You are on page 1of 10

‫في القراءة ونظرية التلقي‬

‫إعداد ‪ :‬ذ‪ .‬رشيد لولو‬

‫‪23/11/2011‬‬
‫تقديم‬

‫‪ I‬ـ التعريف اللغوي واالصطالحي للقراءة‬


‫‪ 1‬ـ التعريف اللغوي‬
‫‪ 2‬ـ التعريف االصطالحي‬
‫‪ II‬ـ نظرية القراءة وجمالية التلقي‬
‫‪ 1‬ـ تأثر النظرية بالفلسفة الظاهراتية‬

‫‪ 2‬ـ تأثر النظرية بالهرمينوطيقا ( التأويلية )‬


‫‪III‬ـ مرتكزات نظرية التلقي‬
‫‪ 1‬ـ القارئ‬
‫‪ 2‬ـ بناء المعنى‬
‫‪ 3‬ـ أفق االنتظار‬
‫‪ IV‬ـ القراءة بين " ياوس " و" إيزر"‬
‫‪1‬ـ القراءة وسيرورة التأويل عند ياوس‬
‫‪2‬ـ فعل القراءة وبناء المعنى عند إيزر‬

‫خاتمـــــة‬
‫تقديم ‪:‬‬

‫شغل مصطلح " القراءة " حيزا كبيرا في الدراسات النقدية المعاصرة ‪ ،‬وتناوله‬
‫الدارسون من زوايا مختلفة ‪ ،‬بحسب التوجهات والمرجعيات األدبية ‪ ،‬مما أدى إلى اختالف‬
‫الرؤى حول تحديد مفهوم " القراءة " كما أضفى على الموضوع صبغة إشكالية تزداد اتساعا‬
‫كلما تعمقنا أكثر في تفاصيله ‪ .‬فما القراءة ؟ وكيف برزت باعتبارها مفهوما ضمن ما يسمى‬
‫بنظرية التلقي ؟ وماهي أهم العوامل التي ساعدت في بلورة هذه النظرية ؟ وماهي أهم‬
‫المرتكزات التي قامت عليها نظرية التلقي ؟ وكيف ساهم روادها في تحديد مفهوم للقراءة ؟‬
‫هذا ما سنحاول اإلجابة عنه من خالل مقاربتنا لهذا الموضوع ‪.‬‬

‫‪I‬ـ التعريف اللغوي واالصطالحي ‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ التعريف اللغوي ‪:‬‬

‫ويقر ُؤه ‪ ،‬قرأ ً ‪ ،‬وقراءة ‪ ،‬وقرآنا ‪ ،‬تاله‪.‬‬


‫ُ‬ ‫جاء في لسان العرب " قرأ الكتاب ‪ ،‬يقرأُه ‪،‬‬

‫قرءا ً وقرآنا ً ‪ ،‬جمعه وضم بعضه إلى بعض ‪،‬‬


‫وقرأ عليه السالم ‪ ،‬أبلغه إياه ‪ ،‬وقرأ الشيء ْ‬
‫وأقرأه إقرا ًء ‪ ،‬جعله يقرأ ‪.‬‬

‫واقترأ الكتاب اقترا ًء تاله ‪ ،‬واستقرأهُ استقرا ًء طلب أن يُقرأ ‪ ،‬واستقرأ األمور تتبع‬
‫أقراءها لمعرفة أحوالها وخواصها ‪ ،‬والقارئ ‪ ،‬اسم فاعل ‪ ،‬والجمع قرأَة ٌ وقرا ٌء ‪ ،‬وقارئون ‪،‬‬
‫والقراءة مصدر ‪ ،‬وعند القراء ‪ :‬أن يقرأ القرآن تالوة أي متتابعا أو أدا ًء ‪ ،‬أي أخذا عن‬
‫المشايخ ‪،‬والجمع قراءات ‪]i[".‬‬

‫‪ 2‬ـ التعريف االصطالحي ‪:‬‬

‫ورد في معجم المصطلحات األدبية المعاصرة ما يلي ‪ " :‬القراءة ‪ ، lecture‬و(القراءة )‬


‫هي فك كود الخبر المكتوب ‪ ،‬وتأويل نص أدبي ما "[‪. ]ii‬‬

‫وورد في معجم ديداكتيك اللغات ما يلي ‪ " :‬تعني القراءة هنا ( في السيميائيات األدبية )‬
‫تشغيل مجموعة من عمليات التحليل ‪ ،‬وتطبيقها على نص ُمعطى ‪ ،‬وتقدم هذه القراءة نفسها‬
‫كإنتاج مقابل للوصف أو الشرح الكالسيكي للنص االدبي ‪ ،‬إنها قراءة الشتغال النص ‪ ،‬أي‬
‫للعمليات التي تؤسسه كنص من النصوص ‪]iii[ "...‬‬

‫يقول الدكتور محمد حمود ‪ " :‬فالقراءة في استعمالها العادي ‪ ،‬خطية من جهة اهتمامها‬
‫بفك ألغاز الصيغة الخطية للمكتوب ‪ ،‬وعمودية من جهة اختراقها ألفقية المنطق الخطي ‪،‬‬
‫نحو منطق عمودي يقصد فيه إلى إدراك الدالالت المنطوية والمتوارية في ثنايا المكتوب‬
‫"[‪.]iv‬‬
‫‪II‬ـ نظرية القراءة وجمالية التلقي ‪:‬‬

‫ظهرت نظرية التلقي أواسط الستينات ‪ ،‬على يد النقاد األلمان ‪ ،‬ضمن ما عرف بمدرسة‬
‫" كانستانس " (‪ ، ) 1966‬ومن أبرز رواد هذه النظرية ‪ ،‬هانس روبرت ياوس ‪ ،‬وفولفغانغ‬
‫إيزر ‪.‬‬

‫وجاءت هذه النظرية لتثور على المناهج السابقة ‪ ،‬ونقصد بها المناهج السياقية ( خارج‬
‫نصية ) التي اتخذت من السياقات التاريخية والنفسية واالجتماعية ركائز لها لولوج النص‬
‫وفك رموزه ‪ ،‬كما ثارت أيضا على المناهج البنيوية التي ترى النص مجموعة من العالمات‬
‫اللغوية التي ت غنينا عن النظر إلى السياقات التي جاء في إطارها ‪ ،‬وذلك عبر التفكيك وإعادة‬
‫التركيب ‪.‬‬

‫ومن أهم المبادئ التي جاءت بها نظرية التلقي أنها أعادت االهتمام بالقارئ واعتبرته‬
‫محورا أساسيا في العملية األدبية ‪ ،‬لكونه المعني األول بالخطاب األدبي ولكونه الطرف‬
‫المباشر في التفاعل مع النص وصياغة معناه ‪.‬‬

‫وتجدر اإلشارة هنا إلى أن هذه النظرية لم تنشأ بمعزل عن المناهج والحقول المعرفية‬
‫التي سبقتها‪ ،‬ولكنها استفادت بشكل كبير من الشكالنية الروسية ‪ ،‬وكذلك بنيوية براغ ‪،‬‬
‫وغيرها ‪ ،‬وكان أهم ما ارتكزت عليه هذه النظرية استثمارها لفلسفتين عرفتا في ألمانيا‬
‫خاصة وهما ‪ :‬الظاهراتية ‪ ،‬والهرمينوطيقا ‪.‬‬

‫‪ 1‬ـ تأثر النظرية بالفلسفة الظاهراتية ‪:‬‬


‫تتصل " نظرية جمالية التلقي " بالظاهراتية اتصاال وثيقا ‪ ،‬حيث إن أغلب المفاهيم التي‬
‫جاءت بها هذه الفلسفة الذاتية عن طريق أعالمها " هوسرل " و" انغاردن " ‪ ،‬قد تحولت إلى‬
‫أسس نظرية ومفاهيم إجرائية في كثير من الحقول المعرفية ‪ ،‬فما هي الظاهراتية ؟‬

‫" تعتبر الظاهراتية إحدى األفكار األساسية في فلسفة القرن العشرين ‪ .‬وما يجمع بين‬
‫المفكرين الداعين لها هو لجوؤهم إلى المسعى الفكري نفسه أكثر مما تجمعهم وحدة المعتقد ‪.‬‬
‫والواقع أن الظاهراتيين يرمون إلى معالجة المشكالت الفلسفية من خالل وصف كبريات‬
‫أنواع التجارب اإلنسانية ‪.‬والفكرة االساس التي تقوم عليها الظاهراتية هي أن لكل تجربة من‬
‫تجاربنا شكال خاصا تقتضيه طبيعة الشيء الذي هي بصدد تناوله ‪ ،‬بحيث يكون في وسعي‬
‫وأنا أحلل بنية تجربة معينة الوصول إلى خطاب قابل ألن يجيب عن التساؤالت المطروحة‬
‫حول الشيء المذكور ‪]v[ "...‬‬

‫لقد نشأت الفلسفة الظاهراتية كردة فعل معاكسة لفلسفة ديكات التي تنطلق من الذات في‬
‫التفكير الفلسفي ‪ ،‬في حين أتخذت من التأمل في األشياء والموجودات منطلقا لها ‪ ،‬في صياغة‬
‫أفكارها الفلسفية ‪ ،‬فما لبثت أن تلقفها أصحاب الفلسفة الوجودية وعلى رأسهم " سارتر " ‪.‬‬
‫يقول أنطوان خوري ‪ " :‬وعندما تلقف الفالسفة الوجوديون المنهج الفونومونولوجي ‪ ،‬لم‬
‫يشاءوا تطبيقه دون بعض التعديل ‪ ،‬وال غرابة في ذلك ألن المنهج يقتفي الموضوع ‪ .‬وهؤالء‬
‫الفالسفة ما سموا وجوديين إال ألنهم جعلوا من الوجود (اإلنساني) موضوع تأمالتهم‬
‫اإلنسانية ‪]vi["..‬‬

‫من هنا يتضح لنا ‪ ،‬أن فنومنولوجية " انغاردن " جعلت من المتلقي ركنا أساسيا في‬
‫إدراك العمل األدبي ‪ ،‬وأعطت لهذا اإلدراك أساسا موضوعيا ‪ ،‬وماديا ‪ ،‬فالقارئ يمأل‬
‫فراغات النص الموجودة فيه ‪ ،‬ألن إدراك الظاهرة األدبية ‪ ،‬ال تتحقق عيانا إال بوجوده‪]vii[.‬‬

‫يقول " هوالب " (وقد ركز " إنغاردن" على العالقة القائمة بين النص والقارئ ‪ .‬وأكد‬
‫على دور المتلقي في تحديد المعنى ‪ ،‬كما أنه له دور في العمل األدبي وذلك حين يعمل خياله‬
‫في ملء الفجوات و الفراغات في النص التي يكتمل بها العمل األدبي) [‪.]viii‬‬

‫‪ 2‬ـ تأثر النظرية بالهرمينوطيقا ( التأويلية ) ‪:‬‬


‫" كلمة ‪( hermeneutics‬هرمينوطيقا ) هي التعبير األنكليزي للكلمة اليونانية‬
‫الكالسيكية ‪ ( hermeneus‬هرمس ) ‪ ،‬وتعني المفسر أو الشارح ‪ ،‬وفي موضوع من‬
‫كتابات الفيلسوف أفالطون وصف الشعراء بأنهم " مفسري هللا " ‪...‬تتعلق الهرمنوطيقا إذا‬
‫بـ" التفسير " وحتى بـ " الترجمة " خاصة في ما له عالقة بتفسير النصوص المقدسة ‪ ،‬التي‬
‫يع تبرها المؤمنون ‪ ،‬وحيا إلهيا أو " كلمة هللا " ‪ ...‬ليست القراءة مجرد البحث عن المعاني ‪،‬‬
‫في النصوص ‪ ،‬بل هي أيضا أنحاء التأثير الذي تتركه النصوص فينا ‪ ،‬إذ يمكنها أن تغضبنا‬
‫أو تخيفنا ‪ ،‬أو ِّ‬
‫تعزينا ‪ ،‬فتأثير الكتابة فينا يتجاوز مجرد فهمنا لها ‪.‬وهذا ما نسميه أحيانا‬
‫نموذج " األدب ـ كفعالية " الذي ال يعتبر النصوص مجرد تعابير لغوية ‪ ،‬بل هي أيضا أداء‬
‫وفعالية ‪ .‬قدرة النصوص على جعلنا نقوم بأشياء ‪ ،‬هي نفس القدرة التي تجعلنا نفهم المعنى‬
‫الكامن فيها ‪ .‬وسيتضح ـ كما آمل ـ بأن الهرمنوطيقا لم تكن أبدا سكونية ‪ ،‬إذ أن الكيفية التي‬
‫نقرأ بها النصوص ونفهمها ‪ ،‬هي متغيرة باستمرار تماما كما يتغير فهمنا ألنفسنا ‪]ix[".‬‬

‫لقد عضد رواد جمالية التلقي ـ ياوس بخاصة ـ افتراضاتهم في شرعية اسهام الذات‬
‫المتلقية في بناء المعنى من خالل آراء الفيلسوف " هانس جورج غادامير " في مفهوم‬
‫التأويل ‪ .‬وقد ارتبط أصل التأويل عنده مع االهتمام باكتشاف المعنى الصحيح للنصوص (‬
‫خاصة النصوص المقدسة ) حيث كان يرى بأن " التأويلية تطالب بتقنيات خاصة ‪ ،‬عن‬
‫المعنى األصلي في كال التقليدين ‪ :‬األدب اإلنساني والتوراة " ‪ ،‬مما يعني أن " غدامير "‬
‫يركز على الذات ( القارئ ) كقوة فاعلة في عملية الفهم والتأويل ‪ ،‬ويحاول أن يجعل من هذه‬
‫العملية ‪ ،‬عملية موضوعية بحتة ‪ ،‬وهذا ما يتضح أيضا في فهمه للتاريخ ( الماضي ) ‪ ،‬فهو‬
‫يخضع تأثيرات الماضي لفهم الذات ‪]x[.‬‬
‫‪III‬ـ أهم المرتكزات في نظرية التلقي ‪:‬‬

‫لقد ارتكزت نظرية التلقي على ثالث محاور تدور حولها ‪ ،‬وتشكل دعامتها األساسية ‪،‬‬
‫وهي ‪ :‬القارئ ـ بناء المعنى ـ أفق التوقعات ‪.‬‬

‫‪ 1‬ـ القارئ ‪ :‬لقد سبق وأشرنا في بداية هذا العرض إلى الدور الكبير الذي أولته نظرية‬
‫التلقي للقارئ ‪ ،‬حيث جعلته المحور الذي تدور حوله العملية األدبية في تلقي النصوص ‪،‬‬
‫وإنتاج المعنى ‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ بناء المعنى ‪ :‬لتحديد المعنى عند أصحاب هذه النظرية ‪ ،‬البد من التعريج على مفهوم‬
‫" الفجوات " أو " البياضات " داخل النص ‪ ،‬وكيف يسهم القارئ في ملئها ‪ ،‬لبناء المعنى ‪،‬‬
‫وفي هذا الصدد يقول " امبرطو إكو " ‪ :‬إذا فالنص إن هو إال نسيج فضاءات ‪ ،‬و(فرجات )‬

‫سوف تمأل ‪ ،‬فيتركها بيضاء لسببين ‪ :‬األول ‪ ،‬وهو أن النص يمثل آلة كسولة ( أو‬
‫مقتصدة ) تحيا من قيمة المعنى الزائدة التي يكون المتلقي قد أدخلها ( إلى النص ) ‪]xi["...‬‬

‫‪ 3‬ـ أفق التوقعات ‪ (،‬أو أفق االنتظار) ‪:‬‬

‫لقيد بين الدكتور عبد العزيز حمودة أن محور نظرية التلقي الذي يجمع عليه روادها ‪،‬‬
‫هو أفق التوقع ‪ ،‬قائال ‪ " :‬إن محور نظرية التلقي الذي ال يختلف عليه أي من أقطاب النظرية‬
‫منذ ظهوره في الثالثينات حتى الثمانينات ‪ ،‬هو " أفق توقع القارئ " في تعامله مع النص ‪.‬قد‬
‫تختلف المسميات عبر الخمسين عاما ‪ ،‬ولكنها تشير إلى شيء واحد ‪ :‬ماذا يتوقع القارئ أن‬
‫يقرأ في النص ؟ وهذا التوقع ‪ ،‬وهو المقصود ‪ ،‬تحدده ثقافة القارئ ‪ ،‬وتعليمه ‪ ،‬وقراءاته‬
‫السابقة ‪ ،‬أو تربيته األدبية والفنية )[‪]xii‬‬

‫ويقول محمد خرماش ‪ " :‬وقد كان مفهوم "أفق االنتظار" بمثابة حجر الزاوية في نظرية‬
‫ياوس التي استهدفت تجديد تاريخ األدب الذي لم يكن يستند إلى الوقائع األدبية نفسها بقدر ما‬
‫كان يستند إلى ما تكون حولها من آراء أو أحكام لدى األجيال المتعاقبة؛ وهي أحكام قد ال‬
‫تكون ناتجة عن التلقي المتعاود للعمل األدبي‪ ،‬وال عن بنيته الحقيقية‪ ،‬وإنما عما ورثه الخلف‬
‫عن السلف مما قيل عنها وتشبعت به األفكار تجاهها‪ ،‬أو تجاه نوعها وثقافتها‪ .‬ولذلك فتاريخ‬
‫األدب هو في الغالب تاريخ لتلك التلقيات أو آفاق االنتظار المتكونة‪ ،‬وليس تاريخا للنصوص‬
‫األدبية في حد ذاتها‪ .‬ومن ثم تكون المهمة األولى لجمالية التلقي عنده هي إعادة تكوين أفق‬
‫انتظار الجمهور األول الستكشاف سيرورة التلقي ومعرفة كيفية تحاور القراء مع النصوص‪،‬‬
‫وهذا يستدعي عنده تحديد عوامل ثالثة ‪:‬‬

‫أ ‪ -‬الخبرة السابقة التي يملكها الجمهور القارئ عن النوع األدبي الذي ينتمي إليه النص‬
‫المقروء‪.‬‬

‫ب ‪ -‬التشكيالت الموضوعية التي يفترض النص معرفته بها‪ ،‬أو ما يسمى بكفاءة‬
‫التناص‪.‬‬
‫ج ‪ -‬مدى المعرفة أوالتمييز بين اللغة الشعرية أو الجمالية واللغة العملية العادية‪ ،‬بين‬
‫العالم التخييلي والعالم اليومي‪]xiii[ ".‬‬

‫‪ IV‬ـ القراءة بين " ياوس " و" إيزر " ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ القراءة وسيرورة التأويل عند ياوس ‪:‬‬

‫يعتبر هانس روبير ياوس من أنشط رواد " جمالية التلقي " الذين دافعوا عن تجاوز‬
‫النظرة األحادية في تقويم األدب‪ ،‬وطالبوا بفهم القراءة على أنها فعل تحاور وجدل بين النص‬
‫ومتلقيه أو بين النص وعملية التلقي التي يحركها وتحركه؛ إذ النص األدبي بنية تقديرية ‪-‬‬
‫كما يقول ياوس‪ -‬ولذلك فهو يحتاج إلى دينامية الحقة تنقله من حالة اإلمكان إلى حالة اإلنجاز‬
‫ومن حالة الكمون إلى حالة التحقق؛ بمعنى أنه ال يجوز القول بوجود المعنى الجاهز أو‬
‫النهائي في النص‪ ،‬وإنما معناه المرتقب ناتج عن فعل القراءة وفعاليتها التي هي عبارة عما‬
‫سيتولد بين الن ص وقارئه‪ ،‬بين البنية األصلية أو السنن األول وبين خبرات القارئ أو "أفق‬
‫انتظاره"‪ .‬وبذلك يكون ياوس قد عمل على نقل االهتمام من ثنائية الكاتب‪/‬النص‪ ،‬إلى جدلية‬
‫النص‪/‬القارئ‪]xiv[.‬‬

‫‪ 2‬ـ فعل القراءة وبناء المعنى عند وولف گانگ إيزر ‪:‬‬

‫لم يهتم إيزر بما هو متكون وإنما بما يمكن أن يتكون‪ ،‬أي بتشكل النص في وعي القارئ‬
‫الذي يسهم في بناء معناه‪ .‬ولذلك اعتبر أن لألدب قطبين‪ ،‬هما القطب الفني وهو النص كما‬
‫أبدعه المؤلف‪ ،‬والقطب الجمالي وهو التفعيل الذي ينتجه القارئ‪ .‬وهذا يعني أن اإلنتاج‬
‫األدبي ال يتطابق مع النص األصلي وال مع القراءة‪ ،‬وإنما هو األثر الذي يحدث نتيجة تفاعل‬
‫القارئ مع ما يقرأه ‪ ،‬ومن ثم ال ينبغي البحث في النص عن معنى مخبوء‪ ،‬وإنما ينبغي‬
‫استطالع ما يعتمل في نفس القارئ عندما يقرأ‪ .‬وهو إذ يقرأ فإنما يقرأ على هدى من النص‪،‬‬
‫وبإرشاد الترسيمات التي يوفرها له والتي تتكفل القراءة بتنفيذها‪ .‬فهو إذن قارئ ُمقَدر في بنية‬
‫النص ذاته‪]xv[.‬‬

‫ومعنى هذا أن بناء المعنى ناتج عن تدخل القارئ وتفاعله مع النص المقروء ‪ ،‬وذلك عن‬
‫طريق ملء الفراغات ‪ ،‬أو " البياضات " التي تتخلل النص ‪ .‬يقول هوالب " لقد احتل‬
‫عرف البياض‬ ‫البياض موقعا رئيسيا في تأمل إيزر منذ مقالته " ‪ "appellstruktur‬حيث ِّ‬
‫مثل موقع " الالتحديد " إلنغاردن ‪...‬ومع أن جزءا كبيرا من هذا المقال المبكر خصص‬
‫للبياضات والالتحديد ‪ ،‬إال أن الشيء الذي يتكون منه البياض بالضبط لم يتم تحديده نهائيا ‪،‬‬
‫لكن يمكن للمرء أن يتخيل أن غياب هذا التعريف كان مقصودا من قبل إيزر ‪]xvi["...‬‬

‫وهي البياضات والفراغات واالنقطاعات الموجودة عنوة في النص‪ ،‬والتي تسمح للقارئ‬
‫بالتدخل كي يمألها ولذلك يسميها إيزر "الفراغ الباني" ويمكن أن تشمل ‪:‬‬
‫‪ -‬االنفكاكات التي تدعو القارئ إلى وصلها‪.‬‬

‫‪-‬إمكانية االنتفاء التي تدعو إلى التعصب ضد بعض ما يقدمه النص كحقائق أو مسلمات‪،‬‬
‫وتحفز القارئ على التفكير والبحث عن التالؤم وإيجاد الوضعية المشتركة‪ .‬ولذلك يرى إيزر‬
‫أن المعنى ينبني وفق قوانين تؤسس في غمار القراءة‪ ،‬وأن االنتفائية هي أساس التواصل أو‬
‫الحواراإليجابي بين النص والقارئ‪ .‬ويمكن أن تتمثل االنتفائية في الشكل حيث تبيح عدة‬
‫افتراضات‪ ،‬كما تتمثل في المحتوى حيث تثير االنتباه إلى األصل المخفي أوالعناصرالغائبة‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى فإن إيزر يميز بين بياضات وصلية يغفلها النص ليستخلفه القارئ في‬
‫ترميمها‪ ،‬وبين بياضات فصلية هي حاصل العالقة بين المكتشَف والمستكشَف في النص أو‬
‫ما يسميه إيزر بالموضوعة ‪ thème‬واألفق ‪ horizon‬وهو المكان الفارغ من المعنى أو‬
‫الخلفية المجردة من التالؤم الموضوعاتي‪]xvii[.‬‬

‫خاتمـة ‪:‬‬
‫نخلص في نهاية هذا العرض إلى األهمية التي حظي بها القارئ والمكانة التي بوأته‬
‫ورفعته إليها نظرية التلقي ‪ ،‬مما شكل ثورة على المناهج السابقة التي أهملت دور القارئ في‬
‫العملية األدبية ‪ .‬وإذا كان القارئ قد أعطي كامل الصالحيات في إنتاج المعنى وصياغته ‪،‬‬
‫عبر التفاعل مع النصوص ‪ ،‬فإن هذه الصالحيات ال تخلو من مقيدات تكبح جماح القارئ‬
‫حتى ال ينزلق في متاهات الذاتية المفرطة ‪ ،‬والتي قد تزحزحه عن ترسم خطوات النص‬
‫والقفز على قصدية المؤلف‪ .‬وإذا كان األمر كذلك‪ ،‬فما هي مواصفات هذا القارئ الذي يعول‬
‫عليه في بناء المعنى وإنتاجه ؟‬

‫الئحة المصادر والمراجع‬

‫ـ لسان العرب البن منظور ‪ ،‬طبعة دار الفكر ‪ /‬دار صادر ‪ ،‬بيروت‬

‫ـ معجم المصطلحات األدبية المعاصرة ‪ ،‬سعيد علوش ‪ ،‬دار الكتاب اللبناني ‪ ،‬بيروت ‪،‬‬
‫‪1985‬‬

‫ـ تدريس األدب ‪ ،‬استراتيجية القراءة واإلقراء ‪ ،‬محمد حمود ‪ ،‬منشورات ديداكتيكا ‪،‬‬
‫الدار البيضاء ‪1993 ،‬‬

‫ـ نظرية التلقي ( مقدمة نقدية ) ‪ ،‬روبرت هوالب ‪ ،‬ترجمة خالد التوزاني ‪ ،‬الجياللي‬
‫الكدية ‪ ،‬منشورات عالمات‪1999 ،‬‬

‫ـ مجلة عالمات ‪ ،‬العدد ‪17‬‬

‫ـ مدخل إلى الهرمينوطيقا ‪ ،‬ترجمة وجيه قانصو ‪ ،‬منشورات االختالف ‪2007 ،‬‬
‫ـ مدخل إلى الفلسفة الظاهراتية ‪ ،‬انطوان خوري ‪ ،‬دار التنوير للطباعة والنشر ‪ ،‬الطبعة‬
‫‪. 1984 : 1‬‬

‫ـ القارئ في الحكاية ‪ ،‬امبرطو إكو ‪ ،‬ترجمة أنطوان أبو زيد ‪ ،‬المركز الثقافي العربي‬
‫‪. 1996،‬‬

‫ـ المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيك ‪ ،‬عبد العزيز حمودة ‪ ،‬سلسلة عالم المعرفة ‪،‬‬
‫أبريل ‪. 1998 ،‬‬

‫ـ فعل القراءة وإشكالية التلقي ‪ ،‬محمد خرماش ‪ ،‬بحث مقدم لمؤتمر النقد األدبي السابع ‪،‬‬
‫جامعة اليرموك ‪ ،‬إربد ‪ ،‬األردن ‪20‬ـ‪. 1998 / 07/ 22‬‬

‫ـ تأثير جمالية التلقي األلمانية في النقد العربي ‪ ،‬علي بخوش ‪ ،‬بحث مقدم ضمن ندوة‬
‫عقدتها جامعة محمد خيضر ‪ ،‬بسكرة ‪ ،‬الجزائر ‪ ،‬سنة ‪. 2008‬‬

‫رشيد لولو ‪11 :‬ـ‪ / 2011‬إشراف الدكتور م‪ .‬شرف العرب الداودي‬

‫]‪ )[i‬ـ ابن منظور ‪ ،‬لسان العرب ‪ ،‬مادة ( قرأ‬

‫]‪.[ii‬المعاصرة ‪ ،‬دار الكتاب اللبناني بيروت ‪ 1985‬ـ سعيد علوش ‪ ،‬معجم المصطلحات األدبية‬

‫]‪[iii‬ديداكتيكا ( الدار البيضاء ) ‪ 1993‬محمد حمود ‪ ،‬تدريس األدب ‪ :‬استراتيجية القراءة واإلقراء ‪ ،‬منشورات ـ نقال عن‬

‫]‪[iv‬ـ محمد حمود ‪ ،‬تدريس األدب ص ‪18 :‬‬

‫‪ .‬حسن الطالب ‪ ،‬مجلة عالمات العدد ‪ 17‬ص ‪ : 108‬ـ فليب هونيمان ‪ ،‬إستيل كوليش ‪ ،‬ترجمة‬ ‫]‪[v‬‬

‫]‪[vi‬الظاهراتية ‪ ،‬ص ‪ 35 :‬ط ‪ 1984 ، 1‬ـ أنطوان خوري ‪ ،‬مدخل إلى الفلسفة‬

‫]‪[vii‬األلمانية في النقد العربي ‪ ،‬ص ‪ 3 :‬ـ علي بخوش ‪ ،‬تاثير جمالية التلقي‬

‫]‪[viii‬التوزاني ‪ ،‬الجاللي الكدية ‪،‬منشورات عالمات ‪ ،‬ص ‪ 85‬ـ روبرت هوالب ‪ ،‬نظرية التلقي ‪ ،‬ترجمة خالد‬

‫]‪[ix‬ترجمة وجيه قانصو ‪ ،‬منشورات االختالف ‪ ،‬ص ‪ 21 :‬ـ ‪ 22‬ـ دافيد جاسبر ‪ ،‬مقدمة في الهرمنوطيقا ‪،‬‬

‫]‪[x‬التلقي األلمانية في النقد العربي ‪ ،‬ص ‪ 3 :‬ـ علي بخوش ‪ ،‬تأثير جمالية‬

‫]‪[xi‬الحكاية ‪ ،‬ترجمة أنطوان أبو زيد ‪ ،‬المركز الثقافي العربي ‪ ، 1996‬ص ‪ 63 :‬ـ أمبرطو إكو ‪ ،‬القارئ في‬
‫]‪[xii‬المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيك ‪ ،‬ص ‪ 323 :‬ـ عبد العزيز حمودة ‪،‬‬

‫األردن وإشكالية التلقي ‪ ،‬بحث مقدم لمؤتمر النقد األدبي السابع ‪ ،‬جامعة اليرموك ‪ ،‬إربد ‪ ،‬ـ محمد خرماش ‪ ،‬فعل القراءة‬
‫]‪20[xiii‬ـ‪1998 / 07/ 22‬‬

‫]‪ .[xiv‬ـ نفسه‬

‫]‪ .[xv‬ـ نفسه‬

‫]‪[xvi‬التلقي ‪ ،‬ص‪ 85 :‬ـ روبرت هوالب ‪ ،‬نظرية‬

‫األردن وإشكالية التلقي ‪ ،‬بحث مقدم لمؤتمر النقد األدبي السابع ‪ ،‬جامعة اليرموك ‪ ،‬إربد ‪ ،‬ـ محمد خرماش ‪ ،‬فعل القراءة‬
‫]‪20[xvii‬ـ‪1998 / 07/ 22‬‬

You might also like