You are on page 1of 20

‫مسألة العمــل ‪ :‬العدالـــة والنجــــاعة‬

‫االستاذ ‪:‬و ّنـــاس فرج هللا‬

‫املعاني ‪ :‬العمل ‪ /‬االنتاج ‪ /‬السوق ‪ /‬المال ‪/‬النجاعة ‪ /‬المنفعة ‪/‬تقسيم العمل ‪ /‬االغتراب ‪ /‬االستغالل ‪ /‬العدالة ‪ /‬االنصاف ‪/‬‬
‫المساواة ‪ /‬التحرّ ر‬

‫االشكالية األساسية ‪ :‬اشكالية العمل بني النجاعة والعدالة ‪ ،‬أي يف عالقة بهذه القيمة ( النجاعة )املادية ‪،‬االقتصادية ‪،‬النفعية ‪ ،‬مادام‬
‫العمل فعل انتاج ومصدر للربح والثروة ورأس املال‪ ...‬ومن جهة أخرى يف عالقة بهذه القيمة (العدالة )االجتماعية ‪،‬االخالقية ‪ :‬مادام‬
‫العمل فعل انساني يرتبط باحلق واملساواة واالنصاف ‪...‬‬
‫فكيف نفهم العمل بني النجاعة والعدالة ؟ هل ميكن التفكري يف العمل يف نطاق االنتاج املادي اخلالص حيث تكون احلاجة للنجاعة‪ ،‬ام أنّ‬
‫هذا الفعل ال يكتسب معنى انسانيا االّ يف ضوء مراجعة عالقته مبطلب العدالة ؟‬
‫أال يكشف واقع العمل اليوم عن توتّر بني ما تقتضيه النجاعة مبا هي رهان عملي ‪ ،‬وما تفرتضه العدالة مبا هي رهان قيمي مبا يؤكد‬
‫حدود التقارب بينهما ؟ كيف يكون وضع العمل وحالة االنسان العامل يف إطار التناقض بني العدالة والنجاعة ؟‬
‫إذا اعتربنا النجاعة اقتضاء ومطلب مالزم للعمل ‪ ،‬فهل ان حتققها ال يكون االّ على حساب العدالة ؟ أال تفسد هذه النجاعة الغري عادلة‬
‫العمل وجتعله مصدرا لالغرتاب وضياع ما هو انساني يف االنسان ؟‬
‫وإذا افرتضنا أن العمل ال يكون انسانيا إالّ إذا كان عادال ‪،‬فكيف تتحقق هذه العدالة يف دنيا الواقع والعمل ؟ أي معنى للعدالة ميكن أن‬
‫يضفي طابعا انسانيا على العمل ؟ هل تقوم هذه العدالة على املساواة أم االنصاف ؟ وهل ميكن أن تتحوّل العدالة من مثل أعلى ننشده اىل‬
‫واقع حنياه دون ضمان النجاعة يف العمل ؟ما السبيل اىل ضمان التوافق بني النجاعة والعدالة يف العمل ؟ أال يبدو أن العدالة من غري‬
‫النجاعة ال تعين شيئا ‪ ،‬وأن النجاعة ال تعين شيئا من غري العدالة ‪ ،‬وان عدالة غري ناجعة هي جمرد شعار وموعظة ‪ ،‬وجناعة غري عادلة‬
‫هي استغالل واغرتاب ؟ فكيف تكون النجاعة عادلة ‪ ،‬والعدالة ناجعة ؟‬
‫مبررات طرح االشكالية ‪ :‬إن الذي يدعو اىل االستشكال الفلسفي لظاهرة العمل بني النجاعة والعدالة هو املفارقات اليت اصبحت‬ ‫ّ‬
‫تطرحها هذه العالقة يف دنيا الواقع والعمل ‪:‬‬

‫إنّ االنسان الذي خيلق عامله وحيوّل العامل الطبيعي اىل عامل انساني بفضل عمله ‪ ،‬يتعرّض اىل ان يضيع داخل عامله ‪ ،‬وبدأ‬ ‫‪‬‬
‫ينحدر العامل االنساني اىل درك عامل مغرتب ‪ ،‬اي عامل أصبح االنسان فيه غريبا عن نفسه ‪ ،‬بسبب هيمنة البعد االقتصادي على العمل يف‬
‫ظلّ هيمنة رأس املال يف اجملتمعات االستهالكيّة على األبعاد القيميّة للعمل ‪ ،‬واختزال العمل يف جمال حتقيق الثروة ‪ ،‬وحيث هيمن‬
‫منطق النجاعة واملردودية والربح على منطق العدالة واإلنصاف واحلرية ‪.‬‬
‫ان مفارقة العمل من زاوية النجاعة والعدالة متجذرة يف التوتر بني حق االنسان يف العمل مبا هو املمارسة اليت تضمن له كرامته وبني‬
‫ما يتسم به واقع العمل االنساني من مظاهر اغرتاب واستغالل واضطهاد‪ .‬بقدر ما تطورت وسائل االنتاج ووسائل الرفاه املادي ‪ ،‬اتسعت‬
‫الفجوة بني الفقراء واألغنياء ‪ ،‬وبني مالكي الثروة ومنتجيها احلقيقني ‪ ،‬وهذا ما يفرتض مراجعة العالقة بني انتاج الثروة وطرق توزيعها‬

‫يعترب احلق يف العمل أول احلقوق اليت يقرها «العهد الدولي اخلاص باحلقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية» فالعمل‬ ‫‪‬‬
‫باعتباره حقًا ينبغي لكل إنسان أن يتمتع به مثله مثل احلق يف التعليم واحلق يف الغذاء وغريها من احلقوق األساسية للبشر‪ ،‬وهو يتضمن‬
‫جوانب أخرى كاحلماية من اإلرهاق الناجم عن اجلهد اجلسدي والعقلي واإلجهاد‪ ،‬فاحلق يف العمل ال يليب فقط حاجة اإلنسان يف‬
‫‪.‬‬ ‫التمتع حبق من حقوقه‪ ،‬بل يوفر أيضًا ضمانات محاية اإلنسان‪ ،‬وهو يكد لكسب رزقه ولضمان الرفاهية والعدالة االجتماعية‬
‫تقر ال دول األطراف يف هذا العهد باحلق يف العمل‪ ،‬الذي يشمل حق كل فرد يف أن تتاح له إمكانية كسب رزقه بعمل خيتاره أو يقبله‬
‫حبرية‪ ،‬وتقوم باختاذ التدابري املناسبة لصون هذا احلق ‪.‬‬
‫ان احلديث عن العمل وحقوق االنسان العامل يف عامل تهيمن عليه نظم العالقات الرأمسالية يتيح استغالل العامل والقفز على أبسط حق‬
‫من حقوقه‪ ،‬هو حديث ال يكاد يستقيم فال يبقى منه أكثر من عبارات وشعارات ال تعين شيئا ملاليني البشر العاملني واملعطلني عن العمل ‪،‬‬
‫الذين اما ان حيرموا متاما من حقهم يف العمل واما ان يكون عملهم ـما اذا توفر هلم ـعمال هشا وغري الئق ‪ ،‬فيموتون هنا وهناك فقرا‬
‫ومرضا أو اغرتابا واستغالل ‪.‬‬

‫فيما وعدت العوملة بعص ٍر من االزدهار ‪ ،‬والرفاهية للجميع‪ ،‬جيري تقاسم الفوائد بطريقةٍ غري متكافئة‪ .‬واملفارقة أنه بينما غدا‬ ‫‪‬‬
‫العامل أكثر تواصالً من أي وقتٍ مضى‪ ،‬يبدو أن الفجوات االجتماعية واالقتصادية اليت يتعذر ردمها آخذةٌ باالتساع‪ .‬فماليني الناس من‬
‫العمال ومن املعطلني على العمل يرون بأنهم قد باتوا مهمشني ومستبعدين‪ .‬وهم يشعرون بغياب العدالة االجتماعية يف حياتهم‬
‫اليومية‪:‬حرمان من نصيب عادل من الثروة‪ ،‬استغالل وأجور زهيدة ‪ ،‬أعمال شاقة‪ ،‬غياب فرص عملٍ الئقة‪ ،‬بطالة مفروضة ‪،‬وشعورٌ عام‬
‫بأنه مت التخلي عنهم‪ .‬ويسود إحساسٌ بالغنب واجلور وعواقب ذلك على اجملتمعات واالقتصادات وخيمة ‪ .‬ويُعترب غياب العدالة‬
‫االجتماعية و نقصُ فرص العمل الالئق واخلوف من عدم حتقيق املطامح حبياةٍ أفضل قوةً طاغية تقود خماوف الناس وتغذي حالة عدم‬
‫اليقني‪ .‬ويتمثل التحدي املشرتك الذي يقف أمام االنسانية يف التوصل إىل سياساتٍ بديلة تضمن للناس احلياة الطيبة العادلة بعيداً عن‬
‫ي منها لطبقة من اجملتمع دون أخرى ‪.‬‬ ‫مشاعر اإلحساس بالظلم أو القهر نتيجة سلب احلقوق أو االستئثار بالثروات أو احتكار أ ّ‬
‫‪.‬‬
‫‪ /1‬في دلالة العمل وقيمته الانساني ّة ‪:‬‬

‫ما هو هذا النشاط الذي يسمى عمال ؟ متى نقول عن فعل ما أنّه عمل ؟ هل يكفي اجلهد وبذل الطاقة ‪ ،‬والتعب واملعاناة ليكون فعال ما‬
‫عمال ؟ هل احليوان الذي ينشط غريزيا ليليب حاجياته الطبيعية يسمى نشاطه هذا عمال ؟ وهل التلميذ مثال الذي يبدل جهدا يف التعلّم‬
‫واملراجعة وجيتاز االمتحان ميكن أن نقول عنه " إنّه يعمل " ؟ وباملثل املرأة اليت تبذل جهدا يف العناية بشؤون املنزل من تنظيف وغسل‬
‫وطبخ ‪...‬هل "هي تعمل" ؟ وأفعال السرقة ‪،‬أو املتاجرة باملخدرات ‪،‬أو الدعارة والبغاء ‪..‬هل هي أعمال ؟‬
‫إن لفظ "العمل" متداول وشائع يف احلياة اليومية اىل درجة يبدو معها بديهي املعنى ‪ ،‬غري حمتاج اىل نظر‪،‬فالعمل حقيقة قائمة ‪ ،‬وهو‬
‫اىل جانب ذلك جزء هام من الواقع اليومي ‪.‬ولكن حلظة التساؤل عن ماهية هذا النشاط او الفعل الذي تصدق عليه كلمة "العمل " تسقط‬
‫هذه البداهة ‪ .‬ان ما نريده هو التفكري يف العمل كما يرى يف احلياة املهنية أي داخل إطار "عامل العمل " ‪،‬العامل الذي حيصل االنسان يف‬
‫إطاره على مستلزمات حياته ‪.‬‬
‫ان مفهوم العمل يف "عامل العمل" له معاني كثرية ومتعدد الدالالت ‪:‬‬
‫‪ -‬فهو تعب جسمي أو ذهين ناتج عن نشاط مضين ‪ ،‬وهو يف اآلن نفسه جمهود متواصل وهادف‪.‬‬
‫هو نشاط واع يعمل على حتويل الطبيعة وإحكام سيطرة اإلنسان عليها‪ ،‬و حتقيق الوعي بالضرورة وهي العملية اليت حتقّق التحرّر من‬
‫الطبيعة و من ضروراتها‪.‬‬
‫وهو يف معناه احلديث مرادف جملموعة من األنشطة ميارسها إنسان ويوجهها يف العادة لتوفري انتاج ما ‪.‬‬
‫وهو تعبري عن النشاط املهين املنتظم الذي يتم مقابل أجر ‪ ،‬فهو يعين هنا " الشغل" ‪ ،‬أو "الوظيفة" ‪،‬أو "املهنة" أو "املنصب"‪.‬‬
‫وهو يعبّر عن كل ضروب النشاط االقتصادي ‪،‬اليت ميارسها االنسان باعتباره العنصر األساسي يف عملية االنتاج وهو انتاج ينظر اليه من‬
‫حيث نفعه وكلفته‪.‬‬
‫من منظور اقتصادي أصبح ال ينظر للعمل االّ يف عالقة باالنتاج ‪ ،‬فهو فعل انتاج ‪.‬وعلى هذا النحو انتقل مفهوم العمل من‬
‫مستوى فلسفي خالص ‪ ،‬اىل مستوى االقتصاد السياسي (هو علم قوامه حتليل نظم االنتاج حسب ما حيكم تسريها وتطورها من قوانني‪.‬‬

‫االنتاج ‪ :‬هو جمموعة من العمليات اليت تهدف إىل حسن االستغالل و ذلك للحصول على مواد منتجة الشباع احلاجات‪ ،‬والرغبات‪ .‬فمن‬
‫املمكن تعريف االنتاج بتحويالت املواد اخلام ومرورها بعدة مراحل من العمل للحصول على منتج أو سلعة تساهم يف إشباع حاجات‬
‫االنسان‪.‬‬

‫العمل‪ :‬هو عبارة عن اجلهد الذي يبذله العنصر البشري من أجل حتويل املواد اخلام إىل منتجات ‪،‬و يعترب العمل عنصر أساسي يف العملية‬
‫االنتاجية‪.‬‬

‫جوزيف برودون " حتى لو لم يكن عمل االنسان أكثر من مجرد التناول باليد ‪ ،‬فليس ثمت قيمة منتجة بالنسبة اليه إال عندما مارس‬
‫هذا العناء‪...‬ان البحر دون المالح وشباكه ال يعطي سمكا ‪،‬والغابة دون الحطاب وفأسه ال توفر حطبا للتدفئة ‪،‬والمرج دون الحصاد‬
‫ال يعطي علفا وال كأل "‪.‬‬
‫تكمن أهمية هذه املقاربة االقتصادية يف قلب الطرح ‪ ،‬فبعد أن كان ينظر اىل العمل يف وجهه االجيابي من خالل صلته بالذات الفاعلة‬
‫‪،‬صار ينظر اليه حسب املنظرين االقتصاديني منذ "آدام مسيث" من خالل صلته باملوضوع أي املنتوج احلاصل منه‪.‬‬

‫أصبح "آدام مسيث" مييز بني عمل منتج وآخر غري منتج ‪ ،‬وقد بني الفارق بينهما يف هذا القول"هناك نوع من العمل يضيف قيمة الى‬
‫موضوع العمل الذي يوضع امامه‪ .‬وهناك نوع آخر من العمل ال يفعل ذلك‪ .‬والعمل االول اي الذي ينتج قيمة يمكن ان يسمى عمل‬
‫منتج‪ .‬اما العمل الثاني فانه عمل غير منتج‪ .‬وهكذا فان عمل الصانع يضيف على وجه العموم الى قيمة المادة التي يعمل عليها قيمة‬
‫تجديد قوته هو نفسه باالضافة الى ربح سيده ‪،‬وعمل الخدم المنزليين على العكس من ذلك ال يضيف اي شئ الى القيمة" ‪..‬‬
‫ان العامل الذي يؤدي عمال منتجا هو عامل منتج ‪ ،‬والعمل الذي يؤديه هو عمل منتج ‪ ،‬اذا كان خيلق ‪ ،‬مباشرة ‪ ،‬قيمة – فائضة ‪ ،‬اي اذا‬
‫كان ينمي قيمة راس املال‪.‬اما العمل غري ا ملنتج فهو ال ينتج شيء ذا قيمة تداولية فال يكون له أي اسهام مباشر يف امناء راس املال وانتاج‬
‫الثروة ‪ ،‬ويكون جمرد خدمة ‪.‬‬

‫‪ ‬ميكن أن منيز بني مقاربتني إلشكالية العمل ‪:‬مقاربة اقتصادية سياسية ليربالية باالساس وأخرى فلسفية ذات نزعة انسانية ‪:‬‬

‫العمل من منظور فلسفي ‪-‬انساني‬ ‫العمل من منظور اقتصادي‪-‬سياسي (ليبرالي )‬


‫‪-‬تبحث الفلسفة يف العمل من منظور انساني ‪ ،‬فالعمل‬ ‫‪-‬النظر للعمل يف عالقة مبا هو اقتصادي نفعي‬
‫يرتبط يف خمتلف مساراته مباهو انساني ‪.‬إن العمل مل يعد‬ ‫‪:‬االنتاج‪/‬الربح‪/‬القيمة‪/‬الثروة‪/‬األجر‪ /‬رأس املال ‪...‬‬
‫ضرورة بيولوجية الزمة لتلبية االحتياجات اجلسدية‬
‫اجلسمية والغرائزية عن طريق حركات آلية ال معنى هلا‪،‬‬ ‫‪-‬العمل هو فعل انتاج ‪ ،‬فال يسمى فعال ما عمال إالّ إذا كان فعال‬
‫وإمنا هو نشاط واعٍ جيعل لإلنسان قيمة اجتماعية‬ ‫منتجا خالقا القيم االستعمالية و التبادلية ‪ ،‬و معنى هذا أن العمل‬
‫وأخالقية يف الواقع املعيشي من جهة‪ ،‬وينمي إنسانيته من‬ ‫يضيف إىل األشياء كيفية جديدة هي قيمتها االستعمالية و‬
‫جهة أخرى‪ ..‬إنه جتسيد لقيمته اإلنسانية ليكون اإلنسان‬ ‫التبادلية ‪ ،‬حبيث يصبح مفهوم العمل هو‪ :‬مقدار اجلهد اجملسّد يف‬
‫بعمله اإلنساني إنساناً‪.‬‬ ‫منتوج العمل ‪ :‬و الذي يكتسب بفضله هذا املنتوج قيمة استعمالية و‬
‫قيمة تبادلية‪.‬‬
‫‪-‬يقرتن العمل بالقيمة ‪ ،‬فهو يف ذاته قيمة وهو مصدر لكل‬
‫قيمة انسانية ‪:‬‬ ‫‪-‬العمل نشاط اقتصادي نفعي ‪ ،‬فالغاية من العمل هي انتاج خريات ‪،‬‬
‫وهذه اخلريات ليست معدّة فحسب لالستهالك بل ايضا للتبادل ‪،‬‬
‫انها سلع ميكن تبادهلا بغريها أو خبدمات ‪.‬ويتم تبادل السلع يف فضاء قيمة وجودية ‪:‬بالعمل تتحقق ماهية اإلنسان أي إمكاناته‬
‫الذاتية و قدراته اخلالقة واملبدعة عرب أفعال إرادية‬ ‫يسمى السوق ‪.‬‬
‫واعية هادفة يصنع بها اإلنسان عامله و يصنع بها ذاته‬
‫باستمرار‪ ،‬أي أنه ينفيهما و يتجاوزهما جتاوزا‬ ‫التبادل ‪:‬يتلخص مبدأ التبادل يف إعطاء شيء مقابل شيء آخر‬
‫دياليكتيكيا جدليا‪ ،‬و هذا ما جند له صدى و ترديدا يف‬
‫فلسفة هيجل و بالتحديد جدلية العبد و السيد‪.‬‬ ‫قد يكون مكافئا أو غري مكافئ له‪.‬‬
‫التبادل خاصية إنسانية صرف ‪.‬يقول أدم مسيث‪( :‬مل نر قط‬
‫كلبني "يتفاوضان" يف أمر اقتسام قطعة عظم‪ .‬مل نر أبدا أن قيمة اجتماعية ‪:‬بواسطة العمل يستطيع االنسان أن يعبّر‬
‫عن نفسه ويتصل مبجتمعه ويتعاون مع اآلخرين‬ ‫حيوانا حياول "إفهام" حيوان مثله‪ ،‬مستخدما صوته أو حركات‬
‫‪،‬لضمان مكانته االجتماعية وحتقيق تكيفه وتكامل‬ ‫جسمه‪ ،‬فيقول له‪" :‬هذا لي‪ ،‬وهذا لك‪ ،‬سأعطيك مالي مقابل أن‬
‫شخصيته ‪.‬‬
‫تعطيين ما لك‪)...‬‬
‫قيمة نفســية‪ :‬بالعمل يتحقق التوازن النفسي لالنسان‪،‬‬
‫وينتصر على الضجر والقلق ‪،‬ويشعر بالرضا والسعادة‬ ‫كان التبادل قبل ظهور السّوق جمرد إنتاج عائلي وعطاء متبادل‬
‫‪.‬وملعرفة القيمة النفسية للعمل يكفي النظر يف وضع‬ ‫وإعادة توزيع‪ .‬لكن مع تطور اإلنسان ظهر السوق بوصفه نظام‬
‫االنسان العاطل عن العمل وما يشعر به من قلق وفقدان‬ ‫توزيع وتبادل ومنت معه أمناط التبادل التجاري‪،‬ويف جمتمع يقوم‬
‫القيمة واملعنى قد تدفعه للعزلة او االحنراف او حتى‬ ‫على أساس تبادل السلع ال يتم احلصول على شيء إال عن طريق‬
‫االنتحار‪.‬‬ ‫التبادل‪..‬‬

‫كما هو األمر بالنسبة إىل كل سلعة أخرى ترتجم قيمة يقول فرويد " االنسان السوي هو الذي يحب ويعمل "‬ ‫‪-‬‬
‫"قوة العمل" (جهد العامل)يف السوق بسعرٍ حمددة‪ ،‬أي مبال‪ .‬وهذا‬
‫التعبري املالي‪ ،‬أي سعر سلعة «قوة العمل»‪ ،‬يسمى األجر‪ .‬بالنسبة إىل قيمة أخالقية ‪ :‬العمل يشد االنسان اىل نشاط نافع حيث‬
‫كل سلعة أخرى‪ ،‬نعرف أن السعر يرتفع إذا ما زاد الطلب على يصرف جهده داخل عمل يشغله ويصرف فيه الكثري من‬
‫العرض‪ ،‬وهو ينخفض إذا ما حدث على العكس من هذا إذا زاد استعداداته ورغباته ‪ ،‬فيكون ذلك دافعا له عن تصريف‬
‫العرض عن الطلب‪ ،‬والشيء نفسه فيما يتعلق بسلعة «قوة العمل»‪ :‬أهوائه وشهواته يف مسارات غري أخالقية ‪.‬‬
‫فحني يزداد الطلب على العمال‪ ،‬تنحو األجور إىل االرتفاع‪ ،‬وإذا ما‬
‫تقلص الطلب‪ ،‬أو إذا ازدحم سوق العمل بسلع طازجة‪ ،‬تنحو األجور يقول فولتري " العمل يبعد عنا آفات ثالث‪ :‬القلق واحلاجة‬
‫والرذيلة "‬ ‫إىل االخنفاض‪.‬‬
‫‪ ‬لكي ميكن لقوة العمل أن تكون سلعة‪ ،‬ال يكفي أبدا أن ‪ ‬إنّ هذا التصوّر الفلسفي االنساني ينظر للعمل يف‬
‫يتمكن اإلنسان من العمل حني يعطي وسائل اإلنتاج بل ينبغي عليه ذاته كقيمة انسانية يرتبط يف خمتلف مساراته مبا هو‬
‫أن يكون قادرا على االشتغال بأكثر مما هو ضروري لعيشه انساني‪.‬‬
‫اخلاص‪ .‬ينبغي أن يتمكن من العمل أكثر ليفيد ذاك الذي اشرتى‬
‫قوة عمله‪ .‬وينبغي على سلعة «قوة العمل» أن تعوّض‪ ،‬عرب ‪ ‬هلذا التصوّر الفلسفي منطقه االنساني الذي‬
‫استخدامها‪ ،‬أي عرب عملها‪ ،‬ما دُفع فيها‪ ،‬أي األجر‪ ،‬وأن متكن حيرّكه ‪ ،‬فاملهم ان يكون العمل منميا وحمققا ملا هو‬
‫انساني‬ ‫املشرتي من احلصول على فائض عمل(الربح)‪.‬‬

‫‪ ‬إن هذا التصور االقتصادي ال ينظر للعمل كقيمة يف ذاته ‪،‬‬


‫بل باعتباره الوسيلة االساسية لالنتاج وخالق القيمة ومصدر‬
‫الثروة‪.‬‬
‫هذا التصوّر االقتصادي الليربالي حيكمه منطق نفعي ويعمل على‬
‫التحكم يف الفعل االنتاجي ‪ ،‬فاملهم من هذا املنظور تطويع العمل‬
‫وتطوير فعل االنتاج‪،‬جبعله أكثر مردودية وأداء وأكثر قدرة على‬
‫امناء رأس املال والثروة عموما‪.‬‬

‫‪ ‬أن راهن العمل يؤكد على حتوّله من ابعاده القيمية حنو تكريس قيم جديدة تتعلّق بالنجاعة واملردودية واالنتاجية منذ ان‬
‫اختزل يف بعده االقتصادي كمصدر للثروة ‪ ،‬ومند أن صار الربح حمدّدا لقيمته ‪.‬‬

‫‪ /2‬العمـل ومطلـب النجاـعـة ‪:‬‬

‫ـ يف اجملتمعات الصناعيّة احلديثة أصبح ال ينظر اىل العمل أساسا االّ يف عالقة باالنتاج والثروة ‪ ،‬فليس العمل مهما يف ذاته وانّما قيمته‬
‫يستمدها من عالقته باالنتاج والربح والثروة‪.‬‬
‫القيمة انّما تسند اىل املنتوج ‪،‬أو اىل العمل املنتج ال اىل العمل يف حد ذاته ‪ ،‬كما أن االهتمام موجه اىل موضوع االنتاج‪،‬ال اىل‬ ‫‪‬‬
‫الذات باعتبارها ذاتا ‪ .‬وبعبارة أخرى فإن الذات مل تعد مدار اهتمام االّ لكونها منتجة منتجة أو مالكة لوسائل االنتاج وموظفة هلا باستمرار‬
‫يف زيادة ذلك االنتاج ‪.‬‬
‫اذن ملّا كان العمل ليس فقط أحد عوامل االنتاج ‪ ،‬بل هو املصدر الرئيسي لالنتاج ومصدر االنتاجية والربح والثروة ‪ ،‬فقد كان بهذا املعنى‬
‫مرتبط مبطلب النجاعة االقتصاديّة ‪ ،‬فليس املهم أن نعمل فقط بل أن يكون عملنا ناجعا وذا مردودية عالية ‪.‬‬
‫فماذا نعين بالنجاعة ؟ ما املقصود بالعمل الناجع ؟ وماهي مقتضيات النجاعة وأليات امنائها يف جمال العمل ؟ وبأي معنى تكون هذه‬
‫النجاعة ضرورة ومطلبا اقتصاديا واجتماعيا ؟ ماهي مزايا النجاعة وآثارها اليت جتعل منها مطلبا انسانيا ؟‬

‫النجـاعـة ‪ :‬حتيل على معاني الفاعليّة ‪ ،‬واملردوديّة ‪،‬والنفعيّة ‪ ،‬واملصلحة ‪ ،‬والقدرة ‪ ،‬واالنتاجيّة ‪...‬اخل ‪ ،‬انها تعين يف ما تعنيه ‪:‬القدرة على‬
‫الفعل ‪ ،‬او التحكم والسيطرة ‪ ،‬او االداء واالنتاجية ‪،‬او الرفع من املردوديّة ‪،‬او اجياد احللول العملية ‪ ،‬أو حتقيق وخدمة املصلحة ‪ ،‬او‬
‫االرتقاء بالواقع وحتسني األوضاع ‪...‬اخل‬
‫النجاعة هي قيمة مادية حتيل على حقل الرباغماتيّة ‪،‬وهي مقولة باألساس اقتصادية مرتبطة بالوصول بالعمل اىل قدرة انتاجيّة‬
‫عالية ‪.‬‬
‫النجاعة يف عا مل العمل هي مقولة حديثة ‪ ،‬تعين يف ما تعنيه خلق الوسائل واستنباط االدوات الكفيلة بتنمية القدرات االنتاجية كميا‬
‫ونوعيا استجابة لتوسّع األسواق ‪ ،‬وتزايد الطلب على املواد االقتصادية واملنافع املادية ‪ ،‬وطلبا لتنمية الثروات واألرباح وتأوجيها اىل احلد‬
‫األقصى‪.‬‬
‫ربط العمل مبطلب النجاعة ‪ ،‬هو ربط للعمل باملصلحة والربح والثروة ورأس املال ‪.‬والعمل يكون ناجعا إذا كان ذا انتاجية عالية ‪ ،‬واذا‬
‫كان ضامنا لوفرة يف االنتاج منميا للثروة ورأس املال ‪ ،‬وكل عمل ال حتصل منه منفعة مادية وتكون عائداته املادية ضئيلة ‪،‬هو عمل‬
‫غري عادل ‪.‬‬
‫من معايري النجاعة يف العمل ‪:‬‬

‫‪ ‬الوفرة ‪:‬انتاج أكرب كم من البضاعة أي وفرة االنتاج ‪.‬‬

‫‪ ‬السّرعة ‪:‬ربح الوقت وحسن التصرّف فيه وجتنّب اهداره ‪.‬‬

‫‪ ‬الكلفة ‪ :‬التحكم باملصاريف والضغط على التكاليف ‪.‬‬

‫‪ ‬الدقّة ‪:‬اجلودة العالية للمنتوج وقدرته على املنافسة ‪.‬‬

‫‪ ‬السّهولة ‪:‬احلد من مصاعب العمل وتيسري اجنازه ‪.‬‬


‫السؤال ‪:‬ماذا متثل هذه النجاعة بالنسبة للعمل ؟ هل عالقة العمل بالنجاعة عرضية أم ضروريّة ؟‬
‫ـ اذا كان العمل فعل انتاج ‪ ،‬فهو بهذا املعنى يرتبط بشكل طبيعي وضروري بالنجاعة ‪،‬إنّها مقتضى بقدر ماهي مطلب اقتصادي واجتماعي‬
‫‪.‬‬
‫ان القول بالعالقة الت ناسبيّة والضروريّة بني العمل والنجاعة ‪،‬يفضي اىل تثمني النجاعة واعتبارها خاصيّة مالزمة للعمل‪ ،‬وهي بهذا‬
‫املعنى تتنزل يف خانة املنشود الذي تراهن عليه االنسانيّة وتطلبه ‪.‬‬

‫إنّ العمل جهد يبذل لتحقيق املنافع وتلبية احلاجات وإمناء الثروات ‪ ،‬وهو ما يتضمن التأكيد على ارتباطه بالنجاعة كقيمة‬ ‫‪‬‬
‫اقتصادية براغماتية هلا أثرها على ماهو اجتماعي وإنساني ‪:‬‬

‫‪ ‬العمل الناجع هو الذي يضمن االزدهار والرخاء املادي لألفراد ولألمم‪ ،‬وحيرّر البشر من حياة الفقر واخلصاصة ويضمن الرفاه الذي قد‬
‫يكون ضروريا للسعادة‪.‬‬

‫‪ ‬أدام مسيث ‪ ":‬إن الزيادة الكبرية يف منجات خمتلف احلرف واملهن الناجتة عن تقسيم العمل ‪ ،‬تؤدي يف جمتمع سليم القيادة اىل حالة من‬
‫الرفاهية العامة اليت تسري اىل آخر طبقات الشعب "‬
‫‪ ‬الزيادة يف جناعة العمل وجناعته ومردوديته هو زيادة يف الثروة واألرباح ‪ ،‬مبا يفرتض ان ينعكس اجيابا على األجور ‪ ،‬وحتسني الوضع‬
‫االجتماعي واملادي لالنسان العامل‪.‬‬

‫‪ ‬إن العمل يوفر للناس شعورا باالرتياح عندما يوفر هلم وعدا بالربح اآلجل ‪ ،‬وكما يقول جورج باطاي " يقتضي العمل تصرّفا معينا‬
‫تكون فيه نسبة اجلهد املبذول قياسا اىل النجاعة االنتاجيّة نسبة قارة "‪.‬‬

‫‪ ‬احلرص على النجاعة يعين ا ملزيد من االنتاجية ‪ ،‬مبا يفضي اىل تطوير االقتصاد والقدرة على االستثمار كمقدمات ضرورية من أجل‬
‫التشغيل وضمان احلق يف العمل‪.‬‬

‫‪ ‬إن النجاعة يف العمل من حيث هي غاية ومطلب اقتصادي ‪ ،‬ومن حيث هي أسلوب يتضمن قصدية منظمة ‪ ،‬متكن من حتقيق هدف‬
‫نفعي ‪ ،‬يقع التخطيط لتحصيلها ‪.‬ومن مستلزمات حتقيق هذه النجاعة وتأوجيها ‪:‬‬

‫‪ ‬التنظيم العقالني واإلدارة العلمية للعمل ‪ ،‬والبحث عن أفضل طريقة ألداء العامل ‪.‬‬

‫تيلور " إن فن االدارة هو المعرفة الدقيقة بما نريد من الرجال عمله ‪ ،‬ثم التأكد من أنهم يقومون بعملهم بأحسن طريقة وأفضلها "‪.‬‬

‫‪ ‬الزيادة يف اال نتاجية من خالل رفع كفاءة العمّال ‪،‬فالعامل هو قوّة العمل ‪ ،‬وبقدر ما يكون خمتص وذا مهارة يكون مردوده أفضل‬
‫وانتاجيته أعلى ‪.‬وهلذا يتم تدريب العامل وتكوينه مهنيا ومراقبته اثناء أدائه لعمله ‪.‬‬

‫‪ ‬تألية العمل لكسب الوقت وحتقيق السّرعة يف االجناز والدقة يف األداء ن وبالتالي تطوير حركية االنتاج والرفع من مردوديته كما‬
‫وكيفا‪.‬تعزيز اجملهود الفيزيائي والطاقة العضلية بواسطة النجاعة اآللية واألجهزة األداتية‪.‬‬

‫ج ب ساي "توسع األدوات واآلالت سلطة االنسان ‪ ،‬إنها تضع االجسام والقوى الفيزيائية في خدمة ذكائه ‪،‬اذ باستعمالها يحدث‬
‫أعظم تقدم صناعي "‬

‫‪ ‬التقسيم التقين للعمل ‪ ،‬اي تقسيم نظام العمل بالفصل بني املهام واملراحل الدقيقة الجناز العمل يف خمتلف تعيناته املادية ‪ .‬يتم عزل‬
‫العمال عن بعضهم البعض وتنظيم تعاونهم اجلماعي بالتنسيق بني املهام اجلزئية الدقيقة واملراحل النهائية ‪،‬بشكل جيعل العمل يتسم‬
‫بالكفاءة واملردودية الكمية والنوعية‪.‬‬

‫يعرّف كارل ماركس التقسيم التقين للعمل كالتالي‪ " :‬بدال من تنفيذ مختلف العمليات بواسطة العامل نفسه بعضها إثر‬
‫البعض اآلخر‪،‬يفصل بينها ‪ ،‬ويعزل بعضها عن بعض ‪،‬ثم يعهد بكل عملية منها الى عامل خاص ‪،‬ويجري تنفيذها كلها في آن‬
‫واحد وجنبا الى جنب من قبل المتعاونين "‬

‫فريديريك تيلور (‪ 3581‬ــــ ‪)3738‬‬ ‫أدام سميث (‪ 3271‬ــــ‪) 3271‬‬

‫ـ أهتم تايلور بإدارة العمل وكان شغله الشاغل هو البحث عن‬ ‫فرض تعريفات مجركية أو حد أدنى لألجور‪ ،‬مؤكدًا على أنه‬
‫أفضل طريقة ألداء العمل عن طريق دراسة احلركة والزمن‬ ‫باستثناء الضرائب اليت اعتربها ضرورية لضمان الرفاهية يعترب‬
‫يف رأيه أن أفضل طريقة ألداء العمل هي أسرع طريقة فكانت‬ ‫مسيث واضع أسس االقتصاد احلديث ‪ ،‬وهو من دعى اىل‬
‫السرعة هي املعيار الوحيد لديه للحكم على األداء ‪.‬ولعل من أهم‬ ‫االقتصاد احلرّ‪ .‬ويف كتابه «ثروة األمم»‪ ،‬أشار إىل أن قوى‬
‫االسهامات العلميةّ اليت قام بها تيلور يف حقل االدارة ما يعرف‬‫العرض والطلب تسمح القتصاد السوق بتنظيم نفسه‪ ،‬وأن‬
‫ب"دراسة احلركة والزمن "‪ ،‬وتهدف هذه الدراسة اىل رفع‬ ‫مستويات األسعار واألجور والعمال تعدل نفسها تلقائيًا عن‬
‫الكفاءة االنتاجية للعامل وذلك عن طريق التخلص من كثري‬ ‫طريق ما مساها بـ«اليد اخلفية»‪ .‬وبناء على ذلك‪ ،‬شدد مسيث‪،‬‬
‫من احلركات غري الالزمة اليت يتطلبها أداء العامل ومن مثة‬ ‫على أنه ال يوجد أي سبب يدفع احلكومات للتدخل يف االقتصاد‪،‬‬
‫حتديد وقت منوذجي الجتاز كل عمل‪.‬‬ ‫عرب االقتصادية‪ ،‬فإن مثل هذه القيود ال تؤدي إال إىل عدم‬
‫الكفاءة وإعاقة اإلنتاج دون مربر‪ .‬من هنا أطلقً مسيث عبارته‬
‫الشهرية ‪ laissez-faire, laissez-passer‬أو «دعه يعمل‪ ..‬ـ كان نهج تايلور هو زيادة اإلنتاجية التنظيمية من خالل زيادة‬
‫دعه مير» وذلك أثناء دعوته إلزالة القيود التنظيمية املفروضة كفاءة عملية اإلنتاج من خالل الرتكيز على البحوث‬
‫التجريبية‪ .‬وال سيما يف الواليات املتحدة حيث العمالة‪ ،‬وخاصة‬
‫العمالة املاهرة كانت قليلية فكان هناك نقص فى املعروض‬ ‫على التجارة والصناعة‪.‬‬
‫ـ اعترب مسيث أن ثروة كلّ أمة تقاس بقدرتها االنتاجية ‪ ،‬من العمالة املاهرة يف بداية القرن العشرين والطريقة الوحيدة‬
‫وتناول االنتاجية كمقياس للثروة اليت ميكن مضاعفتها لزيادة اإلنتاجية من خالل رفع كفاءة العمال‪.‬‬
‫بالتقسيم التقين للعمل ‪.‬‬
‫وتنص اإلدارة العلمية على أنه ينبغي تصميم خط العمل حبيث‬
‫ـ يرتبط تقسيم العمل بالبعد النفعي ‪ ،‬اذ يرى مسيث أن نزعة‬
‫يكون لكل عامل مهمة خاضعة لرقابة جيدة وحمددة جيدا‪،‬‬
‫االنسان ورغبته يف حتسني أحواله املادية وتأمني منفعته‬
‫الشخصية ‪ ،‬كانت الدافع احملرّك جلميع تصرّفاته ‪ .‬يقول كما يتم اتباع أساليب وإجراءات حمددة بدقة لكل وظيفة‪.‬‬
‫مسيث " إن الصناعي يسهرعلى حتسني انتاجه ليضمن له أكرب‬
‫رواج وأفضل قيمة يف السوق ‪ ،‬وهو بعمله ال يفكر اال مبنفعته تقوم نظرية إدارة تايلور على االعتقاد األساسي بأن املديرين‬
‫الشخصية ورحبه اخلاص ‪ ،‬ولكنّه يف الوقت ذاته يكون قد أدى ليسوا فقط أفضل من الناحية الفكرية من املوظف العادي‪،‬‬
‫ولكن لديهم واجب إجيابي أيضا لإلشراف على املوظفني‬ ‫خدمة للمجتمع ‪ ،‬وقام بعمل حيقق املنفعة العامة"‪.‬‬
‫وتنظيم أنشطة عملهم‪.‬‬
‫ـ من خالل زيارته ألحد معامل صنع الدبابيس الحظ مسيث‬
‫مدى سرعة وكفاءة العمل عند تقسيم الواجبات على عدّة ـ يعد تيلور مؤسس االدارة العلميّة اليت ترتكز على العلمية‬
‫عمال ‪ ،‬فبدل أن يتمكن عامل واحد من صناعة دبوس خالل والفعالية والكفاءة وحسن االداء وتقليل التكاليف واألوقات‬
‫عشر دقائق ‪ ،‬باإلمكان تقسيم الواجبات على عشر عمال وبالتالي واحلركات اليت ال لزوم هلا ‪ .‬وتتلخص أهم افكار تيلور يف‬
‫النقاط التالية ‪:‬‬ ‫صناعة آالف الدبابيس يف الساعة الواحدة ‪.‬‬
‫وينسب مسيث قوّة تقسيم العمل ومزاياه اىل ثالثة أسباب أولية ـ حتديد الطريقة املثلى ألداء العمل عن طريق دراسة‬
‫احلركة والزمن والغاء احلركات غري الضرورية ‪.‬‬ ‫‪:‬‬
‫ـ االختيار اجليد للعمال بطريقة موضوعية تقوم على أسس‬
‫‪ /1‬ان العامل إذا اختص بعمل واحد سهل عليه ‪ ،‬وأتقنه ‪،‬وزادت علميّة ‪ ،‬وتدريبهم لتحسني آدائهم‪.‬‬
‫مهارته ‪.‬‬
‫ـ تقسيم العمل والعمل مببدأ التخصص ‪ ،‬بأن تتوىل االدارة‬
‫‪ /2‬االقتصاد يف الوقت الذي يضيع عادة عند انتقال العامل من وظيفة التخطيط وتنفرد بها ‪ ،‬ويقوم العمال بالتنفيذ‪.‬‬
‫نوع من األعمال اىل آخر‪.‬‬
‫خاطب تيلور العمال قائال " لستم مطالبني بالتفكري فقد‬
‫استأجرنا أناسا يفكرون بدال عنكم "‪.‬‬ ‫‪ /3‬اخرتاع عدد كبري من اآلالت اليت تسهل وختتصر العمل ‪.‬‬
‫ـ نظام األجر بالقطعة (او احلوافز) ‪ ،‬ان وضع العامل يف العمل‬
‫املناسب غري كاف الجناز األعمال بكفاءة وفعالية ‪ ،‬لذلك اقرتح‬
‫تيلور أن يكون هناك نظام للحوافز لتحفيز العمال ‪ ،‬بدفع نسبة‬
‫أعلى اىل العمّال األكثر انتاجية ‪.‬‬
‫الحظ تيلور أن نظام األجور غري احلافزة تشجع على اخنفاظ‬
‫االنتاجية ‪ ،‬فاذا كان أجر العامل ثابتا بغض النظر عن‬
‫مردوديته ‪ ،‬فهذا قد يدفع العامل اىل العمل بأقل بكثري من‬
‫قدراته ‪.‬‬

‫‪ /3‬في مخاطر الفصل بين النجاعة والعدالة في العمل‪:‬‬


‫إذا كانت النجاعة مبدأ واقتضاء تستوجبه طبيعة العمل ‪ ،‬فهل هناك ما يربّر اختزال قيمة العمل يف عالقة بالنجاعة االقتصادية دون‬
‫العد الة االجتماعية؟ هل هذا العمل الناجع والغري عادل ميكن أن يكون حمققا ملا هو إنساني أم أنّه يستحيل اىل اغرتاب وضياع لإلنساني‬
‫؟ واذا كنّا قد افرتضنا حاجة العمل للنجاعة ‪ ،‬فكيف هلا أن تفسده وحتوّله من مصدر للتحقق والتحرّر‪ ،‬اىل جمال لالستعباد واالغرتاب‬
‫؟‬
‫ـ ان هذا الرفع من قيمة النجاعة االقتصادية واعتبارها أساس العمل ‪ ،‬هو من خصائص العمل يف النظام الرأمسالي ‪ .‬الرأمسالية وعرب‬
‫مراحل تطورها ( التجارية ‪ ،‬الصناعية ‪ ،‬مابعد الصناعية ‪ ،‬املالية ) مثلت ‪ ،‬توجها اقتصاديا وسياسيا يرى أن القيمة األهم يف احلياة هي‬
‫الربح و تكديس رأس املال‪ ،‬وخلْق الثروة ‪ ،‬فالرأمساليَّة هي نظام اقتصادي فائدته أنه بالثروة يُنتج املزيد من الثروة‪ ...‬ثروة مولدة‬
‫للثروة ‪ ،‬وال ثروة دون عمل وانتاج ‪ ،‬وبالتالي كلما زادت مردودية العمل وحتسنت انتاجية العامل زادت الثروة وكان النماء االقتصادي‬
‫‪.‬‬
‫ميكن القول إن الرأمس الية هي نظام يتكون من األسس اليت تسمح بإنتاج وتوزيع واستهالك وتبادل الثروة‪ ،‬فهي قائمة على امللكية‬
‫اخلاصة لوسائل اإلنتاج‪ ،‬وتقسيم العمل‪ ،‬ووجود السوق الذي يسمح بتنظيم النشاط االقتصادي بهدف الربح الفردي ألصحاب رؤوس‬
‫األموال‪ ،‬والفصل بني رأس املال والعمل‪ .‬وتعتمد من أجل حتقيق ذلك على آلية العرض والطلب لتحديد األسعار ومن ثم األرباح‪.‬‬
‫إذن فالرأمسالية نظام اقتصادي ذو فلسفة اجتماعية وسياسية يقوم على أساس امللكية الفردية لوسائل اإلنتاج اليت تعترب السمة‬
‫املميزة له‪ ،‬واحملافظة عليها‪ ،‬معتمداً مفهوم احلرية االقتصادية و آلية السوق يف حتديد األسعار واألرباح‪.‬‬
‫تنطلق الرأمسالية يف الرتويج ألفكارها من املنطلقات الداعية للفردية واملُلكية اخلاصة‪ ،‬وهي أفكار تُالقي رواجاً وقبوالً بني‬ ‫‪‬‬
‫األفراد‪ ،‬مثل احلرية‪ ،‬التحررية‪ ،‬الدميوقراطية‪ ،‬السوق املفتوح‪ ،‬املنفعة الفردية‪ ،‬املصلحة الشخصية‪ ،‬وزيادة الثروات‪ .‬هذه األفكار‬
‫وغريها ساهمت الرأمسالية يف منذجتها وتسليطها هلدف وهو تكديس الثروات والسلطات بأيدي اإلفراد مهما كانت الطريقة‬
‫املستخدمة يف ذلك‪.‬‬
‫احملرك الرئيسي يف الرأمسالية هو السعي حنو حتقيق األرباح‪ ،‬عرب إنتاج سلع للبيع يف السوق‪ ،‬إنه إنتاج من أجل السوق‪ ،‬وليس‬ ‫‪‬‬
‫بهدف تلبية احتياجات البشر‪ ،‬إن كان يليب بعض االحتياجات لبعض الناس‪ ،‬فقط هؤالء الذين ميلكون املال الكايف لشراء هذه السلع (‬
‫القدرة الشرائية – الطلب الفعال)‪.‬‬
‫هكذا تتم مبادلة السلع بالنقود ‪ ،‬اليت يتم ميادلتها بسلع مرة اخرى‪ ،‬خالل هذه املبادلة تنشأ الصلة بني اجلهد الذي يبذله شخص ما يف‬
‫إنتاج سلعة وبني جهد املاليني األخرين من البشر يف إنتاج سلع أخرى‪.‬‬
‫كما ركزت الرأمسالية على تقسيم اجملتمع إىل طبقتني أساسيتني‪ :‬طبقة مالكي وسائل اإلنتاج من أصحاب األراضي‪ ،‬املصانع… سواء‬
‫كانوا أفراد أو شركات أو مؤسسات‪ ،‬وطبقة الربوليتاريا اجملربة على بيع قوة عملها ألن ليس ألفرادها وسائل اإلنتاج وال رأس املال‬
‫الذي يتيح هلم العمل حلسابهم اخلاص‪.‬‬

‫قد تكون النجاعة مبدأ واقتضاء تستدعيه طبيعة العمل واالحتياجات املتزايدة للبشر‪ ،‬ولكن هذا التوجه الرأمسالي حنو النجاعة‬ ‫‪‬‬
‫وانتاج الثروة ‪ ،‬ودون اعتبار العدالة ومقتضياتها االجتماعية واالقتصادية‪ ،‬انعكس على قيمة العمل بسلب ما هو انساني فيه ‪.‬وهو ما دعى‬
‫اىل مساءلة النجاعة داخل العمل والتظنن عليها ‪ ،‬حنو رصد حدودها وتبيّن خماطرها واليت من أهمها ‪:‬‬

‫‪ ‬االستغالل‪ :‬و يُقصد به أي معاملة غري عادلة للعمّال من أجل املنفعة الشخصيّة‪ ،‬وميكن القول أنّه عالقة اجتماعية غري‬
‫متكافئة بني العمّال وأرباب العمل ‪ ،‬وهو استغالل غري عادل لشخص آخر بسبب وضعه املُتدني األمر الذي يُعزّز سلطة املُستغِل‬
‫وسيطرته‪ .‬كما عرف الباحثون االستغالل االقتصادي بأنه استخدام عمل أشخاص من غري تعويضهم مبا يستحقونه من مقابل مادي‬
‫على عملهم مبا حييله ذلك على معاني الظلم واجلور‪.‬‬
‫ظل الرأمسالية احلديثة بأيدي الطبقة العاملة‪ ،‬وهم غالبية سُكَّان العامل‪ .‬وما يُحدِّد هذه الطبقة كطبقة هو افتقارها‬
‫جيري اإلنتاج يف ِّ‬
‫ري‬
‫للملكية اخلاصة أو التحكُّم يف وسائل اإلنتاج اليت يستخدمونها ‪-‬اآلالت واألراضي والعقارات وما شابه ذلك‪ -‬واليت ميتلكها عددٌ صغ ٌ‬
‫من الرأمساليني‪ .‬هذا الواقع هو ما يُجبِر ا لعمال على بيع قوة عملهم للرأمساليني مقابل أجر‪ ،‬وإال سيواجهون اجلوع والفقر‪ .‬يستغل‬
‫الرأمساليون قوة العمل هذه‪ ،‬إذ يدفعون للعمال مقابلًا فقط جلزءٍ مِمَّا ينتجون‪ ،‬أما الباقي فهو أرباح‪ ،‬يهدف الرأمساليون إىل مراكمتها‬
‫عرب الزمن حتى تتحوَّل إىل كمياتٍ أكرب وأكرب من رأس املال‪ ،‬أي من إمرباطورية الشركات اليت تهيمن على السوق اليوم‪.‬‬
‫العامل والرأمسالي على السواء يتعامالن كمالكي سلع‪ ،‬األول ميلك قوة عمله والثاني ميلك النقود وبالتالي فهي عملية تبادلية عادلة‪.‬‬
‫لكن مبجرد جتاوز عملية التبادل هذه والدخول لعملية اإلنتاج احلقيقية ختتلف املسألة‪ .‬حيث ينتج االستغالل بسبب ظهور القيمة‬
‫االستعمالية لقوة العمل مبجرد بدء اإلنتاج فتصبح مصدرًا للقيمة وفائض القيمة‪ .‬ويتمتع الرأمسالي بامتيازه هذان الذي يفضح‬
‫املساواة الشكلية بينه وبني العامل واليت توحي بها عملية التبادل‪ ،‬فقط ألنه يسيطر على األدوات واملواد الضرورية الستمرار العمل‪.‬‬
‫كان كارل ماركس وفريدريك إجنلز يريان أن معضلة العمل هي استغالل صاحب رأس املال للعامل‪ ،‬حيث يقوم األول باستغالل‬
‫حاجة األخري للحصول على قوت يومه من خالل العمل بأجر‪ ،‬فيجربه على اإلنتاج‪ ،‬الذي تُخلق من خالله كل قيمة اقتصادية‪ ،‬ولكنه ال‬
‫يدفع للعامل األجري سوى ما يكفي لسد رمقه وعائلته بينما حيوز الرأمسالي فائض القيمة‪ ،‬كي يعيد استثماره يف عملية ال نهائية من‬
‫مراكمة رأس املال تقوم على االستغالل‪ .‬وقد عبّر ماركس عن هذه املفارقة اليت تكشف عن الوضع البائس للعامل يف النظام‬
‫الرأسيمالي " يزداد العامل فقرا بقدر الزيادة يف خلق الثروة ومناء انتاجه حجما وقوّة"‪.‬‬

‫‪ ‬التشيؤ‪ :‬وهو تصور الظواهر اإلنسانية كما لو كانت أشياء‪ ,‬أي تصورها يف صورة مصطلحات غري إنسانية‪ ,‬أو تصورها يف‬
‫صورة مصطلحات فوق إنسانية‪.‬‬
‫أن التشيؤ يتضمن قدرة اإلنسان على نسيان أنه صانع أو مؤلف العامل اإلنساني‪ ،‬و يتضمن فضال عن ذلك فقدان الوعي باجلدلية بني‬
‫اإلنسان أي(املنتج) و بني ما (ينتج) فالعامل املُشيىء هو بالتحديد عامل أزيلت عنه الصبغة اإلنسانية‪،‬‬
‫التشيّؤ‪ ،‬هو مصطلح صكّه الناقد اجملري املاركسي جورج لوكاش‪ ،‬استناداً إىل مصطلح ماركس عن صنمية البضاعة‪ ،‬وهي يعين‬
‫حتول العالقات بني البشر إىل ما يشبه العالقات بني األشياء (عالقات آلية غري شخصية) ومعاملة الناس باعتبارهم موضعاً للتبادل‪.‬‬
‫وسبب التشيؤ يف األدبيات املاركسية اقتصادي‪ ،‬إذ تذهب هذه األدبيات إىل أن تقسيم العمل املوغل يف التخصص هو الذي يؤدي إىل جتزؤ‬
‫اإلنسان وابتعاده عن اإلحساس بالكل‪ .‬كما أن االستغالل يف اجملتمع وامللكية الفردية ألدوات اإلنتاج وآليات اجملتمع البورجوازي (حيث‬
‫يبيع العامل قوة عمله وال ينال مثرة عمله) تؤدي إىل أن يعامل اإلنسان عمله وكأنه شيء غريب عنه‪ ،‬وال جيد فيه إبداعاً أو حتقيقًا‬
‫للذات‪ .‬ان فقدان العدالة يف املعادلة اإلنتاجية ومساواة اإلنسان بالسلعة من حيث القيمة‪ ,‬وإعطاء األولوية للسلعة على حساب اإلنسان‬
‫الذي ينتجها هو من تصميم البنية الرأمسالية‪ ،‬فإن جتريد العمل اإلنساني هو اخلطوة األوىل يف تشييد بناء التشيؤ‬
‫يف عالقات االنتاج الرأمسالية تتحول املكانة واألهمية من (اإلنسان املنتج) إىل (السلعة املنتجة) باعتبار ان للسلعة قيمتان يف ظل‬
‫الرأمسالية‪ ،‬قيمة (مادية) وقيمة (اقتصادية)‪ ،‬تتجلى فيها فائض قيمة الرأمسالية لـتكتسب السلعة أهمية و خيسر اإلنسان املنتج فيها‬
‫من قيمته و أهميته أمام منو وازدهار و تقدم السلعة وبهذه املعادلة فحسب تكتمن الشروط الضرورية لقيام الرأمسالي بنظامه‬
‫واستمراره‪ .‬يقول ماركس " ويصبح العامل سلعة تزداد وضاعة بقدر الزيادة يف خلق السلع ‪ ،‬ان عامل البشر ليزداد احنطاطا بالزيادة يف‬
‫قيمة عامل األشياء ‪".‬‬
‫‪ ‬االغتراب ‪ :‬وهو حالة ت عرب عما يعانيه الفرد من انفصال عن ذاته‪ ،‬حيث ينفصل الفرد عن مشاعره اخلاصة ورغباته ومعتقداته‬
‫وهو فقدان اإلحساس بالوجود الفعال‪ .‬انه احلالة اليت يتعرض فيها االنسان اىل الضعف والعجز واالنهيار يف الشخصية ‪ ،‬اىل جانب‬
‫احساسه باالنفصال عن وجوده واشيائه‪.‬‬
‫‪ ‬االغتراب عند ماركس‬
‫ميثل االغرتاب احلالة اليت متيز التناقضات القائمة يف كل مرحلة من مراحل تطور اجملتمع‪ ،‬وهو السريورة اليت يفقد فيها اإلنسان ذاته‬
‫حتت تأثري العوامل االقتصادية أو السياسية أو االجتماعية أو الدينية‪ ،‬و يصبح عبدا لألشياء املادية فتتصرف فيه السلطات احلاكمة‬
‫تصرفها يف السلع التجارية‪ .‬فهو احلالة اليت يكون عليها العامل عندما يكون العمل جمربا‪ ،‬أي عندما يكون العمل وسيلة ال غاية يف حد‬
‫ذاته‪.‬‬
‫و ماركس يوضح أن العمل يف النظام الرأمسالي يؤدي إىل االغرتاب يف ثالث مستويات‪:‬‬
‫ـ االغرتاب عن منتجات العمل‪ ،‬اليت ال تعود ملكيتها للعامل بل للرأمسالي‪ .‬حيث توضع حياة العمال بالكامل يف صناعة أشياء ال ميلكونها‬
‫وبداخل نظام ال ميلكون السيطرة عليه‪ ،‬فيصبح جهدهم ذاته سلعة تؤخذ منهم وتباع مثله مثل األشياء اليت ينتجونها‪ .‬ويكون الفصل بني‬
‫العمال ونتاج جهدهم يف التاريخ احلديث حبيث أنهم قد ال يكونون حتى على علم مبا ينتجون‪ ،‬فقد أصبحت أماكن العمل أكثر‬
‫تقسيمًا وأقل اعتماداً على املهارة‪.‬‬
‫ـ االغرتاب داخل عملية اإلنتاج نفسها‪ ،‬حيث يدخل العامل يف مهنته داخل قيود العمالة باألجر وليس إلشباع رغبة حرة بل إلشباع رغبات‬
‫مستقلة عن العمل نفسه‪ ،‬ونتيجة لذلك ال يصبح العمل عملية مشبعة للذات ولكن يتحول إىل شر البد منه‪ .‬تعود ملكية وسلطة‬
‫التحكم يف كل جانب من جوانب عملية اإلنتاج إىل الرأمسالي‪ ،‬بدءاً من تصميم املنتج واألشكال األخرى من “العمل الذهين” إىل العمل‬
‫اليدوي للعامل واملنتج الذي ينتجه‪ .‬يتم التعامل مع العمال كما لو كانوا تروس يف آلة‪ ،‬منخرطني يف مهام رتيبة ومتكررة تهني‬
‫أجسادهم وتدمر أرواحهم‪.‬‬
‫ـ االغرتاب عن الوجود البشري‪ ،‬ألن الطبيعة األساسية للبشرية تكمن يف القدرة على تشكيل وإعادة تشكيل العامل من حولنا وفقا‬
‫الحتياجاتنا وقدراتنا اإلبداعية‪ ،‬ولكننا حمرومون من ذلك بسبب الطبيعة الالإنسانية للرأمسالية‪ .‬وأشار ماركس إىل أن هذا النوع من‬
‫االغرتاب موجود أيضاً يف الطبقة الرأمسالية‪ ،‬ولكن بطريقة خمتلفة متاماً عما يشعر به العامل‪ ،‬ويفسر ماركس قائالً‪:‬‬
‫"يظهر من الطبقة المالكة وطبقة البروليتاريا نفس القطيعة مع البشرية‪ ،‬ولكن تشعر الطبقة المالكة بالراحة والقوة في هذه‬
‫القطيعة‪ ،‬فهي ترى في القطيعة قوتها الذاتية وما يعطها مظهر الوجود اإلنساني‪ .‬في المقابل تشعر طبقة البروليتاريا‬
‫بإبادتها‪ ،‬بمعنى أنها تزول من الوجود في هذه القطيعة‪ ،‬حيث ترى فيها انعدام قوتها ووجود غير إنساني"‪.‬‬
‫العبودية ووهم الحرية‪ :‬الرأمسالية اليت تعمل وفق فلسفة توهم اجملتمع والعامل فيه بأنه حر‪ ،‬وهذا الوهم جيب ان يعمم على مجيع‬
‫نواحي احلياة االجتماعية واالقتصادية ((وهم أن الرأمسالية تعمل على حترير اإلنسان وعلى ازدهاره))‪ ،‬و دون هذه القناعة تفقد‬
‫الرأمسالية سلطتها اإليديولوجية‪ ،‬بكون ميزة النظام الرأمسالي‪ ,‬كما يؤكد "جورج لوكاش"‪ ,‬أنه يعلم بأن مصلحته تقتضي أن يتوهم‬
‫العامل بأنه حر وإال لتزعزعت ثقة العامل بالنظام الذي يعمل فيه‪ ،‬فالرأمسالية ال تستطيع وفق مصاحلها االقتصادية أن توفر للعامل‬
‫كل (احلرية) لذا يعمل هذا النظام على منحه ( وهم احلرية) لكي يتمكن من استغالله ولكي يقبل اجملتمع هذا االستغالل‪.‬‬
‫ركيزة املفهوم الفلسفي يف ظل النظام الرأمسالي قائم بـ(أن يتوهم العامل حريته)‪ ،‬و لكن الطابع املُشييء هلذه احلرية ال يظهر للعيان‬
‫مباشرة ألنه طابع إيديولوجي‪ ، ،‬ويسعى النظام الرأمسالي إىل زيادة نسبة (الغشاء) او الوهم الذي يغطي هذه العملية‪ ,‬مانعا وعيها‬
‫املوضوعي و ذلك ألنه يف حال اكتشاف هذا الغشاء‪ ,‬تفقد الرأمسالية إنسانيتها املزعومة وتصبح يف خطر‪.‬‬
‫إحنرية بيع العامل قوة عمله‪ ،‬وحرية شرائها‪ ،‬من قبل الرأمسالي تشكل عنصر أساسي ملعادلة االستغالل الرأمسالية فال وجود‬
‫للرأمسالية دون هذين العنصرين املتكاملني يف منظارها‪" ،‬العامل حر" يف عملية البيع و"الرأمسالي حر" يف فعل الشراء‪ .‬ولكن الرأمسالي‬
‫يستطيع الرفض أما العامل فال يستطيع ذلك‪.‬‬
‫ومن هنا فان العامل يعيش وهم حرية‪ ،‬يرتاءى له أنه حر يف حني أن حريته الوحيدة تقتصر على بيع قوة عمله هلذا الرأمسالي بكونه هو‬
‫خياره الوحيد موضوعيا يقف عند هذا احلد‪.‬‬
‫لقطة من فيلم "األزمنة احلديثة" لشارلي شابلن‬

‫كان فيلم “األزمنة احلديثة” جريئا يف نقده للتغيّرات الرأمسالية العارمة‪ ،‬وكان مستشرفا ملا ميكن أن تسفر عنه تلك التحوالت‬
‫من آثار مازالت موجاتها االرتدادية ماثلة إىل اليوم‪.‬‬

‫عندما أخرج شارلي شابلن “األزمنة احلديثة ‪” Modern Times‬يف منتصف الثالثينات كان يف ذهنه أن جيعل فيلمه تعليقا‬
‫ساخرا على ما تسبب فيه “الكساد العظيم” يف الواليات املتحدة من جعل حياة املاليني من العمال جحيما بسبب تفشي البطالة‪ ،‬ويف‬
‫الوقت ذاته حيذر بطريقته اخلاصة بالطبع‪ ،‬من طغيان “امليكنة” أو االستخدام املكثف لآلالت املعقدة يف الصناعة بديال عن العمال‬
‫من أجل زيادة اإلنتاج‪ ،‬وكيف أصبح طابع العصر هو السرعة يف كل شيء وهو ما يعبّر عنه شابلن بعبقرية يف املشاهد اليت تظهر‬
‫كيف أ صبح عقل بطله مربجما بصورة آلية‪ ،‬فنراه يتحرك حركة دودية مستمرة‪ ،‬حياول يف مشهد ساخر ربط أزرار رداء لسيدة‬
‫يف الشارع باستخدام اآللة اليت يستخدمها يف املصنع الذي فر منه بعد أن فقد السيطرة متاما على نفسه!‬
‫كان شابلن يسخر من االستغالل الرأمسالي‪ ،‬مصورا طغيان أصحاب املصانع وكيف أصبح العامل ترسا صغريا يف عجلة ضخمة‬
‫للصناعة احلديثة‪ .‬وهو يقوم هنا‪ ،‬للمرة األخرية يف السينما‪ ،‬بدوره التقليدي الذي اشتهر به منذ أن بدأ العمل يف السينما‪ ،‬أي دور‬
‫شارلي الصعلوك‪ ،‬وهو يبحث عن عمل يف أحد تلك املصانع من دون أن ميلك اخلربة الكافية للتأقلم مع نظام العمل اجلديد‪ .‬إننا نراه‬
‫أوال يف مصنع لألدوات املعدنية‪ ،‬كل ما هو مطلوب منه أن ميسك بآلتني يتابع بهما القطع املتحركة اليت تتواىل أمامه بسرعة لكي‬
‫يربط املسمارين املوجودين يف كل قطعة ضمن صف طويل من العمال الذين يسبقونه يف العمل حبكم خربتهم‪ ،‬بينما يرتبك هو‬
‫ويربك اآلخرين‪ ،‬ليعود يف االجتاه املعاكس لتعويض ما فاته‪ ،‬مما يتسبب يف وقوع فوضى تؤدي إىل طرده من العمل‪.‬‬
‫يف هذه األجواء املتوترة‪ ،‬وأثناء سريه يف شوارع املدينة‪ ،‬وسط االحتجاجات‪ ،‬يسقط علم أمحر من احدى الشاحنات أمامه‪ ،‬فيحمله‬
‫ملوحا به لسائق الشاحنة‪ ،‬فتأتي الشرطة لقمع املتظاهرين‪ ،‬ويودع شابلن بالسجن بتهمة «تزعّمه املعارضة الشيوعية»‪ .‬تتواصل‬
‫أحداث الفيلم ما بني اتهامه باجلنون وبني زعامة املعارضة وبني سارق‪ ،‬يف مفارقة لبؤس االنسان الكادح البسيط‪.‬‬
‫يشعر شابلن بعبثية احلياة وما يدور بها‪ ،‬وال ينقذه من ذلك اال وقوعه يف حب فتاة متشردة يتيمة (بوليت غودار) اليت يُقتل أبوها يف‬
‫احدى التظاهرات االحتجاجية للعمال‪ ،‬اعتادت الفتاة ان تسرق لتأكل‪ ،‬يف مشهد عبّر عنه شابلن وكان أقرب للرؤية االشرتاكية‪،‬‬
‫يف مطالبها باملساواة االجتماعية وتوزيع الثروات‪ ،‬من خالل سرقتها للموز وتوزيعه على احملرومني‪.‬‬
‫بعد حماوالت عديدة يقوم بها احلبيبان يف سعيهم الجياد فرص عمل وعدم متكنهما من ذلك‪ ،‬تشعر حبيبته خبيبة أمل‪ ،‬وبعدمية‬
‫احلياة‪ ،‬فيدعوها للبحث عن تأويالت جديدة للعيش بسعادة‪ ،‬ويكون للروح االنسانية مكانا فيها‪ ،‬من خالل احلب والتفاؤل واالرادة‪،‬‬
‫وحتى من خالل احللم‪ ،‬مع علمه باستحالة أمر كهذا‪ .‬وبعد ان أعلن االنسان نفسه أنه السيد على الطبيعة بعد الثورة الصناعية وما‬
‫حققه من سيطرة على الطبيعة‪ ،‬ها هو اآلن يُسحق حتت اآلالت‪ ،‬دون اعتبار للقيم االنسانية معلنا «موت االنسان‪».‬‬
‫‪ /4‬العمل ومطلب العدالة ‪:‬‬

‫تبيّن لنا أن النجاعة تتحوّل اىل عقيدة اقتصادية يف النظام الرأمسالي ‪ ،‬وان املراهنة على هذه النجاعة ساهم يف افقار الطبقة‬
‫الشغيلة وخلق حالة من الالمساواة والطبقية اجملحفة داخل اجملتمع‪ ،‬بني من ميتلكون وسائل االنتاج وتعين هلم النجاعة مزيد من‬
‫امناء الثروة ‪،‬وبني العمال الذين حرموا من امللكية وكانت النجاعة بالنسبة اليهم مزيد من الفقر واالستغالل واالغرتاب‪.‬‬
‫حتدث "روجيه غارودي " عن خطورة النظام الرأمسالي على االنسان عامة ‪ ،‬وهو يقول يف كتابه البديل ‪":‬إنّ النظام الرأمسالي ‪ ،‬الذي‬
‫ميثل اقتصاد احلد األقصى من الربح غايته ‪،‬والنمو للنم و قانونه األوّل ‪،‬لقادر على الظهور مبظهر الصحيح املعافى مهما تكن األهداف‬
‫املنشودة‪ ،‬الشيء األساسي أن يسري حمرّك السيارة على ما يرام ‪ ،‬وال أهمية بعد ذلك لوجهة سري السيارة "‪ .‬ويقصد غارودي من هذه‬
‫العبارة ‪،‬أن حضارة ديانة السوق (الرأمسالية) هي حضارة مادية تهتم بالربح على حساب اجلانب االنساني واألخالقي ‪ ،‬وأساسا على‬
‫حساب العدالة كقيمة عليا‪ .‬ان الرأمسالية مل تكن ذات مبادئ أخالقية إنسانيّة ‪ ،‬فهي يف أصلها مادية تصبو اىل الربح وعدم السؤال عن‬
‫الغايات و املقاصد األخالقية ‪ ،‬فما دعت اليه الرأمساليّة من عبادة املال واإلنتاج مهو إال تدمري لكل ما هو إنساني ‪.‬‬
‫تبني لنا أن املراهنة على النجاعة بالتفريط يف العدالة ومقتضياتها االجتماعية و االقتصادية والتغافل عن الظروف الالإنسانية اليت‬
‫يعاني منها العمل والوضع البائس لإلنسان العامل‪ ،‬نتيجتها فقدان العمل لقيمته االنسانية ‪،‬والتشريع الستغالل العامل ‪،‬وانتهاك حقوقه‬
‫‪،‬واالعتداء على كرمته ‪،‬وتشيئه ‪،‬واغرتابه ‪،‬مبا يفقده متعة العمل وسعادته ‪،‬وجيعل العامل يشعر أنه خارج ذاته حينما يعمل ‪ ،‬بل ونفوره‬
‫من العمل " كما يف ّر الناس من الطاعون " على حد قول كارل ماركس ‪.‬‬

‫عمل ناجع – العدالة = االستغالل االغتراب ‪/‬التشيء‪/‬المعاناة‬


‫هذا ما يؤكد حاجة العمل اىل العدالة حتى يكون عمال إنسانيا ‪ .‬تبدو العدالة إذن مبدأ أساسيا من مبادئ العمل االنساني الذي يصون‬
‫حقوق العمال وكرامتهم االنسانية‪ .‬لذا ما فيتء انشغال الفالسفة واملفكرون يف كل عصر وزمان مبحاولة تقديم أطروحات فكرية‬
‫حول العدالة االجتماعية سعياً الستشراف آفاق تلك العدالة؛ وصوالً إلجاباتٍ عن سائر األسئلة املتعلقة بقضاياها املتشابكة واملعقدة‪،‬‬
‫فلئن بدأ أمر استخالص املفهومات الكلية لقضايا العدالة االجتماعية ميسوراً للوهلة األوىل؛ إال أن األمر سرعان ما يزداد تعقيداً كلما‬
‫مضينا أشواطاً أعمق وأبعد يف تناول جتليات العدالة االجتماعية على سائر مساراتها االقتصادية والقانونية والسياسية وحنو ذلك‪.‬‬
‫فما املقصود بالعدالة ؟ ماذا يعين أن يكون العمل عادال ؟ ما احلد الفاصل بني العمل العادل ‪،‬والعمل غري العادل ؟ ما هو أساس هذه‬
‫العدالة ‪ :‬املساواة أم االنصاف ؟ هل تقتضي العدالة يف دنيا العمل توزيعا متساويا للثروة ‪ ،‬أو لألجور واألرباح دون اعتبار للجدارة والكفاءة‬
‫‪ ،‬أم أن العدالة يف االنصاف واعطاء كل ذي حق حقه ‪ ،‬ونعلن أنه لكل حسب مساهمته يف اخلري العام؟‬
‫العدالة‪ :‬ق د يكون األيسر تعريف العدالة بالسلب ‪،‬أي تفسري العدالة بضدها ‪ ،‬فالعدالة بهذا املعنى ضدّ الظلم ‪ ،‬هي منع الشر الكامن يف‬
‫الظلم ‪ ،‬وذلك بواسطة قواعد مفروضة سواء أكانت تعاقدية أم عقابية ‪ .‬فمفهوم العدالة االجتماعية يعين تعميماً "حالة عمادها‬
‫وحمورها إقامة العدل يف اجملتمع وانتفاء الظلم فيه‪. ".‬على حنوٍ دائم يبدو األيسر جتلية ملفهوم "العدالة االجتماعية" باإلحالة إىل‬
‫املفهوم النقيض أي "الظلم االجتماعي" ‪ ،‬وهو سياق خيلص بنا إىل أن جوهر مفهوم العدالة االجتماعية يتجلى بالدرجة األوىل على حنوٍ‬
‫أكثر ظهوراً حبسبانه مفهوماً أخالقياً وحقوقياً‪ ،‬بالنظر لكون فكرة "الظلم" حتيل مباشرة وبصورة جلية باجتاه حقليَّ القيم واحلقوق‪.‬‬
‫وانتفاء الظلم االجتماعي يقتضي ضرورة نفي االستغالل بكافة جذوره وضروبه‪ ،‬والقهر‪ ،‬والفقر ‪،‬واحلرمان‪ ،‬واإلقصاء‪ ،‬والتبعية‬
‫‪،‬والتهميش االجتماعي‪.‬‬
‫أمّا على صعيد االجياب ‪ ،‬جند لفظ العدالة كمصطلح يقع يف حقول دالالية متقاطعة مثل املساواة ‪،‬واملعاملة باملثل ‪،‬واالستقامة ‪،‬‬
‫واالنصاف ـ واحلق ‪ ...‬العدالة هي االحرتام الصارم والدقيق للحقوق بصفة عامة ‪ ،‬هي االرادة الراسخة والدائمة الحرتام كلّ احلقوق‬
‫وأداء كلّ الواجبات ‪.‬إنّها املقياس الذي ينظم العالقات االجتماعية ويكسب االنسان حصانة يف اقرتانه حبقوقه ‪ .‬إقامة العدل االجتماعي‬
‫تستلزم توطيد الكرامة اإلنسانية والوفاء باحلقوق وبسط احلريات وتكافؤ الفرص وتوسيع قاعدة املشاركة االجتماعية‪.‬‬

‫إن قضية العدالة ال تنفك موصولة بصورة وثيقة باملنظومة القيمية وبفكرة احلق وجتذرها‪ ،‬ومن ثم ال ميكن احلديث عن‬ ‫‪‬‬
‫العدالة االجتماعية مبعزل عن منظومة قيمة احلق والقيم اإلنسانية؛ حنو الكرامة اإلنسانية واحلرية واملساواة واالنصاف‪ ،‬فهذه القيم‬
‫متثل منظومة قيمية متكاملة حبيث ال ميكن اإلشارة إىل أحد هذه العناصر يف عزلة عن سائر مكونات هذه املنظومة القيمية‪.‬‬
‫العدالة االجتماعية يف دنيا العمل ‪ ،‬هي عبارة عن نظام اجتماعي اقتصادي‪ ،‬يهدف إىل تذليل وإزالة الفوارق االقتصادية بني طبقات‬
‫اجملتمع الواحد‪ ،‬حيث تعمل على توفري املعاملة العادلة وتوفري احلصة التشاركية من خريات اجملتمع للجميع‪ .‬وتتمثل يف النفعية‬
‫االقتصادية‪ ،‬والعمل على إعادة توزيع الدخل القومي‪ ،‬وتكافؤ الفرص‪ ،‬ويف تكافئ العائد مع اجلهد اإلنتاجي وحتول دون استغالل فئة أو‬
‫طبقة أو فرد للغري واغتصابهم مثرة كدهم دون وجه حق‪.‬‬

‫تعريف العدالة االجتماعية يكتنفه ما يكتنف القضية ذاتها من عدم اتفاق بالغ‪ .‬بل إنه يعتقد البعض أن السعي للعدالة‬ ‫‪‬‬
‫االجتماعية فخ ووهم وأنه جيب أن تقودنا مثل أخرى كاحلرية الفردية ‪.‬أما بني من يقبلونها كهدف ليس الكل واضحا فيما خيص‬
‫معناها‪ .‬هذا يعين أن مفهوم العدالة إشكالي ‪،‬ممّا يعزز أن الوصول اىل مفهوم مطلق للعدالة يف الفكر الفلسفي أو السياسي شيء ال ميكن‬
‫إثباته‪.‬‬
‫يطرح االشكال خاصة حول أساس هذه العدالة بني املساواة واإلنصاف ‪:‬‬
‫هل العدالة هي أن يكون الناس سواسية رغم االختالفات و الفروقات بينهم يف القدرات واملؤهالت‪ ,‬أم أنها ينبغي أن تكون قائمة على‬
‫االنصاف وبالتالي اعطاء كل ذي حق حقه وان كان ذلك قد جييز الالمساوة ؟ هل من العدل أن نساوي يف توزيع الثروة دون متيز بني‬
‫من ميلك ومن ال ميلك‪ ،‬أو دون متيز بني عامل جمتهد و آخر غري جمتهد ؟ أال تستحيل املساواة املطلقة اليت ال تراعي الفروقات اىل‬
‫ضرب من الظلم ‪ ،‬مبا جيعل من الالمساواة مشروعة وضرب من االنصاف ؟‬

‫العدالة ومبدأ المساواة ‪:‬‬


‫المساواة‪ :‬هي التماثل بني اجلميع يف احلقوق والواجبات دون متييز بسبب اللون العرق ‪ ,‬الدين او احلالة االجتماعية وتوافر معاملة‬
‫مساوية لكل بين البشر‪ ،‬والغاء الفوارق املوجودة واليت تظهر حبكم الطبيعة ‪ .‬يرتكز حق املساواة على حقيقة أن البشر متساوين فيما‬
‫بينهم‪ ،‬أي‪ :‬ال يوجد أناس فوق أناس‪ ،‬أو أناس حتت أناس‪ .‬حق املساواة هو حق أساسي يف اجملتمع الدميوقراطي فاجلميع متساوون يف‬
‫احلقوق والواجبات ال فضل الحد علي اخر‪.‬‬
‫ظلت فكرة عدم املساواة حاضرة تارخييا لدي طائفة من االجتاهات الفلسفية ذات األثر املمتد يف التاريخ اإلنساني؛ فهذا أفالطون كان‬
‫يرى أن البشر غري متساوين يف اجلوهر‪ ،‬بل مثة قلة من البشر تقف فوق اآلخرين مجيعاً يف قدرتهم على الفهم الفلسفي املاثل يف إدراك‬
‫ومعرفة اخلري‪ ،‬وعلى نهجه سار تلميذه ارسطو الذي رأى عدم املساواة بني البشر‪ ،‬وأن مثة اختالفات جذرية تفصل بني البشر‪ ،‬وهو ذات‬
‫املنحى الذي اختطه الحقاً نيتشه الذي "هاجم فكرة املساواة اليت رآها إحدى حيل اليت تسحق بها اجلماهري خبستها وحقدها العظمة‬
‫البشرية" ‪ .‬ويف العصر احلديث نظر اجلراح الفرنسي "ألكسيس كاريل" إىل العدالة اإلجتماعية من منظور علمي حيث رأى أن النظام‬
‫الطبيعي مبين على فكرة الطبقات البيولوجية وهي ضرورية خللق توازن غذائي وتوازن بيئي والنظام اإلجتماعي العادل هو الذي حيرتم‬
‫التفاوت قال يف كتابه "اإلنسان ذلك اجملهول"‪ " :‬يف األصل ولد الرقيق رقيقا والسادة سادة حقا واليوم جيب أال يبقى الضعفاء صناعيا يف‬
‫مراكز الثروة والقوة‪ ...‬ال مفر من أن تصبح الطبقات اإلجتماعية مرادفة للطبقات البيولوجية" وحجته يف ذلك أن هذا النظام يسمح‬
‫ألصحاب املواهب من اإلرتقاء يف السلم اإلجتماعي سواء الذين ميتلكون القدرات البدنية أو العقلية‪.‬‬
‫ومن األنظمة اإلقتصادية احلديثة اليت جعلت من التفاوت أساسا لتحقيق العدالة النظام الرأمسالي ألن التفاوت يكرّس احلرية‬
‫ويشجع املنافسة ويسمح بفتح املبادرات الفردية ويوسع جمال اإلبداع يقول آدم مسيث "دع الطبيعة تعمل ما تشاء" ويف تفسري ذلك قال‬
‫يف كتابه"حبوث يف طبيعة وأسباب رفاهية األمم‪" :‬املصلحة العامة متضمنة يف املصلحة اخلاصة والتنافس شرط العدالة اإلجتماعية"‬
‫إذ ال جيب مساواة الفرد العبقري املبدع بالفرد العادي الساذج‪ ،‬وال العامل اجملد البارع بالعامل الكسول اخلامل‪ ,‬بل ال بد من اإلعرتاف بهذا‬
‫التفاوت وتشجيعه ألن ذلك يبعث على اجلهد والعمل‪.‬‬
‫على النقيض من القائلني بالتفاوت أو الالمساواة كأساس للعدالة ‪ ،‬يرى بعض الفالسفة والعلماء أن العدالة اإلجتماعية احلقة جيب‬
‫أن تتأسس على املساواة‪ ،‬على إعتبار أن العدالة اإلجتماعية تعين املساواة بني مجيع األفراد يف احلقوق والواجبات وأمام القانون‪ .‬يدافع‬
‫عن هذه األطروحة فالسفة القانون الطبيعي وفالسفة العقد اإلجتماعي وكذا أنصاراملذهب اإلشرتاكي وما يؤكد ذلك أن األفراد‬
‫حسب فالسفة القانون الطبيعي كانوا يعيشون يف حالة الفطرة وكانوا يتمتعون مبساواة تامة وكاملة فيما بينهم‪ ,‬ومارسوا حقوقهم‬
‫الطبيعية على قدم املساواة لذلك فاألفراد سواسية وعليه فالعدالة يقتضي املساواة بني مجيع األفراد يف احلقوق والواجبات حبكم‬
‫طبيعتها املشرتكة ومادام الناس متساوون يف كل شيئ فما على العدالة إال أن حترتم هذه املساواة لذلك قال اخلطيب الروماني‬
‫شيشرون‪ " :‬الناس سواسية ال يوجد شيئ أشبه بشيئ من اإلنسان باإلنسان لنا مجيعا عقل ولنا حواس وإن إختلفنا يف العلم فنحن‬
‫متساوون يف القدرة على التعلم"‬

‫العدالة ومبدأ االنصاف‪:‬‬


‫االنصاف ‪ :‬هو الشعور التلقائي الصادق مبا هو عدل أو جور‪ ،‬واإلنصاف‪،‬حقوقيا‪ ،‬التقيد بنص القانون ألنه عدل طبيعي‪ ،‬ال عدل شرعي‪ ،‬و‬
‫هو أمسى من القانون الوضعي و أكثر مرونة منه‪ .‬وهو كذلك هو العدل يف املعاملة بأن ال يأخذ من صاحبه من املنافع إلّا ما يعطيه‪ ،‬وال‬
‫ينيله من املضارّ إلّا كما ينيله‪.‬‬
‫االنصاف هو أن يعطي صاحبه ما عليه بإزاء ما يأخذ من النّفع‪ ،‬وهو استيفاء احلقوق ألربابها واستخراجها باأليدي العادلة والسّياسات‬
‫الفاضلة‪ .‬زد على ذلك االنصاف هو أن تعطي غريك من احلقّ مثل الّذي حتبّ أن تأخذه منه لو كنت مكانه ويكون ذلك باألقوال‬
‫ب ومع من نكره‪.‬‬
‫واألفعال‪ ،‬يف الرّضا والغضب‪ ،‬مع من حن ّ‬
‫قاعدة أو مبدأ اإلنصاف‪ ،‬هي قاعدة تقضي من جهة حق كل األفراد يف االستفادة بالتساوي من نفس احلقوق األساسية‪ ،‬ومن جهة‬
‫ثانية عدم وضع عوائق أمام أولئك الذين حبكم مواهبهم الطبيعية أو ظروفهم‪ ،‬يوجدون يف وضع أحسن‪ ،‬شريطة أن يكون لباقي األفراد‬
‫حق االستفادة أيضا من هذا الوضع ‪.‬‬
‫ال تعنى العدالة أن يتساوى اجلميع يف الدخل والثروة‪ .‬ولكن ما تعنيه هو أن أي فوارق يف الدخل والثروة البد أن تكون هلا أسباب وجيهة‬
‫ومعروفة للجميع‪ .‬فما جيعل التفاوت يف الثروة والدخل مشروعا هو أن تكون له فائدة للمجتمع ككل‪ ،‬كأن يكون حافزا للتقدم‬
‫والعمل واملبادرة‪ ،‬وليس أن يكون ناجتا عن أوضاع موروثة ومستمرة وال ميكن تغيريها يف املستقبل‪ .‬فاألصل يف اجملتمع هو أن يتساوى‬
‫اجلميع يف فرص العيش وفرص التقدم بقدر املستطاع‪.‬‬
‫فالعدالة تقوم على فكرة املساواة ولكن مبعناها اإلجيابي‪ .‬فاملساواة هنا ال تعنى فرض التساوي بني اجلميع يف الدخل والثروة‪ ،‬ولكن‬
‫إتاحة الفرص املتساوية هلم يف حرية احلركة واملبادرة‪.‬‬
‫إ ن العدالة املنصفة هي اليت تراعي اختالفات الناس ومتايز طبائعهم وقدراتهم واستعداداتهم ومؤهالتهم‪ ،‬فالناس يتفاوتون فيما بينهم‬
‫تفاوتا إجيابيا وخالقا‪ ،‬ومن الالعدل اإلقرار مبساواة مطلقة‪ .‬املساواة هنا هي حتقيق تساوي الفرص بني أفراد اجملتمع واالنصاف يكون‬
‫اجلائزة اليت يتلقاها الفرد من قبل الدولة على عمله االنتاجي ويكون ذلك بشكل منصف وعادل‪.‬أي أن نتعامل مع األفراد على اساس‬
‫منصف عند توزيع ما يستحقونه‪.‬‬

‫يذهب "ماكس شيلر" اىل أنّ العدالة ال حتقق باملساواة وامنا باالنصاف ‪ ،‬فالعدالة ال تتمثل يف املطالبة باملساواة املطلقة بني الناس؛ ألنها‬
‫مساواة جائرة ما دامت ال تراعي الفروق بني األفراد فيما خيص الطبائع واملؤهالت اليت يتوفرون عليها‪ .‬فالعدالة املنصفة هي اليت‬
‫تراعي اختالف الناس ومتايز طبائعهم ومؤهالتهم‪ .‬ومن الظلم أن نطالب باملساواة املطلقة بني مجيع الناس؛ ذلك أن وراء هذه املطالبة‬
‫باملساواة كراهية وحقد على القيم السامية‪ ،‬ورغبة دفينة يف خفض مستوى األشخاص املتميزين إىل مستوى األشخاص الذين هم يف‬
‫أسفل السلم‪.‬‬
‫هكذا ينتقد ماكس شيلر ما يسميه باألخالقية احلديثة اليت تقول بأن مجيع الناس متساوون أخالقيا‪ ،‬وبالتالي تنفي التفاوتات‬
‫املوجودة بينهم على مستوى ما يتوفرون عليه من مؤهالت‪ .‬ويرى أن هذه املساواة املطلقة هي فكرة عقالنية نابعة من حقد وكراهية‬
‫الضعفاء ومن هم يف أسفل درجات السلم جتاه األقوياء الذين ميتلكون مؤهالت وقدرات أكثر من غريهم جتعلهم يتواجدون يف أعلى‬
‫السلم االجتماعي‪ .‬وبدال من هذه األخالق العقالنية اليت تنادي باملساواة الصورية والنظرية‪ ،‬يقرتح شيلر ما أمساه باألخالق املوضوعية‬
‫اليت تأخذ بعني االعتبار الفوارق بني الناس على أرض الواقع‪ .‬وهنا تكمن العدالة املنصفة اليت حتافظ على القيم السامية اليت يتمتع بها‬
‫‪.‬‬ ‫األشخاص املتفوقون ‪.‬‬

‫أرسطو ( ‪ 483‬ق‪.‬م ‪ 433 -‬ق‪.‬م )‬


‫أن العدالة حسب أرسطو‪ ،‬مرتبطة يف العمق بالواقع وحبقوق الناس وبانتظاراتهم داخل الدولة ‪ ،‬فبدل احلديث عن العدالة باعتبارها‬
‫تنظيم وسيطرة على قوى النفس الشهوانية والغضبية (أفالطون ) يلزم احلديث عن العدالة من زاوية العالقات اليت تربطها بالقوانني‬
‫املنظمة للعالقات بني الناس‪ ،‬وهكذا يتفق أرسطو على أن العدالة قيمة أخالقية "تبهرنا بلمعانها أكثر من انبهارنا بلمعان جنمة يف‬
‫قلب السماء"‪.‬‬

‫يؤكد أرسطو على أنه ال ميكننا استيعاب مفهوم العدالة إال بربطه مبفهوم الفضيلة وهو هنا يتفق مع رأي أفالطون وسقراط‪ ،‬لكن‬
‫أرسطو يرى أن الفضيلة ترتبط بالعادة‪ ،‬والعادة تنمو وتتطور بفضل وجود استعداد طبيعي لدى اإلنسان مينحه القدرة على قبول‬
‫الفضيلة‪ ،‬والفضيلة هلا ارتباط باآلخرين من الناس‪ ،‬لذلك فتبادل اخلريات يفرض علينا طرح السؤال التالي وهو‪ :‬كيف ميكن‬
‫لإلنسان أن حيقق العدالة إذا كان الناس يف األصل غري متساويني؟‬

‫وجيب أرسطو على أنه جيب أن منيز يف العدالة بني مفهومني‪ ،‬األول عام والثاني خاص‪:‬‬

‫والعدالة باملعنى األول تعين اخلضوع للقوانني وللضمري األخالقي‪ ،‬حفاظا على املصاحل العامة‪ ،‬وبذلك تكون مرادفة للفضيلة‪.‬‬

‫أما العدالة باملعنى الثاني فتعين املساواة‪ ،‬ويف هذه احلالة تسمى العدالة إنصافا ‪ Equité‬وحينما تصبح العدالة إنصافا نكون أمام‬
‫نوعني من العدالة حسب أرسطو‪:‬‬

‫عدالة توزيعية ‪ Justice distributive‬وتعين توزيع اخلريات وثروات اجملتمع على أفراده حسب طاقاتهم وأعماهلم‪ .‬واحلصة‬
‫املنصفة اليت حيصل عليها شخص ما ال تكون بالضرورة حصة متساوية مع غريه؛ فالتناسب بني احلصص جيب أن خيضع للتناسب‬
‫بني األشخاص‪ .‬وإذا مل يكونوا متساوين فمن العدل ألّا تتساوى حصصهم‪ .‬وقد كتب أرسطو يف كتاب األخالق النيقوماخية" ‪:‬إن‬
‫أصل النزاعات هو يف حصول متساوين على أشياء غري متساوية‪ ،‬ويف حصول غري متساوين على أشياء متساوية‪. " ...‬والعادل هو‬
‫املتن اسب‪ ،‬أمّا غري العادل فهو الذي خيرق التناسب‪ ،‬أي إذا حصل توزيع للخريات ونقيضها (حتمّل ما هو عكس اخلريات أي الشرور أو‬
‫األعباء) ‪ ،‬جيب أن جيري ذلك مبا يتناسب مع املساهمات اليت يقدّمها األفراد‪ ،‬وحيصل الظلم الذي يتناقض مع هذه العدالة عند عدم‬
‫االلتزام مببدأ التناسب‪.‬‬
‫عدالة تعويضية ‪ Justice corrective‬وتتمثل يف تنظيم املعامالت بني أفراد اجملتمع على أساس القوانني واألعراف‪ .‬وهدفها هو‬
‫تصحيح السلوك اخلارج عما حتدده القوانني‪ ،‬فهي عدالة تعاقب اجملرم وتعوض أولئك الذين يذهبون ضحايا تطبيق القوانني‪.‬‬
‫وهكذا فإن غاية العدالة هو حتقيق اإلنصاف ويف هذا الصدد يقول أرسطو‪":‬ليس هناك أشخاص عادلون غري أولئك الذين يستنريون‬
‫بفكرة العدالة كإنصاف‪ ،‬أي أولئك الذين ميثلون روح القوانني" والعدالة ال توجد يف اجملتمع كممارسة إال حينما يكون أفراده عادلون‬
‫أو يطبقون العدالة‪ ،‬وإذا كانت العدالة ال تطرح أي مشكلة على املستوى األخالقي فإنها على املستوى العملي حينما ترتبط بالقوانني‬
‫تثري العديد من املشاكل‪ ،‬فما هو قانوني قد ال ينسجم دائما مع حقوق الفرد وقد ال يضمنها‪ ،‬فمن املمكن أن توجد القوانني غري عادلة أو‬
‫تطبق يف حاالت عامة أو خاصة‪،‬كما أن القانون لن يتضمن مجيع احلاالت اجلزئية‪ ،‬فما هو قانوني قد ال يؤدي إىل حتقيق العدالة‬
‫دائما لذلك يرى أرسطو بضرورة املرونة يف تطبيق القانون وتكييفه مع احلاالت اجلزئية املتنازع عنها ألن التطبيق احلريف قد يؤدي إىل‬
‫اإلخالل مببدأ العدالة وبروحها األمسى وهي اإلنصاف‪.‬‬

‫جون رولز‪1921( John Rawls‬م ‪2002 -‬م)‪:‬‬


‫ميكن أن نعدّ ما ينادي به رولز يف نظريّته للعدالة‪ :‬هو إعادة توزيع نتائج الفرص االقتصاديّة أو املنافع االقتصاديّة يف اجملتمع؛ فهو ال‬
‫يؤمن بأنّ وظيفة احلكومة تنحصر يف حفظ النّظام االجتماعيّ؛ بل تتعدّى ذلك إىل حتقيق العدل التّوزيعيّ‪ ،‬على حنو يراعي مصلحة‬
‫الشّرائح األكثر واألشد احتياجًا يف اجملتمع‪.‬‬
‫حسب الفيلسوف األمريكي جون رولز‪ ،‬تقوم العدالة على قاعدة أو مبدأ اإلنصاف‪ ،‬وهي قاعدة تقضي من جهة حق كل األفراد يف‬
‫االستفادة بالتساوي من نفس احلقوق األساسية‪ ،‬ومن جهة ثانية عدم وضع عوائق أمام أولئك الذين حبكم مواهبهم الطبيعية أو‬
‫ظروفهم‪ ،‬يوجدون يف وضع أحسن‪ ،‬شريطة أن يكون لباقي األفراد حق االستفادة أيضا من هذا الوضع‪.‬‬

‫يف كتابه " نظرية العدالة " ينطلق جون رولز يف تعريفه للعدالة بأنّها املبدأ القائم على االنصاف ‪ ،‬فالعدالة أن ينصف كلّ اآلخر يف‬
‫معاملته معه من جهة ‪ ،‬وينصف الفرد أفراد اجملتمع يف معاملته معهم من جهة أخرى ‪.‬‬

‫إن العدالة كإنصاف من منظور رولز "هي مفهوم سياسي للبنية األساسية جملتمع دميقراطي حديث " ومعنى هذا أن ارتباط العدالة‬
‫كأنصاف بالبنية األساسية للمجتمع الدميقراطي ‪ ،‬جيعلها مسألة سياسية ‪ ،‬وليست مسألة فلسفية أو أخالقية باملعنى املتعالي أو‬
‫باملعنى الكمالي‪ .‬وبشكل عام العدالة هي األساس األوّل للمؤسسات االجتماعية ‪ ،‬وشرط جوهري تقبل من خالله املؤسسات أو ترفض‬
‫وتلغى وتستبدل مبؤسسات أخرى عادلة‪.‬‬
‫انطلق جون رولز يف تأسيسه ملبادئ العدالة ومن خالل نظرته اىل اجملتمع على أنّه نظام منصف من التعاون بني مواطنني معتربين‬
‫أحرار ومتساوين ‪ ،‬من السؤال التالي ‪ ”:‬ماهي مبادئ العدالة األكثر مالءمة لتعني احلقوق األساسية واحلريات ‪ ،‬ولتنظيم ظواهر‬
‫الالمساواة االجتماعيّة واالقتصاديّة يف نظرات املواطنني العامة على مدى حياة كاملة ؟ “‪.‬‬

‫من أهم مبادئ العدالة حسب راولز‪:‬‬

‫مبدأ الحرية والمساواة‪ :‬يضمن هذا املبدأ احلريات األساسية ألفراد اجملتمع ‪ ،‬وهذا ما يقرّه جون رولز يف قوله ‪ ":‬يتطلب املبدأ األول‬
‫ببساطة أن أنواعا معينة من القواعد ‪ ،‬تلك اليت تعرف احلريات األساسيّة ‪ ،‬أن تنطبق على كلّ شخص بالتساوي وأن تسمح باحلرية‬
‫الواسعة القصوى املتوافقة مع حرية مماثلة للجميع"‪ .‬ويقصد رولز باحلريات األساسية ‪،‬تلك احلريات السياسية ‪،‬كاحلق يف‬
‫التصويت واعتالء املناصب واملسؤوليات العمومية ‪ ،‬وحرية التعبري ‪،‬واالجتماع ‪ ،‬واحلق يف امللكيات الشخصيّة ‪...‬اخل‪ .‬وهذه احلريات‬
‫متساوية بني اجلميع دون التفرقة والتميز بينهم ‪.‬‬

‫مبدأ التفاوت أو االختالف‪ :‬وهو املبدأ القائل بوجوب قبول أنواع التفاوت االجتماعية واالقتصاديّة ‪ ،‬شريطة أن تكون منظمة لصاحل‬
‫األقل حظا ‪ ،‬وأنها تكفل هلؤالء وضعا مرضيا‪ .‬وتربز صيغة هذا املبدأ الثاني من مبادئ العدالة كإنصاف يف قول رولز ‪ ":‬جيب ترتيب‬
‫حاالت الالمساواة االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬حبيث تكون أوّال متوقعة بشكل معقول على أنها ملصلحة كل شخص ‪ ،‬وثانيا االلتحاق‬
‫باملواقع واملناصب يكون مفتوحا للجميع "‪.‬‬
‫ففيما خيص هذا املبدأ الثاني ‪ ،‬فهو ناجم عن احلظوظ املكتسبة التابعة للمواهب واألوضاع االجتماعية والظرفية ‪،‬وكل ما يستحيل‬
‫التساوي فيه بني البشر نظرا لتدخل املواهب املتفوتة يف الثروات واملراكز ‪ .‬هنا يقتضي األمر أن تنتظم هذه الفروق حبيث ختدم الكل ‪،‬‬
‫وتبقى مفتوحة للكل ‪ .‬إن التفاوت حسب رولز يكون عادال فقط إذا كان موجها للفئات احملرومة واألقل حظا ‪ ،‬وهذا بدوره خيدم هذه‬
‫الفئة لكي حتسّن من وضعيتها وظروفها االجتماعية ‪ ،‬وتتحوّل اىل فئات منتجة بفضل املزايا اليت يوفرها هلا التفاوت ‪ ،‬وبالتالي خترج‬
‫من دائرة الفئات احملرومة اليت تتكل على غريها‪.‬ومن هنا يتحول اجملتمع بالتدرّج اللى جمتمع قوي‪ ،‬منتظم ‪ ،‬ومتعون ‪ ،‬وظروفه‬
‫االجتماعية جيدة ‪.‬‬
‫إذن‪ ،‬يالحظ هنا أن راولز حياول وهو يؤسس للمبادئ الكربى املؤسسة جملتمع عادل‪ ،‬الدمج ما بني أسس العدالة واحلرية واملصلحة‬
‫اجلماعية‪ ،‬لكن العماد الذي تقوم عليه أطروحته يتمثل يف ضرورة حتقيق اجملتمع ملنطلقات طبيعية‪ ،‬تتمثل وجوباً يف املساواة‪ ،‬وهي‬
‫املنطلق األساس ألي تعاقد اجتماعي‪ ،‬قبل أي تفكري يف العدالة‪.‬‬
‫‪ /4‬التوافق بين العدالة والنجاعة وشروطه‪:‬‬

‫السند‪ :‬العدالة والنجاعة ( الكتاب المدرسي ص ‪)75/75‬‬


‫أريك فايل ( ‪ 4091‬ـ ‪)4055‬‬

‫متهيد ‪ :‬نعيش اليوم اخنراما كبريا للمعادلة والتوازن الكبري بني النجاعة االقتصادية والعدالة االجتماعية ‪.‬والتحدي األكرب الذي‬
‫يعرتض االنسانية يكمن يف ضرورة إعادة بناء هذا التوازن بني اجلانب االقتصادي واجلانب االجتماعي هلذه املعادلة من خالل بناء عقد‬
‫اجتماعي جديد‪.‬‬
‫ومن الناحية النظرية ميكن اإلشارة إىل ثالثة تصورات كربى للتعاطي مع معادلة النجاعة االقتصادية والعدالة االجتماعية‬
‫‪.‬التصور األول هلذه املعادلة يتعلق بالتصور الليربالي ‪،‬وتدافع النظريات الليربالية على رؤيا تعطي األولية للنجاعة االقتصادية على‬
‫حساب العدالة االجتماعية ‪.‬فبالنسبة هلذه النظريات فإن املسألة األساسية بالنسبة للمجتمعات الرأمسالية تكمن يف حتسني املردودية‬
‫والنجاعة االقتصادية اليت تساعد وتساهم يف دفع االستثمار والديناميكية االقتصادية ‪.‬وميكن هذا التطور من حتسني الثروة واخذ‬
‫املطالب االجتماعية بعني االعتبار ‪ .‬إال أن هذا التمشي كان وراء ظهور وتطور التفاوت االجتماعي والتهميش مما اثر سلبا على‬
‫االستقرار السياسي لألنظمة الرأمسالية‪.‬‬
‫أما التصور الثاني هلذه املعادلة فيخص التصور الشيوعي والذي دافع عن أولوية العدالة االجتماعية ضاربا يف الكثري من األحيان‬
‫عرض احلائط بالنجاعة االقتصادية ‪ .‬وكان من نتائج هذا التمشي تراجع اإلنتاجية واملردودية االقتصادية واليت قادت األنظمة‬
‫الشيوعية إىل أزماتها وانهيارها بعد سقوط جدار برلني سنة ‪. 1919‬‬
‫أما التصور الثالث فهو الرؤيا الرباقماتية لطريف هذه املعادلة يف حماولة إجياد توازن بني املردودية االقتصادية والعدالة االجتماعية‪.‬‬
‫‪ ‬املشكل املطروح‪ :‬العالقة بني النجاعة والعدالة ‪.‬‬
‫‪ ‬اريك فايل ينزل هذا االشكال يف سياق سياسي ‪ ،‬فمشكل العالقة بني النجاعة والعدالة ( انفصال ‪/‬ترابط) يتحدّد حبسب طبيعة‬
‫الدولة او احلكومة‪ ،‬وتوجهاتها السياسية‪ ،‬وخياراتها االقتصادية‪ ،‬وخلفياتها االيديولوجية (ليربالية‪ /‬او اشرتاكية)‪.‬‬
‫‪ ‬االشكالية املركزية ‪ :‬ما السبيل اىل حتقيق وجود سياسي أمثل حيفظ للعامل حقوقه مبا هو مواطن ؟ هل يكون ذلك بالفصل بني‬
‫النجاعة والعدالة على حنو ما نهجت احلكومات الرأمسالية أو االشرتاكية ‪ ،‬ام يكون باملصاحلة و اجلمع بينهما‪ ،‬حتى تكون‬
‫النجاعة عادلة ‪،‬والعدالة ناجعة ؟ كيف يكون التوفيق بني النجاعة االقتصادية والعدالة االجتماعية معيارا للتمييز بني النظم‬
‫االجتماعية والسياسية السليمة وغري السليمة ؟ وبأي معنى تكون املصلحة الكونية هي الرابط اجلوهري بني النجاعة والعدالة ؟‬
‫‪ ‬األطروحة املثبتة ‪ :‬أنّ العالقة بني النجاعة والعدالة ‪ّ ،‬‬
‫تتحدد بما هي تشارﻃية‪ ،‬ومسﺆولية السياسي تكمن في التأليف و إيجاد‬
‫متطلبات العدالة االجتماعية و مقتضيات النجاعة االقتصادية ‪.‬‬
‫المالﺀمة بين ّ‬
‫‪ ‬األطروحة املستبعدة‪ :‬املواقف االيديولوجية والسياسية اليت اما تنتصر للنجاعة وتفوت يف العدالة ‪،‬أو العكس تراهن على العدالة‬
‫مع التفريط يف النجاعة ‪.‬‬
‫‪ ‬نقد الفكر الليربالي ‪،‬والدولة الرأمسالية اليت راهنت على النجاعة الغري عادلة ‪.‬‬
‫‪ ‬نقد الفكر املاركسي ‪ ،‬والدولة االشرتاكية اليت راهنت على العدالة الغري ناجعة‪.‬‬
‫‪ ‬بنية النص ‪1 :‬ـ الفصل بني النجاعة والعدالة وسلبياته ‪2 /‬ــ التالزم بني النجاعة والعدالة ومبقتضياته ‪.‬‬

‫‪ /1 ‬الفصل بني النجاعة والعدالة وسلبياته ‪:‬‬


‫اريك فايل ‪ " :‬إنّ العدالة من غري النجاعة ال تعين شيئا ‪ ،‬وإ ّن النجاعة ال تعين شيئا من غري العدالة "‬
‫‪ ‬بهذا القول يؤكد " فايل " على العالقة التالزمية التشارطية بني النجاعة والعدالة ‪ ،‬واستحالة تصور كل قيمة منهما‬
‫مبعزل عن ارتباطها بالقيمة األخرى ‪ .‬وبالتالي كل عملية للتفكري يف النجاعة من غري العدالة ‪ ،‬أو يف العدالة من غري النجاعة غري‬
‫ممكنة ‪،‬وال ميكن أن جتد هلا حتققا فعليا يف دنيا الواقع والعمل‬
‫أريك فايل يعبّر عن رفضه لكل تصور فلسفي‪ ،‬أو ايديولوجي ‪،‬أو كل ممارسة سياسية اقتصادية ‪ ،‬أساءت فهم هذه الرابطة الضرورية‬
‫بني النجاعة والعدالة ومتثلت كل قيمة مبعزل عن األخرى‪ ،‬وبالتالي كانت النتيجة الفصل القسري بني ماهو اقتصادي نفعي‬
‫‪،‬وماهو اجتماعي أخالقي ‪.‬‬
‫يطرح أريك فايل مقاربة واقعية إلشكالية النجاعة والعدالة ‪،‬انطالقا من استنطاق التاريخ ‪ ،‬ليسأل عن واقع الدول واحلكومات‬
‫وخياراتها االقتصادية واالجتماعية وسياساتها اليت نهجتها واألولويات والغايات اليت وضعتها بني النجاعة والعدالة ‪.‬وهو يوجه نقدا‬
‫صرحيا لكل احلكومات اليت بنت سياستها على الفصل التام بني هتني القيمتني ‪ ،‬ففشلت يف حتقيق ما راهنت عليه ‪،‬وأنتجت نظما‬
‫اجتماعية غري سليمة ‪.‬‬
‫أ ـ نقد احلكومة اليت راهنت على النجاعة وفرّطت يف العدالة ‪:‬‬
‫فايل " واحلكومة اليت تقصد اىل النجاعة بالتفريط يف العدل ‪ ،‬حكومة خاطئة وهي تتناقض ‪ ،‬وال تنجز شيئا يدوم ‪".‬‬
‫‪ ‬يوجّه فايل نقده هنا للنظام الرأمسالي الذي ينهج سياسة اقتصادية واجتماعية تطلب النجاعة‪ ،‬وتُنظّر يف املصلحة و التنظيم‬
‫و تتغافل عن مقتضيات العدالة االجتماعية ‪.‬‬
‫النظام الرأمسالي يقوم على أسس مادية نفعيّة صرفة ‪ ،‬يؤمن بالربح املادي حمفزا لألفراد على املبادرة واملخاطرة واستثمار رؤوس‬
‫األموال لكسب املزيد من األرباح ومضاعفة الثروات‪ ،‬و هذا دون السؤال عن الغايات والقيم ‪ ،‬فاملهم اجياد الثروة وتكديسها يف أيدي‬
‫مالكيها الربجوازيني دون اعتبار لكيفيّة توزيع هذه الثروة ‪.‬‬
‫إن الظروف االقتصادية والسياسية العامة متثل عقلنة نظامية لالستغالل واالضطهاد تدفع خاصة يف األنظمة الرأمسالية أو اقتصاد‬
‫السوق إىل سيادة قيم املردودية والنجاعة دون اعتبار للعدالة االجتماعية وحقوق العمال والبد من االنتباه إىل العالقة الوثيقة بني‬
‫االستغالل املباشر الذي ميارسه أرباب العمل و هذه التوجهات االجتماعية‪.‬‬
‫ـ ان نتيجة هذه النجاعة الغريعادلة ‪:‬‬
‫ـ احتكار الثروة لدى فئة حمدودة من االشخاص الربجوازيني داخل الدولة ‪،‬مع افقار الفئة الكربى ‪.‬وبالتالي سوء يف توزيع الثوة‬
‫ـ اختزال العمل يف بعده االقتصادي ال يؤدّي إالّ إىل احليف الذي يفضي بدوره إىل اغرتاب اإلنسان وتشيئته‪.‬‬
‫ـ االحتكار واالستعمار وحدوث فوضى يف االنتاج ‪.‬‬
‫ـ تفشي البطالة ‪ ،‬وظهور التضخم والتقلبات الدورية ‪.‬‬
‫ـ شعور الطبقة احملرومة باملعاناة والنقمة واحلقد الطبقي الذي يتم توجيهه ضد حكم الطبقة الرأمسالية‪.‬‬
‫ـ انعدام االستقرار واألمن بسبب احلركات االحتجاجية واالضرابات العمالية ‪.‬‬
‫‪ ‬النجاعة دون عدالة استغالل وفساد ‪،‬فاحنياز الدولة للنجاعة دون العدالة جيعلها غري عادلة وبالتالي غري قادرة على ضمان‬
‫استقرارها و استمرارها ‪،‬فالعدالة االجتماعية إذن ال انعدامها هي أمضى سالح لتثبيت النظام االجتماعي ‪ ,‬بكافة أطرافه‬
‫السياسية واالقتصادية واالجتماعية ‪ ،‬هلذا يقول فايل " إنّ نظاما غري عادل ‪،‬ينحل بفعل ارادة قدسيته الذاتية اليت حتميه وهي‬
‫النجاعة ‪".‬‬
‫قبل ‪ 171‬عاما تنبّأ كارل ماركس يف منشوره السياسي األشهر (البيان الشيوعي) بنهاية الرأمسالية قائال بأن الرأمسالية ال تُطّوّر‬
‫فقط الصناعات الكبرية وإمنا “تنتج قبل كل شيء حفار قربها”‪ ،‬واملقصود بذلك الربوليتاريا (أي الطبقة العاملة الصناعية) اليت‬
‫ستتوىل مهمة دفن النظام الذي يشكّل مصدر اضطهادها‪.‬‬
‫‪ ‬إن خطورة إستتباعات ربط العمل بالنجاعة يف املنظور الليربالي ً‪،‬يسٌتوجب إعادة التفكري من جديد يف شرعية هذا الربط‬
‫والتأكيد على أهمي ٌة مطلب العدالة باعتباره املبدأ الذي ميكَن من جتاوز تناقضات و إحراجات تأسيس العمل على النجاعة‪ .‬فهل‬
‫سيمثل النظام االشرتاكي حال ملشكل النجاعة والعدالة ؟‬
‫ب ‪ /‬نقد احلكومة اليت تطلب العدالة دون اعتبار املصاحل ‪:‬‬
‫فايل" إنّ احلكومة اليت تطلب العدل دون أن تريد اعتبار املصاحل ‪،‬حكومة غري عادلة ‪ ،‬ذلك أن املصلحة هي مدار اجملتمع "‬
‫يوجه فايل نقده هنا للنظام االشرتاكي الذي أراد ان يقطع مع سلبيات النظام الرأمسالي ويقدم بديال عنه ‪ ،‬وذلك بارجاع‬ ‫‪‬‬
‫األولية للعدالة املفقودة ‪ ،‬ولكن طلب العدل والتوزيع العادل للثروة كان على حساب النجاعة ودون التفكري يف مقتضيات انتاج الثروة‪.‬‬
‫يتلخص اهلدف االعظم للنظام االشرتاكي بشكل عام يف حتقيق املساواة االجتماعية بني مجيع الطبقات عن طريق توزيع الثروات‬
‫بشكل متساوي بني املواطنني من اجل دفعهم اىل العمل والتضحية من أجل اجملتمع‪.‬‬
‫ترى املاركسية أن العمال هم الذين خيلقون اإلنتاج وجيب أن ينتزعوا حقهم يف السيطرة على إنتاجهم وإدارته وحتديد كيفية‬
‫توزيعه عليهم (سُلطة الطبقة العاملة)‪ ،‬لذلك تدعي أن العدالة االجتماعية ستبدأ عندما يهدِم العمال عالقة اإلنتاج القائمة “عالقة‬
‫اإلنتاج الرأمسالية” ألنها قائمة على االستغالل ويقيموا مكانها “عالقة إنتاج اشرتاكية”‪ ،‬أي ملكية كلّ العمال لوسائل إنتاجهم‬
‫بالتساوي واشرتاكهم مجيعاً يف عملية اإلنتاج نفسها‪ ،‬ومشاركتهم بعضهم البعض بالتساوي يف إدارة هذه الوسائل وإدارة عملية‬
‫اإلنتاج كلها وأيضاً يف حتديد كيفية توزيع ناتج عملية اإلنتاج بينهم ‪ .‬وبعد ذلك يقوم اجملتمع االشرتاكي بدوره بإنشاء اجملتمع‬
‫الشيوعي ‪ ,‬فتختفي حينئذ كل معامل الظلم االجتماعي ‪ ,‬واالغرتاب والصراع الطبقي ‪ ,‬وتتحقق العدالة مباهي املساواة التامة ‪.‬‬
‫أن نتيجة هذه السياسة االشرتاكية ‪ ،‬وهذه العدالة الغري ناجعة ‪:‬‬
‫سيئًا‪" ،‬فحقُّ امللكيَّة الفرديَّة إذا منع؛ فال‬
‫ـ حرمان األفراد من حقِّ امللكيَّة اخلاصَّة أمرٌ ويؤثِّر يف احلافز الفرديِّ إلجناز األعمال تأثريًا ِّ‬
‫مكان للحافز على اإلنتاج‪ ،‬أو احلافز على االبتكار والتَّجديد‪ ،‬وال صوت يعلو على صوت اللَّامباالة واإلهمال‪ ،‬ويصبح النَّاس يف النِّهاية‬
‫القومي الَّذي اتَّخذه النِّظام االشرتاكيُّ على غري احلقيقة حافزًا لإلنتاج‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫شركاء يف الفقر واحلرمان‪ ،‬وينتكس الشُّعور‬
‫ـ انْخِفَاضُ إنْتاجِيَّةِ العُمَّال ‪ ،‬فالعامل عندما ال جيد نظامًا فعلًا للحوافز‪ ،‬فكلُّ عامل يتسلَّم أجرًا حمدَّدًا بغضِّ النَّظر عن إنتاجيَّته‪ ،‬وفقًا‬
‫ُل فَرْدٍ حسب قُدْرتِهِ‪ ،‬ولِكُلٍّ حسب حاجتِهِ‪".‬‬
‫ن ك ِّ‬‫لقاعدة‪" :‬مِ ْ‬
‫ـ عدم القضاء على االستغالل‪ :‬كان من نتاج التطبيق العملي للنظام االشرتاكي أنه مل يكن قادراعلى أن حتقق العدالة يف التوزيع بل‬
‫حدث خالف ما ادعا ه‪ ،‬فأصبح فائض القيمة الذي كان يذهب لصاحل الرأمساليني يف النظام الرأمسالي‪ ،‬يذهب إىل خزينة الدولة يف‬
‫النظام االشرتاكي‪ ، .‬وأصبحت العدالة يف التَّوزيع أمرًا يستحيل تواجده‪ ،‬وحلَّ حملَّها االستغالل‪.‬‬
‫العدالة دون جناعة فقر وحرمان ومساواة يف البؤس ‪ ،‬واحنياز الدولة للعدالة دون تفكري يف النجاعة واعتبار املصاحل ‪ ،‬جيعلها‬ ‫‪‬‬
‫عاجزة عن حتقيق فعلي للعدالة اليت تستحيل اىل جمرد شعار وعدالة وعظية طوبوية ليس هلا ما يقابلها يف الواقع ‪ ،‬وهلذا يقول فايل‬
‫" ان كلّ املواعظ حتى أنبلها وأخلصها يف اجملرد ‪،‬مل تساهم قطّ يف انشاء نظام أكثر عدال ما مل تتواضع لتأخذ يف االعتبار متطلبات‬
‫الواقع واملصلحة والتنظيم أي مقتضيات احلساب العقليّ‬
‫ليست العدالة إذن قيمة مطلقة بل هي مرتبطة بالنجاعة املادية‪ ،‬ذلك أنّه ال ميكننا أن نعدل إالّ عند وجود ما هو مادي وما هو‬ ‫‪‬‬
‫نافع فإذا مل تكن العدالة نافعة فانها تفقد ماهيتها وتصبح بال معنى‪ .‬وبالتالي من الضروري أن يوجد اإلنتاج و املنفعة‪ ،‬كي تكون‬
‫العدالة ممكنة؛ إ ّن النجاعة ليست قيمة مضادّة للعدالة بل هي شرط حتقّقها الفعلي‪.‬‬
‫‪ / 2 ‬التالزم بني النجاعة والعدالة ومقتضياته ‪:‬‬
‫ـ اريك فايل يتجاوز املواقف األحادية اليت اختزلت العمل اما يف بعده االقتصادي االنتاجي او االستهالكي أي يف عالقة بالنجاعة ‪،‬أو‬
‫اليت اختزلته يف بعده االجتماعي واالخالقي أي يف عالقة بالعدالة ‪ ،‬ومشروعه هو العمل على تثبيت العالقة بني العدالة والنجاعة‬
‫واحداث نوع من التوازن بني النجاعة كقيمة مادية وبني العدالة مبا هي عدالة اجتماعية وانصاف ‪.‬‬
‫يف هذا السياق كان صوت العقالنية النقدية اجلديدٌة الريك فايل‪،‬يدعو إىل ضرورة التسليم باحلقيقة التالية ‪ ":‬ان االنسان يف‬
‫اجمل تمع احلديث يتصرف وفق ما متليه املصلحة ‪ ،‬وهذه االعتبارات تصح على كل دول اليوم ‪ ،‬وان أقدم الدول هي اآلن بصدد اخلضوع‬
‫سريعا اىل الشكل احلديث للعمل "‪.‬‬
‫أن املنفعة هي اليت حترّك توجهات االفراد على حنو طبيعي ‪،‬وهي اليت حتكم كل اجملتمعات فكل جمتمع حمكوم يف نظام عالقاته بنوع‬
‫من املصاحل‪ ،‬وال ميكن ايضا تصور العمل يف اجملتمعات احلديثة اال يف عالقة باملصلحة ‪ ،‬فصاحب وسائل االنتاج او العامل كل منهما‬
‫يبحث عن خريه وماهو نافع له ‪.‬‬
‫ان الرابط بني النجاعة والعدالة هو املصلحة "فالعدالة يف دنيا الواقع والعمل هي عدالة من أجل املصاحل ‪ ،‬كما أنّ النجاعة هي تنظيم‬
‫املصاحل "على حد قول فايل ‪.‬فثمة إذن ربط جوهري بني العدالة والنجاعة وبني العدالة واملصلحة أي بني ما يقتضيه الوجود‬
‫اإلنساني من إمكانيات لفرض املعنى والقيمة وبني القدرات النفعية يف توسيع دائرة الربح وتأويج اإلنتاج اليت يفرضها فعل‬
‫املنافسة داخل السوق االقتصادية ‪.‬فما يربر املصاحلة بني النجاعة والعدالة حسب إيريك فايل هو ما يفرتضه واقع اإلنسان من‬
‫منافسة حقيقية جيب أال يتحوّل‪-‬بفعل هاجس املنفعة‪-‬إىل حلبة صراع تكون فيها األولوية املطلقة للمنفعة ال للعدالة كما‬
‫ذهبت إىل ذلك املدرسة املنفعية اليت ال تأخذ بشيء إال إذا كان يف خدمة املنفعة ولو تعلّق األمر بالعدالة ‪.‬‬
‫ان فايل ال بأخد باملصلحة أي كانت‪ ،‬وامنا ما يعنيه هو املصلحة الكونية من حيث هي تنظيم املصاحل الفردية يف اطار املصلحة‬
‫العامة ‪.‬وهذه املصلحة الكونية وحدها عادلة ومشروعة ‪ ،‬أما املصلحة الغري مشروعة فهي املصلحة الفردية اليت تتعارض مع‬
‫املصلحة العامة وتؤدي اىل فقدان اجملتمع لكيانه‪.‬‬
‫‪ ‬ان حتقيق املصاحلة بني ماهو ناجع ونافع وبني ماهو عادل ومنصف يقتضي ‪:‬‬
‫ـ مراجعة مفهوم النجاعة على حنو تعقلي يراعي املصلحة العامة واخلاصة يف آن ‪ .‬فالنجاعة يف العمل ال تعين تكديس الثروة‬
‫لألعراف على حساب استغالل العمال وتفقريهم ‪،‬وامنا جيب ان تراعي مصلحة العمال وحاجياتهم حتى تكون جناعة عادلة ‪ .‬وهذه‬
‫النجاعة العادلة هي اليت تعمل على تعميم االستفادة بأقصى جهد ممكن ‪-‬وان كانت بأشكال متفاوتة‪ -‬كما يذهب إىل ذلك راولز‪،‬‬
‫وبهذا تكون العدالة يف حد ذاتها مقصدا للنجاعة بدل أن نعتربها متعارضة معها‪.‬‬
‫ـ مراجعة مفهوم العدالة وذلك من خالل جتاوز اعتبارها مساواة مطلقة ‪ ،‬والعمل على تنسيبها من خالل ربطها بالواقع واملصلحة اليت‬
‫هي مدار اجملتمع ‪ ،‬لتصبح العدالة بعبارة "رولز" ‪ «:‬فضيلة املؤسسات ‪،‬تقتضي مبادئ التوزيع العادل واملنصف لفوائد وتكاليف العيش‬
‫املشرتك «‪.‬‬
‫تطرح فكرة العدالة اليت نظّر إليها "أريك فايل" كمرادف لإلنصاف اليت حتقق يف اآلن نفسه املصلحة الفردية يف إطار ضمان‬
‫استقرار املصلحة الكونية‪ .‬ويرى فايل أن طريقة توزيع اخلريات األولية بني أفراد اجملتمع هو أمر أساسي إذ "أن املواطن هو بادئ األمر‬
‫عضو يف جمتمع العمل ‪.‬وأوّل ما يطالب به هو جزء عادل من االنتاج االجتماعي "‬
‫إن مهمة العدالة االجتماعية ملقاة باألساس على عاتق احلكومات كما يذهب إىل ذلك ايريك فايل‪ ،‬ذلك أن العامل ال يتحدّد‬ ‫‪‬‬
‫كيانه مبوقعه يف املصنع‪ ،‬وإمنا هو‪-‬إضافة إىل كونه عامل‪-‬فهو مواطن ضمن حكومة يوكل هلا احلفاظ على حقه‪ ،‬يقول ايريك فايل‬
‫‪ ":‬وللحكومة يرجع حساب ما ميكن أن يكون مقبوال ويف متناول اجملموعة على النحو الذي هي عليه ‪ .‬فوحدة اجملموعة ومتاسكها ال‬
‫يصمدان على طول املدى أمام نظام قائم على ضيم صارخ ‪ ،‬وأمام فوارق جمحفة يف الدخل ‪ ،‬وأمام تفاوت مشطّ بني مستوى عيش‬
‫خمتلف الفئات ‪ ،‬وأمام استمرار امتيازات تارخيية حمضة أو تقليدية "‪.‬‬
‫إن اجملتمع السياسي األمثل حسب فايل هو اجملتع العادل ‪ ،‬الذي يعمل على انتاج الثروة وتوزيعها بشكل منصف فيتحقق فيه التناغم‬
‫بني النجاعة والعدالة ‪ ،‬وهو الذي ‪:‬‬

‫‪ ‬يضمن وحدة اجملموعة و متاسكها‪.‬‬

‫‪ ‬خيفّف من حدّة التوتّر بني الفردية العينيّة و اجملتمع‪.‬‬

‫‪ ‬ال يكون نظامها قائما على الظلم‪.‬‬

‫‪ ‬ال يكون نظامها قائما على الفوارق اجملحفة يف الدّخل‪.‬‬

‫‪ ‬ال يكون نظامها قائما على التفاوت املشطّ يف الدّخل‪.‬‬

‫‪ ‬ال يكون نظامها قائما على امتيازات تارخييّة حمضة‪.‬‬

You might also like