You are on page 1of 8

‫بقلم األستاذ‪" :‬الياس بومنيجل"‬

‫اإلنساني بين الكثرة والوحدة‬


‫مسألة‪ " :‬اإلنية والغيرية "‬
‫تلخيص مسألة " اإلنية و الغيرية"‬
‫‪:‬تمهيد‬
‫يتعّلق المشكل الرئيسي و األساسي في تحديد" اإلنساني" في اإلنسان؛ أي تحديد ما يكون به اإلنسان إنسانا‪ ،‬و ما‬
‫يميز اإلنسان بإطالق عن الوجود الحيواني‪.‬‬
‫و ما يجعل من تحديد" اإلنساني"مشكال باإلمكان مقاربته من خالل حدين متقابلين‪":‬اإلنية"و"الغيرية"‪.‬‬
‫االنية‪ :‬ما يتحدد به وجود الشيء فيكون حقيقته وماهيته و قوامه‪ :‬إنية اإلنسان هي ما يكون به اإلنسان إنسانا سواء‬
‫بالنظر إليه كفكرة أو كواقع متعين أي ما يثبت وجوده كانسان متمايز بإطالق عن الوجود الحيواني‪.‬اإلنية بهذا‬
‫المعنى ترتبط بما جوهري في اإلنسان أي بما هو ثابت ال يلحقه تغير‪ ،‬وقائم بذاته بحيث ال يحتاج في تحديد حقيقته‬
‫أو إلثبات وجوده إلى غيره‪.‬‬
‫الغيرية‪:‬ما يتعلق بوجود اإلنسان سواء من داخل الذات كالجسد مثال أو الالوعي ‪،‬أو من خارج الذات كالغير‬
‫اإلنساني أو الواقع أوالتاريخ أوالعالم‪..‬الخ فنحن أمام انية أخرى تشّك ل في النهاية حقيقة اإلنسان‪..‬‬

‫لتندرج بذلك مسالة اإلنية والغيرية في مسألة أشمل هي مسألة "اإلنساني بين الكثرة والوحدة"‪ .‬وهذه المسألة‬
‫تتحرك في سياق مطلب الكونية‪ .‬ذلك أن اإلنسان قد كّف على صنع صور أو ماهّيات وتعريفات متعالية تنتزع‬
‫الّصور عن ماّد تها وتحّو لها إلى تجريدات‪ ،‬ولعّل ذلك ما استجابت إليه التصّورات الفلسفّية بأن تخّلت عن سؤال‬
‫"ما اإلنسان؟" ( وهو سؤال ماهوي يبحث في حقيقة اإلنسان و جوهره و أصله يتطلب تحديد الماهية الوحدة‬
‫والثبات و الشمولية و اإلطالقية و الكليّة لذلك فهو يفترض إجابة واحدة وثابتة مما يؤدي إلى اختزال اإلنسان في‬
‫بعد واحد وتجريده من جوانبه المتعددة التي قد يجد فيها السبيل إلثبات وجوده لذلك هو سؤال سيئ الطرح ) نحو‬
‫سؤال أكثر تجذيرا في خصوصّيته وأكثر تطّلعا لتحديد "اإلنساني فينا" ألّنه وحده سيسمح بمشروع لقاء اإلنسان‬
‫باإلنسان ممكنا وهو سؤال من هو اإلنسان ؟ ( سؤال تاريخي تتطلب مقاربته العودة للخصائص الوجودية لإلنسان‬
‫فهو أكثر واقعية )‪ .‬وال يتحقق ذلك إّال بتجاوز األوهام الميتافيزيقّية القديمة التي رّسختها الفلسفة الكالسيكّية نحو‬
‫حاالت وجود واقعّية تعّين وضعّية النوع اإلنساني‪.‬‬
‫الفلسفة بالتالي ستحّو ل وجهتها من البحث عن سؤال ما اإلنسان ؟ إلى البحث في أشّد الصفات التي تحّقق‬
‫إنسانّية اإلنسان‪.‬وهو ما يتجلى في إشكالية اإلنية و الغيرّية‪.‬‬

‫الدرس األّو ل‪ :‬اإلنية بما هي استبعاد للغيرية‪:‬‬ ‫‪-I‬‬


‫• الموقف الميتافيزيقي ‪ :‬هو موقف يعطي األولية لإلنية على الغيرية في تحديد ماهية اإلنسان‬
‫‪ -‬يختزل الموقف الميتافيزيقي اإلنسان في بعده الواعي‪.‬‬
‫‪ -‬يعتبر الفالسفة الميتافيزيقيون النفس ‪ /‬الذات جوهرا‬
‫‪ -‬خاصية الوعي هي التي تشكل اإلنساني في اإلنسان وتميزه‪.‬‬
‫‪ -‬موقف يقر باستقاللية الذات وحريتها ومركزيتها‪.‬‬
‫فاألنا يدرك ذاته دون أن يكون في حاجة إلى أّي علة خارجة عنه سواء كانت جسدا أو أي شيء آخر خارجي‪.‬‬
‫( تطابق الذات مع ذاتها وعزلتها عن العالم الخارجي) ‪.‬‬
‫أفالطون‪ ،‬أرسطو‪ ،‬ابن سينا و ديكارت فالسفة ميتافيزيقيين يثبتون إذا اإلنية بإقصاء كّل أشكال الغيرية داخلية‬
‫كانت أم خارجية فال الجسد وال العالم الخارجي يحددان ماهية اإلنسان‪ .‬ومن هذا المنطلق تتحدد الذات باعتبارها‬
‫واقعا ميتافيزيقيا‪ ،‬باعتبارها المعنى المؤسس لإلنسانية واألنا ليس إال الوعي بوحدة الذات التي تربط وتجمع بين‬
‫حاالتها المختلفة وأفعالها المتعاقبة في الزمان‪ .‬والذات عند هؤالء الفالسفة تتحّد د في نهاية المطاف باعتبارها‬
‫الجوهر وهو التحديد الذي أقّر ه أرسطو بما أن الذات كجوهر تسند إليها كل الخصائص واألعراض بما في ذلك‬
‫الجسد‪.‬‬

‫‪2 Page‬‬ ‫الياس بومنيجل‪ :‬تلخيص ‪ ":‬اإلنية والغيرية"‬


‫★★★أفالطون ‪Platon‬‬

‫يقّر أفالطون أن كمال الوجود اإلنساني أي إنية اإلنسان تتحقق بالنفس وحدها ذلك أن أفالطون يتبنى موقفا ثنائيا إذ‬
‫يفسر اإلنسان بإرجاعه إلى مبدأين مختلفين‪:‬‬
‫* مبدأ روحاني هو النفس التي تتحدد تماما مثلما سيكون األمرعند أرسطو باعتبارها مبدأ حركة‪.‬‬
‫* مبدأ مـــادي هو الجسد‪.‬‬
‫ويختزل اإلنسان في بعده الواعي و يقر بأن النفس تتحكم كليا في الجسد‪.‬‬
‫وخصوصية أفالطون تتمثل في إقراره بأن النفس جوهر في حين يمثل الجسد عرض‪ .‬لذلك يختزل أفالطون‬
‫اإلنسان في بعده الواعي ويقصي الجسد من ماهية اإلنسان‪ ،‬إذ أن الجسد بالنسبة إليه عاطل عطالة كاملة فالنفس‬
‫هي التي تحّر كه وهو مصدر رذيلة ويمثل عائقا يعوق النفس في عملية صعودها نحو المثل‬

‫★★★ديكارت ‪Descartes‬‬

‫إلثبات الذات موجودة ينطلق ديكارت من تجربة الشك‪ .‬إذ أن ديكارت يشك في كّل شيء يجد فيه مجّرد ترّد د وهكذا‬
‫ال يترك الشك مجاال دون أن يطاله‪ .‬إال أن هذا الشك الذي طال كّل شيء ال يستطيع أن يخامر الحالة التي أكون‬
‫فيها بصدد الشّك ‪ .‬فديكارت يستطيع أن يشك في كّل شيء إال في كونه يشك ألن الشك في الشك ال يقوم إال بتدعيم‬
‫الشك‪ .‬و هكذا يأتي الشك على كّل شيء إال على اليقين الذي يتضمنه‪ ،‬يقين الذات بذاتها موجودة كفكر أي يقين‬
‫الكوجيتو‪.‬وخصوصية ديكارت تتمثل في كونه على خالف أفالطون وأرسطو يحدد النفس كفكر ال كمبدأ حركة‬
‫وبالتالي تماما مثل أرسطو وأفالطون يعتبر أن النفس جوهر ولكنه على خالف أرسطو وأفالطون يعتبر أيضا أن‬
‫الجسد جوهرا من جهة كونه مستقل بذاته إذ أن حركة الجسد ال تفسرها النفس وإنما هي حركة آلية ميكانيكية نابعة‬
‫من طبيعة الجسد ذاته كامتداد مادي‬

‫الدرس الثاني اإلنية بما هي انفتاح على الغيرية ‪:‬‬ ‫‪-II‬‬


‫أ‪ /‬من داخل الذات ‪ :‬غيرية الجسد‪★★★ :‬سبينوزا ‪Spinoza‬‬

‫يمثل موقف سبينوزا أول موقف فلسفي يرد االعتبار للجسد في تحديد اإلنية ولكن أيضا موقف يسعى إلى إقحام‬
‫اإلنسان في الطبيعة و في العالم عبر سلب االمتيازات الميتافيزيقية التي أضفاها التصور الثنائي على اإلنسان‪.‬‬
‫ذلك أن سبينوزا على خالف أرسطو و ديكارت يحدد الجوهر ال باعتباره المتصل بذاته ولكن باعتباره المسبب‬
‫لذاته وهو ما يعني أنه ال يوجد إال جوهر واحد هو هللا أو الطبيعة‪ ،‬و أّن هذا الجوهر يتكون من عدد ال متناهي من‬
‫الصفات وأن كّل صفة من هذه الصفات تتكّو ن من عدد ال متناهي من الضروب أو األحوال ‪.Modes‬‬
‫وهذا يعني أن كّل ما يوجد هو إما ضرب من ضروب صفة االمتداد و إما ضرب من ضروب صفة الفكر و إما‬
‫ضرب من ضروب أحد الصفات األخرى التي ال يعرفها اإلنسان و إما عالقة ضريبة بين ضربين و هو حال‬
‫اإلنسان‪ .‬و هذا يعني أن الوحدة بالنسبة لسبينوزا تتمثل في الجوهر الواحد في حين تمثل الصفات الالمتناهية‬
‫وضروبها الكثرة‪ .‬و الضروب بما فيها اإلنسان تتحدد كانفعال أي كرغبة في المحافظة على البقاء (كوناتوس)‪ .‬و‬
‫الصراع الذي كان يتحدث عنه ديكارت داخل اإلنسان‪ ،‬بين العقل واالنفعاالت‪ ،‬أصبح مع سبينوزا صراعا خارج‬
‫اإلنسان‪ ،‬صراع كّل الضروب من أجل المحافظة على البقاء‪.‬‬
‫الجسد مع سبينوزا يتماهى مع النفس في مستوى الماهية بما أن النفس والجسد شيء واحد تارة ننظر إليه من جهة‬
‫صفة الفكر وطورا ننظر إليه من جهة صفة االمتداد‪ ،‬و يتماهي معها في المستوى االنطولوجي بما أن كّل من‬
‫النفس والجسد يمثل ضربا أو حال‪ ،‬و يتماهى معها في مستوى القوة والفعل بما أّن فعل النفس هو فعل الجسد وهو‬
‫الفعل الذي ينحو إلى المحافظة على البقاء‪.‬‬
‫مع سبينوزا إذا ال أنية دون الغيرية الداخلية والخارجية معا‪ ،‬فاإلنسان يتحدد بوعيه وجسده ويتحدد كرغبة‬
‫تتطّو ر في العالم أو الطبيعة‬

‫ب‪ /‬من خارج الذات ‪:‬غيرية الغير‪★★★ : autrui‬هيقل ‪Hegel‬‬


‫‪3 Page‬‬ ‫الياس بومنيجل‪ :‬تلخيص ‪ ":‬اإلنية والغيرية"‬
‫يرى هيقل أن فعل الوعي بالذات مثلما تحقق مع ديكارت كفعل انسجام مع الذات هو في الحقيقة فعل انشطار‬
‫ألن الوعي بالذات بمعناه الديكارتي هو أساسا هذه العودة على الذات انطالقا من الكيان اآلخر‪ ،‬و الوعي يصل‬
‫إلى منتهى هذه العالقة عندما يدرك أن الذات والموضوع مبنيان بنفس حركة االنشطار هذه‪ ،‬بما أن ماهية‬
‫الوعي بالذات في انعكاس األنا على ذاته انطالقا من إقصاء اآلخر الذي يمثله الجسد والعالم الخارجي‪ .‬و فعل‬
‫انشطار الذات يتمثل في اعتبارها في ذات الوقت ذاتا عارفة و ذات موضوعا للمعرفة‪ ،‬و بما أن كّل من الذات‬
‫العارفة و الذات الموضوع يمثل ذاتا فإننا نكون إزاء ذاتين تدعي كّل واحدة منهما أنها الوعي بالذات و أن‬
‫اآلخر هو الموضوع‪ ،‬و هذا يعني أن فعل الوعي بالذات ال يتحّد د إال بواسطة اآلخر لذلك يجب على الوعي‬
‫بالذات أن يحافظ على اآلخر إذا أراد أن يحقق وعيه بذاته كذات واعية‪ .‬و لكن صراع الذاتين من أجل تحقيق‬
‫نفس الرغبة يؤدي إلى تنازل أحد الحّد ين على النظر إلى تعاليه بالنسبة إلى اآلخر كشرط لتحقيق كيانه و بهذا‬
‫التنازل ينتج الالتوازن بين الحدين الذي تعبر عنه الجدلية الشهيرة السّيد والعبد‪ ،‬و في هذا الالتوازن يحمل‬
‫الوعي بذاته بذرة الفشل الذي سيكابده في هذه التجربة إذ أن االعتراف المتبادل ال يتحقق بما أن السيد يحقق‬
‫اعتراف وعي غير مكافئ له‪ .‬وجدلية السيد والعبد رغم الفشل الذي انتهت إليه تبين لنا مع هيقل أن اآلخر‬
‫ضروري لتحقيق الوعي بالذات وأن كّل تعالي على اآلخر يؤدي إلى فشل الذات في تحقيق انيتها فوجودي هو‬
‫بالضرورة وجود مع اآلخر الذي ينافسني على اإلنسانية هذا الكوني الذي ترنو إليه فرديتي و الذي يمثل في‬
‫معنى ما حركة تضمين الفردية أو الخصوصية لذلك فإن عالقتي باآلخر تقوم بالضرورة في إطار وساطة ما‪،‬‬
‫و هذه الوساطة يجب أن تكون محايدة وإّال يترك التواصل مكانه إلى الصراع‬
‫الدرس الثالث‪:‬في التظنن على اإلنية‪/‬أو‪ /‬في حدود القول باإلنية (فالسفة الظنة‪:‬ماركس‪-‬‬ ‫‪-III‬‬
‫نيتشه‪ -‬فرويد)‪:‬‬

‫أ‪ /‬الحد التاريخي‪ :‬غيرية الواقع والتاريخ‪★★★:‬ماركس ‪Marx‬‬

‫على عكس الوعي الديكارتي الذي يحّد د طبيعة الذات اإلنسانية وعالقاتها االجتماعية المختلفة ‪،‬فإن ماركس‬
‫يرى أنه ال وعي دون شروطه االجتماعية" فليس وعي البشر هو الذي يحدد وجودهم وإنما على العكس من‬
‫ذلك وجودهم االجتماعي المادي هو الذي يحدد وعيهم"‪ .‬ويستحضر ماركس الغيرية من زاوية‬
‫تاريخية ‪،‬فالوعي ليس متعاليا وليس مستقال بذاته بما أنه انعكاس للواقع االجتماعي التاريخي وهو مكتسب‬
‫ومتطور‪ :‬مكتسب ألنه يعكس عالقة مع الواقع الطبيعي‪.‬‬

‫إن تحديد بنية الوعي في إطار تركيبته االجتماعية والتاريخية هو ما يبرز حدود الوعي من خالل ربطه بذلك‬
‫الكائن المنتج واالقتصادي‪ ،‬وهو بالتالي ظاهرة من الظواهر االجتماعية وليس فطري في اإلنسان‪ ،‬بل كما‬
‫يقول ماركس "الوعي نتاج اجتماعي "وأيضا" الوعي هو أوال نتاج اجتماعي ويظل كذلك طالما وجد بشر"‪.‬‬

‫الوعي هو نتيجة وعي محدود بشروط اقتصادية واجتماعية وهذا ما دعا ماركس إلى نقد جميع المقاربات‬
‫الفلسفية المثالية(هيقل أساسا) التي جعلت الوعي منفصال عن شروطه وبيئته وأكدت على استقالليته يقول‬
‫ماركس" على عكس الفالسفة األلمان الذين ينزلون من السماء إلى األرض نحن نصعد من األرض إلى‬
‫السماء"‪.‬‬

‫الوعي إذن ليس مبدأ بل نتيجة ومكتسب ينمو بنمو اإلنتاجية والحاجيات ويعكس بالضرورة واقع اجتماعي‬
‫واقتصادي فتبدو بذلك العالقة جدلية( تأثر وتأثير) بين الواقع المادي للمجتمع( البنية التحتية) وأشكال الوعي‬
‫اإليديولوجي( البنية الفوقية‪ :‬التصورات واألفكار السياسية والعلمية والميتافيزيقية والدينية واألخالقية ‪..‬الخ)‪.‬‬

‫إن الشروط المادية هي المحدد األصلي والفاعل الحقيقي والمكّو ن الرئيسي لبنية الوعي‪ .‬وهذا اإلقرار هو نفي‬
‫كلي للتصور الذي يقر بمركزية الوعي وثباته واستقالله عن الوجود المادي‪.‬‬
‫‪4 Page‬‬ ‫الياس بومنيجل‪ :‬تلخيص ‪ ":‬اإلنية والغيرية"‬
‫استنتاج‪ - :‬اإلنسان لم يعد كائن الوعي بامتياز( "حيوان ناطق" أرسطو‪"-‬كوجيطو" ديكارت‪ "-‬كوناتوس"‬
‫سبينوزا‪ " -‬فرنونفت" هيقل‪" -‬كوجيتاطوم" هوسرل‪" -‬كوجيطو متجسد" مارلوبونتي‪..-‬وإنما أصبح حيوان‬
‫عامل أو منتج أو صانع أو فاعل ‪ HOMO FABER‬في مقابل ‪HOMO SAPIENS‬‬

‫الفلسفة أصبحت ممارسة وتغيير "فلسفة البراكسيس"‬ ‫‪-‬‬

‫المكاسب‪:‬‬

‫تجاوز الماركسية لمعنى الوعي المتعالي والمستقل لتجعل منه بنية ناتجة عن عوامل اجتماعية‬ ‫‪‬‬
‫بتفاعالتها المختلفة‪ ،‬ولعل هذا ما ثمنه "بول ريكور" حينما اعتبر ماركس قطبا من أقطاب فالسفة‬
‫الظنة وكاشفي األقنعة ألنه كشف عن أوهام الوعي الزائفة( الوعي الزائف والقطيعي)‬

‫تعريف جديد ينضاف لإلنسان‪ :‬حيوان عامل أو صانع‪HOMO FABER..‬‬ ‫‪‬‬

‫الحدود‪:‬‬

‫بالرغم من جدية أطروحة ماركس في كشفه عن حدود الوعي وزيفه‪ ،‬فإنه لم يقم بتحطيم الوعي نهائيا‬ ‫‪‬‬
‫واكتفى بالتظنن عليه(دون إلغائه) ولعل هذا ما تفّطنت إليه جينيالوجيا نيتشة حيث ال يمّثل الوعي عنده‬
‫جوهرا وأساسا‪ ،‬بل إن كينونة اإلنسان متعّينة في حقيقة الحسد وقواه ورغباته وغرائزه الحيوية‪...‬‬

‫ب‪ /‬الحد الجينيالوجي‪ :‬غيرية الجسد والحياة ‪★★★:‬نيتشة ‪Nietzsche‬‬


‫يقول نيتشه ‪ ":‬إن وراء أفكارك ومشاعرك يقوم سيد جبار وحكم مجهول ‪ ،‬إّنه الهو الذي يسكن جسدك ‪ ،‬بل هو‬
‫" جسدك‬
‫الجينيالوجيا باختصار هي البحث في أصل الشيئ لنقده وهدمه و إعادة بنائه‬
‫مثله مثل بقية فالسفة الظّنة أو فالسفة التظّنن كما يسميهم بول ريكور ‪،‬راهن نيتشه على دحض العقل و المكانة‬
‫‪.‬التي وهبتها له الميتافيزيقا من خالل أسلوبه الجينيالوجي‬
‫يقوم هذا األسلوب على الكشف و التعريفة و الفضح ‪ ،‬لذلك قام نيتشه بإعادة البحث في أصل اإلنسان و حقيقته كما‬
‫حددتها التصورات الميتافيزيقية ليقوم بهدمها ساخرا بشدة من الوعي الميتافيزيقي إذ هو وعي متواضع و سطحي‬
‫و بسيط وهو ال يمّثل جوهرا وأساسا‪ ،‬بل إن كبنونة اإلنسان متعينة في حقيقة الجسد وحده وفي قوامه ورغباته‬
‫وغرائزه الحيوية‪.‬ونشأة الوعي ليست سوى من أجا اإلخفاء والتمويه حيث يقول نيتشه " العقل قوة إخفاء وتمويه"‬
‫وهو " عقل صغير" في مقبل الجسد "العقل العظيم"‪ .‬فالوعي أو العقل هو ما يصنعه العبيد والضعفاء والمرضى‬
‫والمحتضرون من أجل التظاعر بالقوة "محتضرون أوالئك الذين احتقروا الجسد"‪ .‬وعليه فإن رموز الوعي‬
‫األخالقية والدينية ال تعّبر أبدا عن تفّو ق الوعي بقدر ما تكشف عن أوهام المعتقدين فيه‪ .‬فعوضا عن الكوجيطو‬
‫الواعي الكاذب والواهم والزائف يمكن القول مع نيتشه أن هنالك جسد يفّك ر ويتكلم ( مثال الطفل) ويرغب ويعلن‬
‫أن تأسيس الحضارة ال يبدأ أصال إّال بتحرير الرغبات وال يتم ذلك إّال بإعدام الوعي وقبر القيم وتقزيم كل‬
‫األخالق الضعيفة ومن يضمنها ( هللا) لتتحّو ل إلى أصنام علينا تحطيمها( هللا‪-‬السماء‪ -‬العقل‪ -‬الحقيقة‪()..-‬تحطيم ‪/‬‬
‫‪" CREPUSCULE DES IDOLES‬غسق األصنام")‬
‫يقول نيتشه" من أراد الخلق واإلبداع عليه أن يبدأ أوال بتحطيم القيم"‪ .‬ولعل مقصده في ذلك تحطيم كلي لقيمة‬
‫الوعي الذي من سماته أنه ال يترك الرغبة تتحقق ألنه يقوم مقام الرقيب أو السلطة المانعة التي تحمل األفراد على‬
‫‪.‬فعل أشياء ما كانوا سيفعلونها لو تركوا أحرارا‬

‫‪5 Page‬‬ ‫الياس بومنيجل‪ :‬تلخيص ‪ ":‬اإلنية والغيرية"‬


‫المطلوب‪ :‬القطع مع الوعي( العقل –الروح‪-‬الفكر‪..-‬الخ)واالنتصار للجسد الذي يعّبر عن مبدأ "العودة إلى الحياة"‬
‫حيث المتعة واالمتالء والبهجة‪ .‬العقل يساوي الموت والجسد يساوي الحياة وانتصار اإلنسان الخالق لقيمه‬
‫‪.‬المستديمة التي تشّد ه للبقاء والحفاظ على استمرارية وجوده‬
‫إن الجسد النيتشوي هو الحياة نفسها بكل تجلياتها ومظاهرها القوية التي عّبر عنها من خالل رسوله " زرادشت"‬
‫وهو عنوان انخراطنا في الحياة األبدية األرضية( في مقابل حياة السماء المؤقتة والوهمية)‪ .‬ولذا يجب استقبال‬
‫‪.‬الجسد كجسر تواصل بين الماضي والحاضر والمستقبل إنه الممكن الّالمتناهي‬
‫إن التفكير إذن ال يمكن أن يخرج عن مملكة الجسد حيث الحياة الممتلئة بالقوة والعظمة وحيث يتجاوز اإلنسان‬
‫ضعفه وعجزه ليتحّو ل إلى " إنسان أرقى" او سوبرمان ‪ ،‬وهو منفتح على " إرادة القوة" ال الضعف والسيادة‬
‫والتحّر ر ال العبودية والخضوع‪ .‬وما دام الجسد عند نيتشه هو مجموع قوى تتآلف مع بعضها لتشّك ل إرادة القوة‪،‬‬
‫نجده يبّش ر بهذا اإلنسان األرقى واألعلى الذي يملك جسدا مريدا للقوة والحياة ألنه هو ما يمنحه إمكانية الدخول في‬
‫‪.‬حلقات الزمن المسترسلة وولوج العود األبدي من بابه الواسع في حركة وصيرورة دائمتين‬
‫‪:‬المكاسب‬
‫‪ ‬المساهمة في إحداث انقالب في المنظور إلى الجسد والنفس‪ /‬الوعي بالنسبة لما كان عليه التقليد الفلسفي‬
‫الذي حّر ر النفس تماما عن الجسد والذي كان يرى في النفس حقيقة أكثر سمّو ا‪ .‬وفي المقابل إعادة‬
‫االعتبار لهذا الجسد " المسكوت عنه" ‪.‬‬
‫‪ ‬دعوة نيتشه إلى تحقيق مشروع اإلنسان األرقى واألعلى القائم على الهدم والبناء‪ :‬هدم القيم المسيحية‬
‫المسيطرة وبناء عالم من القيم من جديد تجعل اإلنسان سّيد إرادته التي تمّك نه من السيطرة على األرض‬
‫والتشريع لها‪ .‬وهذا ما يجعل فكر نيتشه يقوم على نزعة إنسانية‪.‬‬
‫النقد‪:‬‬
‫‪ ‬قلب الفلسفة األفالطونية وخلق ثنائية جديدة‪ :‬الجسد في مقابل النفس‪.‬‬
‫‪ ‬تجاوز المطلقات المتصلة بالقيم الكونية دينية وأخالقية وغيرها ( الحقيقة – الواجب – هللا‪)...‬‬

‫ج‪ /‬الحد البسيكولوجي‪ :‬غيرية الالوعي‪★★★ :‬فرويد ‪Freud‬‬


‫يقول فرويد ‪ ":‬لم يُعد األنا سيدا حّتى في بيته "‪:‬يجدر بنا هنا أن نطرح السؤال التالي ‪ :‬كيف لالوعي باعتباره‬
‫غيرية أن ُيؤسس إلنّية اإلنسان ؟‬
‫اعتمد فرويد في تحليله النفسي دراسة بنيوية وهي دراسة تقوم على اعتبار اإلنسان كائنا ُم ركبا و ُم شكال قابال‬
‫للتفكيك ويتجّلى ذلك بوضوح في تحديده لمكونات الجهاز النفسي ( الجهاز النفسي هو شخصية الفرد التي تتجلى‬
‫من خالل جسده وليست هي الجسد )‪ .‬وهي ‪:‬‬
‫الهُو ‪ :‬أقدم منطقة في الجهاز النفسي ‪ ،‬يوجد لدى اإلنسان بالفطرة‪ ،‬وهو جملة الميوالت و الّر غبات الحيوانّية‬
‫المحكومة بجملة الدوافع الجنسية والعدوانية ( العنف ) ‪ُ ،‬يسمي فرويد هذه الدوافع الجنسية بمبدأ الليبيدو‬
‫كل هذه الدوافع في الُهو الُم ندفع تتحول إلى رغبات تنتظر اإلشباع فالهو محكوم بمبدأ اللذة ‪ ،‬أي أّن كل رغبة نفسية‬
‫للهو محكومة بمبدأ اللّذ ة‪.‬‬
‫األنا األعلى ‪ :‬مجموعة األوامر والنواهي التي يضبطها المجتمع في سياق األخالق اإلجتماعية ‪ ،‬وهو الضمير‬
‫الذي ُيعتبر رقيبا على الذات ‪ ،‬هذا األنا األعلى أو هذا الضمير الرقيب الُم سّلط من طرف المجتمع محكوم بمبدأ‬
‫الواقع ( األنا األعلى هو عبارة عن مجموعة من األوامر و النواهي التي ُتؤسسها األخالق اإلجتماعية لتصبح‬
‫ضميرا ورقيبا ذاتيا للُهو ويحتكم األنا األعلى لمبدأ الواقع )‪.‬‬

‫الهو الُم ندفع محكوم بمبدأ اللذة ( أي جملة الدوافع الجنسية والعدوانية التي تحكم رغبات الهو و ميوالته لتجعل منها‬
‫رغبات تنتظر اإلشباع ) في عالقة صراعء مع األنا األعلى المحكوم بمبدأ الواقع و الذي يلعب دور الضمير و‬
‫الرقيب ‪ ،‬ليمارس عليه جملة األوامر و النواهي الُم لزمة التي تجعل من رغباته مكبوتة‪.‬‬

‫‪6 Page‬‬ ‫الياس بومنيجل‪ :‬تلخيص ‪ ":‬اإلنية والغيرية"‬


‫األنا‪ :‬إن طبيعة هذه العالقة هي تجعل الهو مثجبرا على إنتاج األنا أو الوعي ليبقى وفيا له في تحويل المكبوت لديه‬
‫من رغبات تنتظر اإلشباع إلى رغبات مشروعة في المجتمع‪ ،‬فمهمة األنا أو الوعي إذن هي خلق توازن نفسي ‪/‬‬
‫سايكولوجي ‪ /‬بسيكولوجي بين رغبات الهو الُم ندفع التي تنتظر اإلشباع و المحكومة بمبدأ اللذة ‪ ،‬و بين مجموعة‬
‫األوامر و النواهي التي يسلطها األنا األعلى على الهو تبعا الحتكامه لمبدأ الواقع‪.‬‬
‫مع فرويد إذن يتقدم الالوعي باعتباره اآلخر الذي على الوعي أن يتسع الستيعابه‪ .‬و هو ما يعني أن إقرار فرويد‬
‫بأهمية الالوعي في تركيبة اإلنسان ليس اقصاء كليا للوعي بما أن الوعي يبقى المجال الذي يمكننا من إدراك‬
‫الالوعي إذ أن الالوعي يتمظهر في الوعي الذي ُيفسره‪ .‬و هكذا يبرز فرويد وهم اختزال اإلنسان في بعده الواعي‬
‫فاإلنسان ال يتحّد د إال في إطار هذه الكثرة الداخلية التي تتجاوز اإلقرار الميتافيزيقي بوحدة األنا إذ تنكشف نفسية‬
‫اإلنسان متعدّد ة بل مركبة من منظمات ذات رغبات متناقضة منظمات تنزل هي ذاتها في التاريخ بما أنها تتطور‬
‫في السيرة الذاتية لكّل فرد ولكن أيضا تتمثل معطيات عامة ترتبط بالتاريخ الحضاري اإلنساني العام مثل ما‬
‫يتمظهر ذلك في العقد الكونية التي تحدث عنها فرويد عقدة أوديب وعقدة الخصي أو اإلخصاء‪.‬‬

‫لإلثراء ‪:‬التصور الفينومينولوجي‬

‫هو تصور ظاهراتي يتجاوز اإلقرار بعزلة الذات و بانغالقها على ذاتها ( تجاوز التصور الميتافيزيقي )‬
‫و يتجاوز تطابق الذات مع ذاتها و عزلتها عن العالم الخرجي و يتجاوز التحديدات التي تربط االنسان بمقومات‬
‫جوهرية ثابتة ومطلقة كما ينفي عن االنسان الوحدة والثبات من جهة و التعالي و االنفصال عن العالم من جهة‬
‫ثانية مؤكدا على ضرورة تخارج الذات وانفتاحها على العالم الخارجي و االعتراف به يما يحويه من ذوات أخرى‬
‫وموضوعات أخرى لها تلك القيمة الُعظمى في تحديد إنسانية اإلنسان‪ ،‬إذ أن إدراك اإلنساني يستوجب االنتفتاح‬
‫على الغيرية ( فاالنساني يتحدد في اطار عالقات متشابكة ‪ ،‬واالوجود االنساني ال يمكن مقاربته اال من جهة‬
‫الكثرة )‬
‫بذلك يبدو التصور الفينومينولوجي تصورا تجاوزيا نقديا يهدف إلى تأسيس منظور تأليفي يأخذ بعين االعتبار كل‬
‫أبعاد االنسان و ال يختزلها في بعد واعد كما فعلت الفلسفة المادية او الميتافيزيقية ‪.‬‬
‫يقول هوسرل مؤسس هذا التصور ‪ ":‬أنا أفكر في موضوع ما ‪ /‬شيئ ما إذن أنا موجود" وهو ما يخلق الزما بين‬
‫الوعي باعتباره وعيا بشيئ ما ( بالعالم الخارجي ) وبين الوجود‪.‬‬
‫لسائل أن يسأل عن السبيل لهذا التخارج الذي تحول إلى ضرورة ال مناص منها على الذات توفيرها في سياق‬
‫بحثها عن وجودها األصلي ‪ ،‬يستوجب ذلك فهم قيمة الجسد الخاص في تحديد هذه الرؤية التأليفية‪:‬‬
‫الموقف الميتافيزيقي ‪ :‬اإلنسان هو عقل ‪ ،‬ذات تحدد ذاتها بذاتها ‪ ،‬مْو َض َع ُة كل ما هو متخارج عن الذات بما في‬
‫ذلك ‪ :‬الجسد وبقية الذوات األخرى ( اآلخر ) ‪ ،‬أي إستبعاد الجسد من مجال تحديد اإلنساني و إلحاقه بمجال‬
‫الغيرّية الُم هّم شة‪ ،‬هذا الموقف في الحقيقة يتقابل مع تجربتنا المعيشة في اليومي ‪ ،‬إذ ُتبت هذه التجربة كثافة و‬
‫أهمّي ’ حضور الجسد وتثبت أيضا تعلّق وجودنا مباشرة بالجسد‪.‬‬
‫يصبح التخارج و االنفتاح ضرورة أنطولوجية في مسيرة الذات إلثبات وجودها‪.‬‬
‫"الوسيلة" في ذلك هي الجسد الخاّص ( اإلقرار بالجسد في هذا السياق ال يعني العودة إلى التصورات الفرويدية و‬
‫النيتشوية ألن هذه التصورات ُتهمّش الوعي الذي هو ضرورة أنطولوجية في تحديد ماهية اإلنسان‪ .‬وهي‬
‫تصورات منقوصة ألنها تختزل الغيّر ية في ما يكون ُقبالة الذات فقط)‬
‫العالم ال يمكن أن نتحرر منه ألنه الموطن األصلي للجسد باعتباره جسدا معيشا و خاصا ‪ ،‬ننتقل بذلك من ‪ :‬وعي‬
‫مكتف بذاته ‪ /‬منغلق على ذاته ‪ /‬وعي في ذاته ولذاته إلى وعي قصدي ( يقصد شيئا ما ‪ /‬يتوجه إلى شيئ ما ‪/‬‬
‫يستهدفه ‪( /‬تفيد القصدية كل فعل معيش نتوجه به إلى شيئ ما )) وهو وعي يقصد األشياء و الذوات األخرى‬
‫( العالم الخارجي ) من خالل فعل التمعين ( القدرة على خلق المعنى و الداللة ) ‪ ،‬وهذه القدرة مرتبطة أساسا‬
‫باللغة التي ال يمكن أن تجد داللتها إال في سياق عالقتها بالجسد الخاّص ‪.‬‬
‫نحن بذلك إزاء اإلنتقال من جسد موضوع ‪ :‬هو الجسد المقابل للذات بما يجعل منه موضوعا لالستكشاف و‬
‫المعرفة ‪ /‬مستقل عن الذات وعن الوعي القصدي ‪ ..‬إلى الجسد الخاص ‪ /‬المعيش ‪ :‬هو ما ُندرك بواسطته ( فهو‬

‫‪7 Page‬‬ ‫الياس بومنيجل‪ :‬تلخيص ‪ ":‬اإلنية والغيرية"‬


‫وسيط ) العالم الخارجي وهو الوسيط األنطولوجي الذي يربط من خالل عملية اإلدراك الوعي القدي بالعالم‬
‫الخارجي‪ (.‬يقول ميرلوبونتي ‪ :‬الجسد دائما معي وليس أمامي ) فالوعي الذي يكون به اإلنسان إنسانا ‪.‬‬

‫الخاتمة‪ :‬اإلنية بما هي مشروع‪:‬‬

‫اإلنسان مشروع ذاته وأّنه حّر ية مفتوحة على إمكانيات ال نهائية وأّن إّنيته تتحّد د بالمشروع الذي يختاره لنفسه‪،‬‬
‫فهو دائم التجاوز لوضعيته األصلية بواسطة ممارساته‪ .‬ويعتبر سارتر أّن اإلنسان بما هو شخص هو مشروع‬
‫مستقبلي‪ ،‬يعمل على تجاوز ذاته ووضعيته وواقعه باستمرار من خالل اختياره ألفعاله بكّل إرادة وحّرية‬
‫ومسؤولية‪ ،‬ومن خالل انفتاحه على اآلخرين‪.‬‬

‫ونحن نقول إّن اإلنسان حّر باعتباره إّنية ال تزال في طور الغيرية‪ ،‬والعدم الذي يوجد في قلب اإلّنية هو الذي‬
‫يجعله حّرا‪ ،‬إذ اإلّنية ال توجد مع اإلنسان وإّنما هي ما يصنعه اإلنسان‪ ،‬فما يوجد هو العدم أّم ا اإلّنية فهي اإلمكان‪،‬‬
‫وألّنها ما يمكن فهي ليست كائنة بل ما يكون؛ وعلى اإلنسان أن يختار اإلّنية التي يرتضيها لوجوده‪.‬‬
‫وفي النهاية نقول‪ :‬عّلمتنا الفلسفة أّن اإلنسان ال يولد إنسانا‪ ،‬وإّنما يصير كذلك‪ ،‬وهذا يعني أّن اإلنسان حّرية وأّن‬
‫للحّرية ثمن‪ ،‬وثمن الحّر ية هو بناء إّنية تكون جديرة باإلنسانية‪ ،‬إنية تطلب الكوني وال تقتصر على األنا أو‬
‫اآلن‪،‬إنية تنتصر للوحدة اإلنسانية‪ .‬فعلى اإلنسان أن يختار بين اإلّنية والغيرية الصورة التي يرتضيها لذاته‪ ،‬أي أن‬
‫يتحّم ل مهّم ة بناء ماهيته‪ ،‬إذ اإلنسانّي مهّم ة اإلنسان‪ ،‬حيث تكون حقيقته ما يحّققه أو ما يكون جديرا به‪.‬‬

‫‪8 Page‬‬ ‫الياس بومنيجل‪ :‬تلخيص ‪ ":‬اإلنية والغيرية"‬

You might also like