Professional Documents
Culture Documents
[اإلنية والغرييّة]
اإلنيّة و الغـــرييّة
جذاذة مراجعة
نبتش
قرامشي ":إن السّؤال عن اإلنسان :من هو؟ هو السّؤال األوّل ،واألساسيّ يف الفلسفة.
[ ]...وإذا أمعنّا النظر رأينا أننا عندما نسأل :من اإلنسان؟ فنحن إنّما نريد أن
نقول :ماذا ميكن أن يصري اإلنسان؟ أي هل يستطيع اإلنسان أن يسيطر على
مصريه اخلاص؟ هل يستطيع أن " يصنع " وأن خيلق حياته؟ لنقل إذن إنّ اإلنسان
حركة أفعاله بالضبط. إعداد :الصّحيب بوقرة
دواعينبتش
إحراجات املسألة: اإلهتمام
▪ ما الذي جيعل السؤال عن اإلنسان حيوز كلّ هذه املكانة يف الفلسفة؟ وهل من ▪ حاجة كلّ واحد منّا ملعرفة حقيقته مبا هو إنسان...
مربرّ ملعاودة طرحه اليوم؟ أم أننا بإعادة طرحه نكون على شاكلة من يريد خلع ▪ التوتر الذي يثريه سؤال ما اإلنسان ،فحقيقة اإلنسان ليست معطى بديهي وحمسوم...
أبواب مفتوحة؟ ▪ ظهر مطلب تعريف اإلنسان يف الفلسفة إشكاليّا ،نظرا لطبيعته املتوترة وامللغزة...
▪ هل يف السؤال عن اإلنيّة سؤال عن اإلنسان أم عن اإلنساني؟ وهل من مشروعية ▪ كثرة التعريفات اخلاصة باإلنسان تدفعنا ملراجعة ما نعرف عنه أو ما نعتقد ...
للتميز بني السؤالني؟ ▪ اإلحراج الذي يتولدّ عن القول بوجود طبيعة ثابتة لإلنسان...
▪ مباذا نفسرّ هذا االنتقال من سؤال ما اإلنسان؟ إىل سؤال ما اإلنساني؟ هل ▪ إقرتن النظر يف اإلنسان بالنظرفيما ليس هو ،وكأنّ الغرييّة شرط النظر والوعي...
بانكشاف عدم وجاهة السؤال أم بتعذّر اإلجابة؟ ▪ يبدو أنّ على الفلسفة أن تضطلع مبهمّة بناء تصوّر جديد لإلنسان وأن تقطع مع ...
▪ إذا كان هلذه النقلة ما يربّرها اليوم فهل نطمئنّ لذات النداء الذي وجّه الفلسفة ▪ جيعل القول مباهية ثابتة لإلنسان ما حلق بالوعي من تبدالت مستغلقا على الفهم...
منذ سقراط حنو معرفة اإلنسان لذاته بذاته؟ ▪ يبدو ان تفكرينا يف اإلنسان قد إنبنى على جهل بالغرييّة ومستطاعها...
▪ وهل حيق لنا اختزال حقيقة اإلنسان أي إنيّته فيما يعرفه عن ذاته أويف وعيه؟ ▪ كثريا ما اعتربت الغريية هامشا يثقل كاهل اإلنيّة ولكنهّا ورغم هوانها عندها ...
أال حييل الوعي على إنيّة منغلقة على ذاتها؟ أال جيعل هذا اإلنغالق اإلنيّة أنانة؟ ▪ ختربنا التجارب اليوميّة عن احلضور املربك للغري الذيّ حيملين على اإلعرتاف به...
▪ أال يفرتض إثبات اإلنية بهذا املعنى استبعاد الغرييّة؟ ▪ عزّز احلفر يف أعماق الذات احلاجة إىل مراجعة حقيقة اإلنسان ،حاجة أيقظت فيه
▪ أال حييل هذا االستبعاد على تصوّر لإلنيّة ال يستويف حقيقة الغريية أو ال يرى فيها مطلب معرفة ذاته من جديد...
سوى موضوعا موسوما بالسلبية؟
تفيد اإلنيّة مع ديكارت احلقيقة اليت صمدت يف وجه الشك ،أو احلقيقة اليت تواطأت معه لتنزع عنها كلّ ما طاله الشكّ أو تطاول عليه، اإلنيّة وفخّ األنانة
والغرييّة هي احلقائق اليت فقدت اليقني فكفت عن ان تكون حقائق ثابته و نهائيّة ،حبيث ظهر العامل غرييّة فقدت أشياءه و موضوعاته
الوضوح واليقني ،واجل سم غرييّة ال ميكن ان يكون اكثر متيّزا من النفس و الوعي ،و الغري غرييّة ال تظهر إالّ باعتبارها وجودا حمتمال ،حبيث
تفيد الغرييّة ما كان دون اليقني أو كان يقينه دونيّا ...املقاربة امليتافيزيقية مع ديكارت مقاربة تقرّ بالثنائيّة وتعرتف ضمنيّا ،وبشكل
صريح مبنطق التفاضل والتميّز ...ويف هذا االعرتاف التفاضلي يظهر الوعي أكثر قدرة من غريه على تعيني احلضور اجلوهري لإلنسان يف
العامل ،مبا هو جوهر مفكر ،واالقرار بإمكانية انتساب اجلسم جلوهر خمتلف عن الفكر.
أنــطولوجياّ :كهف/ظالل/نسخة /قرب نلمس يف هذا املوقف امليتافيزيقي جذورا تيولوجية وفلسفيّة حتافظ على
" والنفس حتتقر اجلسم متام االحتقار" منطق إقصاء الغرييّة بعامة واجلسد خباصة ،إذ تُُنزّلُُ املقاربة األفالطونيّة
ابستيمولوجياّ :عائق/وهـم/منتج للوهم اجلسد مثال منزلة دونيّة ،فتقصيه على مجيع املستويات.
أكـسيولوجيّا :موطن الرذيلة /أخالقه نفعية
يبدو أننا مع ديكارت نقف على أرضية حتركها إيديولوجيا اإلقصاء واالستبعاد ،حبيث يكون كوجيتو احلداثة يف ضمنياته ،أي يف اإليديلوجيا اليت حترّك الشك والفكر :أنا
لست املغاير إذا أنا موجود ،ولكن إثبات الوجود الذي ال يكون ممكنا إالّ باستدعاء املغاير ونفيه ،يكشف من جهة حاجة اإلثبات للنفي واالقصاء وبالتالي للغرييّة ،ويكشف
ضمنيّا أسبقيّة وجود الغرييّة .األمر الذّي يدعونا ملراجعة فهمنا للغرييّة ،ومراجعة مقامها ومنزلتها ووجه حاجة اإلنيّة إليها.
[اإلنية والغرييّة]
إنيّة الغرييّة
موقع الغري يف عامل اإلنيّة
• ما وجه احلاجة للغرييّة سواء كان اآلخر فيها موضوعا أو ذاتا قباليت؟ موقع الغري يف عامل الغرييّة
• ما وجه احلاجة ألنا اآلخر إذا كان الغري بدوره قد حيوّلين موضوعا؟
• وهل يف موضعته لي غنما يربرّ احلاجة إليه؟ • هل ال تفيد الغرييّة إالّ معنى املوضوعات املوسومة بالسلبية؟
• أليس الغري هو ما به أدرك إنيّيت وأثبتها؟ • هل ال تفيد الغرييّة إ ّال معنى اآلخر الدوني أو اآلخر الغريب؟
• لكن هل ميكن لآلخر الذّي ليس أنا أن يعرفين أكثر منّي؟ أال حتيل املوضعة على اغرتاب • أليس من املمكن أن يكون لآلخر يف غرييّته إنيّة؟
اإلنيّة وغربتها أو على حتوّل اإلنيّة شيئا من أشياء العامل؟ فهل عالقة األنا بالغري هي عالقة • امتالك اآلخر إنيّة هل يبقيه آخر أم هو الغري؟ وإذا مل يكن الغري
بني أشياء أم بني ذوات؟ أنا فهل يعين ذلك ضرورة أنه اآلخر؟
• أال تتحوّل الغرييّة مبا هي شرط املوضعة تهديدا حيرج اإلنيّة وينفيها؟ أال يشرّع اللقاء • أال يكشف حضور الغري يف عامل الغرييّة عن حضور آخر لآلخر؟
بالغرييّة الصراع ويربرّه؟
• هل انتزاع االعرتاف أمر هيّن إذا كان األنا والغري يرغبان فيه معا؟ أليس الصراع هو شرط اقتالع االعرتاف من اآلخر؟
• وهل الصراع هو األفق الوحيد للعالقة بني الذوات؟ وهل ميكن النظر للعالقة البينذاتية اليت أساسها الصراع باعتبارها بينذاتية؟
• هل أن اللقاء باآلخر هو مناسبة ضرورية للصراع؟ أم أن االعرتاف بغريية اآلخر تقتضي عالقة مواجهة (وجها لوجه) قوامها احلب أو الصداقة أو التعاطف...؟
يأخذ "الغري " Autruiيف اللغة العربيّة معاني االختالف و التعددّ والنفي و التغيّر ،و ترجع لفظة الغري إىل كلمة غري اليتّ تستعمل عادة لالستثناء مبعنى "ال" و مبعنى" سوى" ،و يأخذ " الغري " يف الداللة
املعجميّة الفرسية معنى اآلخر من الناس بوجه عام ،أما " اآلخر " L'autreفيفيد االختالف و التميّز ،و هذا يعين أن مفهوم الغري هو تضييق ملعنى اآلخر ،وبالتالي فكلّ غري هو آخر ولكن ليس كلّ آخر
غريا ،فالغري أخص واآلخر أعمّ.
أن العزلة ال متكنين من معرفة ذاتي فحسب بل قد تدفعين إىل الكذب واملغالطة ،هنا جيب أن نالحظ الطابع املفارقي للمغالطة اليت من املفرتض تكون إليهام الغري وتظليله وهي هنا إليهام الذات
وتظليلها ،و لذلك حنن ال نلمس فرقا بني هذا الشكل من املغالطات ومفهوم "سوء النيّة" لدى سارتر ،بل إىل رفض ما أكون ،حبيث من يقول أنا ال يكون بالضرورة أنا ،وإذا كانت العزلة تظهر مبثابة
العائق احلقيقي أمام معرفيت لذاتي فإنّ املرور عرب الغري أصبح ض روريا ،و هذا راجع ملعرفيت واعرتايف بعجزي عن إدراك حقيقة ذاتي دون وساطة الغري ،ودون أن يتمّ االعرتاف بي ،تشرتط معرفيت لذاتي إذا
االعرتاف بالغري ،وهذا العود املعريفّ re - connaissanceيعين ان ما أكونه بالنسبة لذاتي هو رهني ما أكونه بالنسبة للغري،مبعنى أنه ال ميكن أن أكون موضوعا لذاتي حتى أمتكن من معرفتها إال إذا
كنت موضوعا يف نظر الغري ،أي معرتف بي كموضوع ،أليس النمط املزدوج للوجود هذا ،أوجد لذاتي وأوجد للغري هو اخلاصية األساسية للحقيقة اإلنسانيّة؟
جتربة اخلجل (سارتر) +جدليّة السيد والعبد {هيقل}
يعترب روسو أن لإلنسان القدرة على التعرّف املباشر على الغري باعتباره أنا آخر ،alter egoفيتأثر مبا يصيبه ،ألن عاطفة الشفقة هي أقدم عاطفة تعلن التواصل املباشر بني األنا والغري.
يعرّف شوبنهاور الشفقة la compassionأو الرأفة la pitiéإيتيمولوجياعلى أنها ابتالء مباشر او مشاركة يف االبتالء مبا يصيب الغري souffrir avec
ويقرّ مرلوبونيت بأن عالقة اإلنية بالغرييّة فيما يسميه اإلنبثاق املشرتك co-naissanceقد تتحولّ على حلظة والدة جديدة داخل العالقة ذاتها ،وان " نتكلّم هو أن نولد مرّة ثانية" على حدّ عبارة موران.
ُُيدرك التجاذب العاطفي مع من نشعر جتاهه باأللفة affinitésأو امليل ،والصداقة l’amitiéهنالك يف الصداقة شيء من احلب ،ولكن احلب ليس الصداقة ،اإلنسان حسب فويرباخ ليس جمرّد كائن ح ّ
ي
وإمنا هو ذات تبحث يف الغري عن حقيقتها وحتققّ بفضل الغري ماهيته فالوعي باالنتماء للنوع اإلنساني يرتبط بشكل كلّي بقدرتي على التعرّف على ذاتي يف غريي .واحلبّ بالنسبة لفويرباخ هو
التمظهر األرقى بالنسبة ملاهية اإلنسان ،احلبّ إذا هو شرط اإلنتقال من اإلنيّة إىل الغرييّة ،ومن الغرييّة Altéritéإىل اإليثار .Altruisme
إيتيقا العالقة املشدودة إىل مسؤوليّة الذات ال إىل حريّتها تنتقل بنا من مركزيّة الذات إىل مركزيّة الغري ،ومن األنانة واألنانيّة إىل اإليثار والغرييّة .ALTRUISMEلعلّ هذا ما قصده ليفيناس يف معرض
حديثه عن "إيتيقا الغرييّة" يف مؤلّفه " الكلّية والالّتناهي " ،إذ بيّن يف هذا الكتاب كيف أنّ حضور الغري وجها ليس مدعاة ضرورة ال للموضعة وال للصّراع وال للعنف كما ذهبت إىل ذلك وجوديّة سارتر،
بقدر ما هي عالقة قبول ومسؤوليّة ،ويف هذا القبول باآلخر دون احتوائه يف نظرة متوضع تكمن إنسانية اإلنسان .فاملسألة عند ليفيناس ال ترتبط أساسا بهذه النظرة أو تلك و إمنا ترتبط باألساس
الذي بفضله نقرأ أو حنل لغزية الغري،أالوهو الوجه الغفل أو املكشوف املاثل قباليت،و يف العالقة اإليتيقية اليت حتيل على املواجهة المبعنى الصراع اهليقلي وإمنا مبعنى الوجه لوجه ،يدفعين الغري حنو
احلبّ أو عل ى األقلّ مينع من التعامل الالمبالي مع نظرته،ولذلك أنا مسؤول على وجه الغري ،أو على ما يكشفه وجه الغري أو حييل عليه،أي مسؤول على التجاعيد اليت تفسد اجلمال األصيل واملقدس
للوجه؛انطالقا من هذا التصورّ املشحون بالوحي الديين ،نعرّف الغري باعتباره القريب منّي ،هذا الغري و ليس شخصا جمرّدا –كما يعترب ذلك كانط و كونت -ال وجه له ،و إذا كان الغري وجها خارج السياق
ودون أية استعارة أو صورة ،فإنه من املمكن أن نعترب إيتيقيّا هذا الوجه كالما و عبارة ،أو هو لغة تستدعي احلوار ،أو على األقلّ اإلنصات لصوت املغاير أو الغري أو صوت الوجه الصامت لآلخر.
جيل دولوز: • ولكن هل قدر اإلنساني أن يبارح قلعة األنانة ليحلّ يف قلعة الغري؟ اإلنيّة وفخّ الغرييّة
إن خطأ النظريات الفلسفية يكمن يف اختزاهلا • هل ال مناص من االنتصار إىل تعالي الذات أو تعالي الغري؟
لآلخر إماّ يف موضوع أو شيء جزئي ،وإما يف
• وهل قدر هذه العالقة أن تكون إما استبعادا أو استعبادا أو تكفريا عن ذنب؟
اعتباره ذاتا أخرى .غري أن هذا اآلخر ال هو
• وهل ال تفهم الغرييّة إالّ باعتبارها موضوعا منيته يف شيئيته أو ذاتا تضنينا مواجهتها؟
مبوضوع يوجد داخل جمال إدراكي وال هو بذات
تدركين ،إنه يف األساس بنية اجملال اإلدراكي. • اليس من املمكن أن نفكرّ يف الغرييّة بشكل مغاير يتجاوز فخّ األنانة وفخّ الغرييّة أو اإليثار؟
منطق املعنى"[ص408
[اإلنية والغرييّة]
الالّوعي عمق اإلنيّة + اجلسد هذا األنا اآلخر غرييّة اإلنيّة
إذا كان الغريية شرط إمكان حتقق اإلنية ،فهل ال تفهم الغريية إال على معنى خارجي؟ •
أال ينبغي أن نتجاوز السطح إىل العمق لترتاءى لنا غريية اآلخر سرا سطحيا جدا ،يف مقابل غريية األنا اليت تتوارى عن األنظار أو اليت ال ميكن •
إدراكها إال حبفريات ترتدّ بنا إىل اخلفي واملكبوت واملسكوت عنه؟
فهل اجلسد كيان مغاير للذات أم هو ما به يكون للذات كيان؟ هل لي جسد أم أنا جسدي؟ •
أال نعثر داخل احلضور اإلنساني ذاته ،حلظات تكشف تنوّع هذا احلضور؟ •
أال يعبّر الالوعي عن عمق احلقيقة اإلنسانيّة؟ فأيّ حقيقة لإلنيّة تشككّ فيها فرضيّة الالوعي؟ •
أال يدفعنا منطق التظننّ هذا إىل مراجعة فهمنا حلقيقة اإلنسان أوإنيّته؟ •
أال تفيد هذه الفرضيةّ أن للحقيقة مكان آخر؟ أو أن احلقيقة هي باألساس ما يتحققّ؟ •
إذا سلمنا أن احلقيقة هي ما ينبغي حتقيقه ،أال تتحول اإلنية عندها من ماهية ثابتة مكتفية بذاتها إىل مشروع ينجز أو مهمّة تتحققّ؟ •
• أال تفيد اإلنية وفق منطق الكثرة والوحدة ،الزمنية بدل الثبات؟ أال يكشف ال وعي بأن اإلنية مهمة أنّ طلب حتققها ال يكون يف العزلة أو بالتعالي وإمنا بالعيش مع اإلنيّة غرييّة واعدة
الغري وبالغري ومن أجله سواء كان الغري خارجيا أو كامنا ليكون حبث اإلنسان عن شروط حتقيق إنيته هو حبث عن شروط حتقيقها بشكل كلّي ال تكريسا للمماثلة
وإمنا تشريعا لالختالف وتأسيسا للوحدة املتكثرة؟
• أال تكون بذلك اإلنيّة جدارة واستحقاقا ال معنى هلا خارج التاريخ تأثرا وتأثريا؟
• فأ ّي جدليّة تتيح لإلنسان االضطالع بإنسانيّة تكون فيها اإلنيّة غرييّة والغرييّة إنيّة وتكون فيها الكثرة وحدة والوحدة كثرة؟
امتالك اإلنسان وعيا جيعله حيتل مكانة خاصة يف الطبيعة ،إذ بفضل الوعي يتخذ الكائن البشري مسافة من الطبيعة ،وبفضل هذه املسافة تدرك الذات ذاتها
وتدرك إنيتها وحقيقة وجودها.
ولكن الوجود الواعي [ ]existence conscienteأو الوعي بالوجود ال خيتزل يف هذا الدور الذي ينغلق فيه اإلنسان يف عامل الذاتية ،إذ جيب على الوعي حتى يتأكد ويتحقق يف
كليته أن ينفتح على ما يكون خارج الذات ،فاإلنية ال تتحقق يف عامل الضمنذاتي وإمنا تتحقق يف عامل الغريية ،والغرييّة كما نلتقي فيها الغري – وهذا ما عاجلناه
يف معرض حديثنا عن العالقات البينذاتية -نلقى فيها العامل والطبيعة...واالكتفاء مبعرفة الذات ال ميكنين من التعرف عليها.
تكون لإلنسان -حسب هيقل -أكثر من طريقة للوجود ،إذ بفضل الوعي بالذات حيدث هذا االنسحاب من الطبيعة ،حبيث يكون اإلنسان وجودا مضافا للطبيعة.
هيقل " إنّ أشياء الطبيعة ال
فما هي مسات الوعي احلقيقي؟ وهل خيتزل الوعي يف معرفة اإلنية أو يف معرفة وجود الذات؟ توجد إالّ على حنو مباشر
يظهر الوعي بالذات يف صورة قابلة للتطوّر والتغريّ ،وهنا تكمن تارخيية الوعي ،حيث يوهب اإلنسان وعيا وحيث يكتسب اإلنسان وعيا ،فما يبدو مفارقة [اهلبة وبطريقة واحدة ،يف حني
/االكتساب] يبدو بالنسبة هليقل أساسيا وشرط إكتمال اإلنيّة ،فشرف اإلنسان وفضله ال يكمن يف جمرد كونه ميتلك وعيا وإمنا يف كونه يكتسب ما ميتلك يكون لإلنسان ،ألنّه روح،
واكتساب الوعي يتحقق بالنسبة هليقل بطريقتني[ :نظريا +وعمليا] وجود مزدوج؛ فهو يوجد من
تظهر الطبيعة والعامل من حولنا -بفضل الوعي – أشياء خارجية أي غريية ،وظهور الغريية هو الذي حيدث يف اإلنية الرغبة يف التعرّف على ذاتها فيما يكون مغايرا... جهة وجود أشياء الطبيعة،
وكذا تتحولّ الغريية املرآة الضرورية لإلنية ،حيث يكون فيها صورة اإلنية وبصماتها...والتاريخ هو استتباع لتمظهرات اإلنيّة وحتققها ،إذ ال تصنع األنانة تارخيا لكنه من جهة أخرى يوجد
أيضا لذاته".
يدافع سارتر على موقف فلسفي مفاده أن اإلنسان مشروع ذاته وأنه حريّة مفتوحة على إمكانيات ال نهائية وأن إنيّته تتحدد باملشروع الذي خيتاره لنفسه ،فهو دائم التجاوز
لوضعيته األصلية بواسطة ممارساته ...إن الشخص هو دائما كائن يف املستقبل.
وحنن نقول إن اإلنسان حرّ وهذا على وجه التدقيق ألنّه ليس موجودا ،وألنّ ما هو موجود ال يكون حرّا ،وسارتر ال يفهم عدم الوجود هذا باعتباره ال شيء وإمنا باعتباره إنيّة ال تزال
يف طور الغرييّة ،والعدم الذي يوجد يف قلب اإلنيّة هو الذّي جيعله حرّا ،إذ اإلنيّة ال توجد مع اإلنسان وإمنّا هي ما يصنعه اإلنسان ،فما يوجد هو العدم أما اإلنيّة فهي اإلمكان ،وألنها
ما ميكن فهي ليست كائنة بل ما يكون ؛ وعلى اإلنسان أن خيتار اإلنيّة اليت يرتضيها لوجوده ،وهو اختيار يتسّم بطابع اجلزافيّة املطلقة.
وهو مشروع ألنه وجود يعد بأن يكفّ عن أن يكون عدما ،وألنه ال يزال وعدا فهو إمكان وجود .واإلنسان مرغم على تقبّل هذا الوجود وعلى حتمّل مسؤوليّة توفري إنيّة له؛ يلزم عن
هذا القول -وهذا هو مثن احلريّة -أنّ اإلنسان حيمل على كتفيه عبء ذاته والعامل كلّه.
اإلنساني إذا ما سيكون أو ما ينبغي أن يكون ،حبيث يكون اإلنساني وجودا ينقصنا.