You are on page 1of 22

‫ص ‪116-95‬‬ ‫املجلد‪ 12 :‬العدد‪ 2 :‬جوان ‪1012‬‬ ‫املترجم‬

‫فلسفة الترجمة‪ :‬دراسة في املفاهيم التنظيرية‬


‫‪The Philosophy of Translation: A Study in Theoretical Concepts‬‬

‫محمد الباقرحاج يعقوب ‪Muhamadul Bakir Hj. Yaakub‬‬


‫كلية اللغة العربية‪ ،‬جامعة السلطان شريف على اإلسالمية (بروناي دارالسالم)‬
‫‪bakir.yaakub@unissa.edu.bn‬‬
‫‪DOI: 10.46314/1704-021-001-005‬‬

‫تاريخ النشر‪1012/00/00 :‬‬ ‫تاريخ القبول‪1012/00/02 :‬‬ ‫تاريخ االستالم‪1012/00/12 :‬‬

‫ملخص‪:‬‬
‫إن فلسفة الترجمة هي تطبيق للمنهج الفلسفي على الترجمة ذلك؛ ألنها تتمحور حول تحديد‬
‫املسار لعملية الترجمة وتنسيقها ونقدها وتعديلها‪ ،‬في ضوء مشكالت الثقافة وصراعاتها املستجدة من‬
‫أجل تحقيق االتساق واالنسجام داخلها‪ ،‬ومع سائر املؤسسات االجتماعية‪ ،‬حيث تتضمن فلسفة‬
‫الترجمة البحث عن مفاهيم تواجد الفرد بين املظاهر املختلفة للعملية الترجمية‪ ،‬في خطة متكاملة‬
‫شاملة‪ ،‬تتضمن توضيح املعاني التي تقوم عليها التغيرات الترجمية‪ ،‬وتعرض الفرضيات األساسية التي‬
‫تعتمد عليها املفاهيم الترجمية‪ ،‬وتنمي عالقة الترجمة بغيرها من ميادين االهتمام اإلنساني‪ .‬وبصورة‬
‫أوضح‪ ،‬فإن فلسفة الترجمة هي االستشراف املنهجي ملستقبل الترجمة في عالقته بمستقبل املجتمع بوجه‬
‫عام؛ وذلك عن طريق النظرة النقدية الشاملة إلى الواقع الترجمي وما يحيط به وما يؤدي إليه‪ .‬ففلسفة‬
‫الترجمة هي الجهد املقصود لتطبيق الفكر الفلسفي في ميدان الترجمة‪ ،‬أو تطبيق النظرة الفلسفية العامة‬
‫في تصميم الرؤية الشاملة ملكونات الترجمة وتعليمها وممارستها‪ ،‬والبحث عن املعرفة الخاصة بها وعن‬
‫قيمها املثالية‪ ،‬ونقد املسلمات التي تقوم عليها‪ ،‬وتنسيق عمليات الترجمة‪ ،‬وتعديلها في ضوء متغيرات‬
‫املجتمع ومشكالته‪ ،‬األمر الذي يتضمن توجيه األنشطة الترجمية بجميع جوانبها‪.‬‬
‫الكلمات املفاتيح‪ :‬فلسفة الترجمة؛ اإلطار؛ املفاهيم؛ التنظيرية؛ اإلدارية‪.‬‬

‫‪Abstract:‬‬
‫‪Translation philosophy is an application of the philosophical approach in‬‬
‫‪translation activities and practices. It revolves around determining the practical‬‬
‫‪course of translation, coordinating, criticizing and modifying its output, despite‬‬
‫‪cultural problems and its emerging conflicts. The philosophy of translation‬‬
‫‪includes searching for the concepts of individual existence between the different‬‬
‫‪aspects of the translation process through a comprehensively integrated plan that‬‬
‫‪clarifies how translation changes occur and presents the basic assumptions on‬‬

‫‪95‬‬
‫املجلد ‪ 12 :‬العدد ‪ 2 :‬جوان ‪1012‬‬ ‫املترجم‬

‫‪which translation concepts develop the relationship of translation with other human‬‬
‫‪interest fields to achieve consistency and harmony within it and other social‬‬
‫‪institutions. In other words, the philosophy of translation is a systematic‬‬
‫‪exploration for the future of translation in its relations to its progressing society in‬‬
‫‪general, through a comprehensive critical view of its functional reality and its‬‬
‫‪surrounding. Therefore, it is an extensive effort to apply philosophical thought in‬‬
‫‪designing translation existence, components, functionality, teaching and practices.‬‬
‫‪Keywords: Translation ; Philosophy ; Concepts ; Framework ; Theorizing.‬‬

‫مقدمة‬
‫ّ‬
‫تعد الترجمة جسرا من تلك الجسور التي تمكن شعبا من الشعوب من االقتراب إلى شعب‬
‫آخر‪ .‬وكلمة الجسر هنا تشير إلى حقيقة وظيفية خاصة بالترجمة‪ ،‬وأنها تقوم على أسس صارمة‬
‫وعلى مبادئ متينة لحماسة العابرين عليها‪ .‬وعندما ننظر إلى هذا النوع من الخصائص الوجودية‬
‫لعلم الترجمة وفنيتها‪ ،‬فإننا نعني بها كيفية وجودها املادي‪ ،‬وأهميتها العملية‪ ،‬وتأثيراتها الفاعلية‬
‫التي ال تتأتى إال ثمارا من جهد مضن‪ ،‬وتفكير عميق‪ ،‬وتصميم حكيم‪.‬‬
‫وكما هو معلوم‪ ،‬فإن اإلنسان‪ ،‬بطبيعة حاله‪ ،‬دائما يحاول البحث عن الحقائق‬
‫الوجودية لكل ش يء يحيط بحياته‪ .‬بناء على هذه الحال‪ ،‬فقد استخلص الفالسفة أن "اإلنسان هو‬
‫الحيوان الناطق" (الجرجاني‪618 ،‬ه‪ ،‬ص‪ .)86‬والحظ جميل صليبا أن ابن سينا فسر هذا املعنى‬
‫بأن "ليس اإلنسان إنسانا بأنه حيوان‪ ،‬أو مائت‪ ،‬أو ش يء آخر‪ ،‬بل بأنه مع حيوانيته ناطق"‪ ،‬هذا‬
‫فضال عن كون كالمه يتميز باملعاني امللتئمة التي تعد من حقيقة أخرى يتميز بها اإلنسان‪ .‬وفي مثل‬
‫هذا‪ ،‬فإنه يحتاج إلى أن يكون جوهرا‪ ،‬ويكون له امتداد في أبعاد واسعة تفرض فيه طوال وعرضا‬
‫وعمقا‪ ،‬وأن يكون مع ذلك ذا نفس عظيم‪ ،‬وأن تكون نفسه نفسا يتغذى بها ويحس ويتحرك‬
‫باإلرادة الكاملة‪ ،‬ومع ذلك يكون بحيث يصلح أن يتفهم املعقوالت ويتعلم الصناعات ويعلمها‪..‬فإذا‬
‫التأم جميع هذا‪ ،‬حصلت من جملتها ذات واحدة وهي ذات اإلنسان (جميل صليبا‪،1911 ،‬‬
‫ص‪.)158/1‬‬
‫وهكذا شأن اإلنسان‪ ،‬قد خلقه خالقه خليفة في األرض يتصرف بعقل مفكر بطبيعة‬
‫حاله وبمطالب وظيفته ومسؤوليته في كل مسار حياته‪ ،‬فردية كان أم اجتماعية أو ثقافية‬
‫ومعرفية‪ .‬إذ عليه أن يؤدي دورا بارزا في كل مراحل احتكاكه بالوجود‪ ،‬ويبني أفكارا واضحة‪ ،‬ويوحد‬
‫آراء متشعبة‪،‬ويوظف ثقافاته العرفية فتقوى شخصيته البشرية وتخدم مجتمعه اإلنساني‪ .‬ومن‬

‫‪96‬‬
‫املجلد ‪ 12 :‬العدد ‪ 2 :‬جوان ‪1012‬‬ ‫املترجم‬

‫هذا املنطلق‪ ،‬تصبح الترجمة حقال معرفيا ومجاال للدراسة‪ .‬فهي قد تستقر في أرض خصب؛ فتنمو‬
‫مترعرعة خضراء تعطي أكلها كل حين وفي كل مكان‪ ،‬وعلى العكس قد تسقط في أرض جافة‬
‫مضمحلة وميتة‪ .‬والسؤال هنا‪ :‬ما الذي يحدد له االستقرار في أرض خصب أو في أرض جافة؟‬
‫طبيعة هذا السؤال وأمثاله تدور في فلك علم فلسفة الترجمة كعلم من العلوم‬
‫التخصصية املهنية‪ .‬إذ يجب على الدارسين أن يكتسبوا تفاصيله الجزئية وقواعده التطبيقية‬
‫ليصبحوا قادرين على اإلجابة عن األسئلة الفلسفية الخاصة بهذا املجال‪ ،‬كاإلجابة عن السؤال‪ :‬ما‬
‫معنى الفلسفة؟ فهو يعد من املقدمات األساسية التي تفتح لهم باب اإلجابة عن السؤال عن‪ :‬ما‬
‫املراد بفلسفة الترجمة؟ وما الفرق بينها وبين الترجمة الفلسفية؟ وملاذا نشاط الترجمة بحاجة إلى‬
‫فلسفة الترجمة؟ وكيف تتبدى هذه القلسفة في الترجمة؟‬
‫تلك هي ومضات يستهل بها هذا البحث كمقدمة للتعريف بفكرة فلسفة الترجمة‪ .‬وبتعبير‬
‫آخر‪ ،‬قبل أن نتحدث عن هذه القضية مفصلة‪ ،‬البد من تمهيد يوضح النظرة العلمية حول معنى‬
‫الفلسفة نفسها‪ ،‬ألنها املفتا إلى استيعاب منطلقات الفلسفة الترجمية التي تربط املترجمين بقيود‬
‫محددة في ممارسة الترجمة‪ .‬ومفهوم االستيعاب هنا بمعنى القدرة على تحديد املعنى املراد عند ذكر‬
‫مصطلح "الفلسفة" مثال وعلى تمييز الخصائص الخاصة بها‪ .‬وذلك ألن بعضهم عندما سمعوا هذه‬
‫الكلمة وخاصة عند غير املتخصصين في الدراسات الفلسفية‪ ،‬تبادر إلى أذهانهم املفهوم املزور لهذا‬
‫املصطلح‪ .‬وكذلك بالنسبة إلى مصطلح "فلسفة الترجمة" التي تتحكم في جريان الترجمة كونها‬
‫عملية مهنية احترافية تتطلب الدقة والصحة واألمانة التي ال يمكن تحقيقها إال بيد املترجم املنهي‬
‫املتم ّرس على األداء املثالي في إخراج نتاج الترجمة‪.‬‬
‫‪ .2‬نحو تعريف جامع لفلسفة الترجمة‬
‫ومن تلك الومضات التي نبتدى بها هذا البحث كون عملية تقديم تعريف فكرة فلسفة‬
‫الترجمة هينة بعض الش يء‪ .‬وذلك ألنها قد قدمت بعض اإلشارات املهمة للدارسين على أن الترجمة‬
‫في حقيقتها تقوم على مواصفات فلسفية خاصة‪ ،‬وأن نشاطها يتطلب متطلبات صارمة في واقع‬
‫عمليتها امليدانية‪.‬‬
‫وقبل أن نشرع في تقديم تعريف شامل جامع لفكرة فلسفة الترجمة البد أن نتعرف أوال‬
‫على معنى الفلسفة بوصفه مصطلحا أساسيا تخصصيا في هذا املحور‪ .‬وبتعبير آخر‪ ،‬قبل أن‬
‫نتحدث عن هذه الفكرة البد من وضو النظرة تجاه معنى الفلسفة نفسها‪ .‬هذا الوضو بطبيعته‬

‫‪97‬‬
‫املجلد ‪ 12 :‬العدد ‪ 2 :‬جوان ‪1012‬‬ ‫املترجم‬

‫يساعد في استيعاب جيد لهذا النوع من التفكير الفلسفي املتميز في شخصية املترجمين املتمارسين‬
‫في امليدان‪.‬‬
‫وإذا كان من الصعب تقديم تعريف اصطالحي جامع للفلسفة‪ ،‬فإن الهروب من هذه‬
‫الصعاب ليست حال فاصال لصالحنا‪ ،‬بل سوف يبقينا في حيرة مستمرة تجمدنا من االنطالق نحو‬
‫األمام‪ ،‬بل قد تؤدي بنا إلى تراجع وتقهقر‪ .‬فعلى هذا‪ ،‬دعنا نتخطى ‪ -‬هذا األمر ‪ -‬بخطوة أولى‪ ،‬وهي‬
‫مناقشة املصطلح من جذوره اللغوية‪ ،‬ومتابعة أصلوه اللغوية‪.‬‬
‫قديما‪ ،‬كان الشخص العالم الذي يعرف علوم عصره جيدا‪ ،‬يدعى "حكيما"‪ .‬وهو لقب‬
‫لكل شخص محب للحكمة‪ .‬فالفلسفة إذن هي حب الحكمة الذي يفني نفسه بالتعمق في التفكير‬
‫والتأمل‪ .‬فالحكيم هو ذلك الشخص الذي ينصرف إلى التفكير والنظر في شؤون الكون والحياة‬
‫دون أن ينتظر أي منفعة أو غاية شخصية من هذه العملية‪ ،‬بل هدفه الوحيد من ذلك هو البحث‬
‫عن حقيقة األشياء الكلية في أصلها وفي مصيرها معرفة شمولية واسعة (محمد أمين منصور‪.‬‬
‫‪ ،0212‬ص‪.)8-1‬‬
‫ومن الحقائق التي ال غنى عن ذكرها في هذه القضية‪ ،‬هي أن كلمة الفلسفة نفسها قد‬
‫اتسمت بالغموض منذ بداية استعمالها‪ ،‬وكأن التفلسف مثال عمل فكري ال يزاوله إال حفنة من‬
‫الناس‪ ،‬كما انطبع التفلسف لدى بعضهم بمضيعة للوقت من دون فائدة‪ ،‬وينظر بعضهم إليه‬
‫باالستخفاف أحيانا‪ .‬بناء على هذه الظاهرة‪ ،‬سوف نجد بعض الناس يندهشون عندما نقول لهم‪:‬‬
‫"بأن التفلسف في الحقيقة هو نوع من نشاط بشري طبيعي يزاوله كل إنسان بفطرته اإلنسانية‬
‫سواء أكان بوعي منه أم بدون وعي" (اآللوس ي‪ ،0225 ،‬ص‪.)1-8‬‬
‫وبعضهم اآلخر مثال‪ ،‬عندما سئلوا عن معنى الفلسفة بدت الغرابة في صفحات وجوههم‪.‬‬
‫هذا يؤكد أن السؤال لم يزل غريبا وبعيدا في النمط التفكيري الشائع عند الجماهير‪ ،‬ولم يدركوا‬
‫أن أصل معناها في اللغة هو حب الحكمة‪ .‬واملتفلسف هو ذلك الشخص املحب للحكمة‪ .‬إذن‪،‬‬
‫فالجواب بالنسبة للسؤال‪ :‬ما الحكمة؟ هو ذلك البحث أو االجتهاد للوصول إلى معرفة الحق‬
‫والتثبت من صحة الخبر ومحاولة استيعاب الصواب وتمييزه عن الخطأ‪.‬‬
‫وقد ينتقل ذلك السائل بالسؤال عن كيف السبيل إلى معرفة ذلك الحق‪ ،‬وعن تلك‬
‫الصحة املطلقة‪ ،‬وعن جودة العملية وفاعلية األثر في واقع أمره؟ ويرى الفالسفة أن السبيل‬
‫الوحيد املؤدي إلى اإلجابة املقنعة هو بطر األسئلة واملساءلة في كل أمر من أمورها‪ .‬أي ال يتقبل‬
‫‪98‬‬
‫املجلد ‪ 12 :‬العدد ‪ 2 :‬جوان ‪1012‬‬ ‫املترجم‬

‫أي علم من العلوم أو خبر من األخبار أو حقيقة من الحقائق على حاله املعروض من دون سؤال‬
‫وال مساءلة‪ .‬بل على املتفلسف أن يتساءل عن كل جانب من جوانب ذلك العلم أو الخبر قبل‬
‫قبوله‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فقد أصبح السؤال في مجال الفلسفة ال ينقطع بجواب واحد؛ بل ذلك الجواب‬
‫نفسه قد يولد سؤاال أو أسئلة أخرى‪ .‬أال ترى أن املبتدئ الذي يلج باب املعرفة يلقي سؤاال فلسفيا‬
‫على غيره‪ ،‬فال يتلقى جوابا‪ ،‬كما يلقيه الذي تبحر في العلم تبحرا‪ ،‬فال يحيره جواب واحد! وال يزال‬
‫هذا الجواب الفلسفي يمتنع على السائل كائنا من كان‪ ،‬حتى صار هذا السائل يرى القناعة التامة‬
‫في ذلك السؤال أفضل وأريح له من االستمرار بمطالبة الجواب نفسه‪ .‬ومفهوم "السؤال" مأخوذ‬
‫في حده من معنيين أساسيين‪ ،‬هما‪" :‬الطلب" و "التداعي"‪ .‬ومن املعلوم أيضا‪" ،‬أن فعل الطلب هو‬
‫الشرط الضروري لحصول املعرفة‪ ،‬فتكون الفلسفة‪ ،‬بانياتها السؤال‪ ،‬قائمة مقام الشرط الذي‬
‫تحصل بها املعرفة‪ ،‬مادامت حقيقة السؤال هي أنه طلب السائل معرفة املسؤول عنه؛ وحينئذ‬
‫يصح أن يقال بأنه ال معرفة بغير فلسفة كما يصح القول بأنه ال معرفة بغير طلب" (طه عبد‬
‫الرحمن‪ ،1995 ،‬ص‪.)15-11‬‬
‫وبتعبير آخر‪ ،‬فإن الفلسفة وليدة نظرة العقل البشري املنغمس في التفكير املتعمق في‬
‫قضية من القضايا املثيرة له‪ .‬ومن هذا املعنى يعرف الشخص املفكر بهذه الطريقة باملتفلسف‪،‬‬
‫يعني أنه قد انغمس في التفكير في ش يء ما بطريقة عميقة منظمة‪ .‬وهذا املفهوم يشير بوضو إلى أن‬
‫نوعية التفكير نفسه تتصف بأوصاف محددة شاملة‪ ،‬وقد توصف بالسطحية مثال‪ ،‬وعكسها‬
‫العميقة‪ ،‬أو توصف باإلدراكية وعكسها الحسية‪ .‬وهكذا‪ ،‬تصبح املواصفات شاملة لجميع األعمال‬
‫العقلية العامة كالتصور والتذكر والتخيل والحكم والتأمل في مشكلة من املشكالت للوصول إلى‬
‫حل مرض لها‪.‬‬
‫وعندما نصف اإلنسان بناء على نوعية عقليته الفلسفية‪ ،‬ندرك أن هذا اإلنسان ال‬
‫يستطيع أن يستغني عن الفلسفة‪ ،‬أيا كان مكانه أو زمانه‪ ،‬فسوف يظل يتخذ لنفسه شكال ما من‬
‫التفكير العقلي‪ ،‬حسب مستوى معيشته أو ثقافته أو مجتمعه‪ ،‬إلى أن يضع ذلك التفكير في صيغ‬
‫"حكيمة" سائغة مع جريان حياته الشخصية واحتياجات مجتمعه املتشكلة بالنظريات املحيطة‬
‫وذوات االتجاهات املتشعبة‪ .‬وذلك ألن الفيلسوف بطبيعة حاله هو أنه يعرض الش يء بالتفصيل‬

‫‪99‬‬
‫املجلد ‪ 12 :‬العدد ‪ 2 :‬جوان ‪1012‬‬ ‫املترجم‬

‫حتى وإن ّ‬
‫بسطه اآلخرون واعتبروه مسلمة‪ .‬ومن هنا يتميز الرأي الفلسفي بميزة العمق الواعية‬
‫بحقيقة الش يء‪ ،‬ولم يكتف بمجرد الخواطر الذهنية الساذجة (اآللوس ي‪ ،0225 ،‬ص‪.)12-9‬‬
‫ومن هذا التصرف‪ ،‬أصبح أمر التفكير في مفاهيم الفيلسوف جليا وواضحا‪ ،‬فهو ضروري‬
‫في عقليته‪ ،‬وبديهي في سلوكيته تجاه كل قضية من القضايا التي تحيط بحياة اإلنسان‪ .‬وأن‬
‫املتفلسف عندما يحلل قضية ما بتحليالت فلسفية يكون هدفه الوحيد هو الوصول إلى حكمة‬
‫صاخبة في تلك القضية‪ ،‬وبالتالي يكون بعيدا عن حيرة ساحرية أو استسالم بدعوات انفعالية ذات‬
‫صبغة عاطفية فارغة (اآللوس ي‪ ،0225 ،‬ص‪.)81‬‬
‫وهذا يعني أن طبيعة الفيلسوف ال تقبل موقف القبول للش يء بدون دليل‪ .‬ويترتب عن‬
‫هذا املبدأ تساؤل الفيلسوف عن كل مواقف الحياة بالبحث عن املقاييس املنطقية التي يستند‬
‫إليها في قبول ش يء أو إعطاء حكم عليه‪ .‬والش يء الوحيد الذي نخرج به من تساؤالت الفيلسوف هو‬
‫أنه البد من االستمرار في التساؤل‪ .‬ومن هنا يصبح التساؤل جوهر الفلسفة (اآللوس ي‪،0225 ،‬‬
‫ص‪.)1-8‬‬
‫ومما سبق ذكره‪ ،‬يمكننا أن نعرف الفلسفة بأنها تمثل معرفة عقلية قائمة على املنطق‬
‫السليم‪ ،‬وذلك ألنها تنطلق من مبدأ املعالجة التصورية بطر التساؤالت األساسية الخاصة‬
‫بالقضية تحت النقاش‪ ،‬ثم تحاول اإلجابة عنها مبنية على تلك األسس املنطقية الصادقة‪ .‬ومن‬
‫خالل هذه املمارسات النقدية والتأمالت التصورية‪ ،‬تتكون تلك القواعد الفلسفية العملية‬
‫واملناهج العلمية التنظيرية في هذا املجال‪.‬‬
‫‪ .1‬بين الفلسفة وفلسفة الترجمة‬
‫ومما يتبادر إلى أذهان العامة‪ ،‬أن كال من الفلسفة والترجمة تعد ممارسة خطابية‬
‫متمايزة وموجهة للمتميزين املتخصصين فيهما‪ ،‬إذ توجد لكل منهما شرائطه املعرفية وضوابطه‬
‫العملية؛ بحيث يجوز مبدئيا أن يوجد النظر الفلسفي‪ ،‬والترجمة معه‪ ،‬كما يجوز مبدئيا أن يوجد‬
‫العمل الترجمي وال فلسفة معه؛ إال أن املمارستين‪ ،‬على تمايزهما النظري واملنهجي‪ ،‬ظلتا تجتمعان‬
‫في الحال وتلتقيان في املآل‪ ،‬حتى كأن الترجمة هي الوسيلة األنجع التي يتوصل بها إلى أغراض‬
‫الفلسفة‪ ،‬وكأن الفلسفة هي الثمرة األنفع التي تتولد من أعمال الترجمة (طه عبد الرحمن‪،1995 ،‬‬
‫ص‪.)59‬‬

‫‪100‬‬
‫املجلد ‪ 12 :‬العدد ‪ 2 :‬جوان ‪1012‬‬ ‫املترجم‬

‫على أن هذا التظافر الواقعي الحاصل بينهما‪ ،‬وفي حقيقة األمر الذي نحن بصدده‪،‬‬
‫يتوجب أن نضع في االعتبار‪ ،‬أربعة مصطلحات مترابطة ومتشابهة في هذا السياق؛ فضال عن‬
‫"الفلسفة" و "الترجمة"‪ .‬تلك املصطلحات هي‪ :‬فلسفة الترجمة‪ ،‬ثم الفلسفة الترجمية‪ ،‬والترجمة‬
‫الفلسفية‪ ،‬وفي األخير هو ترجمة الفلسفة‪ .‬وتفصيل كل من هذه املصطلحات األربعة يتبدى في‬
‫الجدول األتي‪:‬‬
‫الجدول الرقم (‪ :)1‬أهم املصطلحات املترابطة في املجال‬
‫البيانات‬ ‫املصطلح‬ ‫الرقم‬
‫يتمحور هذا املصطلح حول تبلور أفكار الترجمة من جوانبها الشاملة‪،‬‬ ‫فلسفة‬ ‫‪.1‬‬
‫وتحديد مفاهيمها األساسية ومبادئها العملية‪ ،‬وإجراءاتها التطبيقية‪ .‬وهذا‬ ‫الترجمة‬
‫املعنى يمكن التعبير عنه ب ــ"الترجمة الذكية" التي تقوم على أسس تقوم‬
‫على مبدأ كيفية التخطيط لكيفية التحقيق‪.‬‬
‫يعبر هذا املصطلح عن ظاهرة نشاط تفكيري فلسفي ال أصالة فيها‪ ،‬بل‬ ‫الفلسفة‬ ‫‪.0‬‬
‫يتسم بالدخيل األجنبي‪ .‬أي أن مضمون فلسفة ما‪ ،‬وفي مجتمع ما‪ ،‬يمثل‬ ‫الترجمية‬
‫مقوال أجنبيا أو مقوال مترجما من فلسفة أخرى ال أصل له في ذلك‬
‫املجتمع‪ .‬فعلى هذا ّ‬
‫يعد دخيال وخارجيا‪.‬‬
‫أما مصطلح الترجمة الفلسفية‪ ،‬فيشير معناه إلى وصف النوعية‬ ‫الترجمة‬ ‫‪.8‬‬
‫املستخدمة في ترجمة نص من النصوص اللغوية بطريقة تتسم بمزايا‬ ‫الفلسفية‬
‫فلسفية‪ ،‬بحيث إنها تتصف بنوع من عمق املفاهيم وتعقيد األساليب‪(-‬أي‬
‫أن النص أصال ليس من النوع الفلسفي‪ ،‬ولكن املترجم قد استخدم‬
‫أسلوبا ذا طابع فلسفي موجز في تركيبه‪ ،‬عميق في صياغته ملعنى نص‬
‫الهدف بحيث يوحي بإيحاءات معقدة‪.‬‬
‫ويشير مصطلح ترجمة الفلسفة إلى نوعية عمل الترجمة لنص من‬ ‫ترجمة‬ ‫‪.4‬‬
‫النصوص الفلسفية بطريقة فلسفية‪ .‬ويجب في هذا السياق أن يكون‬ ‫الفلسفة‬
‫النص املصدر نصا فلسفيا أيضا‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫املجلد ‪ 12 :‬العدد ‪ 2 :‬جوان ‪1012‬‬ ‫املترجم‬

‫اتضح من الجدول أعاله‪ ،‬أن املترجم الذي يترجم ترجمة فلسفية‪ ،‬هو ذلك الشخص‬
‫الذي انشغل بالفلسفة وتأثر بها‪ .‬فلهذا‪ ،‬وعندما يترجم نصا من النصوص سوف نجده يميل إلى أن‬
‫يترجمه بطريقة فلسفية‪ .‬وذلك ألنه قد تأثر بها وأصبح جزءا منها‪ .‬وبتعبير آخر‪ ،‬وهو ذلك الشخص‬
‫الذي يعتزم إعم ال الفكر الخاص في عملية نقل معنى نص املصدر بطريقة فلسفية‪ .‬وفي الغالب‬
‫فإن ذلك النص املصدر نفسه هو نص فلسفي‪.‬‬
‫وأما بالنسبة إلى فلسفة الترجمة‪ ،‬فإنها ّ‬
‫تعد من املصطلحات املختصة في مجال الترجمة‪،‬‬
‫وتستخدم لإلشارة إلى تلك النظرة الخاصة بالتعامل مع الترجمة و بممارستها العملية‪ ،‬وبدورها‬
‫الفعال في مجال من املجاالت امليدانية وأهميتها الخاصة لدى مجموعة من املهتمين بقضاياها‪.‬‬
‫وبتعبير آخر‪ ،‬فإنها تعد من الفروع التخصصية في مجال الفلسفة التي تحاول ضبط مسار‬
‫الترجمة‪ ،‬وحل مشاكلها‪ ،‬واالعتناء بقيمها املؤثرة في الساحة االجتماعية‪.‬‬
‫ومن أجل استيعاب فكرة هذا املصطلح‪ ،‬فمن األ ْولى أن نتحرى باالطالع على تعريفه‬
‫اللغوي قبل االنتقال إلى داللته التخصصية‪ .‬فمثال‪ ،‬تعريف الفلسفة نفسها من منطلق اللغة فهي‬
‫تعني محاورات متجذرة في البحث عن حكمة في ش يء ما أو مجال ما‪ ،‬أو خصوصية ما‪ .‬وذلك ألن‬
‫الفلسفة وليدة نظرة العقل البشري إلى الوجود في أصل الش يء وجوهره ومصيره وتطلعه إلى إدراك‬
‫املبادئ األولى فيه (حنا الفاخوري وخليل الجر‪.)1/1 ،1960 ،‬‬
‫إذن‪ ،‬فمن خالل تلك املفاهيم املشار إليها‪ ،‬نستوعب فكرة فلسفة الترجمة كونها تعني‬
‫مدارسة متأصلة في الفهم‪ ،‬أي فهم حكمة ما وراء عملية ترجمة نص من النصوص وتحويله إلى‬
‫نص جديد بلغة جديدة وصياغته بصياغة جديدة أيضا‪ .‬وبهذا املعنى‪ ،‬يجب فلسفيا أن تكون‬
‫العملية متوازية ومترابطة بين نص املصدر وبين نص الهدف‪ ،‬وأنها ال تنفصل بين اللحظتين‬
‫الفلسفيتين‪:‬‬
‫‪ .1‬أوالهما لحظة االختيار والفهم والتأثر بنص املصدر؛‬
‫‪ .0‬وثانيتهما‪ :‬لحظة العملية الترجمية بما فيها من الوسائل في إحداث التأثير في متلقي‬
‫الترجمة‪.‬‬
‫وعلى هذا األساس‪ ،‬نحاول أن نبلور تلك املصطلحات بالتفصيل من أجل الوصول إلى‬
‫التفرقة بينها وبين فلسفة الترجمة‪ .‬لقد كان من نتائج احتكاك الشعوب (وال سيما في العصور‬
‫الحديثة بتقدم التطورات الصناعية) أن تظهر احتياجيات األمم إلى مراجعة كل أمر من أمورها‪.‬‬
‫‪102‬‬
‫املجلد ‪ 12 :‬العدد ‪ 2 :‬جوان ‪1012‬‬ ‫املترجم‬

‫وهكذا بدأوا بمحاوالت لالهتمام بقضايا الترجمة ودراستها من ناحية مناهجها ومنطقها وتحليل‬
‫مكوناتها وبناء النظرية العلمية املطروحة حولها‪ .‬وهكذا هو الشأن عندما تنشغل أمة من األمم‬
‫باملعرفة العلمية‪ .‬وكان للطرو العلمية تأثيرها املباشر في االتجاهات الفكرية والثقافية في تلك‬
‫األمم‪ .‬ومن هنا‪ ،‬أصبحت فلسفة الترجمة خاصة ال يستغني عنها شعب من الشعوب (طه عبد‬
‫الرحمن‪ ،1995 ،‬ص‪.)15-11‬‬
‫وقد جرى الحال على جعل فلسفة الترجمة مرادفا لتحليل املكونات لالتجاهات‬
‫واالستراتيجيات املرتبطة بأنشطة الترجمة في املجتمع البشري‪ ،‬كتحليل نوعية اللغة املستخدمة في‬
‫الترجمة‪ ،‬واملصطلحات املصطنعة فيها‪ ،‬فضال عن املنهجيات والوسائل‪ .‬ولكن فلسفة الترجمة‬
‫أوسع من تلك النماذج كلها‪ .‬ومن أهم املالمح املميزة لفلسفة الترجمة هو التركيز على ذاتية املهام‬
‫الترجمية‪ ،‬والقيام بالتحليالت الخاصة باملفاهيم املرتبطة بممارسة الترجمة‪ .‬وبكل بساطة‪ ،‬فإن‬
‫شأن فلسفة الترجمة هو تفلسف حول الترجمة نفسها تفلسفا تنظيريا وتطبيقيا‪ ،‬ومن ثم تشمل‬
‫فلسفة الترجمة أي نشاط فيها وعنها‪ ،‬بدءا من منهجياتها النظرية وتطبيقاتها العملية انتهاء‬
‫بالجوانب الخاصة بالقائمين عليها واملستخدمين املستفيدين منها‪.‬‬
‫ومن امللحوظ هنا‪ ،‬أن املشتغل بفلسفة الترجمة هو ذلك الشخص الذي يتناول الترجمة‬
‫من الجوانب امليتافيزيقية (أي املتعلقة بما وراء الطبيعة" في معالجته ملادة الترجمة‪ .‬مثال‪ ،‬يحاول‬
‫أن يبني نشاط الترجمة مبنية على تصورات حكيمة‪ ،‬ويحدد املسار ملواقف الترجمة حيوية نشيطة‬
‫وفاعلية‪ ،‬ويشترط في عملية نقل العلوم من لغة إلى لغة أخرى شروطا بناءة‪ ،‬ويتتبع كل سبب من‬
‫األسباب التي تؤدي إلى تواجد ظاهرة من الظواهر التأثيرة املمثلة الحتياجية الجماهير إلى نشاط‬
‫الترجمة (اآللوس ي‪ ،0225 ،‬ص‪.)005‬‬
‫ويتضح من تلك الظواهر امليتافيزيقية‪ ،‬أن فلسفة الترجمة نشاط ترجمي عام‪ ،‬لكن مع‬
‫عموميتها‪ ،‬فإن ثمة فرقا لفلسفة الترجمة في مجتمع من املجتمعات األخرى هي التي تسبب وجود‬
‫ظاهرة االختالف في تأثير الترجمة والتأثر بها بين واحدة وأخرى‪ .‬نعم! وقد يكون مصدر هذا التنوع‬
‫يعود إلى أسباب عديدة كوجود الكفاءة من عدمها‪ ،‬أو االحترافية واالنتظامية وما شابه ذلك‪ .‬وفيما‬
‫يلي أهم املميزات التي تفرق بين مستوى نوعية االحتراف واالنتظام لفلسفة الترجمة في مجتمع من‬
‫املجتمعات (اآللوس ي‪ ،0225 ،‬ص‪.)10-11‬‬

‫‪103‬‬
‫املجلد ‪ 12 :‬العدد ‪ 2 :‬جوان ‪1012‬‬ ‫املترجم‬

‫الجدول الرقم (‪ :)0‬أهم املميزات لفلسفة الترجمة (منقول بتصرف من حسام اآللوس ي ‪0225‬م)‬
‫البيانات‬ ‫امليزة‬ ‫الرقم‬
‫تعد اللغة املستخدمة في التعبير عن هذه الفلسفة ميزة مهمة‪ ،‬أهي تصاغ‬
‫ميزة اللغة‬ ‫‪1‬‬
‫بلغة بسيطة عادية‪ ،‬بحيث إنها تمثل لغة الحديث العادي اليومي‪ ،‬وال‬
‫املستخدمة‬
‫ش يء يحول بينها وبين فهم عامة الناس سوى الحاجز االصطالحي‪ .‬ولكن‬
‫هذا النوع من العوائق سرعان ما يتضاءل مع تعلم اإلنسان للمصطلحات‬
‫ومع شيوعها في أوساط املجتمع‪.‬‬
‫ومما الشك فيه‪ ،‬أن وضو داللية بند من بنود الفلسفة املتبناة في مجتمع‬
‫نوعية‬ ‫‪0‬‬
‫من املجتمعات يشكل عملية صريحة (أي مادية كانت أم معنوية)‪ .‬وهذا‬
‫الداللة‬
‫الوضو هو الذي يتمثل في الفكر املنهجي املنظم صريحة بينة‪ .‬ويعني هذا‬
‫واملفاهيم‬
‫أن وضو بنود فلسفة الترجمة يأتي من نوعية التفكير املنهجي ودقة‬
‫املبادئ املنتظمة في أنشطة الترجمة‪.‬‬
‫تعد جودة التنظيم أمرا حتميا في حقل التنمية والتطور‪ .‬ألنها توحي‬
‫جودة‬ ‫‪8‬‬
‫بإحكام الروابط االتساقية بين العناصر املكونة لفلسفة الترجمة التي‬
‫التنظيم‬
‫يتبناها شعب من الشعوب‪ .‬بينما نجد بشكل عام بعض بنود الفلسفة‬
‫واالتساق‬
‫تنظم تنظيما احترافيا وبعضهم اآلخر ال‪ .‬وقد تكون بعض عناصرها‬
‫متسقة شديدة االتساق في كيان وحدة محكمة متماسكة‪ ،‬بصرف النظر‬
‫عن إخفاقها فيما عدا ذلك‪.‬‬
‫مسألة االنقطاع في السيرورة والعفوية في االستمرار لدى أصحاب‬
‫انقطاع‬ ‫‪4‬‬
‫الفلسفة‪ .‬وهذه املسألة وحدها بشكل عام تتنافى مع جودة التنظيم‬
‫السيرورة‬
‫وإحكام الروابط العضوية للفلسفة‪ .‬إن التفلسف املنظم يتميز‬
‫باالحترافية املهنية التي تقدر حسن السيرورة حق قدره واالستمرارية‬
‫املخططة سلوكا محمودا‪.‬‬
‫بناء على الجدول أعاله‪ ،‬اتضحت الرؤية التصورية عن أهمية فلسفة الترجمة في واقع‬
‫الفعل الترجمي‪ .‬إذن‪ ،‬فالترجمة من منظور فلسفة الترجمة هي فعل ثقافي متطور ال يعرف الجمود‬

‫‪104‬‬
‫املجلد ‪ 12 :‬العدد ‪ 2 :‬جوان ‪1012‬‬ ‫املترجم‬

‫وال الركون‪ ،‬وحدث مخطط وتوصيلي يعبر عن انجاز اجتماعي نشيط ال يعرف الفردية املنفردة‪،‬‬
‫وتصوير إبداعي في هيكلة تشكل النظرة العلمية الصادقة التي تربطه باملاض ي والحاضر وتوصله إلى‬
‫املستقبل‪ .‬وهذا النوع من الفاعلية ال يتأتى إال من ثمرة خطة مرسومة هادفة ومن َّبناءة يرمي من‬
‫خاللها إلى توسيع دائرة الحوار واملعرفة في بيئة جديدة خاصة باملترجم وبمجتمعه‪ .‬ويخطط إلى‬
‫شحذ فعالية ذلك الفعل الثقافي باستيعابه ألكبر قدر من حصائد املعرفة اإلنسانية‪ ،‬واكتساب‬
‫خبرات اآلخرين لتكون أداة تطبيقية في تحقيق التطور واالرتقاء واملنافسة‪ ،‬ثم العطاء الحضاري‬
‫الثري للمجتمع كله‪ .‬وهي مفتا األمم لتالفي االنغالق الفكري من جهة‪ ،‬والتخلص من التبعية‬
‫املفضية إلى الذوبان في اآلخرين من جهة أخرى (دوريو‪.)0221 ،‬‬
‫‪ .0‬اإلطارالنظري لعناصرفلسفة الترجمة‬
‫تطر هذه الفقرة سؤاال هاما يتعلق بالعناصر املكونة لفلسفة الترجمة‪ ،‬بحيث إنها‬
‫تحاول معالجة هذا السؤال باعتباره مساهمة مستمرة نحو دراسة متعمقة في استيعاب رسالة‬
‫نشاط الترجمة في مجتمع من املجتمعات البشرية‪ .‬وقد وقعت هذه املحاولة في الجانب الفلسفي‬
‫لقضية الترجمة وممارستها كمحور رئيس ي بغرض التعرف على مزايا تفرد هذا الجانب من جوانب‬
‫القضايا الترجمية التي ال تعد وال تحص ى‪ ،‬ثم يحاول اإلملام بكينونته‪ ،‬وكيفية تركيبه ووظيفته‬
‫العملية التي تعد وسيلة االتصال املعرفي والحضاري بين جهة املصدر وبين جهة الهدف‪ .‬انطالقا‬
‫من هذه األهمية املاسة‪ ،‬يتم تصميم الهيكل النموذجي الذي يبين بوضو اإلطار العملي في كيفية‬
‫فهم مبادئ فلسفة الترجمة‪ ،‬بحيث يتجلى كل عنصر من العناصر الفلسفية مبرزا نقاطها‪،‬‬
‫ومحددا عالقتها‪ ،‬ومتسلسال لوجودها‪( -‬سواء كانت صريحة أم ضمنية)‪.‬‬
‫وكما هو معلوم فإن محور الفلسفة املعاصرة قد انحصر اهتمامها في ثالثة عناصر‬
‫رئيسية؛ وهي الوجودية واملعرفية واإلنسانية‪ ،‬أو ما يعرف أيضا بالقيم اإلنسانية‪ .‬ومن خالل تلك‬
‫املحاور األساسية أصبح تصميم بنية فلسفة الترجمة يرتكز على العناصر األربعة التي يأتي بيانها‬
‫كما يلي‪( :‬فرحان‪]18[ .)1969 ،‬‬
‫وصف ماهية وجود الترجمة‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫تحديد الرؤية الخاصة ألنشطة الترجمة‪.‬‬ ‫‪.0‬‬
‫تحديد املهام الخاصة بمسار أنشطة الترجمة‪.‬‬ ‫‪.8‬‬
‫تحديد القيم اإلنسانية الخاصة بأنشطة الترجمة‪.‬‬ ‫‪.4‬‬

‫‪105‬‬
‫املجلد ‪ 12 :‬العدد ‪ 2 :‬جوان ‪1012‬‬ ‫املترجم‬

‫وبتعبير آخر‪ ،‬ولتحقيق الغرض في إمكانية فهم أوجه االرتباط بين "الفلسفة" وبين‬
‫"فلسفة الترجمة" من جانب‪ ،‬وفي سياق "نقاش عناصرها املترابطة" من جانب آخر‪ ،‬قد تم هنا‬
‫محاولة تشكيل اإلطار النظري الذي يبين بنية الشبكة املتسلسلة في نظام األطروحات الفلسفية‬
‫املعهود كما في الشكل البياني التالي‪:‬‬

‫فلسفة الترجمة‬

‫إلى أين؟‬ ‫ما هي؟‬ ‫من أين؟‬

‫ملاذا؟‬

‫كيف؟‬

‫الشكل البياني الرقم (‪ :)1‬الهيكل التنازلي إلطار دراسة فلسفة الترجمة‬


‫يوضح الرسم البياني أعاله‪ ،‬أنه يجب على كل مترجم استيعاب معنى فلسفة الترجمة التي‬
‫تضبط عمله الترجمي‪ .‬وذلك عن طريق محاولة اإلجابة عن تلك األسئلة املتسلسلة تسلسال تنازليا‬
‫ومترابطا‪.‬ومن خالل اإلجابات سوف تتجلى تلك العناصر املكونة لفلسفة من فلسفات الترجمة‬
‫تحت الدراسة‪ .‬على سبيل املثال ‪ ،‬يمكن لدارس الترجمة أن يدرك نوعية فلسفة الترجمة التي البد‬
‫أن يتمسك بها في ممارسة ترجمة نص من النصوص بطر السؤال األول؛ وهو ما نوعية هذا‬
‫النص؟ ثم يستفسر من أين جاء؟ وإلى أين ينقل؟ وملاذا ينقل؟ وفي األخير يسأل نفسه عن الكيفية‬
‫املطلوبة في أداء عملية نقله كما هو مطلوب‪.‬‬
‫‪ .0‬أهمية فلسفة الترجمة وعالقتها باملجتمع‬
‫وسبق تعريف فلسفة الترجمة بأنها علم من العلوم الفلسفية التي تسعى إلى ضبط أفكار‬
‫الترجمة من جوانبها الشاملة‪ ،‬وتحدد مفاهيمها األساسية ومبادئها العملية‪ ،‬وإجراءاتها التطبيقية‬
‫للوصول إلى "الترجمة الذكية"‪ .‬ومما هو معلوم بالضرورة في الدراسات اللغوية‪ ،‬هو كون اللغة أداة‬

‫‪106‬‬
‫املجلد ‪ 12 :‬العدد ‪ 2 :‬جوان ‪1012‬‬ ‫املترجم‬

‫لالتصال بين أبناء اللغة التي تتم عبر تلك اإلشارات اللغوية‪ .‬وبناء على هذه الحقيقة‪ ،‬أصبح كل‬
‫موجود يمكن أن يكون رمزا لغيره ومرموزا إليه بغيره‪ ،‬في نظام رمزي كوني هو شرط التواصل‬
‫وطبيعته‪ .‬لذلك‪ ،‬فإن فهم شروط الترجمة يعد من تجاريب فلسفية تستنتج من خاللها نظريات‬
‫وضوابط في ممارسة الترجمة‪ ،‬وهي التي تمكن املتمرس من العودة إلى أصل وضع الترجمة لتحقيق‬
‫تالقي الوجدان مع االفتراق في أشكال اإلشارات البشرية التي تعد من مهام فلسفة الترجمة‪.‬‬
‫يكاد يجمع املشتغلون بقضايا الترجمة على حقيقة الدور الحيوى لفلسفة الترجمة فى‬
‫إحداث تغييرات مرغوبة ومطلوبة فى بناء املجتمع الترجمي‪ ،‬وبأن صلة هذه الفلسفة بنتاج الترجمة‬
‫عامة أصبحت تمثل نوعا من االقتران الشرطى‪ ،‬فكل نماء وتقدم يرتبط بفلسفة الترجمة‬
‫املخصصة له‪ ،‬وعندما تحققت عملية الترجمة بكمالها‪ ،‬تحقق النمو والتطور في واقع املجتمع‬
‫الترجمي‪ .‬هذا‪ ،‬إنما يتضح فى التحليل النهائى‪ ،‬بحيث إنه يمثل نماء ثقافيا وتقدما حضاريا ينعكس‬
‫على سائر األنساق املعنوية والظواهر املادية مجتمعية ومترابطة‪.‬‬
‫وإزاء هذه الحقيقة تزايد االهتمام املعاصر بقضية تطوير فلسفة الترجمة واألساليب‬
‫واملنهجيات التي يمكن أن تتبع فى عمليات النهوض الحضاري والتقدم التقني‪ ،‬وعبر املداخل‬
‫املتعددة التي يمكن أن تصلح من شأن إغناء ثقافة املجتمع‪ .‬فمثال؛ هل من اإلمكان البدء بتحديث‬
‫نوعية املعارف املنتشرة؟ أي هل املطلوب إعادة ترجمة املعارف املوجودة ولكن بالقيمة الجديدة؟‬
‫أم أنه من األفضل األخذ بما هو جديد في الوقت الحالي من دون النظر إلى ما مض ى من الترجمات؟‬
‫وبالطبع هذه النظرة قد تؤدي إلى الجدل العنيف‪ ،‬وفى ذاته يعكس ما يسمى "بفلسفة‬
‫اإلصال والتطوير في الترجمة" وهى فلسفة تختلف من مجتمع آلخر‪ ،‬بل من حقبة زمنية ألخرى‪.‬‬
‫وهكذا تعددت وجهات النظر بشأن املنطق الذي يستند إليه تطوير سياسة الترجمة فى أي‬
‫مجتمع‪ ،‬وتصبح بحوث فلسفة الترجمة ضرورة قصوى لهذا التطوير مع إعطائه الترجمة الالزمة‪،‬‬
‫ويظهر أثرها واضحا فى كونها بحوثا نقدية تكشف عن األخطاء وعن العيوب فى املمارسات القائمة‬
‫وتفتش عنها‪ ،‬وتوضح فى ذات الوقت كيفية تجاوزها بتحديد خط السير الذى يسلكه املترجمون فى‬
‫سعيهم لتطوير املجتمع الترجمي‪ .‬ومن هنا أصبحت لفلسفة التربية قوة الفعل والتأثير في إحداث‬
‫التنمية والتطوير في ساحة املجتمع‪.‬‬
‫ملا كانت الفلسفة التي يشتغل بها املتفلسف تمثل حصيلة أعماله التجريبية‪ ،‬فإن فلسفة‬
‫الترجمة التي يشتغل بها متفلسف الترجمة هي كذلك تمثل حصيلة األعمال الخاصة للمشتغل بها‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫املجلد ‪ 12 :‬العدد ‪ 2 :‬جوان ‪1012‬‬ ‫املترجم‬

‫هذه الحقيقة تستدعي فتح باب اإلبداع في املمارسة ذاتها‪ ،‬حتى يستوفي ذلك العمل شروط اإلبداع‬
‫في اإلنتاج‪ ،‬وهذا ما يتطلب النظر في الصلة املوجودة بين الترجمة وفلسفة الترجمة‪ .‬وإذا َّ‬
‫قارنا وضع‬
‫الترجمة في خطاب من الخطابات املعروضة للمجتمع تظهر أمامنا تباينات في الفهم واالستيعاب‬
‫وبين القبول واالعتراض (موهوب و عبة‪ ،0216 ،‬ص‪.)141-105‬‬
‫ومما سبق ذكره‪ ،‬يمكننا أن نوجز فكرة أهمية فلسفة الترجمة فيما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬التنسيق بين تبعية نص املصدر وبين استقاللية نص الترجمة‪ :‬هذا بمثابة عمل إداري في‬
‫حقل الترجمة‪،‬حيث ال تختلف العالقة بين نصية النص واحتجاجية نص الترجمة في‬
‫الواقع العملي‪ ،‬ولكي ال يحدث أي تعارض بين كل من هما فينتفي النفع والفائدة من‬
‫مخرجات العمل‪ .‬ولإليضا ‪ ،‬نقول إن طبيعة هذه التبعية تظهر من خالل معالجة‬
‫املترجم ملضمون نص املصدر التي توصله إلى استيعاب كامل لنص املصدر‪ ،‬والتي تمكنه‬
‫من إعادة صياغة ذلك املعنى في قالب جديد مستقل‪ .‬ومن هنا‪ ،‬تظهر العالقة بين تبعية‬
‫نص املصدر وبين استقاللية نص الترجمة‪ ،‬عالقة ذات طابع حيوي ف ّعال مؤثر‪.‬‬
‫‪ .0‬تحديث الرؤية املوروثة ألنشطة الترجمة‪ :‬هذا التحديث يمكن تحقيقه عن طريق‬
‫مراجعة‬
‫تلك الرؤى التي قد صممت سابقا‪ ،‬وتعديل مواصفاتها حسب السياقات الحالية‬
‫وتوقعات املستقبل‪ .‬ومن هنا‪ ،‬أصبحت هذه الرؤية تتسم بطموحات جديدة وذات حيوية‬
‫مستحدثة‪.‬‬
‫‪ .8‬تكثيف املهمة التنفيذية ألنشطة الترجمة‪ :‬هذا التكثيف يمكن تحقيقه بوسائل عديدة‪،‬‬
‫منها تقديم تلخيصات موجزة مركزة لكل عملية من العمليات املرسومة؛ أي إنه يقدم‬
‫ماهية الغاية املنشودة بكل وضو من إيجاد أنشطة الترجمة‪ ،‬ويصف نوعية املهمة‬
‫بتفاصيلها اإلجرائية‪ ،‬كما أنها تصبح أداة توجه انتباه املترجمين بحماس وشغف نحو‬
‫إنجاز املهمة‪ .‬ومن األمثلة لعملية تكثيف املهمة التنفيذية ألنشطة الترجمة توفير الفرص‬
‫للمثقفين املحليين أن يساهموا في بناء شعوبهم عن طريق ترجمة ثقافاتهم املكتسبة من‬
‫خارج البالد‪ ،‬وأن يتعلم املثقفون مهارة الترجمة املهنية ليتمكنوا من املساهمة في بناء‬
‫الوطن‪.‬‬
‫‪ .4‬تعزيز القيم اإلنسانية الخاصة بأنشطة الترجمة‪ :‬هذا التعزيز قد يكون بواسطة وضع‬

‫‪108‬‬
‫املجلد ‪ 12 :‬العدد ‪ 2 :‬جوان ‪1012‬‬ ‫املترجم‬

‫األهداف التي تركز على جانب تنمية الكفاءات املهنية في الترجمة؛ بحيث إنها توفر‬
‫القدرات في عملية نقل العلوم الحديثة واملعارف العملية الفعالة التي تتمثل في إعداد‬
‫املترجمين ملمارسة الترجمة وإغناء الثقافة املحلية من خالل املنح الدراسية الخاصة في‬
‫مجاالت الترجمة والترويج ملهنة املترجمين املحترفين في املؤسسات الرسمية والخاصة على‬
‫السواء‪ ،‬وكذلك في رفع مستوى الوعي العام بأهمية مهنة الترجمة في دورها تجاه بناء‬
‫املجتمع املتقدم القادر على مسايرة التطورات املستحدثة‪ ،‬وتقديم املساعدات‬
‫والتسهيالت املطلوبة توفرها للمؤسسات املستفيدة من أنشطة الترجمة‪ ،‬وخاصة ما هو‬
‫متعلق بتطوير كفاءات الترجمة‪ .‬ومن املمكن أيضا إدراج عنصر تشجيع املواطنين على‬
‫االعتماد الكلي على العلوم املترجمة واملعارف املستوردة بل املهارات املستحدثة التي‬
‫عرضها املترجمون‪.‬‬
‫‪ .0‬فلسفة الترجمة من العربية إلى املاليوية‪ :‬أطروحة نموذجية‬
‫‪ 2.0‬مقدمة‬
‫ومما ال شك فيه‪ ،‬أن الترجمة تؤدي دورا ال يستهان به في التواصل بين العروبة والشعب‬
‫املاليوي‪ ،‬إال أن الترجمة بوصفها عملية نقل معنى الكالم من لغة إلى لغة أخرى‪ ،‬هذا يعني أنها‬
‫بمثابة عملية احتكاكية بين الكيانين اللغويين املستقلين من حيث البنية اللغوية والداللية‬
‫واملعرفة الثقافية التي ال يمكن أن تكون موثوقة بصورة يمكن االعتماد عليها مباشرة والركون إليها‬
‫كليا ما لم تكن هناك ضوابط دقيقة تحدد مسارها وتثبت صحة نتاجها‪.‬‬
‫ولكون اللغة تعتمد باألساس على امللكة الصناعية‪ ،‬فإن الترجمة ومقاييسها سوف تسهم‬
‫بشكل كبير في تقويم هذه الصناعة وتعدي ملسارها‪ ،‬فابن خلدون مثال؛ يقر بأن امللكة صناعية‬
‫بطبيعتها وهي أساس الترجمة‪ ،‬حيث يقول‪" :‬اعلم أن اللغات كلها ملكات شبيهة بالصناعة‪ ،‬إذ هي‬
‫ملكات في اللسان للعبارة عن املعاني‪ ،‬وجودتها وقصورها بسبب تمام امللكة أو نقصانها ‪ .‬وليس‬
‫ذلك بالنظر للمفردات‪ ،‬وإنما هو بالنظر للتراكيب" (ابن خلدون‪ ،0225 ،‬ص‪.)052‬‬
‫وعليه‪ ،‬فإن الترجمة بالتالي هي نتاج لتلك الصناعة التي ينبغي ضبط مخرجاتها بوضع‬
‫الفلسفة الترجمية بمقاييس خاصة تحكم عملية نقل األفكار املغلفة بالكلمات في اللغة املصدر إلى‬
‫غالف لغة الترجمة بثقافتها ومفاهيمها القابضة على األفكار‪ ،‬إذ إننا " كثيرا ما نردد بحق أن اللغة‬
‫مستودع األفكار ومرآة الحضارة‪ ،‬فهي تستوعب ثقافة األمة وتعكس فكرها ورؤيتها للعالم املحيط‬

‫‪109‬‬
‫املجلد ‪ 12 :‬العدد ‪ 2 :‬جوان ‪1012‬‬ ‫املترجم‬

‫بأشيائه ومفاهيمه‪ .‬وقد عدت اللغة منذ أفالطون مجرد وعاء لفظي يستبطنه املحمول الفكري‪،‬‬
‫والكلمات مجرد أغلفة تستخدم للقبض على الفكرة والتعبير عنها (مشو ‪ ،0211 ،‬ص‪.)160‬‬
‫ومما يؤسف له في هذا الباب‪ ،‬أن مشكلة فلسفة الترجمة وفق مقاييسها املعيارية‬
‫كضابطة عملية لم تبحث بصورة كافية في كثير من املجتمعات الترجمية؛ مما أ ّدى إلى ظهور‬
‫أشكال متباينة بين آراء املترجمين وفق لآللية التي تم بها بناء امللكة اللغوية في لغة الترجمة (أو اللغة‬
‫األم) وذلك يحتم على الباحثين إيجاد املقاييس املعيارية التي يمكن االطمئنان إليها عند فحص‬
‫صحة الترجمة ‪ .‬وتكون هذه املقاييس بمثابة الوزن الصرفي في أنظمة اللغة‪.‬‬
‫وبناء على املناقشة أعاله‪ ،‬نشرع في محاولة تقديم أطروحة نموذجية لفلسفة الترجمة من‬
‫العربية إلى املاليوية‪ .‬وذلك بعرض تلك العناصر التي تكون هيئة فلسفة الترجمة بصورة موجزة‬
‫بوصفها عملية معرفية تصحيحية‪ ،‬هدفها بيان صدق ممارسة الترجمة وتقويمها‪.‬‬
‫‪ 1.0‬ماهية الترجمة في عالم املاليو‬
‫الترجمة في عالم املاليو ليست حديثة العهد‪ ،‬وإنما قد امتدت جذورها إلى تاريخ وصول‬
‫الدين اإلسالمي إلى منطقة جنوب شرق آسيا‪ .‬ومن بركات هذه املجهودات الترجمية توفرت‬
‫مجموعة من الكتب اإلسالمية في ساحة املجتمع املاليوي‪ ،‬ومن ضمنها ترجمات للقرآن الكريم‬
‫واألحاديث النبوية الشريفة‪ .‬ولكن من امللحوظ أن نشاطاتها كانت في صورة جهود أفراد معنيين‬
‫فقط ولم تكن يوما من األيام خاضعة ملشاريع حكومية مخططة ‪.) (Johns, 1199, p.101-121‬‬

‫وأما الترجمة في ماليزيا‪ ،‬فإنها قد بدأت في عهد الحكومة املاليوية بملقى‪( -‬وهي والية من‬
‫الواليات التابعة لحكومة ماليزيا)‪ ،‬حيث ركز العلماء على ترجمة الكتب الدينية والدراسية فقط‪.‬‬
‫ومن أهم مترجمي هذا العصر تون سري النج‪ ،‬الذي ترجم الكتب الهندية والعربية إلى املاليوية‪،‬‬
‫وكذلك حمزة الفنصوري‪ ،‬وشمس الدين الرانيري‪ ،‬والشيخ داود الفطاني‪ ،‬والشيخ عبد الصمد‬
‫الفلمباني‪ ،‬والشيخ أرشد البنجاري‪.‬‬
‫وفي عصر االستعمار أصبحت الحركة أكثر حيوية‪ ،‬وخاصة في فترة االستعمار االنجليزي‪،‬‬
‫حيث تنوع نشاط الترجمة في مجال شؤون تنظيم اإلدارة والقانون والعالقات العامة‪ ،‬وإنشاء‬
‫"مكتب التحرير واإلنشاء" في املعهد العالي سلطان إدريس للمعلمين‪ .‬والهدف األول في تأسيسه هو‬
‫تأليف الكتب التعليمية بجانب تدريب املترجمين في السنة ‪1904‬م‪ .‬ومنذ ذلك الوقت أصبحت‬
‫حركة الترجمة تتطور وتنشط إلى يومنا هذا‪ .‬وقد اهتمت الحكومة املاليزية بحركة الترجمة حين‬
‫‪110‬‬
‫املجلد ‪ 12 :‬العدد ‪ 2 :‬جوان ‪1012‬‬ ‫املترجم‬

‫أسست "ديوان اللغة واملكتبة‪ ،‬األمر الذي ّأدى إلى إنشاء مؤسسات أخرى مثل "معهد الترجمة‬
‫الوطني املاليزي"‪ ،‬و"قسم الترجمة" في جامعة ماليا وفي الجامعة التكنولوجيا‪ ،‬وغيرها من املعاهد‬
‫التي تخرج املترجمين الكثيرين املتحدين تحت مظلة جمعية املترجمين املاليزيين‪ .‬ونشير هنا إلى أن‬
‫تحقيق ش يء ليس سهال وال عفويا‪ .‬أي لم تكن حركة الترجمة في هذه املنطقة وليدة صدفة‪ ،‬بل هي‬
‫عملية كان قد خطط لها سلفا‪ ،‬وفي فترات زمنية متفاوتة‪ ،‬وأن حركة الترجمة وسياستها في تلك‬
‫التجارب قد نشطت وثبتت خطاها في حين من الزمن خالل الحقبة االستعمارية‪ ،‬ولكن تعثرت‬
‫وتبلورت حينا آخر بعد االستقالل‪ .‬ومع ذلك ال تزال حتى اليوم في نوم عميق وتتطلب املزيد من‬
‫الدعم والتشجيع والتنسيق والتخطيط كيما تؤدي دورها وتبلغ هدفها‪ ،‬وأن هذه الحركة ذات‬
‫أهمية بالغة في تحقيق مسار مستقبل الشعب املاليوي ومجتمعاتها‪ ،‬وأنها في حاجة إلى املؤسسات‬
‫واملراكز الرسمية التي تساعد في تحقيق فعاليتها وحيويتها (محمد الباقر‪ ،0229 ،‬ص‪.)48‬‬
‫وأما وضع الترجمة في واقع املجتمع املاليوي املعاصر فإنه لم يزل رهين التنمية والتطور‪،‬‬
‫وإن لم تكن مضمحلة ومرهونة‪.‬هذه الصورة يمكن فهمها من خالل مالحظ مسار الترجمة التي قد‬
‫طرحت في ساحة املجتمع بمدلوالت متباينة بين دعاة االختالف والتحديث من ناحية ودعاة ّ‬
‫الهوية‬
‫عدوا الترجمة وسيلة من وسائل التغريب والتثاقف مع اآلخر‪ .‬وبتعبير آخر‪ ،‬فإ ّن الترجمة‬ ‫الذين ّ‬
‫قناة من القنوات املهمة في التحاور مع اآلخرين‪ ،‬والتفاهم مع املنافسين‪ ،‬والتواصل بين الشعوب‪،‬‬
‫فهي قد ساهمت وسوف تظل تساهم في تحقيق التقارب ورفع املستوى الحضاري بالتثاقف مع‬
‫اآلخرين‪ ،‬أي باالنفتا مع الغير عبر أعمال املترجمين الذين ينقلون األفكار املستحدثة في الساحة‬
‫العاملية‪ .‬لهذا‪ّ ،‬‬
‫فإن الترجمة في عالم املاليو مازالت تعطي عطاياها مع تلك املدلوالت املتباينة في‬
‫كونها وسيلة من وسائل التغريب والتثاقف مع اآلخر (ألون مونسلو‪ ،0215 ،‬ص‪.)59‬‬
‫ومع كل ذلك‪ ،‬يمكننا أن نعتبر حركة الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة املاليوية نشيطة‬
‫مستمرة في تحقيق التنمية البشرية وتطوير الكفاءات التقنية‪ ،‬بالتوازي مع سياسة البلد في خلق‬
‫املجتمع املتوازن واملتناغم فكريا وروحانيا وعاطفيا وجسديا‪.‬‬
‫‪ 0.0‬الرؤية الخاصة لفلسفة الترجمة من العربية إلى املاليوية‬
‫تتمثل الرؤية الخاصة لفلسفة الترجمة من العربية إلى املاليوية في تنمية الكفاءات‬
‫الترجمية لدى األفراد املعنيين واملوهوبين من الشعب املاليوي لضمان قدرتهم على املساهمة في‬
‫نقل العلوم واملعارف التي يحتاجها أبناء الوطن املاليوي‪ .‬وبالتالي‪ ،‬يصبحون قادة ومفكرين‬

‫‪111‬‬
‫املجلد ‪ 12 :‬العدد ‪ 2 :‬جوان ‪1012‬‬ ‫املترجم‬

‫ومبدعين خادمين للشعب املاليوي‪ .‬وبتعبير آخر‪ ،‬فإ ّن هذه الرؤية تتسم بالوضو في توظيف‬
‫الترجمة كرائدة في تعزيز نمو الثقافة الدينية والحديثة تنمية مبدعة ومتميزة في تأثيرها وفي تلبيتها‬
‫الحتياجات الشعب املاليوي‪.‬‬
‫‪ 0.0‬املهمة الخاصة لفلسفة الترجمة من العربية إلى املاليوية‬
‫وتتمثل املهمة الخاصة لفلسفة الترجمة من العربية إلى املاليوية في تركيزها على أن يكون‬
‫املترجمون املاليويون روادا مهنيين في نشر العلوم اإلسالمية املتمثلة في ترجمة املصادر الدينية‬
‫اإلسالمية بأسلوب فعال مؤثر‪ .‬ومن هذا املنطلق‪ ،‬توفر فلسفة الترجمة تلك الفرص الخاصة‬
‫للمثقفين من أبناء الوطن أن يساهموا في بناء الوطن بما فيهم من الثقافات املتنوعة‪ ،‬خارجية‬
‫كانت تلك الثقافة أم داخلية على السواء‪ .‬لهم أن يقوموا بترجمة الثقافات اإلسالمية واملعارف‬
‫الحديثة إلى اللغة املاليوية‪ ،‬ولهم أيضا أن يتعلموا علوم الترجمة املهنية؛ حتى يتهيئوا ملمارسة نقل‬
‫تلك الثقافات واملعارف ممارسة مهنية فعالة‪ ،‬وعلى مسؤولية الحكومة أن تلبي كل ما يحتاج إليه‬
‫املترجمون املعاصرون من تسهيالت ووسائل كالحاسوب والقواميس والبرمجيات التطبيقية‪ ،‬على‬
‫أن تغرس القيم االجتماعية الرئيسة في تنمية الثقة الكاملة باملصادر املترجمة من قبل أبناء‬
‫الوطن‪ ،‬وأن تراقب كل أنشطة الترجمة لتكون موافقة الحتياجات أبناء الوطن وليس العكس‪.‬‬
‫‪ 0.0‬القيم الحكيمة لفلسفة الترجمة من العربية إلى املاليوية‬
‫وتتسم القيم الحكيمة لهذه الفلسفة من خالل مشاركة أبناء املاليويين في بناء أجيالهم‬
‫القادمة بناء إسالميا‪ ،‬وذلك ألنهم بمثابة العمود الفقري لجميع أنشطة الترجمة املرسومة‪ ،‬وعليهم‬
‫أن يترجموا تلك املصادر اإلسالمية بكل حماسة والتزام‪ ،‬وأن يــبادروا إلى ترجمتها بكل إتقان وأمانة‪،‬‬
‫ومهنية‪ ،‬متجمعين واعيين‪ ،‬ومحترمين ومتحملين أداء واجباتهم الترجمية‪.‬‬
‫‪ .0‬الخالصة‬
‫تعد الترجمة جسر تواصل بين اللغات املتعددة والثقافات املختلفة والحضارات‬ ‫ّ‬
‫املتمايزة‪ ،‬وهي من اآلليات التي اعتمدتها املجتمعات منذ بداية تشكالتها األولى حتى هذه اللحظة‪ ،‬في‬
‫التعريف بنمط عيشها وآدابها وفلسفتها وتقاليدها وثقافتها‪ ،...‬لذلك باتت الترجمة من أهم‬
‫الوسائل املستغلة قديما وحديثا في خلق التالقح الحضاري بين األمم والشعوب من خالل منطق‬
‫األخذ والعطاء‪،‬االقتباس واإلبداع‪ ،‬االستيعاب واإلنتاج‪ ...‬لكل املظاهر الفكرية واملعرفية والثقافية‬
‫التي تعكس بال شك تصورات مختلفة ورؤيات للعالم متباينة عند املمارسين لها‪ .‬وكنتيجة حتمية‬

‫‪112‬‬
‫املجلد ‪ 12 :‬العدد ‪ 2 :‬جوان ‪1012‬‬ ‫املترجم‬

‫لهذا التواصل الكوني‪ ،‬أصبح التفاعل بين الثقافات القومية والحضارات املختلفة يعتمد على‬
‫الترجمة ليس بوصفها ترفا فكريا‪ ،‬بل ضرورة إنسانية أملتها شروط االختالف والتعدد القائمة بين‬
‫األمم‪ .‬ألنه لوال هذا االختالف والتعدد ملا كانت الترجمة ضرورية وال حتى ممكنة‪ .‬وعليه‪ ،‬فإن‬
‫وجودها وديمومتها مقرونة بهذا التعدد على مستوى اللغات والثقافات والحضارات‪ .‬فهي ال تهدف‪،‬‬
‫كما يقال عادة‪ ،‬إلى أن تطابق األصل وإلى أن تحاكيه وتماثله‪ ،‬بل أن تكرس ثقافة االختالف وأن‬
‫تصبح إستراتيجية لتوليد الفوارق‪ .‬بهذا املعنى تكون الترجمة‪ ،‬ال عالمة على تبعية ونقل وتجمد‬
‫وموت‪ ،‬وإنما عالمة على انفتا وغليان وتالقح وحياة (بن عبد العالي‪ ،1969 ،‬ص‪.)6‬‬
‫إن فلسفة الترجمة هي تطبيق للمنهج الفلسفي على الترجمة؛ ذلك ألنها تدور حول تحديد‬
‫املسار العملي للترجمة وتنسيقها ونقدها وتعديلها في ضوء مشكالت الثقافة وصراعاتها املستجدة‪.‬‬
‫من أجل تحقيق االتساق واالنسجام في داخلها‪ ،‬ومع سائر املؤسسات االجتماعية‪ ،‬حيث تتضمن‬
‫فلسفة الترجمة البحث عن مفاهيم تواجد الفرد بين املظاهر املختلفة للعملية الترجمية‪ ،‬في خطة‬
‫متكاملة شاملة‪ ،‬وتتضمن توضيح املعاني التي تقوم عليها التغيرات الترجمية‪ ،‬وتعرض الفرضيات‬
‫األساسية التي تعتمد عليها املفاهيم الترجمية‪ ،‬وتنمي عالقة الترجمة بغيرها من ميادين االهتمام‬
‫اإلنساني‪ .‬وبصورة أوضح‪ ،‬فإن فلسفة الترجمة هي االستشراف املنهجي ملستقبل الترجمة في عالقته‬
‫بمستقبل املجتمع بوجه عام‪ ،‬وذلك عن طريق النظرة النقدية الشاملة إلى الواقع الترجمي وما‬
‫يحيط به وما يؤدي إليه‪ .‬ففلسفة الترجمة هي الجهد املقصود لتطبيق الفكر الفلسفي في ميدان‬
‫الترجمة‪ ،‬أو تطبيق النظرة الفلسفية العامة في تصميم الرؤية الشاملة ملكونات الترجمة وتعليمها‬
‫وممارستها‪ ،‬والبحث عن املعرفة الخاصة بها والقيم املثالية لها‪ ،‬ونقد املسلمات التي تقوم عليها‪،‬‬
‫وتنسيق عمليات الترجمة‪ ،‬وتعديلها في ضوء متغيرات املجتمع ومشكالته‪ ،‬بما يتضمن توجيه‬
‫األنشطة الترجمية بجميع جوانبها‪.‬‬
‫إذا كانت الفلسفة راهنا تقوم بدورها الذي وصفناه آنفا؛ فتتصل بالخبرة اإلنسانية‬
‫ّ‬
‫لتحللها وتنقدها وتعيد االنسجام إليها وتوضح األسس واملسلمات التي يقوم عليها االتساق الخبري‪.‬‬
‫وإذا كانت الترجمة خبرة إنسانية والعملية الترجمية نقل الخبرات اإلنسانية إلى الجيل الجديد‪ّ ،‬‬
‫فإن فلسفة الترجمة هي تطبيق النظرة الفلسفية والطريقة الفلسفية في ميدان الخبرة اإلنسانية‬
‫الذي نسميه الترجمة‪ ،‬فلسفة الترجمة تعمل على نقد العملية الترجمية وتعديلها والعمل على‬ ‫ّ‬
‫اتساقها وتوضيحها‪ ،‬حتى تتالءم هذه الخبرة اإلنسانية مع الحياة املعاصرة‪ ،‬وفلسفة الترجمة‬

‫‪113‬‬
‫املجلد ‪ 12 :‬العدد ‪ 2 :‬جوان ‪1012‬‬ ‫املترجم‬
‫ّ‬
‫تتضمن البحث عن مفاهيم توجد االتساق بين املظاهر املختلفة للعملية الترجمية في خطة‬
‫متكاملة شاملة‪ ،‬وتتضمن أيضا توضيح املعاني التي تقوم عليها التغيرات الترجمية‪ ،‬وتعرض‬
‫الفروض األساسية التي تعتمد عليها املفاهيم الترجمية وتعرض الفروض األساسية التي تعتمد‬
‫عليها املفاهيم الترجمية وتنمي عالقة الترجمة بغيرها من ميادين االهتمام اإلنساني‪.‬‬
‫وإذا كانت الخبرة اإلنسانية بأنواعها املختلفة هي التي تعمل الترجمة على نقلها إلى الجيل‬
‫الجديد في املستقبل‪،‬وإذا كانت هذه الخبرة نفسها هي التي تعمل الفلسفة في سبيلها تحليال ونقدا‬
‫وانسجاما‪ ،‬واتساقا وحال ألنواع التصارع والنزاع التي تفككها‪ ،‬فإن عالقة الفلسفة بالترجمة‪،‬‬
‫فإن خفاء الحقيقة القائمة على أن مصدر املشاكل الفلسفية هو وجود‬ ‫نتيجة لذلك عالقة وثيقة؛ ّ‬
‫مشاكل عامة يشعر بها جميع الناس في أساليب العمل االجتماعية‪ ،‬إنما مرده إلى أن الفالسفة قد‬
‫أصبحوا طبقة اختصاصية تستعمل لغة فنية مغايرة لتلك التي يعبر بها الناس عن الصعوبات‬
‫ّ‬
‫املباشرة في الحياة‪ .‬أما إذا قدر للمذهب الفلسفي الشيوع‪ ،‬فإنه من امليسور دائما اكتشاف‬
‫خالصته بتنازع املصالح التي تدعو إلى إيجاد منهج للتكيف االجتماعيين‪ .‬وها هنا تظهر العالقة‬
‫الوثيقة بين الفلسفة ّ والترجمة‪ ،‬والواقع أن الترجمة تعطينا بديال نشرف منه وننفذ إلى املعنى‬
‫اإلنساني للمناقشات الفلسفية الذي يتميز عن معناها الفني‪.‬‬
‫ومن فوائد استيعاب فكرة فلسفة الترجمة أنها تزود الدارسين بمهارات أساسية في بناء‬
‫هذا النوع من الفلسفة‪ ،‬وإدراك خصائصها العملية في حركة الترجمة داخل املجتمع وتنمية‬
‫قدراتهم على القيام بالتحليالت واملراجعات التي تستهدف تقديم الحلول اإليجابية في السعي إلى‬
‫نجا حركة الترجمة وممارستها وفعاليتها‪.‬وبتعبير آخر‪ ،‬فإن هذا البحث ينصب في سياق معالجة‬
‫فكرة فلسفة الترجمة داخل املجتمع اإلسالمي ووضع األسس واملبادئ الخاصة لها‪ ،‬بعد التعرف‬
‫على الجذور الفلسفية في ممارسة الترجمة‪ ،‬أصولها ومعاييرها املميزة‪ .‬ومن خالله يصبح القارئ على‬
‫بينة بفكرة فلسفة الترجمة بكل أصنافها وأسبابها‪ ،‬وعلى مهارة تؤهله من إدراك التصور العملي‬
‫لفعل الترجمة وجريانها في واقع املجتمع الترجمي‪ ،‬وكذلك قادرا على صياغة املالحظات الناتجة من‬
‫التحليالت املبنية على قواعد فلسفة الترجمة في ضبط مسار حركة الترجمة الشعبية وإبداء الرأي‬
‫العملي وتقديم أوجه الشبهات في موضوعات الترجمة‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫املجلد ‪ 12 :‬العدد ‪ 2 :‬جوان ‪1012‬‬ ‫املترجم‬

‫‪ .7‬املصادرواملراجع‬
‫ابن خلدون‪ ،‬عبد الرحمن‪0225( ،‬م)‪ .‬املقدمة‪ .‬تحقيق عبد السالم الشدادي‪ ،‬ج ‪ ،8‬الدار‬ ‫‪.1‬‬
‫البيضاء‪ .‬ص‪. 1‬‬
‫ألون مونسلو‪215( .‬م)‪ .‬دراسة تفكيكية للتاريخ‪( .‬ترجمة‪ :‬قاسم عبده قاسم)‪ .‬املركز القومي‬ ‫‪.0‬‬
‫للترجمة‪ :‬القاهرة‪،‬‬
‫أمال موهوب ورشيدة عبة‪0216( .‬م)‪ .‬من الترجمة االتباعية إلى الترجمة اإلبداعية‪ ،‬مجلة‬ ‫‪.8‬‬
‫أفكار وآفاق‪ .)0/8( ،‬ص‪.141-105‬‬
‫أمبارو أورتادو ألبير‪0221( .‬م)‪ .‬الترجمة ونظرياتها‪ :‬مدخل إلى علم الترجمة‪ ،‬ترجمة علي‬ ‫‪.4‬‬
‫إبراهيم املنوفي‪ ،‬املركز القومي للترجمة بالقاهرة‪ ،‬الطبعة األولى‪.‬‬
‫الجرجاني‪ ،‬علي بن محمد‪618( .‬ه)‪ .‬معجم التعريفات‪ .‬تحقيق إبراهيم األبياري‪ .‬دار الريان‬ ‫‪.5‬‬
‫للتراث‪.‬‬
‫جميل صليبا‪1911( .‬م)‪ .‬املعجم الفلسفي‪ .‬ج‪ .1‬دار الكتاب‪ :‬بيروت لبنان‪.‬‬ ‫‪.8‬‬

‫جوهنس‪1199( .‬م)‬ ‫‪.1‬‬


‫‪Johns, A.H. (1199). Quranic Exegesis inThe Malay World: Approaches to‬‬
‫‪The History of The Intrepretation of The Koran, ed. Rippin, Andrew‬‬
‫‪W. (Clarendon: Oxford. pp. 259-219.‬‬
‫حسام اآللوس ي‪0225( .‬م)‪ .‬مدخل إلى الفلسفة‪ .‬املؤسسة العربية للدراسات والنشر‪:‬بيروت‬ ‫‪.6‬‬
‫لبنان‪.‬‬
‫حنا الفاخوري‪ ،‬وخليل الجر‪1960( .‬م)‪ .‬تاريخ الفلسفة العربية‪ .0 .‬بيروت‪ :‬دار الجيل‪.‬‬ ‫‪.9‬‬

‫ريدديل‪1191( .‬م)‬ ‫‪.12‬‬


‫‪Riddell, P. (1191). Earliest Quranic Exegetical Activity in Malay Speaking‬‬
‫‪States (Achipelago). 19, pp.101-121.‬‬
‫طه عبد الرحمن‪1995 .‬م‪ .‬فقه الفلسفة‪ :‬الفلسفة والترجمة ‪ .‬املركز الثقافي العربي‪ :‬املغرب‪.‬‬ ‫‪.11‬‬
‫عبد السالم بن عبد العالي‪1969( .‬م)‪ .‬الترجمة واملثاقفة‪ .‬مجلة الوحدة‪ .‬املجلس القومي‬ ‫‪.10‬‬
‫للثقافة العربية‪ .‬الرباط‪ :‬املغرب‪ .‬السنة ‪ 8‬العدد ‪ .80-81‬ص ‪.6‬‬

‫‪115‬‬
‫املجلد ‪ 12 :‬العدد ‪ 2 :‬جوان ‪1012‬‬ ‫املترجم‬

‫فرحان‪ ،‬محمد جلوب‪1969( .‬م)‪ .‬دراسات في فلسفة التربية‪ .‬مطبعة التعليم العالي‪.‬‬ ‫‪.18‬‬
‫املوصل‪ :‬العراق‪.‬‬
‫كريستين دوريو‪0221( .‬م)‪ .‬الترجمة التقنية‪ .‬م‪ .‬هدى مقنص‪ .‬مركز دراسات الوحدة‬ ‫‪.14‬‬
‫العربية‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫محمد الباقر حاج يعقوب‪0229( .‬م)‪ .‬مقدمة إلى فن الترجمة‪ .‬مطبعة الجامعة اإلسالمية‬ ‫‪.15‬‬
‫العاملية ماليزيا‪.‬‬
‫محمد أمين منصور‪0212( .‬م)‪ .‬مدخل إلى الفلسفة‪ .‬دار العصماء‪ :‬دمشق‪.‬‬ ‫‪.18‬‬
‫مشو ‪ ،‬أ‪.‬د ‪.‬لبانة‪0211( .‬م)‪ .‬الترجمة والتنمية الفكرية‪ :‬القطاع اإلداري نموذجاً‪ .‬مجلة‬ ‫‪.11‬‬
‫جامعة دمشق‪ .‬املجلد ‪ .01‬العدد‪ 8‬و‪.4‬ص‪.161‬‬

‫‪116‬‬

You might also like