You are on page 1of 13

‫‪1/15/22, 7:37 PM‬‬ ‫نشأة الهيرمنيوطيقا ‪ -‬منصة معنى الثقافية‬

‫نشأة الهيرمنيوطيقا‬
‫فيلهلم دلتاي ‪ -‬ترجمة‪ :‬ريم الحربي‬

‫‪manaaadmin‬‬ ‫منذ أسبوعين‬ ‫دقائق ‪ 22‬‬

‫رؤيا حلم يعقوب» ‪ -‬جوزف ويليام ترنر«‪ ‬‬

‫ناقشت‪  1‬في مقال‪  2‬سابق تمثيل الفردانية كما خلقها الفن وخاصة الشعر‪ .‬وعلينا اآلن أن نتعامل مع مسألة المعرفة‬
‫العلمية لألفراد‪ ،‬وبالطبع مع األشكال الرئيسية للوجود اإلنساني الفردي بشكل عام‪ .‬هل هذه المعرفة ممكنة؟ وما هي‬
‫الوسائل المتاحة لنا لبلوغها؟‬

‫إنه سؤال بالغ األهمية‪ .‬تتطلب أعمالنا فهم اآلخرين في كل مكان؛ وينشأ جزء كبير من سعادة اإلنسان من قدرته على‬
‫التعاطف مع الحاالت الذهنية للبشر؛ فالعلوم اللغوية والتاريخية بأكملها تستند إلى افتراٍض ُم سبق بأن هذا الفهم للمفرد‬
‫يمكن أن يكون موضوعًيا‪ .‬لقد مكن الوعي التاريخي المبني على هذا األساس اإلنسان المعاصر بجعل ماضي‬
‫البشرية بأكمله حاضًرا في نفسه‪ :‬فهو ينظر إلى ما وراء كل حدود زمانه في ثقافات الماضي‪ ،‬ويمتص قوتها‪،‬‬
‫ويستمتع بسحرها‪ ،‬وعلى هذا تزداد سعادته‪ .‬وإذا ما استمدت العلوم اإلنسانية المنهجية في استنباط عالقات منظمة‬
‫أعم واتصاالت أشمل من هذا الفهم الموضوعي للمفرد‪ ،‬ستظل عمليات الفهم والتفسير هي األساس بالنسبة لها‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬فإن هذه العلوم‪ ،‬مثلها مثل التاريخ تماًم ا‪ ،‬تعتمد في يقينها المنهجي على ما إذا كان من الممكن فهم المفرد‬
‫‪.‬بطريقة أشمل‪ .‬لذلك نواجه عند بداية دخولنا إلى العلوم اإلنسانية مشكلة تنفرد بها عن كل المعرفة المفاهيمية للطبيعة‬

‫صحيح أن العلوم اإلنسانية قبل كل شيء لديها معرفة بالطبيعة‪ ،‬على الرغم من أن موضوعها ليس ظاهرة ُتعطى في‬
‫الحواس‪ ،‬وال مجرد انعكاس لشيء حقيقي داخل الوعي‪ ،‬بل هو باألحرى واقع داخلي بحد ذاته‪ ،‬أي أنه اتصال يتم‬
‫اختباره من الداخل‪ .‬ولكن الطريقة التي يتم بها تقديم هذه الحقيقة في التجربة الداخلية‪ ،‬تأتي بصعوبات كبيرة في‬
‫إدراكها الموضوعي – لكن هذا ليس نقاشنا في هذه المقالة – عالوة على ذلك‪ ،‬فإن التجربة الداخلية التي ُأصبح فيها‬
‫مدرًك ا انعكاسًيا لحاالتي الخاصة ال يمكن أن تجعلني أدرك فرديتي‪ .‬إْذ ال أجد شعوري بفرديتي أجده إال عندما أقارن‬
‫)‪ (Goethe‬نفسي باآلخرين‪ ،‬وعند هذه النقطة أدرك ما هو مختلف عن اآلخرين في وجودي‪ .‬وما أصدق غوته‬
‫عندما قال إن هذا األمر األهم في جميع تجاربنا هو أصعبها بالنسبة لنا‪ ،‬وإن رؤيتنا في مقياس سلطتنا‪ ،‬وطبيعتها‪،‬‬
‫وحدودها تبقى دائما ناقصة‪ .‬لكن الوجود األجنبي لآلخرين ال ُيمنج لنا إال من الخارج في شكل حقائق ذات معنى‬
‫‪https://mana.net/19879‬‬ ‫‪1/13‬‬
‫‪1/15/22, 7:37 PM‬‬ ‫نشأة الهيرمنيوطيقا ‪ -‬منصة معنى الثقافية‬

‫متاحة للحس؛ أي في اإليماءات واألصوات واألفعال‪ .‬ومن خالل عملية إعادة خلق ما هو متاح للحواس ُنكمل هذه‬
‫التجربة الداخلية‪ .‬يجب علينا نقل كل شيء عبر إحساسنا بالحياة‪ :‬من المادة‪ ،‬والبنية‪ ،‬إلى السمات األكثر فردية لهذا‬
‫الكمال‪ .‬ولكن المهم هنا كيف يمكن للوعي المصمم بشكل فردي‪ ،‬أن يجلب شخصية غريبة ومختلفة تماًم ا إلى المعرفة‬
‫الموضوعية من خالل إعادة الخلق هذه؟ ما هو نوع العملية التي تبدو غريبة جًدا مقارنة مع العمليات األخرى‬
‫للمعرفة المفاهيمية؟‬

‫ُنطلق لفظ «الفهم» على العملية التي نتعرف من خاللها على األشياء في الداخل بواسطة اإلشارات التي ُتعطى حسًيا‬
‫من الخارج‪ .‬هذا هو االستخدام اللغوي العادي لها‪ .‬أما المصطلحات النفسية الدقيقة التي نحتاجها‪ ،‬ال تتحقق إال إذا تم‬
‫اختبار كل تعبير فيها‪ ،‬وترسيخه بوصفه اصطالًحا موحًدا وواضًحا ومفيًدا من قبل جميع الُك تاب‪ .‬فهم الطبيعة –‬
‫تفسير الطبيعة – تعبير مجازي‪ .‬ولكن حتى تخوف المرء من ظروفه الخاصة ال ُيشار إليه إال بلفظ الفهم‪ ،‬وهو معنى‬
‫استعاري غير مناسب‪ .‬فأنا أقول على سبيل المثال‪« :‬لَم فعلُت ما فعلت؟ لم أعد أفهم نفسي بعد اآلن»‪ .‬إال أن ما أعنيه‬
‫بهذا هو أن وجودي الخارجي داخل عالم الحواس يقف أمامي اآلن باعتباره وجوًدا غريًبا وأنني غير قادر على‬
‫تفسيره‪ ،‬أو بدًال من ذلك أجد نفسي فجأة دخلت في الحالة التي أحملق فيها‪ ،‬بوصفي شخًصا غريًبا عني‪ .‬لذلك فإننا‬
‫‪ُ.‬نطلق على فهم تلك العملية التي ندرك بواسطتها اإلشارات المعطاة لحواسنا أنها تلك الحقيقة النفسية التي تعبر عنها‬

‫يتراوح هذا الفهم من تصور الثرثرة الطفولية إلى تصور «هاملت» أو «نقد العقل»‪ .‬فالروح البشرية ذاتها تحتاج إلى‬
‫تفسير؛ ولذلك تتجلى لنا وتخاطبنا من خالل األحجار‪ ،‬والرخام‪ ،‬والنغمات الموسيقية‪ ،‬ومن اإليماءات والكلمات‬
‫والكتابة‪ ،‬ومن األفعال واألنظمة االقتصادية والدساتير‪ .‬في الواقع‪ ،‬فإن عملية الفهم‪ ،‬بقدر ما تحددها الظروف‬
‫المشتركة والوسائل المعرفية‪ ،‬يجب أن تتمتع في كل مكان بالخصائص نفسها‪ .‬وبالتالي‪ ،‬تكون هي نفسها في سماتها‬
‫األساسية‪ .‬إذا أردت أن أفهم ليوناردو دافنشي‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬فإن تفسيراتي ألعماله ولوحاته وصوره وكتاباته‬
‫‪.‬تعمل مًعا بوصفها عمليًة متجانسًة وموحدة‬

‫يظهر الفهم بدرجات متفاوتة‪ُ ،‬يحّد د في البداية من خالل االهتمام‪ .‬إذا كان االهتمام محدود‪ ،‬يكون الفهم كذلك‪ .‬وإال‬
‫فكيف نستمع إلى بعض الحجج بفارغ الصبر‪ ،‬ثم نحدد فقط نقطة واحدة منها مهمة عملًيا بالنسبة لنا‪ ،‬دون أي اهتمام‬
‫بعوامل المتحدث الداخلية؟ بينما في حاالت أخرى نسعى جاهدين الختراق باطن المتحدث من خالل كل كلمة وكل‬
‫تعبير قد ُيبديه‪ .‬ولكن حتى مع أكثر االهتمامات إلحاًحا ال يمكن للعملية الفنية أن تتحقق فيها درجة ما من الموضوعية‬
‫التي تخولنا من التحكم فيها إال إذا كان التعبير عن الحياة ثابًتا؛ وبالتالي يمكننا العودة إليه مراًرا وتكراًرا‪ .‬مثل هذا‬
‫الفهم الفني للتعبيرات دائمة الثبات عن الحياة هو ما نسميه التفسير‪ .‬وبهذا المعنى‪ ،‬يوجد أيًضا فن تأويل تكون‬
‫‪ (Friedrich‬موضوعاته التي يتناولها منحوتات أو لوحات وما إلى ذلك‪ ،‬وقد دعا فريدريش أوجست فولف‬
‫عن‪ (Friedrich Gottlieb Welcker)4 ‬بالفعل إلى الهيرمنيوطيقا والنقد األثريين‪ .‬ودافع فيلكر‪August Wolf)3 ‬‬
‫فقد حاول تنفيذ هذه الهيرمنيوطيقا بالفعل‪ ،‬ولكنه‪ (Ludwig Preller)5 ‬مثل هذه الحاجة للهيرمنيوطيقا‪ ،‬وأما بريل‬
‫‪.‬أيًضا أكد على أن مثل هذا التفسير لألعمال الصامتة يعتمد في كل األماكن على التفسيرات األدبية لتوضيحه‬

‫تكمن األهمية الالمحدودة لألدب في فهمنا للحياة الروحية‪ ،‬والتاريخ‪ ،‬وفي حقيقة أن اإلنسان الداخلي ال يجد إال في‬
‫اللغة تعبيره الكامل والشامل والمفهوم بشكل موضوعي‪ .‬ومن ثم فإن فن الفهم له مركزه في عرض أو تفسير آثار‬
‫‪.‬الوجود البشري المحفوظة في شكل مكتوب‬

‫وقد شكل تفسير مثل هذه اآلثار‪ ،‬إلى جانب اإلجراءات النقدية التي ال تفصل عنه‪ ،‬نقطة انطالق فقه اللغة‪ .‬ويعتبر فقه‬
‫اللغة ‪-‬في جوهره‪ -‬ذلك الفن الشخصي والبراعة في معالجة ما تم حفظه بالكتابة؛ إْذ ال يزدهر أي تفسير آخر لآلثار‬
‫أو األعمال المنقولة تاريخًيا إال إذا ما ارتبط بهذا الفن ونتائجه‪ .‬قد نكون مخطئين بشأن دوافع هؤالء األشخاص‬
‫‪https://mana.net/19879‬‬ ‫‪2/13‬‬
‫‪1/15/22, 7:37 PM‬‬ ‫نشأة الهيرمنيوطيقا ‪ -‬منصة معنى الثقافية‬

‫المشاركين في الكتابة؛ فمن الممكن أنهم قاموا بنشر أفكار غير صحيحة عن أنفسهم‪ ،‬لكن ال يصح أن يكون عمل‬
‫شاعر‪ ،‬أو مكتشف عظيم‪ ،‬أو الهوتي عبقري‪ ،‬أو فيلسوف أصيل سوى تعبير حقيقي عن حياته النفسية؛ إْذ وسط‬
‫مجتمع بشري يعج باألكاذيب‪ ،‬تكون هذه األعمال دائًم ا حقيقية؛ وعلى عكس كل شيء آخر مسجل في العالمات‬
‫الثابتة‪ ،‬فهو تعبير قادر ذاتًيا على التفسير الكامل والموضوعي؛ ففي الواقع فقط‪ ،‬وفي ضوء مثل هذه األعمال نبدأ في‬
‫‪.‬فهم اآلثار الفنية األخرى لعصر ما واألعمال التاريخية لمعاصريه‬

‫لقد تطور فن التفسير بطريقة تدريجية وبطيئة ومنتظمة تماًم ا مثل البحث التجريبي عن الطبيعة‪ .‬وقد نشأ واستمر‬
‫بشكل أساسي إلى اآلخرين من خالل )‪ (tradition‬باالزدهار في عالم اللغة الفردية‪ .‬ومن أجل ذلك ُينقل تقليده‬
‫االتصال الشخصي مع الممارسين الكبار للتفسير أو مع أعمالهم‪ .‬وفي ذات الوقت تعمل جميع األعمال الفنية وفًقا‬
‫للقواعد التي ُتعلمنا كيفية التغلب على الصعوبات‪ ،‬بتقديم نتاج الفن الشخصي‪ .‬هذا هو السبب في أن فن التفسير شّك ل‬
‫شرًحا لقواعده في وقت مبكر‪ .‬ومن تناقض هذه القواعد‪ ،‬وصراع االتجاهات المختلفة حول تفسير األعمال الحيوية‬
‫‪.‬والحاجة الالحقة لتبرير مثل هذه القواعد‪ ،‬نشأت الهيرمنيوطيقا؛ النظرية التي تدرس قواعد تفسير اآلثار المكتوبة‬

‫ألن الهيرمنيوطيقا تحدد إمكانية التفسير الصالح كلًيا على أساس تحليل الفهم‪ ،‬فإنها تصل في النهاية إلى حل للمشكلة‬
‫العامة التي بدأ فيها المقال‪ .‬يأخذ تحليل الفهم مكانه إلى جانب تحليل التجربة الداخلية‪ ،‬ويظهر كالهما مًعا إمكانية‬
‫وحدود المعرفة الصالحة كلًيا في العلوم اإلنسانية‪ ،‬إلى الحد الذي تكون فيه هذه التخصصات مشروطة بالطريقة التي‬
‫‪ُ.‬تعطي لنا الحقائق النفسية في األصل‬

‫أود اآلن أن أوضح هذه الدورة المنتظمة في تاريخ الهيرمنيوطيقا‪ :‬كيف نشأت البراعة اللغوية من الحاجة إلى فهم‬
‫عميق وصحيح بشكل عام؛ ابتداًء من وضع القواعد‪ ،‬إلى ترتيبها تحت هدف تم تحديده بدقة أكبر من خالل حالة العلم‬
‫في وقت معين‪ ،‬حتى تم العثور في تحليل الفهم بحد ذاته على نقطة البداية للتنظيم حتى تم اكتشاف أساس مناسب‬
‫‪.‬لتشكيل القواعد في تحليل الفهم نفسه‬

‫‪1‬‬

‫للشعراء في اليونان من الحاجة إلى التعليم‪ .‬فلقد كان تأويل ونقد )‪ – ερμηνεία‬تطور التفسير الفني (هرمينيا‬
‫هوميروس والشعراء اآلخرين هواية فكرية شائعة وُم ثرية في عصر التنوير اليوناني لكل من كان يتحدث اليونانية‪.‬‬
‫ثم ظهر أساٌس أصلب منه عندما اصطدم هذا التأويل بالبالغة بين السفسطائيين والمدارس الخطابية‪ .‬اشتملت المبادئ‬
‫العامة للخطابة في تكوينها األدبي بشكل أساسي على صلتها بالبالغة‪ .‬يعتبر أرسطو ذاك الُم صِّنف والُم شِّر ح العظيم‬
‫للعالم العضوي‪ ،‬وللدولة السياسية‪ ،‬واإلنتاجات األدبية‪ ،‬الذي استطاع تعريفنا في خطابه بكيفية تقسيم المنتج األدبي‬
‫ككل إلى أجزائه‪ ،‬والتمييز بين األنماط األسلوبية المختلفة‪ ،‬وكيفية الحكم على تأثير المنظومة اإليقاعية‪ ،‬والحقب‬
‫بشكل أبسط من ذلك ‪» (Τέχνη ῥητορική)6 ‬الزمنية‪ ،‬والتعابير المجازية‪ُ .‬يعبر في كتابه «البالغة إلى اإلسكندر‬
‫الحكمة‪ ،‬السخرية‪ (ἐνθύμημα)7، ،‬عن هذه التعريفات لعناصر الكالم الفعالة‪ ،‬تحت عناوين مثل‪ :‬حول االنثيميم‬
‫االستعارة‪ ،‬التناقض‪ .‬واتخذت شاعرية أرسطو من الشكل الداخلي والخارجي للشعر موضوًعا لها‪ .‬والتي يصح‬
‫‪.‬اشتقاقها من تعريف جوهر أو هدف الشعر‪ ،‬وأنواعه‪ ،‬وعناصر تأثيره‪ ،‬وموضوعاته‬

‫اتخذ فن التفسير وقواعده خطوة ثانية مهمة إلى األمام مع فقه اللغة السكندري‪ .‬إْذ ُجمع اإلرث األدبي اليوناني في‬
‫المكتبات‪ ،‬وُأجريت مراجعات للنصوص‪ ،‬وُسّجلْت النتائج الهامة فيها من خالل نظام مفصل للتدوين النقدي‪ .‬كما وقد‬
‫ُأزيلت النصوص غير األصلية‪ ،‬وكتبت قوائم جرد لجميع النصوص المتبقية‪ .‬لقد أثبت فقه اللغة نفسه اآلن فًنا لتحقيق‬
‫النصوص‪ ،‬وتفسيرها‪ ،‬ونقدها‪ ،‬وتحديد القيمة على أساس الفهم الحميم لـ «اللغة»‪ .‬كانت تلك واحدة من آخر إبداعات‬
‫‪https://mana.net/19879‬‬ ‫‪3/13‬‬
‫‪1/15/22, 7:37 PM‬‬ ‫نشأة الهيرمنيوطيقا ‪ -‬منصة معنى الثقافية‬

‫الروح اليونانية وأكثرها غرابة‪ ،‬ألن المرح في الخطاب البشري كان من أقوى دوافع لغة هوميروس‪ .‬وقد بدأ علماء‬
‫فقه اللغة السكندري العظماء في إدراك القواعد المتأصلة في أسلوبهم العبقري‪ .‬لقد مضى أرسطرخوس‬
‫بوعي نحو تأسيس مبدأ صارم وشامل الستخدام لغة هوميروس مستنًدا إلى ‪  (Ἀρίσταρχος ὁ Σαμόθραξ)7 ‬‬
‫تأسيًسا واعًيا التفسير الموضوعي‪ (Ίππαρχος ο Ρόδιος) 8 ‬تفسيراته وتوضيحاته للنصوص‪ .‬وأسس هيبارخوس‬
‫‪ (Ἄρατος ὁ‬ألراطوس )‪ (Φαινόμενα‬للبحث األدبي والتاريخي من خالل اكتشاف مصادر قصيدة الظواهر‬
‫وتفسيرها على أساس ذلك البحث‪ .‬وكان إذا تم التعرف على عدد كبير من فقرات القصائد التي تنسب‪Σολεύς) 9 ‬‬
‫فسيتم مباشرة حذفها من فقرات قصائد المالحم لهوميروس‪ ،‬كالنشيد األخير من )‪ (Ἡσίοδος‬إلى هسيودوس‬
‫اإللياذة‪ ،‬وحتى الجزء األكثر إجماًعا من القصيدتين األخيرتين من األوديسة قد ُع ِثَر عليها بأكملها لتكون من أصل‬
‫أحدث مما سبق؛ وكل هذه النتائج ما كانت لتكون لوال المعالجة الفائقة لمبدأ القياس‪ ،‬والذي بموجبه تم إنشاء قانون‬
‫استخدام اللغة‪ ،‬ومجموعة األفكار والتماسك الداخلي‪ ،‬والقيمة الجمالية للقصيدة‪ ،‬وإقصاء ما يتعارض مع هذا القانون‪.‬‬
‫وأرسطرخوس بوضوح من‪ (Ζηνόδοτος) 10 ‬قد نرى تطبيق مثل هذا القانون األخالقي الجمالي من قبل زينودوت‬
‫‪: Si‬ألنه غير مناسب)‪ ،‬أو من العبارة األخرى – ‪: (dia to aprepes‬طريقة تبريرهم لألفكار المشتقة من قوله‬
‫إذا بدا شيء أقل مالءمة لمنزلة – ) ‪quid heroum vel deorum gravitatem minus decere videbatur‬‬
‫‪.‬األبطال أو اآللهة )؛ حيث أرضى أرسطرخوس السلطة األرسطية‬

‫ُع زز الوعي المنهجي للطريقة الصحيحة للتفسير في المدرسة السكندرية من خالل معارضتهم لفقه لغة بيرغامون‪.‬‬
‫هذا التناقض في االتجاهات الهيرمنيوطيقية‪ ،‬كان له أهمية تاريخية كونية فقد عاود الظهور في وضع جديد مع‬
‫‪.‬الالهوت المسيحي‪ ،‬وتأثرت به نظريتان تاريخيتان عظيمتان عن الشعراء والكتاب الدينيين‬

‫من الرواقية مبدأ التفسير المجازي إلى فقه لغة بيرغامون‪ (Κράτης ὁ Μαλλώτης) .‬جلب أقراطس المالوسي‬
‫استند التأثير طويل األمد لهذا المبدأ في البداية على حقيقة قدرته على حل التناقض بين الوثائق الدينية والرؤية‬
‫التجريدية للعالم‪ .‬ومن هنا كانت الحاجة إليه لدى مفسري الفيدا وهوميروس واإلنجيل والقرآن؛ كان بمثابة فن ال غنى‬
‫عنه على الرغم من عدم إثبات فائدته‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬كانت هذه العملية قائمة على نظرة عميقة لإلنتاجية الشعرية‬
‫والدينية‪ .‬كان هوميروس من أصحاب البصيرة‪ ،‬وكان التناقض في رؤاه بين العميقة منها واألفكار الحسية الخام ال‬
‫يمكن تفسيره إال إذا ُفهمت األخيرة على أنها مجرد وسائل للعرض األدبي‪ .‬وعندما ُفِهَم ْت هذه العالقة على أنها‬
‫‪.‬التفاف متعمد للحس الروحي في الصور؛ ظهر التفسير المجازي‬

‫‪2‬‬

‫إذا لم أكن مخطًئا‪ ،‬فإن هذا التعارض نفسه يعود بشكل جديد في الصراع بين المدارس الالهوتية في اإلسكندرية‬
‫وأنطاكية‪ .‬كان مفاد أحد المبادئ المشتركة لكليهما هو أن الرابط الداخلي بين النبوة والوفاء بتحقيقها يربط العهد القديم‬
‫بالجديد‪ .‬وقد ُض ّم ن مثل هذا االرتباط من خالل استخدام النبوة والنماذج األولية في العهد الجديد نفسه‪ .‬وانطالًقا من‬
‫هذه المقدمة‪ ،‬أوجدت الكنيسة المسيحية موقًفا معقًدا لها تجاه خصومها فيما يتعلق بتفسير كتابها المقدس‪ .‬تطلب األمر‬
‫فيما يتعلق باليهود تفسيًرا رمزًيا من أجل نقل عقيدة اللوغوس إلى العهد القديم‪ ،‬ولكن كان عليها أن تمنع نفسها من‬
‫تطبيق شامل للطريقة المجازية كما كان يفعل الغنوصيون‪ .‬على خطى فيلون السكندري (ְיִד יְד ָיה ַה ֹּכֵהן)‪ ،11‬حاول‬
‫وضع قواعد لترسيم الحدود والتعامل‪  (Eirēnaios)12 ‬وإيرينيئوس‪ (Ioustinos ho Martys)  ‬القديس جاستين‬
‫استراتيجيتهما في نفس الصراع مع اليهود والغنوصيين‪ ،‬ولكن )‪ (Tertullianus‬مع الطريقة المجازية‪ .‬تبنى ترتليان‬
‫من ناحية أخرى طور قواعد مثمرة لفن أجود في التفسير‪ ،‬مع أنه لم يظل مخلًصا لها لألبد‪ .‬لقد كانت هناك دائًم ا‬
‫صيغة أساسية للتناقض داخل الكنيسة اليونانية‪ .‬فلم تشرح المدرسة األنطاكية نصوصها إال وفًقا للمبادئ النحوية‬
‫في سفر نشيد اإلنشاد سوى أنها ترنيمة‪  (Theodore of Mopsuestia)13 ‬والتاريخية‪ .‬فلم َيَر لثيئودور األنطاكي‬
‫‪https://mana.net/19879‬‬ ‫‪4/13‬‬
‫‪1/15/22, 7:37 PM‬‬ ‫نشأة الهيرمنيوطيقا ‪ -‬منصة معنى الثقافية‬

‫زفاف‪ .‬وفهم سفر أيوب على أنه إعادة لقصة تاريخية تقليدية بصياغة شعرية‪ .‬رفض عناوين المزامير‪ ،‬ونفى أي‬
‫عالقة مباشرة بالمسيح فيما يتعلق بجزء كبير من النبوءات المسيحانية‪ .14‬لم يقبل بمعنى مزدوج للنصوص‪ ،‬ولكنه‬
‫وأوريجانوس‪  (Titus Flavius Clemens)  ‬افترض ارتباًطا أعلى بين األحداث‪ .‬في حين أن فيلون وإكليمندس‬
‫مّيزا بعد ذلك بين الحس الروحي وبين المعنى الحقيقي في النصوص نفسها‪ .‬إنها خطوة أخرى للتقدم )‪(Ὠριγένης,‬‬
‫من فن للتفسير إلى الهيرمنيوطيقا‪ ،‬حيث ارتفعت الممارسة إلى مستوى الوعي العلمي‪ ،‬ونشأت النظريات‬
‫الهيرمنيوطيقية األولى المتعارف عليها من هذا الصراع‪   .‬وفًقا لفيلون‪ ،‬فإن الشرائع والقوانين الرمزية موجودة‬
‫مسبًقا‪ ،‬واستخدمت في العهد القديم؛ وبالتالي يجب استخدام معرفتها أساًسا لتفسيره‪ .‬هذا هو المصدر الذي توصل منه‬
‫والقديس أوغسطينوس‪ ،‬في الكتاب‪»  De Principiis‬أوريجانوس في الكتاب الرابع من كتابه في «المبادئ األولى‬
‫إلى نظرية هيرمنيوطيقية مقدمة بشكل‪»   De doctrina Christiana‬الثالث من كتابه «حول العقيدة المسيحية‬
‫‪-:‬متماسك‪ .‬في مقابل ذلك‪ ،‬قدمت مدرسة أنطاكية عملين ‪ُ-‬فقدا لألسف‬

‫‪Τις διαφορα θεωριας και‬‬

‫‪.‬الصراع بين النظرية والرمز لديودوروس‪ ‬‬

‫‪Διόδωρος ὁ Ταρσεύς‬‬

‫‪.‬القصة الرمزية والتاريخ ضد أوريجانوس لثيئودور‪ ‬‬

‫‪3‬‬

‫دخل التفسير وتدوينه مرحلة جديدة مع عصر النهضة‪ .‬وألن المرء آنذاك بلغته وظروفه المعيشية وقوميته كان على‬
‫قطيعة مع العصور القديمة الكالسيكية والمسيحية‪ ،‬فقد أصبح التفسير هنا مختلًفا عما كان عليه الحال في روما‬
‫القديمة‪ ،‬وهنا كانت مسألة نقل الذات إلى حياة روحية من خالل الدراسات اللغوية والوقائعية والتاريخية‪ .‬وغالًبا ما‬
‫كان على فقه اللغة الجديد‪ ،‬بوصفه علًم ا‪ ،‬ونقًدا‪ ،‬أن يعمل مع مجرد أخبار ثانوية وأنقاض معرفية‪ .‬لذلك وجب عليه‬
‫أن يكون مبدًعا وبّناًء بطريقة جديدة‪ .‬من خالل ذلك ارتقى فقه اللغة والهيرمنيوطيقا والنقد إلى مستوى أعلى‪ .‬وبقي‬
‫عدد كبير من تلك األدبيات الهيرمنيوطيقية منتشرة على نطاق واسع في القرون األربعة التي تلتها‪ .‬وقد ُقسمت إلى‬
‫تيارين‪ :‬هي الكتابات الكالسيكية والكتابات التوراتية التي سعى الجميع الكتسابها ومثلتا القوتين العظميمتين‪ .‬كان‬
‫وتضمنت هذه األعمال‪ ،‬بما في )‪ (ars critica‬التدوين اللغوي للدراسات الكالسيكية معروًفا بمصطلح آرس كريتيكا‬
‫وعمل فالوا ‪   (Johannes Clericus)16،‬وكليريكوس ‪   (Gaspar Scioppius)15،‬ذلك أعمال شوبه‬
‫غير المكتمل‪ ،‬دروًسا في فن الهيرمنيوطيقا في أقسامها االفتتاحية‪ .‬تم التعامل مع عدد‪ (Henricus Valesius)17 ‬‬
‫ال يحصى من المقاالت والمقدمات الهيرمنيوطيقية‪ .‬لكن الدستور النهائي لنشأة الهرمنيوطيقا كان ينبع من تفسير‬
‫‪» – Clavis scripturae‬الكتاب المقدس‪ .‬وأول عمل مهم من هذا النوع‪ ،‬ولعله أعمقها‪ ،‬هو «مفتاح الكتاب المقدس‬
‫‪sacrae 1567)).‬‬

‫هنا وألول مرة‪ ،‬انتظمت القواعد األساسية للتفسير التي قد وضعت في عقيدة منهجية‪ ،‬وقد حدث ذلك عن طريق‬
‫افتراض أنه يجب تحقيق فهم صحيح بشكل عام من خالل التطبيق الفني والمنظم لهذه القواعد‪ .‬هذه النقطة المبدئية‪،‬‬
‫خالل‪  (Matija Vlačić Ilirik)18 ‬التي هيمنت على الهيرمنيوطيقا في الواقع‪ ،‬تم التوصل إليها من قبل فالسيوس‬
‫معارك القرن السادس عشر‪ .‬إْذ كان عليه القتال على جبهتين‪ ،‬وقد حافظ كل من القائلين بعقيدة تجديد العماد‪،‬‬
‫واإلصالح المضاد الكاثوليكي على هالة من الغموض حول الكتاب المقدس‪ .‬في معارضة هذا الرأي‪ ،‬اعتمد‬
‫‪https://mana.net/19879‬‬ ‫‪5/13‬‬
‫‪1/15/22, 7:37 PM‬‬ ‫نشأة الهيرمنيوطيقا ‪ -‬منصة معنى الثقافية‬

‫فالسيوس بشكل خاص على تفسير جان كالفن‪ ،‬والذي يعود في كثير من الحاالت من التفسير إلى مبادئه نفسها‪ .‬كان‬
‫العمل األشد إلحاًحا بالنسبة لـ «اللوثريين» حينها هو دحض العقيدة الكاثوليكية في التقليد‪ ،‬والتي أعيدت صياغتها‬
‫حديًثا‪ .‬ال يصح تأييد ادعاء التقليد الذي يحكم تفسير الكتاب المقدس ضد المبدأ البروتستانتي لسيادة الكتاب المقدس إال‬
‫بواسطة إنكار إمكانية صياغة تفسير صحيح وقابل للتطبيق بشكل عام على أساس الكتاب المقدس وحده‪ .‬تناول مجمع‬
‫ترينت‪ ،‬الذي اجتمع من عام ‪ 1545‬إلى عام ‪ ،1563‬هذه اإلشكالية بدًء ا من دورته الرابعة‪ .‬وصدرت أول طبعة‬
‫‪ (Roberto‬أصيلة لمراسيمها في عام ‪ .1564‬وفي عام ‪ ،1581‬بعد ظهور أعمال فالسيوس‪ ،‬شن بيالرمين‬
‫ممثل ترينت الكاثوليكي‪ ،‬الهجوم األشد مكًرا على ادعاء وضوح الكتاب المقدس في كتيب سعى‪Bellarmino)19 ‬‬
‫فيه إلى إثبات ضرورة التقليد الستكمال تفسيره‪ .‬في سياق هذه الصراعات‪ ،‬تعهد فالسيوس بإثبات إمكانية وجود‬
‫تفسير صحيح كوني بواسطة الهيرمنيوطيقا‪ .‬وفي أثناء قيامه بتلك المهمة‪ ،‬أصبح على دراية بالوسائل والقواعد لحل‬
‫معضالتها بطريقة لم ُتوجد في أي تأويالت سابقة‪ .‬إذا واجه المفسر صعوبات في نصه‪ ،‬فهناك طريقة سامية تتيح له‬
‫حلها؛ أي الرجوع إلى سياق النص المقدس المعطى في التدين المسيحي الحي‪ .‬فلو ترجمنا ذلك من نمط تفكيره‬
‫العقائدي إلى طريقة تفكيرنا‪ ،‬فإن هذه القيمة الهيرمنيوطيقية للتجربة الدينية ليست سوى مثااًل بسيًطا لمبدأ أعم؛ فوفًقا‬
‫لكل طريقة من طرق التفسير‪ُ ،‬تشمل بوصفها عاماًل على اإلشارة على سياق موضوعي‪ .‬باإلضافة إلى هذا المبدأ‬
‫الديني للتفسير‪ ،‬هناك أيًضا مبادئ أكثر عقالنية‪ ،‬أولها التفسير النحوي‪ .‬ولكن فالسيوس كان أول من أدرك أهمية‬
‫المبدأ النفسي أو التقني للتفسير‪ ،‬والذي وفًقا له يجب تفسير المقاطع الفردية في ضوء مقصد العمل بأكمله وتكوينه‪.‬‬
‫ومن أجل ذلك‪ ،‬اعتمد بشكل منهجي على المعرفة البالغية للسياق الداخلي للمنتج األدبي‪ ،‬وتكوينه وعناصره القوية‪،‬‬
‫الطريق لذلك‪ .‬أدرك‪  (Philipp Melanchthon)20 ‬مهدت إعادة صياغة الخطاب األرسطي من قبل ميالنشتون‬
‫فالسيوس أنه استخدم ألول مرة بشكل منهجي من أجل تحديد ال لبس فيه للمواضع الجزئية التي ترد في السياق‪،‬‬
‫والغاية منها‪ ،‬والنسبة‪ ،‬والترابط بين أجزائها المنفصلة‪ .‬وأن ذلك من شأنه جلب قيمته الهيرمنيوطيقية من وجهة نظر‬
‫عامة للمنهجية؛ فكما يقول «تستمد األجزاء الفردية من الكل في كل مكان قابليتها للفهم من عالقتها بهذا الكل‬
‫واألجزاء األخرى»‪ .21‬يتتبع هذا الشكل الداخلي للعمل وصوًال إلى األسلوب والعناصر الفعالة الفردية‪ ،‬وُيصمم‬
‫الخصائص الدقيقة ألساليب الالهوت البوليسي – نسبة إلى بولس – واليوحناوي – نسبة إلى يوحنا ‪ .-‬لقد كانت خطوة‬
‫كبيرة إلى األمام‪ ،‬ولكن في حدود اإلدراك البالغي‪ .‬كل عمل لميالنشتون وفالسيوس كان ُيكتب وفًقا للقواعد كما يتم‬
‫‪.‬فهمه أيًضا وفًقا لها‪ .‬إنه أشبه بإنسان آلي منطقي يرتدي أسلوًبا وصوًرا وأشكااًل خطابية‬

‫‪ (Siegmund Jakob‬تغلب فالسيوس في عمله على أوجه القصور الرسمية في هيرمنيوطيقية بومغارتن‬
‫ومع ذلك‪ ،‬ظهرت حركة الهوتية‪-‬هيرمنيوطيقية ثانية كبيرة في نفس الوقت من خالل كتاب ‪Baumgarten)22.‬‬
‫الذي ألفه بومغارتن‪ .‬وقد بدأ ‪«»  Nachrichten Von Einer Hallischen Bibliothek‬أخبار من مكتبة هاله‬
‫المفكرون اإلنجليز األحرار‪ ،‬ومفسرو العهد القديم من اإلثنولجيين‪ ،‬يأخذون مكانهم جنًبا إلى جنب مع المفسرين‬
‫‪ (Johann David‬وميشائيلس ‪   (Johann Salomo Semler)23 ‬الهولنديين في الوعي األلماني‪ .‬أما سملر‬
‫فقد تأثر ببومغارتن وعمله‪ .‬طبق ميشائيلس ألول مرة وجهة نظر تاريخية موحدة للغة والتاريخ ‪Michaelis)24 ‬‬
‫العظيم‪ ،‬بتحطيم ‪  (Christian Baur)25 ‬والطبيعة والقانون لتفسير العهد القديم‪ .‬وقام سملر سلف كريستيان باور‬
‫وحدة قانون العهد الجديد‪ ،‬وحدد المهمة الصحيحة لفهم كل كتاب مقدس على حدة في طابعه المحلي‪ ،‬ثم ربط جمع‬
‫هذه الكتب المقدسة في وحدة جديدة كانت ضمنية في المفهوم الحي والتاريخي للصراع المسيحي األولي بين‬
‫– ‪» ‬المسيحية اليهودية والمسيحيين الذين يتبعون طرًقا أكثر ليبرالية‪ .‬في كتابه «التمهيد للهيرمنيوطيقا الالهوتية‬
‫كان سملر حاسًم ا بنفس القدر في اشتقاق ‪  Vorbereitung Zur Theologischen Hermeneutik،‬‬
‫الهيرمنيوطيقا ككل من عنصرين أساسيين‪ :‬التفسير القائم على االستخدام اللغوي‪ ،‬والتفسير القائم على الظروف‬
‫‪ (Johann‬التاريخية‪ .‬وبهذا تم تحرير التفسير من العقيدة‪ ،‬وأنشئت المدرسة النحوية التاريخية‪ .‬ثم قدم إرنستي‬
‫بتفكيره الثاقب والحذر النص الكالسيكي لهذه الهيرمنيوطيقا الجديدة في «مؤسسة مترجم ‪August Ernesti)26 ‬‬
‫وهي الطريقة التي استخدمها شاليرماخر في ‪» –  Institutio Interpretis Novi Testamenti).‬العهد الجديد‬
‫‪https://mana.net/19879‬‬ ‫‪6/13‬‬
‫‪1/15/22, 7:37 PM‬‬ ‫نشأة الهيرمنيوطيقا ‪ -‬منصة معنى الثقافية‬

‫تطوير المنهج الهيرمنيوطيقي الخاص به‪ .‬وقد حدث هذ التطور المنهجي بما ال يدعو مجااًل للشك ضمن حدود ثابتة‬
‫معينة‪ .‬في أيدي هؤالء المفسرين‪ ،‬يذوب التركيب والنسيج الفكري لكل كتابة في عصر ما في ذات الخيوط لدائرة‬
‫األفكار المحلية والزمانية‪ .‬وفًقا لهذه النظرة البراغماتية للتاريخ‪ ،‬فإن الطبيعة البشرية الموحدة دينًيا وأخالقًيا ال ُتقّيد‬
‫‪.‬محلًيا وزمانًيا إال بطريقة خارجية؛ أي أنها تصبح مفهوًم ا غير تاريخي‬

‫حتى ذلك الحين‪ ،‬كانت الهيرمينوطيقا الكالسيكية والكتابية تسيران جنًبا إلى جنب‪ .‬لكن ألم يكن من الضروري أن‬
‫تلميذ ‪ُ (Georg Friedrich Meier)27 ‬ينظر إلى كليهما على أنهما تطبيقات عامة للطرق التفسيرية؟ اتخذ ماير‬
‫– ‪» ‬في عام ‪ 1757‬هذه الخطوة فكتب «محاولة لفن عام للتفسير ‪ (Christian Wolff)28 ‬كريستيان فولف‬
‫لقد فهم حق الفهم ماهية علمه بشكل عام بقدر اإلمكان‪ Versuch einer allgemeinen Auslegungskunst  ،‬‬
‫بوصفه علًم ا من المفترض أن يحدد القواعد التي يجب مراعاتها في كل تفسير للعالمات‪ .‬لكن الكتاب يثبت مرة‬
‫أخرى استحالة ابتكار علوم جديدة من منظور البناء الهندسي والتناسق‪ .‬هذا يخلق لنا فقط نوافذ عمياء ال يستطيع أحد‬
‫الرؤية من خاللها؛ إذ ال تظهر الهيرمنيوطيقا الفعالة إال في عقل تم فيه دمج براعة التفسير اللغوي مع كليات فلسفية‬
‫‪.‬حقيقية‪ .‬ولقد كان هذا شاليرماخر‬

‫‪4‬‬

‫لألعمال ‪ (Johann Joachim Winckelmann)29 ‬دعونا نرسم البيئة الفكرية التي عمل فيها‪ :‬تفسير فينكلمان‬
‫الفنية‪ ،‬وتعاطف هيردر المتجانس مع روح العصور والشعوب‪ ،‬ووجهة النظر الجمالية الجديدة‪ ،‬وفلسفة اللغة عند كل‬
‫‪ (Ludwig‬وفريدرش فولف وطالبه‪ ،‬ومن بينهم هايندروف ‪ (Christian Gottlob Heyne)30 ‬من هاين‬
‫الذي تابع دراساته األفالطونية مع شاليرماخر‪ .‬تم دمج كل هذا عند شاليرماخر مع ‪Friedrich Heindorf)31 ‬‬
‫مقاربة للفلسفة المتعالية األلمانية التي تسعى إلى قوة إبداعية تكمن وراء ما ُيعطى في الوعي‪ ،‬قوة غير واعية بذاتها‪،‬‬
‫ولكنها تعمل بطريقة موحدة لتنتج شكل العالم بأكمله فينا‪ .‬ومن الصلة بين هاتين اللحظتين على وجه التحديد‪ ،‬طور‬
‫‪.‬شاليرماخر فنه الخاص في التفسير واألساس النهائي للهيرمنيوطيقا العملية‬

‫كانت الهيرمنيوطيقا‪ ،‬في أحسن األحوال حينها‪ ،‬عبارة عن مجموعة من القواعد التي ُج ِمَع ْت أجزاؤها من القواعد‬
‫الفردية ذاتها بغرض إعطاء تفسيرات عامة‪ .‬كان لها عدة وظائف تعمل مًعا في عملية التفسير هذه بشكل منفصل‬
‫بوصفها تفسيًرا نحوًيا‪ ،‬وتفسيًرا تاريخًيا‪ ،‬وتفسيًرا جمالًيا بالغًيا‪ ،‬وتفسيًرا واقعًيا‪ .‬وبعد قرون من البراعة اللغوية‪،‬‬
‫أصبحت الهيرمنيوطيقا مدركة للقواعد التي يجب أن تعمل هذه الوظائف وفًقا لها‪ .‬هذا ما جعل شاليرماخر يسعى إلى‬
‫تحليل الفهم الكامن وراء هذه القواعد‪ ،‬أي إلى معرفة هذا العمل الهادف لفهم نفسه‪ ،‬ومن هذه المعرفة استمد إمكانية‬
‫التفسير الشامل‪ ،‬إلى جانب وسائله‪ ،‬وحدوده‪ ،‬وقواعده‪ .‬إال أنه لم يستطع تحليل الفهم إال كإعادة خلق أو إعادة بناء‬
‫داخل عالقته الحية بعملية اإلنتاج األدبي نفسه‪ .‬في اإلدراك الحي للعملية اإلبداعية التي ينشأ فيها عمل أدبي قوي‪،‬‬
‫أدرك شرط معرفة العملية األخرى‪ ،‬التي بواسطتها يفهم العمل بأكمله من العالمات الفردية أي من خالل مبدع العمل‬
‫‪.‬وحسه الروحي الخاص‬

‫ومع ذلك‪ ،‬كانت هناك حاجة إلى منظور نفسي تاريخي جديد لحل المشكلة المطروحة بهذه الطريقة‪ .‬انطالًقا من‬
‫العالقة التي كانت قائمة بين التفسير اليوناني‪ ،‬والبالغة بوصفها نظرية فنية لنوع معين من اإلنتاج األدبي‪ – ،‬قمنا‬
‫سابقا بتتبع العالقة هنا‪ ،‬وهي ليست محل خالف‪ .-‬ولكن اإلشكالية كانت في أن مفهوم كلتا العمليتين ظل دائًم ا منطقًيا‬
‫وخطابًيا بحًتا‪ .‬كانت الفئات التي حدثت فيها دائًم ا هي صنع االتصال المنطقي والترتيب المنطقي ثم تزيين هذا المنتج‬
‫المنطقي باألساليب واألشكال الخطابية والصور‪ .‬ولكن اآلن ُتستخدم مصطلحات جديدة تماما لفهم المنتج األدبي‪ .‬إْذ‬
‫توجد اآلن قدرة موحدة وخالقة‪ ،‬غير واعية بفعاليتها التكوينية والتطويرية للدوافع األولى للعمل‪ .‬التقبل والتكوين‬
‫‪https://mana.net/19879‬‬ ‫‪7/13‬‬
‫‪1/15/22, 7:37 PM‬‬ ‫نشأة الهيرمنيوطيقا ‪ -‬منصة معنى الثقافية‬

‫الذاتي ال ينفصالن في هذه العملية‪ .‬تتجلى الفردية هنا في كل التفاصيل‪ ،‬وفي كل كلمة‪ .‬أسمى تعبير لهذه القدرة‬
‫اإلبداعية هو الشكل الخارجي والداخلي للعمل األدبي‪ .‬وعلى هذا ُيلبي ذلك العمل الحاجة النهمة لتكملة الفردانية عند‬
‫األشخاص من خالل مشاهدة اآلخرين‪ .‬وهكذا يكون الفهم والتفسير دائما حيويين ونشطين في الحياة؛ ويصالن إلى‬
‫كمالهما في التفسير الفني لألعمال المليئة بالحياة وارتباطها بروح مؤلفها‪ .‬كان هذا هو الشكل الذي اتخذته النظرة‬
‫‪.‬التفسيرية الجديدة في ذهن شاليرماخر‬

‫تأثر تصميم شاليرماخر للهيرمنيوطيقا العامة بحقيقة أنه شخصًيا طور بجانب معاصريه أنماًطا جديدة من التفكير‬
‫‪ (Wilhelm von‬النفسي والتاريخي إلى فن لغوي جديد للتفسير‪ .‬حول كًال من شيلر‪ ،‬وفلهيلم فون همبولت‬
‫واإلخوة شليغل‪ ،‬اهتمام الروح األلمانية من اإلنتاج الشعري إلى إعادة فهم العالم التاريخي‪ .‬لقد ‪Humboldt)32،‬‬
‫وفيلكر وهيغل‪ (Georg Ludolf Dissen)34 ‬ودسين‪  (August Böckh)33 ‬كانت حركة قوية أثرت على بوك‬
‫كما وقد أصبح فريدريش ‪ (Friedrich Carl von Savigny)36،‬وسافيني‪  (Leopold von Ranke)35 ‬ورانك‬
‫شليغل معلًم ا لشاليرماخر في فقه اللغة‪ .‬فقد كانت المفاهيم التي طورها األول في مقاالته عن الشعر اليوناني‪ ،‬وأعمال‬
‫هي تلك المتعلقة بالشكل الداخلي للعمل‪ ،‬وتاريخ تطور الكاتب واألدب )‪ (Giovanni Boccaccio‬غوته وبوكاتشو‬
‫المفصلي بأكمله‪ .‬خلف هذه اإلنجازات الفردية للفن اللغوي الترميمي‪ ،‬وضع شليغل خطة لعلم النقد – آرس كريتيكا –‬
‫والذي من شأنه أن يستند إلى نظرية القدرة األدبية المنتجة‪ .‬فما مدى قرب هذه الخطة من هيرمنيوطيقا ونقد‬
‫لشاليرماخر؟‬

‫كان شليغل هو من توصل إلى مشروع ترجمة أفالطون‪ .‬وتم استخدام تقنية التفسير الجديد عليها‪ ،‬والتي طبقها قبله‬
‫وبموجب تلك التقنية يجب أن ُيفهم أفالطون على أنه فنان فلسفي‪ (Πίνδαρος)37، .‬بوك ودسين على أعمال بندار‬
‫فيكون الهدف من التفسير هو الوحدة بين شخصية أفالطون الفلسفية والشكل الفني ألعماله‪ .‬ما تزال الفلسفة هنا‪،‬‬
‫ممزوجة بالمحادثة‪ ،‬وتمثيلها الكتابي ما هو إال تثبيت للذاكرة‪ .‬لذلك َو َجَب أن يكون هناك حوار‪ ،‬وفي الواقع كان البد‬
‫أن يكون حواًرا يستلزم إعادة إنتاج الفرد لالرتباط الحي لألفكار‪ .‬لكن في الوقت نفسه‪ ،‬ووفًقا للوحدة الصارمة لهذا‬
‫التفكير األفالطوني‪ ،‬يجب على كل حوار أن يكون استمراًرا لشيء سابق‪ ،‬واستعداًدا لشيء ما قادم‪ ،‬أي أنه استمرار‬
‫في نسج خيوط األجزاء المختلفة من الفلسفة‪ .‬إذا اتبع المرء هذه العالقات بين المحاورات‪ ،‬يظهر له الرابطة الشاملة‬
‫بين األعمال الرئيسية‪ ،‬مما يكشف عن القصد األعمق ألفالطون في التقاط هذا االتصال المشكل بمهارة‪ .‬وفًقا‬
‫لشاليرماخر‪ ،‬هذا هو أول فهم حقيقي ألفالطون‪ ،‬فالتسلسل الزمني ألعماله‪ ،‬على الرغم من أنه غالًبا ما يتزامن مع‬
‫هذا الفهم إال أنه أقل أهمية‪ .‬في مراجعته الشهيرة‪ ،‬تمكن بوك من القول إن هذه التحفة الفنية أوجدت ألول مرة فقه‬
‫‪.‬لغوي أفالطوني‬

‫كان شاليرماخر يجمع وألول مرة بين البراعة اللغوية والعبقرية الفلسفية‪ ،‬والتي شكلتها الفلسفة المتعالية‪ ،‬التي قدمت‬
‫الوسائل المفاهيمية األولية للصياغة العامة للمشكلة الهيرمنيوطيقية وحلها‪ .‬ومن هذا المنطلق نشأت النظرية العامة‬
‫‪.‬لعلم التفسير وفنه‬

‫أعد شاليرماخر مسودة أولى في خريف عام ‪ ،1804‬فيما يتعلق بقراءة كتاب «مؤسسة مترجم العهد الجديد»‬
‫‪ (Martin-Luther-Universität‬إلرنستي‪ ،‬كمحاضرة افتتاحية لمقرره الدراسي حول التفسير في جامعة هاله‬
‫ولكن هذه الهيرمنيوطيقا التي بين أيدينا لم تكن بتلك الفعالية لوال أن بوك طالب شاليرماخر‪Halle-Wittenberg).  ‬‬
‫في فترة تدريسه في هاله بذلك‪ ،‬وهذا ما أعطى هذه النسخة صياغة فعالة في محاضراته الرائعة حول هذا الموضوع‬
‫‪.‬التي ألفها بوك ‪» Enzyklopädie‬في «موسوعة ومنهجية العلوم اللغوية‬

‫‪https://mana.net/19879‬‬ ‫‪8/13‬‬
‫‪1/15/22, 7:37 PM‬‬ ‫نشأة الهيرمنيوطيقا ‪ -‬منصة معنى الثقافية‬

‫سأحدد اآلن تلك النقاط في هيرمنيوطيقا شاليرماخر والتي تبدو لي حاسمة لمزيد من التطوير‪ :‬كل تفسير لألعمال‬
‫المكتوبة هو مجرد تطور فني لعملية الفهم التي تمتد عبر الحياة بأكملها وتتعلق بكل أنواع الكالم والكتابة‪ .‬وبالتالي‬
‫فإن تحليل الفهم هو األساس لتنظيم التفسير‪ ،‬إال أنه ال يمكن تحقيق ذلك إال باقترانه مع تحليل إنتاج األعمال األدبية‪.‬‬
‫‪.‬ال تؤسس رابطة القواعد التي تحدد وسائل التفسير وحدوده إال في العالقة بين الفهم واإلنتاج األدبي‬

‫يصح اشتقاق إمكانية وجود تفسير عام من طبيعة الفهم نفسه‪ .‬فهنا ال تتعارض شخصية الُم فسر وخصوصية المؤلف‬
‫كحقيقتين ال يمكن مقارنتهما ببعضهما بعًضا‪ ،‬فقد تم تشكيل كالهما على أساس طبيعة بشرية عامة‪ ،‬تمّك ن المجتمع‬
‫اإلنساني من التواصل مع بعضه بعًضا من أجل تبادل الكالم والفهم‪ .‬هنا يمكن توضيح صيغ مصطلحات شاليرماخر‬
‫بشكل أكبر من الناحية النفسية‪ .‬في النهاية ال ترجع جميع الفروق الفردية إلى االختالفات النوعية بين الناس‪ ،‬ولكن‬
‫إلى تلك االختالفات المتفاوتة للعمليات النفسية‪ .‬اآلن‪ ،‬في محاولة منه لوضع إحساسه بالحياة في بيئة تاريخية أخرى‪،‬‬
‫يكون المفسر قادًرا على تقوية هذه العمليات النفسية وتعزيزها وجعل األخرين يتوارون خلفها‪ ،‬وبالتالي إنشاء نسخة‬
‫‪.‬طبق األصل من حياة شخص آخر بداخله‬

‫إذا نظر المرء اآلن إلى الجانب المنطقي من هذه العملية‪ ،‬ال من خالل إشارات فردية محددة نسبيا فقط‪ ،‬يستطيع‬
‫التعرف على الرابط المنهجي من خالل التعاون المستمر بين المعرفة النحوية والمنطقية والتاريخية الموجودة بالفعل‪.‬‬
‫يتم التعبير عن هذا الجانب المنطقي من الفهم ‪-‬في مصطلحاتنا المنطقية‪ -‬بواسطة االستقراء‪ ،‬وتطبيق الحقائق األكثر‬
‫عمومية على حاالت معينة‪ ،‬ووضع منهج للمقارنة بينهما‪ .‬ستكون المهمة التالية هي تحديد األشكال المعينة التي‬
‫‪.‬تفترضها هذه العمليات المنطقية وتفاعلها هنا‬

‫في هذه المرحلة‪ ،‬تظهر الصعوبة المركزية لجميع الفنون التفسيرية نفسها‪ .‬يجب فهم العمل بأكمله من الكلمات‬
‫الفردية وارتباطاتها ببعضها بعًضا‪ ،‬ومع ذلك فإن الفهم الكامل للجزء الفردي يفترض مسبًقا بالفعل فهم الكل‪ .‬تتكرر‬
‫هذه الدائرة وتعود مرة أخرى في العالقة بين العمل الفردي والنوع األدبي‪ .‬حل شاليرماخر هذه الصعوبة بطريقة‬
‫خالبة في مقدمته لجمهورية أفالطون‪ ،‬وهناك أمثلة أخرى لنفس هذا اإلجراء في نصوص محاضراته التفسيرية إلى‬
‫‪.‬درجة معينة‪ ،‬فالفهم كله يبقى دائما نسبًيا‪ ،‬وال يمكن أن يكتمل أبًدا‪ .‬لذلك الفردية غير قابلة للتطبيق‬

‫رفض شاليرماخر تقسيم عملية التفسير إلى تفسير نحوي وتاريخي وجمالي وواقعي‪ ،‬كما كان سائًدا قبله‪ .‬تشير هذه‬
‫التمايزات فقط إلى أن المعرفة النحوية والتاريخية والواقعية والجمالية يجب أن تكون موجودة عندما يبدأ التفسير‪،‬‬
‫ويمكن أن تكون عاماًل مؤثًرا على كل فعل فيه‪ .‬لكن عملية التفسير نفسها ال يمكن تقسيمها إال إلى وجهين – نحوي‬
‫ونفسي – متضمنين في معرفة الخلق العقلي المتكون من العالمات اللغوية‪ .‬ينتقل التفسير النحوي في النص من‬
‫اتصال إلى اتصال أعلى بالروابط التي تهيمن على العمل بأكمله‪ .‬في حين يعتمد التفسير النفسي على العملية الداخلية‬
‫اإلبداعية‪ ،‬ويمضي قدًم ا إلى الشكل الخارجي والداخلي للعمل‪ ،‬ومن هناك إلى فهم وحدة أعمال المؤلف فيما يتعلق‬
‫‪.‬بنوع وتطور منشأه الروحي‬

‫هذه هي النقطة التي يطور منها شاليرماخر ببراعة قواعد فن التفسير‪ .‬كان مذهبه للشكل الخارجي والداخلي أساسًيا‪،‬‬
‫واقتراحاته العميقة بشكل خاص حول نظرية عامة لإلنتاج األدبي‪ ،‬يكمن من خاللها اشتقاق أورغانون للتاريخ‬
‫‪.‬األدبي‬

‫الهدف النهائي لإلجراء الهيرمنيوطيقي هو فهم المؤلف بشكل أفضل مما فهم نفسه‪ .‬هذا المبدأ هو النتيجة الضرورية‬
‫‪.‬لعقيدة اإلبداع الالواعي‬

‫‪https://mana.net/19879‬‬ ‫‪9/13‬‬
‫‪1/15/22, 7:37 PM‬‬ ‫نشأة الهيرمنيوطيقا ‪ -‬منصة معنى الثقافية‬

‫‪5‬‬

‫دعونا نأخذ الخالصة ونختم بها‪ :‬ال يصبح الفهم تأوياًل إال فيما يتعلق باآلثار اللغوية المكتوبة التي تحقق الصالحية‬
‫العامة‪ .‬الهيرمنيوطيقا قد تجعل التفسير اللغوي واعًيا ألنماطها اإلجرائية وتبريراتها‪ ،‬بيد أن فريدريش أوجست وولف‬
‫كان محًقا في عدم اعتبار فائدة مثل هذا النظام كبيرة جًدا مقارنة بالممارسات الحية‪ ،‬بل باإلضافة إلى مزاياها العملية‬
‫في مجال التأويل‪ ،‬يبدو لي أن هناك مهمة ثانية وأساسية في هذا النظام‪ :‬من المفترض نظرًيا الحفاظ على الصالحية‬
‫الكونية العامة للتفسير‪ ،‬ضد سطوة النزعة الرومانسية والذاتية المتشككة‪ ،‬في المجال التاريخي اليقيني للمعرفة‪ .‬فقد‬
‫أصبحت هذه النظرية التأويلية الُم دمجة في سياق نظرية المعرفة ومنطق ومنهجية العلوم اإلنسانية‪ ،‬حلقة وصل مهمة‬
‫‪.‬بين الفلسفة والعلوم التاريخية‪ ،‬وهي جزء أساسي في تأسيس العلوم اإلنسانية‬

‫الهوامش‬

‫الُم هدى ‪ (Festschrift: Philosophische Abhandlungen)،‬نشر فيلهلم دلتاي هذا المقال ألول مرة في )‪(1‬‬
‫‪.‬لكريستوف سيغوارت في عيد ميالده السبعين في (‪ 28‬مارس ‪ – 1900‬توبنغن)‪ ،‬الصفحات ‪202-185‬‬

‫مقال «الفن باعتباره التمثيل األول للعالم التاريخي البشري في تفرده»‪ ،‬المنشورفي «مساهمات في دراسة )‪(2‬‬
‫‪.‬الفردية» (‪ ،)96-1895‬الصفحات ‪303-273‬‬

‫فريدريش أوجست فولف (‪ )1824 – 1759‬عالم لغوي كالسيكي ألماني‪ ،‬وأستاذ جامعي‪ ،‬وناقد أدبي‪ ،‬وباحث )‪(3‬‬
‫في تاريخ العصور الكالسيكية‪ ،‬وكان عضًو ا في األكاديمية البروسية للعلوم‪ ،‬توفي في مارسيليا‪ ،‬عن عمر يناهز ‪65‬‬
‫‪.‬عاًم ا‬

‫‪.‬فريدريش جوتليب فيلكر‪ 17(  ‬ديسمبر ‪ 4 – 1868‬نوفمبر ‪ )1784‬عالم لغوي كالسيكي ألماني‪ ،‬وعالم آثار )‪(4‬‬

‫‪.‬لودوفيج بريلر‪ 21(  ‬يونيو ‪ 15 – 1861‬سبتمبر ‪ )1809‬عالم لغة ألماني‪ ،‬وعالم آثار )‪(5‬‬

‫البالغة إلى اإلسكندر هي أطروحة تنسب عادة إلى أرسطو إال أنه لم يكتبها وُيعتقد أن مؤلفها أناكسيمينيس )‪(6‬‬
‫مؤرخ يوناني ومعلم لإلسكندر األكبر (‪ 320 – 380‬قبل ‪ (Ἀναξιμένης ὁ Λαμψακηνός)  ‬المبساكوس‬
‫‪).‬الميالد‬

‫‪.‬هو نوع من القياس المنطقي يستخدم في الممارسة الخطابية ‪ ((ἐνθύμημα‬االنثيميم )‪(7‬‬

‫أرسطرخسوس ساموثراكي (‪ 143 -220‬قبل الميالد) مؤسس مدرسة القواعد والنقد في اإلسكندرية ناقد ونحوي )‪(8‬‬
‫‪.‬وأمين مكتبة اإلسكندرية‪ ،‬مشهور بمساهمته في دراسات هوميروس‬

‫أبرخش أو هيبارخوس أو هيبارخ (‪ 120 – 190‬قبل الميالد) كان أعظم فلكي يوناني في عصره قام بتأسيس )‪(9‬‬
‫الفلك العلمي حيث اعتمد فقط على األرصاد وليس على التخمينات‪ ،‬ساعدت أرصاده بطليموس على وضع نظريته‬
‫عن الكون المحيط باألرض واكتشف تقدم االعتدالين وخروج األرض عن مركز مسار الشمس الظاهري وبعض‬
‫‪.‬االختالفات في حركات القمر‬

‫‪https://mana.net/19879‬‬ ‫‪10/13‬‬
‫‪1/15/22, 7:37 PM‬‬ ‫نشأة الهيرمنيوطيقا ‪ -‬منصة معنى الثقافية‬

‫أراطوس ( ‪ 240 – 310 / 315‬قبل الميالد) شاعر يوناني اشتهر بقصيدته الفلكية (قصيدة الظواهر) سداسية )‪(10‬‬
‫‪.‬التفعيل‬

‫زينودوت (‪ 260 – 330‬قبل الميالد) نحوي يوناني‪ ،‬وناقد أدبي‪ ،‬وعالم هومري‪ ،‬وأول أمين مكتبة لمكتبة )‪(11‬‬
‫‪.‬اإلسكندرية‬

‫فيلون السكندري أو (ايديدا بالعبرية) (‪ 50 – 20‬م)‪ ،‬كما أطلق عليه اسم فيلو اليهودي‪ ،‬كان فيلسوًفا هلنستًيا )‪(12‬‬
‫‪.‬يهودًيا عاش في اإلسكندرية في الوقت الذي كانت مصر فيه تابعة للرومان‬

‫‪.‬القديس إيرينيئوس (‪ 202 – 130‬م) أسقف ليون في بالد الغال‪ ،‬اشتهر بنشاطه في مقاومة‪   ‬الغنوصيين )‪(13‬‬

‫ثيودورس الموبسويستى (‪ 428 – 350‬م) عالم الهوت مسيحى‪ ،‬وأسقف موبسويستى‪ُ .‬يعرف أيضا باسم )‪  (14‬‬
‫‪.‬ثيودور أنطاكية‪ ،‬نسبة إلى مكان والدته‪ .‬كان أفضل ممثل للتأويل في مدرسة أنطاكية‬

‫هي نبوءات عن المسيح وتعرف أيًضا باسم النبوءات المسيانية عبارة عن مجموعة أقوال األنبياء التي وردت )‪(15‬‬
‫في األسفار المقدسة ضمن التوراة والمزامير وجميع أسفار العهد القديم أو التناخ‪ ،‬ضمن الكتاب المقدس؛ وتصف‬
‫‪.‬بعضا من حياة المسيح المنتظر وصفاته وتعتبر تبشير لقدومه‬

‫كاسبار شوبه (‪ 19‬نوفمبر ‪ 27 – 1649‬مايو ‪  )1576‬ألماني كاثوليكي وباحث ومؤلف كتاب مالحظات حول )‪(16‬‬
‫‪.‬اللغة الالتينية‬

‫جان لو كليرك‪ ،‬أو يوهانس كليريكوس (‪ 19‬مارس ‪ 8 – 1657‬يناير ‪ ،)1736‬عالم الهوت جينفي‪ .‬اشتهر )‪(17‬‬
‫‪.‬بترويج التفسير النقدي للكتاب المقدس‪ ،‬انفصل عن المذهب الكالفيني بسبب تفسيراته وغادر جنيف لهذا السبب‬

‫‪.‬هنري فاليسيوس (في األصل هنري دي فالوا) (‪ ،)1676 – 1603‬مؤرخ فرنسي لتاريخ الكنيسة )‪(18‬‬

‫‪).‬ماتياس فالسيوس (‪ 3‬مارس ‪ 11 – 1520‬مارس ‪ )1575‬عالم الهوت ومصلح لوثري من إستريا (كرواتيا )‪(19‬‬

‫فيليب ميالنشتون (‪ 19‬أبريل ‪ 16 – 1560‬فبراير ‪ )1497‬كان مصلًحا ألمانًيا‪ ،‬ومتعاوًنا مع مارتن لوثر‪ ،‬أول )‪(20‬‬
‫عالم الهوت نظامي في االصالح البروتستانتي‪ ،‬والزعيم الفكري لإلصالح اللوثري‪ ،‬ومصمم مؤثر لألنظمة‬
‫‪.‬التعليمية‬

‫‪(21) Matthias Flacius Illyricus, Clavis Scripturae Sacrae (Basel, 1580), I, Vorwort, S. 3‬‬

‫سيغموند جاكوب بومغارتن (‪ 14‬مارس ‪ ، 1706‬وولميرستيد‪ ،‬دوقية ماغديبورغ – ‪ 4‬يوليو ‪ ،1757‬هاله) )‪(22‬‬
‫‪).‬عالم الهوت بروتستانتي ألماني‪ .‬شقيق الفيلسوف ألكسندر جوتليب بومغارتن (‪1762-1714‬‬

‫يوهان سالومو سيملر (‪ 18‬ديسمبر ‪ 14 – 1725‬مارس ‪ )1791‬مؤرخ ألماني للكنيسة‪ ،‬ومفسر للكتاب )‪(23‬‬
‫‪».‬المقدس‪ ،‬وناقد الوثائق الكنسية وتاريخ العقائد‪ .‬ويطلق عليه «والد العقالنية األلمانية‬

‫‪https://mana.net/19879‬‬ ‫‪11/13‬‬
‫‪1/15/22, 7:37 PM‬‬ ‫نشأة الهيرمنيوطيقا ‪ -‬منصة معنى الثقافية‬

‫يوهان ديفيد ميشائيلس (‪ 27‬فبراير ‪ 22 – 1717‬أغسطس ‪ ،)1791‬عالم ومعلم إنجيل بروسي مشهور وبليغ‪(24) ،‬‬
‫كان عضوا في عائلة كان لها دور رئيسي في الحفاظ على االنضباط القوي في اللغة العبرية واللغات المماثلة التي‬
‫‪.‬ميزت جامعة هاله وعضوا في مدرسة غوتنغن للتاريخ‬

‫فرديناند كريستيان بور (‪ 21‬يونيو ‪ 2 – 1792‬ديسمبر ‪ )1860‬عالم الهوت ألماني بروتستانتي ومؤسس وقائد )‪(25‬‬
‫‪).‬لمدرسة توبنغن الالهوتية (الجديدة) (التي سميت على اسم جامعة توبنغن‬

‫يوهان أوجوست إرنستي (‪ 11‬سبتمبر ‪ 4 – 1781‬أغسطس ‪ )1707‬فيلسوف عقالني ألماني وعالم الهوت )‪(26‬‬
‫‪.‬وعالم لغة‪ .‬كان أول من فصل رسمًيا التأويل في العهد القديم عن اإلنجيل‬

‫جورج فريدريش ماير (‪ 21‬يونيو ‪ 26 – 1777‬مارس ‪ )1718‬فيلسوف ألماني في علم الجمال من أتباع )‪(27‬‬
‫ألكسندر غوتليب بومغارتن‪ ،‬قام بإصالح الفلسفة المسيحية عند فولف عن طريق إدخال عناصر جون لوك التجريبية‬
‫‪.‬في نظرية المعرفة‬

‫كريستيان فولف (‪ 24‬يناير ‪ 9 – 1679‬أبريل ‪ )1754‬فيلسوف ألماني اشتهر بكتابته في كل المجاالت العلمية )‪(28‬‬
‫المشهورة في عصره معتمًدا على طريقته الرياضية االستنتاجية االستداللية‪ ،‬والتي تمثل ذروة التنوير العقالني في‬
‫‪.‬ألمانيا‪ .‬وكان األب المؤسس لالقتصاد واإلدارة العامة كتخصصات أكاديمية‬

‫يوهان يواخيم فينكلمان (‪ 9‬ديسمبر ‪ 8 – 1717‬يونيو ‪ )1768‬كان مؤرًخ ا ألمانًيا للفن واآلثار‪ .‬والرائد العالم )‪(29‬‬
‫‪.‬بالحضارة اليونانية‪ .‬والمؤسس لعلم اآلثار الحديث‬

‫‪.‬كريستيان غوتلوب هاين (‪ 14‬يوليو ‪ 25 – 1812‬سبتمبر ‪ )1729‬أستاذ لغة ألماني كالسيكي وعالم آثار )‪(30‬‬

‫لودفيج فريدريش هايندورف (‪ 21‬سبتمبر ‪ 1774‬في برلين – ‪ 23‬يونيو ‪ 1816‬في هاله آن دير سال) عالم لغة )‪(31‬‬
‫‪.‬ألماني كالسيكي‬

‫فريدريش فيلهلم كريستيان كارل فرديناند فون همبولت (‪ 2‬يونيو ‪ 8 – 1767‬أبريل ‪ )1835‬فيلسوف بروسي‪(32) ،‬‬
‫‪».‬ولغوي‪ ،‬ودبلوماسي‪ ،‬ومؤسس «جامعة هومبولت في برلين‬

‫‪.‬أوجوست بوك (‪ 3‬أغسطس ‪ – 24 1867‬نوفمبر ‪ )1785‬أستاذ لغة ألماني كالسيكي وعالم آثار )‪(33‬‬

‫‪.‬جورج لودولف ديسن (‪ 17‬ديسمبر ‪ 21 – 1784‬سبتمبر ‪ )1837‬عالم لغة ألماني كالسيكي )‪(34‬‬

‫ليوبولد فون رانك (‪ 21‬ديسمبر ‪ 23 – 1795‬مايو ‪ )1886‬مؤرخ ألماني ومؤسس التاريخ الحديث المستند إلى )‪(35‬‬
‫‪.‬المصدر‬

‫‪.‬فريدريش كارل فون سافيني (‪ 21‬فبراير ‪ 25 – 1779‬أكتوبر ‪ )1861‬فقيه ومؤرخ ألماني )‪(36‬‬

‫بندار (‪ 438 – 518‬قبل الميالد) شاعر غنائي يوناني‪ ،‬وهو من بين الشعراء الغنائيين التسعة المشهورين في )‪(37‬‬
‫‪.‬اليونان القديمة‬

‫‪https://mana.net/19879‬‬ ‫‪12/13‬‬
‫‪1/15/22, 7:37 PM‬‬ ‫نشأة الهيرمنيوطيقا ‪ -‬منصة معنى الثقافية‬

‫‪https://mana.net/19879‬‬ ‫‪13/13‬‬

You might also like