالً لدراسة رأيه ‪ ..‬من مصنفاته‪« :‬خمتصر الروضة يف أصول‬
‫الفقه»‪ F،‬و«القواعد»‪(F...‬ت ‪710‬هـ)‪ .‬شذرات الذهب‪.6/39 .‬‬
‫‪ -‬أبو القاسم حممد بن أمحد بن جزي الكليب الغرناطي‪ :‬من كبار فقهاء األندلس وعلمائها‪ .‬من‬ ‫‪2‬‬

‫مصنفاته‪« :‬تقريب الوصول إىل علم األصول»‪ ،‬و«وسيلة املسلم يف هتذيب صحيح مسلم»‪ .‬تويف‬
‫سنة (‪741‬هـ)‪ .‬الدرر الكامنة‪3/356 .‬؛ واألعالم‪.5/325 .‬‬
‫‪ -‬صدر الدين حممد بن عمر بن الوكيل يكىن بأيب عبد اهلل‪ .‬من مشاهري علماء الشافعية‪ .‬كان‬ ‫‪3‬‬

‫له مع اإلمام ابن تيمية مناظرات حسنة‪ .‬له نظم جيد وشعر فائق مجعه يف ديوان‪« :‬طراز الدرر»‪.‬‬
‫شذرات الذهب‪6/41 .‬؛ وفوات الوفيات‪ ،‬الكتيب‪ ،‬حممد بن شاكر‪ .‬ت‪ :‬إحسان عباس‪.‬‬
‫بريوت‪ ،‬دار الثقافة‪(.‬ترمجة رقم ‪.4/13 .)490‬‬
‫‪ -‬أبو عبد اهلل حممد املقري‪ :‬من مشاهري علماء املالكية‪ .‬وعنه أخذ الشاطيب وابن خلدون‪ .‬من‬ ‫‪4‬‬

‫تصانيفه‪« :‬الكليات الفقهية»‪ ،‬و«الطرف والتحف»‪ .‬تويف – على الراجح – عام ‪758‬هـ‪.‬‬
‫شذرات الذهب‪6/193 .‬؛ ونيل االبتهاج بتطريز الديباج‪ ،‬التنبكيت‪( .‬ترمجة رقم ‪ .)550‬ص‬
‫‪.420‬‬
‫‪ -‬الكليات الفقهية‪ ،‬لإلمام املقري‪ .‬ت‪ :‬حممد بن اهلادي أبو األجفان‪ .‬اجلماهريية – تونس‪،‬‬ ‫‪5‬‬

‫الدار العربية للكتاب‪1997( .‬م)‪ .‬من دراسة احملقق‪ .‬ص ‪.57‬‬

‫‪155‬‬
‫مث تاله اإلم‪FF F‬ام الس‪FF F‬بكي‪ ،‬ف‪FF F‬ألف كتابه الش‪FF F‬هري «األش‪FF F‬باه والنظ‪FF F‬ائر» س‪FF F‬ار فيه على‬
‫منهج ابن الوكيل يف كتابه الذي حيمل العنوان نفسه‪.‬‬
‫ويف الف‪FF F‬رتة نفس‪FF F‬ها وضع اإلم‪FF F‬ام مجال ال‪FF F‬دين األس‪FF F‬نوي كتاب ‪F F‬اً بعن‪FF F‬وان‪« :‬األش‪FF F‬باه‬
‫والنظ ‪FF‬ائر» أيض‪F F‬اً‪ ،‬وص‪F F‬نَّف الفقيه الش ‪FF‬يعي حممد بن مكي الع ‪FF‬املي(‪ )1‬كت ‪FF‬اب‪« :‬القواعد‬
‫والفوائد يف الفقه واألص ‪FF‬ول العربي ‪FF‬ة» ال ‪FF‬ذي يُع ‪Fُّ F‬د من أهم املؤلف ‪FF‬ات يف القواعد الفقهية‬
‫لدى الشيعة اإلمامية‪.‬‬
‫وتتوجياً للجه ‪FF F‬ود الس ‪FF F‬ابقة ظهر – يف العقد األخري من الق‪FF F F‬رن الث ‪FF F‬امن اهلج ‪FF F‬ري –‬
‫اإلم ‪FF‬ام ب ‪FF‬در ال ‪FF‬دين الزركشي مؤل ‪FF‬ف‪« :‬املنث ‪FF‬ور يف القواع ‪FF‬د»‪ ،‬رتَّب فيه القواعد الفقهية‬
‫على ترتيب املعجم‪.‬‬
‫كما ألف اإلم‪FF‬ام أبو ف‪FF‬رج احلنبلي الش‪FF‬هري ب‪FF‬ابن رجب كتابه القيِّم‪« :‬تقرير القواعد‬
‫وحترير الفوائد» املطبوع حتت عنوان‪« :‬القواعد يف الفقه اإلسالمي»‪.‬‬
‫ويف هناية الق ‪FF‬رن [ الث ‪FF‬امن اهلج ‪FF‬ري ] ألف اإلم ‪FF‬ام علي بن عثم ‪FF‬ان الغ ‪FF‬زي(‪ )2‬كتاب ‪FF‬ه‪:‬‬
‫«القواعد يف الفروع»‪ ،‬فك‪FF F F F‬ان مثرةً جله‪FF F F F‬ود كث‪FF F F F‬رية متض‪FF F F F‬افرة وص‪FF F F F‬لت هبذا العلم إىل‬
‫درجات عليا من النضج والاكتمال‪.‬‬

‫‪ -‬صالح الدين كيكلدي الشهري بابن العالء‪ .‬من فقهاء الشافعية‪ ،‬برع يف فنون كثرية‪ .‬من‬ ‫‪6‬‬

‫مصنفاته‪ :‬كتاب يف «املدلسني»‪ ،‬و«تلقيح الفهوم يف صيغ العموم«‪F(...‬ت ‪761‬هـ)‪ .‬شذرات‬


‫الذهب‪6/190 .‬؛ وطبقات الشافعية (ترمجة رقم‪.2/239 .)858 :‬‬
‫‪ -‬حممد بن مكي بن حامد العاملي‪ :‬أحد فقهاء الشيعة اإلمامية‪ .‬يُلقب بالشهيد األول‪ُ .‬رمي‬ ‫‪1‬‬

‫بفساد العقيدة‪ ،‬ف ُقتل سنة ‪786‬هـ‪ .‬من أشهر مؤلفاته‪« :‬الرسالة النفلية والدروس الشرعية»‪.‬‬
‫أعيان الشيعة‪ ،‬حمسن األمني‪ .‬ت‪ :‬حسن األمني‪ .‬بريوت‪ ،‬دار التعارف‪1406( .‬هـ)‪.10/59 .‬‬
‫‪ -‬علي بن عثمان الغزي الدمشقي‪ ،‬امللقب بشرف الدين‪ :‬أحد كبار الفقهاء األحناف‪ .‬له‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫«اجلواهر والدرر يف الفقه»‪ ،‬و«القواعد يف فروع الفقه»‪( .‬ت ‪799‬هـ)‪ .‬هدية العارفني‪.‬‬
‫‪1/726‬؛ وطبقات الشافعية‪.3/217 .‬‬

‫‪156‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وقد تواصلت إسهامات الفقهاء يف القرن التاسع اهلجري‪ ،‬فقد ألف ابن امللقن‬
‫كتاب‪F F F‬اً يف القواعد س ‪FF F‬ار فيه على منه ‪FF F‬اج س ‪FF F‬ابقيه الس ‪FF F‬يما اإلم ‪FF F‬ام الس ‪FF F‬بكي‪ .‬ومن أهم‬
‫املصنفات اليت ميكن اإلشارة إليها – بصفتها منوذجاً لرقي علم القواعد ‪:-‬‬
‫(‪)2‬‬
‫‪« ‬أسىن املقاصد يف حترير القواعد»‪ ،‬لإلمام العيزري‪.‬‬
‫‪« ‬القواعد املنظومة»‪ ،‬لإلمام ابن اهلائم املقدسي(‪ ،)3‬الذي قام ‪ -‬يف الوقت‬
‫نفسه – بإخراج كتاب اإلمام العالئي‪« :‬اجملموع املذهب يف قواعد املذهب»‬
‫يف صورة جديدة وأمساه‪« :‬حترير القواعد العالئية ومتهيد املسائل الفقهية»‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫‪« ‬القواعد»‪ ،‬لإلمام احلصين‪.‬‬
‫(‪)5‬‬
‫‪« ‬نظم الذخائر يف األشباه والنظائر»‪ ،‬لإلمام شقري‪.‬‬

‫‪ -‬عمر بن علي بن أمحد سراج الدين أبو حفص األنصاري‪ ،‬املعروف بابن امللقن‪ :‬فقيه شافعي‬ ‫‪1‬‬

‫برع يف حفظ احلديث‪ .‬له عدد ضخم من املصنفات بني كبري وصغري‪ .‬من ذلك‪« :‬إكمال‬
‫هتذيب الكمال يف أمساء الرجال»‪ ،‬و«شرح كبري لصحيح البخاري»‪ ،‬و«طبقات األولياء»‪...‬‬
‫(ت‪804‬هـ)‪ .‬شذرات الذهب‪4/77 .‬؛ واألعالم‪.5/218 .‬‬
‫‪ -‬حممد بن حممد بن خضر مشس الدين العيزري (ت ‪808‬هـ)‪ :‬فقيه شافعي‪ .‬له تصانيف كثرية‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫منها‪« :‬الغياث يف املرياث»‪ ،‬و«أدب الفتوى»‪ F،‬و«مصباح الزمان يف املعاين والبيان»‪ .‬الضوء‬
‫الالمع ألهل القرن التاسع‪ ،‬السخاوي‪ ،‬مشس الدين حممد‪ .‬بريوت‪ ،‬دار مكتبة احلياة‪( .‬د‪.‬ت)‪F.‬‬
‫‪9/218‬؛ واألعالم‪.7/44 .‬‬
‫‪ -‬شهاب الدين أمحد بن حممد بن عماد املقدسي‪ :‬فقيه شافعي‪ .‬نبغ يف الفرائض‪ .‬ومسع منه ابن‬ ‫‪3‬‬

‫حجر العسقالين‪( .‬ت ‪815‬هـ)‪ ،‬ودفن ببيت املقدس‪ .‬شذرات الذهب‪.7/109 .‬‬
‫‪ -‬تقي الدين احلصين‪ .‬من أشهر مصنفاته‪« :‬نظم الدرر يف تناسب اآلي والسور»‪ ،‬و«النكت‬ ‫‪4‬‬

‫الوفية مبا يف شرح األلفية»‪( .‬ت ‪885‬هـ)‪ .‬شذرات الذهب‪.7/339 .‬‬


‫‪ -‬شرف الدين عبد الرمحن بن علي بن إسحاق اخلليلي‪ .‬من أشهر مصنفاته‪« :‬الذخرية يف‬ ‫‪5‬‬

‫األشباه والنظائر»‪( .‬ت ‪876‬هـ)‪ .‬هدية العارفني‪.1/533 .‬‬

‫‪157‬‬
‫(‪)1‬‬
‫‪« ‬الكليات الفقهية والقواعد»‪ ،‬البن غازي‪.‬‬
‫وب‪FF F‬النظر يف مؤلف‪FF F‬ات الق‪FF F‬رن التاسع اهلج ‪FF‬ري ميكن أن يُالحظ أن أص‪FF F‬حاهبا اعتن‪FF F‬وا‬
‫باس‪FF F F F‬تكمال جه‪FF F F F‬ود س‪FF F F F‬ابقيهم؛ ف‪FF F F F‬إن جلهم قد ركز على تنس‪FF F F F‬يق ما وصل إليهم من‬
‫(‪)2‬‬
‫مؤلفات‪ .‬يظهر هذا – واضحاً – يف كتايب ابن امللقن وتقي الدين احلصين‪.‬‬
‫أما الق‪FF‬رن العاشر اهلج‪FF‬ري‪ ،‬فيمثل أقصى درج‪FF‬ات النضج اليت عرفها علم القواع‪FF‬د؛‬
‫جتمع – ل‪FF F F F F‬دى علمائه – ث‪FF F F F F‬روة هائلة من املص‪FF F F F F‬نفات احت‪FF F F F F‬اجت إىل ال‪FF F F F F‬رتتيب‬ ‫فقد َّ‬
‫والته‪FF‬ذيب‪ .‬ولعل اإلم‪FF‬ام الس‪FF‬يوطي ممن أج‪FF‬ادوا يف مجع عل‪FF‬وم س‪FF‬لفه يف فن التقعيد على‬
‫املذهب الش‪FF‬افعي بوض‪FF‬عه كت‪FF‬اب «األش‪FF‬باه والنظ‪FF‬ائر يف ف‪FF‬روع الش‪FF‬افعية»‪ ،‬وهو كت‪FF‬اب‬
‫مشهور متداول‪.‬‬
‫عد اإلمام ابن جنيم احلنفي أحد الفقهاء املربزين يف استيعاب جه‪F‬ود الس‪FF‬ابقني‬ ‫كما يُ ُّ‬
‫وصياغتها ‪ -‬صياغةً بديعةً – يف كتابه الشهري «األش‪F‬باه والنظ‪F‬ائر»‪ ،‬ال‪F‬ذي حظي بعناية‬
‫األحن ‪FF‬اف – دراس ‪F‬ةً وش ‪FF‬رحاً وتعليق ‪F‬اً – حىت جتاوزت ش ‪FF‬روحه والتعليق ‪FF‬ات عليه نيف ‪F‬اً‬
‫وعش‪FF‬رين مص‪FF‬نفاً‪ ،‬ال زال كثري منها خمطوط ‪F‬اً‪ ،‬ويوجد العديد – من ه‪FF‬ذه املخطوط‪FF‬ات‬
‫– يف جامعيت‪ :‬األزهر والقاهرة‪.‬‬
‫لقد تواص‪FF F‬لت مس‪FF F‬رية ه‪FF F‬ذا العلم يف الق‪FF F‬رنني‪ :‬احلادي عشر والث‪FF F‬اين عش‪FF F‬ر‪ ،‬غري أن‬
‫الس‪FF F F F F F‬مة املم‪FF F F F F F‬يزة لفقه‪FF F F F F F‬اء القواعد – يف ه‪FF F F F F F‬ذه املرحلة – اهتم‪FF F F F F F‬امهم بالش‪FF F F F F F‬روح‬
‫واالختص ‪FF F F F‬ارات‪ ،‬ولعله أمر منطقي؛ ألن الكم اهلائل – من املؤلف ‪FF F F F‬ات – احت ‪FF F F F‬اج إىل‬
‫شروح‪ ،‬ال سيما املؤلفات ذات املستوى العلمي الرفيع‪ ،‬ووف‪F‬رة الش‪F‬روح – ب‪F‬دورها –‬
‫اقتضت اللجوء إىل االختصار تيسرياً على طلبة العلم واملشتغلني بالفقه‪.‬‬
‫لكن ه ‪FF F‬ذه ال ‪FF F‬وفرة – يف مص ‪FF F‬نفات ف ‪FF F‬روع الفقه وقواع ‪FF F‬ده – أح ‪FF F‬دثت نوع ‪F F‬اً من‬
‫االض‪FF‬طراب يف مي‪FF‬دان القض‪FF‬اء‪ ،‬لك‪FF‬ثرة االختالف‪FF‬ات بني املذاهب ولتع‪FF‬دد األق‪FF‬وال داخل‬

‫‪ -‬أبو عبد اهلل حممد بن أمحد بن حممد بن غازي املكناسي‪ :‬أحد علماء املغرب الكبار‪ .‬كان‬ ‫‪1‬‬

‫إماماً مقرئاً جموداً متقناً للقراءات‪ ،‬ومشاركاً يف علوم كثرية‪ .‬كالتفسري والفقه والعربية واحلديث‬
‫والرجال والسري واملغازي‪ F‬والتاريخ واألدب‪( .‬ت ‪919‬هـ)‪ .‬من مؤلفاته‪« :‬شفاء الغليل يف حل‬
‫مقفل خليل»‪ F...‬نيل االبتهاج بتطريز الديباج‪ ،‬التنبكيت‪(.‬ترمجة رقم‪ .)709:‬ص ‪.581‬‬
‫‪ -‬القواعد الفقهية‪ ،‬للندوي‪ .‬ص ‪.140‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪158‬‬
‫املذهب الواح ‪FF‬د‪ ،‬ولص ‪FF‬عوبة الرج ‪FF‬وع إىل فقه املذاهب املبث ‪FF‬وث يف بط ‪FF‬ون ما ال حيد من‬
‫املصادر – مطولة كانت أو خمتصرة ‪. -‬‬
‫ويف حماولة ملعاجلة ه‪FF‬ذا الوضع ق‪FF‬امت الدولة العثمانية يف أواخر الق‪FF‬رن الث‪FF‬الث عشر‬
‫اهلج‪FF F F F‬ري بتكليف جمموعة من كب‪FF F F F‬ار العلم‪FF F F F‬اء لوضع جملة لألحك‪FF F F F‬ام العدلية تتض‪FF F F F‬من‬
‫(‪)1‬‬
‫القوانني اليت يستند إليها القضاة يف احملاكم املدنية اليت ُأنشئت آنذاك‪.‬‬
‫وقد تركز منهج العمل – يف هذه اجمللة – على‪:‬‬
‫‪ – 1‬مجع القواعد الفقهية واستخالص ‪FF‬ها من مص ‪FF‬ادرها العامة واخلاصة والتص ‪FF‬دير‬
‫هبا‪.‬‬
‫‪ – 2‬اختي‪FF‬ار القواعد وتنس‪FF‬يقها تنس‪FF‬يقاً قانوني ‪F‬اً رائع ‪F‬اً يف أوجز العب‪FF‬ارات؛ مما خ‪FF‬دم‬
‫علم القواع‪FF‬د‪ ،‬وس‪FF‬اعد على ش‪FF‬هرهتا وانتش‪FF‬ارها واالهتم‪FF‬ام هبا‪ ،‬حىت تناوهلا ش‪Fَّ F‬راح اجمللة‬
‫حد سواء‪.‬‬ ‫بالدراسة والتفصيل‪ ،‬وأصبحت موضوع اهتمام الفقهاء والقانونيني على ٍّ‬
‫وقد أورد واض ‪FF‬عوها – بعد مقدمة يف تعريف الفقه – تس ‪FF‬عاً وتس ‪FF‬عني قاع ‪FF‬دةً‪ ،‬كل‬
‫واح ‪FF‬دة منها تُعد أص ‪F‬الً فقهي ‪F‬اً لكثري من الف ‪FF‬روع الفقهي ‪FF‬ة؛ وأول ه ‪FF‬ذه القواعد قاع ‪FF‬دة‪:‬‬
‫«األم ‪F F‬ور مبقاص ‪FF F‬دها»‪ ،‬وآخرها قاع ‪FF F‬دة‪« :‬من س ‪FF F‬عى يف نقض ما متَّ من جهته فس ‪FF F‬عيه‬
‫مردود عليه»(‪.)2‬‬
‫ولعل مما ميَّز اجمللة عن غريها ‪ -‬من املص‪FF F‬نفات الفقهية – طريقة تأليفه ‪FF F‬ا؛ فهي مل‬
‫ت‪FF F‬أت على منط املص‪FF F‬ادر العلمية أو التعليمي‪FF F‬ة‪ ،‬وإمنا ص‪FF F‬يغت بأس‪FF F‬لوب املراجع القانونية‬
‫والقض ‪FF F‬ائية ترتيب‪F F F‬اً وترقيم‪F F F‬اً وس ‪FF F‬هولةَ عب ‪FF F‬ار ٍة وإعراض‪F F F‬اً عن ك ‪FF F‬ثرة األق ‪FF F‬وال يف املس ‪FF F‬ألة‬
‫الواح‪FF F‬دة‪ .‬وه‪FF F‬ذا – كما يق ‪FF F‬ول أحد الفقه‪FF F‬اء املعاص‪FF F‬رين ‪ « :-‬من مقتضى الص ‪FF F‬ياغة‬
‫القانوني‪FF‬ة؛ ف‪FF‬إن الق‪FF‬انون ال جيوز أن يش‪FF‬تمل على غري احلكم ال‪FF‬واجب تطبيق‪FF‬ه‪ .‬أما مي‪FF‬دان‬
‫اآلراء‪ ،‬فإمنا هو الشروح اليت توضع لتكون مصدراً علمياً وتعليمياً‪.)3( »...‬‬

‫‪ -‬تاريخ الفقه اإلسالمي‪ ،‬عمر سليمان األشقر‪ .‬ص ‪.186‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬املدخل الفقهي العام‪ ،‬للزرقا‪.1/227 .‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬املدخل الفقهي العام‪.1/227 .‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪159‬‬
‫وعلى ال‪F‬رغم من أن اجمللة أخ‪F‬ذت موادها من الفقه احلنفي فحس‪F‬ب‪ ،‬فقد جتلى فيها‬
‫وفض النزاع ‪FF‬ات‬‫ق ‪FF‬درة الفقه على الوف ‪FF‬اء مبا تقتض ‪FF‬يه حي ‪FF‬اة الن ‪FF‬اس من تنظيم املع ‪FF‬امالت ِّ‬
‫وفق أحكام الشرع احلكيم‪.‬‬
‫عد خطوةً مهمةً‪ ،‬مهدت حلركة التقنني يف اجملتمعات اإلس‪FF‬المية‬ ‫وهي – بذلك – تُ ُّ‬
‫حتديات كب ‪FF‬ريةً يف جمال‪ :‬السياس ‪FF‬ة‪ ،‬واالقتص ‪FF‬اد‪ ،‬والتنظيمني اإلداري‬ ‫ٍ‬ ‫اليت ك ‪FF‬انت تواجه‬
‫والق‪FF F F‬انوين‪ .‬ذلك أنه أم‪FF F F‬ام طغي‪FF F F‬ان احلض‪FF F F‬ارة الغربية وهيمنتها السياس‪FF F F‬ية والعس‪FF F F‬كرية‬
‫واالقتص ‪FF F‬ادية والعلمي ‪FF F‬ة‪ ،‬أض ‪FF F‬حت قوانينه ونظمه هي الغالب ‪FF F‬ة؛ فس ‪FF F‬ارع حك ‪FF F‬ام البالد‬
‫اإلس‪FF‬المية – مبا يف ذلك الدولة العثمانية – إىل اقتب‪FF‬اس ق‪FF‬وانني الغ‪FF‬رب يف أغلب ف‪FF‬روع‬
‫(‪)1‬‬
‫القانون‪.‬‬
‫ونظ‪FF F F F F F F F‬راً للقيمة العلمية والقانونية اليت حظيت هبا اجملل‪FF F F F F F F F‬ة‪ ،‬فقد تناوهلا الفقه‪FF F F F F F F F‬اء‬
‫والقانونيون بالشرح والتعليق والتوضيح‪ .‬ولعل من أهم ش‪F‬روحها‪« :‬درر احلك‪F‬ام ش‪F‬رح‬
‫جملة األحك‪FF F F F F‬ام»‪ ،‬للفقيه العالمة علي حي‪FF F F F F‬در(‪ ،)2‬حيث اعتىن ببي‪FF F F F F‬ان األدلة الش‪FF F F F F‬رعية‬
‫لألحكام الواردة فيها مع ذكر املصادر الفقهية املعتمدة‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫ومن أوىف شروح اجمللة – أيضاً – ما كتبه قاضي محص ومفتيها الشيخ خالد‬

‫‪ -‬م‪.‬س‪1/229 .‬؛ وتاريخ الفقه اإلسالمي‪ ،‬األشقر‪ .‬ص ‪.180‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬كان الرئيس األول حملكمة التمييز العثمانية وأمني الفتيا ووزير العدلية وأستاذ اجمللة مبعهد‬ ‫‪2‬‬

‫احلقوق يف إستانبول سابقاً‪.‬‬


‫‪ -‬خالد بن حممد بن عبد الستار العطاسي املعروف باألتاسي (ت‪1326‬هـ)‪ُ .‬ولد يف محص‬ ‫‪3‬‬

‫وتويف هبا‪ .‬فقيه وشاعر‪ .‬من أشهر مصنفاته‪« :‬شرح اجمللة»‪ .‬معجم املؤلفني‪.4/97.‬‬

‫‪160‬‬
‫األتاسي وابنه حممد طاهر(‪ )1‬األتاسي؛ حيث ج‪F‬اء ه‪F‬ذا الش‪F‬رح متك‪F‬امالً بني العالم‪F‬تني‪.‬‬
‫ومتيَّز ب‪FF F‬ذكر أدلة القواعد واإلش‪FF F‬ارة إىل املص‪FF F‬ادر املعتم‪FF F‬دة مع براعة يف ش‪FF F‬رح القواعد‬
‫والتعقيب على الشروح السابقة‪.‬‬
‫وإىل ج ‪FF F F‬انب ه ‪FF F F‬ذه األعم ‪FF F F‬ال املتتالية على اجملل ‪FF F F‬ة‪ ،‬توجد ش ‪FF F F‬روح مس ‪FF F F‬تقلة اعتنت‬
‫بالقواعد ال ‪FF‬واردة فيها دون س ‪FF‬ائر مواده ‪FF‬ا‪ .‬ولعل أب ‪FF‬رز ش ‪FF‬رح يف ه ‪FF‬ذا الس ‪FF‬ياق ما أجنزه‬
‫العالمة أمحد(‪ )2‬الزرقا من خالل ما أماله على تالمي‪FF F‬ذه أثن ‪FF‬اء تدريسه م‪FF F‬ادة القواعد –‬
‫لف‪FF‬رتة بلغت عش‪FF‬رين س‪FF‬نةً – وأمسى كتاب‪FF‬ه‪« :‬ش‪FF‬رح القواعد الفقهي‪FF‬ة»‪ .‬وج‪FF‬اء عقبه جنله‬
‫مصطفى(‪ )3‬الزرقا فقام بإعداد كتاب والده وأصدره بالعنوان نفسه‪.‬‬
‫الدراسات الحديثة في مجال القواعد الفقهية‪:‬‬
‫ظهرت دراسات حديثة يف جمال القواعد الفقهية متيزت بطابعني‪:‬‬
‫األول‪ :‬أهنا دراس ‪FF‬ات عص ‪FF‬رية مقدمة بأس ‪FF‬لوب علمي س ‪FF‬هل يركز – فقط ‪ -‬على‬
‫املنهجية يف العرض والتحليل دون إضافة أي جديد متميز عن الدراسات القدمية‪ .‬ومن‬
‫أبرز هذه الدراسات‪:‬‬
‫‪ ‬ما كتبه مص‪FF F‬طفى الزرقا ض‪FF F‬من كت‪FF F‬اب «املدخل الفقهي الع‪FF F‬ام»‪ .‬فقد خصص‬
‫اجلزء الث ‪FF‬اين منه للح ‪FF‬ديث عن القواعد الفقهية وتارخيه ‪FF‬ا‪ ،‬وأش ‪FF‬هر ما ُألف فيها‬
‫مع ش‪FF F‬رح قواعد اجمللة ش‪FF F‬رحاً م‪FF F‬وجزاً‪ ،‬وذكر إح‪FF F‬دى وثالثني قاع‪FF F‬د ًة أخ‪FF F‬رى‬
‫(‪)4‬‬
‫مرتبةً على حروف املعجم‪ .‬فكان جمموع ما أورده ثالثني ومائة قاعد ًة‪.‬‬
‫‪ ‬كت ‪FF F F‬اب «القواعد الفقهية يف الفقه اإلس ‪FF F F‬المي»‪ ،‬ألمحد احلص ‪FF F F‬ري‪ ،‬ظهر س ‪FF F F‬نة‬
‫‪1994‬م‪.‬‬

‫‪ -‬حممد طاهر بن خالد األتاسي (ت ‪1359‬هـ)‪ :‬فقيه عارف باألدب واملوسيقى‪ .‬اشتغل‬ ‫‪1‬‬

‫بالقضاء واإلفتاء‪ .‬من تصانيفه‪«:‬الرد على األمحدية القاديانية»‪ ،‬و«إكمال شرح جملة احلكام‬
‫العدلية» لوالده‪ .‬معجم املؤلفني‪.5/35 F.‬‬
‫‪ -‬أمحد بن حممد بن عثمان الزرقا‪ .‬فقيه وأديب واسع االطالع‪ .‬تويف مبدينة حلب (سنة‬ ‫‪2‬‬

‫‪1357‬هـ)‪ .‬من مقدمة كتاب «شرح القواعد الفقهية»‪ ،‬بقلم عبد الفتاح أبو غدة‪.‬‬
‫‪ -‬مصطفى أمحد الزرقا‪ :‬أحد فقهاء الشام املعاصرين‪ .‬اشتغل بالتدريس منذ مدة طويلة‪ ،‬وله‬ ‫‪3‬‬

‫عدة مصنفات فقهية وقانونية‪ ،‬من أمهها‪ :‬املدخل الفقهي العام‪.‬‬


‫‪ -‬املدخل الفقهي العام‪ 2/969.‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪161‬‬
‫‪« ‬الوج‪FF F F F F F‬يز يف إيض‪FF F F F F F‬اح قواعد الفقه الكلية» حملمد ص‪FF F F F F F‬دقي بن أمحد بن حممد‬
‫البورنو الغ ‪FF F‬زي‪ ،‬مجع فيه مثانني ومائة قاع ‪FF F‬د ًة فقهي‪F F F‬ةً‪ ،‬وش ‪FF F‬رح كل قاع ‪FF F‬دة منها‬
‫ش ‪FF‬رحاً خمتص ‪FF‬راً‪ ،‬مبيِّن ‪F‬اً دليلها وممثالً هلا مع بي ‪FF‬ان اخلالف بني املذاهب يف بعض‬
‫املس‪FF F F‬ائل اخلالفي‪FF F F‬ة‪ .‬وقد جعل املؤلف كتابه مقدم ‪F F F‬ةً لعمل أوسع دائ‪FF F F‬رة ه‪FF F F‬و‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫موسوعة القواعد الفقهية‪.‬‬
‫‪ ‬القواعد الفقهية مفهومه‪FF‬ا‪ ،‬نش‪FF‬أهتا‪ ،‬تطورها دراسة مؤلفاهتا‪ .‬وهو – يف األصل‬
‫– رس‪FF F F‬الة علمية ق‪FF F F‬دَّمها علي بن أمحد الن‪FF F F‬دوي لنيل درجة »املاجس ‪FF F F‬تري« من‬
‫جامعة أم الق ‪FF‬رى مبكة املكرم ‪FF‬ة‪ .‬ولعله من أفضل وأوىف ما ُألف يف القواع ‪FF‬د‪ ،‬ملا‬
‫امتاز به من تتبع دقيق وإحاطة واسعة مبادة املوضوع‪.‬‬
‫‪ ‬كت ‪FF F F‬اب «النظري ‪FF F F‬ات الفقهي ‪FF F F‬ة» لوهبة ال ‪FF F F‬زحيلي‪ .‬وهو يتض ‪FF F F‬من أربعة أب ‪FF F F‬واب‬
‫خصصت الثالثة األوىل – منها – لدراسة ثالث نظري‪FF F F‬ات فقهي‪FF F F‬ة‪ .‬أما الب‪FF F F‬اب‬
‫الرابع فخصص للقواعد الكلية يف الفقه اإلسالمي‪.‬‬
‫الط ‪FF‬ابع الث ‪FF‬اين‪ :‬أن بعض الب ‪FF‬احثني املعاص ‪FF‬رين تن ‪FF‬اول قواعد بعينها وأفردها بالدراسة‬
‫والتحلي ‪FF F F‬ل‪ ،‬وأن بعض ‪FF F F‬هم اآلخر قد توسع يف حبث ج ‪FF F F‬وانب من علم القواعد وعالقته‬
‫بغ‪FF‬ريه من العل‪FF‬وم الش‪FF‬رعية‪ .‬وأغلب ه‪FF‬ذه الدراس‪FF‬ات ت‪FF‬أيت يف س‪FF‬ياق البح‪FF‬وث األكادميية‬
‫لنيل درجات علمية‪.‬‬
‫من ذلك‪:‬‬
‫‪ ‬كت ‪FF F F F F‬اب‪« :‬مقاصد املكلفني»‪ ،‬لعمر بن س ‪FF F F F F‬ليمان األش‪FF F F F F F‬قر‪ ،‬ق ّدمه لنيل درجة‬
‫الدكتوراه من كلية الشريعة جبامعة األزهر‪.‬‬
‫‪ ‬كت‪FF‬اب‪« :‬قاع‪FF‬دة "إعم‪FF‬ال الكالم أوىل من إمهال‪FF‬ه"»‪ ،‬حملم‪FF‬ود بن مص‪FF‬طفى عب‪FF‬ود‬
‫هرم‪FF‬وش اللبن‪FF‬اين‪ ،‬قدَّمه لنيل درجة "املاجس‪FF‬تري" من كلية الش‪FF‬ريعة جبامعة اإلم‪FF‬ام‬
‫حممد بن سعود سنة ‪1404‬هـ‪.‬‬
‫‪ ‬كت‪FF‬اب‪« :‬قاع‪FF‬دة املش‪FF‬قة جتلب التيس‪FF‬ري»‪ ،‬لص‪FF‬احل بن س‪FF‬ليمان بن حممد اليوسف‬
‫احلنبلي‪ .‬نال به درجة "املاجستري" من اجلامعة نفسها‪.‬‬
‫‪ -‬الوجيز يف إيضاح قواعد الفقه الكلية‪ ،‬حممد صدقي بن أمحد البورنو الغزي‪ F.‬بريوت‪ ،‬مؤسسة‬ ‫‪1‬‬

‫الرسالة‪ .‬ط‪1419( .5 :‬هـ‪1998/‬م)‪ .‬ص ‪.107‬‬

‫‪162‬‬
‫‪ ‬كت ‪FF F‬اب‪« :‬قاع ‪FF F‬دة "اليقني ال ي‪FF F‬زول بالش ‪FF F‬ك" وعالقتها بعلم األص ‪FF F‬ول»‪ ،‬حملمد‬
‫س‪FF‬عيد العم‪FF‬ور‪ ،‬ن‪FF‬ال به درجة "املاجس‪FF‬تري" من جامعة الس‪FF‬ابع من أبريل بالزاوية‬
‫(اجلماهريية الليبية)‪ ،‬سنة ‪1995‬م‪.‬‬

‫‪163‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫وظيفة القواعد الفقهية وأهميتها للمجتهد‬
‫تتضح أهمية القواعد الفقهية وفائدتها فيما يلي‪:‬‬
‫أن االش ‪FF‬تغال هبا واإلحاطة هبا يق ‪FF‬دم للمجتهد والفقيه خدم ‪F‬ةً جليل ‪F‬ةً‪ ،‬ال غىن‬ ‫‪َّ – 1‬‬
‫هلما عنها يف عملهم‪FF F F F F F‬ا‪ .‬ذلك أهنا تيسر هلما اإلملام بكثري من األش‪FF F F F F F‬باه والنظ‪FF F F F F F‬ائر‪ ،‬مما‬
‫ميكنهما من اإلحلاق والتخريج‪.‬‬
‫وه‪FF F‬ذا ب‪FF F‬اب واسع يف االجته‪FF F‬اد(‪ .)1‬ول‪FF F‬وال ه‪FF F‬ذه القواعد لتع‪FF F‬ذر الرج‪FF F‬وع إىل كل‬
‫الف‪FF‬روع واجلزئي‪FF‬ات؛ فهي تض‪FF‬بط الف‪FF‬روع الفقهية وجتمع ش‪FF‬تاهتا‪ ،‬يق‪FF‬ول الق‪FF‬رايف‪ « :‬مَْن‬
‫ضبط الفقه بقواعده استغىن عن حفظ أكثر اجلزئيات؛ الندراجها يف الكليات»(‪.)2‬‬
‫فمن العسري – ج ‪FF F F‬داً – حفظ اجلزئي‪FF F F‬ات كله‪FF F F‬ا‪ ،‬يف حني أنه ميكن حفظ القواعد‬
‫على كثرهتا النسبية‪.‬‬
‫أن دراس ‪FF‬تها تس ‪FF‬هم يف تك ‪FF‬وين امللكة الفقهية الض ‪FF‬رورية للمجتهد يف أب ‪FF‬واب‬‫‪َّ – 2‬‬
‫الفقه الواس‪FF‬عة ملعرفة األحك‪FF‬ام الش‪FF‬رعية‪ ،‬ملا يس‪FF‬تجد من أح‪FF‬داث‪ .‬فتط‪FF‬بيق القاع‪FF‬دة على‬
‫احلادثة يتطلب معرفةً دقيقةً مبشتمالهتا ومستثنياهتا‪.‬‬
‫أن دراستها واإلملام هبا يوفر للقضاة واملفتني مصدراً غني‪F‬اً للبحث عن حل‪FF‬ول‬ ‫‪َّ – 3‬‬
‫املس‪FF F‬ائل الطارئ‪FF F‬ة؛ ول‪FF F‬ذا قيل ب‪FF F‬أن حكم دراسة القواعد الفقهية واإلملام هبا ف‪FF F‬رض عني‬
‫(‪)3‬‬
‫على القضاة واملفتني وفرض كفاية على غريهم‪.‬‬
‫‪َّ – 4‬‬
‫أن بدراس ‪FF F‬تها واس ‪FF F‬تيعاهبا ت ‪FF F‬ربز م ‪FF F‬واطن االختالف واالتف ‪FF F‬اق بني املذاهب‬
‫الفقهية‪ ،‬وأسباب ذلك‪ .‬وما دام االتفاق – بني األئمة – حاصالً حول أكثر القواعد‪،‬‬
‫فإن هذه الدراسة تعني على تطوير البحوث الفقهية املقارنة‪.‬‬

‫‪ -‬املنثور يف القواعد‪ ،‬للزركشي‪ .‬من مقدمة احملقق‪.1/34 .‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬الفروق‪.1/3 .‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬الوجيز يف إيضاح قواعد الفقه الكلية‪ .‬حممد البورنو‪ .‬ص ‪.24‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪164‬‬
‫ِر م ‪FF‬دى مرونة الفقه اإلس ‪FF‬المي واس ‪FF‬تيعابه‬
‫‪ – 5‬أن دراس ‪FF‬تها وتوظيفها العلمي يُظْه ُ‬
‫(‪)4‬‬
‫ملا يستجد من أحكام‪ ،‬وصالحيته لكل زمان ومكان‪.‬‬
‫االستدالل بالقواعد الفقهية‪:‬‬
‫لعل من األسئلة املهمة – اليت تواجه املشتغل بعلم القواعد – هو‪:‬‬
‫هل جيوز اختاذ القاعدة الفقهية دليالً شرعياً يستنبط منه حكم شرعي أو ال ؟‬
‫ينقل احلم‪FF‬وي – عن «الفوائد الزينية» البن جنيم – أنه ال جيوز الفت‪FF‬وى مبا تقتض‪FF‬يه‬
‫(‪)2‬‬
‫القواعد والضوابط؛ ألهنا ليست كليةً بل أغلبيةً‪.‬‬
‫وتذكر اجمللة بأن‪ « :‬حكام الشرع ما مل يقفوا على نقل صريح ال حيكم‪FF‬ون مبج‪FF‬رد‬
‫االس ‪FF‬تناد إىل واح ‪FF‬دة من ه ‪FF‬ذه القواع ‪FF‬د‪ .‬إال أن هلا فائ ‪FF‬د ًة كلي ‪F‬ةً يف ض ‪FF‬بط املس ‪FF‬ائل؛ فمن‬
‫اطلع عليها من املط ‪FF‬العني يض ‪FF‬بط املس ‪FF‬ائل بأدلته ‪FF‬ا‪ ،‬وس ‪FF‬ائر املأمورين يرجع ‪FF‬ون إليها يف‬
‫كل خصوص‪.)3( »...‬‬
‫ويقرر مصطفى الزرقا – يف تعليله – عدم جواز االقتص‪FF‬ار على القواعد الفقهية يف‬
‫القضاء دون االستناد إىل نص آخر خ‪F‬اص أو ع‪F‬ام يش‪F‬مل بعمومه احلادثة املقضي فيه‪F‬ا‪،‬‬
‫فهي على أمهيتها وقيمتها – كما يق ‪FF‬ول ‪ « :-‬كث ‪FF‬رية املس ‪FF‬تثنيات؛ فهي دس ‪FF‬اتري للتفقيه‬
‫ال نصوص للقضاء »(‪.)4‬‬
‫إن الس ‪FF‬بب ‪ -‬يف ع ‪FF‬دم اعتب ‪FF‬ار القواعد الفقهية أدل‪F F‬ةً ش ‪FF‬رعيةً الس ‪FF‬تنباط األحك ‪FF‬ام –‬
‫يعود إىل أمرين‪:‬‬
‫‪ ‬األول‪ :‬أن ه ‪FF‬ذه القواعد مثرة جلملة من األحك ‪FF‬ام الفرعية املختلفة وج ‪FF‬امع هلا‪.‬‬
‫وال ميكن أن جُت عل الثمرة أو اجلامع دليالً تستنبط منه األحكام‪.‬‬

‫‪ -‬م‪.‬س‪ .‬ص ‪.25‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬غمز عيون البصائر شرح األشباه والنظائر‪ ،‬احلموي‪ ،‬أمحد بن حممد احلنفي‪ .‬بريوت‪ ،‬دار‬ ‫‪2‬‬

‫الكتب العلمية‪ .‬ط‪1405( .1 :‬هـ)‪ ،1/17 .‬و‪.1/132‬‬


‫‪ -‬درر احلكام شرح جملة األحكام‪ .‬ص ‪.10‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬املدخل الفقهي العام‪.2/967 .‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪165‬‬
‫أن وج‪FF‬ود املس‪FF‬تثنيات – فيها – [ القواعد ] حيول دون بن‪FF‬اء األحك‪FF‬ام‬ ‫‪ ‬الث اني‪َّ :‬‬
‫عليها‪ ،‬وإمنا يُس‪F‬تأنس هبا يف البحث عن حكم ما ج َّ‪F‬د من الوق‪F‬ائع بالقي‪F‬اس على‬
‫ما عُرف حكمه‪.‬‬
‫ه ‪FF F F F F‬ذا‪ .‬وينبغي أن ال يُؤخذ حكم االس ‪FF F F F F‬تدالل بالقواعد على إطالق ‪FF F F F F‬ه‪ .‬بل َّ‬
‫إن فيه‬
‫تفص‪F‬يالً مف‪F‬اده‪ :‬أن القواعد تنقسم – من حيث أص‪F‬وهلا ومص‪F‬ادرها – إىل ما هو – يف‬
‫األس‪FF‬اس – دليل ش‪FF‬رعي؛ لكونه نص ‪F‬اً قرآني ‪F‬اً أو ح‪FF‬ديثاً نبوي ‪F‬اً ش‪FF‬ريفاً‪ ،‬وإىل ما هو مبين‬
‫على دليل شرعي من األدلة املتفق عليها – بني األصوليني – أو املختلف فيها‪.‬‬
‫‪ -‬فما ك‪FF‬ان منها دليالً ش‪FF‬رعياً‪ :‬نص‪F‬اً قرآني‪F‬اً أو ح‪FF‬ديثاً نبوي‪F‬اً ص‪FF‬حيحاً‪ ،‬فال‬
‫خالف يف جواز االستدالل به‪ .‬ومن أمثلة هذا النوع‪:‬‬
‫ما جاء يف قوله تعاىل‪:‬‬
‫س َر َوال يُ ِري ُد بِ ُك ُم ا ْل ُع ْ‬
‫سر ‪.)1( ‬‬ ‫‪  ‬يُ ِري ُد هَّللا ُ بِ ُك ُم ا ْليُ ْ‬
‫‪َ  ‬و َما َج َع َل َعلَ ْي ُك ْم فِي الدِّي ِن ِمنْ َح َرج ‪.)2( ‬‬
‫‪  ‬ال يُ َكلِّفُ هَّللا ُ نَ ْفسا ً ِإاَّل ُو ْ‬
‫س َع َها ‪.)3( ‬‬
‫فكل هذه اآليات الكرمية أدلة شرعية للقاعدة الشهرية‪« :‬املشقة جتلب التيسري»(‪،)4‬‬
‫فاالس ‪FF‬تدالل بالقاع ‪FF‬دة – واحلالة ه ‪FF‬ذه – يُعترب ‪ -‬يف حقيقة األمر – اس ‪FF‬تدالالً ب ‪FF‬القرآن‬
‫الكرمي‪.‬‬
‫ومثل هذا يقال يف القواعد اليت أساسها احلديث النبوي الشريف‪ .‬مثل‪:‬‬
‫‪ « ‬اخلراج بالضمان »‪.‬‬
‫‪ « ‬األمور مبقاصدها »‪.‬‬
‫‪ -‬البقرة ‪.185‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬احلج ‪.78‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬البقرة ‪.286‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬أي أن الصعوبة تصري سبباً للتسهيل‪ ،‬ويلزم التوسع يف وقت الضيق مبا يرفع احلرج عن‬ ‫‪4‬‬

‫املكلف؛ كحال املريض الذي ال يستطيع الصالة قائماً‪ ،‬فيصري مرضه سبباً شرعياً للتخفيف عنه‬
‫بعدم تكليفه بالصالة قائماً‪ ،‬بل باإلذن له بأداء الصالة قاعداً واعتبار صالته هذه صحيحةً وجمزيةً‬
‫كصالته قائماً يف حال صحته‪ .‬الوجيز يف شرح القواعد الفقهية‪ ،‬عبد الكرمي زيدان‪ .‬بريوت‪،‬‬
‫مؤسسة الرسالة‪ .‬ط‪1422( .1 :‬هـ‪2001/‬م)‪ .‬ص ‪.53‬‬

‫‪166‬‬
‫‪ « ‬اليقني ال يزول بالشك »‪.‬‬
‫فإن ه‪FF‬ذا الن‪FF‬وع – من القواعد – ميكن االس‪FF‬تناد إليه يف اس‪FF‬تنباط األحك‪FF‬ام وإثباهتا‪،‬‬
‫وإصدار الفتاوى وإلزام القضاء هبا؛ ألن أساسها دليل شرعي‪.‬‬
‫‪ -‬وما ك ‪FF‬ان منها مبني‪F F‬اً على دليل ش ‪FF‬رعي؛ ف ‪FF‬إ ْن ك ‪FF‬ان متفق‪F F‬اً علي ‪FF‬ه‪ ،‬فإنه يُنظر إىل‬
‫الدليل أوالً ‪ ،‬مث إىل القاعدة للتأييد واالستئناس‪ .‬وإن كان خمتلفاً فيه(‪ )1‬نظر يف‬
‫إمك ‪FF‬ان إعط ‪FF‬اء املس ‪FF‬ألة حكم ‪F‬اً مبوجبه – عند من يعتربونه دليالً ‪ .-‬ف ‪FF‬إن أمكن‬
‫(‪)2‬‬
‫كان هو الدليل‪ ،‬وتكون القاعدة – يف هذه احلالة – دليالً تابعاً لالستئناس‪.‬‬
‫ويبقى الق‪FF F F F‬ول فيما إذا ك‪FF F F F‬انت هن‪FF F F F‬اك مس‪FF F F F‬ألة معينة مل يوجد نص ش‪FF F F F‬رعي يثبت‬
‫حكمها وال دليل أص ‪FF F‬ويل‪ ،‬ووج ‪FF F‬دت قاع ‪FF F‬دة فقهية تش ‪FF F‬ملها‪ .‬وهنا ينبغي على اجملتهد‬
‫التثبت والنظر املتفحص يف القواعد العامة للش‪FF F F F‬ريعة حىت ال يس‪FF F F F‬تخدم قاع‪FF F F F‬دة يف غري‬
‫جماهلا‪.‬‬

‫‪ -‬كسد الذرائع الذي عملت به املالكية ومل تعمل به الشافعية على إطالقه‪ .‬ملزيد من األمثلة‬ ‫‪1‬‬

‫التوضيحية‪ :‬األشباه والنظائر‪ ،‬للسبكي ( قاعدة سد الذرائع)‪.1/119 .‬‬


‫‪ -‬الوجيز يف إيضاح قواعد الفقه الكلية‪ .‬حممد البورنو‪ .‬ص ‪.42‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪167‬‬
‫الفصل الخامس‬
‫علم مـقاصــد الشـريعــة‬

‫المبحث األول‬
‫في تعريفات المقاصد‬
‫يف سياق تطور علوم الشريعة وتكاملها‪ ،‬تربز املقاصد بصفتها عنصراً مهما يف‬
‫فهم أسرار الشريعة وحكمها‪ ،‬وهو ما ال استغناء للمجتهد عنه أثناء اجتهاده‪.‬‬
‫وملعرفة هذه احللقة األساس من حلقات العلوم اخلادمة لالجتهاد‪ ،‬واملرتبطة به‬
‫ارتباطاً وثيقاً‪ ،‬ينبغي التعريف بعناصرها وتتبع نشأهتا وتطورها‪ ،‬ومعرفة جماالت‬
‫توظيفها‪.‬‬
‫تعريف المقاصد‪:‬‬
‫أ – لغةً‪:‬‬
‫صد‪ ،‬اسم مكان من قصد‪ .‬ومعناه‪ :‬التوجه إىل الشيء‬
‫املقاصد – لغة ‪ :-‬مجع َم ْق َ‬
‫شيِكَ ‪.)1( ‬‬ ‫وإتيانه‪ ،‬ومنه قوله تعاىل‪َ  :‬وا ْق ِ‬
‫ص ْد فِي َم ْ‬
‫(‪)2‬‬
‫والقصد يف الشيء‪ :‬خالف اإلفراط‪ ،‬وهو ما بني اإلسراف والتقتري‪.‬‬
‫سفَراً قَا ِ‬
‫صداً‬ ‫ان َع َرضا ً قَ ِريبا ً َو َ‬
‫والقاصد‪ :‬القريب‪ .‬ومنه قوله تعاىل‪:‬لَ ْو َك َ‬
‫شقَّةُ ‪.)3( ‬‬
‫اَل تَّبَ ُعو َك َولَ ِكنْ بَ ُع َدتْ َعلَ ْي ِه ُم ال ُّ‬
‫ومنه – أيضاً – قوهلم‪ :‬بيننا وبني املاء ليلة قاصدة‪ ،‬أي‪ :‬هيِّنة ال تعب فيها‪.‬‬
‫ب – اصطالحاً‪:‬‬
‫من خالل استقراء ما ورد يف «املوافقات»‪ ،‬ميكن القول بأن مقاصد الشريعة‬
‫تعين‪ :‬قصد الشارع من وضع الشريعة ابتداءً‪ ،‬ومن وضعها لإلفهام‪ ،‬ووضعها‬
‫(‪) 4‬‬
‫للتكليف هبا‪ ،‬ووضعها لدخول املكلف حتت حكمها‪.‬‬
‫‪ -‬لقمان ‪.19‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬لسان العرب‪ .‬مادة‪« :‬قصد»‪.3/96 .‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬التوبة ‪.42‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬املوافقات يف أصول الشريعة‪ ،‬الشاطيب‪.2/3 .‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪168‬‬
‫أو هي – كما عرَّب عنها أحد الباحثني ‪ « :-‬إقامة مصاحل املكلفني الدنيوية‬
‫واألخروية على نظام يكونون به عباداً هلل اختياراً كما هم اضطراراً »(‪.)1‬‬
‫وميَّز ابن عاشور – يف تعريفه املقاصد – بني املقاصد العامة للشريعة وبني‬
‫املقاصد اخلاصة؛ فقال‪ « :‬مقاصد التشريع العامة‪ :‬هي املعاين واحلَِكم امللحوظة‬
‫للشارع يف مجيع أحوال التشريع أو معظمها‪ ،‬حبيث ال ختتص مالحظتها بالكون يف‬
‫نوع خاص من أحكام الشريعة‪ .)2( »...‬ومثَّل هلا حبفظ النظام وجلب املصاحل ودرء‬
‫(‪)3‬‬
‫املفاسد وإقامة املساواة بني الناس‪.‬‬
‫عرف املقاصد اخلاصة بقوله‪ « :‬الكيفيات املقصودة للشارع لتحقيق مقاصد‬ ‫كما َّ‬
‫الناس النافعة‪ ،‬أو حلفظ مصاحلهم العامة يف تصرفاهتم اخلاصة‪ ،‬كي ال يعود سعيهم يف‬
‫مصاحلهم اخلاصة بإبطال ما أسس هلم من حتصيل مصاحلهم العامة‪.)4( »...‬‬
‫وميثِّل هلذا النوع – من املقاصد – باحلِ َك ِم اليت راعاها الشارع يف تنظيمه‬
‫ملعامالت الناس‪ ،‬مثل‪ :‬قصد التوثق يف عقد الرهن وإقامة نظام األسرة يف عقدة‬
‫(‪) 5‬‬
‫النكاح ودفع الضرر املستدام يف مشروعية الطالق‪.‬‬

‫‪ -‬املقاصد العامة للشريعة اإلسالمية‪ ،‬عز الدين بن زغيبة‪ .‬القاهرة‪ ،‬دار الصفوة‪ F.‬ط‪( .1 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪1417‬هـ‪1996/‬م)‪ .‬ص ‪.43‬‬


‫‪ -‬مقاصد الشريعة اإلسالمية‪ ،‬حممد الطاهر بن عاشور‪ .‬ت‪ :‬حممد طاهر امليساوي‪ .‬األردن‪ ،‬دار‬ ‫‪2‬‬

‫النفائس – ماليزيا‪ ،‬دار الفجر‪ .‬ط‪1420( .1 :‬هـ‪1999/‬م)‪ .‬ص ‪.183‬‬


‫‪ -‬م‪.‬س‪ .‬ص ‪.200‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬م‪.‬س‪ .‬ص ‪.306‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬م‪.‬س‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪169‬‬
‫(‪) 1‬‬
‫عرف املقاصد بتعريف موجز مجع فيه بني املقاصد‬ ‫أما عالل الفاسي ‪ ،‬فقد َّ‬
‫العامة واخلاصة‪ ،‬فقال‪ « :‬املراد مبقاصد الشريعة‪ :‬الغاية منها‪ ،‬واألسرار اليت وضعها‬
‫الشارع عند كل حكم من أحكامها »(‪ .)2‬فالشطر األول من التعريف «الغاية منها»‪:‬‬
‫تضمن املقاصد العامة‪ ،‬والشطر الثاين‪ :‬تضمن املقاصد اخلاصة‪.‬‬
‫ال شك أن الشريعة – اليت هي أمر رباين – هلا غايات ومقاصد من وضعها ومن‬
‫إلزام املكلفني بأحكامها؛ ذلك أن أفعال اهلل تعاىل منزهة عن العبث كما قال يف حمكم‬
‫ين ‪.)3( ‬فتكاليف‬ ‫س َما َء َواَأْل ْر َ‬
‫ض َو َما بَ ْينَ ُه َما ال ِعبِ َ‬ ‫كتابه‪َ  :‬و َما َخلَ ْقنَا ال َّ‬
‫الشريعة – إذن – موضوعة لتحقيق مقاصد الشارع يف قيام مصاحل الناس يف الدين‬
‫والدنيا معاً‪ .‬وقد روعي يف كل حكم منها – كما يقول أحد الباحثني ‪ « :-‬إما‬
‫حفظ شيء من الضروريات اخلمسة‪ ...‬وإما حفظ شيء من احلاجيات‪ ...‬وإما حفظ‬
‫شيء من التحسينات»(‪ ،)4‬ليتحقق – يف األخري – مقصد الشارع األمسى – من خلق‬
‫اإلنسان وتكليفه – وهو إخالص العبودية للـه تعالـى‪َ  :‬و َما َخلَ ْقتُ ا ْل ِجنَّ َواِأْل ْن َ‬
‫س‬
‫ِإاَّل لِيَ ْعبُد ِ‬
‫ُون ‪.)5( ‬‬

‫‪ -‬عالل الفاسي (‪1974-1910‬م)‪ :‬كاتب مغريب ومفكر واسع االطالع‪ ،‬وسياسي بارز ضد‬ ‫‪1‬‬

‫االستعمار الفرنسي‪ .‬قاد حزب االستقالل ونُفي إىل خارج املغرب مرتني‪ ،‬ودامت مدة نفيه‬
‫حوايل عشرين سنة‪ .‬له إنتاج علمي غزير أكثره بالعربية وبعضه بالفرنسية‪ .‬من أهم مؤلفاته‪:‬‬
‫«النقد الذايت»‪ ،‬و«تاريخ التشريع اإلسالمي»‪ ،‬و«حديث املغرب واملشرق»‪ . F...‬عالل الفاسي‬
‫وأثره يف الفكر اإلسالمي املعاصر‪ ،‬حممد عبد السالم بالسعل‪« .‬رسالة ماجستري»‪ .‬طرابلس‪،‬‬
‫جامعة الفاتح ‪ -‬كلية الرتبية‪.‬‬
‫‪ -‬مقاصد الشريعة اإلسالمية ومكارمها‪ ،‬عالل الفاسي‪ .‬مكتبة الوحدة العربية‪ .‬ص ‪.3‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬األنبياء ‪.61‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬املوافقات‪ .‬من مقدمة الشارح عبد اهلل دراز‪.1/3 .‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬الذاريات ‪.56‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪170‬‬
‫مصطلحات ذات ارتباط بالمقاصد‪:‬‬
‫الحكمة‪:‬‬
‫عبُر – بلفظ احلكمة – عن قصد الشارع أو مقصوده من تشريع احلكم وما‬ ‫يُ َّ‬
‫يرتتب عليه من جلب نفع أو دفع ضرر(‪ .)1‬بل إن الفقهاء أكثر استعماالً له من لفظ‬
‫(‪) 2‬‬
‫املقصد‪.‬‬
‫ومع أنه شاع استعمال هذين املصطلحني – يف الداللة على هذا املعىن – فإن‬
‫هناك فرقاً دقيقاً بينهما ينبغي مراعاته؛ وهو أن املقصد أعم من احلكمة الشتماله على‬
‫األوصاف الظاهرة املنضبطة‪ .‬مثل‪ :‬العلة‪ ،‬وهو ما ال يوجد يف احلكمة دائماً‪.‬‬
‫فالعالقة بني املصطلحني عالقة خصوص وعموم؛ فكل «حكمة» «مقصد»‪،‬‬
‫وليس كل مقصد حكمةً(‪ ،)3‬خلفاء الوصف الظاهر املنضبط – أحياناً – يف احلكمة‪.‬‬
‫وعلى العموم‪ ،‬فإن أغلب املصادر مل متيِّز بينهما يف االستعمال‪.‬‬
‫العلة‪:‬‬
‫نال هذا املصطلح نصيباً كبرياً من اهتمام األصوليني‪ ،‬لكونه األصل الذي قام عليه‬
‫القياس‪ .‬قال البزدوي‪ « :‬العلة ركن القياس »(‪.)4‬‬
‫وقد تعددت تعريفاهتم له‪ ،‬غري أن ما يعين الباحث – هنا – معرفة العالقة بينه‬
‫وبني مصطلح املقصد‪.‬‬
‫فالعلة – لغةً ‪ :-‬اسم ملا يتغري حكم الشيء حبصوله‪ ،‬مأخوذ من العلة اليت هي‬
‫(‪)5‬‬
‫املرض؛ ألن تأثريها يف احلكم كتأثري العلة يف ذات املريض‪.‬‬
‫وذهب األصوليون – القائلون بتعليل النصوص – مذهبني يف تعريف العلة‪:‬‬

‫‪ -‬إحكام األحكام‪ ،‬لآلمدي‪.3/224 .‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬يقول الونشريسي‪ « :‬واحلكمة – يف اصطالح املتشرعني – هي املقصود من إثبات احلكم أو‬ ‫‪2‬‬

‫نفيه؛ وذلك كاملشقة اليت شرع القصر واإلفطار ألجلها »‪ .‬املعيار‪.1/349 .‬‬
‫‪ -‬املقاصد العامة للشريعة‪ ،‬ابن زغيبة‪ .‬ص ‪.50‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬أصول البزدوي‪3/344 F.‬؛ وأصول الفقه‪ F،‬أبو زهرة‪ .‬ص ‪.210‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬البحر احمليط‪ ،‬للزركشي‪.4/101 .‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪171‬‬
‫األول‪ :‬أهنا الوصف الظاهر املنضبط املناسب الذي جعله الشارع معرفاً‬
‫للحكم(‪)1‬؛ كالقتل العمد الذي جعله الشارع علةً مناسبةً للقصاص‪ ،‬وكاالشرتاك يف‬
‫العقار الذي جعله علةً يف ثبوت الشفعة(‪ )2‬يف العقار‪.‬‬
‫فهذه أوصاف ظاهرة غري خفية‪ ،‬حبيث ميكن متييزها والتحقق من وجودها‪.‬‬
‫ومنضبطة‪ ،‬أي غري مضطربة؛ فال ختتلف باختالف األشخاص أو األزمان أو البيئات‪.‬‬
‫كالسفر الذي جعله الشارع علةً للتخفيف على املسافر برتخيص الفطر له يف‬
‫رمضان‪ ،‬والقصر يف الصالة‪ ،‬ومل جيعل املشقة علةً لذلك كله؛ ألهنا أمر نسيب قد‬
‫خيتلف باختالف الظروف واألشخاص‪.‬‬
‫وكون هذه األوصاف مناسبةً يعين أنه يوجد بني العلة واحلكم مالءمة جتعلها‬
‫صاحلةً ألن تكون علةً له؛ فالقتل علة مناسبة ملنع املرياث‪ .‬إ ْذ أن أساس املرياث وسببه‬
‫صلة قرابة تربط بني الوارث واملورث‪ ،‬والقتل ينايف هذه الصلة ويقطعها‪ ،‬والسكر‬
‫وصف مناسب العتبار اخلمر حراماً‪...‬‬
‫وكوهنا موجبةً للحكم يعين أهنا تستدعي ما أناط هبا الشارع من أحكام؛ فاحلكم‬
‫مرتبط بالعلة‪ ،‬وهو يدور معها وجوداً وعدماً‪ ،‬فوجود القتل العمد موجب للقصاص‪.‬‬
‫معرفةً للحكم‪ ،‬فلنصب الشارع إياها عالمةً على وجود احلكم عند‬ ‫أما كوهنا ِّ‬
‫حتققها يف الفرع‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أهنا‪ :‬املعىن املناسب لتشريع احلكم‪ .‬يقول الشاطيب – يف املوافقات(‪:- )3‬‬
‫َم واملصاحل اليت تعلقت هبا األوامر أو اإلباحة‪ ،‬واملفاسد اليت‬
‫«املراد هبا [العلة]‪ :‬احلِك ُ‬
‫تعلقت هبا النواهي‪ .‬فاملشقة علة يف إباحة القصر والفطر يف السفر‪ ،‬والسفر هو‬
‫السبب املوضوع سبباً لإلباحة‪ ،‬فعلى اجلملة‪ ،‬العلة هي املصلحة نفسها أو املفسدة ال‬
‫ٍ‬
‫منضبطة»‪ .‬وميثل – هلذا –‬ ‫مظنتها‪ ،‬كانت ظاهرةً أو غري ظاهر ٍة‪ ،‬منضبطةً أو غري‬

‫‪ -‬اإلحكام‪ ،‬لآلمدي‪3/224 .‬؛ وميزان األصول‪ ،‬للسمرقندي‪2/833 .‬؛ وأصول الفقه‪ ،‬أليب‬ ‫‪1‬‬

‫زهرة‪ .‬ص ‪.210‬‬


‫‪ -‬وهي‪ « :‬استحقاق شريك أخذ مبيع شريكه بثمنه »‪ .‬معجم املصطلحات واأللفاظ الفقهية‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪.2/341‬‬
‫‪.1/196 -‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪172‬‬
‫بقوله‪« :‬وكذلك نقول يف قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :‬ال يقضي القاضي وهو‬
‫غضبان " (‪)1‬؛ فالغضب سبب‪ ،‬وتشويش اخلاطر عن استيفاء احلجج هو العلة‪ ،‬على‬
‫أنه قد يُطلق – هنا – لفظ السبب على نفس العلة الرتباط ما بينهما‪ ،‬وال مشاحة يف‬
‫االصطالح»‪.‬‬
‫واملالحظ أن الشاطيب ال مييِّز – هنا – بني العلة واحلكمة(‪ ،)2‬الهتمامه باملقاصد‬
‫أساساً‪ ،‬ولقد عُلم أن جوهر املقاصد البحث يف علل األحكام اليت هي مقاصد‬
‫األحكام بغض النظر عن كوهنا ظاهر ًة أو خفيةً‪ ،‬منضبطةً أو غري خاضعة لضابط‪.‬‬
‫فالظهور واالنضباط إمنا يُلجأ إليهما عند البحث عن أحكام الوقائع اليت مل يرد بشأهنا‬
‫نص بقياسها على الوقائع املنصوص على حكمها‪.‬‬
‫هذا‪ .‬ويف كال التعريفني توجد عالقة وثيقة بني العلة واملقصد؛ ففي التعريف‬
‫األخري للعلة الذي ترتادف فيه العلة واحلكمة يتحقق تطابق بني علة احلكم واملقصد‬
‫منه‪.‬‬
‫أما على تعريفها األول بكوهنا الوصف الظاهر املنضبط؛ فإهنا تتضمن – عاد ًة –‬
‫مقصداً شرعياً‪ .‬فبناء احلكم على العلة مظنة لتحقيق احلكمة املقصودة منه(‪ ،)3‬ومن‬
‫هنا اشرتط أكثر األصوليني أن تشتمل العلة على مصلحة صاحلة لتكون مقصودةً‬
‫للشارع من تشريع احلكم‪.‬‬
‫وإذا كانت علة احلكم ليست هي حكمته‪ ،‬وإمنا هي أمر ظاهر جعله الشارع‬
‫عالمةً على احلكم يف حني أن احلكمة هي مقصود الشارع من احلكم‪ ،‬أي‪ :‬املصلحة‬
‫اليت أودعها فيه من جلب نفع أو دفع ضرر أو حرج؛ فإن بناء احلكم على العلة مظنة‬
‫حتقيق احلكمة املقصودة منه‪.‬‬

‫‪ -‬فتح الباري‪13/137 F.‬؛ وسنن ابن ماجه‪( 2/776 .‬احلديث رقم‪)2316:‬؛ وصحيح ابن‬ ‫‪1‬‬

‫حبان‪.11/449 .‬‬
‫‪ -‬مع أن بينهما فرقاً‪ .‬وهو‪ :‬أن احلكمة هي النفع الظاهر أو دفع الفساد الذي قصد إليه الشارع‬ ‫‪2‬‬

‫عندما أمر أو هنى‪ ،‬والعلة هي الوصف الظاهر املنضبط الذي تتحقق فيه احلكمة يف أكثر األحوال‬
‫ال يف كل األحوال‪.‬‬
‫‪ -‬مقاصد الشريعة‪ ،‬عالل الفاسي‪ .‬ص ‪.123‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪173‬‬
‫المعنى‪:‬‬
‫ورد هذا املصطلح – على ألسنة الفقهاء واألصوليني – معرباً به عن املقصد‪.‬‬
‫يقول الغزايل‪ « :‬وعلى اجلملة‪ :‬املفهوم من الصحابة اتباع املعاين‪ ،‬واالقتصار يف درك‬
‫املعاين على الرأي الغالب دون اشرتاط درك اليقني »(‪ .)1‬وقد عرّب ابن عاشور عن‬
‫(‪)2‬‬
‫املقاصد – يف تعريفه هلا – باملعاين واحلِ َك ِم‪.‬‬
‫كما عرّب وا باملعىن عن العلة أيضاً؛ قال البزدوي – يف تعريفه للفقه ‪ «: -‬والقسم‬
‫الثاين إتقان املعرفة به‪ ،‬وهو معرفة النصوص مبعانيها »(‪.)3‬‬
‫وقد وضح شارح أصول البزدوي – يف سياق حديثه عن معرفة النصوص مبعانيها‬
‫‪ -‬أن املراد باملعاين ‪ «:‬اللغوية واملعاين الشرعية اليت تسمى علالً‪ .‬وكان السلف ال‬
‫يستعملون لفظ العلة‪ ،‬وإمنا يستعملون لفظ املعىن أخذاً من قوله صلى اهلل عليه وسلم‬
‫‪ " :‬ال حيل دم امرئ مسلم إال بإحدى معان ثالث "‪ ،‬أي علل‪ ،‬بدليل قوله "إحدى"‬
‫بلفظ التأنيث‪ ،‬و"ثالث" بدون التاء »(‪.)4‬‬
‫وهذا ما ذهب إليه الشاطيب – يف استخدامه للفظ املعىن ‪ -‬؛ إذ يقول‪ « :‬والثاين‪:‬‬
‫املعىن‪ ،‬وهو أن مقصود العبادات – بالنسبة إىل املكلف – التعبد دون االلتفات إىل‬
‫املعاين‪ ،‬وأصل العادات االلتفات إىل املعاين »(‪.)5‬‬
‫وعليه يتبني أن استخدام مصطلحات‪ :‬املعىن‪ ،‬واملقصد‪ ،‬والعلة على سبيل الرتادف‬
‫أمر شائع بني الفقهاء واألصوليني‪.‬‬

‫‪ -‬شفاء الغليل يف بيان الشبه واملخيل ومسالك التعليل‪ ،‬الغزايل‪ ،‬أبو حامد حممد‪ .‬ت‪ :‬محد‬ ‫‪1‬‬

‫الكبيسي‪ .‬بغداد‪ ،‬رئاسة ديوان األوقاف (إحياء الرتاث اإلسالمي)‪ .‬مطبعة اإلرشاد‪1390( .‬هـ‪/‬‬
‫‪1971‬م)‪ .‬ص ‪.195‬‬
‫‪ -‬مقاصد الشريعة‪ ،‬ابن عاشور‪ .‬ص ‪.183‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬كشف األسرار عن أصول فخر اإلسالم البزدوي‪ F،‬للبخاري‪.1/12 .‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬كشف األسرار‪ ،‬للبخاري‪.1/12 .‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬املوافقات‪.2/228 .‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪174‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫المقاصد‪ :‬النشأة والتطور إلى عصر الشاطبي‬
‫التمهيد لعلم المقاصد‬
‫عد عصر التشريع األول أقرب العصور إىل روح الشريعة وأسرارها ِ‬
‫وح َك ِم َها؛‬ ‫يُ ُّ‬
‫وم ْن بعدهم ِم ْن فقهاء التابعني توفر – لديهم‬
‫فالصحابة الكرام – رضي اهلل عنهم – َ‬
‫– من فضل الصحبة للرسول صلى اهلل عليه وسلم ومن دقيق الفهم للغة القرآن‬
‫الكرمي وظروف التنـزيل ما جعلهم أقدر على فهم مقاصد التشريع‪ ،‬واالجتهاد وفق ما‬
‫تقتضيه هذه املقاصد‪.‬‬
‫وقد عرفت مسرية فقه املقاصد خطواهتا األوىل بعد زمن التشريع األول [ عهد‬
‫الرسول صلى اهلل عليه وسلم ] عن طريق االجتهاد بالرأي والقياس؛ حيث متثلت‬
‫اخلطوات األساسية لربوز املقاصد فيما عُرف باالستحسان لدى األحناف وغريهم‪ ،‬مث‬
‫تطورت هذه اخلطوات لدى املالكية فيما عُرف لديهم باملصاحل املرسلة واملناسب‬
‫املرسل‪ ،‬واالستدالل املرسل‪...‬‬
‫ومع تطور حركة االجتهاد الفقهي‪ ،‬واتساع دائرة املباحث األصولية – ال سيما‬
‫مباحث القياس – بدأت اإلشارة إىل قضايا املقاصد يف ثنايا كتب األصول‪.‬‬
‫ولعل إمام احلرمني من أبرز من أشار إليها يف مصنفه القيم «الربهان»؛ إذ جند‬
‫القسم املخصص للقياس مليئاً بتلك اإلشارات‪ ،‬كقوله – مثالً ‪ « :-‬والذي حتقق لنا‬
‫من مسلكهم [ الصحابة الكرام ] النظر إىل املصاحل واملراشد واالستحثاث على اعتبار‬
‫حماسن الشريعة »(‪ ،)1‬وقوله‪ « :‬ومن مل يتفطن لوقوع املقاصد يف األوامر والنواهي‪،‬‬
‫فليس على بصرية يف وضع الشريعة »(‪.)2‬‬
‫وقد جاء تلميذه الغزايل ليقيم ركائز مهمةً يف سياق بناء أسس فقه املقاصد؛‬
‫فتحدث عن أصول املقاصد‪ ،‬وقسمها إىل ضرورية وحاجية وحتسينية(‪ .)3‬كما حدد‬

‫‪ -‬الربهان‪(.2/518 .‬فقرة‪)742F:‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬م‪.‬س‪( .1/206 .‬فقرة‪.)205:‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬شفاء الغليل‪ .‬ص ‪172-161‬؛ واملستصفى‪.293-1/286 .‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪175‬‬
‫الكليات الضرورية اليت هي الدين والنفس والعقل والنسب واملال‪ ،‬مستدالً عليها‪،‬‬
‫وممثالً لكل واحدة منها‪ ،‬ومن خالهلا حاول ضبط مفهوم املصلحة يف الشريعة‪.‬‬
‫لقد دفع الغزايل بفقه املقاصد خطوات مهمةً تدل على استيعاب جيد ملا سبقه من‬
‫إشارات يف هذا االجتاه‪ .‬ولعل يف كتابيه‪« :‬شفاء الغليل» و«املستصفى»‪ - F‬على وجه‬
‫الخصوص – ما يكشف عن مدى إسهامه يف الدفع باملقاصد إىل مراحل أكثر نضجاً‬
‫وِإ ْن مل تبلغ مستوى التأصيل العلمي الذي شهدته على يد الشاطيب‪.‬‬
‫وأبرز األصوليني – بعد الغزايل – تناولوا املباحث ذات العالقة باملقاصد يف سياق‬
‫احلديث عن تعليل األحكام ودراسة األقيسة‪.‬‬
‫ومن هؤالء‪ :‬فخر الدين الرازي كما يالحظ يف كتابه «احملصول»(‪ ،)1‬واآلمدي‬
‫فإنه قد استخدم يف «اإلحكام»(‪ )2‬أصول املقاصد يف باب الرتجيح بني األقيسة‪ .‬فسار‬
‫على هنجه كثري من األصوليني‪.‬‬
‫ويأيت العز بن عبد السالم ليشكل – بكتابه الشهري‪« :‬قواعد األحكام يف مصاحل‬
‫عتبُر أساساً يف سلسلة الفقه املقاصدي؛ ألنه قد خصص املقاصد‬ ‫األنام» ‪ -‬حلقةً تُ َ‬
‫باحلديث‪ ،‬وخلصها يف أساس مهم‪ .‬هو جلب املصاحل ودرء املفاسد‪ .‬يقول – يف كتابه‬
‫املذكور(‪ « :- )3‬ومعظم مقاصد القرآن األمر باكتساب املصاحل وأسباهبا‪ ،‬والزجر عن‬
‫اكتساب املفاسد وأسباهبا »‪ .‬مث يؤكد هذا املعىن بقوله‪ « :‬والشريعة كلها مصاحل‪ ،‬إما‬
‫تدرأ مفاسد أو جتلب مصاحل »(‪ .)4‬وقد ذكر العديد من األمثلة لتعليل األحكام‬
‫اجلزئية وبيان ارتباطها مبقاصدها‪.‬‬
‫ومما ال ميكن إغفاله اهتمام ابن تيمية وتلميذه ابن القيِّم هبذا املوضوع [املقاصد]؛‬
‫فموسوعاهتما الفقهية محلت كثرياً من اإلشارات إىل ِح َك ِم الشريعة ومقاصدها‪ .‬يقول‬
‫ابن تيمية – يف هذا الصدد ‪ «: -‬إن الشريعة جاءت بتحصيل املصاحل وتكميلها‪،‬‬

‫‪ -‬ج‪-2‬ق‪.218-2/217‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 4/251 -‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ .1/8 -‬بريوت‪ ،‬دار اجليل‪ .‬ط‪1400( .2 :‬هـ‪1980/‬م)‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬م‪.‬س‪.1/11 .‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪176‬‬
‫وتعطيل املفاسد وتقليلها‪ ،‬وأهنا ترجح خري اخلريين وشر الشرين‪ ،‬وحتصل أعظم‬
‫املصلحتني بتفويت أدنامها‪ ،‬وتدفع أعظم املفسدتني باحتمال أدنامها‪.)1( »...‬‬
‫أما ابن القيم فكتابه القيم «إعالم املوقعني» غين باحلديث عن مقاصد الشريعة‬
‫وحكمها‪ .‬ومما جاء فيه(‪ - )2‬على سبيل املثال – قوله‪ « :‬الشريعة مبناها وأساسها‬
‫على احلِ َك ِم ومصاحل العباد يف املعاش واملعاد‪ ،‬وهي عدل كلها‪ ،‬ومصاحل كلها‪،‬‬
‫وحكمة كلها »‪.‬‬
‫هذا‪ .‬وقد قدم اإلمام املقري إسهاماً واضحاً يف سبيل تطوير املقاصد ماد ًة‬
‫ومنهجاً(‪)3‬؛ فكانت جهوده وجهود من سبقه – من الفقهاء واألصوليني – ممهد ًة‬
‫لظهور اإلمام الشاطيب الذي يشكل احللقة األساس يف فقه املقاصد‪.‬‬
‫الشاطبي والمقاصد‪:‬‬
‫عد كتاب «املوافقات» أهم مؤلف للشاطيب تضمن عرض النظرية وتوضيحها‪.‬‬ ‫يُ ُّ‬
‫لكنه ليس املؤلف الوحيد‪ ،‬ففي كتبه األخرى – السيما «االعتصام»‪ ،‬وكتاب‬
‫«اإلفادات واإلنشادات»‪ ،‬و«الفتاوى»(‪ – )4‬مالمح كثرية للنظرية‪ ،‬مما يدل على‬
‫تبلورها لديه ووضوحها متام الوضوح‪.‬‬
‫وضع الشاطيب كتابه‪« :‬املوافقات» يف مخسة أقسام وخامتة‪ ،‬تضمن القسم األول‬
‫منها املقدمات – وهي ثالث عشرة مقدمة – مشتملة على املبادئ العامة الضرورية‬
‫لفهم مباحث الكتاب‪.‬‬
‫أما القسم الثاني‪ ،‬فقد تطرق فيه إىل األحكام اخلمسة التكليفية واألحكام اخلمسة‬
‫الوضعية مبيِّناً ارتباطها مبقاصد الشريعة من حتقيق املصاحل ودرء املفاسد‪.‬‬
‫وخصص القسم الثالث للمقاصد الشرعية وما يتعلق هبا من أحكام‪ .‬ويُ ُّ‬
‫عد ‪ -‬هذا‬
‫القسم – األبرز يف التأصيل لفقه املقاصد‪.‬‬

‫‪ .20/48 -‬جمموع فتاويه‪ .‬مجع وترتيب‪ :‬عبد الرمحن بن حممد بن قاسم العاصمي النجدي‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫الرياض‪ ،‬دار عامل الكتب‪1412( .‬هـ‪1991/‬م)‪.‬‬


‫‪.3/14 -‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬مقاصد الشريعة‪ ،‬ابن زغيبة‪ .‬ص ‪.58‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬مجعها‪ :‬حممد أبو األجفان يف كتاب واحد حتت عنوان‪« :‬فتاوى اإلمام الشاطيب»‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪177‬‬
‫أما القسم الرابع‪ ،‬فكان للحديث عن األدلة الشرعية‪ ،‬ومآخذها وطرق احلكم‬
‫هبا على أفعال املكلفني‪.‬‬
‫ويف اخلامتة [القسم الخامس]‪ ،‬حتدث عن أحكام االجتهاد والتقليد ولواحقهما‬
‫من التعارض والرتجيح والسؤال واجلواب‪.‬‬
‫خالصة نظرية المقاصد عند الشاطبي‪:‬‬
‫قسم الشاطيب املقاصد إىل قسمني‪ :‬قسم يرجع إىل مقاصد الشرع‪ ،‬وقسم يرجع‬ ‫َّ‬
‫إىل قصد املكلف يف التكليف‪.‬‬
‫القسم األول‪ :‬وله أربعة أنواع‪:‬‬
‫‪ – 1‬ما يعود إىل قصده يف وضع الشريعة ابتداءً‪.‬‬
‫‪ – 2‬ما يعود إىل قصده يف وضع الشريعة لإلفهام‪.‬‬
‫‪ – 3‬ما يعود إىل قصده يف وضع الشريعة للتكليف هبا‪.‬‬
‫‪ – 4‬ما يعود إىل قصده يف وضع الشريعة لدخول املكلف حتت حكمها‪.‬‬
‫أما القسم الثاين‪ ،‬فإنه قد حتدث فيه عن اثنيت عشرة مسألة‪ ،‬بنَّي فيها مقاصد‬
‫املكلَّف املعتربة يف التصرفات – عبادات ومعامالت من ضرورة إخالص النوايا‪،‬‬
‫ووجوب موافقة قصد املكلف ونتائج تصرفاته ألحكام التشريع – كالًّ وجزءاً‪.‬‬
‫ويف النوع األول – [من القسم األول] – حتدث عن ثالث عشرة مسألة‪ ،‬ابتدأ‬
‫بياهنا بقوله‪ « :‬تكاليف الشريعة ترجع إىل حفظ مقاصدها يف اخللق‪ ،‬وهذه املقاصد ال‬
‫تعدو ثالثة أقسام‪ ،‬أحدها أن تكون ضروريةً‪ ،‬والثاين أن تكون حاجيةً‪ ،‬والثالث أن‬
‫تكون حتسينيةً »(‪.)1‬‬
‫مث يضيف – موضحاً ‪ « : -‬وجمموع الضروريات مخسة‪ ،‬وهي‪ :‬حفظ الدين‪،‬‬
‫والنفس‪ ،‬والنسل‪ ،‬واملال‪ ،‬والعقل‪ .‬وقد قالوا‪ :‬إهنا مراعاة يف كل ملة »(‪.)2‬‬
‫لقد قسم الشاطيب مقاصد الشريعة إىل ثالث مراتب‪:‬‬
‫‪ – 1‬الضرورية‪:‬‬

‫‪ -‬املوافقات‪.2/7 .‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬م‪.‬س‪.2/8 .‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪178‬‬
‫وهي اليت ال بد منها يف قيام مصاحل الدين والدنيا‪ ،‬حبيث يرتتب على فقداهنا ضرر‬
‫عظيم يف الدنيا وخسران مبني يف اآلخرة‪.‬‬
‫‪ – 2‬الحاجية‪:‬‬
‫تراع حَلِ َق املكلفني – على‬
‫وهي اليت مبراعاهتا تتم التوسعة ورفع الضيق‪ ،‬فإذا مل َ‬
‫اإلمجال – حرج ومشقة‪ ،‬لكنه دون ما حيصل بفقدان الضروري‪ .‬وهي جارية يف‬
‫(‪)1‬‬
‫العبادات والعادات واملعامالت واجلنايات‪.‬‬
‫‪ – 3‬التحسينية‪:‬‬
‫وتتلخص يف األخذ مبا يليق من حماسن العادات وجتنب ما ال يليق‪ .‬وهي تشمل‬
‫(‪)2‬‬
‫مكارم األخالق‪.‬‬
‫وحفظ هذه املقاصد يكون من جهتني‪:‬‬
‫األولى‪ :‬من جهة الوجود؛ وذلك بتحقيق ما يقيم أركاهنا‪ ،‬ويثبت قواعدها‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬من جهة العدم؛ وذلك بدرء ما يسبب اختالهلا أو إفسادها‪ ،‬سواء كان‬
‫اإلفساد واقعاً أو متوقعاً‪.‬‬
‫فلحفظ الدين – من جانب الوجود – شرعت أصول العبادات‪ .‬كاإلميان‪،‬‬
‫والصالة‪ ،‬والزكاة‪ ،‬والصيام‪ ،‬واحلج‪ ...‬وحلفظه – من جانب العدم – شرع اجلهاد‬
‫وقتال املرتدين‪.‬‬
‫وأعلى هذه املراتب الضروري‪ ،‬مث احلاجي مث التحسيين‪ .‬واملقصد األدىن – منها –‬
‫مكمل لألعلى‪ .‬بشرط أال يعود عليه باإلبطال؛ ألن احملافظة على األصل أوىل من‬
‫(‪)3‬‬
‫احملافظة على التكملة‪.‬‬
‫ففي جمال املعامالت‪ :‬يُ ُّ‬
‫عد البيع أصالً ضرورياً‪ ،‬ونفي الغرر واجلهالة مكمالً‪.‬‬
‫وحتقيق هذا الشرط [نفي الغرر واجلهالة] – حتقيقاً تاماً – قد يكون متعذراً حبيث‬
‫يعود اعتباره – على أصل البيع – باإلبطال؛ لذا قد يتجاوز عن حتقيقه بصفة مطلقة‪.‬‬

‫‪ -‬م‪.‬س‪.2/9 .‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬م‪.‬س‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬املوافقات‪.2/11 .‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪179‬‬
‫ومبا أن املصاحل الضرورية – يف الشريعة – أصل للحاجية‪ ،‬كان يف احلفاظ على‬
‫احلاجي والتحسيين خدمةٌ للضروري(‪ .)1‬يقول الشاطيب‪ « :‬فاجملرتئ على األخف –‬
‫ض للتجرء على الضروريات‪ ،‬فإذاً قد يكون يف إبطال الكماالت‬ ‫باإلخالل به – ُم َعَّر ٌ‬
‫– بإطالق – إبطال الضروريات بوجه ما »(‪.)2‬‬
‫ويسلك [الشاطيب] – يف استدالله على إثبات املقاصد – هنجاً متميِّزاً‪ ،‬فهو‬
‫يعتمد أسلوب االستقراء العام للشريعة لريتقي هبا من الظنية إىل القطعية‪ .‬ذلك أننا إذا‬
‫نظرنا إليها أفراداً ألفيناها أدلةً ظنيةً‪ ،‬وهذا ما ال يُستند إليه يف إثبات الشريعة‪ .‬ولكن‬
‫الدليل على املسألة – كما يقول الشاطيب ‪ « : -‬ثابت على وجه آخر هو روح‬
‫املسألة‪ ...‬ودليل ذلك استقراء الشريعة والنظر يف أدلتها الكلية واجلزئية وما انطوت‬
‫حد االستقراء املعنوي الذي ال يثبت بدليل خاص‪،‬‬ ‫عليه من هذه األمور العامة على ِّ‬
‫بل بأدلة مضاف بعضها إىل بعض‪ ،‬خمتلفة األغراض‪ ،‬حبيث ينتظم – من جمموعها –‬
‫أمر واح ٌد جتتمع عليه تلك األدلة‪ ،‬على ما ثبت – عند العامة – جود حامت‪ ،‬وشجاعة‬
‫علي – رضي اهلل عنه ‪.)3(» -‬‬
‫إن هذا املنهج – الذي اعتمده الشاطيب إلثبات قطعية األدلة يف بناء األحكام على‬
‫املقاصد – رمبا يكون فيه نظر يتم توضيحه فيما بعد‪.‬‬
‫والنوع الثاني ‪[ -‬من القسم األول] ‪ -‬تعرض لبيان مخس مسائل‪ .‬خالصة القول‬
‫(‪) 4‬‬
‫فيها‪ :‬أن الشريعة جاءت بلغة عربية‪ ،‬وأهنا بنيت على معهود األميني من العرب‪.‬‬
‫بد لفهم الشريعة ومقاصدها من هذين األساسني؛ إ ْذ ما دام القرآن الكرمي قد‬ ‫فال َّ‬
‫نزل بلسان العرب‪ ،‬لزم فهمه به دون غريه‪.‬‬
‫أما كون الشريعة أميّةً‪ ،‬فلبنائها على معهود األميني من العرب الذين يتميز‬
‫كالمهم بالبساطة يف االستيعاب‪ ،‬والعفوية والبُعد عن التكلف والتصنع؛ مما جيعل‬
‫الشريعة ميسرةً لدخول الناس كافةً حتت حكمها‪.‬‬

‫‪ -‬م‪.‬س‪.2/13 .‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬م‪.‬س‪.2/17 .‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬املوافقات‪.2/39 .‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬م‪.‬س‪ 2/49.‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪180‬‬
‫ويف النوع الثالث – [من القسم األول] – حتدث عن اثنيت عشرة مسألةً‪،‬‬
‫تتلخص يف قدرة املكلف على ما ُكلِّف به؛ ذلك أنه ليس يف الشريعة تكليف مبا ال‬
‫يطاق‪ .‬فالطلب ‪ -‬على احلقيقة – إمنا يتعلق بدائرة األفعال اليت ميكن للمكلف‬
‫(‪)1‬‬
‫اكتساهبا‪.‬‬
‫أما ِإ ْن كان التكليف مما يشتبه يف أمره – أي ال يُعلم هل الفعل املطلوب مقدور‬
‫للمكلف أم ال؟ ‪ -‬كاحلب والبغض والشجاعة واجلنب وعموم الصفات الباطنة مما ال‬
‫قة‪ ،‬فال يكلف اهلل نفساً إال‬‫قدرة لإلنسان على إثباته وال نفيه‪ ،‬فِإ ْن كان من أصل اخلِْل ِ‬
‫وسعها‪ ،‬وِإ ْن كان هلذه الصفات بواعث تدخل يف كسب املكلَّف طُولب بالبواعث‪،‬‬
‫كما هو شأن اهلدية الباعثة على احملبة يف قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ « :‬هتادوا حتابوا‬
‫»(‪.)2‬‬
‫أما التكليف مبا هو مقدور لكن فيه مشقة‪ ،‬فينب الشاطيب أن الشارع مل يقصد إىل‬
‫املشقة يف األصل‪ ،‬وإالَّ ملـا شرع الرخص ورفع احلرج‪ .‬وإمنا قصد الشارع من‬
‫(‪)4‬‬
‫التكليف(‪ – )3‬وإ ْن شابته مشقةٌ – حتقيق مصاحل عائدة للمكلف‪.‬‬
‫ويخلص – [الشاطيب] – إىل قواعد مهمة‪ .‬من أبرزها أن املشقة ليس للمكلف‬
‫أن يقصدها لعظم أجرها‪ ،‬وله أن يقصد العمل الذي يعظم أجره لعظم مشقته من‬
‫حيث هو عمل؛ ألن الشارع ال يقصد بالتكليف نفس املشقة‪ ،‬وكل قصد خالف‬
‫(‪)5‬‬
‫باطل‪.‬‬
‫قصد الشارع ٌ‬
‫وحيدد – يف األخري – ضابطاً مهماً‪ ،‬وهو أنه مىت كانت املشقة الواقعة باملكلف‬
‫خارجةً عن معتاد املشقات يف األعمال العادية‪ ،‬مما يؤدي إىل فساد ديين أو دنيوي‪،‬‬
‫فإن مقصود الشارع رفعها على اجلملة‪.‬‬
‫‪ -‬م‪.‬س‪.2/82 .‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬أخرجه البيهقي يف سننه الكربى‪6/169 .‬؛ والطرباين يف املعجم األوسط‪7/190 .‬؛ وابن‬ ‫‪2‬‬

‫عبد الرب يف التمهيد‪.6/381 .‬‬


‫إلزام – مبقتضى خطاب الشرع ‪ -‬مبا فيه كلفة ومشقة‪،‬‬
‫أمر أو ٌ‬
‫‪ -‬التكليف ‪ -‬يف حقيقته ‪ٌ :-‬‬
‫‪3‬‬

‫ولكنها ليست خارجةً عن املعتاد‪ .‬معجم مصطلحات أصول الفقه‪ F،‬سانو‪ .‬ص ‪.144‬‬
‫‪ -‬املوافقات‪.98-2/91 .‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬م‪.‬س‪.2/98 .‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪181‬‬
‫ويختم [الشاطيب] هذا القسم ببيان احلكمة من رفع احلرج عن املكلف‪ ،‬وهي‬
‫تتلخص يف مسألتني‪:‬‬
‫األولى‪ :‬اخلوف من استثقال التكاليف وبغض العبادة‪ ،‬مما قد يؤدي إىل هجرها‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬خوف التقصري عند االشتغال مبا هو ضروري لقيام حياة الفرد وأسرته‪.‬‬
‫وبذلك‪ ،‬خيلص إىل أن الشريعة قائمةٌ على أساس التوسط الذي حيفظ دوامها‬
‫واستمرارها‪.‬‬
‫والنوع الرابع – [من القسم األول] – يتعلق ببيان قصد الشارع يف دخول‬
‫املكلف حتت أحكام الشريعة وااللتزام هبا‪ ،‬ويتمثل – كما عرَّب عنه – يف ‪ « :‬إخراج‬
‫املكلَّف من داعية هواه حىت يكون عبداً هلل اختياراً كما هو عبد هلل اضطراراً »(‪.)1‬‬
‫ولتقرير ذلك ساق أدلةً(‪ )2‬نقليةً وعقليةً كثري ًة وخلص إىل قواعد مهمة‪ ،‬أبرزها‬
‫قسم املقاصد الشرعيةَ إىل‪ :‬مقاصد شرعية وأخرى‬ ‫بطالن العمل املبين على اهلوى‪ .‬مث َّ‬
‫تابعة‪ .‬فاألصلية هي الضرورية املعتربة يف كل زمان وملة(‪ ،)3‬واملكلف ملزم حبفظ هذا‬
‫حظ املكلف‪.‬‬‫حظ لـه فيه‪ .‬أما التابعة‪ ،‬فهي اليت روعي فيها ُّ‬ ‫النوع من املقاصد‪ .‬إ ْذ ال َّ‬
‫عد خادمةً للمقاصد األصلية ومكملةً هلا‪.‬‬ ‫وهي تُ ُّ‬
‫وإىل جانب املقاصد األصلية العينية يضيف الشاطيب املقاصد األصلية الكفائية اليت‬
‫ال تستقيم احلياة إال هبا‪ .‬كالقضاء واإلفتاء والواليات العامة‪ ،‬وغري ذلك من األمور‬
‫(‪)4‬‬
‫اليت شرعت ملصاحل الناس عامةً‪.‬‬
‫وقد قسمها إىل ما هو متعلق بالعبادات وأن األصل فيه التعبد دون التفات إىل‬
‫املعىن‪ ،‬وهذا القسم ال ينوب فيه أحد عن أحد‪ ،‬فال يقوم به عن املكلف غريه(‪ ،)5‬وإىل‬
‫ما هو متعلق بالعادات واملعامالت اليت ليس يف نفيها وال إثباهتا دليل شرعي‪ ،‬وهي‬

‫‪ -‬املوافقات‪.2/128 .‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬م‪.‬س‪ 2/129 .‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬وهي اخلاصة حبفظ الدين‪ ،‬والنفس‪ F،‬والعقل‪ ،‬والنسل‪ ،‬واملال‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬املوافقات‪.2/137 .‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬م‪.‬س‪.2/174 .‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪182‬‬
‫طريق احلظوظ العاجلة‪ .‬كالعقود – على اختالفها ‪ ،-‬والتصرفات املالية – على‬
‫تنوعها(‪- )1‬؛ فاألصل ‪ -‬يف هذا النوع – االلتفات إىل املعاين وقابلية التفريع واإلنابة‪.‬‬
‫وقد َّتوج الشاطيب حديثه عن املقاصد – ضمن كتاب املوافقات(‪ – )2‬خبامتة تُ ُّ‬
‫عد‬
‫خالصةً ملا حبثه وأحد أهم مثراته‪ ،‬وهي – يف صيغة سؤال – عن كيفية معرفة ما هو‬
‫مقصود للشارع مما ليس مقصوداً ؟(‪.)3‬‬
‫لخص أبو إسحاق مواقف العلماء من املقاصد وكيفية‬ ‫وقبل بيان هذه الكيفية‪ ،‬يُ ِّ‬
‫تعرفها‪ .‬وهي املواقف التالية‪:‬‬
‫الموقف األول‪:‬‬
‫موقف القائلني بأن مقاصد الشرع ال ميكن أن تُعرف إال من خالل تنصيص‬
‫الشارع عليها صراحةً‪ .‬وهبذا قال الظاهرية‪.‬‬
‫الموقف الثاني‪:‬‬
‫موقف الذين ال يعتدون بظواهر النصوص‪ ،‬ويعدون مقاصدها أمراً باطناً‪ .‬وهؤالء‬
‫هم الباطنية الساعون إىل إبطال الشريعة‪.‬‬
‫الموقف الثالث‪:‬‬
‫موقف املغالني يف استخدام القياس وتقدميه على النصوص‪.‬‬
‫الموقف الرابع‪:‬‬
‫جيمع أصحابه – يف توسط – بني‪ :‬مراعاة النصوص وظواهرها‪ ،‬وعدم إغفال‬
‫املعاين والعلل‪ .‬وهذا املوقف ميثل – حبق – منهج العلماء الراسخني‪ ،‬ويُعترب الضابط‬
‫الذي يُعرف به مقصد الشارع‪.‬‬
‫وبعد هذا التوضيح والبيان‪ ،‬حيدد اجلهات اليت يعرف منها مقصد الشارع‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ – 1‬األمر االبتدائي التصرحيي اجملرد‪.‬‬
‫‪ – 2‬علل األمر والنهي‪.‬‬
‫‪ – 3‬املقاصد التابعة املؤكدة للمقاصد األصلية‪.‬‬

‫‪ -‬م‪.‬س‪.2/177 .‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬اجلزء الثاين منه‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬م‪.‬س‪.2/296 .‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪183‬‬
‫(‪)1‬‬
‫‪ – 4‬عدم الفعل مع وجود املقتضى‪.‬‬
‫المقاصد في فكر الشاطبي‪:‬‬
‫لعل مما مييِّز الشاطيب – من خالل ما تناوله يف مؤلفاته – اهتمامه بالكليات‪،‬‬
‫صنف يف خانة‬ ‫ونظرته العميقة ألسرار التشريع وفلسفته؛ فكتاب «املوافقات» وِإ ْن ُ‬
‫ٍ‬
‫دراسة‪.‬‬ ‫وأسلوب‬ ‫الكتب األصولية‪ ،‬فإنه خيتلف عنها منهجاً‬
‫َ‬
‫مسائل فقهيةً وقضايا لغويةً‪،‬‬
‫َ‬ ‫فإىل جانب اشتماله على مباحث أصولية‪ ،‬تناول‬
‫وقواعد تربويةً – كل ذلك يف حرص شديد على سالمة الشريعة – حىت إن املتأمل‬ ‫َ‬
‫فيه يكتشف مالمح مدرسة فكرية وتربوية‪ ،‬أساسها وقوامها الربانية اليت توجه‬
‫اإلنسان املسلم الوجهة السليمة يف تعامله مع أحكام الشريعة‪.‬‬
‫وليس مبستغرب على عامل كالشاطيب أن يبلغ هذا الشأو؛ فقد توفرت له – من‬
‫الصفات الشخصية املتميزة والتكوين العلمي الراسخ – ما َّأهله الستيعاب جهود‬
‫سابقيه والقيام بإسهام مهم ظل إىل وقتنا احلاضر شاهداً على مكانته السامية بني‬
‫فقهاء األمة ومفكريها‪.‬‬
‫ولعله من املفيد اإلشارة إىل أن إسهامات الشاطيب العلمية – السيما تأصيله‬
‫العلمي لنظرية املقاصد ودعوته املستميتة ملقاومة البدع ‪ -‬تعكس جتاوباً صادقاً‪ ،‬وتأثراً‬
‫وتأثرياً واضحني بني العامل وعصره‪ .‬فعصر أيب إسحاق كان عصر فساد سياسي‬
‫واحنراف ديين واحنالل اجتماعي وخلقي؛ مما فرض عليه – وهو العامل الرباين – أن‬
‫لَألوبَِة باألمة إىل‬
‫يبذل غاية وسعه يف اإلصالح والتعليم ومقاومة االحنرافات والبدع‪ْ ،‬‬
‫الكتاب والسنة بعد أن بلغ البُعد هبا – عنهما – مبلغاً كبرياً‪ .‬وقد القى يف سبيل‬
‫دعوته اإلصالحية كثرياً من األذى والتشهري على يد علماء عصره الذين أثاروا عليه‬
‫اخلاصة والعامة‪ .‬يقول يف هذا الصدد – مصوراً شدة احلملة عليه ‪ « :-‬فقامت َّ‬
‫علي‬

‫‪ -‬ذلك أنه إذا سكت الشرع عن حكم مع وجود معىن يقتضي ذلك احلكم‪ ،‬يكون سكوته‬ ‫‪1‬‬

‫مسلكاً يعلم منه مقصد الشارع يف عدم ذلك احلكم املظنون‪ .‬مثال ذلك سجود الشكر على‬
‫مذهب مالك‪ ،‬فقد سكت الشرع عن وجوبه مع توفر دواعيه؛ لذا عُ َّد فاعله مبتدعاً يف الدين‪.‬‬

‫‪184‬‬
‫إيل العتاب سهامه‪ ،‬ونُسبت إىل البدعة‬‫وفو َق َّ‬
‫علي املالمة‪َّ ،‬‬
‫القيامة‪ ،‬وتواترت َّ‬
‫والضاللة‪ ،‬وُأنْ ِز ُ‬
‫لت منزلة أهل الغباوة واجلهالة »(‪.)1‬‬
‫وعلى الرغم مما بذله من جهود مضنية‪ ،‬فإنه مل يفلح يف إصالح األوضاع؛ ألن‬
‫موجة الفساد كانت أقوى بكثري من حماوالته الفردية احملدودة‪.‬‬
‫وقد امتحن مبحن متتالية تركت أثراً موجعاً يف نفسه حىت كاد اليأس أن يسيطر‬
‫عليه؛ وهذا ما تلمسه عند قراءة قوله‪ « :‬اعلم يا أخي أن املوت كرامة لكل مسلم‬
‫لقي اهلل على السنة‪ .‬فإنا هلل وإنا إليه راجعون‪ .‬فإىل اهلل نشكو وحشتنا‪ ،‬وذهاب‬
‫حل هبذه األمة من‬ ‫اإلخوان‪ ،‬وقلة األعوان‪ ،‬وظهور البدع‪ ،‬وإىل اهلل نشكو عظيم ما َّ‬
‫ذهاب العلماء وأهل السنة »(‪.)2‬‬
‫وعلى الرغم من شدة احملن اليت واجهته مل يتخل عن دعوته اإلصالحية‪ ،‬وِإ ْن‬
‫محلته على تغيري منهجه؛ حيث اعتمد على مبدأين أساسني‪ .‬أوهلما التمسك باملبادئ‬
‫اليت آمن هبا ودعا إليها‪ .‬وثانيهما املرونة والتدرج يف معاجلة األمور بدل املصادمات‬
‫احلادة مع خصومه‪ .‬يقول ‪ -‬يف ذلك ‪ « :-‬فرأيت أن اهلالك يف اتباع السنة هو‬
‫النجاة‪ ،‬وأن الناس لن يغنوا عين من اهلل شيئاً‪ .‬فأخذت على حكم التدريج يف‬
‫األمور‪.)3(» ..‬‬
‫لقد أدرك [الشاطيب] أنه ال يستطيع أن يقدم أكثر مما فعل يف ظل جمتمع شابه‬
‫االحنراف العقدي‪ ،‬وسيطر عليه الفساد السياسي واخللقي‪ .‬لذا‪ ،‬جنده يقتصر أخرياً‬
‫على حماولة ربط األمة مبقاصد الشريعة‪.‬‬

‫‪ -‬االعتصام‪ .‬ت‪ :‬حممد رشيد رضا‪ .‬بريوت‪ ،‬دار املعرفة‪ .‬ط‪1982( .1 :‬م)‪.1/27 .‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬م‪.‬س‪.1/86 .‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬م‪.‬س‪.1/27 .‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪185‬‬
‫المبحثـ الثالث‬
‫المقاصد بعد اإلمام الشاطبي‬
‫محاوالت إحياء المقاصد‪:‬‬
‫على الرغم من مكانة الشاطيب السامية ومنهجه املتفرد‪ ،‬ظل كتابه «املوافقات»‬
‫حل عصر النهضة؛ فاجتهت العناية إىل إحياء هذه‬‫مهجوراً ردحاً من الزمن إىل أن َّ‬
‫املوسوعة العلمية – بتوجيه من رجال العلم واإلصالح – بعد أن تعددت اإلشارات‬
‫إىل قيمة مصنفات هذا اإلمام‪ ،‬ويف مقدمتها‪« :‬املوافقات»‪ ،‬و«االعتصام»‪.‬‬
‫ولعل أهم اإلشارات إىل قيمة املوافقات ما حتدث به ابن أيب الضياف(‪ )1‬يف كتابه‪:‬‬
‫«إحتاف أهل الزمان»‪ ،‬مث حممد عبده(‪ )2‬الذي أشاد به وأوصى تالمذته بدراسته‪ .‬وقد‬
‫(‪) 3‬‬
‫متكنوا – فعالً – من إخراجه حمققاً‪.‬‬
‫إسهام محمد الطاهر بن عاشور‪:‬‬
‫عد حممد الطاهر بن عاشور(‪ )4‬يف مقدمة من اعتنوا باملقاصد يف العصر احلديث؛‬ ‫يُ ُّ‬
‫ألن حبثه فيها جاء مرتبطاً – ارتباطاً وثيقاً ومباشراً – بالبحث يف النظام االجتماعي‬

‫‪ -‬أمحد بن أيب الضياف‪1291-1217( :‬هـ)‪ :‬فقيه وأديب وسياسي ومؤرخ تونسي‪ .‬توىل‬ ‫‪1‬‬

‫عدة مناصب يف الدولة‪ .‬من مؤلفاته‪ :‬كتاب التاريخ‪« :‬إحتاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس‬
‫وعهد األمان»‪ ،‬و«رسالة يف املرأة»‪ .‬تراجم املؤلفني التونسيني‪ ،‬حممد حمفوظ‪( .‬ترمجة رقم‪:‬‬
‫‪3/264 .)323‬‬
‫‪ -‬حممد عبده‪1323-1266( :‬هـ)‪ :‬مفيت الديار املصرية‪ ،‬ومن كبار رجال اإلصالح والتجديد‬ ‫‪2‬‬

‫يف العصر احلديث‪ .‬له‪ :‬تفسري يف القرآن الكرمي مل يتمه‪ ،‬و«رسالة التوحيد»‪ ،‬و«الرد على‬
‫الدهريني»‪ F...‬األعالم‪.6/252 .‬‬
‫‪ -‬قام عبد اهلل دراز بشرح املوافقات وحتقيقه وهو مطبوع يف جزأين‪ .‬كما قام رشيد رضا‬ ‫‪3‬‬

‫باالعتناء بكتاب االعتصام‪ ،‬وقد طُبع – أيضاً يف جزأين‪.‬‬


‫‪1296-1393( -‬هـ)‪ :‬أحد علماء تونس الكبار‪ ،‬ومن أسرة اشتهرت بالعلم‪ ،‬وتقلد كثري من‬ ‫‪4‬‬

‫أفرادها مناصب يف الدولة‪ .‬توىل ابن عاشور رئاسة الزيتونة‪ .‬وله عدة برامج إصالحية‪ .‬من أشهر‬
‫مؤلفاته‪« :‬تفسري التحرير والتنوير»‪ ،‬و«أليس الصبح بقريب»‪ ،‬و«أصول النظام االجتماعي يف‬
‫اإلسالم»‪ F...‬تراجم املؤلفني التونسيني‪ ،‬حممد حمفوظ‪( .‬ترمجة رقم‪.)304 :‬‬

‫‪186‬‬
‫اإلسالمي‪ ،‬الذي رأى أنه ال جتدي فيه – كثرياً – قواعد علم األصول‪ ،‬وأنه ال َّ‬
‫بد‬
‫من البحث عن قواعد أوسع وأمشل‪.‬‬
‫إن ابن عاشور – وهو حيلل أسباب تراجع العلوم اإلسالمية – يقدم حتليالً نقدياً‬
‫لواقع هذه العلوم وما شهدته من تراجع وقصور‪ .‬والذي يعنينا – هنا – نقده لواقع‬
‫الفقه وأصوله‪.‬‬
‫لقد توجه [ابن عاشور] للبحث يف املقاصد والتأليف فيها يدفعه إىل ذلك الرغبة‬
‫يف تضييق شقة اخلالف بني املشتغلني بأحكام الشريعة‪ ،‬ملا رأى من عسر االحتجاج‬
‫بينهم يف مسائلها‪ ،‬وصعوبة انتهائهم إىل أدلة قطعية أو قريبة منها حتسم اخلالف‬
‫بينهم‪ .‬كما هو الشأن يف العلوم العقلية األخرى اليت ينتهي املتجادلون فيها إىل نتائج‬
‫ضرورية تقودهم إليها أدلة ضرورية يقف عندها كل طرف(‪ .)1‬وهذا ما مل يتوفر لعلم‬
‫األصول؛ فمعظم مسائله – كما يقول ‪ « : -‬خمتلف فيها بني النظار‪ ،‬مستمر بينهم‬
‫الخالف يف األصول تبعاً لالختالف يف الفروع‪ .‬وِإ ْن شئت فقل‪ :‬قد استمر بينهم‬
‫اخلالف يف األصول؛ ألن قواعد األصول انتزعوها من صفات تلك الفروع‪ .‬إذ كان‬
‫علم األصول مل يدون إال بعد تدوين الفقه بزهاء قرنني »(‪.)2‬‬
‫لقد توجه نقد ابن عاشور إىل منهجية أصول الفقه على اعتبار أن مسائله – كما‬
‫يرى – ال تُعىن حبكمة الشريعة ومقصدها؛ والسبب – يف ذلك – املنـزع اللفظي‬
‫الذي غلب على األصوليني‪ ،‬فقد‪ « :‬قصروا مباحثهم على ألفاظ الشريعة وعلى‬
‫املعاين اليت أنبأت عليها األلفاظ وهي علل األحكام القياسية »(‪.)3‬‬
‫إن حمور مسائل األصول استنباط األحكام من ألفاظ الشارع بواسطة جمموعة من‬
‫قواعد االستنباط املعروفة لدى الفقهاء‪.‬أما املباحث األصولية ذات العالقة الوثيقة‬

‫‪ -‬مقاصد الشريعة‪ ،‬ابن عاشور‪ .‬ص ‪.117‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬م‪.‬س‪.118 .‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬م‪.‬س‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪187‬‬
‫مبقاصد الشريعة(‪ ،)4‬فمغمورة يف ثنايا مباحث ال يصل إليها الدارس إال بعد عناء‬
‫وطول ٍ‬
‫نفس‪.‬‬ ‫شديد‪ .‬وهذا ما ال حيتمله إال َم ْن ُرزق صرباً َ‬
‫ومن أوجه القصور – اليت الحظها ابن عاشور – أن املنهجية األصولية ال متد‬
‫الباحث – املتطلع إىل معرفة نظام االجتماع اإلسالمي الذي تتحقق يف إطاره مقاصد‬
‫(‪) 1‬‬
‫الشريعة – مبا ميكنه من اكتشاف القواعد واألصول اليت يقوم عليها ذلك النظام‪.‬‬
‫وسعياً إىل تدوين أصول قطعية للتفقه يف الدين‪ ،‬يقرتح [ابن عاشور] إعادة النظر‬
‫يف مسائل أصول الفقه املتعارفة؛ وذلك مبراجعتها مراجعةً نقديةً وختليصها مما علق هبا‬
‫من شوائب غريبة‪ ،‬واعتماد أمسى مدارك الفقه والنظر‪ ،‬مث صياغة هذا العلم الذي‬
‫اختار له اسم‪« :‬علم مقاصد الشريعة»(‪ ،)2‬لكن دون إمهال علم األصول؛ إذ يدعو‬
‫ابن عاشور إىل إبقائه على حاله‪ ،‬لتستمد منه طرق تركيب األدلة الفقهية‪ ،‬أما مسائله‬
‫(‪) 3‬‬
‫املرتبطة مبقاصد الشريعة فتتخذ مبادئ هلذا العلم املقرتح‪.‬‬
‫استدراك ابن عاشور على الشاطبي‪:‬‬
‫يف سياق التأصيل هذا‪ ،‬يشري [ابن عاشور] إىل من سبقوه يف وضع أسس علم‬
‫املقاصد والتمهيد له‪ ،‬وخيص بالذكر أبا إسحاق الشاطيب الذي أفرد هذا الفن‬
‫بالتدوين‪ ،‬غري أنه يأخذ عليه سقوطه يف استطرادات وخلط وتطويل‪ ،‬وإغفال عن‬
‫مهمات من املقاصد‪ ،‬مما أخل بالغرض املقصود‪.‬‬
‫تأسيسي ‪ ،-‬فإنه قد‬
‫ٍّ‬ ‫وبالرغم من هذا القصور – الذي هو طبعي يف كل عمل‬
‫أفاد وأجاد؛ لذلك فإن ابن عاشور – وهو حياول تاليف ما وقع فيه الشاطيب – يقصد‬
‫يف كتابه – كما يقول ‪ « :-‬خصوص البحث عن مقاصد اإلسالم من التشريع يف‬

‫‪ -‬مثل مباحث‪ :‬العلة املناسبة‪ ،‬واإلحالة يف مسالك العلة‪ ،‬واملصاحل املرسلة‪...‬إخل‪ F.‬إحكام‬ ‫‪4‬‬

‫األحكام‪ ،‬لآلمدي‪ 3/293 .‬وما بعدها‪.‬‬


‫‪ -‬أصول النظام االجتماعي يف اإلسالم‪ ،‬حممد الطاهر بن عاشور‪ .‬ت‪ :‬حممد امليساوي‪ .‬األردن‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫دار النفائس‪ .‬ط‪1421( .1:‬هـ‪2001/‬م)‪ .‬من مقدمة احملقق‪ .‬ص ‪.9‬‬


‫‪ -‬مقاصد الشريعة‪ ،‬ابن عاشور‪ .‬ص ‪.122‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬م‪.‬س‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪188‬‬
‫قوانني املعامالت واآلداب اليت أرى أهنا اجلديرة بأن ختص باسم الشريعة‪ ،‬واليت هي‬
‫مظهر ما راعاه اإلسالم من تعاريف املصاحل واملفاسد وترجيحها‪.)1( »...‬‬
‫فمصطلح «التشريع» ‪ -‬كما حيدده – هو كل ما كان قانوناً لألمة‪ ،‬وليس مطلق‬
‫الشيء املشروع‪ .‬كاملندوب واملكروه؛ لذا مل تتوجه عنايته إىل أحكام العبادات(‪– )2‬‬
‫كما هو شأن أغلب الفقهاء ‪ ،-‬وإمنا توجهت إىل البحث عن أسرار التشريع يف‬
‫أحكام املعامالت‪ .‬وهلذا جتشم إجياد أمثلة من املعامالت وحنوها من مطالعاته الكثرية‪،‬‬
‫غري أنه اضطر إىل االستعانة – كما يقول ‪ « : -‬بِ ُمث ٍُل من مسائل الديانة والعبادات؛‬
‫ملا يف تلك املثل من إمياء إىل مقصد عام للشارع أو إىل أفهام أئمـة الشريعـة يف مراده‬
‫»(‪.)3‬‬
‫هذا‪ ،‬وقد جاء كتاب ابن عاشور يف ثالثة أقسام‪:‬‬
‫تضمن القسم األول‪ :‬إثبات مقاصد الشريعة‪ ،‬واحتياج الفقيه إىل معرفتها‪،‬‬
‫وطرق إثباهتا ومراتبها‪.‬‬
‫وخصص القسم الثاني‪ :‬للمقاصد العامة من التشريع‪.‬‬
‫ُ‬
‫أما الثالث‪ :‬فجاء يف املقاصد اخلاصة بأنواع املعامالت‪ ،‬املعرَّب عنها بأبواب فقه‬
‫ُ‬
‫املعامالت‪.‬‬
‫إن قراء ًة متأنيةً ملا كتبه اإلمام ابن عاشور – يف هذا اجملال – تكشف أن دوره –‬
‫فيه – هو التطوير والتكميل والتهذيب ملا وضع أسسه اإلمام الشاطيب‪ .‬فقد اعتمد ما‬
‫جاء يف «املوافقات» ماد ًة أصليةً متميز ًة يف علم األصول – وهو مبحث املقاصد ‪،-‬‬
‫ب مسائله من بني‬‫حد ذاته علماً قائماً تُْنتَ َخ ُ‬
‫ودعا إىل دراسته وتطويره حىت يصري يف ِّ‬
‫(‪) 4‬‬
‫أصول الفقه‪ ،‬وتُرقى بالبحث لتصبح أصوالً قطعيةً للتفقه‪.‬‬
‫إن هدف ابن عاشور ‪ -‬من عمله هذا – يتلخص يف أمرين أساسني‪:‬‬

‫‪ -‬مقاصد الشريعة‪ .‬ص ‪.124‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬يفضل ابن عاشور أن يطلق عليها اسم‪« :‬الديانة»‪ .‬م‪.‬س‪F.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬م‪.‬س‪ .‬ص ‪.125‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬فصول يف الفكر اإلسالمي باملغرب‪ ،‬عبد اجمليد عمر النجار‪ .‬بريوت‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫ط‪1992( .1 :‬م)‪ .‬ص ‪.143‬‬

‫‪189‬‬
‫األمر األول‪ :‬االرتقاء مبقاصد الشريعة إىل علم مستقل‪.‬‬
‫األمر الثاني‪ :‬جعل قواعد هذا العلم قطعيةً حلسم اخلالف بني الفقهاء‪.‬‬
‫ولعل مما متيَّز به ابن عاشور يف دراسته للمقاصد – كما الحظ أحد الباحثني(‪– )1‬‬
‫أنه مل مييز بني مقاصد الشريعة ومقاصد املكلف كما فعل الشاطيب‪ ،‬وإمنا اختار‬
‫منهجاً آخر يقوم على أساس التمييز بني املقاصد العامة واملقاصد اخلاصة واملقاصد‬
‫اجلزئية ألحكام الشريعة‪.‬‬
‫كما أضاف مقاصد جديد ًة؛ مثل مقصدي احلرية واملساواة‪ ،‬وابتكر مسالك‬
‫جديد ًة يف إثبات مقاصد الشريعة – ولعل هذا من أهم مظاهر التطوير والتكميل‬
‫لديه‪ ،-‬إ ْذ حصرها يف ثالثة مسالك‪:‬‬
‫‪ – 1‬استقراء الشريعة في تصرفاتها من خالل أحكامها المتعددة‪ ،‬حبيث ِّ‬
‫ميكن‬
‫هذا االستقراء – من خالل معرفة العلة املشرتكة – من استخالص مقاصد الشريعـة‬

‫‪« -‬قراءة يف كتاب "نظرية املقاصد عند اإلمام حممد الطاهر بن عاشور"‪ ،‬إلمساعيل احلسين»‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫بلقاسم حممد الغايل‪ .‬جملة إسالمية املعرفة‪ .‬السنة الثانية‪ .‬العدد‪( .5:‬صفر‪1417 F‬هـ‪/‬يوليو‬
‫‪1996‬م) ص ‪.167‬‬

‫‪190‬‬
‫(‪) 1‬‬
‫وحتديدهــا‪.‬‬
‫‪ – 2‬أدلة القرآن واضحة الداللة اليت يضعف احتمال أن يكون املراد منها غري‬
‫ما هو ظاهرها حبسب االستعمال اللغوي‪.‬‬
‫‪ – 3‬السنة المتواترة‪ .‬ويدخل فيها ما شاهده عموم الصحابة – رضي اهلل عنهم‬
‫– من أعمال الرسول صلى اهلل عليه وسلم أو ما حصل آلحادهم من مشاهدات‬
‫ألعمال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬حبيث يُستخلص من جمموعها مقصد شرعي‬
‫كلي‪.‬‬
‫هذه مسالك الكشف عن املقاصد عند ابن عاشور‪ ،‬وقد متيز منهج الشاطيب –‬
‫يف حتديده مسالك الكشف عنها باجلزئية والتفصيل؛ حيث حبث هذه املقاصد يف‬
‫نطاق آحاد األحكام ال يف نطاق املقاصد الكلية العامة‪ ،‬فلم تتميز تلك املسالك –‬
‫(‪)2‬‬
‫كثرياً – عما حبثه األصوليون يف باب العلة ومسالكها‪.‬‬
‫ولعل عُ ْذ َر الشاطيب أنه كان يؤسس عمالً مبتكراً اقتضى منه هذا املنهج‪ .‬يف حني‬
‫جند ابن عاشور قد حنا – يف حتديد مسالك الكشف عن املقاصد – منحى الكلية‬
‫والتقنني؛ إ ْذ اختار طرقاً لإلثبات متيزت باعتمادها القطع والظن القوي القريب من‬
‫القطع‪ .‬وهذا ينسجم مع هدفه الذي حدده سلفاً؛ فقد كان يسعى إىل حتقيق مقاصد‬

‫‪ -‬ويتضمن هذا املسلك قسمني‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫أ – استقراء األحكام املعروفة عللها؛ ألن باستقراء العلل حيصل العلم مبقاصد الشريعة بسهولة‪.‬‬
‫مثال ذلك‪ :‬أن ما يستخلص من علة النهي على أن خيطب املسلم على خطبة أخيه‪ ،‬وعلة النهي‬
‫على أن يسوم املسلم على سوم أخيه مقصد شرعي عام هو دوام األخوة بني املسلمني‪.‬‬
‫ب – استقراء أدلة أحكام اشرتكت يف علة‪ ،‬حبيث حيصل اليقني بأن تلك العلة مقصد مراد‬
‫للشارع‪ .‬مثال ذلك‪ :‬أن النهي عن بيع الطعام قبل قبضه‪ ،‬والنهي عن بيع الطعام بالطعام نسيئةً‪،‬‬
‫والنهي عن احتكار الطعام‪ ،‬كلها أحكام شرعية اشرتكت يف علة واحدة‪ ،‬هي‪ :‬كل ما يؤدي إىل‬
‫إقالل الطعام وعدم رواجه بني الناس‪ .‬ومن هذا االستقراء حيصل العلم بأن رواج الطعام وتيسري‬
‫تناوله مقصد من مقاصد الشريعة‪ .‬مقاصد ابن عاشور‪ .‬ص ‪.138-137‬‬
‫‪ -‬فصول يف الفكر اإلسالمي باملغرب؛ النجار‪ .‬ص ‪.158‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪191‬‬
‫ندون‬ ‫قطعية أو قريبة من القطع – كما عرَّب عنها بقوله ‪ « :-‬فنحن إذا أردنا أن ِّ‬
‫أصوالً قطعيةً للتفقه يف الدين‪.)1( »...‬‬
‫وعلى كل فاملنهجان ليسا متناقضني بل إن ثانيهما مكمل ألوهلما؛ فما رمسه ابن‬
‫عاشور – كما يقول أحد الباحثني ‪ « :-‬يُعترب مرحلةً ثانيةً مبنيةً على األوىل‪ ،‬وهي‬
‫مرحلة تنحو منحى التنظري والتقنني‪ .‬وهكذا العلوم‪ ،‬فإهنا تتجه من اجلزئية إىل الكلية‪،‬‬
‫ومن التشتت إىل التقنني »(‪.)2‬‬
‫إن ما قام به ابن عاشور – على فضله وقيمته العلمية – مل خيرج عن اإلطار العام‬
‫الذي رمسه اإلمام الشاطيب؛ فقراءة حمتويات «مقاصد الشريعة» البن عاشور تبنِّي‬
‫اعتماده الغالب على ما جاء يف «املوافقات»‪ ،‬لكن بعد انتقاء وترتيب مهمني مهدا‬
‫خلدمة منهجه [ابن عاشور] يف تأليفه وحتقيق هدفه من هذا التأليف‪.‬‬
‫إسهام عالل الفاسي‪:‬‬
‫من أهم ما يُشار إليه – بعد كتاب ابن عاشور – ما كتبه العالمة املغريب عالل‬
‫الفاسي حتت عنوان‪« :‬مقاصد الشريعة اإلسالمية ومكارمها»‪.‬‬
‫ومع أن العنوان يوحي بأن الكتاب ممحض للمقاصد‪ ،‬فإن قراءته تكشف أن عناية‬
‫الكاتب قد توجهت إىل البحث يف فلسفة التشريع أكثر من حبثه يف املقاصد‪.‬‬
‫فاملالحظ أن عالل الفاسي قد توزع اهتمامه بني موضوعات كثرية مشلت الفقه‬
‫واألصول والتفسري والتاريخ واالجتماع والقانون(‪ ...)3‬وهذا طبعي يف مؤلَّف أصله‬
‫دروس وحماضرات ‪ -‬ألقاها مؤلِّفه على طلبته يف اجلامعة – َّ‬
‫جرته إىل استطرادات‬
‫كثرية أبعدته عن موضوع املقاصد‪.‬‬
‫باإلضافة إىل أن صاحب هذا الكتاب كان يقود نضاالً سياسياً ضد االستعمار‬
‫الغريب الذي احتل معظم أجزاء العامل اإلسالمي – مبا فيه املغرب العريب ‪ ،-‬ويواجه‬
‫حتدياً فكرياً وافداً من الغرب والشرق‪ .‬فقد وقف يف وجه التغريب مبختلف أشكاله‬

‫‪ -‬مقاصد الشريعة‪ .‬ص ‪.122‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬فصول يف الفكر اإلسالمي يف املغرب‪ .‬ص ‪.160‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬يقول الفاسي ‪ -‬يف مقدمة كتابه مقاصد الشريعة ‪ « :-‬وقد أحببت أن يكون هذا املوضوع‬ ‫‪3‬‬

‫شامالً للتعريف بقسط من أصول تاريخ القانون وتطوره ‪.» F...‬‬

‫‪192‬‬
‫وألوانه‪ ،‬مستخدماً كل ما أتيح له من وسائل وما تيسر له من قدرات؛ فوظف‬
‫الصحافة واإلعالم‪ ،‬واستعان بالدروس واحملاضرات‪ ،‬وجلأ إىل املؤمترات والندوات‪.‬‬
‫ولعل يف شهادة أحد – ممن عرفوه وعايشوه – أوضح دليل على مدى املرارة اليت‬
‫عاشها هذا الرجل وهو حياول إصالح ما آلت إليه البالد من أوضاع‪ .‬يقول عنه عبد‬
‫الكرمي مطيع احلمداوي(‪ )1‬يف كتابه(‪ ...« :)2‬جاهد من أجل استقالل وطنه أكثر من‬
‫نصف قرن‪ ،‬وبعد أن حتقق االستقالل‪ ،‬وجد نفسه يف جمتمع خنبته على حافة الردة‬
‫وعمل – وناله بذلك‬‫سلوك ٍ‬ ‫باعتناقها الفكر املاركسي – قيماً ومبادَئ ومنهج ٍ‬
‫َ‬
‫ضروب من األذى حىت على يد طلبته يف اجلامعة‪ ،‬حيث كان كلما جلس على‬
‫كرسي التدريس وبدأ حماضرته بالبسملة ضجت القاعة بالضحك ورماه الطلبة‬
‫الشيوعيون باحلصى‪ ،‬فلم تلن له قناة‪ ،‬وواصل سعيه مستنصراً مبقاصد الشاطيب‬
‫لتقريب الشريعة من جيل عاق يغلب عليه التمرد واإلحلاد »‪.‬‬
‫وبتعدد اجلبهات اليت كان يواجهها الفاسي ويدافع فيها عن اإلسالم فكراً‬
‫وعقيد ًة‪ ،‬تنوعت موضوعات الكتاب؛ من مقابالت ومقارنات بني شريعة اإلسالم‬
‫وغريها من الشرائع األخرى – السماوية والوضعية ‪ ،-‬إىل مناقشة شبهات معاصريه‬
‫من املفكرين – إىل بيان وسائل االجتهاد وأسباب االختالف مبا يعني على معرفة‬
‫وح َك ِمها – إىل احلديث عن مصدر السيادة يف اإلسالم ومنهج احلكم‬ ‫أسرار الشريعة ِ‬
‫فيه‪ ،‬مقارناً ذلك كله بأفكار الفالسفة واملفكرين‪ ،‬ومبيناً عناصر االلتقاء اليت تعرِّب عن‬

‫‪ -‬مفكر وباحث وداعية إسالمي‪ُ ،‬ولد يف املغرب سنة (‪1935‬م)‪ ,‬وتلقى علومه يف كل من‬ ‫‪1‬‬

‫جامعة القرويني بفاس وابن يوسف مبراكش‪ .‬شارك يف مقاومة االستعمار الفرنسي للمغرب‪،‬‬
‫وساهم يف جمال التعليم والدعوة‪ ،‬ووضع اللبنات األوىل للعمل الدعوي بتأسيسه عدة مجعيات‬
‫إسالمية كان هلا تأثري كبري يف احلياة االجتماعية والسياسية باملغرب‪ F.‬له عدة مصنفات ومقاالت‬
‫يف جمال الفكر والدعوة‪ ،‬أمهها‪« :‬فقه األحكام السلطانية»‪ ،‬و«قضايا إسالمية بني الفهم‬
‫والتطبيق»‪ ،‬و«ملكية األرض يف اإلسالم»‪ ...‬وكثري مما كتبه منشور على شبكة املعلومات‬
‫الدولية (اإلنرتنت)‪.‬‬
‫‪ -‬فقه األحكام السلطانية‪ :‬حماولة نقدية للتأصيل والتطوير‪( .‬د‪.‬ن) ط‪1422( .2 :‬هـ‪/‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪2001‬م)‪ .‬ص ‪.344‬‬

‫‪193‬‬
‫اشرتاك اإلنسانية يف قيم سامية يأيت يف مقدمتها حقوق اإلنسان وكرامته وضرورة‬
‫(‪)3‬‬
‫حفظها ومراعاهتا‪ ،‬مع التنبيه على أن احلق ال يتم إال بالواجب‪.‬‬
‫وقد ختم حبثه ببيان مساحة اإلسالم وما ترمي إليه من إقرار السالم بني الناس‪،‬‬
‫ونشر الصلح واحملبة والتعاون بني الطوائف واجلماعات والدول‪.‬‬
‫هذا‪ .‬وقد توالت – أخرياً – الدراسات والبحوث يف املقاصد‪ ،‬معتمدةً اعتماداً‬
‫كبرياً على ما كتبه الشاطيب وابن عاشور والفاسي‪.‬‬
‫ولئن كان كثريون قد أجادوا يف العرض والتحليل واملناقشة – بفضل استخدام‬
‫املناهج العلمية – فإن من املالحظ غلبة االعتبارات الفنية‪ ،‬الندراج هذه الدراسات يف‬
‫سياق العمل العلمي األكادميي الذي يقتضي معايري حمدد ًة ومناهج دقيقةً‪ ،‬قد يأيت‬
‫االلتزام احلريف أو الشكلي هبا على حساب التحليل العميق والدراسة املبتكرة‪ .‬لكنها‬
‫ختل – يف اجلملة – من فائدة علمية‪.‬‬ ‫مل ُ‬

‫‪ -‬مقدمة مقاصد الشريعة اإلسالمية ومكارمها‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪194‬‬
‫المبحث الرابع‬
‫االتجاهات في دراسة المقاصد‬

‫على الرغم من أن أغلب الدراسات – يف املقاصد – مل خترج عما كتبه اإلمام‬


‫وم ْن سلك مسلكه؛ فإنه ومن خالل تتبع ما ُكتب – قدمياً وحديثاً – ميكن‬
‫الشاطيب َ‬
‫رصد موقفني ميثالن اجتاهني واضحني يف دراسة املقاصد وتوظيفها يف جماالت‬
‫االجتهاد املختلفة‪ ،‬كما ميكن مالحظة تبلور موقف ثالث على يد بعض الباحثني‬
‫املعاصرين يف املوضوع‪.‬‬
‫الموقف األول‪:‬‬
‫وهو ميثل اجتاه الشاطيب وابن عاشور والفاسي وغريهم من الفقهاء والباحثني‬
‫الذين يؤيدون استخدام املقاصد أدا ًة لالستنباط الفقهي يف كل اجملاالت الدينية‬
‫والدنيوية‪ ،‬وهو ما متَّ بيانه يف «املوافقات» وغريه من املصنفات اليت بسطت املوضوع‬
‫بكل تفصيالته‪ ،‬مما يغين عن اإلعادة والتكرار‪.‬‬
‫الموقف الثاني‪:‬‬
‫وهو ميثل اجتاه احلداثيني الذين يؤيدون املقاصد تأييداً مطلقاً‪ .‬ويعدوهنا أداةً‬
‫لالستنباط يف اجملالني – الديين والدنيوي – متجاوزين الشروط والضوابط اليت راعاها‬
‫أصحاب االجتاه األول؛ األمر الذي فتح ثغرةً للتحلل من النصوص وممَّا هو معلوم من‬
‫الدين بالضرورة‪.‬‬
‫مكن هؤالء من استغالل املقاصد‬ ‫ولعل بعض القصور الذي شاب منهج الشاطيب َّ‬ ‫َّ‬
‫وتوظيفها توظيفاً منحرفاً يف جمال االجتهاد يأيت توضيحه إن شاء اهلل تعاىل‪.‬‬
‫الموقف الثالث‪:‬‬
‫تبلور حديثاً‪ ،‬وظهر جلياً لدى عبد الكرمي مطيع احلمداوي ‪ -‬صاحب كتاب‬
‫«فقه األحكام السلطانية‪:‬حماولة للتأصيل والتطوير» ‪ -‬يف سعيه ملقاومة احنراف االجتاه‬
‫الثاين وشططه‪.‬‬
‫ويقف هذا االجتاه موقفاً متحفظاً يف املقاصد؛ فهو مييز بني‪:‬‬

‫‪195‬‬
‫‪ -‬المقاصد في مجال األحكام الشرعية العملية‪ ،‬فيذهب – فيها – مذهب‬
‫الفقهاء امللتزمني بالنصوص واحلمل عليها والتماس العلل الصرحية واخلفية‪ .‬وينكر ما‬
‫ذهب إليه بعض الفقهاء من اختاذ املقاصد وحدها أداةً الستنباط األحكام الشرعية أو‬
‫(‪)1‬‬
‫لتعطيل بعض النصوص كما ذهب إليه الطويف وأمثاله‪.‬‬
‫‪ -‬وبني القضايا الدنيوية التي لم ترد فيها نصوص وال مجال فيها للقياس أو‬
‫اإلجماع المستند إلى النصوص‪ ،‬وقد استحدث هلذه القضايا ما مساه بـ«التشريع‬
‫الشوروي»‪ ،‬الذي يتضمن املقاصد بصفتها أحد مصادره‪.‬‬
‫أما حتفظه على املقاصد يف جمال األحكام الشرعية العملية‪ ،‬فمرده إىل مآخذ عدة‬
‫خلصها يف مجلة من املالحظات على نظرية الشاطيب‪ .‬وهذه املالحظات – كما جاءت‬
‫يف كتابه «فقه األحكام السلطانية»(‪:- )2‬‬
‫صدر بحثه عن المقاصد بتعريف دقيق لها‪ ،‬وِإ ْن‬ ‫‪ – 1‬أن الشاطبي لم ُي ِّ‬
‫كان قد بسط معانيها أثناء تفصيله عناصر املوضوع‪ ،‬فال نظفر بتحديد دقيق للمقاصد‬
‫(‪)3‬‬
‫سجل عليه هذه املالحظة عدد من الباحثني‪.‬‬
‫إال بعد عملية استقراء للكتاب ‪ .‬وقد َّ‬
‫‪ – 2‬أنه يميز بين المقصد التكويني والمقصد التشريعي‪ ،‬فيقـول‪« :‬فالقصد‬
‫التكويين شيء والقصد اخللقي شيء آخر ال مالزمة بينهما »(‪.)4‬‬
‫وهذه التفرقة – بني املقصدين – غري مسلَّم هبا؛ ألن التشريع نزل لتنظيم‬
‫تصرفات املخلوق البشري ابتالء‪ ،‬واملخلوق البشري ُوجد لالبتالء‪ ،‬وبذلك يكون‬
‫القصد التشريعي مبنياً على القصد التكويين(‪ ،)5‬ويؤكده قوله تعاىل‪َ  :‬و َما َخلَ ْقتُ‬
‫ا ْل ِجنَّ َواِأْل ْن َ‬
‫س ِإاَّل لِيَ ْعبُد ِ‬
‫ُون ‪.)6( ‬‬

‫‪ -‬الفصل التايل من هذا البحث (=الفصل السادس)‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ص ‪ 347‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ميكن الرجوع إىل تعريف املقاصد يف بداية هذا الفصل‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬املوافقات‪.2/23 .‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬فقه األحكام السلطانية‪ .‬ص ‪.347‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ -‬الذاريات ‪.56‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪196‬‬
‫ميز – في حديثه عن المقاصد – بين المصالح والمفاسد‪ ،‬وفصلها‬ ‫‪ – 3‬أنه َّ‬
‫من حيث تعلق اخلطاب الشرعي هبا‪ ،‬مبيناً أن املصاحل واملفاسد املبثوثة يف الدنيا‪ ،‬إمنا‬
‫كانت على سبيل االبتالء‪ ،‬لقوله تعاىل‪َ  :‬ونَ ْبلُو ُك ْم بِالش َِّّر َوا ْل َخ ْي ِر فِ ْتنَةً ‪،)1( ‬‬
‫وأن وجود املصلحة اخلالصة أو املفسدة اخلالصة أمر يكاد يكون متعذر التحقق‪،‬‬
‫لذلك فمعرفة مقصد الشارع إمنا تتم بالرتجيح بني املصاحل واملفاسد‪.‬‬
‫وإن تعريف الشاطيب للمقاصد ‪ -‬بكوهنا مرجعاً ووسيلةً حلفظ املصاحل – قد‬
‫يؤدي إىل تعدد املسالك املفضية إىل إهدار النصوص وتسيب التشريع‪ ،‬ال سيما مع‬
‫عدم وجود تعريف دقيق للمقاصد اليت يعنيها‪.‬‬
‫بل إنه – بقوله‪ « :‬وحنن إمنا كلفنا مبا ينقدح أنه مقصود للشارع ال مبا هو‬
‫مقصوده يف نفس األمر »(‪ – )2‬يفتح باباً واسعاً إلهدار النصوص‪ ،‬وحيول االستنباط‬
‫الفقهي من حاكمية املقاصد إىل حاكمية ما ينقدح يف الذهن‪ .‬وهذا أمر خطري؛ ألن‬
‫قدرات املستنبطني – العقلية والعلمية – خمتلفة جداً‪ .‬باإلضافة إىل أنه يفتح الباب أمام‬
‫دعاة تعطيل النصوص‪.‬‬
‫‪ - 4‬حكم المسكوت عنه في الشرع‪:‬‬
‫صنف الشاطيب ما يدخل حتت حكم املسكوت عنه يف الشرع إىل ثالثة أقسام‪،‬‬
‫هي‪:‬‬
‫أ – « الوقوف مع مقتضى الدليل املعارض(‪ )3‬قصد حنوه وِإ ْن قوي معارضه »(‪.)4‬‬
‫ويدخل حتت هذا القسم‪ :‬العمل بالعزمية وإ ْن توجه حكم الرخصة‪ ،‬أو العمل‬
‫بالرخصة وإ ْن توجه حكم العزمية‪ .‬كما يدخل فيه‪ :‬كل قضاء قضى به القاضي من‬

‫‪ -‬األنبياء ‪.35‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬املوافقات‪.2/24 .‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ألنه ِإ ْن كان غري معارض مل يدخل حتت العفو لكونه – يف هذا احلال ‪ -‬أمراً أو هنياً أو‬ ‫‪3‬‬

‫ختيرياً‪.‬‬
‫‪ -‬املوافقات‪.1/120 .‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪197‬‬
‫مسائل االجتهاد مث تبني له خطأه(‪ ،)1‬والرتجيح بني الدليلني(‪ ،)2‬والعمل بدليل منسوخ‬
‫أو غري صحيح‪ .‬فهذا ومثله مما يدخل يف منطقة العفو املذكور‪.‬‬
‫ب – اخلروج عن مقتضى الدليل من غري قصد أو بتأويل‪ ،‬كمن يعمل عمالً‬
‫(‪)3‬‬
‫معتقداً إباحته ومل يبلغه دليل التحرمي‪ ،‬أو بلغه وتأول اإلباحة‪.‬‬
‫ج – ما سكت الشرع عن حكمه رأساً‪ ،‬وهو ما يدخل حتت حكم العفو‬
‫حسب رأي الشاطيب‪ .‬يف حني يذهب صاحب «فقه األحكام السلطانية» إىل التمييز‬
‫بني ما يدخل حتت حكم العفو وما ال يدخل؛ ذلك أن املسكوت عنه يف رأيه– كما‬
‫يقول ‪ « : -‬ليس عفواً بإطالق أو مستنبطة أحكامه بإطالق‪ ،‬إال إذا اعتربنا أن مجيع‬
‫عد "العفو" حكماً سادساً زائداً‬ ‫أفعال املكلفني داخلة حتت خطاب التكليف‪ ،‬حبيث يُ ُّ‬
‫على األحكام اخلمسة »(‪ ،)4‬وهو ما جيعل مجيع أفعال املكلفني حمصور ًة يف أوامر‬
‫ونواهي شرعية‪ ،‬وهذا ما يتناىف مع يسر الدين ورفق الشريعة‪.‬‬
‫ِإ َّن خلو بعض الوقائع واحلوادث وتصرفات املكلفني عن حكم الشرع – كما‬
‫يرى احلمداوي – يرجع إىل ثالثة أوجه‪:‬‬
‫أ – وجه من العبادات‪ :‬وهي تامة كاملة ال تقبل زيادةً أو نقصاناً(‪ ،)5‬وما سكت‬
‫عنه الشرع يف أمرها من خطأ أو نسيان أو إكراه فهو عفو‪.‬‬
‫ب – وجه معامالت فردية أشارت إىل ِح َك ِمها النصوص اجململة وكليات‬
‫القواعد‪ ،‬ويتم استخالص أحكام املسكوت عنه فيها يف ظل حاكمية النصوص وما‬
‫يُستقرأ منها‪ .‬وقد جعل الشرع يف جزء من هذه املعامالت جماالً للعفو بضوابطه‪.‬‬
‫يرد‬
‫ج ‪ -‬وجه معامالت وتصرفات دنيوية مرسلة متعلقة بالشأن العام لألمة مل ْ‬
‫فيه حكم شرعي‪ ،‬ولكن اهلل أذن جلماعة املسلمني يف التشريع الشوروي هلا ضمن‬
‫اإلطار العام لدولة اإلسالم الناهضة لتحقيق املقصد األمسى من إخراجها للناس‪ .‬وهذا‬

‫‪ -‬ما مل يكن قد أخطأ يف مقابل نص أو إمجاع أو بعض األمور القطعية‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ألنه وقوف مع أحدمها وإمهال لآلخر‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬املوافقات‪.1/121 .‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬فقه األحكام السلطانية‪ .‬ص ‪.359‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬ذلك أن كل زيادة أو نقصان يف العبادة يعد ابتداعاً يف الدين‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪198‬‬
‫الوجه من التصرفات ليس داخالً حتت حكم العفو لكون التشريع فيه ال يتضمن أي‬
‫خمالفة‪.‬‬
‫‪ – 5‬الفردية في مقاصد الشاطبي‪:‬‬
‫غلب على الشاطيب – وهو يدرس املقاصد – الطابع الفردي؛ فمعظم حديثه عن‬
‫مقصد الشرع يف حفظ الضرورات اخلمس ‪ -‬الدين والعقل والنسل واملال – خاص‬
‫بالفرد‪ ،‬ومل يأت احلديث عن مقصد الشرع يف حفاظ األمة على كياهنا وعقيدهتا إال‬
‫(‪) 1‬‬
‫عابراً من خالل إشارات إىل وجوب اجلهاد على الفرد مع اإلمام الرب والفاجر‪.‬‬
‫ولعل هذا االجتاه الفردي – كما يفسره صاحب «فقه األحكام السلطانية» ‪-‬‬
‫يعد صدى ملا كان سائداً آنئذ يف األندلس؛ إذ تداخلت قيم أديان خمتلفة‪ ،‬وتسربت‬ ‫ُّ‬
‫إىل اجملتمع أفكار وفلسفات متنوعة‪ ،‬ال سيما الرتاث اليوناين الذي تأثر به مفكرون‬
‫وفالسفة مسلمون‪ ،‬مما شاغب على أصالة الشريعة ومتيزها‪ ،‬وأضفى على احلياة‬
‫(‪) 2‬‬
‫األندلسية طابعاً يكاد يكون ال دينياً يف الفكر والتصرف‪.‬‬
‫مث إن قيام أنظمة حكم مستبدة على أهلها خانعة لعدوها ومتحللة من أحكام‬
‫شريعتها‪ ،‬زرع اليأس لدى اخلاصة والعامة على حد سواء‪ ،‬مما أجلأهم – كما يقول‬
‫احلمداوي ‪ «:-‬إىل حماولة التسديد والتقريب بني أحكام الشريعة وبني احنراف الواقع‬
‫مبحاولة حفظ الضرورات اخلمس للفرد‪ ،‬وإمهال ما له عالقة بالشأن العام الذي هو‬
‫كيان األمة ونظام الدولة‪ ،‬وضرورة تنفيذ األمر اإلهلي اخلاص بإخراج األمة اإلسالمية‬
‫للناس »(‪.)3‬‬
‫إن املقارنة بني بيئة االجتهاد يف أول عهد اخلالفة وبني ما تالها من عهود تبني –‬
‫جبالء – أن االجتهاد الفقهي والفكري كان انعكاساً صادقاً لواقع األمة عقدياً‬
‫حراً اقتحامياً يعاجل احلوادث‬‫وسياسياً وعسكرياً؛ ففي أول الدولة اإلسالمية كان ّ‬
‫الواقعة واملرتقبة يف ظل القرآن والسنة بكل ثقة وإميان‪ .‬أما فيما بعده من العهود ومع‬
‫تقلص جمال حرية الرأي واالجتهاد وضمور النهج االقتحامي وسيادة اخلوف وخشية‬

‫‪ -‬املوافقات‪.2/12 .‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬فقه األحكام السلطانية‪ .‬ص ‪.349‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬فقه األحكام السلطانية‪ .‬ص ‪.349‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪199‬‬
‫الفتنة الداخلية واخلارجية أصبحت احلركة االجتهادية حبيسة دائرة الفردية‪ ،‬وما‬
‫اهتمام الشاطيب بالفرد يف دراسته املقاصدية إال صدى لواقع اجملتمع املسلم يف‬
‫(‪)1‬‬
‫األندلس‪.‬‬
‫‪ – 6‬حاكمية المقاصد وحاكمية النص‪:‬‬
‫يقرر الشاطيب أن وضع الشرائع إمنا هو ملصاحل العباد يف العاجل واآلجل‪ .‬ويعتمد‬
‫– يف تقريره اجلازم هذا – على دليل قطعي مستنبط باالستقراء املعنوي والنظر يف‬
‫(‪)2‬‬
‫أدلة الشريعة الكلية واجلزئية‪.‬‬
‫لكن التسليم مبا قرره الشاطيب يؤدي – كما يرى صاحب «فقه األحكام»(‪-)3‬‬
‫إىل حاكمية معنوية منتحلة على الشريعة نفسها‪ ،‬هي حاكمية املقاصد الشاطبية –‬
‫اليت هي املصاحل – على اعتبار أهنا غاية الوجود البشري ومصدر تصرفاته‪ ،‬مما ميهد‬
‫الطريق إىل إلغاء حاكمية النصوص أو االلتفاف عليها‪.‬‬
‫ال شك أن القواعد املستقرأة باالجتهاد – غري املعصوم – ال ميكن أن تقف يف‬
‫وجه النص‪ ،‬كما أن الشرع ال يعلل وضع األحكام باملصاحل الفردية وِإ ْن تضمنتها‪،‬‬
‫وإمنا يعللها تعليالً كلياً حاكماً على مجيع العلل اجلزئية الواردة‪ ،‬هو احلكمة اإلهلية يف‬
‫االبتالء واالختبار بدليل قولـه تعاىل الصريح ‪َ  :‬و َما َخلَ ْقتُ ا ْل ِجنَّ َواِأْل ْن َ‬
‫س ِإاَّل‬
‫اس َأنْ يُ ْت َر ُكوا َأنْ يَقُولُوا آ َمنَّا َو ُه ْم‬ ‫ب النَّ ُ‬ ‫ُون ‪ ، ‬وقوله تعالـى‪َ  :‬أ َح ِ‬
‫س َ‬
‫(‪) 4‬‬
‫لِيَ ْعبُد ِ‬
‫ال يُ ْفتَنُ َ‬
‫ون ‪.)5( ‬‬
‫إن املقصود احلقيقي – من التكليف – كما تثبته اآليات الكرمية حتقيق العبودية‬
‫اخلالصة هلل تعاىل من خالل التعامل اإلجيايب مع خمتلف ضروب االبتالء والفنت‪ .‬وال‬

‫‪ -‬م‪.‬س‪ .‬ص ‪.350‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬املوافقات‪.2/4 .‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ص ‪.353‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬الذاريات ‪.56‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬العنكبوت ‪.2‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪200‬‬
‫ريب أن هذا املقصد حيقق مصاحل اإلنسان يف الدنيا كما أرادها اهلل تعاىل‪ ،‬ال كما‬
‫(‪) 1‬‬
‫يتصورها البشر‪ ،‬وحيقق مصلحته يف اآلخرة مبشيئة اهلل تعاىل‪.‬‬
‫إن اضطراب الشاطيب – بني حاكمية النصوص وحاكمية املقاصد – مرجعه –‬
‫يف األساس – إىل ازدواجية موقفه من األدلة؛ فهو مرتدد بني األخذ بالنقل الذي عدَّه‬
‫ظني ـاً فـي معظمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه(‪،)2‬‬

‫‪ -‬فقه األحكام السلطانية‪ .‬ص ‪.354‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬يقول الشاطيب‪ « :‬مث وجدنا أكثر األدلة الشرعية ظنية الداللة أو املنت والداللة معاً‪ ،‬والسيما‬ ‫‪2‬‬

‫مع افتقار األدلة إىل النظر يف مجيع ما تقدم دل ذلك على أن اجتماع القرائن املفيدة للقطع‬
‫واليقني نادر على قول املقرين بذلك‪ ،‬وغري موجود على قول اآلخرين‪ .»...‬املوافقات‪.2/38 .‬‬

‫‪201‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وأخذه مبنهج استقراء أدلة املقاصد الذي عدَّه قطعياً‪.‬‬
‫فاإلمام الشاطيب يبدو – أحياناً – أقرب إىل الظاهرية يف التزامه بالنصوص‬
‫وحرفيتها‪ .‬السيما يف كتابه «االعتصام»‪ ،‬وأحياناً يبدو مغالياً يف األخذ بفقه املقاصد‬
‫كما يف «املوافقات»‪.‬‬
‫وحيلل مطيع هذا االضطراب بكون تنشئة الشاطيب بدأت سلفيةً‪ ،‬إال أهنا تأثرت‬
‫بظروف األمة واخنفاض مستوى تدينها وتعرضها ملوجة من التيارات الفكرية الفلسفية‬
‫الغربية‪ .‬كما يقدم تفسرياً آخر حمتمالً‪ ،‬وهو اإلحباط الذي عاشه [الشاطيب] بعد‬
‫فشل حماوالته الشاقة لتوجيه األمة حنو شريعتها وأخالق سلفها؛ مما أجلأه إىل‬
‫(‪)2‬‬
‫االستنصار باملقاصد ملا فيها من يسر واستدراج رفيق‪.‬‬
‫لكن منهج اإلسالم احلق – كما يؤكد مطيع – جيعل أصول الدين وفروعه‬
‫وجممالته ومفصالته وكلياته وجزئياته – متالزمةً‪ ،‬وحتت حاكمية الكتاب والسنة‪.‬‬
‫فبغري األحكام الفرعية واجلزئيات التعبدية يتحول الدين إىل جمرد شعارات ومبادئ ال‬
‫توجهُ حيا ًة‬
‫جذور هلا يف األرض‪ ،‬وبغري اجملمالت والكليات يكون تعاليم مبعثر ًة ال ِّ‬
‫(‪) 3‬‬
‫وال تؤطُِّر دولةً‪.‬‬
‫‪ – 7‬مسالك الكشف عن المقاصد‪:‬‬
‫قعده من قواعد‬
‫بنَّي الشاطيب أن املنهج السليم – يف الكشف عن املقاصد هو ما َّ‬
‫مهد هلا السبيل علماء راسخون سبقوه إىل مراعاة النصوص وظواهرها وعدم إغفال‬ ‫َّ‬
‫املعاين والعلل‪.‬‬

‫‪ -‬يقول الشاطيب‪ « :‬ودليل ذلك استقراء الشريعة والنظر يف أدلتها الكلية واجلزئية‪ ،‬وما انطوت‬ ‫‪1‬‬

‫حد االستقراء املعنوي الذي ال يثبت بدليل خاص‪ ،‬بل بأدلة‬ ‫عليه من هذه األمور العامة‪ ،‬على ِّ‬
‫يضاف بعضها إىل بعض‪ ،‬خمتلفة األغراض‪ ،‬حبيث ينتظم من جمموعها أمر واحد جتتمع عليه تلك‬
‫األدلة‪ .»...‬املوافقات‪.2/39 .‬‬
‫‪ -‬فقه األحكام السلطانية‪ .‬ص ‪.363‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬م‪.‬س‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪202‬‬
‫وانتقد منهج الظاهرية الواقف عند حدود ظواهر النصوص‪ ،‬ومنهج الباطنية‬
‫املفضي إىل إبطال الشريعة؛ إما بسبب التأويالت الباطلة أو املغاالة يف االعتماد على‬
‫القياس‪ .‬غري أن يف ما اختاره من مسالك(‪ )1‬للكشف عن املقاصد بعض املالحظات‪:‬‬
‫أولها‪ :‬أنه قصر ‪ -‬يف املسلك األول – تعرف املقاصد على أوامر النصوص‬
‫ونواهيها‪ ،‬يف حني أن النصوص تتضمن أكثر من األمر والنهي‪ .‬ذلك أن يف دالالت‬
‫النصوص ما يعني – أيضاً – على تعرف املقاصد(‪ ،)2‬السيما النصوص غري املتعلقة‬
‫باألمر والنهي‪ .‬كالنصوص املتعلقة بالسنن الكونية – اليت يتعدد ورودها يف القرآن‬
‫الكرمي ‪ ،-‬وهو ما فات الشاطيب اإلشارة إليه‪.‬‬
‫ثانيهما‪ :‬أنه حصر – يف املسلك الثاين – تعرف املقاصد يف علل األمر والنهي‪،‬‬
‫ومعلوم أن يف النصوص – مما سوى األمر والنهي – علالً صرحيةً ومستنبطةً ألحكام‬
‫التشريع ومقاصده‪.‬‬
‫ثالثها‪ :‬أن املسلك الثالث – املتمثل يف عدم التشريع مع توفر دواعيه – ينبغي‬
‫التمييز فيه بني سكوت الشارع يف جمال العبادات – وهو ما بيَّنه الشاطيب ووظفه‬
‫حملاربة البدع ‪ ،-‬وبني سكوته يف جمال القضايا الدنيوية اليت ترك للمجتمع املسلم أمر‬
‫(‪)3‬‬
‫تنظيمها من خالل الشورى العامة‪.‬‬
‫ويبدو أن ابن عاشور قد أدرك – جيداً ‪ -‬ما لوحظ على مسالك الشاطيب‪،‬‬
‫فحاول تدارك ما فاته بتحديد املسالك يف ثالثة أقسام‪:‬‬

‫‪ -‬وهي‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ .1‬جمرد األمر والنهي االبتدائيني التصرحييني‪.‬‬


‫‪ .2‬اعتبار العلل يف األمر والنهي‪.‬‬
‫‪ .3‬اعتبار املقاصد التابعة املؤكدة للمقاصد األصلية‪.‬‬
‫‪ .4‬تعرف املقاصد الشرعية من عدم الفعل ال من الفعل‪.‬‬
‫‪ -‬فقه األحكام السلطانية‪ .‬ص ‪356‬؛ ومقاصد الشريعة‪ ،‬ابن زغيبة‪ .‬ص ‪.117‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬فقه األحكام السلطانية‪ .‬ص ‪.356‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪203‬‬
‫‪ – 1‬تصريحات القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪ – 2‬االستخالص المباشر من السنة النبوية المتواترة‪.‬‬
‫‪ – 3‬استقراء أدلة أحكام اشتركت في علة ترشدنا إلى مقصد الشارع‪.‬‬
‫غري أن مسالك ابن عاشور بدت غري مكتملة أيضاً وهذا ما استدركه مطيع‬
‫عليها؛ حيث رأى أن مسالك املقاصد ال تُلتمس من صريح القرآن فقط وال من‬
‫صريح السنة املتواترة‪ ،‬وال من خالل األحكام املتنوعة املرتبطة بعللها؛ ألن العلل جمرد‬
‫مقاصد قريبة متعلقة بآحاد األحكام وفوقها مقاصد أعم‪ ،‬إال أن هناك مسالك أخرى‬
‫غري ما ذكر الشاطيب وابن عاشور هلا علل صرحية ومستنبطة وتوجيهات عامة‬
‫وإشارات ألويل األلباب عن اخللق واملبدأ واملعاد وتنزيل التشريع ومقاصده وسنن‬
‫االبتالء وصراع احلق والباطل مما يتمم مسالك التعرف على املقاصد لدى الرجلني‪.‬‬
‫‪ – 8‬فهم الشريعة على معهود األميين‪:‬‬
‫يذهب صاحب «فقه األحكام السلطانية» مذهب الشاطيب يف موضوع "فهم‬
‫الشريعة على معهود األميني"‪ ،‬والذي يتلخص يف كون الفهم [=فهم الشريعة‬
‫وأحكامها ] ال يكون إال بلسان العرب ومبا عهدوه‪ ،‬إال أنه يعارضه يف دعواه بأن‬
‫الشريعة أميةٌ لكوهنا نزلت على نيب أمي وألمة أمية؛ وذلك لعدة أسباب(‪ )1‬أذكر‬
‫منها‪:‬‬
‫‪ – 1‬أن لفظ األمية مشرتك ال يعين – فقط – اجلهل بالقراءة والكتابة‪ ،‬وإمنا يعين‬
‫– أيضاً – من ال يقر بنيب وال رسول‪ ،‬كما يعين – أيضاً ما سوى أهل الكتاب بناء‬
‫سلَ ْمتُ َو ْج ِه َي هَّلِل ِ َو َم ِن اتَّبَ َع ِن َوقُ ْل لِلَّ ِذ َ‬
‫ين‬ ‫اجوكَ فَقُ ْل َأ ْ‬ ‫على قولـه تعاىل‪  :‬فَِإنْ َح ُّ‬
‫سلَ ْمتُ ْم فَِإنْ َأ ْ‬
‫سلَ ُموا فَقَ ِد ا ْهتَ َد ْوا َوِإنْ تَ َولَّ ْوا فَِإنَّ َما‬ ‫َاب َواُأْل ِّميِّ َ‬
‫ين َأَأ ْ‬ ‫ُأوتُوا ا ْل ِكت َ‬
‫صي ٌر بِا ْل ِعبَا ِد ‪.)2( ‬‬ ‫غ َوهَّللا ُ بَ ِ‬‫َعلَ ْيكَ ا ْلبَال ُ‬
‫‪ – 2‬أن وصف النيب صلى اهلل عليه وسلم باألمية خمتلف يف معناه‪ .‬والشريعة‬
‫يستحيل وصفها باألمية مبعىن‪« :‬اجلهل»؛ ألهنا أنزلت من لدن عليم حكيم‪،‬‬

‫‪ -‬فقه األحكام السلطانية‪ .‬ص ‪.367-365‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬آل عمران ‪20‬؛ ويُنظر ‪ :‬تفسري النسفي (مدارك التنـزيل وحقائق التأويل)‪ .‬ت‪ :‬يوسف علي‬ ‫‪2‬‬

‫بديوي‪ .‬دمشق‪-‬بريوت‪ ،‬دار ابن كثري‪ .‬ط‪1420( .2 :‬هـ‪1999/‬م)‪.1/244 .‬‬

‫‪204‬‬
‫ومصدرها العلم املطلق العام الشامل‪ ،‬مما جيعلها حتمل ما يناسبها من علم واضعها‬
‫سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫‪ – 3‬أن ضرورة فهم الشريعة – على معهود األميني – يعود على منهج الشاطيب‬
‫نفسه – يف الكشف عن املقاصد – باإلبطال؛ ذلك أن املسالك لديه اعتمدت على‬
‫االستقراء واملقارنة والتجريد والتعميم والتقعيد‪ ،‬وهي أمور ال تتناسب مع بساطة‬
‫األميني الذين حتدث عنهم الشاطيب‪ ،‬فيكون – يف منهجه هذا – مكلِّفاً عامة الناس‬
‫ما ال يطيقون‪.‬‬
‫‪ – 9‬تكامل المقاصد وتراتبها‪:‬‬
‫ال خيالف صاحب «فقه األحكام السلطانية» الشاطيب يف أن أوامر الشريعة‬
‫ونواهيها تسري يف اتجاه حيقق املقاصد الشرعية‪ ،‬إال أنه خيتلف معه يف حتديد هذه‬
‫املقاصد‪.‬‬
‫فإن الشاطيب قصر مقاصده على حتقيق الضرورات اخلمس‪ .‬وهذا – يف نظر مطيع‬
‫– قصور‪ .‬فهو مل يستوف املقاصد الغائية لوجود اإلنسان ونزول القرآن وفرض‬
‫التكاليف؛ وبذلك يكون منهج الشاطيب ناقصاً‪.‬‬
‫والعمل الفقهي – استقراءً واستنباطاً – يف ميدان العبادات واملعامالت والتشريع‬
‫املأذون فيه (الشوروي) يبقى عمالً خمتالً إذا مل يؤسس على اعتبار املقاصد العامة‬
‫العليا للدين‪ ،‬وحتريها يف بناء األحكام ووضع القواعد وتنظيم الشأن العام لألمة‪ ،‬على‬
‫أساس تصاعدي‪ ،‬خيدم فيه البسيط املركب‪ ،‬واجلزئي الكلي‪ ،‬من أسفل السلم إىل قمة‬
‫املرقاة‪.‬‬
‫واحملافظة على الضرورات اخلمس – كما وردت لدى الشاطيب – ال تتعدى‬
‫كوهنا أدا ًة مرحليةً من أدوات حتقيق املقصد األمسى من الوجود البشري؛ فإ ْن عادت‬
‫هذه املصاحل الشاطبية ( بضروراهتا وحاجياهتا وحتسيناهتا ) على املقصد األمسى‬
‫(‪) 1‬‬
‫باإلبطال‪ُ ،‬أهدرت املصاحل الضرورية‪ ،‬وثبت املقصد األمسى‪.‬‬
‫كما أن من رمحة اهلل تعاىل باملكلفني ويسر الشريعة ورفقها وحجية أحكامها أن‬
‫اهلل – عز وجل – مل يلجئ عباده إىل مناهج معقدة – كاليت أشار إليها الشاطيب –‬
‫‪ -‬فقه األحكام السلطانية‪ .‬ص ‪.369‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪205‬‬
‫من أجل التعرف على مقاصد الشريعة‪ .‬بل جعل مقصده واضحاً‪ ،‬ال ينوء به العقل‬
‫ورد يعصف بوضوحه وقوة إلزامه‪،‬‬ ‫الفطري العادي‪ ،‬وليس حمل خالف أو اختالف ٍّ‬
‫ق لِيُ ْظ ِه َرهُ َعلَى‬
‫ين ا ْل َح ِّ‬
‫سولَهُ بِا ْل ُه َدى َو ِد ِ‬‫س َل َر ُ‬‫قال اهلل تعاىل‪  :‬ه َُو الَّ ِذي َأ ْر َ‬
‫ون ‪.)1( ‬‬ ‫ش ِر ُك َ‬‫الدِّي ِن ُكلِّ ِه َولَ ْو َك ِرهَ ا ْل ُم ْ‬
‫فاملقصد الواضح – من الكتاب والسنة – يتدرج من التكوين واخللق الذي هو‬
‫مقدمة للتكليف واالبتالء‪ ،‬إىل وضع الشريعة بصفتها وسيلة للتكليف وأدا ًة لالبتالء‪،‬‬
‫مث إىل االبتالء الذي خيرج األمة الشاهدة اليت هي قاطرة السري إىل املقصد األمسى وهو‬
‫ون فِ ْتنَةٌ َويَ ُك َ‬
‫ون الدِّينُ هَّلِل ‪. )2(‬‬ ‫قوله تعاىل‪َ  :‬حتَّى ال تَ ُك َ‬
‫يف هذا السياق تندرج مقاصد الشاطيب؛ فهي جمرد جزئية مرحلية حنو إقامة األمة‬
‫الشاهدة‪ .‬وهذا ما ميكن أن نلخصه يف التصميمني التاليني‪:‬‬

‫‪ -‬التوبة ‪.33‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬البقرة ‪.193‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪206‬‬
207
208
‫الفصل السادس‬
‫الطوفي وتداعيات نظريته‬

‫المبحث األول‬
‫عرض نظرية الطوفي‬

‫ميثل الطويف(‪ )1‬اجتاها متميزاً يف موضوع املصاحل اليت هي الوجه اآلخر للمقاصد‪.‬‬
‫ولعل إفراد الطويف بفصل مستقل ال يرجع إىل كونه جمرد فقيه تفرد برأي خاص‪،‬‬
‫وإمنا إىل جراءة رأيه‪ ،‬مث إىل اآلثار املرتتبة عليه فيما تاله من عصور؛ فإنه قد تبىن آراء‬
‫الطويف ‪ -‬يف املصلحة ‪-‬كثريون ممن اشتغلوا مبوضوع االجتهاد والتجديد وقضايا‬
‫الفكر اإلسالمي‪ .‬بل إن بعضهم جتاوزه فيما ذهب إليه وأصبح ميثل اجتاها فكريا له‬
‫مبادئه ودعاته وتداعياته؛ مما يقتضي دراسة علمية ونقدا موضوعيا لتبني الصواب من‬
‫اخلطأ ومتييز الغث من السمني‪.‬‬
‫ولفهم نظرية الطويف وأبعادها تقتضي املنهجية الرتكيز على حمورين أساسني ‪:‬‬
‫أولهما ‪ :‬رأي الطويف‪ ،‬عرض ونقد ‪.‬‬
‫ثانيهما ‪ :‬سرية الطويف وأثرها يف تشكيل رأيه‪.‬‬
‫رأي الطوفي ‪ :‬عرض موجز ‪:‬‬
‫جاء رأي الطويف يف سياق شرحه لألربعني حديثا النووية‪ ،‬حني تناول احلديث‬
‫الثاين بعد الثالثني بالبيان والتعليق‪ ،‬وهو قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ « :‬ال ضرر وال‬
‫ضرار » (‪. )2‬‬

‫‪ -‬الطويف ‪ :‬هو سليمان بن عبد القوي الطويف ( ‪716-657‬هـ)‪ :‬أصله من طوف قرية ببغداد‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫كان قوي احلافظة‪ .‬وينسب إىل املذهب احلنبلي لكن مل يلتزم بشيء من أصوله أو فروعه‪ .‬وقد‬
‫رمي بالرفض من تصانيفه‪« :‬خمتصر الروضة يف أصول الفقه» و«اإلكسري يف قواعد التفسري»‪،‬‬
‫و«شرح مقامات احلريري»‪ ،‬و«شرح أربعني النووي»‪ .‬شذرات الذهب ‪ ،40-6/39‬والدرر‬
‫الكامنة ‪ ،2/154 :‬وأعيان الشيعة ‪ ،236-35/230‬والذيل على طبقات احلنابلة ‪.2/302‬‬
‫‪ -‬سبق خترجيه‪ ،‬وسيأيت التعليق عليه يف سياق نقد رأي الطويف ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪209‬‬
‫ويعد شرحه هلذا احلديث حبثا أصوليا الهتمامه بأدلة األحكام وبيان منزلة رعاية‬
‫(‪)1‬‬
‫املصاحل من هذه األدلة من خالل افرتاضات نظرية لوجود تعارض فيما بينها‪.‬‬
‫فقد انطلق [ الطويف ] من منت احلديث لتوجيه معناه‪ ،‬مؤكداً أنه يقتضي رعاية‬
‫املصاحل إثباتاً واملفاسد نفياً‪ ،‬وأقام رأيه على أسس ثالثة ‪:‬‬
‫‪ ‬األول ‪ :‬أن املصلحة هي مقصود الشارع‪ ،‬ومن مثَّ فهي أقوى أدلته‬
‫وأخصها‪.‬‬
‫‪ ‬الثاني ‪ :‬أن املصلحة ليست موافقة – دائما – للنص القاطع أو اإلمجاع‪ ،‬فقد‬
‫تعارضهما أحيانا‪ ،‬وحينذاك جيب أن تقدم عليهما – استنادا إىل األساس األول وهو‬
‫(‪)2‬‬
‫أن املصلحة أقوى األدلة وأخصها – لكن بطريق التخصيص والبيان هلما‪.‬‬
‫‪ ‬الثالث ‪ :‬أن جمال تقدمي املصلحة على النص واإلمجاع – عند التعارض – هو‬
‫العادات واملعامالت‪ ،‬ال العبادات؛ ألن العبادات حق الشارع ال يتلقى إال منه‪ ،‬وال‬
‫جمال للعقل يف فهم معانيها تفصيال‪ ،‬فاملعول عليه – فيها – نصوص القرآن والسنة‬
‫وإمجاع اجملتهدين‪ .‬أما العادات واملعامالت‪ ،‬فإن للعقل جماال يف فهم معانيها واملقصود‬
‫هبا‪ ،‬فوجب حتكيم املصلحة فيها‪.‬‬

‫‪ -‬لعل أول من سلط الضوء على رأي الطويف يف العصور املتأخرة الشيخ مجال الدين القامسي‬ ‫‪1‬‬

‫[ (ت ‪1332/1914‬م) إمام الشام يف عصره‪ F.‬فقيه وأديب‪ ،‬له مصنفات يف علوم إسالمية‬
‫كثرية‪( .‬األعالم ‪ ، ] )2/135‬بنشره شرح احلديث املذكور يف رسالة خاصة‪ .‬وقد قامت جملة‬
‫«املنار» بنشرها باحلواشي اليت وضعها الشيخ القامسي يف اجلزء العاشر من اجمللد التاسع جمللة‬
‫«املنار» الصادرة يف الشهر العاشر من سنة (‪ 1906‬م)‪ .‬كما أعد مصطفى زيد املدرس بكلية‬
‫دار العلوم رسالة بعنوان "املصلحة يف الشريعة اإلسالمية وجنم الدين الطويف" ‪ .‬مصادر التشريع‬
‫اإلسالمي فيما ال نص فيه ‪ ،‬عبد الوهاب خالف‪ .‬الكويت‪ ،‬دار القلم‪ ،‬ط‪1402( .5:‬هـ‪/‬‬
‫‪1982‬م)‪ .‬ص‪.110‬‬
‫‪ -‬يقول الطويف يف رسالته – وهو يتحدث عن أدلة الشرع التسعة عشر كما قسمها ‪ « : -‬مث‬ ‫‪2‬‬

‫مها [ أي النص واإلمجاع ] إما ‪ :‬أن يوافقا رعاية املصلحة أو خيالفاهنا‪ .‬فإن وافقاها‪ ،‬فبها ونعمت‬
‫وال نزاع ‪ F...‬وإن خالفاها وجب تقدمي رعاية املصلحة عليهما بطريق التخصيص والبيان هلما ال‬
‫بطريق االفتئات عليهما والتعطيل هلما» مصادر التشريع فيما ال نص فيه ‪ ،‬عبد الوهاب خالف‪،‬‬
‫ص ‪.110‬‬

‫‪210‬‬
‫والطويف يذهب مذهب القائلني بتعليل أفعال اهلل تعاىل باملصاحل‪ ،‬وحيمل –‬
‫بعبارات قاسية – على الظاهرية الذين يقولون بأهنا ال تعلل ال باملصاحل وال بدرء‬
‫(‪)1‬‬
‫املفاسد‪.‬‬
‫لقد استند [ الطويف ] إىل حديث « ال ضرر وال ضرار » يف القول بتقدمي مراعاة‬
‫املصلحة على النص واإلمجاع يف حال التعارض‪ ،‬وعده أصال يبىن عليه اعتبار املصلحة‬
‫حيث دارت‪ ،‬فهي [املصلحة] ال تكون إال عندما ينتفي الضرر والضرار‪.‬‬
‫ويعضد مستنده هذا بأمرين ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬أن منكري اإلمجاع قالوا برعاية املصاحل‪ ،‬فهي حمل وفاق‪ ،‬يف حني أن‬
‫اإلمجاع حمل خالف‪ ،‬فكان تقدمي املتفق عليه أوىل من تقدمي املختلف فيه‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن مرجع اخلالف يف األحكام – الذي هو مذموم شرعاً كما يقول(‪– )2‬‬
‫وجود تعارض يف النصوص‪ ،‬يف حني أن رعاية املصاحل ليست موضع خالف بني‬
‫اجملتهدين؛ فهي أمر حقيقي يف نفسه وسبب لالتفاق املطلوب شرعاً‪ ،‬لذا كان اتباعه‬
‫َص ُموا بِ َح ْب ِل هَّللا ِ َج ِميعا ً َوال تَفَ َّرقُوا ‪. )4(‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫أوىل ‪ ،‬بدليل قوله تعاىل ‪َ  :‬وا ْعت ِ‬
‫وخالصة ما انتهى إليه الطويف أن املصلحة هي مقصود الشارع األمسى‪ ،‬وهي‬
‫أقوى األدلة الشرعية وأوالها باالعتبار‪ ،‬فإذا ما تعارض نص قطعي مع مصلحة قُدِّمت‬
‫وُأول النص بطريق من طرق التأويل‪.‬‬ ‫املصلحة مطلقاً ِّ‬

‫‪ -‬مصادر التشريع فيما ال نص فيه (وضمنه رسالة الطويف) ‪ .‬ص ‪. 116 – 115‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬جمرد االختالف يف األحكام ليس مذموما شرعا‪ ،‬بل قد يكون فيه رمحة وتوسعة على‬ ‫‪2‬‬

‫املسلمني ما دام ناشئاً عن بذل اجلهد والوسع ممن هو أهل للنظر واالستنباط‪ ،‬وأما املذموم شرعا‬
‫فهو التعصب للرأي وإنكار اجتهادات اآلخرين اليت هلا من الشرع برهان ودليل‪.‬‬
‫‪ -‬مصادر التشريع فيما ال نص فيه (رسالة الطويف) ‪ .‬ص ‪. 129‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬آل عمران ‪. 103‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪211‬‬
‫مناقشة رأي الطوفي ‪:‬‬
‫‪ -‬من الناحية الموضوعية ‪:‬‬
‫‪ – 1‬عند استعراض الطويف لألدلة الشرعية ذكر تسعة عشر دليال – ضمنها –‬
‫املصاحل مؤكدا أن أقواها النص واإلمجاع‪ ،‬إال أنه ‪ -‬يف سياق عرض ما ذهب إليه من‬
‫أنه جيب تقدمي رعاية املصاحل على النص واإلمجاع – قفز إىل استنتاج أن املصلحة هي‬
‫أقوى أدلة الشرع على اإلطالق ما دامت واجبة التقدمي عليهما‪ .‬وهذا ما ال ميكن أن‬
‫يُ َوافَ َق عليه؛ ألن االستنتاج مبين ‪ -‬أساساً ‪ -‬على مقدمة خاطئة وافرتاض غري‬
‫صحيح؛ فال تناقض أصالً بني املصلحة احلقيقية والنص واإلمجاع‪ ،‬وليس ُم َسلَّماً تقدمي‬
‫رعاية املصلحة على النص واإلمجاع‪.‬‬
‫‪ – 2‬أن وجود املصلحة اخلالصة أمر نادر؛ لكوهنا غري يقينية‪ ،‬ولكوهنا – غالبا –‬
‫مشوبةً باملفسدة‪ .‬وما كان شأنه كذلك‪ ،‬فال يقوى على معارضة ما هو يقيين وثابت‬
‫كالنصوص القطعية(‪.)1‬‬
‫‪ - 3‬أن نصوص الكتاب والسنة هي األصل يف ثبوت رعاية املصاحل شرعاً‪ .‬فإذا‬
‫ما سلمنا مبعارضة املصاحل للنصوص‪ ،‬فإن يف هذه املعارضة إبطاالً حلجية رعاية املصاحل‬
‫نفسها‪ ،‬وال ميكن للفرع أن يعود على األصل باإلبطال‪.‬‬
‫مث إن رعاية املصلحة – جمرد ًة – ال ُت َع ُّد – يف حد ذاهتا – دليالً مستقالً عن‬
‫النص حىت نعدَّها قسيماً لـه‪ ،‬وإمنا هي معىن كلي مستفاد من خالل تتبع جزئيات‬
‫األحكام اليت وردت هبا النصوص أساسا‪ .‬وما دام الكلي مفتقرا يف وجوده إىل حتقق‬
‫جزئياته‪ ،‬فإن املصلحة ال وجود هلا إال بدليل شرعي هو النص نفسه‪ ،‬ويف أقل تقدير‬
‫(‪) 2‬‬
‫ينبغي أال تعارض [ املصلحة ] النصوص الثابتة حىت ميكن اعتبارها‪.‬‬
‫‪ – 4‬ال يكتفي الطويف بالسقوط يف تناقضات صرحية‪ ،‬بل يلجأ إىل مغالطات‬
‫استداللية – واضحة التهافت – لالدعاء بأن املصلحة أقوى من اإلمجاع حني يقول ‪:‬‬
‫« إن منكري اإلمجاع قالوا برعاية املصاحل‪ ،‬فهي حمل وفاق‪ ،‬واإلمجاع حمل خلاف »‪.‬‬

‫‪ -‬املقاصد العامة الشريعة اإلسالمية ‪ ،‬عز الدين بن زغيبة ‪ .‬ص‪. 258‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ضوابط املصلحة يف الشريعة اإلسالمية‪ ،‬حممد سعيد رمضان البوطي ‪ .‬بريوت‪ ،‬مؤسسة‬ ‫‪2‬‬

‫الرسالة‪ .‬ط‪1421( .6:‬هـ‪2000/‬م)‪ .‬ص‪. 185‬‬

‫‪212‬‬
‫ومن الواضح أن يف كالمه هذا مغالطةً وحماولةً للتوفيق من خالل التلفيق؛ فهو‬
‫ينطلق من مقدمات صحيحة ليقفز إىل استنتاجات ال رابط – منطقيا – هلا بتلك‬
‫املقدمات‪ .‬صحيح أن منكري اإلمجاع قد قالوا مثل ما قال غريهم بأن نصوص‬
‫الشريعة قائمة على أساس مصاحل العباد‪ ،‬وهذا مما ال خيالف فيه أحد‪ ،‬غري أن هذه‬
‫املقدمة ال تقوم دليال على دعواه؛ إذ ال يلزم من كون الشريعة قائمةً على أساس‬
‫حتقيق املصاحل ضرورة تقدمي هذه املصاحل على النصوص‪.‬‬
‫وال يقف الطويف عند هذا احلد‪ ،‬بل إنه يقدح يف اإلمجاع مستخدماً اإلمجاع‬
‫نفسه‪ ،‬وزاعماً أن رعاية املصلحة أقوى سنداً بفضل اإلمجاع احلاصل عليها‪ ،‬يف حني‬
‫أن اإلمجاع ذاته غري متفق عليه من اجلميع‪ ،‬وال خيفى ما يف هذا الزعم من تناقض‬
‫وهتافت؛ فكيف ينكر االتفاق على اإلمجاع‪ ،‬ويف الوقت نفسه يثبت اإلمجاع على‬
‫املصلحة‪ ،‬مث‪ :‬كيف يستمد القوي – يف نظره ‪ [ -‬رعاية املصلحة ] قوته من‬
‫الضعيف [ اإلمجاع ]؟‬
‫‪ -5‬يلجأ الطويف إىل مغالطة أكرب وأخطر لدعم رأيه حني يدعي أن وجود‬
‫أمر‬
‫اختالف وتعارض بني النصوص يوجب تقدمي املصلحة عليها؛ ألن رعاية املصلحة ٌ‬
‫متيقن‪.‬‬
‫ٌ‬
‫ولعل أساس املغالطة – هنا ‪ -‬انطالقه من مقدمة غري صحيحة‪ ،‬وهي ادعاؤه‬
‫وجود اختالف وتعارض بني النصوص‪ .‬وهذا ما ال يقبله عاقل ومؤمن؛فإن الشريعة‬
‫ونصوصها الثابتة هي من عند اهلل تعاىل‪ ،‬فيستحيل التعارض بينها‪ ،‬وإذا كان هناك‬
‫تعارض‪ ،‬فإمنا هو يف الظاهر أو يف تصور الفقيه‪ .‬ولذلك ُوضعت قواعد لفهم‬
‫النصوص وتفسريها‪ ،‬كما ُوضعت قواعد للتوفيق بينها وترجيح ما يبدو منها‬
‫متعارضاً‪ ،‬ويف هذا جمال واسع لالجتهاد واختالف الرأي‪ ،‬وال ضري من االختالف ما‬
‫دام يف فروع الفقه‪ ،‬وما دام الشارع نفسه رفع إمث اخلطأ عن اجملتهد‪ ،‬بل جعله‬
‫مأجوراً على اجتهاده يف حاليت الصواب واخلطأ‪.‬‬

‫‪213‬‬
‫قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ « :‬إذا حكم احلاكم فاجتهد فأصاب فله‬
‫(‪) 1‬‬
‫أجران‪ ،‬وإذا حكم فأخطأ فله أجر واحد »‬
‫‪ -6‬إن مما يرد دعوى الطويف هذه ‪ :‬أن أسباب االختالف بني اجملتهدين يرجع‬
‫أغلبها إىل حتقيق مناط األحكام‪ ،‬أي إىل حتقيق وجود ما يناط به احلكم يف الواقعة‬
‫احملكوم فيها أو عدم وجوده‪ ،‬وإىل حتديد وجوه املصاحل املرتتبة عليه يف غياب‬
‫النصوص‪ ،‬وليست النصوص يف ذاهتا سبب اخلالف‪ ،‬بل هي أساس مهم ملعرفة‬
‫(‪)2‬‬
‫األحكام سواء بطريق االستنباط املباشر أو بالقياس عليها‪.‬‬
‫لقد فرض الطويف أن طريق معرفة املصاحل واضح وبنّي ‪ ،‬وأن االعتماد عليها اعتماد‬
‫على أمر ال إهبام فيه‪.‬‬
‫ومن يتأمل هذا الفرض يتضح له – جبالء ‪ -‬أنه بعيد – عن الصواب ‪ -‬كل‬
‫البعد‪ .‬إذ أن إدراك املصلحة‪ -‬فيما يبتلى به الناس من مسائل – ليس أمراً يسرياً على‬
‫الدوام‪ .‬فهناك كثري ‪ -‬وكثريٌ جداً ‪ -‬مما يواجهه الناس من أحداث ووقائع يصعب‬
‫على الفقيه اجملتهد حتديد وجوه املصلحة فيه‪ ،‬فضالً عن غريه ممن مل يزودوا هبذه‬
‫الطاقة‪.‬‬
‫مث إن االستقراء يؤكد استحالة وجود مصلحة متيقنة عارضها نص قطعي الثبوت‬
‫والداللة‪ ،‬فلم يأت الطويف يف رسالته مبثال يقدح يف ما أثبته االستقراء وأكده‪ )3( .‬بل‬
‫إن استشهاده بقوله تعاىل ‪  :‬يَا َأيُّ َها النَّ ُ‬
‫اس قَ ْد َجا َء ْت ُك ْم َم ْو ِعظَةٌ ِمنْ َربِّ ُك ْم‬
‫الصدُور ِ‪ )4( ‬هو أصلح إلثبات نقيض دعواه؛ فاآلية الكرمية تفيد‬ ‫شفَا ٌء لِ َما فِي ُّ‬
‫َو ِ‬
‫اشتمال نصوص الشريعة على املصاحل بتأكيدها أن اهلداية والرمحة والشفاء هي من‬

‫‪ -‬أخرجه البخاري يف صحيحه (‪ )6/2676‬حديث ‪ ،6919‬ومسلم يف صحيحه (‬ ‫‪1‬‬

‫‪ )3/1342‬حديث ‪ ،1716‬والنسائي يف سننه (‪ )8/224‬حديث ‪ .5381‬وأغلب كتب‬


‫السنن‪.‬‬
‫‪ -‬ضوابط املصلحة‪ ،‬البوطي ص‪187‬؛ ومالك‪ ،‬أليب زهرة ص‪.316‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬مالك‪ ،‬أبو زهرة ص‪.317‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬يونس ‪.57‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪214‬‬
‫متضمنات النصوص‪ ،‬فال يعقل أن تعارض مصلحة حقيقية‪ ،‬وإال ما كانت موعظةً‬
‫(‪)1‬‬
‫وال شفاءً وال رمحةً‪.‬‬
‫إن اآليات اليت استشهد هبا تقطع بأن األحكام املنصوص عليها جاءت ملصاحل‬
‫العباد‪ ،‬فال ميكن – إذن ‪ -‬أن يكون يف نصوص الشرع ما يعارض املصاحل احلقيقية‪.‬‬
‫حديث « ال ضرر وال ضرار » سنداً ومتناً وتوظيفاً‪:‬‬
‫بعد هذا العرض املوجز لرأي الطويف ومناقشة ما قدمه من حجج‪ ،‬جيدر الوقوف‬
‫عند حديث « ال ضرر وال ضرار » الذي بىن عليه رأيه وكان األصل فيما ذهب‬
‫إليه‪.‬‬
‫والنظر يف احلديث ينبغي أن يكون من جهتني حىت يكون التقومي موضوعياً‪.‬‬
‫الجهة األولى ‪ :‬من حيث السند‪.‬‬
‫الجهة الثانية ‪ :‬من حيث المتن والتوظيف ‪.‬‬
‫أوال ‪ -‬الحديث سنداً ‪:‬‬
‫آحاد ُروي من عدة طرق‪ .‬لكن يف كثري‬ ‫حديث « ال ضرر وال ضرار » حديث ٌ‬
‫منها مقال‪ :‬جاء يف املستدرك‪ « :‬هذا حديث صحيح اإلسناد على شرط مسلم ومل‬
‫خيرجاه »(‪.)2‬‬
‫وورد يف التمهيد‪ « :‬مل خيتلف عن مالك يف إرسال هذا احلديث‪ ،‬قال ‪ :‬وال يسند‬
‫من وجه صحيح »(‪.)3‬‬
‫خرجه ابن ماجه والدارقطين والطرباين من وجوه ضعيفة‪ )4(،‬غري أن ابن‬
‫كما ّ‬
‫رجب احلنبلي يقول فيه ‪ « :‬وقد استدل اإلمام أمحد هبذا احلديث‪ ...‬وقال فيه أبو‬

‫‪ -‬مالك‪ ،‬أبو زهرة ص‪. 316‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬املستدرك على الصحيحني‪ ،‬احلاكم النيسابوري‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الكتاب العريب ‪.2/52‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬التمهيد‪ ،‬ابن عبد الرب‪.20/158 .‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬خرجه ابن ماجه من رواية جابر اجلعفي‪ ،‬واجلعفي ضعفه األكثرون؛ وخرجه الدارقطين من‬ ‫‪4‬‬

‫حديث الواقدي‪ ،‬والواقدي مرتوك‪ ،‬وشيخه خمتلف يف تضعيفه‪ .‬كما خرجه الطرباين من وجهني‬
‫ضعيفني عن القاسم عن عائشة‪ .‬جامع العلوم واحلكم‪ ،‬ابن رجب احلنبلي‪ .‬القاهرة‪ ،‬دار الرتاث‪.‬‬
‫ص‪410‬؛ وكشف اخلفاء ومزيل اإللباس‪ ،‬العجلوين‪ ،‬إمساعيل بن حممد‪ .‬بريوت‪ ،‬مؤسسة‬
‫الرسالة‪ .‬ط‪1405( . 4:‬هـ‪1985/‬م) ‪.2/491‬‬

‫‪215‬‬
‫عمرو بن الصالح ‪ :‬هذا احلديث أسنده الدارقطين من وجوه‪ ،‬وجمموعها يقوي‬
‫احلديث وحيسنه‪ ،‬وقد تقبله مجاهري أهل العلم واحتجوا به‪ ،‬وقول أيب داود ‪ :‬إنه من‬
‫(‪) 1‬‬
‫األحاديث اليت يدور الفقه عليها يشعر بكونه غري ضعيف واهلل أعلم »‬
‫والذي يبدو ‪-‬من خالل تتبع طرق رواية احلديث وأحوال رواته‪ -‬أنه ورد من‬
‫عدة طرق يف بعض رواهتا قول وجتريح‪ .‬وإذا كان أرجح األقوال يفيد أنه حديث‬
‫مرسل؛ فإن تعدد طرقه وعدم معارضة متنه للقواعد العامة يف الشريعة يقويه‪ ،‬السيما‬
‫وقد تلقاه مجهور العلماء بالقبول واحتجوا به‪ ،‬لكنه يظل حديث آحاد ظين الثبوت‪.‬‬
‫ثـانيـــــــا ‪ -‬الحديث متنا ً وتوظيفا ً ‪:‬‬
‫الضرر عند أهل اللغة ‪ :‬الضاد والراء ثالثة أصول ‪ :‬األول خالف النفع‪ ،‬والثاين‬
‫اجتماع الشيء‪ ،‬والثالث القوة‪.‬‬
‫يضره‪ ،‬ضرا مث حيمل هذا على كل‬ ‫ضره ‪ّ ،‬‬‫الضر ‪ :‬ضد النفع‪ ،‬ويقال ‪ّ :‬‬ ‫فاألول ‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ما جانسه أو قاربه‪.‬‬
‫والضرر والضرار ‪ :‬قيل مها مبعىن واحد والراجح أن بينهما فرقا‪ .‬وللعلماء يف بيان‬
‫هذا الفرق عدة أقوال‪ .‬منها ‪:‬‬
‫‪ -1‬إن الضرر ‪ :‬االسم‪ ،‬والضرار ‪ :‬الفعل‪ .‬ومعىن ال ضرر ‪ :‬ال يدخل على أحد‬
‫(‪) 3‬‬
‫ضرر مل يدخله على نفسه‪ .‬ومعىن ال ضرار ‪ :‬ال يضار أحد بأحد‪.‬‬
‫‪ -2‬أن الضرر هو الذي لك فيه منفعة وعلى جارك فيه مضرة‪ .‬والضرار هو ما‬
‫ليس لك فيه منفعة وعلى جارك فيه مضرة‪)4( .‬‬
‫ومعنى الحديث أن الضرر نفسه منتف يف الشرع‪ ،‬وإدخال الضرر بغري حق‬
‫كذلك‪ .‬أما اإلضرار بوجه حق وبالطريق املشروع فمن الراجح أنه ليس من متضمن‬
‫احلديث‪ ،‬ويندرج يف هذا مجلة العقوبات املبينة يف الشريعة‪.‬‬
‫وعلى هذا يكون من معاين احلديث الراجحة‪:‬‬

‫‪ -‬جامع العلوم واحلكم‪ ،‬ابن رجب ص‪412‬‬ ‫‪1‬‬

‫«ضر» ‪3/360‬‬
‫‪ -‬معجم مقاييس اللغة‪ ،‬ابن فارس‪ .‬مادة ّ‬
‫‪2‬‬

‫‪ -‬التمهيد‪ ،‬البن عبد الرب‪20/158 .‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬التمهيد‪.20/158 .‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪216‬‬
‫أ ‪ -‬عدم جواز الضرر ابتداءً‪ .‬أي أنه ال جيوز ألي إنسان إدخال ضرر على آخر‬
‫مل يضره سواء أكان للمتسبب يف الضرر نفع يف ذلك أم مل يكن‪.‬‬
‫أضر به‪.‬‬
‫ب‪ -‬عدم جواز الضرار جزاءً ‪ :‬أي أنه ال جيوز ألي إنسان أن يضر مبن ّ‬
‫وذلك مبجاوزة احلد يف املعاملة باملثل‪.‬‬
‫ومن خالل تتبع ما ورد من تفسريات للحديث يبدو أنه ال توجد داللة قطعية‬
‫على معىن بعينه‪ ،‬وإمنا هناك أكثر من معىن وداللة‪ ،‬وقد جتاوز الطويف احلد يف توظيفها‬
‫على الرغم من ظنية هذه الداللة‪.‬‬
‫والراجح أن احلديث مؤكد لقاعدة شرعية ثابتة (عدم جواز املضارة)بآيات قرآنية‬
‫قطعية يف ثبوهتا وداللتها‪ .‬مثال ذلك ‪:‬‬
‫النهي عن المضارة في الرجعة‪:‬‬
‫وف َأ ْو‬
‫س ُكوهُنَّ بِ َم ْع ُر ٍ‬ ‫سا َء فَبَلَ ْغ َن َأ َجلَ ُهنَّ فََأ ْم ِ‬
‫قال اهلل تعاىل ‪َ  :‬وِإ َذا طَلَّ ْقتُ ُم النِّ َ‬
‫ض َراراً لِتَ ْعتَدُوا َو َمنْ يَ ْف َع ْل َذلِكَ فَقَ ْد ظَلَ َم‬ ‫س ُكوهُنَّ ِ‬ ‫وف َوال تُ ْم ِ‬ ‫س ِّر ُحوهُنَّ بِ َم ْع ُر ٍ‬
‫َ‬
‫ت هَّللا ِ ُه ُزواً ‪. ‬‬ ‫سهُ َوال تَتَّ ِخ ُذوا آيَا ِ‬‫نَ ْف َ‬
‫(‪) 1‬‬

‫فاآلية الكرمية أمرت من طلق زوجته من الرجال‪ ،‬وقاربت عدهتا على االنتهاء‪ ،‬أن‬
‫يراجعها مراجعة ال يرتتب عليها أي ضرر هلا‪ ،‬أو يرتكها حىت تنقضي عدهتا وتبني من‬
‫غري ضرار‪.‬‬
‫وقد كان الرجل ‪ -‬يف اجلاهلية – يطلق زوجته‪ ،‬فإذا أشرفت عدهتا على‬
‫االنقضاء‪ ،‬أشهد على رجعتها ال عن حاجة‪ ،‬ولكن ليطول العدة عليها ويعتدي بذلك‬
‫إما بظلمها أو إجلائها إىل االفتداء‪ )2( .‬وقد أغلق الشارع – بنهيه هذا – باباً من‬
‫أبواب الضرر محايةً حلق املرأة وصيانةً لكرامتها‪.‬‬
‫النهي عن المضارة في الوصية‪:‬‬
‫ُأمر املوصي بعدم اإلضرار يف الوصية ؛ يشري إىل ذلك قوله تعاىل‪ِ  :‬منْ بَ ْع ِد‬
‫صيَّةً ِم َن هَّللا ِ َوهَّللا ُ َعلِي ٌم َحلِي ٌم ‪. )3( ‬‬
‫ار َو ِ‬ ‫صى بِ َها َأ ْو َد ْي ٍن َغ ْي َر ُم َ‬
‫ض ٍّ‬ ‫صيَّ ٍة يُو َ‬
‫َو ِ‬
‫واإلضرار يف الوصية يكون على وجهني‪:‬‬
‫‪ -‬البقرة ‪.231‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬أحكام القرآن‪ ،‬ابن العريب‪ 200-1/199 .‬؛ واجلامع ألحكام القرآن‪ ،‬القرطيب‪.3/158 .‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬النساء ‪. 12‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪217‬‬
‫رد إال أن جييز الورثة؛ ألن‬
‫أحدهما‪ :‬بأن يزيد على الثلث‪ ،‬ويف هذه احلال فإنه يُ ُّ‬
‫املنع حلقوقهم ال حلق اهلل تعاىل(‪ ،)1‬ويف هذا بنّي الرسول صلى اهلل عليه وسلم أن‬
‫الوصية املشروعة إمنا تكون يف حدود الثلث‪ « :‬الثلث‪ ،‬والثلث كثري‪ ،‬إنك إن تذر‬
‫ورثتك أغنياء خري من أن تدعهم عالة يتكففون الناس »(‪. )2‬‬
‫الثاني‪ :‬بأن يوصي لوارث‪ ،‬ويف هذه احلال أيضا ال تصح إال أن جييز الورثة؛ لقوله‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ « :‬ال جتوز وصية لوارث إال أن يشاء الورثة »(‪.)3‬‬
‫فالنهي عن املضارة يف الوصية بأن يوصي بأكثر من الثلث أو به فأقل قاصداً‬
‫ضرار مورثه دون وجه اهلل‪ .‬فالوصية اليت قصد هبا اإلضرار ال جيب تنفيذها؛ ألنه‬
‫(‪) 4‬‬
‫شرط يف إخراجها قبل التوريث عدم املضارة يف املعامالت‪.‬‬
‫وهذه القاعدة الكربى اليت بينتها اآليات املذكورة وغريها‪ ،‬جتعل من احلديث‬
‫مؤكداً ‪ -‬فحسب ‪ -‬ملضموهنا‪ ،‬وهو عدم جواز الضرر والضرار‪.‬فالعربة يف القاعدة‬
‫– إذن‪ -‬هي اآليات القرآنية الصرحية املؤسسة هلا‪.‬‬
‫وباجلملة‪ ،‬فإن متحالت الطويف يف توجيه احلديث ‪ -‬وتكلُّ َفه يف توظيفه يف غري‬
‫جماله ‪ -‬ال تفيده شيئاً حىت لو قُبلت؛ ألن احلديث أضعف من أن يقف يف وجه‬
‫النصوص‪ ،‬ال من حيث سنَ ُدهُ وال من حيث مْتنُهُ؛ فهو ظين يف ثبوته – متأرجح بني‬
‫الضعف والصحة ‪ ، -‬وظين يف داللته – الحتماله أكثر من معىن ‪ -‬؛ وحديث هذا‬
‫حاله كيف جييز فقيه لنفسه أن يستند إليه ويقدمه على ما هو قطعي يف ثبوته‬
‫وداللته؟!‬
‫سيرة الطوفي وأثرها في تشكيل رأيه‪:‬‬
‫تنسب املصادر عدداً كبرياً من املصنفات إىل الطويف يف جماالت معرفية متنوعة‪،‬‬
‫مما يضفي عليه طابعاً موسوعياً‪ .‬إال أن النقول قد اضطربت حول مدى متكنه من‬
‫كثريا من كتب األصول‪ ،‬ومن كتب احلديث‬ ‫تلك العلوم؛ فقد ذُكر أنه‪ « :‬اختصر ً‬

‫‪ -‬أحكام القرآن‪ ،‬ابن العريب‪.1/351 .‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬حديث حسن صحيح رواه اجلماعة من عدة وجوه ‪ .‬نيل األوطار‪ ،‬الشوكاين ‪. 6/43‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬أخرجه الدارقطين‪،‬وأخرج حنوه البخاري موقوفا‪ .‬نيل األوطار ‪. 6/46‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬تفسري آيات األحكام ‪ ،‬حممد علي السايس ‪. 2/51‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪218‬‬
‫أيضاً‪ ،‬ولكن مل يكن له فيه يد‪ ،‬ففي كالمه ختبيط كثري »(‪،)1‬كما ذُكر أنه كان قاصر‬
‫الفهم عن استيعاب ما حيفظه وحتليله؛ ألن قوته كانت يف احلفظ أكثر منها يف الفهم‪.‬‬
‫(‪.)2‬‬
‫ولعل ما يشد املتتبع لسرية الطويف‪ ،‬شخصيته املثرية للجدل؛ نظراً ملا عرف عنه‬
‫من تذبذب وترحال من مذهب إىل آخر‪ .‬فقد عُرف عنه نسبته إىل املذهب احلنبلي‬
‫على الرغم من تأكيد بعض املرتمجني له أنه مل يكن ملتزماً بشيء من أصوله أو‬
‫فروعه‪ ،‬يقول عنه ابن رجب‪ « :‬وله نظم كثري رائق‪ ،‬وقصائد يف مدح النيب صلى اهلل‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬وقصيدة طويلة يف مدح اإلمام أمحد‪ ،‬وكان مع ذلك كله شيعياً‪،‬‬
‫منحرفاً يف االعتقاد عن السنة‪ ،‬حىت إنه قال يف نفسه‪:‬‬
‫هذه إحدى العب ــر »‪.‬‬ ‫« حنبلي رافضي أشعــري‬
‫ووجد له يف الرفض قصائد‪ ،‬وهو يلوح يف كثري من تصانيفه حىت أنه صنف كتاباً‬ ‫ُ‬
‫(‪)3‬‬
‫مساه "العذاب الواصب على أرواح النواصب" » ‪.‬‬
‫إن هذا االضطراب يف التزام مذهب معني يكشف عن جوانب من شخصية‬
‫الطويف؛ فهو متقلب وصاحب مزاج حاد؛ مما جنح به إىل القول بأفكار ال ختلو من‬
‫احنراف وشطط‪ ،‬وجلب عليه كثرياً من املتاعب مع احلكام واألهايل على حد سواء‪.‬‬
‫(‪) 4‬‬

‫وعلى الرغم مما يذكر عن توبته أثناء سجنه‪ ،‬فإنه مل يتورع عن النيل من كرام‬
‫الصحابة؛ مما يرجح قول ابن رجب فيه‪ « :‬وهذا من نفاقه‪ ،‬فإنه ملا جاور يف آخر‬

‫‪ -‬الذيل على طبقات احلنابلة‪.2/303 .‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬الدرر الكامنة يف أعيان املائة الثامنة‪.2/155 .‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬الذيل على طبقات احلنابلة‪.2/303 .‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬تذكر املصادر أن الطويف حينما دخل إىل مصر‪ F،‬ونقل عنه كالم ينال فيه من الصحابة‬ ‫‪4‬‬

‫الكرام‪ُ ،‬رفع أمره إىل قاضي قضاة احلنابلة‪ .‬مث عوقب على ذلك‪ .‬وبعد نفيه إىل الشام‪ ،‬منعه أهلها‬
‫من الدخول إليها؛ ألنه سبق له أن هجاهم ونال منهم‪ .‬الذيل على طبقات احلنابلة ‪2/306‬؛‬
‫والدرر الكامنة ‪.2/155‬‬

‫‪219‬‬
‫عمره باملدينة صحب السكاكيين(‪ )1‬شيخ الرافضة‪ ،‬ونظم ما يتضمن السبَّ أليب‬
‫بكر‪.)2(»...‬‬
‫وميكن القول بأن السرية املضطربة للطويف قد تفسر – إىل حد كبري – شذوذ‬
‫آرائه‪ ،‬بل قد حتمل الباحث على ترجيح أن يكون ما ذهب إليه جزءاً من االحنرافات‬
‫اليت سار فيها عن وعي هبا وإدراك ألثرها وتداعياهتا‪.‬‬

‫‪ -‬السكاكيين‪ :‬هو حممد بن أيب بكر بن أيب القاسم اهلمذاين مث الدمشقي السكاكيين الشيعي‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫ولد سنة ‪635‬هـ‪ .‬مييل إىل مذهب االعتزال‪ُ .‬وجد بعد موته كتاب خبطه امسه "الطرائف يف‬
‫معرفة الطوائف" ‪ ،‬وفيه زندقة وطعن على دين اإلسالم‪ .‬أخذه تقي الدين السبكي وأتلفه‪ .‬تويف‬
‫سنة ‪721‬هـ ‪ .‬الدرر الكامنة ‪ 3/410‬؛ واألعالم ‪.6/55‬‬
‫‪ -‬الذيل على طبقات احلنابلة‪.2/306 .‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪220‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫تداعيات آراء الطوفي‬
‫على الرغم من اجلوانب الشخصية اليت تسلط بعض الضوء على اجتاه الطويف‬
‫ت يف السياق التارخيي الذي‬ ‫وآرائه؛ فإنه ال ميكن إدراك أبعاد هذه اآلراء إال إذا قُ ِرَئ ْ‬
‫ظهرت فيه‪.‬‬
‫ففي كل مرحلة تارخيية‪ ،‬عرف الفقه وأصوله أوضاعاً وتطورات‪،‬كان للواقع –‬
‫بكل مالبساته‪ :‬السياسية واالجتماعية – دور كبري يف تشكيلها‪.‬‬
‫لقد ظهرت آراء الطويف يف وقت شهد فيه العامل اإلسالمي ضعفاً سياسياً كبرياً‪،‬‬
‫واضطراباً اجتماعياً خطرياً‪ ،‬سقط على إثرمها أمام الغزو األجنيب شرقاً وغرباً؛ فمن‬
‫جهة الشرق‪ ،‬استوىل التتار على أغلب البالد اإلسالمية مبا فيها عاصمة اخلالفة بغداد‪،‬‬
‫(‪) 1‬‬
‫حىت وصلوا إىل بالد الشام ومشارف مصر‪.‬‬
‫ومن جهة الغرب سقطت مدن األندلس الواحدة تلو األخرى بيد الصليبيني(‪ ،)2‬يف‬
‫(‪) 3‬‬
‫حني كانت أقطار املغرب غارقة يف خالفاهتا وحروهبا الداخلية‪.‬‬
‫لقد وقع العامل اإلسالمي – خالل القرن السابع – بني فكي كماشة طرفاها‪:‬‬
‫املغول يف املشرق‪ ،‬والصليبيون يف أقصى املغرب وسواحل إفريقية ومصر والشام‪.‬‬
‫ولعل أكرب عوامل السقوط‪ :‬فساد احلكام‪ ،‬والصراعات املريرة واملزمنة بني األسر‬
‫والقبائل لالستئثار باإلمارة‪ ،‬وتوظيف كل الطاقات والقدرات لتحقيق هذا اهلدف‪.‬‬

‫‪ -‬النجوم الزاهرة يف ملوك مصر والقاهرة‪ ،‬األتابكي‪ ،‬مجال الدين يوسف بن تغري بردي‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫مصر‪ ،‬وزارة الثقافة واإلرشاد القومي‪ ،‬املؤسسة املصرية للتأليف والرتمجة والنشر‪ 7/59.‬وما‬
‫بعدها ؛ والبداية والنهاية‪ ،‬ابن كثري‪ ،‬أبو الفداء إمساعيل‪ .‬بريوت‪ ،‬مكتبة املعارف‪ .‬ط‪( .1:‬‬
‫‪1966‬م)‪ 13/200 .‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ -‬التاريخ األندلسي من الفتح اإلسالمي حىت سقوط غرناطة‪ ،‬عبد الرمحن علي احلجي‪ .‬دمشق‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫دار القلم‪ .‬ط‪1407( .3:‬هـ‪1987/‬م)‪ ،‬ص ‪ 511‬وما بعدها‪.‬‬


‫‪ -‬تاريخ ابن خلدون‪ ،‬ابن خلدون‪ ،‬عبد الرمحن بن حممد‪ .‬بريوت‪ ،‬مؤسسة األعلمي‪( .‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪1391‬هـ‪1971/‬م)‪ .‬اجلزء السابع‪.‬‬

‫‪221‬‬
‫يقول أحد املؤرخني املعاصرين‪ « :‬ويبدو أن قلوب املسلمني يف تلك العصور ما كان‬
‫يصفو بعضها لبعض أبداً‪ ،‬وكان هذا من أكرب عوامل ضعف املسلمني »(‪.)1‬‬
‫وإذا كان املؤرخون يعدون سقوط بغداد سنة (‪656‬هـ) البداية الرمسية لعصر‬
‫التقليد احملض واضمحالل االجتهاد؛ فإن الشواهد التارخيية تؤكد أن هلذا احلكم‬
‫مستثنيات متثلت يف جمموعة من األعالم اجملتهدين أصحاب املصنفات املوسوعية الذين‬
‫مل يستسلموا لواقع التقليد‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ورد اهلجوم الصلييب – السيما عن‬ ‫ولعل قيام املماليك إليقاف الغزو املغويل ّ‬
‫مصر والشام – قد ح ّد من تدهور األحوال السياسية والعسكرية ملركز العامل‬
‫اإلسالمي؛ مما كان لـه تأثريه على الواقع العلمي وعلى حركة الفقه واالجتهاد بوجه‬
‫خاص‪.‬‬
‫وإذا كان تقصي أحداث هذه املرحلة أمراً ذا تشعبات كثرية تستلزم التتبع‬
‫والتوسع؛ فإن ما يعين الباحث منها تأثري هذه األحداث على اجملتهدين وحركة‬
‫االجتهاد‪.‬‬

‫‪ -‬تاريخ املغرب وحضارته‪ ،‬حسني مؤنس‪ .‬بريوت‪ ،‬دار العصر احلديث‪ .‬ط‪1412(.1:‬هـ‪/‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪1992‬م)‪.3/25 .‬‬
‫‪ -‬املماليك‪ :‬لغة‪ :‬األرقاء‪ ،‬مجع مملوك‪ .‬وهم حكام مصر والشام من منتصف القرن السابع إىل‬ ‫‪2‬‬

‫منتصف القرن الثالث عشر اهلجري‪ .‬وأصلهم من الرقيق الذي كان جُي لب إىل الدول اإلسالمية‬
‫منذ عهد العباسيني‪ ،‬ويُتعهد بالرعاية والتكوين الديين والعسكري ليصبح يف خدمة السلطة‬
‫احلاكمة أو من ميلكهم من الوجهاء واألثرياء‪ ،‬وقد ترقوا يف سلك اخلدمة العسكرية إىل أن أصبح‬
‫هلم اليد العليا يف إدارة أمور الدولة‪ .‬وقد استولوا على السلطة بعد أن عظم نفوذهم يف عهد‬
‫الدولة األيوبية اليت كانت هنايتها على أيديهم‪ .‬وقد أبلى املماليك بالء حسنا يف الدفاع عن البالد‬
‫اإلسالمية ضد الغزو املغويل واهلجوم الصلييب‪ .‬موسوعة التاريخ اإلسالمي واحلضارة اإلسالمية‪،‬‬
‫أمحد شليب‪ .‬القاهرة‪ ،‬مكتبة النهضة املصرية‪ .‬ط‪1987( .12 :‬م)‪ 5/215 .‬وما بعدها؛‬
‫واملماليك يف مصر‪ F،‬أنور زقلمة‪ .‬القاهرة‪ ،‬مكتبة مدبويل‪ .‬ط‪1415( .1:‬هـ‪1995/‬م)‪ .‬ص‬
‫‪. 18‬‬

‫‪222‬‬
‫آثار سلبيةٌ وخطريةٌ يف‬ ‫ولعل من املهم التذكري بأن عصر املماليك – وإ ْن كان لـه ٌ‬
‫ميادين االجتماع واالقتصاد والثقافة – فإنه قد حتقق فيه إجناز عظيم لإلسالم‬
‫(‪)1‬‬
‫واملسلمني؛ متثل يف إنقاذ البالد اإلسالمية من الغزو اخلارجي‪.‬‬
‫ويبدو أن السياسة اليت اتُّبعت يف إدارة شؤون احلكم قد خدمت الفقه والفقهاء‬
‫حد ما؛ ألن املماليك تركوا للفقهاء هامش حرية كبرياً‪ ،‬ملا هلم من مكانة دينية‬ ‫إىل ٍّ‬
‫(‪) 2‬‬
‫لديهم وملا هلم من فضل عليهم يف تنشئتهم األوىل‪.‬‬
‫وإذا كان حكام املماليك مل يفرضوا سلطةً مباشر ًَة على الفقهاء‪ ،‬فإهنم مل يعدموا‬
‫وسائل وطرائق الستمالة بعضهم وتوظيفهم يف ركاب اخلدمة تربيراً ألعماهلم‪،‬‬
‫وإضفاءً لطابع الشرعية على تصرفاهتم حىت وإ ْن كانت هذه األعمال وتلك‬
‫(‪)3‬‬
‫التصرفات ال متت – بصلة أو سبب – إىل أحكام الشرع من قريب أو بعيد‪.‬‬
‫وميكن القول بأن الفقهاء قد انقسموا إىل فريقني‪ :‬فريق مستقل عن سلطة احلكام‬
‫(‪) 4‬‬
‫استقالالً تاماً‪ ،‬وفريق مرتبط هبم بروابط تتوثق أحياناً وتضعف أحياناً أخرى‪.‬‬
‫وكان من أوجه تأثري السلطة على حركة الفقه – ولعله يكون أحد مظاهر تردي‬
‫أحوال الفقه والفقهاء – أن اختذ السلطان اململوكي بيربس(‪ )5‬لكل مذهب ُسنِّــي‬

‫‪ -‬حتفة الرتك فيما جيب أن يعمل يف امللك‪ ،‬الطرسوسي‪ .‬ت‪ :‬عبد الكرمي مطيع احلمداوي‪ .‬من‬ ‫‪1‬‬

‫مقدمة احملقق‪ :‬ص ‪37‬؛ وموسوعة التاريخ اإلسالمي‪،‬شليب ‪.266-5/245‬‬


‫‪ -‬موسوعة التاريخ اإلسالمي‪ ،‬شليب‪.5/225 .‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬حتفة الرتك‪ ،‬الطرسوسي‪ ،‬من القسم الدراسي للمحقق‪ .‬ص ‪.37‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬م‪.‬س‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬الظاهر بيربس‪ :‬قائد مملوكي بارز‪ ،‬استوىل على احلكم بعد قتله سلطان مصر اململوكي "قطز"‬ ‫‪5‬‬

‫دعم السلطة اململوكية يف مصر‪F،‬‬


‫عقب معركة عني جالوت الشهرية ضد املغول سنة ‪658‬هـ ‪ّ .‬‬
‫وقضى على الثورات الداخلية وحاول إحياء اخلالفة العباسية يف القاهرة إلضفاء الشرعية على‬
‫حكمه‪ .‬قام بعدة إصالحات إدارية وعسكرية لتقوية الدولة‪ .‬وهو أول من اختذ لكل مذهب سين‬
‫قاضي قضاة‪.‬وكان له دور كبري يف صد اخلطر الصلييب‪ .‬تويف سنة (‪676‬هـ)‪ .‬النجوم الزاهرة يف‬
‫ملوك مصر والقاهرة‪ ،‬ابن تغري بردي‪ 7/94 .‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪223‬‬
‫قاضي قضاة عام (‪663‬هـ) مبصر وعام (‪664‬هـ) بدمشق‪.‬‬
‫فصور‬
‫ومن الطريف أن قضاة الشام األربعة كانوا كلهم يلقبون بشمس الدين‪ّ ،‬‬
‫شاعر حاهلم بقوله‪:‬‬
‫أهـل الشـام استـرابــوا من كثــرة احلك ــام‬
‫إذ هـم مجيـعاً شـمــوس وحاهلـم فـي ظ ــالم‬
‫وقال فيهم آخر‪:‬‬
‫ظهـرت للنـاس عامــا‬ ‫بدمشــق آيــة ق ــد‬
‫(‪)1‬‬
‫كلمـا ولـي شـم ــس قاضـيـاً زادت ظــالماً‪.‬‬
‫وإذا كانت آراء الطويف قد ظهرت يف ظل هذه الظروف واألجواء‪ ،‬فإهنا مل تلق‬
‫رواجاً يذكر آنذاك لعوامل كثرية‪ ،‬رمبا يكون أمهها كون الفقه ما زال حمتفظاً بقوة‬
‫اندفاعه – اليت اكتسبها يف أدواره االقتحامية السابقة – على الرغم من الدخول‬
‫الرمسي إىل عصر التقليد‪ .‬ويرجع الفضل إىل أولئك الفقهاء(‪ )2‬األعالم ذوي الثقافة‬
‫املوسوعية الذين بذلوا وسعهم لالحتفاظ باستقالهلم عن السلطة احلاكمة‪.‬‬
‫إن احملاوالت اإلصالحية – يف هذا القرن – كانت جماوبةً صادقةً من مجاعة من‬
‫الفقهاء مع عصرهم؛ ولعل هناك تشاهبا بني جتارب كل منهم من حيث طبيعة‬
‫القضايا اليت اعرتضتهم فحاولوا التعامل معها مبا يناسب ظروفهم ومبا أتيح هلم من‬
‫وسائل وقدرات‪.‬‬
‫والقاسم املشرتك بني أغلب هذه احملاوالت هو اضطراب األحوال السياسية‬
‫واالجتماعية‪ ،‬وضعف سلطة العلماء‪ ،‬مما حدا بالراسخني منهم إىل تلمس طرق‬
‫إلصالح ما ميكن إصالحه مستعينني – يف ذلك – بكل ما أدهتم إليه اجتهاداهتم وما‬
‫(‪)3‬‬
‫أتاحته هلم قدراهتم‪.‬‬

‫‪ -‬النجوم الزاهرة‪ ،‬ابن تغري بردي‪.7/137 .‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬مثل ‪ :‬العز بن عبد السالم‪ ،‬وابن دقيق العيد‪ ،‬والشاطيب‪ ،‬وابن حجر العسقالين‪ ،‬وابن تيمية‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫والبلقيين‪ ،‬واملقريزي‪ F،‬والسيوطي ‪ F...‬وغريهم ممن كان له مواقف مشهودة يف قول احلق وحتمل‬
‫تبعاته‪.‬‬

‫‪224‬‬
‫وليس غريباً أن يواجه جلهم ردود فعل متشاهبة سواء من جهة احلكام أو من‬
‫مناصريهم من العلماء‪ ،‬وهذا ما تؤكده جتربة ابن تيمية الذي لقي كثرياً من العنت‬
‫على يد معاصريه حكاماً وفقهاءَ‪ ،‬حىت انتهى به ثباته على مواقفه إىل قضاء آخر أيامه‬
‫(‪) 1‬‬
‫سجينا وحمروماً من وسائل الكتابة والتدوين‪.‬‬

‫‪ -‬الفكر األصويل وإشكالية السلطة العلمية يف اإلسالم (قراءة يف نشأة علم األصول ومقاصد‬ ‫‪3‬‬

‫الشريعة)‪ ،‬عبد اجمليد الصغري‪.‬بريوت‪ F،‬املؤسسة اجلامعية للدراسات والنشر‪ .‬ط‪1415( .1:‬هـ‪/‬‬
‫‪1994‬م)‪ .‬ص ‪.463-449‬‬
‫‪ -‬ابن تيمية حياته وعصره وآراؤه الفقهية‪ ،‬حممد أبو زهرة‪ .‬ص ‪72‬؛ والفكر األصويل‬ ‫‪1‬‬

‫وإشكالية السلطة العلمية يف اإلسالم‪ .‬ص ‪.455‬‬

‫‪225‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫تداعيات آراء الطوفي في العصور الحديثة‬
‫إذا كانت نظرية الطويف قد ُحوصرت ‪ -‬يف عصرها ‪ -‬بأفذاذ اجملتهدين‪ ،‬فإهنا قد‬
‫انتظرت قروناً كي جتد هلا من يتلقفها ويروجها وكأهنا البلسم الشايف الذي يعاجل‬
‫الواقع بكل آفاته ومعضالته‪.‬‬
‫ظهرت هذه اآلراء من جديد بعد أن سقط جل العامل اإلسالمي أمام اهلجمة‬
‫الصليبية الثانية حتت حكم استعماري مباشر‪ .‬ومل تفلح أكرب دولة لإلسالم ( الدولة‬
‫العثمانية ) يف مقاومة هذه اهلجمة الستنفاذها معظم طاقاهتا وقدراهتا يف مواجهات‬
‫عسكرية متتالية وعلى جبهات خمتلفة داخلية وخارجية‪.‬‬
‫ولعل انشغال الدولة العثمانية باجلانب العسكري قد انعكس – سلباً – على‬
‫(‪)1‬‬
‫احلياة العلمية والثقافية واالجتماعية؛ مما كان له تداعياته يف جمال الفقه واالجتهاد‪.‬‬
‫وعلى الرغم من الشد واجلذب الذي عرفته العالقات بني الدولة العثمانية والدول‬
‫األوربية‪ ،‬فإن احلملـة الفرنسية(‪ )2‬على مصر والشام ما بني ( ‪1801-1798‬م) قد‬
‫شكلت االحتكاك الفعلي بني العامل اإلسالمي والعامل الغريب‪ ،‬انتهى – فيما بعد –‬

‫‪ -‬األوضاع الثقافية يف تركيا يف القرن الرابع عشر اهلجري‪ ،‬سهيل صابان (رسالة دكتوراه) ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫اململكة العربية السعودية‪ ،‬جامعة اإلمام حممد بن سعود‪ ،‬كلية الشريعة‪1415( .‬هـ‪1994/‬م)‪.‬‬
‫ص ‪.12-11‬‬
‫‪ -‬احلملة الفرنسية‪ :‬محلة عسكرية استعمارية بقيادة نابليون بونابرت ضد مصر والشام‪ .‬كان هلا‬ ‫‪2‬‬

‫نتائج سياسية واقتصادية وفكرية بالغة األثر على املنطقة كلها يف العصور احلديثة‪ ،‬وقد سامهت يف‬
‫تفكيك الدولة العثمانية متهيدا القتسام ممتلكاهتا بني الدول الكربى وفق املنطق االستعماري الذي‬
‫ساد العامل الغريب يف القرن التاسع عشر ومطلع العشرين‪.‬‬
‫وقد رمت احلكومة الفرنسية – من خالل هذه احلملة – حتقيق األهداف التالية‪:‬‬
‫أ – اختاذ مصر قاعدة إلمرباطورية استعمارية يف الشرق األوسط تضم‪ :‬فلسطني‪ ،‬وسوريا‪ ،‬والعراق‪،‬‬
‫واخلليج العريب‪ ،‬واهلند‪.‬‬
‫ب – اختاذها قاعدة للتوسع يف مشال إفريقيا ووسطها واالستيالء على معظم أجزاء هذه القارة‪.‬‬
‫ج – توجيه ضربة شديدة إىل اإلمرباطورية الربيطانية عدوة فرنسا الكربى بطردها من اهلند والقضاء‬
‫على نفوذها‪.‬‬

‫‪226‬‬
‫إىل سقوط معظم البالد اإلسالمية يف القرن التاسع عشر امليالدي حتت السيطرة‬
‫االستعمارية املباشرة‪ .‬وقد عرَّب عنها مؤرخ معاصر للحملة أبلغ تعبري‪ ،‬فقال‪ « :‬وهي‬
‫أوىل سين املالحم العظيمة‪ ،‬واحلوادث اجلسيمة‪ ،‬والوقائع النازلة والنوازل اهلائلة‪،‬‬
‫وتضاعف الشرور‪ ،‬وترادف األمور‪ ،‬وتوايل احملن‪ ،‬واختالل الزمن‪ ،‬وانعكاس‬
‫املطبوع‪ ،‬وانقالب املوضوع‪ ،‬وتتابع األهوال‪ ،‬واختالف األحوال‪ ،‬وفساد التدبري‪،‬‬
‫وحصول التدمري وعموم اخلراب‪ ،‬وتواتر األسباب‪ ،‬وما كان ربك مهلك القرى‬
‫وأهلهـا مصلحون»(‪.)1‬‬
‫لقد أحدثت احلملة صدمةً حضاريةً كان هلا آثارها املتناقضة(‪ )2‬؛ إذ استثارت‬
‫اهلزمية العسكرية والسياسية وواقع التخلف العملي عناصر القوة واملقاومة لدى‬
‫املسلمني‪ ،‬فانربى املصلحون يتلمسون طرق اإلصالح واليقظة ملقاومة واقع اهلزمية‬
‫والنهوض باجملتمع واالرتقاء بالعلم والثقافة‪.‬‬
‫انطلقت حماوالت اليقظة من خالل خطني متوازيني‪ ،‬ولكن ليسا – بالضرورة –‬
‫متماثلني‪:‬‬
‫‪ -‬اخلط األول‪ :‬مثله رجال السلطة احلاكمة الذين حاولوا إصالح أحوال البالد‬
‫باالقتباس من إجنازات املدنية الغربية‪ ،‬وذلك من خالل إيفاد بعثات علمية وثقافية‬
‫(‪) 3‬‬
‫للدراسة يف أهم مراكز الغرب العلمية‪.‬‬

‫وقد استعان نابليون – يف محلته هذه – ببعثة علمية ضمت ‪ 142‬عاملا يف خمتلف التخصصات‪،‬‬
‫وأسس [نابليون] ما مُسِّ َي باجملمع العلمي‪ .‬تاريخ عجائب اآلثار يف الرتاجم واألخبار‪ ،‬عبد الرمحن‬
‫اجلربيت‪ .‬بريوت ‪ ،‬دار اجليل‪ .‬ط‪1978( .2:‬م)‪ 2/172 .‬وما بعدها؛ وموسوعة السياسة‪ ،‬عبد‬
‫الوهاب الكيايل‪ .‬وآخرون ‪ .‬بريوت‪ ،‬املؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ .‬ط‪1990( .3 :‬م)‪.‬‬
‫‪ 586-2/583‬؛ واحلملة الفرنسية يف مصر بونابرت واإلسالم‪ ،‬هنري لورنس وآخرين ‪،‬‬
‫ترمجة‪ :‬بشري السباعي‪ .‬القاهرة‪ ،‬دار سيناء للنشر‪ .‬ط‪1995( .1:‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬عجائب اآلثار‪ ،‬اجلربيت‪.2/179 .‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬موسوعة التاريخ اإلسالمي‪ ،‬أمحد شليب‪.5/329 .‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬مثال ذلك ما قام به حممد علي حاكم مصر من إيفاده لعدة بعثات علمية إىل أوربا‪ ،‬وما‬ ‫‪3‬‬

‫قامت به السلطنة العثمانية أيضا من إيفاد لبعثات يف أهم اجملاالت العلمية إىل أوربا‪ .‬م‪.‬س ‪:‬‬
‫‪ 5/394‬؛ واألوضاع الثقافية يف تركيا يف القرن الرابع عشر اهلجري‪ ،‬سهيل صابان‪ .‬ص ‪13‬‬

‫‪227‬‬
‫‪ -‬اخلط الثاين‪ :‬مثّله رجال مفكرون وقادة مصلحون توافر لديهم من العلم والثقافة‬
‫واخلربة بالواقع ما َّأهلهم إلنشاء حركة إصالحية ظهرت مثارها يف مراحل الحقة‪.‬‬
‫ويأيت يف مقدمة هؤالء املصلحني‪ :‬مجال الدين األفغانــي (‪ ،)1‬وحممـ ــد‬
‫عبده(‪ ،)2‬ورشيد رضـا(‪... )3‬‬
‫لكن هؤالء املصلحني مل ميلكوا رؤيةً واحدةً ملنهج اإلصالح املقرتح‪ ،‬مع أن‬
‫بعضهم قد تتلمذ على بعض؛ فلكل أسلوب مييزه عن غريه‪ ،‬ولكن مع تشابه كبري يف‬
‫طبيعة املشروع اإلصالحي املنشود‪ .‬ولعل هذا ما يفسر ظهور اجتاهات متباينة – فيما‬
‫بعد – يف اختيار مناهج اإلصالح والتجديد وطرائق االجتهاد والتعامل مع قضايا‬
‫العصر؛ مما كان له أثر بالغ على ميدان الفكر اإلسالمي احلديث وتياراته‪.‬‬

‫وما بعدها‪.‬‬
‫‪ -‬مجال الدين األفغاين‪ :‬هو حممد بن صفدر احلسيين مجال الدين األفغاين‪1314-1254(:‬هـ‪/‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪1897-1838‬م)‪ :‬ولد بأفغانستان‪ ،‬وتنقل يف بالد إسالمية كثرية‪ .‬واستقر‪ -‬أخريا – يف‬
‫استانبول بعد دعوة من السلطان عبد احلميد الثاين‪ .‬ويعد أحد رواد اإلصالح يف العامل‬
‫اإلسالمي‪ .‬كان أكرب مهه مقاومة االستعمار الغريب وإيقاظ الشرق من سباته‪ :‬له من التآليف‬
‫«تاريخ األفغان»‪ ،‬كما اشتهر بإصداره جملة «العروة الوثقى» من باريس‪ .‬وقد كتب عنه كثريون‬
‫ومعرض‪ F‬بسريته‪ .‬األعالم ‪6/168‬؛‬ ‫وهم ما بني مؤيد ألفكاره ومعجب به وبني معارض له ِّ‬
‫ومجال الدين األفغاين املصلح املفرتى عليه‪ ،‬حمسن عبد احلميد‪.‬‬
‫‪ -‬حممد عبده‪ :‬هو حممد عبده بن حسن خري اهلل من آل الرتكماين (‪1323-1266‬هـ‪/‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪1905-1849‬م) ‪ :‬مفيت الديار املصريية ومن كبار رجال اإلصالح والتجديد يف اإلسالم‪.‬‬
‫صاحب األفغاين فرتة طويلة وعمل معه يف مشروعه اإلصالحي ونشاطه اإلعالمي‪ ،‬السيما‬
‫إصدار جملة «العروة الوثقى»‪ .‬من مؤلفاته‪« :‬تفسري القرآن الكرمي» مل يتمه ويف بعض تفسرياته‬
‫جدل كثري‪ ،‬و«رسالة التوحيد»‪ ،‬و«شرح هنج البالغة»‪ .‬األعالم ‪6/252‬؛ وتاريخ األستاذ‬
‫اإلمام‪ ،‬حملمد رشيد رضا‪.‬‬
‫‪ -‬حممد رشيد رضا‪ :‬احلسيين النسب‪ ،‬صاحب جملة «املنار»‪ ،‬وأحد رجال اإلصالح اإلسالمي‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫ولد يف طرابلس الشام ونشأ هبا‪ ،‬مث رحل إىل مصر فالزم اإلمام حممد عبده وتتلمذ له‪ ،‬مث أصدر‬
‫جملة «املنار» لبث آرائه يف اإلصالح الديين واالجتماعي‪ .‬من مؤلفاته‪« :‬تفسري القرآن الكرمي» مل‬
‫يكلمه وهو املعروف بتفسري املنار‪ .‬األعالم ‪6/126‬؛ وحممد رشيد رضا ودوره يف احلياة الفكرية‬
‫والسياسية‪ ،‬أمحد فهد الشوابكة‪ .‬عمان‪ ،‬دار عمار‪ .‬ط‪1904( .1:‬هـ‪1989/‬م)‪.‬‬

‫‪228‬‬
‫لقد اصطبغت كل حركة إصالحية بصباغ خاص‪ ،‬هو مثرة لتكوين املصلح العلمي‬
‫وأفقه الفكري وبُ ْع ِده الشخصي‪.‬‬
‫وإذا كان أغلب املؤرخني املعاصرين يعدون مجال الدين األفغاين باكورة املصلحني‬
‫يف العصر احلديث؛ فإمنا ذلك النشغاله الشديد بقضايا السياسة ودعوته إصالح أنظمة‬
‫احلكم لدى املسلمني‪ ،‬لكوهنا أهم أسباب الرتدي الذي عاشته معظم البالد اإلسالمية‬
‫(‪)1‬‬
‫يف فرتات تارخيية متعددة‪.‬‬
‫ويبدو أن األفغاين قد ُأقحم يف هذا امليدان؛ ألن ظروف الصراع مع القوى‬
‫االستعمارية األوربية مل ترتك لـه خياراً يسلكه غري خيار التحدي واملواجهة‪ .‬وهي‬
‫مواجهة – وإ ْن كانت سياسيةً يف أبرز مظاهرها – مل تغفل اجلانب الفكري‬
‫والعلمي‪ ،‬مما خيدم حركة االجتهاد ويرتقي بأهله إىل مقتضيات عصرهم‪.‬‬
‫لذا‪ ،‬فقد نادى [ األفغاين ] بتوفيق متوازن بني منجزات املدنية الغربية وأصول‬
‫الثقافية اإلسالمية‪ ،‬وتبعه يف ذلك تلميذه ورفيق دعوته حممد عبده‪ ،‬غري أن الذي ميّز‬
‫التلميذ عن األستاذ – وإن ظل الوفاء موجوداً – االختالف يف بعض نواحي املنهج‬
‫اَألوىل بالعناية واالهتمام اإلصالح االجتماعي ويف‬
‫اإلصالحي؛ إذ رأى حممد عبده أن ْ‬
‫(‪)2‬‬
‫مقدمته اإلصالح العلمي والثقايف‪.‬‬
‫ويبدو أن عدم تركيزه على اجلانب السياسي – كما كان دأب أستاذه – راجع‬
‫إىل تقييمه لتجربة األفغاين السياسية‪ ،‬حيث اقتنع بأن الظروف مل تتهيأ – بعد –‬
‫خلوض غمار العمل السياسي‪ ،‬وأن اجملتمع يف حاجة إىل إصالح جوانب الفكر‬
‫(‪)3‬‬
‫والثقافة قبل اقتحام السياسة وما يشوهبا – عادة – من خماطر ومهالك‪.‬‬
‫‪ -‬مجال الدين األفغاين موقظ الشرق وفيلسوف اإلسالم‪ ،‬حممد عمارة‪ .‬القاهرة‪ ،‬دار املستقبل‬ ‫‪1‬‬

‫العريب‪ .‬ط‪1984( .1:‬م)‪ .‬ص ‪.111-97‬‬


‫‪ -‬اإلمام حممد عبده ‪ ،‬أدونيس وخالدة سعيد‪ .‬بريوت ‪ ،‬دار العلم للماليني‪ .‬ط‪1983( .1:‬م)‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫ص ‪17-14‬؛ ومجال الدين األفغاين وأثره يف العامل اإلسالمي احلديث‪ ،‬عبد الباسط حممد‬
‫حسن‪ .‬القاهرة‪ ،‬مكتبة وهبة‪1982( .‬م)‪ .‬ص ‪210‬؛ واجملددون يف اإلسالم‪ ،‬عبد املتعال‬
‫الصعيدي‪ .‬ص ‪.531‬‬
‫‪ -‬تفكري حممد رشيد رضا من خالل جملة املنار‪ ،‬حممد صاحل املراكشي‪ .‬تونس‪ ،‬الدار التونسية‬ ‫‪3‬‬

‫للنشر‪1985( .‬م)‪ .‬ص ‪38‬؛ والفكر اإلسالمي املعاصر‪ ،‬حترير وحوار‪ :‬عبد اجلبار الرفاعي‪ .‬ص‬

‫‪229‬‬
‫لقد ش ‪FF‬كلت حماوالت األفغ ‪FF‬اين وحممد عب ‪FF‬ده ن ‪FF‬واة حركة إص ‪FF‬الحية ملعظم ما ظهر‬
‫من تيارات فكرية وسياسية يف العصر احلديث؛ مما ك‪FF‬ان لـه أث‪FF‬ره يف جمال الفقه ومن‪FF‬اهج‬
‫االجتهاد وطرائق التعامل مع الرتاث عموماً‪.‬‬
‫فقد التف حول اإلمامني تالميذ وحمبون أخذوا عنهما أسس الدعوة إىل اإلصالح‬
‫والتجديد‪ ،‬ووظفوا لنشرها كل ما أتيح هلم من تعليم ووسائل كتابة ونشر حىت‬
‫ظهرت يف ساحة الفكر والسياسة ‪ -‬على السواء – اجتاهات وتيارات تدعو كلها إىل‬
‫التغيري واإلصالح‪ ،‬لكن بوسائل خمتلفة ومناهج متنوعة‪.‬‬
‫وميكن أن منيز بني أهم االجتاهات من خالل منهج كل اجتاه يف تعامله مع الرتاث‬
‫ونظرته إىل قضايا العصر‪ .‬وأبرز هذه االجتاهات‪:‬‬
‫‪ – 1‬االتجاه المحافظ ‪:‬‬
‫وقف هذا االجتاه يف وجه كل األفكار الوافدة‪ ،‬وأهم أقطابه وأكثرهم من شيوخ‬
‫املؤسسات العلمية العريقة‪ ،‬مثل األزهر الذي اكتسب رصيداً تارخيياً وعلمياً حافالً‬
‫وثقةً ترسخت على مدى سنني طويلة‪ .‬غري أن افتقاره إىل وسائل عصرية مناسبة‬
‫للمواجهة جعل رواده يرتاجعون عن التأثري يف اجملتمع ويكتفون مبا راج فيه من علوم‬
‫وما ساد فيه من طرائق وأساليب؛ األمر الذي نتج عنه فراغٌ كبريٌ دفع دعاة التجديد‬
‫إىل حماولة سدِّه بتقدمي بدائل جديدة شكالً ومضموناً‪.‬‬
‫‪ – 2‬اتجاهات التجديد‪:‬‬
‫إذا كان األفغاين وحممد عبده مها رائدا اإلصالح والتجديد يف العصر احلديث؛‬
‫فإن الشعار املغري الذي رفعاه قد تلقفه آخرون وساروا به أشواطاً إىل أن انتهى‬
‫األمر ببعضهم إىل فتح الباب على مصراعيه لدعوى االجتهاد والتجديد حىت وإ ْن‬
‫كان يف ذلك خمالفةٌ صرحيةٌ لألصول وملا هو معلوم من الدين بالضرورة‪.‬‬
‫لقد حدد حممد عبده مقصده من اإلصالح بوضوح وجالء؛ فهو يعين به – كما‬
‫يقول ‪ « : -‬حترير الفكر من قيد التقليد‪ ،‬وفهم الدين على طريقة سلف هذه األمة‬
‫قبل ظهور اخلالف‪ ،‬والرجوع يف كسب معارفه إىل ينابيعها األوىل‪ ،‬واعتباره ضمن‬

‫‪.224‬‬

‫‪230‬‬
‫موازين العقل البشري‪ ،)1( »...‬كما حدد منهجه بقوله‪ « :‬وقد خالفت يف الدعوة‬
‫وم ْن‬
‫إليه رأي الفئتني العظيمتني اللتني يرتكب منهما جسم األمة‪ :‬طالب علوم الدين َ‬
‫وم ْن هو من ناحيتهم »(‪.)2‬‬
‫على شاكلتهم‪ ،‬وطالب فنون هذا العصر َ‬
‫غري أن انتقاد الرواد األوائل – السيما حممد عبده وحممد رشيد – لواقع األزهر‬
‫التعليمي وما ساد فيه من أساليب دراسية(‪ )3‬فتح اجملال واسعاً لتحويل شعار التجديد‬
‫عن مساره‪ ،‬يقول مصطفى صربي عن هنضة حممد عبده اإلصالحية‪ « :‬فخالصته أنه‬
‫كثريا من األزهريني إىل الالدينيني‬
‫فقرب ً‬ ‫زعزع األزهر عن مجوده على الدين‪ّ ،‬‬
‫خطوة‪ ،‬وهو الذي أدخل املاسونية(‪ )4‬يف‬
‫ً‬ ‫خطوات‪ ،‬ومل يقرب الالدينيني إىل الدين‬

‫‪ -‬اإلمام حممد عبده جمدد الدنيا بتجديد الدين‪ ،‬حممد عمارة‪ .‬بريوت‪ ،‬دار الوحدة‪1985( .‬م)‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫ص ‪.50‬‬
‫‪ -‬اإلمام حممد عبده جمدد الدنيا‪ ،‬عمارة‪ .‬ص ‪.50‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ارتكزت دعوهتما على انتقاد برامج األزهر التعليمية اليت تعتمد على حفظ املتون واحلواشي‬ ‫‪3‬‬

‫والتعليقات‪ .‬وقد حاوال إقناع علماء األزهر بإدراج العلوم العصرية بكل أنواعها‪ ،‬لكوهنا األساس‬
‫يف بناء اجملتمع احلديث وتقدمه‪ ،‬كما مشلت دعوهتما إصالح القضاء وطرائق ختريج القضاة‪.‬‬
‫األزهر تارخيه وتطوره‪ ،‬وزارة األوقاف وشؤون األزهر‪.‬مصر‪1383F،‬هـ‪1964/‬م‪ .‬ص ‪25‬؛‬
‫وتاريخ اإلصالح يف األزهر‪ ،‬عبد املتعال الصعيدي‪ .‬ط‪ 1/26 .2:‬وما بعدها؛ وحممد رشيد‬
‫ودوره يف احلياة الفكرية والسياسية‪ ،‬الشوابكة‪ .‬ص ‪.72‬‬
‫‪ -‬املاسونية‪ :‬لغة معناها‪ :‬البناؤون األحرار‪ :‬حركة سرية هدامة هتدف إىل هدم الديانات مجيعها‬ ‫‪4‬‬

‫وخاصة السماوية منها‪ ،‬وجتريد اجملتمعات اإلنسانية من قيمها األساسية‪ ،‬وجعلها تتخبط يف‬
‫متاهات اجلهل والشهوات تسهيال للسيطرة على مقدراهتا‪ ،‬وجعلها طيعة يف يد قادة املاسون‪.‬‬
‫جل أعضائها من الشخصيات املرموقة يف العامل يوثقهم عهد حبفظ األسرار‪ ،‬ويقومون مبا يسمى‬
‫باحملافل للتجمع والتخطيط والتكليف باملهام‪.‬استمدت املاسونية مبادئها األساسية من اليهود‬
‫وخاصة كتاهبم التلمود‪ .‬املوسوعة امليسرة يف األديان واملذاهب املعاصرة‪ ،‬الندوة العاملية للشباب‬
‫اإلسالمي‪ .‬الرياض‪ ،‬ط‪1409( .1:‬هـ‪1988/‬م)‪ .‬ص ‪ 449‬؛ واملوسوعة الدينية امليسرة‪،‬‬
‫ممدوح الزويب‪ .‬دار الرشيد‪( .‬د‪.‬م)‪ F‬ص ‪.407‬‬

‫‪231‬‬
‫(‪) 1‬‬
‫األزهر بواسطة شيخه مجال الدين األفغاين‪ ،‬كما أنه هو الذي شجع قاسم أمني‬
‫على ترويج السفور »(‪.)2‬‬
‫ويبدو أن الدعوة إىل اإلصالح اليت نادى هبا احلكام أنفسهم مل ختل من تأثري‬
‫خارجي حىت أهنا صارت مطلباً مشرتكاً بني جهات كثرية‪ ،‬لكن لكل منطلقاته‬
‫وأهدافه؛ فأوربا نفسها أضحت من الراغبني يف اإلصالح من خالل ما حتاول فرضه‬
‫على احلكام‪ ،‬وهذا ما يثبته طلب إمساعيل(‪ )3‬باشا من رفاعة الطهطاوي(‪ )4‬بإقناع‬
‫شيوخ األزهر بضرورة التجديد‪ ،‬حيث قال لـه‪ « :‬إنك منهم ونشأت معهم‪ ،‬فأنت‬
‫أقدر على إقناعهم‪ ،‬فأخربهم أن أوربا تضطرين ‪ -‬إذا هم مل جييبوين ‪ -‬إىل احلكم‬
‫بشريعة نابليون »(‪.)5‬‬
‫لكن رفاعة الطهطاوي مل يتجرأ على مواجهة أهل األزهر‪ ،‬فأقاله إمساعيل باشا‪.‬‬
‫وأعقب فشل حماوالت إصالح األزهر قيام احملاكم األهلية اليت عملت بقانون نابليون؛‬
‫(‪)6‬‬
‫مما كان له أثره السيئ على أوضاع الفقه اإلسالمي عموما‪.‬‬
‫دعوة األفغاني_ ومحمد عبده اإلصالحية بين النقد والتأييد‪:‬‬

‫‪ -‬يأيت احلديث عن قاسم أمني يف الفصل التايل‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬موقف العقل والعلم والعامل من رب العاملني‪ ،‬مصطفى صربي‪.‬بريوت‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫ط‪1413( .3:‬هـ‪1992/‬م)‪.1/133 .‬‬


‫‪ -‬إمساعيل باشا بن إبراهيم بن حممد علي الكبري‪1312-1245( :‬هـ‪1895-1830/‬م)‪:‬‬ ‫‪3‬‬

‫خديويي مصر‪.‬تعلم مبصر مث فرنسا‪ ،‬أقام عدة مشروعات اقتصادية وثقافية‪،‬غري أن سياسته املالية‬
‫جرت على مصر كثريا من املصائب حىت وضعت حتت مراقبة اإلدارة األجنبية‪ .‬األعالم‪.1/308‬‬ ‫ّ‬
‫‪ -‬رفاعة رافع بن بدوي بن علي الطهطاوي‪1873-1801( :‬م)‪ :‬عامل مصري‪ .‬من أركان‬ ‫‪4‬‬

‫هنضة مصر العلمية يف العصر احلديث‪ .‬تعلم يف األزهر مث أوفد إىل فرنسا‪ ،‬وعند عودته أنشأ جريدة‬
‫كتبا كثرية‪ .‬األعالم ‪.3/29‬‬
‫«الوقائع املصرية»‪ ،‬وألف وترجم عن الفرنسية ً‬
‫‪ -‬اجملددون يف اإلسالم‪ ،‬عبد املتعال الصعيدي‪ .‬ص ‪.449‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ -‬م‪.‬س‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪232‬‬
‫لقد كثر اجلدل حول دعوة األفغاين وعبده ونتائجها(‪)1‬؛ فقد ع ّدمها البعض رائدي‬
‫إصالح دافعهما الغرية على الدين واحلماسة لتغيري أحوال املسلمني‪ ،‬يف حني وقف‬
‫منهما آخرون موقف ريبة وتشكك‪ ،‬متهمني إيامها بفتح الباب أمام دعاة التسيب‬
‫والتحلل من أحكام الشريعة‪ .‬يقول أحد الباحثني‪ « :‬وحقيقة األمر يف حركة الشيخ‬
‫حممد عبده وأستاذه مجال الدين األفغاين‪ ..‬ال تزال حتتاج إىل مزيد من الوثائق اليت‬
‫توضح موقفهما وتزيل ما حييط به من غموض ومن تناقض فيما اجتمع حوهلما من‬
‫أخبار‪ .‬فبينما ينـزله رشيد رضا – ومعه كل أتباع الشيخ حممد عبده الذين ازداد‬
‫عددهم على األيام – منـزلة االجتهاد يف الدين‪ ،‬ويرفعونه إىل أعلى درجات البطولة‬
‫واإلخالص الذي ال تشوبه شائبة‪ ،‬كان كثري من علماء الشريعة املعاصرين له يتهمونه‬
‫باملروق من الدين واالحنراف به وتسخريه خلدمة العدو» (‪.)2‬‬
‫ولعل اإلنصاف يقتضي القول بأنه من الصعب على الباحث أن يشكك يف‬
‫منطلقات هؤالء الرواد؛ ألنه ال حياكم النوايا‪ ،‬ولكن ينظر إىل نتائج األعمال‪ ،‬ويزهنا‬
‫مبيزان يراعي فيه ظروف البيئة والزمان؛ ألن حماكمتهم بغري مقاييس عصرهم تؤدي‬
‫إىل إسقاط يرفضه التجرد واملنهج العلمي‪.‬‬
‫فضل كبريٌ – وال ريب – يف دفع عجلة اإلصالح‪ ،‬غري أن‬ ‫لقد كان هلؤالء الرواد ٌ‬
‫اندفاع التيار قوياً أدى إىل صعوبة ضبطه يف جمراه‪ ،‬فخرجت عن املسار تيارات ذات‬
‫اليمني وأخرى ذات الشمال‪ ،‬ومع مرور الزمن وتوايل األحداث والتطورات أخذت‬
‫زاوية االحنراف تزداد انفراجاً‪ ،‬وأمكن التمييز بني ثالثة تيارات كربى رفعت كلها‬
‫شعار التجديد‪ ،‬غري أن بعضها ذهب – هبذا الشعار – بعيداً إىل حد االنقالب على‬
‫املفاهيم الثابتة واملعلومة من الدين بالضرورة ما دامت تنسب إىل املاضي‪.‬‬
‫‪ -‬ظهرت دراسات ومؤلفات كثرية حول زعماء اإلصالح غلب عليها طابع اإلطراء‪ ،‬من‬ ‫‪1‬‬

‫ذلك‪« :‬سرية األستاذ اإلمام حممد عبده» حملمد رشيد رضا؛ و«حممد عبده» لعباس حممود العقاد؛‬
‫و«زعماء اإلصالح» ألمحد أمني؛ و«مجال الدين األفغاين» لعبد الباسط حسن؛ و«مجال الدين‬
‫األفغاين» حملمد عمارة؛ و«مجال الدين األفغاين عطاؤه الفكري ومنهجه اإلصالحي "حلقة‬
‫دراسية"» إبراهيم غرايبة؛ و«مجال الدين األفغاين املصلح املفرتى عليه» حملسن عبد احلميد‪.‬‬
‫‪ -‬االجتاهات الوطنية يف األدب املعاصر‪ ،‬حممد حممد حسني‪ .‬بريوت‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ .‬ط‪.6:‬‬ ‫‪2‬‬

‫(‪1403‬هـ‪1983/‬م)‪. 1/328 .‬‬

‫‪233‬‬
‫ويف ألفكار الرائدين األولني‪ :‬األفغاين وعبده‪ ،‬حاول‬
‫‪ ‬التيار األول‪ :‬تيَّار ّ‬
‫اإلصالح يف حدود األصول والضوابط مع الدعوة إىل االستفادة املمكنة من‬
‫منجزات املدنية الغربية ومناهج العلم احلديثة‪ .‬وأبرز ممثلي هذا االجتاه‪ :‬حممد‬
‫رشيد رضا صاحب جملة «املنار» الشهرية‪ ،‬ومصطفى املراغي(‪ ،)1‬وحسن‬
‫الطويل(‪ ،)2‬وغريهم‪...‬‬
‫‪ ‬التيار الثاني‪ :‬تيار توفيقي‪ ،‬حاول اجلمع بني الرتاث اإلسالمي وعناصر الثقافة‬
‫الغربية‪ ،‬لكن مع ترجيح اجلانب الالديين أو العلماين‪ ،‬فهو وإن مل يستبعد‬
‫الدين كلية‪ ،‬فإنه تعامل معه بصفته تراثا مهما يقتصر على ممارسات فردية ال‬
‫ضرر فيها‪ ،‬أما مؤسسات الدولة واجملتمع فيكون بناؤها على أساس علماين‬
‫صـرف‪.‬‬

‫‪ -‬حممد مصطفى املراغي (‪1364-1298‬هـ‪1945-1881/‬م)‪ :‬باحث مصري‪ F‬عارف‬ ‫‪1‬‬

‫بالتفسري‪.‬من دعاة التجديد واإلصالح‪ ،‬تتلمذ حملمد عبده‪ ،‬وكان ممن تولوا مشيخة اجلامع‬
‫األزهر‪ ،‬ويل أعماال منها القضاء الشرعي فقضاء القضاء يف السودان(‪1919-1908‬م)‪ .‬من‬
‫تآليفه‪ « :‬حبث يف ترمجة القرآن الكرمي إىل اللغات األجنبية»‪ ،‬و«حبوث يف التشريع اإلسالمي»‪..‬‬
‫األعالم ‪.7/103‬‬
‫‪ -‬حسن بن أمحد بن علي أبو حممد الطويل ( ‪1899-1834‬م)‪ :‬فاضل مصري مالكي‪ ،‬تعلم‬ ‫‪2‬‬

‫باألزهر واشتغل بالتدريس‪.‬مث صار مفتشا يف وزارة املعارف‪ .‬جاهر بنصرته لثورة املهدي‬
‫بالسودان‪ ،‬وكان شديد اإلنكار على املبتدعة‪ .‬من مؤلفاته‪« :‬عنوان البيان» يف التفسري‪ .‬األعالم‬
‫‪.2/183‬‬

‫‪234‬‬
‫ومن أبرز أنصار هذا االجتاه‪ :‬إمساعيل مظهر(‪ ،)1‬ولطفي السيد(‪ ،)2‬وطه‬
‫حسني(‪ ،)3‬وعلي عبد الرازق(‪.)4‬‬
‫‪ ‬التيار الثالث‪ :‬تيار تبىن اإلحلاد‪ ،‬ودعا إىل علمانية صرحية يستبعد فيها الدين –‬
‫أي دين كان – كلياً من حميط احلياة أفرادا ومؤسسات وجمتمعات‪ ،‬وميثل‬
‫نصـارى الشـام ومصر أبـرز رواد هذا التيـار‪ ،‬مثل‪ :‬شبلـي مشيـل(‪،)5‬‬

‫‪ -‬إمساعيل مظهر ابن حممد بن عبد احلميد‪ :‬باحث مصري‪ ،‬من أعضاء اجملمع اللغوي‪ .‬مولده‬ ‫‪1‬‬

‫ووفاته بالقاهرة‪ .‬درس مبصر مث بإجنلرتا‪ ،‬صنف كتبا كثرية يف خمتلف العلوم‪ ،‬والسيما يف‬
‫الفلسفة‪ ،‬كما ترجم عدة كتب عن اإلجنليزية‪ .‬من مصنفاته‪« :‬معجم مظهر اإلنسيكلوبيدي» ‪،‬‬
‫«قاموس النهضة»‪ F...‬تويف بالقاهرة سنة (‪1962‬م)‪ .‬األعالم ‪.1/327‬‬
‫‪ -‬أمحد لطفي السيد‪1963-1872( :‬م) ‪ :‬ولد مبصر وتعلم هبا ‪ ،‬نال إجازة احلقوق وتقلد‬ ‫‪2‬‬

‫بعض املناصب النيابية‪ ،‬واشتغل بالسياسة والصحافة‪ ،‬وكان أحد قادة الوفد املصري الذي توىل‬
‫قيادة البالد يف ثورة (‪1919‬م)‪ .‬وقد عمل بعد الثورة يف اجلامعة وكيال هلا مث مديرا‪ ،‬وتقلد‬
‫بعض املناصب الوزارية‪ ،‬واختري عضوا عامال باجملمع سنة (‪1940‬م) ‪ ،‬وتوىل رئاسته سنة (‬
‫‪1945‬م) حىت وفاته‪ .‬طه حسني يتحدث عن أعالم عصره‪ ،‬حممد الدسوقي‪ .‬ليبيا وتونس‪ ،‬الدار‬
‫العربية للكتاب‪ .‬ط‪1398( .2:‬هـ‪1978/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬يأيت احلديث عنه يف الفصل املقبل‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬علي عبد الرازق‪ :‬درس يف األزهر ويف اجلامعة املصرية القدمية‪ ،‬مث فرتة يف إجنلرتا‪ .‬ويل القضاء‬ ‫‪4‬‬

‫باحملاكم الشرعية وانتخب يف جملس النواب والشيوخ‪ ،‬كما عُنِّي وزيراً لألوقاف‪ ،‬واختري عضواً‬
‫باجملمع اللغوي‪ ،‬وشارك يف كثري من أعماله وجلانه‪ .‬له مؤلفات يف األدب‪ ،‬وأصول الفقه‪ F،‬وحبث‬
‫يف اخلالفة واحلكومة اإلسالمية‪« :‬اإلسالم وأصول احلكم»‪ ،‬وهو الكتاب الذي أثار ضجة‬
‫وحكم عليه بسببه باخلروج من زمرة العلماء‪ .‬تويف سنة (‪1967‬م)‪ .‬م‪.‬س‪ .‬ص ‪.70‬‬ ‫ُ‬
‫‪ -‬ش‪FF F F‬بلي بن إب‪FF F F‬راهيم مشيل (‪1335-1269‬هـ‪1917-1853/‬م) ‪ :‬ط‪FF F F‬بيب مس‪FF F F‬يحي حباث‪،‬‬ ‫‪5‬‬

‫ك ‪FF‬ان ينحو منحى الفالس ‪FF‬فة يف عيشه وآرائ ‪FF‬ه‪ .‬ولد يف لبن ‪FF‬ان‪ ،‬تعلم يف اجلامعة األمريكية بب ‪FF‬ريوت‪،‬‬
‫زار أوربا وأق ‪FF‬ام يف مص ‪FF‬ر‪ F.‬أص ‪FF‬در جملة «الش ‪FF‬فاء»‪ ،‬وألف «فلس ‪FF‬فة النش ‪FF‬وء واالرتق ‪FF‬اء»‪ ،‬وله أيضا‬
‫«جمموعة مق ‪FF‬االت»‪ F.‬األعالم ‪3/155‬؛ ومعجم املطبوع‪FF F‬ات العربية واملعرب‪FF F‬ة‪ ،‬يوسف س ‪FF‬ركيس‪.‬‬
‫مكتبة الثقافة الدينية‪(.‬د‪.‬ت)‪ F.‬ص ‪.1/1144‬‬

‫‪235‬‬
‫وجورجي زيدان(‪ ،)1‬وفرح أنطوان(‪ ،)2‬ونقوال حداد(‪ ،)3‬وسالمــة موسى(‪.)4‬‬
‫واملالحظ أن أغلب ممثلي هذا التيار تربطهم بأوربا وشائج ثقافية ودينية؛‬
‫(‪)5‬‬
‫حيث ترىب معظمهم يف مدارس غربية بعضها ديين وبعضها اآلخر علماين‪.‬‬

‫‪ -‬جورجي بن حبيب زيدان (‪1914-1861‬م)‪ :‬منشئ جملة اهلالل مبصر وصاحب تصانيف‬ ‫‪1‬‬

‫كثرية‪ ،‬منها‪« :‬تاريخ مصر احلديث»‪ ،‬و«تاريخ املاسونية العام»‪ ،‬و«تاريخ اللغة العربية»‪.‬‬
‫األعالم‪2/117.‬؛ ومعجم املطبوعات العربية واملعربة‪ .‬ص ‪.958‬‬
‫‪ -‬ف‪F‬رح بن أنط‪F‬ون بن إلي‪F‬اس أنط‪FF‬ون (‪1922-1874‬م)‪ :‬ك‪F‬اتب ب‪F‬احث‪ ،‬وص‪FF‬حفي روائي‪ .‬ولد‬ ‫‪2‬‬

‫بط‪FF‬رابلس الش‪FF‬ام‪ ،‬انتقل إىل الق‪FF‬اهرة وش‪FF‬ارك يف حترير بضع جرائ‪FF‬د‪ .‬من مص‪FF‬نفاته‪« :‬جملة اجلامعة»‪،‬‬
‫و«ابن رشد وفلسفته»‪ .‬األعالم ‪.5/141‬‬
‫‪ -‬نق‪FF F F‬وال بن إلي‪FF F F‬اس ح‪FF F F‬داد (‪1954-1872‬م)‪ :‬قصصي اجتم‪FF F F‬اعي‪ ،‬وص‪FF F F‬يدالين‪ .‬له اش ‪FF F‬تغال‬ ‫‪3‬‬

‫بالص‪F‬حافة‪ .‬درس بلبن‪F‬ان وس‪F‬افر إىل مصر وأمريك‪F‬ا‪ .‬عمل يف حترير ع‪F‬دة جرائد وجمالت‪ ،‬ك‪F‬األهرام‬
‫واملقتط ‪FF‬ف‪ .‬ك ‪FF‬ان مك ‪FF‬ثراً من الرتمجة اإلجنليزي ‪FF‬ة‪ ،‬وقد بلغت مص ‪FF‬نفاته ومرتمجاته حنو س ‪FF‬تيناً كتاب‪F F‬اً‪.‬‬
‫منه‪FF F F F‬ا‪« :‬علم االجتم‪FF F F F‬اع»‪ ،‬و«ت‪FF F F F‬اريخ أس‪FF F F F‬اس الش‪FF F F F‬رائع اإلجنليزية»‪ .‬األعالم‪8/45 .‬؛ ومعجم‬
‫املطبوعات العربية‪.1/745 .‬‬
‫‪ -‬س‪FF‬المة موسى القبطي املص‪FF‬ري(‪1958-1887 F‬م)‪ :‬ك‪FF‬اتب مض‪FF‬طرب االجتاه والتفك‪FF‬ري‪ .‬تعلم‬ ‫‪4‬‬

‫مبصر وب‪FF F‬اريس ولن‪FF F‬دن‪.‬دعا إىل الفرعوني‪FF F‬ة‪ .‬وجحد ال‪FF F‬ديانات يف ش‪FF F‬بابه وع‪FF F‬اد إىل الكنيسة يف سن‬
‫األربعني‪ .‬ت ‪FF F‬رأس حترير جملة «اهلالل» حىت ع‪FF F F‬ام(‪1927‬م)‪ .‬ص‪FF F F‬نف وت ‪FF F‬رجم ما يزيد على أربعني‬
‫كتاب‪F F F‬اً طبعت كله ‪FF F‬ا‪ .‬منه ‪FF F‬ا‪« :‬نظرية التط ‪FF F‬ور وأصل اإلنس ‪FF F‬ان»‪ ،‬و«التجديد يف األدب اإلجنل‪FF F‬يزي‬
‫احلديث»‪ .‬األعالم‪.3/107 .‬‬
‫‪ -‬الرتاث والتجديد‪ ،‬حسن حنفي‪ .‬بريوت‪ ،‬دار التنوير‪ .‬ط‪1981( .1:‬م)‪ .‬ص ‪.25‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪236‬‬
‫الباب الثاني‬
‫اتجاهات التجديدـ ‪:‬‬
‫األســـس والمنطلقــــات‬
‫تمهيــــد‪:‬‬
‫متثل بداية القرن امليالدي املاضي نقطة حتول يف مناهج االجتهاد يف ميداين الفكر‬
‫والفقه على حد سواء؛ وذلك النبثاق مناهج جديدة متميزة عما عرفه أرباب الفكر‬
‫وأهل االستنباط‪ ،‬ولتطور حلق بعضا منها حىت أمكن أن منيز بني منهج علماين يرفع‬
‫شعار العلم واملوضوعية مستبعداً مصادر التشريع مجلة وتفصيالً‪ ،‬وبني منهج هجني‬
‫هو نتيجة مزاوجة بني مناهج متباينة‪ ،‬فلم خيل هذا املنهج اهلجني من تأثر مباشر أو‬
‫غري مباشر مبا دعا إليه العلمانيون؛ إذ يتعامل أصحابه بنوع من االزدواجية مع‬
‫التشريع اإلسالمي ومصادره‪ ،‬ففي الوقت الذي يزعمون قبوهلم باملصادر األصلية‬
‫مجلة‪ ،‬جتدهم ‪-‬عند التفصيل ‪ -‬يلتفون على هذه املصادر بالتأويالت املغرضة مما‬
‫ينتهي هبم إىل إهدار نصوصها وإبطال دالالهتا‪.‬‬
‫ولئن ظهرت اجتاهات جديدة ‪ ،‬فإن االجتاه التقليدي املتمثل يف املذاهب الفقهية‬
‫الشهرية شهد امتداداً له يف الساحة الفكرية والفقهية‪ ،‬واستمر على منهجه يف التعامل‬
‫مع النصوص قبوالً وفهماً واستنباطاً وفق ما هو مقرر لدى أغلب املدارس الفقهية‪.‬‬
‫ويف الوقت ذاته انتعش التيار احملافظ متمثالً يف السلفية املعاصرة اليت بنت‬
‫اجتهاداهتا على ما ذهب إليه حممد بن عبد الوهاب (‪ )1‬وعلى حماوالت لتطوير املذهب‬
‫الظاهري‪.‬‬

‫‪ -‬حممد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي النجدي ( ‪ 1206 – 1115‬هـ)‪ :‬زعيم النهضة‬ ‫‪1‬‬

‫الدينية يف اجلزيرة العربية والداعي إىل إحياء منهج السلف الصاحل‪ ،‬أيد أسرة آل سعود الذين تبنوا‬
‫دعوته حىت وصلوا إىل احلكم‪ .‬وكان لدعوته دور كبري يف اليقظة اليت عرفها العامل اإلسالمي يف‬
‫أقطار خمتلفة‪ ،‬عرف أتباعه يف اجلزيرة العربية بـ«أهل التوحيد»‪ ،‬كما يطلق عليهم البعض اسم‬
‫«الوهابية» نسبة إليه‪ .‬له مصنفات أكثرها رسائل مطبوعة‪ ،‬منها ‪« :‬كتاب التوحيد»‪ ،‬و«أصول‬
‫اإلميان» ‪ ،‬و«رسالة يف أن التقليد جائز ال واجب» ‪ .‬األعالم ‪. 6/257‬‬

‫‪237‬‬
‫وظهرت معامل تيار آخر يعتمد النصوص والقياس يف مجيع اجملاالت العبادية‬
‫والدنيوية اخلاصة منها والعامة مميزاً عنها جماالً ال جمال فيه للنصوص أو القياس هو‬
‫جمال املباحات ومستجدات العصر نظماً إداريةً واجتماعيةً واقتصاديةً وسياسيةً يرد‬
‫فيها األمر إىل ما دعاه " التشريع الشوروي "‪.‬‬
‫ولتقومي هذه االجتاهات ال بد من استعراض مناهجها‪ ،‬وذلك من خالل بيان أهم‬
‫األسس واملنطلقات العقدية والفكرية اليت اعتمدهتا فحددت بالتايل مسار كل اجتاه‪.‬‬

‫‪238‬‬
‫الفصل األول‬
‫االتجـــاهـ العلمانـــــي‬

‫المبحث األول‬
‫فـي تعريفـات العلمانيـة‬
‫ملعرفة هذا االجتاه وما يدعو إليه ينبغي حتديد مدلوالت لفظ العلمانية واإلشارة‬
‫إىل جذورها وتطورها التارخيي حىت ميكن أن نقف على ما يقدمه أرباب هذا االجتاه‬
‫من مناهج وما يرفعونه من شعارات للتجديد ‪.‬‬
‫تعريف العلمانيـة ‪:‬‬
‫أول ما تنبغي اإلشارة إليه أن العلمانية مصطلح أجنيب عرف نشأته يف البالد‬
‫األوربية‪ ،‬وقد منا وتطور عرب مراحل تارخيية طويلة إىل أن ترجم إىل العربية‪ ،‬لكن يف‬
‫هذه الرتمجة نظر؛ لذا وجب حتديد معناه يف أصل لغته‪.‬‬
‫إن العلمانية ترمجة لكلمة ( ‪ ) Secularism‬اإلجنليزية‪ ،‬أو ( ‪) Secularite‬‬
‫العامَل أو الدنيا(‪ ، )1‬وليست ذات صلة بالعِْل ِم‬
‫الع ْل ِم مبعىن‪َ :‬‬
‫الفرنسية‪ ،‬وهي مشتقة من َ‬
‫كما يتبادر ألول وهلة؛ فالعِْل ُم يف اإلجنليزية هو ( ‪ ، ) Science‬واملذهب العلمي‬
‫يُطلق عليه ( ‪ ، ) Scientism‬والعلمانية ( ‪ ) Secularism‬تعين حرفيا – كما‬
‫ورد يف قواميس اللغة ‪ « : -‬الدنيوية » ‪ ،‬أو « املذهب الدنيوي » (‪. )2‬‬
‫تحديد مفهوم العلمانيـة‪:‬‬

‫‪ -‬معجم الكايف‪ ،‬حممد الباشا‪ .‬بريوت‪ ،‬شركة املطبوعات للنشر والتوزيع‪ .‬ط‪1412( .1 :‬هـ‪/‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪1992‬م) ‪ .‬ص ‪. 706‬‬


‫‪ -‬قاموس أكسفورد األساسي (إجنليزي–عريب )‪.‬بريوت‪ F،‬أكادمييا‪1998( .‬م)‪ .‬ص ‪520‬؛‬ ‫‪2‬‬

‫والعلمانية النشأة واألثر يف الشرق والغرب ‪ ،‬زكريا فايد ‪ .‬الزهراء لإلعالم العريب ‪ .‬ط ‪_ . 1 :‬‬
‫(‪ 1408‬هـ‪1988 /‬م) ‪ .‬ص ‪ 11‬؛ ووباء العلمانية وهل له مربر يف العامل اإلسالمي ‪ ،‬سفر‬
‫احلوايل‪ .‬مصر ‪ ،‬مكتبة منار السبيل ومكتبة منار العلماء ‪ .‬ط‪1409( ، 1 :‬هـ)‪ .‬ص ‪. 11‬‬

‫‪239‬‬
‫ورد يف القاموس‪ « :‬إن العلمانية هي االعتقاد بأن الدين والشؤون الكنسية ال‬
‫دخل هلا يف شؤون الدولة وخاصة الرتبية العامة » (‪. )3‬‬
‫وتطلق العلمانية ويعىن هبا‪ « :‬فصل الدين أو إبعاده عن الدولة‪ ،‬وقيام الدولة على‬
‫أسس دنيوية ال دينية‪ ،‬وتتمثل هذه األسس يف العلم الوضعي والعقل ومراعاة املصلحة‬
‫العامة يف خمتلف شؤون الدولة »(‪.)2‬‬
‫وقد شاع لدى كثري من الباحثني املعاصرين استخدام عبارة « فصل الدين عن‬
‫الدولة » ‪ ،‬غري أهنا ال تؤدي املعىن الدقيق للعلمانية؛ ألهنا ال تشمل األفراد وال‬
‫السلوك الذي قد ال تكون له صلة بالدولة؛ لذلك يرى أحد الباحثني أن أدق تعبري‬
‫عن العلمانية هو – كما يقول ‪ « : -‬فصل الدين عن احلياة‪ ،‬سواء بالنسبة لألمة أو‬
‫الفرد»(‪.)3‬‬
‫جذور العلمانيـة‪:‬‬
‫لعل أهم خلل تقع فيه بعض املبادئ والنظريات وهي تتناول قضية وجود‬
‫اإلنسان الفردي واجلماعي نابع من جهلها أو جتاهلها لطبيعة التكوين البشري؛ ذلك‬
‫التكوين القائم ‪ -‬أساسا ‪ -‬على التوازن األصيل بني الروح واملادة‪ ،‬واملتميز مبحدودية‬
‫طاقاته وقدراته الذاتية اجتاه نواميس الكون واحلياة‪ ،‬واملتميز ‪ -‬أيضا ‪ -‬بوجود عناصر‬
‫وقيم ثابتة ال تتغري بتغري الزمان واملكان التصاهلا حبقائق خالدة غري خاضعة للتبدل‬
‫وشاملة للنوع اإلنساين كله‪ ،‬ووجود معامل وصفات هلا قابلية التغري تبعاً لتباين‬
‫(‪)4‬‬
‫ظروف اإلنسان وبيئته زماناً ومكاناً‪.‬‬
‫إن أي خطأ ‪ -‬يف فهم هذه اخلصائص اإلنسانية الكربى‪ ،‬أو أي إخالل بالتوازن‬
‫الدقيق بني مكونات اإلنسان الروحية واملادية ‪ -‬يؤدي – حتما – إىل احنرافات‬
‫خطرية سواء على مستوى األفراد أو اجملتمعات‪.‬‬

‫‪(. websters new world dictionary 128 B -‬نقال عن املصدر السابق‪.‬ص‪)12‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬العلمانية النشأة واألثر يف الشرق والغرب ‪ .‬ص ‪ 12 – 11‬؛ وهتافت العلمانية ‪ ،‬عماد‬ ‫‪2‬‬

‫الدين خليل ‪ .‬بريوت ‪ ،‬مؤسسة الرسالة ‪1403( .‬هـ‪1983 /‬م) ‪ .‬ص ‪ 36‬وما بعدها ‪.‬‬
‫‪ -‬وباء العلمانية ‪ ،‬سفر احلوايل ‪ .‬ص‪. 14‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬هتافت العلمانية‪ .‬ص ‪.49‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪240‬‬
‫وهذا ما تقع فيه املبادئ الوضعية‪ ،‬إما جلهلها بتلك اخلصائص البشرية أو لتغليبها‬
‫قيم املادة على الروح أو الروح على املادة‪ ،‬وإما بفصلها القسري بني هذه القيم‬
‫واصطناعها حواجز مزيفة بني اجملالني املتداخلني للروح واملادة كما هو الشأن يف‬
‫(‪)1‬‬
‫التجارب العلمانية‪.‬‬
‫إن طغيان املادة يؤدي – وال ريب – إىل إخالل خطري بالتكوين اإلنساين‬
‫املتوازن األصيل‪ ،‬مما يهوي به إىل درك املادية اآللية وأسر احليوانية اهلابطة‪ ،‬كما أن‬
‫تضخم الروح على حساب املادة يوقع اإلنسان يف روحانية سالبة ويأسره يف رهبانية‬
‫مغلقة‪.‬‬
‫والفصل املصطنع ‪-‬بني العاملني – كما يف التجارب العلمانية يقود – أيضاً ‪-‬‬
‫إىل موقف متناقض يعاين فيه اإلنسان االضطراب واحلرية والتمزق‪ ،‬مما ينعكس سلباً‬
‫(‪)2‬‬
‫على سري حياته ونظام جمتمعه‪.‬‬
‫هذا ما وقعت فيه العلمانية منذ أصل نشأهتا‪ ،‬كما متثل ذلك يف أول جتربة علمانية‬
‫دوهنا التاريخ‪ ،‬تلك هي جتربة اجملتمع اليوناين الذي حكمته فلسفة دنيوية مادية‬ ‫َّ‬
‫جتسدت يف الوثنية املنكرة لعامل الغيب؛ فاآلهلة ‪ -‬لدى اليونان ‪ -‬إما جنوم أو كواكب‬
‫أو ظاهرة من ظواهر الطبيعة املتنوعة اخُّت ذت األصنام والتماثيل رمزا لعبادهتا‪.‬‬
‫إن اجملتمع اليوناين ‪ -‬وهو يسعى إىل تنظيم عالقاته وإرساء قوانينه ‪ -‬مل يستند إىل‬
‫أي مرجعية غيبية لسبب بسيط هو عدم إميانه بالغيب‪ ،‬ومرجعيته الوحيدة كانت‬
‫جمالسه الدميوقراطية اليت حيتكرها األقوياء ‪-‬سواء أكانوا من فئة اجليش أم من فئة‬
‫(‪)3‬‬
‫وأجانب‪.‬‬
‫َ‬ ‫وفالحني‬
‫َ‬ ‫األثرياء ‪ -‬ويُبعد عنها الضعفاء نساءً‬
‫وهبذا تشكل اجملتمع اليوناين جمتمعاً علمانياً مستنداً إىل مرجعية دنيوية أساسها‬
‫املصلحة اخلالصة واملنفعة الصرحية‪.‬‬

‫‪ -‬هتافت العلمانية ‪ .‬ص ‪. 51‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬م‪.‬س‪ .‬ص ‪. 52‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬لالطالع على األنظمة اليونانية ميكن الرجوع إىل كتب التاريخ والفلسفة معا ؛ ومنها – مثال‬ ‫‪3‬‬

‫‪« :-‬من الفلسفة اليونانية إىل الفلسفة اإلسالمية » حملمد عبد الرمحن مرحبا ‪ .‬بريوت ‪،‬‬
‫منشورات عويدات‪ .‬ط ‪1983( . 3 :‬م) ‪ .‬ص ‪ 84‬وما بعدها ‪.‬‬

‫‪241‬‬
‫وبعد أن اكتسحت الديانة املسيحية أوروبا‪ ،‬برز الصراع بني العلمانية املتمثلة يف‬
‫املادية وبني الدين املسيحي املتمثل يف الكنيسة‪.‬‬
‫وإذا كانت الكنيسة قد سادت – أوالً ‪ -‬فإن ما طرأ عليها من حتريف جعلها‬
‫تصطدم بالفطرة(‪)1‬؛ مما أجلأ الفطرة األوربية إىل العودة إىل تراثها اليوناين العلماين يف‬
‫حماولة إلنقاذ نفسها من الكنيسة وسيطرة رجال الدين املسيحي‪.‬‬
‫وشهدت أوروبا – بذلك – قروناً من الصراع بني تراثها اليوناين اجملرد من كل‬
‫مرجعية غيبية ( ال دينية ) ‪ ،‬وبني الكنيسة اليت نصبت نفسها وصية على الغيب‬
‫والشهود‪ ،‬وجلأت ‪ -‬يف سبيل احملافظة على نفوذها ضـد دعـوات العلمانية‬
‫(الدميوقراطية اليونانية) ‪ -‬إىل التحالف مع طبقة اإلقطاعيني من األثرياء والنبالء‬
‫وامللوك‪.‬‬
‫واستمر الصراع قرونا إىل أن ُحسم بانتصار العلمانية ذات اجلذور اليونانية‪،‬‬
‫ص َل‬‫وكانت الثورة الفرنسية عام (‪ 1789‬م) التتويج الرمسي هلذا االنتصار (‪ )2‬؛ َف ُف ِ‬
‫وح ِّجم دور الكنيسة‪ ،‬واستلمت التنظيمات السياسية قضايا الدنيا‬ ‫الدين عن الدولة ُ‬
‫بعيدا عن أي مرجعية دينية‪ ،‬وانبثقت عن التجربة اليونانية عدة جتارب يف امليدان‬
‫(‪)3‬‬
‫السياسي ‪ ،‬مث ساد االجتاه العلماين خمتلف فروع املعرفة تارخياً وجغرافيةً وعلوماً‬
‫إنسانيةً وطبيعيةً‪.‬‬
‫هذا هو املسار التارخيي والتطور الطبيعي للعلمانية يف الغرب؛ ظهرت بذر ًة لدى‬
‫اليونان‪ ،‬مث صراعاً مع الكنيسة والرؤى الغيبية احملرفة‪ ،‬مث ثورة ضد الدين كله وسياد ًة‬
‫سياسيةً‪ ،‬مث اكتساحاً لعامل املعرفة‪ .‬فالفكر الغريب – كما يصفه أحد الباحثني ‪«:-‬منذ‬

‫‪ -‬تاريخ الفلسفة اليونانية ‪ ،‬يوسف كرم ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬دار القلم ‪ .‬ط ‪1977( .1 :‬م) ‪ .‬ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪.253‬‬
‫‪ -‬فلسفة الثورة الفرنسية ‪ ،‬برنار غروتويزن ‪ ،‬ترمجة‪ :‬عيسى عصفور ‪ .‬بريوت وباريس ‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫منشورات عويدات ‪ .‬ط ‪1982( . 1 :‬م) ‪ .‬ص ‪ 41‬وما بعدها ‪.‬‬


‫‪ -‬من أبرز هذه التجارب السياسية ظهور النظام الدميوقراطي املباشر كما يف سويسرا ‪ ،‬والنظام‬ ‫‪3‬‬

‫الدميوقراطي الرئاسي كما يف الواليات املتحدة األمريكية ‪ ،‬والنظام الدميوقراطي الربملاين‬


‫اجلمهوري كما يف فرنسا ‪ ،‬والنظام الدميوقراطي الربملاين امللكي كما يف إجنلرتا‪.‬‬

‫‪242‬‬
‫والدته املبكرة يف أحضان اليونان يف القرن السادس قبل امليالد خضع يف حركته إىل‬
‫قانون صراع األضداد»(‪.)1‬‬
‫أما يف البالد العربية واإلسالمية‪ ،‬فإن األمر مل يكن كذلك؛ إذ بدأ االجتاه العلماين‬
‫بطريقة عكسية‪ ،‬لظهوره أوال على يد خنبة فكرية متغربة حمدودة ومفصولة عن‬
‫جمتمعها‪ ،‬وألنه حاول أن يقتحم اجملال املعريف ومن مَثَّ يكتسح عربه عامل السياسة‬
‫واحلكم‪ ،‬فواجهته حواجز مل يستطع جتاوزها أو التغلب عليها‪.‬‬
‫ولعل أول هذه احلواجز كان يف ميدان املعرفة نفسه؛ فالفكر اإلسالمي – حبكم‬
‫استمداده من القرآن الكرمي – خضع يف تطوره إىل منطق آخر خمالف ومغاير ملا هو‬
‫يف الفكر الغريب‪ ،‬وهو ما اصطلح على تسميته بقانون االئتالف والتوسط واالعتدال‬
‫الذي ينكر اإلفراط والتفريط سواء يف التصورات الفكرية اجملردة أو القيم املادية أو‬
‫السلوك املادي(‪)2‬؛ فوجدان العامل اإلسالمي وجماله الفكري متشبع ‪ -‬إىل حد االمتالء‬
‫‪ -‬مبعرفة تراثية عميقة اجلذور وذات مرجعية واضحة ال خالف يف حجيتها‪ ،‬هي‬
‫القرآن ومعها السنة النبوية الصحيحة‪ ،‬واملليء ال يُعاد ملؤه كما يقال‪.‬‬
‫فكان أن احنصرت الثقافة العلمانية يف خنبة من املتغربني ظلت تطرق باب املعرفة‬
‫العربية اإلسالمية وال جميب هلا‪ ،‬وظلت يف املنظور االجتماعي واملعريف خرب ًة أجنبيةً ال‬
‫عالقة هلا بالرتبة احمللية‪ ،‬كما عجزت – أيضاً ‪ -‬عن اخرتاق اجملال السياسي لسببني‬
‫موضوعيني‪ ،‬أوهلما واقعي وثانيهما معريف‪.‬‬
‫أما السبب الواقعي‪ ،‬فيتمثل يف وجود أنظمة للحكم فردية واستبدادية ال ترضى‬
‫أن تتنازل عن سلطاهنا للعلمانية املمثلة يف التنظيمات السياسية والدميوقراطية‪.‬‬
‫وأما السبب المعرفي فيكمن يف أن اإلسالم قد جاء بنظام سياسي متكامل‬
‫جبانب نظمه االجتماعية واالقتصادية والثقافية‪...‬كل هذا جعل الطريق موصداً يف‬
‫وجه العلمانية يف العامل العريب واإلسالمي‪ ،‬وما حماوالهتا ‪ -‬يف هذا امليدان ‪ -‬إال طرق‬
‫يف حديد بارد‪.‬‬

‫‪ -‬دراسات يف الفكر العريب اإلسالمي‪ ،‬عرفان عبد احلميد‪ .‬عمان‪ ،‬دار عمار‪ .‬ط‪(.1:‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪1412‬هـ‪ .)1991/‬ص ‪.18‬‬


‫‪ -‬دراسات يف الفكر العريب اإلسالمي‪ ،‬عرفان عبد احلميد‪ .‬ص ‪.20‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪243‬‬
‫لقد نشأت العلمانية ‪ -‬يف البالد العربية ‪ -‬عقب احلملة الفرنسية على مصر‬
‫والشام من خالل خطوات ومراحل كان أوهلا رغبة احلكام يف احلفاظ على سلطاهنم‬
‫بعد اكتشافهم للهوة الشاسعة بينهم وبني الدول الغربية؛ مما حدا هبم إىل القيام‬
‫مبجموعة من اإلصالحات العسكرية والسياسية وإيفاد بعثات تعليمية إىل أشهر‬
‫(‪)1‬‬
‫اجلامعات الغربية‪.‬‬
‫ٍ‬
‫تيارات متنوعةً أبرزها تياران‬ ‫وقد أفرز االجتاه العلماين ‪ -‬يف البالد العربية ‪-‬‬
‫رئيسان ‪:‬‬
‫األول ما ُدعي بـ«تيار التنوير العلماين» ‪ ،‬وهو تيار علماين صرف يرى أن تطور‬
‫اجملتمع وتقدمه يف كل اجملاالت ‪ -‬على غرار ما حصل يف أوربا ‪ -‬ال ميكن أن يقوم‬
‫إال على أساس العقل ومبساعدة املعارف‪ ،‬وأبرز رواد هذا التيار من مسيحيي الشام‪.‬‬
‫الثاني ما يطلق عليه البعض «حركة اإلصالح الديين»‪ ،‬وهو حماولة للتوفيق بني‬
‫األصالة واملعاصرة باالعتماد على العقل يف النظر إىل اإلسالم للربهنة على أنه قادر‬
‫على استيعاب مستجدات العصر(‪ ، )2‬وتعد مصر مركزاً هلذا التيار ‪ ،‬ولعل أبرز ممثليه‬
‫رفاعة الطهطاوي‪ ،‬وحممد عبده‪...‬‬
‫وإذا كان التيار العلماين الصرف قد نشأ يف الشام على أيد عربية مسيحية؛ فإن‬
‫انتقال كثري من رموزه إىل مصر ترك آثاراً واضحةً يف بعض أقطاب حركة اإلصالح‬
‫الديين أنفسهم (‪ ، )3‬بل يف كثري من طالب األزهر وعلمائه‪ .‬والغريب يف األمر أن‬

‫‪ -‬من أبرز هذه احملاوالت اإلصالحية ‪ :‬إصالحات حممد علي ( ‪1841 -1805‬م ) يف مصر‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،‬والسلطان العثماين «حممود الثاين» (‪1839 -1826‬م) ‪ ،‬واألمري عبد القادر يف اجلزائر‬
‫(‪1847-1832‬م) ‪ ،‬والشاه ناصر الدين يف إيران (‪1848 -1834‬م) ‪ ،‬وأمحد بك يف تونس‬
‫(‪1895-1837‬م)‪ .‬العلمانية النشأة واألثر يف الشرق والغرب ‪ .‬ص‪. 103‬‬
‫‪ -‬العلمانية النشأة واألثر ‪ .‬ص ‪ 97‬وما بعدها ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ميكن أن يُعد حممد عبده منوذجا هلذا التأثر‪ ،‬وتصور املناظرات اليت مجعته بأحد رموز العلمانية‬ ‫‪3‬‬

‫الصرحية وهو فرح أنطون منشئ جملة « اجلامعة » مدى تأثره ‪ ،‬ولعل هذا ما جنح به إىل كثري‬
‫من اآلراء والتفسريات غري املقبولة‪ .‬موقف العقل والعلم والعامل من رب العاملني ‪ ،‬مصطفى‬
‫صربي ‪ 1/127.‬وما بعدها ‪.‬‬

‫‪244‬‬
‫هذه الفئة العلمانية اليت دعت إىل احلديث ونبذ القدمي مل تتخل هي نفسها عن القدمي‬
‫(‪)1‬‬
‫الذي تنتسب إليه‪.‬‬
‫ومع احتكاك التيارين ظهر تأثري العلمانية الصرحية واضحاً مبـا أفرزته من دعـاة هلا‬
‫(‪ .)2‬وبعد أن كان شعار املصلحني ‪ « :‬إن احلضارة احلديثة تتوافق مع اإلسالم » ‪،‬‬
‫أصبحت املقولة الرائجة ‪ « :‬إن اإلسالم يتوافق مع ما تأيت به احلضارة احلديثة » (‪ )3‬؛‬
‫مما يعين أن اإلسالم ‪ -‬بدل أن يكون األصل واملعيار يف تقومي اآلراء واألفكار‬
‫الوافدة‪ -‬أضحى جمرد مصدر تلجأ إليه الفئة العلمانية لتأييد آرائها وتزكيتها‪.‬‬

‫‪ -‬املقصود هبذه الفئة ‪ :‬املسيحيون العرب الذين دعوا املسلمني إىل نبذ الدين‪ ،‬يف حني ظلوا –‬ ‫‪1‬‬

‫هم – متمسكني مبسيحيتهم ‪ .‬الرتاث والتجديد ‪ ،‬حسن حنفي ‪ .‬ص ‪. 25‬‬


‫‪ -‬ويف مقدمتهم ‪ :‬لطفي السيد ‪ ،‬وطه حسني ‪ ،‬وإمساعيل مظهر ‪ ،‬وسعد زغلول ‪ ،‬وعلي عبد‬ ‫‪2‬‬

‫الرازق ‪ ،‬وغريهم‪F...‬‬
‫‪ -‬العلمانية النشأة واألثر ‪ .‬ص ‪. 101‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪245‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫موقف االتجاه العلماني من مصادر التشريع‬
‫اإلسالمي‬
‫إذا كان موقف العلمانيني من مصادر التشريع اإلسالمي ‪ -‬قرآناً وسنةً – يبدو‬
‫متقارب يف جوهره‪ ،‬فإنه متباين يف بعض مظاهره وجتلياته؛ وذلك لتباين االنتماء‬
‫ٌ‬ ‫أنه‬
‫الثقايف والعقدي لدى أصحاب االجتاه العلماين أنفسهم‪.‬‬
‫فاجملاهرون بعداوهتم للدين ال يتحرجون من إعالن موقفهم الصريح الرافض‬
‫ملصادر األحكام مجلة وتفصيال‪ ،‬فهم يرون َّ‬
‫أن يف النقل قيوداً على العقل ووصايةً‬
‫وحجراً عليه كما هو الشأن لدى دعاة اإلحلاد(‪ )1‬ودعاة الوجودية(‪ )2‬وغريها من‬
‫(‪)3‬‬
‫املبادئ الوضعية املنكرة للدين‪.‬‬
‫وقد ذهب الغالة منهم إىل رفض الفقه اإلسالمي رفضاً كامالً جملرد كونه فقهاً‬
‫(‪)4‬‬
‫إسالمياً؛ فهو – كما يرون – غري صاحل للحياة‪.‬‬

‫‪ -‬اإلحلاد ‪:‬أو املذهب اإلحلادي ‪ :‬نسق من األفكار اليت ترفض االعتقاد مبا جياوز الطبيعة‪ .‬أو هو‬ ‫‪1‬‬

‫كل موقف أو مذهب ينفي وجود اهلل‪ .‬واألساس الفلسفي للمذهب اإلحلادي هو املادية‪.‬‬
‫املوسوعة الفلسفية العربية‪ ،‬رئيس التحرير‪ :‬معـن زيادة‪ .‬بريوت‪ ،‬معهد اإلمناء العربـي‪ .‬ط‪( .1 :‬‬
‫‪1988‬م)‪.2/168 .‬‬
‫‪ -‬الوجودية ‪ :‬اجتاهات فلسفية متعددة جُت مع على أن اإلنسان هو الكائن الوحيد الذي يسبق‬ ‫‪2‬‬

‫وجوده ماهيته وعلى أن هذا الوجود هو الواقع اليقيين األول للفلسفة‪ .‬وقد توزعت هذه‬
‫االجتاهات ما بني وجودية مسيحية ووجودية ملحدة ووجودية فردية‪ F...‬م‪.‬س‪.2/1504 .‬‬
‫‪ -‬زكي جنيب حممود ميثل أمنوذجاً معرباً عن أرباب االجتاه العلماين الرافض للدين ومصادره‪F‬‬ ‫‪3‬‬

‫التشريعية ‪ .‬ومؤلفاته ‪ -‬يف هذا الشأن ‪ -‬كثرية ‪ ،‬أمهها ‪ « :‬جتديد الفكر العريب » ‪ ،‬و « ثقافتنا‬
‫يف مواجهة العصر » ‪ .‬الفقه االجتهادي اإلسالمي بني عبقرية السلف ومآخذ ناقديه ‪ ،‬عبد‬
‫العظيم إبراهيم املطعين ‪ .‬القاهرة ‪ ،‬مكتبة وهبة ‪ .‬ص ‪. 11 – 10‬‬
‫‪ -‬ممن قال بذلك سالمة موسى ولويس عوض‪ ،‬ومها مسيحيان‪ ،‬وقال به بعض املاركسيني‬ ‫‪4‬‬

‫املنتمني لإلسالم ‪ ،‬مثل ‪ :‬يوسف إدريس الذي وصف كتاب اهلل تعاىل بأنه « كتاب متخلف »‬
‫[ حاشا كتاب اهلل تعاىل ] ‪ ،‬وفسر معىن التخلف بأنه كتاب صلح للزمان واملكان اللذين أنزل‬
‫فيهما ‪ .‬نُشر هذا الكالم يف جملة أكتوبر املصرية يف أواخر السبعينات ‪ .‬نقال عن الفقه االجتهادي‬

‫‪246‬‬
‫وقد ذهب الشطط ببعضهم إىل اخلوض يف بعض التفسريات على غري أساس‬
‫ش ْر َعةً َو ِم ْن َهاجا ً‬
‫سليم؛ من ذلك حماولتهم تفسري اآلية القرآنية‪  :‬لِ ُك ٍّل َج َع ْلنَا ِم ْن ُك ْم ِ‬
‫(‪)2‬‬
‫‪ ،)1( ‬بأن املراد من الشرعة واملنهاج ‪ -‬يف اآلية ‪ -‬هي شرعة العقل ومنهاجه‪.‬‬
‫ويف االجتاه نفسه ذهب أحدهم ‪ -‬يف تفسري اآلية ‪ -‬مذهباً مغالياً‪ ،‬فقال ‪ « :‬أما‬
‫النص بـ" لكل جعلنا منكم"‪ ،‬فيعين أن اهلل يرد التشريع إىل منكم‪ ،‬أي جعلنا التشريع‬
‫منكم؛ أي مطابقاً خلصائصكم وتكوينكم وأعرافكم‪ ،‬ومبعىن أكثر حتديدا أن اهلل ينـزل‬
‫حكمه متوافقا مع أخالقيات الواقع وسلوكياته ضمن توافق تام مع الظرف التارخيي‪،‬‬
‫فالشرعة واملنهاج مها استخالص إهلي مقيد بشخصية الواقع‪ ،‬وقد أراد اهلل – عرب هذا‬
‫النص – أن يطلعنا على نسبية التشريع املنزل تبعا للحاالت التارخيية واألوضاع‬
‫االجتماعية املختلفة » (‪. )3‬‬
‫وال خيفى ما يف حماولة التفسري هذه من جمانبة صرحية للصواب؛ فلو كانت الشرعة‬
‫املنهاج استخالصا إهليا مقيدا بشخصية الواقع ملا احتيج إىل دعوة اإلسالم أصال وملا‬
‫بذلت من أجلها األرواح واملهج ‪.‬‬
‫إن ما تثبته النصوص الصحيحة الصرحية ويؤكده الواقع التارخيي أن املنهج‬
‫والشرع الربانيني جاءا ليغريا واقع الناس وفق ما ارتضاه رب الناس هلم كافة‪ ،‬قال اهلل‬
‫س بِ َما َأ َراكَ هَّللا ُ َوال‬ ‫تعالـى ‪ِ  :‬إنَّا َأ ْن َز ْلنَا ِإلَ ْيكَ ا ْل ِكت َ‬
‫َاب بِا ْل َح ِّ‬
‫ق لِت َْح ُك َم بَ ْي َن النَّا ِ‬
‫صيما ً ‪. )4( ‬‬ ‫ين َخ ِ‬ ‫تَ ُكنْ لِ ْل َخاِئنِ َ‬
‫اختَلَفُوا فِي ِه َوهُد ً‬
‫ى‬ ‫‪َ  -‬و َما َأ ْن َز ْلنَا َعلَ ْيكَ ا ْل ِكت َ‬
‫َاب ِإاَّل لِتُبَيِّ َن لَ ُه ُم الَّ ِذي ْ‬
‫َو َر ْح َمةً لِقَ ْو ٍم يُْؤ ِمنُ َ‬
‫ون ‪. )5( ‬‬
‫للمطعين ص ‪. 20‬‬
‫‪ -‬املائدة من اآلية ‪. 48‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬هذا ما ذهب إليه زكي جنيب حممود يف مقال له نُشر يف صحيفة األهرام يف أواسط‬ ‫‪2‬‬

‫السبعينات ‪ .‬نقال عن الفقه االجتهادي ‪ ،‬املطعين ص ‪. 12‬‬


‫‪ -‬العاملية اإلسالمية الثانية ‪ ،‬أبو القاسم حاج محد ‪ .‬بريوت‪ ،‬دار ابن حزم‪ .‬ط‪1996( .2 :‬م)‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪. 497-2/496‬‬
‫‪ -‬النساء ‪. 105‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬النحل ‪. 64‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪247‬‬
‫ان لِيَقُو َم‬ ‫ت َوَأ ْن َز ْلنَا َم َع ُه ُم ا ْل ِكت َ‬
‫َاب َوا ْل ِمي َز َ‬ ‫سلَنَا بِا ْلبَيِّنَا ِ‬ ‫‪ ‬لَقَ ْد َأ ْر َ‬
‫س ْلنَا ُر ُ‬ ‫‪-‬‬
‫ش ِدي ٌد َو َمنَافِ ُع لِلنَّا ِ‬
‫س‬ ‫س َ‬ ‫س ِط َوَأ ْن َز ْلنَا ا ْل َح ِدي َد فِي ِه بَْأ ٌ‬
‫اس بِا ْلقِ ْ‬
‫النَّ ُ‬
‫ي َع ِزي ٌز ‪.)6( ‬‬ ‫ب ِإنَّ هَّللا َ قَ ِو ٌّ‬‫سلَهُ بِا ْل َغ ْي ِ‬
‫ص ُرهُ َو ُر ُ‬ ‫َولِيَ ْعلَ َم هَّللا ُ َمنْ يَ ْن ُ‬

‫‪ -‬احلديد ‪. 25‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪248‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫االتجاه العلماني ونماذج من أعالمه‬
‫إن دراسة مناذج من أرباب التيار العلماين تعطي صورةً واضحةً عن التوجه‬
‫العلماين ومعامل منهجه يف تناول قضايا التجديد‪ ،‬ويساعد على تقومي هذا االجتاه‬
‫تقوميا موضوعيا بتحديد مصدر احنرافاته ومواطن زللـه‪.‬‬
‫وإذا كانت هذه النماذج كثري ًة ومتنوعةً‪ ،‬فإين أقتصر على تقدمي بعض منها‪ ،‬وهي‬
‫ختتزل أهم ما يف التيار العلماين من أسس ومنطلقات‪ .‬ومن أبرز هذه النماذج ‪:‬‬
‫‪ – 1‬قاسم أمين ‪:‬‬
‫وهو أحد األوائل الذين رفعوا شعار التجديد‪ ،‬غري أنه جتديد حياكي الغرب يف‬
‫حد له ‪ -‬بكل ما هو وافد؛ مما شكل‬‫كل مظاهره ضاره ونافعه‪ ،‬ويعكس افتتانا ‪ -‬ال َّ‬
‫بداية دعوة كان هلا تداعياهتا اخلطرية على جماالت اجتماعية كثرية ‪.‬‬
‫لقد سار قاسم أمني يف دعوته إىل التجديد متدرجا على مراحل؛ ففي املرحلة‬
‫األوىل أصدر كتابه « حترير املرأة »(‪ )1‬حماوال الظهور مبظهر اجملتهد اجملدد؛ فبذل‬
‫جهده للتدليل على ما زعمه من أن حجاب املرأة – كما هو سائد يف اجملتمعات‬
‫اإلسالمية – ليس من اإلسالم ‪ ،‬وأن الدعوة إىل السفور ليس فيها ما خيالف الدين‬
‫وأصوله العامة‪ ،‬فاحلجاب – كما يدعي – أصل من أصول األدب فحسب يلزم‬
‫التمسك به ‪ ،‬ويؤكد ذلك بقولـه‪ « :‬إن الشريعة ليس فيها نص يوجب احلجاب على‬
‫الطريقة املعهودة‪ ،‬وإمنا هو عادة عرضت هلم من خمالطة بعض األمم‪ ،‬فاستحسنوها‬
‫وأخذوا هبا وألبسوها لباس الدين‪ ،‬كسائر العادات الضارة اليت متكنت يف الناس باسم‬
‫الدين والدين منها براء»(‪.)2‬‬

‫‪ -‬صدر الكتاب عام (‪1899‬م) ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ « -‬حترير املرأة لقاسم أمني ص‪ . » 59‬نقال عن ‪ :‬االجتاهات الوطنية يف األدب املعاصر ‪ ،‬حممد‬ ‫‪2‬‬

‫حممد حسني ‪ . 1/294.‬وال أدري كيف غابت عن قاسم أمني اآليات الصرحية يف املوضوع مثل قوله‬
‫اجكَ َوبَنَاتِكَ َونِ َسا ِء ْال ُمْؤ ِمنِينَ يُ ْدنِينَ َعلَ ْي ِه َّن ِم ْن َجالبِيبِ ِه َّن‬
‫تعاىل‪  :‬يَا َأيُّهَا النَّبِ ُّي قُلْ َأِل ْز َو ِ‬
‫َذلِكَ َأ ْدنَى َأ ْن يُع َْر ْفنَ فَال يُْؤ َذ ْينَ ‪( ‬األحزاب‪. )59:‬‬

‫‪249‬‬
‫صا ِر ِه ْم َويَ ْحفَظُوا‬ ‫ضوا ِمنْ َأ ْب َ‬ ‫ين يَ ُغ ُّ‬ ‫ويف إيراده لقوله تعاىل ‪  :‬قُ ْل لِ ْل ُمْؤ ِمنِ َ‬
‫ض َن‬‫ض ْ‬ ‫ت يَ ْغ ُ‬ ‫ون َوقُ ْل لِ ْل ُمْؤ ِمنَا ِ‬
‫صنَ ُع َ‬ ‫وج ُه ْم َذلِكَ َأ ْز َكى لَ ُه ْم ِإنَّ هَّللا َ َخبِي ٌر بِ َما يَ ْ‬ ‫فُ ُر َ‬
‫ين ِزينَتَ ُهنَّ ِإاَّل َما ظَ َه َر ِم ْن َها‬ ‫وج ُهنَّ َوال يُ ْب ِد َ‬ ‫صا ِر ِهنَّ َويَ ْحفَ ْظ َ_ن فُ ُر َ‬ ‫ِمنْ َأ ْب َ‬
‫ين ِزينَتَ ُهنَّ ِإاَّل لِبُ ُعولَتِ ِهنَّ َأ ْو آبَاِئ ِهنَّ‬ ‫ض ِر ْب َن بِ ُخ ُم ِر ِهنَّ َعلَى ُجيُوبِ ِهنَّ َوال يُ ْب ِد َ‬ ‫َو ْليَ ْ‬
‫َأ ْو آبَا ِء بُ ُعولَتِ ِهنَّ َأ ْو َأ ْبنَاِئ ِهنَّ َأ ْو َأ ْبنَا ِء بُ ُعولَتِ ِهنَّ َأ ْو ِإ ْخ َوانِ ِهنَّ َأ ْو بَنِي ِإ ْخ َوانِ ِهنَّ‬
‫ين َغ ْي ِر ُأولِي‬ ‫ساِئ ِهنَّ َأ ْو َما َملَ َكتْ َأ ْي َمانُ ُهنَّ َأ ِو التَّابِ ِع َ‬ ‫َأ ْو بَنِي َأ َخ َواتِ ِهنَّ َأ ْو نِ َ‬
‫سا ِء َوال‬ ‫ت النِّ َ‬‫ين لَ ْم يَ ْظ َه ُروا َعلَى َع ْو َرا ِ‬ ‫ال َأ ِو الطِّ ْف ِل الَّ ِذ َ‬‫الر َج ِ‬ ‫اِأْل ْربَ ِة ِم َن ِّ‬
‫ين ِمنْ ِزينَتِ ِهنَّ َوتُوبُوا ِإلَى هَّللا ِ َج ِميعا ً َأيُّهَ‬ ‫ض ِر ْب َن بَِأ ْر ُجلِ ِهنَّ لِيُ ْعلَ َم َما يُ ْخفِ َ‬
‫يَ ْ‬
‫ون ‪ ، )1( ‬يلوي قاسم أمني لآلية عنقها فيقول‪ « :‬إن اآلية‬ ‫ون لَ َعلَّ ُك ْم تُ ْفلِ ُح َ_‬
‫ا ْل ُمْؤ ِمنُ َ‬
‫قد أباحت أن تظهر بعض أعضاء من جسم املرأة أمام األجنيب عنها‪ ،‬غري أهنا مل تسم‬
‫تلك املواضع‪ ،‬وقد قال العلماء إهنا وكلت فهمها وتعيينها إىل ما كان معروفا يف‬
‫العادة وقت اخلطاب‪.)3()2(»..‬‬
‫لقد حبث الكاتب موضوعات احلجاب واشتغال املرأة بالشؤون العامة وتعدد‬
‫الزوجات والطالق‪ ،‬ووظف ملا ذهب إليه آيات قرآنية توظيفا غري سليم؛ وتلخص‬
‫منهجه يف حماولة التوفيق بني اإلسالم وبني مذاهب الغربيني يف مرحلة أوىل‪ ،‬وعندما‬
‫ُجوبِهَ الكتاب وصاحبه مبعارضة شديدة‪ ،‬انتقل الكاتب إىل مرحلة ثانية أكثر جراءة‬
‫كشفت عن منطلقاته وأهدافه‪ .‬ففي كتابه الالحق «املرأة اجلديدة»(‪ )4‬ظهر أثر الفكر‬
‫الغريب واضحا؛ حيث دعا إىل التزام مناهج البحث األوربية احلديثة اليت ترفض‬
‫املسلمات العقدية السابقة‪ ،‬سواء أكان مصدرها الدين السماوي أم غريه‪ ،‬وال تعرتف‬

‫‪ -‬النور ‪. 31 – 30‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬االجتاهات الوطنية يف األدب املعاصر‪.1/295 .‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬جاء يف تفسري اآلية ‪ ‬وال يبدين زينتهن‪ :  F...‬الزينة ما تزينت به املرأة من حلي ‪ ،‬أو‬ ‫‪3‬‬

‫كحل أو خضاب ‪ ،‬واملعىن ‪ :‬وال يظهرن مواضع الزينة؛ إذ إظهار عني الزينة – وهي احللي‬
‫وحنوها – مباح ‪ ،‬فاملراد هبا مواضعها ‪ ،‬أو إظهارها وهي يف مواضعها إلظهار مواضعها ال‬
‫إلظهار أعياهنا ‪ .‬ومواضعها ‪ :‬الرأس‪ ،‬واألذن‪ ،‬والعنق‪ ،‬والصدر‪ ،‬والعضدان‪ ،‬والذراع‪،‬‬
‫والساق‪ ...‬تفسري النسفي ‪. 2/500‬‬
‫‪ -‬ظهر هذا الكتاب سنة واحدة بعد صدور كتاب «حترير املرأة» ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪250‬‬
‫إال مبا ثبت بدليل من جتربة أو واقع‪ ،‬وهو ما يدعى «األسلوب العلمي» الذي يُنسب‬
‫(‪)1‬‬
‫إىل باحثي االجتماع األوربيني‪.‬‬
‫إن املنهج العلمي قد يكون حمل اتفاق وذلك يف العلوم التجريبية كالطبيعة‬
‫والرياضيات والكيمياء والفيزياء واهلندسة والطب… أما العلوم اإلنسانية اليت تبحث‬
‫يف أسرار النفس البشرية والعالقات االجتماعية والقيم اخللقية‪ ،‬فال يتصور فيها وجود‬
‫منهج موحد‪ ،‬بل إن علماء الغرب أنفسهم مل يتفقوا على منهج واحد لدراسة‬
‫اإلنسان وما يتعلق به من جوانب نفسية وفكرية وخلقية‪.‬‬
‫ولعل من هذه الدراسات ما هو مسخر خلدمة أفكار ونظريات رمبا كان من أوىل‬
‫(‪)2‬‬
‫أسسها حماربة الدين وهدم القيم واملبادئ اخللقية‪.‬‬
‫وهذا ما اتبعه قاسم أمني يف منهجه امللتوي ‪ ،‬وأراد أن يظهر مبظهر جمدد العصر‬
‫الذي تلمس مكمن الداء واضعا يده على اجلرح‪ ،‬بالرغم من أنه مل يكن يوما ممن‬
‫اشتغلوا بالفقه وال بأصوله‪ ،‬ومل ميلك أدوات االستنباط اليت تؤهله لولوج ميــدان‬
‫(‪)3‬‬
‫االجتهاد‪ .‬ولذلك فإن ما أورده من أدلة ‪ -‬سواء أكانت نصوصاً قرآنيةً أم تارخييةً‬
‫أم عقليةً – تعامل معه تعامالً موجهاً خلدمة أفكاره املسبقة حتت ذريعة فتح باب‬
‫االجتهاد للنهوض باجملتمعات اإلسالمية‪.‬‬
‫وهو – على الرغم من أنه كان يوظف بعض حقائق الواقع يف تشخيص أحوال‬
‫األمة وما تعانيه من أمراض ‪ -‬فإنه ال يلبث أن يعرب عن مقصده؛ إذ يدعو صراحةً‬
‫– ويف افتتان شديد – إىل األخذ باحلضارة الغربية وأساليبها‪ .‬فبعد أن رد سبب‬

‫‪ -‬االجتاهات الوطنية يف األدب املعاصر ‪. 1/302 .‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬كما هو الشأن يف الفلسفات اإلحلادية اليت وجدت هلا منظرين كباراً كان هلم أثر كبري يف‬ ‫‪2‬‬

‫ساحة الفكر والسياسة؛ فقامت على أفكارهم ومبادئهم تنظيمات استطاعت أن تصل إىل احلكم‬
‫وتؤسس دوال كربى‪ .‬مثل هيجل وماركس ولينني‪ ...‬وغريهم ‪.‬‬
‫‪ -‬املعروف عن قاسم أمني أنه ليس ذا إملام بالعلوم اإلسالمية‪ ،‬حىت إنه شاع نسبة كتاب «حترير‬ ‫‪3‬‬

‫املرأة» إىل أستاذه حممد عبده‪ .‬االجتاهات الوطنية يف األدب املعاصر ‪ . 1/301‬والذي أراه أن‬
‫املقصود بنسبة الكتاب هنا إىل أستاذه حممد عبده‪ ،‬هو نسبة ما جاء فيه من أفكار على العموم؛‬
‫ألنه مل يُعرف عن اإلمام حممد عبده كل هذا الشطط يف خمالفة النصوص الصرحية وِِإ ْن أخذ عليه‬
‫البعض منهجه يف تفسريه لكثري من اآليات القرآنية ‪.‬‬

‫‪251‬‬
‫اإلعجاب الشديد باملاضي إىل الشعور بالضعف والعجز‪ ،‬قال ‪ « :‬هذا هو الداء الذي‬
‫يلزم أن نبادر إىل عالجه وليس له دواء إال أننا نريب أوالدنا على أن يتعرفوا على‬
‫شؤون املدنية الغربية‪ ،‬ويقفوا على أصوهلا وفروعها وآثارها‪ .‬إذا أتى ذلك احلني –‬
‫ونرجو أال يكون بعيدا – اجنلت احلقيقة أمام أعيننا ساطعة سطوع الشمس وعرفنا‬
‫قيمة التمدن الغريب وتيقنا أنه من املستحيل أن يتم إصالح ما يف أحوالنا إذا مل يكن‬
‫مؤسسا على العلوم العصرية احلديثة‪ ،‬وأن أحوال اإلنسان مهما اختلفت ‪ -‬ماديةً‬
‫كانت أو أدبيةً ‪ -‬خاضعة لسلطة العلم؛ هلذا نرى أن األمم املتمدنة ‪ -‬على اختالفها‬
‫يف اجلنس واللغة والوطن والدين ‪ -‬متشاهبة تشاهباً عظيماً يف شكل حكومتها وإدارهتا‬
‫وحماكمها ونظام عائلتها وطرق تربيتها ولغاهتا وكتابتها ومبانيها وطرقها‪ ،‬بل يف كثري‬
‫من العادات البسيطة كامللبس والتحية واألكل‪ .‬هذا هو الذي جعلنا نضرب األمثال‬
‫(‪)1‬‬
‫باألوربيني ونشيد بتقليدهم‪ ،‬ومحلنا على أن نستلفت األنظار إىل املرأة األوربية »‪.‬‬
‫إن الثورة اليت دعا إليها قاسم أمني مل تقتصر على ميدان االجتماع‪ ،‬بل مشلت‬
‫جماالت كثريةً أمهها األدب واللغة؛ فقد كان من الداعني إىل كتابة اآلداب باللهجات‬
‫العامية‪ ،‬وال خيفى ما يف هذه الدعوة من حماربة للغة القرآن اليت أراد ألصحاهبا أن‬
‫ينسلخوا منها كما انسلخت األمم األوربية احلديثة عن لغتها األم ( الالتينية ) ‪.‬‬
‫وحماربة لغة القرآن الكرمي موقف عدائي ضد اإلسالم نفسه؛ ألن الوسيلة‬
‫الضرورية لفهم هذا الدين ومعرفة أحكامه وما ارتبط به من علوم‪ ،‬إمنا هي اللغة‬
‫العربية الفصيحة كما نزل هبا القرآن الكرمي على خامت األنبياء عليه أفضل الصالة وأمت‬
‫التسليم‪.‬‬
‫إن إيراد قاسم أمني أمنوذجا من النماذج العلمانية اليت رفعت شعار التجديد‬
‫وزعمت امتالك منهج لالجتهاد بالرغم من أنه ليس فقيها وال عاملا بعلوم الشريعة؛‬
‫إمنا كان بسبب الدور الطليعي الذي مثله منذ بداية القرن املاضي يف حركة التغريب‬
‫وهدم أركان الشريعة بااللتفاف اخلطري على النصوص وتأويلها تأويالً يفرغها من‬
‫معاين أحكامها الصحيحة الصرحية‪.‬‬

‫‪« -‬املرأة اجلديدة لقاسم أمني(‪ ، » )186-185‬نقال عن االجتاهات الوطنية يف األدب‬ ‫‪1‬‬

‫املعاصر ‪. 1/310 ،‬‬

‫‪252‬‬
‫‪ – 2‬طـه حسين ‪:‬‬
‫يُعد طه حسني أمنوذجاً ممثالً لفئة كبرية من العلمانيني سارت على خطاه وحذت‬
‫حـذوه يف الدعوة إىل التجديد إىل حد االنقالب على ما تعارف عليه األصوليون‬
‫والفقهاء من أجبديات العقيدة وبدهيات الشريعة‪.‬‬
‫والذي يقرأ مصنفات طه حسني يتبني لـه املسار الفكري الذي اختاره هو وأمثاله؛‬
‫ذلك أن الرجل بدأ مرحلته األوىل مبهامجة اإلسالم مهامجةً سافر ًة‪ ،‬حماوالً التشكيك يف‬
‫أصوله ونصوصه من خالل كتابه يف «الشعر اجلاهلي» الذي أثار ضجةً كبريةً وغضباً‬
‫متعددة كشفت عن هتافت الكتاب وبطـالن‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ردودا‬ ‫عـامـًا استتبع‬
‫(‪)1‬‬
‫دعاوي ـه‪.‬‬
‫ونظرا لقوة الضجة اليت أثارها الكتاب واملصري الذي انتهى إليه (‪ ،)2‬جلأ الكاتب‬
‫إىل تغيري طفيف يف الرتتيب واألسلوب حبذف بعض العبارات اليت حتمل كفراً صرحياً‬
‫وهجوماً مباشراً على اإلسالم‪ ،‬مث أصدر كتاباً «يف األدب اجلاهلي»‪ ،‬لكنه مل خيل ‪-‬‬
‫بدوره – من طعن ودس للسموم‪.‬‬
‫ويف الكتابني‪ ،‬أو على األصح يف الكتاب األول والنسخة املعدلة منه دارت أهم‬
‫(‪)3‬‬
‫املطاعن حول حمور أساس متثل يف إنكار الوحي والقول ببشرية القرآن‪.‬‬
‫ومن أهم ما تضمنه كتاب «يف الشعر اجلاهلي» من إنكار صريح ملا جاء به‬
‫الوحي‪:‬‬
‫‪ – 1‬طعن طه حسين في الدين اإلسالمي بتكذيبه لما أخبر به القرآن الكريم؛‬
‫وذلك بإنكاره الوجود التارخيي إلبراهيم وإمساعيل عليهما السالم‪ ،‬حيث يقول‪« :‬‬
‫‪ -‬من أهم الردود عليه ‪« :‬حتت راية القرآن» أو «املعركة بني القدمي واجلديد»‪ ،‬ملصطفى صادق‬ ‫‪1‬‬

‫الرافعي‪ ،‬و«نقض كتاب يف الشعر اجلاهلي» حملمد اخلضر حسني‪ ،‬و«حماضرات يف بيان األخطاء‬
‫العلمية اليت اشتمل عليها يف كتاب الشعر اجلاهلي» للشيخ حممد اخلضري ‪ ،‬و «الشهاب‬
‫الراصد» حملمد لطفي مجعة ‪F...‬‬
‫‪ -‬أحيل الكاتب والكتاب إىل احملكمة ‪ ،‬وصدر احلكم مبصادرة الكتاب وطرد الكاتب من‬ ‫‪2‬‬

‫اجلامعة اليت كان يتوىل فيها عمادة كلية اآلداب‪.‬‬


‫‪ -‬الفكر اإلسالمي احلديث وصلته باالستعمار الغريب ‪ ،‬حممد البهي ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬مكتبة وهبة ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫ط‪1411( . 12 :‬هـ‪1991/‬م) ‪ .‬ص ‪. 195-177‬‬

‫‪253‬‬
‫للتوراة أن حيدثنا عن إبراهيم وإمساعيل‪ ،‬وللقرآن أن حيدثنا عنهما أيضا‪ ،‬ولكن ورود‬
‫هذين االمسني يف التوراة والقرآن ال يكفي إلثبات وجودمها التارخيي‪ ،‬فضال عن إثبات‬
‫هذه القصة اليت حتدثنا هبجرة إمساعيل بن إبراهيم إىل مكة » (‪. )1‬‬
‫‪ - 2‬ذهابه إلى أن المسلمين ربطوا بين اإلسالم من جهة ودين إبراهيم من جهة‬
‫ثانية كي يثبتوا أولية اإلسالم في الحجاز‪ ،‬وكي يوجدوا له جذورا يف املنطقة‪،‬‬
‫يقول‪ « :‬أما املسلمون‪ ،‬فقد أرادوا أن يثبتوا لإلسالم أوليةً يف بالد العرب كانت قبل‬
‫أن يبعث النيب [ صلى اهلل عليه وسلم ] وأن خالصة الدين وصفوته هي خالصة‬
‫الدين احلق الذي أوحاه اهلل إىل األنبياء من قبل » (‪. )2‬‬
‫‪ – 3‬ذهابه إلى تفسيرات مخالفة لما تفيده اآليات الصريحة؛ فقد زعم أن مودة‬
‫النصارى للمسلمني ليس سببها أن منهم قسيسني ورهباناً كما جاء يف اآلية‬
‫الكرمية(‪ ،)3‬وإمنا مرجعها – كما ادعى – قلة احتكاك املسلمني بالنصارى النعدام‬
‫وجودهم حول املدينة املنورة مركز الدولة اإلسالمية األوىل ‪ « :‬وأما نصرانية‬
‫النصارى‪ ،‬فلم يكن معارضتها اإلسالم إبان حياة النيب [ صلى اهلل عليه وسلم ] قوية‬
‫قوة املعارضة الوثنية اليهودية‪ ...‬ملاذا؟ ؛ ألن البيئة اليت ظهر فيها النيب [ صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ] مل تكن بيئةً نصرانيةً‪ ،‬إمنا كانت وثنيةً يف مكة ويهوديةً يف املدينة‪ ،‬ولو ظهر‬
‫النيب [ صلى اهلل عليه وسلم ] يف احلرية أو جنران للقي من نصارى هاتني املدينتني ما‬
‫لقي من مشركي مكة ويهود املدينة » (‪. )4‬‬
‫‪ – 4‬وضعه القرآن الكريم مع التاريخ واألساطير في صف واحد بصفتها املصادر‬
‫املوثوقة للحياة اجلاهلية؛ يقول يف هذا السياق ‪ « :‬وإن العصر اجلاهلي القريب من‬

‫‪ « -‬يف الشعر اجلاهلي لطه حسني ص ‪ ،» 26‬نقال عن كتاب‪ :‬طه حسني بني الشك‬ ‫‪1‬‬

‫واالعتقاد‪ ،‬كامل حممد حممد عويضة‪ .‬بيـروت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ .‬ط‪1414( .1 :‬هـ ‪/‬‬
‫‪1994‬م) ‪ .‬ص ‪82‬؛ واالجتاهات الوطنية يف األدب املعاصر ‪.2/299‬‬
‫‪ -‬طه حسني بني الشك واالعتقاد ص ‪. 83‬‬ ‫‪2‬‬

‫صا َرى َذلِكَ بَِأ َّن‬


‫‪ -‬قوله تعاىل ‪َ  :‬ولَت َِجد ََّن َأ ْق َربَهُ ْم َم َو َّدةً لِلَّ ِذينَ آ َمنُوا الَّ ِذينَ قَالُوا ِإنَّا نَ َ‬ ‫‪3‬‬

‫ِّيسينَ َو ُر ْهبَانا ً َوَأنَّهُ ْم ال يَ ْستَ ْكبِرُونَ ‪( ‬املائدة‪ :‬من اآلية‪)82‬‬ ‫ِم ْنهُ ْم قِس ِ‬
‫‪ -‬طه حسني بني الشك واالعتقاد ‪ .‬ص ‪. 91‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪254‬‬
‫قويا بشرط أال نعتمد على الشعر‪،‬‬
‫واضحا ً‬
‫ً‬ ‫اإلسالم مل يضع‪ ،‬وإنَّا نستطيع أن نتصوره‬
‫بل على القرآن من ناحية والتاريخ واألساطري من ناحية أخرى » (‪. )1‬‬
‫‪ – 5‬تشكيكه الخطير في األحكام السابقة عن الشعر الجاهلي من خالل ادعائه‬
‫أنه شعر منتحل ومصطنع ألسباب تتعلق بالدين والشعوبية واختالف الرواة (‪)2‬؛ فما‬
‫نقل عن فحول شعراء اجلاهلية يقول عنه طه حسني ‪ « :‬إمنا هو انتحال الرواة أو‬
‫اختالق الأعراب‪ ،‬أو صنعة النحاة‪ ،‬أو تكلف القصاص‪ ،‬أو اخرتاع املفسرين واحملدثني‬
‫واملتكلمني » (‪. )3‬‬
‫وإذا كان كثريون قد تولوا الرد على مزاعم طه حسني يف كتابه عن الشعر‬
‫اجلاهلي؛ فإنه ال يفوت يف هذا املقام اإلشارة إىل أكرب خلل منهجي وقع فيه‪ .‬ذلك أنه‬
‫ينطلق يف حبثه من فروض هي جمرد ختيل قائم على احلدس والظن‪ ،‬غري أنه يسري يف‬
‫حبثه وكأن هذه الفروض قد ثبتت صحتها وسلّم هبا حقيقة‪ ،‬مث يقفز إىل استنتاجات‬
‫يعدها نتائج علمية؛ مثال ذلك ‪ :‬افرتاضه أن ما ُروي عن ابن عباس من حفظ الشعر‬
‫القدمي واالستشهاد به يف معرض تفسري القرآن الكرمي‪ ،‬إمنا هو جمرد اخرتاع ُوضع‬
‫للربهنة على أن ألفاظ القرآن الكرمي كلها مطابقة للفصيح من لغة العرب – وال خيفى‬
‫ما يف هذا الزعم من بطالن ‪ ، -‬أو أنه اخرتاع ُوضع إلثبات أن ابن عباس كان من‬
‫أحفظ الناس لكالم العرب اجلاهليني‪ ،‬وعليه فإن إثبات قوة الذاكرة البن عباس خيدم‬
‫أهداف الشيعة السياسية؛ ألن ابن عباس كان يشهد بأن عليا أقوى منه ذاكرة‪.‬‬
‫وهذه الفروض اليت ليس هلا أي أساس علمي أو تارخيي‪ ،‬يبدأ صياغتها‪ -‬غالبا ‪-‬‬
‫على حنو ‪:‬‬
‫‪« -‬أليس من املمكن أن تكون قصة ابن عباس قد اخرتعت لكذا وكذا من‬
‫األسباب »‪.‬‬

‫‪ « -‬يف الشعر اجلاهلي » ‪ ،‬نقال عن الفكر اإلسالمي املعاصر دراسة وتقومي ‪ ،‬غازي التوبة ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫بريوت ‪ ،‬دار القلم ‪ .‬ط‪1977( . 7 :‬م) ص ‪. 87‬‬


‫‪ « -‬يف الشعر اجلاهلي » ‪ ،‬نقال عن ‪ :‬املاركسالمية والقرآن ‪ ،‬حممد صياح املعراوي ‪ .‬ص ‪26‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪.‬‬
‫‪ -‬م س ‪ .‬ص ‪. 26‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪255‬‬
‫‪« -‬أليس من املمكن أن ‪»...‬‬
‫‪« -‬لعل ‪»...‬‬
‫‪« -‬أكاد أعتقد ‪»...‬‬
‫هذه الفروض حيوهلا طه حسني بـ«لعل» و بـ«أليس من املمكن» من حمض افرتاضات‬
‫واحتماالت بعيدة إىل نظريات ثابتة ونتائج علمية مؤكدة؛ حيث ينتهي إىل القول ‪:‬‬
‫« ولكننا حمتاجون بعد أن ثبتت هذه النظرية (؟!) أن نتبني األسباب املختلفة اليت‬
‫محلت الناس على وضع الشعر وانتحاله بعد اإلسالم » (‪ . )1‬وال جيد الباحث أي سند‬
‫علمي يفيد ثبوهتا‪.‬‬
‫إن خطورة دعاوى طه حسني حول الشعر اجلاهلي ال تقف عند حد الشعر‬
‫اجلاهلي نفسه‪ ،‬ولو كان األمر كذلك لكان هيِّناً‪ ،‬ولكن َم ْك َمن اخلطر أن املسألة متس‬
‫النص اإلهلي املوحى به إىل الرسول صلى اهلل عليه وسلم ؛ إذ حتيله إىل نص بال دليل‬
‫(‪)2‬‬
‫من لغة العرب يدل عليه ويصدق إعجازه‪.‬‬
‫ذلك أن النص القرآين ‪ -‬عندما نزل ‪ -‬كانت العرب قد وصلت إىل قمة‬
‫الفصاحة والبيان‪ ،‬فنـزل هذا النص ليعجزهم عن أن يأتوا مبثله أو بأقل سورة منه‪ .‬قال‬
‫تعاىل‪:‬‬
‫س َو ٍر ِم ْثلِ ِه ُم ْفتَ َريَا ٍ‬
‫ت َوا ْدعُوا‬ ‫ون ا ْفتَ َراهُ قُ ْل فَْأتُوا بِ َع ْ‬
‫ش ِر ُ‬ ‫‪َ  -‬أ ْم يَقُولُ َ_‬
‫‪.‬‬ ‫ين ‪‬‬ ‫ستَطَ ْعتُ ْم ِمنْ د ِ‬
‫ُون هَّللا ِ ِإنْ ُك ْنتُ ْم َ‬
‫(‪)3‬‬
‫صا ِدقِ َ‬ ‫َم ِن ا ْ‬
‫ور ٍة ِّمنْ ِم ْثلِ ِه‬
‫س َ‬‫ب ِم َّما نَ َّز ْلنَا َعلَى َع ْب ِدنَا فَْأتُوا بِ ُ‬‫‪َ ‬وِإنْ ُك ْنتُ ْم فِي َر ْي ٍ‬ ‫‪-‬‬
‫ين ‪. )4( ‬‬ ‫صا ِدقِ َ‬‫ُون هَّللا ِ ِإنْ ُك ْنتُ ْم َ‬
‫ش َه َدا َء ُك ْم ِمنْ د ِ‬
‫َوا ْدعُوا ُ‬
‫ور ٍة ِم ْثلِـــــــــــــــــ ِه َوا ْدعُوا َم ِن‬
‫س َ‬‫ون ا ْفت ََراهُ قُ ْل فَْأتُوا بِ ُ‬
‫‪َ ‬أ ْم يَقُولُ َ_‬ ‫‪-‬‬
‫ستَطَ ْعتُ ْم ِمنْ‬
‫ا ْ‬
‫ين ‪. )5( ‬‬ ‫ُون هَّللا ِ ِإنْ ُك ْنتُ ْم َ‬
‫صا ِدقِ َ‬ ‫د ِ‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -‬االجتاهات الوطنية يف األدب املعاصر ‪. 301 -2/300 .‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬املاركسالمية والقرآن ‪ ،‬املعراوي ‪.‬ص ‪. 304‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬هود ‪. 13‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬البقرة ‪. 23‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬يونس ‪. 38‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪256‬‬
‫والرقي اللغوي الذي وصله العرب ‪ -‬فصاحةً وبياناً ‪ ،-‬جله كان شعراً ال نثراً‪،‬‬
‫فلم ختل قبيلة ‪ -‬من قبائل العرب ‪ -‬من شاعر أو شعراء يتبارون يف نظم أبلغ شعر‬
‫وأعذبه‪ ،‬وكفى الشعر تأثرياً أن بيتا أو بضع أبيات منه كانت كفيلةً بالرفع من شأن‬
‫قبيلة كلها أو احلط منها‪ ،‬بل كانت سببا كافيا إلشعال نار احلرب أو إطفائها‪.‬‬
‫وهذه العناية البالغة بالشعر ‪ -‬يف عصر ما قبل اإلسالم ‪ -‬شاه ٌد على حفظ اللغة‬
‫أوالً‪ ،‬وبرهان على مستوى السمو والرقي الذي وصل إليه العرب هبا ثانياً‪.‬‬
‫ودعوى طه حسني إنكار الشعر اجلاهلي ال يؤدي إال إىل نتيجة واحدة – كما‬
‫يقول أحد الباحثني ‪ « : -‬هو نزول النص اإلهلي يف أمة ال شاهد هلا على فصاحة‬
‫لغتها وإبانة لساهنا؛ مما جيعل آيات كثريةً من النص عرضةً للتقول بأهنا غري ذات‬
‫موضوع؛ ألهنا أتت تتحدى العرب بفصاحة لغتهم وبالغتها‪ ،‬ويف إنكار الشعر‬
‫اجلاهلي – الذي أودع لغة العرب فحفظها هلم – يصبح موضوع التحدي غري قائم‬
‫أصالً‪.)1(»...‬‬
‫هذه هي النتيجة اخلطرية اليت ترتتب على ما ادعاه طه حسني‪ :‬حتويل لغة النص‬
‫اإلهلي إىل لغة ال دليل على أهنا لسان عريب مبني إال النص نفسه؛ مما يفتح اجملال –‬
‫واسعاً ‪ -‬أمام املنكرين للنص وقدسيته ليتقولوا عليه وعلى لغته الرصينة ما شاءوا من‬
‫تقول وافرتاء‪.‬‬
‫ومع أن دعاوى طه حسني قد حوصرت يف مهدها بردود كثرية‪ ،‬فإن تداعياهتا مل‬
‫ختتف متاما؛ فقد مثلت أمنوذجاً لكثري ممن جاءوا بعده وحاولوا الظهور مبظهر اجملتهد‬
‫اجملدد كذلك‪ ،‬وهم ‪ -‬يف حقيقتهم ‪ -‬مل يتجاوزوا تقليد أرباب االستشراق الذين مل‬
‫يأل كثري منهم جهداً للطعن يف اإلسالم وحقائقه الكربى‪.‬‬
‫إن طه حسني وقاسم أمني وغريمها ممن ساروا على هنجيهما مل يضيفوا شيئا أكثر‬
‫من ترديدهم آلراء كبار أساتذهتم املستشرقني‪ ،‬وقد كفى بعض الباحثني مؤونة‬
‫البحث والتقصي يف هذه املسألة بتحقيق املرجع األصلي لكل الدعاوى اخلطرية من‬

‫‪ -‬املاركسالمية ‪ ،‬املعراوي ‪ .‬ص ‪. 305‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪257‬‬
‫مثل دعوى إنكار الشعر اجلاهلي‪ ،‬حيث عقدوا مقارنات بني آراء األستاذ املستشرق‬
‫– املتقدمة زمنا طبعا – وبني صدى هذه اآلراء لدى التلميذ املقلد‪.‬‬
‫والنتيجة اليت انتهت إليها املقارنات هي أن ما زعمه طه حسني حول الشعر‬
‫اجلاهلي إمنا هو إعادة صياغة لرأي(‪ )1‬املستشرق مرجليوت (‪ ، )2‬وأن ما أراد أن يصل‬
‫(‪)4()3‬‬
‫إليه من فكرة بشرية القرآن إمنا هو استنساخ لرأي املستشرق اإلجنليزي جب‪.‬‬

‫‪ -‬فرض (مرجليوت) عن الشعر اجلاهلي ظهر يف سنة (‪1925‬م) يف إحدى اجملالت‬ ‫‪1‬‬

‫االستشراقية‪ ،‬ويف سنة (‪1926‬م) نشر طه حسني كتابه املشهور «يف الشعر اجلاهلي»‪.‬‬
‫‪ -‬مرجليوت ‪ :‬دافيد صمويل مرجليوت ( ‪1940 – 1858‬م)‪(.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ :) D.S.MARGOLIOUTH‬درس بأكسفورد اآلداب الكالسيكية مث اللغات السامية‪ ،‬وعُنِّي‬


‫أستاذاً هبا سنة (‪1889‬م)‪ .‬له عدة مؤلفات عن اإلسالم‪ ،‬مثل‪« :‬حممد واإلسالم»‪ ،‬و«اإلسالم»‪.‬‬
‫لكن متيزت دراساته بالتعصب والبعد عن املعايري العلمية مما أثار عليه سخطا كبريا عند املسلمني‪،‬‬
‫بل حىت عند بعض املستشرقني‪ .‬من أعماله‪ :‬نشر كتاب «معجم األدباء» لياقوت‪ ،‬و«رسائل أيب‬
‫العالء»‪ ،‬و«نشوار احملاضرة» للتنوخي‪ .‬موسوعة املستشرقني ‪ ،‬عبد الرمحن بدوي‪ .‬بريوت‪ ،‬دار‬
‫العلم للماليني‪.‬ط‪1984( 1:‬م) ص ‪. 379‬‬
‫‪ -‬هاملتون ألكسندر جب (‪1971 – 1895‬م) (‪HAMILTON ALEXANDER GIIB‬‬ ‫‪3‬‬

‫) ‪ :‬مستشرق إجنليزي‪ ،‬ولد يف اإلسكندرية مبصر‪ ،‬وتلقى تعليمه يف اسكتلنده‪ .‬ختصص يف‬
‫اللغات السامية‪ ،‬وبعد وفاة سري توماس أرلوند سنة (‪1930‬م) خلفه على كرسي اللغة العربية يف‬
‫جامعة لندن وعلى التحرير يف دائرة املعارف اإلسالمية‪ .‬مث يف سنة ‪ 1957‬توىل إدارة مركز‬
‫دراسات الشرق األوسط يف جامعة هارفرد يف الواليات املتحدة األمريكية‪ .‬نال جب شهرة‬
‫تفوق قيمته العلمية ألسباب بعيدة عن العلم‪ .‬وقد توزع إنتاجه بني األدب العريب واألفكار‬
‫السياسية الدينية يف اإلسالم‪ .‬من مؤلفاته‪« :‬فتوح العرب يف آسيا الوسطى»‪« ،‬ترمجة تاريخ‬
‫دمشق البن القالنيسي» إىل اإلجنليزية‪« ،‬احملمدية»‪« ،‬االجتاهات احلديثة يف اإلسالم» ‪ .‬م س ‪.‬‬
‫ص ‪. 105‬‬
‫‪ -‬فصول يف فقه العربية‪ ،‬رمضان عبد التواب‪ .‬القاهرة‪ ،‬مكتبة اخلاجني‪ .‬ط‪1420( .6 :‬هـ‪/‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪1999‬م)‪ .‬ص ‪68-64‬؛ و املاركسالمية والقرآن ‪ ،‬املعراوي ‪ .‬ص ‪ 29‬؛ والفكر اإلسالمي‬
‫احلديث وصلته باالستعمار الغريب ص ‪. 177‬‬

‫‪258‬‬
259
‫المبحث الرابع‬
‫حسن حنفي أنموذجاًـ معاصراً‬
‫حسن حنفي(‪ )1‬أمنوذج آخر من النماذج اليت ميكن تصنيفها يف سياق االجتاه‬
‫العلماين وإ ْن كان له ما مييزه عن كثري من العلمانيني‪ ،‬فالرجل مطلع على الفلسفة‬
‫الغربية قدميها وحديثها‪ ،‬ومطلع على جماالت معرفية إسالمية متعددة‪ ،‬وقد نقد كثرياً‬
‫من رواد االجتاه العلماين الذين استعاروا مناهج الغرب وأدواته يف دراسة الرتاث‬
‫وحتليله(‪ ، )2‬غري أنه وقع يف أخطر مما نقد فيه غريه عندما قدم مشروعه الفكري‬
‫الضخم وقصد به قراءة الرتاث قراء ًة جديد ًة سعياً إلعادة بنائه يف ضوء هذه القراءة‬
‫وهو ما مسَّاه‪ « :‬الرتاث والتجديد » ‪.‬‬
‫مشروع « الرتاث والتجديد » يتجه إىل ثالثة جبهات – كما عرَّب عنه صاحبه ‪:‬‬
‫‪ -‬الجبهة األولى ‪:‬‬
‫وتتضمن املوقف من الرتاث القدمي وحماولة إعادة بنائه طبقاً لظروف العصر‪،‬‬
‫وتأيت هذه اجلبهة يف سبعة أجزاء ‪:‬‬
‫الجزء األول ‪ :‬تناول فيه علم أصول الفقه من خالل أطروحته « مناهج‬ ‫‪‬‬
‫التأويل يف أصول الفقه »‪ ،‬ويهدف فيها – كما يقول – إىل بناء علم‬
‫أصول الفقه من جديد‪.‬‬

‫‪ -‬حسن حنفي ‪ :‬من مواليد (‪1935‬م) مبصر‪ ،‬مفكر ماركسي‪ ،‬درس يف القاهرة مث غادر إىل‬ ‫‪1‬‬

‫فرنسا ملواصلة الدكتوراه يف الفلسفة وأعد أطروحته حول أصول الفقه «مناهج التأويل يف علم‬
‫أصول الفقه» ‪ ،‬مث كتب رسالته الثانية يف الفكر األوريب «تفسري الظاهريات» و«ظاهريات‬
‫زائرا يف الواليات‬
‫أستاذا ً‬
‫ً‬ ‫التفسري»‪ ،‬مث عاد بعد ذلك أستاذا باجلامعة يف سنة ‪1967‬م‪ ،‬وانتقل‬
‫املتحدة األمريكية حيث بدأ كتابة مؤلفه« من العقيدة إىل الثورة » ‪ ،‬وقد تعرف على الفلسفة‬
‫اليهودية واإلجنليزية ‪ .‬تنقل يف عدة بلدان من العامل مدرساً وحماضراً‪ ،‬ولديه مشروع فكري‬
‫إصالحي ضخم أطلق عليه « الرتاث والتجديد » ‪ .‬ال يزال مرتبطا مبؤسسات علمية وجامعية‬
‫مثل‪« :‬اجلمعية الفلسفية املصرية» ‪ .‬الفكر اإلسالمي املعاصر مراجعات تقوميية ( حوار مع حسن‬
‫حنفي بعنوان "الرتاث والتجديد") حترير وحوار‪ :‬عبد اجلبار الرفاعي ‪ .‬دمشق ‪ ،‬دار الفكر ‪ .‬ط‪:‬‬
‫‪1421( . 1‬هـ‪2000/‬م) ‪ .‬ص ‪.213‬‬
‫‪ -‬الرتاث والتجديد ‪ ،‬حسن حنفي ‪ .‬ص ‪. 25‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪260‬‬
‫الجزء الثاني ‪ :‬وقد جاء متضمنا يف كتابه « من العقيدة إىل الثورة »‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫وحاول به – كما يقول طبعا – إعادة بناء علم أصول الدين‪.‬‬
‫الجزء الثالث ‪ :‬يف مشروع « من النقل إىل اإلبداع » إلعادة بناء علوم‬ ‫‪‬‬
‫احلكمة‪.‬‬
‫الجزء الرابع ‪ :‬يف مشروع « من الفناء إىل البقاء » إلعادة بناء علوم‬ ‫‪‬‬
‫التصوف ‪.‬‬
‫الجزء الخامس ‪ :‬يف مشروع « من النقل إىل العقل » إلعادة بناء الع‪FF‬لوم‬ ‫‪‬‬
‫النقلية املرتبطة بالقرآن‪ ،‬واحلديث‪ ،‬والتفسري‪ ،‬والسرية‪ ،‬والفقه‪.‬‬
‫الجزء السادس ‪ :‬يف مشروع « الوحي والعقل والطبيعة » إلعادة بناء‬ ‫‪‬‬
‫العلوم الرياضية والطبيعية ‪ :‬احلساب‪ ،‬واجلرب‪ ،‬واهلندسة‪...‬‬
‫الجزء السابع ‪ :‬يف مشروع « اإلنسان والتاريخ » إلعادة بناء العلوم‬ ‫‪‬‬
‫اإلنسانية‪ :‬اللغة‪ ،‬واألدب‪ ،‬واجلغرافية‪ ،‬والتاريخ‪.‬‬
‫‪ -‬الجبهة الثانية ‪:‬‬
‫وقد خصصها للموقف من الرتاث الغريب‪ « :‬من أجل حترر األنا من الوقوع يف‬
‫تقليد الغرب بعد أن حتررت من تقليد القدماء‪...)1( »...‬‬
‫‪ -‬الجبهة الثالثة واألخيرة ‪:‬‬
‫حيدد فيها املوقف من الواقع‪ ،‬أو يقدم نظريةً للتفسري حياول فيها –كما يقول‪: -‬‬
‫مباشرا دون قراءته من خالل نص مدون سواء كان من‬‫ً‬ ‫« أن ينظر الواقع ً‬
‫تنظريا‬
‫القدماء أم من الغرب احلديث‪...‬فليس املهم قراءة نص قدمي بل إبداع نص‬
‫جديد»(‪.)2‬‬
‫هذا هو جممل املشروع(‪ )3‬الفكري كما وضحه واضعه نفسه الذي يصفه بأنه‬
‫مشروع كلي خيتلف عن مشاريع عصر النهضة منذ القرن املاضي الشتماله على كل‬
‫عناصره؛ إذ يتضمن الرتاث القدمي والرتاث الغريب والواقع املباشر‪ ،‬ويتناول – كما‬
‫‪ -‬الفكر اإلسالمي املعاصر (حوار مع حسن حنفي) ‪ ،‬عبد اجلبار الرفاعي ‪ .‬ص ‪. 220‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬مس‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ُ -‬أجنز من هذا املشروع عدة أقسام وال زال صاحبه يواصل إجناز ما تبقى منه‪ .‬م س‪.219 .‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪261‬‬
‫يقول ‪ « : -‬الفكر اإلسالمي املعاصر كله جبهاته وتياراته ورواده يف مشروع واحد‬
‫كبري يعتمد على األصول وجيتهد يف الفصول والفروع‪ ،‬ويطوره من منظور كلي‬
‫واحد يف نظرة شاملة للمرحلة الراهنة اليت متر هبا األمة »(‪. )1‬‬
‫وخيتلف هذا املشروع – كما يقول صاحبه – عن غريه من املشاريع املعاصرة يف‬
‫أنه مل يتنب مشروعاً غربياً وال فلسفةً غربيةً مث يقرأ الرتاث القدمي من خالهلا كما هو‬
‫يف املاركسية العربية أو الوجودية العربية (‪ ...)2‬وهذا ما يعيبه على كثري من املفكرين‬
‫املعاصرين؛ ألن فيه عيبني رئيسني ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬اجتزاء املنهج أو املذهب الغريب خارج إطاره احلضاري مث إسقاطه على‬
‫حضارة خمتلفة‪ ،‬ومن مَثَّ يصبح الغرب هو األصل والرتاث القدمي هو الفرع‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬اجتزاء الرتاث القدمي وتلوينه؛ فمرة يكون ماركسياً‪ ،‬ومرة يكون‬
‫وجودياً‪ ،‬دون دراسة يف نشأته وتفاعالته اخلاصة يف واقعه اخلاص (‪.)3‬‬
‫كما خيتلف هذا املشروع عن مناهج املستشرقني الذين يسقطون أحكاماً غربيةً‬
‫مسبقةً على الرتاث اإلسالمي‪ ،‬يقول حنفي ‪ « :‬لسنا مستشرقني ننظر إىل حضارتنا‬
‫من اخلارج‪ ،‬بل حنن أصحاب الدار نتحمل نفس املسؤولية‪ .‬مهمتنا إعادة القراءة‬
‫والتطوير‪ ،‬بل بداية مرحلة جديدة وحتول تارخيي عن طريق التأويل اجلديد للكالم‬
‫القدمي ‪. )4( »...‬‬
‫لقد أجاد حسن حنفي وهو يشخص الداء العضال الذي يصيب باحثني كثريين‬
‫وهم يدرسون الرتاث اإلسالمي؛ وهو استعارهتم ملناهج غربية وإخضاع الرتاث‬
‫املدروس لتلك املناهج واألدوات الغربية؛ مما يؤدي إىل نتائج خاطئة وبعيدة عن‬

‫‪ -‬الفكر اإلسالمي املعاصر‪ ،‬الرفاعي‪ .‬ص‪. 222‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬م س ؛ ومقال « حنو تنوير عريب جديد » ‪ ،‬حسن حنفي ‪ .‬جملة عامل الفكر ‪ .‬الكويت‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫السنة ‪2001( :‬م) اجمللد ‪ 29‬عدد ‪ 3‬ص ‪. 86‬‬


‫‪ -‬الفكر اإلسالمي املعاصر ‪ ،‬الرفاعي ‪ .‬ص ‪. 222‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬مقال « حنو علم كالم جديد » حسن حنفي ‪ .‬جملة إبداع ‪ ،‬اهليئة املصرية العامة للكتاب‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫السنة‪ 9:‬عدد‪( 8:‬حمرم ‪1412‬هـ‪/‬أغسطس ‪1991‬م) ‪ .‬ص ‪. 115‬‬

‫‪262‬‬
‫املوضوعية ومناهج البحث العلمية الرصينة‪ ،‬ومما يشوه مادة الرتاث املدروسة أو‬
‫الرتاث نفسه‪.‬‬
‫غري أن حسن حنفي الذي أدرك علة الباحثني – السيما العلمانيون – وقع فيما‬
‫هو أخطر من ذلك يف مشروعه الضخم «الرتاث والتجديد»‪ ،‬والذي يريد ‪ -‬من‬
‫خالله ‪ -‬أن يعيد النظر يف العلم كله ونقله من املاضي إىل احلاضر(‪ . )1‬ولعل النتيجة‬
‫اليت يصل إليها أخطر مما وصل إليه غريه؛ ألنه مل يلجأ إىل استعارة مناهج غربية‪ ،‬وإمنا‬
‫ابتدع أدوات خاصةً ‪ -‬بدل استريادها ‪ -‬لنسف الرتاث كله وإفراغه من حمتواه‪ ،‬فهو‬
‫يقول‪ « :‬إن ضحى التنوير ميكن أن يستمر بالتحديث من الداخل عن طريق إعادة‬
‫بناء املوروث كله؛ أي العلوم القدمية وبآلياته اخلاصة بناء على التحديات الرئيسة‬
‫للعصر‪ ،‬فيتم حتويل علم الكالم من األشعرية إىل االعتزال كما حاول حممد عبده يف‬
‫«رسالة التوحيد»‪ ،‬ومن االعتزال إىل الثورة كما حاولنا يف « من العقيدة إىل‬
‫الثورة»‪ ،‬حىت تتحول العقيدة إىل إيديولوجية ثورية للعرب واملسلمني‪. )2(» ...‬‬
‫فإذا كان اآلخرون قد عجزوا عن اهلدم من اخلارج؛ فإن حسن حنفي حاول‬
‫اهلدم من الداخل مبعول «التأويل»‪ ،‬تأويل كل املصطلحات‪ ،‬من مصطلحات العقيدة‬
‫إىل مصطلحات األصول‪ ..‬وهو ال يكتفي بنقد الرتاث الديين‪ ،‬بل يرى أن نقد الدين‬
‫هو املقدمة الضرورية لتحريك الواقع وثورته(‪. )3‬‬
‫ولعل القارئ ملؤلفات حنفي يكتشف ‪ -‬بيسر ‪ -‬أن الرجل على الرغم مـن‬
‫احلذلقات اللغوية اليت يدرجها يف سياق كتاباته واملصطلحات الفلسفية اليت تفيض هبا‬
‫كتبه ال ميلك – يف أكثر من موضع – إال التصريح مبوقفه الفكري وباملنهج الذي‬
‫اختاره لتحقيق هذا املوقف على أرض الواقع؛ ففي أثناء ذكره الجتاهات التجديد‬
‫يستعرض االجتاه الرافض لكل ما هو من الرتاث القدمي بذريعة أنه ال قيمة له يف ذاته‬
‫وأنه جزء من تاريخ التخلف أو أحد مظاهره‪ ...‬ويقول عن أصحاب هذا االجتاه ‪:‬‬

‫‪« -‬حنو علم كالم جديد»‪ ،‬حنفي‪ .‬ص ‪. 116‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ « -‬حنو تنوير عريب جديد » (مقال) ‪ ،‬حسن حنفي ‪ .‬عامل الفكر ‪.‬ص ‪. 88 -87‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪( -‬مذحبة الرتاث ‪ ،‬جورج طرابيشي ‪ .‬بريوت‪ ،‬دار الساقي ‪ .‬ص ‪ ) 10‬نقال عن ‪:‬‬ ‫‪3‬‬

‫املاركسالمية‪ ،‬املعراوي ص ‪.323‬‬

‫‪263‬‬
‫«واحلقيقة أن هذا املوقف يكشف أيضا عن وجود فئة من الناس استطاعت أن تتحقق‬
‫مبا مل يصل إليه سائر أفراد اجملتمع من علم ومحاس وشجاعة ورغبة يف التغيري وجذرية‬
‫ونقاء‪ ،‬ولكنها تسبق الغالبية العظمى مبراحل وتنتهي إىل العزلة‪ .‬فهي على حق من‬
‫حيث املبدأ وعلى خطأ من حيث الواقع‪ ،‬فتسرع بإعادة البناء والقدمي ما زال قائما‪،‬‬
‫تبين فوق بنيان متهدم قائم دون أن تكمل اهلدم لتعيد البناء من جديد‪ ،‬وحياة‬
‫الشعوب ال تتغري يف حلظة‪ . )1(» ..‬ذلك ما ينبغي – إذن ‪ -‬أن يكون – حسب‬
‫تصور حسن حنفي ‪ : -‬اهلدم إلعادة البناء من جديد؛ وهو ما سعى إليه ‪ -‬حينما‬
‫حاول أن يأيت على بناء العقيدة والشريعة من أساسه ‪ -‬بدعوته إىل قلب أهم‬
‫املصطلحات اإلسالمية‪.‬‬
‫فالعلوم األساسية يف الرتاث اإلسالمي – كما يرى حنفي – ما زالت تعرب عن‬
‫نفسها باأللفاظ واملصطلحات التقليدية اليت نشأت هبا هذه العلوم واليت من شأهنا أن‬
‫تقضي على مضموهنا وداللتها املستقلة وأن متنع أيضا إعادة فهمها وتطويرها ‪:‬‬
‫« يسيطر على هذه اللغة القدمية األلفاظ واملصطلحات الدينية مثل ‪ :‬اهلل‪ ،‬الرسول‪،‬‬
‫الدين‪ ،‬اجلنة‪ ،‬النار‪ ،‬الثواب‪ ،‬العقاب‪ ،‬كما هو احلال يف علم أصول الدين‪ ،‬أو‬
‫القانونية‪ ،‬مثل ‪ :‬احلالل‪ ،‬احلرام ‪ ،‬الواجب‪ ،‬املكروه كما هو احلال يف علم أصول‬
‫الفقه‪ . )2( »...‬مث يتهم اللغة العربية بعجزها عن التعبري عن مضامينها املتجددة وفق‬
‫(‪)3‬‬
‫متطلبات العصر‪ ،‬بسبب طول مصاحبتها للمعاين التقليدية اليت يريد التخلص منها‪.‬‬
‫ٍ‬
‫دالالت‬ ‫ويف سياق نقده للغة «التقليدية» اليت يعدها لغةً إهليةً يرى أن أللفاظها‬
‫متعددةً؛ بل إن أهم هذه األلفاظ وهو اسم اجلاللة «اهلل» يرى فيه حنفي – كما‬
‫يقول‪ « : -‬إن لفظ «اهلل» يحتوي على تناقض داخلي في استعماله باعتباره مادةً‬
‫لغويةً لتحديد المعاني أو التصورات‪ ،‬وباعتباره معنى مطلقاً يراد التعبير عنه بلفظ‬
‫محدود؛ وذلك ألنه يعرب عن اقتضاء أو مطلب‪ ،‬وال يعرب عن معىن معنّي ‪ ،‬أي أنه‬
‫صرخة وجودية أكثر منه معىن ميكن التعبري عنه بلفظ من اللغة أو بتصور من العقل‪.‬‬

‫‪ -‬الرتاث والتجديد ‪ ،‬حسن حنفي ‪ .‬ص ‪. 25 – 24‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬الرتاث والتجديد ‪ .‬ص ‪. 94‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬م‪ .‬س ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪264‬‬
‫هو رد فعل على حالة نفسية أو عن إحساس أكثر منه تعبرياً عن قصد أو إيصال ملعىن‬
‫معني؛ فكل ما نعتقده مث نعظمه تعويضاً عن فقد يكون يف احلس الشعيب هو‬
‫"اهلل" ‪ ...‬فاهلل لفظة نعرب هبا عن صرخات األمل وصيحات الفرح؛ أي أنه تعبري أديب‬
‫أكثر منه وصفاً لواقع‪ ،‬وتعبري إنشائي أكثر منه وصفاً خربياً‪ .‬وما زالت اإلنسانية‬
‫كلها حتاول البحث عن معىن للفظ "اهلل"‪ ،‬وكلما أمعنت البحث ازدادت اآلراء‬
‫تشعباً وتضارباً‪. )1(»..‬‬
‫إن حسن حنفي ال يكتفي بنقد اللغة اليت يدعوها «لغة تقليدية» ويرى فيها «لغة‬
‫قاصرة» ال تفي حباجات العصر‪ ،‬وإمنا يقرتح لغة جديدة تتالىف «عيوب اللغة‬
‫التقليدية» اليت تعوق التعبري واإليصال‪ ،‬لغة خبصائص جديدة ميكن بواسطتها سهولة‬
‫التعبري عن املضمون ودقة إيصال املعىن املطلوب‪ .‬وأهم هذه اخلصائص كما يقرتحها‬
‫حنفي ‪:‬‬
‫أن تكون هذه اللغة عامةً‪ ،‬بل وأكثر درجات اللغة عموماً حىت ميكن هبا‬ ‫‪‬‬
‫خماطبة كل األذهان؛ يقول ‪ « :‬فمثال لفظا عام وخاص يف أصول الفقه‬
‫لفظان عامان ميكن لكافة األذهان فهم املراد منهما‪ ،‬بل ومناقشة املضمون‬
‫واقرتاح تغيري أحدمها أو تغيريمها تغيرياً كامالً‪ .‬وكل مصطلحات أصول‬
‫الفقه خاصة فيما يتعلق مبناهج الرواية أو مناهج اللغة ألفاظ عامة ميكن أن‬
‫تنطبق على أي تراث وعلى أي نص ديين‪. )2(»...‬‬
‫أن تكون مفتوحةً تقبل التغيير والتبديل إما يف املفهوم أو يف املعىن‪ ،‬بل‬ ‫‪‬‬
‫حىت يف الوجود إبقاءً أو إلغاءً بالكلية‪.‬‬
‫أن تكون عقليةً حتى يمكن التعامل بها في إيصال المعنى‪ ،‬وأية لغة‬ ‫‪‬‬
‫قطعية لن تعرب عن شئ؛ ألهنا مغلقة على نفسها‪..‬واللغة القطعية لغة توقيفية‬
‫خالصة إما أن تقبل أو ترفض‪ ،‬ولكن ال ميكن تغيريها أو إعطاؤها معاين‬
‫جديد ًة‪ ،‬يف حني أن اللغة العقلية هي اليت يفهمها كل الناس بال شرح أو‬

‫‪ -‬م‪.‬س‪ .‬ص ‪. 96‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬الرتاث والتجديد‪ .‬ص ‪. 102 – 101‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪265‬‬
‫تعليق أو سؤال أو استفسار‪ ،‬بل يفهمها العقل بطبيعته ويتعامل معها كأهنا‬
‫منه‪...‬‬
‫أن يكون لها ما يقابلها في الحس والمشاهدة والتجربة؛ ليمكن ضبط‬ ‫‪‬‬
‫معانيها والرجوع إىل واقع واحد يكون حم ّكاً للمعاين ومرجعاً عند‬
‫التعارض والتضارب‪ ،‬يقول ‪ « :‬فألفاظ اجلن واملالئكة والشياطني بل اخللق‬
‫والبعث والقيامة‪ ،‬كلها ألفاظ جتاوز احلس واملشاهدة‪ ،‬وال ميكن استعماهلا؛‬
‫ألهنا ال تشري إىل واقع‪ ،‬وال يقبلها كل الناس‪ ،‬وال تؤدي دور اإليصال‪»...‬‬
‫(‪. )1‬‬
‫أن تكون إنسانيةً ال تعبر إال عن مقولة إنسانية كالنظر والعمل‪ ،‬والظن‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫واليقني‪ ،‬والقصد‪ ،‬والفعل‪ ،‬والزمان‪ .. ،‬أي ما يشري إىل جانب من جوانب‬
‫السلوك اإلنساين يف الواقع املعاش بغض النظر عن عقيدة اإلنسان أو مذهبه‬
‫أو تياره الفكري‪ ،‬ويؤكد [حنفي] –قائالً ‪ « : -‬أما اللغة اليت ال تعرب عن‬
‫مقوالت إنسانية مثل "اهلل"‪ ،‬و"اجلواهر املفارقة"‪ ،‬و"الشيطان"‪ ،‬و"املالك"‪،‬‬
‫فهي لغة اصطالحية عقدية تشري إىل مقوالت غري إنسانية إال إذا أولناها‬
‫وفسرناها وأعطيناها مدلوالت إنسانية فـ"ـاهلل" يصبح ‪ :‬هدف اإلنسان‬
‫وغايته ورسالته ودعوته يف احلياة‪ ،‬و"الشيطان" يصبح هو املعارض الذي‬
‫ميثل الغواية واخلطأ واحلافز ‪ ...‬وبالتايل ميكن نقل عصرنا من مرحلة‬
‫التمركز حول «اهلل» وهي املرحلة القدمية إىل التمركز حول اإلنسان وهي‬
‫املرحلة احلالية‪ ..‬عصرنا احلايل هو عصر اإلنسان تلك هي مهمة «الرتاث‬
‫والتجديد» يف أول حماوالته من أجل إعادة بناء علم أصول الدين على أنه‬
‫"علم اإلنسان"»(‪. )2‬‬
‫أن تكون عربيةً‪ ،‬وليست مستعربةً أو معربةً عن طريق النقل الصويت‬ ‫‪‬‬
‫للغات األجنبية وألفاظها بدعوى قصور اللغة العربية‪ ،‬ويعيب حسن حنفي‬

‫‪ -‬م‪.‬س‪ .‬ص ‪. 103‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬الرتاث والتجديد‪ .‬ص ‪. 104‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪266‬‬
‫– هنا ‪ -‬على من يُ ْد َع ْو َن "مفكري احلداثة" السيما من أهل الشام وأهل‬
‫(‪)1‬‬
‫املغرب جلوءهم إىل ألفاظ مستهجنة بدعوى التحديث‪.‬‬
‫هذه هي خصائص اللغة اجلديدة اليت يقرتحها حنفي؛ وهو يعد ذلك فتحاً كبرياً‬
‫وتأسيساً لعلم جديد؛ ألنه يرى أن اكتشاف لغة جديدة هو اكتشاف للعلم؛ أي أن‬
‫(‪)2‬‬
‫التجديد ‪ -‬عن طريق اللغة ‪ -‬هو بداية العلم اجلديد‪.‬‬
‫إن ما يقرتحه [حسن حنفي] من مشاريع‪ ،‬وما يقدمه من تصورات وأدوات‬
‫سَنِة‬
‫لتحقيق هذه التصورات‪ ،‬مؤداه – كما يقول أحد الباحثني – هو ‪ « :‬حماولة َألْن َ‬
‫الدين وتفريغه من حمتواه؛ وذلك بإلغاء ثوابته ‪ ..‬ومقدساته من اهلل والنبوة إىل الرسالة‬
‫إىل الوحي إىل الغيب‪ ،‬إلغاء كل ذلك بإعطائها مضامني ومفاهيم إنسانية أرضية »(‪.)3‬‬
‫وأوضح ما تتجلى هذه األنسنة يف حماولة حنفي هدم أهم العلوم اإلسالمية – علم‬
‫العقيدة وعلم األصول ‪ ، -‬وبناء علوم جديدة مبواصفات لغوية تناقض أجبديات‬
‫العقيدة وبدهيات الشريعة‪ ،‬كل ذلك حتت عنوان عريض مساه «منطق التجديد‬
‫اللغوي»‪.‬‬
‫شنيعا بيـن‬
‫وباستخدام هذا املنطق ميارس صاحب «الرتاث والتجديد» خلطاً ً‬
‫املصطلحات األساس يف العقيدة؛ فـ"ـاإلميان" و"اإلحلاد" – يف نظره – مقولتان‬
‫نظريتان ال تعربان عن شئ واقعي‪ ،‬وهي قضايا نسبية ‪ :‬فما يظنه البعض أنه إحلاد قد‬
‫يكون هو جوهر اإلميان‪ ،‬وما يظنه آخرون إميانا قد يكون هو اإلحلاد بنفسه‪.‬‬
‫ويذهب يف «منطقه اللغوي اجلديد» إىل أقصى مداه بادعائه أنه ليس املقصود من‬
‫الوحي إثبات موجود مطلق غين ال حيتاج إىل الغري‪ ،‬ويضيف قائالً ‪ « :‬بل املقصود‬
‫منه تطوير الواقع يف اللحظة التارخيية اليت منر هبا واليت حتتاج إىل من يساعدها على‬
‫التطور‪. )4( »...‬‬

‫‪ -‬م‪ .‬س ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬م‪ .‬س‪ .‬ص ‪. 93‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ « -‬نقد كتاب الرتاث واجلديد للدكتور حسن حنفي » (مقال) ‪ ،‬حممد عمارة ‪ .‬جملة املسلم‬ ‫‪3‬‬

‫املعاصر‪.‬لبنان‪ ،‬مؤسسة املسلم املعاصر عدد ‪ .77‬ص‪.209‬‬


‫‪ -‬الرتاث والتجديد ‪ .‬ص ‪. 53‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪267‬‬
‫وبعد ابتداع ما أمساه «منطق التجديد اللغوي» والذي أفرغ به مصطلحات‬
‫العقيدة والشريعة من مضامينها‪،‬انتقل إىل ما ادعاه باكتشاف مستويات حديثة‬
‫(‪)2‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫للتحليل ‪،‬وأهم هذه املستويات هو «الشعور» ؛ حيث اعتربه مستوى خصباً‬
‫عد فهم قضايا الفقه وقضايا األصول – أصول الفقه‬ ‫لتحليل املادة التقليدية‪ ،‬بل إنه َّ‬
‫وأصول الدين – ال يتم إال برتمجة هذه القضايا إىل شعور‪ .‬يقول ‪ ... « :‬ومسائل‬
‫املعاد كلها وصورها الذهنية ترجعنا إىل الشعور من حيث هو تصوير لنهاية العامل من‬
‫أجل التأثري فيه‪ .‬والنبوة تفرتض ‪ -‬أساساً ‪ -‬وجود الشعور‪...‬واإلهليات ذاهتا تعبري‬
‫عن إحساس اإلنسان بالكمال وتشخيصه هذا الكمال يف املوجود األول وصفاته‬
‫املطلقة ‪.)3( »..‬‬
‫وينتقل حنفي من اختزال كل الوجود يف مواقف يرتمجها الشعور ويعرّب عن‬
‫حقيقتها إىل القول بأن ‪ « :‬نصوص الوحي نفسها ليست كتابا ‪ -‬أنزل مرة واحدة‬
‫– مفروضا من عقل إهلي ليتقبله مجيع البشر‪ ،‬بل جمموعة من احللول لبعض املشكالت‬
‫اليومية اليت تزخر هبا حياة الفرد واجلماعة‪ .‬وكثري من هذه احللول قد تغريت وتبدلت‬
‫حسب التجربة على مقدار اإلنسان وقدرته على التحمل‪ .‬وكثري من احللول مل تكن‬
‫كذلك يف بادئ األمر معطاة من الوحي‪ ،‬بل كانت مقرتحات من الفرد أو اجلماعة مث‬
‫أيدها الوحي وفرضها‪ ...‬وهذا معىن أسباب النـزول »(‪.)4‬‬
‫إن حنفي يرمي بكالمه إىل ربط النصوص بأحداثها وظروفها فهماً وإلزاماً؛ مما‬
‫حيصرها يف وعاء ضيق يقضي على عمومية اخلطاب التشريعي وصالحيته الزمانية‬
‫واملكانية‪ ،‬وقد قال اهلل تعاىل ‪:‬‬
‫‪ -‬ويقصد مبستوى التحليل ‪« :‬املنظور الذي ينظر منه إىل الرتاث‪ ،‬وهو ال يتم إال برؤيا‬ ‫‪1‬‬

‫معاصرة» ‪ .‬الرتاث والتجديد‪ .‬ص‪.112‬‬


‫‪ -‬يقول يف حتديده للشعور ‪ « :‬والشعور مستوى أخص من اإلنسان‪ ،‬وأهم من العقل‪ ،‬وأدق‬ ‫‪2‬‬

‫حيادا من الوعي‪ ،‬يكشف عن مستوى حديث للتحليل موجود ضمناً داخل‬ ‫من القلب‪ ،‬وأكثر ً‬
‫العلوم التقليدية نفسها‪ ،‬ولكن نظراً لظروف نشأهتا مل يوضع يف مكان الصدارة‪ ،‬ومل تعط لـه‬
‫األولوية الواجبة‪ ،‬ولكن يفهم ضمنا‪ ،‬ويقرأ فيما بني السطور » الرتاث والتجديد‪ .‬ص‪.112‬‬
‫‪ -‬م‪.‬س‪ .‬ص ‪. 114 – 113‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬م‪.‬س ‪ .‬ص ‪. 115‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪268‬‬
‫شيراً َونَ ِذيراً َولَ ِكنَّ َأ ْكثَ َر النَّا ِ‬
‫س ال‬ ‫‪َ  -‬و َما َأ ْر َ‬
‫س ْلنَا َك ِإاَّل َكافَّةً لِلنَّا ِ‬
‫س بَ ِ‬
‫(‪)1‬‬
‫ون ‪‬‬ ‫يَ ْعلَ ُم َ‬
‫س َما نُ ِّز َل ِإلَ ْي ِه ْم َولَ َعلَّ ُه ْم يَتَفَ َّك ُر َ‬
‫ون‬ ‫‪َ  -‬وَأ ْن َز ْلنَا ِإلَ ْيكَ ِّ‬
‫الذ ْك َر لِتُبَيِّ َن لِلنَّا ِ‬
‫‪. )2(‬‬
‫صحيح أن كثرياً من التكاليف قد ورد يف مناسبات حمددة وألسباب خاصة‪ ،‬لكن‬
‫العربة بعموم اللفظ ال خبصوص السبب كما يقول األصوليون وكما يوضحه‬
‫الغزايل بقوله ‪ « :‬ورود العام على سبب خاص ال يسقط دعوى العموم‪...‬‬
‫والدليل على بقاء العموم أن احلجة يف لفظ الشارع ال يف السؤال والسبب‪...‬‬
‫وأكثر أصول الشرع خرجت على أسباب »(‪.)3‬‬
‫إن ما مييز اخلطاب اإلهلي مشوله وعموميته‪ ،‬وإال ملا كان موجهاً إىل كل إنسان يف‬
‫كل زمان‪ ،‬أما الظروف واألسباب اخلاصة اليت حفت اخلطاب ‪ -‬أثناء نزول الوحي‬
‫‪ -‬ال تعدو أن تكون جمرد مناسبات للتكليف ال تدخل يف بنية اخلطاب‪ ،‬ولو دخلت‬
‫َّت عنصرا خمصصا للفهم‬ ‫يف بنيته جلاءت متضمنة يف ألفاظه وتراكيبه‪ .‬فإذا ما عُد ْ‬
‫ختصيصا زمنيا‪ ،‬يؤول األمر ‪ -‬حينئذ ‪ -‬إىل نقض الشريعة اليت يُعد اخلطاب اإلهلي‬
‫(‪)4‬‬
‫أهم وسيلة إلثبات أحكامها‪.‬‬
‫وحسن حنفي حياول توظيف «أسباب النـزول» يف غري سياقها املوضوعي ليصل‬
‫‪ -‬من خالهلا ‪ -‬إىل نتائج خطرية تعرب – صراحة ‪ -‬عن موقفه وعن مقصده من‬
‫حماولة البناء اليت ادعاها ‪ « :‬وميكن إعادة بناء علم أصول الفقه من النص إىل الواقع‪،‬‬
‫وإعطاء األولوية للواقع على النص‪ ،‬متشيا مع روح "أسباب النـزول" أولوية املكان ‪،‬‬
‫و"الناسخ واملنسوخ" أولوية الزمان‪ ،‬ومن مث تكون أولوية ترتيب املصادر من‬
‫االجتهاد إىل اإلمجاع إىل احلديث إىل القرآن‪ ،‬صعوداً من اخلاص إىل العام‪ ،‬وليس‬

‫‪ -‬سبأ ‪. 28‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬النحل ‪. 44‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬املستصفى ‪ ،‬الغزايل ‪. 2/62 .‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬خالفة اإلنسان بني الوحي والعقل ‪ ،‬عبد اجمليد النجار‪ .‬الواليات املتحدة األمريكية ‪ ،‬املعهد‬ ‫‪4‬‬

‫العاملي للفكر اإلسالمي‪ .‬ط‪1420( .3 :‬هـ‪2000/‬م)‪ .‬ص ‪. 110 – 108‬‬

‫‪269‬‬
‫نزوالً من العـام إىل اخلاص لتشجيع االجتهاد والتعامل مع الواقع مباشرة دون التوسط‬
‫بالنص»(‪.)1‬‬
‫مبثل هذه اجلراءة الواضحة يؤسس حنفي فهمه العقلي لنصوص الوحي ‪ -‬حىت ما‬
‫كان منها قطعياً ‪ -‬على معطيات الواقع اإلنساين بكل مكوناته وتناقضاته ومستجداته‬
‫اليت يعرب عنها كثريون مبا يسمونه «روح العصر»‪ ،‬فهو يريد أن يشتق أفهاماً جديد ًة‬
‫لنص الوحي مسايرة لروح العصر وخمالفة لألفهام القائمة على خصوصية ظروف‬
‫التنـزيل‪.‬‬
‫إن الواقع الذي يريد حنفي – وغريه كثريون – أن خيضعوا فهم النص لـه‪ ،‬هو‬
‫واقع متطور‪ ،‬ولكن تطوره ليس دائماً إجيابياً‪ ،‬فإذا كان اإلنسان قد ارتقى يف جمال‬
‫اكتشاف حقائق الكون والوجود املادي‪ ،‬فإن هذا الرقي قد واكبه أسوأ ما عرفت‬
‫البشرية من تظامل وبغي واضطهاد وتقتيل بآخر ما تفتقت‪ F‬عنه العبقرية العلمية من‬
‫وسائل املوت والدمار ‪ .‬كما واكب الرقي املادي احنطا ٌط لكثري من القيم واألخالق‬
‫حىت سادت ظواهر التفكك األسري واإلباحية اجلنسية والثراء الفاحش الذي حيصر‬
‫الثروات كلها يف يد فئة مستغلة ويدع املاليني من البشر ميوتون جوعا ‪...‬وأصبحت‬
‫هذه الظواهر عادات وتقاليد‪ ،‬بل أعرافاً مقبولة باسم «روح العصر» (‪.)2‬‬
‫إن منطق الواقع يؤكد أن ما يعانيه اإلنسان ‪ -‬من شقاء وما تعانيه اجملتمعات من‬
‫تفكك وضياع ‪-‬يرجع ‪ -‬يف أعظم أسبابه ‪ -‬إىل غياب الفهم الصحيح للنصوص اليت‬
‫استبعدت من حياة الناس أصالً واستعيض عنها بتحكيم سلطة الواقع‪.‬‬
‫إن حسن حنفي ينتهي مبشروعه هذا إىل نتائج تتفق مع املقدمات اليت انطلق منها؛‬
‫وهو مدرك متام اإلدراك ملا انتهى إليه فيتساءل ‪ « :‬فإن قيل ‪ :‬إن «الرتاث والتجديد»‬
‫سيؤدي إىل حركة علمانية ؟ »‪.‬‬
‫وجييب عن تساؤله ‪ -‬بدفاعه املستميت عن العلمانية وأسباب نشأهتا يف الغرب‬
‫اسرتدادا لإلنسان حلريته يف السلوك والتعبري‪ ،‬وحريته يف‬
‫ً‬ ‫‪-‬قائال‪ « :‬نشأت العلمانية‬
‫الفهم واإلدراك‪ ،‬ورفضه املطلق لكل أشكال الوصايا عليه‪ ،‬وألي سلطة فوقه إال من‬
‫‪.‬‬ ‫‪« -‬حنو تنوير عريب جديد» (مقال) ‪ ،‬حسن حنفي ‪.‬عامل الفكر ‪ ،‬جملد ‪، 29‬عدد ‪ 3‬ص ‪88‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬خالفة اإلنسان بني الوحي والعقل‪ ،‬النجار‪ .‬ص ‪.111‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪270‬‬
‫سلطة العقل والضمري‪ .‬العلمانية ‪ -‬إذن – رجوع إىل املضمون دون الشكل‪ ،‬وإىل‬
‫اجلوهر دون العرض‪ ،‬وإىل الصدق دون النفاق‪ ،‬وإىل وحدة اإلنسان دون ازدواجيته‪،‬‬
‫وإىل اإلنسان دون غريه‪ .‬العلمانية – إذن – هي أساس الوحي؛ فالوحي علماين يف‬
‫جوهره‪ ،‬والدينية طارئة عليه من صنع التاريخ‪ ،‬تظهر يف حلظات ختلف اجملتمعات‬
‫وتوقفها عن التطور‪ .‬وما شأننا بالكهنوت ‪ ،‬وما العلمانية إال رفض له ؟ العلمانية يف‬
‫تراثنا وواقعنا هي األساس واهتامنا بالالدينية تبعية لفكر غريب وتراث مغاير وحضارة‬
‫أخرى»(‪.)1‬‬
‫وهبذا يصنف حسن حنفي نفسه وحيدد اجتاهه بشكل صريح ال التواء وال تأويل‬
‫فيه‪ ،‬وال احتمال يداخله أو خيفي مقصود صاحبه يف مشروعه الفكري الضخم‬
‫«الرتاث والتجديد»‪.‬‬
‫إن ما ابتدعه [حنفي] وأمثاله ‪ -‬من مناهج لدراسة الرتاث‪ ،‬وما اعتمدوه من‬
‫ٍ‬
‫ومغالطات منطقيةً ال ميكن‬ ‫ٍ‬
‫تناقضات منهجيةً‬ ‫آليات لتقوميه ‪ -‬حيمل ‪ -‬يف طياته ‪-‬‬
‫إال أن تنتهي ‪ -‬بأصحاهبا ‪ -‬إىل نتائج كتلك اليت انتهى إليها حنفي ومعه العلمانيون‬
‫العلنيون منهم واملتسرتون‪.‬‬
‫ولعل مصدر اخللل املنهجي ‪ -‬لدى هؤالء ‪ -‬اعتمادهم املادة أساساً للتحليل‬
‫وإنكارهم الغيب – سواء كان هذا اإلنكار صرحياً أو مبطناً ‪ ،-‬وإخضاع قضايا‬
‫الغيب – بدعوى أهنا حمض مادة متطورة – إىل مقاييس مادية غري قادرة على‬
‫استيعابه أو اإلحاطة به(‪ .)2‬مما يدل على جهل أصحاب هذا املنهج أو جتاهلهم‬
‫خلصائص املنهج اإلسالمي للمعرفة املرتكز على القضيتني األساسيتني ‪ :‬قضية‪:‬جمال‬
‫املعرفة‪ ،‬وهو الغيب والشهود‪ ،‬ومصادر البحث فيهما‪،‬وقضية‪ :‬أداة املعرفة‪ ،‬وهي‬
‫(‪)3‬‬
‫العقل والقلب‪ ،‬وكيف يعمالن تعاوناً أو تنافياً‪ ،‬ترادفاً أو توازياً‪.‬‬

‫‪ -‬الرتاث والتجديد ‪ .‬ص ‪. 55 – 54‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬قضايا إسالمية بني الفهم والتطبيق (العقل والقلب بني الغيب والشهود)‪ ،‬عبد الكرمي مطيع‬ ‫‪2‬‬

‫احلمداوي‪ .‬ط‪1417( . 1:‬هـ‪1996/‬م) ‪ .‬ص ‪.80‬‬


‫‪ -‬ينظر الفصل الالحق ‪.‬وفيه بيان لقضية املنهج اإلسالمي يف املعرفة‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪271‬‬
272
‫الفصل الثاني‬
‫اتجاه « إسالمية المعرفة »‬
‫تمهيـــــــــد‪:‬‬
‫أثارت االجتاهات العلمانية – مبا شاب مواقفها من شطط واحنراف – ردود فعل‬
‫كثرية‪ .‬ففي الوقت الذي قامت فئة تؤيد الفكر العلماين الصريح‪ ،‬انربى للرد عليهم‬
‫ومواجهتهم مفكرون وفقهاء اختلفت طرائقهم يف الدفاع عن اإلسالم – عقيدة‬
‫وشريعة – باختالف املرجعية الفقهية واملناهج الفكرية املتبعة وتباين التصورات‬
‫املقرتحة لتقدمي البديل الصحيح‪.‬‬
‫ومن التيارات اليت برزت يف ساحة الفكر اإلسالمي املعاصر ‪ -‬ورفعت التجديد‬
‫ً‬
‫فكرية‬ ‫ً‬
‫مؤسسة‬ ‫شعاراً هلا ‪ -‬تيار عُرف باسم‪ « :‬إسالمية املعرفة »‪ ،‬أنشأ أصحابه‬
‫وعلمية للعمل من خالهلا على بلورة مجلة من األفكار واملبادئ والتصورات مُت ثِّل –‬
‫كما يرى أصحاهبا – اخلطوة الضرورية إلطالق حركة اجتهاد فكري كفيلة بإخراج‬
‫األمة اإلسالمية من أزماهتا املرتاكمة‪.‬‬
‫أسس أصحاب هذا االجتاه « املعهد العاملي للفكر اإلسالمي » يف الواليات‬
‫املتحدة األمريكية‪ ،‬مث أنشأوا لـه فروعاً يف بلدان إسالمية كثرية وما زال يقوم بنشاط‬
‫(‪)1‬‬
‫فكري وعلمي بارزين‪.‬‬

‫‪ -‬نقطة االنطالق يف تأسيس حركة «أسلمة املعرفة» املعاصرة بدأت منذ‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ‬تأسيس مجعية العلماء االجتماعيني املسلمني من قبل احتاد الطلبة املسلمني بالواليات املتحدة‬
‫األمريكية وكندا بناء على اقرتاح من عبد احلميد أبو سليمان عام (‪1392‬هـ‪1972/‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬انعقاد أول مؤمتر عاملي لالقتصاد اإلسالمي بناء على توصيات املؤمتر الثاين للندوة العاملية‬
‫للشباب اإلسالمي سنة ‪1384‬هـ‪1974/‬م‪ .‬وحبث املؤمتر موضوع أسلمة علم االقتصاد‬
‫وإنشاء مركز ألحباث االقتصاد اإلسالمي‪.‬‬

‫‪ ‬انعقاد املؤمتر العاملي األول للرتبية اإلسالمية يف مكة املكرمة عام (‪1397‬هـ‪1977/‬م) الذي‬
‫دعا إىل معاجلة العلوم االجتماعية من وجهة النظر اإلسالمي ـ ـ ـ ــة‪=.‬‬

‫‪273‬‬
‫وتأسيس املعهد – يف األساس – نتيجة فكرة وقرت يف أذهان شباب مسلم درس‬
‫يف اجلامعات الغربية استوقفه واقع األمة اإلسالمية وما تعانيه من أزمات‪ ،‬فتنادى –‬
‫كما يقول أصحابه ‪ « :-‬لفقه قضية األمة وبذل كل اجلهود ملعاجلة أزمتها‪ .‬وكان‬
‫معظمهم [هؤالء الشباب] ال يزال على مقاعد الدراسة يف الغرب‪..‬يف أوربا‬
‫وأمريكا‪.)1(» ...‬‬
‫هذا الشباب املسلم ‪ -‬الذي وفد إىل البالد األوربية واألمريكية ‪ -‬هاله ما حققته‬
‫العلمانية من سيادة شبه مطلقة على احلياة الغربية بعد أن اختذت [العلمانية] أساساً يف‬
‫تكوين رؤية الغرب للكون واإلنسان واحلياة‪ ،‬ومنطلقا لبناء العلوم واملعارف؛ مما أنتج‬
‫« أمنوذجاً معرفياً علمانياً » مل يقتصر جماله على البالد الغربية وحدها‪ ،‬وإمنا امتد‬
‫سلطانه إىل البالد اإلسالمية اليت أضحت تعيش حالة فصام بني الرتاث واحلداثة‪،‬‬
‫واألصالة واملعاصرة‪.‬‬
‫فسيادة « النموذج العلماين » ‪ -‬يف البالد اإلسالمية نفسها ‪ -‬حفزت جمموعة‬
‫فعال وشرعي‬
‫الشباب على حماولة تقدمي البديل املنافس‪ ،‬وهو بديل ‪ -‬كما يصفونه – ّ‬
‫وقادر على التوليد املعريف والتصحيح املنهجي‪ .‬لكن هل كان هذا البديل ‪ -‬فعالً –‬
‫كذلك ؟‬

‫‪ ‬انعقاد الندوة العاملية األوىل للفكر اإلسالمي بسويسرا عام (‪1397‬هـ‪1977/‬م) اليت دعت‬
‫إىل إنشاء «املعهد العاملي للفكر اإلسالمي» لقيادة جهود إسالمية املعرفة‪.‬‬
‫‪ ‬إنشاء املعهد العاملي للفكر اإلسالمي يف الواليات املتحدة األمريكية رمسيا عام (‪1402‬هـ‪/‬‬
‫‪1981‬م)‪.‬‬
‫معامل التأصيل اإلسالمي للعلوم االجتماعية‪ ،‬إبراهيم عبد الرمحن رجب‪ .‬جملة إسالمية املعرفة‪.‬‬
‫ماليزيا‪ ،‬املعهد العاملي للفكر اإلسالمي‪ .‬السنة‪ .1:‬العدد‪(.3:‬رمضان ‪1416‬هـ‪/‬يناير ‪1996‬م)‪.‬‬
‫ص ‪.53-51‬‬
‫‪ -‬إسالمية املعرفة (املبادئ العامة‪ ،‬خطة العمل‪ ،‬اإلجنازات)‪ ،‬املعهد العاملي للفكر‬ ‫‪1‬‬

‫اإلسالمي‪.‬فرجينيا‪ ،‬الواليات املتحدة األمريكية‪ .‬ط‪1420( . 3:‬هـ‪2000/‬م)‪ .‬ص ‪.14‬‬

‫‪274‬‬
‫ِإ َّن املعهد ‪ -‬منذ نشأته ‪ -‬يعمل على استقطاب الطاقات العلمية مفكرين وباحثني‬
‫جامعيني‪ ،‬وإقامة حلقات دراسية وندوات ومؤمترات ملناقشة قضايا الفكر ومناهج‬
‫التجديد سعياً لبلورة التأصيل اإلسالمي للعلوم أو ما أمسوه « أسلمة املعرفة »(‪.)1‬‬
‫غري أن اختالف مشارب هؤالء الباحثني واملفكرين وعدم اتفاقهم على حتديد‬
‫مصطلحات تكون أساساً يف جمال حبثهم‪ ،‬يضع صعوبات منهجيةً أمام الباحث‬
‫لتلخيص ما يقدمونه من أطروحات ونظريات؛ لذا‪ ،‬فإن دراسة آرائهم سترتكز –‬
‫(‪)2‬‬
‫على العموم‪ -‬حول أبرز من كان له إسهام يف صياغة مشروع املعهد‪.‬‬

‫‪ -‬أزمة العقل املسلم‪ ،‬عبد احلميد أبو سليمان‪ .‬املعهد العاملي للفكر اإلسالمي‪ .‬الواليات‬ ‫‪1‬‬

‫املتحدة األمريكية‪ .‬ط‪1412( .1:‬هـ‪1991/‬م)‪ .‬ص ‪.50‬‬


‫‪ -‬ومنهم ‪ - :‬عبد احلميد أبو سلميان‪ :‬من مواليد السعودية‪ ،‬مدير اجلامعة اإلسالمية مباليزيا‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫ورئيس جملس أمناء املعهد العاملي للفكر اإلسالمي بالواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬وأول أمني عام‬
‫للندوة العاملية للفكر اإلسالمي‪ ،‬ورئيس لقسم العلوم السياسية جبامعة امللك سعود بالرياض‬
‫سابقاًً‪ ،‬دكتوراه يف العلوم السياسية من جامعة بنسلفانيا‪.‬‬
‫‪ -‬طه جابر العلواين‪ :‬من مواليد العراق (‪1935‬م)‪ ،‬حصل على الدكتوراه يف أصول الفقه من‬
‫األزهر سنة (‪1973‬م)‪ ،‬شارك يف تأسيس املعهد العاملي للفكر اإلسالمي سنة (‪1981‬م)‪ ،‬وهو‬
‫الرئيس احلايل للمعهد‪ ،‬ورئيس اجمللس الفقهي ألمريكا الشمالية‪ ،‬ورئيس جامعة العلوم اإلسالمية‬
‫واالجتماعية‪ .‬من مصنفاته‪« :‬أدب االختالف يف اإلسالم»‪« ،‬نظرات يف أصول الفقه»‪« ،‬إصالح‬
‫الفكر اإلسالمي»‪ ،‬وله حتقيق كتاب «احملصول يف أصول الفقه‪ ،‬للرازي»‪ .‬الفكر اإلسالمي‬
‫املعاصر مراجعات تقوميية‪( ،‬حوار مع طه جابر العلواين بعنوان‪ ":‬أبعاد غائبة عن الفكر اإلسالمي‬
‫املعاصر")‪ F،‬حترير وحوار‪ :‬عبد اجلبار الرفاعي‪ .‬ص ‪.123‬‬

‫‪275‬‬
‫المبحث األول‬
‫«أسلمة المعرفة» نشأتـــه ودالالتـــــه‬
‫ظهر مصطلح « أسلمة املعرفة » على إثر دعوات اإلصالح املنهجي للعلوم‬
‫(‪)1‬‬
‫االجتماعية وضرورة إعادة صياغتها من وجهة نظر إسالمية‪.‬‬
‫فمفهوم األسلمة يتمثل – لدى أصحابه – يف حماولة إعادة صياغة تراث املعرفة‬
‫(‪)2‬‬
‫اإلنسانية برمته وفق الرؤية اإلسالمية‪ ،‬رؤية اإلسالم للحياة والواقع والكون‪.‬‬
‫وإذا كان مؤسسو املعهد – الذي تبىن هذا املصطلح – يعدون أنفسهم امتداداً‬
‫حلركة اإلصالح اليت بدأها مجال الدين األفغاين وحممد عبده واليت كان أبرز‬
‫مظاهرها‪ :‬الدعوة إىل االجتهاد والتجديد ونبذ التقليد والتبعية‪ ،‬فإن تناوهلم موضوع‬
‫االجتهاد خيتلف عن سابقيهم تصوراً وتنظرياً‪.‬‬
‫ذلك أن أصحاب هذا االجتاه يرون أن حماوالت اإلصالح السابقة قد طُبعت بفكر‬
‫التقليد سواء انطلقت من أفكار املقاربة أم أفكار املقارنة‪.‬‬
‫فأفكار املقاربة نشأت نتيجة لتأثري «الصدمة احلضارية»‪ ،‬ومتثلت يف حماوالت‬
‫بعضهم إجياد تفسري وتأويل للموقف اإلسالمي من كثري من القضايا اليت أثارها الفكر‬
‫الغريب يف العصر احلديث‪ ،‬حبيث ينسجم املوقف اإلسالمي مع متطلبات العلمية‬
‫والعقالنية الغربية؛ فبدأت تظهر – نتيجة ذلك – مقاربات مثل‪ :‬مقاربة الشورى‬
‫بالدميوقراطية‪ ،‬ومقاربة اجلن والشياطني واملالئكة باملكروبات والبكرتيا وسواها‪.‬‬
‫وبعد أن جتاوز العقل املسلم الصدمة – ولو نسبيا – انتقل إىل مرحلة املقارنة‪،‬‬
‫فبدأ املفكرون املسلمون يعقدون مقارنات بني القضايا اليت متت مقاربتها مع الفكر‬
‫الغريب سابقا‪ ،‬لكن مع تفضيلهم املوقف اإلسالمي على املوقف الغريب‪.‬‬

‫‪ -‬معامل التأصيل اإلسالمي للعلوم االجتماعية‪ ،‬إبراهيم رجب‪ .‬جملة إسالمية املعرفة‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫السنة‪:‬األوىل العدد‪ . 3 :‬ص ‪.51‬‬


‫‪ -‬إسالمية املعرفة‪ ،‬املعهد العاملي للفكر اإلسالمي‪ .‬ص ‪.54‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪276‬‬
‫فبعد أن تصوروا ‪ -‬يف مرحلة املقاربة ‪ -‬أن الدميوقراطية صنو الشورى ‪ -‬وِإ ْن‬
‫اختلفت املسميات ‪ ،-‬انتقلوا ‪ -‬يف مرحلة املقارنة ‪ -‬إىل القول بأن الشورى متتاز عن‬
‫الدميوقراطية يف أمور كثرية‪ ،‬وعُ َّد ذلك يف منتصف القرن املاضي نوعا من االجتهاد‪.‬‬
‫لكن هذه احملاوالت كلها ليست من االجتهاد – كما يذهب إىل ذلك منظرو‬
‫«األسلمة» ‪-‬؛ ألن منطلق فكر املقاربات وفكر املقارنات واحد وهو منطلق التقليد‪،‬‬
‫وما دام هذا املنطلق هو احملور الذي تدور عليه املقاربة واملقارنة ‪ ،‬وما دام هو املقياس‬
‫واملعيار‪ ،‬فإن ذلك ليس باجتهاد وال جتديد‪ ،‬وأفضل ما يقال فيه إنه «حالة متقدمة يف‬
‫التقليد»‪ .‬كما أن البحث عن أصول وجذور يف الرتاث لألفكار واألطروحات‬
‫(‪)1‬‬
‫السائدة ال يُ ُّ‬
‫عد جتديداً‪ ،‬وإمنا هو أقرب ما يكون إىل ما عُرف بني الفقهاء بالتلفيق‪.‬‬
‫هكذا ينتقد أصحاب «إسالمية املعرفة» حماوالت اإلصالح والتجديد السالفة‬
‫ويقدمون مشروعهم الفكري حتت عنوان‪« :‬مشروع منهجي معريف»‪ .‬لكن ينبغي‬
‫التنبيه إىل أن هناك فارقاً بني احملاوالت السالفة لإلصالح وبني حماوالت منظري‬
‫مفتقرا إىل املوضوعية‪ ،‬وهو أن‬
‫ً‬ ‫«األسلمة» جتعل نقد هؤالء املنظرين لزعماء اإلصالح‬
‫زعماء اإلصالح والتجديد كان مشروعهم أكرب وأضخم من مشروع األسلمة الذي‬
‫تركز حول املنهج واملعرفة يف حني أن أولئك املصلحني كانت مهومهم شاملةً جلوانب‬
‫الفكر والعمل على حد سواء إن مل يكن العمل مقدما على التنظري‪ .‬وإذا كان نقد‬
‫احملاوالت السابقة أمراً مطلوباً وضرورياً‪ ،‬فإنه ال ينبغي حبال إغفال ظروف املكان‬
‫والزمان والبيئة الفكرية والسياسية ومدى نضجها لدى العامة واخلاصة وإال كان‬
‫نقدهم حماكمة هلم إىل غري مقاييس عصرهم وإسقاطا ملالبسات احلاضر على‬
‫مالبسات املاضي‪ ،‬ويف هذا ‪ -‬من البعد عن املوضوعية والتجرد العلمي ‪ -‬ما ال خيفى‬
‫على ذي نظر حصيف‪.‬‬

‫‪ -‬مناهج التجديد (سلسلة آفاق التحديد)‪ ،‬حترير وحوار‪ :‬عبد اجلبار الرفاعي ‪ .‬حوار مع طه‬ ‫‪1‬‬

‫جابر العلواين بعنوان ‪«:‬إسالمية املعرفة فكر ًة ومنهاجاً»‪ .‬دمشق‪ ،‬دار الفكر‪ -‬بريوت‪ ،‬دار الفكر‬
‫املعاصر‪ .‬ط‪1421( .1 :‬هـ‪2000/‬م)‪ .‬ص ‪.115-112‬‬

‫‪277‬‬
‫ولتوضيح طبيعة املنهجية وجماالت املعرفة اليت تتوجه إليها األسلمة‪ ،‬فإن أبرز‬
‫منظري هذا االجتاه(‪ )1‬يقدم تقسيما إمجاليا للعلوم واملعارف ويصنفها ثالث جمموعات‬
‫كربى‪ ،‬كل جمموعة تندرج حتتها علوم كثرية‪:‬‬
‫‪ – 1‬المجموعة األولى‪ :‬العلوم النقلية ‪ ،‬أو ما اصطلح على تسميتها‬
‫بالعلوم الشرعية – وحمورها القرآن الكرمي والسنة النبوية – سواء أكانت علوم‬
‫(‪)2‬‬
‫وسائل أم مقاصد‪.‬‬
‫‪ – 2‬المجموعة الثانية‪ :‬العلوم اإلنسانية والعلوم االجتماعية‪.‬‬
‫‪ – 3‬المجموعة الثالثة‪ :‬العلوم التقنية والتطبيقية أو البحتة‪.‬‬

‫وإسالمية املعرفة تستهدف التجديد يف اجملموعات الثالث كلها‪:‬‬


‫‪ -‬في إطار العلوم الشرعية من خالل التأكيد على تأثرها كثرياً بعاملي‬
‫الزمان واملكان وحاجتها إىل مراجعات دائمة يف ضوء «منهجية القرآن»‪.‬‬
‫‪ -‬في إطار العلوم اإلنسانية واالجتماعية من خالل إخضاع مناهجها‬
‫ونظريات املعرفة فيها ملنهج «اجلمع بني القراءتني» ‪ -‬القراءة يف الكون‬
‫والقراءة يف الوحي – لتصحيح مسريهتا وحماولة ربطها بالقيم‪.‬‬
‫‪ -‬وأما في إطار العلوم البحتة‪ ،‬فإن منظري األسلمة يرون ضرورة‬
‫توظيف هذه العلوم يف إطار منهج معريف ال يغفل عنصر اإلميان بالغيب‬
‫ليدرك اإلنسان أن ما جيري يف الكون ليس جمرد جدل بني اإلنسان‬
‫والطبيعة‪ ،‬وإمنا هو – كما عرَّب عنه العلواين – بقوله‪ « :‬جدل بني اهلل –‬
‫الغيب – الطبيعة – اإلنسان‪ ،‬وإضافة هذا البعد كفيلة بإعطاء فلسفة هذه‬
‫(‪)3‬‬
‫العلوم امتداداً كونياً وغائيةً»‪.‬‬

‫‪ -‬طه جابر العلواين‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬علوم الوسائل مثل‪ :‬علوم اللغة‪ ،‬وعلوم املقاصد مثل علم التفسري وعلم احلديث وأصول‬ ‫‪2‬‬

‫الفقه‪...‬‬
‫‪ -‬إسالمية املعرفة فكرة ومنهاجا‪ ،‬العلواين‪ .‬ص ‪ .119‬إذا كان تشخيص العلواين سليماً‬ ‫‪3‬‬

‫عندما الحظ أمهية إدراك أن ما جيري يف الكون ليس جمرد جدل بني اإلنسان والطبيعة‪ ،‬وهذا‬

‫‪278‬‬
‫وبذلك يصل أصحاب هذا االجتاه إىل أن إسالمية املعرفة ضرورة إنسانية عاملية؛‬
‫لكون القرآن الكرمي – وحده – الكتاب الكوين الذي ميكن أن يقدم للبشرية التصور‬
‫(‪)1‬‬
‫املنهجي البديل والقادر على اهليمنة على مناهج العلوم كلها‪.‬‬

‫«إسالمية المعرفة» ‪ :‬المنطلـق ‪:‬‬


‫ينطلق املنظرون لفكرة «إسالمية املعرفة» قبل تقدمي تصورهم ملنهج االجتهاد‬
‫املقرتح من نقد ما أمسوه‪« :‬املنهجية التقليدية» اليت يروهنا قاصرة عن الوفاء حباجات‬
‫العصر‪.‬‬
‫غري أن ما يالحظ على هذا النقد ‪ -‬ابتداءً ‪ -‬أنه مل يُسبق بتعريف دقيق ملقصودهم‬
‫باملنهجية التقليدية وإن ذهبوا ‪ -‬أحيانا ‪ -‬إىل القول بأهنا‪ « :‬علم أصول الفقه‪ ،‬فهو‬
‫ميثل أهم جزئية يف املنهجية األساسية يف دائرة الدراسات اإلسالمية‪ ،‬وميكن تسميته‬
‫(‪)2‬‬
‫باملنهج التقليدي»‪.‬‬
‫إن حماولة تركيز املنهجية يف أصول الفقه أمر تعوزه الدقة والصحة على السواء؛‬
‫يكون الفكر اإلسالمي‬
‫ذلك أنه – [أصول الفقه] ‪ -‬جزء من منهج كلي متكامل ِّ‬
‫بتصوراته العقدية ونظمه التشريعية وأسسه األخالقية‪ ،‬وهو بناء مرتاص متني يشد‬
‫بعضه بعضا برباط وثيق ميثل العالقات املنظمة هلذه األجزاء كلها‪.‬ولعله من اخلطأ‬
‫املنهجي أن يتم انتقاد جزئيات من نظام متكامل حملاولة تقدمي نظام آخر بديل‪.‬‬
‫وقد متثلت أهم االنتقادات للمنهجية التقليدية ‪ -‬كما يعرضها منظرو هذا االجتاه‬
‫‪ -‬فيما يأيت‪:‬‬

‫مقرر يف التصور اإلمياين الصحيح؛ فإن تعبريه «جدل بني اهلل‪ ،‬الغيب‪ ،‬الطبيعة واإلنسان» ال يتفق‬
‫– مطلقاً ‪ -‬مع التصور اإلسالمي؛ ذلك أن كلمة «اجلدل» ‪ -‬وما حتمله من معاين التضاد‬
‫واالختالف والصراع ‪ -‬ال جيوز التعبري هبا عن عالقة بني «اهلل» خالق الكون وبني سائر خملوقاته‬
‫مبا فيها اإلنسان‪ .‬ولعلها زلة ما كان ينبغي أن تصدر من رجل فقيه ومفكر يتصدى لبناء املنهجية‬
‫اإلسالمية السليمة‪.‬‬
‫‪ -‬إسالمية املعرفة فكرة ومنهاجا‪ .‬ص‪.119‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬أزمة العقل املسلم ‪ ،‬أبو سليمان‪ .‬ص ‪.74‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪279‬‬
‫‪ – 1‬قصور هذه المنهجية‪ :‬ذلك أن حرص املسلمني على اإلسالم‬
‫وختوفهم عليه من أعدائه املرتبصني به ‪ -‬داخلياً وخارجياً – دفعهم ‪-‬يف فرتة‬
‫من الزمن ‪ -‬إىل املناداة بغلق باب االجتهاد واالقتصار على املوروث عن علماء‬
‫األمة الصاحلني؛ فمنعوا ‪ -‬بذلك – األخذ بكل رأي جديد‪ ،‬ودعوا إىل االلتزام‬
‫الصارم بالنصوص احلرفية للشريعة وأقوال متقدمي الفقهاء‪.‬‬
‫وقد ظل الفقه ‪ -‬إىل حدود القرن الثاين عشر اهلجري – على الرغم من‬
‫مغلقة حىت الوقت احلاضر يف‬
‫ودائرة ً‬
‫ً‬ ‫االنتصارات العسكرية الكثرية ‪ « : -‬نظاماً‬
‫حني أعطت العلوم والتكنولوجيا احلديثة الغرب القوة لتحدي املسلمني‬
‫وهزميتهم»(‪.)1‬‬
‫‪ – 2‬قصور الفقه وأصوله عن عالج قضايا العصر‪ :‬وقد عزا أصحاب هذا‬
‫االجتاه فشل الدعوات إىل االجتهاد على الرغم من تواليها إىل سببني‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن املؤهالت التقليدية املطلوب توفرها يف اجملتهد ظلت‬ ‫‪‬‬
‫على حاهلا؛ مما حصر االجتهاد يف األئمة السابقني الذين حيمل علمهم‬
‫وفقههم خرجيو املدرسة التقليدية‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬يكمن يف تصور أن اجملتهد – كما يقول منظرو هذا‬ ‫‪‬‬
‫االجتاه ‪ -‬هو – بالضرورة – الفقيه‪ ،‬أي الشخص الذي مكنته دراسته‬
‫لكتب الفقه من أن يرتجم القضايا االجتماعية املعاصرة إىل مسائل تندرج‬
‫حتت أبواب الفقه الشرعي وفق مذهب تقليدي معني‪ ،‬األمر الذي جعل‬
‫معاجلة هذه القضايا تقتصر على الصياغات القانونية الشرعية‪ ،‬فاختزل –‬
‫بذلك ‪ -‬معىن االجتهاد يف أعمال اإلفتاء وإصدار األحكام على التصرفات‬
‫اليومية للمسلمني وأغفل النظر الشامل إىل املسائل االجتماعية‪ .‬يقول‬
‫املنظر‪ « :‬فإعداد الفقيه واجملتهد باملفهوم التقليدي يشده ‪ -‬بعيداً ‪ -‬عن‬
‫مثل هذا النظر ويبقيه سجيناً يف دائرة الربط واملواءمة بني املمارسات‬

‫‪ -‬إسالمية املعرفة‪ ،‬املعهد العاملي للفكر اإلسالمي‪ .‬ص ‪.59‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪280‬‬
‫االجتماعية القائمة وبني األحكام اليت تتعلق هبا مما سبق أن قال به مذهب‬
‫أو آخر من مذاهب العصور السابقة»(‪.)2()1‬‬
‫وهذا القصور الذي الزم معىن االجتهاد على مدى العصور املتأخرة هو‬
‫الذي دعا أصحاب هذا االجتاه – حسب قوهلم – إىل العمل على إصالح‬
‫املنهج التقليدي‪ ،‬واستحداث منهجية علمية جديدة تقوم على أساس إعادة‬
‫(‪)4()3‬‬
‫النظر يف التعامل مع مصادر الشريعة وأصول املعرفة اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ – 3‬توهم التعارض بين الوحي والعقل‪:‬الذي نشأ على إثر تسرب الفكر‬
‫(‪)5‬‬
‫الوافد إىل ثقافة األمة اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ – 4‬فصل الفكر عن العمل‪ :‬وذلك لالنفصال بني السالطني الذين‬
‫استأثروا بالسلطة والعلماء الذين اكتفوا بالفكر وهجروا(‪ )6‬ساحة الواقع‬
‫(‪)7‬‬
‫التجرييب؛ مما جعلهم يفقدون صلتهم بالواقع‪.‬‬
‫‪ – 5‬ازدواجية الثقافة‪ :‬فقد نشأ ‪ -‬يف حياة املسلمني – ثقافتان دنيوية‬
‫ودينية نتيجة االنفصام بني ما هو ذو عالقة بالقيم الدينية والروحية وبني ما‬
‫(‪)8‬‬
‫هو دنيوي‪.‬‬
‫هذه هي أهم االنتقادات اليت الحظها منظرو «أسلمة املعرفة» على املنهجية‬
‫التقليدية للفكر اإلسالمي‪ .‬وإذا كان أغلبها وصفاً وتقريراً لواقع تارخيي وحماولةً‬
‫لتفسري أحداث مضت وانقضت وظلت آثارها ماثلةً إىل اليوم؛ فإن ما يقدمونه ‪-‬من‬

‫‪ -‬إسالمية املعرفة‪ .‬ص ‪.64‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ليس السبب يف هذا ماذُكر‪ ،‬وإمنا – أرى – أن سببه عدم توفر اجملتهد املطلق‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬إسالمية املعرفة‪ .‬ص ‪.64‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬لعل أساس املشكلة عدم فهم هذه املصادر فهماً عميقاً‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬إسالمية املعرفة‪ .‬ص ‪.66‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ -‬لعل كثرياً من العلماء مل يهجروا الواقع ولكنهم أبعدوا قسراً‪ ،‬واشتغاهلم بالفكر واقتصارهم‬ ‫‪6‬‬

‫عليه هو أضعف اإلميان‪.‬‬


‫‪ -‬إسالمية املعرفة‪ .‬ص ‪.69‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪ -‬إسالمية املعرفة‪ .‬ص ‪.71-70‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪281‬‬
‫منهجية بديلة ‪ -‬ال ميكن التسليم به على إطالقه ألسباب موضوعية يناقشها الباحث‬
‫حني إيراده ملا يعرضونه بديالً منهجياً للفكر اإلسالمي‪.‬‬
‫ولعل أهم مالحظة تؤخذ على أصحاب هذا االجتاه ‪ -‬وهم ينتقدون املنهجية‬
‫التقليدية ‪ -‬اختزاهلم أزمة األمة يف الفكر واملنهج‪ .‬إن هذا احلصر املتعسف يعد تبسيطا‬
‫غري مقبول ألمر هو أكثر عمقاً وأشد تعقيداً‪ .‬صحيح أن الفكر ركن أساسي ومهم‬
‫يف بناء كيان األمة‪ ،‬ولكنه وحده – مع أمهيته ‪ -‬غري كاف لتغيري األوضاع املتداخلة‬
‫متكامل لبناء الشخصية الكفيلة بإحداث التغيري‬
‫ٌ‬ ‫عمل‬
‫بد أن يصحبه ٌ‬ ‫للمجتمع بل ال َّ‬
‫املطلوب واملنشود‪.‬‬
‫ويبدو أن أصحاب هذا االجتاه – حبصرهم األزمة يف الفكر واملنهج – قد وقعوا‬
‫يف عني ما انتقدوا به املنهجية التقليدية وذلك بفصلهم الفكر عن العمل‪.‬‬

‫‪282‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫«المنهجية اإلسالمية»‬
‫كما يقدمهاـ اتجاه أسلمة المعرفة‬
‫أبرز ما مييز هذا االجتاه رفعه شعار العقيدة أساس النظام املعريف؛ لتكون وظيفتها‬
‫[العقيدة] حتديد العالقة وتنظيمها بني أهم قضايا الوجود‪ :‬الغيب‪ ،‬والكون‪،‬‬
‫واإلنسان؛ وذلك من خالل تصحيح التصورات اإلميانية لأللوهية والوجود كله مبا فيه‬
‫(‪)1‬‬
‫الكون واإلنسان‪.‬‬
‫ويقدم منظرو األسلمة مجلة من األسس واملبادئ اليت تشكل إطار املنهجية‬
‫اإلسالمية ومنطلقاهتا‪ ،‬وتتلخص فيما يأيت‪:‬‬
‫‪ -1‬التوحيد‪ :‬فاهلل تعاىل هو احلق ومصدر كل حق ومطلق الكمال‪ ،‬بأمره‬
‫وجدت الكائنات وإرادته هي اليت حتدد غاية وجودها‪ ،‬وكل شيء‬
‫(‪)2‬‬
‫خملوق بقدر‪.‬‬
‫‪ -2‬وحدة الخلق‪ :‬وهو من مظاهر القدرة اإلهلية اليت خلقت الكون وفق‬
‫سنن وقوانني حمكمة ودقيقة ووجهت اإلنسان إىل السعي باتباع تلك‬
‫السنن(‪ ، )3‬فالكون وما فيه مسخر لإلنسان من خالل النظام احملكم‬
‫(‪)4‬‬
‫املودع فيه واملطلوب معرفته واكتشافه‪.‬‬

‫‪ -‬إسالمية املعرفة‪ .‬ص ‪76-75‬؛ ومقدمة يف إسالمية املعرفة‪ ،‬طه جابر العلواين‪ .‬بريوت‪ ،‬دار‬ ‫‪1‬‬

‫اهلادي‪ .‬ط‪1421( .1:‬هـ‪2001/‬م)‪ .‬ص ‪.41-40‬‬


‫‪ -‬إسالمية املعرفة‪ .‬ص ‪.80-78‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬م‪.‬س‪ .‬ص ‪.84-80‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬م‪.‬س‪ .‬ص ‪.88-84‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪283‬‬
‫‪ -3‬المعرفة ووحدة الحقيقة‪ :‬أهم أساس للمعرفة – يف اإلسالم – أن‬
‫احلقيقة واحدة سواء ما كان متعلقا منها بالواقع أم املطلق؛ وعليه فال‬
‫(‪)5‬‬
‫تعارض بني حقائق الواقع ومقررات الوحي‪.‬‬
‫‪ -4‬وحدة الحياة‪ :‬ما دام وجود اإلنسان ‪ -‬يف هذا الكون ‪ -‬لغاية عظيمة‪،‬‬
‫فإن املفكر املسلم مطالب بتحقيق إسالمية احلياة‪ ،‬وأن حيدد ‪-‬نظرياً‬
‫(‪)2‬‬
‫وتطبيقياً ‪ -‬عالقة املسلم بكل جزئية يف احلياة اإلنسانية‪.‬‬
‫‪ -5‬وحدة اإلنسانية‪ :‬البشر كلهم سواسية‪ ،‬وال تفاضل بينهم إال مبقدار‬
‫(‪)3‬‬
‫أعماهلم وإجنازاهتم اإلعمارية وإصالحهم احلضاري والثقايف‪.‬‬
‫‪ -6‬تكامل الوحي والعقل‪ :‬العقل والوحي ضروريان ومتكامالن لتحقيق‬
‫(‪)4‬‬
‫احلياة اإلنسانية الصحيحة واملتوازنة‪.‬‬
‫لعل تكامل الوحي والعقل يعد أمراً مسلماً به عقدياً‪ ،‬لكن اخلالف األساس يف‬
‫املوضوع‪ :‬أيهما احلاكم – العقل أم النقل – إذا اختلفا أو تعارضا؟ هذا األمر حيتاج‬
‫إىل توضيح دقيق من منظري األسلمة حىت ال يستثمر يف إخضاع النصوص حلاكمية‬
‫الواقع واملصلحة‪.‬‬
‫‪ -7‬الشمولية في المنهج والوسائل‪ :‬ما مييز اإلسالم مشوليته يف توجيه مجيع‬
‫جوانب احلياة اإلنسانية‪ ،‬ومشولية الوسائل املستخدمة لتحقيق غايات‬
‫(‪)5‬‬
‫اإلنسان يف الوجود مبا يناسب كل جمال معريف‪.‬‬
‫هذه هي مجلة التصورات اإلميانية كما أشار إليها منظرو األسلمة‪ .‬ولعل فكرة‬
‫ربط الوجود بتصور إمياين حتدده العقيدة ليس أمراً جديداً‪ ،‬وال اكتشافا غري مسبوق؛‬

‫‪ -‬م‪.‬س‪ .‬ص ‪.93-89‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ -‬إسالمية املعرفة‪ .‬ص ‪.102‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬م‪.‬س‪ .‬ص ‪ .112-103‬لكن كيف يستقيم بناء منهجية إسالمية سليمة على أساس جيعل‬ ‫‪3‬‬

‫مقياس التفاضل بني البشر اإلجنازات اإلعمارية واإلصالح احلضاري والثقايف‪ ،‬وليس مقياس‬
‫العقيدة الصحيحة احلية يف واقع الناس؟‬
‫‪ -‬إسالمية املعرفة‪ .‬ص ‪.114‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬م‪.‬س‪.117-116 .‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪284‬‬
‫ألن ذلك من صميم العقيدة نفسها‪ ،‬ومن مهمة الرسالة اليت جاء هبا الرسول الكرمي‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬إال أهنا مل تتبلور يف إطار نظري إال بعد نشوء علم العقيدة‪.‬‬
‫ذلك أن العقيدة اإلسالمية جاءت جُمْ َملَةً يف القرآن الكرمي وفصلتها السنة النبوية‬
‫وتلقاها اجليل األول من الصحابة – رضي اهلل عنهم – دون جدل أو مماحكة‪ ،‬وإمنا‬
‫أعملوا أنظار الفطرة يف األدلة اليت ساقها القرآن إلقناعهم وتصحيح تصوراهتم‬
‫اإلميانية‪ .‬ومل يظهر التنظري العقدي إال عقب أحداث طرأت على اجملتمع اإلسالمي‬
‫ت فيها املبادئ واملثل اإلسالمية سواء يف دائرة السلوك العملي الفردي أو‬ ‫ُخ ِرقَ ْ‬
‫السلوك العملي االجتماعي العام؛ مما دعا بعض املسلمني إىل النظر يف هذه األحداث‬
‫وتقوميها والرجوع إىل أصوهلا يف العقيدة باعتبار أن قواعد السلوك إمنا هي فروع‬
‫(‪)1‬‬
‫لقواعد العقيدة‪ ،‬فال تتم معاجلتها إال مبعاجلة أصوهلا يف العقيدة‪.‬‬
‫مث إن الشُّبَهَ اليت أثارها أصحاب الديانات واملذاهب املخالفة حول مسائل العقيدة‬
‫دفعت علماء املسلمني إىل الرد عليها وإبطاهلا اعتماداً على الدليل والربهان؛ مما أسهم‬
‫(‪)2‬‬
‫يف إنشاء علم العقيدة وتطويره‪.‬‬
‫ولعل أبرز من صاغ التصور اإلمياين للوجود اإلنساين ‪ -‬اعتماداً على آيات القرآن‬
‫الكرمي واستخالصاً من األحاديث النبوية الشريفة ‪ -‬الراغب األصفهاين(‪ ،)3‬يف كتابه‬

‫‪ -‬اإلميان باهلل وأثره يف احلياة‪ ،‬عبد اجمليد النجار‪ .‬بريوت‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪.‬ط‪( .1:‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪1997‬م) ص ‪.18-17‬‬
‫‪ -‬م‪.‬س‪ .‬ص ‪19‬؛ ومباحث يف منهجية الفكر اإلسالمي(منهج الفكر العقدي بني القدمي‬ ‫‪2‬‬

‫واحلديث)‪ .‬عبد اجمليد النجار‪ .‬بريوت‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ .‬ط‪1992( .1:‬م)‪ .‬ص ‪ 81‬وما‬
‫بعدها‪.‬‬
‫‪ -‬هو أبو القاسم احلسني بن حممد املعروف بالراغب األصفهاين‪ .‬له مشاركة يف علوم كثرية‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫أمهها‪ :‬العقيدة والتفسري واألدب‪ .‬من مصنفاته‪« :‬رسالة يف االعتقاد»‪ ،‬و«الذريعة إىل مكارم‬
‫الشريعة»‪ ،‬و«تفسري القرآن»‪ F،‬و«املفردات يف ألفاظ القرآن»‪« ،‬حماضرات األدباء وحماورات‬
‫البلغاء والشعراء»‪ .‬رجح أحد الباحثني أن تكون وفاته سنة (‪406‬هـ) خالفاً ملا شاع من أنه‬
‫تويف سنة (‪502‬هـ)‪ .‬الراغب األصفهاين وجهوده يف اللغة واألدب‪ ،‬عمر عبد الرمحن الساريسي‪.‬‬
‫عمان‪ ،‬مكتبة األقصى‪1407(.‬هـ‪1987/‬م)‪ .‬ص ‪ 28‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪285‬‬
‫النفيس «تفصيل النشأتني وحتصيل السعادتني»‪ ،‬وفيه يقول ‪ « :‬وقد أنبأت ‪ -‬يف هذه‬
‫الرسالة ‪ -‬عن مجلة املوجودات‪ ،‬ومكان اإلنسان منها ومبدئها ومنشئها ومنتهاها‪،‬‬
‫وما جعل لـه من السعادة يف الدارين باكتساب اإلنسانية وكيفية التطرق إليها‪،‬‬
‫وابتدأت بالتنبيه على وجوب معرفة اإلنسان ذاته»(‪.)1‬‬
‫فمن أهم احملاور اليت أثارها األصفهاين إشاراته العلمية الدقيقة إىل اإلنسان وماهيته‬
‫وكيف خلقه اهلل ومكانته من املخلوقات والغرض الذي ألجله أوجد‪ ،‬وإىل تفاوت‬
‫الناس وسعادهتم وأحواهلم‪ ،‬والشرع وتظاهره مع العقل‪ ،‬والعبادة وأنواع الفضائل‬
‫وربطها بالعمل لآلخرة وعدم نسيان النصيب من الدنيا‪ ،‬واملعاد واملوت وما يعد من‬
‫(‪)2‬‬
‫السعادات‪.‬‬
‫أما يف العصر احلديث‪ ،‬فإن سيد قطب(‪ )3‬أبرز من حتدث عن التصور اإلمياين‬
‫للخالق والكون واإلنسان من خالل كتابه «خصائص التصور اإلمياين»‪ ،‬وتفسريه«يف‬
‫ظالل القرآن»‪ ،‬غري أن ما قدمه من تصورات كان مقدمةً لعمل تغيريي شامل على‬
‫مستوى الفرد واجملتمع وفق ما تقتضيه هذه التصورات اليت جتعل الغاية من الوجود‬
‫الكوين تسخريه لإلنسان املطالب بتحقيق حاكمية اهلل تعاىل وذلك خبضوعه ألحكام‬
‫(‪)4‬‬
‫شرعه يف كل جماالت احلياة‪.‬‬

‫‪ -‬تفصيل النشأتني وحتصيل السعادتني‪ ،‬الراغب األصفهاين‪ .‬ت‪ :‬عبد اجمليد النجار‪ .‬بريوت‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫دار الغرب اإلسالمي‪ .‬ط‪1408( .1:‬هـ)‪ .‬ص ‪.53‬‬


‫‪ -‬م‪.‬س‪ .‬ص ‪.59-57‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬إبراهيم حسني شاذيل (‪1966-1906‬م)‪ :‬أديب ومفكر وداعية إسالمي‪ .‬مولده ونشأته‬ ‫‪3‬‬

‫ومماته مبصر‪ .‬له مؤلفات عديدة يف األدب والدعوة والتفسري‪ ،‬منها‪« :‬التصوير الفين يف القرآن»‪،‬‬
‫«النقد األديب أصوله ومناهجه»‪« ،‬خصائص التصور اإلسالمي ومقوماته»‪« ،‬معامل يف الطريق»‪،‬‬
‫«يف ظالل القرآن‪ -‬تفسري»‪ .‬مدخل إىل ظالل القرآن (يف ظالل القرآن دراسة وتقومي‪ ،)1‬صالح‬
‫الدين اخلالدي‪ ،‬األردن‪ ،‬دار عمار‪ .‬ط‪1421( .2:‬هـ‪2000/‬م)‪ .‬ص ‪.34-19‬‬
‫‪ -‬املنهج احلركي يف ظالل القرآن(يف ظالل القرآن دراسة وتقومي ‪ ،)2‬صالح عبد الفتاح‬ ‫‪4‬‬

‫اخلالدي‪ ،‬األردن‪ ،‬دار عمار‪ .‬ط‪1421( .2:‬هـ‪2000/‬م)‪ .‬ص ‪.136‬‬

‫‪286‬‬
‫إن ما يقدمه دعاة أسلمة املعرفة ‪ -‬من تصورات ومفاهيم عقدية ‪ -‬هو عني ما‬
‫قدمه سيد قطب غري أهنم مل يذهبوا هبا إىل كوهنا منطلق التغيري يف األفراد واجملتمعات‪،‬‬
‫وإمنا وقفوا هبا يف حدود الفكر والتنظري خمتزلني أزمة األمة كلها يف الفكر واملنهج‪،‬‬
‫فرفعوا – لذلك – شعار «أسلمة املعرفة»‪ ،‬يف حني أن سيد قطب ذهب إىل أن‬
‫حقيقة الدين – كما يقول ‪ « :-‬وحدة ال تتجزأ‪ ،‬تنظيماته االجتماعية‪ ،‬وقواعده‬
‫التشريعية‪ ،‬وشعائره التعبدية‪..‬كلها منبثقة من العقيدة فيه‪ ،‬وكلها نابعة من التصور‬
‫الكلي الذي تنشئه هذه العقيدة‪ ،‬وكلها مشدود برباط واحد إىل اهلل‪ ،‬وكلها تنتهي‬
‫إىل غاية واحدة هي العبادة‪.)1( »..‬‬
‫لذا فإنه رفع شعار «أسلمة الواقع»‪ ،‬مما انعكس على منهجه يف التعامل مع القرآن‬
‫الكرمي‪ ،‬يقول‪ «:‬منهج التلقي للتنفيذ والعمل هو الذي صنع اجليل األول‪ .‬ومنهج‬
‫خرج األجيال اليت تلته‪...‬وما من شك أن هذا‬
‫التلقي للدراسة واملتاع هو الذي َّ‬
‫العامل الثاين كان عامال أساسيا كذلك يف اختالف األجيال كلها عن ذلك اجليل‬
‫املميز الفريد»(‪.)2‬‬

‫الجمـع بيـن القراءتيــــن‪:‬‬


‫يرتدد هذا املصطلح كثرياً لدى منظري «األسلمة»‪ ،‬فهو أحد أركان نظريتهم وإ ْن‬
‫مل يستخدمه كلهم مبفهوم واحد‪ .‬وأساس الفكرة ومرتكزها أن الكون يُعد كتاب اهلل‬
‫املخلوق كما أن القرآن الكرمي هو كتاب اهلل املنزل ويف كال الكتابني من الدالئل‬
‫واملؤشرات ما يهدي إىل اآلخر؛ فاجلمع بني القراءتني ‪ -‬كما يقول املنظر ‪ «:-‬مجع‬
‫بني كتاب منزل متلو معجز هو القرآن‪ ،‬وكتاب خملوق مفتوح وهو هذا اخللق بدءاً‬
‫من اإلنسان»(‪.)3‬‬

‫‪ -‬املنهج احلركي يف ظالل القرآن ‪ .‬ص ‪(.140‬نقال عن‪ :‬يف ظالل القرآن لسيد قطب‬ ‫‪1‬‬

‫‪.)1/163‬‬
‫‪ -‬مدخل إىل ظالل القرآن ‪ ،‬صالح اخلالدي‪ .‬ص ‪.229‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬مقدمة يف إسالمية املعرفة‪ .‬ص ‪55‬؛ واجلمع بني القراءتني قراءة الوحي وقراءة الكون‪ ،‬طه‬ ‫‪3‬‬

‫جابر العلواين‪ .‬فرجينيا‪ ،‬املعهد العاملي للفكر اإلسالمي‪ .‬ط‪1996( .1:‬م)‪ .‬ص ‪.11‬‬

‫‪287‬‬
‫ويذهب أبو القاسم حاج محد إىل أبعد من ذلك يف استخدامه مصطلح اجلمع بني‬
‫القراءتني حماوال إعطاءه بُعداً فلسفياً وصياغته صياغة نظرية‪ ،‬غري أنه أوغل يف‬
‫استعمال لغة فلسفية شاهبا كثري من التعقيد؛ مما جعل الفكرة غامضة مشوشة‪،‬‬
‫وإيضاحها أمراً ذا صعوبات كثرية‪.‬‬
‫يؤكد [أبو القاسم] أنه ال يقصد باجلمع بني القراءتني املفهوم الرتاثي‪ – ،‬يقول‪: -‬‬
‫« العالقة بني القرآن ككون مسطور والوجود ككون منثور انطالقا من أن اهلل‬
‫سبحانه مل يفرط يف الكتاب من شيء‪ ،‬حبيث يتنزل النص ‪ -‬دائماً ‪ -‬على الواقع‪ ،‬يف‬
‫حني أن منهجنا يصعد بالواقع إىل النص‪ ،‬ويعيد قراءة النص قراءة إبستمولوجية ضمن‬
‫مشولية القرآن املعرفية وليس عرب "التقابل الثنائي" بني آيات الكتاب وموضوعات يف‬
‫الوجود‪ ،‬فنقول إن هذه اآلية يف الكتاب املسطور تقابل هذا املوضوع يف الكون‬
‫املنثور‪ ،‬أو كما يفعل – مثال – أنصار التفسري العلمي (اإلعجازي) آليات القرآن يف‬
‫مقابل االكتشافات العلمية»(‪.)1‬‬
‫إن الباحث املذكور يستبعد ‪ -‬متاماً‪« -‬اجلمع بني القراءتني» باملنهج الرتاثي الثنائي‬
‫التقابلي‪ ،‬ويؤكد مقولة أن « القرآن ‪ -‬يف إطالقيته ‪ -‬يعادل الوجود الكوين‬

‫‪ -‬قراءة تفكيكية معاصرة يف النسق التارخيي إلنتاج الرتاث الديين وإعادة قراءة (تركيبية) على‬ ‫‪1‬‬

‫ضوء املطلق القرآين والسنة النبوية النسبية املوازية‪ ،‬حممد أبو القاسم حاج محد‪ .‬جملة املنطلق‪،‬‬
‫ربيع (‪1995‬م)‪ ،‬العدد‪ .111:‬ص ‪.110-109‬‬

‫‪288‬‬
‫وحركته» مبنطق جديل(‪)1‬؛ فاملقصود باجلمع لديه‪ :‬مجع بني الغيب املتشيء يف القرآن‬
‫والكون كما عرَّب عنـه(‪.)2‬‬
‫س ِم‬‫ومستند القول باجلمع بني القراءتني تأويل لآلية القرآنية الكرمية‪  :‬ا ْق َرْأ بِا ْ‬
‫ق ا ْق َرْأ َو َربُّكَ اَأْل ْك َر ُم الَّ ِذي َعلَّ َم بِا ْلقَلَ ِم‬
‫ان ِمنْ َعلَ ٍ‬
‫س َ‬ ‫ق َخلَ َ‬
‫ق اِأْل ْن َ‬ ‫َربِّ َك الَّ ِذي َخلَ َ‬
‫ان َما لَ ْم يَ ْعلَ ْم ‪. )4()3( ‬‬ ‫َعلَّ َم اِأْل ْن َ‬
‫س َ‬
‫فقد ذهب أبو القاسم محد إىل أن اآلية األوىل تضمنت قراءة بامسه تعاىل – كما‬
‫يقول ‪ «:-‬عرب التعلق بقدرة اهلل املطلقة يف احلركة الكونية ودون كيفية‬
‫حمددة‪ ،)5(»...‬كما تضمنت اآلية الثالثة ‪ ‬ا ْق َرْأ َو َربُّ َك اَأْل ْك َر ُم ‪)6( ‬قراءة ثانية ليس‬
‫بامسه ولكن مبعيته؛ تأسيساً على أن الواو – هنا – للمعية‪ ،‬خالفا لقواعد اللغة العربية‬
‫األساسية(‪ ،)7‬مما جيعل القراءة الثانية ذات بعد مستقل‪.‬‬

‫‪» -‬قراءة تفكيكية معاصرة« (م‪.‬س)‪ F.‬ص ‪ .110‬وقد جعل اجلمع بني القراءتني مير مبستويات‬ ‫‪1‬‬

‫ثالثة‪ ،‬وهي‪ :‬أ‪ -‬التأليف بني القراءتني بطريقة ثنائية‪ .‬ب‪ -‬التوحيد بني القراءتني بطريقة منهجية‬
‫عضوية‪ .‬ج‪ -‬اجلمع بني القراءتني برؤية أحادية‪ .‬غري أن للعلواين بعض التحفظ على التحديد‬
‫باملستويات الثالثة‪ ،‬يقول‪« :‬ومن أبرز من أعادوا تقدمي هذه "املنهجية" من املعاصرين األخ حممد‬
‫أبو القاسم حاج محد‪ ،‬حيث شرحها وأوضحها وجعلها يف مستويات ثالثة يف كتابه "العاملية‬
‫اإلسالمية الثانية"‪ :‬مستوى التأليف بني القراءتني ونسبه إىل سيدنا إبراهيم عليه الصالة والسالم‪،‬‬
‫ومستوى اجلمع ونسبه إىل سيدنا حممد عليه الصالة والسالم‪ ،‬ومستوى الدمج ويعترب أبو القاسم‬
‫عصرنا هذا مبثابة البداية له‪ .‬لكننا نرى "اجلمع بني القراءتني" مغنيا عن الدخول فيما عداه»‪.‬‬
‫مقاصد الشريعة (قضايا إسالمية معاصرة)‪ F،‬طه جابر العلواين‪.‬ص ‪.136‬‬
‫‪ -‬العاملية اإلسالمية الثانية‪ ،‬أبو القاسم حاج محد‪.505-1/504 .‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬العلق ‪.5-1‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬كما اعتمد أصحاب هذا االجتاه أيضا على قوله تعاىل‪  :‬فَال ُأ ْق ِس ُم بِ َم َواقِ ِع ال ُّنج ِ‬
‫ُوم َوِإنَّهُ‬ ‫‪4‬‬

‫َظي ٌم ‪( ‬الواقعة‪ )76-75:‬للقول باجلمع بني القراءتني؛ حيث إن اهلل تعاىل‬ ‫لَقَ َس ٌم لَوْ تَ ْعلَ ُمونَ ع ِ‬
‫أقسم بعظمة الكون املادي – وهو الكتاب املنظور – على عظمة الكتاب املسطور‪ .‬مقدمة يف‬
‫إسالمية املعرفة‪ .‬ص ‪.55‬‬
‫‪ -‬العاملية اإلسالمية الثانية‪ ،‬أبو القاسم محد‪.457-1/456 .‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ -‬العلق ‪.3‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪289‬‬
‫إن فكرة «اجلمع بني القراءتني» إذا كانت تعين أن الكون ‪ -‬مبا فيه من موجودات‬
‫ونظام دقيق وسنن حمكمة ‪ -‬شاهد ودليل على القدرة اإلهلية ٍ‬
‫وهاد إىل احلقيقة‬
‫القرآنية‪ ،‬فأرى أن هذه الفكرة قد سبقهم القرآن الكرمي إليها بإعجازه البياين الذي‬
‫يفهمه العامل وغريه يف قصة إبراهيم عليه الصالة والسالم‪ ،‬قال تعاىل‪َ  :‬و َك َذلِ َك نُ ِري‬
‫ين فَلَ َّما َجنَّ َعلَ ْي ِه‬ ‫ون ِم َن ا ْل ُموقِنِ َ‬‫ض َولِيَ ُك َ‬ ‫ت َواَأْل ْر ِ‬ ‫اوا ِ‬
‫س َم َ‬‫ِإ ْب َرا ِهي َم َملَ ُكوتَ ال َّ‬
‫ين فَلَ َّما َرأى ا ْلقَ َم َر‬ ‫اللَّ ْي ُل َرأى َك ْو َكبا ً قَا َل َه َذا َربِّي فَلَ َّما َأفَ َل قَا َل ال ُأ ِح ُّب اآْل فِلِ َ‬
‫بَا ِزغا ً قَا َل َه َذا َربِّي فَلَ َّما َأفَ َل قَا َل لَِئنْ لَ ْم يَ ْه ِدنِي َربِّي َأَل ُكونَنَّ ِم َن ا ْلقَ ْو ِم‬
‫س بَا ِز َغةً قَا َل َه َذا َربِّي َه َذا َأ ْكبَ ُر فَلَ َّما َأفَلَتْ قَا َل يَا‬ ‫ش ْم َ‬ ‫ضالِّين فَلَ َّما َرأى ال َّ‬ ‫ال َّ‬
‫ت‬
‫اوا ِ‬ ‫س َم َ‬ ‫ون ِإنِّي َو َّج ْهتُ َو ْج ِه َي لِلَّ ِذي فَطَ َر ال َّ‬ ‫ش ِر ُك َ‬‫قَ ْو ِم ِإنِّي بَ ِري ٌء ِم َّما تُ ْ‬
‫ين ‪ )1(‬؛ فقد بدأت رحلة البحث عن‬ ‫ش ِر ِك َ‬ ‫ض َحنِيفا ً َو َما َأنَا ِم َن ا ْل ُم ْ‬‫َواَأْل ْر َ‬
‫حقيقة املعرفة بالتأمل يف الكون بسماواته وأراضيه‪ ،‬بنجومه وكواكبه ومجيع مظاهر‬
‫اخللق فيه إىل أن توج الوحي رحلة البحث باليقني‪.‬‬
‫فليس من وظيفة الكون املنثور أن يوحي اهلل به أحكاماً شرعيةً أو يلهمنا إياها‪،‬‬
‫بل إن التأمل فيه ال يتجاوز تقوية اإلميان واملساعدة على استقراء النصوص الستنباط‬
‫األحكام؛ وعليه فال داعي – مطلقاً – لتضخيم هذه الفكرة مبا حيرر هبا العقل عن‬
‫الوحي املسطور‪ ،‬وال داعي ألن يعادل القرآن بالكون‪ .‬أمل يتفق أصحاب هذا االجتاه‬
‫على أن من أسس التصور اإلمياين السليم أن الكون كله خملوق هلل تعاىل وأن احلكمة‬
‫اإلهلية قد اقتضت تسخريه لإلنسان كي حيقق غاية الغايات وهي العبودية اخلالصة‬
‫للخالق عز وجل؟‬
‫إن املعادلة الصحيحة واملقبولة هي أن الكون مسخر لإلنسان‪ ،‬إما تسخريا عملِّياً‬
‫كما هو يف األرض براً وحبراً وجواً‪ ،‬وإما تسخريا لتقوية اإلميان كما هو يف عامل‬
‫السماوات واألجرام‪ ،‬أما القرآن فهو حاكم على اإلنسان ومهيمن على الكون‪،‬‬
‫وشتان بني احلاكم واملسخر‪.‬‬

‫‪ -‬الواو حالية ‪ ،‬ومجلة "ربك األكرم" يف حمل نصب حال من فاعل اقرأ‪ .‬اجلدول يف إعراب‬ ‫‪7‬‬

‫القرآن الكرمي وصرفه‪ ،‬حممود صايف‪ .‬دمشق‪-‬بريوت‪ ،‬دار الرشيد‪.15/366 .‬‬


‫‪ -‬األنعام ‪.79-75‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪290‬‬
‫إن ما سار عليه بعض منظري األسلمة ال خيتلف عن املناهج الباطنية اليت تذهب‬
‫يف التأويل بعيداً حىت لو جتاوزت أبسط قواعد اللغة وأوضح أصول التفسري والتأويل‪.‬‬
‫ففي فهم مضطرب ‪ -‬للجمع بني القراءتني وتأويل متعسف لبعض اآليات‬
‫القرآنية‪ -‬حاول أبو القاسم محد ربط كل آية ببعد مادي كوين‪ ،‬كربطه عدد‬
‫ركعات الصالة – الذي هو أمر تعبدي خالص – مبظاهر الشروق والغروب‬
‫والشفق‪ ،‬وذهابه إىل أن القربان الذي قدمه إبراهيم ‪ -‬عليه السالم ‪ -‬مجل وليس‬
‫كبشاً مدعياً أن ذلك أكثر اتساقاً مع قوانني الطبيعة‪ :‬فالسنام يعادل اجلبال‪ ،‬والقوائم‬
‫(‪)1‬‬
‫تعادل السماء‪ ،‬واخلفاف املبسطة تعادل األرض رابطاً هذا بآخر سورة الغاشية‪..‬‬
‫جتاوز ملنهج الباطنية الذي ال خيضع لضابط؟ مث ما معىن‬
‫أليس يف هذه التأويالت ٌ‬
‫أن اجلمع بني القراءتني مير مبراحل ثالث‪ :‬التأليف‪ ،‬والتوحيد‪ ،‬والدمج؟ وما املقصود‬
‫بقـوله‪ « :‬فالتأليف بني القراءتني صعود من الواقع إىل الغيب‪ ،‬والدمج بني القراءتني‬
‫تنزل من الغيب إىل الواقع‪ ،‬والتوحيد بني القراءتني توسط بني الغيب والواقع‪.)2( »...‬‬
‫إن أبا القاسم محد يريد أن يصل إىل فهم اإلرادة اإلهلية بل إىل اكتشاف العقل‬
‫اإلهلي – كما عرَّب عن ذلك بقوله ‪ «:-‬وهذا معناه بقول آخر أن نكتشف العقل‬
‫اإلهلي من جهة‪ ،‬وأن نكتشف إرادته بني الالمتناهيات الكونية كربا وصغرا مبا يف‬
‫ذلك مطلق اإلنسان‪ .‬وقتها فقط نصل إىل تقنني اإلرادة اإلهلية لنتخذ منها قانونا‬
‫جربيا‪ ،‬أي حني يصل وعينا الكوين إىل مطلق الالمتناهي‪...‬حني نصل إىل ذلك‬
‫الوعي الكوين وعي املطلق الالمتناهي‪ F،‬فإننا ننتقل من مستوى اإلرادة اإلهلية النسبية‬
‫إىل مستوى األمر املطلق‪ ،‬حيث يكون هنا (الدمج بني القراءتني)‪ ،‬وتلك مرحلة ال‬
‫يصلها كائن من كان‪ ،‬ولكن اهلل جيري هذا املستوى – ليس علما‪ ،‬ولكن تصرفا‬

‫‪ -‬منهجية القرآن املعرفية‪ ،‬أبو القاسم حاج محد‪ .‬فرجينيا‪ ،‬املعهد العاملي للفكر اإلسالمي‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(د‪.‬ت)‪ .‬ص ‪.173 ،143 ،142‬‬


‫‪ -‬منهجية القرآن املعرفية‪ .‬ص ‪.133‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪291‬‬
‫وسلوكا – على نوع حمدد من أكمل وأرقى عباده حيث يتماثلون يف سلوكهم مع‬
‫(أمره) مطلقا‪.)3( »...‬‬
‫وللباحث أن يتساءل – هنا ‪ : -‬ما دام منظرو األسلمة ال خيالفون يف تكامل‬
‫ٍ‬
‫وقدرات ‪ -‬أن‬ ‫الوحي والعقل ودور كل منهما‪ ،‬كيف ميكن لإلنسان احملدود ‪ -‬عقالً‬
‫يكتشف "العقل اإلهلي" – كما عرَّب عنه ‪ ،-‬وأن يكتشف إرادته بني الالمتناهيات‪F‬‬
‫الكونية؟ وكيف لوعي اإلنسان الكوين أن يصل إىل مطلق الالمتناهي؟ أليست هذه‬
‫هي نظرية وحدة الوجود اليت التقى فيها غالة الصوفية باملالحدة ؟ وما معىن االنتقال‬
‫من مستوى اإلرادة اإلهلية النسبية إىل مستوى األمر املطلق حيث يكون هناك (الدمج‬
‫بني القراءتني) ؟ وما فائدة الدمج إذا مل يكن مبقدور كائن من كان أن يصل إليه‬
‫وليس هناك علم يوصل إليه وإمنا هو جمرد سلوك وتصرف إنساين ؟ أليس يف هذه‬
‫الشطحات الصوفية املوغلة يف االحنراف وتلك التعقيدات الفلسفية املوغلة يف اإلهبام‬
‫خمالفة صرحية لبداهة املنهج العلمي الرصني القائم على التحديد الدقيق للمصطلحات‬
‫واملفاهيم‪ ،‬واملتميز بوضوح الفكرة والتسلسل املنطقي لعناصر التحليل‪ ،‬حىت ال حيتاج‬
‫املنهج املقرتح لالجتهاد إىل منهج أو مناهج تفسره وتزيل إهبامه وغموضه ؟‬

‫‪ -‬العاملية اإلسالمية الثانية‪.1/449 .‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪292‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫منهجية التعامل مع القرآن الكريم‬
‫إذا كان اجلمع بني القراءتني أهم حمدد لبناء املعرفة – كما يرى منظرو هذا‬
‫االجتاه ‪ -‬فإن منهج القراءة يف الوحي‪ ،‬أي منهج التعامل مع القرآن الكرمي حمتاج إىل‬
‫توقف ومراجعة كي يتسق مع عملية «أسلمة املعرفة»‪.‬‬
‫وقد اقتضت هذه املراجعة من منظري األسلمة إعادة النظر يف العلوم املرتبطة‬
‫بالقرآن الكرمي فدعوا إىل جتاوز كثري من املوروث العلمي – الذي أدى دوره يف‬
‫خدمة النص القرآين(‪ ، - )1‬وذلك لسيادة العقلية البالغية اللغوية خالل عصر التدوين‬
‫– كما يربر رواد هذا االجتاه ‪ ، -‬وهي عقلية توحي بتعامل جيزئ النص ويالحظ‬
‫معاين املفردات‪ ،‬يف حني أن املرحلة الراهنة قد متيزت بسيادة عقلية اإلدراك املنهجي‬
‫لألمور والبحث عن العالقات بطرق حتليلية ونقدية توظف األطر العلمية املختلفة‬
‫(‪)2‬‬
‫وتربطها مبوضوعات حضارية متشعبة‪.‬‬
‫ويؤكد أرباب هذا االجتاه أن يف القرآن الكرمي منهجية معرفية تضبط قوانني‬
‫األفكار وتقننها‪ ،‬وبدون هذا التقنني يتحول الفكر – كما يقول أبو القاسم محد ‪-‬إىل‬
‫(‪)3‬‬
‫جمرد تأمالت وخاطرات انتقائية‪.‬‬

‫‪ -‬مقدمة يف إسالمية املعرفة‪ .‬ص‪89‬؛ ومعامل التأصيل اإلسالمي للعلوم االجتماعية‪ ،‬إبراهيم‬ ‫‪1‬‬

‫رجب‪ .‬جملة إسالمية املعرفة‪ .‬س‪ ،1:‬ع‪( 3:‬رمضان ‪1416‬هـ‪/‬يناير ‪1996‬م)‪ .‬ص ‪.78‬‬
‫‪ -‬م‪.‬س‪ .‬ص ‪.78‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬بىن أبو القاسم محد نظريته [ املنهجية املعرفية ] على تقسيمه تطور العقل البشري إىل ثالث‬ ‫‪3‬‬

‫مراحل أو أطوار‪:‬‬
‫‪ ‬الطور األول‪ :‬وساد فيه النمط العقلي اإلحيائي الذي يضفي الظاهرة اإلنسانية احلية على‬
‫الظاهرة الطبيعية‪ ،‬وقد امتد هذا الطور إىل إبراهيم عليه السالم‪.‬‬
‫‪ ‬الطور الثاين‪ :‬تطور فيه العقل إىل مرحلة الربط بني الظواهر‪ ،‬فحلت الثنائية مكان التجزئة‬
‫(الثنائية اليت تربط بني "الذكر واألنثى"‪" ،‬الليل والنهار"‪" ،‬الشمس والقمر")‪ .‬ويعد العهد‬
‫النبوي وما تاله داخال يف إطار هذا الطور؛ لذا عرّب عنه بقوله‪ «:‬التفسري اإلسالمي مل يتجاوز‬
‫طور الثنائيات‪ ،‬أي مركب ضمن مرحلة تطور العقل البشري الثنائي »‪ .‬والطوران‬
‫املذكوران ميثالن ما أمساه‪":‬العاملية األولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى"‪=.‬‬

‫‪293‬‬
‫وقد متثلت معامل املنهج يف التعامل مع القرآن الكرمي – كما حددها منظرو االجتاه‬
‫– يف مجلة من احملاور‪ ،‬أبرزها‪:‬‬

‫المحور األول‪ :‬إدراك طبيعة لغة القرآن الكريم‪:‬‬


‫وأعرض – هنا ‪ -‬رأيني يف املوضوع‪:‬‬

‫العلواني‪:‬‬ ‫أ – رأي‬
‫يقدم العلواين رأيه يف موضوع لغة القرآن وطبيعتها انطالقاً من مقدمات بدهية‪،‬‬
‫وهي أن القرآن عريب وجاء بلسان عريب مبني‪ ،‬غري أنه يرى فارقاً مهماً يف لغة القرآن‬
‫يعتقد أن كثرياً من املتقدمني مل يلتفتوا إليه‪ ،‬والذين التفتوا إليه مل يضعوه يف دائرة‬
‫منهجية‪ ،‬وهو أن االستعمال اإلهلي للغة مباين لالستعمال البشري‪ ،‬ففي احلالة األوىل‬
‫تأخذ اللغة مسة اإلعجاز املطلق‪ ،‬لكنها تظل متصلة بالبشر ومبادة لغتهم‪ «:‬لتفهمهم‬

‫نظاما‬
‫‪ ‬الطور الثالث‪ :‬وهو األكثر نضجاً – يف نظره ‪-‬؛ ألنه – كما يقول عنه ‪ « :-‬يضع ً‬
‫منهجياً لكل احلركة‪ ،‬حركة الظواهر‪ ،‬ويعطيها بعداً عضوياً موجوداً يعطي فهماً متطوراً‬
‫لآلية‪ ،‬ولكن دون النسق الثنائي‪ .‬وحني يأيت النسق التوحيدي يقضي على الثنائية امليكانيكية‬
‫للعالقة بني الثنائيات ويعطيها معىن الوحدة املنهجية اجلدلية‪ ،‬فهذا هو الطور الثالث»‪ .‬وقد‬
‫وعد القرن اخلامس عشر اهلجري بداية هذه العاملية‪ .‬العاملية اإلسالمية‬‫أمساه "العاملية الثانية"‪َّ ،‬‬
‫الثانية‪.2/478 .‬‬
‫إن هذا التقسيم الذي ذهب إليه أبو القاسم محد ليس له أي أساس منهجي؛ إذ كيف له أن‬
‫يدعي أن ما قبل عصر إبراهيم عليه الصالة والسالم متيز بسيادة العقلية اإلحيائية األنيمية اليت هي‬
‫أدىن درجات التفكري العقلي‪ ،‬وأن ما بعد إبراهيم عليه السالم إىل القرن اخلامس عشر اهلجري‬
‫هو عصر العقلية الثنائية مبا فيه عصر الرسول صلى اهلل عليه وسلم ؟ ولعل ما يفسر مذهبه هذا‬
‫تأثره الواضح بالنظرية الداروينية ( نظرية النشوء واالرتقاء) اليت بدت معاملها يف بعض تفسرياته‬
‫نتاجا غري مرئي‬
‫حول تكوين النفس اإلنسانية حيث يقول يف هذا الصدد‪...« :‬فالكون املرئي يلد ً‬
‫عرب التفعيل الكوين الثنائي (الشمس‪ ،‬القمر) (النهار‪ ،‬الليل) (السماء‪ ،‬األرض) (النفس)‪ F‬فالنفس‬
‫نتاج تفعيل كوين جديل لظاهرات الطبيعة الكونية املتقابلة‪ ،‬فهي مركب ثالث‪ ،‬ولذلك – وهذا‬
‫أخطر مبدأ معريف – متلك هذه النفس (قابلية االختيار) ألهنا مركبة على أساس االنقسام الكوين‬
‫وتفاعله اجلديل»‪ .‬العاملية اإلسالمية الثانية‪2/386‬؛ والبعد الزماين واملكاين وأثره يف التعامل مع‬
‫النص الشرعي‪ ،‬سعيد بوهراوة‪ .‬عمان‪ ،‬دار النفائس‪ .‬ط‪1420(.1:‬هـ‪1999/‬م)‪ .‬ص‪.130‬‬

‫‪294‬‬
‫اخلطاب اإلهلي املعجز املطلق حبسب قدراهتم وإمكانات قوى الوعي لديهم يف العصر‬
‫(‪)1‬‬
‫الذي يعيشون فيه ويف مستواهم املعريف»‪.‬‬
‫إن العلواين ينطلق من مقدمة مسلمة ليست مثار جدل‪ ،‬وهي أن اخلطاب القرآين‬
‫خطاب خاص‪ ،‬لـه لغته ونظمه وأسلوبه وإعجازه‪ ،‬لكنه يبين عليها حكماً ال ميكن أن‬
‫يُ َّ‬
‫عد ‪-‬حبال ‪ -‬نتيجةً منطقيةً لتلك املقدمة‪ .‬فحوى هذا احلكم أن اهليمنة خلطاب‬
‫القرآن ال للغته(‪ ،)2‬وبناء عليه انتقد اإلمام الشاطيب فيما ذهب إليه يف موافقاته –‬
‫حسب قول العلواين – من أن القرآن الكرمي جار على أحكام لغة العرب وأساليبهم‬
‫يف اخلطاب‪ ،‬فبىن [ الشاطيب ] عليه القول بعدم جواز فهم القرآن خالفا لفهم القرون‬
‫األوىل‪ )3( .‬وقد َّ‬
‫عد [ العلواين ] ‪ -‬ذلك – حصراً ملعاين القرآن الكرمي يف دائرة فهم‬
‫أهل زمن حمدد ويف مستوى نسقهم املعريف؛ مما قد يضفي على القرآن املطلق صفة‬
‫(‪)4‬‬
‫النسبية أو اخللق اليت تبناها أهل االعتزال كما يقول‪.‬‬
‫وبناءً على ما تقدم ينتقل إىل مسألة مهمة‪ ،‬وهي املرجعية يف فهم القرآن الكرمي‪،‬‬
‫فيتساءل قائال‪ « :‬هل لنا أن جنعل من لغة البدو وشعرهم ونثرهم وديوان جاهليتهم‬
‫مرجعا يف فهم القرآن أو أن جنعل لغة القرآن مرجعا ذاتيا لفهم القرآن أوال‪ ،‬ومرجعا‬
‫تقوم هذه اللغة به ويُصادق عليها به كذلك‪ ،‬ويهيمن عليها‬‫وديوانا للغة العرب ثانيا‪َّ ،‬‬
‫به؟! أهنيمن على القرآن بلغة العرب أم هنيمن بلغة القرآن على كالم العرب؟! »(‪.)5‬‬
‫وجييب عن سؤاله بأن اختاذ لغة القرآن ذاته مرجعاً لفهم آياته ومرجعاً للغة العرب‬
‫أمر مل يكن غائباً عن أذهان بعض املتقدمني يف مستوى السقف املعريف الذي كان‬
‫(‪)6‬‬
‫سائداً‪.‬‬

‫‪ -‬إسالمية املعرفة فكر ًة ومشروعاً‪ ،‬العلواين‪ .‬ص ‪.132‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬مقدمة يف إسالمية املعرفة‪ ،‬العلواين‪ .‬ص ‪.85‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬إسالمية املعرفة فكر ًة ومشروعاً‪ .‬ص ‪.133‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬م‪.‬س‪ .‬ص ‪.134-133‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬م‪.‬س‪ .‬ص ‪.134‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ -‬إسالمية املعرفة فكر ًة ومشروعاً‪ .‬ص ‪.134-133‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪295‬‬
‫ويلجأ إىل اجتزاء أقوال بعض املتقدمني – موظفا إياها يف غري سياقها – لدعم ما‬
‫يريد أن يذهب إليه‪ ،‬فيحيل إىل موقف الفخر الرازي ‪ -‬يف كتابه األصويل «احملصول‬
‫يف أصول الفقه»(‪ - )1‬من مسألة قطعية اللغة وظنيتها‪ ،‬مشريا إىل أن الرازي قد قدم‬
‫شواهد كثرية على خطأ وحلن كبار اللغويني الذين يستشهد بكالمهم ولغتهم‬
‫وشعرهم ويعدون مراجع اللغة(‪ ،)2‬فينتهي [العلواين] – بذلك – إىل أن اللغة‬
‫املستشهد هبا لغة ظنية‪ ،‬لذا يدعو إىل إعادة بناء العلوم واملعارف اللغوية يف ضوء هذه‬
‫احلقيقة – كما يراها – وهي جعل لغة القرآن ذاته املرجع لفهم آياته وفهم لغة‬
‫(‪)3‬‬
‫العرب‪.‬‬
‫وهذه النتيجة اليت وصل إليها [العلواين] – بعد حشد كبري من االستدالالت‬
‫املتعسفة وتوظيف ألقوال بعض املتقدمني يف غري سياقها الذي وردت فيه – إمنا‬
‫تقرتب إ ْن مل تتوحد مع ما ذهب إليه املستشرقون ‪ -‬ومعهم العلمانيون(‪ -)4‬وهو‬
‫حتويل لغة النص اإلهلي املوحى به إىل لغة ال دليل على أهنا لسان عريب مبني إال النص‬
‫نفسه(‪)5‬؛ وهذا املذهب يفتح اجملال واسعاً أمام كل من أراد أن يتقول على هذا النص‬
‫الكرمي وعلى لغته الرصينة وأمام كل من أراد أن يعيد قراءته بالطريقة اليت حيددها‬
‫ويرسم هلا هنجها وخيتار هلا أدواهتا‪.‬‬
‫إن ما يؤخذ على العلواين ‪ -‬يف استدالله ‪ -‬انطالقه من حكم مسبق أراد أن‬
‫يوظف له ما يصلح دليالً وما ال يصلح‪ .‬فكون اخلطاب القرآين خطاباً مميزاً بلغته‬
‫وأسلوبه ونظمه وإعجازه أمر ال خالف عليه وليس حمل نزاع أصالً‪ ،‬ولو مل تكن لغة‬
‫القرآن معجز ًة للبشر كلهم – ويف مقدمتهم العرب – ألمكنت املعادلة بينها وبني لغة‬

‫‪ -‬ج ‪ ،1‬ق ‪ ،1‬ص ‪.288-285‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬إسالمية املعرفة فكر ًة ومشروعاً‪ .‬ص ‪.130‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬م‪.‬س‪ .‬ص ‪135‬؛ ومقدمة يف إسالمية املعرفة‪ .‬ص ‪.86-83‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬فقد ذهب إىل ذلك املستشرق مرجليوت الذي شكك يف صحة الشعر اجلاهلي وتبعه يف‬ ‫‪4‬‬

‫ذلك طه حسني يف كتابه «يف الشعر اجلاهلي»‪ .‬فصول يف فقه العربية‪ ،‬رمضان عبد التواب‪ .‬ص‬
‫‪(.65-64‬ويرجع إىل الفصل اخلاص باالجتاه العلماين من هذا البحث)‪.‬‬
‫‪ -‬املاركسالمية والقرآن‪ F،‬املعراوي‪ .‬ص ‪.305-304‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪296‬‬
‫البشر‪ .‬لكن لغة القرآن هي لغة العرب – يف أساسها ومفرداهتا ‪-‬؛ إ ْذ هبا يفهم‬
‫القرآن‪ ،‬ولو مل يكن األمر كذلك لكان التكليف بفهمه والعمل مبا تضمنه من أحكام‬
‫تكليفاً مبا ال يطاق‪ ،‬إ ْذ كيف سيفهم بل كيف سيقرأ؟ وقد قال تعاىل‪َ  :‬و َما‬
‫ان قَ ْو ِم ِه لِيُبَيِّ َن لَ ُه ْم ‪. )1(‬‬
‫س ِ‬‫ول ِإاَّل بِلِ َ‬
‫س ٍ‬ ‫َأ ْر َ‬
‫س ْلنَا ِمنْ َر ُ‬
‫إن املفردات العربية اليت كانت متداولةً عند العرب استخدمها القرآن الكرمي‬
‫وأصبح هلا معىن شرعي‪ ،‬وهذا أمر ال خالف عليه‪ ،‬لكن احملدد للمعىن الشرعي هو‬
‫كالم الرسول صلى اهلل عليه وسلم الذي هو كالم العرب ومعهودهم يف التخاطب‪.‬‬
‫فالقول هبيمنة لغة القرآن على لغة العرب كالقول هبيمنة لغة العرب على لغة العرب‪،‬‬
‫وهذا لغو من الكالم‪.‬‬
‫وقد نسب العلواين للشاطيب ما مل يقله أو أنه وظف كالمه يف غري سياقه؛ فلم يقل‬
‫الشاطيب حبصر فهم القرآن فيما فهمه عصر السلف‪ ،‬وإمنا انطلق من املقدمة البدهية‬
‫وهي أن القرآن نزل بلسان العرب مستشهدا بقوله تعاىل‪ِ  :‬إنَّا َأ ْن َز ْلنَاهُ قُ ْرآنا ً‬
‫سانُ الَّ ِذي‬ ‫(‪)3‬‬
‫ان َع َربِ ٍّي ُمبِي ٍن ‪ ‬؛ ‪ ‬لِ َ‬
‫س ٍ‬‫ون ‪ ‬؛ ‪ ‬بِلِ َ‬
‫(‪)2‬‬
‫َع َربِيّا ً لَ َعلَّ ُك ْم تَ ْعقِلُ َ‬
‫سانٌ َع َربِ ٌّي ُمبِينٌ ‪ ، )4( ‬مث بىن على هذه املقدمة‬ ‫ُون ِإلَ ْي ِه َأع َْج ِم ٌّي َو َه َذا لِ َ‬‫يُ ْل ِحد َ‬
‫نتيجتها املنطقية وهي أن طلب فهم القرآن إمنا يكون من هذا الطريق خاصةً‪ ،‬يقول‪«:‬‬
‫فمن أراد تفهمه فمن جهة لسان العرب يفهم وال سبيل إىل تطلب فهمه من غري هذه‬
‫اجلهة‪ ،‬هذا هو املقصود من املسألة»(‪ .)5‬ويزيد الشاطيب املسألة توضيحاً بقوله‪ «:‬إنه‬
‫نزل على لسان معهود العرب يف ألفاظها اخلاصة‪ ،‬وأساليب معانيها‪ ،‬وأهنا ‪-‬فيما‬
‫فُطرت عليه من لساهنا‪ -‬ختاطب بالعام يراد به ظاهره‪ ،‬وبالعام يراد به العام يف وجه‬
‫واخلاص يف وجه‪ ،‬وبالعام يراد به اخلاص‪ ،‬والظاهر يراد به غري الظاهر‪ -‬وكل ذلك‬
‫يُعرف من أول الكالم أو وسطه أو آخره – وتتكلم بالكالم ينبئ أوله عن آخره‪ ،‬أو‬
‫إبراهيم ‪. 4‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬

‫يوسف ‪. 2‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪2‬‬

‫الشعراء ‪.195‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪3‬‬

‫النحل ‪.103‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪4‬‬

‫املوافقات ‪ ،‬الشاطيب‪.2/50 .‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪297‬‬
‫آخره عن أوله‪ ،‬وتتكلم بالشيء يعرف باملعىن كما يعرف باإلشارة‪ ،‬وتسمي الشيء‬
‫الواحد بأمساء كثرية‪ ،‬واألشياء الكثرية باسم الواحد‪ .‬وكل هذا معروف عندها ال‬
‫ترتاب يف شيء منه هي وال من تعلق بعلم كالمها»(‪.)1‬‬
‫وسرياً مع منطقه يؤكد الشاطيب أنه كما ال ميكن فهم لسان بعض األعاجم عن‬
‫طريق لسان العرب‪ ،‬كذلك يستحيل أن يفهم لسان العرب عن طريق فهم لسان‬
‫العجم الختالف األوضاع واألساليب‪ ،‬والذي نبَّه على هذا اإلمام الشافعي يف‬
‫«الرسالة» غري أن كثرياً ممن أتوا بعده – كما يذكر الشاطيب‪-‬مل يأخذها هذا املأخذ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫وبذا‪ ،‬يتبني أن ما حاول أن ينسبه العلواين إىل الشاطيب ‪ -‬خبصوص لغة القرآن‬
‫وطرق فهمها والتعامل معها ‪ -‬ال يقوم على أساس‪ .‬ولعل مكمن زللـه أنه خلط بني‬
‫أقوال الشاطيب؛ ففهم الشريعة على معهود األميني الذي قال به [الشاطيب] – ومتت‬
‫مناقشته سابقاً(‪ – )3‬غري ما أورده أثناء حديثه عن فهم لغة القرآن الكرمي اليت هي لغة‬
‫العرب‪ ،‬فلم خيالف يف أن فهم اخلطاب القرآين مرجعه اللغة العربية بقواعدها‬
‫الواضحة‪ ،‬أما فهم الشريعة وأحكامها برؤية البيئة العربية وأعرافها اخلاصة فهذا أمر‬
‫آخر قد ال يُوافقه عليه غريه‪ ،‬وشتان بني األمرين‪.‬‬
‫واألمر نفسه ينطبق على استشهاده بأقوال الرازي وتوجيهه هلا لرفض جعل لغة‬
‫العرب مرجعاً لفهم معاين القرآن؛ فقد انتزع – هنا أيضا – أقوال الرازي ليوظفها‬
‫أكد ‪ -‬يف عدَّة مواضع ‪ -‬مرجعية لغة العرب‬‫يف غري سياقها‪ ،‬وأغفل أن الرازي نفسه َّ‬
‫يف معرفة الشرع حيث قال يف احملصول‪ «:‬ملا كان املرجع ‪ -‬يف معرفة شرعنا‪ -‬القرآن‬
‫ً‬
‫موقوفا‬ ‫واألخبار‪ ،‬ومها واردان بلغة العرب وحنوهم وتصريفهم‪ ،‬كان العلم بشرعنا‬
‫مقدورا للمكلف‬
‫ً‬ ‫على العلم هبذه األمور‪" ،‬وما ال يتم الواجب املطلق إال به ‪ -‬وكان‬
‫‪-‬فهو واجب"‪ .‬مث الطريق إىل معرفة لغة العرب وحنوهم وتصريفهم إما العقل‪ ،‬وإما‬

‫‪ -‬م‪.‬س‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬م‪.‬س‪.2/51 .‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬الفصل اخلامس (املبحث الرابع‪ :‬االجتاهات يف دراسة املقاصد)‪ .‬ص ‪.230‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪298‬‬
‫النقل أو ما يرتكب منهما‪ .‬أما العقل فال جمال له يف هذه األشياء ملا بيّنا أهنا أمور‬
‫وضعية‪ ،‬واألمور الوضعية ال يستقل العقل بإدراكها‪ .‬وأما النقل فهو إما تواتر‬
‫أوآحاد‪ ،‬واألول يفيد العلم‪ ،‬والثاين يفيد الظن»(‪.)1‬‬
‫إن حديث الرازي ال يقول بعدم مرجعية لغة العرب‪ ،‬وإمنا يشري إىل تقسيم علمي‬
‫لظروف ورود اللغة إلينا‪ ،‬فهو إما التواتر املفيد للقطع‪ ،‬وإما اآلحاد املفيد للظن مع‬
‫تأكيد حجية الطريقني‪ ،‬وهو ما صرح به يف موضع آخر بشكل ال لبس فيه حني‬
‫قال‪ « :‬والعجب من األصوليني أهنم أقاموا الداللة على أن اخلرب الواحد حجة يف‬
‫الشرع ومل يقيموا الداللة على ذلك يف اللغة‪ ،‬وكان هذا أوىل؛ ألن إثبات اللغة‬
‫كاألصل للتمسك خبرب الواحد وبتقدير أن يقيموا الداللة على ذلك‪ ...‬فإن اللغة‬
‫والنحو جيريان جمرى األصل لالستدالل »(‪.)2‬‬
‫وبذا‪ ،‬يتبني أن ما استشهد به العلواين من كالم الرازي ال يقوم دليالً على دعواه؛‬
‫ألنه انتـزع من سياقه‪ ،‬وألن هناك ما يثبت أن الرازي يقول غري ذلك يف مواضع‬
‫أخرى‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فإن طرح السؤال‪ «:‬أهنيمن على القرآن بلغة العرب أم هنيمن بلغة القرآن‬
‫على كالم العرب؟ » يف أساسه طرح غري صحيح كما يقول أحد الباحثني(‪)3‬؛ إذ مل‬
‫يقل أحد بأن لغة العرب جيب أن هتيمن على لغة القرآن‪ ،‬وإمنا الذي قاله املتقدمون‪:‬‬
‫إن لغة القرآن تفهم مبعهود العرب يف اخلطاب‪ ،‬والقرآن الكرمي هو الذي تضمن هذا‬
‫املنهج من خالل قوله تعاىل‪:‬‬
‫‪ِ  -‬إنَّا َأ ْن َز ْلنَاهُ قُ ْرآنا ً َع َربِيّا ً لَ َعلَّ ُك ْم تَ ْعقِلُ َ_‬
‫ون ‪. )4( ‬‬
‫ين ‪. )5( ‬‬
‫ان َع َربِ ٍّي ُمبِ ٍ‬
‫س ٍ‬‫‪  -‬بِلِ َ‬

‫‪ -‬احملصول يف علم األصول‪ .‬ج‪ 1‬ق‪ 1‬ص ‪.276-275‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬احملصول يف علم األصول ‪ .‬ج‪ 1‬ق‪ 1‬ص ‪.289‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬البعد الزماين واملكاين وأثرمها يف التعامل مع النص الشرعي‪ .‬ص ‪.147‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬يوسف ‪. 2‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬الشعراء ‪.195‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪299‬‬
‫ين َوتُ ْن ِذ َر بِ ِه قَ ْوما ً ل ّداً ‪‬‬
‫ش َر بِ ِه ا ْل ُمتَّقِ َ‬ ‫‪  -‬فِإنَّ َما يَ َّ‬
‫س ْرنَاهُ بِلِ َ‬
‫سانِكَ لِتُبَ ِّ‬
‫(‪.)1‬‬

‫ب ‪ -‬رأي أبي القاسم حاج حمد‪:‬‬


‫يذهب أبو القاسم يف االجتاه نفسه مميزاً بني االستخدام اإلهلي للغة وبني‬
‫االستخدام البشري‪ ،‬ومشريا إىل أن اللغة خاضعة ومتأثرة يف فهم معانيها ودالالهتا‬
‫بالبيئة التارخيية والثقافية‪ ،‬يف حني أن القرآن ينحو ‪ -‬يف دالالت املفاهيم ‪ -‬إىل الضبط‬
‫واملنهجية‪ ،‬ليصل إىل القول بأن االستناد إىل التصور الذهين العريب ‪ -‬يف فهم لغة‬
‫القرآن ‪ -‬يعين إغالق الفهم على مراحل تطور اخلطاب اإلهلي مما سيتعذر معه فهم‬
‫(‪)2‬‬
‫حمتوى عاملية الدين ومعاين الشرعة واملنهاج‪.‬‬
‫لذا‪ ،‬فهو يقرتح وضع قاموس (ألسين معريف) يعني على حتديد دالالت األلفاظ‬
‫املنهجية واملعرفية‪ ،‬ويراعي قضيةً مهمةً‪ ،‬وهي أن توصيل دالالت املفردة يعتمد على‬
‫ثالثة أمور‪:‬‬
‫‪ .1‬الكلمة‪.‬‬
‫‪ .2‬األمر الذي تشري إليه‪.‬‬
‫‪ .3‬التصور العقلي الذي تشكله يف الذهن‪.‬‬

‫وذلك – كما يقول – خالفاً للتصور التقليدي لفقه اللغة واملعاين‪.‬‬


‫ويضرب ‪ -‬ملا عدَّه منهجاً يف النقد والتمحيص ‪ -‬أمثلةً كثري ًة منها‪ :‬مصطلح‬
‫"األميني"؛ فقد ادعى أن العرب فهمته وفق معناه الشائع وليس وفق االستخدام‬
‫القرآين الذي يعين – حسب قوله – مـا يقابل الكتابيني‪ ،‬وليس من ال يعرفون‬
‫(‪)3‬‬
‫الكتابة والقراءة‪.‬‬

‫‪ -‬مرمي ‪.97‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬منهجية القرآن املعرفية‪ ،‬أبو القاسم حاج محد‪ .‬ص ‪.71-69‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬العاملية اإلسالمية الثانية‪ ،‬محد‪ .‬ص ‪.71‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪300‬‬
‫وانطالقاً من نظريته – أيضاً – يف ضبط دالالت املصطلح وتأسيساً على منهجية‬
‫القرآن – كما تصورها – دعا [أبو القاسم] إىل نقد األحاديث النبوية واستبعاد ما‬
‫قال عنه‪ :‬إنه متضارب مع املعاين والدالالت القرآنية‪ ،‬مثل قوله ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‬
‫‪ « :-‬كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته »(‪)1‬؛ فقد عدَّه متضارباً مع قوله تعاىل‬
‫اعنَا َوقُولُوا ا ْنظُ ْرنَا ‪‬‬ ‫يف اآليتني القرآنيتني‪  :‬يَا َأيُّ َها الَّ ِذ َ‬
‫ين آ َمنُوا ال تَقُولُوا َر ِ‬
‫س ِم ْعنَا‬
‫ون َ‬ ‫اض ِع ِه َويَقُولُ َ_‬ ‫ون ا ْل َكلِ َم عَنْ َم َو ِ‬ ‫ين َهادُوا يُ َح ِّرفُ َ‬ ‫‪ِ (2) ، ‬م َن الَّ ِذ َ‬
‫ِّين َولَ ْو َأنَّ ُه ْم‬ ‫سنَتِ ِه ْم َوطَ ْعنا ً فِي الد ِ‬ ‫اعنَا لَيّا ً بَِأ ْل ِ‬
‫س َم ٍع َو َر ِ‬‫س َم ْع َغ ْي َر ُم ْ‬
‫ص ْينَا َوا ْ‬‫َو َع َ‬
‫ان َخ ْيراً لَ ُه ْم َوَأ ْق َو َم َولَ ِكنْ لَ َعنَ ُه ُم هَّللا ُ‬ ‫س َم ْع َوا ْنظُ ْرنَا لَ َك َ‬‫س ِم ْعنَا َوَأطَ ْعنَا َوا ْ‬‫قَالُوا َ‬
‫ون ِإاَّل قَلِيالً ‪. )3( ‬‬ ‫بِ ُك ْف ِر ِه ْم فَال يُْؤ ِمنُ َ‬
‫إن حاج محد مل خيرج ‪ -‬فيما ذهب إليه ‪ -‬عما زعمه املستشرقون والعلمانيون ما‬
‫دام يدعي أن استخدام العرب للغة ارتبط بتصوراهتم الذهنية احملكومة خبصائص‬
‫أحد أمرين‪:‬‬
‫يتضم ُن َ‬
‫املرحلة الثنائية (العاملية األوىل)؛ وهذا املذهب َّ‬
‫اهتام العرب يف فهمهم للغة القرآن الكرمي وقصورهم عن إدراك دالالهتا‬ ‫‪-1‬‬
‫ومعانيها‪.‬‬
‫اهتام لغة القرآن الكرمي نفسها بأهنا نزلت يف غري املوضع الذي ينبغي أن‬ ‫‪-2‬‬
‫تنزل فيه‪ ،‬ولعل االهتام األول أقرب إىل ما يريده صاحب هذا املذهب؛‬
‫ألنه اقرتح وضع قاموس «َألْ ُسين معريف» عالجاً ملا ع ّده قصوراً يف لغة من‬
‫نزل القرآن بلساهنم‪ .‬وال خيفى على ذي بصر ما يف هذا االقرتاح من‬
‫التناقض واخلطورة؛ ألن فيه – أوالً – اهتاما للقرآن الكرمي بالغموض‬
‫والتعقيد‪ ،‬وهذا ما يتناقض مطلقاً مع احلقيقة القرآنية يف قوله تعاىل‪:‬‬
‫آن لِ ِّلذ ْك ِر فَ َه ْل ِمنْ ُم َّد ِك ٍر ‪. )4( ‬‬
‫س ْرنَا ا ْلقُ ْر َ‬
‫‪َ  -‬ولَقَ ْد يَ َّ‬

‫‪ -‬م‪.‬س‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬البقرة ‪.104‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬النساء ‪.46‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬القمر ‪.17‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪301‬‬
‫ين َوتُ ْن ِذ َر بِ ِه قَ ْوما ً لُدّاً ‪‬‬
‫سانِكَ لِتُبَش َِّر بِ ِه ا ْل ُمتَّقِ َ‬ ‫‪  -‬فَِإنَّ َما يَ َّ‬
‫س ْرنَاهُ بِلِ َ‬
‫(‪)1‬‬

‫‪.‬‬

‫ب ا ْل ُمبِ ِ‬
‫ين ‪.)2( ‬‬ ‫‪  -‬الر تِ ْلكَ آيَاتُ ا ْل ِكتَا ِ‬
‫وألنه – ثانياً – وسيلةٌ يهدف هبا أصحاهبا إىل ضبط معاين القرآن الكرمي حىت‬
‫جيعلوا حاجزاً بني املسلمني وبني لغة القرآن من خالل تغيري معاين األلفاظ‬
‫العربية وحتديدها وفق ما خيدم االجتاهات العلمانية بكل فصائلها‪ ،‬وذلك بعد‬
‫فشل الدعوات ‪ -‬وما أكثرها – إىل تبين اللهجات العامية وامليتة كالفرعونية‬
‫واألمازيغية سعياً إىل إحداث قطيعة بني املسلمني وبني العربية‪.‬‬
‫وليس فيما أورده أبو القاسم محد من أمثلة ‪ -‬ملصطلحات أراد أن يطبق عليها‬
‫معجمه األلسين اخلاص ‪ -‬أي رابط منطقي أو مراعاة ألبسط قواعد اللغة وأصول‬
‫راع وكلكم مسؤول عن رعيته » بدعوى تعارض‬ ‫التفسري؛ فرده حلديث « كلكم ٍ‬
‫كلمة "راع" مع ما ورد يف قـوله تعاىل (ال تقولوا راعنا)‪( ،‬وراعنا ليّا ً بألسنتهم)‬
‫‪ -‬ال يقوم على أساس؛ ألنه ال يوجد رابط بني لفظة "راع" الواردة يف احلديث اليت‬
‫تعين "املسؤول"‪ ،‬و"راعنا" الواردة يف اآليتني القرآنيتني مبعىن "راقبنا وانتظرنا"‪ ،‬أو مبا‬
‫كان يقصد به اليهود من سباب وحتقري(‪)3‬وبالتايل فليس هناك أي مسوغ لرد احلديث‬
‫وهو متفق عليه وال يوجد فيه ما يعارض القرآن الكرمي‪.‬‬
‫أما مصطلح "األميني" الذي ادعى أن العرب فهمته مبعىن من ال يعرفون الكتابة –‬
‫متأثرةً يف ذلك ببيئتها – يف حني أن استخدامه يف القرآن الكرمي يعين ما يقابل‬
‫الكتابيني حصراً؛ فإن يف اجتاهه هذا جمانبةً للصواب أيضاً؛ ألن لفظ "األميني" استخدم‬
‫يف القرآن الكرمي يف أكثر من موضع مبعىن‪ :‬عدم معرفة الكتابة والقراءة كما يف قوله‬
‫سوالً ِم ْن ُه ْم يَ ْتلُو َعلَ ْي ِه ْم آيَاتِ ِه َويُ َز ِّكي ِه ْم‬ ‫ث فِي اُأْل ِّميِّ َ‬
‫ين َر ُ‬ ‫تعاىل‪  :‬ه َُو الَّ ِذي بَ َع َ‬

‫‪ -‬مرمي ‪.97‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬يوسف ‪.1‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬تفسري النسفي‪ 1/117 .‬و ‪.1/362‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪302‬‬
‫َاب َوا ْل ِح ْك َمة ‪ )1( ‬وقوله تعاىل‪  :‬و ِم ْن ُه ْم ُأ ِّم ُّي َ‬
‫ون ال يَ ْعلَ ُم َ‬
‫ون‬ ‫َويُ َعلِّ ُم ُه ُم ا ْل ِكت َ‬
‫ون ‪ )2( ‬؛ وكما جاء صرحياً يف احلديث‬ ‫َاب ِإاَّل َأ َمانِ َّي َوِإنْ ُه ْم ِإاَّل يَظُنُّ َ‬
‫ا ْل ِكت َ‬
‫النبوي‪ « :‬حنن أمة أميَّة ال حنسب وال نكتب‪ ،‬الشهر هكذا‪ ،‬وهكذا‪ ،‬وهكذا‪ ،‬وقبض‬
‫على إهبامه يف الثالث »(‪.)3‬‬
‫إن ما يقرتحه أبو القاسم محد ‪-‬من وضع قاموس «َألْ ُسين» خاص يضبط املفردات‬
‫القرآنية – بدعوى املنهجية ‪ ،-‬فتتحول كما يقول‪ « :‬من جمرد كالم إىل مصطلحات‬
‫دقيقة ال تعطي املفردة أكثر من معىن واحد حمدد حيثما استخدمت يف الكتاب‬
‫وكيفما اختلف سياق توظيفها »(‪ - )4‬حيمل معه أخطر أداة لنسف املصطلحات‬
‫واملفاهيم األساس يف اإلسالم؛ وهو – بذلك – خطوة تتجاوز – يف خطورهتا –‬
‫مرحلة التأويل الفاسد وغري املنضبط لآليات القرآنية الذي انزلق فيه كثري من غالة‬
‫الباطنية وأصحاب النحل الضالة واملنحرفة‪.‬‬
‫المحور الثاني‪ :‬وحدة القرآن البنائية‪:‬‬
‫ثاين احملاور يف منهجية التعامل مع القرآن الكرمي – كما أشار إليها منظرو هذا‬
‫االجتاه ‪ : -‬وحدة القرآن البنائية‪ ،‬واملقصود هبا ضرورة مراعاة الوحدة املوجودة يف‬
‫القرآن على عدة مستويات بدءاً من األحرف‪ ،‬فالكلمات‪ ،‬فاآليات‪ ،‬فالسور‪ ،‬فلكل‬
‫سورة وحدة بنائية كما أن القرآن كله يشكل بناءً متكامالً‪ F‬أساسه مجلة من احملاور‬
‫اليت تكوهنا كل سورة‪.‬‬
‫ويدعو منظرو هذا االجتاه عامل االجتماعيات إىل االنتباه إىل هذه الوحدة‪ ،‬بل‬
‫وجعلها جزءاً من منهجيته(‪ ،)5‬منبهني إىل أن املتقدمني مل يشريوا إىل هذه الوحدة إال‬
‫ملاماً‪ .‬ولعل يف هذا االهتام للمتقدمني بعض احليف؛ ألن فيه حماكمةً هلم إىل غري‬
‫مقاييس عصرهم وإسقاطاً ملعطيات احلاضر على املاضي؛ فعلوم االجتماع احلديثة‬
‫‪ -‬اجلمعة ‪.2‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬البقرة ‪.78‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬احلديث رواه اإلمام أمحد عن ابن عمر رضي اهلل عنهما‪ .‬املسند ‪.2/122‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬العاملية اإلسالمية الثانية‪.1/56 .‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬مقدمة يف إسالمية املعرفة‪ .‬ص ‪.87-86‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪303‬‬
‫اليت يتحدث عنها هؤالء املنظرون مل تكن متبلور ًة لدى املتقدمني بشكلها احلايل‪،‬‬
‫وعلى الرغم من ذلك فإن كثرياً منهم مل يغفل عن وحدة القرآن البنائية سواء عند‬
‫تفسريهم آلياته أو استنباط أحكامه‪ ،‬مما جند لـه إشار ًة يف حديثهم عن التناسب بني‬
‫اآليات والسور‪ ،‬واعتمادهم على تفسري القرآن بالقرآن‪ ،‬األمر الذي يؤكد أن الوحدة‬
‫البنائية للقرآن مل تكن غائبة عنهم‪ ،‬فِإ ْن مل يصرحوا هبا فقد راعوها عملياً يف‬
‫تفسرياهتم واجتهاداهتم يف حدود قدراهتم املعرفية وطاقاهتم العلمية‪.‬‬
‫المحور الثالث‪ :‬ويتضمن_ مسألة الجمع بين القراءتين‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وقد متَّ عرضها ومناقشتها‪.‬‬
‫المحور الرابع‪ :‬القراءة المفاهيمية‪:‬‬
‫ويقصدون هبا أن القرآن الكرمي يقدم مجلةً من املفاهيم من خالل حتويل اللفظ أو‬
‫الكلمة من جمرد كلمة هلا معىن ثابت إىل مفهوم واسع؛ ألنه يريد أن يستوعب البشر‬
‫كلهم باختالف ثقافاهتم وأنساقهم احلضارية‪.‬‬
‫وإذا كان القرآن ‪ -‬يف عصر التنـزيل ‪ -‬قد عاجل القضايا من خالل االنتقال من‬
‫الكلي إىل اجلزئي – أي أن القرآن كان يتنزل حال وجواباً لقضايا واقعة ‪ ،-‬فإن‬
‫إدراك لغته املفاهيمية تقتضي – كما يرى أصحاب هذا االجتاه ‪ -‬عند معاجلة‬
‫املشاكل والقضايا االنتقال من اجلزئي إىل الكلي؛ وذلك بعرض ما يواجهه اإلنسان‬
‫من مشاكل على القرآن الكرمي والتعامل معه بشكل كلي وليس بشكل جزئي آيةً‬
‫آيةً‪.‬‬
‫غري أن ما يالحظ على حمور القراءة املفاهيمية هو املرجعية يف حتديد املفاهيم حىت‬
‫ال يرتك األمر سائباً‪ ،‬السيما وقد قدم أصحاب هذا االجتاه منهجاً خاصاً للتعامل مع‬
‫لغة القرآن الكرمي بل اقرتحوا قاموساً َألْ ُسنِياً حيددون فيه معاين املصطلحات القرآنية‬
‫بعيدا عن مرجعية اللغة العربية اليت هبا تعرف معاين األلفاظ ودالالت الرتاكيب‪.‬‬
‫أما عن أسباب النزول‪ ،‬فإن رائد هذا االجتاه يدعو إىل قطع الصلة بينها وبني‬
‫اخلطاب القرآين‪ ،‬معلال ذلك بأن األقدمني أنفسهم مل يولوا هذا اجلانب كبري اهتمام‬

‫‪ -‬ضمن املبحث الثاين من هذا الفصل‪« :‬املنهجية اإلسالمية» كما يقدمها اجتاه أسلمة املعرفة‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪304‬‬
‫لكونه جمرد مساعد يف التفسري ولتنبيه كثري من األصوليني إىل أن « العربة بعموم‬
‫(‪)1‬‬
‫اللفظ ال خبصوص السبب » مما يؤكد عاملية اخلطاب القرآين‪.‬‬
‫ولكن‪ ،‬ومع تأكيد مقولة األصوليني ‪ ،‬فإن قطع الصلة ‪ -‬متاماً ‪ -‬بني اخلطاب‬
‫القرآين وبني أسباب النزول اليت ثبتت صحتها ال ميكن للمفسر أو املستنبط أو‬
‫املتعامل مع القرآن الكرمي – عموماً ‪ -‬أن يتجاهلها أو يغفل عنها؛ ألهنا أداة مهمة يف‬
‫بيان املعاين وحتديد الدالالت وهو أمر الزم لكل من املفسر واجملتهد‪.‬‬

‫‪ -‬مقدمة يف إسالمية املعرفة‪ .‬ص ‪.89‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪305‬‬
‫المبحث الرابع‬
‫منهجية التعامل مع السنة النبوية‬
‫خاصا للتعامل مع القرآن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫منهجا‬ ‫إذا كان رواد «إسالمية املعرفة» قد اقرتحوا‬
‫الكرمي‪ ،‬فمن املنطقي أن يكون هلم – أيضاً – تصور ملنهج التعامل مع السنة النبوية‪،‬‬
‫وذلك ملكانتها من القرآن الكرمي ووظيفتها البيانية والتطبيقية‪.‬‬
‫مفهوم حجية السنة لدى أصحاب هذا االتجاه‪:‬‬
‫يصرح منظرو هذا االجتاه – ابتداءً – بأن مسألة حجية السنة النبوية قد حسمت‬
‫قدميا بفضل جهود اإلمام الشافعي ومناقشاته حوهلا‪ ،‬وبفضل جهود العلماء املسلمني‬
‫(‪)1‬‬
‫الذين تفرغوا خلدمة السنة ومتحيصها‪.‬‬
‫ويؤكد العلواين – وهو يقدم لكتاب «حجية السنة»(‪ – )2‬هذا املوقف بقوله‪:‬‬
‫«السنة النبوية املطهرة ( بذلك املفهوم الشامل الكامل ) كلها حجة شرعية وأن‬
‫حجيتها بديهية دينية يكفر جاحدها»(‪ ،)3‬وقوله – أيضاً‪ « :-‬السنة من حيث هي‬
‫صادرة عن رسول اهلل ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ -‬ال يسع مسلماً مؤمناً يؤمن باهلل‬
‫ان لِ ُمْؤ ِم ٍن َوال ُمْؤ ِمنَ ٍة ِإ َذا‬
‫واليوم اآلخر أن يرفض منها كلمةً واحد ًة ‪َ ‬و َما َك َ‬
‫ون لَ ُه ُم ا ْل ِخيَ َرةُ ِمنْ َأ ْم ِر ِهم ‪. )5(» )4(‬‬
‫سولُهُ َأ ْمراً َأنْ يَ ُك َ‬ ‫قَ َ‬
‫ضى هَّللا ُ َو َر ُ‬

‫‪ -‬النظرية اإلسالمية للعالقات الدولية (اجتاهات جديدة للفكر واملنهجية اإلسالمية)‪ ،‬عبد‬ ‫‪1‬‬

‫احلميد أبو سليمان‪ .‬ترمجة‪ :‬ناصر أمحد املرشد الربيك‪ .‬السعودية‪ ،‬املعهد العاملي للفكر اإلسالمي‪.‬‬
‫(‪1993‬م)‪ .‬ص ‪.151‬‬
‫‪ -‬ملؤلفه عبد الغين عبد اخلالق‪ .‬وقد توىل املعهد طباعته ‪ .‬وهو يف األصل رسالة دكتوراه قدمها‬ ‫‪2‬‬

‫صاحبها يف األربعينيات جبامع األزهر‪ .‬وتعد جامعةً ومستوعبةً ملوضوعها‪ F.‬وقد طبع الكتاب يف‬
‫أول حلقة من "سلسلة قضايا الفكر اإلسالمي " اليت توىل املعهد طباعتها‪.‬‬
‫‪ -‬حجية السنة‪ ،‬عبد الغين عبد اخلالق‪ .‬تقدمي العلواين‪ .‬ص ‪.31‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬األحزاب ‪.26‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬مقدمة يف إسالمية املعرفة‪ .‬ص‪.117‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪306‬‬
‫كما يذهب أبو القاسم محد إىل تأكيده دور السنة ومرجعيتها بقوله‪ « :‬وليس يف‬
‫قولنا ما يبطل السنة‪ ،‬بل على النقيض من ذلك؛ فإننا نؤكد على ضرورة االلتزام‬
‫مبرجعية السنة الصحيحة التزاما ال لبس فيه وال غموض »(‪.)1‬‬
‫لكن هذا التأكيد القاطع حلجية السنة ومكانتها‪ ،‬هل يقصد به أصحابه عني ما‬
‫ذهب إليه صاحب كتاب «حجية السنة»‪ ،‬السيما وأن الكتاب كان مثارَ إعجاهبم‬
‫وتقريضهم؟‬
‫يبدو أن ألصحاب هذا االجتاه مفهوماً خاصاً هلذه احلجية؛ وهو ما يظهر من‬
‫خالل ما ورد عنهم يف مواضع خمتلفة؛ فأبو سليمان – مثالً ‪ -‬يرى أن السنة النبوية‬
‫– ومعها اإلمجاع واالجتهاد – تعكس وجهة نظر العصور اإلسالمية‪ ،‬يقول‪« :‬‬
‫باستثناء القرآن الكرمي والذي هو يف أغلبه إفصاح وتعبري عن النصوص العامة كموجه‬
‫للتأمالت الفلسفية مبا يف ذلك تلك املتعلقة بالعالقات الدولية‪ ،‬فإننا جند هذه األصول‬
‫( السنة‪ ،‬اإلمجاع‪ ،‬القياس ) تعكس وجهة النظر اإلسالمية يف العصور األوىل »(‪.)2‬‬
‫وهو وِإ ْن َّ‬
‫عد السنة النبوية أداءً نبوياً معصوماً يف إدارة اجملتمع وتأسيس مؤسساته‬
‫ووضع سياساته‪ ،‬فإنه يرى فيها جتربة نبوية متأثرة بظروف الزمان واملكان؛ مما يؤثر‬
‫على مفهوم حجيتها وإلزاميتها‪ ،‬وهذا ما يؤكده عند إشارته إىل أن املشكالت اليت‬
‫حتيط بالسنة تتمثل يف عدم تفهم أثر عاملي الزمان واملكان – عند احلديث عن‬
‫األصول والفكر السياسي التقليدي – وهو ما ينبغي مراعاته عند التطرق إىل‬
‫التعليمات املتعلقة بسلوك معني أو انتهاج نظام ما‪ ،‬ويضيف قائال‪ « :‬بيد أن السنة‬
‫وتوجهاهتا واحتفاظها بأهدافها النبيلة جيب أال تتعدى تلك احملددات الزمانية‬
‫واملكانية‪.)3( »...‬‬

‫‪ -‬العاملية اإلسالمية الثانية‪ .‬أبو القاسم محد‪.1/63 .‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬النظرية اإلسالمية للعالقات الدولية‪ .‬ص ‪.143‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ندوة السنة النبوية ومنهجها يف بناء املعرفة واحلضارة‪ F.‬عمان‪ ،‬مؤسسة آل البيت واملعهد‬ ‫‪3‬‬

‫العاملي للفكر اإلسالمي‪1989( .‬م)‪.2/453 .‬‬

‫‪307‬‬
‫إن املفهوم الذي وضعه أبو سليمان حلجية السنة قد حصرها يف دائرة املنهج وليس‬
‫التطبيق التفصيلي؛ وهو – بذلك – اختزل احلجية يف إطار استخراج القيم العامة‬
‫(‪)1‬‬
‫للسنة‪ ،‬وأسقط التتبع اجلزئي والتفصيلي هلا‪.‬‬
‫وهو ذات املفهوم الذي ذهب إليه العلواين يف مواضع خمتلفة من كتاباته؛ ففي‬
‫تقدميه لكتاب «كيف نتعامل مع السنة النبوية»(‪ )2‬يقول‪ « :‬لقد كان واضحا لدى‬
‫األصوليني – كما كان واضحا لدى الصدر األول – مالحظة األبعاد الزمانية‬
‫واملكانية وخصوصيات املراحل وأوضاعها يف قضية الفعل النبوي والتقرير وبشرية‬
‫التجربة النبوية الفعلية ونسبيتها‪ ،‬ووضعوا لذلك بعض الضوابط‪ ،‬فهل ميكن‬
‫للمتخصصني حتديد ضوابط تالحظ فيها تلك األمور يف بعض أنواع القول النبوي‬
‫وكيف؟ »(‪.)3‬‬
‫ويبدو العلواين – هنا – مناقضا متاما ملوقفه األول عندما كتب تقدميه لكتاب‬
‫حجية السنة ومحل بشدة على من يشككون يف السنة حىت أنه وصفهم بقولـه ‪:‬‬
‫«اجلهلة املتعاملني واملالحدة املفسدين الذين حياولون التفلت من السنة النبوية‬
‫والتخلص من األحكام الثابتة هبا والبعد عن أضوائها وأنوارها‪ ،‬مرة بادعاء عدم‬
‫حجية بعض أنواعها‪ ،‬ومرة بزعم أن ما ورد فيها – غري مبني للكتاب – فإن الناس‬
‫ونصائح وآداباً‬
‫َ‬ ‫غري مطالبني به ‪ ،...‬ومرة بأهنا [أي السنة] ال تعدو أن تكون توجيهاً‬
‫غري ملزمة‪ ،‬للمسلم أن يعمل هبا وله أن يتخلى عنها‪...‬وبعضهم بزعم أن ما جاءت‬
‫به السنة ال ينبغي أن يعمل به إال بعد معرفة سائر ظروف وروده وأسباب ظهوره‬
‫وسائر ما ميكن أن يكون له أثر يف داللته عندهم‪.)4( »...‬‬
‫يدعو العلواين ‪ -‬بعد التغيري اجلوهري ملوقفه من السنة – إىل إجياد «منهج ضابط‬
‫ناظم» للتعامل مع السنة النبوية وقراءهتا قراءة معرفية خترج األحاديث والسنن إىل ما‬
‫‪ -‬البعد الزماين واملكاين وأثرمها يف التعامل مع النص الشرعي‪ .‬ص‪.94‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬كيف نتعامل مع السنة النبوية معامل وضوابط‪ ،‬يوسف القرضاوي‪ .‬تقدمي‪ :‬طه جابر العلواين‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫فرجينيا‪ ،‬املعهد العاملي للفكر اإلسالمي ‪ -‬مصر‪ F،‬دار الوفاء‪ .‬ط‪1413( .5:‬هـ‪1992/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬كيف نتعامل مع السنة‪ .‬ص ‪( 12‬من التقدمي)‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬حجية السنة‪ ،‬عبد الغين عبد اخلالق‪ .‬من التقدمي للعلواين‪ .‬ص ‪.30-29‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪308‬‬
‫أمساه دائرة املنهج بدل دائرة اجلزئيات اليت قد حتمل كثرياً من التناقضات‪ .‬وانتهى إىل‬
‫منهج جديد دعاه «منهج التأسي» بالرسول صلى اهلل عليه وسلم ال تقليده عليه‬
‫إضافة إىل ذلك – عن خصائص الواقع‬ ‫ً‬ ‫السالم‪ ،‬يقول‪« :‬كما أن السنة تكشف –‬
‫الذي كان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يتعامل معه ويتحرك فيه‪ ،‬وهو واقع مغاير‬
‫للواقع الذي حنياه يف تركيبته وعقليته‪ ،‬فيدفعنا ذلك إىل استنباط منهج التنزيل على‬
‫الواقع من خالل تطبيقات النيب املعصوم صلى اهلل عليه وسلم ال من خالل النزوع إىل‬
‫التقليد واحملاكاة يف اجلزئيات والتفاصيل كما يظن الكثريون‪ ،‬فمنهج التأسي واالتباع‬
‫غري منهج التقليد»(‪.)1‬‬
‫لكن ما الفرق بني منهج التقليد ومنهج التأسي؟ وما هو هذا املنهج الناظم الضابط‬
‫للتعامل مع السنة النبوية ؟ وما هي هذه القراءة املعرفية اليت ستخرج األحاديث‬
‫والسنن إىل ما أمسوه دائرة املنهج؟ هل كان املنهج غائبا عن صاحب السنة عليه‬
‫وسن السنن وأغفل أن يضع هلا منهجا‬
‫الصالة والسالم؟ أو أنه حتدث باألحاديث َّ‬
‫تقرأ به؟ وما املقصود بإخراج السنة من دائرة اجلزئيات ؟ فهل يقصد بذلك رفض‬
‫أحكام جزئية جاءت هبا أحاديث نبوية ورأى فيها أصحاب هذا االجتاه عدم مالءمة‬
‫وتناسب مع الواقع؟‬
‫كل هذه أسئلة مشروعة للباحث تبني مدى املخاطر اليت قد حتملها مثل هذه‬
‫الدعوات السيما إذا كانت صادرة من أناس هلم حظ وافر من علوم الفقه وأصوله‪.‬‬
‫منهج أبي القاسم حمد المقترح للتعامل مع السنة النبوية‪:‬‬
‫أما أبو القاسم محد‪ ،‬فإنه ذهب يف مفهوم احلجية أبعد من سابقيه‪ ،‬وقد تأثر هذا‬
‫(‪)2‬‬
‫صنف‬
‫ّ‬ ‫أنه‬ ‫زه‬‫ّ‬‫مي‬ ‫ما‬ ‫أهم‬ ‫ولعل‬ ‫‪،‬‬ ‫املفهوم لديه كثرياً باإلطار املعريف الذي انطلق منه‬
‫العهد النبوي ضمن ما أمساه (الطور الثاين) حيث سادت العقلية الثنائية اليت مل‬

‫‪ -‬إسالمية املعرفة بني األمس واليوم‪ ،‬طه جابر العلواين‪ .‬القاهرة‪ .‬املعهد العاملي للفكر‬ ‫‪1‬‬

‫اإلسالمي‪.‬ط‪1996( .1:‬م)‪ .‬ص‪.15:‬‬


‫‪ -‬املبحث الثالث من هذا الفصل‪ .‬ص ‪.338‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪309‬‬
‫تكتشف املنهج القرآين؛ ألنه َّ‬
‫عد اكتشاف املنهج والنفاذ إىل أعماقه من مهمة إنسان‬
‫(‪)1‬‬
‫الطور الثالث الذي يُعترب القرن اخلامس عشر اهلجري بدايةً له‪.‬‬
‫ويؤكد [محد] خصوصية اجملتمع النبوي وحمدودية الوظيفة النبوية اليت هي – يف‬
‫نظره – جمرد وسيط بني حقائق الوعي القرآين املطلقة وتصورات الوعي البشري يف‬
‫نسبيتها التارخيية‪ ،‬يقول‪..«:‬ضمن خصائص الوعي يف تلك املرحلة مل يكن ممكنا‬
‫لإلنسان التعامل املباشر والنفاذ الواضح للمنهج القرآين عرب التحليل‪ .‬من هنا اختذت‬
‫"النبوة" شكل الصلة احلية والتوسط الفعال ما بني حقائق الوعي القرآين يف مطلقها‬
‫فعرف اهلل الرسول [صلى اهلل عليه‬
‫وتصورات الوعي البشري يف نسبيتها التارخيية‪ّ ،‬‬
‫وسلم] بأنه "األسوة احلسنة" أي القدوة العملية اليت حتتذي هبا العرب (عملياً) يف‬
‫حالة الغياب (النظري) لوعي املنهج »(‪.)2‬‬
‫فإذا كان العرب قد تعاملوا مع القرآن الكرمي يف إطار بنائه اللفظي – كما يرى‬
‫محد – فوجدوا يف القدوة الرسولية تعويضاً نسبياً مالئماً لعجزهم عن فهم املنهجية‬
‫القرآنية يف كليتها‪ ،‬فإنه يرى أن هذه العاملية األوىل قد انتهت أو اهنارت وحلت حملها‬
‫العاملية الثانية باكتشاف املنهج القرآين؛ فلزم لذلك التعامل مع القرآن مبحتوى املعىن‬
‫ال ببناء اللفظ‪ ،‬وما دام دور السنة ووظيفتها جمرد التعريف باملنهج‪ ،‬فيمكن – إذن‬
‫وسرياً مع منطقه إىل أقصى مداه – االستغناء عن املنهج النبوي مع اكتشاف املنهج‬
‫القرآين حبلول القرن اخلامس عشر اهلجري‪ ،‬يقول‪ « :‬قد جعل اهلل املنهج مرادفا‬
‫للقدوة النبوية ‪ ...‬وجعل النفاذ إىل املكنون باملنهج هو البديل عن الفهم السلفي‬
‫للقرآن »(‪.)3‬‬
‫وهبذا جيعل [محد] وجود الوعي باملنهج الذي اكتشفه إنسان الطور الثالث بديالً‬
‫للمنهج النبوي؛ فلم يعد للسنة النبوية – إذن – دور أو وظيفة إلنسان القرن‬

‫‪ -‬العاملية اإلسالمية الثانية‪.2/478 .‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬م‪.‬س‪.1/68 .‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬العاملية اإلسالمية الثانية‪.2/334 .‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪310‬‬
‫اخلامس عشر الذي اكتشف املنهج القرآين؛ وهبذا ينتهي [هذا الباحث] إىل هدم‬
‫حجية السنة من أساسها‪.‬‬
‫تقويم منهجهم في التعامل مع السنة النبوية‪:‬‬
‫وإْن مل‬
‫إن ما يقدمه منظرو «إسالمية املعرفة» من منهج للتعامل مع السنة النبوية ِ‬
‫يكن واحداً لدى كل منهم‪ ،‬فإن القدر املشرتك بينهم اتفاقهم على رفض اتباع السنة‬
‫مفهوما خاصاً حلجيتها‪ ،‬مما جيعل استقصاء باقـي‬
‫ً‬ ‫يف تفاصيلها وجزئياهتا‪ ،‬وإعطاؤهم‬
‫(‪)1‬‬
‫آرائهم يف املوضوع أمراً غري ذي أمهية‪.‬‬
‫إن اهتام منظري األسلمة للمنهج التقليدي – مع أهنم تعاملوا مع جزئياته ال كلياته‬
‫– يقتضي أن يكون منهجهم البديل متكامالً‪ .‬وهذا مل يلحظه الباحث فيما قدموه‬
‫منهج ألسلمة املعرفة‪.‬‬
‫مدَّعني أنه ٌ‬
‫فإن منهجهم هذا يعتوره النقص الشديد من جانبني‪ :‬جانب األسلمة يف جوهرها‬
‫وجانب املعرفة يف مشوليتها‪ .‬ففي ما خيص األسلمة كانت نتائج حماوالهتم هلا خروجاً‬
‫على حقيقة األسلمة وجوهرها كما مت بيانه يف منهجهم للتعامل مع الكتاب والسنة‪.‬‬
‫أما يف موضوع املعرفة ‪ -‬وقد قسموها إىل ثالث جمموعات كربى ‪-‬؛ فإنه يالحظ‬

‫‪ -‬أبان العلواين باقي معامل املنهج يف التعامل مع السنة النبوية يف مجلة من النقاط تناولت‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ‬أ‪ -‬مسألة اللغة وعالقتها بالسنة النبوية‪ .‬ومل خيرج قوله فيها عما قاله يف عالقة اللغة بالقرآن‬
‫الكرمي‪.‬‬
‫‪ ‬ب – الوحدة البنائية الداخلية للسنة سواء تعلق األمر بالوحدة البنائية الداخلية هلا وحدها أم‬
‫مع القرآن الكرمي‪.‬‬
‫‪ ‬ج – اجلمع بني القراءتني‪ :‬قراءة الكون وقراءة السنة‪.‬‬
‫‪ ‬د – القراءة املفاهيمية للسنة؛ ذلك أن ألفاظ الرسول صلى اهلل عليه وسلم حمملة باملعاين‬
‫واملفاهيم يف سائر الدوائر اليت هي خارج دائرة التصرف والقول البشريني‪.‬‬
‫وينتهي ‪ -‬يف حديثه عن منهجية التعامل مع السنة ‪ -‬إىل ضرورة جتاوز املنهجية احلالية اليت تعتمد‬
‫على صحة الرواية فقط‪ ،‬ويدعو إىل غربلة السنة ودراستها حىت تساعد على تطبيق فكر املنهج‪-‬‬
‫ال فكر التجزئة ‪ -‬على سنة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫مقدمة يف إسالمية املعرفة‪.‬ص ‪ ،97-96‬و‪.105-104‬‬

‫‪311‬‬
‫عليهم إمهاهلم أهم املعارف اإلنسانية اليت تتناول النظم احلياتية لإلنسان ويف مقدمتها‬
‫اجلانب السياسي أو املعرفة السياسية سواء يف نظرياهتا التقليدية لدى الفقهاء أو‬
‫املتكلمني أو يف الثقافة املعاصرة‪ :‬نظما استبدادية ودميوقراطيات مباشرة وغري مباشرة‪،‬‬
‫واكتفوا جبوانب من علوم االجتماع اليت ال حيرج البحث فيها أحداً‪.‬‬
‫وهذا يثبت عجزهم عن مناقشة قضايا األمة احلساسة يف بعديها الزماين واملكاين؛‬
‫ولعل أهم العوائق اليت حالت بينهم وبني إثارة هذه القضايا – فيما أرى ‪ -‬ارتباط‬
‫أنشطتهم باجلهات اليت متوهلا أو اليت يقيمون لديها‪...‬‬

‫‪312‬‬
‫المبحث الخامس‬
‫منهجيةـ التعامل مع التراث‬
‫مفهوم التراث لدى أصحاب هذا االتجاه‪:‬‬
‫حيدد أرباب هذا االجتاه مفهومهم للرتاث اإلسالمي بقوهلم إنه‪ « :‬كل ما أنتجه‬
‫املنتمون إىل "الكيان احلضاري االجتماعي اإلسالمي" بكل فصائله وعناصره‬
‫ومكوناته من منتجات ثقافية وفكرية وعلمية ومعرفية »(‪ ، )1‬فالرتاث غري الوحي؛‬
‫ألن األول بشري أساسه فقه اإلنسان وفهمه للدين يف حني أن الثاين إهلي وهو‬
‫(‪)2‬‬
‫مصدر نشوء الرتاث وانطالقه‪.‬‬
‫نقدهم للتراث‪:‬‬
‫وانطالقاً من هذا التحديد ملفهوم الرتاث يؤكد العلواين أن األساس يف منهج‬
‫التعامل مع الرتاث اإلسالمي عدم اعتباره مصدراً للتجديد أو إطاراً مرجعياً‬
‫لالجتهاد‪ ،‬وإمنا يعترب وعاءً ملعرفة األمة وخربهتا املرتاكمة‪ ،‬ومصدراً للدروس والعرب‪.‬‬
‫(‪) 3‬‬

‫يلخص منظرو األسلمة أهم معالم المنهج في التعامل مع القديم والجديد فيما‬
‫يلي‪:‬‬
‫مراعاة التغريات النوعية – ال الكمية – اليت حتدث مبرور الزمن وتستوجب‬ ‫‪‬‬
‫استخدام آليات جديدة للكشف عنها؛ مما يتعذر معه االجتهاد الفردي‬
‫والفتوى الفردية ويقتضي إقامة مراكز حبوث متنوعة االختصاصات تعني‬
‫الفقيه يف أداء دوره‪.‬‬
‫قضايا املاضي واحلاضر ال ميكن أن تتم إال من خالل استخالص كليات‬ ‫‪‬‬
‫القرآن الكرمي واكتشاف منهج قادر على التصديق واهليمنة واالستيعاب‬
‫والتجاوز‪.‬‬

‫‪ -‬إسالمية املعرفة فكر ًة ومشروعاً‪ .‬ص ‪.155‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬مقدمة يف إسالمية املعرفة‪ .‬ص ‪.122‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬إسالمية املعرفة فكر ًة ومشروعاً‪ .‬ص ‪.120‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪313‬‬
‫إدراك أن مفهوم «عاملية اإلسالم» قد تتحقق من خالل تداخل األنساق‬ ‫‪‬‬
‫الثقافية واملناهج والنماذج املعرفية العاملية اليت ال يستوعبها «الفقه‬
‫املوروث»‪ ،‬وإمنا تستوعبها كليات القرآن ومقاصده العليا وبياهنا من السنة‬
‫النبوية‪.‬‬
‫اعتبار الوحي املرجعية األخرية‪ ،‬لكن مع حرية واسعة يف قراءته وفهمه‪ ،‬مما‬ ‫‪‬‬
‫جيعل الفقه أنواعاً كثري ًة تبعاً لالختالف يف الفهم والقراءة‪ ،‬وذلك استناداً‬
‫لقوله تعاىل‪  :‬لِ ُك ٍّل َج َع ْلنَا ِم ْن ُك ْم ِش ْر َعةً َو ِم ْن َهاجا ً‪. )1( ‬‬
‫االهتمام بـ"فهم الواقع" املتميز – يف هذا العصر – بالتعقيد كي تقوم‬ ‫‪‬‬
‫الفتوى على أساس متني‪ ،‬وهذا يؤكد فكرة «مجاعية النظر ‪ ،‬وتنوع‬
‫االختصاصات»‪.‬‬
‫‪ ‬عدم توسيع دوائر التكليف – أو ما مسَّوه بتفقيه نظم احلياة – حىت ال‬
‫يصطدم هذا التوسيع بقاعدة التخفيف ورفع احلرج اليت تعد إحدى‬
‫خصائص التشريع اإلسالمي‪.‬‬
‫إذا كانت هذه هي احملددات املنهجية اليت وضعها منظرو «األسلمة» كي حتكم‬
‫الفقه املوروث واملعاصر‪ ،‬فإن ما ميكن أن يالحظ عليها – أو على أصحاهبا باألحرى‬
‫– ذلك املوقف املسبق من الرتاث‪ ،‬وهو يف أغلبه موقف سليب ‪-‬إ ْن مل يكن عدائياً‪.-‬‬
‫صحيح أن الرتاث – بصفته ما سوى القرآن والسنة – حمتاج إىل دراسة موضوعية‬
‫ونقد حمايد من أجل جتاوز ما علق به من سلبيات ولتطويره مبا يستجيب ملقتضيات‬
‫الزمان واملكان‪ .‬ألن عدم قدرته على مسايرة الزمن ومواكبة األحداث ليس إال نتيجة‬
‫حتميةً لتقصري أصحابه وعجزهم عن إثرائه‪.‬‬
‫ولعل كثرياً من الدعوات إىل نقد الرتاث ال تقصد من ذلك التجديد والتطوير‬
‫األصيلني‪ ،‬وإمنا هتدف إىل هدمه هبدم أسسه‪ ،‬أو مسخه بإساءة تفسريه وتأويله؛‬
‫لذلك وجب االحتياط أثناء التعامل مع الرتاث ومراجعته‪.‬‬
‫إن اقرتاح آليات جديدة كاالجتهاد اجلماعي وتنوع االختصاصات أمر واقعي‬
‫ومطلب تقتضيه التغريات النوعية املشار إليها‪ ،‬غري أن أغلب من حتدث عن هذا‬
‫‪ -‬املائدة ‪.48‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪314‬‬
‫االقرتاح مل يتناول بدقة ضمانات عدم احنراف مؤسسات البحث ومراكز االجتهاد‪،‬‬
‫ومدى حريتها واستقالليتها يف البحث والنظر وجماهلما‪.‬‬
‫فمن يؤسس هذه املراكز ؟ ومن ميوهلا ؟ ومن خيتار أعضاءها ؟ وما هي مقاييس‬
‫االختيار ؟‬
‫إن إعطاء أجوبة مقنعة ملثل هذه األسئلة أمر ضروري لوضع حركة االجتهاد يف‬
‫مسارها الصحيح‪ ،‬وضمان عدم احنرافها أو حتريفها ‪ ،‬السيما وأن أصحاب هذا‬
‫شعارات كربى ليست حمل خالف بني املسلمني ‪ ،‬غري أن ما وراءها‬ ‫ٍ‬ ‫االجتاه يرفعون‬
‫قد ال يكون حمل اتفاق ما دام أصحابه يقصدون به توجها خاصا‪ ،‬من ذلك‪ :‬توظيف‬
‫«عاملية اإلسالم» ‪ -‬وهي حقيقة واقعة – للقول بأن حتققها يكون من خالل تداخل‬
‫األنساق الثقافية واملناهج والنماذج املعرفية العاملية اليت ال يستوعبها «الفقه‬
‫املوروث»؛ فإذا كان منظرو هذا االجتاه يضعون أسس املعرفة من منطلق إسالمي‪،‬‬
‫فكيف يقبلون بنسق ثقايف أو منوذج معريف مباين للنموذج اإلسالمي ؟ وكيف‬
‫سيمزجون بني هذه النماذج وهم من يؤكد أن للنسق املعريف اإلسالمي خصوصيته‬
‫واستقالليته ؟‬
‫وإذا عُ َّد الوحي املرجعية األخرية – وهذا أيضا من املسلمات ‪ ،-‬فما املقصود‬
‫باحلرية الواسعة يف قراءته وفهمه حىت يصبح لدينا أنواع كثرية من الفقه ؟ من يضع‬
‫أسس القراءة ؟ ومن حيدد أدواهتا ؟ هل هي املنهج الذي وضعه منظرو «األسلمة» ‪-‬‬
‫مر بيانه – أو أن لكل وجهةً هو موليها ؟؟؟‬ ‫كما َّ‬
‫وإذا كان فهم الواقع أمراً الزماً لكل من اشتغل باالجتهاد واإلفتاء‪ ،‬فهل يعين‬
‫هذا أن يطغى الواقع على النص أو يكون عليه حاكماً ؟‬
‫ولعل شعور منظري «األسلمة» خبطورة ما يذهبون إليه جعلهم يعدون املراجعة‬
‫الشاملة للتـراث أمراً ذا حساسية شديدة نظراً ملا ُأضفي عليه من قداسة كما يقولون‪.‬‬
‫(‪) 1‬‬

‫والذي أراه أن احلساسية الشديدة ال تنشأ من تناول الرتاث بالنقد والدراسة‬


‫املوضوعية‪ ،‬إذا كان املقصود بالرتاث – فعالً – ما سوى القرآن والسنة‪ ،‬ولكن‬
‫‪ -‬مقدمة يف إسالمية املعرفة‪ .‬ص ‪ 122‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪315‬‬
‫االعرتاض ينشأ عندما يتم تناول مصدري الرتاث والفقه – الكتاب والسنة – مبنهج‬
‫يفضي إىل متييع حجيتهما وإبطال كثري من دالالت أحكامهما على الرغم من ادعاء‬
‫التمسك بتلك احلجية‪.‬‬
‫المنهج المقترح للتعامل مع التراث‪:‬‬
‫اقرتح منظرو «الأسلمة» منهجاً لتعاملهم مع الرتاث انطالقاً من موقفهم املتمثل‬
‫يف‪:‬‬
‫عدم رفضه رفضاً مطلقاً كما هو شأن العلمانيني‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫عدم أخذه على إطالقه كما هو شأن «املاضويني» ‪-‬حسب تعبريهم ‪.-‬‬ ‫‪-‬‬
‫(‪)1‬‬
‫عدم انتقائهم عشوائياً دون التزام منهج علمي‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫لكن كيف تمثل لديهم هذا المنهج العلمي في تعاملهم مع التراث ؟‬
‫مل خيرج أص‪FF‬حاب ه‪FF‬ذا االجتاه ‪ -‬يف حتديد منهجهم ‪ -‬عما ذهب‪FF‬وا إليه يف تع‪FF‬املهم‬
‫مع القرآن والسنة‪.‬‬
‫فأولى األسس اليت انطلق‪FF‬وا منه‪FF‬ا‪ :‬الكشف عن القاع‪FF‬دة املعرفية اليت يؤسس الن‪FF‬اس‬
‫عليها بناء أفكارهم وتصوراهتم لإلنسان والكون واحلياة‪.‬‬
‫وثاني األسس ‪ :‬اجلمع بني القراءتني ( قراءة الوحي وقراءة الكون )‪.‬‬
‫وثالث األسس‪ :‬النقد يف النماذج الصغرى أو اجلزئية اخلاصة بدائرة من دوائر‬
‫(‪)2‬‬
‫الرتاث‪ ،‬مثل علم الكالم ‪ ،‬وعلم أصول الفقه‪ ،‬وعلم التفسري‪ ،‬وعلوم القرآن‪...‬‬
‫نقد أصول الفقه أنموذجاً‪:‬‬
‫يكاد يكون علم أصول الفقه أكثر جوانب املعرفة الرتاثية استدعاءً للنقد‬
‫واملراجعة؛ وذلك جلملة من األسباب خلصها املنظرون ألسلمة املعرفة فيما يأيت‪:‬‬
‫قصور أصول الفقه – بوضعه القدمي – عن مواكبة مستجدات احلياة؛‬ ‫‪‬‬
‫التساع دائرة الفقه وحاجتها إىل كثري من العلوم املعاصرة وبعض قضايا‬
‫العلوم الطبيعية‪ .‬فأصول الفقه ‪ -‬بصفته منهج حبث ‪ -‬يتجه اهتمامه إىل‬
‫الظاهرة الفقهية اليت ختتلف عن الظاهرة االجتماعية يف مسألتني‪:‬‬

‫‪ -‬مقدمة يف إسالمية املعرفة‪.134 .‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬مقدمة يف إسالمية املعرفة‪ .‬ص ‪.137-135‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪316‬‬
‫أ – القضية الفقهية – يف معظمها – جزئيةٌ‪ ،‬يف حني أن الظاهرة‬
‫االجتماعية غالبا ما تكون كليةً‪.‬‬
‫ب – اهلدف من دراسة القضية الفقهية الوصول إىل احلكم الشرعي‪ ،‬يف‬
‫حني أن اهلدف من دراسة الظاهرة االجتماعية الوصول إىل السنن والقوانني‬
‫(‪) 1‬‬
‫اليت حتكم العالقة بني عناصرها‪.‬‬
‫غلبة الدراسات النصية النقلية على علم األصول؛ حيث اعتمد الفقهاء على‬ ‫‪‬‬
‫االستنباط من النصوص أساساً لتحصيل املعرفة‪ ،‬فجاء منهجهم منهجاً‬
‫لفظياً يف أغلبه‪.‬‬
‫ضرورة تنقية علم أصول الفقه من املباحث اليت فرضتها النظرة التجزيئية يف‬ ‫‪‬‬
‫(‪)2‬‬
‫التعامل مع القرآن الكرمي املتميز بوحدته البنائية‪.‬‬
‫ضرورة تنقية علم األصول مما مُسِّي بقواعد أو أدلة ظهرت يف فرتات تارخيية‬ ‫‪‬‬
‫(‪)3‬‬
‫نتيجة الصراع بني الفقيه والسلطان أو بني الفرق اإلسالمية املختلفة‪.‬‬
‫ضرورة تطوير منهج األصول القدمي حىت يستجيب لتحديات العصر؛‬ ‫‪‬‬
‫(‪) 4‬‬
‫فيحتفظ الفكر اإلسالمي بشموليته وأصالته‪.‬‬
‫‪ -‬إسالمية املعرفة فكرة ومشروعا‪ .‬ص ‪126‬؛ وأزمة العقل املسلم‪.‬ص ‪ .74‬وقد شارك حسن‬ ‫‪1‬‬

‫الرتايب أصحاب هذا االجتاه كثرياً من آرائهم‪ ،‬السيما يف نقد منهج األصول‪ ،‬حيث يقول يف هذا‬
‫الصدد‪...« :‬علم أصول الفقه الذي نتلمس فيه اهلداية مل يعد مناسباً للوفاء حباجاتنا املعاصرة‬
‫حق الوفاء؛ ألنه مطبوع بأثر الظروف التارخيية اليت نشأ فيها‪ ،‬بل بطبيعة القضايا الفقهية اليت‬
‫عامة حنو االحنطاط وفتور‬‫كان يتوجه إليها البحث الفقهي‪ « ،»F...‬لكن جنوح احلياة الدينية ً‬
‫الدوافع اليت تولد الفقه والعمل يف واقع املسلمني أديا إىل أن يؤول علم أصول الفقه‪ -‬الذي من‬
‫شأنه أن يكون هادياً للتفكري – إىل معلومات ال هتدي إىل فقه وال تولد فكراً‪ ،‬وإمنا أصبح نظراً‬
‫جمرداً يتطور كما تطور الفقه كله مبالغة يف التشعيب والتعقيد بغري طائل‪ .»...‬قضايا التجديد‬
‫(حنو منهج أصويل)‪ ،‬حسن الرتايب‪ .‬السودان ‪ ،‬معهد البحوث والدراسات االجتماعية‪ .‬ط‪(.1:‬‬
‫‪1411‬هـ‪1990/‬م)‪ .‬ص ‪.195‬‬
‫‪ -‬إسالمية املعرفة فكرة ومشروعاً‪ .‬ص‪127‬؛ وأزمة العقل املسلم‪ .‬ص ‪.77‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬إسالمية املعرفة فكرة ومشروعاً‪ .‬ص ‪127‬؛ وأزمة العقل املسلم‪ .‬ص ‪.78‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬أزمة العقل املسلم‪ .‬ص ‪75‬؛ وقضايا التجديد (حنو منهج أصويل)‪ ،‬الرتايب‪ .‬ص ‪189‬؛ و«حنو‬ ‫‪4‬‬

‫منهج جديد لدراسة علم أصول الفقه»‪ ،‬حممد الدسوقي‪ .‬جملة إسالمية املعرفة‪ .‬ماليزيا‪ ،‬املعهد‬

‫‪317‬‬
‫ملحاً‪ ،‬فإن أغلب ممثلي‬
‫وإذا كانت دعوة تطوير املنهج األصويل مطلباً مقبوال بل ّ‬
‫هذا االجتاه قد اشتطوا يف دعوهتم إىل جتاوز علم األصول وما ق ّدمه من منهجية‬
‫متميزة يف فهم النصوص – قرآناً وسنةً – سعياً ملعرفة دالالهتا ومعانيها‪ .‬وهم ‪-‬‬
‫بدعوهتم إىل جتاوز املنهج األصويل ‪ -‬إمنا ميهدون لتجريد النصوص من أهم آلية‬
‫لفهمها ومعرفة أحكامها كما أرادها الشارع‪.‬‬
‫لقد توجه منظرو «األسلمة» بالنقد لكل مصادر الفقه بعد أن وضعوا منهجهم‬
‫اخلاص يف التعامل مع القرآن والسنة؛ فذهبوا إىل أن اإلمجاع – وهو حمل خالف بني‬
‫األصوليني – متعذر الوجود‪ ،‬بل قالوا‪ « :‬إن "اإلمجاع األصويل" مفهوم نظري حبت‪،‬‬
‫ال ميثل ‪ -‬يف احلقيقة ‪ -‬مصدراً عملياً ُيعتد به وال أسلوباً حقيقياً للعطاء اإلسالمي‬
‫االجتماعي والسياسي واحلركي‪ ،‬وال يتعلق يف أي شيء ذي بال بقضايا السياسة‬
‫واحلكم والتشريع يف اجملتمع اإلسالمي املعاصر »؛ وما يتطلعون إليه بديالً هو إمجاع‬
‫من نوع آخر‪ ،‬غري أهنم مل يكشفوا عن طبيعته وِإ ْن ادعوا أنه يقوم على االجتهاد‬
‫والشورى‪.‬‬
‫أما "القياس"‪ ،‬فقد رأى فيه أصحاب هذا االجتاه دليالً قاصراً ‪ -‬أيضاً – عن‬
‫معاجلة قضايا العصر؛ العتماده املعاجلات اجلزئية‪ ،‬بل يذهبون إىل أن استخدامه يف‬
‫الوقت املعاصر أمر مستحيل‪ ،‬يقول أحد ُمنَظِّريهم‪ « :‬القياس ال ميكن أن يكون‬
‫مقبوالً عند من يأخذون به ويقبلونه إال مع انتفاء سائر القوانني‪ .‬ومن شأن التغريات‬
‫النوعية أهنا تغريات عامة ال يبدو أثرها يف اجلزئي إال بالتحليل والتفكيك والنظر‬
‫الدقيق واملتعمق؛ ولذلك فقد رأينا كثرياً من فتاوى ذوي الفتوى تتكشف بعد قليل‬
‫عن كثري من العيوب واملشكالت »(‪.)1‬‬
‫ويقرتح أصحاب هذا االجتاه ‪-‬بدل القياس األصويل ‪ -‬األخذ مبا أمسوه‪" :‬قياس‬
‫الشمول" أو املقاصد العليا احلاكمة اليت يتم استخالصها من منهجية القرآن الكرمي ‪-‬‬
‫كما حددوها طبعاً ‪ ، -‬يف حني ذهب آخرون(‪ )2‬إىل اقرتاح قياس جديد أمسوه‪:‬‬
‫"القياس الفطري احلر"‪ ،‬يقول‪...« :‬لكن اجملاالت الواسعة من الدين ال يكاد جيدي‬

‫العاملي للفكر اإلسالمي‪ .‬السنة األوىل‪ .‬العدد‪1996( .3:‬م)‪ .‬ص ‪.111‬‬


‫‪ -‬إسالمية املعرفة فكر ًة ومشروعاً‪ .‬ص ‪.122‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪318‬‬
‫فيها إال القياس الفطري احلر من تلك الشرائط املعقدة اليت وضعها له مناطقة اإلغريق‬
‫واقتبسها الفقهاء‪ .)1( »...‬فالقياس البديل ‪ -‬كما يقدمه صاحب هذا االقرتاح – هو‬
‫معيناً من‬
‫طائفة من النصوص نستنبط من مجلتها مقصداً َّ‬‫قياس واسع‪ « :‬يعتمد ً‬
‫مقاصد الدين أو مصلحة حمددة من مصاحله‪ ،‬مث نتوخى ذلك املقصد حيثما كان يف‬
‫الظروف واحلادثات اجلديدة »(‪.)2‬‬
‫يبدو واضحاً أن ما يقدمه هؤالء من مفهوم للقياس خيرج به ‪ -‬متاماً ‪ -‬عن‬
‫حقيقته األصولية(‪ ،)3‬ووظيفته االستداللية‪ ،‬فقد قال بعض األصوليني‪ « :‬مجيع‬
‫األحكام ‪ -‬على مراتبها ‪ -‬معلومة بالنص‪ ،‬لكن بعضها يُعلم بظاهر‪ ،‬وبعضها يعلم‬
‫باستنباط وهو القياس‪ ،‬ولو لزم أن ال يثبت حكم إال بنص لبطل أكثر األحكام‬
‫املستدل عليها بفحوى اخلطاب ودليله »(‪.)4‬‬
‫إن القياس ال يُلجأ إليه إال عند انعدام النص‪ ،‬فهو ‪ -‬كما قال عنه الشافعي ‪: -‬‬
‫«منزلة ضرورة؛ ألنه ال حيل القياس واخلرب موجود‪ ،‬كما يكون التيمم طهار ًة يف‬
‫السفر عند اإلعواز‪ ،‬وكذلك يكون ما بعد السنة حجة إذا أعوز من السنة »(‪.)5‬‬
‫خاصا‬
‫ً‬ ‫والذي يؤول إليه منظرو «األسلمة» ‪ -‬بتجاوزهم القياس وباتباعهم منهجاً‬
‫يف التعامل مع القرآن والسنة ‪ -‬هدمهم لكثري من األحكام اجلزئية اليت يفرتض أن‬
‫تنزل على وقائع قد حتققت فيها عللها بدعوى تغري عاملي الزمان واملكان؛ مما يفضي‬
‫إىل رفض النص الثابت ويقدح ‪ -‬بالتايل ‪ -‬يف صالحية الشريعة نفسها لكل زمان‬

‫‪ -‬يشرتك الرتايب مع أصحاب املعهد يف كثري من املنطلقات واالجتهادات؛ لذلك أوردته ضمن‬ ‫‪2‬‬

‫االستشهاد الجتاه «أسلمة املعرفة»‪ ،‬وكتابه‪ :‬قضايا التجديد"حنو منهج أصويل" خري شاهد على‬
‫وحدة منطلقاهتم‪.‬‬
‫‪ -‬قضايا التجديد "حنو منهج أصويل"‪ .‬ص ‪.205‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬قضايا التجديد "حنو منهج أصويل‪ .‬ص ‪.206‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬القياس عند األصوليني هو‪ « :‬محل معلوم على معلوم ملساواته يف علة حكمه عند احلامل‬ ‫‪3‬‬

‫»‪،‬هذا التعريف للسبكي‪ ،‬وقد اختاره على غريه صاحب «حجية القياس»‪ .‬حجية القياس يف‬
‫أصول الفقه‪ ،‬عمر مولود عبد احلميد‪ .‬بنغازي‪ ،‬منشورات جامعة قار يونس‪14 .‬‬
‫كج ‪ ،‬وقد أورده الزركشي يف كتابه البحر احمليط‪.4/11.‬‬
‫‪ -‬هذا القول البن ِّ‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬الرسالة‪ ،‬الشافعي‪ .‬ص ‪.600-599‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪319‬‬
‫ومكان‪ .‬يقول أحد الباحثني معلقاً على املوضوع‪ « :‬ومن قال بأن مضي ردح من‬
‫الزمن ال يسمح بقياس املثل على املثل‪ ،‬فمقصود الكالم ليس رفض القياس الشرعي‪،‬‬
‫وإمنا رفض إعمال حكم الرسول يف واقعة معينة استوفت شروطاً معينةً على واقعة‬
‫معاصرة استوفت نفس الشروط بسبب اختالف الزمان واملكان‪ ،‬وال عالقة هلذا‬
‫كذلك بالقياس الشرعي؛ ألن هذا املوقف هو مبثابة من رفض تطبيق ح ّد السرقة‬
‫بنفس احلرفية املذكورة يف النص أو التـي طبقها الرسـول صلى اهلل عليه وسلم يف زمانـه‬
‫(‪)1‬‬
‫الختالف الزمانيين والظرفني»‪.‬‬
‫إن ما ق ّدمه أصحاب هذا االجتاه بديال للقياس األصويل ‪ -‬مثل قياس الشمول‪،‬‬
‫والقياس احلر‪ ،‬وقياس الطائفة من النصوص – هو ‪ -‬يف حقيقته ‪ -‬مصطلحات عامة‬
‫غري حمددة‪ ،‬ال ميكن ‪ -‬حبال ‪ -‬أن تنطبق على القياس كما استخدمه األصوليون؛‬
‫وهذا إمنا يؤكد وجود موقف مسبق من النصوص ‪ -‬اليت هي أدلة تفصيلية –‬
‫لتجاوزها أو إبطال أحكامها واالستغناء عنها مبا مسوه غايات ومقاصد ومناهج‬
‫معرفية مستخلصة من النصوص‪.‬‬
‫ولعل هذا يثبت أن فكر الطويف ونظريته املصلحية (النفعية) قد منت وتطورت مبا‬
‫يالئم ظروف العصر‪ ،‬ومبا يستجيب لبعدي الزمان واملكان؛ هذا ما يلحظه الباحث‬
‫وهو يتتبع تطبيقات منهج االجتهاد لدى أعالم هذه املدرسة؛ حيث انتهى األمر‬
‫ببعضهم ‪ -‬نظرياً ‪ -‬إىل تبين نظرية التطور (الداروينية) – كما هي لدى أيب القاسم‬
‫حاج محد ‪ ،-‬وعملياً إىل إصدار فتاوى تعارض مسلمات العقيدة وبدهيات الشريعة‪،‬‬
‫كما تورط يف ذلك أكرب منظري اجتاه «أسلمة املعرفة»‪ :‬طه جابر العلواين حني أصدر‬
‫فتوى جييز فيها للجندي األمريكي املسلم املشاركة يف احلرب والقتال حىت لو كانت‬
‫احملاربَة بلداً مسلماً(‪ )2‬مع أن الدستور األمريكي نفسه ترك هامشاً من احلرية‬
‫اجلهة َ‬
‫لالمتناع عن املشاركة يف أي حرب إذا كان للجندي أسباب دينية‪.‬‬

‫‪ -‬البعد الزماين واملكاين وأثره يف التعامل مع النص الشرعي‪ .‬ص‪.151‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬شبكة املعلومات الدولية (اإلنرتنت) ‪.)usinfo.state.gov/arabic/tr/1016islam.htm ( :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪320‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫االتجاهـ السلفي المعاصر‬
‫المبحث األول‬
‫السلفية‪ :‬تعريفها ونشأتها‬
‫تمهيــــد‪:‬‬
‫إذا كان االجتاه العلماين قد استطاع أن خيرتق ساحة الفكر اإلسالمي‪ ،‬ويسرب‬
‫كثرياً من أفكاره إىل عمق تيارات فكرية وفقهية إسالمية يف منطلقاهتا وشعاراهتا –‬
‫مثلما لوحظ لدى منظري أسلمة املعرفة ‪-‬؛ فإن اجتاهاً آخر ظل عصياً على االخرتاق‬
‫والتأثري‪ ،‬مقاوماً حماوالت التغيري والتبديل‪ ،‬ومستمسكاً بأصول التلقي العقدية‬
‫املعهودة وقواعد االستنباط كما عُ ِرفَت واشتهرت لدى جمتهدي الفقهاء سلفاً وخلفاً‪.‬‬
‫لكن هل جنح هذا التيار يف رسم منهج واضح لالجتهاد قادر على مسايرة‬
‫ظروف الزمان واملكان؟ وما هي أهم املعامل لدى هذا التيار؟‬
‫إن املنهج السلفي املعاصر ‪ -‬يف التفكري واالجتهاد ‪ -‬منهج قدمي يُ ُّ‬
‫عد امتداداً‬
‫لالجتاه السلفي الذي اعتمد هنج السلف الصاحل من الصحابة والتابعني وتبلورت‬
‫أصوله لدى اإلمام أمحد بن حنبل‪ ،‬مث تطور على يد ابن تيمية وابن القيم‪ ،‬إىل أن‬
‫تشكل جانبه السياسي بتحالف حممد بن عبد الوهاب مع آل سعود ‪ ،‬فتشكلت –‬ ‫َّ‬
‫بذلك – الدولة اليت احتضنت املذهب السلفي املعاصر‪ ،‬وأسهمت – بشكل فعال –‬
‫يف انتشاره وبسط نفوذه على مناطق شاسعة من العامل اإلسالمي‪.‬‬
‫ومربر الباحث يف إيراده االجتاه السلفي ‪ -‬ضمن اجتاهات االجتهاد املعاصرة ‪-‬‬
‫هو ما عرف عنه من انتشار واسع يف األقطار اإلسالمية سواء يف شقه املوايل لبلد‬
‫املركز (اململكة العربية السعودية)‪ ،‬أو يف شقه املعارض الذي هنج أسلوباً حدِّياً مع‬
‫حد املقاتلة؛ فتميز – بذلك – تياران‪ :‬تيار السلفية املوالية‪ ،‬وتيار‬
‫السلطة وصل إىل ِّ‬
‫السلفية املعارضة أو املقاتلة‪ .‬وكالمها َّ‬
‫شكل ظاهر ًة إسالميةً عامليةً حمورها املدرسة‬

‫‪321‬‬
‫النجدية ذات اجلذور احلنبلية(‪ ،)1‬واليت امتد أثرها إىل الواقع العلمي واالجتماعي‬
‫ألقطار كثرية‪.‬‬
‫نبذة مختصرة عن السلفية – تعريفها‪ ،‬ونشأتها‪ ،‬ومنهجها‪:‬‬
‫السلفية نسبة إىل السلف‪ .‬ومعناه – لغةً – كما ورد يف أغلب املعاجم – املاضي‬
‫املتقدم ؛ فقد جاء يف لسان العرب(‪ « :)2‬سلف‪ :‬تقدم‪ ،‬والسالف‪ :‬املتقدم‪ ،‬والسلف‬
‫والسليف والسلفة‪ :‬اجلماعة املتقدمون »‪ ،‬وقال الراغب‪ « :‬لفالن سلف كرمي‪ ،‬أي‪:‬‬
‫آباء متقدمون‪ ،‬ومجعه‪ :‬أسالف »(‪.)3‬‬
‫أما االستخدام االصطالحي هلذا اللفظ‪ ،‬فيختلف باختالف منطلق املستخدم؛‬
‫فأرباب االجتاه العلماين يعدُّون «السلفية» جمرد وعاء للرتاث الفكري والعقدي‪،‬‬
‫ومرحلة ماضية هلا خصائصها ومميزاهتا ومنهجها اخلاص يف الفهم والتطبيق(‪.)4‬‬
‫يعد بعض املفكرين اإلسالميني أن السلفية جمرد مرحلة زمنية مباركة‪،‬‬ ‫يف حني ُّ‬
‫(‪) 5‬‬
‫وليست منهجاً مميزاً يف الفهم والتطبيق‪.‬‬
‫ومستند من يعتمد املقياس الزمين احلديث الذي أخرجه البخاري يف صحيحه‪،‬‬
‫أي الناس خري؟ قال‪ « :‬قرين‪ ،‬مث الذين‬‫وهو أن الرسول صلى اهلل عليه وسلم ُسئل‪ُّ :‬‬
‫يلوهنم مث الذين يلوهنم‪.)6( »...‬‬

‫‪ -‬خماض الفكر السلفي‪ ،‬حممد بن املختار الشنقيطي‪ .‬شبكة املعلومات الدولية (اإلنرتنت)‪ .‬مقال‬ ‫‪1‬‬

‫مبجلة الوعي السياسي‪ . )www.fiqhsyasi.com.makhad/htm ( :‬ص ‪. 1‬‬


‫‪ -‬لسان العرب‪ .‬مادة «سلف»؛ وينظر‪ :‬الصحاح‪ .‬مادة «سلف»‪.4/1376.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬املفردات يف غريب القرآن‪ .‬مادة «سلف»‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬الرتاث والتجديد‪ ،‬حسن حنفي‪ .‬ص ‪.13‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬كما ذهب إىل ذلك حممد سعيد رمضان البوطي يف كتابه‪ « :‬السلفية مرحلة زمنية مباركة ال‬ ‫‪5‬‬

‫مذهب إسالمي »‪ .‬دمشق‪ ،‬دار الفكر‪ .‬ط‪1421( .2 :‬هـ‪2000/‬م)‪.‬‬


‫‪ -‬البخاري‪( .2/938.‬ح‪)2508 :‬؛ سنن الرتمذي‪ ،4/549 .‬و‪5/695‬؛ واملعجم الكبري‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪(.18/235‬موسوعة التخريج الكربى)‪F.‬‬

‫‪322‬‬
‫غري أن هناك من يرى أن التحديد الزمين ليس كافياً يف االنتساب للسلف؛ ألن‬
‫العربة هي اتباع منهج السلف يف تعاملهم مع القرآن الكرمي والسنة الشريفة عقيد ًة‬
‫(‪) 7‬‬
‫وشريعةً وسلوكاً‪.‬‬
‫تعرف السلفيني بأهنم أهل احلديث والسنة‪ ،‬وتذكرهم –‬ ‫لذا‪ ،‬فإن كتب الفرق ّ‬
‫أحياناً – باسم الصفاتية؛ فقد أدرجهم صاحب «الفرق بني الفرق» حتت عنوان‪:‬‬
‫"أهل السنة واجلماعة"‪ ،‬وذكر منهم أصنافاً مثانية كل صنف متيز عن غريه بإجادة علم‬
‫من العلوم‪ ،‬وأورد بينهم أئمة الفقه – فريقي الرأي واحلديث ‪ « : -‬الذين اعتقدوا يف‬
‫أصول الدين مذاهب الصفاتية يف اهلل ويف صفاته األزلية وتربأوا من القدر‬
‫واالعتزال‪ ...‬ويدخل يف هذه اجلماعة أئمة املذاهب األربعة‪ ،‬أبو حنيفة ومالك‬
‫والشافعي وأمحد وأصحاهبم وسائر الفقهاء الذين اعتقدوا يف األبواب العقلية أصول‬
‫الصفاتية ومل خيلطوا فقهه بشيء من بدع أهل األهواء الضالة »(‪.)2‬‬
‫أما الشهرستاين‪ ،‬فقد ذكرهم باسم أصحاب احلديث وصنفهم ضمن الصفاتية‪،‬‬
‫كثرية من أهل السلف كانوا يثبتون هلل‬‫مجاعة ً‬‫مربراً هذا التصنيف بقوله‪ « :‬اعلم أن ً‬
‫تعاىل صفات أزلية‪ ...‬ال يفرقون بني صفات الذات وصفات الفعل‪ ،‬بل يسوقون‬
‫الكالم سوقاً واحداً‪ ،‬وكذلك يثبتون صفات خربية‪ ،‬مثل اليدين والوجه‪ ،‬وال يؤولون‬
‫ذلك‪ ،‬إال أهنم يقولون‪ :‬هذه الصفات قد وردت يف الشرع فنسميها صفات خربية‪،‬‬
‫وملا كانت املعتزلة ينفون الصفات‪ ،‬والسلف يثبتون‪ ،‬مُس ي السلف صفاتية واملعتزلة‬
‫(‪) 3‬‬
‫معطلة »‪.‬‬
‫غري أن اسم السلفية أصبح ذا ارتباط وثيق بأتباع املذهب احلنبلي؛ ألن أغلب‬
‫املذاهب األخرى آثرت املنهج األشعري يف قضايا العقيدة‪ ،‬يف حني ظل احلنابلة على‬
‫(‪)4‬‬
‫املنهج السلفي يف عدم تأويل الصفات‪.‬‬

‫‪ -‬امللل والنحل‪ ،‬الشهرستاين‪ .‬ص ‪. 44‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪ -‬الفرق بني الفرق‪ ،‬عبد القاهر اإلسفرائيين‪ .‬ص ‪.318-313‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬امللل والنحل‪ .‬الشهرستاين‪ .‬ص ‪.39‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬خطط املقريزي (كتاب املواعظ واالعتبار)‪ ،‬املقريزي‪ ،‬أبو العباس أمحد املقريزي‪ .‬القاهرة ‪،‬‬ ‫‪4‬‬

‫مكتبة الثقافة العربية‪( .‬د‪.‬ت)‪.359-2/356 .‬‬

‫‪323‬‬
‫ولعل ابن تيمية وتلميذه ابن القيم أبرز من انتصر ملذهب السلف‪ ،‬وأوىل عناية‬
‫كبري ًة بتقرير عقيدة السلف وصياغتها وتوضيحها انطالقاً من نصوص القرآن الكرمي‬
‫والسنة النبوية‪ ،‬ولقي يف سبيل ذلك عنتاً كبرياً من املتصوفة واملتكلمني والفقهاء‬
‫(‪)1‬‬
‫املنافسني الذين ألَّبُوا عليه احلكام وحاولوا تشويه دعوته‪.‬‬
‫مث عرفت السلفية أكرب إحياء هلا يف العصر احلديث على يد حممد بن عبد الوهاب‬
‫بتحالفه مع أسرة آل سعود وقيام الدولة السعودية يف شبه اجلزيرة العربية(‪)2‬؛ حيث‬
‫قامت الدولة برعاية املذهب السلفي ودعمه بكل الوسائل املادية(‪)3‬؛ مما حقق له‬
‫سياد ًة شبه مطلقة يف املنطقة ومنحه انتشاراً واسعاً يف أماكن كثرية من العامل‬
‫اإلسالمي مل يكن ليصل إليها من قبل‪ .‬وأضحت – بذلك – املدرسة النجدية ذات‬
‫اجلذور احلنبلية حمور السلفية املعاصرة يف العامل‪.‬‬
‫وإذا كان االجتاه السلفي – بكل خصائصه ومميزاته – قد استثمر – سياسياً –‬
‫من قبل النظام السعودي؛ فأقيمت به دولة واختفت بسببه اجتاهات ومذاهب –‬
‫وشيِّد به جدار أمين ضد كل معارضة؛ فإن جيل الشباب‬ ‫صوفية ومذاهب خمالفة ‪ُ ،-‬‬
‫الذي تتلمذ على رواد السلفية املعاصرة(‪ )4‬قد خالف مواقف شيوخه السياسية وسلك‬
‫هنجاً جديداً يُعد خروجاً على منط املواالة الذي طبع العالقة بني االجتاه السلفي‬
‫والسلطة احلاكمة يف شبه اجلزيرة العربية‪.‬‬
‫وميكن تلخيص أبرز عوامل نشأة السلفية المعارضة يف النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ – 1‬اخلالف الذي وقع بني ابن باز وبني بعض تالمذته حول املوقف من السلطة‬
‫وتصرفاهتا‪ :‬فقد حاكم هؤالء التالميذ مواقف شيوخهم ومواقف أويل األمر السياسية‬
‫إىل النصوص نفسها اليت يستشهد هبا الشيوخ‪ ،‬فاكتشفوا تناقضا بني القول والتطبيق‪،‬‬
‫‪ -‬ابن تيمية‪ ،‬أبو زهرة‪ .‬ص ‪ 43‬وما بعدها؛ وإسهام يف تاريخ املذهب احلنبلي‪ ،‬أمحد بكري‬ ‫‪1‬‬

‫حممود‪ .‬دمشق‪-‬بريوت‪ ،‬دار قتيبة‪ .‬ط‪1411 .1:‬هـ‪1990/‬م)‪ .‬ص ‪ 67‬وما بعدها‪.‬‬


‫‪ -‬إسهام يف تاريخ املذهب احلنبلي‪ ،‬أمحد بكري‪ .‬ص ‪.92 - 87‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬أنشأت الدولة السعودية دار اإلفتاء الرمسية اليت تتوىل مجيع قضايا االجتهاد الفقهي والعمل‬ ‫‪3‬‬

‫الدعوي‪ .‬وقد أسهمت هذه املؤسسة بدور كبري يف ترسيخ املذهب السلفي يف شبه اجلزيرة‬
‫ونشره يف كافة أقطار العامل‪.‬‬
‫‪ -‬من أمثال الشيخ عبد العزيز بن باز وعبد اهلل بن صاحل العثيمني ونظرائهما‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪324‬‬
‫ومل يستطع الشيوخ أن يقدموا إجابات(‪ )1‬عن هذا التناقض تقنع الشباب املتحمس؛‬
‫مما دعا هؤالء الشباب إىل تكوين السلفية املعارضة اليت كانت وراء أحداث احلرم‬
‫املكي(‪ )2‬عام (‪ 1400‬هـ‪1979/‬م)‪.‬‬
‫‪ – 2‬حرب أفغانستان‪ :‬فقد هيأت أحداث هذه احلرب فرصةً لنمو السلفية‬
‫املعارضة وترعرعها وانتشارها‪ ،‬السيما وأن تيارات فكرية كثرية التقت يف ساحة‬
‫(‪)3‬‬
‫القتال فرفدت االجتاه السلفي املعارض بالقوة والتأطري الفكري والعملي‪.‬‬
‫‪ – 3‬استقدام القوات األجنبية وتأسيس القواعد العسكرية األمريكية يف احلجاز‬
‫واخلليج واهلجوم األمريكي على أفغانستان والعراق؛ أعطى قوة دفع كبرية ومربراً‬
‫(‪)4‬‬
‫مقنعاً لكثري من أتباعه حول النهج القتايل الذي سلكه هذا القسم من السلفية‪.‬‬
‫وباستثناء اجملال السياسي‪ ،‬فإن موقف السلفية – بشقيها املوايل واملعارض – يكاد‬
‫يكون واحدا يف منهج التعامل مع نصوص القرآن والسنة النبوية الشريفة‪.‬‬
‫منهج السلفية في تناول قضايا العقيدة‪:‬‬

‫‪ -‬لالطالع على أجواء هذا احلوار وأبرز حماوره ميكن الرجوع إىل كتاب « كشف الشبهات‬ ‫‪1‬‬

‫العصرية عن الدعوة اإلصالحية السلفية »‪ ،‬مجع‪ :‬عبد العزيز بن ريس الريس‪ .‬اإلمارات العربية‬
‫املتحدة‪ -‬أبو ظيب‪ .‬مكتبة اليقني اإلسالمية‪1423 (.‬هـ) [ الكتاب منسوخ على قرص مدمج‪-‬‬
‫‪. ] C.D‬‬
‫‪ -‬فقد استوىل جمموعة من الشباب السلفي بقيادة حممد بن عبد اهلل القحطاين وجهيمان العتييب‬ ‫‪2‬‬

‫على احلرم املكي‪ .‬ومل تنته هذه األحداث إال بتدخل مسلح من السلطة السعودية اليت استعانت‬
‫بالقوات الفرنسية للقضاء على من احتلوا احلرم‪.‬‬
‫‪ -‬لعل أهم من رفد االجتاه السلفي املعارض قادة حركة "اجلهاد" املصرية‪ ،‬وبعض قادة اهلجرة‬ ‫‪3‬‬

‫والتكفري‪ ،‬وأتباع مجاعة جهيمان املسؤولة عن أحداث احلرم‪.‬‬


‫رداً على املعارضني يف هذا الشأن‪ « :‬فحمى اهلل أعراض‬‫‪ -‬يقول أحد دعاة السلفية املوالية ّ‬ ‫‪4‬‬

‫ورد كيد الباغني احلاسدين بفتاوى علمائنا وعلى رأسهم اإلمامان عبد العزيز بن باز‬ ‫املسلمني‪َّ ،‬‬
‫وحممد بن صاحل العثيمني – رمحهما اهلل – اليت خالصتها االستعانة بالكفار مقابل شيء من‬
‫حطام الدنيا لرد عدوان باغ يريد إفساد الدنيا والدين‪ ،‬وعلى رأسه التوحيد الذي هو حق اهلل‬
‫على العبيد‪ .‬وحقا ملا هجم البغاة ورد اهلل كيدهم أمنا يف أوطاننا وإن كنا خسرنا غري قليل من‬
‫حطام الدنيا‪ ،‬لكنه مبقابل ما هو أكثر من الدنيا »‪ .‬كشف الشبهات العصرية عن الدعوة‬
‫اإلصالحية السلفية‪ ،‬عبد العزيز بن ريس الريس‪ .‬ص ‪14-13‬؛ و‪ 35‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪325‬‬
‫أهم ما مييز منهج السلف الوقوف عند حدود ما بيَّنه الرسول صلى اهلل عليه‬
‫وسلم وما أرشد إليه‪ ،‬وما سار عليه الصحابة الكرام وهو االعتماد على الكتاب‬
‫والسنة والوقوف عند نصوصهما وترك اجلدل يف الدين‪.‬‬
‫فتوغل املعتزلة(‪ )1‬يف علم الكالم – كما ذهب إىل ذلك الشهرستاين – وخمالفتهم‬
‫ملنهج املتقدمني(‪ - )2‬من أهل احلديث ‪ -‬جعل بعض األئمة الفقهاء ‪ -‬ويف مقدمتهم‬
‫أمحد بن حنبل وداود الظاهري ‪ -‬يُْؤ ثِرون اتباع من سبقهم من احملدثني كمالك بن‬
‫أنس ‪« :‬وسلكوا طريق السالمة‪ ،‬فقالوا‪ :‬نؤمن مبا ورد به الكتاب والسنة‪ ،‬وال‬
‫نتعرض للتأويل بعد أن نعلم ‪ -‬قطعاً ‪ -‬أن اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ -‬ال يشبه شيئاً من‬
‫املخلوقات‪ ،‬وأن كل ما متثل يف الوهم فإنه خالقه ومقدِّره »(‪.)3‬‬

‫‪ -‬لقد رفد الفكر املعتزيل املغرق يف االعتداد بالعقل اجتاه املعطلة – بكل تياراته – الذي يقابل‬ ‫‪1‬‬

‫اجتاه الصفاتية‪ .‬ولإلنصاف ميكن القول إن علم الكالم املبين على املنطق الصوري – والذي كان‬
‫للمعتزلة الريادة فيه إثباتاً للعقائد الدينية على الغري بواسطة إيراد احلجج ودفع الشبهات وقمع فنت‬
‫الفلسفات الوافدة – قد أسهم ‪ -‬بشكل كبري ‪ -‬يف تلك املراحل يف احملافظة على نقاء العقيدة‬
‫وصفائها‪ ،‬ورد كل الشبهات اليت يثريها اخلصوم‪ F.‬غري أن اإليغال يف التجريد والتمسك باملنطق‬
‫الصوري جعل هذا العلم غري ذي جدوى يف العصر احلديث‪ ،‬فإذا تغريت أسلحة اهلجوم فال بد‬
‫أن تتغري أسلحة الدفاع طبعاً‪ ،‬ولكل عصر سالحه‪ ،‬فقد ظهرت مناهج يف التفكري أكثر اتزاناً‬
‫ومصداقيةً بفضل التقدم العلمي اهلائل وتسخري مبادئ العلوم اليت فتحت آفاق الكون؛ مما يفرتض‬
‫معه استحداث طرق جديدة لإلقناع واحملاجة واالستفادة من اآليات الكونية اليت فتح اهلل آفاقها‬
‫للناس وبنَّي احلكمة من ذلك بقوله تعاىل‪َ  :‬سنُ ِري ِه ْم آيَاتِنَا فِي اآْل فَ ِ‬
‫اق َوفِي َأ ْنفُ ِس ِه ْم َحتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ ْم َأنَّهُ‬
‫ف بِ َربِّكَ َأنَّهُ َعلَى ُكلِّ َش ْي ٍء َش ِهيدٌ‪( ‬فصلت‪ . )53:‬حتفة الرتك فيما جيب أن يعمل يف‬
‫ق َأ َولَ ْم يَ ْك ِ‬
‫ْال َح ُّ‬
‫امللك‪ ،‬الطرسوسي‪ ،‬من القسم الدراسي للمحقق عبد الكرمي مطيع‪ .‬ص ‪.91-90‬‬
‫‪ -‬يعلق أحد الباحثني على منهج املعتزلة بقوله‪ « :‬امتازت املعتزلة من بني فرق املتكلمني حبرية‬ ‫‪2‬‬

‫الرأي واالعتماد على العقل‪ ،‬وعدم التقيد بنصوص القرآن واحلديث؛ مما كان له أثر كبري يف‬
‫كثرة اختالفاهتم‪ .‬وهلذا يعاين من يكتب عنهم مشاق عظيمة يف أن جيعل هلم مذهبا موحدا جممعا‬
‫عليه منهم وكأن اجلدل واخلالف يف الرأي هو األصل الذي قام عليه مذهب املعتزلة‪ .‬موسوعة=‬
‫= امللل والنحل‪ ،‬الشهرستاين‪ .‬ت‪ :‬عبد األمري علي مهنا‪ .‬بريوت‪ ،‬دار املعرفة‪ .‬ط‪( .1 :‬‬
‫‪1410‬هـ‪1990/‬م)‪ .‬من هامش احملقق ‪.1/59‬‬
‫‪ -‬امللل والنحل‪ ،‬الشهرستاين‪ .‬ص ‪.44‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪326‬‬
‫فقد اعتمدت املدرسة السلفية نصوص الكتاب والسنة‪ ،‬ووقفت عندها‪ ،‬ورفضت‬
‫التأويل الكالمي‪ ،‬وعملت بكل ما صح عن النيب صلى اهلل عليه وسلم يف أصول‬
‫الدين وفروعه مل تفرق يف ذلك بني األحاديث املتواترة وأحاديث اآلحاد‪ ،‬واعتمدت‬
‫أقوال الصحابة – رضي اهلل عنهم – وقدمتها على أقوال من جاء بعدهم؛ فكان أهم‬
‫ما ميزهم يف القدمي واحلديث – كما يقول أحد الباحثني ‪ « : -‬تقدمي النقل على‬
‫العقل‪ ،‬ورفض التأويل الكالمي‪ ،‬واالستدالل باآليات القرآنية واألحاديث النبوية‬
‫والوقوف عند النص »(‪ .)1‬فقد خالفوا منهج املتكلمني يف تقرير قضايا العقيدة؛‬
‫فتمسكوا مبنهج النقل مع تأكيدهم أن ال تعارض بني العقل الصريح والنقل الصحيح‪.‬‬
‫(‪) 2‬‬

‫وميثل التوحيد ‪ -‬بأقسامه الثالثة – توحيد الربوبية‪ ،‬واأللوهية‪ ،‬والصفات – حمور‬


‫الدعوة العقدية لالجتاه السلفي‪ .‬غري أن موضوع الصفات نال اهتماما كبرياً ميّز هذا‬
‫إن بعض الفرق قد أطلقت على أصحابه اسم "الصفاتية" أو‬ ‫االجتاه عن غريه حىت َّ‬
‫"املشبهة"‪ .‬وعمدهتم ‪ -‬يف هذا الباب ‪ -‬أن اهلل تعاىل ال يوصف إال مبا وصف به‬
‫نفسه ومبا وصفه به رسوله صلى اهلل عليه وسلم نفياً وإثباتاً‪ ،‬فيثبت هلل ما أثبه لنفسه‪،‬‬
‫وينفي عنه ما نفاه عن نفسه على طريق سلف األمة وأئمتها من غري تكييف وال‬
‫(‪)3‬‬
‫متثيل‪ ،‬ومن غري حتريف وال تعطيل‪.‬‬
‫وقد استدل [أصحاب هذا االجتاه] بأن منهج السلف هو كما بينه السلف‬
‫أنفسهم؛ حيث إهنم نقلوا إىل اخللف القرآن وأخبار الرسول صلى اهلل عليه وسلم نقل‬
‫مصدق مؤمن هبا‪ ،‬غري شاك وال مرتاب يف صدق قائلها‪ ،‬ومل يؤولوا ما يتعلق‬
‫بالصفات منها ومل يشبهوه بصفات املخلوقني؛ إذ لو فعلوا شيئا من ذلك لنقل عنهم‬
‫(‪) 4‬‬
‫كما نقل اختالفهم يف بعض مسائل الفروع‪.‬‬

‫‪ -‬قواعد املنهج السلفي‪ ،‬مصطفى حلمي‪ .‬اإلسكندرية‪ ،‬دار الدعوة‪ 1405( .‬هـ)‪ .‬ص ‪.253‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬وهذا ما أكده ابن تيمية يف كتابه الذي اشتهر بعنوان‪ « :‬درء تعارض العقل والنقل »‪ ،‬أو‬ ‫‪2‬‬

‫«موافقة صحيح املنقول لصريح املعقول»‪.‬‬


‫‪ -‬جمموع الفتاوى (كتاب األمساء والصفات)‪ ،‬ابن تيمية‪ 5/14 .‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬اخلطط‪ ،‬املقريزي‪2/356 .‬؛ واملذاهب اإلسالمية‪ ،‬أبو زهرة‪.1/189 .‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪327‬‬
‫االستدالل بالخبر المتواتر واآلحاد في العقيدة‪:‬‬
‫حيتج اجتاه السلف باألحاديث النبوية يف مسائل العقيدة دون متييز بني حديث‬
‫متواتر وآحاد(‪ .)1‬ويبدو أن ورعهم وحرصهم على اتباع النصوص قرآناً وسنةً جعلهم‬
‫يعدون هذا املنهج أسلم طريق‪ ،‬السيما وهم يستشهدون جبملة من اآليات القرآنية‬
‫املثبتة حجية السنة ووجوب اتباع الرسول صلى اهلل عليه وسلم وطاعته(‪ )2‬؛ كما‬
‫يستشهدون بعمل الرسول صلى اهلل عليه وسلم حيث كان يرسل آحادا من الصحابة‬
‫لتبليغ دعوته إىل امللوك والبلدان والقبائل؛ فقد أخرج البخاري عن حذيفة أن النيب‬
‫صلى اهلل عليه وسلم قال ألهل جنران‪ « :‬ألبعثن إليكم رجال أمينا حق أمني‪،‬‬
‫فاستشرف هلا أصحاب النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬فبعث أبا عبيدة »(‪ ،)3‬كما أن‬
‫(‪)4‬‬
‫الرسول صلى اهلل عليه وسلم بعث معاذاً إىل اليمن ‪ .‬فلو مل يكن خرب الواحد ملزماً‬
‫للحجة ومثبتاً للعقائد ملا اقتصر صلى اهلل عليه وسلم على واحد يف ذلك‪ .‬يقول ابن‬
‫عبد الرب‪ « :‬إن مجاعة أهل األثر والفقه كلهم يدين اهلل عز وجل خبرب الواحد العدل‬
‫يف االعتقادات‪ ،‬ويعادي ويوايل عليها وجيعلها شرعا ودينا يف معتقده‪ ،‬وعلى ذلك‬
‫مجاعة أهل السنة »(‪.)5‬‬

‫‪ -‬سرد ابن القيم يف كتابه "الصواعق املرسلة" أكثر من عشرين دليالً إلثبات أن صحيح حديث‬ ‫‪1‬‬

‫اآلحاد يقني اليقني‪ .‬نظرات يف أصول الفقه‪ ،‬عمر سليمان األشقر‪ .‬عمان‪ ،‬دار النفائس‪ .‬ط‪.1:‬‬
‫(‪1419‬هـ‪1999/‬م)‪ .‬ص ‪.345‬‬
‫ُول َوُأولِي‬‫‪ -‬من مثل قوله تعاىل‪  :‬يَا َأيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا َأ ِطيعُوا هَّللا َ َوَأ ِطيعُوا ال َّرس َ‬ ‫‪2‬‬

‫اَأْل ْم ِر ِم ْن ُك ْم فَِإ ْن تَنَا َز ْعتُ ْم فِي َش ْي ٍء فَ ُر ُّدوهُ ِإلَى هَّللا ِ َوال َّرسُو ِل ِإ ْن ُك ْنتُ ْم تُْؤ ِمنُونَ بِاهَّلل ِ‬
‫َو ْاليَوْ ِم اآْل ِخ ِر َذلِكَ َخ ْي ٌر َوَأحْ َس ُن تَْأ ِويالً ‪( ‬النساء‪َ  ، )59:‬و َما آتَا ُك ُم ال َّرسُو ُل فَ ُخ ُذوهُ‬
‫ب ‪( ‬احلشر‪ :‬من اآلية‪.)7‬‬ ‫َو َما نَهَا ُك ْم َع ْنهُ فَا ْنتَهُوا َواتَّقُوا هَّللا َ ِإ َّن هَّللا َ َش ِدي ُد ْال ِعقَا ِ‬
‫‪ -‬أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،4/1592 .‬و‪6/2649‬؛ ومسلم يف صحيحه‪.4/1882 .‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬أخرج البخاري أيضا عن ابن عباس أن النيب صلى اهلل عليه وسلم بعث معاذاً إىل اليمن‪،‬‬ ‫‪4‬‬

‫فقال‪ « :‬إنك تأيت قوماً أهل كتاب فادعهم إىل شهادة أن ال إله إال اهلل وأين رسول اهلل‪ ،‬فإن‬
‫أطاعوك لذلك فأعلمهم أن اهلل افرتض عليهم مخس صلوات يف كل يوم وليلة‪ ،‬فإن هم أطاعوك‬
‫لذلك فأعلمهم أن اهلل افرتض عليهم صدقةً يف أمواهلم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم‪...‬‬
‫»‪ .‬صحيح البخاري‪( )2/505 .‬ح ‪.)1331‬‬
‫‪ -‬التمهيد ملا يف املوطأ من األسانيد‪ ،‬ابن عبد الرب‪.1/8 .‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪328‬‬
‫وال غرابة يف اعتمادهم خرب اآلحاد‪ ،‬واستمساكهم الشديد به؛ فاملذهب احلنبلي‬
‫نفسه – وهو عمدة االجتاه السلفي – قد نُِق َل َن ْق َل آحاد؛ ذلك أن مسند(‪ )1‬اإلمام‬
‫أمحد ‪-‬الكتاب األم للفقه احلنبلي – وضعه اإلمام نفسه ونظمه ابنه عبد اهلل مبعية أخيه‬
‫صاحل وهو أكرب أبناء اإلمام – ومها ناشرا مذهب أبيهما من بعده ‪ -‬إىل أن جاء‬
‫تلميذ ابنه عبد اهلل وهو أبو بكر القطيعي(‪ )2‬الذي روى املسند وزاد عليه زيادات‬
‫أخرى‪.‬‬
‫وهذا خبالف ما سار عليه مجهور العلماء من أن األحاديث اآلحاد من الثقة العدل‬
‫حيتج هبا يف العمل دون االعتقاد؛ لكون قضايا العقيدة جيب أن تبىن على أدلة يقينية ال‬
‫(‪) 3‬‬
‫يتطرق إليها ظن أو شبهة‪.‬‬
‫وجبانب األخذ باألخبار اآلحاد واملتواتر اعتمد اجتاه السلف أقوال الصحابة –‬
‫رضي اهلل عنهم – وما أثر عنهم يف قضايا العقيدة؛ وذلك ملا متيزوا به من فضل‬
‫صحبة الرسول صلى اهلل عليه وسلم وشهودهم التنزيل‪ ،‬وملا امتازوا به من الفهم‬
‫(‪)4‬‬
‫اللغوي لنصوص القرآن الكرمي والسنة النبوية‪.‬‬
‫لقد كان للصحابة – وال شك – ولتابعيهم – أيضاً ‪ -‬منهج واضح يف التعامل‬
‫مع قضايا العقيدة‪ ،‬غري أن مفهوم السلفية حتول عند البعض – كما يقول أحد‬

‫‪ -‬مسند اإلمام أمحد‪ :‬هو جمموعة غنية من حديث رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وسننه مجعها‬ ‫‪1‬‬

‫من أقطار عدة وعلماء كثريين‪ .‬وهو وِإ ْن كان يعرف باملسند‪ ،‬فإنه جمموعة مسانيد على أبواب‬
‫الصحابة يبتدئ بأيب بكر‪ ،‬ويأيت باألحاديث اليت جاءت عن الصديق رضي اهلل عنه‪ ،‬فعمر‪،‬‬
‫فعثمان‪ ،‬فعلي‪...‬اخل‪ .‬وكل صحايب يورد أحاديثه اليت صحت عنده‪ ،‬ويذكر سلسلة الرواية‪ .‬وهو‬
‫أكرب كتاب يف احلديث بعد املصنف لعبد الرزاق‪ .‬إسهام يف تاريخ املذهب احلنبلي‪ ،‬أمحد بكري‬
‫حممود‪ .‬ص ‪.13‬‬
‫‪ -‬أمحد بن جعفر بن محدان بن مالك (ت ‪368‬هـ)‪ :‬من أشهر فقهاء املذهب احلنبلي‪.‬مسع عبد‬ ‫‪2‬‬

‫اهلل بن اإلمام أمحد‪ ،‬وروى عنه املسند والزهد والتاريخ واملسائل وغري ذلك‪ ..‬طبقات احلنابلة‪.‬‬
‫(ترمجة رقم‪.2/6 .)579 :‬‬
‫‪ -‬ابن حنبل‪ ،‬أبو زهرة‪ .‬ص ‪.237-236‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬جامع بيان العلم وفضله‪ ،‬ابن عبد الرب‪.44-2/36 .‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪329‬‬
‫الباحثني(‪ « : - )1‬من منهج سليم يف املعتقد‪ ،‬مبين على التسليم والتفويض وعدم‬
‫التكلف إىل مذهبية يف أمور الفقه واحلياة املتغرية تقيد الفكر والعمل أحيانا؛ وقد جتلى‬
‫ذلك يف البحث والتنقيب يف حياة السلف وأقوال العلماء األقدمني عن مرجع ألي‬
‫أمر جديد‪ ،‬واالستغراق يف قياسات جزئية ال تليب حاجات اإلسالم يف العصر‬
‫احلديث‪ ..‬والنظر بريبة إىل كل اجتهاد جديد ال جيد له مستنداً أو سابقة يف حياة‬
‫السلف‪.»..‬‬
‫وإذا كان السلف قد ذموا علم الكالم واالشتغال به‪ ،‬فإن االجتاه السلفي املعاصر‬
‫قد حتول يف بعض مناحيه إىل ما يشبه املدرسة الكالمية اليت تطنب يف احلديث عن‬
‫دقائق العقيدة بشكل ال ينسجم مع منهج السلف القائم على البساطة(‪ )2‬واإلعراض‬
‫عن اخلوض يف قضايا ال ينتج عنها إال الفرقة والتناحر وإهدار الطاقات‪ ،‬وهذا منهي‬
‫عنه شرعاً وال ميت إىل منهج السلف بصلة(‪ ،)3‬السيما إذا كان األمر – يف أساسه –‬
‫متعلقاً جبزئيات من قضايا العقيدة ال تتوفر فيها أدلة قطعية‪ ،‬وال يرتتب على اجلدل‬
‫فيها مثرة عملية‪.‬‬

‫‪ -‬خماض الفكر السلفي‪ ،‬حممد بن املختار الشنقيطي‪(.‬شبكة املعلومات الدولية‪-‬اإلنرتنت)‪ F.‬جملة‬ ‫‪1‬‬

‫الفقه السياسي‪ .www.fiqhsyasi.com/makhad/htm .‬ص ‪.1‬‬


‫‪ -‬م‪.‬س‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬يؤكد بعض الباحثني أن تسمية "السلفيني" نفسها ليست من منهج السلف أصال؛ ألنه ال‬ ‫‪3‬‬

‫يوجد ما يسندها يف الشرع‪ .‬حتفة الرتك فيما جيب أن يعمل يف امللك‪ ،‬من دراسة احملقق‪ .‬ص‬
‫‪.89‬‬

‫‪330‬‬
‫المبحثـ الثاني‬
‫منهج دراسة العقيدة‬
‫وأثره في منهج االجتهاد لدى االتجاه السلفي‬
‫يبدو أثر منهج االجتاه السلفي لدراسة العقيدة واضحاً على منهجهم يف االجتهاد‬
‫الفقهي؛ فإن ميلهم إىل الظاهر‪ ،‬والتزامهم الصارم بالنصوص‪ ،‬ووقوفهم عند حدود‬
‫األلفاظ دون النظر إىل سياق ورودها ودالالهتا القريبة والبعيدة ‪ -‬قد نتج عنه نزعة‬
‫ظاهرية يف تناول قضايا االجتهاد؛ ولعلي ال أجانب الصواب إن قلت‪ :‬إن ظهور‬
‫املذهب الظاهري ‪ -‬يف الفقه واالجتهاد ‪ -‬هو نتيجة وانعكاس لاللتزام الصارم باملنهج‬
‫السلفي يف تناول قضايا العقيدة‪ .‬وليس غريبا أن يالحظ الباحث أن املذهب الظاهري‬
‫قد تأسست دعائمه على أيدي فقهاء خترجوا من مدرسة احملدثني وتتلمذوا على يد‬
‫(‪) 1‬‬
‫أعالم احلديث‪.‬‬

‫‪ -‬أسهم احملدثون ‪ -‬بنصيب ‪ -‬وافر يف نشأة املذهب الظاهري؛ ودليل ذلك ما يلي‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ‬أهل الظاهر أغلبهم حمدثون تلقوا علومهم على أعالم احلديث يف عصرهم؛ فأبو دواد‬
‫الظاهري تتلمذ لعامل احلديث إسحاق بن راهويه‪ ،‬وتفقه على أصحاب الشافعي الذي كان‬
‫له البالء احلسن يف نصرة احلديث‪.‬‬
‫‪ ‬قدَّم احملدثون ‪ -‬ألهل الظاهر ‪ -‬املادة اليت يعتمدون عليها يف فقههم‪ ،‬كما أخذ الظاهرية ‪-‬‬
‫من أهل احلديث ‪ -‬احرتام النصوص وااللتزام العملي هبا‪.‬‬
‫‪ ‬تصريح ابن حزم نفسه بأن الظاهرية من احملدثني؛ قال يف كتابه "النبذ" ‪ «:‬وإن أصحاب‬
‫الظاهر من أهل احلديث – رضي اهلل عنهم – أشد اتباعاً وموافقة للصحابة رضوان اهلل‬
‫عليهم‪( »...‬ص ‪.)37‬‬
‫‪ ‬كراهية احملدثني للقياس وغضهم من شأنه وحتذيرهم من استعماله‪ ،‬وعدم التجائهم إليه إال‬
‫عند الضرورة‪ ،‬كل ذلك مهد للظاهرية أن ينكروا القياس‪.‬‬
‫االجتاهات الفقهية عند أصحاب احلديث يف القرن الثالث اهلجري‪ ،‬عبد اجمليد حممود عبد اجمليد‪.‬‬
‫مصر‪ ،‬مكتبة اخلاجني‪1399( .‬هـ‪1979/‬م)‪ .‬ص ‪.356-351‬‬

‫‪331‬‬
‫ومن خالل ما استند إليه الظاهرية ‪ -‬يف تأصيلهم ملذهبهم ‪ -‬تتجلى النزعة إىل‬
‫الظاهر(‪ )1‬بوضوح ‪ -‬سواء يف تفسري نصوص القرآن والسنة أو يف رفض االحتجاج‬
‫مبعظم األدلة التبعية ‪-‬؛ فقد ذهبوا إىل رفض ما سوى الكتاب والسنة وإمجاع‬
‫الصحابة مستدلني على ذلك جبملة من األدلة أبرزها‪:‬‬
‫ص َر َوا ْلفَُؤ ا َد‬
‫س ْم َع َوا ْلبَ َ‬‫س لَكَ بِ ِه ِع ْل ٌم ِإنَّ ال َّ‬
‫‪ -‬قولـه تعاىل‪َ  :‬وال تَ ْقفُ َما لَ ْي َ‬
‫سُؤوالً ‪. )2(‬‬ ‫ُك ُّل ُأولَِئكَ َك َ‬
‫ان َع ْنهُ َم ْ‬
‫سولِ ِه‬‫ي هَّللا ِ َو َر ُ‬ ‫‪ -‬وقولـه تعاىل‪  :‬يَا َأيُّ َها الَّ ِذ َ‬
‫ين آ َمنُوا ال تُقَ ِّد ُموا بَ ْي َن يَ َد ِ‬
‫َواتَّقــُوا هَّللا َ ‪.)3(‬‬
‫‪ -‬وما ُروي عن النيب صلى اهلل عليه وسلم من أنه قال‪ « :‬إن اهلل ح ّد حدوداً فال‬
‫تعتدوها‪ ،‬وفرض فرائض فال تضيعوها ‪،‬وحرم أشياء فال تنتهكوها‪ ،‬وترك أشياء من‬
‫غري نسيان من ربكم ولكن رمحة منه لكم ‪ ،‬فاقبلوها وال تبحثوا فيها »(‪.)4‬‬
‫‪ -‬وقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ «:‬ذروين ما تركتكم‪ ،‬فإمنا هلك من كان قبلكم‬
‫بكثرة سؤاهلم واختالفهم على أنبيائهم؛ فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا‬
‫هنيتكم عن شيء فدعوه »(‪.)5‬‬
‫‪ -‬اإلمجاع‪ :‬فإن كثرياً من الصحابة ذم الرأي حىت عُ َّد سكوت الباقني إمجاعاً‪.‬‬
‫فقد ُروي عن أيب بكر الصديق – رضي اهلل عنه – قوله‪ « :‬أي مساء تظلين وأي‬
‫أرض تقلين إذا قلت يف كتاب اهلل برأيي »(‪ .)6‬كما ُروي عن عمر بن اخلطاب –‬

‫‪ -‬أبرز ما مييز هذا املذهب عن غريه أخذه بظواهر النصوص‪ ،‬وهذا الذي أعطى أصحابه اسم‬ ‫‪1‬‬

‫الظاهرية‪ .‬املدرسة الظاهرية باملشرق واملغرب‪ ،‬أمحد بكري حممود‪ .‬دمشق‪ ،‬دار قتيبة‪ .‬ط‪.1:‬‬
‫(‪1411‬هـ‪1991/‬م)‪.‬ص ‪.21‬‬
‫‪ -‬اإلسراء ‪.36‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬احلجرات ‪.1‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬املستدرك على الصحيحني (طرف حديث ‪4/129 .)7114‬؛ وسنن الدارقطين‪.4/183.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬أخرجه مسلم يف صحيحه‪2/975 .‬؛ وابن ماجه يف سننه‪ .1/3.‬مع اختالف طفيف يف‬ ‫‪5‬‬

‫املنت‪.‬‬
‫‪ -‬سبق خترجيه‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪332‬‬
‫رضي اهلل عنه – أنه قال‪« :‬إياكم وأصحاب الرأي‪ ،‬فإهنم أعداء السنن‪ ،‬أعيتهم‬
‫األحاديث أن حيفظوها فقالوا بالرأي فضلوا وأضلوا‪.)1( »...‬‬
‫‪ -‬العقل‪ :‬فقالوا‪ :‬إن اهلل تعاىل ذم ‪ -‬يف القرآن الكرمي ‪ -‬املنازعة واخلالف وهنى‬
‫ين تَفَ َّرقُوا َو ْ‬
‫اختَلَفُوا ِمنْ بَ ْع ِد‬ ‫عن الفرقة فقال ‪ -‬عز وجل ‪َ  : -‬وال تَ ُكونُوا َكالَّ ِذ َ‬
‫اب َع ِظي ٌم ‪.)2( ‬‬ ‫َما َجا َء ُه ُم ا ْلبَيِّنَاتُ َوُأولَِئ َك لَ ُه ْم َع َذ ٌ‬
‫وسبب االختالف اشتباه احلق وعدم ظهوره‪ ،‬النعدام العلم الذي يفرق بني احلق‬
‫والباطل‪ ،‬والقياس يتضمن اشتباه احلق؛ ألنه من غري اهلل‪ ،‬فهو تشريع بشري‪ ،‬واللجوء‬
‫إليه تشريع بغري ما أنزل اهلل بدليل قوله تعاىل ‪َ :‬أ ْم لَ ُه ْم ش َُر َكا ُء ش ََرعُوا لَ ُه ْم ِم َن‬
‫ِّين َما لَ ْم يَْأ َذنْ بِ ِه هَّللا ُ‪)3(‬؛ وقوله تعاىل‪  :‬اتَّ َخ ُذوا َأ ْحبَا َر ُه ْم َو ُر ْهبَانَ ُه ْم َأ ْربَابا ً‬
‫الد ِ‬
‫ُون هَّللا ‪. ‬‬
‫(‪) 5( ) 4‬‬
‫ِمنْ د ِ‬
‫غري أن أخذ الظاهرية ‪ -‬من االجتاه إىل الظاهر ‪ -‬مذهباً ُم ْلَتَزماً‪ ،‬تُقرر لـه أصول‬
‫وقواعد مطردة ال تتخلف‪ ،‬أدى هبم إىل نوع من اإلغراب والشذوذ يف مجلة من‬
‫االجتهادات اليت ذهبوا إليها‪ ،‬واختلفوا فيها مع احملدثني الذين يُعدون عمدة اجتاه‬
‫السلف‪.‬‬
‫وإذا كان الظاهرية قد انبثقوا من أهل احلديث‪ ،‬واشرتكوا معهم يف التزام‬
‫النصوص ‪ -‬قرآناً وسنةً ‪-‬؛ فإهنم اختلفوا عنهم يف الوقوف عند حدود حجية هذين‬
‫الدليلني – الكتاب والسنة – وحجية اإلمجاع ‪ -‬باعتباره مستنداً إىل أصل من‬

‫‪ -‬سنن الدارقطين‪.4/146 .‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬آل عمران ‪.106‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬الشورى ‪.21‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬التوبة ‪.31‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬املدرسة الظاهرية باملشرق واملغرب‪ ،‬أمحد بكري حممود‪ .‬ص ‪ 41‬وما بعدها‪ .‬أما الردود على‬ ‫‪5‬‬

‫أدلة الظاهرية فلالطالع عليها ميكن الرجوع إىل خمتلف كتب األصول السيما يف مباحث‬
‫القياس‪ ،‬مثل‪« :‬إحكام الفصول يف أحكام األصول الباجي»‪ ،‬أبو الوليد سليمان‪ .‬ت‪ :‬عبد اهلل‬
‫حممد اجلبوري‪ .‬بريوت‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪.‬ط‪1409( .1 :‬هـ‪1989/‬م)‪ .‬ص ‪ 457‬وما بعدها؛‬
‫وأصول السرخسي‪ .2/119 .‬ولعل البحث القيم «حجية القياس يف أصول الفقه اإلسالمي»‬
‫لعمر مولود عبد احلميد يتضمن ردوداً علمية شافية يف املوضوع‪.‬‬

‫‪333‬‬
‫القرآن أوالسنة – وعدم جتاوز ذلك إىل أقوال الصحابة والتابعني اليت تُعد أثراً أحلقه‬
‫احملدثون بنصوص السنة؛ وهذا ما أدى إىل اختالف يف قبول بعض صور اإلسناد‬
‫ورفضها‪.‬‬
‫فالظاهرية مل يقبلوا من نصوص السنة إال ما نُسب إىل الرسول صلى اهلل عليه‬
‫وسعوا دائرة القبول معتربين أن لبعض الصيغ مثل‪:‬‬ ‫وسلم صراحةً‪ ،‬أما احملدثون فقد َّ‬
‫(‪)1‬‬ ‫ِ‬
‫"ُأم ْرنا"‪ ،‬أو "من السنة" حكم احلديث املرفوع‪.‬‬
‫ومما ينبغي التنبيه إليه أن احملدثني مل يرفضوا العمل بالرأي مطلقاً‪ ،‬وإمنا رفضوا‬
‫الرأي املذموم‪ ،‬أما احملمود الذي مل خيالف نصاً ومل ينقض أصالً فلم ينكر األخذ به‬
‫أحد منهم؛ فإن احلنابلة ‪ -‬الذين هم أشد قرباً من منهج احملدثني ‪-‬كانوا أكثر من‬
‫غريهم حرفيةً يف تناول الكتاب والسنة واإلمجاع من سائر املذاهب الفقهية املشهورة‪،‬‬
‫وقد أخذ إمامهم أمحد بن حنبل بالقياس عند الضرورة وِإ ْن كان يفضل عليه خرب‬
‫اآلحاد أو اخلرب الضعيف‪ .‬وكان أتباعه – من بعده – أكثر أخذاً به لشدة حاجتهم‬
‫(‪)2‬‬
‫إليه‪.‬فتلبيةً ملا تقتضيه هذه احلاجة توسعوا يف استخدام املصلحة واالستحسان‪.‬‬
‫لكن يبدو أن الغلو يف التزام أي مذهب أو منهج فقهي‪ ،‬واملغاالة يف حماولة تطبيق‬
‫قواعده تطبيقاً حرفياً بشكل يتجاهل اجلزئيات وما يصاحبها من مالبسات‬
‫وظروف‪ -‬قد يؤدي – غالباً – إىل نوع من اإلغراب والشذوذ املنايف ألهم خصائص‬
‫الشريعة‪.‬‬
‫وهذا ما وقع فيه الظاهرية والذين رفعوا شعار السلفية عنواناً ملنهجهم يف‬
‫االجتهاد‪ ،‬كما وقع فيه الباطنية وغريهم‪.‬‬
‫فالظاهرية ‪ -‬حينما أوغلوا يف اتباع ظواهر النصوص ‪ -‬وقعوا – أحياناً كثري ًة –‬
‫يف مناقضة املقصود منها؛ كما كانت املغاالة ‪ -‬يف مالحظة املعاين والعلل واملقاصد‪-‬‬
‫مسلكاً جنح بأصحابه إىل تعميم ما مل يُقصد تعميمه أو جتاوز ما ينبغي الوقوف عند‬
‫(‪)3‬‬
‫حدوده‪.‬‬

‫‪ -‬االجتاهات الفقهية عند أصحاب احلديث‪ ،‬عبد احلميد حممود‪ .‬ص ‪.363-362‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ابن حنبل‪ ،‬أبو زهرة‪ 284 .‬و‪309‬؛ وحتفة الرتك (القسم الدراسي)‪ .‬ص ‪.96‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪334‬‬
‫صحيح أن أهل الظاهر قد أحسنوا – كما يقول ابن القيم – يف اعتنائهم البالغ‬
‫بالنصوص‪ ،‬واالنتصار هلا‪ ،‬وعدم تقدمي غريها عليها ‪ -‬سواء كان رأياً أو قياساً أو‬
‫تقليداً ‪ -‬إال أهنم أخطأوا من أربعة أوجه‪:‬‬
‫‪ .1‬رد القياس الصحيح‪ ،‬والسيما املنصوص على علته‪.‬‬
‫‪ .2‬تقصريهم يف فهم النصوص‪ ،‬حلصرهم الداللة يف جمرد اللفظ دون إميائه وتنبيهه‬
‫وإشارته ومعهوده عند املخاطبني‪.‬‬
‫‪ .3‬حتميل االستصحاب أكثر مما يتحمله؛ فهم ‪ -‬عندما سدوا على أنفسهم باب‬
‫التمثيل والتعليل واعتبار احلكم واملصاحل ‪ -‬احتاجوا إىل توسعة الظاهر‬
‫(‪) 1‬‬
‫واالستصحاب فحملومها فوق احلاجة‪ ،‬ووسعومها ألكثر ما يسعانه‪.‬‬
‫‪ .4‬اعتقادهم أن عقود املسلمني وشروطهم ومعامالهتم كلها على البطالن حىت‬
‫يقوم دليل على الصحة؛ فإذا مل يقم عندهم دليل ‪ -‬على صحة شرط أو عقد‬

‫‪ -‬لالطالع على أمثلة من األغالط اليت وقع فيها الطرفان – أهل األلفاظ وأهل املعاين – ميكن‬ ‫‪3‬‬

‫الرجوع إىل كتاب «إعالم املوقعني» البن القيم‪.1/220 .‬‬


‫‪ -‬إن أخذ ابن حزم باالستصحاب وتركه االجتهاد بالقياس ‪ -‬الذي جيعل األشياء املتماثلة ذات‬ ‫‪1‬‬

‫حكم واحد ‪َّ -‬أداه إىل غرائب‪ ،‬منها‪:‬‬


‫‪ ‬أن األشياء ال تنجس إال إذا ظهر للشيء النجس أثر مادي فيها كتغري لوهنا أو رائحتها أو‬
‫طعمها؛ فإذا وقع شيء من ذلك يف املاء ومل يكن هذا التغري‪ ،‬فاملاء طاهر يصح شربه‬
‫والوضوء منه‪ ،‬وال يستثىن من ذلك إال البول يف املاء الراكد لورود نص فيه‪(.‬احمللى‪ ،‬ابن‬
‫حزم‪ ،‬أبو حممد علي‪ .‬ت‪ :‬أمحد حممد شاكر‪ .‬بريوت‪ ،‬دار الفكر‪( .‬د‪.‬ت)‪)1/135F.‬‬
‫‪ ‬أن سؤر الكلب – وهو املاء الباقي بعد شربه – جنس‪ ،‬وال يتم تطهري اإلناء الذي ولغ فيه‬
‫إال بغسله سبعا إحداهن بالرتاب الطاهر؛ ألن النص قد ورد بذلك‪ ،‬بينما يقرر أن سؤر‬
‫اخلنزير طاهر يصح شربه والوضوء منه‪ .‬ومن العجيب أنه يفرق بني أكل الكلب من اإلناء‬
‫وبني شربه منه‪ ،‬بل األعجب من ذلك أن يفرق بني الشرب وبني وقوع الكلب كله يف‬
‫اإلناء‪ .‬والكلب قذر بكل حال؛ وقد أثبت الطب احلديث أنه حيمل كثرياً من األمراض‬
‫اخلبيثة املعدية لإلنسان‪ ،‬والتوقي منه ضروري مصداقا ملا يفهم من معاين الشريعة يف هذا‬
‫الباب‪ ،‬السيما وأن النظافة من اإلميان‪( .‬احمللى وهامشـ ـ ـ ـ ـ ــه ‪=.)1/109‬‬
‫‪ ‬أن بول اإلنسان يف املاء الراكد ينجسه‪ ،‬بينما بول اخلنزير ال ينجسه؛ ألن النص مل يرد إال‬
‫يف بول اإلنسان‪ ،‬فال يقاس عليه بول احليوان ولو خنزيراً‪( .‬احمللى ‪.)1/139‬‬

‫‪335‬‬
‫أو معاملة ‪ -‬استصحبوا بطالنه‪ ،‬فأفسدوا ‪ -‬بذلك ‪ -‬كثرياً من معامالت‬
‫(‪)1‬‬
‫الناس وعقودهم وشروطهم – بال برهان – بناء على هذا األصل‪.‬‬

‫وإذا ك‪FF‬ان االستمس‪FF‬اك الش‪FF‬ديد ‪ -‬بالظ‪FF‬اهر ‪ -‬قد أوقع الفقه الظ‪FF‬اهري – أحيان ‪F‬اً كث‪FF‬ري ًة‬
‫– يف شذوذ وإغراب؛ فإنه مل خيل من إفادة جديرة باإلشادة تدل على عظيم حرصهم‬
‫على أصول الشريعة ودفاعهم املس‪FF‬تميت عنها حىت ال خيالطها ما ليس منه‪FF‬ا‪ .‬كل ذلك‬
‫يف يقني ث‪FF‬ابت واقتن‪FF‬اع ت‪FF‬ام بص‪FF‬واب منطلقهم؛ كما يق‪FF‬ول ابن ح‪FF‬زم‪ « :‬وهك‪FF‬ذا نق‪FF‬ول‬
‫حنن‪ ،‬اتباعا لربنا عز وجل بعد ص‪FF F‬حة م‪FF F‬ذاهبنا‪ ،‬ال ش‪FF F‬كا فيه‪FF F‬ا‪ ،‬وال خوفا من أن يأتينا‬
‫أحد مبا يعارض‪FF F F‬ها به أب‪FF F F‬داً؛ ألننا – وهلل احلمد – أهل التخليص والبحث وقطع العمر‬
‫يف طلب تص‪FF‬حيح احلجة واعتق‪FF‬اد األدلة قبل اعتق‪FF‬اد م‪FF‬دلوالهتا حىت وفقنا – وهلل احلمد‬
‫– على ما ثلج اليقني » (‪.)2‬‬
‫ويبدو أن أهل الظاهر قد انطلقوا من مبدأ سليم – وهو احرتامهم النصوص –‬
‫غري أن شططهم ‪ -‬يف االستمساك بالظاهر ‪ -‬أوقعهم يف ذلك اإلغراب واالضطراب‪.‬‬
‫ولو وجد هذا التيار – فيما يبدو يل – من حيد من شططه ويهذبه‪ ،‬لكان أكثر‬
‫املدارس الفقهية قابلية للنمو والتطور‪ ،‬واستجابة لتغريات الزمان واملكان‪.‬‬
‫ويف مقابل أهل الظاهر يوجد تيار مهم يصنف نفسه – أيضاً – ضمن اجتاه‬
‫السلف‪ ،‬لكنه يقف على النقيض من أهل الظاهر؛ ولعل ما مييزه منهجه يف التعامل مع‬
‫القضايا املستجدة‪ ،‬والوقائع الطارئة اليت ليس هلا دليل من الكتاب أو السنة أو‬
‫اإلمجاع‪ .‬وهي وقائع كثرية تغطي مساحات شاسعة من النشاط البشري اجتماعا‬
‫واقتصادا وسياسة‪...‬‬
‫فإذا كان أهل الظاهر يرون أن هذا الصنف من القضايا باق على أصل الرباءة‬
‫وحكمه بقاء ما كان على ما كان‪ ،‬ألن اهلل تعاىل مل خيرب عن حكمه فيه رمحةً بالناس‬
‫وتوسعةً عليهم ‪ -‬فإن غريهم من الفقهاء – ومن ضمنهم فقهاء املذاهب األربعة –‬

‫‪ -‬إعالم املوقعني‪1/337 .‬؛ واالجتاهات الفقهية عند أصحاب احلديث‪ .‬ص ‪.401-400‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬اإلحكام‪.1/23 .‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪336‬‬
‫ذهبوا إىل أن لكل قضية ‪ -‬من هذا الصنف ‪ -‬حكماً هلل فيها(‪ )1‬جيب على اجملتهد‬
‫إظهاره وإال أمثت األمة كلها لكون االجتهاد فرض كفاية‪.‬‬
‫ولعل أهم ما انبىن على هذا اخلالف جواز اعتبار ما استنبط ‪ -‬يف مثل هذه‬
‫القضايا‪ -‬تشريعاً إسالمياً أو عدم جوازه؟ فإذا عُ َّد االجتهاد يف هذا اجملال تشريعاً‬
‫إسالمياً خضعت أحكامه – بالضرورة – لألحكام التكليفية الشرعية اخلمسة(‪ )2‬اليت‬
‫تتبعها‪ -‬طبعاً ‪ -‬جزاءاهتا الدنيوية واألخروية باعتبارها عبادةً وطاعةً هلا أجرها أو‬
‫(‪)3‬‬
‫معصيةً وذنباً له وزره‪.‬‬
‫وهبذا‪ ،‬انقسمت األنظار قسمني‪:‬‬
‫قسم انطلق من أصل الرباءة األصلية يف التعامل مع القضايا املستجدة –‬ ‫‪-‬‬
‫وهم أهل الظاهر ‪-‬؛ فحكموا فيها برتكها على ما هي عليه‪ .‬غري أن موقفا‬
‫كهذا يؤدي – بداهةً ‪ -‬إىل التناقض واالضطراب بسبب إمهال تلك‬
‫القضايا وعدم تنظيمها‪.‬‬
‫وقسم آخر رأى ترك االجتهاد فيها إمثاً وتفريطاً؛ لكنه – بدوره – ِ‬
‫ُأخ َذ‬ ‫‪-‬‬
‫عليه غلوه يف تنزيل النصوص على قضايا ال عالقة هلا بالنصوص من خالل‬
‫حيول حياة الناس إىل‬
‫التوسع يف استخدام أدلة الفقه التبعية؛ األمر الذي ِّ‬
‫تفعل»؛ وهذا ما‬ ‫ِإ‬
‫فعل» ‪« -‬ال ْ‬
‫قائمة طويلة من األوامر والنواهي‪ْ « :‬‬
‫يتعارض مع أهم خصائص التشريع اإلسالمي وهو‪ :‬عدم الحرج وقلة‬
‫التكاليف‪.‬‬
‫ويب‪FF F F F‬دو أن لكل فريق رأي ‪F F F‬اً وجيها يف منطلقه إذا ما جترد عن التعصب‪ F‬وابتعد عن‬
‫الغلو والشطط‪.‬‬

‫‪ -‬يقول اجلويين‪ » :‬وأما الشافعي‪ ،‬فقال‪ :‬إنا نعلم قطعاً أنه ال ختلو واقعة عن حكم اهلل تعاىل‬ ‫‪1‬‬

‫معزو إىل شريعة حممد ‪ ‬على ما سنقرره يف كتاب الفتوى «‪ .‬الربهان‪( .2/723 .‬فقرة‪F:‬‬ ‫ّ‬
‫‪.)1133‬‬
‫‪ -‬وهي‪ :‬الواجب‪ ،‬واحملرم‪ ،‬واملندوب‪ ،‬واملكروه‪ F،‬واملباح‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬حتفة الرتك‪(.‬القسم الدراسي)‪ .‬ص ‪.98‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪337‬‬
‫وه‪FF F F‬ذا ما دعا أحد الب‪FF F F‬احثني إىل حماولة التوفيق بني ال‪FF F F‬رأيني متمثالً يف إجياد طريقة‬
‫لتنظيم حي‪FF F‬اة الن‪FF F‬اس يف ه‪FF F‬ذه اجملاالت املس‪FF F‬تحدثة املتج‪FF F‬ددة دون الت‪FF F‬دخل يف التش‪FF F‬ريع‬
‫اإلهلي واحلكم بغري ما أن‪FF F F F F F‬زل اهلل ودون الوق‪FF F F F F F‬وع يف اإلمث ب‪FF F F F F F‬التوقف عن االجته‪FF F F F F F‬اد‬
‫(‪)1‬‬
‫واإلسهام يف حل مشاكل عموم املسلمني‪.‬‬
‫وأول خط ‪FF F F‬وة ‪ -‬يف طريق التوفيق بني ال ‪FF F F‬رأيني ‪ -‬ال ‪FF F F‬رد على الظاهرية ب ‪FF F F‬أن األخذ‬
‫مبفه ‪FF F‬وم أصل ال ‪FF F‬رباءة ‪ -‬فيما ت ‪FF F‬رك فيه التش ‪FF F‬ريع رمحةً ‪-‬ليس م ‪FF F‬ربراً لرتكه س ‪FF F‬ائباً دون‬
‫تنظيم ب ‪FF F‬دعوى أن النص مل يتناولـه بالبي ‪FF F‬ان أو أنه منع من تنظيمه وتقنين ‪FF F‬ه؛ فالرمحة ال‬
‫(‪)2‬‬
‫تعين عدم النظام والتنظيم‪ ،‬وإمنا تعين عدم املساءلة األخروية فيه‪.‬‬
‫وعلي‪FF‬ه‪ ،‬ف‪FF‬إن الق‪FF‬ول بوج‪FF‬وب تنظيم حي‪FF‬اة الن‪FF‬اس – يف ه‪FF‬ذا اجملال من القض‪FF‬ايا – من‬
‫الوجاهة مبكان وال يص‪FF‬طدم مع مفه‪FF‬وم ال‪FF‬رباءة األص‪FF‬لية‪ .‬غري أن مما يُتَ َح َّف ُ‬
‫ظ عليه اعتب‪FF‬ار‬
‫ما يستنبطونه فيه شرعاً إسالمياً ِص ْرفاً‪ .‬صحيح أن ه‪FF‬ذه االس‪FF‬تنباطات نابع‪F‬ةٌ من ص‪FF‬ميم‬
‫وح َك ِمها ومقاص‪FF F F‬دها‬ ‫الش‪FF F F‬ريعة اإلس‪FF F F‬المية‪ ،‬وناش‪FF F F‬ئةٌ يف ظلها وحتت توجيهاهتا العامة ِ‬
‫ورمحتها‪ ،‬إال أهنا ال تدخل حتت طائلة اجلزاء األخ‪F‬روي؛ يق‪F‬ول حمقق كت‪F‬اب »التحفة«‪:‬‬
‫«ف‪FF F‬إذا اعتربنا االس‪FF F‬تنباطات الفقهية يف ه‪FF F‬ذا املي‪FF F‬دان ناش‪FF F‬ئةً عن الش‪FF F‬ريعة اإلس‪FF F‬المية –‬
‫وه‪FF‬ذا حق ال شك فيه –‪ ،‬وأن للدولة اإلس‪FF‬المية أن تتبىن بعض‪FF‬ها وترفعها إىل مس‪FF‬توى‬
‫ق‪FF‬وانني ملزم‪FF‬ة‪ ،‬وتق‪FF‬رر ملخالفتها ج‪FF‬زاءات تنظيمي ‪F‬ةً وإداري ‪F‬ةً تعزيري ‪F‬ةً‪ ،‬من غري أن ت‪FF‬دخل‬
‫حتت طائلة اإلمث واملخالفة الديني‪FF F‬ة‪ ،‬نك‪FF F‬ون قد وفقنا بني املذاهب األربعة وبني املذهب‬
‫وقربْنا شقة اخلالف‪ ،‬وفتحنا باب الوحدة التشريعية بني املس‪FF‬لمني‪ ،‬وفس‪FF‬حنا‬ ‫الظاهري‪َّ ،‬‬
‫اجملال لتطور اجملتمع وتسريع حركة التجدد فيه»(‪.)3‬‬
‫إن ه‪FF F F‬ذه احملاولة التوفيقية اليت دعا إليها بعض الب‪FF F F‬احثني املعاص ‪FF F‬رين‪ ،‬ب‪FF F F‬دأت تأخذ‬
‫مالحمها املتم‪FF F‬يزة‪ ،‬فتمثلت اجتاه ‪F F‬اً لـه منهجه وخصائصه ح‪FF F‬اول أن يت‪FF F‬دارك ما وقع فيه‬
‫االجتاه الس ‪FF F‬لفي من قص‪FF F‬ور‪ ،‬ويع‪FF F‬اجل عج‪FF F‬زه عن تأص ‪FF F‬يل النظم السياس ‪FF F‬ية واالجتماعية‬
‫واالقتص‪FF F F‬ادية؛ وذلك بدعوته إىل مراجعة ش‪FF F F‬املة ودقيقة لكل االجته‪FF F F‬ادات الفقهية يف‬

‫‪ -‬حتفة الرتك ( القسم الدراسي)‪ .‬ص ‪.98‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬م‪.‬س‪ .‬ص ‪.99‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬حتفة الرتك‪ .‬ص ‪.99‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪338‬‬
‫هذا اجملال وتصنيفها واالس‪FF‬تفادة منه‪FF‬ا‪ ،‬واعتب‪FF‬اره املذاهب اإلس‪FF‬المية كلها جمرد م‪FF‬دارس‬
‫علمية فقهية ال غ‪FF‬ري‪ « :‬تتكامل فيما أص‪FF‬ابت فيه وتتناصح فيما أخط‪FF‬أت في‪FF‬ه‪ ،‬وتتع‪FF‬اون‬
‫لتنظيم ش‪FF‬ؤون الن‪FF‬اس املرتوكة الجته‪FF‬اد البشر رمحة من رب الع‪FF‬املني‪ ،‬حتت راية الق‪FF‬رآن‬
‫والس ‪FF‬نة؛ إذ التفريط فيها يضر بالتش ‪FF‬ريع اإلس ‪FF‬المي نفس ‪FF‬ه‪ ،‬والتفريط فيما ح ‪FF‬ول احلمى‬
‫يعصف ب ‪FF F F F F F‬احلمى‪ ،‬واحملافظة على املن ‪FF F F F F F‬دوب حتفظ ال ‪FF F F F F F‬واجب‪ ،‬والذريعة إىل اإلخالل‬
‫باملروءة إخالل باملروءة يف واقع األمر »(‪. )1‬‬

‫‪ -‬م‪.‬س‪ .‬ص ‪.100‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪339‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫االتجاه الـتأصيلي الشوروي‬
‫المبحث األول‬
‫النشأة والتطور‬
‫أصل التسمية وظروف النشأة‪:‬‬
‫تف ‪FF‬رض املنهجية إش ‪FF‬ارةً – ولو م ‪FF‬وجزةً – إىل أصل التس ‪FF‬مية وظ ‪FF‬روف النش ‪FF‬أة‪ ،‬قبل‬
‫عرض أهم األسس املميزة هلذا االجتاه يف رؤيته لقضايا االجتهاد والتجديد‪.‬‬
‫لقد اخت‪F‬ار الب‪F‬احث تس‪F‬مية ه‪F‬ذا االجتاه بـ«االجتاه التأص‪F‬يلي الش‪F‬وروي» بن‪F‬اءً على ما‬
‫أورده صاحب "فقه األحكام السلطانية" يف الباب الثامن منه حتت عن‪FF‬وان‪ « :‬التش‪FF‬ريع‬
‫‪F‬ادر ومقاص ‪Fَ F F‬د »(‪ )1‬ال ‪FF F‬ذي يُع ‪Fُّ F F‬د بل ‪FF F‬ورة جلملة احملاوالت الفقهية‬
‫الش ‪FF F‬وروي جماالً ومص ‪َ F F‬‬
‫والفكرية لتأص ‪FF‬يل الفقه السياسي اإلس ‪FF‬المي من خالل نقد ه ‪FF‬ذا الفق ‪FF‬ه‪ ،‬ومتحيص آراء‬
‫الفقهاء واملتكلمني فيه على السواء‪ ،‬وحماكمة اجتهاداهتم إىل الكتاب والسنة‪.‬‬
‫يؤصل للنظام السياسي اإلسالمي‪ -‬فإنه قد أشار ‪-‬‬ ‫وصاحب الكتاب ‪ -‬وِإ ْن كان ِّ‬
‫بوض‪FF F‬وح ‪ -‬إىل منهج التأص‪FF F‬يل ‪ -‬س‪FF F‬واء يف جمال الفقه السياسي أو غ‪FF F‬ريه من اجملاالت‬
‫األخرى ‪ -‬اجتماعية واقتصادية وطبية‪...‬‬
‫ه ‪FF‬ذا التي ‪FF‬ار الت ‪FF‬وفيقي ال ‪FF‬ذي ميكن أن يُطلق عليه «االجتاه التأص ‪FF‬يلي الش ‪FF‬وروي»‪ ،‬مل‬
‫خيتلف ‪ -‬يف منطلقه العق‪FF‬دي الع‪FF‬ام ‪ -‬عن اجتاه الس‪FF‬لف‪ ،‬وِإ ْن ك‪FF‬ان لـه رأي يف أس‪FF‬لوب‬
‫تناول قضايا العقيدة؛ حيث حنا يف ه‪FF‬ذا الش‪FF‬أن حنو التبس‪FF‬يط والبعد عن اجلدل الكالمي‬
‫الذي شاب منهج املتكلمني‪ ،‬وس‪FF‬لك مس‪FF‬لكاً وس‪FF‬طاً يف دراسة العقي‪FF‬دة وع‪FF‬رض ثوابتها‬
‫وحماولة ربطها بالواقع‪ .‬وهو ما يع ّده – حقيقةً – منهج الس‪FF‬لف الص‪FF‬احل؛ فالعقي‪FF‬دة اليت‬
‫تركها الرسول صلى اهلل عليه وسلم بيضاء نقية ليلها كنهاره‪FF‬ا‪ ،‬وعليها رىَّب ص‪FF‬لى اهلل‬
‫عليه وسلم الصحابة‬

‫‪ -‬فقه األحكام السلطانية‪ ،‬عبد الكرمي مطيع احلمداوي‪ .‬ص ‪.301‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪340‬‬
‫(‪)1‬‬
‫الكرام تربية نبوية رشيدة واضحة املعامل‪.‬‬
‫فه‪FF‬ذا هو هنج اإلس‪FF‬الم يف موض‪FF‬وع العقي‪FF‬دة ال‪FF‬ذي س‪FF‬ار عليه األئمة الفقه‪FF‬اء وس‪FF‬لف‬
‫األمة الص‪FF F F‬احل‪ ،‬واخت‪FF F F‬اره أص‪FF F F‬حاب ه‪FF F F‬ذا االجتاه طريق‪F F F F‬اً هلم مؤك‪FF F F‬دين‪ « :‬أن م‪FF F F‬رض‬
‫التص‪FF F F‬نيف الط‪FF F F‬ائفي والتفريق وانتح‪FF F F‬ال األلق‪FF F F‬اب‪ ،‬جعل البعض يطلق‪FF F F‬ون عليهم "أهل‬
‫الس‪FF‬نة"‪ ،‬و"أهل الس‪FF‬نة واجلماع‪FF‬ة"‪ ،‬و"الس‪FF‬لفيني"‪ ،‬وهم يقبل‪FF‬ون ه‪FF‬ذه األلق‪FF‬اب ويطلقوهنا‬
‫على أنفس‪FF F F‬هم‪ ،‬يف حني أن امسهم احلقيقي "املس‪FF F F‬لمون"؛ ق ‪FF F‬ال اهلل تع ‪FF F‬اىل‪ِ  :‬إنَّ هَّللا َ‬
‫ون ‪ .)2(‬وق‪FF F‬ال ص‪FF F‬لى اهلل عليه‬ ‫ِّين فَال تَ ُم__وتُنَّ ِإاَّل َوَأ ْنتُ ْم ُم ْ‬
‫س _لِ ُم َ‬ ‫اص _طَفَى لَ ُك ُم ال _د َ‬
‫ْ‬
‫وس ‪FF F F F F‬لم ‪ « :‬ادع ‪FF F F F F‬وا املس ‪FF F F F F‬لمني بأمسائهم‪ ،‬مبا أمساهم اهلل ‪ -‬عز وجل‪ : -‬املس ‪FF F F F F‬لمني‪،‬‬
‫املؤمنني‪ ،‬عباد اهلل عز وجل»(‪.)3‬‬
‫‪ -‬أسس العقيدة – لدى السلف – كما يلخصها أحد أعالم هذا االجتاه‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ‬اإلميان وأركانه ثالثة لديهم‪:‬‬


‫أ – عقد بالقلب‪ :‬أي التصديق‪ ،‬وبه يتساوى الطائعون والعصاة‪.‬‬
‫ب – إقرار باللسان‪ :‬إال من أكره وقلبه مطمئن باإلميان‪.‬‬
‫ج – عمل باألركان‪ :‬وبه يتفاوت املؤمنون‪ ،‬وبه يزيد اإلميان وينقص؛ بالطاعة يزيد وباملعصية‬
‫ينقص‪.‬‬
‫‪ ‬والتوحيد احلق – أيضاً – يقوم على أركان ثالثة‪:‬‬
‫أ – توحيد الربوبية‪ :‬وأساسه االعتقاد بأنه ال خالق وال رازق وال معني وال حميي وال مميت إال‬
‫اهلل تعاىل‪.‬‬
‫ب – توحيد األلوهية‪ :‬وأساسه إفراده تعاىل بالعبادة والتأله واخلضوع والذل واحملبة واالفتقار‬
‫والتوجه‪.‬‬
‫ج – توحيد الصفات‪ :‬وأساسه أال يوصف سبحانه إال مبا وصف به نفسه أو وصفه به نبيّه؛‬
‫فيثبت له ما أثبته لنفسه‪ ،‬وينفي عنه ما نفاه عن نفسه‪.‬‬
‫ولعل ما ميّز منهج السلف‪ -‬يف توحيد الصفات – كما يؤكده حمقق التحفة – سرد العقائد‬
‫لألمة سرداً‪ ،‬مع ذكر أدلتها من الكتاب والسنة دون الغوص يف التأويل أو التشبيه أو االنزالق‬
‫إىل التصورات الضالة واملنحرفة اليت تورطت فيها خمتلف الفرق؛ فكان منهجهم وسطاً بني إفراط‬
‫وتفريط‪ ،‬وحقاً بني باطل املشبهة واجملسمة الذين أوغلوا يف التمسك بظواهر النصوص وباطل‬
‫املعطلة الذين أوغلوا يف التأويل الضال املنحرف‪ .‬حتفة الرتك‪ .‬ص ‪.89-88‬‬
‫‪ -‬البقرة ‪.132‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬مسند أمحد‪( .4/130 .‬ح ‪.)17209‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪341‬‬
‫لقد ع‪FF F‬رف ه‪FF F‬ذا االجتاه بداياته مع اليقظة احلديثة للفقه اإلس‪FF F‬المي يف مطلع الق‪FF F‬رن‬
‫اهلج‪FF‬ري املاض‪FF‬ي؛ حيث اس‪FF‬تنفر واقع األمة السياسي ووقوعها حتت س‪FF‬يطرة االس‪FF‬تعمار‬
‫األجنيب الطاق ‪FF F‬ات الفكرية والفقهية لعالج ه ‪FF F‬ذا الواقع وتداعياته على مس ‪FF F‬توى الفكر‬
‫واالجتهادات املعاصرة‪ ،‬فبدأت تظهر حماوالت فردية تس‪F‬عى إىل إحي‪F‬اء الفقه اإلس‪F‬المي‬
‫وصياغته صياغة قانونية تيسر تطبيقه والعمل بأحكامه فـي اجملاالت املختلفـة للمجتمع‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫مث تط‪FF F‬ورت احملاوالت الفردية إىل مب‪FF F‬ادرات مجاعية ورمسية ت‪FF F‬دعو إىل تط‪FF F‬وير الفقه‬
‫وإحي ‪FF F‬اء حركة االجته ‪FF F‬اد‪ ،‬لكن من خالل االجته ‪FF F‬اد اجلم ‪FF F‬اعي ال ‪FF F‬ذي ميارسه الفقه ‪FF F‬اء‬
‫بطريق الشورى اتقاءً حملاذير االجتهاد الفردي اليت دعت كث‪FF‬ريين إىل املن‪FF‬اداة بغلق ب‪FF‬اب‬
‫(‪)2‬‬
‫االجتهاد‪.‬‬
‫ولعل أول من كتب يف موضوع االجتهاد اجلماعي وضرورته هلذا العصر‪ ،‬الكاتب‬
‫واملؤرخ رفيق بك العظم(‪ ،)3‬وت‪FF F F F F‬والت الكتاب‪FF F F F F‬ات وال‪FF F F F F‬دعوات من لـدن املش‪FF F F F F‬تغلني‬
‫بالدراس ‪FF‬ات األص ‪FF‬ولية والفقهية مث ‪FF‬ل‪ :‬عبد الوه ‪FF‬اب خالف يف كتابه "مص ‪FF‬ادر التش ‪FF‬ريع‬
‫فيما ال نص في‪FF‬ه" حيث يق‪FF‬ول‪... « :‬فال يس‪FF‬وغ االجته‪FF‬اد ب‪FF‬الرأي لف‪FF‬رد مهما أويت من‬
‫املواهب واس ‪FF F‬تكمل من املؤهالت؛ ألن الت ‪FF F‬اريخ أثبت أن الفوضى التش ‪FF F‬ريعية يف الفقه‬
‫اإلسالمي كان من أكرب أسباهبا االجتهاد الفردي»(‪.)4‬‬
‫وهو عني ما ذهب إليه أمحد حممد ش‪FF‬اكر حني َع‪Fَّ F‬د أن االجته‪FF‬اد الف‪FF‬ردي غري منتج‬
‫يف وضع الق‪FF F F F F F F F F F F F‬وانني – ِإ ْن مل يكن حماالً‪-‬؛ ذلك أن العمل الص‪FF F F F F F F F F F F F‬حيح املنتج–كما‬
‫يقول‪ « : -‬هو االجتهاد اجلماعي‪...‬فاخلطة العملية – فيما أرى – أن ختتار جلنة قوية‬
‫من أس‪FF‬اطني رج‪FF‬ال الق‪FF‬انون وعلم‪FF‬اء الش‪FF‬ريعة لتضع قواعد التش‪FF‬ريع اجلدي‪FF‬د‪ ،‬غري مقي‪FF‬دة‬

‫‪ -‬املدخل الفقهي العام‪ ،‬الزرقا‪.248-1/247 .‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬م‪.‬س‪1/249 .‬؛ واالجتهاد يف التشريع اإلسالمي‪ ،‬حممد سالم مدكور‪ .‬مصر‪ ،‬دار النهضة‬ ‫‪2‬‬

‫العربية‪ .‬ط‪1404( .1:‬هـ‪1984/‬م)‪ .‬ص ‪.130‬‬


‫‪ -‬وذلك قبل نصف قرن بكثري يف رسالة صغرية بعنوان‪« :‬قضاء الفرد وقضاء اجلماعة»‪ .‬املدخل‬ ‫‪3‬‬

‫الفقهي العام‪.1/251 .‬‬


‫‪ -‬مصادر التشريع اإلسالمي فيما ال نص فيه‪ .‬ص ‪.13‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪342‬‬
‫ب‪FF F‬رأي أو مقل‪FF F‬دة ملذهب إال نص‪FF F‬وص الكت‪FF F‬اب والس‪FF F‬نة‪ ،‬وأمامها أق‪FF F‬وال األئمة وقواعد‬
‫األص‪FF‬ول وآراء الفقه‪FF‬اء‪ ،‬وحتت أنظارها رج‪FF‬ال الق‪FF‬انون كلهم‪ ،‬مث تس‪FF‬تنبط من الف‪FF‬روع‬
‫ما ت ‪FF‬راه ص ‪FF‬واباً مناس ‪FF‬باً حلال الن ‪FF‬اس وظ ‪FF‬روفهم مما ي ‪FF‬دخل حتت قواعد الكت ‪FF‬اب والس ‪FF‬نة‪،‬‬
‫وال يصادم نصاً وال خيالف شيئاً معلوماً من الدين بالضرورة»(‪.)1‬‬
‫ِع يف‬
‫وقد ت‪FF F‬والت الكتاب ‪FF F‬ات وال ‪FF F‬دعوات إىل أ َْن عُق‪FF F‬دت املؤمترات الفقهي ‪FF F‬ة‪ ،‬و ُش ‪F F‬ر َ‬
‫تأسيس اجملامع اليت تولت معاجلة القضايا املعاصرة من خالل العمل اجلماعي لنخبة من‬
‫(‪)2‬‬
‫فقهاء العامل اإلسالمي‪.‬‬
‫وإذا ك‪FF F‬انت فك‪FF F‬رة االجته‪FF F‬اد اجلم‪FF F‬اعي قد أخ‪FF F‬ذت طريقها إىل التط‪FF F‬بيق يف بل‪FF F‬دان‬
‫إسالمية خمتلفة؛ فإنه يالحظ على هذا التطبيق مسألتان مهمتان‪:‬‬
‫أوالهما‪ :‬أن ق‪FF F‬رارات ه ‪FF F‬ذه اجملامع وخالصة حبوث أعض ‪FF F‬ائها واجته ‪FF F‬اداهتم ليست‬
‫ملزمةً ألي سلطة‪ ،‬مبا فيها الدولة اليت تُعقد حتت رعايتها املؤمترات الفقهية‪.‬‬
‫ثانيتهما‪ :‬أنه ج‪FF‬اء مص‪FF‬حوباً ب‪FF‬دعوات إىل س‪Fِّ F‬د ب‪FF‬اب االجته‪FF‬اد الف‪FF‬ردي‪ ،‬وهو أمر ال‬
‫مسوغ له ما دام االجته‪F‬اد اجلم‪F‬اعي نفسه يق‪F‬وم – يف أساسه – على بل‪F‬ورة اجته‪F‬ادات‬
‫فردية‪.‬‬

‫‪ -‬آراء العلماء املعاصرين يف االجتهاد اجلماعي‪ ،‬شعبان حممد إمساعيل‪ .‬شبكة املعلومات‬ ‫‪1‬‬

‫الدولية(اإلنرتنت)‪.‬املوسوعة اإلسالمية( ‪ ) /www.balagh.com/mosoa.feqh‬ص‬


‫‪.2‬‬
‫‪ -‬أهم مؤمترات الفقه التأسيسية‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫أ – أسبوع الفقه اإلسالمي بدمشق ( شوال ‪1380‬هـ‪1961/‬م )‪.‬‬


‫ب – مؤمتر جممع البحوث اإلسالمية باألزهر يف القاهرة ( سنة ‪ 1961‬م )‪.‬‬
‫ج – مؤمتر مدينة البيضاء يف ليبيا بدعوة من اجلامعة الليبية‪.‬‬
‫د – مؤمتر الفقه اإلسالمي يف الرياض ( عام ‪1396‬هـ‪1976/‬م) بدعوة من جامعة اإلمام حممد‬
‫بن سعود اإلسالمية‪.‬‬
‫أما عن اجملامع الفقهية‪ ،‬فإن "جممع البحوث اإلسالمية" يف األزهر هو أول جممع ينشأ عام‬
‫(‪1961‬م)‪ ،‬مث تاله تأسيس منظمة املؤمتر اإلسالمي لـ"ـمجمع الفقه اإلسالمي" (‪1405‬هـ‪/‬‬
‫‪1984‬م)‪ .‬املدخل الفقهي العام‪250-1/249 .‬؛ وتاريخ الفقه اإلسالمي‪ ،‬عمر سليمان‬
‫األشقر‪.208-205 .‬‬

‫‪343‬‬
‫ولعل أخطر حَم ذر أن يقتصر ‪ -‬يف االجته‪FF F F F F F‬اد اجلم‪FF F F F F F‬اعي ‪ -‬على جعله يف دائ‪FF F F F F F‬رة‬
‫العلم‪FF F‬اء املع‪FF F‬رتف هبم س‪FF F‬لطوياً يف كل قطر(‪)1‬؛ مما قد يق‪FF F‬دح يف مص‪FF F‬داقية اجته‪FF F‬اداهتم‬
‫الفتقادها االس‪FF‬تقاللية التامة والض‪FF‬رورية‪ ،‬الس‪FF‬يما إذا ك‪FF‬ان أمر االجته‪FF‬اد متعلق ‪F‬اً بقض‪FF‬ية‬
‫جوهري ‪FF F‬ة‪ ،‬كقض ‪FF F‬ايا النظ ‪FF F‬ام السياسي وما ينبغي أن يك‪FF F F‬ون عليه ( الش ‪FF F‬ورى وم ‪FF F‬دى‬
‫إلزاميته ‪FF‬ا)‪ ،‬والنظ ‪FF‬ام االقتص ‪FF‬ادي وما يف ‪FF‬رتض فيه ( املع ‪FF‬امالت املص ‪FF‬رفية وم ‪FF‬دى التزامها‬
‫بالتعامل الالربوي)‪ ،‬والنظام االجتم‪FF‬اعي وما جيب أن يق‪F‬وم عليه ( احلج‪F‬اب والس‪FF‬فور‪،‬‬
‫التمثيل والغناء والرقص‪ .)...‬وليس من الغريب أن يك‪FF‬ون االجته‪FF‬اد الف‪FF‬ردي ‪ -‬يف مثل‬
‫ه ‪FF F‬ذه القض ‪FF F‬ايا‪ -‬أك ‪FF F‬ثر مص ‪FF F‬داقيةً ومقبولي ‪F F‬ةً إذا ما ت ‪FF F‬وفرت يف اجملتهد الكف ‪FF F‬اءة العلمية‬
‫وال‪FF F F F‬ورع الالزم؛ إذ أن اجملتهد ‪ -‬غري الرمسي ‪ -‬أبعد عن ش‪FF F F F‬بهة الوق‪FF F F F‬وع حتت ت‪FF F F F‬أثري‬
‫السلطة اليت جيتهد يف ظلها وبأمرها وإشرافها‪.‬‬
‫ويب‪FF‬دو أن حساس‪FF‬ية مثل ه‪FF‬ذه القض‪FF‬ايا‪ ،‬قد جعلت اجملامع الفقهية تنص‪FF‬رف عنها إىل‬
‫معاجلة مس‪FF F F‬ائل ال تثري ذلك الق‪FF F F‬در من احلساس‪FF F F‬ية – وِإ ْن ك‪FF F F‬انت هي نفس‪FF F F‬ها مهم ‪F F F‬ةً‬
‫وحيويةً ‪ -‬سواء على مستوى األفراد أو اجلماعة – مثل‪:‬‬
‫‪ ‬زراعة األعضاء اإلنسانية‪ ،‬والتلقيح الصناعي‪ ،‬وأطفال األنابيب‪ ،‬واالستنساخ‪.‬‬
‫‪ ‬حتديد أوق‪FF‬ات الص‪FF‬الة يف البل‪FF‬دان القريبة من القطب الش‪FF‬مايل وب‪FF‬دايات الش‪FF‬هور‬
‫القمرية‪.‬‬
‫‪ ‬حقوق امللكية األدبية والفكرية‪ ،‬واالستمالك لألغراض العامة‪.‬‬
‫‪ ‬الزكاة على خمتلف أنواع الثروة احلديثة‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫‪ ‬املعامالت االقتصادية احلديثة‪ ،‬واملصارف اإلسالمية واألسواق املالية‪.‬‬
‫ولعل ه ‪FF‬ذا ما ح ‪FF‬اول أن يس ‪FF‬تدركه مؤلف كت ‪FF‬اب «فقه األحك ‪FF‬ام الس ‪FF‬لطانية» حني‬
‫حاول أن حيدد ‪ -‬بدقة ‪ -‬جماالت التشريع املختلفة‪ ،‬ويؤكد ضرورة اختيار ما يناس‪FF‬بها‬
‫من األدوات والوسائل‪.‬‬
‫وعلى ال‪FF F‬رغم من وج‪FF F‬ود إش‪FF F‬ارات كث‪FF F‬رية – ق‪FF F‬دمياً وح‪FF F‬ديثاً – إىل ض‪FF F‬رورة حتديد‬
‫دوائر يف الش‪FF F‬ريعة وما يالئم كل دائ‪FF F‬رة من أدوات ؛ ف‪FF F‬إن حركة االجته‪FF F‬اد قد ش‪FF F‬اهبا‬
‫‪ -‬آراء العلماء املعاصرين يف االجتهاد اجلماعي‪ ،‬شعبان حممد إمساعيل‪ .‬ص ‪.3‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬املدخل الفقهي العام‪.1/250 .‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪344‬‬
‫خلط كبري أثناء التعامل مع تلك الدوائر‪ ،‬مما أوقع املش‪FF‬تغلني بقض‪FF‬ايا الفقه والتش‪FF‬ريع يف‬
‫اللبس والغموض‪ ،‬واقتضى ذلك التوضيح والبيان‪.‬‬

‫‪345‬‬
‫المبحثـ الثاني‬
‫االتجاه التأصيلي الشوروي‬
‫األسس والمنطلقات‬
‫أنـــــواع التشريـــــــع‪:‬‬
‫ميكن تصنيف دوائر التشريع إىل ثالث‪:‬‬
‫‪ – 1‬التش ريع المل زم‪ :‬وهو احملك ‪FF‬وم بالنص ‪FF‬وص – كتاب‪F F‬اً وس ‪FF‬نةً – وأدلة الفقه‬
‫املعت‪FF F‬ربة‪ .‬وجمال االجته‪FF F‬اد ‪ -‬يف ه‪FF F‬ذا الن‪FF F‬وع ‪ -‬ينحصر يف األدلة الش‪FF F‬رعية اليت نص‪FF F‬بها‬
‫الش ‪FF‬ارع للداللة على األحك ‪FF‬ام الش ‪FF‬رعية الكلي ‪FF‬ة‪ ،‬ومهمة اجملتهد تتمثل يف إع ‪FF‬ادة الفهم‬
‫(‪)1‬‬
‫والتطبيق مبا يالئم الزمان واملكان واحلال‪.‬‬
‫وه ‪FF‬ذا الن ‪FF‬وع – من التش ‪FF‬ريع ‪ -‬ينتظم ما ك ‪FF‬ان مطل ‪FF‬وب الفعل أو مطل ‪FF‬وب ال ‪FF‬رتك؛‬
‫ذلك أن التكليف ال ينطبق إال على ن ‪FF‬وعني من األحك ‪FF‬ام‪ ،‬ومها اإلجياب والتح ‪FF‬رمي‪ ،‬أما‬
‫اإلباحة والن‪FF F F F‬دب والكراهة فال إل‪FF F F F‬زام فيها وال تكلي‪FF F F F‬ف‪ ،‬وإمنا يُكتفى فيها باإلرش‪FF F F F‬اد‬
‫(‪)2‬‬
‫والتوجيه‪.‬‬
‫‪ – 2‬التشريع المحرم‪ :‬وهو ما ك‪FF‬ان االحتك‪FF‬ام فيه إىل غري ما أن‪FF‬زل اهلل تع‪FF‬اىل يف‬
‫مسألة فصلت فيها النصوص بطريق القطع أو القياس واالستنباط‪.‬‬
‫‪ – 3‬التشريع المباح‪ :‬أو املأذون فيه؛ وهو ما ك‪FF‬ان يف مرتبة "العف‪FF‬و" – كما عرَّب‬
‫عنه الش ‪FF F‬اطيب – أو ما أمساه بعض الب ‪FF F‬احثني املعاص ‪FF F‬رين "منطقة الف ‪FF F‬راغ التش ‪FF F‬ريعي"‪،‬‬
‫وتشمل القضايا الدنيوية اليت مل يرد يف شأهنا تشريع من الكتاب والسنة وما يستنـد‬

‫‪ -‬جمال االجتهاد ومناطق الفراغ التشريعي‪ ،‬حممد مهدي مشس الدين‪( .‬شبكة املعلومات‬ ‫‪1‬‬

‫الدولية‪-‬االنرتنت)‪ .) www.balagh.com/mosoa/feqh/u ( F.‬ص ‪ 1‬؛ وفقه‬


‫األحكام السلطانية‪ ،‬احلمداوي‪ .‬ص ‪303‬؛ ومدخل ملعرفة اإلسالم‪ ،‬يوسف القرضاوي‪ F.‬القاهرة‪،‬‬
‫مكتبة وهبة‪ .‬ط‪1416( .1:‬هـ‪1996/‬م)‪ .‬ص ‪.184‬‬
‫‪ -‬املناهج األصولية يف االجتهاد بالرأي يف التشريع اإلسالمي‪ ،‬الدريين‪ .‬ص ‪.27‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪346‬‬
‫(‪)1‬‬
‫إليهما من اإلمجاع أو حيمل عليهما بالقياس‪.‬‬
‫واملس ‪FF‬تند ‪ -‬يف حتديد ه ‪FF‬ذه املرتبة أو تص ‪FF‬نيف ه ‪FF‬ذا النط ‪FF‬اق ‪ -‬نص ‪FF‬وص ص ‪FF‬رحية من‬
‫السنة النبوية وإشارات واضحة تضمنتها آيات قرآنية‪ ،‬من أبرزها‪:‬‬
‫َس_َألوا عَنْ َأ ْ‬
‫ش_يَا َء ِإنْ تُ ْب_ َد لَ ُك ْم‬ ‫قولـه تع ‪FF‬اىل‪  :‬يَا َأيُّ َها الَّ ِذ َ‬
‫ين آ َمنُوا ال ت ْ‬ ‫‪-‬‬
‫سَألـوا َع ْن َها ِح َ‬
‫ين يُنَ َّز ُل ا ْلقُ ْرآنُ تُ ْب__ َد لَ ُك ْم َعفَا هَّللا ُ َع ْن َها‬ ‫سْؤ ُك ْم َوِإنْ تَ ْ‬
‫تَ ُ‬
‫َوهَّللا ُ َغفُو ٌر َحلِي ٌم ‪ . )2( ‬فقوله تع ‪FF F‬اىل ‪ ‬عفا هللا عنها‪ ‬؛ أي عن تلك‬
‫األشياء‪ ،‬فهي يف دائرة العفو‪.‬‬
‫ما ُروي أن النيب ص ‪FF F‬لى اهلل عليه وس ‪FF F‬لم ق ‪FF F‬ال‪ « :‬إن اهلل ح‪ّ F F F‬د ح ‪FF F‬دودا فال‬ ‫‪-‬‬
‫تعت‪FF‬دوها‪ ،‬وف‪FF‬رض ف‪FF‬رائض فال تض‪FF‬يعوها ‪،‬وح‪FF‬رم أش‪FF‬ياء فال تنتهكوه‪FF‬ا‪ ،‬وت‪FF‬رك‬
‫أش‪FF‬ياء من غري نس‪FF‬يان من ربكم ولكن رمحة منه لكم ‪ ،‬فاقبلوها وال تبحث‪FF‬وا‬
‫فيها »(‪.)3‬‬
‫ما ُروي أن الرس‪FF F‬ول ص‪FF F‬لى اهلل عليه وس‪FF F‬لم ق‪FF F‬ال‪ « :‬إن أعظم املس‪FF F‬لمني يف‬ ‫‪-‬‬
‫املس ‪FF‬لمني جرم ‪F‬اً‪ ،‬من س ‪FF‬أل عن ش ‪FF‬يء مل حيرم عليهم فح ‪FF‬رم عليهم من أجل‬
‫مسألته »(‪.)4‬‬
‫قولـه ص ‪FF F‬لى اهلل عليه وس ‪FF F‬لم ‪ « :‬ذروين ما ت ‪FF F‬ركتكم‪ ،‬فإمنا هلك من ك ‪FF F‬ان‬ ‫‪-‬‬
‫قبلكم بك ‪FF‬ثرة س ‪F‬ؤاهلم واختالفهم على أنبي ‪FF‬ائهم؛ ف ‪FF‬إذا أم ‪FF‬رتكم بش ‪FF‬يء ف ‪FF‬أتوا‬
‫منه ما استطعتم‬

‫‪ -‬أبرز من استخدم مصطلح "الفراغ التشريعي" ‪ -‬من الباحثني املعاصرين ‪ -‬بعض فقهاء‬ ‫‪1‬‬

‫الشيعة‪ ،‬ومنهم‪ :‬حممد باقر الصدر‪ ،‬وحممد مهدي شمس الدين‪ ،‬ومن غري الشيعة‪ :‬عبد الكرمي‬
‫مطيع احلمداوي‪ ،‬ويوسف القرضاوي‪ F.‬الدولة ومنطقة الفراغ التشريعي‪(.‬شبكة املعلومات‬
‫الدولية‪-‬اإلنرتنت)‪) /www.balagh.com/matboat/fbook/78 ( F.‬ص ‪ 1‬؛‬
‫وجمال االجتهاد ومناطق الفراغ التشريعي‪ ،‬حممد مهدي مشس الدين‪ .‬ص ‪1‬؛ وفقه األحكام‬
‫السلطانية‪ ،‬احلمداوي‪ .‬ص ‪ 303‬وما بعدها‪ ،‬ومدخل ملعرفة اإلسالم‪ ،‬القرضاوي‪ .‬ص ‪.184‬‬
‫‪ -‬املائدة ‪.101‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬سبق خترجيه‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬صحيح مسلم‪4/1831 .‬؛ واملستدرك على الصحيحني‪.3/725 .‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪347‬‬
‫وإذا هنيتكم عن شيء فدعوه »(‪.)1‬‬
‫لقد بيَّنت الش ‪FF‬ريعة أحك ‪FF‬ام قض ‪FF‬ايا وموض ‪FF‬وعات معين ‪FF‬ة‪ ،‬ووض ‪FF‬حتها بش ‪FF‬كل واضح‬
‫ودقي ‪FF F‬ق‪ ،‬يف حني ت ‪FF F‬ركت مس ‪FF F‬احات أخ ‪FF F‬رى مل ترسم هلا ح‪ّ F F F‬داً معين ‪FF F‬ا‪ ،‬وإمنا أوكلت‬
‫للمس‪FF‬لمني أمر حتديد ما يناس‪FF‬بها من أحك‪FF‬ام مللء ه‪FF‬ذا الف‪FF‬راغ مبا يالئم ظ‪FF‬روف الزم‪FF‬ان‬
‫(‪)2‬‬
‫واملكان‪.‬‬
‫وإذا ك ‪FF‬ان ه ‪FF‬ذا املفه‪FF‬وم مش ‪FF‬رتكاً بني من اس ‪FF‬تخدموا مص ‪FF‬طلح "الف ‪FF‬راغ التش ‪FF‬ريعي"؛‬
‫فإنه يب ‪FF‬دو أن هن ‪FF‬اك خلط ‪F‬اً ‪ -‬ل ‪FF‬دى بعض ‪FF‬هم ‪ -‬يف حتديد دائرته وتع ‪FF‬يني س ‪FF‬لطة التش ‪FF‬ريع‬
‫(‪)3‬‬
‫في‪FF F‬ه؛ ويظهر ‪ -‬جليا ‪ -‬عند التمثيل للفك‪FF F‬رة ؛ مما ي‪FF F‬وحي بع‪FF F‬دم وض‪FF F‬وحها وض‪FF F‬وحاً‬
‫تاماً‪ ،‬ويدل على تأثر أصحاهبا باملنطلقات املذهبية‪.‬‬
‫عد بعضهم املباحات ب‪F‬املعىن األعم – املب‪F‬اح‪ ،‬واملس‪F‬تحب ‪ ،‬واملك‪F‬روه – ض‪F‬من‬ ‫فقد َّ‬
‫"منطقة الف‪FF‬راغ التش‪FF‬ريعي"؛ خللوها من األحك‪F‬ام اإللزامي‪FF‬ة‪ ،‬وبن‪F‬وا ‪-‬على ه‪F‬ذا األس‪F‬اس‪-‬‬
‫إمك‪FF F F F F‬ان حترمي املب‪FF F F F F‬اح ب‪FF F F F F‬املعىن األعم أو إجيابه إذا ما دعت إىل ذلك حاجة اجملتمع أو‬
‫(‪)4‬‬
‫اجلماعة أو الفرد‪ ،‬استناداً إىل ما ُخ ِّو َل لسلطة التشريع االجتهادي من صالحية‪.‬‬
‫ولعل يف ه ‪FF‬ذا جتاوزاً حلدود احلكم الش ‪FF‬رعي؛ فاملب ‪FF‬اح واملس ‪FF‬تحب واملك ‪FF‬روه حمك ‪FF‬وم‬
‫ب‪FF‬احلكم الش‪FF‬رعي‪ ،‬وليس خالي ‪F‬اً من أي حكم‪ ،‬ويف التعبري بتح‪FF‬رمي املب‪FF‬اح نظ‪FF‬ر؛ إ ْذ ليس‬
‫ألحد غري الش‪FF F F‬ارع أن حيلل أو حيرم‪ .‬ص ‪FF F F‬حيح أن للمجتهد جماالً يف تنزيل النص‪FF F F‬وص‬
‫على الوق ‪FF‬ائع‪ ،‬ويف تنقيح املن ‪FF‬اط وحتقيق ‪FF‬ه‪ ،‬لكن ليس له أن حيلل أو حيرم؛ فاحلديث عن‬
‫منطقة الف ‪FF‬راغ التش ‪FF‬ريعي يف ‪FF‬رتض أال يتض ‪FF‬من – ب ‪FF‬أي ح ‪FF‬ال – ما ك ‪FF‬ان خاض ‪FF‬عاً حلكم‬
‫شرعي حتليالً أو حترمياً‪.‬‬
‫واختلفت أنظ‪FF F F‬ار الب‪FF F F‬احثني املعاص ‪FF F‬رين – أيض ‪F F‬اً – ح ‪FF F‬ول حتديد س ‪FF F‬لطة التش ‪FF F‬ريع‬
‫االجته‪FF F‬ادي يف منطقة الف‪FF F‬راغ التش‪FF F‬ريعي؛ ففقه‪FF F‬اء الش‪FF F‬يعة – واتس‪FF F‬اقاً مع تص‪FF F‬وراهتم‬

‫‪ -‬سبق خترجيه‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬الدولة ومنطقة الفراغ التشريعي‪ .‬ص ‪5‬؛ وجمال االجتهاد ومناطق الفراغ التشريعي‪ .‬ص ‪7‬؛‬ ‫‪2‬‬

‫ومدخل ملعرفة اإلسالم‪ ،‬القرضاوي‪ F.‬ص ‪184‬؛ وفقه األحكام السلطانية‪ ،‬احلمداوي‪.‬ص ‪.304‬‬
‫‪ -‬جمال االجتهاد ومناطق الفراغ التشريعي‪ .‬ص ‪.12‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬م‪.‬س‪ .‬ص ‪.7‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪348‬‬
‫املذهبية – ي ‪FF‬رون أن س ‪FF‬لطة التش ‪FF‬ريع االجته ‪FF‬ادي ‪ -‬يف ه ‪FF‬ذا اجملال ثابت‪F F‬ةٌ – كما يق ‪FF‬ول‬
‫حممد مه‪FF‬دي مشس ال ‪FF‬دين ‪ « :-‬للنيب ص‪FF‬لى اهلل عليه وس‪FF‬لم ولإلم‪FF‬ام املعص‪FF‬وم‪ ،‬لكن ال‬
‫باعتباره نبيّاً موحى إلي‪F‬ه‪ ،‬وال باعتب‪F‬اره إمام‪F‬اً معص‪F‬وماً مبلغ‪F‬اً لل‪F‬وحي عن النيب ص‪F‬لى اهلل‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬بل باعتبار "الوالية واحلاكمية =السلطة السياسية" »(‪.)1‬‬
‫ص‪F F F‬لَهُ – من قبله – اإلم ‪FF F‬ام حممد ب ‪FF F‬اقر الص ‪FF F‬در حني حتدث عن منطقة‬ ‫وه ‪FF F‬ذا ما أ َّ‬
‫الفراغ التشريعي يف سياق بيانه للمذهب االقتصادي يف اإلسالم‪ ،‬حيث قال‪...« :‬فإن‬
‫املذهب االقتص ‪FF‬ادي يش ‪FF‬تمل على ج ‪FF‬انبني‪ :‬أح ‪FF‬دمها قد ُملئ من قِبَ ‪Fِ F‬ل اإلس ‪FF‬الم بص ‪FF‬ورة‬
‫منج ‪FF‬زة‪ ،‬ال تقبل التغيري والتب ‪FF‬ديل‪ ،‬واآلخر يش ‪FF‬كل منطقة الف ‪FF‬راغ يف املذهب‪ ،‬قد ت ‪FF‬رك‬
‫اإلس‪FF F‬الم مهمة ملئها إىل الدولة (ويل األم‪FF F‬ر)‪ ،‬ميلؤها وفق ‪F F‬اً ملتطلب‪FF F‬ات األه‪FF F‬داف العامة‬
‫لالقتص‪FF‬اد اإلس‪FF‬المي يف كل زم‪FF‬ان ‪ .»...‬لكن اإلش‪FF‬كال يظهر عن‪FF‬دما يسرتسل يف بيانه‬
‫لس ‪FF‬لطة التش ‪FF‬ريع وص ‪FF‬فتها‪ ،‬وفص ‪FF‬له بني ش ‪FF‬خص الرس ‪FF‬ول ص ‪FF‬لى اهلل عليه وس ‪FF‬لم بوص ‪FF‬فه‬
‫رس‪FF‬والً ووص‪FF‬فه ويل أمر لألم‪FF‬ة‪ ،‬يق‪FF‬ول‪ « :‬ف‪FF‬إن النيب ص‪FF‬لى اهلل عليه وس‪FF‬لم قد مأل ذلك‬
‫الفراغ مبا كانت تتطلبه أهداف الشريعة يف اجملال االقتص‪FF‬ادي على ض‪FF‬وء الظ‪FF‬روف اليت‬
‫كان اجملتمع اإلسالمي يعيشها‪ ،‬غري أنه صلى اهلل عليه وسلم حني ق‪FF‬ام بعملية ملء ه‪F‬ذا‬
‫الف‪FF‬راغ مل ميأله بوص‪FF‬فه نبيّ ‪F‬اً مبلغ‪F‬اً للش‪FF‬ريعة اإلهلية الثابتة يف كل زم‪FF‬ان ومك‪FF‬ان؛ ليك‪FF‬ون‬
‫ه‪FF‬ذا امللء اخلاص من س‪FF‬رية النيب ص‪FF‬لى اهلل عليه وس‪FF‬لم ل‪FF‬ذلك الف‪FF‬راغ‪...‬مع‪FF‬رباً عن ص‪FF‬يغ‬
‫تش‪FF F F‬ريعية ثابت ‪FF F F‬ة‪ ،‬وإمنا مأله بوص‪FF F F‬فه ويل األم ‪FF F F‬ر‪ ،‬املكلف من قبل الش ‪FF F F‬ريعة مبأل منطقة‬
‫الفراغ وفقاً للظروف »(‪.)2‬‬
‫ويف غيبة اإلمام – كما هو يف التص‪F‬ور الش‪F‬يعي ‪ ،-‬ف‪F‬إن س‪F‬لطة التش‪F‬ريع االجته‪F‬ادي‬
‫تنتقل إىل الفقيه بن ‪FF F F F‬اء على ثب ‪FF F F F‬وت الوالية العامة له(‪ ،)3‬غري أن ه ‪FF F F F‬ذه الس ‪FF F F F‬لطة ليست‬

‫‪ -‬جمال االجتهاد ومناطق الفراغ التشريعي‪ .‬ص ‪.7‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬الدولة ومنطقة الفراغ التشريعي‪ .‬ص ‪.3‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬أما بناءً على عدم ثبوت الوالية العامة للفقيه وثبوت والية األمة على نفسها‪ ،‬فيذهب هذا‬ ‫‪3‬‬

‫الباحث [مشس الدين] إىل ضرورة الرجوع إىل الفقيه فيما يتعلق باملوضوعات اخلارجية‬
‫والتصرف يف النفس‪ ،‬لكن بقيد رجوعه إىل أهل اخلربة‪ .‬وأما قضايا العالقات والتنظيم‪ ،‬فإن األمة‬
‫تتوىل التشريع فيها عن طريق ممثليها يف اهليئات‪...‬جمال االجتهاد‪ .‬ص ‪.8‬‬

‫‪349‬‬
‫مطلق‪F F F‬ةً‪ ،‬وإمنا هي مقي ‪FF F‬دة ب ‪FF F‬الرجوع إىل أهل اخلربة يف كل ما يتعلق بتنقيح موض ‪FF F‬وع‬
‫(‪)3‬‬
‫سواء يف املوضوعات اخلارجية(‪ )1‬أو القضايا التنظيمية(‪ )2‬أو قضايا العالقات‪.‬‬
‫أما عبد الك ‪FF F‬رمي مطيع احلم ‪FF F‬داوي‪ ،‬فإنه أك‪FF F‬ثر وض ‪FF F‬وحاً يف حتدي ‪FF F‬ده منطقة الف ‪FF F‬راغ‬
‫التش ‪FF‬ريعي‪ ،‬ويف تع ‪FF‬يني األداة املناس ‪FF‬بة مللئه ‪FF‬ا‪ .‬فهو يس ‪FF‬تبعد ‪ -‬ابت ‪FF‬داءً ‪ -‬قض ‪FF‬ايا العب ‪FF‬ادات‬
‫وقض‪FF F F‬ايا املع‪FF F F‬امالت – شخص‪FF F F‬ية أو مالية – اليت ورد يف ش‪FF F F‬أهنا تش‪FF F F‬ريع من الكت‪FF F F‬اب‬
‫والس ‪FF‬نة وما يس ‪FF‬تند إليهما من اإلمجاع أو حيمل عليهما بالقي ‪FF‬اس‪ ،‬وما س ‪FF‬وى ذلك من‬
‫القض‪FF F‬ايا – وهي تغطي مس‪FF F‬احات شاس‪FF F‬عة من أم‪FF F‬ور السياسة واالجتم‪FF F‬اع واالقتص‪FF F‬اد‬
‫والتج ‪FF F‬ارة واملالية والتعليم والقض ‪FF F‬اء والتخطيط لكل مرافق الدولة ومص ‪FF F‬احلها – مما مل‬
‫ي‪FF‬رد فيها أحك‪FF‬ام عملية ‪ -‬؛ فإهنا تش‪FF‬كل ما ع‪FF‬رف مبنطقة الف‪FF‬راغ التش‪FF‬ريعي‪ ،‬وخاض‪FF‬عة‬
‫‪ -‬حبكم انتساهبا لدولة إسالمية ‪ -‬إىل مبادئها الدينية وحمكومة بعدم معارضة قواع‪FF‬دها‬
‫ٍ (‪)4‬‬
‫وأسلوب حياة‪.‬‬
‫َ‬ ‫لنظام اإلسالم عقيدةً وشريعةً‬
‫وبعد ه ‪FF‬ذا التحديد ال ‪FF‬دقيق ملنطقة الف ‪FF‬راغ التش ‪FF‬ريعي‪ ،‬ي ‪FF‬ذهب [احلم ‪FF‬داوي] إىل أن‬
‫أداة ملئها إمنا يك‪FF F F‬ون بواس‪FF F F‬طة ما أمساه «التش‪FF F F‬ريع الش‪FF F F‬وروي» ال‪FF F F‬ذي يتخذ ص‪FF F F‬بغةً‬
‫إنشائيةً؛ ألن األمة هي اليت تنشئه بواسطة الشورى‪ ،‬اعتماداً على مصادره وم‪FF‬وارده ‪-‬‬
‫(‪)5‬‬
‫دينيةً كانت أو عرفيةً أو تارخييةً أو إنشائيةً حمدثةً ال أصل هلا‪.‬‬
‫ويب ‪FF‬دو أنه يستش ‪FF‬عر وج ‪FF‬ود اعرتاض ‪FF‬ات على ما ذهب إلي ‪FF‬ه؛ ل ‪FF‬ذا فهو يعرض ‪FF‬ها لل ‪FF‬رد‬
‫عليها واحداً واحداً‪ ،‬تأصيالً لفكرة التشريع الشوروي ومصادره‪.‬‬
‫أول االعتراضات أن التش‪FF‬ريع اإلس‪FF‬المي متكام‪FF‬ل‪ ،‬فال حيت‪FF‬اج إىل قواعد مس‪FF‬تحدثة‬
‫أو من ‪FF‬اهج جدي ‪FF‬دة لتنزيلها على مس ‪FF‬تجدات احلي ‪FF‬اة‪ ،‬لكونه ُمس ‪FF‬تمداً من الكت ‪FF‬اب؛ ق ‪FF‬ال‬
‫‪ -‬ويضرب لذلك مثاالً‪ ،‬وهو حترمي املباحات من قبيل حترمي الشيخ الشريازي الستعمال التنباك‬ ‫‪1‬‬

‫[=أو التنبك‪ :‬جنس نبات زراعي تُستعمل أوراقه اجلافة للتدخني بواسطة األراكيل‪( .‬املنجد يف‬
‫اللغة العربية املعاصرة‪ .‬ص ‪ ،])154‬وقد سبقت اإلشارة إىل أن هذا النوع فيه نظر‪.‬‬
‫‪ -‬مثل‪ :‬البناء‪ ،‬والسري‪ ،‬والزراعة‪ ،‬والتجارة‪ ،‬وحرية استرياد السلع وتصديرها‪ ،‬واستهالك املاء‬ ‫‪2‬‬

‫والطاقة‪...‬‬
‫‪ -‬كتحرمي التعامل مع إسرائيل‪ . ...‬م‪.‬س‪ .‬ص ‪.7‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬فقه األحكام السلطانية‪ .‬ص ‪.304‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬فقه األحكام السلطانية‪ .‬ص ‪.304‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪350‬‬
‫ش__ ْيء ‪ ،)1( ‬وق‪FF F F‬ال – جـل ثنـاؤه ‪ : -‬‬
‫ب ِمنْ َ‬ ‫تع‪FF F F‬اىل‪َ  :‬ما فَ َّر ْطنَا فِي ا ْل ِكتَ__ا ِ‬
‫َونَ َّز ْلنَا َعلَ ْيكَ ا ْل ِكت َ‬
‫َاب تِ ْبيَانا ً لِ ُك ِّل ش َْي ٍء ‪.)3()2( ‬‬
‫وثانيهم ا‪ :‬أن مص ‪FF‬طلح "مص ‪FF‬ادر التش ‪FF‬ريع" [الش ‪FF‬وروي] ي ‪FF‬رادف مص ‪FF‬طلحي "أدلة‬
‫األحك ‪FF‬ام"‪ ،‬و"أص ‪FF‬ول الفق ‪FF‬ه" من حيث إهنا تع ‪FF‬ين‪ :‬مراج ‪Fَ F‬ع ملزم‪F F‬ةً هي الكت ‪FF‬اب والس ‪FF‬نة‬
‫واإلمجاع والقي ‪FF‬اس وما يلحق هبا من أم ‪FF‬ارات لالس ‪FF‬تنباط واالس ‪FF‬تقراء واالس ‪FF‬تدالل؛ فال‬
‫داعي الس ‪FF F F‬تحداث مص ‪FF F F‬طلحات جدي‪FF F F‬دة تربك االجته ‪FF F F‬اد وتثري اللبس‪ ،‬وإمنا يكتفى‬
‫باملصطلح املتداول‪« :‬أدلة الفقه وأصوله»‪.‬‬
‫ثالثها‪ :‬أن التش‪FF‬ريع الش‪FF‬وروي يس‪FF‬تلزم وضع أحك‪FF‬ام جدي‪FF‬دة ملزمة ب‪FF‬الرغم من ع‪FF‬دم‬
‫ورودها يف الكتاب أو السنة أو ما حيمل عليهما؛ وهذا يوازي احلكم بغري ما أن‪FF‬زل اهلل‬
‫ش_ َرعُوا لَ ُه ْم ِم َن ال _دِّي ِن َما لَ ْم يَ_ْأ َذنْ بِ_ ِه هَّللا ُ‪(4)، ‬‬
‫ش_ َر َكا ُء َ‬‫تع‪FF F‬اىل‪َ  :‬أ ْم لَ ُه ْم ُ‬
‫ار ُه ْم َو ُر ْهبَانَ ُه ْم َأ ْربَابا ً ِمنْ دُو ِن هَّللا ‪. ‬‬
‫(‪)6( )5‬‬
‫اتَّ َخ ُذوا َأ ْحبَ َ‬
‫ويش ‪FF‬رع ه ‪FF‬ذا املؤلف يف ال ‪FF‬رد على االعرتاض ‪FF‬ات ب دءاً بالتأكيد‪ :‬أنه ال جمال للشك‬
‫– مطلق‪F F F‬اً ‪ -‬يف أن اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ -‬مل يف ‪FF F‬رط يف الكت ‪FF F‬اب من ش ‪FF F‬يء؛ وذلك ببيانه‬
‫جلملة من األحكام تفصيالً‪ ،‬وتوضيحه هنج معرفة احلكم واس‪FF‬تنباطه من الق‪FF‬رآن والس‪FF‬نة‬
‫‪ -‬سواء يف جمال العبادات أو املعامالت ‪ -‬شخصية أو مالية ‪. -‬‬
‫أما أحك‪FF F‬ام الت‪FF F‬دبري الع ‪FF F‬ام اليت مل جيملها ومل يفص‪FF F‬لها الق ‪FF F‬رآن والس ‪FF F‬نة مثل قض ‪FF F‬ايا‬
‫النش‪FF F F F F F‬اط السياسي واإلداري واالقتص‪FF F F F F F‬ادي واالجتم‪FF F F F F F‬اعي‪ ...‬فقد ُجعلت جماالً آخر‬
‫لالبتالء واالختبار‪ ،‬يقول يف هذا الشأن‪ « :‬ذلك أن احلياة الدنيا ‪ -‬يف ش‪FF‬قيها اإلل‪FF‬زامي‬
‫‪F‬وعة الختب ‪FF‬ار‬ ‫والط ‪FF‬وعي‪ -‬تعبيد وعب ‪FF‬ادة؛ ولَِئْن ك ‪FF‬انت األحك ‪FF‬ام الش ‪FF‬رعية العملية موض ‪ً F‬‬
‫الطاعة واالمتث‪F F F F‬ال احلريف لألوامر والن‪FF F F‬واهي‪ ،‬مما جيعلها تعبي‪FF F F‬داً تنفي‪FF F F‬ذياً ملزم‪F F F F‬اً‪ ،‬ف‪FF F F‬إن‬

‫‪ -‬األنعام ‪.38‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬النحل ‪.89‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬وهذا قريب مما يستند إليه الظاهرية يف استدالهلم على مذهبهم‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬الشورى ‪.21‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬التوبة ‪.31‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ -‬تفصيل هذه االعرتاضات يف كتاب «فقه األحكام السلطانية»‪ .‬ص ‪.305-304‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪351‬‬
‫التكليف بواسطة حرية التنظيم ال‪FF‬ذايت للنش‪FF‬اط ال‪FF‬دنيوي املس‪FF‬كوت عن‪FF‬ه‪ ،‬وبوضع قواعد‬
‫ت‪FF‬دبريه وتنميت‪FF‬ه‪ ،‬ابتالء آخر ط‪FF‬وعي‪..‬فتك‪FF‬ون ب‪FF‬ذلك حي‪FF‬اة األمة ذات ش‪FF‬قني متك‪FF‬املني‪،‬‬
‫شق العب‪FF‬ادة التنفيذية لألحك‪FF‬ام الش‪FF‬رعية‪ ،‬وشق العب‪FF‬ادة التص‪FF‬رفية املرس‪FF‬لة‪ ،‬على أن خيدم‬
‫الش ‪FF‬قان ‪ -‬مع ‪F‬اً ‪ -‬ه ‪FF‬دفاً واح ‪FF‬داً تتم به العب ‪FF‬ادة الكلية اليت هي إقامة خري أمة ُأخ ‪FF‬رجت‬
‫للناس‪ ،‬ضمن دولة شاهدة وخالفة على هنج النبوة »(‪.)1‬‬
‫أما عن االع تراض الث اني‪ ،‬وهو اس‪FF F‬تخدامه للفظ "مص‪FF F‬ادر" التش‪FF F‬ريع الش‪FF F‬وروي‬
‫ال‪FF F F F F F F F‬ذي قد يثري بعض اخللط واللبس‪ ،‬فقد أج‪FF F F F F F F F‬اب ب‪F F F F F F F F F‬أن كث‪FF F F F F F F F‬رياً من الب‪FF F F F F F F F‬احثني‬
‫والفقه‪FF F F‬اء(‪)2‬املعاص‪FF F F‬رين قد اس‪FF F F‬تعملوا – فعالً ‪" -‬مصـادر التشريـع" مرادف ‪F F F‬اً "ألدلة‬
‫األحك‪FF F F‬ام"‪ ،‬ومل مييزوا ‪ -‬متي‪FF F F‬يزاً دقيق ‪F F F‬اً ‪ -‬بني املص‪FF F F‬طلحني؛ ذلك أن "أدلة األحك‪FF F F‬ام"‬
‫متعلقة باألحك‪FF‬ام الش‪FF‬رعية العملية ‪ -‬إجياب ‪F‬اً ون‪FF‬دباً وإباح ‪F‬ةً وحترمياً وكراه ‪F‬ةً ‪ .-‬فال‪FF‬دليل‬
‫حجة ملزمة ما دام ص ‪FF‬وابه مطلق ‪F‬اً‪ ،‬وما دامت أهم خصائص ‪FF‬ه‪" :‬القطعي ‪FF‬ة" الس ‪FF‬تناده إىل‬
‫أصل القرآن الكرمي والثبات واألبدية واملرونة‪.‬‬
‫أما مص‪FF‬طلح "مص‪FF‬ادر التش‪FF‬ريع"‪ ،‬ف‪FF‬إن لفظ "مص‪FF‬ادر" ال حيمل أي معىن يفيد اإلل‪FF‬زام‬
‫أو الثب ‪FF F‬ات أو الص ‪FF F‬واب املطل ‪FF F‬ق؛ لكونه جمرد مرجع خاضع لظ‪FF F‬روف الزم ‪FF F‬ان واملك ‪FF F‬ان‬
‫واحلال واملص‪FF F‬لحة واملقاص ‪FF‬د‪ ،‬يس ‪FF‬تفيد منه الفقيه يف اس ‪FF‬تنباطه‪ ،‬وليس له ما ألدلة الفقه‬
‫من حجية أو ثبات أو أبدية أو إلزام‪.‬‬
‫هلذه األس ‪FF F‬باب كله ‪FF F‬ا‪ ،‬اخت ‪FF F‬ار مؤلف ه ‪FF F‬ذا الكت ‪FF F‬اب «فقه األحك ‪FF F‬ام الس ‪FF F‬لطانية»‬
‫استعمال مصطلح "مصادر التشريع الشوروي" يف جمال القضايا الدنيوية اليت مل ي‪FF‬رد يف‬
‫ش ‪FF‬أهنا نص أو محل على نص‪ ،‬ومص ‪FF‬طلح "أدلة األحك ‪FF‬ام" يف جمال األحك ‪FF‬ام الش ‪FF‬رعية‬
‫(‪)3‬‬
‫العملية لكونه أقوى حجة وأشد إلزاماً‪.‬‬
‫أما عن االع‪FF F‬رتاض الث‪FF F‬الث ال‪FF F‬ذي مف‪FF F‬اده أن يف التش‪FF F‬ريع الش‪FF F‬وروي ما ي‪FF F‬وحي بأنه‬
‫ش_ َرعُوا لَ ُه ْم‬ ‫تش ‪FF‬ريع بغري ما أن ‪FF‬زل اهلل اس ‪FF‬تناداً إىل اآلية الكرمية‪َ  :‬أ ْم لَ ُه ْم ُ‬
‫ش_ َر َكا ُء َ‬

‫‪ -‬فقه األحكام السلطانية‪ .‬ص ‪.306‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ومنهم‪ :‬عبد الوهاب خالف يف كتاب «علم أصول الفقه»‪ ،‬ومصطفى شليب» يف كتابه‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫«اإلسالم عقيدة وشريعة»‪...‬‬


‫‪ -‬فقه األحكام السلطانية‪ .‬ص ‪.308‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪352‬‬
‫ِّين َما لَ ْم يَ_ْأ َذنْ بِ_ ِه هَّللا ُ ‪)1( ‬؛ فقد أج ‪FF‬اب ب ‪FF‬أن‪ « :‬مفه ‪FF‬وم املخالفة يف ه ‪FF‬ذه‬
‫ِم َن الد ِ‬
‫اآلية الكرمية ي‪FF‬بني أن يف األمر تش‪FF‬ريعني إنش‪FF‬ائيني‪ :‬أح‪FF‬دمها حمرم هو ما مل ي ‪F‬أذن به اهلل‪،‬‬
‫وآخر مب‪FF F‬اح هو ما أذن اهلل فيه بقوله تع‪FF F‬اىل‪َ :‬وَأ ْم ُر ُه ْم شُو َرى بَ ْينَ ُه ْم‪ ،)3()2(‬فيع‪Fُّ F F‬د‬
‫التش‪FF‬ريع الش‪FF‬وروي – إذن – من ص‪FF‬ميم النهج اإلس‪FF‬المي الرش‪FF‬يد ما دام أساسه وضع‬
‫ق ‪FF‬وانني وإنش ‪FF‬اء قواعد يف جمال س ‪FF‬كت عنه الش ‪FF‬ارع وف ‪Fَّ F‬وض لألمة أمر ت ‪FF‬دبريه‪ ،‬وما دام‬
‫مقي‪F‬داً بالش‪FF‬ورى اجلماعية اآلذنة في‪F‬ه؛ فهو متم‪F‬يز متيزاً ك‪F‬امالً عن التش‪FF‬ريع بغري ما أن‪F‬زل‬
‫(‪)4‬‬
‫اهلل تعاىل وال عالقة له به بتاتاً‪.‬‬
‫وهبذا خيلص [احلم ‪FF‬داوي] إىل حتديد مج االت االبتالء ال دنيوي يف ثالث من ‪FF‬اطق‬
‫تشريعية‪ ،‬هي‪:‬‬
‫منطقة التش ريع المل زم‪ ،‬وهو املس‪FF F F‬تمد من الكت‪FF F F‬اب والس‪FF F F‬نة وما حيمل‬ ‫‪-‬‬
‫عليهما‪.‬‬
‫منطقة التش ريع الم أذون فيه‪ ،‬وهو املوض ‪FF‬وع بواس ‪FF‬طة الش ‪FF‬ورى اجلماعية‬ ‫‪-‬‬
‫مبقتضى قوله تعاىل‪َ  :‬وَأ ْم ُر ُه ْم ش َ‬
‫ُورى بَ ْينَ ُه ْم ‪. )5( ‬‬
‫(‪)6‬‬
‫منطقة التشريع المحرم‪ ،‬وهو ما سوى املنطقتني السابقتني‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -‬الشورى ‪.21‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬الشورى ‪.38‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬فقه األحكام السلطانية‪ .‬ص ‪.308‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬التشريع بغري ما أنزل اهلل كما يؤكد األثر الوارد يف تفسري قوله تعاىل‪  :‬اتَّ َخ ُذوا َأحْ بَا َرهُ ْم‬ ‫‪4‬‬

‫َو ُر ْهبَانَهُ ْم َأرْ بَابا ً ِم ْن ُدو ِن هَّللا ِ ‪( ‬التوبة‪ :‬من اآلية‪ : )31‬هو حتليل احلرام أو حترمي احلالل؛‬
‫فقد روى الرتمذي عن عدي بن حامت قال‪ " :‬أتيت النيب صلى اهلل عليه وسلم ويف عنقي صليب‬
‫من ذهب‪ ،‬فقال‪ « :‬ما هذا يا عدي؟ اطرح عنك هذا الوثن »‪ ،‬ومسعته يقرأ من سورة "براءة"‪F:‬‬
‫ون هَّللا ِ ‪ ،‬مث قال‪ « :‬أما إهنم مل يكونوا‬ ‫‪ ‬اتَّخَ ُذوا َأحْ بَا َرهُ ْم َو ُر ْهبَانَهُ ْم َأرْ بَابا ً ِم ْن ُد ِ‬
‫يعبدوهنم ‪ ،‬ولكن كانوا إذا أحلوا هلم شيئاً استحلوه‪ ،‬وإذا حرموا عليهم شيئاً حرموه »‪ .‬سنن‬
‫الرتمذي‪(.5/278 .‬ح ‪.)3095‬‬
‫‪ -‬الشورى ‪.38‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ -‬فقه األحكام السلطانية‪ .‬ص ‪.309‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪353‬‬
‫غري أن للتش ‪FF‬ريع املأذون فيه أو التش ‪FF‬ريع يف منطقة الف ‪FF‬راغ التش ‪FF‬ريعي من الض ‪FF‬وابط‬
‫والقي ‪FF F‬ود ما يس‪FF F‬وغ اعتب ‪FF F‬اره مأذون ‪F F‬اً في ‪FF F‬ه؛ فيُنسب – حبق – إىل الق‪FF F‬رآن والس‪FF F‬نة‪ ،‬مما‬
‫يعصمه من االحنراف ذات اليمني أو الشمال‪.‬‬
‫وقد تلخصت أهم هذه الضوابط والقيود فيما يأتي‪:‬‬
‫‪ – 1‬إعالن الحاكمية فيه هلل تع الى؛ ألن اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ -‬هو ال ‪FF F F F‬ذي أذن‬
‫بإنش ‪FF F‬ائه والعمل ب ‪FF F‬ه‪ .‬فينبغي أال حيرم حالال أو حيل حرام‪F F F‬اً(‪ ،)1‬وأال خيرج عن نط ‪FF F‬اق‬
‫(‪)2‬‬
‫التشريع روحاً ومقصداً كما عرّب عن ذلك أحد الباحثني‪.‬‬
‫‪ – 2‬أال يتحول إلى تشريع ديني‪ ،‬حبيث يت‪FF‬دخل يف األحك‪FF‬ام الدينية بالزي‪FF‬ادة أو‬
‫النقص أو التعديل‪.‬‬
‫‪ – 3‬أال يقتبس من تشريع ديني ‪ -‬وضعياً كان أو سماوياً منسوخاً ‪ -‬اتق‪FF‬اءً‬
‫لش ‪FF‬بهة التح ‪FF‬اكم إىل غري اإلس ‪FF‬الم‪ ،‬وس‪ّ F F‬داً لذريعة متييع ال ‪FF‬والء وتع ‪FF‬تيم التص ‪FF‬ور اإلمياين‬
‫الذي ينبغي أن يبقى خالصاً من الشوائب وحمجةً بيضاء ليلها كنهارها‪.‬‬
‫‪ – 4‬أن يك ون مص دره مؤسسة الش ورى الجماعية العامة‪ ،‬وليس األمزجة‬
‫واملصاحل الفردية أو الفئوية‪.‬‬
‫‪ – 5‬أال يحتكر توجيهه والتأثير فيه حاكم أو فئة أو قبيلة أو عائلة؛ فالتش‪FF‬ريع‬
‫عاماً لكل أعضاء اجملتمع املسلم املتساكنني يف أرض الشورى‪..‬‬ ‫الشوروي يكون ح ّقاً ّ‬
‫‪ – 6‬أال يتح ول إلى قواعد ثابتة جام دة غ ير قابلة للتع ديل والتغي ير؛ ألن يف‬
‫ذلك مناف‪FF F F‬اةً لس‪FF F F‬نة تط‪FF F F‬ور اجملتمع‪FF F F‬ات ورقيه‪FF F F‬ا‪ ،‬بل األصل أن يُعد جمرد نظم وقواعد‬
‫وخطط وبرامج‪ ،‬لألمة كامل احلق يف تعديلها مبا تقتضيه مصلحتها‪.‬‬
‫‪ – 7‬أن يعود على األمة بمنفعة أو يفتح لها ذريعة إليها‪ ،‬أو ي‪FF‬دفع عنها مفس‪FF‬دة‬
‫أو يسد الذريعة إليها‪.‬‬

‫‪ -‬فقه األحكام السلطانية‪ .‬ص ‪.309‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬خصائص التشريع اإلسالمي يف السياسة واحلكم‪ ،‬الدريين‪ .‬بريوت‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ .‬ط‪.2 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(‪1407‬هـ‪1987/‬م) ص ‪.8‬‬

‫‪354‬‬
‫‪ – 8‬أن يرفد تي ار األمة اإلس المية الس اعي إلى تحقيق مقاصد الش رع من‬
‫(‪)3‬‬
‫تعبيد األفراد‪ ،‬ومقاصده من إخراج خير أمة للناس‪.‬‬
‫ولعل يف ه‪FF F F‬ذه القي‪FF F F‬ود والض‪FF F F‬وابط ويف التحديد ال‪FF F F‬دقيق جملال التش‪FF F F‬ريع املأذون فيه‬
‫ض‪FF F‬ماناً حلركة االجته ‪FF F‬اد‪ ،‬وص ‪FF F‬يانةً هلا من أي خلط أو تش ‪FF F‬ويش أو اس ‪FF F‬تغالل من أي‬
‫جهة كانت وألي غرض كان‪.‬‬
‫مصادر التشريع الشوروي‪:‬‬
‫مهد ص‪FF F F F‬احب «فقه األحك‪FF F F F‬ام الس‪FF F F F‬لطانية»(‪ )2‬للح‪FF F F F‬ديث عن مص‪FF F F F‬ادر التش‪FF F F F‬ريع‬
‫الشوروي بتوضيح ثالثة أمور‪:‬‬
‫‪ – 1‬أن الش أن ال دنيوي – مما ال ي ؤثر في ال دين – مش ترك بني مجيع الن ‪FF‬اس‬
‫مس ‪FF‬لمني ك ‪FF‬انوا أو غري مس ‪FF‬لمني‪ .‬كما أن بعضه ينظمه ال ‪FF‬دين ‪ -‬س ‪FF‬واء يف اإلس ‪FF‬الم أو‬
‫غريه‪.‬‬
‫‪ – 2‬مص ادر التش ريع الش وروي الم أذون فيه غ ير ملزمة إلزام اً مطلق اً‪،‬‬
‫والرج ‪FF‬وع إليها اختي ‪FF‬اري تق ‪FF‬دره األمة تبع‪F F‬اً لظروفها وال يُس ‪FF‬تثىن من ذلك إال التص ‪FF‬ور‬
‫اإلمياين ومقتضياته‪.‬‬
‫‪ – 3‬التش ريع الش وروي غ ير محص ور في قواعد أو مس ‪FF F‬توعب يف ق ‪FF F‬وانني‬
‫مكتوب‪FF‬ة؛ ألنه يش‪FF‬مل مس‪FF‬احات واس‪FF‬عةً من النش‪FF‬اط البش‪FF‬ري املتن‪FF‬وع واملتغري واملتط‪FF‬ور‪.‬‬
‫ل‪FF‬ذا ف‪FF‬إن مص‪FF‬ادره قد تتع‪FF‬دد وتتط‪FF‬ور مبا يناسب مقتض‪FF‬يات كل ح‪FF‬ال وجمتم‪FF‬ع‪ ،‬وتك‪Fِّ F‬ون‬
‫اإلطار الضروري الذي حيكم القوانني والنظم املستحدثة‪.‬‬
‫وقد اقتصر – بعد هذا التنبيه – على اإلشارة إىل ستة مصادر هي‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫‪ .1‬التصور اإليماني وقانون الفطرة‪.‬‬

‫‪ -‬فقه األحكام السلطانية‪ .‬ص ‪.316‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬ص ‪.319‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬وهي الفطرة السليمة اليت يولد عليها اإلنسان ومل يلحقها أي تشويه أو حتريف‪ ،‬وظلت على‬ ‫‪3‬‬

‫رشدها الذي أهلمه اهلل تعاىل إياها من ضمري الغيب كما جاء يف قوله تعاىل‪َ  :‬وِإ ْذ َأ َخ َذ َربُّكَ‬
‫ْت بِ َربِّ ُك ْم قَالُوا بَلَى‬‫ُور ِه ْم ُذرِّ يَّتَهُ ْم َوَأ ْشهَ َدهُ ْم َعلَى َأ ْنفُ ِس ِه ْم َألَس ُ‬
‫ِم ْن بَنِي آ َد َم ِم ْن ظُه ِ‬
‫َش ِه ْدنَا َأ ْن تَقُولُوا يَوْ َم ْالقِيَا َم ِة ِإنَّا ُكنَّا ع َْن هَ َذا غَافِلِينَ ‪( ‬األعراف‪  ،)172:‬فََأقِ ْم‬
‫ق هَّللا ِ َذلِكَ الد ُ‬
‫ِّين‬ ‫اس َعلَ ْيهَا ال تَ ْب ِدي َل لِخ َْل ِ‬
‫ط َرتَ هَّللا ِ الَّتِي فَطَ َر النَّ َ‬ ‫ِّين َحنِيفا ً فِ ْ‬ ‫َوجْ هَ َ‬
‫ك لِلد ِ‬
‫‪355‬‬
‫‪ .2‬أدلة األحكام الشرعية‪:‬‬
‫واملقصود أن معرفة األحكام العملية ‪ -‬اليت هي مثرة علمي الفقه وأصوله ‪ -‬أس‪FF‬اس‬
‫متني يُبىن عليه التشريع الش‪FF‬وروي‪ .‬واملعرفة – هنا – تش‪FF‬مل‪ :‬ج‪FF‬انب األحك‪FF‬ام يف ذاهتا‬
‫وجانب منهج االستنباط‪.‬‬
‫وض‪FF‬رورة معرفة األحك‪FF‬ام تتمثل يف تاليف املس هبا ‪ -‬س‪FF‬واء بالزي‪FF‬ادة أو النقص‪FF‬ان أو‬
‫التحريف أو اإللغاء‪.‬‬
‫كما أن معرفة من‪FF‬اهج االس‪FF‬تنباط من النص‪FF‬وص وغري النص‪FF‬وص تكسب ملكة الفهم‬
‫العميق وتضع بني ي‪FF‬دي الفقيه والق‪FF‬انوين ميزان‪F‬اً لض‪FF‬بط العقل وترش‪FF‬يده إىل مواقع اخلطأ‬
‫والصواب يف اجملال الدنيوي‪.‬‬
‫‪ – 3‬الفقه وأحكام القضاء‪:‬‬
‫ذلك أن الفقه ج ‪FF‬زء منه تش ‪FF‬ريع إهلي‪ ،‬وهو ما ك ‪FF‬ان مس ‪FF‬تمداً من الكت ‪FF‬اب والس ‪FF‬نة‬
‫وما يس ‪FF‬تند إليهما باإلمجاع وحيمل عليهما بالقي ‪FF‬اس‪ ،‬وج ‪FF‬زء منه وض ‪FF‬عي س‪F F‬نَّه الفقه ‪FF‬اء‬
‫واجملتهدون يف اجملال الدنيوي حيث يلتقي – هنا – الفقهاء املسلمون بالوض‪FF‬عيني؛ ألن‬
‫جمال كليهما واحد هو ما س‪F‬كت الش‪F‬رع عن‪FF‬ه‪ .‬ومعتمد الف‪F‬ريقني ‪ -‬يف بن‪FF‬اء األحك‪F‬ام‪-‬‬
‫احلكمة واملص ‪FF‬لحة والنفع الع ‪FF‬ام(‪ .)1‬فيمكن ‪ -‬عن طريق الش ‪FF‬ورى العامة ‪ -‬اس ‪FF‬تحداث‬
‫قواعد جدي ‪FF F‬دة لتنظيم ح ‪FF F‬االت طارئة يف أس ‪FF F‬لوب املعيشة أو الت ‪FF F‬دبري الع ‪FF F‬ام أو تع ‪FF F‬ديل‬
‫(‪)2‬‬
‫عيوب ظهرت يف نص سبق إنشاؤه حبسب ما تقتضيه احلاجة واملصلحة‪.‬‬
‫أما أحكام القضاء اليت تصدرها احملاكم فهي نوعان‪:‬‬
‫ن وع‪ :‬ال ن زاع فيه‪ ،‬س‪FF F‬واء ك‪FF F‬ان التح‪FF F‬اكم فيه ش‪FF F‬رعياً أو وض‪FF F‬عياً؛ الس‪FF F‬تناده إىل‬
‫نصوص شرعية أو قانونية واضحة‪.‬‬

‫ْالقَيِّ ُم َولَ ِك َّن َأ ْكثَ َر النَّ ِ‬


‫اس ال يَ ْعلَ ُمونَ ‪( ‬الروم‪.)30F:‬‬
‫‪ -‬لتوضيح هذه املسألة والتمثيل هلا ميكن االطالع على ما كتبه اخلبري القانوين عبد الرزاق‬ ‫‪1‬‬

‫السنهوري يف كتابه‪ « :‬مصادر احلق يف الفقه اإلسالمي‪ ،‬دراسة مقارنة بالفقه‪ F‬الغريب »‪ ،‬ال سيما‬
‫مبحث‪ " :‬تطور الفقه اإلسالمي يف الشروط املقرتنة بالعقد "‪ .)173-3/150 ( .‬بريوت‪،‬‬
‫منشورات احلليب احلقوقية‪ .‬ط‪1998( .2 :‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬فقه األحكام‪ .‬ص ‪.327‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪356‬‬
‫ون وع‪ :‬محل خالف؛ لع‪FF‬دم اس‪FF‬تناده إىل دليل من الكت‪FF‬اب أو الس‪FF‬نة أو اإلمجاع أو‬
‫القي ‪FF‬اس‪ ،‬وإمنا جيتهد الفقه ‪FF‬اء والق ‪FF‬انونيون للفصل فيه بوضع قواعد وق ‪FF‬وانني أو تش ‪FF‬ريع‬
‫م‪FF‬أذون في‪FF‬ه‪ .‬وه‪FF‬ذا هو املقص‪FF‬ود بك‪FF‬ون "أحك‪FF‬ام القض‪FF‬اء" – س‪FF‬واء منها أحك‪FF‬ام القض‪FF‬اء‬
‫اإلسالمي الرتاثي أو القض‪FF‬اء الوض‪FF‬عي احلديث – مص‪FF‬دراً للتش‪FF‬ريع الش‪FF‬وروي ما دامت‬
‫ال تعود على الشريعة اإلسالمية باإلبطال أو التغيري أو التبديل أو التحريف‪.‬‬
‫‪ – 4‬رصيد التجربة اإلنسانية‪:‬‬
‫رص ‪FF‬يد التجربة اإلنس ‪FF‬انية ‪ -‬من العلم والت ‪FF‬اريخ ‪ -‬يُعد مص ‪FF‬دراً غني ‪F‬اً للتش ‪FF‬ريع فيما‬
‫س‪FF‬كت عنه الش‪FF‬رع بش‪FF‬رط التقيد بالش‪FF‬ورى اإلميانية اجلماعية اليت ت‪FF‬درس الواقع وتق‪Fِّ F‬وم‬
‫س__ي ُروا فِي‬ ‫التج ‪FF F‬ارب وحتدد الغاي ‪FF F‬ات واملقاصد مسرتش ‪FF F‬د ًة بقوله تع ‪FF F‬اىل‪َ  :‬أ َولَ ْم يَ ِ‬
‫ش َّد ِم ْن ُه ْم قُ َّوةً َو َما‬‫ين ِمنْ قَ ْبلِ ِه ْم َو َكانُوا َأ َ‬ ‫ان َعاقِبَةُ الَّ ِذ َ‬ ‫ف َك َ‬ ‫ض فَيَ ْنظُ ُروا َك ْي َ‬ ‫اَأْل ْر ِ‬
‫_ان َعلِيم _ا ً‬ ‫ض ِإنَّهُ َك_ َ‬ ‫ت َوال فِي اَأْل ْر ِ‬ ‫الس _ َما َوا ِ‬‫ش _ ْي ٍء فِي َّ‬ ‫_ان هَّللا ُ لِيُ ْع ِج_ َزهُ ِمنْ َ‬ ‫َك_ َ‬
‫ين‬
‫_ان عَنْ يَ ِم ٍ‬ ‫س_ َكنِ ِه ْم آيَ_ةٌ َجنَّتَ_ ِ‬ ‫سبٍَأ فِي َم ْ‬ ‫ان لِ َ‬ ‫قَ ِديراً‪ ،)1( ‬وقولـه تعالـى‪  :‬لَقَ ْد َك َ‬
‫ض_وا‬ ‫ش ُك ُروا لَهُ بَ ْل َدةٌ طَيِّبَ_ةٌ َو َر ٌّب َغفُ__و ٌر فََأ ْع َر ُ‬ ‫ق َربِّ ُك ْم َوا ْ‬ ‫ش َما ٍل ُكلُوا ِمنْ ِر ْز ِ‬ ‫َو ِ‬
‫_ل‬‫_ل َخ ْم_ ٍط َوَأ ْث_ ٍ‬‫س ْي َل ا ْل َع ِر ِم َوبَ_ َّد ْلنَا ُه ْم بِ َجنَّتَ ْي ِه ْم َجنَّتَ ْي ِن َذ َوات َْي ُأ ُك_ ٍ‬ ‫فََأ ْر َ‬
‫س ْلنَا َعلَ ْي ِه ْم َ‬
‫يل ‪.)2( ‬‬ ‫س ْد ٍر قَلِ ٍ‬
‫َوش َْي ٍء ِمنْ ِ‬
‫‪ – 5‬االستحسان‪:‬‬

‫‪ -‬فاطر ‪.44‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬سبأ ‪.16-15‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪357‬‬
‫وقد أف‪FF F‬اض األص‪FF F‬وليون الق‪FF F‬ول فيه ويف أقس‪FF F‬امه (‪ .)1‬غري أن ما لـه عالقة مبوض‪FF F‬وع‬
‫التش‪FF‬ريع الش‪FF‬وروي هو استحس‪FF‬ان الض‪FF‬رورة‪ ،‬فهو حكم إنش‪FF‬ائي خيالف القي‪FF‬اس الظ‪FF‬اهر‬
‫ال‪FF F F F F F F‬ذي هو إحلاق املس‪FF F F F F F F‬ألة بنظائرها يف احلكم ملص‪FF F F F F F F‬لحة أو ض‪FF F F F F F F‬رورة اقتضت تلك‬
‫(‪)3‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫‪F‬رب من إنش ‪FF‬اء األحك ‪FF‬ام‬
‫املخالفة ‪ .‬يق ‪FF‬ول عنه ص ‪FF‬احب «فقه األحك ‪FF‬ام» إن ‪FF‬ه‪ « :‬ض ‪ٌ F‬‬
‫والقواعد ب ‪FF‬دون الرج ‪FF‬وع إىل دليل أص ‪FF‬لي‪ ،‬وهو ما يناسب عملية التش ‪FF‬ريع الش ‪FF‬وروي‬
‫»‪.‬‬
‫‪ – 6‬المصالح المرسلة‪:‬‬
‫وهي املص ‪FF‬احل اليت مل يش ‪FF‬هد هلا دليل خ ‪FF‬اص باإللغ ‪FF‬اء أو االعتب ‪FF‬ار وال تتع ‪FF‬ارض مع‬
‫مقاصد الشرع‪.‬‬
‫وأس‪FF F F‬اس العمل باملص‪FF F F‬لحة جلب املن‪FF F F‬افع ودرء املفاسد وس‪Fُّ F F F‬د ال‪FF F F‬ذرائع وض‪FF F F‬رورة‬
‫اس ‪FF‬تنباط أحك ‪FF‬ام جدي ‪FF‬دة ملا يس ‪FF‬تحدث يف احلي ‪FF‬اة من ض ‪FF‬روب النش ‪FF‬اط البش ‪FF‬ري حبسب‬

‫‪ -‬أقسام االستحسان‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬استحسان السنة‪ :‬وهو العدول عن مقتضى القياس إىل حكم آخر خمالف لـه ثابت يف السنة‪،‬‬
‫ويسميه بعض األصوليني‪" :‬استحسان النص"‪.‬‬
‫‪ -‬استحسان اإلمجاع‪ :‬وهو العدول عن مقتضى القياس إىل حكم آخر انعقد عليه اإلمجاع‪،‬‬
‫كعقد االستصناع‪.‬‬
‫‪ -‬استحسان القياس‪ :‬وهو العدول باملسألة عن حكم القياس الظاهر املتبادر فيها إىل حكم‬
‫مغاير بقياس آخر أدق وأخفى ولكنه أقوى حجةً وأسد نظراً‪.‬‬
‫‪ -‬استحسان املصلحة أو الضرورة‪ F:‬وهو خمالفة حكم القياس لضرورة موجبة أو مصلحة‬
‫مقتضية س ّداً للحاجة أو دفعاً للحرج العام‪.‬‬
‫إحكام الفصول يف أحكام األصول‪ ،‬الباجي‪ .‬ص ‪606-564‬؛ ومعجم مصطلحات أصول‬
‫الفقه‪ F،‬قطب سانو‪.55-52 .‬‬
‫‪ -‬السياسة الشرعية مصدر للتقنني ‪ ،‬عبد اهلل حممد القاضي‪(.‬د‪.‬ن)‪.‬ط‪1410( .1 :‬هـ) ص‬ ‫‪2‬‬

‫‪220‬‬
‫‪ -‬ص ‪.332‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪358‬‬
‫تغري الزم‪FF‬ان واملك‪FF‬ان واألح‪FF‬وال(‪ ،)1‬ال س‪FF‬يما أن الش‪FF‬ريعة قد تض‪FF‬منت مص‪FF‬احل الن‪FF‬اس يف‬
‫العاجل واآلجل‪ .‬قال تعاىل‪َ  :‬و َما َأ ْر َ‬
‫س ْلنَا َك ِإاَّل َر ْح َمةً لِ ْل َعالَ ِم َ‬
‫ين ‪.)2( ‬‬
‫ون ‪.)3( ‬‬ ‫ى َو َر ْح َمةٌ لِقَ ْو ٍم يُوقِنُ َ‬ ‫‪َ ‬ه َذا بَ َ‬
‫صاِئ ُر لِلنَّا ِ‬
‫س َوهُد ً‬
‫فاملص ‪FF‬لحة املنض ‪FF‬بطة بش ‪FF‬روطها ب ‪FF‬اب من أب ‪FF‬واب االجته ‪FF‬اد الفقهي ومص ‪FF‬در ملعاجلة‬
‫القض‪FF F F‬ايا الدنيوية املس‪FF F F‬كوت عنها واملرتوك أمرها لعم‪FF F F‬وم األم‪FF F F‬ة؛ فهي من أهم ط‪FF F F‬رق‬
‫(‪)4‬‬
‫إنشاء القواعد والقوانني والنظم يف جمال التشريع الشوروي بشروطه وضوابطه‪.‬‬
‫إن س‪FF F‬عة مص‪FF F‬ادر التش‪FF F‬ريع الش‪FF F‬وروي ومرونتها ‪ -‬يف ه‪FF F‬ذا اجملال الواسع للتش‪FF F‬ريع‬
‫والتقنني ‪ -‬دليل على أن ممَّا متيزت به الشريعة اإلسالمية عن غريها صالحيتها ملختلف‬
‫األزمنة واألمكنة واألحوال مبا حيفظ هلا قدسيتها ومبا مينح اإلنسان املس‪F‬لم حري‪F‬ةً كب‪F‬ريةً‬
‫يف التأقلم مع مجيع املستجدات يف جماالت اجملتمع كلها‪.‬‬

‫‪ -‬السياسة الشرعية مصدر للتقنني‪ ،‬عبد اهلل القاضي‪ .‬ص ‪.189-135‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬األنبياء ‪.107‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬اجلاثية ‪.20‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬فقه األحكام‪ .‬ص ‪.337‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪359‬‬
‫الخاتم ــة‬

‫وبعد فهذه خالصة مسرية االجتهاد عرب تاريخ نشوئه وتطوره؛ بدءاً من االجتهاد‬
‫النبوي الذي قُصد به تعليم الصحابة وتوضيح معامل الطريق هلم كما هو الشأن يف ما‬
‫ثبت من اجتهاداته صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬مث ما سار عليه صحابته الكرام –رضوان‬
‫اهلل عليهم ‪ -‬والتابعون‪ .‬ولعل أهم ما ينبغي اإلشارة إليه يف هذه اخلالصة‪:‬‬
‫‪ ‬أن من املهم املعرفة بأن الشريعة هي مجلة األحكام املخصوصة ببيان‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم يف القرآن الكرمي والسنة‬
‫النبوية الشريفة‪.‬‬
‫‪ ‬وأن الفقه هو مثرة االجتهاد ‪ -‬يف الشريعة – الذي وضع الرسول صلى‬
‫اهلل عليه وسلم أسسه يف عصر الرسالة؛ فقد ثبت أن من أهم ِح َك ِم‬
‫اجتهاده صلى اهلل عليه وسلم هو وضع منهج سليم للمشتغلني بالفقه‬
‫واالجتهاد‪.‬‬
‫‪ ‬أن الصحابة الكرام – رضوان اهلل عليهم – قد طبقوا منهج االجتهاد –‬
‫الذي بيَّنه هلم رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أفضل تطبيق فهماً‬
‫لنصوص القرآن الكرمي والسنة النبوية الشريفة وقياساً عليهما يف ظل‬
‫قواعد دينية ثابتة تعد نرباساً للمجتهدين يهتدون به‪.‬‬
‫‪ ‬أن حركة االجتهاد قد كانت ذات صلة وثيقة بالواقع – ال انفصام هلا‬
‫عنه ‪ -‬يف كل جوانبه وجماالته‪ .‬فقد بدأت حركةً واقعيةً اقتحاميةً كما‬
‫كان حال الدولة اإلسالمية الناشئة املتطورة‪ .‬واتسعت دائرة االجتهاد‬
‫بقدر منو اجملتمع اإلسالمي وتطوره‪.‬‬
‫‪ ‬أن اخلالفات اليت ابتدأت – سياسياً – ودبت بني املسلمني انتهت إىل‬
‫انشقاق ومتزق ذي طابع ديين عقدي وظهرت آثارها يف مسرية الفقه‬
‫وحركة االجتهاد نتيجة تباين املناهج الفقهية وتنازع الفرق يف بعض‬

‫‪360‬‬
‫مصادر الفقه ويف منهج التعامل مع بعض مسائل الفقه ذات الطابع‬
‫السياسي كمسألة اخلالفة‪.‬‬
‫‪ ‬على الرغم من اخلالفات السياسية اليت شهدهتا البالد اإلسالمية فقد برز‬
‫فقهاء أعالم اجتمع لديهم ‪ -‬من جودة العقل وملكة العلم – ما َّأهلهم‬
‫ب لبعضها البقاء بفضل‬ ‫ِ‬
‫إىل أن يكونوا زعماء مدارس فقهية رائدة‪ُ .‬كت َ‬
‫تظافر مجلة من العوامل يأيت يف مقدمتها وجود التالميذ النجباء وتوفر‬
‫الظروف السياسية واالجتماعية اليت أسهمت يف إظهار بعض املذاهب‬
‫وانتشارها دون غريها‪.‬‬
‫‪ ‬إن اجلهود اليت بذهلا أئمة املدارس الفقهية وتالميذهم النجباء أكسبت‬
‫حركة االجتهاد قوة دفع ذاتيةً إىل حدود منتصف القرن الرابع اهلجري؛‬
‫األمر الذي يفسر السبب يف عدم احندار املستوى العلمي على الرغم من‬
‫تدهور األحوال السياسية‪.‬‬
‫‪ ‬أن االجتهاد بعد القرن الرابع اهلجري احنصر يف دائرة املذاهب املشهورة‬
‫ال يتجاوزها‪ .‬وقد متثل عمل الفقهاء يف تعليل األحكام والرتجيح بني‬
‫اآلراء‪.‬‬
‫‪ ‬مل ختل العصور اليت أعقبت القرن الرابع اهلجري من إنتاج فقهي مهم –‬
‫وِإ ْن كان إنتاجاً مقيداً باملذهب ‪ .-‬فمعظم املصادر واملراجع الفقهية اليت‬
‫بني أيدينا اليوم هي من تأليف فقهاء هذه العصور‪.‬‬
‫مهد لالجتهاد ولوج الطور العلمي القائم على‬
‫‪ ‬إن وضع علم أصول الفقه َّ‬
‫طرق ومناهج واحملكوم بأسس وقواعد‪.‬‬
‫‪ ‬إن عمل الشافعي – رضي اهلل عنه – عكس جماوبةً تامةً مع عصره‪ .‬فقد‬
‫كان وسيطاً نزيهاً بني أهم مدرستني فقهيتني وممثالً صادقاً للتفكري‬
‫العلمي الذي يبحث عن احلقيقة ال غري‪ .‬كما أن عمله كان أمنوذجياً يف‬
‫ضبط االستنباط وتنظيمه‪.‬‬

‫‪361‬‬
‫‪ ‬إن تنوع مناهج الدراسة األصولية وتكاملها أمدَّت االجتهاد بأهم آلياته‬
‫مه َد لظهور علوم أخرى خادمة‬ ‫وَأْثَر ْ‬
‫ت احلركة الفقهية إثراءً عظيماً َّ‬
‫لالجتهاد أيضاً‪ .‬كعلم القواعد الفقهية وعلم املقاصد‪.‬‬
‫‪ ‬إن علم القواعد الفقهية مثرة الجتاه التأصيل الذي متيزت به حركة الفقه‬
‫اإلسالمي‪ .‬فبعد إرساء قواعد األصول وقوانني االستنباط ظهرت حاجة‬
‫الفقيه إىل ضبط الفروع الفقهية اهلائلة بواسطة قواعد الفقه وضوابطه من‬
‫أجل تيسري مهمة الفقيه اجملتهد ومنحه مرونةً واستيعاباً لكثري من‬
‫املستجدات‪.‬‬
‫عد حلقةً أساساً من حلقات العلوم اخلادمة لالجتهاد‬ ‫‪ ‬إن علم املقاصد يُ ُّ‬
‫لوظيفته يف فهم أسرار الشريعة ِ‬
‫وح َك ِم َها‪ ،‬وهو ما ال استغناء للمجتهد‬
‫عنه‪.‬‬
‫‪ ‬إن تأصيل الشاطيب العلمي للمقاصد تعكس جتاوباً صادقاً وتأثراً وتأثرياً‬
‫واضحني بينه وبني عصره‪ .‬فاالحنراف العقدي الذي شاب اجملتمع والفساد‬
‫السياسي واخللقي الذي سيطر عليه محل الشاطيب – بعد ما بذله من‬
‫جهود مضنية – على حماولة ربط األمة مبقاصد الشريعة‪.‬‬
‫‪ ‬على الرغم من أن الدراسات يف املقاصد مل خترج عما أرسى قواعده‬
‫ووضع أركانه اإلمام الشاطيب فقد برز اجتاه يؤيد املقاصد تأييداً مطلقاً‬
‫متجاوزاً الشروط والضوابط اليت راعاها الشاطيب ومن سلك مسلكه‪ .‬وقد‬
‫كان يف بعض القصور الذي شاب منهجه [الشاطيب] ثغرةٌ استغلها‬
‫أصحاب هذا االجتاه ووظفوها توظيفاً منحرفاً يف جمال االجتهاد؛ مما جعل‬
‫بعض العلماء يقفون من املقاصد موقفاً متحفظاً ويضعها يف موضعها‬
‫الصحيح من منهج اإلسالم املتكامل الذي جيعل أصول الدين وفروعه‬
‫وجممالته ومفصالته وكلياته وجزئياته متالزمةً وحتت حاكمية الكتاب‬
‫والسنة‪.‬‬
‫‪ ‬مقاصد الشاطيب جمرد جزئية مرحلية حنو إقامة األمة الشاهدة‪ .‬فاملقصد‬
‫الواضح – من الكتاب والسنة – يتدرج من التكوين واخللق الذي هو‬
‫‪362‬‬
‫مقدمة للتكليف واالبتالء إىل وضع الشريعة بصفتها وسيلة للتكليف وأدا ًة‬
‫لالبتالء مث إىل االبتالء الذي خيرج األمة الشاهدة اليت هي قاطرة السري إىل‬
‫املقصد األمسى وهو قوله تعاىل‪  :‬حىت ال تكون فتنة ويكون الدين هلل ‪.‬‬
‫‪ ‬إن آراء الطويف اجلريئة يف املصاحل – اليت هي الوجه اآلخر للمقاصد قد‬
‫حوصرت يف مهدها بفضل جهود علماء أفذاذ‪ ،‬غري أهنا تركت آثاراً‬
‫واضحةً فيما تال من عصور ال سيما يف العصور احلديثة اليت شهدت‬
‫حماوالت اليقظة يف ظل واقع الضعف واهلزمية‪ .‬وهو واقع حال دون بلوغ‬
‫كثري من العلماء واملصلحني كامل أهدافهم وغاياهتم يف اإلصالح‪.‬‬
‫‪ ‬إن االجتاهات اليت رفعت شعار التجديد بعد حماوالت اليقظة والنهضة‬
‫حد كبري‪ .‬مما انعكس على حقيقة االجتهاد‬
‫كانت منطلقاهتا متباينة إىل ٍّ‬
‫ونتائجه‪.‬‬
‫‪ ‬إن االجتاه العلماين متتد جذوره يف البيئة الغربية‪ .‬ومساره التارخيي وتطوره‬
‫يف بيئته يبدو أمراً منطقياً؛ أما نشأته يف العامل اإلسالمي فقد واجهتها‬
‫حواجز كثرية معرفية وواقعية؛ مما جعل الطريق موصداً أمام العلمانية‬
‫وجعل دعاهتا حمصورين يف خنبة فكرية متغربة‪.‬‬
‫‪ ‬إن االجتاه العلماين – يف البالد اإلسالمية – قد ضم تيارات متنوعةً أبرزها‬
‫تيار علماين صرف دعا إىل استبعاد الدين ومصادره التشريعية كليةً وتيار‬
‫توفيقي حاول اجلمع بني األصالة واملعاصرة‪.‬‬
‫‪ ‬إن أرباب االجتاه العلماين – مثل قاسم أمني وطه حسني وغريمها – مل‬
‫يضيفوا أكثر من ترديدهم آلراء كبار أساتذهتم املستشرقني‪.‬‬
‫‪ ‬إن حسن حنفي الذي نقد فريقاً من العلمانيني وعاب عليهم استعارهتم‬
‫مناهج غربية لدراسة الرتاث قد وقع فيما هو أخطر من ذلك – يف‬
‫مشروعه التجديدي ‪-‬؛ ألنه مل يلجأ إىل استعارة مناهج غربية وإمنا ابتدع‬
‫أدوات خاصة لنسف الرتاث كله وإفراغه من حمتواه بواسطة « التأويل »‬
‫واستحداث لغة جديدة تقلب املفاهيم األولية واملصطلحات اإلسالمية يف‬
‫العقيدة والشريعة على حد سواء‪.‬‬
‫‪363‬‬
‫‪ ‬إن ما مساه حسن حنفي « منطق التجديد اللغوي » هو يف جوهره أداة‬
‫حياول هبا هدم أهم العلوم اإلسالمية – علم العقيدة وعلم األصول –‬
‫وبناء علوم جديدة مبواصفات لغوية تناقض أجبديات العقيدة وبدهيات‬
‫الشريعة‪.‬‬
‫‪ ‬إن حنفي يؤسس فهمه العقلي لنصوص الوحي على معطيات الواقع؛ فهو‬
‫خيضع فهم النص للواقع‪ .‬ولعل مصدر اخللل املنهجي – لدى حنفي‬
‫وأمثاله – اعتمادهم املادة أساساً للتحليل وإنكارهم الغيب ‪ -‬سواء كان‬
‫هذا اإلنكار صرحياً أم مبطناً – وإخضاع قضايا الغيب إىل مقاييس مادية‬
‫غري قادرة على استيعابه أو اإلحاطة به‪.‬‬
‫عد حلقةً يف سلسلة جهود‬ ‫‪ ‬إن ظهور اجتاه « إسالمية المعرفة » يُ ُّ‬
‫فعل للحد من غلواء االجتاه العلماين‬ ‫ورد ٍ‬
‫اإلصالح والتجديد احلديثة َّ‬
‫وحماولة تقدمي بديل معريف ومنهجي وإعادة صياغة تراث املعرفة وفق‬
‫الرؤية العقدية اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ ‬إن انطالق منظري « أسلمة المعرفة » من نقدهم للمنهجية التقليدية –‬
‫لتقدمي تصور ملنهج االجتهاد املقرتح – قد كان مشوباً بالقصور وعدم‬
‫الدقة؛ الختزاهلم أزمة األمة يف الفكر واملنهج‪ ،‬وهو ما أوقعهم يف عني ما‬
‫انتقدوا به املنهجية التقليدية‪ ،‬وذلك بفصلهم الفكر عن العمل‪.‬‬
‫‪ ‬إن الرتويج لفكرة «الجمع بين القراءتين» باملفهوم الذي صاغه بعض‬
‫منظري «أسلمة المعرفة» فيه تضخيم للفكرة مبا حيرر به العقل عن‬
‫الوحي املسطور‪ .‬فال داعي َأِل ْن يُعادل القرآن بالكون؛ ألن املعادلة‬
‫الصحيحة واملقبولة هي أن الكون مسخر لإلنسان‪ ،‬أما القرآن فهو حاكم‬
‫على اإلنسان ومهيمن على الكون وشتان بني احلاكم واملسخر‪.‬‬
‫‪ ‬إن منهجية التعامل مع القرآن الكرمي – اليت اقرتحها أرباب هذا االجتاه –‬
‫تلتقي يف نقاط مهمة مع ما ذهب إليه املستشرقون والعلمانيون؛ ففهم‬
‫طبيعة القرآن الكرمي الذي دعوا إليه إمنا يؤدي إىل حتويل لغة النص اإلهلي‬
‫املوحى به إىل لغة ال دليل على أهنا لسان عريب مبني إال النص نفسه‪ ،‬وهو‬
‫‪364‬‬
‫ما يفتح اجملال واسعاً أمام كل من أراد أن يتقول على النص القرآين وعلى‬
‫لغته الرصينة وأمام كل من أراد أن يعيد قراءته بالطريقة اليت حيددها‬
‫والنهج الذي خيتاره‪ .‬بل إن يف اقرتاح وضع قاموس ألسين خاص يضبط‬
‫املفردات القرآنية أخطر أداة لنسف املصطلحات واملفاهيم األساس يف‬
‫اإلسالم‪ .‬وهذا ما ميثل خطوةً أخطر من مرحلة التأويل الفاسد وغري‬
‫املنضبط لآليات القرآنية الذي انزلق فيه كثري من غالة الباطنية وأرباب‬
‫النحل الضالة واملنحرفة‪.‬‬
‫‪ ‬إن ما يقدمه أرباب «اجتاه األسلمة» من منهج للتعامل مع السنة النبوية –‬
‫بدعوى ضرورة إجياد منهج ناظم وضابط للتعامل معها وإخراجها من‬
‫دائرة اجلزئيات‪ -‬يشوبه كثري من الغموض ويعود على حجية السنة نفسها‬
‫بالنقض واإللغاء‪.‬‬
‫‪ ‬إن دعوة تطوير املنهج األصويل مطلب مقبول وضروري‪ ،‬إال أن أصحاب‬
‫«األسلمة» قد اشتطوا يف دعوهتم إىل جتاوز علم األصول وما قدَّمه من‬
‫منهجية متميزة يف فهم النصوص قرآناً وسنةً‪ .‬إهنم بدعوهتم إىل جتاوز‬
‫املنهج األصويل إمنا ميهدون لتجريد النصوص من أهم آلية لفهمها ومعرفة‬
‫أحكامها كما أرادها الشارع احلكيم‪ ،‬وهم – بذلك – يلتقون – عملياً‬
‫– مع الطويف يف نظريته املصلحية (النفعية)؛ مما يثبت أن فكر الطويف‬
‫وآراءه قد منت وتطورت مبا يالئم ظروف العصر‪ ،‬ومبا يستجيب لبعدي‬
‫الزمان واملكان‪ ،‬حىت انتهى هبم – منهجهم يف االجتهاد – نظرياً – إىل‬
‫تبين نظرية التطور الداروينية كما هي لدى أيب القاسم حاج محد‪ ،‬و‪-‬‬
‫عملياً _ إىل إصدار فتاوى تعارض مسلمات العقيدة وبدهيات الشريعة‬
‫كما تورط يف ذلك أكرب منظريهم طه جابر العلواين‪.‬‬
‫‪ ‬إن التيار السلفي – بتياريه املوايل واملعارض – َّ‬
‫شكل ظاهرةً عامليةً حمورها‬
‫املدرسة النجدية ذات اجلذور احلنبلية‪ ،‬وقد امتد أثرها إىل الواقع العملي‬
‫واالجتماعي ألقطار كثرية‪.‬‬

‫‪365‬‬
‫‪ ‬إن منهج دراسة العقيدة لدى االجتاه السلفي قد ترك أثره يف منهجهم‬
‫االجتهادي؛ فميلهم إىل الظاهر والتزامهم الصارم بالنصوص ووقوفهم عند‬
‫حدود األلفاظ دون النظر إىل سياق ورودها ودالالهتا القريبة والبعيدة نتج‬
‫عنه نزعة ظاهرية يف تناول قضايا االجتهاد‪.‬‬
‫‪ ‬إن الغلو يف التزام أي مذهب أو منهج فقهي قد يؤدي – غالباً – إىل‬
‫نوع من اإلغراب والشذوذ‪ .‬وهذا ما وقع فيه الظاهرية – الذين رفعوا‬
‫شعار السلفية عنواناً ملنهجهم االجتهادي – حينما أوغلوا يف اتباع ظواهر‬
‫النصوص‪ ،‬فانتهوا إىل مناقضة املقصود منها أحياناً كثري ًة‪ .‬كما كانت‬
‫املغاالة يف مالحظة املعاين والعلل واملقاصد مسلكاً جنح بأصحابه إىل‬
‫تعميم ما مل يقصد تعميمه أو جتاوز ما ينبغي الوقوف عند حدوده‪.‬‬
‫‪ ‬إن قصور االجتاه السلفي يف االجتهاد وعجزه عن تأصيل النظم السياسية‬
‫مه َد لظهور اجتاه له منهجه وخصائصه حاول‬ ‫واالجتماعية واالقتصادية َّ‬
‫تدارك هذا القصور بدعوته إىل مراجعة شاملة ودقيقة لكل االجتاهات‬
‫الفقهية يف جمال االجتهاد وتصنيفها واالستفادة منها واعتبار املذاهب‬
‫الفقهية كلها جمرد مدارس علمية فقهية تتكامل فيما أصابت فيه وتتناصح‬
‫فيما أخطأت فيه وتتعاون لتنظيم شؤون الناس املرتوكة الجتهاد البشر‬
‫رمحةً من رب العاملني حتت راية القرآن والسنة‪.‬‬
‫‪ ‬إن االجتاه التأصيلي الشوروي قد سلك مسلكاً وسطاً يف دراسة العقيدة‬
‫وعرض ثوابتها وحماولة ربطها بالواقع‪.‬‬
‫الزم‪ ،‬وهو أهم ما َّمز هذا االجتاه‬
‫أمر ٌ‬‫‪ ‬إن التمييز بني جماالت التشريع ٌ‬
‫[التأصيلي الشوروي]‪ .‬فقد أشار أعالمه – ويف مقدمتهم عبد الكرمي‬
‫مطيع احلمداوي – إىل وجود منطقة فراغ تشريعي تغطي مساحات‬
‫واسعةً من أمور السياسة واالجتماع واالقتصاد والتجارة مما مل يرد فيها‬
‫َّد األداة املناسبة‬
‫تشريع من الكتاب أو السنة أو ما يستند إليهما‪ ،‬وحد َ‬
‫مللئها وهي التشريع الشوروي الذي يتخذ صبغةً إنشائيةً؛ ألن األمة هي‬

‫‪366‬‬
‫اليت تنشئه بواسطة الشورى اعتماداً على مصادره وموارده دينيةً كانت أو‬
‫عرفيةً أو تارخييةً أو إنسانيةً حمدثةً ال أصل هلا‪.‬‬
‫‪ ‬إن متييز جماالت التشريع امللزم واملأذون فيه وحتديد أدوات االجتهاد يف‬
‫كل منهما وأدلته ومصادره بشكل واضح ودقيق يؤكد – عملياً – مشولية‬
‫الشريعة اإلسالمية ومرونتها وصالحيتها ملختلف األزمنة واألمكنة‬
‫واألحوال‪ ،‬مبا حيفظ قدسيتها ومبا مينح اإلنسان املسلم الرباين حريةً كبريةً‬
‫يف تنظيم شؤون حياته والتأقلم مع مجيع املستجدات‪ ،‬ومبا يسقط دعاوى‬
‫العلمانية وجيردها من أهم وسائلها يف حماربة التشريع اإلسالمي‪.‬‬
‫وهللا تعالى من وراء القصد وهو يهدي السبيل‪.‬‬

‫‪367‬‬
‫الفهارس العامة‬
‫فهرس اآليات القرآنية‬
‫الصفحة‬ ‫رقمها السورة رقمها‬ ‫طرف اآلية‬
‫‪294‬‬ ‫‪2‬‬ ‫البقرة‬ ‫‪23‬‬
‫وإنْ ُك ْنتُ ْم فِي َر ْي ٍ‬
‫ب مما نزانا على ع ْب ِدنَا‬
‫‪349‬‬ ‫‪2‬‬ ‫البقرة‬ ‫‪78‬‬
‫و ِم ْن ُه ْم ُأ ِّميُّونَ ال يَ ْعلَ ُمونَ ا ْل ِكت َ‬
‫َاب ِإاَّل َأ َمانِ َّي‬
‫‪347‬‬ ‫‪2‬‬ ‫البقرة‬ ‫‪104‬‬
‫يَا َأيُّ َها الَّ ِذينَ آ َمنُوا ال تَقُولُوا َرا ِعنَا َوقُولُوا ا ْنظُ ْرنَا‬
‫‪152‬‬ ‫‪2‬‬ ‫البقرة‬ ‫‪127‬‬
‫وَِإ ْذ يَ ْرفَ ُع ِإ ْب َرا ِهي ُم ا ْلقَ َو ِ‬
‫اع َد ِمنَ ا ْلبَ ْي ِ‬
‫ت‬
‫‪397‬‬ ‫‪2‬‬ ‫البقرة‬ ‫‪132‬‬
‫اصطَفَى لَ ُك ُم الدِّينَ‬
‫ِإنَّ هَّللا َ ْ‬
‫‪159‬‬ ‫‪2‬‬ ‫البقرة‬ ‫‪173‬‬
‫اغ َوال عَا ٍد فَال ِإ ْث َم َعلَ ْي ِه‬
‫اضطُ َّر َغ ْي َر بَ ٍ‬
‫فَ َم ِن ْ‬
‫‪55‬‬ ‫‪2‬‬ ‫البقرة‬ ‫‪185‬‬
‫س َر َوال يُ ِري ُد بِ ُك ُم ا ْل ُع ْ‬
‫س َر‬ ‫َ يُ ِري ُد هَّللا ُ بِ ُك ُم ا ْليُ ْ‬
‫‪185‬‬ ‫‪2‬‬ ‫البقرة‬ ‫‪185‬‬
‫س َر َوال يُ ِري ُد بِ ُك ُم ا ْل ُع ْ‬
‫س َر‬ ‫َ يُ ِري ُد هَّللا ُ بِ ُك ُم ا ْليُ ْ‬
‫‪232-232‬‬ ‫‪2‬‬ ‫البقرة‬ ‫‪193‬‬
‫َحتَّى ال تَ ُكونَ فِ ْتنَةٌ َويَ ُكونَ الدِّينُ هَّلِل‬
‫‪246‬‬ ‫‪2‬‬ ‫البقرة‬ ‫‪231‬‬
‫سا َء فَبَلَ ْغنَ َأ َجلَ ُهنَّ‬
‫وَِإ َذا طَلَّ ْقتُ ُم النِّ َ‬
‫‪14‬‬ ‫‪2‬‬ ‫البقرة‬ ‫‪275‬‬
‫َوَأ َح َّل هَّللا ُ ا ْلبَ ْي َع َو َح َّر َم ال ِّربا‬
‫‪185‬‬ ‫‪2‬‬ ‫البقرة‬ ‫‪286‬‬
‫ال يُ َكلِّفُ هَّللا ُ نَ ْفسا ً ِإاَّل ُو ْ‬
‫س َع َها‬
‫‪230‬‬ ‫‪3‬‬
‫آل‬ ‫‪20‬‬
‫عمران‬ ‫اجوكَ فَقُ ْل َأ ْ‬
‫سلَ ْمتُ َو ْج ِه َي هَّلِل ِ َو َم ِن اتَّبَ َع ِن‬ ‫فَِإنْ َح ُّ‬
‫‪239‬‬ ‫‪3‬‬
‫آل‬ ‫‪103‬‬
‫عمران‬ ‫ص ُموا بِ َح ْب ِل هَّللا ِ َج ِميعا ً َوال تَفَ َّرقُوا‬
‫َوا ْعتَ ِ‬
‫‪387‬‬ ‫‪3‬‬
‫آل‬ ‫‪106‬‬
‫عمران‬ ‫َوال تَ ُكونُوا َكالَّ ِذينَ تَفَ َّرقُوا َو ْ‬
‫اختَلَفُوا‬
‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬
‫آل‬ ‫‪110‬‬
‫عمران‬ ‫ُك ْنتُ ْم َخ ْي َر ُأ َّم ٍة ُأ ْخ ِر َجتْ لِلنَّا ِ‬
‫س‬

‫‪368‬‬
‫‪36‬‬ ‫‪3‬‬
‫آل‬ ‫‪150‬‬
‫عمران‬ ‫َوشَا ِو ْر ُه ْم فِي اَأْل ْمر‬

‫الصفحة‬ ‫رقمها‬ ‫السورة‬ ‫رقمها‬


‫الصفحة‬ ‫رقمها السورة رقمها‬

‫‪246‬‬ ‫‪4‬‬ ‫النساء‬ ‫‪12‬‬


‫ار‬ ‫صى بِ َها َأ ْو َد ْي ٍن َغ ْي َر ُم َ‬
‫ض ٍّ‬ ‫صيَّ ٍة يُو َ‬
‫ِمنْ بَ ْع ِد َو ِ‬
‫‪73‬‬ ‫‪4‬‬ ‫النساء‬ ‫‪24‬‬
‫ضةً‬ ‫ستَ ْمتَ ْعتُ ْم بِ ِه ِم ْن ُهنَّ فَآتُوهُنَّ ُأ ُج َ‬
‫ورهُنَّ فَ ِري َ‬ ‫فَ َما ا ْ‬
‫‪347‬‬ ‫‪4‬‬ ‫النساء‬ ‫‪46‬‬
‫ِمنَ الَّ ِذينَ هَادُوا يُ َح ِّرفُونَ ا ْل َكلِ َم عَنْ َم َوا ِ‬
‫ض ِع ِه‬
‫‪46‬‬ ‫‪4‬‬ ‫النساء‬ ‫‪48‬‬
‫ش َر َك بِ ِه‬‫ِإنَّ هَّللا َ ال يَ ْغفِ ُر َأنْ يُ ْ‬
‫سو َل َوُأولِي‬
‫يَا َأ ُّي َها الَّ ِذينَ آ َمنُوا َأ ِطي ُعوا هَّللا َ َوَأ ِطي ُعوا ال َّر ُ‬
‫‪380‬‬ ‫‪4‬‬ ‫النساء‬ ‫‪59‬‬
‫اَأْل ْم ِر‬
‫‪48‬‬ ‫‪4‬‬ ‫النساء‬ ‫‪80‬‬
‫سو َل فَقَ ْد َأطَا َع هَّللا َ‬‫َمنْ يُ ِط ِع ال َّر ُ‬
‫س بِ َما َأ َرا َك‬
‫ق لِت َْح ُك َم بَيْنَ النَّا ِ‬ ‫ِإنَّا َأ ْن َز ْلنَا ِإلَ ْيكَ ا ْل ِكت َ‬
‫َاب بِا ْل َح ِّ‬
‫‪284-36‬‬ ‫‪4‬‬ ‫النساء‬ ‫‪105‬‬
‫هَّللا‬
‫‪55-19‬‬ ‫‪5‬‬ ‫المائدة‬ ‫‪3‬‬
‫ا ْليَ ْو َم َأ ْك َم ْلتُ لَ ُك ْم ِدينَ ُك ْم َوَأ ْت َم ْمتُ َعلَ ْي ُك ْم نِ ْع َمتِي‬
‫‪363-283-17‬‬ ‫‪5‬‬ ‫المائدة‬ ‫‪48‬‬
‫ش ْر َعةً َو ِم ْن َهاجا ً‬
‫لِ ُك ٍّل َج َع ْلنَا ِم ْن ُك ْم ِ‬
‫‪292‬‬ ‫‪5‬‬ ‫المائدة‬ ‫‪82‬‬
‫َولَتَ ِجدَنَّ َأ ْق َربَ ُه ْم َم َو َّدةً لِلَّ ِذينَ آ َمنُوا الَّ ِذينَ قَالُوا ِإنَّا نَ َ‬
‫صا َرى‬
‫سَألوا عَنْ َأ ْ‬
‫شيَا َء ِإنْ تُ ْب َد لَ ُك ْم‬ ‫يَا َأ ُّي َها الَّ ِذينَ آ َمنُوا ال تَ ْ‬
‫‪404-56‬‬ ‫‪5‬‬ ‫المائدة‬ ‫‪101‬‬
‫سْؤ ُك ْم‬
‫تَ ُ‬
‫‪408‬‬ ‫‪6‬‬ ‫األنعام‬ ‫‪38‬‬
‫َيء‬ ‫َما فَ َّر ْطنَا ِفي ا ْل ِكتَا ِ‬
‫ب ِمنْ ش ْ‬
‫‪69‬‬ ‫‪6‬‬ ‫األنعام‬ ‫‪57‬‬
‫ِإ ِن ا ْل ُح ْك ُم ِإاَّل هَّلِل‬
‫‪333‬‬ ‫‪6‬‬ ‫األنعام‬ ‫‪79-75‬‬
‫ت َواَأْل ْر ِ‬
‫ض‬ ‫اوا ِ‬ ‫َو َك َذلِ َك نُ ِري ِإ ْب َرا ِهي َم َملَ ُكوتَ ال َّ‬
‫س َم َ‬
‫‪414‬‬ ‫‪7‬‬
‫األعرا‬ ‫‪172‬‬
‫ف‬ ‫وَِإ ْذ َأ َخ َذ َربُّكَ ِمنْ بَنِي آ َد َم ِمنْ ظُ ُهو ِر ِه ْم ُذ ِّريَّتَ ُه ْم‬
‫‪57‬‬ ‫‪8‬‬ ‫األنفال‬ ‫‪41‬‬
‫َي ٍء فََأنَّ هَّلِل ِ ُخ ُم َ‬
‫سهُ‬ ‫َوا ْعلَ ُموا َأنَّ َما َغنِ ْمتُ ْم ِمنْ ش ْ‬
‫‪41‬‬ ‫‪8‬‬ ‫األنفال‬ ‫‪67‬‬
‫َما َكانَ لِنَبِ ٍّي َأنْ يَ ُكونَ لَهُ َأ ْ‬
‫س َرى‬
‫الصفحة‬ ‫رقمها السورة رقمها‬ ‫طرف اآلية‬

‫‪369‬‬
‫‪411-409-387‬‬ ‫‪9‬‬ ‫التوبة‬ ‫‪31‬‬
‫ات ََّخ ُذوا َأ ْحبَا َر ُه ْم َو ُر ْهبَانَ ُه ْم َأ ْربَابا ً ِمنْ دُو ِن هَّللا‬
‫‪232‬‬ ‫‪9‬‬ ‫التوبة‬ ‫‪33‬‬
‫سولَهُ بِا ْل ُهدَى َو ِدي ِن ا ْل َح ِّ‬
‫ق‬ ‫ُه َو الَّ ِذي َأ ْر َ‬
‫س َل َر ُ‬
‫‪189‬‬ ‫‪9‬‬ ‫التوبة‬ ‫‪42‬‬
‫سفَراً قَ ِ‬
‫اصداً اَل تَّبَ ُعوكَ‬ ‫لَ ْو َكانَ َع َرضا ً قَ ِريبا ً َو َ‬
‫‪41‬‬ ‫‪9‬‬ ‫التوبة‬ ‫‪43‬‬
‫َعفَا هَّللا ُ َع ْن َك لِ َم َأ ِذ ْنتَ لَ ُه ْم‬
‫‪46‬‬ ‫‪9‬‬ ‫التوبة‬ ‫‪80‬‬ ‫ستَ ْغفِ ْر لَ ُه ْم َ‬
‫س ْب ِعينَ‬ ‫ستَ ْغفِ ْر لَ ُه ْم َأ ْو ال تَ ْ‬
‫ستَ ْغفِ ْر لَ ُه ْم ِإنْ تَ ْ‬ ‫ا ْ‬
‫َم َّرةً‬
‫‪47-46‬‬ ‫‪9‬‬ ‫التوبة‬ ‫‪84‬‬
‫ُص ِّل َعلَى َأ َح ٍد ِم ْن ُه ْم َماتَ َأبَداً َوال تَقُ ْم َعلَى قَ ْب ِر ِه‬
‫َوال ت َ‬
‫‪46-45‬‬ ‫‪9‬‬ ‫التوبة‬ ‫‪113‬‬
‫َما َكانَ لِلنَّبِ ِّي َوالَّ ِذينَ آ َمنُوا َأنْ يَ ْ‬
‫ستَ ْغفِ ُروا لِ ْل ُم ْ‬
‫ش ِر ِكينَ‬
‫‪38‬‬ ‫‪10‬‬ ‫يونس‬ ‫‪15‬‬
‫ِإنْ َأتَّبِ ُع ِإاَّل َما يُ َ‬
‫وحى ِإلَ ّي‬
‫‪294‬‬ ‫‪10‬‬ ‫يونس‬ ‫‪38‬‬
‫َأ ْم يَقُولُونَ ا ْفت ََراهُ قُ ْل فَْأتُوا بِ ُ‬
‫سو َر ٍة ِم ْثلِـــــــــــــــــ ِه‬
‫‪242‬‬ ‫‪10‬‬ ‫يونس‬ ‫‪57‬‬
‫يَا َأيُّ َها النَّ ُ‬
‫اس قَ ْد َجا َء ْت ُك ْم َم ْو ِعظَةٌ ِمنْ َربِّ ُك ْم َو ِ‬
‫شفَاء‬
‫‪294‬‬ ‫‪11‬‬ ‫هود‬ ‫‪13‬‬
‫َأ ْم يَقُولُونَ ا ْفتَ َراهُ قُ ْل فَْأتُوا بِ َع ْ‬
‫س َو ٍر ِم ْثلِ ِه ُم ْفت ََريَا ٍ‬
‫ت‬ ‫ش ِر ُ‬
‫‪348‬‬ ‫‪12‬‬ ‫يوسف‬ ‫‪1‬‬
‫ب ا ْل ُمبِي ِن‬
‫الر تِ ْل َك آيَاتُ ا ْل ِكتَا ِ‬
‫‪345-342‬‬ ‫‪12‬‬ ‫يوسف‬ ‫‪2‬‬
‫ِإنَّا َأ ْنزَ ْلنَاهُ قُ ْرآنا ً َع َربِيّا ً لَ َعلَّ ُك ْم تَ ْعقِلُونَ‬
‫‪30‬‬ ‫‪13‬‬ ‫الرعد‬ ‫‪11‬‬
‫ِإنَّ هَّللا َ ال يُ َغيِّ ُر َما بِقَ ْو ٍم َحتَّى يُ َغيِّ ُروا َما بَِأ ْنفُ ِ‬
‫س ِه ْم‬
‫‪342‬‬ ‫‪14‬‬ ‫إبراهيم‬ ‫‪4‬‬
‫سا ِن قَ ْو ِم ِه لِيُبَيِّنَ لَ ُه ْم‬ ‫َو َما َأ ْر َ‬
‫س ْلنَا ِمنْ َر ُ‬
‫سو ٍل ِإاَّل بِلِ َ‬
‫‪152‬‬ ‫‪16‬‬ ‫النحل‬ ‫‪26‬‬
‫فََأتَى هَّللا ُ بُ ْنيَانَ ُه ْم ِمنَ ا ْلقَ َو ِ‬
‫اع ِد‬
‫‪309-117‬‬ ‫‪16‬‬ ‫النحل‬ ‫‪44‬‬
‫س َما نُ ِّز َل ِإلَ ْي ِه ْم‬ ‫َوَأ ْن َز ْلنَا ِإلَ ْي َك ِّ‬
‫الذ ْك َر لِتُبَيِّنَ لِلنَّا ِ‬
‫الصفحة‬ ‫رقمها‬ ‫رقمها السورة‬ ‫طرف اآلية‬

‫‪284‬‬ ‫‪16‬‬ ‫النحل‬ ‫‪64‬‬


‫َو َما َأ ْن َز ْلنَا َعلَ ْيكَ ا ْل ِكت َ‬
‫َاب ِإاَّل لِتُبَيِّنَ لَ ُهم‬
‫‪408‬‬ ‫‪16‬‬ ‫النحل‬ ‫‪89‬‬
‫َونَ َّز ْلنَا َعلَ ْيكَ ا ْل ِكت َ‬
‫َاب تِ ْبيَانا ً لِ ُك ِّل ش ْ‬
‫َي ٍء‬

‫‪370‬‬
‫‪342‬‬ ‫‪16‬‬ ‫النحل‬ ‫‪103‬‬
‫سانُ الَّ ِذي يُ ْل ِحدُونَ ِإلَ ْي ِه َأع َْج ِم ٌّي‬
‫لِ َ‬
‫‪386‬‬ ‫‪17‬‬ ‫اإلسراء‬ ‫‪36‬‬
‫س لَ َك بِ ِه ِع ْل ٌم‬
‫َوال تَ ْقفُ َما لَ ْي َ‬
‫‪25‬‬ ‫‪18‬‬ ‫الكهف‬ ‫‪22‬‬
‫ت فِي ِه ْم ِم ْن ُه ْم َأ َحداً‬
‫ستَ ْف ِ‬
‫َوال تَ ْ‬
‫‪347-345‬‬ ‫‪19‬‬ ‫مريم‬ ‫‪97‬‬
‫سانِكَ لِتُبَش َِّر بِ ِه ا ْل ُمتَّقِينَ‬ ‫فِإنَّ َما يَ َّ‬
‫س ْرنَاهُ بِلِ َ‬
‫‪223‬‬ ‫‪21‬‬ ‫األنبياء‬ ‫‪35‬‬
‫ش ِّر َوا ْل َخ ْي ِر فِ ْتنَةً‬
‫َونَ ْبلُو ُك ْم بِال َّ‬
‫‪191‬‬ ‫‪21‬‬ ‫األنبياء‬ ‫‪61‬‬
‫س َما َء َواَأْل ْر َ‬
‫ض َو َما بَ ْينَ ُه َما ال ِعبِينَ‬ ‫َو َما َخلَ ْقنَا ال َّ‬
‫‪417‬‬ ‫‪21‬‬ ‫األنبياء‬ ‫‪107‬‬
‫َو َما َأ ْر َ‬
‫س ْلنَا َك ِإاَّل َر ْح َمةً لِ ْل َعالَ ِمينَ‬
‫‪185-55‬‬ ‫‪22‬‬ ‫الحج‬ ‫‪78‬‬
‫ج‬ ‫َو َما َج َع َل َعلَ ْي ُك ْم فِي الد ِ‬
‫ِّين ِمنْ َح َر ٍ‬
‫‪287‬‬ ‫‪24‬‬ ‫النور‬ ‫‪30‬‬
‫وج ُه ْم‬ ‫ضوا ِمنْ َأ ْب َ‬
‫صا ِر ِه ْم َويَ ْحفَظُوا_ فُ ُر َ‬ ‫قُ ْل لِ ْل ُمْؤ ِمنِينَ يَ ُغ ُّ‬
‫‪287‬‬ ‫‪24‬‬ ‫النور‬ ‫‪31‬‬
‫ضنَ ِمنْ َأ ْب َ‬
‫صا ِر ِهنَّ‬ ‫َوقُ ْل لِ ْل ُمْؤ ِمنَا ِ‬
‫ت يَ ْغ ُ‬
‫ض ْ‬
‫‪345-342‬‬ ‫‪26‬‬
‫الشعرا‬ ‫‪195‬‬
‫ء‬ ‫سا ٍن َع َربِ ٍّي ُمبِي ٍن‬
‫بِلِ َ‬
‫‪27‬‬ ‫‪28‬‬
‫القص‬ ‫‪50‬‬
‫ص‬ ‫ستَ ِجيبُوا لَ َك فَا ْعلَ ْم َأنَّ َما يَتَّبِعُونَ َأ ْه َوا َء ُه ْم‬
‫فَِإنْ لَ ْم يَ ْ‬
‫‪45‬‬ ‫‪28‬‬
‫القص‬ ‫‪56‬‬
‫ص‬ ‫ِإنَّ َك ال تَ ْه ِدي َمنْ َأ ْحبَبْتَ‬
‫‪227‬‬ ‫‪29‬‬
‫العنكبو‬ ‫‪2‬‬
‫ت‬ ‫اس َأنْ يُ ْت َر ُكوا َأنْ يَقُولُوا آ َمنَّا َو ُه ْم ال يُ ْفتَنُونَ‬
‫س َب النَّ ُ‬ ‫َأ َح ِ‬
‫‪414‬‬ ‫‪30‬‬ ‫الروم‬ ‫‪30‬‬ ‫فََأقِ ْم َو ْج َه َك لِلدِّي ِن َحنِيفا ً فِ ْط َرتَ هَّللا ِ الَّتِي فَطَ َر النَّ َ‬
‫اس‬
‫َعلَ ْي َها‬
‫الصفحة‬ ‫رقمها السورة رقمها‬ ‫طرف اآلية‬

‫‪189‬‬ ‫‪31‬‬ ‫لقمان‬ ‫‪18‬‬


‫شيِ َك‬ ‫َوا ْق ِ‬
‫ص ْد فِي َم ْ‬
‫‪353‬‬ ‫‪33‬‬
‫األحزل‬ ‫‪26‬‬
‫ب‬ ‫سولُهُ َأ ْمراً‬ ‫َو َما َكانَ لِ ُمْؤ ِم ٍن َوال ُمْؤ ِمنَ ٍة ِإ َذا قَ َ‬
‫ضى هَّللا ُ َو َر ُ‬
‫‪286‬‬ ‫‪33‬‬
‫األحزا‬ ‫‪59‬‬
‫ب‬ ‫سا ِء ا ْل ُمْؤ ِمنِينَ‬ ‫يَا َأيُّ َها النَّبِ ُّي قُ ْل َأِل ْز َو ِ‬
‫اج َك َوبَنَاتِكَ َونِ َ‬

‫‪371‬‬
‫‪416‬‬ ‫‪34‬‬ ‫سبأ‬ ‫‪16-15‬‬
‫س َكنِ ِه ْ_م آيَةٌ َجنَّت ِ‬
‫َان‬ ‫لَقَ ْد َكانَ لِ َ‬
‫سبٍَأ فِي َم ْ‬
‫‪308‬‬ ‫‪34‬‬ ‫سبأ‬ ‫‪28‬‬
‫شيراً َونَ ِذيراً‬
‫س بَ ِ‬ ‫َو َما َأ ْر َ‬
‫س ْلنَا َك ِإاَّل َكافَّةً لِلنَّا ِ‬
‫‪415‬‬ ‫‪35‬‬ ‫فاطر‬ ‫‪44‬‬
‫سي ُروا فِي اَأْل ْر ِ‬
‫ض فَيَ ْنظُ ُروا‬ ‫َأ َولَ ْم يَ ِ‬
‫‪25‬‬ ‫‪37‬‬
‫الصافا‬ ‫‪11‬‬
‫ت‬ ‫ش ُّد َخ ْلقا ً َأ ْم َمنْ َخلَ ْقنَا‬
‫ستَ ْفتِ ِه ْم َأ ُه ْم َأ َ‬
‫فَا ْ‬
‫‪378‬‬ ‫‪41‬‬ ‫فصلت‬ ‫‪53‬‬
‫اق َوفِي َأ ْنفُ ِ‬
‫س ِه ْ_م‬ ‫سنُ ِري ِه ْم آيَاتِنَا فِي اآْل فَ ِ‬
‫َ‬
‫‪410-409-387‬‬ ‫‪42‬‬
‫الشور‬ ‫‪21‬‬
‫ى‬ ‫ِّين َما لَ ْم يَْأ َذنْ بِ ِه هَّللا ُ‬ ‫َأ ْم لَ ُه ْم ش َُر َكا ُء َ‬
‫ش َرعُوا لَ ُه ْم ِمنَ الد ِ‬
‫‪411-410‬‬ ‫‪42‬‬
‫الشور‬ ‫‪38‬‬
‫ى‬ ‫َوَأ ْم ُر ُه ْم ش َ‬
‫ُورى بَ ْينَ ُه ْم‬
‫‪17‬‬ ‫‪45‬‬ ‫الجاثية‬ ‫‪18‬‬
‫ش ِري َع ٍة ِمنَ اَأْل ْم ِر فَاتَّبِ ْع َها‬
‫ثُ َّم َج َع ْلنَا َك َعلَى َ‬
‫‪417‬‬ ‫‪45‬‬ ‫الجاثية‬ ‫‪20‬‬
‫ى َو َر ْح َمةٌ لِقَ ْو ٍم يُوقِنُونَ‬ ‫َه َذا بَ َ‬
‫صاِئ ُر لِلنَّا ِ‬
‫س َوهُد ً‬
‫‪368‬‬ ‫‪49‬‬
‫الحجرا‬ ‫‪1‬‬
‫ت‬ ‫يَا َأيُّ َها الَّ ِذينَ آ َمنُوا ال تُقَ ِّد ُموا بَيْنَ يَد ِ‬
‫َي هَّللا ِ َو َر ُ‬
‫سولِ ِه‬
‫‪227-223-191‬‬ ‫‪51‬‬
‫الذاريا‬ ‫‪56‬‬
‫ت‬ ‫َو َما َخلَ ْقتُ ا ْل ِجنَّ َواِأْل ْن َ‬
‫س ِإاَّل لِيَ ْعبُد ِ‬
‫ُون‬
‫‪38‬‬ ‫‪53‬‬ ‫النجم‬ ‫‪4‬‬
‫ق َع ِن ا ْل َه َوى ِإنْ ُه َو ِإاَّل َو ْح ٌي يُ َ‬
‫وحى‬ ‫َو َما يَ ْن ِط ُ‬
‫‪347‬‬ ‫‪54‬‬ ‫القمر‬ ‫‪17‬‬
‫س ْرنَا ا ْلقُ ْرآنَ لِ ِّ‬
‫لذ ْك ِر فَ َه ْل ِمنْ ُم َّد ِك ٍر‬ ‫َولَقَ ْد يَ َّ‬
‫‪332‬‬ ‫‪56‬‬ ‫الواقعة‬ ‫‪76-75‬‬
‫س ٌم لَ ْو تَ ْعلَ ُمونَ َع ِظي ٌم‬
‫وم وَِإنَّهُ لَقَ َ‬ ‫فَال ُأ ْق ِ‬
‫س ُم بِ َم َواقِ ِع النُّ ُج ِ‬

‫الصفحة‬ ‫السورة رقمها‬


‫رق‬ ‫طرف اآلية‬

‫مها‬
‫‪284‬‬ ‫‪57‬‬ ‫الحديد‬ ‫‪25‬‬
‫ت َوَأ ْن َز ْلنَا َم َع ُه ُم ا ْل ِكت َ‬
‫َاب َوا ْل ِمي َزانَ‬ ‫سلَنَا بِا ْلبَيِّنَا ِ‬ ‫لَقَ ْد َأ ْر َ‬
‫س ْلنَا ُر ُ‬
‫‪36‬‬ ‫‪59‬‬ ‫الحشر‬ ‫‪2‬‬
‫فَا ْعتَبِ ُروا يَا ُأولِي اَأْل ْب َ‬
‫صار‬
‫‪380-48‬‬ ‫‪59‬‬ ‫الحشر‬ ‫‪7‬‬
‫سو ُل فَ ُخ ُذوهُ َو َما نَ َها ُك ْم َع ْنهُ فَا ْنتَ ُهوا‬
‫َو َما آتَا ُك ُم ال َّر ُ‬

‫‪372‬‬
‫‪58‬‬ ‫‪59‬‬ ‫الحشر‬ ‫‪7‬‬
‫سولِ ِه ِمنْ َأ ْه ِل ا ْلقُ َرى‬
‫َما َأفَا َء هَّللا ُ َعلَى َر ُ‬
‫‪349‬‬ ‫‪62‬‬ ‫الجمعة‬ ‫‪2‬‬
‫ُه َو الَّ ِذي بَ َع َث فِي اُأْل ِّميِّينَ َر ُ‬
‫سوالً ِم ْن ُه ْم‬
‫‪43‬‬ ‫‪65‬‬ ‫الطالق‬ ‫‪6‬‬
‫أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم‬
‫‪28‬‬ ‫‪71‬‬ ‫نوح‬ ‫‪14-13‬‬
‫َما لَ ُك ْم ال ت َْر ُجونَ هَّلِل ِ َوقَاراً َوقَ ْد َخلَقَ ُك ْم َأ ْط َواراً‬
‫‪332‬‬ ‫‪96‬‬ ‫العلق‬ ‫‪1‬‬
‫سانَ ِمنْ َعلَ ٍ‬
‫ق‬ ‫ق َخلَ َ‬
‫ق اِأْل ْن َ‬ ‫ا ْق َرْأ بِا ْ‬
‫س ِم َربِّ َك الَّ ِذي َخلَ َ‬
‫‪333‬‬ ‫‪96‬‬ ‫العلق‬ ‫‪3‬‬
‫ا ْق َرْأ َو َربُّكَ اَأْل ْك َر ُم‬

‫‪373‬‬
‫فهرس‬
‫األحاديث النبوية الشريفة‬

‫الصفحة‬ ‫طرف الحديث‬

‫‪411‬‬ ‫أتيت النبي صلى هللا عليه وسلم وفي عنقي صليب‬

‫‪242‬‬ ‫إذا حكم احلاكم فاجتهد فأصاب فله أجران‬

‫‪43‬‬
‫أما أبو جهم فال يضع عصاه على عاتقه‬
‫‪411‬‬ ‫أما إهنم مل يكونو يعبدوهنم‬
‫‪404‬‬ ‫إن أعظم املسلمني يف املسلمني جرماً‬
‫‪404-386‬‬ ‫إن اهلل حد حدوداً فال تعتدوها‬
‫‪27‬‬ ‫إن اهلل ال يقبض العلم انتزاعاً‪F‬‬
‫‪29‬‬ ‫إن اهلل يبعث هلذه األمة‬
‫‪36‬‬ ‫إن لك من األجر على قدر نصبك‬
‫‪40‬‬ ‫أنتم أعلم بأمور دنياكم‬
‫‪381‬‬ ‫إنك تأيت قوماً أهل كتاب فادعهم‬
‫‪42‬‬ ‫إنكم ختتصمون إيل‬
‫‪40‬‬ ‫إمنا أنا بشر إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به‬
‫‪153‬‬ ‫إمنا األعمال بالنيات وإمنا لكل امرئ ما نوى‬
‫‪47‬‬ ‫إين خريت فاخرتت‪ ،‬لو أعلم أين إن زدت‬
‫‪45‬‬ ‫أي عم ‪ ،‬قل ال إله إال اهلل كلمة أحاج لك هبا‬
‫‪166‬‬ ‫ادرأوا احلدود عن عباد اهلل ما استطعتم‬
‫‪398‬‬ ‫ادعوا املسلمني بأمسائهم‪ ،‬مبا امساهم اهلل‬
‫‪43‬‬ ‫انكحي أسامة‬
‫‪40‬‬ ‫بل هو الرأي واحلرب واملكيدة‬

‫‪374‬‬
‫‪166‬‬ ‫البينة على من ادعى‬
‫‪43‬‬
‫تلك امرأة يغشاها أصحايب‬
‫الصفحة‬ ‫الصفحة‬ ‫طرف الحديث‬
‫‪205‬‬ ‫هتادوا حتابوا‬
‫‪51‬‬ ‫نهيتكم عن زيارة القبور‪ ،‬فزروها‬
‫‪247-51‬‬ ‫الثلث والثلث كثري‬
‫‪29‬‬ ‫جددوا إميانكم‬
‫‪56‬‬ ‫احلمد هلل الذي وفق رسول رسول اهلل‬
‫‪404-386‬‬ ‫ذروين ما تركتكم‪ ،‬فإمنا هلك من كان قبلكم‬
‫‪14‬‬ ‫رب حامل فقه غري فقيه‬
‫‪60‬‬ ‫مسعت رسول اهلل يعطيها السدس‬
‫‪154‬‬ ‫ُشكي إىل النيب صلى اهلل عليه وسلم الرجل خييل‬
‫‪49‬‬ ‫صدق فأعطه إياه‬
‫‪40‬‬ ‫فإين إمنا ظننت ظنا‬
‫‪39‬‬ ‫قدم النيب صلى اهلل عليه وسلم املدينة‪ F‬وهم يأبرون‪F‬‬
‫‪374‬‬ ‫قرين مث الذين يلوهنم‬
‫‪56‬‬ ‫كيف تقضي‪ F‬إذا عرض لك قضاء‬
‫‪380‬‬ ‫ألبعثن إليكم رجالً أميناً حق أمني‬
‫‪45‬‬ ‫ألستغفرن لك ما مل أنه عنه‬
‫‪247‬‬ ‫ال جتوز وصية لوارث‬
‫‪243-237-167-166‬‬ ‫ال ضرر وال ضرار‬
‫‪195‬‬ ‫ال حيل دم امرئ مسلم إال بإحدى معان ثالث‬
‫‪194‬‬ ‫ال يقضي القاضي وهو غضبان‪F‬‬
‫‪154‬‬ ‫ال ينصرف حىت يسمع صوتاً أو جيد رحياً‬
‫‪41‬‬ ‫لقد أشرت بالرأي‬

‫‪375‬‬
‫الصفحة‬ ‫طرف الحديث‬
‫‪46‬‬ ‫ملا ما ت عبد اهلل بن أيب بن سلول‬
‫‪43‬‬ ‫ليس لك عليه نفقة‬
‫‪411‬‬ ‫ما هذا يا عدي‬
‫‪49‬‬ ‫من قتل قتيالً له عليه بينة فله سلبه‬
‫‪75‬‬ ‫علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار‬
‫من كذب ّ‬
‫‪14‬‬ ‫نضر اهلل امرءاً مسع منا حديثاً‬
‫‪40‬‬ ‫يا رسول اهلل أرأيت هذا املنزل‬

‫‪376‬‬
‫فهرس‬
‫المصادر والمراجع‬
‫أوالً ‪ -‬الكتب‪:‬ـ‬
‫أبو حنيفة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫محمد أبو زهرة‪.‬‬
‫القاهرة دار الفكر العربي‪ .‬ط‪ :‬سنة (‪1997‬م)‪.‬‬
‫إحكام األحكام شرح عمدة األحكام‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫ابن دقيق العيد‪ ،‬تقي الدين‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫إحكام الفصول في أحكام األصول‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫الباجي‪ ،‬أبو الوليد سليمان‪ .‬ت‪ :‬عبد هللا محمد الجبوري‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪.‬ط‪1409( .1 :‬هـ‪1989/‬م)‪.‬‬
‫أحكام القرآن‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫ابن العربي‪ ،‬أبو بكر‪ .‬ت‪ :‬علي محمد البجاوي‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار المعرفة‪.‬‬
‫أحكام القرآن‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫الجصاص‪ ،‬أبو بكر أحمد الرازي‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار الكتاب العربي‪.‬‬
‫اإلحكام في أصول األحكام‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫ابن حزم‪ ،‬أبو محمد علي‪ .‬ت‪ :‬لجنة من العلماء‪.‬‬
‫القاهرة‪ ،‬دار الحديث‪ .‬ط‪1404( .1:‬هـ‪1984/‬م)‪.‬‬
‫األخبار الطوال‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫الدينوري‪ ،‬أبو حنيفة‪ .‬ت‪ :‬عمر فاروق الطباع‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار األرقم‪.‬‬
‫أزمة العقل المسلم‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫عبد الحميد أبو سليمان‪ .‬المعهد العالمي للفكر اإلسالمي‪.‬‬
‫الواليات المتحدة األمريكية‪ .‬ط‪1412( .1:‬هـ‪1991/‬م)‪.‬‬
‫األزهر تاريخه وتطوره‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫وزارة األوقاف وشؤون األزهر‪.‬‬
‫مصر‪1383،‬هـ‪1964/‬م‪.‬‬
‫‪377‬‬
‫أسباب اختالف الفقهاء‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫علي الخفيف‪.‬‬
‫القاهرة‪ ،‬دار الفكر العربي‪1417( .‬هـ‪1997/‬م)‪.‬‬
‫أسد الغابة في معرفة الصحابة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫ابن األثير‪ ،‬عز الدين علي الجزري‪ .‬ت‪ :‬محمد إبراهيم مهنا‬
‫وآخرين‪.‬‬
‫دار الشعب‪.‬‬
‫إسالمية المعرفة (المبادئ العامة‪ ،‬خطة العمل‪ ،‬اإلنجازات)‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫المعهد العالمي للفكر اإلسالمي‪.‬فرجينيا‪ ،‬الواليات المتحدة‬
‫األمريكية‪ .‬ط‪1420( . 3:‬هـ‪2000/‬م)‪.‬‬
‫إسالمية المعرفة بين األمس واليوم‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫طه جابر العلواني‪.‬‬
‫القاهرة‪ .‬المعهد العالمي للفكر اإلسالمي‪.‬ط‪1996(.1:‬م)‪.‬‬
‫إسهام في تاريخ المذهب الحنبلي‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫أحمد بكير محمود‪.‬‬
‫دمشق‪-‬بيروت‪ ،‬دار قتيبــة‪.‬ـ ط‪1411 .1:‬هـ‪1990/‬م)‪.‬‬
‫األشباه والنظائر‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫ابن نجيم الحنفي‪ ،‬زين الدين بن إبراهيم‪ .‬ت‪:‬محمد مطيع الحافظ‪.‬‬
‫دمشق‪ ،‬دار الفكر‪ .‬ط‪1420( .2 :‬هـ‪1999/‬م)‪.‬‬
‫األشباه والنظائر‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫السيوطي‪ ،‬جالل الدين‪ .‬ت‪ :‬خالد عبد الفتاح أبو سليمان‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬مؤسسة الكتب الثقافية‪ .‬ط‪1415( .1 :‬هـ‪1994/‬م)‪.‬‬
‫اإلصابة في تمييز الصحابة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫ابن حجر العسقالني‪ ،‬شهاب الدين‪ ،‬وبهامشه االستيعاب في‬
‫معرفة األصحاب‪ ،‬ابن عبد البر‪.‬‬
‫مؤسسة الرسالة‪ .‬ط‪1328( .1 :‬هـ)‪.‬‬
‫أصول اإلمام الكرخي (ضمن خمس رسائل في كتاب‪" :‬قواعد‬ ‫‪‬‬
‫الفقه")‪ .‬جمع‪:‬المفتي السيد محمد عميم اإلحسان المجددي‬
‫البركتي‪.‬‬
‫كراتشي‪ ،‬الصدف ببلشر‪ .‬ط‪1407( .1 :‬هـ‪1986/‬م) ‪.‬‬
‫أصول السرخسي‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫أبو بكر محمد‪ .‬ت‪ :‬رفيق العجم‪.‬‬
‫بيروت‪ .‬دار المعرفة‪ .‬ط‪1418( .1:‬هـ‪1997/‬م)‪.‬‬
‫‪378‬‬
‫‪ ‬أصول الفقه‪.‬‬
‫محمد أبو زهرة‪.‬‬
‫القاهـرة‪ ،‬دار الفكر العربـي‪ .‬ط‪ :‬عام (‪1997‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬أصول النظام االجتماعي في اإلسالم‪.‬‬
‫محمد الطاهر بن عاشور‪ .‬ت‪ :‬محمد الميساوي‪.‬‬
‫األردن‪ ،‬دار النفائس‪ .‬ط‪1421( .1:‬هـ‪2001/‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬األعالم‪.‬‬
‫خير الدينـ الزركلي‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار العلم للماليـين‪.‬ـ ط‪1984( .6 :‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬أعيان الشيعة‪.‬‬
‫محسن األمين‪ .‬ت‪ :‬حسن األمين‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار التعارف‪1406( .‬هـ)‪.‬‬
‫‪ ‬اإلمام الصادق‪.‬‬
‫محمد أبو زهرة‪.‬‬
‫القاهرة‪ ،‬دار الفكر العربي‪.‬‬
‫‪ ‬اإلمام محمد عبده‪.‬‬
‫أدونيسـ وخالدة سعيد‪ .‬بيروت ‪ ،‬دار العلم للماليين‪ .‬ط‪( .1:‬‬
‫‪1983‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬اإلمام محمد عبده مجدد الدنيا بتجديد الدين‪.‬‬
‫محمد عمارة‪ .‬بيروت‪ ،‬دار الوحدة‪1985( .‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬األوضاع الثقافية في تركيا في القرن الرابع عشر الهجري‪.‬‬
‫(رسالة دكتوراه)‪.‬‬
‫سهيل صابان‪.‬‬
‫المملكة العربيةـ السعودية‪ ،‬جامعة اإلمام محمد بن سعود‪ ،‬كلية‬
‫الشريعـــة‪1415( .‬هـ‪1994/‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬إيضاح المسالك إلى قواعد اإلمام مالك‪.‬‬
‫الونشريسي‪ ،‬أحمد بن يحيى‪ .‬ت‪ :‬الصادق عبد الرحمن الغرياني‪.‬‬
‫طرابلس‪ ،‬منشورات كلية الدعوة اإلسالمية‪ .‬ط‪1991( .1 :‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬اإليمان باهلل وأثره في الحياة‪.‬‬
‫عبد المجيد عمر النجار‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪.‬ط‪1997( .1:‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬ابن تومرت‪.‬‬
‫عبد المجيد النجار‪.‬‬
‫‪379‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار الغرب اإلسالمـــي‪ .‬ط‪1403( .1 :‬هـ‪1983/‬م)‪.‬‬
‫ابن تيمية‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫محمد أبو زهرة‪.‬‬
‫القاهرة‪ ،‬دار الفكر العربي‪.‬‬
‫ابن حزم‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫محمد أبو زهرة‪.‬‬
‫القاهرة‪ ،‬دار الفكر العربي‪.‬‬
‫ابن حنبل‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫محمد أبو زهرة‪.‬‬
‫القاهرة‪ ،‬دار الفكر العربي‪.‬‬
‫االتجاهات الفقهية عند أصحاب الحديث في القرن الثالث‬ ‫‪‬‬
‫الهجري‪.‬‬
‫عبد المجيد محمود عبد المجيد‪.‬‬
‫مصر‪ ،‬مكتبة الخانجي‪1399( .‬هـ‪1979/‬م)‪.‬‬
‫االتجاهات الوطنيةـ في األدب المعاصر‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫محمد محمد حسين‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬مؤسسة الرسالـة‪ .‬ط‪1403( .6:‬هـ‪1983/‬م)‪.‬‬
‫اجتهاد الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫نادية شريف العمري‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ .‬ط‪1408( .4 :‬هـ‪1987/‬م)‪.‬‬
‫االجتهاد في التشريع اإلسالمي‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫محمد سالم مدكور‪.‬‬
‫مصر‪ ،‬دار النهضة العربية‪ .‬ط‪1404( .1:‬هـ‪1984/‬م)‪.‬‬
‫االستقصا ألخبار دول المغرب األقصى‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫الناصري‪ ،‬أبو العباس أحمد بن خالد‪ .‬ت‪ :‬جعفر الناصري‬
‫ومحمد الناصري‪ .‬الدار البيضاء‪ ،‬دار الكتاب‪1418( .‬هـ‪/‬‬
‫‪1997‬م)‪.‬‬
‫االعتصام‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫الشاطبي‪ ،‬أبو إسحاق إبراهيم‪ .‬ت‪ :‬محمد رشيد رضا‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار المعرفة‪ .‬ط‪1982( .1 :‬م)‪.‬‬
‫البحر المحيط في أصول الفقه‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫الزركشي‪ ،‬بدر الدين محمد بن بهادر‪ .‬ت‪ :‬محمد محمد تامر‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ .‬ط‪1421( .1 :‬هـ‪2000/‬م)‪.‬‬
‫‪380‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫ابن رشد‪ ،‬أبو الوليد محمد‪ .‬ت‪ :‬علي محمد معوض وعادل أحمد‬
‫عبد الموجود‪ .‬بيروت‪ ،‬دار الكتب العلميـة‪ .‬ط‪1416( .1 :‬هـ‪/‬‬
‫‪1996‬م)‪.‬‬
‫البدايةـ والنهاية‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫ابن كثير‪ ،‬أبو الفداء إسماعيل‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬مكتبة المعارف‪ .‬ط‪1966( .1:‬م) ‪.‬‬
‫البرهان في أصول الفقه‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫الجويني‪ ،‬إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك‪ .‬ت‪ :‬عبد العظيمـ‬
‫محمود الديب‪ .‬مصر‪ ،‬دار الوفاء‪ .‬ط‪1420( .3 :‬هـ‪1999/‬م)‪.‬‬
‫البعد الزماني والمكاني وأثره في التعامل مع النص الشرعي‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫سعيد بوهراوة‪.‬‬
‫عمان‪ ،‬دار النفائس‪ .‬ط‪1420(.1:‬هـ‪1999/‬م)‪.‬‬
‫بواكير الثقافة اإلسالمية وحركة النقل والترجمة من أواخر القرن‬ ‫‪‬‬
‫األول حتى منتصف القرن الرابع الهجري‪.‬‬
‫عصام الدين محمد علي‪.‬‬
‫اإلسكندرية‪ ،‬دار المعارف‪1986( .‬م)‪.‬‬
‫تاج التراجم‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫ابن قطلوبغا‪ .‬ت‪ :‬إبراهيم صالح‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار المأمون للتراث‪ .‬ط‪1412( .1 :‬هـ‪1992/‬م)‪.‬‬
‫تاريخ ابن خلدون‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫ابن خلدون‪ ،‬عبد الرحمن بن محمد‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬مؤسسة األعلمي‪1391( .‬هـ‪1971/‬م)‪.‬‬
‫تاريخ اإلصالح في األزهر‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫عبد المتعال الصعيدي‪.‬‬
‫ط‪.2:‬‬
‫التاريخ األندلسيـ من الفتح اإلسالمي حتى سقوط غرناطة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫عبد الرحمن علي الحجي‪.‬‬
‫دمشق‪ ،‬دار القلم‪ .‬ط‪1407( .3:‬هـ‪1987/‬م) ‪.‬‬
‫تاريخ التشريع اإلسالمي‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫السبكي‪ ،‬والسايس‪ ،‬والبربري‪ .‬ت‪ :‬عالء الدين زعتري‪.‬‬
‫دمشق‪ ،‬دار العصماء‪ .‬ط‪1417( .1:‬هـ‪1997/‬م)‪.‬‬
‫تاريخ التشريع اإلسالمي‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫‪381‬‬
‫محمد الخضري‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار القلم‪.‬‬
‫‪ ‬تاريخ الجدل‪.‬‬
‫محمد أبو زهرة‪.‬‬
‫القاهرة‪ ،‬دار الفكر العربي‪.‬‬
‫‪ ‬تاريخ الرسل والملوك‪.‬‬
‫لطبري‪ ،‬ابن جرير‪ .‬ت‪ :‬محمد أبو الفضل إبراهيم‪.‬‬
‫القاهرة‪ ،‬دار المعارف‪ .‬ط‪.2 :‬‬
‫‪ ‬تاريخ الفقه اإلسالمي‪.‬‬
‫عمر سليمان األشقر‪.‬‬
‫الجزائر‪ ،‬قصـر الكتـاب‪1990( .‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬تاريخ الفلسفة اليونانية‪.‬‬
‫يوسف كرم‪.‬‬
‫بيروت ‪ ،‬دار القلـــم ‪ .‬ط ‪1977( .1 :‬م) ‪.‬‬
‫‪ ‬تاريخ المذاهب اإلسالمية‪.‬‬
‫محمد أبو زهرة‪ .‬القاهرة‪،‬‬
‫دار الفكر العربي‪ .‬ط‪( :‬سنة ‪1987‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬تاريخ المغرب وحضارته‪.‬‬
‫حسين مؤنس‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار العصر الحديث‪ .‬ط‪1412( .1:‬هـ‪1992/‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬تاريخ بغداد‪.‬‬
‫الخطيب البغدادي‪ ،‬الحافظ أبو بكر أحمد‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫‪ ‬تبصرة الحكام في أصول األقضية ومناهج الحكام‪.‬‬
‫البن فرحون‪ ،‬برهان الدين إبراهيم‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار الكتب العلمية [عن الطبعةـ األولى بمصر لعام‪( :‬‬
‫‪1301‬هـ) ]‪.‬‬
‫‪ ‬تجربة اإلصالح في حركة المهدي بن تومرت‪.‬‬
‫عبد المجيد عمر النجار‪.‬‬
‫فيرجينيا‪ ،‬المعهد العالمي للفكر اإلسالمي‪ .‬ط‪1404( .2 :‬هـ‪/‬‬
‫‪1984‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬تحفة الترك فيما يجب أن يعمل في الملك‪.‬‬
‫الطرسوسي‪ ،‬نجم الدين‪ .‬ت‪ :‬عبد الكريم مطيع الحمداوي‪.‬‬
‫‪382‬‬
‫دمشق – سوريا‪ ،‬دار الشهاب‪ .‬ط‪1421( .1 :‬هـ‪2000/‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي‪.‬‬
‫السيوطي‪ ،‬جالل الدين عبد الرحمن‪.‬ت‪ :‬عبد الوهاب عبد‬
‫اللطيف‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ .‬ط‪.2 :‬‬
‫‪ ‬تذكرة الحفاظ‪.‬‬
‫الذهبي‪ ،‬الحافظ‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪.‬‬
‫‪ ‬التراث والتجديد‪.‬ـ‬
‫حسن حنفي‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار التنوير‪ .‬ط‪1981( .1:‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعالم مذهب مالك‪.‬‬
‫القاضي عياض‪ ،‬أبو الفضل ‪ .‬ت‪ :‬أحمد بكير محمود‪ .‬بيروت‪،‬‬
‫دار مكتبةـ الحياة‪ .‬طرابلس‪-‬ليبيا‪ ،‬دار مكتبة الفكر‪.‬‬
‫‪ ‬التعريفات‪.‬‬
‫الجرجاني‪ ،‬علي بن محمد الشريف‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬مكتبة لبنان‪ .‬ط‪ :‬عام (‪1985‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬التعسف في استعمال الحق‪.‬‬
‫فتحي الدريني‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ .‬ط‪1981( .3 :‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬تعليل األحكام‪.‬‬
‫محمد مصطفى شلبي‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار النهضة العربية‪(.‬ـ‪1401‬هـ‪1981/‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬تفسير آيات األحكام‪.‬‬
‫محمد علي السايس‪.‬‬
‫كلية الشريعة‪ ،‬مطبعة محمد علي صبيح‪.‬‬
‫‪ ‬تفسير التحرير والتنوير‪.‬‬
‫محمد الطاهر بن عاشور‪.‬‬
‫تونس‪ ،‬الدار التونسيةـ للنشر‪ .‬ط‪ :‬سنة (‪1984‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬تفسير المنار‪.‬‬
‫رشيد رضا‪.‬‬
‫القاهرة‪ .‬مكتبة القاهرة‪ .‬ط‪.4:‬‬
‫‪ ‬تفسير النصوص في الفقه اإلسالمي‪.‬‬
‫‪383‬‬
‫محمد أديب صالح‪.‬‬
‫دمشق ‪ ،‬جامعة دمشق‪ .‬ط‪1384( .1:‬هـ‪1964/‬م)‪.‬‬
‫تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫الراغب األصفهاني‪ .‬ت‪ :‬عبد المجيد عمر النجار‪ .‬بيروت‪ ،‬دار‬
‫الغرب اإلسالمي‪ .‬ط‪1408( .1:‬هـ)‪.‬‬
‫تفكير محمد رشيد رضا من خالل مجلة المنار‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫محمد صالح المراكشي‪.‬‬
‫تونس‪ ،‬الدار التونسيةـ للنشر‪1985( .‬م)‪.‬‬
‫تقييد العلمز‬ ‫‪‬‬
‫الخطيب البغدادي‪ .‬ت‪ :‬يوسف العش‪.‬‬
‫دمشق‪ ،‬المعهد الفرنسي للدراسات العربية‪(.‬ـ‪1949‬م)‪.‬‬
‫التمهيد يف ختريج األصول على الفروع‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫األسنوي‪ ،‬مجال الدين‪ .‬ت‪ :‬حممد حسن هيتو‪.‬‬
‫بريوت‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪1401( .‬هـ‪1981/‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬تمهيد لتاريخ الفلسفة‪.‬‬
‫مصطفى عبد الرزا ق‪.‬‬
‫مصر‪ ،‬مطبعة لجنة التأليف والترجمة‪1362( .‬هـ‪1944/‬م) ‪.‬‬
‫‪ ‬التمهيد لما في الموطأ من المعاني واألسانيد‪.‬‬
‫البن عبد البر‪ .‬ت‪ :‬سعيد أعراب‪.‬‬
‫المغرب‪ ،‬وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية‪1409( .‬هـ‪/‬‬
‫‪1989‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬تهافت العلمانية‪.‬‬
‫عماد الدين خليل ‪ .‬بيروت ‪ ،‬مؤسسة الرسالة ‪1403( .‬هـ‪/‬‬
‫‪1983‬م) ‪.‬‬
‫‪ ‬تهذيب التهذيب‪.‬‬
‫العسقالني‪ ،‬ابن حجر‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار صادر‪.‬‬
‫‪ ‬تيسير التحرير‪( .‬وهو شرح على كتاب التحرير البن الهمام‬
‫اإلسكندري)‪.‬‬
‫أمير بادشاه‪ ،‬محمد أمين‪.،‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار الكتب العلمية(توزيع‪:‬دار الباز‪-‬مكة)‪.‬‬
‫‪ ‬جامع العلوم والحكم‪.‬‬

‫‪384‬‬
‫ابن رجب الحنبلي‪.‬‬
‫القاهرة‪ ،‬دار التراث‪.‬‬
‫‪ ‬الجامع ألحكام القرآن‪.‬‬
‫القرطبي‪ ،‬أبو عبد هللا محمد‪.‬‬
‫دار الكتاب العربـي‪ .‬ط‪.2 :‬‬
‫‪ ‬الجدول في إعراب القرآن الكريم وصرفه وبيانه‪.‬‬
‫محمود صافي‪.‬‬
‫دمشق‪-‬بيروت‪ ،‬دار الرشيد‪.‬‬
‫‪ ‬جذوة المقتبس في ذكر والة األندلس‪.‬‬
‫الحميدي‪ ،‬أبو عبد هللا محمد‪ .‬ت‪ :‬محمد بن تاويت الطنجي‪.‬‬
‫القاهرة‪ ،‬مكتبة الخانجي‪.‬‬
‫‪ ‬جمال الدين األفغاني موقظ الشرق وفيلسوف اإلسالم‪.‬‬
‫محمد عمارة‪.‬‬
‫القاهرة‪ ،‬دار المستقبل العربي‪ .‬ط‪1984( .1:‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬جمال الدين األفغاني وأثره في العالم اإلسالمي الحديث‪.‬‬
‫عبد الباسط محمد حسن‪.‬‬
‫القاهرة‪ ،‬مكتبة وهبة‪1982( .‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬الجمع بين القراءتينـ قراءة الوحي وقراءة الكون‪.‬‬
‫طه جابر العلواني‪.‬‬
‫فرجينيا‪ ،‬المعهد العالمي للفكر اإلسالمي‪ .‬ط‪1996( .1:‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬الجواهر المضية في طبقات الحنفية‪.‬ـ‬
‫القرشي‪ ،‬عبد القادر بن محمد‪ .‬ت‪ :‬عبد الفتاح الحلو‪.‬‬
‫مصر ‪ ،‬دار هجر‪ .‬ط‪1413( .2 :‬هـ‪1993/‬م)‪ ،‬ومؤسسة‬
‫الرسالة ‪.‬‬
‫‪ ‬حاشية رد المحتار على الدر المختار‪ :‬شرح تنوير األبصار‪.‬‬
‫البن عابدين‪ ،‬محمد األمين‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار الفكر‪ .‬ط‪ :‬سنة (‪1412‬هـ‪1992/‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬الحاصل من المحصول في أصول الفقه‪.‬‬
‫األرموي‪ ،‬تاج الدين محمد بن الحسين‪ .‬ت‪:‬عبد السالم محمود‬
‫أبو ناجي‪ .‬بنغازي‪ ،‬منشورات جامعة قار يونس‪ .‬ط‪( :‬سنة‬
‫‪1994‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬حجة هللا البالغة‪.‬‬
‫أحمد شاه ولي هللا الدهلوي‪ .‬ت‪ :‬محمد شريف سكر‪.‬‬
‫‪385‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار إحياء العلوم‪ .‬ط‪1413( .2 :‬هـ‪1992/‬م)‪.‬‬
‫حجية السنة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫عبد الغني عبد الخالق‪.‬‬
‫أمريكا‪ ،‬المعهد العالمي للفكر اإلسالمي‪ ،‬ومصر‪ ،‬دار الوفاء‪ .‬ط‪:‬‬
‫‪1418( .3‬هـ‪1997/‬م)‪.‬‬
‫حجية القياس في أصول الفقه‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫عمر مولود عبد الحميد‪.‬‬
‫بنغازي‪ ،‬منشورات جامعة قار يونس‪.‬‬
‫حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫السيوطي‪ ،‬الحافظ جالل الدين‪ .‬ت‪ :‬محمد أبو الفضل إبراهيم‪.‬‬
‫القاهرة‪ ،‬دار الفكر العربي‪1997( .‬م)‪.‬‬
‫حلية األولياءـ وطبقات األصفياء‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫األصفهاني‪ ،‬أبو نعيم أحمد‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ .‬ط‪.4 :‬‬
‫الحملة الفرنسيةـ في مصر بونابرت واإلسالم‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫هنري لورنس وآخرون ‪ ،‬ترجمة‪ :‬بشير السباعي‪ .‬القاهرة‪،‬‬
‫دار سيناء للنشر‪ .‬ط‪1995( .1:‬م)‪.‬‬
‫الخطط المقريزية (كتاب المواعظـ واالعتبار)‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫المقريزي‪ ،‬أبو العباس أحمد المقريزي‪.‬‬
‫القاهرة ‪ ،‬مكتبة الثقافة العربية‪.‬‬
‫خالفة اإلنسان بين الوحي والعقل‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫عبد المجيد عمر النجار‪.‬‬
‫الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬المعهد العالمي للفكر اإلسالمــــي‪.‬‬
‫ط‪1420( .3 :‬هـ‪2000/‬م)‪.‬‬
‫دراسات في الفكر العربي اإلسالمي‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫عرفان عبد الحميد‪.‬‬
‫عمان‪ ،‬دار عمار‪ .‬ط‪1412(.1:‬هـ‪.)1991/‬‬
‫درر الحكام شرح مجلة األحكام‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫علي حيدر‪ .‬تعريب فهمي الحسيني‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار الجيل‪ .‬ط‪1411( .1 :‬هـ‪1991/‬م)‪.‬‬
‫ديوان الشافعي‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫جمع وتعليق‪ :‬محمد عفيف الزعبي‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار الجيل‪ .‬ط‪1392( .3:‬هـ‪1974/‬م)‪.‬‬
‫‪386‬‬
‫‪ ‬الرأي في الفقه اإلسالمي‪.‬‬
‫محمد المختار القاضي‪.‬‬
‫القاهرة‪ ،‬جامعة فؤاد األول‪ .‬ط‪1368( .1 :‬هـ‪1949/‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬الراغب األصفهاني وجهوده في اللغة واألدب‪.‬‬
‫عمر عبد الرحمن الساريسي‪.‬‬
‫عمان‪ ،‬مكتبة األقصى‪1407(.‬هـ‪1987/‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬الرسالة‪.‬‬
‫الشافعي‪ ،‬محمد بن إدريس‪ .‬ت‪ :‬أحمد محمد شاكر‪.‬‬
‫القاهرة‪ ،‬مكتبة مصطفى البابي الحلبي‪ .‬ط‪1358( .1 :‬هـ‪/‬‬
‫‪1940‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬روائع البيان تفسير آيات األحكام‪.‬‬
‫محمد علي الصابوني‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬عالم الكتب‪ .‬ط‪1406( . 1 :‬هـ‪1986/‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬الروض المربع بشرح زاد المستقنع‪.‬‬
‫البهوتي‪ ،‬منصور بن يونس‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬عالم الكتب‪1405( .‬هـ‪1985/‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬زاد المحتاج بشرح المنهاج‪.‬‬
‫الكوهجي‪ ،‬الشيخ عبد هللا‪ .‬ت‪ :‬عبد هللا بن إبراهيم األنصاري‪.‬‬
‫صيدا‪-‬بيروت‪ ،‬المكتبةـ العصريــة‪.‬ـ (‪1409‬هـ‪1988/‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬سبل السالم شرح بلوغ المرام‪.‬‬
‫الصنعاني‪ ،‬محمد بن إسماعيل‪.‬‬
‫بيروت ‪ ،‬دار الجيل‪.‬‬
‫‪ ‬سلسلة الينابيع الفقهية (النكاح)‪.‬‬
‫علي أصغر مرواريد‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬مؤسسة فقه الشيعة‪ .‬ط‪1410( .1 :‬هـ‪1990/‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬السلفية مرحلة زمنية مباركة ال مذهب إسالمي‪.‬‬
‫محمد سعيد رمضان البوطي‪.‬‬
‫دمشق‪ ،‬دار الفكر‪ .‬ط‪1421( .2 :‬هـ‪2000/‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬السنة ومكانتها في التشريع اإلسالمي‪.‬‬
‫مصطفى السباعي‪ .‬بيروت‪ ،‬المكتب اإلسالمي‪ .‬ط‪( .4 :‬‬
‫‪1405‬هـ‪1985/‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬سنن أبي داود‪.‬‬
‫أبو داود سليمان‪ .‬ت‪ :‬محمد محيي الدين عبد الحميد‪.‬‬
‫‪387‬‬
‫صيدا‪-‬بيروت‪ ،‬المكتبةـ العصرية‪.‬‬
‫‪ ‬سنن الدارمي‪.‬‬
‫الدارمي‪ ،‬أبو محمد عبد هللا‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬
‫‪ ‬سنن النسائي بشرح الحافظ السيوطي وحاشية اإلمام السندي‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار إحياء التراث‪.‬‬
‫‪ ‬السياسة الشرعية مصدر للتقنينـ بين النظرية والتطبيق‪.‬ـ‬
‫عبد هللا محمد القاضي‪.‬‬
‫ط‪1410( .1 :‬هـ‪1989/‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬سير أعالم النبالء‪.‬ـ‬
‫الذهبي‪ ،‬شمس الدين محمد‪ .‬ت‪ :‬شعيب األرنـؤوط وآخرين‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ .‬ط‪1414(.10:‬هـ)‪.‬‬
‫‪ ‬السيرة النبوية‬
‫ابن كثير‪ ،‬أبو الفداء إسماعيل‪ .‬ت‪ :‬مصطفى عبد الواحد‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار المعرفة‪1403(.‬هـ‪1983/‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬الشافعي‪.‬‬
‫محمد أبو زهرة‪.‬‬
‫القاهرة‪ ،‬دار الفكر العربي‪.‬‬
‫‪ ‬شجرة النور الزكية‪.‬‬
‫محمد بن مخلوف‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ .‬ط‪( :‬جديدة) عن ط‪ .1 :‬لعام (‬
‫‪1349‬هـ)‪.‬‬
‫‪ ‬شذرات الذهب في أخبار من ذهب‪.‬‬
‫ابن العماد الحنبلي‪ ،‬أبو الفالح عبد الحي‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار اآلفاق الجديدة‪.‬‬
‫‪ ‬شرح الزرقاني على موطأ اإلمام مالك‪.‬‬
‫الزرقاني‪ ،‬محمد بن عبد الباقي‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ .‬ط‪1411( .1 :‬هـ‪1990/‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬شرح اللمع‪.‬‬
‫الشيرازي‪ .‬ت‪ :‬عبد المجيد تركي‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ .‬ط‪1408( .1 :‬هـ‪1988/‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬شرح نهج البالغة‪.‬‬
‫ابن أبي الحديد‪.‬‬
‫‪388‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار األندلس‪.‬‬
‫الشريعة اإلسالمية‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫محمد أبو زهرة‪.‬‬
‫القاهرة‪ ،‬دار الفكر العربي‪.‬‬
‫شفاء الغليلـ في بيان الشبه والمخيل ومسالك التعليل‪.‬ـ‬ ‫‪‬‬
‫الغزالي‪ ،‬أبو حامد محمد‪ .‬ت‪ :‬حمد الكبيسي‪.‬‬
‫بغداد‪ ،‬رئاسة ديوان األوقاف (إحياء التراث اإلسالمي)‪ .‬مطبعة‬
‫اإلرشــاد‪1390( .‬هـ‪1971/‬م)‪.‬‬
‫الصحاح‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫الجوهري‪ ،‬إسماعيل بن حماد‪ .‬ت‪ :‬أحمد عبد الغفور عطار‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار العلم للماليين‪ .‬ط‪1407( .4 :‬هـ‪1980/‬م)‪.‬‬
‫صحيح مسلم ‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫مسلم بن الحجاج النيسابوري‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ .‬ط‪.3 :‬‬
‫ضحى اإلسالم‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫أحمد أمين‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ .‬ط‪.10:‬‬
‫الضوء الالمع ألهل القرن التاسع‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫السخاوي‪ ،‬شمس الدين محمد‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار مكتبة الحياة‪.‬‬
‫ضوابط المصلحة في الشريعة اإلسالمية‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫محمد سعيد رمضان البوطي ‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ .‬ط‪1421( .6:‬هـ‪2000/‬م)‪.‬‬
‫طبقات الشافعية الكبرى‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫السبكي‪ ،‬تاج الدين‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار المعرفة‪ .‬ط‪.2 :‬‬
‫طبقات الفقهاء الحنابلة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫ابن أبي يعلى‪ ،‬القاضي أبو الحسين محمد‪.‬ت‪:‬علي محمد عمر‪.‬‬
‫القاهرة‪ ،‬دار مكتبة الثقافة الدينية‪ .‬ط‪1419( .1 :‬هـ‪1998/‬م)‪.‬‬
‫الطبقات الكبرى‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫الشعراني‪ ،‬عبد الوهاب‪.‬‬
‫القاهرة‪ ،‬دار الفكر العربي‪.‬‬
‫الطبقات الكبرى‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫‪389‬‬
‫البن سعد‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار صادر‪.‬‬
‫طه حسين بين الشك واالعتقاد‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫كامل محمد محمد عويضة‪.‬‬
‫بيـروت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ .‬ط‪1414( .1 :‬هـ ‪1994/‬م) ‪.‬‬
‫العالمية اإلسالميةـ الثانية‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫أبو القاسم حاج حمد ‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار ابن حزم‪ .‬ط‪1996( .2 :‬م)‪.‬‬
‫عالل الفاسي وأثره في الفكر اإلسالمي المعاصر‪« .‬رسالة‬ ‫‪‬‬
‫ماجستير»‪.‬‬
‫محمد عبد السالم بالسعل‪.‬‬
‫طرابلس‪ ،‬جامعة الفاتح ‪ -‬كلية التربية‪.‬‬
‫العلمانية النشأة واألثر في الشرق والغرب‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫زكريا فايد ‪.‬‬
‫الزهراء لإلعالم العربي ‪ .‬ط ‪ 1408( _ . 1 :‬هـ‪1988 /‬م) ‪.‬‬
‫غمز عيون البصائر شرح األشباه والنظائر‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫الحموي‪ ،‬أحمد بن محمد الحنفي‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ .‬ط‪1405( .1 :‬هـ)‪.‬‬
‫الفتاوى الكبرى‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫ابن تيميةـ ‪ .‬جمع وترتيب‪ :‬عبد الرحمن بن محمد بن قاسم‬
‫العاصمي النجدي‪ .‬الرياض‪ ،‬دار عالم الكتب‪1412( .‬هـ‪/‬‬
‫‪1991‬م)‪.‬‬
‫فتح الباري بشرح صحيح البخاري‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫ابن حجر العسقالني‪.‬‬
‫القاهرة‪ ،‬دار الريان للتراث‪ .‬ط‪1409( .2 :‬هـ‪1988/‬م)‬
‫فتح القدير‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫الشوكاني‪ ،‬محمد بن علي‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار األرقم‪.‬‬
‫الفرق اإلسالميةـ في الشمال اإلفريقي‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫ألفرد بل‪ ،‬ترجمة‪ :‬عبد الرحمن بدوي‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ .‬ط‪1987( . 3 :‬م)‪.‬‬
‫الفرق بين الفرق‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪390‬‬
‫البغدادي‪ ،‬عبد القاهر بن طاهر‪ .‬ت‪ :‬محمد محيي الدين عبد‬
‫الحميد‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬المكتبةـ العصرية‪1411( .‬هـ‪1990/‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬الفروق‪.‬‬
‫القرافي‪ ،‬شهاب الدين أبو العباس‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار عالم الكتب‪.‬‬
‫‪ ‬فصول في الفكر اإلسالمي بالمغرب‪.‬‬
‫عبد المجيد عمر النجار‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ .‬ط‪1992( .1 :‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬فصول في فقه العربية‪.‬‬
‫رمضان عبد التواب‪.‬‬
‫القاهرة‪ ،‬مكتبة الخانجي‪ .‬ط‪1420( .6 :‬هـ‪1999/‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬فقه أهل العراق‪.‬‬
‫زاهد الكوثري‪ .‬ت‪ :‬عبد الفتاح أبو غدة‪.‬‬
‫مكتب المطبوعات اإلسالمية‪ .‬ط‪.1 :‬‬
‫‪ ‬فقه األحكام السلطانية‪ :‬محاولة نقدية للتأصيل والتطوير‪.‬ـ‬
‫عبد الكريم مطيع الحمداوي‪.‬‬
‫ط‪1422( .2 :‬هـ‪2001/‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬الفقه االجتهادي اإلسالمي بين عبقرية السلف ومآخذ ناقديه‪.‬‬
‫عبد العظيمـ إبراهيم المطعني ‪.‬‬
‫القاهرة ‪ ،‬مكتبة وهبة‪.‬‬
‫‪ ‬الفقيه والمتفقهة‪.‬‬
‫الخطيب البغدادي‪ ،‬أبو بكر حمد‪ .‬تصحيح وتعليق‪:‬الشيخ‬
‫إسماعيل األنصاري‪ .‬بيروت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ .‬ط‪( .2 :‬‬
‫‪1400‬هـ‪1980/‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬الفكر اإلسالمي الحديث وصلته باالستعمار الغربي‪.‬‬
‫محمد البهي‪.‬‬
‫القاهرة ‪ ،‬مكتبة وهبة ‪ .‬ط‪1411( . 12 :‬هـ‪1991/‬م) ‪.‬‬
‫‪ ‬الفكر اإلسالمي المعاصر دراسة وتقويم‪.‬‬
‫غازي التوبةـ ‪.‬‬
‫بيروت ‪ ،‬دار القلم ‪ .‬ط‪1977( .7 :‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬الفكر اإلسالمي المعاصر مراجعات تقويميةـ ( حوار مع حسن‬
‫حنفي بعنوان "التراث والتجديد")‪.‬‬
‫‪391‬‬
‫تحرير وحوار‪ :‬عبد الجبار الرفاعي ‪.‬‬
‫دمشق ‪ ،‬دار الفكر ‪ .‬ط‪1421( . 1 :‬هـ‪2000/‬م) ‪.‬‬
‫الفكر األصولي وإشكالية السلطة العلمية في اإلسالم (قراءة في‬ ‫‪‬‬
‫نشأة علم األصول ومقاصد الشريعة)‪.‬‬
‫عبد المجيد الصغير‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬المؤسسة الجامعية للدراسات والنشـر‪ .‬ط‪( .1:‬‬
‫‪1415‬هـ‪1994/‬م)‪.‬‬
‫الفكر السامي في تاريخ الفقه اإلسالمي‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫محمد بن الحسن الحجوي‪.‬‬
‫القاهرة‪ ،‬مكتبة دار التراث‪ .‬ط‪1396( .1 :‬هـ)‪.‬‬
‫فلسفة الثورة الفرنسية‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫برنار غروتويزن ‪ ،‬ترجمة‪ :‬عيسى عصفور ‪.‬‬
‫بيروت وباريس ‪ ،‬منشورات عويدات ‪ .‬ط ‪1982( . 1 :‬م)‪.‬‬
‫الفهرست‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫النديم‪ ،‬أبو الفرج محمد‪ .‬ت‪ :‬رضا تجدد‪.‬‬
‫طهران‪.‬‬
‫فوات الوفيات‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫الكتبي‪ ،‬محمد بن شاكر‪ .‬ت‪ :‬إحسان عباس‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار الثقافة‪.‬‬
‫القاعدة الكليةـ «اليقني ال يزول بالشك» وعالقتها بعلم األصول‪( .‬رسالة‬ ‫‪‬‬
‫ماجستري)‪.‬‬
‫حممد سعيد العمور‪.‬‬
‫اجلماهريية العربية الليبية الشعبية االشرتاكية العظمى‪-‬الزاوية‪ ،‬جامعة السابع من‬
‫أبريل‪1995( .‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬قاموس أكسفورد األساسي (إنجليزيـ–عربي )‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬أكاديميا‪1998( .‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬القاموس المحيط‪.‬‬
‫الفيروزآبادي‪ ،‬مجد الدين محمد‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ .‬ط‪1415( .1 :‬هـ‪1995/‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬قضايا إسالمية بين الفهم والتطبيق (العقل والقلب بين الغيب‬
‫والشهود)‪.‬‬
‫عبد الكريم مطيع الحمداوي‪.‬‬
‫‪392‬‬
‫ط‪1417( . 1:‬هـ‪1996/‬م) ‪.‬‬
‫قضايا التجديد (نحو منهج أصولي)‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫حسن الترابي‪.‬‬
‫السودان ‪ ،‬معهد البحوث والدراسات االجتماعية‪ .‬ط‪(.1:‬‬
‫‪1411‬هـ‪1990/‬م)‪.‬‬
‫قواعد األحكام في مصالح األنام‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫العز بن عبد السالم‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار الجيل‪ .‬ط‪1400( .2 :‬هـ‪1980/‬م)‪.‬‬
‫القواعد الفقهية بين األصالة والتوجيه‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫محمد بكر إسماعيل‪.‬‬
‫القاهرة‪ ،‬دار المنار‪ .‬ط‪1417( .1 :‬هـ‪1997/‬م)‪.‬‬
‫القواعد الفقهية‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫علي أحمد الندوي‪.‬ـ‬
‫دمشق‪ ،‬دار القلم‪ .‬ط‪1414( .3 :‬هـ‪1994/‬م)‪.‬‬
‫قواعد المنهج السلفي‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫مصطفى حلمي‪.‬‬
‫اإلسكندرية‪ ،‬دار الدعوة‪ 1405( .‬هـ)‪.‬‬
‫كتاب األصل(المبسوط)‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫الشيباني‪ .‬ت‪ :‬أبو الوفا األفغاني‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬عالم الكتب‪ .‬ط‪1410( .1 :‬هـ‪1990/‬م)‪.‬‬
‫كشف األسرار عن أصول البزدوي‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫البخاري‪ ،‬عالء الدين عبد العزيز‪.‬‬
‫القاهرة‪ ،‬دار الفاروق‪ .‬ط‪1416( .2 :‬هـ‪1995/‬م)‪.‬‬
‫كشف الخفاء ومزيل اإللباس‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫العجلوني‪ ،‬إسماعيل بن محمد‪ .‬بيروت‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ .‬ط‪. 4:‬‬
‫(‪1405‬هـ‪1985/‬م) ‪.‬‬
‫كشف الشبهات العصرية عن الدعوة اإلصالحية السلفيةـ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫جمع‪ :‬عبد العزيز بن ريس الريس‪.‬‬
‫اإلمارات العربيةـ المتحدة‪ -‬أبو ظبي‪ .‬مكتبة اليقين اإلسالمية‪( .‬‬
‫‪1423‬هـ) [ الكتاب منسوخ على قرص مدمج‪. ] C.D -‬‬
‫كشف الظنونـ عن أسماء الكتب والفنون‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫مصطفى بن عبد هللا الشهير بحاجي خليفة‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬مكتبة المثنى‪.‬‬
‫‪393‬‬
‫‪ ‬الكليات الفقهية‪.‬‬
‫اإلمام المقري‪ .‬ت‪ :‬محمد بن الهادي أبو األجفان‪.‬‬
‫الجماهيرية – تونس‪ ،‬الدار العربية للكتاب‪1997( .‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬الكليات‪.‬‬
‫الكفوي‪ ،‬أبو البقاء أيوب‪ .‬ت‪ :‬عدنان درويش ومحمد المصري‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ .‬ط‪1419( .2:‬هـ‪1998/‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬كنز العمال‪.‬‬
‫الهندي‪ ،‬عالء الدين علي المتقي‪.‬‬
‫مؤسسة الرسالة‪.‬‬
‫‪ ‬كيف نتعامل مع السنة النبويةـ معالم وضوابط‪.‬‬
‫يوسف القرضاوي‪ .‬تقديم‪ :‬طه جابر العلواني‪،‬‬
‫فرجينيا‪ ،‬المعهد العالمي للفكر اإلسالمي ‪ -‬مصر‪ ،‬دار الوفاء‪ .‬ط‪:‬‬
‫‪1413( .5‬هـ‪1992/‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬لسان العرب‪.‬‬
‫ابن منظور‪ .‬ت‪ :‬علي شيري‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار إحياء التراث العربي ومؤسسة التاريخ العربي‪ .‬ط‪:‬‬
‫‪1412( .2‬هـ‪1992/‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬مالك‪.‬‬
‫محمد أبو زهرة‪.‬‬
‫القاهرة‪ ،‬دار الفكر العربي‪.‬‬
‫‪ ‬مباحث في منهجية الفكر اإلسالمي(منهج الفكر العقدي بين القديمـ‬
‫والحديث)‪.‬‬
‫عبد المجيد عمر النجار‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ .‬ط‪1992( . 1:‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬المحصول في علم أصول الفقه‪.‬‬
‫الرازي‪ ،‬فخر الدين محمد‪ .‬ت‪ :‬طه جابر العلواني‪ .‬الرياض‪.‬‬
‫جامعة اإلمام محمد بن سعود‪ ،‬لجنة البحوث والتأليف والترجمة‬
‫والنشر‪ .‬ط‪1399( .1 :‬هـ‪1979/‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬المحلى‪.‬‬
‫ابن حزم‪ ،‬أبو محمد علي‪ .‬ت‪ :‬أحمد محمد شاكر‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬
‫‪ ‬محمد رشيد رضا ودوره في الحياة الفكرية والسياسية‪.‬‬
‫أحمد فهد الشوابكة‪.‬‬
‫‪394‬‬
‫عمان‪ ،‬دار عمار‪ .‬ط‪1904( .1:‬هـ‪1989/‬م)‪.‬‬
‫مختار الصحاح‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫الرازي‪ ،‬محمد بن أبي بكر‪.‬‬
‫بيروت‪ .‬مكتبة لبنان‪1988(.‬م)‪.‬‬
‫مدارك التنـزيل وحقائق التأويل‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫النسفي‪ ،‬عبد هللا‪ .‬ت‪ :‬يوسف علي بديوي‪.‬‬
‫دمشق‪-‬بيروت‪ ،‬دار ابن كثير‪ .‬ط‪1420( .2 :‬هـ‪1999/‬م)‪.‬‬
‫مدخل إلى ظالل القرآن (في ظالل القرآن دراسة وتقويم‪.)1‬‬ ‫‪‬‬
‫صالح الدين الخالدي‪.‬‬
‫األردن‪ ،‬دار عمار‪ .‬ط‪1421( .2:‬هـ‪2000/‬م)‪.‬‬
‫المدخل الفقهي العام (إخراج جديد)‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫مصطفى أحمد الزرقا‪.‬‬
‫دمشق‪ ،‬دار القلم‪ .‬ط‪1418( .1:‬هـ‪1998/‬م)‪.‬‬
‫المدرسة الظاهرية بالمشرق والمغرب‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫أحمد بكير محمود‪.‬‬
‫دمشق‪ ،‬دار قتيبة‪ .‬ط‪1411( .1:‬هـ‪1990/‬م)‪.‬‬
‫المستدرك على الصحيحين‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫الحاكم النيسابوري‪.‬ـ‬
‫بيروت‪ ،‬دار الكتاب العربي ‪.‬‬
‫المستصفى في علم األصول‪ ( .‬وبهامشه‪ :‬فواتح الرحموت‪ ،‬البن‬ ‫‪‬‬
‫عبد الشكور)‪.‬‬
‫الغزالي‪ ،‬محمد أبو حامد‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ .‬ط‪( .2:‬د‪.‬ت)‪.‬‬
‫مسند أحمد بن حنبل‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ .‬ط‪1414( .2 :‬هـ‪1993/‬م)‪.‬‬
‫مشكاة المصابيح‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫الخطيب التبريزي‪ .‬ت‪ :‬ناصر الدين األلباني‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار المكتب اإلسالمي‪ .‬ط‪1405( .3 :‬هـ‪1985/‬م)‪.‬‬
‫مصادر التشريع اإلسالمي فيما ال نص فيه ‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫عبد الوهاب خالف‪.‬‬
‫الكويت‪ ،‬دار القلم‪ ،‬ط‪1402( .5:‬هـ‪1982/‬م)‪.‬‬
‫المعجب في تلخيص أخبار المغرب‪ ،‬المراكشي‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫عبد الواحد بن علي التميمي‪ .‬ت‪ :‬محمد سعيد العريان‪.‬‬
‫‪395‬‬
‫مصر‪ ،‬مكتبة الثقافة الدينية‪.‬‬
‫‪ ‬معجم األصوليين‪.‬‬
‫محمد مظهر بقا‪.‬‬
‫مكة المكرمة‪ ،‬جامعة أم القرى‪1414(.‬هـ)‪.‬‬
‫‪ ‬المعجم الفلسفي‪.‬‬
‫جميل صليبا‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار الكتاب اللبناني‪1979( .‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬معجم الكافي‪.‬‬
‫محمد الباشا‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬شركة المطبوعات للنشر والتوزيع‪.‬ط‪1412(.1:‬هـ‪/‬‬
‫‪1992‬م) ‪.‬‬
‫‪ ‬معجم المؤلفين‪.‬‬
‫عمر رضا كحالة‪ .‬بيروت‪.‬‬
‫دار إحياء التراث العربي‪.‬‬
‫‪ ‬معجم المصطلحات واأللفاظ الفقهية‪.‬‬
‫محمد عبد الرحمن عبد المنعم‪.‬‬
‫القاهرة‪ ،‬دار الفضيلة‪.‬‬
‫‪ ‬معجم المطبوعات العربيةـ والمعربة‪.‬‬
‫يوسف سركيس‪.‬‬
‫مكتبةـ الثقافة الدينية‪.‬ـ‬
‫‪ ‬معجم مصطلحات أصول الفقه‪.‬‬
‫قطب مصطفى سانو‪.‬‬
‫دمشق‪ ،‬دار الفكر‪ .‬ط‪1420(.1:‬هـ‪2000/‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬معجم مقاييس اللغة‪.‬‬
‫ابن فارس‪ ،‬أبو الحسين أحمد‪ .‬ت‪ :‬عبد السالم هارون‪.‬‬
‫قُ ْم‪ ،‬مكتب اإلعالم اإلسالمي‪1404( .‬هـ)‪.‬‬
‫‪ ‬المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى علماء إفريقية‬
‫واألندلس والمغرب‪ .‬الونشريسي‪ ،‬أحمد بن يحيى‪ .‬ت‪:‬محمد‬
‫حجي‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪1401( .‬هـ‪1981/‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬المغرّ ب في ترتيب المعرّ ب‪.‬‬
‫المطرزي‪ ،‬أبو الفتح ناصر‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار الكتاب العربي‪.‬‬
‫‪396‬‬
‫‪ ‬مفتاح السعادة‪.‬‬
‫طاش كبري زاده‪ ،‬أحمد بن مصطفى‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ .‬ط‪1405( .1:‬هـ‪1985/‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬المفردات في غريب القرآن‪.‬‬
‫الراغب األصفهاني‪ ،‬أبو الحسين‪ .‬ت‪ :‬سيد كيالني‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار المعرفة‪.‬‬
‫‪ ‬مفهوم الفقه اإلسالمي‪.‬‬
‫نظام الدين عبد الحميد‪.‬‬
‫بيروت‪ .‬مؤسسة الرسالة‪ .‬ط‪1404( .1 :‬هـ‪1984/‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬مقاصد الشريعة اإلسالمية ومكارمها‪.‬‬
‫عالل الفاسي‪.‬‬
‫مكتبةـ الوحدة العربية‪.‬‬
‫‪ ‬مقاصد الشريعة اإلسالمية‪.‬‬
‫محمد الطاهر بن عاشور‪ .‬ت‪ :‬محمد طاهر الميساوي‪.‬‬
‫األردن‪ ،‬دار النفائس – ماليزيا‪ ،‬دار الفجـر‪ .‬ط‪1420( .1 :‬هـ‪/‬‬
‫‪1999‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬المقاصد العامة للشريعة اإلسالمية‪.‬‬
‫عز الدين بن زغيبة‪.‬‬
‫القاهرة‪ ،‬دار الصفوة‪ .‬ط‪1417( .1 :‬هـ‪1996/‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬المقدمة‪.‬‬
‫ابن خلدون ‪ ،‬عبد الرحمن بن محمد ‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار الجيل‪.‬‬
‫‪ ‬مقدمة في إسالمية المعرفة‪.‬‬
‫طه جابر العلواني‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار الـهادي‪ .‬ط‪1421( .1:‬هـ‪2001/‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬الملكية ونظرية العقد‪.‬‬
‫محمد أبو زهرة‪.‬‬
‫مصر‪ ،‬دار الفكر العربي‪.‬‬
‫‪ ‬المماليك في مصر‪.‬‬
‫أنور زقلمة‪ .‬القاهرة‪ ،‬مكتبة مدبولي‪ .‬ط‪1415( .1:‬هـ‪/‬‬
‫‪1995‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬من الفلسفة اليونانية إلى الفلسفة اإلسالمية‪.‬‬
‫محمد عبد الرحمن مرحبا ‪.‬‬
‫‪397‬‬
‫بيروت ‪ ،‬منشورات عويدات‪ .‬ط ‪1983( . 3 :‬م) ‪.‬‬
‫مناقب اإلمام الشافعي ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫الرازي‪ ،‬فخر الدين‪ .‬ت‪ :‬أحمد حجازي السقا‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار الجيل‪ .‬ط‪1413( .1 :‬هـ‪1993/‬م)‪.‬‬
‫المناهج األصوليةـ لالجتهاد بالرأي‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫فتحي الدريني‪ .‬دمشق‪ ،‬دار الكتاب الحديـث‪ .‬ط‪1395( .1 :‬هـ‪/‬‬
‫‪1975‬م)‪.‬‬
‫مناهل العرفان في علوم القرآن‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫الزرقاني‪ ،‬محمد عبد العظيم‪ .‬ت‪ :‬بديع السيد اللحام‪.‬‬
‫دمشق‪ ،‬دار قتيبة‪ .‬ط‪1418( .1 :‬هـ‪1998/‬م)‪.‬‬
‫املنثور يف القواعد‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫الزركشي‪ ،‬حممد بن هبادر‪ .‬ت‪ :‬تيسري فائق حممود‪.‬‬
‫ط‪1999( .2 :‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬المنهج األحمد في تراجم اإلمام أحمد‪.‬‬
‫العليمي‪ ،‬أبو اليمن عبد الرحمن‪ .‬ت‪:‬محمد محيي الدين عبد‬
‫الحميد‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬عالم الكتب‪ .‬ط‪1404( .2 :‬هـ‪1984/‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬المنهج الحركي في ظالل القرآن(في ظالل القرآن دراسة وتقويم‬
‫‪.)2‬‬
‫صالح عبد الفتاح الخالدي‪ ،‬األردن‪ ،‬دار عمار‪ .‬ط‪( .2:‬‬
‫‪1421‬هـ‪2000/‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬الموافقات في أصول الشريعة‪.‬‬
‫الشاطبي ‪ ،‬أبو إسحاق إبراهيم‪ .‬شرح ‪ :‬عبد هللا دراز‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ .‬ط‪1424( .3 :‬هـ‪2003/‬م )‪.‬‬
‫‪ ‬موسوعة التخريج الكبرى واألطراف الشاملة‪.‬‬
‫األردن‪ ،‬مركز التراث ألبحاث الحاسوب اآللي‪ .‬اإلصدار األول‪.‬‬
‫(‪1421‬هـ‪2001/‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬موسوعة الخراج (وضمنها كتاب الخراج للقاضي أبي يوسف)‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار المعرفة‪ .‬ط‪ :‬سنة (‪1399‬هـ‪1979/‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬الموسوعة الدينية الميسرة‪.‬‬
‫ممدوح الزوبي‪.‬‬
‫دار الرشيد‪.‬‬

‫‪398‬‬
‫‪ ‬موسوعة السياسة‪.‬‬
‫عبد الوهاب الكيالي‪ .‬وآخرون ‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬المؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ .‬ط‪1990( .3 :‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬الموسوعة العربيةـ العالمية‪.‬‬
‫مؤسسة أعمال الموسوعة‪ .‬الريــــاض‪ .‬ط‪1419( .2 :‬هـ‪/‬‬
‫‪1999‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬موسوعة الفقه اإلسالمي‪.‬‬
‫المجلس األعلى للشؤون اإلسالمية‪.‬‬
‫القاهرة‪1418( .‬هـ)‪.‬‬
‫‪ ‬الموسوعة الفقهية‪.‬‬
‫وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية‪.‬‬
‫الكويت‪ .‬ط‪1414( .4 :‬هـ‪1993/‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬الموسوعة الفلسفيةـ العربية‪.‬‬
‫رئيس التحرير‪ :‬معـن زيادة‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬معهد اإلنماء العربـي‪ .‬ط‪1988( .1 :‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬موسوعة المستشرقين‪.‬‬
‫عبد الرحمن بدوي‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار العلم للماليين‪.‬ط‪:‬ـ‪1984( .1‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬موسوعة الملل والنحل‪.‬‬
‫الشهرستاني‪ ،‬أبو الفتح محمد‪ .‬ت‪ :‬عبد األمير علي مهنا‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار المعرفة‪ .‬ط‪1410( .1 :‬هـ‪1990/‬م)‬
‫‪ ‬موسوعة الملل والنحل‪.‬‬
‫الشهرستاني‪ ،‬أبو الفتح محمد‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬مؤسسة ناصر للثقافة‪ .‬ط‪1981( .1 :‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬الموسوعة الميسرة في األديان والمذاهب المعاصرة‪.‬‬
‫الندوة العالمية للشباب اإلسالمي‪ .‬الرياض‪ ،‬ط‪1409( .1:‬هـ‪/‬‬
‫‪1988‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬موسوعة مصطلحات أصول الفقه عند المسلمين‪.‬‬
‫رفيق العجم‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬مكتبة لبنان‪ .‬ط‪1998( .1 :‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬موقف العقل والعلمـ والعالم من رب العالمين‪.‬‬
‫مصطفى صبري‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ .‬ط‪1413( .3:‬هـ‪1992/‬م)‪.‬‬
‫‪399‬‬
‫‪ ‬ميزان األصول‪.‬‬
‫السمرقندي‪ ،‬اإلمام عالء الدين‪ .‬ت‪:‬عبد الملك عبد الرحمن‬
‫السعدي‪.‬‬
‫العراق‪ ،‬وزارة األوقاف والشؤون الدينية‪ ،‬لجنة إحياء التراث‬
‫العربي واإلسالمي‪ .‬ط‪1407( .1 :‬هـ‪1987/‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬ميزان االعتدال في نقد الرجال‪.‬‬
‫الذهبي‪ .‬ت‪ :‬علي البجاوي وفتحية البجاوي‪.‬‬
‫دار الفكر العربي‪.‬‬
‫‪ ‬الميزان في تفسير القرآن‪.‬‬
‫محمد حسين الطباطبائي‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬مؤسسة األعلمي للمطبوعات‪ .‬ط‪1403( .5:‬هـ‪/‬‬
‫‪1983‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة‪.‬‬
‫األتابكي‪ ،‬جمال الدين يوسف بن تغري بردي‪.‬‬
‫مصر‪ ،‬وزارة الثقافة واإلرشاد القومي‪ ،‬المؤسسة المصرية‬
‫للتأليف والترجمة والنشر‪.‬‬
‫‪ ‬ندوة السنة النبويةـ ومنهجها في بناء المعرفة والحضارة‪.‬‬
‫عمان‪ ،‬مؤسسة آل البيت والمعهد العالمي للفكر اإلسالمي‪( .‬‬
‫‪1989‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬النظريات الفقهية‪.‬‬
‫فتحي الدريني‪.‬‬
‫جامعة دمشق‪ .‬ط‪.2 :‬‬
‫‪ ‬النظريةـ اإلسالمية للعالقات الدوليةـ (اتجاهات جديدة للفكر‬
‫والمنهجية اإلسالمية)‪.‬‬
‫عبد الحميد أبو سليمان‪ .‬ترجمة‪ :‬ناصر أحمد المرشد البريك‪.‬‬
‫السعودية‪ ،‬المعهد العالمي للفكر اإلسالمي‪1993( .‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬النظريةـ العامة للمعامالت في الشريعة اإلسالمية‪.‬‬
‫أحمد أبو سنة‪.‬‬
‫مصر‪ ،‬مطبعة دار التأليف‪.‬‬
‫‪ ‬نفح الطيب في غصن األندلس الرطيب‪.‬‬
‫المقري التلمساني‪ ،‬أحمد بن محمد‪ .‬ت‪ :‬إحسان عباس‪ .‬بيروت‪،‬‬
‫دار صادر‪1388( .‬هـ‪1968/‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬نهاية السول‪.‬‬
‫‪400‬‬
‫األسنوي‪ ،‬جمال الدين عبد الرحيم‪.‬‬
‫عالم الكتب‪.‬‬
‫‪ ‬نيل األوطار شرح منتقى األخبار‪.‬‬
‫الشوكاني‪ ،‬محمد بن علي‪ .‬القاهرة‪،‬‬
‫مكتبةـ مصطفى البابي الحلبي‪ .‬ط‪( :‬األخيرة) ‪.‬‬
‫‪ ‬نيل االبتهاج بتطريزـ الديباج‪.‬‬
‫التنبكتي‪ ،‬أحمد بابا‪ .‬ت‪ :‬مجموعة من طلبةـ كلية الدعوة اإلسالمية‬
‫بإشراف‪ :‬عبد الحميد الهرامة‪.‬‬
‫طرابلس‪ ،‬منشورات كلية الدعوة اإلسالمية‪ .‬ط‪1989( .1:‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬الهداية في شرح بداية المبتدي‪.‬ـ‬
‫المرغيناني‪ ،‬برهان الدين علي بن أبي بكر‪ .‬تصحيح‪ :‬طالل‬
‫يوسف‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار إحياء التراث‪.‬‬
‫‪ ‬هدية العارفين‪.‬‬
‫إسماعيل باشا البغدادي‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬مكتبة المثنى‪.‬‬
‫‪ ‬وباء العلمانية وهل له مبرر في العالم اإلسالم‪،.‬‬
‫سفر الحوالي‪.‬‬
‫مصر ‪ ،‬مكتبة منار السبيلـ ومكتبة منار العلماء ‪ .‬ط‪( ، 1 :‬‬
‫‪1409‬هـ)‪.‬‬
‫‪ ‬الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية‪.‬‬
‫محمد صدقي بن أحمد البورنو الغزي‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ .‬ط‪1419( .5 :‬هـ‪1998/‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬الوجيز في شرح القواعد الفقهية‪.‬‬
‫عبد الكريم زيدان‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ .‬ط‪1422( .1 :‬هـ‪2001/‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬وفيات األعيان‪.‬‬
‫ابن خلكان‪ ،‬أبو العباس أحمد‪ .‬ت‪ :‬إحسان عباس‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار الثقافة‪.‬‬

‫‪401‬‬
‫ثانيا ً – الدوريات‪:‬‬
‫‪ ‬قراءة تفكيكية معاصرة يف النسق التارخيي إلنتاج الرتاث الديين وإعادة قراءة‬
‫(تركيبية) على ضوء املطلق القرآين والسنة النبوية النسبية‪ F‬املوازية‪.‬‬
‫حممد أبو القاسم حاج محد‪.‬‬
‫جملة املنطلق‪ ،‬ربيع (‪1995‬م)‪ ،‬العدد‪.111:‬‬
‫‪ ‬معامل التأصيل اإلسالمي للعلوم االجتماعية‪.‬‬
‫إبراهيم رجب‪.‬‬
‫جملة إسالمية املعرفة‪ .‬س‪ ،1:‬ع‪( 3:‬رمضان ‪1416‬هـ‪/‬يناير ‪1996‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬حنو تنوير عريب جديد‪.‬‬
‫حسن حنفي ‪.‬‬
‫جملة عامل الفكر ‪ .‬الكويت‪ .‬السنة ‪2001( :‬م) اجمللد ‪ 29‬عدد ‪.3‬‬
‫‪ ‬حنو علم كالم جديد‪.‬‬
‫حسن حنفي ‪.‬‬
‫جملة إبداع ‪ ،‬اهليئة املصرية العامة للكتاب‪ .‬السنة‪ 9:‬عدد‪( 8:‬حمرم‬
‫‪1412‬هـ‪/‬أغسطس ‪1991‬م) ‪.‬‬
‫‪ ‬حنو منهج جديد لدراسة علم أصول الفقه‪.‬‬
‫حممد الدسوقي‪.‬‬
‫جملة إسالمية املعرفة‪ .‬ماليزيا‪ ،‬املعهد العاملي‪ F‬للفكر اإلسالمي‪ F.‬السنة األوىل‪ .‬العدد‪:‬‬
‫‪1996( .3‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬نقد كتاب الرتاث واجلديد للدكتور حسن حنفي‪.‬‬
‫حممد عمارة ‪.‬‬
‫جملة املسلم املعاصر‪.‬لبنان‪ ،‬مؤسسة املسلم املعاصر عدد ‪.77‬‬

‫‪402‬‬
‫ثالثا ‪ -‬شبكة المعلومات الدولية (اإلنترنت)‪:‬ـ‬
‫آراء العلماء املعاصرين يف االجتهاد اجلماعي‪.‬‬
‫شعبان حممد إمساعيل‪.‬‬
‫(شبكة املعلومات الدولية‪-‬اإلنرتنت)‪.‬املوسوعة‪ F‬اإلسالمية‪. F‬‬
‫( ‪ ) /www.balagh.com/mosoa.feqh‬ص‪2‬‬
‫الدولة ومنطقة الفراغ التشريعي‪F.‬‬
‫(شبكة املعلومات الدولية‪-‬اإلنرتنت)‪F.‬‬
‫( ‪.) /www.balagh.com/matboat/fbook/78‬‬
‫فتوى طه جابر العلواين‪.‬‬
‫( شبكة املعلومات الدولية‪-‬اإلنرتنت)‪: F‬‬
‫( ‪.)usinfo.state.gov/arabic/tr/1016islam.htm‬‬
‫جمال االجتهاد ومناطق الفراغ التشريعي‪.‬‬
‫حممد مهدي مشس الدين‪.‬‬
‫(شبكة املعلومات الدولية‪-‬االنرتنت)‪F.‬‬
‫( ‪.) www.balagh.com/mosoa/feqh/u‬‬
‫خماض الفكر السلفي‪.‬‬
‫حممد بن املختار الشنقيطي‪.‬‬
‫(شبكة املعلومات الدولية‪-‬اإلنرتنت)‪ F.‬جملة الوعي‪ F‬السياسي‪:‬‬
‫(‪.) www.fiqhsyasi.com.makhad/htm‬‬

‫‪403‬‬
‫فهرس الموضوعات‬
‫الصفحة‬ ‫املوضوع‬

‫المقدمة‬
‫تقديم الدراسة‪ -‬أهميتها وأهدافها‬
‫منهج البحث‬
‫امللحوظات العامة‬
‫امللحوظات اخلاصة‬
‫الدراسات السابقة‬
‫مصادر البحث‬
‫الصعوبات اليت واجهت الباحث‬
‫خطة البحث‬

‫الرموز المستخدمة في البحث‬


‫تمهيد للتعريف بمصطلحات البحث‬
‫الفقه‬
‫مدلول الفقه بني الفقهاء واألصوليني‬
‫أصول الفقه‬
‫تعريف الفقه مبعناه اللقيب‬
‫الصلة بني الفقه وأصوله‬
‫الشريعة‬
‫دائرة الشريعة‬
‫االجتهاد‬
‫االستنباط‬
‫املناهج‬
‫االختالف‬

‫‪404‬‬
‫اجلدل‬
‫القضاء‬
‫الفتوى‬
‫الفرق بني القضاء والفتوى‬
‫الرأي‬
‫التطور‬
‫التأصيل‬
‫التجديد‪29‬‬
‫الباب األول‪ :‬االجتهاد نشأةً وتطوراً‬
‫الفصل األول‪ :‬االجتهاد عبر تاريخ الفقه اإلسالمي‬
‫المبحث األول‪ :‬اجتهاد الرسول صلى هللا عليه وسلم‬
‫أوالً‪ :‬اإلمكان‬
‫ثانياً‪ :‬الوقوع‬
‫جماالت اجتهاد الرسول‬
‫‪ .1‬جمال األمور الدنيوية الصرفة‬
‫‪ .2‬جمال احلروب والسياسة‬
‫‪ .3‬جمال القضاء‬
‫‪ .4‬جمال العبادات‬
‫أ – النهي عن االستغفار للمشركني‬
‫ب‪ -‬االستغفار للمنافقني والصالة على موتاهم‬
‫اخلالصــة‬
‫إذن الرسول صلى اهلل عليه وسلم للصحابة باالجتهاد‬
‫حكمة اجتهاد الرسول صلى اهلل عليه وسلم‬
‫المبحث الثاني‪ :‬االجتهاد في عصر الصحابة‬
‫منهج الصحابة في االجتهاد‬
‫‪ .1‬الرجوع إىل القرآن الكرمي‬

‫‪405‬‬
‫‪ .2‬طلب السنة النبوية‬
‫‪ .3‬استخدام الرأي‬
‫‪ .4‬اعتماد الشورى‬
‫االختالف بني الصحابة يف االجتهاد‪62‬‬
‫‪ .1‬االختالف حول النصوص‬
‫‪ .2‬اختالف الرأي فيما ال نص فيه‬
‫خصائص هذا العصر‬
‫المبحث الثالث‪ :‬االجتهاد في عهد التابعين‬
‫أهم مميزات هذا الدور‬
‫اخلوارج‬
‫الشيعة‬
‫أثر اخلالفات على حركة االجتهاد‬
‫‪ .1‬مغاالة الشيعة يف تقدير األشخاص‬
‫‪ .2‬إنكار بعض املصادر التشريعية‬
‫‪ .3‬آفة الوضع يف احلديث‬
‫التوسع يف استخدام الرأي‪77‬‬
‫خصائص حركة االجتهاد يف هذا العهد‬
‫الفصل الثاني‪ :‬االجتهاد في عهد المدارسـ الفقهية‬
‫المبحث األول‪ :‬أهم العوامل المؤثرة في حركة االجتهاد‬
‫الفقهاء اجملتهدون والسلطة‬
‫االرتقاء احلضاري للمجتمع املسلم‬
‫التدوين‬
‫تدوين األصول‬
‫المبحث الثاني‪ :‬من أعالم المدرسة الفقهية‬
‫‪ .1‬اإلمام أبو حنيفة‬
‫أهم خصائص منهجه يف االجتهاد‬
‫‪ .2‬اإلمام مالك بن أنس‬

‫‪406‬‬
‫أهم خصائص منهجه‬
‫عوامل حفظ املذهب املالكي وانتشاره‬
‫‪ .3‬اإلمام الشافعي‬
‫أصول مذهبه‬
‫‪ .4‬اإلمام أمحد بن حنبل‬
‫منهجه يف االجتهاد‬
‫المبحث الثالث‪ :‬االجتهاد بعد تكوين المدارس الفقهية‬
‫خصائص االجتهاد بعد القرن الرابع اهلجري‬
‫عمل الفقهاء يف هذا الدور‬
‫‪ .1‬تعليل األحكام‬
‫‪ .2‬الرتجيح بني اآلراء‬
‫‪ .3‬االشتغال باختصار املصنفات الفقهية وشرحها‬
‫‪ .4‬االشتغال باجلدل واملناظرة‬
‫المبحث الرابع‪ :‬حركة االجتهاد في القرون المتأخرة‬
‫أهم العوامل اليت رسخت التقليد‬
‫‪ .1‬القضاء‬
‫‪ .2‬املذهبية‬
‫‪ .3‬التدوين‬
‫الفصل الثالث‪ :‬علم أصولـ الفقه وتطوره التاريخي‬
‫المبحث األول‪ :‬أصول الفقه وجهود اإلمام الشافعي‬
‫وضع علم األصول‬
‫دراسة الشافعي‬
‫الشافعي ومالمح التفكري الفلسفي‬
‫أهم ما ميز منهجه‬
‫المبحث الثاني‪ :‬األصول بعد اإلمام الشافعي‬
‫طبيعة املنهج الذي سار عليه األصوليون بعد الشافعي‬
‫أسباب تأخر املصنفات األصولية بعد الشافعي‬

‫‪407‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬مناهج الدراسة األصولية بعد اإلمام الشافعي‬
‫طريقة املتكلمني أو الشافعية‬
‫مميزات هذه الطريقة‬
‫أقطاب هذا االجتاه وأهم مصنفاهتم‬
‫طريقة األحناف أو الفقهاء‬
‫من مميزات هذه الطريقة‬
‫خالصة‬
‫الفصل الرابع‪ :‬علم القواعد‬
‫المبحث األول‪ :‬القواعد الفقهية‪ ،‬تعريفها وأقسامها‬
‫تعريف القاعدة‬
‫الفرق بني القواعد الفقهية والضوابط الفقهية‬
‫الفرق بني القواعد الفقهية والنظريات الفقهية‬
‫الفرق بني القواعد الفقهية والقواعد األصولية‬
‫‪ .1‬احلقيقة والغاية‬
‫‪.2‬االطراد والعموم‬
‫‪ .3‬املصدر والنشأة‬
‫‪ .4‬الوجود الذهين والواقعي‬
‫أقسام القواعد الفقهية‬
‫‪.1‬قواعد كلية‬
‫‪ .2‬قواعد اخلالف‬
‫قواعد الفروق وعالقتها بالقواعد الفقهية‬
‫المبحث الثاني‪ :‬لمحة تاريخية حول القواعد الفقهية‬
‫القواعد الفقهية يف صياغتها العلمية‬
‫القواعد الفقهية يف القرن الرابع اهلجري‬
‫يف القرن السادس اهلجري‬
‫يف القرن السابع اهلجري‬
‫يف القرن الثامن اهلجري‬

‫‪408‬‬
‫يف القرن التاسع اهلجري‬
‫يف القرن العاشر اهلجري‬
‫يف القرن الثالث عشر‬
‫جملة األحكام العدلية ومنهج العمل فيها‬
‫الدراسات احلديثة يف جمال القواعد الفقهية‬
‫المبحث الثالث‪ :‬وظيفة القواعد الفقهية وأهميتها للمجتهد‬
‫أمهية القواعد الفقهية‬
‫االستدالل بالقواعد الفقهية‬
‫الفصل الخامس‪ :‬علم المقاصـدـ‬
‫المبحث األول‪ :‬في تعريفات المقاصد‬
‫تعريف املقاصد‪ :‬لغةً واصطالحاً‬
‫مصطلحات ذات ارتباط باملقاصد‬
‫احلكمة‬
‫العلة‬
‫املعىن‬
‫المبحث الثاني‪ :‬المقاصد‪ :‬النشأة والتطور على عصر الشاطبي‬
‫التمهيد لعلم املقاصد‬
‫الشاطيب واملقاصد‬
‫خالصة نظرية املقاصد عند الشاطيب‬
‫املقاصد يف فكر الشاطيب‬
‫المبحث الثالث‪ :‬المقاصد بعد اإلمام الشاطبي‬
‫حماوالت إحياء املقاصد‬
‫إسهام حممد الطاهر بن عاشور‬
‫استدراك ابن عاشور على الشاطيب‬
‫املقاصد يف كتاب ابن عاشور‬
‫مسالك إثبات املقاصد عند ابن عاشور‬
‫إسهام عالل الفاسي‬

‫‪409‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬االتجاهات في دراسة المقاصد‬
‫املوقف األول‬
‫املوقف الثاين‬
‫املوقف الثالث‬
‫مالحظات ومآخذ على نظرية الشاطيب‬
‫‪ .1‬تعريف املقاصد لدى الشاطيب‬
‫‪ .2‬التمييز بني املقصد التكويين واملقصد التشريعي‬
‫‪ .3‬التمييز بني املصاحل واملفاسد من حيث تعلق اخلطاب الشرعي هبا‬
‫‪ .4‬حكم املسكوت عنه‬
‫‪ .5‬الفردية يف مقاصد الشاطيب‬
‫‪ .6‬حاكمية املقاصد وحاكمية النص‬
‫‪ .7‬مسالك الكشف عن املقاصد‬
‫‪ .8‬فهم الشريعة على معهود األميني‬
‫‪ .9‬تكامل املقاصد وتراتبها‬
‫املقاصد كما تصورها الشاطيب‬
‫املقاصد كما صورها عبد الكرمي مطيع‬
‫الفصل السادس‪ :‬الطوفي وتداعيات نظريته‬
‫المبحث األول‪ :‬عرض نظرية الطوفي‬
‫رأي الطويف‪ :‬عرض موجز‬
‫مناقشة رأي الطويف‪ :‬من الناحية املوضوعية‬
‫حديث «الضرر وال ضرار» سنداً ومتناً وتوظيفاً‬
‫أوالً‪ -‬احلديث سنداً‬
‫ثانياً‪ -‬احلديث متناً وتوظيفاً‬
‫النهي عن املضارة يف الرجعة‬
‫النهي عن املضارة يف الوصية‬
‫سرية الطويف وأثرها يف تشكيل رأيه‬
‫المبحث الثاني‪ :‬تداعيات آراء الطوفي‬
‫‪410‬‬
‫الظروف التارخيية اليت ظهرت فيها آراء الطويف‬
‫تأثري هذه الظروف على حركة االجتهاد‬
‫عصر املماليك وحركة االجتهاد‬
‫المبحث الثالث‪ :‬تداعيات آراء الطوفي في العصور الحديثة‬
‫ظروف العامل اإلسالمي وحماوالت إحياء آراء الطويف‬
‫احلملة الفرنسية على مصر والشام‬
‫آثار احلملة وحماوالت اليقظة‬
‫األفغاين وحماوالت اإلصالح‬
‫اجتاهات اإلصالح‬
‫‪ .1‬االجتاه احملافظ‬
‫‪ .2‬اجتاهات التجديد‬
‫دعوة األفغاين وحممد عبده بني النقد والتأييد‬
‫التيار األول‬
‫التيار الثاين‬
‫التيار الثالث‬
‫الباب الثاني ‪ -‬اتجاهات التجديد األسس والمنطلقات‬
‫متهيد‬
‫الفصل األول‪ :‬االتجاه العلماني‬
‫المبحث األول‪ :‬في تعريفات العلمانية‬
‫تعريف العلمانية‬
‫حتديد مفهوم العلمانية‬
‫جذور العلمانية‬
‫العلمانية يف البالد العربية واإلسالمية‬
‫المبحث الثاني‪ :‬موقف االتجاه العلماني من مصادر التشريع اإلسالمي‪.‬‬
‫اجملاهرون بعداوهتم للدين‬
‫بعض التأويالت املنحرفة لآليات القرآنية‬
‫المبحث الثالث‪ :‬االتجاه العلماني ونماذج من أعالمه‬

‫‪411‬‬
‫‪ .1‬قاسم أمني‬
‫تفسرياته اخلاطئة آليات احلجاب‬
‫أهداف دعوته للتجديد‬
‫‪ .2‬طه حسني‬
‫أهم دعاويه من خالل« يف الشعر اجلاهلي»‬
‫أهداف دعاويه وحماولة الطعن يف النص القرآين‬
‫المبحث الرابع‪ :‬حسن حنفي أنموذجا ً معاصراً‬
‫مشروعه‪« :‬الرتاث والتجديد»‬
‫اجلبهة األوىل‬
‫اجلبهة الثانية‬
‫اجلبهة الثالثة واألخرية‬
‫املآخذ على مشروعه «الرتاث والتجديد»‬
‫نقده للغة العربية‬
‫خصائص اللغة اليت اقرتحها حنفي‬
‫منهجه يف التعامل مع نصوص الوحي‬
‫الفصل الثاني‪ :‬اتجاه «إسالمية المعرفة»‬
‫متهيد‬
‫المبحث األول‪ « :‬أسلمة المعرفة» نشأته ودالالته‬
‫ظهور املصطلح‬
‫« إسالمية املعرفة» ‪ :‬املنطلق‬
‫أهم االنتقادات للمنهجية التقليدية‬
‫المبحث الثاني‪« :‬المنهجية اإلسالمية» كما يقدمها اتجاه «أسلمة‬
‫المعرفة»‬
‫أسس املنهجية وإطارها كما يقدمها أصحاب هذا االجتاه‬
‫املآخذ على تصورهم للمنهجية اإلسالمية‬
‫اجلمع بني القراءتني‬
‫املآخذ على الفكرة‬

‫‪412‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬منهجية التعامل مع القرآن الكريم‬
‫احملور األول‪ -‬إدراك طبيعة القرآن الكرمي‬
‫أ – رأي العلواين‬
‫املآخذ على رأيه‬
‫ب – رأي أيب القاسم حاج محد‬
‫املآخذ على رأيه ‪347‬‬
‫احملور الثاين – وحدة القرآن البنائية‬
‫احملور الثالث – اجلمع بني القراءتني‬
‫احملور الرابع – القراءة املفاهيمية‬
‫المبحث الرابع‪ :‬منهجية التعامل مع السنة النبوية‬
‫مفهوم حجية السنة لدى أصحاب هذا االجتاه‬
‫مفهوم أبو سليمان‬
‫مفهوم العلواين‬
‫منهج أيب القاسم محد املقرتح للتعامل مع السنة النبوية‬
‫تقومي منهجهم يف التعامل مع السنة النبوية‬
‫املبحث اخلامس‪ :‬منهجية التعامل مع الرتاث‬
‫مفهوم الرتاث لدى أصحاب هذا االجتاه‬
‫نقدهم للرتاث‬
‫املنهج املقرتح للتعامل مع الرتاث‬
‫نقد أصول الفقه أمنوذجاً‬
‫الفصل الثالث‪ :‬االتجاه السلفي المعاصر‬
‫المبحث األول – السلفية‪ :‬تعريفها ونشأتها‬
‫متهيد‬
‫نبذة خمتصرة عن السلفية‪-‬تعريفها‪ ،‬ونشأهتا‪ ،‬ومنهجها‬
‫أبرز عوامل نشأة السلفية املعارضة‬
‫منهج السلفية يف تناول قضايا العقيدة‬
‫االستدالل باخلرب املتواتر واآلحاد يف العقيدة‬

‫‪413‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬منهج دراسة العقيدة وأثره في منهج االجتهاد لديهم‪..‬‬

‫النزعة الظاهرية يف تناول قضايا االجتهاد‬


‫استدالهلم على مذهبهم‬
‫املآخذ على النزعة الظاهرية‬
‫تقومي االجتاه الظاهري واجتاه الفقهاء اآلخرين‬
‫الفصل الرابع‪ :‬االتجاه التأصيلي الشورويـ‬
‫المبحث األول‪ :‬النشأة والتطور‬
‫أصل التسمية وظروف النشأة‬
‫االجتهاد اجلماعي وبداياته‬
‫مالحظات على فكرة االجتهاد اجلماعي‬
‫المبحث الثاني‪ :‬االتجاه التأصيلي الشوروي‪ :‬األسس والمنطلقات‬
‫أنواع التشريع‬
‫‪ .1‬التشريع امللزم‬
‫‪ . 2‬التشريع احملرم‬
‫‪ .3‬التشريع املباح أو منطقة الفراغ التشريعي‬
‫املستند يف تصنيف هذا النطاق‬
‫مفهوم مصطلح «الفراغ التشريعي» لدى مستخدميه‬
‫مفهوم املصطلح لدى الشيعة‬
‫مفهوم املصطلح لدى عبد الكرمي مطيع احلمداوي‬
‫االعرتاضات على فكرة احلمداوي حول«التشريع الشوروي»‪.‬‬
‫االعرتاض األول‬
‫االعرتاض الثاين‬
‫االعرتاض الثالث‬
‫الرد على االعرتاضات‬
‫حتديد جماالت االبتالء الدنيوي يف ثالث مناطق تشريعية‬

‫‪414‬‬
‫أهم الضوابط والقيود لفكرة «التشريع الشوروي »‬
‫مصادر التشريع الشوروي‬
‫‪ .1‬التصور افيماين وقانون الفطرة‬
‫‪ .2‬أدلة األحكام الشرعية‬
‫‪ .3‬الفقه وأحكام القضاء‬
‫‪ .4‬رصيد التجربة اإلنسانية‬
‫‪ .5‬االستحسان‬
‫‪ .6‬املصاحل املرسلة‬
‫الخاتمـــــــــــةـ‬
‫الفهارس العامـة‬
‫فهرس اآليات القرآنية‬
‫فهرس األحاديث النبوية الشريفة‬
‫فهرس املصادر واملراجع‬
‫فهرس الكتب‬
‫فهرس الدوريات‬
‫فهرس مقاالت شبكة املعلومات الدولية (اإلنرتنت)‬
‫فهرس احملتويات‬

‫‪415‬‬

You might also like