You are on page 1of 3

‫إعداد‪ :‬الصّحيب بوقرّة‬ ‫اجلمهوريّة التونسيّة‬

‫أستاذ مريّز يف الفلسفة‬ ‫وزارة التربية‬

‫[اإلنية والغرييّة]‬

‫اإلنيّة و الغـــرييّة‬
‫جذاذة مراجعة‬

‫نبتش‬

‫قرامشي‪ ":‬إن السّؤال عن اإلنسان‪ :‬من هو؟ هو السّؤال األوّل‪ ،‬واألساسيّ يف الفلسفة‪.‬‬
‫[‪ ]...‬وإذا أمعنّا النظر رأينا أننا عندما نسأل‪ :‬من اإلنسان؟ فنحن إنّما نريد أن‬
‫نقول‪ :‬ماذا ميكن أن يصري اإلنسان؟ أي هل يستطيع اإلنسان أن يسيطر على‬
‫مصريه اخلاص؟ هل يستطيع أن " يصنع " وأن خيلق حياته؟ لنقل إذن إنّ اإلنسان‬
‫حركة أفعاله بالضبط‪.‬‬ ‫إعداد‪ :‬الصّحيب بوقرة‬

‫دواعينبتش‬
‫إحراجات املسألة‪:‬‬ ‫اإلهتمام‬

‫▪ ما الذي جيعل السؤال عن اإلنسان حيوز كلّ هذه املكانة يف الفلسفة؟ وهل من‬ ‫▪ حاجة كلّ واحد منّا ملعرفة حقيقته مبا هو إنسان‪...‬‬
‫مربرّ ملعاودة طرحه اليوم؟ أم أننا بإعادة طرحه نكون على شاكلة من يريد خلع‬ ‫▪ التوتر الذي يثريه سؤال ما اإلنسان‪ ،‬فحقيقة اإلنسان ليست معطى بديهي وحمسوم‪...‬‬
‫أبواب مفتوحة؟‬ ‫▪ ظهر مطلب تعريف اإلنسان يف الفلسفة إشكاليّا‪ ،‬نظرا لطبيعته املتوترة وامللغزة‪...‬‬
‫▪ هل يف السؤال عن اإلنيّة سؤال عن اإلنسان أم عن اإلنساني؟ وهل من مشروعية‬ ‫▪ كثرة التعريفات اخلاصة باإلنسان تدفعنا ملراجعة ما نعرف عنه أو ما نعتقد ‪...‬‬
‫للتميز بني السؤالني؟‬ ‫▪ اإلحراج الذي يتولدّ عن القول بوجود طبيعة ثابتة لإلنسان‪...‬‬
‫▪ مباذا نفسرّ هذا االنتقال من سؤال ما اإلنسان؟ إىل سؤال ما اإلنساني؟ هل‬ ‫▪ إقرتن النظر يف اإلنسان بالنظرفيما ليس هو‪ ،‬وكأنّ الغرييّة شرط النظر والوعي‪...‬‬
‫بانكشاف عدم وجاهة السؤال أم بتعذّر اإلجابة؟‬ ‫▪ يبدو أنّ على الفلسفة أن تضطلع مبهمّة بناء تصوّر جديد لإلنسان وأن تقطع مع ‪...‬‬
‫▪ إذا كان هلذه النقلة ما يربّرها اليوم فهل نطمئنّ لذات النداء الذي وجّه الفلسفة‬ ‫▪ جيعل القول مباهية ثابتة لإلنسان ما حلق بالوعي من تبدالت مستغلقا على الفهم‪...‬‬
‫منذ سقراط حنو معرفة اإلنسان لذاته بذاته؟‬ ‫▪ يبدو ان تفكرينا يف اإلنسان قد إنبنى على جهل بالغرييّة ومستطاعها‪...‬‬
‫▪ وهل حيق لنا اختزال حقيقة اإلنسان أي إنيّته فيما يعرفه عن ذاته أويف وعيه؟‬ ‫▪ كثريا ما اعتربت الغريية هامشا يثقل كاهل اإلنيّة ولكنهّا ورغم هوانها عندها ‪...‬‬
‫أال حييل الوعي على إنيّة منغلقة على ذاتها؟ أال جيعل هذا اإلنغالق اإلنيّة أنانة؟‬ ‫▪ ختربنا التجارب اليوميّة عن احلضور املربك للغري الذيّ حيملين على اإلعرتاف به‪...‬‬
‫▪ أال يفرتض إثبات اإلنية بهذا املعنى استبعاد الغرييّة؟‬ ‫▪ عزّز احلفر يف أعماق الذات احلاجة إىل مراجعة حقيقة اإلنسان‪ ،‬حاجة أيقظت فيه‬
‫▪ أال حييل هذا االستبعاد على تصوّر لإلنيّة ال يستويف حقيقة الغريية أو ال يرى فيها‬ ‫مطلب معرفة ذاته من جديد‪...‬‬
‫سوى موضوعا موسوما بالسلبية؟‬

‫تفيد اإلنيّة مع ديكارت احلقيقة اليت صمدت يف وجه الشك‪ ،‬أو احلقيقة اليت تواطأت معه لتنزع عنها كلّ ما طاله الشكّ أو تطاول عليه‪،‬‬ ‫اإلنيّة وفخّ األنانة‬
‫والغرييّة هي احلقائق اليت فقدت اليقني فكفت عن ان تكون حقائق ثابته و نهائيّة‪ ،‬حبيث ظهر العامل غرييّة فقدت أشياءه و موضوعاته‬
‫الوضوح واليقني‪ ،‬واجل سم غرييّة ال ميكن ان يكون اكثر متيّزا من النفس و الوعي‪ ،‬و الغري غرييّة ال تظهر إالّ باعتبارها وجودا حمتمال‪ ،‬حبيث‬
‫تفيد الغرييّة ما كان دون اليقني أو كان يقينه دونيّا ‪...‬املقاربة امليتافيزيقية مع ديكارت مقاربة تقرّ بالثنائيّة وتعرتف ضمنيّا‪ ،‬وبشكل‬
‫صريح مبنطق التفاضل والتميّز‪ ...‬ويف هذا االعرتاف التفاضلي يظهر الوعي أكثر قدرة من غريه على تعيني احلضور اجلوهري لإلنسان يف‬
‫العامل‪ ،‬مبا هو جوهر مفكر‪ ،‬واالقرار بإمكانية انتساب اجلسم جلوهر خمتلف عن الفكر‪.‬‬

‫أنــطولوجياّ‪ :‬كهف‪/‬ظالل‪/‬نسخة‪ /‬قرب‬ ‫نلمس يف هذا املوقف امليتافيزيقي جذورا تيولوجية وفلسفيّة حتافظ على‬
‫" والنفس حتتقر اجلسم متام االحتقار"‬ ‫منطق إقصاء الغرييّة بعامة واجلسد خباصة‪ ،‬إذ تُُنزّلُُ املقاربة األفالطونيّة‬
‫ابستيمولوجياّ‪ :‬عائق‪/‬وهـم‪/‬منتج للوهم‬ ‫اجلسد مثال منزلة دونيّة‪ ،‬فتقصيه على مجيع املستويات‪.‬‬
‫أكـسيولوجيّا ‪:‬موطن الرذيلة‪ /‬أخالقه نفعية‬

‫يبدو أننا مع ديكارت نقف على أرضية حتركها إيديولوجيا اإلقصاء واالستبعاد‪ ،‬حبيث يكون كوجيتو احلداثة يف ضمنياته‪ ،‬أي يف اإليديلوجيا اليت حترّك الشك والفكر‪ :‬أنا‬
‫لست املغاير إذا أنا موجود‪ ،‬ولكن إثبات الوجود الذي ال يكون ممكنا إالّ باستدعاء املغاير ونفيه‪ ،‬يكشف من جهة حاجة اإلثبات للنفي واالقصاء وبالتالي للغرييّة‪ ،‬ويكشف‬
‫ضمنيّا أسبقيّة وجود الغرييّة‪ .‬األمر الذّي يدعونا ملراجعة فهمنا للغرييّة‪ ،‬ومراجعة مقامها ومنزلتها ووجه حاجة اإلنيّة إليها‪.‬‬

‫‪philofoubouguerra@yahoo.fr‬‬ ‫‪1‬‬ ‫الصّحبــي بـ ـ ــوقرّة‬


‫إعداد‪ :‬الصّحيب بوقرّة‬ ‫اجلمهوريّة التونسيّة‬
‫أستاذ مريّز يف الفلسفة‬ ‫وزارة التربية‬

‫[اإلنية والغرييّة]‬
‫إنيّة الغرييّة‬
‫موقع الغري يف عامل اإلنيّة‬
‫• ما وجه احلاجة للغرييّة سواء كان اآلخر فيها موضوعا أو ذاتا قباليت؟‬ ‫موقع الغري يف عامل الغرييّة‬
‫• ما وجه احلاجة ألنا اآلخر إذا كان الغري بدوره قد حيوّلين موضوعا؟‬
‫• وهل يف موضعته لي غنما يربرّ احلاجة إليه؟‬ ‫• هل ال تفيد الغرييّة إالّ معنى املوضوعات املوسومة بالسلبية؟‬
‫• أليس الغري هو ما به أدرك إنيّيت وأثبتها؟‬ ‫• هل ال تفيد الغرييّة إ ّال معنى اآلخر الدوني أو اآلخر الغريب؟‬
‫• لكن هل ميكن لآلخر الذّي ليس أنا أن يعرفين أكثر منّي؟ أال حتيل املوضعة على اغرتاب‬ ‫• أليس من املمكن أن يكون لآلخر يف غرييّته إنيّة؟‬
‫اإلنيّة وغربتها أو على حتوّل اإلنيّة شيئا من أشياء العامل؟ فهل عالقة األنا بالغري هي عالقة‬ ‫• امتالك اآلخر إنيّة هل يبقيه آخر أم هو الغري؟ وإذا مل يكن الغري‬
‫بني أشياء أم بني ذوات؟‬ ‫أنا فهل يعين ذلك ضرورة أنه اآلخر؟‬
‫• أال تتحوّل الغرييّة مبا هي شرط املوضعة تهديدا حيرج اإلنيّة وينفيها؟ أال يشرّع اللقاء‬ ‫• أال يكشف حضور الغري يف عامل الغرييّة عن حضور آخر لآلخر؟‬
‫بالغرييّة الصراع ويربرّه؟‬

‫• هل انتزاع االعرتاف أمر هيّن إذا كان األنا والغري يرغبان فيه معا؟ أليس الصراع هو شرط اقتالع االعرتاف من اآلخر؟‬
‫• وهل الصراع هو األفق الوحيد للعالقة بني الذوات؟ وهل ميكن النظر للعالقة البينذاتية اليت أساسها الصراع باعتبارها بينذاتية؟‬
‫• هل أن اللقاء باآلخر هو مناسبة ضرورية للصراع؟ أم أن االعرتاف بغريية اآلخر تقتضي عالقة مواجهة (وجها لوجه) قوامها احلب أو الصداقة أو التعاطف‪...‬؟‬

‫يأخذ "الغري ‪ " Autrui‬يف اللغة العربيّة معاني االختالف و التعددّ والنفي و التغيّر‪ ،‬و ترجع لفظة الغري إىل كلمة غري اليتّ تستعمل عادة لالستثناء مبعنى "ال" و مبعنى" سوى"‪ ،‬و يأخذ " الغري " يف الداللة‬
‫املعجميّة الفرسية معنى اآلخر من الناس بوجه عام‪ ،‬أما " اآلخر ‪ " L'autre‬فيفيد االختالف و التميّز‪ ،‬و هذا يعين أن مفهوم الغري هو تضييق ملعنى اآلخر‪ ،‬وبالتالي فكلّ غري هو آخر ولكن ليس كلّ آخر‬
‫غريا‪ ،‬فالغري أخص واآلخر أعمّ‪.‬‬
‫أن العزلة ال متكنين من معرفة ذاتي فحسب بل قد تدفعين إىل الكذب واملغالطة ‪ ،‬هنا جيب أن نالحظ الطابع املفارقي للمغالطة اليت من املفرتض تكون إليهام الغري وتظليله وهي هنا إليهام الذات‬
‫وتظليلها‪ ،‬و لذلك حنن ال نلمس فرقا بني هذا الشكل من املغالطات ومفهوم "سوء النيّة" لدى سارتر ‪ ،‬بل إىل رفض ما أكون‪ ،‬حبيث من يقول أنا ال يكون بالضرورة أنا‪ ،‬وإذا كانت العزلة تظهر مبثابة‬
‫العائق احلقيقي أمام معرفيت لذاتي فإنّ املرور عرب الغري أصبح ض روريا‪ ،‬و هذا راجع ملعرفيت واعرتايف بعجزي عن إدراك حقيقة ذاتي دون وساطة الغري‪ ،‬ودون أن يتمّ االعرتاف بي ‪ ،‬تشرتط معرفيت لذاتي إذا‬
‫االعرتاف بالغري‪ ،‬وهذا العود املعريفّ ‪ re - connaissance‬يعين ان ما أكونه بالنسبة لذاتي هو رهني ما أكونه بالنسبة للغري‪،‬مبعنى أنه ال ميكن أن أكون موضوعا لذاتي حتى أمتكن من معرفتها إال إذا‬
‫كنت موضوعا يف نظر الغري‪ ،‬أي معرتف بي كموضوع‪ ،‬أليس النمط املزدوج للوجود هذا ‪ ،‬أوجد لذاتي وأوجد للغري هو اخلاصية األساسية للحقيقة اإلنسانيّة؟‬
‫جتربة اخلجل (سارتر)‪ +‬جدليّة السيد والعبد {هيقل}‬
‫يعترب روسو أن لإلنسان القدرة على التعرّف املباشر على الغري باعتباره أنا آخر ‪ ،alter ego‬فيتأثر مبا يصيبه‪ ،‬ألن عاطفة الشفقة هي أقدم عاطفة تعلن التواصل املباشر بني األنا والغري‪.‬‬
‫يعرّف شوبنهاور الشفقة ‪la compassion‬أو الرأفة ‪la pitié‬إيتيمولوجياعلى أنها ابتالء مباشر او مشاركة يف االبتالء مبا يصيب الغري ‪souffrir avec‬‬
‫ويقرّ مرلوبونيت بأن عالقة اإلنية بالغرييّة فيما يسميه اإلنبثاق املشرتك ‪ co-naissance‬قد تتحولّ على حلظة والدة جديدة داخل العالقة ذاتها‪ ،‬وان " نتكلّم هو أن نولد مرّة ثانية" على حدّ عبارة موران‪.‬‬

‫ُُيدرك التجاذب العاطفي مع من نشعر جتاهه باأللفة ‪ affinités‬أو امليل‪ ،‬والصداقة ‪ l’amitié‬هنالك يف الصداقة شيء من احلب‪ ،‬ولكن احلب ليس الصداقة‪ ،‬اإلنسان حسب فويرباخ ليس جمرّد كائن ح ّ‬
‫ي‬
‫وإمنا هو ذات تبحث يف الغري عن حقيقتها وحتققّ بفضل الغري ماهيته فالوعي باالنتماء للنوع اإلنساني يرتبط بشكل كلّي بقدرتي على التعرّف على ذاتي يف غريي‪ .‬واحلبّ بالنسبة لفويرباخ هو‬
‫التمظهر األرقى بالنسبة ملاهية اإلنسان‪ ،‬احلبّ إذا هو شرط اإلنتقال من اإلنيّة إىل الغرييّة‪ ،‬ومن الغرييّة ‪Altérité‬إىل اإليثار ‪.Altruisme‬‬
‫إيتيقا العالقة املشدودة إىل مسؤوليّة الذات ال إىل حريّتها تنتقل بنا من مركزيّة الذات إىل مركزيّة الغري‪ ،‬ومن األنانة واألنانيّة إىل اإليثار والغرييّة ‪ .ALTRUISME‬لعلّ هذا ما قصده ليفيناس يف معرض‬
‫حديثه عن "إيتيقا الغرييّة" يف مؤلّفه " الكلّية والالّتناهي "‪ ،‬إذ بيّن يف هذا الكتاب كيف أنّ حضور الغري وجها ليس مدعاة ضرورة ال للموضعة وال للصّراع وال للعنف كما ذهبت إىل ذلك وجوديّة سارتر‪،‬‬
‫بقدر ما هي عالقة قبول ومسؤوليّة‪ ،‬ويف هذا القبول باآلخر دون احتوائه يف نظرة متوضع تكمن إنسانية اإلنسان‪ .‬فاملسألة عند ليفيناس ال ترتبط أساسا بهذه النظرة أو تلك و إمنا ترتبط باألساس‬
‫الذي بفضله نقرأ أو حنل لغزية الغري‪،‬أالوهو الوجه الغفل أو املكشوف املاثل قباليت‪،‬و يف العالقة اإليتيقية اليت حتيل على املواجهة المبعنى الصراع اهليقلي وإمنا مبعنى الوجه لوجه‪ ،‬يدفعين الغري حنو‬
‫احلبّ أو عل ى األقلّ مينع من التعامل الالمبالي مع نظرته‪،‬ولذلك أنا مسؤول على وجه الغري‪ ،‬أو على ما يكشفه وجه الغري أو حييل عليه‪،‬أي مسؤول على التجاعيد اليت تفسد اجلمال األصيل واملقدس‬
‫للوجه؛انطالقا من هذا التصورّ املشحون بالوحي الديين‪ ،‬نعرّف الغري باعتباره القريب منّي‪ ،‬هذا الغري و ليس شخصا جمرّدا –كما يعترب ذلك كانط و كونت‪ -‬ال وجه له‪ ،‬و إذا كان الغري وجها خارج السياق‬
‫ودون أية استعارة أو صورة‪ ،‬فإنه من املمكن أن نعترب إيتيقيّا هذا الوجه كالما و عبارة‪ ،‬أو هو لغة تستدعي احلوار‪ ،‬أو على األقلّ اإلنصات لصوت املغاير أو الغري أو صوت الوجه الصامت لآلخر‪.‬‬

‫جيل دولوز‪:‬‬ ‫• ولكن هل قدر اإلنساني أن يبارح قلعة األنانة ليحلّ يف قلعة الغري؟‬ ‫اإلنيّة وفخّ الغرييّة‬
‫إن خطأ النظريات الفلسفية يكمن يف اختزاهلا‬ ‫• هل ال مناص من االنتصار إىل تعالي الذات أو تعالي الغري؟‬
‫لآلخر إماّ يف موضوع أو شيء جزئي‪ ،‬وإما يف‬
‫• وهل قدر هذه العالقة أن تكون إما استبعادا أو استعبادا أو تكفريا عن ذنب؟‬
‫اعتباره ذاتا أخرى‪ .‬غري أن هذا اآلخر ال هو‬
‫• وهل ال تفهم الغرييّة إالّ باعتبارها موضوعا منيته يف شيئيته أو ذاتا تضنينا مواجهتها؟‬
‫مبوضوع يوجد داخل جمال إدراكي وال هو بذات‬
‫تدركين‪ ،‬إنه يف األساس بنية اجملال اإلدراكي‪.‬‬ ‫• اليس من املمكن أن نفكرّ يف الغرييّة بشكل مغاير يتجاوز فخّ األنانة وفخّ الغرييّة أو اإليثار؟‬
‫منطق املعنى"[ص‪408‬‬

‫‪philofoubouguerra@yahoo.fr‬‬ ‫‪2‬‬ ‫الصّحبــي بـ ـ ــوقرّة‬


‫إعداد‪ :‬الصّحيب بوقرّة‬ ‫اجلمهوريّة التونسيّة‬
‫أستاذ مريّز يف الفلسفة‬ ‫وزارة التربية‬

‫[اإلنية والغرييّة]‬

‫الالّوعي عمق اإلنيّة‬ ‫‪+‬‬ ‫اجلسد هذا األنا اآلخر‬ ‫غرييّة اإلنيّة‬
‫إذا كان الغريية شرط إمكان حتقق اإلنية‪ ،‬فهل ال تفهم الغريية إال على معنى خارجي؟‬ ‫•‬
‫أال ينبغي أن نتجاوز السطح إىل العمق لترتاءى لنا غريية اآلخر سرا سطحيا جدا‪ ،‬يف مقابل غريية األنا اليت تتوارى عن األنظار أو اليت ال ميكن‬ ‫•‬
‫إدراكها إال حبفريات ترتدّ بنا إىل اخلفي واملكبوت واملسكوت عنه؟‬
‫فهل اجلسد كيان مغاير للذات أم هو ما به يكون للذات كيان؟ هل لي جسد أم أنا جسدي؟‬ ‫•‬
‫أال نعثر داخل احلضور اإلنساني ذاته‪ ،‬حلظات تكشف تنوّع هذا احلضور؟‬ ‫•‬
‫أال يعبّر الالوعي عن عمق احلقيقة اإلنسانيّة؟ فأيّ حقيقة لإلنيّة تشككّ فيها فرضيّة الالوعي؟‬ ‫•‬
‫أال يدفعنا منطق التظننّ هذا إىل مراجعة فهمنا حلقيقة اإلنسان أوإنيّته؟‬ ‫•‬
‫أال تفيد هذه الفرضيةّ أن للحقيقة مكان آخر؟ أو أن احلقيقة هي باألساس ما يتحققّ؟‬ ‫•‬
‫إذا سلمنا أن احلقيقة هي ما ينبغي حتقيقه‪ ،‬أال تتحول اإلنية عندها من ماهية ثابتة مكتفية بذاتها إىل مشروع ينجز أو مهمّة تتحققّ؟‬ ‫•‬

‫• أال تفيد اإلنية وفق منطق الكثرة والوحدة‪ ،‬الزمنية بدل الثبات؟ أال يكشف ال وعي بأن اإلنية مهمة أنّ طلب حتققها ال يكون يف العزلة أو بالتعالي وإمنا بالعيش مع‬ ‫اإلنيّة غرييّة واعدة‬
‫الغري وبالغري ومن أجله سواء كان الغري خارجيا أو كامنا ليكون حبث اإلنسان عن شروط حتقيق إنيته هو حبث عن شروط حتقيقها بشكل كلّي ال تكريسا للمماثلة‬
‫وإمنا تشريعا لالختالف وتأسيسا للوحدة املتكثرة؟‬
‫• أال تكون بذلك اإلنيّة جدارة واستحقاقا ال معنى هلا خارج التاريخ تأثرا وتأثريا؟‬
‫• فأ ّي جدليّة تتيح لإلنسان االضطالع بإنسانيّة تكون فيها اإلنيّة غرييّة والغرييّة إنيّة وتكون فيها الكثرة وحدة والوحدة كثرة؟‬

‫امتالك اإلنسان وعيا جيعله حيتل مكانة خاصة يف الطبيعة‪ ،‬إذ بفضل الوعي يتخذ الكائن البشري مسافة من الطبيعة‪ ،‬وبفضل هذه املسافة تدرك الذات ذاتها‬
‫وتدرك إنيتها وحقيقة وجودها‪.‬‬
‫ولكن الوجود الواعي [‪ ]existence consciente‬أو الوعي بالوجود ال خيتزل يف هذا الدور الذي ينغلق فيه اإلنسان يف عامل الذاتية‪ ،‬إذ جيب على الوعي حتى يتأكد ويتحقق يف‬
‫كليته أن ينفتح على ما يكون خارج الذات‪ ،‬فاإلنية ال تتحقق يف عامل الضمنذاتي وإمنا تتحقق يف عامل الغريية‪ ،‬والغرييّة كما نلتقي فيها الغري – وهذا ما عاجلناه‬
‫يف معرض حديثنا عن العالقات البينذاتية‪ -‬نلقى فيها العامل والطبيعة‪...‬واالكتفاء مبعرفة الذات ال ميكنين من التعرف عليها‪.‬‬
‫تكون لإلنسان ‪ -‬حسب هيقل‪ -‬أكثر من طريقة للوجود‪ ،‬إذ بفضل الوعي بالذات حيدث هذا االنسحاب من الطبيعة‪ ،‬حبيث يكون اإلنسان وجودا مضافا للطبيعة‪.‬‬
‫هيقل " إنّ أشياء الطبيعة ال‬
‫فما هي مسات الوعي احلقيقي؟ وهل خيتزل الوعي يف معرفة اإلنية أو يف معرفة وجود الذات؟‬ ‫توجد إالّ على حنو مباشر‬
‫يظهر الوعي بالذات يف صورة قابلة للتطوّر والتغريّ‪ ،‬وهنا تكمن تارخيية الوعي‪ ،‬حيث يوهب اإلنسان وعيا وحيث يكتسب اإلنسان وعيا‪ ،‬فما يبدو مفارقة [اهلبة‬ ‫وبطريقة واحدة‪ ،‬يف حني‬
‫‪/‬االكتساب] يبدو بالنسبة هليقل أساسيا وشرط إكتمال اإلنيّة‪ ،‬فشرف اإلنسان وفضله ال يكمن يف جمرد كونه ميتلك وعيا وإمنا يف كونه يكتسب ما ميتلك‬ ‫يكون لإلنسان‪ ،‬ألنّه روح‪،‬‬
‫واكتساب الوعي يتحقق بالنسبة هليقل بطريقتني‪[ :‬نظريا ‪ +‬وعمليا]‬ ‫وجود مزدوج؛ فهو يوجد من‬
‫تظهر الطبيعة والعامل من حولنا ‪-‬بفضل الوعي – أشياء خارجية أي غريية‪ ،‬وظهور الغريية هو الذي حيدث يف اإلنية الرغبة يف التعرّف على ذاتها فيما يكون مغايرا‪...‬‬ ‫جهة وجود أشياء الطبيعة‪،‬‬
‫وكذا تتحولّ الغريية املرآة الضرورية لإلنية‪ ،‬حيث يكون فيها صورة اإلنية وبصماتها‪...‬والتاريخ هو استتباع لتمظهرات اإلنيّة وحتققها‪ ،‬إذ ال تصنع األنانة تارخيا‬ ‫لكنه من جهة أخرى يوجد‬
‫أيضا لذاته"‪.‬‬

‫يدافع سارتر على موقف فلسفي مفاده أن اإلنسان مشروع ذاته وأنه حريّة مفتوحة على إمكانيات ال نهائية وأن إنيّته تتحدد باملشروع الذي خيتاره لنفسه‪ ،‬فهو دائم التجاوز‬
‫لوضعيته األصلية بواسطة ممارساته‪ ...‬إن الشخص هو دائما كائن يف املستقبل‪.‬‬
‫وحنن نقول إن اإلنسان حرّ وهذا على وجه التدقيق ألنّه ليس موجودا‪ ،‬وألنّ ما هو موجود ال يكون حرّا‪ ،‬وسارتر ال يفهم عدم الوجود هذا باعتباره ال شيء وإمنا باعتباره إنيّة ال تزال‬
‫يف طور الغرييّة‪ ،‬والعدم الذي يوجد يف قلب اإلنيّة هو الذّي جيعله حرّا‪ ،‬إذ اإلنيّة ال توجد مع اإلنسان وإمنّا هي ما يصنعه اإلنسان‪ ،‬فما يوجد هو العدم أما اإلنيّة فهي اإلمكان‪ ،‬وألنها‬
‫ما ميكن فهي ليست كائنة بل ما يكون ؛ وعلى اإلنسان أن خيتار اإلنيّة اليت يرتضيها لوجوده‪ ،‬وهو اختيار يتسّم بطابع اجلزافيّة املطلقة‪.‬‬
‫وهو مشروع ألنه وجود يعد بأن يكفّ عن أن يكون عدما‪ ،‬وألنه ال يزال وعدا فهو إمكان وجود‪ .‬واإلنسان مرغم على تقبّل هذا الوجود وعلى حتمّل مسؤوليّة توفري إنيّة له؛ يلزم عن‬
‫هذا القول‪ -‬وهذا هو مثن احلريّة‪ -‬أنّ اإلنسان حيمل على كتفيه عبء ذاته والعامل كلّه‪.‬‬
‫اإلنساني إذا ما سيكون أو ما ينبغي أن يكون‪ ،‬حبيث يكون اإلنساني وجودا ينقصنا‪.‬‬

‫اإلستخالص‪ :‬يف اخلتام نقول‪:‬‬


‫يف البدء كانت الغرييّة‪ ،‬وليست اإلنيّة إ ّال مشروع حتقّق‪ ،‬أو حلظة جتاوز وتشكّل وبناء …‬
‫وال يولد اإلنسان إنسانا‪ ،‬وإمنا يصري كذلك‪ ،‬وهذا يعين أن اإلنسان حريّة وأن للحريّة مثن‪...‬‬
‫ومثن احلريّة هو بناء إنيّة يكون اإلنسان جديرا بها…‬
‫ل مهمّة بناء ماهيته‪...‬‬
‫وعلى اإلنسان أن خيتار بني اإلنيّة والغرييّة الصورة اليت يرتضيها لذاته‪ ،‬أي أن يتحم ّ‬
‫واإلنيّة مهمّة ألن اإلنسانيّ مهمّة اإلنسان‪ ،‬حيث تكون حقيقته ما حيققّه أو ما يكون جديرا به‪.‬‬

‫‪philofoubouguerra@yahoo.fr‬‬ ‫‪3‬‬ ‫الصّحبــي بـ ـ ــوقرّة‬

You might also like