You are on page 1of 20

000-090‫ ص‬/0100 ‫السنة‬/10‫العدد‬/07‫املجلد‬ ‫مجلـة النص‬

‫نظرية التلقي وأطروحاته‬


The theory of receptivity and his theses
*‫ الشريف مرزوق‬.‫د‬
‫ الجزائر‬،‫جامعة أم البواقي‬
merzcherif05@gmail.com
0100-10-11‫تاريخ القبول‬ 0100-10-01‫تاريخ التقييم‬ 0100-10-09‫تاريخ االرسال‬
:‫امللخص‬
.‫حظيت العالقة بين النص وامللتقي باهتمام الكثير من الدارسين في مختلف االختصاصات‬
‫ والتي تعد إحدى أهم النظريات في ميدان‬،‫ويحاول هذا البحث أن يقف على نظرية التلقي‬
‫ مركزا على‬،‫ ومكانتها قديما وحديثا‬،‫ وفاعليتها‬،‫ مبينا حقيقتها‬،‫الدراسات األدبية واالتصالية‬
‫ التي اتخذتها املقاربة االرتباطية املنطلقة من شخصية املتلقي‬،‫أطروحات فعل التلقي األربع‬
.‫ مع بيان أنماط التلقي واملتلقي‬،‫ ومشاركته في الفعل االتصالي‬،‫وتجاربه‬

.‫ نظرية ؛ تلقي ؛ متلقي ؛ أطروحة ؛ أنماط‬: ‫الكلمات املفتاحية‬

Abstract
The relationship between the text and receiver has considered by many scholars
in various disciplines.
This research tries to stand on the receptive theory, which is one of the most
important theories in the field of literary and communication studies, indicating its
truth, effectiveness, and position in the past and present, focusing on the four
treatises of the act of receiving, which was taken by the relational approach based
on the personality of the recipient and his experiences, and his participation in the
communicate action, indicating reception and recipient patterns.
Keywords : theory ; receiving ; recipient ; thesis ; types.
:‫*املؤلف املراسل‬

192
‫املجلد‪/07‬العدد‪/10‬السنة ‪ /0100‬ص‪000-090‬‬ ‫مجلـة النص‬

‫مقدمة ‪:‬‬
‫يشكل موضوع التلقي جانبا هاما في حقل الدراسات األدبية‪ ،‬واالتصالية‪ .‬وهو‬
‫يبحث في العالقة بين النص واملتلقي‪ ،‬الذي يعد املصدر النهائي والفاعل الحقيقي في إنتاج‬
‫الدالالت ‪ ،‬وذلك نتاج التفاعل بين القارئ والنص‪ .‬وقد شكلت عالقة النص بقارئه من‬
‫أهم األطروحات النقدية الحديثة التي أحدثت ثورة في املناهج التقليدية التي اهتمت كثيرا‬
‫باملؤلف وحياته وظروفه‪ .‬وهذا اإلسهام نادى بظهور نظرية التلقي‪ ،‬التي تهتم خاصة‬
‫بالعنصر الثالث في العملية االتصالية وهو املتلقي‪ ،‬إلى جان املرسل والرسالة‪ ،‬وذلك عن‬
‫طريق إقامة نظرية خاصة به من خالل العالقة التفاعلية التي مؤداها إنتاج معاني ودالالت‬
‫وتأويالت خاصة به‪ .‬و يتعلق الحديث عن وضعية التلقي حتما الحديث عن مفهوم‬
‫تم النظر إليه انطالقا من مقاربتين رئيستين‪ ،‬األولى‪ :‬يدور محورها حول‬ ‫الجمهور‪ ،‬الذي ّ‬
‫حتمية التأثير‪ ،‬التي يكون فيها املتلقي مجرد مستهدف سلبي ال يحق له إضفاء تعديالت على‬
‫سيرورة االتصال‪ ،‬أما الثانية فهي تلك املتعلقة بالرؤية االرتباطية أو النسبية التي تتداخل‬
‫فيها عدة متغيرات لتفسير وتأويل الرسائل اإلعالمية ‪،‬انطالقا من شخصية املتلقي وتجربته‬
‫املتراكمة‪ ،‬أي أنها تدرس فعل التلقي في حد ذاته‪ .‬وانطالقا من ذلك هناك أربع أطروحات‬
‫تتعلق بمجال البحث في ميدان التلقي‪ ،‬والتي اتخذتها املقاربة الثانية كأساس تنظر إلى‬
‫التلقي بأنه بنية حقيقية تدور حول ديناميكية مشاركة املتلقي في استقباله للمضامين‬
‫اإلعالمية‪.‬‬
‫وفي هذه الدراسة الوصفية التحليلية نحاول بيان طبيعة هذه األطروحات‪ ،‬ومدى ارتباطها‬
‫بفعل التلقي؟‬
‫والغرض من ذلك التأكيد على أهمية التلقي في بعديه األدبي واالتصالي‪،‬والوقوف على آخر‬
‫ما توصل إليه الباحثون في هذا الحقل‪.‬‬
‫‪ -0‬معنى التلقي‪:‬‬
‫بداية نستعرض مفهوم التلقي‪ ،‬قد ورد في معجم "لسان العرب" البن منظور بالشكل‬
‫التالي‪ :‬تلقاه أي استقبله‪ ،‬وفالن يتلقى فالنا أي يستقبله‪ ،‬ولقاء الش يء وألقاه إليه وبه‪ ،‬وقد‬
‫ّ‬
‫فسر الزجاج قوله تعالى‪ ﴿ :‬وإنك ُلت ّلقى القرآن من ل ُد ّن حكيم عليم﴾ (النمل‪ .)0 :‬أي يلقى‬
‫فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه ُ‬
‫إنه هو‬ ‫إليك وحيا من عند هللا‪ ،‬وأما قوله تعالى‪ّ ﴿ :‬‬
‫ٍ‬

‫‪193‬‬
‫املجلد‪/07‬العدد‪/10‬السنة ‪ /0100‬ص‪000-090‬‬ ‫مجلـة النص‬

‫ُ‬
‫الرحيم﴾ (البقرة‪ .)13 :‬فمعناه أنه أخذها عنه‪ ،‬وقيل تعلمها ودعا بها )عاشور توامة‪،‬‬ ‫ُ‬
‫التواب‬
‫‪ ،0100‬ص‪. (00‬‬
‫فداللة االستعمال القرآني ملادة التلقي تنبه إلى ما تحمل هذه املادة من إيحاءات‬
‫وإشارات إلى عملية التفاعل النفس ي واالنفتاح الذهني مع الخطاب‪ ،‬حيث ترد أحيانا‬
‫مرادفة ملعنى الفهم والفطرة‪ ،‬وهي مسألة لم تغ عن ذهن بعض املفسرين واألدباء في‬
‫اإلشارة إليها )عاشور توامة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.)00‬‬
‫وتدل كلمة التلقي على استقبال ش يء ما‪ ،‬كما تدل أيضا على العناصر التي تتحكم في‬
‫قراءة جمهور معين للخطاب الفني واألدبي واإلعالمي‪ ،‬وبعبارة أخرى ذلك الفعل الذي‬
‫يمارسه الفرد كإنسان له مكوناته النفسية والذهنية واالنفعالية واالجتماعية لتفسير ما‬
‫يقدم له هذا املعنى‪ ،‬حيث يتضمن اإلحساس والذكاء واإلدراك وبناء املعنى (مخلوف بوكروح‪،‬‬
‫‪.)0110‬‬
‫إذن‪ ،‬التلقي هو مجموعة من االتجاهات والنشاطات التي يظهرها املتلقي في تلقيه لرسائل‬
‫األعمال األدبية و الفنية و اإلعالمية‪ ،‬كما يمثل أيضا الطريقة أو األسلوب الذي يستخدم‬
‫فيه املتلقي املعلومات التي يتلقاها من الخطاب مهما كانت طبيعته‪.‬‬
‫ومن جان آخر فقد ورد لفظ التلقي في القرآن الكريم بدال من لفظ استقبال‪ ،‬حيث قد‬
‫يدل أو يشير إلى عملية التفاعل النفس ي مع النص‪ .‬كما نجد أن الدراسات الحديثة ركزت‬
‫على لفظ التلقي‪ ،‬وهذا ما نجده شائعا عند كل من (ياوس) و(إيزر)‪ ،‬حيث يعتبر هذا اللفظ‬
‫هو الجامع أللفاظ القراءة واالستجابة واالستقبال (جمال العيفة‪ ،0110 ،‬ص ‪.)001 – 003‬‬
‫إذ أن التلقي هو نشاط إيجابي يتم في شكل انتقاء لبعض ما يقع على حواسنا دون‬
‫البعض اآلخر وينظم الحكم النقدي الذي هو محاولة لالرتفاع بفعل التلقي إلى مستوى‬
‫شعوري وتنظيمي أعلى (مصطفى سويف‪ ،0999 ،‬ص ‪.)011‬‬
‫أن مفهوم التلقي في حد ذاته ميدان واسع وعام‪ ،‬فيمكن أن ندرجه في‬ ‫لكن وكما نعلم‪ّ ،‬‬
‫جميع أنواع الخطابات التي يتلقاها الجمهور‪.‬‬
‫واملستقبل أو املتلقي عنصر هام من عناصر االتصال‪ ،‬وهو الذي يتلقى الرسالة ويقوم بفك‬
‫رموزها ويتفاعل معها ويتأثر بمضمونها‪.‬‬
‫‪-0‬نظرية التلقي وخلفياتها الفلسفية‪:‬‬
‫إن موضوع التلقي يشكل جانبا هاما في حقل الدراسات األدبية‪ ،‬كما يمثل جانبا حيا في‬
‫ميدان االهتمامات العلمية واالجتماعية واالتصالية‪ .‬فنظرية التلقي تبحث في العالقة بين‬

‫‪194‬‬
‫املجلد‪/07‬العدد‪/10‬السنة ‪ /0100‬ص‪000-090‬‬ ‫مجلـة النص‬

‫النص واملتلقي‪ ،‬هذا األخير حاضر في ذهن الكات أثناء عمليات الكتابة واإلنتاج‪ .‬فهذه‬
‫النظرية تركز من جهة على التفاعل بين النص املتلقي‪ ،‬ومن جهة ثانية تركز على إبداع‬
‫املتلقي‪ ،‬حيث جعلت منه املصدر النهائي واألساس والفاعل الحقيقي في إنتاج الدالالت‬
‫(حنان شعبان‪ ،0119 ،‬ص‪ )37‬ومن ثم يتم الحصول على املعنى الذي هو نتاج التفاعل بين‬
‫القارئ والنص‪،‬وبالتالي شكلت عالقة النص بقارئه من أهم األطروحات النقدية الحديثة‬
‫التي أحدثت ثورة في املناهج التقليدية التي اهتمت كثيرا باملؤلف وحياته وظروفه‪ .‬وظهر‬
‫توجه جديد بريادة (روالن بارث) الذي أعلن " موت املؤلف " حيث شكلت دراسته بنفس‬
‫العنوان تحوال هاما في ميدان الدراسات األدبية واإلعالمية‪ .‬وجوهر هذا التوجه يرفع من‬
‫سلطة القراءة والقارئ‪ .‬وهذا اإلسهام نادى بظهور نظرية التلقي التي تهتم خاصة بالعنصر‬
‫الثالث في العملية االتصالية وهو املتلقي‪ ،‬إلى جان املرسل والرسالة وذلك عن طريق إقامة‬
‫نظرية خاصة به من خالل العالقة التفاعلية التي مؤداها إنتاج معاني ودالالت وتأويالت‬
‫خاصة به (حنان شعبان‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.)30‬‬
‫وتولي نظرية التلقي عناية بالغة لسياق التلقي واملتلقي‪ ،‬وذلك من خالل إنتاج معاني‬
‫وتأويل النصوص انطالقا من خبرات املتلقي وتكوينه الشخص ي‪ .‬ألن فعل التلقي يختلف من‬
‫قارئ آلخر حس تكوينه النظري وامليول والرغبات‪ ،‬وحس قدرته االجتماعية والثقافية‬
‫التي يحملها‪ ،‬وكل هذا يشكل مخزونا أو مرجعيته الخاصة به (حنان شعبان‪ ،‬املرجع السابق‪،‬‬
‫ص‪.)30‬‬
‫إن نظرية التلقي تندرج ضمن الحقول املعرفية الحديثة التي أعطت دفعا قويا لالهتمام‬
‫باملتلقي باعتباره الفاعل الحقيقي واملشارك في إنتاج الداللة واملعنى‪.‬‬
‫لقد جاءت نظرية التلقي لتطرح مقاربة جديدة تراعي سياقات النص املتعددة التي تسهم في‬
‫إنتاجه وتلقيه‪.‬‬
‫وقد نقلت نظرية التلقي مركز االهتمام من املؤلف إلى القارئ بوصفه الذات التي تمنح‬
‫النص حياته الحقيقية‪ ،‬وتعيد إنتاج معناه (مخلوف بوكروح‪ ،1122 ،‬ص ‪.)7‬‬
‫وفي هذا االطار البد من اإلشارة إلى السياق الثقافي العام الذي ظهرت فيه هذه النظرية‪،‬‬
‫التي عملت على زحزحة املؤلف وسلطته على النص‪ ،‬فهي وليدة ظرف ثقافي متميز مرتبط‬
‫باملشروع الفلسفي ملا بعد الحداثة القائم على نقد مركزية الذات (مخلوف بوكروح‪ ،‬املرجع‬
‫السابق ‪ ،1122‬ص ‪.)21‬‬

‫‪195‬‬
‫املجلد‪/07‬العدد‪/10‬السنة ‪ /0100‬ص‪000-090‬‬ ‫مجلـة النص‬

‫أما بخصوص املؤثرات التي أسهمت في بلورة نظرية التلقي في منتصف السبعينيات من‬
‫القرن املاض ي‪ ،‬فقد أوضحها (روبرت هانز ياوس ‪ )Robert Hans Jauss‬أحد رواد نظرية‬
‫التلقي في جامعة كونستانس األملانية في دراسة بعنوان " التغير في نموذج الثقافة األدبية "‬
‫قدم فيها ملحة شاملة لتاريخ املناهج األدبية‪ ،‬مؤكدا على ضرورة إعادة النظر في املناهج‬
‫واألسالي الدراسية التي لم تعد تلبي حاجة البحث في مجال األدب والفن‪ ،‬مشيرا إلى أن‬
‫نظرية التلقي تمثل ذلك النموذج الجديد الذي يمكن االستئناس به في قراءة األعمال‬
‫األدبية والفنية‪.‬‬
‫كما لعبت التيارات النقدية مثل الشكالنية‪ ،‬والبنياوية‪ ،‬والظاهراتية‪ ،‬وسوسيولوجية‬
‫األدب دورا أساسيا في نشأة نظرية التلقي‪.‬‬
‫شكلت هذه العوامل الدافع األساس ي وراء الدعوة إلى إعادة النظر في املناهج السابقة‬
‫وتوجيه الدراسات في حقل األدب واللغة وجهة جديدة‪ .‬وقد كان لهذه املصادر تأثير مباشر‬
‫على منظري مدرسة كونستانس الذين أكدوا على أن مهمة الناقد ال تنحصر في إيضاح‬
‫النص وشرحه‪ ،‬بل في الكشف عن اآلثار التي يتركها النص على القارئ‪ ،‬مؤكدين على أن‬
‫املتلقي هو املركز في تحديد معنى النص‪.‬‬
‫إنه ال بد من التأكيد على أن كل من كتبوا في نظرية التلقي باتجاهات مختلفة يجمعهم‬
‫اهتمام واحد هو الدور الذي يلعبه املتلقي في النسيج املعقد للفن‪.‬‬
‫ومن بين املؤثرات التي عجلت في تشكل نظرية التلقي الفلسفة الظاهرتية أو‬
‫(الفينومونولوجية) بزعامة (إدموند هوسرل ‪ )Edmund Husserl‬و(رومان اينجاردن‬
‫‪ ،)Roman Ingarden‬وترتكز هذه الفلسفة على ترابط الفكر والوجود الظاهري لألشياء‪،‬‬
‫وتؤمن بتفاعل الذات واملوضوع بطريقة تواصلية من الصع الفصل بين هاذين الفاعلين‪.‬‬
‫ويرى الفيلسوف (فريديرك شليرماخر) – الذي وضع أسس علم الهرمينوطيقا الحديث –‬
‫أن فهم النص مهما كان نوعه مرهون بمعايشة الجمهور تجربة غريبة عنه‪ ،‬وذلك من خالل‬
‫رصد تجربة املؤلف ومعايشتها باعتبار أن النص ذاته إعادة بناء خيالية‪ ،‬مع مراعاة أن معنى‬
‫النص يتغير بتغير املجتمع الذي يتلقى هذا النص ومن ثم يحتاج املتلقي إلى إعادة بناء‬
‫النص مرة تلو األخرى‪ .‬واملقصود بإعادة البناء هنا هو الفهم‪.‬‬

‫‪196‬‬
‫املجلد‪/07‬العدد‪/10‬السنة ‪ /0100‬ص‪000-090‬‬ ‫مجلـة النص‬

‫أما الفيلسوف (مارتن هيدغر ‪ )Martin Heidegger‬فقد انطلق من القطيعة مع النظام‬


‫الفكري الذي أرساه من قبله هوسرل‪ ،‬مؤكدا على أن املعنى يكون تاريخيا‪ ،‬معتبرا أن اللغة‬
‫ليست مجرد أداة اتصال أو وسيلة ثانوية للتعبير عن أفكار محددة‪ ،‬بل هي البعد الحقيقي‬
‫الذي تتحرك فيه الحياة اإلنسانية والذي يأتي بالعالم إلى الوجود أصال‪ ،‬فال عالم باملعنى‬
‫اإلنساني املميز دون لغة (مخلوف بوكروح‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.)21‬‬
‫‪ -1‬اسهامات (ياوس وإيزر) في نظرية التلقي‪:‬‬
‫أ‪ -‬اسهامات (هانز روبرت ياوس) ‪ :‬صاغ ياوس نظريته (جمالية التلقي أو نظرية االستقبال)‬
‫انطالقا من النظريات التي تتعلق باملعنى والعمل األدبي ووظيفته‪ ،‬وموقف املتلقي من‬
‫العمل‪ ،‬وصلته به واملبادئ التي تنظم هذه الصلة (ناظم عودة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ ،)211‬وقد‬
‫خصص اهتمامه للتلقي املنبثق من العالقة بين األدب والتاريخ‪.‬‬
‫ياوس من خالل تأويل العمل األدبي‪ ،‬مستندا في ذلك إلى‬ ‫ويتم بناء املعنى حس‬
‫افتراضات (غادامير) في العملية التأويلية‪ ،‬حيث تخضع إلى ثالث وحدات متالزمة هي ‪ :‬الفهم‬
‫وقد وجد (ياوس) – وفق نظرة (غادامير) أن جمالية التلقي نجحت‬ ‫والتفسير والتطبيق‪.‬‬
‫في معرفة فكرة أن »الفهم يتضمن دائما بداية التفسير‪ ،‬وأن التفسير‪ ،‬بالتالي هو الشكل‬
‫الظاهر للفهم« (ناظم عودة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ )211‬بمعنى أن اإلدراك األدبي يرسم الطريق التي‬
‫يفسر األدب بها‪ ،‬وإن عملية التفسير‪ ،‬أي صياغة املعنى تدمج اإلدراك أيضا‪ ،‬وهذا يعني أن‬
‫النص (أي نص فني) ليس له معنى خالص يكونه لوحده إنما املعنى يتشكل بصورة حتمية‬
‫مع اإلدراك‪.‬‬
‫ب‪-‬أسهامات( فولفغانغ آيزر) ‪ :‬تتمثل نقطة البدء في نظرية (آيزر) الجمالية في تلك العالقة‬
‫الجدلية التي تربط بين النص والقارئ‪ ،‬وتقوم على جدلية التفاعل بينهما في ضوء‬
‫استراتيجيات عدة (محمد بلوحي‪ ،‬دت‪ ،‬ص ‪ ،)51‬وانطلق من البداية نفسها التي ينطلق منها‬
‫(ياوس)‪ ،‬وهي االعتراض على مبادئ املقاربة البنيوية‪ ،‬واالهتمام بدور املتلقي في قضيتين‬
‫أساسيتين هما ‪ :‬تطور النوع األدبي‪ ،‬وبناء املعنى (ناظم عودة خضر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.) 227‬‬
‫وينطلق (آيزر) من مرجعيات فلسفية متنوعة‪ ،‬فقد اعتمد على الفلسقة الظاهرتية‪،‬‬
‫وعلم الثفس‪ ،‬واللسانيات‪ ،‬واألنثروبولوجية‪ ،‬وأعمال (رومان إنغاردن)‪ ،‬كما استفادة من‬

‫‪197‬‬
‫املجلد‪/07‬العدد‪/10‬السنة ‪ /0100‬ص‪000-090‬‬ ‫مجلـة النص‬

‫نظرية النسبية التي تؤكد على نسبية الحقيقة‪ ،‬وبالتالي يرى أنه ال وجود حقيقي للعمل‬
‫األدبي إال حين يتواصل القارئ مع النص‪.‬‬
‫وإذا ما اشترك (آيزر مع ياوس) في االعتراض على املقاربة البنيوية للمعنى التي تشدد في‬
‫جعل بنية النص حاملة للمعنى وخازنة له‪ ،‬فإنه يفترق عنه في املحرك النظري أو اإلجرائي‬
‫ملفاهيمه ونظراته‪ ،‬وال سيما في كيفية مقاربة املعنى وبنائه فضال عن عنايته في ابتداع‬
‫مفهوم محضن إجرائي جديد لنظراته هو مفهوم (القارئ الضمني) عوضا عن (أفق‬
‫االنتظار) أو القارئ الحقيقي التاريخي لدى (ياوس) ( بشرى موس ى صالح‪ ،1112 ،‬ص ‪.)24‬‬
‫‪ -7‬قضية استجابة القارئ‪:‬‬
‫يعد القارئ محورا رئيسا في املفاهيم النظرية اإلجرائية في اتجاهات النقد األدبي أو‬
‫اتجاهات ما بعد البنيوية كالتفكيكية والتأويلية والسميولوجية والقراءة والتلقي‪ ،‬وشكلت‬
‫فاعلية القراءة املهمة املركزية للنقد املتمحور حول القارئ‪ .‬أما املصطلح املتداول لدى‬
‫املعاجم األنجلوأميريكية‪ ،‬فهو مصطلح (استجابة القارئ) الذي مارس تأثيره في الثقافة‬
‫األنجلوأميركية املعاصرة‪ ،‬ويعزو بعض الدارسين الفرنسيين االهتمام بالقارئ إلى كتابات‬
‫فاليري‪ ،‬وسارتر في كتابه ما األدب (أحمد بوحسن‪ ،2441 ،‬ص‪)25‬؟‬
‫وإذا ما أردنا أن نميز بين االسم األمريكي للنقد املتمحور حول القارئ املتمثل بـ (نقد‬
‫استجابة القارئ) وبين (نظرية االستقبال والتلقي)‪ ،‬فنجد أن األول ال يحمل طابع النظرية‬
‫بل هو نقد أو نظرات نقدية مشتتة‪ ،‬تعود إلى أعالم أمريكيين موزعين في بقاع العالم‪،‬‬
‫يكتبون في صحف مختلفة وليس لهم تجمع‪ ،‬وجهودهم تعبر عن نشاط فردي ومهارة ذاتية‪.‬‬
‫أما (نظرية االستقبال والتلقي) فتعبر عن تماسك ووعي والتزام جماعي‪ ،‬وهي رد فعل‬
‫للتطورات العقلية واالجتماعية واألدبية في أملانيا الغربية خالل الستينات‪ ،‬وإن العديد من‬
‫املؤمنين بهذه النظرية مرتبطون بجامعة كونستانس‪ ،‬إما أساتذة أو خريجين أو من‬
‫املشاركين في املؤتمرات نصف السنوية‪ ،‬وإن إجراءات تلك االجتماعات قد تمت طباعتها في‬
‫سالسل بعنوان " الشعرية والتأويل " ( روبرت س ي هول ‪ ،2441 ،‬ص ‪.)5‬‬
‫‪-0‬نظرية التلقي في التراث العربي القديم‪:‬‬
‫إن نظرية التلقي بأصولها ومبادئها ليست وليدة ثقافة غربية بحتة‪،‬و إنما نجد في تراثنا‬
‫العربي من أشار إلى أهمية املتلقي في الخطاب‪ ،‬بما في ذلك الخطاب القرآني‪ ،‬كما فعل‬
‫(الجاحظ)‪ ،‬و(ابن قتيبة)‪ ،‬و(عبد القاهر الجرجاني)‪ ،‬و(القاض ي عبد الجبار)‪ ،‬و(الزركش ي)‪،‬‬

‫‪198‬‬
‫املجلد‪/07‬العدد‪/10‬السنة ‪ /0100‬ص‪000-090‬‬ ‫مجلـة النص‬

‫وغيرهم‪،‬فعلى سبيل املثال‪ ،‬فقدأشار (عبدالقاهر الجرجاني) إلى أهمية املتلقي في عملية‬
‫فهم النص‪ ،‬وقد ساعدها اختالف تفاسير النص القرآني على اكتشاف معضلة الفهم والوعي‬
‫بها‪ ،‬مما يعني أن االهتمام باملتلقي ظل حاضرا في تراثنا العربي‪،‬غير أن القدامى لم ينظروا له‪،‬‬
‫وكانت مدرسة كونستانس األملانية سباقة إلى ذلك‪،‬فوضعت أسس ومبادئ نظرية التلقي‪.‬‬
‫إن املتأمل في النقد العربي القديم والبالغة العربية‪ ،‬يقف على مدى العناية التي أوالها‬
‫النقاد والبالغيون العرب للمتلقي‪ .‬ولعلنا نلمس ذلك االهتمام في أقوال العلماء املبثوثة في‬
‫مؤلفات النقد والبالغة القديمة؛ كـ "البيان والتبيين" للجاحظ‪ ،‬و"عيار الشعر" البن‬
‫طباطبا‪ ،‬و"دالئل اإلعجاز" لعبد القاهر الجرجاني‪ ،‬و "منهاج البلغاء" لحازم القرطاجني‪ .‬وقد‬
‫تنبه هؤالء العلماء لعدة قضايا تتعلق بالتلقي التي عالجتها نظرية التلقي الحديثة‪ ،‬كقضية‬
‫مشاركة املتلقي املبدع في عملية إنتاج الخطاب‪ ،‬وقضية األثر النفس ي الذي يتركه النص في‬
‫متلقيه‪ ،‬وكان لهم فضل السبق‪.‬‬
‫وقد تفطن علماء البالغة العربية قديما إلى هذه العالقة املتينة التي تجمع بين متلقي‬
‫النص ومبدعه‪ ،‬وما تتميز به هذه العالقة من إقناع وتأثير‪ ،‬وتشارك وتفاعل‪ ،‬وما كتبه‬
‫هؤالء العلماء من نصوص حول األدب وأبعاده الجمالية‪ ،‬والقرآن وأسراره البيانية‪ ،‬تكشف‬
‫عن وعيهم بهذه العالقة‪ .‬لقد كان هؤالء العلماء على وعي بأن العملية اإلبداعية يستوج‬
‫تحققها ثالثة عناصر هي‪ :‬املبدع واملتلقي والعمل األدبي؛ وبمصطلح البالغة العربية‪:‬‬
‫َ‬
‫(املخاط ) إلى املتلقي‬
‫ِ‬ ‫املخاط واملخاط والخطاب األدبي‪ ،‬باعتباره رسالة من املبدع‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫(املخاط ) في مقام أو ظرف معين‪ ،‬وبنظام بياني خاص هو البيان العربي‪.‬‬
‫وقد أولى علماء البالغة اهتماما وعناية بمؤلف النص وباملتلقي‪ ،‬وبينوا وظيفة كل طرف‬
‫وأثره في تشكيل النص (الخطاب)‪ ،‬بل يمكن القول إن املتلقي في تراثنا البالغي العربي (سواء‬
‫أكان قارئا أم مستمعا) قد حظي بمكانة كبيرة فاقت مكانة املؤلف نفسه‪ ،‬ألن الخطاب‬
‫ُيكت للمتلقي‪ ،‬وإليه يتوجه ويروم إفهامه وتوصيل الغرض أو القصد إليه‪.‬يقول الجاحظ‪:‬‬
‫"مدار األمر والغاية التي يجري إليها القائل والسامع إنما هو الفهم واإلفهام" (أبو عثمان‬
‫الجاحظ‪ ،0901 ،‬ص ‪.)00 – 07‬‬
‫َ‬
‫وكما اهتم البالغيون بعالقة املتلقي بالخطاب‪ ،‬اهتموا كذلك بمنازل املخاطبين وأقدارهم‬
‫االجتماعية وأحوالهم الفكرية؛ لذلك وجدنا في هذا التراث دعوة صريحة ألن يكون الخطاب‬
‫َ‬
‫مناسبا لشخصية املخاط (املتلقي) قارئا كان أو سامعا‪ ،‬فال يخاط الطفل مخاطبة‬

‫‪199‬‬
‫املجلد‪/07‬العدد‪/10‬السنة ‪ /0100‬ص‪000-090‬‬ ‫مجلـة النص‬

‫الكهل‪ ،‬وال يكلم العالم بلغة الجاهل‪ ،‬وال يخاط الذكي بلغة الغبي‪ ،‬وال امللوك بخطاب‬
‫العامة‪ ،‬وال العامة بخطاب الخاصة‪ ،‬فلكل فئة كالم‪ ،‬ولكل طبقة مقال‪.‬‬
‫يقول بشر بن املعتمر‪" :‬ينبغي للمتكلم أن يعرف أقدار املعاني ويوازن بينها وبين أقدار‬
‫املستمعين وبين أقدار الحاالت‪ ،‬فيجعل لكل طبقة من ذلك كالما‪ ،‬ولكل حالة من ذلك‬
‫مقاما‪ ،‬حتى يقسم أقدار الكالم على أقدار املعاني‪ ،‬ويقسم أقدار املعاني على أقدار املقامات‪،‬‬
‫وأقدار املستمعين على أقدار تلك الحاالت (الجاحظ‪ ،‬دت‪ ،‬ص ‪ ." ) 11- 13‬ويقول الجاحظ‪:‬‬
‫"ومدار األمر على إفهام كل قوم بمقدار طاقتهم‪ ،‬والعمل عليهم على أقدار منازلهم‪ ...‬ال يكلم‬
‫سيد األمة بكالم األمة‪ ،‬وال امللوك بكالم السوقة" (الجاحظ‪ ،‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.)07‬‬
‫‪ -0‬التلقي وأطروحاته األربع‪:‬‬
‫تم النظر‬‫يتعلق الحديث عن وضعية التلقي حتما الحديث عن مفهوم الجمهور‪ ،‬الذي ّ‬
‫إليه انطالقا من مقاربتين رئيستين‪ ،‬األولى يدور محورها حول حتمية التأثير‪ ،‬التي يكون فيها‬
‫املتلقي مجرد مستهدف سلبي ال يحق له إضفاء تعديالت على سيرورة االتصال‪ ،‬أما الثانية‬
‫فهي تلك املتعلقة بالرؤية اإلرتباطية أو النسبية التي تتداخل فيها عدة متغيرات لتفسير‬
‫وتأويل الرسائل اإلعالمية انطالقا من شخصية املتلقي وتجربته املتراكمة‪ ،‬أي أنها تدرس‬
‫فعل التلقي في حد ذاته‪.‬‬
‫وانطالقا من ذلك هناك أربع أطروحات تتعلق بمجال البحث في ميدان التلقي‪ ،‬والتي‬
‫اتخذتها املقاربة الثانية كأساس تنظر إلى التلقي بأنه بنية حقيقية تدور حول ديناميكية‬
‫مشاركة املتلقي في استقباله للمضامين اإلعالمية‪.‬‬
‫‪ 0.0‬التلقي (االستقبال) يعني القيام بفعل (‪)Recevoir ,c’est agir‬‬
‫يعني التلقي في هذا املقام تسلسل األعمال املنجزة‪ ،‬فاملتلقي عندما يواجه مباشرة‬
‫عمال ما‪ :‬ورقة‪ ،‬شريط‪ ،‬كالم‪ ،‬فهنا ال توجد معاني‪ ،‬وال أثر للمعاني لكن هناك أشكال‪،‬‬
‫أصوات‪ ،‬يعمل وعي املتلقي في هذه اللحظة على تقديم دالالت ألنه قد قام بتخزين الرموز‬
‫التي تلقاها‪،‬وبالتالي فإن تعاق األفعال تكون معاني األشكال والصور التي واجهها في األول‪،‬‬
‫فالتلقي هنا يشكل نشاطا أساسيا لتكوين املعنى نتيجة الستقبال أشكال مختلفة‪ ،‬كما‬
‫يعمل االنتباه دورا هاما في هذه املرحلة‪ ،‬حيث يقوم املتلقي باختيار و إقصاء األفكار وذلك‬
‫من أجل الفهم‪ ،‬وهذا يرتبط بالدرجة األولى بنوعية املوضوعات التي يستقبلها املتلقي‪،‬‬
‫ويقوم بملئ ما لم يصرح به النص عن طريق تجربته الشخصية‪ ،‬ألن النصوص ليست دائما‬
‫كاملة وإنما املتلقي هو الذي يمأل الفجوات التي تحملها‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫املجلد‪/07‬العدد‪/10‬السنة ‪ /0100‬ص‪000-090‬‬ ‫مجلـة النص‬

‫‪ 0.0‬التلقي يعني معايشة ثالثة عوالم )‪(recevoir,c’est mener trois vies‬‬


‫يرتبط التلقي في هذه األطروحة بالعالقة التي يقيمها املتلقي مع النصوص التي يتلقاها‬
‫وذلك من خالل ما يسمى بعملية املشاركة‪.‬‬
‫وتتم هذه املشاركة من خالل ثالث مستويات (عوالم) نوجزها فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬املستوى األول‪ :‬هنا املتلقي تربطه عالقة بين نظام من الرموز امللموسة كاأللوان‬
‫واألصوات‪ ،‬فيقوم املتلقي بمقارنة ما يتلقاه مع ما هو موجود في الحقيقة‪.‬‬
‫‪ -‬املستوى الثاني‪ :‬يتم فيه إحداث نوع من التفاعل مع الرسالة التي يتلقاها‪ ،‬وهذا ما يتعلق‬
‫بتركيز انتباهه ملا يستقبله عن طريق فهمه لسلوك الشخصيات و إيماءات وجوههم ومختلف‬
‫املناظر املوجودة في الرسالة التي يتلقاها‪ ،‬وهنا املتلقي يقوم بإصدار رد فعل كالضحك أو‬
‫الخوف أو حدوث نوع من املفاجأة‪.‬‬
‫‪ -‬املستوى الثالث‪ :‬وفيه يقوم املتلقي بمقارنة ما تمت مشاهدته في املستويين السابقين‬
‫وذلك من أجل تقييم ونقد كل ما تم استقباله‪.‬‬
‫‪ 1.0‬التلقي يعني التعبير (‪)recevoir, c’est s’exprimer‬‬
‫مهما كان شكل االتصال‪ ،‬فان موضوع التلقي يختلف باختالف الدالالت التي يكونها‬
‫املتلقي نتيجة لتجربته املتراكمة‪ ،‬لذ هذا ال يمنع من إقامة مقارنات بين كل ما يستقبله‬
‫املتلقي‪ ،‬وهنا يتم التعبير عن كل ما استقبله عن طريق حدوث انفعاالت وإصدار أحكام‪،‬‬
‫ويتم ذلك من خالل أربعة مراحل يظهر من خاللها املتلقي شرحه وفهمه للنص‪:‬‬
‫‪ -‬شكل املوضوع الذي يستقبله واملعرفة التي يكسبها تسمح للمتلقي بمقارنة كل ما‬
‫استقبله‪.‬‬
‫‪ -‬فضول املتلقي لفهم النص‪ ،‬يساعده على اكتساب نوع من الفائدة التي من خاللها‬
‫يستطيع املتلقي أن يقيم ويحكم على ما تم استقباله‪.‬‬
‫‪ -‬املواقف التي يتخذها املتلقي من جراء تلقيه للرسالة‪ ،‬هي األخرى تدل على املغزى الذي‬
‫فهمه املتلقي من الرسالة‪.‬‬
‫‪ -‬تلع آفاق توقعات املتلقي وذوقه دورا هامات في شرح وفهم النص الذي يتلقاه‪.‬‬
‫‪ 7.0‬التلقي يعني تشكيل الصور (‪)recevoir, c’est faire des figures‬‬
‫إن التلقي هو نظام من األشكال‪ ،‬واملتلقي يقوم بوصف وتحويل كل ما تم استقباله في‬
‫إدراكه إلى أشكال وصور ‪،‬وبالتالي يؤسس دالالت مختلفة‪ ،‬ويتم ذلك وفق عمليات متعددة‬
‫تتعلق بإصدار عواطف مختلفة‪ ،‬كالفرح والحزن والحماس والتعاطف‪ ،‬وهذه العملية‬

‫‪201‬‬
‫املجلد‪/07‬العدد‪/10‬السنة ‪ /0100‬ص‪000-090‬‬ ‫مجلـة النص‬

‫تتداخل فيها تجربة وخبرة املتلقي السابقة‪ .‬ولفهم كل ما يتلقاه البد عليه من بذل مجهود‬
‫يتعلق بإدراكه ملختلف األحداث ووضع خاتمة لكل ما يستقبله‪ .‬تشكل هذه العمليات‬
‫الحلقة األولى لتشكيل السلسلة الصورية كما يشكل الدافع الذي يؤدي باملتلقي إلى‬
‫استقبال العمل مهما كان نوعه أهمية تساعد على تشكيل صورا مختلفة للنص الذي‬
‫تلقاه‪ ،‬ويمثل هذا الدافع الحلقة الثانية التي تؤدي إلى تشكيل صور مختلفة وتساعد املتلقي‬
‫على تشكيل دالالت عن طريق ترجمته للنص التي تظهر في شكل رجع صدى الذي يمثل في‬
‫حد ذاته الحلقة الثالثة في سلسلة تشكيل الصور‪ ،‬وعادة ما تكون هناك أنواع مختلفة من‬
‫رجع الصدى منها‪:‬‬
‫‪ -‬االنفعاالت الناتجة عن استقبال النص‪.‬‬
‫‪ -‬تطورات أحداث النص التي تحدث بطريقة غير مباشرة تجعل املتلقي يعيش في عامله‬
‫الخيالي‪.‬‬
‫‪ -‬معايشة النص وذلك عن طريق إدراكه بطريقة مناسبة مما ِيؤدي إلى تشكيل أراء مختلفة‬
‫‪ -‬الحوافز التي تؤدي إلى تبني سلوك معين ‪.‬‬
‫وتبعا ملا قيل ‪،‬فان فعل التلقي يمر عن طريق حدوث هذه األطروحات األربع التي هي ثابتة‬
‫في مراحلها ولكنها مختلفة في جوهرها من متلقي إلى أخر‪ ،‬ألن النظريات الحديثة أكدت أن‬
‫مبدأ الفروق الفردية‪ ،‬والتجربة والخبرة السابقة للمتلقي تلع دورا كبيرا في إضفاء دالالت‬
‫مختلفة تختلف باختالف السياق الذي يوجد فيه املتلقي ‪ ،‬ومن ثم فإن لكل واحد قراءة‬
‫خاصة به‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى وحس (شيماء ذو الفقار زغي ) فان عملية تشكيل وتغيير االتجاهات‬
‫وفقا لنموذج "التلقي‪ -‬إعمال العقل‪ -‬القبول" تمر باملراحل اآلتية (شيماء ذو الفقار زغي ‪،‬‬
‫‪ ،1112‬ص ‪.)111‬‬
‫* مرحلة التلقي‪:‬‬
‫بما فيها من انتباه وفهم للرسالة‪ ،‬وهي تعد نقطة االرتكاز األساسية للنموذج‪ ،‬فدون‬
‫حدوث انتباه وفهم للرسالة ال يمكن أن ينتقل الفرد للمراحل التالية في عملية تشكيل‬
‫االتجاه‪ ،‬ولكن مع مالحظة أن مستويات الفهم متفاوتة بين األفراد حيث يتحكم في ذلك‬
‫متغيرا ت كثيرة‪ ،‬منها مستوى املعرفة السابقة واملستوى التعليمي و املحيط الثقافي و السياق‬
‫التي تقدم من خالله الرسالة وغيرها من املتغيرات ‪.‬‬

‫‪202‬‬
‫املجلد‪/07‬العدد‪/10‬السنة ‪ /0100‬ص‪000-090‬‬ ‫مجلـة النص‬

‫* مرحلة إعمال العقل‪:‬‬


‫وفيها يتدرج املتلقي في مستوى إعماله للعقل في الرسائل التي تلقاها ما بين اإلعمال للعقل‬
‫(الطريق الهامش ي) واإلعمال التام ( الطريق املركزي)‪ ،‬مع مالحظة أن مستوى إعمال العقل‬
‫يرتبط إلى حد كبير بمستوى الفهم الذي حدث في املرحلة السابقة‪.‬‬
‫* مرحلة القبول أو الرفض‪:‬‬
‫وفيها يقبل املتلقي أو يرفض الرسائل التي تلقاها بناء على النتيجة التي خرج بها من أعمال‬
‫عقله في هذه الرسائل‪ ،‬وما تتضمنه من حجج وبراهين‪...‬الخ‬
‫* مرحلة تغيير االتجاه‪:‬‬
‫وهي املرحلة النهائية املترتبة على مدى قبول أو رفض الرسائل التي تم تلقيها وإعمال العقل‬
‫فيها‪.‬‬
‫ويوضح الشكل التالي هذه املراحل‪:‬‬

‫مرحلة تغيير‬ ‫مرحلة القبول‬ ‫مرحلة إعمال‬ ‫مرحلة التلقي‬


‫(أو تشكيل)‬ ‫(أو الرفض)‬ ‫العقل‬ ‫(اإلنتباه والفهم)‬
‫اإلجتاه‬
‫(شيماء ذو الفقار زغي ‪ ،‬ص ‪)117‬‬
‫ونجاح العملية التواصلية كما ترتبط بطبيعة املرسل كمكون مهم في هذه العملية‪ ،‬يرتبط‬
‫أيضا بنوعية جمهور املستقبلين‪ -‬كمكون ثاني أساس ي في الفعل التواصلي‪ -‬وبإطاره املرجعي‪،‬‬
‫فاملستقبل يتلقى الرسالة في صورة رمزية غالبا‪ ،‬ويعمل على فك رموزها ويتفهم معناها في‬
‫ضوء خبراته السابقة وحاجاته‪ ،‬وكلما تشابهت خبراته هذه مع مرسل الرسالة كلما ازدادت‬
‫كفاءته في تحليل الرسالة وفكرموزها بالشكل الصحيح‪.‬‬
‫وتعتمد كفاءة الفعل التواصلي إلى جان ذلك كيف يستقبل الجمهور ويدرك ويفسر‬
‫املادة االتصالية (الرسالة)‪ ،‬وكيف يتصرف الجمهور إزاء مصدر الرسائل‪ ،‬هل يتفاعل معه‪،‬‬
‫أم يقبل هذا املصدر فحس ؟ (مختار بروال‪ ،1114 ،‬ص ‪)221‬‬
‫إن دراسة الجمهور وتحليله تثير العديد من األسئلة‪ .‬فما الذي يركز عليه التحليل ‪،‬‬
‫وكيف يمكن اإلفادة منه لتعزيز فاعلية العملية االتصالية‪.‬‬
‫وهذا التحليل يتناول على وجه التحديد‪:‬‬
‫‪ -‬عالقة الجمهور باملرسل‪.‬‬
‫‪ -‬عالقة الجمهور بالرسالة‪.‬‬

‫‪203‬‬
‫املجلد‪/07‬العدد‪/10‬السنة ‪ /0100‬ص‪000-090‬‬ ‫مجلـة النص‬

‫‪ -‬تحيز الجمهور‪.‬‬
‫‪ -‬مشاركة الذات الفردية في الجمهور‪.‬‬
‫ويتصف الجمهور املستقبل للرسالة بخصائص تؤثر في مدى استجابته للرسالة القادمة‬
‫من املرسل ‪.‬‬
‫وتنقسم هذه الخصائص الى قسمين‪:‬‬
‫* خصائص ديموغرافية تتصل بالعمر والتعليم واملهنة والحالة االجتماعية ومكان اإلقامة‪.‬‬
‫* خصائص سيكولوجية (نفسية) واجتماعية‪( .‬مختار بروال‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪)221‬‬
‫وهناك عدد من العوامل التي تؤثر في فهم الرسالة أو عدم فهمها مثل‪:‬‬
‫* اللغة املشتركة واملفهومة بين كل من املرسل واملستقبل‪ ،‬سواء أكان ذلك بالنسبة إلى‬
‫اللغة القومية املشتركة كاللغة العربية‪ ،‬أم املصطلحات اللغوية املستخدمة في اللغة‬
‫الواحدة‪ .‬وكثيرا ما يساء فهم الرسالة إذا لم تكن هناك لغة مشتركة وواضحة بين املرسل‬
‫واملستقبل‪.‬‬
‫* درجة االنسجام والتجانس بين املرسل واملستقبل‪ ،‬وشعور االحترام والود والثقة املوجودة‬
‫بينهما‪ .‬فاملرسل ال يجد عناء كبيرا في إيصال أفكاره إلى املستقبل في حالة وجود مشاعر‬
‫إيجابية لديه‪.‬‬
‫* ثقافة املستقبل وخبرته ومعرفته باملوضوع الذي يقوم باستقبال معلوماته‪( .‬مختار بروال‪،‬‬
‫املرجع السابق‪ ،‬ص‪)221‬‬
‫والتفاعل والترجمة للرموز والتأثر بمحتوى الرسالة ليس نفسه عند أفراد الجمهور سواء‬
‫أكان املستقبل قارئا أم مستمعا أم مشاهدا‪ ،‬وهذا يستلزم توافر مواصفات في شخص‬
‫املتلقي‪ ،‬حتى يتمكن من فهم أبعاد الرسالة ومدلوالتها ليستطيع من خالل ذلك اإلسقاط‬
‫الواقعي ملضامينها‪ ،‬ومن هذه املواصفات‪:‬‬
‫‪ -‬أن تكون له من املهارات االتصالية ما يجعله قادرا على االستماع والقراءة والتفكير‪.‬‬
‫‪ -‬أن يحوز على مستوى من العلم واملعرفة ما يؤهله لفك رموز الرسالة‪ ،‬كان يكون له‬
‫سابق‬
‫تصور على املوضوع الذي يستقبله (عاطف عدلي العبد‪ ،2441 ،‬ص ‪.)57‬‬
‫‪ -‬أن يكون على درجة من االنسجام والتجانس بينه وبين املرسل‪ ،‬أي الشعور باالحترام‬
‫والثقة بينهما‪.‬‬

‫‪204‬‬
‫املجلد‪/07‬العدد‪/10‬السنة ‪ /0100‬ص‪000-090‬‬ ‫مجلـة النص‬

‫‪ -‬تواجد مؤثرات اجتماعية ايجابية أو سلبية بين املرسل واملستقبل (رحيمة عيساني‪،1117 ،‬‬
‫‪.)74‬‬
‫ومن أهم الشروط املؤهلة للمخاطبين ليستفيدوا من الرسالة‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫‪ -‬حسن االستجابة للخطاب ولندائه ومعانيه لقوله تعالى‪ ﴿ :‬يا أيها الذين ءامنوا استجيبوا‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫هللِ وللرسو ِل إذا دعاكم ملا يحييكم ﴾ (األنفال‪ )07 :‬ألنه يدعو إلى الخير والحق‪.‬‬
‫‪ -‬حسن األدب مع القائم بالخطاب والتواضع معه وحسن الظن به وحسن مساءلته‬
‫ومساعدته‪.‬‬
‫الثقة التامة باملتلقي واالهتمام به ومحبته مما يؤدي إلى الرغبة في التلقي منه‪.‬‬
‫‪ -‬حسن الفهم واالستيعاب ملضامين الخطاب وأبعاده‪.‬‬
‫‪ -‬االبتعاد عن التحيز واألحكام املسبقة‪.‬‬
‫أن يكون املستقبل هادئا عند استقبال الرسالة حتى يستطيع أن يفهمها ويستوعبها‬
‫ويفكر‬
‫فيها‪ ،‬وهذا الهدوء يشجع امللقي على مضاعفة وتحسين إلقائه ويجعله يعطي أكثر مما خطط‬
‫له‪ ،‬ومن جهة أخرى يضاعف الهدوء من عملية التركيز خاصة عند طرح أفكار جديدة‪.‬‬
‫أن يكون املستقبل حسن االنتباه‪ ،‬وهناك بعض العالمات الدالة على ذلك مثل الجلوس‬
‫بشكل مستقيم والنظر بالعينين إلى املتحدث نظرة اهتمام ورغبة وليست نظرة استغراب‬
‫واستياء‪ .‬وفي املقابل هناك عالمات توحي بعدم االهتمام مثل التحدث مع اآلخرين وتالوة‬
‫القرآن أثناء اإللقاء والتململ والنظر إلى الخارج أو الساعة‪.‬‬
‫فكل ذلك من شانه أن يعيق نقل رسالة الخطاب وفهمها بشكل صحيح‪.‬‬
‫‪-3‬حاالت املستقبل أو املتلقي‪:‬‬
‫أكد املختصون أن هناك أربعة احتماالت نتوقعها من املستقبل للرسالة وهي‪:‬‬
‫‪ -‬فهم الرسالة فهما كامال‪ ،‬بمعنى مشاركة املستقبل للمرسل في األفكار واإلحساسات التي‬
‫تنقلها‪.‬‬
‫‪ -‬فهم الرسالة فهما غير كامل‪ ،‬كأن يفهم أجزاء منها دون األخرى‪.‬‬
‫‪ -‬فهم الرسالة فهما خاطئا بسب تفسير املستقبل للرموز املستخدمة في ضوء خبراته غير‬
‫مشابهة لخبرات املرسل‪.‬‬
‫‪ -‬عدم فهم الرسالة نهائيا‪ ،‬بسب استخدام املرسل لرموز غير مألوفة للمستقبل‪ ،‬كأن‬
‫يستخدم املرسل كلمات صعبة تفوق املستوى اللغوي للمستقبل‪.‬‬

‫‪205‬‬
‫املجلد‪/07‬العدد‪/10‬السنة ‪ /0100‬ص‪000-090‬‬ ‫مجلـة النص‬

‫‪ -1‬أنماط التلقي و املتلقين‪:‬‬


‫إذا استمع مستمع لخطاب ما‪ ،‬أو نظر ناظر فيه‪ ،‬فإما أن يكون مهتما بالخطاب متطلعا‬
‫إلى تلقيه‪ ،‬وإما ال‪ ،‬فاألول هو (املهتم)‪ ،‬والثاني هو (غير املهتم)‪ ،‬واملهتم إما أن يبتغي الوصول‬
‫إلى معنى يؤديه الخطاب‪ ،‬وإما ال‪ ،‬أي أنه يبتغي الوصول إلى معنى ال يؤديه الخطاب‪.‬‬
‫والثاني هو ( املغرض)‪ ،‬واألول الذي يبتغي الوصول إلى ما يؤديه الخطاب إما أن يبتغي‬
‫الوصول إلى كامل ما يؤديه الخطاب من معنى‪ ،‬وإما أن يبتغي الوصول إلى جزء املعنى الذي‬
‫يؤديه الخطاب‪.‬‬
‫فاألول هو املتدبر‪ .‬والثاني الذي يبتغي الوصول إلى جزء املعنى الذي يؤديه الخطاب ال يخلو‬
‫من ثالثة أحوال‪ :‬فإما أن يبتغي الوصول إلى كل املعنى املقصود دون الالزم غير املقصود‪،‬‬
‫وهو (البياني)‪ ،‬وإما أن يبتغي الوصول إلى معنى خاص سواء أكان مقصودا أم الزما غي‬
‫مقصود‪ ،‬وال عالقة له بباقي املعاني‪ ،‬وهو (املختص)‪ .‬وحاصل هذه القسمة يولد لدينا ستة‬
‫أنماط نهائية لتلقي الخطاب بحيث تتحد هذه األنماط في فعل التلقي‪ ،‬استماعا أو نظرا‪،‬‬
‫ويختلف كل نمط منها عن غيره في الغاية الباعثة عليه‪ ،‬وهذه األنماط هي‪ :‬تلقي (غير‬
‫املهتم)‪ ،‬وتلقي (املغرض)‪ ،‬وتلقي (املقتصد)‪ ،‬وتلقي (البياني)‪ ،‬وتلقي (املختص)‪ ،‬وتلقي (‬
‫املتدبر) ( أيمن صالح‪ ،1111 ،‬ص ‪.)11‬‬

‫أنماط التلقي‬

‫غير املهتم‬ ‫المهتم‬

‫مبتغى الوصول إلى املعنى يؤديه الخطاب‬ ‫مبتغى الوصول إلى معنى ال يؤديه الخطاب المغرض)‬

‫مبتغى الوصول إلى كامل معنى الذي يؤديه الخطاب‬ ‫مبتغى الوصول إلى جزء معنى الذي يؤديه الخطاب‬

‫مبتغى الوصول إلى معنى‬ ‫مبتغى الوصول إلى معنى‬ ‫مبتغى الوصول إلى معنى‬
‫خاص فقط(= املختص)‬ ‫البياين)‬
‫املقصود فقط(=‪206‬‬ ‫القريب فقط(= املقتصد)‬
‫املجلد‪/07‬العدد‪/10‬السنة ‪ /0100‬ص‪000-090‬‬ ‫مجلـة النص‬

‫شكل رقم (‪ : )2‬أنماط التلقي‬

‫‪ 0.1‬نمط التلقي األول‪ :‬تلقي (غير املهتم)‪:‬‬


‫وهو النمط الذي يباشر صاحبه فيه فعل التلقي‪ ،‬استماعا أو نظرا‪ ،‬لكن من غير أن يعبأ‬
‫بالخطاب ذاته أو بمعناه‪ ،‬أو يهتم بالخطاب لكن لش يء آخر غير املعنى ولحدوث هذا النمط‬
‫من التلقي أسباب كثيرة منها‪:‬‬
‫* أن يكون املتلقي كارها أو مستثقال لفعل التلقي نفسه املفروض عليه من الخارج كالطال‬
‫الكسول الذي يستثقل السماع من مدرسه إال أنه مجبور عليه‪.‬‬
‫* ومنها أن يكون نظر املتلقي في الخطاب ال لعينه‪ ،‬وإنما بحثا عن غيره املتصل به كمتصفح‬
‫الجريدة مثال بحثا عن خبر معين أو إعالن خاص‪ ،‬فإن نظره قبل وصوله إلى مبتغاه ال بد‬
‫واقع على الكثير من الكالم الذي ال يبالي به‪.‬‬
‫* ومنها أن يكون املتلقي شارد الذهن الهي القل وقت التلقي لكفر بالخطاب أو تكذي أو‬
‫غفلة‪ .‬ومن ذلك قوله تعالى‪ ﴿ :‬ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إال استمعوه وهم يلعبون‬
‫بشر مث ُلكم أفتأ ُتون السح َر ُ‬
‫وأنتم‬
‫َّ‬
‫إال ٌ‬ ‫قلوب ُهم وأسروا النجوى الذين ُ‬
‫ظلموا هل هذا‬ ‫الهي ًة ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫بصرون ﴾ (األنبياء‪.)1-0 :‬‬ ‫ت‬
‫فوصفهم هللا تعالى بممارسة فعل التلقي (يستمعون) لكنهم مع ذلك غافلو الظاهر‬
‫(يلعبون) وغافلو الباطن (الهية قلوبهم)‪.‬‬
‫‪ 0.1‬نمط التلقي الثاني‪( :‬تلقي املغرض)‪:‬وهو الذي يبغي فيه صاحبه الوصول إلى معنى ال‬
‫يؤديه الخطاب وإن كان قد يحتمله لغة احتماال بعيدا‪ ،‬يريده منه لسب أو آلخر‪ .‬فاملغرض‬
‫هو ذاك الذي يريد أن يوظف الخطاب توظيفا يتماش ى وهواه بحمله على ما يريد هو‪ ،‬ال‬
‫على ما يريده املتكلم منش ئ الخطاب‪ .‬ومن هنا نجده ال يتحفظ على بتر الخطاب عن سياقه‬
‫و ظرفه اللذين قيل فيهما‪ ،‬ووضعه في سياق وظرف وآخرين ليحمله ما ال يحتمل‪ ،‬وليقوله‬
‫(لي أعناق النصوص) قال تعالى‪﴿:‬‬ ‫ما ال يقول‪ .‬وهو النمط الذي يعبر عن مضمونه كثيرا بـ ّ‬
‫َ‬ ‫ُ ُ َ‬
‫مواض ِع ِه﴾ (املائدة‪.)01 :‬‬
‫الكلم عن ِ‬ ‫يحرفون ِ‬

‫‪207‬‬
‫املجلد‪/07‬العدد‪/10‬السنة ‪ /0100‬ص‪000-090‬‬ ‫مجلـة النص‬

‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬


‫فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفت ِنة واب َ‬
‫وقال‪َّ ﴿ :‬‬
‫ويله﴾ (آل‬
‫تغاء تأ ِ‬ ‫ِ‬
‫عمران‪.)3 :‬‬

‫‪ 1.1‬نمط التلقي الثالث‪ :‬تلقي (املقتصد)‪ :‬وهو النمط الذي يبغي منه صاحبه الوصول إلى‬
‫املقصود القري للمتكلم‪ ،‬وال يبغي – ربما بحكم قدراته املحدودة – أن يكلف نفسه عناء‬
‫الوصول إلى املقصود أو املقاصد األبعد‪ ،‬والتي قد تكون خفية أو بعيدة بعض الش يء‪ ،‬فهو‬
‫يقتنع بما يدل عليه الخطاب بعباراته أو بظاهره‪.‬‬
‫‪ 7.1‬نمط التلقي الرابع‪ :‬تلقي (البياني)‪ :‬وهو النمط الذي يبغي فيه صاحبه الوصول إلى‬
‫املعنى املقصود من الخطاب فحس ‪ .‬فالعبرة عنده بما قصد املتكلم اإلفصاح عنه أو بيانه‬
‫من خالل خطابه‪.‬‬
‫‪ 0.1‬نمط التلقي الخامس (تلقي املختص)‪ :‬وهو النمط الذي يبغي فيه صاحبه الوصول إلى‬
‫معنى خاص يؤديه الخطاب‪ ،‬وسواء عنده أكان هذا املعنى مقصودا للمتكلم أم غير مقصود‪.‬‬
‫‪ 0.1‬نمط التلقي السادس‪ :‬تلقي (املتدبر)‪ :‬وهو النمط الذي يبغي فيه صاحبه الوصول إلى‬
‫كامل معنى الخطاب أي إلى كل املعاني املقصودة وكل املعاني غير مقصودة‪.‬‬

‫‪208‬‬
‫املجلد‪/07‬العدد‪/10‬السنة ‪ /0100‬ص‪000-090‬‬ ‫مجلـة النص‬

‫خاتمة‪:‬‬
‫من خالل هذا البحث يمكن استخالص النتائج التالية‪:‬‬
‫*مكانة وأهمية موضوع التلقي الذي أصبح يشكا نظرية متكاملة في فضاء الخطاب‬
‫اإلنساني‪.‬‬
‫* مكانة املتلقي الذي أصبح يعد الفاعل الحقيقي إلنتاج الدالالت واملعاني‪.‬‬
‫* اتساع مفهوم نظرية التلقي لجميع أنواع الخطابات‪.‬‬
‫* لنظرية التلقي امتدادات وتأصيالت في التراث العربي‪.‬‬
‫* للتلقي أطروحات متنوعة تؤكد ايجابية ومشاركة املتلقي‪.‬‬
‫* لعملية التلقي مراحل متسلسلة منطقيا‪.‬‬
‫* تخضع عملية نجاح التلقي لعوامل وشروط موضوعية‪.‬‬
‫* للتلقي أنماط متعددة ومتكاملة‪.‬‬
‫*إن موضوع التلقي واملتلقي جدير بمزيد من الدراسات النظرية وامليدانية وربطه بكل‬
‫ميادين الحياة وتشعباتها وتخصصات امليادين العلمية‪.‬‬

‫‪209‬‬
‫املجلد‪/07‬العدد‪/10‬السنة ‪ /0100‬ص‪000-090‬‬ ‫مجلـة النص‬

‫املراجع‪:‬‬
‫‪ -2‬مخلوف بوكروح‪ )1122( ،‬التلقي في الثقافة واالعالم‪ ،‬ط‪ ،2‬مقامات للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫الجزائر‪.‬‬
‫‪ -1‬ناظم عودة خضر‪ )2441( ،‬األصول املعرفية لنظرية التلقي‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬عمان‪ ،‬ط‪.2‬‬
‫‪ -1‬بشرى موس ى صالح‪)1112( ،‬نظرية التلقي‪ ،‬أصول ونظريات‪ ،‬ط‪ ،2‬املركز الثقافي العربي‪،‬‬
‫املغرب‪.‬‬
‫‪ -2‬أحمد بوحسن‪ )2441( ،‬نظرية التلقي في النقد العربي الحديث‪ ،‬منشورات كلية اآلداب‪،‬‬
‫الرباط‪.‬‬
‫‪ -1‬روبرت س ي هول ‪)2441( ،‬نظرية االستقبال‪ ،‬تر رعد عبد الجليل‪ ،‬دار الحوار‪ ،‬الالذقية‪،‬‬
‫ط‪.2‬‬
‫‪ -1‬الجاحظ‪ ،‬أبو عثمان‪ ،)2415( ،‬البيان والتبيين‪ ،‬تحقيق فوزي عطوي‪ ،‬دار صع ‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -7‬ذو الفقار‪ ،‬زغي شيماء‪ ،)1112( ،‬نظريات في تشكيل إتجاهات الرأي العام‪،‬الدار املصرية‬
‫اللبنانية‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -5‬سويف‪ ،‬مصطفى‪ ،)2444( ،‬دراسات نفسية في اإلبداع والتلقي‪ ،‬الدار املصرية اللبنانية‪،‬‬
‫القاهرة‪.‬‬
‫‪ -4‬عدلي العبد‪ ،‬عاطف‪ ،)2441( ،‬االتصال والرأي العام‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -21‬هول ‪ ،‬روبرت‪ ،)1111( ،‬نظرية التلقي‪ :‬مقدمة نقدية‪ ،‬ترجمة عز الدين إسماعيل‪،‬‬
‫املكتبة األكاديمية‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫‪210‬‬
‫املجلد‪/07‬العدد‪/10‬السنة ‪ /0100‬ص‪000-090‬‬ ‫مجلـة النص‬

‫‪ -22‬عيساني‪ ،‬رحيمة‪ ،)1117( ،‬مدخل إلى اإلعالم واالتصال‪ ،‬مطبوعات الكتاب والحكمة‪،‬‬
‫باتنة‪.‬‬
‫‪ -21‬ناظم عودة‪ )2441( ،‬نظرية التلقي‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬جامعة بغداد‪.‬‬
‫‪ -21‬بروال‪ ،‬مختار‪ ،)1114( ،‬الكفاءة التواصلية في اإلدارة املدرسية‪،‬قسم علم النفس‬
‫والعلوم التربوية‪ ،‬كلية العلوم اإلجتماعية‪ ،‬جامعة باتنة‪ ،‬الجزائر‪.‬‬
‫‪ -22‬شعبان‪ ،‬حنان‪ ،)1114( ،‬أثر الفواصل اإلشهارية التلفزيونية على عملية التلقي‪،‬قسم‬
‫اإلعالم واالتصال‪ .،‬كلية العلوم السياسية و اإلعالم‪ ،‬جامعة الجزائر‪ ،1‬الجزائر‪.‬‬
‫‪ -21‬بوكروح‪ ،‬مخلوف‪ ،)1111( ،‬محاضرات في مقياس نظريات التلقي للسنة األولى ماجستير‬
‫علوم اإلعالم واالتصال‪ ،‬جامعة الجزائر‪.‬‬
‫‪ -21‬محمد بلوحي‪ ،‬جماليات التلقي عند مدرسة كونستانس األملانية (جهود ياوس وآيزر)‪،‬‬
‫مجلة عمان‪ ،‬ع ‪ ،221‬األردن‪ ،1112 ،‬ص ‪.51‬‬
‫‪ -27‬توامة‪ ،‬عاشور‪ ،)1121 ( ،‬بالغة الخطاب القرآني وأثرها في املتلقي‪ ،‬مجلة قراءات‪،‬‬
‫جامعة بسكرة‪ ،‬ع‪ ،5‬ص؛ ‪.22‬‬
‫‪ -25‬العيفة‪ ،‬جمال‪ ،)1111( ،‬القراءة واملشاهدة في عصر تكنولوجيا االتصال السمعية‬
‫البصرية‪ ،‬دراسة ميدانية على عينة من طلبة جامعة باجي مختار‪ ،‬املجلة الجزائرية‬
‫لالتصال‪ ،‬عنابة‪( ،‬ع ‪ ،)24‬ص ص؛ ‪215-217‬‬

‫‪211‬‬

You might also like