Professional Documents
Culture Documents
تتناول هذه املقالة عرضاً تحليلياً لثنائية األنا واآلخر أو الذات والغري ،وما تف َّرع من هذا
الكل من مفاهيم أخرى يف حقل الفلسفة وعلم االجتامع والفكر السيايس .لقد سعى ّ املفهوم
الباحث إىل اإلضاءة عىل مثانية مفاهيم تؤلِّف عىل جملتها البناء املعريف للذات والغري يف
كل ما يتصل باالجتامع اإلنساين والحضاري.
أما هذه املفاهيم فهي :األنا ـ الشخيص ـ الذات ـ األنا واألنت ـ اآلخر ـ الغري ّية الهوية ـ
االختالف.
المحرر
- 1مفهوم األنا
- 2معنى الشخص
الشخص هوالتمثيل املوضوعي لألنا .أي إنه املصداق الواقعي ملفهوم ِ
النا .وتعبري
الشخص يدل عىل الكائنات العاقلة .وكام تدل عليها طبيعتها كغايات يف حد ذاتها ال
ميكنها أن تستخدم ببساطة كـ (وسائل) .منيّز الشخص من اليشء حني نغني الكائنات التي
يرتبط وجودها بالطبيعة ،والتي ليس لها إال قيمة الوسائل .ويف حني أن االشياء هي غايات
ذاتية األشخاص هم (غايات موضوعية) فإن وجودها له غاية يف حد ذاته ،وال يكون مطلقاً
وجودها بوصفها وسيلة بسيطة .فإن خدم الشخص أوخ ُِدم فيجب أال يستعبد شخصاً آخر.
أساس الواجب هوالشخصية التي ترفع اإلنسان اىل ما فوق نفسه لتجعل منه هدفاً غائياً
وعضوا ً يف مملكة الغايات .يف هذه اململكة كل يشء له قيمة نسبية (كرامة) كقيمة مطلقة[[[.
فالذي له كرامة هوأعىل من أي سعر وال يقبل أن يضاهيه يشء .وحدهام األخالق واإلنسانية
(كونها جديرة باألخالق) لهام كرامة .وجوهر الشخص هي الشخصية و(الشخصية) ليست
شيئاً آخر سوى (الحرية).
وهكذا مييز كانت ما بني االستعداد للبهيمية عىل أنها شخصية نفسية ،وبني االستعداد
لإلنسانية بوصفها شخصية استعالئية وعاقلة ،وكذلك االستعداد للمسؤولية عىل أنها شخصية
أخالقية .فاألول يوافق املوضوع التجريبي وتعريف الطبيعة الحيوانية .وليك نتمكن من
تكوين اإلنسانية باملعنى الحرصي للكلمة يستلزم رشطاً له الثاين الذي يوافق املوضوع
االستعاليئ ولكن يف الواقع فإن الثالث الذي يوافق األخالق يعطينا جوهر الشخص .يف
الحقيقة إذا كان مخلوق األنا ال يُعطى لنا عن طريق علم النفس وإن كانت عبارة (أنا أفكر)
بقيت وحدة صورية ،فام ذاك إال ألن جوهر الذاتية ،يكتمل كإرادة وكمسؤولية عن الذات.
ولنئ كانت الطبيعة الحيوانية ال تكفي لتحديد جوهر اإلنسان فإن اإلنسانية والعقالنية ال
AL-ISTIGHRAB
شــتا ء 2 0 1 8 االستغراب
346عالم المفاهيماالستغراب
تستوفيه كذلك األمر .والسبب أن هذا الجوهر يشتمل عىل موضوع أخالقي يذهب اىل ما
بعد حدود ذاته أي الشخصية ،وهوما يجعل اإلنسان قادرا ً عىل الرتفع إىل ما فوق نفسه يف
السلوك األخالقي ويجعل العقل خارقاً للطبيعة.
- 3مفهوم الذات
ذات االنسان هي انعكاس لكل ما بداخل األنا؛ وهي متثل وجهة صاحبها يف الحياة
وقدراته وطموحاته .أي إنها متثل نظرة اإلنسان عن نفسه وقدراته ومهاراته .وذات اإلنسان
هي نتاج الخربات التي مير بها .فالذاتهي الطابع الخاص لإلنسان ومستوى األداء يتحدد
مع مدى تأثره بالبيئة املحيطه به .مبعني آخر ،هي اعتقاد الشخص املك ِّون عن نفسه أوتقييمه
لنفسه من حيث إمكانياته ومنجزاته وأهدافه ومواطن قوته وضعفه وعالقاته باآلخرين ومدى
استقالليته واعتامده عىل نفسه .والذات تتشكل تلقائياً نتيجة لعالقة الفرد باملجتمع والبيئة.
ولقد ظهرت الكثري من النظريات املختلفة التي تحاول فهم اإلنسان عن طريق تصور عامل
مساعد داخيل يتوسط بني داخل اإلنسان وخارجه ،فظهرت مفهومات العقل واألنا والذات،
وكام ظهرت فكرة الذات يف مجال علم النفس وخصوصاً عند وليم جيمس وسامها األنا
العملية ،وهي مجموع ما ميتلكه اإلنسان أوما يستطيع أن يقول إنه له مثل -:
ويف علم النفس الحديث تطور مفهوم الذات وأصبح يعني جانبني:
-الذات بوصفها موضوعي ًة أي معرفة الفرد لذاته وتقييمه لها ،والذات بوصفها عملية أي
حركة ،وفعالً ،ونشاطاً ،ومجموعة من النشاطات والعمليات العقلية كالتفكري واإلدراك والتذكر.
كام يلعب مفهوم الذات دورا ً محورياً يف تشكيل سلوك الفرد وإبراز سامته املزاجية ،فكل
منا يسلك الطريقة التي تتفق مع مفهومه عن ذاته ،فإذا كان مفهومي عن ذايت أنني رزين
ووقور فمن الصعب توقع أن يصدر عني سلوك يختلف عام تفرضه الرزانة ،وما يفرضه
الوقار ،وإذا كان مفهومي عن ذايت أنني مريض ضعيف البنية فأغلب الظن أنني لن أشارك
يف أنشطة تتطلب كفاءة بدنية أوجهدا ً جسامنياً ،وإن مفهومنا عن ذاتنا يحكم سلوكنا بشكل
أوخاطئا ً. واضح سواء كان هذا املفهوم صحيحاً
االستغراب AL-ISTIGHRAB
شــتا ء 2 0 1 8
347 والغيرالا
الذاترغتس
با
ويع ِّرف عامل االجتامع جورج ميد الذات بأنها مفهوم دينامييك وقيم اإلنسان يستخدمها
لسلك طريقه ،وهذه القيم ال تقترص فقط عىل الجسم ،بل عىل ما يدخل اإلنسان من مجاالت
مادية ومعنوية .أما نظرية كارل روجرز :فتفيد بأن الذات تشكيل منظم ومرن ،ويتكون من
إدراكات الفرد الخاصة وقدراته هو ،وتقوم نظريته عىل عاملني ،وهام الظاهرية والكلية،
ولقد وضع روجرز لنظريته عدة نقاط منها :أن الفرد يعيش يف مكان متغري فيدرك ذلك.
تفاعله مع العامل الخارجي يتوقف عىل تلك الخربات .يكون تفاعل الفرد مع املحيط بشكل
منتظم .يتسابق الفرد يف إثراء خربته وتطويرها .من أهداف سلوك الفرد إشباع حاجاته .سلوك
اإلنسان تحركه عاطفة ،وشدتها تعتمد عىل سلوكه .نظرية سينج وكومبز :استخدمت بهذه
النظرية املجال الظاهري للفرد ،بحيث تحدد سلوكيات اإلنسان باملجال الظاهري الحي.
طبقاً ملا جاء يف نظرية الفيلسوف األملاين مارتن بوبر ( .)1965 - 1878فالعامل ذوطبيعة
مزدوجة .وذلك ألن موقف اإلنسان مزدوج بسبب ثنائية الكلامت األساسية ،الكلامت –
املبادئ التي من شأنه أن يتلفظ بها .يقول بوبر يف هذا املجال« :إن أساسات اللغة ليست
كلامت معزولة ،بل إنها مجموعات من الكلامت [كالمنا لفظ مفيد] [[[.
واحدة من هذه األسس يف اللغة هي العبارة املركبة «أنا – أنت» واملجموعة األخرى
هي «أنا – ذلك» وفيها ميكن أن نستبدل بـ «ذلك» «هو« و «هي» من دون أن يتغري املعنى.
ففي مؤلَّفه املذكور يعرض بوبر مفهومه للوجود اإلنساين ،املستوحى جزئ ًّيا من فويرباخ
واألنا–هواملعبة
ِّ وكريكِيغارد ،معمقًا هذا املفهوم من خالل رشح فلسفته لثنائية األنا–أنت
[[[ -مارتن بوبر – أنا وأنت – ترجمة :عيل محمود مقلِّد – دار املعارف الحكمية – بريوت – – 2010ص .19
AL-ISTIGHRAB
شــتا ء 2 0 1 8 االستغراب
348عالم المفاهيماالستغراب
ونشري هنا إىل أن عالقة (األنا ـ هو) مختلفة ،وفق منظور بوبر ،عن عالقة األنا–أنت:
ففي عالقة األنا ـ أنت يلتقي الكائنان ،بينام يف عالقة األنا ـ هو فإنهام قد ال يلتقيان يف
هذه اللحظة الراهنة .وبالتايل ،فإن عالقة األنا ـ هو إمنا توا جِه عالقة األنا ـ أنت كمفهوم
أوكفكرة .فهذه وليدة العقل والخيال وما ينجم عنهام من مفاهيم؛ وهذا ما ينفي عن عالقة
األنا ـ هو ،بحسب بوبر ،صفتَها الحوارية املتبادلة dialogue ليجعل منها مجرد خطاب
أحادي إىل الذات .monologue وهكذا تتأرجح حياة اإلنسان ،بحسب بوبر ،بني هذين
املفهومني ،أي األنا ـ أنت واألنا ـ هو ،وهي العالقة السائدة حاليًّا يف عاملنا التي هي
أساس جميع مشكالته ومس ِّببها.
لقد أصبحت عبارة بوبر»أنا -أنت» التي بها يشري إىل أهمية العالقة بني الذات واألخرى،
عبارة شائعة إىل حد االبتذال .ولكن بعض األفكار التي تنطوي عىل أبعاد من الغنى والعمق
االستغراب AL-ISTIGHRAB
شــتا ء 2 0 1 8
349 والغيرالا
الذاترغتس
با
ال ميكن للعبارات الطنانة املبتذلة أن تقيض عليها بيرس ،وهذه العبارة «أنا -أنت» هي
من جملة هذه العبارات التي تصمد يف وجه االبتذال .يقول بوبر« :يف البدء كان العالقة
الشخصية» ،و«كل عيش أوحياة حقيقية إمنا هوعيش وحياة بالعالقة الشخصية» .وعبارة «أنا
-أنت» وما تنطوي عليه من صلة وترابط ،من أشد العبارات اإلنسانية أصالة وعمقاً .فهي
ليست عبارة تتألف من كلمتني الواحدة منها متصلة باألخرى ،بل إنها عبارة تسبق يف مغزاها
الكلمتني ،فإن الشخصني،أنا وأنت ،يصدران عن العالقة بينهام ،وال ميكن للشخصني أن
يكونا شخصني من دون عالقة وترابط.
ولكن هناك عبارة أخرى جوهرية أصيلة وهي عبارة «أنا -ويشء آخر» عبارة ال مناص منها
وال مجال إلغفال أمرها« .ألن اإلنسان ال يستطيع العيش من دون هذا اليشء اآلخر ،كذلك
من يعيش مع هذا اليشء اآلخر ،ويكتفي بالعيش معه ،ليس إنساناً مبعنى اإلنسان» .ومصدر
هذا البالء هو أن ضغط الحياة وكابوسها ،السيام يف املجتمع الجامهريي ،يدفعان باملرء
العتبار الفرد «شيئاً آخر» ال العتباره أنه «أنت» أنت الذات .ورؤيتنا اإلنسا َن اآلخر أنه يشء
هو أمر يقيض عليه ،ويقيض عىل ذواتنا .ألن «األنا» يف العبارة «أنا -أنت» شخص قادر عىل
العالقات الشخصية واملحبة وعىل بلوغ الذات .أما «األنا» يف العبارة» أنا واليشء اآلخر»
فال تنطوي عىل عالقات إنسانية بل إنها دون مستوى اإلنسانية.
- 5مفهوم اآلخر
كلمة «آخر» وإن كانت تدخل عليها «ال» التعريف فهي يف أصل معناها صيغة «أفعل»
(أأخر) من التأخر ،أي املجيء بعد… فهي ال تفيد الضدية وإمنا تقال «ألحد الشيئني» (هذا
باب ،وهذا باب آخر) ،وفيها معنى الصفة والنعت كام يف مرادفها «غري» .وكلمة «غري»
نفسها من األلفاظ املوغلة يف اإلبهام ألن معناها ال يتضح إال مبا تضاف إليه ،وهي ال
تستفيد التعريف من املضاف إليه إال عندما تقع بني ضدين َم ْعرِفتني مثل قولنا« :رأيت العلم
غري الجهل» .أما يف األحوال األخرى فتبقى نكرة مبهمة ،يف معنى الصفة والبدل مثل قولك:
«رأيت سيارة غري سيارتك» .فكل سيارة أخرى هي غريها .وقد تستعمل إلفادة الكرثة مثل
قولك« :قرأت هذا الكتاب غري ما مرة» ،أي أكرث من مرة واحدة .ويف جميع األحوال تفيد
AL-ISTIGHRAB
شــتا ء 2 0 1 8 االستغراب
350عالم المفاهيماالستغراب
ما يعرب عنه بـ «الغريية» (مصدر صناعي من كلمة غري) مبعنى مطلق االختالف ،وال تفيد
الضدية بالرضورة ،فتقول« :القمح غري الشعري» ،ملجرد املغايرة ،كام تقول« :البياض غري
السواد» للضدية.
والفرق بني لفظ «آخر» ولفظ «غري» عند اللغويني العرب أن األول منهام يفيد استثناء
اليشء من جنس ما تقدمه كقولك «رأيت رجالً وآخر معه» ،فـ «آخر» هنا من جنس ما تقدم
(=الرجل) وال ميكن أن يكون امرأة أوصبياً أوحيواناً الخ… وذلك عىل العكس من كلمة
«غري» التي تفيد مطلق املغايرة فتقول «رأيت رجال وغريه» ،وهذا «الغري» قد يكون رجالً مثله
وقد يكون صبياً أوامرأة أوكائناً آخر.
يرتبط مفهوم اآلخر ارتباطاً تكاملياً مبفهوم الهوية .فالهويات تتكون نتيجة لعبة االختالف،
وهذا يعني عىل أساس اختالفها عن الهويات األخرى ،فتفرتض أن لها معنى إيجابياً من
خالل ما تستبعده .إذا ً فقضية اآلخر هي موضوعة ظلية يف الخطابات املعارصة حول الهوية،
فيام يتعلق بكل من الهوية الفردية وتكوين الذات (يف التحليل النفيس بالتحديد) والهويات
الجمعية (يف علم االجتامع واألنرثوبولوجيا والدراسات الثقافية) .فاآلخر هوما يروغ من
شعورنا وتعرفنا ،وهوما يكمن خاج عام «ثقافتنا» وجامعتنا .فهوالال ذات والال نحن .إذا ً
كيف نتوافق مع واقعية آخر اآلخرية ،مع الغريية ،والغريب ،واملجهول؟ كيف نهتم بالتعرف
املزعج فعالً إىل أهمية اآلخر ملن هو«نحن»؟
الحقيقة أن وجود اآلخر هوواقع غامض يف الجوهر ومربك .فمن ناحية ،يثري اآلخر
املخاوف والقلق« .ما من يشء يخيف اإلنسان أكرث من ملسة املجهول» .فهناك تخوف مام
ميكن أن يفعله اآلخر بنا ،مام إذا كنا سنبقى بعد تلك املواجهة مع املجهول .ومن ناحية
أخرى ،هناك إحساس عميق بأننا نحتاج اىل اآلخرية أيضاً .إذ أال ميكن أن يكون هنالك عامل
ال يشوبه اختالف – عامل تسود فيه املشابهة مع الذات – عامل ال يُطاق؟ اآلخر رضوري للتغيري
واإلبداع من أجل الوجود يف العامل (سواء أكان ذلك يف التحول الجمعي أم التغري الفردي).
إذا ً فاآلخر هوسبب وموضوع للمشاعر واملواقف واألفكار التي متتاز باستواء األضداد[[[.
االستغراب AL-ISTIGHRAB
شــتا ء 2 0 1 8
351 والغيرالا
الذاترغتس
با
«الغريية» يف اللغة العربية تعني :تباين الهوى ،ومتايز الذات عن دونها ،واملتغري من
املشخصات ما تختلف بعض أجزائه عن بعض ،وهي خالف األنانية ،والغريية اصطالحاً
:Alterity Alteriteما يخص اآلخر دون األنا .واألنا هوالذات املفكرة ،واملوضوع
هواآلخر ،وهي بخالف «األثنينية» :ألن األثنينية هي كون الطبيعة ذات وحدتني ،ويقابلها
كون الطبيعة ذات وحدة أووحدات .والغريية Altruismeعند االخالقيني واالجتامعيني هي
اإليثار ،أي تضحية املرء مبصالحه الخاصة يف سبيل اآلخرين.
أما الغرييّة يف معناها اإلجرايئ عند بوحديبة فتعني :قبول الذات لغريها ،وتحاور األنا مع
AL-ISTIGHRAB
شــتا ء 2 0 1 8 االستغراب
352عالم المفاهيماالستغراب
اآلخر رشيطة أال يحاول أحد منهام اإلطاحة برصيفه أويسعى إىل الفناء فيه ،ويقتيض ذلك
وجود جدلية واعية تعمل عىل التأليف بني املتباينني والحد من مواطن التعارض للحيلولة
بني تصارعهام ،فالذات – عند مفكرنا – هي األنا املبدعة التي تنتقي من األغيار كل ما
يعنيها عىل اليقظة والصحو والرقي والتقدم ويبعدها عن الغفلة واملحووالجمود والتخلف،
وليس باألمر الغريب يف الفكر العريب اإلسالمي انتحال املجددين بعض االصطالحات
االجتامعية أوالسياسية أوالنفسية أوالفلسفية ،وبلورتها يف سياق فلسفي للتعبري عن وجهتهم
ورؤيتهم الخاصة ،ونذكر من هذه األمناط :فلسفة الذات ملحمد إقبال ،والشخصيانية
ملحمد عزيز الحبايب ،والجوانية لعثامن أمني ،والتعادلية لتوفيق الحكيم.
أما الغرييّة بوصفها مفهوماً أنرثوبولوجياً فال ميكننا التأصيل لها إال عىل وجه الرتجيح؛
وذلك ألن جذورها متغلغلة يف الثقافة املرصية والهندوسية والصينية وغريها من الثقافات
العريقة التي رفضت مظاهر العنرصية كلها ورغبت يف التسامح الديني والفكري.
وإذا ما انتقلنا إىل الفكر اإلسالمي وجدنا مفهوم الغرييّة قد تطور فيها تبعاً ملتغريات
األركيولوجية الثقافية للخطاب .فقد طرحه فالسفة املرشق واملغرب خالل مناقشتهم قضية
التوفيق بني النقل والعقل ،والرشيعة ،والحكمة ،عىل اعتبارها جدلية بني الحكمة اإللهية
التي تبنتها الذات املسلمة ،والحكمة الفلسفية التي ابتضعتها األنا من األغيار ،وظل هذا
الطرح سائدا ً يف كتابات رفاعة الطهطاوي وخري الدين التونيس وأحمد فارس الشدياق
وغريهم من رواد النهضة اإلسالمية الذين حاولوا التأليف بني املشخصات اإلسالمية والفكر
الوافد من الغرب ،ثم تطور هذا املفهوم يف أحاديث األفغاين ومحمد عبده ومدرسته خالل
املطارحات التي حفل بها الربع األخري من القرن التاسع عرش ،حول األصول اإلسالمية
واملدنية الغربية ،ثم شغل به حل رواد التنوير يف النصف األول من القرن العرشين خالل
مثاقفاتهم حول قضايا :القديم والجديد ،والرتاث والتجديد ،واألصالة واملعارصة ،ثم طرح
يف الربع األخري من القرن العرشين يف كتابات املجددين املعارصين مبسميات عديدة:
اإلسالم والغرب ،األنا واآلخر ،ثم الغريية .أما يف الفكر األورويب املعارص فقد ظهر مفهوماً
واصطالحاً يف كتابات معظم الوجوديني الفرنسيني واألملان وال سيام سارتر وهايدغر ،وكذا
االستغراب AL-ISTIGHRAB
شــتا ء 2 0 1 8
353 والغيرالا
الذاترغتس
با
يف كتابات فالسفة السياسة واللغة والدين ،من أمثال :رميون آرون ،وحنا أرندت ،وأشعيا
برلني ،ومارتن بوبر ،وبول تلش ،ومرسيا إلياد ،وناعوم تشومسيك ،وهوجي بابا ،روبرت
بانج ،وأمين سيزار ،وإدوارد سعيد ،ذلك فضالً عن كتابات الساسة املسترشقني من أمثال:
فرانسيس فوكوياما ،صموئيل هنتكون وفريتس شتيبات .وقد ق ّدم املتأخرون هذا املفهوم
خالل مناقشتهم لقضية رصاع الحضارات والعوملة ،وتأثر املفكرون املعارصون يف املغرب
العريب بهذه األطروحات وأدرجوا مصطلح الغرييّة يف مصنفاتهم ،أما املفكرون املرصيون
والشاميون فام برحوا يستخدمون مصطلح اإلسالم والغرب ،واألنا واآلخر ،للتعبري عن
مفهوم الغريية[[[.
من املرجح كثريا ً أن الغرييّة من دون أن نتكلم هنا عىل معناها األخالقي ـ تتطابق مع
مناذج عديدة :أوالً منوذج الحد األعظمي يف القسم املنترش من الرصيد الجيني (ويعادل
الرشح البيولوجي ـ االجتامعي) ،ثانياً منوذج ثبات التفاعالت بني شتى وظائف االستجابات
ومقاومتها االضطرابات بواسطة عدد من الطفرات (منوذج التنسيقات التي توصل مصالح
األفراد إىل حدها األعظمي ،ال بل منوذج التعاون الذي يبلغ باملصالح الجامعية حدها
األعظمي ،ويستطيع األفراد أن يتعرفوا إىل أنفسهم فيها حني يكونون قادرين عىل تصورها.
إن هذا النموذج حتى ،ولواقترص عىل نوع من الحدود األعظمية التي يطرحها النموذج
البيولوجي – االجتامعي ،ال يبقى صالحا إال يف غياب رشخ آخر أكرث دقة ،يف استنباط
«الرشح األفضل» .يف هذا النموذج ،كام رأينا ،نرىض حني نثبت أن الفروق بني نوعني
من التامزج التي يصل أحدها إىل الحدود األعظمية حني يعاد انتاج نرش الرصيد الجيني،
مقارنة مع النموذج اآلخر ،ميكن إقامة عالقة ترابطية بينها وبني قاعدتني من قواعد الترصف
االجتامعي .ولكن ال تتوافر لدينا أية آلية نستطيع أن نرشح كيف ميكن أن تبنى هذه القاعدة
السلوكية ،وال إىل أية درجة يؤثر تطبيقها الفعيل (الذي قد يبتعد كثريا ً عن القاعدة) يف التكاثر
يف الظروف التاريخية والبيئية التي حدثت فعالً ،ننتقل من االرتباط إىل الرشح فقط حني نرى
أن التكاثر الجيني هو بالذات آلية تخضع لقوانني إحصائية ولكن من دون أن نعلم حقاً ما إذا
[[[ – راجع :عصمت نصار – الفلسفة الغرييّة يف الفكر اإلسالمي املعارص – دفاتر فلسفية – العدد – 13القاهرة – .2004
AL-ISTIGHRAB
شــتا ء 2 0 1 8 االستغراب
354عالم المفاهيماالستغراب
كانت الترصفات املختلفة التي هي موضع هذا االرتبط ميكن أن ت ُرشح بالجينات .ونعلم
أننا حني ننتقل من الجينية إىل النمط الظاهري السلويك ،تبقى أشياء وأشياء علينا اكتشافها.
إذن تقدم البيولوجيا االجتامعية أحد النامذج اإلطارية املمكنة للربط بني الجينات والسلوك
االجتامعيني ،ولكن يبقى علينا أن نجري مجمل عملية إثبات الصدق[[[.
- 7معنى اهلو ّية
شتق من الضّ مري هو؛ ومعناها صفات اإلنسان
صطلح ُم ٌّ
ٌ ت ُ
ُعرف الهويّة يف اللّغة بأنّها ُم
وحقيقته ،وأيضاً ت ُستخد ُم لإلشار ِة إىل امل َعامل والخصائص التي تتميّ ُز بها الشخصيّة
عرف الهويّ ُة بأنّها مجموع ٌة من ُ
املم ّيزات التي ميتلّكها األفراد، الفرديّة [[[،أ ّما اصطالحاً فتُ ُ
وت ُسه ُم يف جعلهم يُحقّقون صفة التف ّرد عن غريهم ،وقد تكون هذه امل ُميّزات ُمشرتكة بني
جامع ٍة من ال ّناس سواء ضمن املجتمع ،أوال ّدولة .ومن التّعريفات األُخرى ملصطل ِ
ح الهويّة
كل يش ٍء ُمشرتك بني أفراد َمجموع ٍة ُمح ّددة ،أورشيحة اجتامعيّة ت ُسه ُم يف بنا ِء ُم ٍ
حيط أنّها ُ
الخاصة بهم[[[.
ّ عام لدول ٍة ما ،ويت ُّم التّ ُ
عامل مع أولئك األفراد وفقاً للهويّة ٍ
كل نو ٍع منها يف اإلشار ِة إىل ُمصطل ٍ
ح، ت ُقس ُم الهويّة إىل مجموع ٍة من األنواع ،ويُسه ُم ُّ
أوفكر ٍة ُمعيّنة حول يش ٍء ما ،ومن أه ّم أنواع الهويّة.
عريف بهاالهويّة الوطن ّية :هي الهويّ ُة التي ت ُستخ َد ُم لإلشار ِة إىل وطن الفرد ،والتي يت ُّم التّ ُ
من خالل البطاقة الشخصيّة التي تحتوي عىل مجموع ٍة من املعلومات والبيانات التي يتميّ ُز
فيها الفرد الذي ينتمي إىل دول ٍة ما.
مبفهوم الثّقافة التي يتم ّي ُز فيها ُمجتم ٌع ما ،وتعتم ُد
ِ الهو ّية الثقاف ّية :هي الهويّ ُة التي ترتب ُ
ط
رش عىل اللّغة؛ إذ تتم ّي ُز الهويّة الثقافيّة بنقلها لطبيعة اللّغة بوصفها من العوامل بشكلٍ ُمبا ٍ
الرئيسة يف بنا ِء ثقافة األفراد يف املجتمع.
ِ
تصنيف األفراد وفقاً ملرحلتهم ال ُع ْمريّة ،وت َ
ُقس ُم الهو ّية ال ُع ْمر ّية :هي الهويّ ُة التي ت ُسه ُم يف
إىل الطّفولة ،والشّ باب ،وال ّرجولة ،والكهولة ،وت ُستخ َد ُم عاد ًة يف اإلشار ِة إىل األشخاص يف
تلقي العالجات الطب ّية.
ّ واقف ُمع ّينة ،مثل
َم َ
[[[ -طوين بينيت – لورانس غروسبريغ – ميغان موريس – مفاتيح اصطالحية جديدة – مصدر سابق – ص .48
[[[ -موقع املعاين“ ،معنى الهوية” ،املعاين ،اطّلع عليه بتاريخ ّ .2016-11-3
بترصف.
بترصف. ّ
[[[ -محمد جامعة (« ،)2012-9-23الهوية املتعددة األبعاد” ،املشهد التونيس ،اطلع عليه بتاريخ ّ .2016-11-3
االستغراب AL-ISTIGHRAB
شــتا ء 2 0 1 8
355 والغيرالا
الذاترغتس
با
مثة مجموع ٌة ِم َن الحاالت التي قام عامل ال ّنفس أريكسون بصياغتها حول املفهوم العام
ٍ
حاالت؛ وهي[[[: ُقس ُم إىل أربعِ
للهويّة ،وت َ
ُ
تهدف إىل تقدير الخاصة بهم ،والتي
ّ تحقيق الهويّة :هي إدراك األفراد الهويّة الفرديّة
الصفات الشخصيّة ،وزيادة اإلنتاجيّة العا ّمة يف املجتمع.
الذّات ،واحرتام ّ
تعليق الهويّة :هي ُمعاناة بعض األفراد أزم ًة يف هويتهم الفرديّة؛ إذ يفقدون أيّة قدرة يف
ٍ
ضهم الضطرابات نفس ّية. الخاصة بهم بسبب تع ّر
ّ التع ّر ِ
ف إىل الهويّة
فرض بعض األشياء عليهم ،مثل :نوعُ ُصيب األفراد حني يت ُّم
ُ انغالق الهو ّية :هي حال ٌة ت
مم يُؤ ّدي إىل انعدام شعورهم بالهويّة
الدرايس ،أوموعد ال ّنومّ ،
ّ أوالتخصص
ّ املالبس،
الخاصة بهم.
ّ
ض األفرادوتنتج من تع ّر ِ
ُ ٍ
ضعف يف فهمِ الهويّة؛ تنتج من
ُ تفكّك الهويّة :هي حال ٌة
مم يُؤ ّدي إىللالضطها ِد والظّلم ال ّناتج من سوء امل ُعاملة ،خصوصاً يف َمرحل ِة الطّفولةّ ،
تفكّك الهويّة.
اىل ذلك توج ُد مجموع ٌة من العوامل التي ت ُؤث ّ ُر يف بنا ِء الهويّة عند األفراد؛ ومن أهمها[[[:
هوأول العوامل امل ُؤث ّرة يف بنا ِء الهويّة؛ إذ يُسه ُم املجتمع يف بناء هويّة األفراد
ُ املجتمع:
وتشكيلها بنا ًء عىل طبيع ِة البيئة امل ُحيطة بهم ،ويتأث ّ ُر األفراد بسلوكيّات األجيال ّ
السابقة لهم
الخاصة بهم،
ّ أوالحي ،أواملجتمع عموماً ،وت ُسه ُم يف بنا ِء الهويّة الفرديّة
ّ سوا ًء يف العائلة،
و ُمساعدتهم عىل فهمها بطريق ٍة أوضح.
االنتامء :هواالرتبا ُ
ط باملكان الذي يعتم ُد عىل دو ِر الهويّة يف تعزيز مفهومه؛ إذ ينتمي
واجب تنظّمها
ٌ ٌ
حقوق وعليه يعيش فيها ،ويع ُّد مواطناً من مواطنيها ،ول ُه ُ الفر ُد لل ّدولة التي
أحكا ُم ال ّدستور ،وعليه ،فإ ّن الهويّة عبار ٌة عن وسيل ًة للتّعزي ِز من هذا االنتامء عند األفراد،
والجامعات.
[[[ -مؤسسة لجان العمل الصحي“ ،مفهوم الهوية” ،مؤسسة لجان العمل الصحي ،اطّلع عليه بتاريخ ّ .2016-11-3
بترصف.
[[[ -ورشة املوارد العربية“ ،البحث عن الهوية” ،ورشة املوارد العربية ،اطّلع عليه بتاريخ ّ .2016-11-3
بترصف.
AL-ISTIGHRAB
شــتا ء 2 0 1 8 االستغراب
356عالم المفاهيماالستغراب
مفهوم االختالف
يحرص أبوهالل العسكري أنواع «االختالف» ،والفرق بينها كام ييل .يقول« :الفرق بني
االختالف والتفاوت أن التفاوت […] هواالختالف الواقع عىل غري سنن (=عىل غري نظام)،
وهودال عىل جهل فاعله» ،بينام االختالف يكون «عىل سنن واحد» .ومرجعيته يف ذلك
قوله تعاىل« :ما ترى يف خلق الرحامن من تفاوت»[[[ من جهة ،وقوله« :وله اختالف الليل
من جهة أخرى[[[. [[[
والنهار»
كام مييز االعوجاج من االختالف :فـ «االعوجاج من االختالف ما كان مييل إىل جهة
ثم مييل إىل أخرى ،وما كان يف األرض والدين والطريقة فهو ِعوج مكسور األول (= بكرس
العني) ،تقول يف األرض ِعوج ويف الدين ِعوج مثله .وال َعوج بالفتح ما كان يف العود
والحائط وكل شئ منصوب» .واالختالف قد يكون يف املذاهب وقد يكون يف األجناس :فـ
«االختالف يف املذاهب هوذهاب أحد الخصمني إىل خالف ما ذهب إليه اآلخر ،واالختالف
يف األجناس امتناع أحد الشيئني من أن يسد مسد اآلخر .ويجوز أن يقع االختالف بني فريقني
وكالهام مبطل كاختالف اليهود والنصارى يف املسيح» ،فهم جميعا عىل خطأ بالنسبة ملا
يقرره القرآن.
«والفرق بني املختلف واملتضاد أن املختلفني [هام] اللذان ال يسد أحدهام مسد اآلخر
يف الصفة التي يقتضيها جنسه مع الوجود كالسواد والحموضة ،واملتضادان هام اللذان
ينتفي أحدهام عند وجود صاحبه إذا كان وجود هذا عىل الوجه الذي يوجد عليه ذلك،
كالسواد والبياض .فكل متضاد مختلف وليس كل مختلف متضادا ً ،كام أن كل مختلف
ممتنع اجتامعه وليس كل ممتنع اجتامعه متضادا ً ،وكل مختلف متغاير وليس كل متغاير
مختلفاً ،والتضاد واالختالف قد يكونان يف مجاز اللغة سواء ،يقال :زيد ضد عمروإذا كان
مخالفاً له.
االستغراب AL-ISTIGHRAB
شــتا ء 2 0 1 8
357 والغيرالا
الذاترغتس
با
والفرق بني التنايف والتضاد أن التنايف ال يكون إال بني شيئني يجوز فيهام البقاء ،والتضاد
يكون بني ما يبقى وبني ما ال يبقى.
والفرق بني الضد والرتك أن كل ترك ضد وليس كل ضد تركاً ،ألن فعل غريي قد يضاد
فعيل وال يكون تركاً له».
التغاير ،التفاوت ،االختالف ،االعوجاج ،امتناع االجتامع ،التضاد ،التنايف… تلك هي
درجات «الغريية» يف الحقل البياين العريب كام يحددها أبوهالل العسكري ،وذلك يف
مقابل درجات «املثلية» التي يجعلها متتد من مطلق «الشبه» إىل الشبيه واملثل والند
وامل ُشاكِل والنظري واملتفق والعديل واملساوي واملامثل.
أوالً :االختالفات املتصلة باملوقع الجغرايف :وهي مجموع فوارق لغوية مقرونة مبناطق
أو بلدان معينة.
الزمني :ميكن دراسة اللغة من منظور تعاقبي لرسم ّ ثالثاً :اختالفات متصلة بالتعاقب
صورة عن تطورها مع الزمن .يظهر هذا التطور أيضاً يف سياق دراسة تزامنية حني يتعني علينا
أن نأخذ يف الحسبان طريقة تعبري األفراد الذين ينتمون اىل أجيال مختلفة[[[.
رابعاً :االختالفات املتصلة مبجال استعامل اللغة :تشكل الدراسة االصطالحية ،أي
دراسة املصطلحات ،مجاالً علمياً قامئاً يف ذاته ،ذلك ألن املعاجم االصطالحية تشكل
كليات معجمية تقيم عالقات معقدة مع املعجم العام .كام أن أي دراسة اصطالحية ال ميكن
املعني بها (كاملعلوماتية ،والكيمياء،
ّ فصلها عادة عن الدراسة املع ّمقة ملجال النشاط
[1]- Alain Polguère، L’exicologie et sémantique lexicale: Notions fondementale press de l”umiversité
de montréal، 2003. P90.
AL-ISTIGHRAB
شــتا ء 2 0 1 8 االستغراب
358عالم المفاهيماالستغراب
خامساً :االختالفات املتصلة بنمط االتصال :وباألخص هنا التمييز بني الشفهي والكتايب.
ومن املمكن أيضاً دراسة حاالت استعامل أمناط االتصال الخاصة عىل غرار املحادثات
الهاتفية وتبادل الرسائل اإللكرتونية..الخ[[[.
إن هذه الجولة البانورامية عىل املفاهيم التي م َّر ذكرها ،ال تعني إقفال الباب أمام مفاهيم
إضافية تتعلق بقضايا الذاتية والغريية .ففي عرصنا الحايل اجتهادات وتأويالت شتى حول
هذه القضايا حفلت بها العلوم اإلنسانية يف مجال علم االجتامع والسياسة وعلم النفس
وعلوم التواصل ناهيك عام ينتجه الفكر الفلسفي يف أزمنة العوملة املعارصة.
االستغراب AL-ISTIGHRAB
شــتا ء 2 0 1 8