Professional Documents
Culture Documents
املعاني :العمل /االنتاج /السوق /المال /النجاعة /المنفعة /تقسيم العمل /االغتراب /االستغالل /العدالة /االنصاف /
المساواة /التحرّ ر
االشكالية األساسية :اشكالية العمل بني النجاعة والعدالة ،أي يف عالقة بهذه القيمة ( النجاعة )املادية ،االقتصادية ،النفعية ،مادام
العمل فعل انتاج ومصدر للربح والثروة ورأس املال ...ومن جهة أخرى يف عالقة بهذه القيمة (العدالة )االجتماعية ،االخالقية :مادام
العمل فعل انساني يرتبط باحلق واملساواة واالنصاف ...
فكيف نفهم العمل بني النجاعة والعدالة ؟ هل ميكن التفكري يف العمل يف نطاق االنتاج املادي اخلالص حيث تكون احلاجة للنجاعة ،ام أنّ
هذا الفعل ال يكتسب معنى انسانيا االّ يف ضوء مراجعة عالقته مبطلب العدالة ؟
أال يكشف واقع العمل اليوم عن توتّر بني ما تقتضيه النجاعة مبا هي رهان عملي ،وما تفرتضه العدالة مبا هي رهان قيمي مبا يؤكد
حدود التقارب بينهما ؟ كيف يكون وضع العمل وحالة االنسان العامل يف إطار التناقض بني العدالة والنجاعة ؟
إذا اعتربنا النجاعة اقتضاء ومطلب مالزم للعمل ،فهل ان حتققها ال يكون االّ على حساب العدالة ؟ أال تفسد هذه النجاعة الغري عادلة
العمل وجتعله مصدرا لالغرتاب وضياع ما هو انساني يف االنسان ؟
وإذا افرتضنا أن العمل ال يكون انسانيا إالّ إذا كان عادال ،فكيف تتحقق هذه العدالة يف دنيا الواقع والعمل ؟ أي معنى للعدالة ميكن أن
يضفي طابعا انسانيا على العمل ؟ هل تقوم هذه العدالة على املساواة أم االنصاف ؟ وهل ميكن أن تتحوّل العدالة من مثل أعلى ننشده اىل
واقع حنياه دون ضمان النجاعة يف العمل ؟ما السبيل اىل ضمان التوافق بني النجاعة والعدالة يف العمل ؟ أال يبدو أن العدالة من غري
النجاعة ال تعين شيئا ،وأن النجاعة ال تعين شيئا من غري العدالة ،وان عدالة غري ناجعة هي جمرد شعار وموعظة ،وجناعة غري عادلة
هي استغالل واغرتاب ؟ فكيف تكون النجاعة عادلة ،والعدالة ناجعة ؟
مبررات طرح االشكالية :إن الذي يدعو اىل االستشكال الفلسفي لظاهرة العمل بني النجاعة والعدالة هو املفارقات اليت اصبحت ّ
تطرحها هذه العالقة يف دنيا الواقع والعمل :
إنّ االنسان الذي خيلق عامله وحيوّل العامل الطبيعي اىل عامل انساني بفضل عمله ،يتعرّض اىل ان يضيع داخل عامله ،وبدأ
ينحدر العامل االنساني اىل درك عامل مغرتب ،اي عامل أصبح االنسان فيه غريبا عن نفسه ،بسبب هيمنة البعد االقتصادي على العمل يف
ظلّ هيمنة رأس املال يف اجملتمعات االستهالكيّة على األبعاد القيميّة للعمل ،واختزال العمل يف جمال حتقيق الثروة ،وحيث هيمن
منطق النجاعة واملردودية والربح على منطق العدالة واإلنصاف واحلرية .
ان مفارقة العمل من زاوية النجاعة والعدالة متجذرة يف التوتر بني حق االنسان يف العمل مبا هو املمارسة اليت تضمن له كرامته وبني
ما يتسم به واقع العمل االنساني من مظاهر اغرتاب واستغالل واضطهاد .بقدر ما تطورت وسائل االنتاج ووسائل الرفاه املادي ،اتسعت
الفجوة بني الفقراء واألغنياء ،وبني مالكي الثروة ومنتجيها احلقيقني ،وهذا ما يفرتض مراجعة العالقة بني انتاج الثروة وطرق توزيعها
يعترب احلق يف العمل أول احلقوق اليت يقرها «العهد الدولي اخلاص باحلقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية» فالعمل
باعتباره حقًا ينبغي لكل إنسان أن يتمتع به مثله مثل احلق يف التعليم واحلق يف الغذاء وغريها من احلقوق األساسية للبشر ،وهو يتضمن
جوانب أخرى كاحلماية من اإلرهاق الناجم عن اجلهد اجلسدي والعقلي واإلجهاد ،فاحلق يف العمل ال يليب فقط حاجة اإلنسان يف
. التمتع حبق من حقوقه ،بل يوفر أيضًا ضمانات محاية اإلنسان ،وهو يكد لكسب رزقه ولضمان الرفاهية والعدالة االجتماعية
تقر ال دول األطراف يف هذا العهد باحلق يف العمل ،الذي يشمل حق كل فرد يف أن تتاح له إمكانية كسب رزقه بعمل خيتاره أو يقبله
حبرية ،وتقوم باختاذ التدابري املناسبة لصون هذا احلق .
ان احلديث عن العمل وحقوق االنسان العامل يف عامل تهيمن عليه نظم العالقات الرأمسالية يتيح استغالل العامل والقفز على أبسط حق
من حقوقه ،هو حديث ال يكاد يستقيم فال يبقى منه أكثر من عبارات وشعارات ال تعين شيئا ملاليني البشر العاملني واملعطلني عن العمل ،
الذين اما ان حيرموا متاما من حقهم يف العمل واما ان يكون عملهم ـما اذا توفر هلم ـعمال هشا وغري الئق ،فيموتون هنا وهناك فقرا
ومرضا أو اغرتابا واستغالل .
فيما وعدت العوملة بعص ٍر من االزدهار ،والرفاهية للجميع ،جيري تقاسم الفوائد بطريقةٍ غري متكافئة .واملفارقة أنه بينما غدا
العامل أكثر تواصالً من أي وقتٍ مضى ،يبدو أن الفجوات االجتماعية واالقتصادية اليت يتعذر ردمها آخذةٌ باالتساع .فماليني الناس من
العمال ومن املعطلني على العمل يرون بأنهم قد باتوا مهمشني ومستبعدين .وهم يشعرون بغياب العدالة االجتماعية يف حياتهم
اليومية:حرمان من نصيب عادل من الثروة ،استغالل وأجور زهيدة ،أعمال شاقة ،غياب فرص عملٍ الئقة ،بطالة مفروضة ،وشعورٌ عام
بأنه مت التخلي عنهم .ويسود إحساسٌ بالغنب واجلور وعواقب ذلك على اجملتمعات واالقتصادات وخيمة .ويُعترب غياب العدالة
االجتماعية و نقصُ فرص العمل الالئق واخلوف من عدم حتقيق املطامح حبياةٍ أفضل قوةً طاغية تقود خماوف الناس وتغذي حالة عدم
اليقني .ويتمثل التحدي املشرتك الذي يقف أمام االنسانية يف التوصل إىل سياساتٍ بديلة تضمن للناس احلياة الطيبة العادلة بعيداً عن
ي منها لطبقة من اجملتمع دون أخرى . مشاعر اإلحساس بالظلم أو القهر نتيجة سلب احلقوق أو االستئثار بالثروات أو احتكار أ ّ
.
/1في دلالة العمل وقيمته الانساني ّة :
ما هو هذا النشاط الذي يسمى عمال ؟ متى نقول عن فعل ما أنّه عمل ؟ هل يكفي اجلهد وبذل الطاقة ،والتعب واملعاناة ليكون فعال ما
عمال ؟ هل احليوان الذي ينشط غريزيا ليليب حاجياته الطبيعية يسمى نشاطه هذا عمال ؟ وهل التلميذ مثال الذي يبدل جهدا يف التعلّم
واملراجعة وجيتاز االمتحان ميكن أن نقول عنه " إنّه يعمل " ؟ وباملثل املرأة اليت تبذل جهدا يف العناية بشؤون املنزل من تنظيف وغسل
وطبخ ...هل "هي تعمل" ؟ وأفعال السرقة ،أو املتاجرة باملخدرات ،أو الدعارة والبغاء ..هل هي أعمال ؟
إن لفظ "العمل" متداول وشائع يف احلياة اليومية اىل درجة يبدو معها بديهي املعنى ،غري حمتاج اىل نظر،فالعمل حقيقة قائمة ،وهو
اىل جانب ذلك جزء هام من الواقع اليومي .ولكن حلظة التساؤل عن ماهية هذا النشاط او الفعل الذي تصدق عليه كلمة "العمل " تسقط
هذه البداهة .ان ما نريده هو التفكري يف العمل كما يرى يف احلياة املهنية أي داخل إطار "عامل العمل " ،العامل الذي حيصل االنسان يف
إطاره على مستلزمات حياته .
ان مفهوم العمل يف "عامل العمل" له معاني كثرية ومتعدد الدالالت :
-فهو تعب جسمي أو ذهين ناتج عن نشاط مضين ،وهو يف اآلن نفسه جمهود متواصل وهادف.
هو نشاط واع يعمل على حتويل الطبيعة وإحكام سيطرة اإلنسان عليها ،و حتقيق الوعي بالضرورة وهي العملية اليت حتقّق التحرّر من
الطبيعة و من ضروراتها.
وهو يف معناه احلديث مرادف جملموعة من األنشطة ميارسها إنسان ويوجهها يف العادة لتوفري انتاج ما .
وهو تعبري عن النشاط املهين املنتظم الذي يتم مقابل أجر ،فهو يعين هنا " الشغل" ،أو "الوظيفة" ،أو "املهنة" أو "املنصب".
وهو يعبّر عن كل ضروب النشاط االقتصادي ،اليت ميارسها االنسان باعتباره العنصر األساسي يف عملية االنتاج وهو انتاج ينظر اليه من
حيث نفعه وكلفته.
من منظور اقتصادي أصبح ال ينظر للعمل االّ يف عالقة باالنتاج ،فهو فعل انتاج .وعلى هذا النحو انتقل مفهوم العمل من
مستوى فلسفي خالص ،اىل مستوى االقتصاد السياسي (هو علم قوامه حتليل نظم االنتاج حسب ما حيكم تسريها وتطورها من قوانني.
االنتاج :هو جمموعة من العمليات اليت تهدف إىل حسن االستغالل و ذلك للحصول على مواد منتجة الشباع احلاجات ،والرغبات .فمن
املمكن تعريف االنتاج بتحويالت املواد اخلام ومرورها بعدة مراحل من العمل للحصول على منتج أو سلعة تساهم يف إشباع حاجات
االنسان.
العمل :هو عبارة عن اجلهد الذي يبذله العنصر البشري من أجل حتويل املواد اخلام إىل منتجات ،و يعترب العمل عنصر أساسي يف العملية
االنتاجية.
جوزيف برودون " حتى لو لم يكن عمل االنسان أكثر من مجرد التناول باليد ،فليس ثمت قيمة منتجة بالنسبة اليه إال عندما مارس
هذا العناء...ان البحر دون المالح وشباكه ال يعطي سمكا ،والغابة دون الحطاب وفأسه ال توفر حطبا للتدفئة ،والمرج دون الحصاد
ال يعطي علفا وال كأل ".
تكمن أهمية هذه املقاربة االقتصادية يف قلب الطرح ،فبعد أن كان ينظر اىل العمل يف وجهه االجيابي من خالل صلته بالذات الفاعلة
،صار ينظر اليه حسب املنظرين االقتصاديني منذ "آدام مسيث" من خالل صلته باملوضوع أي املنتوج احلاصل منه.
أصبح "آدام مسيث" مييز بني عمل منتج وآخر غري منتج ،وقد بني الفارق بينهما يف هذا القول"هناك نوع من العمل يضيف قيمة الى
موضوع العمل الذي يوضع امامه .وهناك نوع آخر من العمل ال يفعل ذلك .والعمل االول اي الذي ينتج قيمة يمكن ان يسمى عمل
منتج .اما العمل الثاني فانه عمل غير منتج .وهكذا فان عمل الصانع يضيف على وجه العموم الى قيمة المادة التي يعمل عليها قيمة
تجديد قوته هو نفسه باالضافة الى ربح سيده ،وعمل الخدم المنزليين على العكس من ذلك ال يضيف اي شئ الى القيمة" ..
ان العامل الذي يؤدي عمال منتجا هو عامل منتج ،والعمل الذي يؤديه هو عمل منتج ،اذا كان خيلق ،مباشرة ،قيمة – فائضة ،اي اذا
كان ينمي قيمة راس املال.اما العمل غري ا ملنتج فهو ال ينتج شيء ذا قيمة تداولية فال يكون له أي اسهام مباشر يف امناء راس املال وانتاج
الثروة ،ويكون جمرد خدمة .
ميكن أن منيز بني مقاربتني إلشكالية العمل :مقاربة اقتصادية سياسية ليربالية باالساس وأخرى فلسفية ذات نزعة انسانية :
كما هو األمر بالنسبة إىل كل سلعة أخرى ترتجم قيمة يقول فرويد " االنسان السوي هو الذي يحب ويعمل " -
"قوة العمل" (جهد العامل)يف السوق بسعرٍ حمددة ،أي مبال .وهذا
التعبري املالي ،أي سعر سلعة «قوة العمل» ،يسمى األجر .بالنسبة إىل قيمة أخالقية :العمل يشد االنسان اىل نشاط نافع حيث
كل سلعة أخرى ،نعرف أن السعر يرتفع إذا ما زاد الطلب على يصرف جهده داخل عمل يشغله ويصرف فيه الكثري من
العرض ،وهو ينخفض إذا ما حدث على العكس من هذا إذا زاد استعداداته ورغباته ،فيكون ذلك دافعا له عن تصريف
العرض عن الطلب ،والشيء نفسه فيما يتعلق بسلعة «قوة العمل» :أهوائه وشهواته يف مسارات غري أخالقية .
فحني يزداد الطلب على العمال ،تنحو األجور إىل االرتفاع ،وإذا ما
تقلص الطلب ،أو إذا ازدحم سوق العمل بسلع طازجة ،تنحو األجور يقول فولتري " العمل يبعد عنا آفات ثالث :القلق واحلاجة
والرذيلة " إىل االخنفاض.
لكي ميكن لقوة العمل أن تكون سلعة ،ال يكفي أبدا أن إنّ هذا التصوّر الفلسفي االنساني ينظر للعمل يف
يتمكن اإلنسان من العمل حني يعطي وسائل اإلنتاج بل ينبغي عليه ذاته كقيمة انسانية يرتبط يف خمتلف مساراته مبا هو
أن يكون قادرا على االشتغال بأكثر مما هو ضروري لعيشه انساني.
اخلاص .ينبغي أن يتمكن من العمل أكثر ليفيد ذاك الذي اشرتى
قوة عمله .وينبغي على سلعة «قوة العمل» أن تعوّض ،عرب هلذا التصوّر الفلسفي منطقه االنساني الذي
استخدامها ،أي عرب عملها ،ما دُفع فيها ،أي األجر ،وأن متكن حيرّكه ،فاملهم ان يكون العمل منميا وحمققا ملا هو
انساني املشرتي من احلصول على فائض عمل(الربح).
أن راهن العمل يؤكد على حتوّله من ابعاده القيمية حنو تكريس قيم جديدة تتعلّق بالنجاعة واملردودية واالنتاجية منذ ان
اختزل يف بعده االقتصادي كمصدر للثروة ،ومند أن صار الربح حمدّدا لقيمته .
ـ يف اجملتمعات الصناعيّة احلديثة أصبح ال ينظر اىل العمل أساسا االّ يف عالقة باالنتاج والثروة ،فليس العمل مهما يف ذاته وانّما قيمته
يستمدها من عالقته باالنتاج والربح والثروة.
القيمة انّما تسند اىل املنتوج ،أو اىل العمل املنتج ال اىل العمل يف حد ذاته ،كما أن االهتمام موجه اىل موضوع االنتاج،ال اىل
الذات باعتبارها ذاتا .وبعبارة أخرى فإن الذات مل تعد مدار اهتمام االّ لكونها منتجة منتجة أو مالكة لوسائل االنتاج وموظفة هلا باستمرار
يف زيادة ذلك االنتاج .
اذن ملّا كان العمل ليس فقط أحد عوامل االنتاج ،بل هو املصدر الرئيسي لالنتاج ومصدر االنتاجية والربح والثروة ،فقد كان بهذا املعنى
مرتبط مبطلب النجاعة االقتصاديّة ،فليس املهم أن نعمل فقط بل أن يكون عملنا ناجعا وذا مردودية عالية .
فماذا نعين بالنجاعة ؟ ما املقصود بالعمل الناجع ؟ وماهي مقتضيات النجاعة وأليات امنائها يف جمال العمل ؟ وبأي معنى تكون هذه
النجاعة ضرورة ومطلبا اقتصاديا واجتماعيا ؟ ماهي مزايا النجاعة وآثارها اليت جتعل منها مطلبا انسانيا ؟
النجـاعـة :حتيل على معاني الفاعليّة ،واملردوديّة ،والنفعيّة ،واملصلحة ،والقدرة ،واالنتاجيّة ...اخل ،انها تعين يف ما تعنيه :القدرة على
الفعل ،او التحكم والسيطرة ،او االداء واالنتاجية ،او الرفع من املردوديّة ،او اجياد احللول العملية ،أو حتقيق وخدمة املصلحة ،او
االرتقاء بالواقع وحتسني األوضاع ...اخل
النجاعة هي قيمة مادية حتيل على حقل الرباغماتيّة ،وهي مقولة باألساس اقتصادية مرتبطة بالوصول بالعمل اىل قدرة انتاجيّة
عالية .
النجاعة يف عا مل العمل هي مقولة حديثة ،تعين يف ما تعنيه خلق الوسائل واستنباط االدوات الكفيلة بتنمية القدرات االنتاجية كميا
ونوعيا استجابة لتوسّع األسواق ،وتزايد الطلب على املواد االقتصادية واملنافع املادية ،وطلبا لتنمية الثروات واألرباح وتأوجيها اىل احلد
األقصى.
ربط العمل مبطلب النجاعة ،هو ربط للعمل باملصلحة والربح والثروة ورأس املال .والعمل يكون ناجعا إذا كان ذا انتاجية عالية ،واذا
كان ضامنا لوفرة يف االنتاج منميا للثروة ورأس املال ،وكل عمل ال حتصل منه منفعة مادية وتكون عائداته املادية ضئيلة ،هو عمل
غري عادل .
من معايري النجاعة يف العمل :
إنّ العمل جهد يبذل لتحقيق املنافع وتلبية احلاجات وإمناء الثروات ،وهو ما يتضمن التأكيد على ارتباطه بالنجاعة كقيمة
اقتصادية براغماتية هلا أثرها على ماهو اجتماعي وإنساني :
العمل الناجع هو الذي يضمن االزدهار والرخاء املادي لألفراد ولألمم ،وحيرّر البشر من حياة الفقر واخلصاصة ويضمن الرفاه الذي قد
يكون ضروريا للسعادة.
أدام مسيث ":إن الزيادة الكبرية يف منجات خمتلف احلرف واملهن الناجتة عن تقسيم العمل ،تؤدي يف جمتمع سليم القيادة اىل حالة من
الرفاهية العامة اليت تسري اىل آخر طبقات الشعب "
الزيادة يف جناعة العمل وجناعته ومردوديته هو زيادة يف الثروة واألرباح ،مبا يفرتض ان ينعكس اجيابا على األجور ،وحتسني الوضع
االجتماعي واملادي لالنسان العامل.
إن العمل يوفر للناس شعورا باالرتياح عندما يوفر هلم وعدا بالربح اآلجل ،وكما يقول جورج باطاي " يقتضي العمل تصرّفا معينا
تكون فيه نسبة اجلهد املبذول قياسا اىل النجاعة االنتاجيّة نسبة قارة ".
احلرص على النجاعة يعين ا ملزيد من االنتاجية ،مبا يفضي اىل تطوير االقتصاد والقدرة على االستثمار كمقدمات ضرورية من أجل
التشغيل وضمان احلق يف العمل.
إن النجاعة يف العمل من حيث هي غاية ومطلب اقتصادي ،ومن حيث هي أسلوب يتضمن قصدية منظمة ،متكن من حتقيق هدف
نفعي ،يقع التخطيط لتحصيلها .ومن مستلزمات حتقيق هذه النجاعة وتأوجيها :
التنظيم العقالني واإلدارة العلمية للعمل ،والبحث عن أفضل طريقة ألداء العامل .
تيلور " إن فن االدارة هو المعرفة الدقيقة بما نريد من الرجال عمله ،ثم التأكد من أنهم يقومون بعملهم بأحسن طريقة وأفضلها ".
الزيادة يف اال نتاجية من خالل رفع كفاءة العمّال ،فالعامل هو قوّة العمل ،وبقدر ما يكون خمتص وذا مهارة يكون مردوده أفضل
وانتاجيته أعلى .وهلذا يتم تدريب العامل وتكوينه مهنيا ومراقبته اثناء أدائه لعمله .
تألية العمل لكسب الوقت وحتقيق السّرعة يف االجناز والدقة يف األداء ن وبالتالي تطوير حركية االنتاج والرفع من مردوديته كما
وكيفا.تعزيز اجملهود الفيزيائي والطاقة العضلية بواسطة النجاعة اآللية واألجهزة األداتية.
ج ب ساي "توسع األدوات واآلالت سلطة االنسان ،إنها تضع االجسام والقوى الفيزيائية في خدمة ذكائه ،اذ باستعمالها يحدث
أعظم تقدم صناعي "
التقسيم التقين للعمل ،اي تقسيم نظام العمل بالفصل بني املهام واملراحل الدقيقة الجناز العمل يف خمتلف تعيناته املادية .يتم عزل
العمال عن بعضهم البعض وتنظيم تعاونهم اجلماعي بالتنسيق بني املهام اجلزئية الدقيقة واملراحل النهائية ،بشكل جيعل العمل يتسم
بالكفاءة واملردودية الكمية والنوعية.
يعرّف كارل ماركس التقسيم التقين للعمل كالتالي " :بدال من تنفيذ مختلف العمليات بواسطة العامل نفسه بعضها إثر
البعض اآلخر،يفصل بينها ،ويعزل بعضها عن بعض ،ثم يعهد بكل عملية منها الى عامل خاص ،ويجري تنفيذها كلها في آن
واحد وجنبا الى جنب من قبل المتعاونين "
ـ أهتم تايلور بإدارة العمل وكان شغله الشاغل هو البحث عن فرض تعريفات مجركية أو حد أدنى لألجور ،مؤكدًا على أنه
أفضل طريقة ألداء العمل عن طريق دراسة احلركة والزمن باستثناء الضرائب اليت اعتربها ضرورية لضمان الرفاهية يعترب
يف رأيه أن أفضل طريقة ألداء العمل هي أسرع طريقة فكانت مسيث واضع أسس االقتصاد احلديث ،وهو من دعى اىل
السرعة هي املعيار الوحيد لديه للحكم على األداء .ولعل من أهم االقتصاد احلرّ .ويف كتابه «ثروة األمم» ،أشار إىل أن قوى
االسهامات العلميةّ اليت قام بها تيلور يف حقل االدارة ما يعرفالعرض والطلب تسمح القتصاد السوق بتنظيم نفسه ،وأن
ب"دراسة احلركة والزمن " ،وتهدف هذه الدراسة اىل رفع مستويات األسعار واألجور والعمال تعدل نفسها تلقائيًا عن
الكفاءة االنتاجية للعامل وذلك عن طريق التخلص من كثري طريق ما مساها بـ«اليد اخلفية» .وبناء على ذلك ،شدد مسيث،
من احلركات غري الالزمة اليت يتطلبها أداء العامل ومن مثة على أنه ال يوجد أي سبب يدفع احلكومات للتدخل يف االقتصاد،
حتديد وقت منوذجي الجتاز كل عمل. عرب االقتصادية ،فإن مثل هذه القيود ال تؤدي إال إىل عدم
الكفاءة وإعاقة اإلنتاج دون مربر .من هنا أطلقً مسيث عبارته
الشهرية laissez-faire, laissez-passerأو «دعه يعمل ..ـ كان نهج تايلور هو زيادة اإلنتاجية التنظيمية من خالل زيادة
دعه مير» وذلك أثناء دعوته إلزالة القيود التنظيمية املفروضة كفاءة عملية اإلنتاج من خالل الرتكيز على البحوث
التجريبية .وال سيما يف الواليات املتحدة حيث العمالة ،وخاصة
العمالة املاهرة كانت قليلية فكان هناك نقص فى املعروض على التجارة والصناعة.
ـ اعترب مسيث أن ثروة كلّ أمة تقاس بقدرتها االنتاجية ،من العمالة املاهرة يف بداية القرن العشرين والطريقة الوحيدة
وتناول االنتاجية كمقياس للثروة اليت ميكن مضاعفتها لزيادة اإلنتاجية من خالل رفع كفاءة العمال.
بالتقسيم التقين للعمل .
وتنص اإلدارة العلمية على أنه ينبغي تصميم خط العمل حبيث
ـ يرتبط تقسيم العمل بالبعد النفعي ،اذ يرى مسيث أن نزعة
يكون لكل عامل مهمة خاضعة لرقابة جيدة وحمددة جيدا،
االنسان ورغبته يف حتسني أحواله املادية وتأمني منفعته
الشخصية ،كانت الدافع احملرّك جلميع تصرّفاته .يقول كما يتم اتباع أساليب وإجراءات حمددة بدقة لكل وظيفة.
مسيث " إن الصناعي يسهرعلى حتسني انتاجه ليضمن له أكرب
رواج وأفضل قيمة يف السوق ،وهو بعمله ال يفكر اال مبنفعته تقوم نظرية إدارة تايلور على االعتقاد األساسي بأن املديرين
الشخصية ورحبه اخلاص ،ولكنّه يف الوقت ذاته يكون قد أدى ليسوا فقط أفضل من الناحية الفكرية من املوظف العادي،
ولكن لديهم واجب إجيابي أيضا لإلشراف على املوظفني خدمة للمجتمع ،وقام بعمل حيقق املنفعة العامة".
وتنظيم أنشطة عملهم.
ـ من خالل زيارته ألحد معامل صنع الدبابيس الحظ مسيث
مدى سرعة وكفاءة العمل عند تقسيم الواجبات على عدّة ـ يعد تيلور مؤسس االدارة العلميّة اليت ترتكز على العلمية
عمال ،فبدل أن يتمكن عامل واحد من صناعة دبوس خالل والفعالية والكفاءة وحسن االداء وتقليل التكاليف واألوقات
عشر دقائق ،باإلمكان تقسيم الواجبات على عشر عمال وبالتالي واحلركات اليت ال لزوم هلا .وتتلخص أهم افكار تيلور يف
النقاط التالية : صناعة آالف الدبابيس يف الساعة الواحدة .
وينسب مسيث قوّة تقسيم العمل ومزاياه اىل ثالثة أسباب أولية ـ حتديد الطريقة املثلى ألداء العمل عن طريق دراسة
احلركة والزمن والغاء احلركات غري الضرورية . :
ـ االختيار اجليد للعمال بطريقة موضوعية تقوم على أسس
/1ان العامل إذا اختص بعمل واحد سهل عليه ،وأتقنه ،وزادت علميّة ،وتدريبهم لتحسني آدائهم.
مهارته .
ـ تقسيم العمل والعمل مببدأ التخصص ،بأن تتوىل االدارة
/2االقتصاد يف الوقت الذي يضيع عادة عند انتقال العامل من وظيفة التخطيط وتنفرد بها ،ويقوم العمال بالتنفيذ.
نوع من األعمال اىل آخر.
خاطب تيلور العمال قائال " لستم مطالبني بالتفكري فقد
استأجرنا أناسا يفكرون بدال عنكم ". /3اخرتاع عدد كبري من اآلالت اليت تسهل وختتصر العمل .
ـ نظام األجر بالقطعة (او احلوافز) ،ان وضع العامل يف العمل
املناسب غري كاف الجناز األعمال بكفاءة وفعالية ،لذلك اقرتح
تيلور أن يكون هناك نظام للحوافز لتحفيز العمال ،بدفع نسبة
أعلى اىل العمّال األكثر انتاجية .
الحظ تيلور أن نظام األجور غري احلافزة تشجع على اخنفاظ
االنتاجية ،فاذا كان أجر العامل ثابتا بغض النظر عن
مردوديته ،فهذا قد يدفع العامل اىل العمل بأقل بكثري من
قدراته .
قد تكون النجاعة مبدأ واقتضاء تستدعيه طبيعة العمل واالحتياجات املتزايدة للبشر ،ولكن هذا التوجه الرأمسالي حنو النجاعة
وانتاج الثروة ،ودون اعتبار العدالة ومقتضياتها االجتماعية واالقتصادية ،انعكس على قيمة العمل بسلب ما هو انساني فيه .وهو ما دعى
اىل مساءلة النجاعة داخل العمل والتظنن عليها ،حنو رصد حدودها وتبيّن خماطرها واليت من أهمها :
االستغالل :و يُقصد به أي معاملة غري عادلة للعمّال من أجل املنفعة الشخصيّة ،وميكن القول أنّه عالقة اجتماعية غري
متكافئة بني العمّال وأرباب العمل ،وهو استغالل غري عادل لشخص آخر بسبب وضعه املُتدني األمر الذي يُعزّز سلطة املُستغِل
وسيطرته .كما عرف الباحثون االستغالل االقتصادي بأنه استخدام عمل أشخاص من غري تعويضهم مبا يستحقونه من مقابل مادي
على عملهم مبا حييله ذلك على معاني الظلم واجلور.
ظل الرأمسالية احلديثة بأيدي الطبقة العاملة ،وهم غالبية سُكَّان العامل .وما يُحدِّد هذه الطبقة كطبقة هو افتقارها
جيري اإلنتاج يف ِّ
ري
للملكية اخلاصة أو التحكُّم يف وسائل اإلنتاج اليت يستخدمونها -اآلالت واألراضي والعقارات وما شابه ذلك -واليت ميتلكها عددٌ صغ ٌ
من الرأمساليني .هذا الواقع هو ما يُجبِر ا لعمال على بيع قوة عملهم للرأمساليني مقابل أجر ،وإال سيواجهون اجلوع والفقر .يستغل
الرأمساليون قوة العمل هذه ،إذ يدفعون للعمال مقابلًا فقط جلزءٍ مِمَّا ينتجون ،أما الباقي فهو أرباح ،يهدف الرأمساليون إىل مراكمتها
عرب الزمن حتى تتحوَّل إىل كمياتٍ أكرب وأكرب من رأس املال ،أي من إمرباطورية الشركات اليت تهيمن على السوق اليوم.
العامل والرأمسالي على السواء يتعامالن كمالكي سلع ،األول ميلك قوة عمله والثاني ميلك النقود وبالتالي فهي عملية تبادلية عادلة.
لكن مبجرد جتاوز عملية التبادل هذه والدخول لعملية اإلنتاج احلقيقية ختتلف املسألة .حيث ينتج االستغالل بسبب ظهور القيمة
االستعمالية لقوة العمل مبجرد بدء اإلنتاج فتصبح مصدرًا للقيمة وفائض القيمة .ويتمتع الرأمسالي بامتيازه هذان الذي يفضح
املساواة الشكلية بينه وبني العامل واليت توحي بها عملية التبادل ،فقط ألنه يسيطر على األدوات واملواد الضرورية الستمرار العمل.
كان كارل ماركس وفريدريك إجنلز يريان أن معضلة العمل هي استغالل صاحب رأس املال للعامل ،حيث يقوم األول باستغالل
حاجة األخري للحصول على قوت يومه من خالل العمل بأجر ،فيجربه على اإلنتاج ،الذي تُخلق من خالله كل قيمة اقتصادية ،ولكنه ال
يدفع للعامل األجري سوى ما يكفي لسد رمقه وعائلته بينما حيوز الرأمسالي فائض القيمة ،كي يعيد استثماره يف عملية ال نهائية من
مراكمة رأس املال تقوم على االستغالل .وقد عبّر ماركس عن هذه املفارقة اليت تكشف عن الوضع البائس للعامل يف النظام
الرأسيمالي " يزداد العامل فقرا بقدر الزيادة يف خلق الثروة ومناء انتاجه حجما وقوّة".
التشيؤ :وهو تصور الظواهر اإلنسانية كما لو كانت أشياء ,أي تصورها يف صورة مصطلحات غري إنسانية ,أو تصورها يف
صورة مصطلحات فوق إنسانية.
أن التشيؤ يتضمن قدرة اإلنسان على نسيان أنه صانع أو مؤلف العامل اإلنساني ،و يتضمن فضال عن ذلك فقدان الوعي باجلدلية بني
اإلنسان أي(املنتج) و بني ما (ينتج) فالعامل املُشيىء هو بالتحديد عامل أزيلت عنه الصبغة اإلنسانية،
التشيّؤ ،هو مصطلح صكّه الناقد اجملري املاركسي جورج لوكاش ،استناداً إىل مصطلح ماركس عن صنمية البضاعة ،وهي يعين
حتول العالقات بني البشر إىل ما يشبه العالقات بني األشياء (عالقات آلية غري شخصية) ومعاملة الناس باعتبارهم موضعاً للتبادل.
وسبب التشيؤ يف األدبيات املاركسية اقتصادي ،إذ تذهب هذه األدبيات إىل أن تقسيم العمل املوغل يف التخصص هو الذي يؤدي إىل جتزؤ
اإلنسان وابتعاده عن اإلحساس بالكل .كما أن االستغالل يف اجملتمع وامللكية الفردية ألدوات اإلنتاج وآليات اجملتمع البورجوازي (حيث
يبيع العامل قوة عمله وال ينال مثرة عمله) تؤدي إىل أن يعامل اإلنسان عمله وكأنه شيء غريب عنه ،وال جيد فيه إبداعاً أو حتقيقًا
للذات .ان فقدان العدالة يف املعادلة اإلنتاجية ومساواة اإلنسان بالسلعة من حيث القيمة ,وإعطاء األولوية للسلعة على حساب اإلنسان
الذي ينتجها هو من تصميم البنية الرأمسالية ،فإن جتريد العمل اإلنساني هو اخلطوة األوىل يف تشييد بناء التشيؤ
يف عالقات االنتاج الرأمسالية تتحول املكانة واألهمية من (اإلنسان املنتج) إىل (السلعة املنتجة) باعتبار ان للسلعة قيمتان يف ظل
الرأمسالية ،قيمة (مادية) وقيمة (اقتصادية) ،تتجلى فيها فائض قيمة الرأمسالية لـتكتسب السلعة أهمية و خيسر اإلنسان املنتج فيها
من قيمته و أهميته أمام منو وازدهار و تقدم السلعة وبهذه املعادلة فحسب تكتمن الشروط الضرورية لقيام الرأمسالي بنظامه
واستمراره .يقول ماركس " ويصبح العامل سلعة تزداد وضاعة بقدر الزيادة يف خلق السلع ،ان عامل البشر ليزداد احنطاطا بالزيادة يف
قيمة عامل األشياء ".
االغتراب :وهو حالة ت عرب عما يعانيه الفرد من انفصال عن ذاته ،حيث ينفصل الفرد عن مشاعره اخلاصة ورغباته ومعتقداته
وهو فقدان اإلحساس بالوجود الفعال .انه احلالة اليت يتعرض فيها االنسان اىل الضعف والعجز واالنهيار يف الشخصية ،اىل جانب
احساسه باالنفصال عن وجوده واشيائه.
االغتراب عند ماركس
ميثل االغرتاب احلالة اليت متيز التناقضات القائمة يف كل مرحلة من مراحل تطور اجملتمع ،وهو السريورة اليت يفقد فيها اإلنسان ذاته
حتت تأثري العوامل االقتصادية أو السياسية أو االجتماعية أو الدينية ،و يصبح عبدا لألشياء املادية فتتصرف فيه السلطات احلاكمة
تصرفها يف السلع التجارية .فهو احلالة اليت يكون عليها العامل عندما يكون العمل جمربا ،أي عندما يكون العمل وسيلة ال غاية يف حد
ذاته.
و ماركس يوضح أن العمل يف النظام الرأمسالي يؤدي إىل االغرتاب يف ثالث مستويات:
ـ االغرتاب عن منتجات العمل ،اليت ال تعود ملكيتها للعامل بل للرأمسالي .حيث توضع حياة العمال بالكامل يف صناعة أشياء ال ميلكونها
وبداخل نظام ال ميلكون السيطرة عليه ،فيصبح جهدهم ذاته سلعة تؤخذ منهم وتباع مثله مثل األشياء اليت ينتجونها .ويكون الفصل بني
العمال ونتاج جهدهم يف التاريخ احلديث حبيث أنهم قد ال يكونون حتى على علم مبا ينتجون ،فقد أصبحت أماكن العمل أكثر
تقسيمًا وأقل اعتماداً على املهارة.
ـ االغرتاب داخل عملية اإلنتاج نفسها ،حيث يدخل العامل يف مهنته داخل قيود العمالة باألجر وليس إلشباع رغبة حرة بل إلشباع رغبات
مستقلة عن العمل نفسه ،ونتيجة لذلك ال يصبح العمل عملية مشبعة للذات ولكن يتحول إىل شر البد منه .تعود ملكية وسلطة
التحكم يف كل جانب من جوانب عملية اإلنتاج إىل الرأمسالي ،بدءاً من تصميم املنتج واألشكال األخرى من “العمل الذهين” إىل العمل
اليدوي للعامل واملنتج الذي ينتجه .يتم التعامل مع العمال كما لو كانوا تروس يف آلة ،منخرطني يف مهام رتيبة ومتكررة تهني
أجسادهم وتدمر أرواحهم.
ـ االغرتاب عن الوجود البشري ،ألن الطبيعة األساسية للبشرية تكمن يف القدرة على تشكيل وإعادة تشكيل العامل من حولنا وفقا
الحتياجاتنا وقدراتنا اإلبداعية ،ولكننا حمرومون من ذلك بسبب الطبيعة الالإنسانية للرأمسالية .وأشار ماركس إىل أن هذا النوع من
االغرتاب موجود أيضاً يف الطبقة الرأمسالية ،ولكن بطريقة خمتلفة متاماً عما يشعر به العامل ،ويفسر ماركس قائالً:
"يظهر من الطبقة المالكة وطبقة البروليتاريا نفس القطيعة مع البشرية ،ولكن تشعر الطبقة المالكة بالراحة والقوة في هذه
القطيعة ،فهي ترى في القطيعة قوتها الذاتية وما يعطها مظهر الوجود اإلنساني .في المقابل تشعر طبقة البروليتاريا
بإبادتها ،بمعنى أنها تزول من الوجود في هذه القطيعة ،حيث ترى فيها انعدام قوتها ووجود غير إنساني".
العبودية ووهم الحرية :الرأمسالية اليت تعمل وفق فلسفة توهم اجملتمع والعامل فيه بأنه حر ،وهذا الوهم جيب ان يعمم على مجيع
نواحي احلياة االجتماعية واالقتصادية ((وهم أن الرأمسالية تعمل على حترير اإلنسان وعلى ازدهاره)) ،و دون هذه القناعة تفقد
الرأمسالية سلطتها اإليديولوجية ،بكون ميزة النظام الرأمسالي ,كما يؤكد "جورج لوكاش" ,أنه يعلم بأن مصلحته تقتضي أن يتوهم
العامل بأنه حر وإال لتزعزعت ثقة العامل بالنظام الذي يعمل فيه ،فالرأمسالية ال تستطيع وفق مصاحلها االقتصادية أن توفر للعامل
كل (احلرية) لذا يعمل هذا النظام على منحه ( وهم احلرية) لكي يتمكن من استغالله ولكي يقبل اجملتمع هذا االستغالل.
ركيزة املفهوم الفلسفي يف ظل النظام الرأمسالي قائم بـ(أن يتوهم العامل حريته) ،و لكن الطابع املُشييء هلذه احلرية ال يظهر للعيان
مباشرة ألنه طابع إيديولوجي ، ،ويسعى النظام الرأمسالي إىل زيادة نسبة (الغشاء) او الوهم الذي يغطي هذه العملية ,مانعا وعيها
املوضوعي و ذلك ألنه يف حال اكتشاف هذا الغشاء ,تفقد الرأمسالية إنسانيتها املزعومة وتصبح يف خطر.
إحنرية بيع العامل قوة عمله ،وحرية شرائها ،من قبل الرأمسالي تشكل عنصر أساسي ملعادلة االستغالل الرأمسالية فال وجود
للرأمسالية دون هذين العنصرين املتكاملني يف منظارها" ،العامل حر" يف عملية البيع و"الرأمسالي حر" يف فعل الشراء .ولكن الرأمسالي
يستطيع الرفض أما العامل فال يستطيع ذلك.
ومن هنا فان العامل يعيش وهم حرية ،يرتاءى له أنه حر يف حني أن حريته الوحيدة تقتصر على بيع قوة عمله هلذا الرأمسالي بكونه هو
خياره الوحيد موضوعيا يقف عند هذا احلد.
لقطة من فيلم "األزمنة احلديثة" لشارلي شابلن
كان فيلم “األزمنة احلديثة” جريئا يف نقده للتغيّرات الرأمسالية العارمة ،وكان مستشرفا ملا ميكن أن تسفر عنه تلك التحوالت
من آثار مازالت موجاتها االرتدادية ماثلة إىل اليوم.
عندما أخرج شارلي شابلن “األزمنة احلديثة ” Modern Timesيف منتصف الثالثينات كان يف ذهنه أن جيعل فيلمه تعليقا
ساخرا على ما تسبب فيه “الكساد العظيم” يف الواليات املتحدة من جعل حياة املاليني من العمال جحيما بسبب تفشي البطالة ،ويف
الوقت ذاته حيذر بطريقته اخلاصة بالطبع ،من طغيان “امليكنة” أو االستخدام املكثف لآلالت املعقدة يف الصناعة بديال عن العمال
من أجل زيادة اإلنتاج ،وكيف أصبح طابع العصر هو السرعة يف كل شيء وهو ما يعبّر عنه شابلن بعبقرية يف املشاهد اليت تظهر
كيف أ صبح عقل بطله مربجما بصورة آلية ،فنراه يتحرك حركة دودية مستمرة ،حياول يف مشهد ساخر ربط أزرار رداء لسيدة
يف الشارع باستخدام اآللة اليت يستخدمها يف املصنع الذي فر منه بعد أن فقد السيطرة متاما على نفسه!
كان شابلن يسخر من االستغالل الرأمسالي ،مصورا طغيان أصحاب املصانع وكيف أصبح العامل ترسا صغريا يف عجلة ضخمة
للصناعة احلديثة .وهو يقوم هنا ،للمرة األخرية يف السينما ،بدوره التقليدي الذي اشتهر به منذ أن بدأ العمل يف السينما ،أي دور
شارلي الصعلوك ،وهو يبحث عن عمل يف أحد تلك املصانع من دون أن ميلك اخلربة الكافية للتأقلم مع نظام العمل اجلديد .إننا نراه
أوال يف مصنع لألدوات املعدنية ،كل ما هو مطلوب منه أن ميسك بآلتني يتابع بهما القطع املتحركة اليت تتواىل أمامه بسرعة لكي
يربط املسمارين املوجودين يف كل قطعة ضمن صف طويل من العمال الذين يسبقونه يف العمل حبكم خربتهم ،بينما يرتبك هو
ويربك اآلخرين ،ليعود يف االجتاه املعاكس لتعويض ما فاته ،مما يتسبب يف وقوع فوضى تؤدي إىل طرده من العمل.
يف هذه األجواء املتوترة ،وأثناء سريه يف شوارع املدينة ،وسط االحتجاجات ،يسقط علم أمحر من احدى الشاحنات أمامه ،فيحمله
ملوحا به لسائق الشاحنة ،فتأتي الشرطة لقمع املتظاهرين ،ويودع شابلن بالسجن بتهمة «تزعّمه املعارضة الشيوعية» .تتواصل
أحداث الفيلم ما بني اتهامه باجلنون وبني زعامة املعارضة وبني سارق ،يف مفارقة لبؤس االنسان الكادح البسيط.
يشعر شابلن بعبثية احلياة وما يدور بها ،وال ينقذه من ذلك اال وقوعه يف حب فتاة متشردة يتيمة (بوليت غودار) اليت يُقتل أبوها يف
احدى التظاهرات االحتجاجية للعمال ،اعتادت الفتاة ان تسرق لتأكل ،يف مشهد عبّر عنه شابلن وكان أقرب للرؤية االشرتاكية،
يف مطالبها باملساواة االجتماعية وتوزيع الثروات ،من خالل سرقتها للموز وتوزيعه على احملرومني.
بعد حماوالت عديدة يقوم بها احلبيبان يف سعيهم الجياد فرص عمل وعدم متكنهما من ذلك ،تشعر حبيبته خبيبة أمل ،وبعدمية
احلياة ،فيدعوها للبحث عن تأويالت جديدة للعيش بسعادة ،ويكون للروح االنسانية مكانا فيها ،من خالل احلب والتفاؤل واالرادة،
وحتى من خالل احللم ،مع علمه باستحالة أمر كهذا .وبعد ان أعلن االنسان نفسه أنه السيد على الطبيعة بعد الثورة الصناعية وما
حققه من سيطرة على الطبيعة ،ها هو اآلن يُسحق حتت اآلالت ،دون اعتبار للقيم االنسانية معلنا «موت االنسان».
/4العمل ومطلب العدالة :
تبيّن لنا أن النجاعة تتحوّل اىل عقيدة اقتصادية يف النظام الرأمسالي ،وان املراهنة على هذه النجاعة ساهم يف افقار الطبقة
الشغيلة وخلق حالة من الالمساواة والطبقية اجملحفة داخل اجملتمع ،بني من ميتلكون وسائل االنتاج وتعين هلم النجاعة مزيد من
امناء الثروة ،وبني العمال الذين حرموا من امللكية وكانت النجاعة بالنسبة اليهم مزيد من الفقر واالستغالل واالغرتاب.
حتدث "روجيه غارودي " عن خطورة النظام الرأمسالي على االنسان عامة ،وهو يقول يف كتابه البديل ":إنّ النظام الرأمسالي ،الذي
ميثل اقتصاد احلد األقصى من الربح غايته ،والنمو للنم و قانونه األوّل ،لقادر على الظهور مبظهر الصحيح املعافى مهما تكن األهداف
املنشودة ،الشيء األساسي أن يسري حمرّك السيارة على ما يرام ،وال أهمية بعد ذلك لوجهة سري السيارة " .ويقصد غارودي من هذه
العبارة ،أن حضارة ديانة السوق (الرأمسالية) هي حضارة مادية تهتم بالربح على حساب اجلانب االنساني واألخالقي ،وأساسا على
حساب العدالة كقيمة عليا .ان الرأمسالية مل تكن ذات مبادئ أخالقية إنسانيّة ،فهي يف أصلها مادية تصبو اىل الربح وعدم السؤال عن
الغايات و املقاصد األخالقية ،فما دعت اليه الرأمساليّة من عبادة املال واإلنتاج مهو إال تدمري لكل ما هو إنساني .
تبني لنا أن املراهنة على النجاعة بالتفريط يف العدالة ومقتضياتها االجتماعية و االقتصادية والتغافل عن الظروف الالإنسانية اليت
يعاني منها العمل والوضع البائس لإلنسان العامل ،نتيجتها فقدان العمل لقيمته االنسانية ،والتشريع الستغالل العامل ،وانتهاك حقوقه
،واالعتداء على كرمته ،وتشيئه ،واغرتابه ،مبا يفقده متعة العمل وسعادته ،وجيعل العامل يشعر أنه خارج ذاته حينما يعمل ،بل ونفوره
من العمل " كما يف ّر الناس من الطاعون " على حد قول كارل ماركس .
إن قضية العدالة ال تنفك موصولة بصورة وثيقة باملنظومة القيمية وبفكرة احلق وجتذرها ،ومن ثم ال ميكن احلديث عن
العدالة االجتماعية مبعزل عن منظومة قيمة احلق والقيم اإلنسانية؛ حنو الكرامة اإلنسانية واحلرية واملساواة واالنصاف ،فهذه القيم
متثل منظومة قيمية متكاملة حبيث ال ميكن اإلشارة إىل أحد هذه العناصر يف عزلة عن سائر مكونات هذه املنظومة القيمية.
العدالة االجتماعية يف دنيا العمل ،هي عبارة عن نظام اجتماعي اقتصادي ،يهدف إىل تذليل وإزالة الفوارق االقتصادية بني طبقات
اجملتمع الواحد ،حيث تعمل على توفري املعاملة العادلة وتوفري احلصة التشاركية من خريات اجملتمع للجميع .وتتمثل يف النفعية
االقتصادية ،والعمل على إعادة توزيع الدخل القومي ،وتكافؤ الفرص ،ويف تكافئ العائد مع اجلهد اإلنتاجي وحتول دون استغالل فئة أو
طبقة أو فرد للغري واغتصابهم مثرة كدهم دون وجه حق.
تعريف العدالة االجتماعية يكتنفه ما يكتنف القضية ذاتها من عدم اتفاق بالغ .بل إنه يعتقد البعض أن السعي للعدالة
االجتماعية فخ ووهم وأنه جيب أن تقودنا مثل أخرى كاحلرية الفردية .أما بني من يقبلونها كهدف ليس الكل واضحا فيما خيص
معناها .هذا يعين أن مفهوم العدالة إشكالي ،ممّا يعزز أن الوصول اىل مفهوم مطلق للعدالة يف الفكر الفلسفي أو السياسي شيء ال ميكن
إثباته.
يطرح االشكال خاصة حول أساس هذه العدالة بني املساواة واإلنصاف :
هل العدالة هي أن يكون الناس سواسية رغم االختالفات و الفروقات بينهم يف القدرات واملؤهالت ,أم أنها ينبغي أن تكون قائمة على
االنصاف وبالتالي اعطاء كل ذي حق حقه وان كان ذلك قد جييز الالمساوة ؟ هل من العدل أن نساوي يف توزيع الثروة دون متيز بني
من ميلك ومن ال ميلك ،أو دون متيز بني عامل جمتهد و آخر غري جمتهد ؟ أال تستحيل املساواة املطلقة اليت ال تراعي الفروقات اىل
ضرب من الظلم ،مبا جيعل من الالمساواة مشروعة وضرب من االنصاف ؟
يذهب "ماكس شيلر" اىل أنّ العدالة ال حتقق باملساواة وامنا باالنصاف ،فالعدالة ال تتمثل يف املطالبة باملساواة املطلقة بني الناس؛ ألنها
مساواة جائرة ما دامت ال تراعي الفروق بني األفراد فيما خيص الطبائع واملؤهالت اليت يتوفرون عليها .فالعدالة املنصفة هي اليت
تراعي اختالف الناس ومتايز طبائعهم ومؤهالتهم .ومن الظلم أن نطالب باملساواة املطلقة بني مجيع الناس؛ ذلك أن وراء هذه املطالبة
باملساواة كراهية وحقد على القيم السامية ،ورغبة دفينة يف خفض مستوى األشخاص املتميزين إىل مستوى األشخاص الذين هم يف
أسفل السلم.
هكذا ينتقد ماكس شيلر ما يسميه باألخالقية احلديثة اليت تقول بأن مجيع الناس متساوون أخالقيا ،وبالتالي تنفي التفاوتات
املوجودة بينهم على مستوى ما يتوفرون عليه من مؤهالت .ويرى أن هذه املساواة املطلقة هي فكرة عقالنية نابعة من حقد وكراهية
الضعفاء ومن هم يف أسفل درجات السلم جتاه األقوياء الذين ميتلكون مؤهالت وقدرات أكثر من غريهم جتعلهم يتواجدون يف أعلى
السلم االجتماعي .وبدال من هذه األخالق العقالنية اليت تنادي باملساواة الصورية والنظرية ،يقرتح شيلر ما أمساه باألخالق املوضوعية
اليت تأخذ بعني االعتبار الفوارق بني الناس على أرض الواقع .وهنا تكمن العدالة املنصفة اليت حتافظ على القيم السامية اليت يتمتع بها
. األشخاص املتفوقون .
يؤكد أرسطو على أنه ال ميكننا استيعاب مفهوم العدالة إال بربطه مبفهوم الفضيلة وهو هنا يتفق مع رأي أفالطون وسقراط ،لكن
أرسطو يرى أن الفضيلة ترتبط بالعادة ،والعادة تنمو وتتطور بفضل وجود استعداد طبيعي لدى اإلنسان مينحه القدرة على قبول
الفضيلة ،والفضيلة هلا ارتباط باآلخرين من الناس ،لذلك فتبادل اخلريات يفرض علينا طرح السؤال التالي وهو :كيف ميكن
لإلنسان أن حيقق العدالة إذا كان الناس يف األصل غري متساويني؟
وجيب أرسطو على أنه جيب أن منيز يف العدالة بني مفهومني ،األول عام والثاني خاص:
والعدالة باملعنى األول تعين اخلضوع للقوانني وللضمري األخالقي ،حفاظا على املصاحل العامة ،وبذلك تكون مرادفة للفضيلة.
أما العدالة باملعنى الثاني فتعين املساواة ،ويف هذه احلالة تسمى العدالة إنصافا Equitéوحينما تصبح العدالة إنصافا نكون أمام
نوعني من العدالة حسب أرسطو:
عدالة توزيعية Justice distributiveوتعين توزيع اخلريات وثروات اجملتمع على أفراده حسب طاقاتهم وأعماهلم .واحلصة
املنصفة اليت حيصل عليها شخص ما ال تكون بالضرورة حصة متساوية مع غريه؛ فالتناسب بني احلصص جيب أن خيضع للتناسب
بني األشخاص .وإذا مل يكونوا متساوين فمن العدل ألّا تتساوى حصصهم .وقد كتب أرسطو يف كتاب األخالق النيقوماخية" :إن
أصل النزاعات هو يف حصول متساوين على أشياء غري متساوية ،ويف حصول غري متساوين على أشياء متساوية. " ...والعادل هو
املتن اسب ،أمّا غري العادل فهو الذي خيرق التناسب ،أي إذا حصل توزيع للخريات ونقيضها (حتمّل ما هو عكس اخلريات أي الشرور أو
األعباء) ،جيب أن جيري ذلك مبا يتناسب مع املساهمات اليت يقدّمها األفراد ،وحيصل الظلم الذي يتناقض مع هذه العدالة عند عدم
االلتزام مببدأ التناسب.
عدالة تعويضية Justice correctiveوتتمثل يف تنظيم املعامالت بني أفراد اجملتمع على أساس القوانني واألعراف .وهدفها هو
تصحيح السلوك اخلارج عما حتدده القوانني ،فهي عدالة تعاقب اجملرم وتعوض أولئك الذين يذهبون ضحايا تطبيق القوانني.
وهكذا فإن غاية العدالة هو حتقيق اإلنصاف ويف هذا الصدد يقول أرسطو":ليس هناك أشخاص عادلون غري أولئك الذين يستنريون
بفكرة العدالة كإنصاف ،أي أولئك الذين ميثلون روح القوانني" والعدالة ال توجد يف اجملتمع كممارسة إال حينما يكون أفراده عادلون
أو يطبقون العدالة ،وإذا كانت العدالة ال تطرح أي مشكلة على املستوى األخالقي فإنها على املستوى العملي حينما ترتبط بالقوانني
تثري العديد من املشاكل ،فما هو قانوني قد ال ينسجم دائما مع حقوق الفرد وقد ال يضمنها ،فمن املمكن أن توجد القوانني غري عادلة أو
تطبق يف حاالت عامة أو خاصة،كما أن القانون لن يتضمن مجيع احلاالت اجلزئية ،فما هو قانوني قد ال يؤدي إىل حتقيق العدالة
دائما لذلك يرى أرسطو بضرورة املرونة يف تطبيق القانون وتكييفه مع احلاالت اجلزئية املتنازع عنها ألن التطبيق احلريف قد يؤدي إىل
اإلخالل مببدأ العدالة وبروحها األمسى وهي اإلنصاف.
يف كتابه " نظرية العدالة " ينطلق جون رولز يف تعريفه للعدالة بأنّها املبدأ القائم على االنصاف ،فالعدالة أن ينصف كلّ اآلخر يف
معاملته معه من جهة ،وينصف الفرد أفراد اجملتمع يف معاملته معهم من جهة أخرى .
إن العدالة كإنصاف من منظور رولز "هي مفهوم سياسي للبنية األساسية جملتمع دميقراطي حديث " ومعنى هذا أن ارتباط العدالة
كأنصاف بالبنية األساسية للمجتمع الدميقراطي ،جيعلها مسألة سياسية ،وليست مسألة فلسفية أو أخالقية باملعنى املتعالي أو
باملعنى الكمالي .وبشكل عام العدالة هي األساس األوّل للمؤسسات االجتماعية ،وشرط جوهري تقبل من خالله املؤسسات أو ترفض
وتلغى وتستبدل مبؤسسات أخرى عادلة.
انطلق جون رولز يف تأسيسه ملبادئ العدالة ومن خالل نظرته اىل اجملتمع على أنّه نظام منصف من التعاون بني مواطنني معتربين
أحرار ومتساوين ،من السؤال التالي ”:ماهي مبادئ العدالة األكثر مالءمة لتعني احلقوق األساسية واحلريات ،ولتنظيم ظواهر
الالمساواة االجتماعيّة واالقتصاديّة يف نظرات املواطنني العامة على مدى حياة كاملة ؟ “.
مبدأ الحرية والمساواة :يضمن هذا املبدأ احلريات األساسية ألفراد اجملتمع ،وهذا ما يقرّه جون رولز يف قوله ":يتطلب املبدأ األول
ببساطة أن أنواعا معينة من القواعد ،تلك اليت تعرف احلريات األساسيّة ،أن تنطبق على كلّ شخص بالتساوي وأن تسمح باحلرية
الواسعة القصوى املتوافقة مع حرية مماثلة للجميع" .ويقصد رولز باحلريات األساسية ،تلك احلريات السياسية ،كاحلق يف
التصويت واعتالء املناصب واملسؤوليات العمومية ،وحرية التعبري ،واالجتماع ،واحلق يف امللكيات الشخصيّة ...اخل .وهذه احلريات
متساوية بني اجلميع دون التفرقة والتميز بينهم .
مبدأ التفاوت أو االختالف :وهو املبدأ القائل بوجوب قبول أنواع التفاوت االجتماعية واالقتصاديّة ،شريطة أن تكون منظمة لصاحل
األقل حظا ،وأنها تكفل هلؤالء وضعا مرضيا .وتربز صيغة هذا املبدأ الثاني من مبادئ العدالة كإنصاف يف قول رولز ":جيب ترتيب
حاالت الالمساواة االقتصادية واالجتماعية ،حبيث تكون أوّال متوقعة بشكل معقول على أنها ملصلحة كل شخص ،وثانيا االلتحاق
باملواقع واملناصب يكون مفتوحا للجميع ".
ففيما خيص هذا املبدأ الثاني ،فهو ناجم عن احلظوظ املكتسبة التابعة للمواهب واألوضاع االجتماعية والظرفية ،وكل ما يستحيل
التساوي فيه بني البشر نظرا لتدخل املواهب املتفوتة يف الثروات واملراكز .هنا يقتضي األمر أن تنتظم هذه الفروق حبيث ختدم الكل ،
وتبقى مفتوحة للكل .إن التفاوت حسب رولز يكون عادال فقط إذا كان موجها للفئات احملرومة واألقل حظا ،وهذا بدوره خيدم هذه
الفئة لكي حتسّن من وضعيتها وظروفها االجتماعية ،وتتحوّل اىل فئات منتجة بفضل املزايا اليت يوفرها هلا التفاوت ،وبالتالي خترج
من دائرة الفئات احملرومة اليت تتكل على غريها.ومن هنا يتحول اجملتمع بالتدرّج اللى جمتمع قوي ،منتظم ،ومتعون ،وظروفه
االجتماعية جيدة .
إذن ،يالحظ هنا أن راولز حياول وهو يؤسس للمبادئ الكربى املؤسسة جملتمع عادل ،الدمج ما بني أسس العدالة واحلرية واملصلحة
اجلماعية ،لكن العماد الذي تقوم عليه أطروحته يتمثل يف ضرورة حتقيق اجملتمع ملنطلقات طبيعية ،تتمثل وجوباً يف املساواة ،وهي
املنطلق األساس ألي تعاقد اجتماعي ،قبل أي تفكري يف العدالة.
/4التوافق بين العدالة والنجاعة وشروطه:
متهيد :نعيش اليوم اخنراما كبريا للمعادلة والتوازن الكبري بني النجاعة االقتصادية والعدالة االجتماعية .والتحدي األكرب الذي
يعرتض االنسانية يكمن يف ضرورة إعادة بناء هذا التوازن بني اجلانب االقتصادي واجلانب االجتماعي هلذه املعادلة من خالل بناء عقد
اجتماعي جديد.
ومن الناحية النظرية ميكن اإلشارة إىل ثالثة تصورات كربى للتعاطي مع معادلة النجاعة االقتصادية والعدالة االجتماعية
.التصور األول هلذه املعادلة يتعلق بالتصور الليربالي ،وتدافع النظريات الليربالية على رؤيا تعطي األولية للنجاعة االقتصادية على
حساب العدالة االجتماعية .فبالنسبة هلذه النظريات فإن املسألة األساسية بالنسبة للمجتمعات الرأمسالية تكمن يف حتسني املردودية
والنجاعة االقتصادية اليت تساعد وتساهم يف دفع االستثمار والديناميكية االقتصادية .وميكن هذا التطور من حتسني الثروة واخذ
املطالب االجتماعية بعني االعتبار .إال أن هذا التمشي كان وراء ظهور وتطور التفاوت االجتماعي والتهميش مما اثر سلبا على
االستقرار السياسي لألنظمة الرأمسالية.
أما التصور الثاني هلذه املعادلة فيخص التصور الشيوعي والذي دافع عن أولوية العدالة االجتماعية ضاربا يف الكثري من األحيان
عرض احلائط بالنجاعة االقتصادية .وكان من نتائج هذا التمشي تراجع اإلنتاجية واملردودية االقتصادية واليت قادت األنظمة
الشيوعية إىل أزماتها وانهيارها بعد سقوط جدار برلني سنة . 1919
أما التصور الثالث فهو الرؤيا الرباقماتية لطريف هذه املعادلة يف حماولة إجياد توازن بني املردودية االقتصادية والعدالة االجتماعية.
املشكل املطروح :العالقة بني النجاعة والعدالة .
اريك فايل ينزل هذا االشكال يف سياق سياسي ،فمشكل العالقة بني النجاعة والعدالة ( انفصال /ترابط) يتحدّد حبسب طبيعة
الدولة او احلكومة ،وتوجهاتها السياسية ،وخياراتها االقتصادية ،وخلفياتها االيديولوجية (ليربالية /او اشرتاكية).
االشكالية املركزية :ما السبيل اىل حتقيق وجود سياسي أمثل حيفظ للعامل حقوقه مبا هو مواطن ؟ هل يكون ذلك بالفصل بني
النجاعة والعدالة على حنو ما نهجت احلكومات الرأمسالية أو االشرتاكية ،ام يكون باملصاحلة و اجلمع بينهما ،حتى تكون
النجاعة عادلة ،والعدالة ناجعة ؟ كيف يكون التوفيق بني النجاعة االقتصادية والعدالة االجتماعية معيارا للتمييز بني النظم
االجتماعية والسياسية السليمة وغري السليمة ؟ وبأي معنى تكون املصلحة الكونية هي الرابط اجلوهري بني النجاعة والعدالة ؟
األطروحة املثبتة :أنّ العالقة بني النجاعة والعدالة ّ ،
تتحدد بما هي تشارﻃية ،ومسﺆولية السياسي تكمن في التأليف و إيجاد
متطلبات العدالة االجتماعية و مقتضيات النجاعة االقتصادية .
المالﺀمة بين ّ
األطروحة املستبعدة :املواقف االيديولوجية والسياسية اليت اما تنتصر للنجاعة وتفوت يف العدالة ،أو العكس تراهن على العدالة
مع التفريط يف النجاعة .
نقد الفكر الليربالي ،والدولة الرأمسالية اليت راهنت على النجاعة الغري عادلة .
نقد الفكر املاركسي ،والدولة االشرتاكية اليت راهنت على العدالة الغري ناجعة.
بنية النص 1 :ـ الفصل بني النجاعة والعدالة وسلبياته 2 /ــ التالزم بني النجاعة والعدالة ومبقتضياته .