Professional Documents
Culture Documents
المقدمة:
الحمد هلل الرقيب على العباد ،الهادي إلى سبيل الرشاد ،المقدر لعباده ما فيه
الخير واإلسعاد ،و الصالة و السالم على خير العباد ،سيدنا محمد الذي أرسله هللا
ليرشد الخلق إلى السداد ،ويفتيهم في أمور الدنيا و المعاد..
وبعـد:
يحظى منهج التفسير العقلي (الذي ُع ِّرف بتعاريف كثيرة) بمنزلة خاصّة بين مناهج
التفسير ،وقد اتّخذت المذاهب الكالمية (الشيعة ،المعتزلة ،األشاعرة )...بإزاء هذا
المنهج مواقف مختلفة ،وقد يطلق عليه في بعض األحيان منهج التفسير االجتهادي ،
وقد يُذكر كأحد أقسام منهج التفسير بالرأي ،وقد يُنظر إليه بنظرة مساوية لالتجاه
الفلسفي في التفسير.
لم يكن من الهين الحسم في مسألة اتجاهي العقل والنقل في تفسير القرآن الكريم في
العصور الغابرة ،فقد باتت مختلف األقوال واآلراء في الموضوع تتردد في كتب
التفسير وعلوم القرآن وغيرها ،وبقيت القضية تتأرجح بين مناصرين ومعارضين
لهذا االتجاه أو ذاك إال أنه يتوجب على الباحثين المحدثين ـ وإليهم تسند عملية
التمحيص والتدقيق والترجيح ـ أن ينتهوا إلى نتائج توفيقية واضحة تعين على تلمس
مدى إمكانية التوفيق بين االتجاهين وبحث سبل إماطة حجب التنافر والتباعد بين
االتجاهين وإقامة حوار فاعل وإيجابي بين المنهجين إنها لعمري مسؤولية وواجب
.المهتمين بعلم التفسير القرآني
تندرج ثنائية النقل والعقل في تفسير النص القرآني ضمن سلسلة من المصطلحات
الموازية عبر عنها العلماء قديما وحديثا ،فالمأثور من التفسير يقابله الرأي ،واالتجاه
النقلي يقابله االتجاه العقلي ،واألدلة السمعية تقابلها األدلة العقلية ،إلى غير ذلك من
.العبارات
وإذا كان االتجاه النقلي هو الغالب في القرون األولى ـ وهو أمر طبيعي ـ فإن
االتجاه العقلي لم يتأخر كثيرا عن ذلك ،وهو إن وحدت بذوره منذ القرن األول إال
أنه لم يطغ على مسار البحث في التفسير إال عند ظهور الفرق اإلسالمية والنحل
.واألهواء المذهبية ،وخاصة عند بزوغ االتجاه المعتزلي في التفسير
وقد اعتمد االتجاه النقلي في بداياته في عصر الصحابة والتابعين ومن بعدهم على
طريق التلقي والرواية دون مزجه بشيء من المعقول وهو ما بدا ظاهرا في طائفة
.من كتب التفسير األولى
بقي االتجاه النقلي محتفظا بسماته العامة من حيث االعتماد على نقل المأثور
والرواية والتلقي إلى أن أخذت الرواية باإلسناد تتراجع شيئا فشيئا ،فكانت عملية
اختصار األسانيد أول األمر ،ثم تمت بعد ذلك تعرية األقوال من كل نسبة لقائليها،
فبدأ الوضع يقتحم مجال التفسير ،وأضحى الصحيح من األقوال يمتزج بالسقيم،
فاختلط األمر على كثير من المتأخرين الذين ما فتئوا ينقلون كل ما يبلغهم على
أساس كونها حقائق ثابتة صحيحة ،ولم يتوان كثير من المفسرين في إضافة ما سنح
لهم من آراء وإقحام كثير من األقوال التي ال تمت إلى المأثور والمنقول بصلة.
.وهكذا أصبح التفسير المدون مزيجا من التفسير النقلي والفهم العقلي
أسباب اختيار الموضوع:
يأتي سبب اختيار هذا الموضوع من خالل االهتمام المتزايد لشباب بهذا التيار
اإلسالمي ،و الذي يعود إلى النمو السريع في حجمه و أهميته ،وقد انتشر االتجاه
العقلي ومنهجه على منصات اإلنترنت بشكل واسع في الدول اإلسالمية و غير
اإلسالمية ،وكذا المغرب أيضا ما يزال في بدايته ،فأصبحت تقدم هذه التيارات
تفسيرات للشريعة اإلسالمية ملبية الحتياجات واسعة من المتابعين لها .
أهمية البحث:
تكمن أهمية هذا البحث في أهمية الموضوعـ الذي يتناوله وهو التفسير العقلي
مناهجه و تطوره ذلك أن هذا االتجاه تتنوع أدواته ووسائله و أساليبه ،وتوجه أنظار
الماليين في العالم نحو تفاسيره ،و بالتالي و كجزء أساسي من التفسير االجتهادي
.تطلب األمر وجود هيئات تضمن تحقيق تفسير وفق إطار الشريعة اإلسالمية
أهداف البحث:
تتميما لما سبق ،و تفعيال له ال بد من الباحث من تسطير مجموعة من األهداف التي
تتخذ نبراسا وبوصلة وتوجهه في مراحل البحث والتي يمكن حصرها مبدئيا في :
إزالة التشوهات في التفسير العقلي.
تسليط الضوء على مكونات المدارس العقلية.
توصيف ضوابط الشرعية لذى المفسر.
إظهار عمق النظرة اإلسالمية في التفسير العقلي.
إظهار تاريخ التفسير العقلي.
تحقيق مقاصد التفسير العقلي.
إشكالية البحث:
تنبع مشكلة بحثنا من مدارس التفسير العقلية المعاصرة كأحد مصادر التشريع
اإلسالمي ،وكذا التفسير العقلي الشرعي الذي تقوم به مختلف الهيئات
الشرعية المرتبطة بها .األمر الذي يفرض تقديم إجابات إشكاالت عديدة منها:
إلى أي حد يمكن اعتبار التفسير العقلي مصدرا مستقال لتشريع؟ وهل يستجيب
لمعايير وضوابط التفسير؟
ما يميز هذا البحث:
محاولة اإلجابة عن تساؤالت أفرزها التفسير العقلية ،..على سبيل المثال هل
يجوز للعقل أن يقوم بوظيفة التدقيق الشرعي؟
تصميم البحث:
أما فيما يخص محتوى البحث بشكل عام سأقسم بحثي الى ثالث فصول ،مسبوقا ً
بمقدمة ،ومختتما ً بخاتمة وفهارس فنية .فالمقدمة تشتمل على أسباب اختيار البحث،
وأهميته ،والدراسات السابقة ،والمنهج الذي سلكته.
الفصل الثاني :النظر العقلي في تفسير القرآن الكريم عند المدرسة العقلية القديمة.
المبحث األول :المدرسة العقلية القديمة (المعتزلة)،ـ تعريفها ،نشأتها ،سبب تسميتها.
المبحث الثاني :األصول الخمسة العقدية عند المعتزلة.
المبحث الثالث :منهج المدرسة العقلية القديمة في تفسير القرآن الكريم.
الفصل الثالث :النظر العقلي في تفسير القرآن الكريم عند المدرسة العقلية الحديثة.
المبحث األول :المدرسة العقلية الحديثة ،تعريفها ،ونشأتها ،وأهم رموزها.
المبحث الثاني :العالقة بين المدرسة القديمة والحديثة.
المبحث الثالث :منهج المدرسة العقلية الحديثة في تفسير القرآن الكريم