Professional Documents
Culture Documents
الرهان :التحول بعالقة النجاعة ابلعدالة من عالقة تضاد إىل عالقة توافق.
حترر
-IIالعمل :استالب أم ّ
تقسيم العمل :ا
االنتقال من الندرة إىل الوفرة
إن التزايد املطرد للسكان ال ميكن أن جيد حاجته يف الصناعات احلرفية واألعمال التقليدية .فهذه الضروب من اإلنتاج ال ميكن أن تضعنا إال أمام أزمة
الندرة ،ندرة اإلنتاج مقابل تزايد السكان .لذلك مثل تقسيم العمل احلل األمثل مبا يعنيه من ّتصص العامل يف إنتاج جزئي ليصبح من املمكن إنتاج أكثر
عدد ممكن يف أقل وقت ممكن .وهذا ما ميكن أن حيدث ثورة صناعية وتطور يف اإلنتاج .وعوض أن يرتفع عدد السكان ويرتاجع اإلنتاج -مثل حال
الصناعات احلرفية -يصبح العكس -ينخفض عدد السكان لريتفع اإلنتاج ويصبح من املمكن أن نتحدث عن حتقيق أكثر قدر ممكن من الرفاه ألكرب عدد
ممكن من السكان .وهبذا املعىن يكون تقسيم العمل مرجع رفاه الفرد ومرجع زايدة رأس املال وأصل التوازن االجتماعي ومبعث القوة االقتصادية اليت بدورها
تكون دافعا للقوة السياسية للدولة.
إذا كانت القداسة جتعلنا نُقدم على الشيء حبماسة فائقة ،فإن العمل املأجور قد بدا على العكس من ذلك يثري يف اإلنسان نفورا مرعبا "ليهرب العامل
من الشغل هروبه من الطاعون" على حد عبارة ماركس ذلك أن العمل "ليس إشباعا لرغبة" وال حيمل أي جاذبية جتعل اإلنسان مييل إليه ،ألن املمارسة
فقدت قيمتها لفصلها عن احلرية كمبعث لإلبداع .وكذلك فقد أفقدت الغاية التجارية العامل كل قيمة ،فحني نكون إزاء واقع العمل تتحطم كل نزعة إنسانية
للعمل نفسه ،لقد كان العمل يف اللغة الالتينية يقرتن من جهة التسمية آبلة التعذيب .أما اآلن فقد أصبح واقعة تعذيب واستالب.
لقد حتول العمل (مع اجملتمعات الصناعية) إىل ظاهرة تعمل على استالب اإلنسان بدل أن حترره ،حيث يؤكد اجنلز أن العمل أصبح عمال إجباراي يعمل
على إذالل اإلنسان وإفقاده كرامته .وكان ذلك نتيجة لتقسيم العمل ،حيث أصبح الفرد يشتغل مقابل شيء اتفه (األجرة) ال تربطه به أية عالقة إنسانية .بل
إن تبسيط العمل أدى إىل اختزاله يف حركة اتفهة يكررها العامل دون توقف ،فتحول العم ل إىل عمل رتيب ،يعمل على تشييء اإلنسان واالحندار به إىل
مصاف احليوان .وهذا اإلحساس ابالستالب يظهر -ماركس -من خالل نفور العامل من العمل حيث حيس داخله ابلشقاء والتذمر ،واّنيار نفسي وإرهاق
مينعه من تطوير طاقاته وحتقيق ذاته .وتكون النتيجة احلتمية هلذا وضع عكسي :بدل أن حيس اإلنسان بكينونته داخل العمل ،أصبح يبحث عن ذاته يف
أوقات الفراغ يف أعمال تعترب جمرد وظائف حيوانية كاألكل ،والنوم ،واإلجناب .إن االستالب يف نظر املاركسية ليس إال نتيجة حتمية لالستغالل الناجم بدوره
عن امللكية اخلاصة لوسائل اإلنتاج.
يرى سارتر أن تقسيم العمل على الطريقة التايلورية أد ى إىل استالب اإلنسان .حيث ترى هذه النزعة أن املردودية يف االقتصاد ال تقوم إال على الزايدة يف
اإلنتاجية أبقل ما ميكن من اجلهد والتكاليف ،ويف أسرع وقت ممكن .ومن مثة يكون العمل املتسلسل القائم على نظام اآللية النموذج املثايل لتحقيق األهداف
االقتصادية ،لكن هذا -يف اعتقاد سارتر -ال مينع العامل من التحرر من أشكال االستالب من خالل جدلية العبد والسيد ،اليت أابن هيقل -من خالهلا -
كيف أن العبد يستطيع أن حيقق ذاته بواسطة العمل وجيرب ابلتايل السيد على االعرتاف به .فلما أصبح العبد وسيطا بني السيد والطبيعة مكنه ذلك من
السيطرة على الطبيعة ومن تبعية السيد له ،وهذا إدراك أويل لصورة احلرية .وإذا كيفنا هذا التمثل مع منوذج العمل املتسلسل يتضح أن جدلية السيد والعبد ال
ميكنها أن تتحقق إال إذا تصور العامل احلركة البسيطة اليت يقوم هبا يف بعدها الوظيفي ،أي يف تكاملها مع احلركات اليت يقوم هبا العمال اآلخرون ،األمر الذي
يدفع هبم إىل أن يتمثلوا أنفسهم كما لو كانوا ذاات واحدة ،ومن مثة يدرك العامل أنه ال ميكنه أن حيقق ذاته مبعزل عن اآلخرين ،وعلى العامل يف اآلن ذاته أن
يتمثل فرديته كذات جيب بناؤها من الداخل من خالل عملية التكوين املستمر اليت ستمكنه من مواكبة تطورات نظام اآللية.
يرى جورج فريدمان أن نظام اآللية حيتوي على سلبيات ،أمهها ،أنه يعرض العامل إىل استالب ذهين وإىل تدهور نفسي ،بل واستالب اقتصادي من جراء
البطالة اليت تكون عادة نتيجة حتمية لتعميم اآللية وتطورها .كما أن بعض املصاحل الفردية قد تؤدي إىل تعميق القطيعة بني العمال ورؤسائهم مما يسبب تدهور
العالقات االجتماعية .إال أنه يدعو إىل ضرورة التخلص من النظرة االختزالية والسطحية لنظام اآللية اليت تلخص هذا النظام يف السلبيات فقط .إذ أن
إجيابيات اآللية تفوق بكثري سلبياهتا .فمن الطوابوية االعتقاد أن العامل ميكن أن يستفيد بشكل مباشر مما ينتجه كما كان األمر معموال به يف القرون
الوسطى .ومن الطوابوية كذلك أن يتحقق اإلنتاج دون التضحية نسبيا حبرية العامل .إال أنه من املمكن دائما أن يبحث العامل عن حتقيق ذاته وحيققها خارج
املصنع ،يف أوقات الفراغ .فيكفي التأكيد على أن نظام اآللية أراح العامل من االستعباد اجلسدي الذي كان يعاين منه من جراء األعمال الشاقة واملضنية .كما
مكن رجال األعمال من الربح ملا ميثله نظام اآللية من اقتصاد يف التكاليف .إضافة إىل أن نظام اآللية ال يهدد كرامة اإلنسان ابعتباره مستهلكا ،حيث
يستطيع كل فرد أن يستجيب حلاجاته الضرورية وينميها نظرا ملا سيجده أمامه من وفرة.
الشواهد:
ط الصانع" -دي توكفيل
الصنعة واحن ّ
" -كلّما تقبل مبدأ تقسيم العمل تطبيقا أكثر تق ّدمت ّ
ولكّن ال أريد أن أصبح عبدا أثناء عملي".
أظل عاطال عن العمل ّ
أحب أ ّن ّ
-املشكل :أحد الباحثني عن فرصة عمل يف عصر الالعمل":أان ال ّ
-IIIيف عالقة التعارض بني النجاعة والعدالة :العمل مبا هو جناعة
إن "الصدام بني العدالة والنجاعة يظهر يف أشكال ال حصر هلا" -إيريك فايل.
ال شك أن العمل قد ارتبط ابلنجاعة سواء كانت مطلبا أو واقعة أو مقتضى وهو ما يكشف عن مفارقة اثوية يف العمل فهو من جهة ما حيقق عربه
اإلنسان تفرده ومتيزه وهو من جهة اثنية اجملال الذي جيسد الالإنساين يف العمل اإلنساين .وهو ما حييل على االغرتاب أو ا
االستيالب ،فالعمل مل يعد اجملال
الذي حيقق اإلنسان فيه ما هو إنساين ،فعملية االنصياع لألوامر أو اخلضوع لنظام التيلرة هو ما حيول العامل إىل شيء يتبع اآللة"...قطعة من اللّحم والدم
ملتصقة بقطعة من الفوالذ" على حد عبارة ماركس ،فلم يعد العمل هو اجملال الذي يرتجم الوعي والقدرة بل هو جمرد حركات تُفرض على العامل.
إن ا
االغرتاب (أو القيمة املضادة) هو حالة من التفاوت بني الذات وما يتحقق منها تعلن عن فقدان الذات لذاهتا ال سيما وأن العامل يكون املنتج من
جهة والغريب أمام ما ينتجه من جهة أخرى .إن االغرتاب هو ما جيعل الذات متخارجة عن ذاهتا وما يعنيه من انفصال املمارسة عن الوعي ،إنه ابألساس
"طرد اإلنسان من ذاته" على حد عبارة روجي غارودي ،يف حني أن التشيُّؤ يتمثل يف أن الزايدة يف قيمة عامل األشياء قد حولت اإلنسان من مرتبة الصانع
لألشياء إىل مرتبة املتماهي معها .أما التموضع فيعين أن الذات مل تعد تنتج ذاات تعي ذاهتا بل حتولت إىل موضوع فاقد قيمة ما يصنع بفعل التكرار الدائم
لنفس العمل .يقول ماركس" :يصبح العامل سلعة تزداد وضاعة بقدر الزايدة يف خلق السلعة" ويضيف" :كلّما زاد فقر العامل وتعاظم فقر عامله
خاص".
وحل ما ميلكه بشكل ّ
الداخلي إالّ ّ
-االغرتاب هو فقدان اإلنسان ملقومات وجوده اإلنسانية حتت أتثري العوامل االقتصادية واالجتماعية والدينية.
-إن إنتظام العمل وفق مبدأ النجاعة كما تؤسس له الليبريالية ينتهي حسب ماركس إىل وضع يسلب فيه العامل من ذاته ومن منتوج عمله.
-يتمثل تقسيم العمل التقين (أحد مظاهر االغرتاب) يف تفصيل وتوزيع مراحل العمل وعزل بعضها عن بعض ليتكفل كل عامل مبهمة واحدة أو جبزئية عمل
ُمددة بدقة مرتبطة ارتباطا وثيقا بعنصر الزمن وهو ما جيعل العمل املفتت مقرتان بقيمة النجاعة كقيمة مادية.
املرات"
يكررها مئات ّ
املهمة الواحدة ّ
-ترتجم هذه النجاعة مطلب الوفرة وذلك ما أكد عليه سارتر يف اعتباره العامل يف نظام األجرة" .رجل ّ
-تبني لنا أطروحة دوركهامي القيمة االجتماعية للعمل ولتقسيمه كما تبني لنا سلبيات تفتيته من ذلك استحضار دوركهامي ملوقف توكفيل الذي يرى يف تقسيم
العمل تقدما وجودة للصنعة مقابل احنطاط للعامل ولقيمته.
ا
-يذهب ماركوز إىل أتثيم احلضارة الغربية املعاصرة أو اجملتمعات الرأمسالية اليت حولت اإلنسان إىل إنسان جمرد من أبعاده أو هو ذي بعد واحد واختزاله يف
كينونة إنتاجية وااستهالكية ُمضة.
-احلضارة الغربية الصناعية الراهنة تقومت على لوغوس الربح بشكل خلقت يف اإلنسان إيروس الصناعي مرتبط حباجات زائفة يصنعها اإلشهار.
االجتماعي والتشيؤ على الصعيدين النفسي االقتصادي والبؤس ا االستغالل ا
← حتول العمل من قيمة إنسانية سامية وفعل يف األشياء إىل مصدر إلنتاج ا
َ
والوجودي.
االعتقاد اخلاطئ يف أن العمل إما أن يكون انجعا أو ال يكون عمال وعدم ا
االكرتاث مبطلب العدالة والتغافل عن الظروف ← إن هذه النتائج اخلطرية سببها ا
الالإنسانية اليت يعاين منها واقع العمل والوضع البائس للعمال .لكن ما حصل هو النتيجة العكسية أي املزيد من االستبعاد االجتماعي والعيش يف أسر فقرية
والتداخل بني األجر املنخفض والفقر وُمدودية الرعاية الصحية والنقص يف الروابط األسرية وسوء التغذية.
← إن التضافر بني العمل والنجاعة أدى إىل إحداث جناعة دون عدالة عرب عنها إيريك فايل بقوله" :إ ّن املواطن هو ابدئ األمر عضو يف جمتمع العمل
وأول ما يطالب به هو جزء عادل من اإلنتاج االجتماعي" .واملقصود هو االحتجاج على احليف واإلجحاف واجلور الذي يتعرض له العمال يف جمتمع ّ
املصنع والذي أدى إىل إنتاج فوراق اجتماعية وتفاوت يف الدخل وخلل يف التمتع ابخلريات بني األفراد والطبقات.
فماهي إذن الشروط املوضوعية اليت تنبين عليها إنسانية العمل وجتاوز سلبيات النجاعة واإلغرتاب؟
الشواهد:
قارة" .ربط العمل ابلنجاعة
تصرفا معيّنا تكون فيه نسبة اجلهد املبذول قياسا إىل النجاعة اإلنتاجية نسبة ّ
-جورج ابطاي" :يقتضي العمل ّ
وحيوهلا إىل شيء انفع" .ربط العمل ابلنجاعة
-برودون" :إ ّن العمل هو الفعل الذ ّكي الذي يعاجل به اإلنسان املادة ّ
اخلاص حبكم ذلك اجلهد" .الثروة
ّ اخلاص احلال العامة اليت كانت عليها األرض لذلك أصبحت ملكي
ّ إين قد ب ّدلت جبهدي
-جون لوكّ " :
-روسو" :إ ّن العمل وحده هو الذي أعطى الفالح احل ّق يف منتوج األرض اليت حرثها" .ربط العمل ابلثروة
-IVيف عالقة التوافق بني النجاعة والعدالة :العمل مبا هو النجاعة العادلة
إذا كان من غري املمكن أن نتحدث عن العمل بال جناعة ،فذلك ألنه ال ميكن لصاحب رأس املال أن يوظف أمواله دون أن ينتظر منها رحبا ومردودية
وفائض قيمة ،ولكن ما ال ميكن أن يكون مقبوال هو أن يتضاعف فائض القيمة على حساب العمال أنفسهم وال ميكن أن تكون النجاعة وحدها للعرف أو
السيد بل جيب أن يراعى الوضع املادي للعامل حىت تكون النجاعة نفسها عادلة من الناحية االقتصادية .كما أن الغاية نفسها ال تكون مرتبطة بزايدة الثروة
وتفقري العامل ذهنيا وإمنا يراعى يف اإلنسان سعيه إىل تطوير وعيه ابستمرار وتنمية قدراته ممارسة وفكرا حىت يكون العمل نفسه واعيا.
وهبذا املعىن نتبني أن العمل كظاهرة إنسانية يرتبط بعوامل متنوعة ومتداخلة اقتصاداي واجتماعيا وسياسيا لذلك يكون من الضروري أن تتضافر كل هذه
العوامل لتجعل من العمل إنسانيا -من جهة النجاعة ومن جهة العدالة كغاية .أن يكون ال عمل انجعا ،ذلك ما ال ميكن التشكيك فيه ،فالنجاعة هي
الفاعلية اليت ترتبط مبعاين اإلنتاج واملردودية والربح والثروة ،وهذه القيم حيققها العمل بشكل فعلي ،ولكن ما يبدو إحراجيا هو أن نتحدث عن عمل عادل.
ذلك أن العدالة حتمل معىن املساواة ولكن هل ميكن أن نساوي بني عامل خمتص وعامل غري خمتص؟ هل ميكن أن نساوي بني مردود صاحب رأس املال وبني
مردود العامل؟
لو حبثنا يف داللة املساواة لتبينا أّنا توازن بني قيمتني وإذا كان العمل قد حتول إىل قيمة مادية فمعناه أنه إبمكاننا أن حندد قيمته مبوازين الربح واملردودية.
فالعمل هبذا املعىن هو سلعة تقدر بثمن ،غري أن مثنه ليس اثبتا وإمنا متغري ،ومثلما ّتضع السلع يف السوق إىل املساومة فإن العمل نفسه حتدد قيمته ضمن
كل
مجلة من املساومات تتم بني العامل وصاحب رأس املال فالعامل يبيع جهدا له قيمة وصاحب رأس املال يشرتي هذا اجلهد مقابل قيمة ،لقول نيتشه " ّ
كل شيء ميكن دفع مثنه ذلك هو القانون األخالقي للعدالة" وطاملا أن العمل قابل للقيس فهو قابل للبيع مبا يوازيه من مثن .إال أن سيادة
شيء له قيمة و ّ
منطق السوق على العالقة القائمة بني العامل وصاحب رأس املال ال ّتضع ضرورة إىل بيع عادل ،وإمنا هناك دائما فائض قيمة ،وهو الفارق بني مثن ما ينتجه
العامل وما يتقاضاه من أجر ،وعن هذا الفارق نفسه تتولد أبشع طرق االستغالل الذي يكون طاغيا على عالقات العمل ،كما يذهب إىل ذلك أرفون إن
"العمل يف شكله احلايل غري عادل" ،وذلك لتداخل عوامل متفرقة ،فالعامل ال يتقاضى أجرا يعادل قيمة ما ينتجه ،وال يتقاضى ما يقابل احتياجاته ،إضافة
إىل أن الالمساواة جتد تربيرها يف التفاوت الطبيعي ذكاء وموهبة .وبناء عليه يصبح العامل رهني أبشع املساومات وأسوء ذرائع االستغالل استجابة ملنطق
السوق القائم على العرض والطلب ،والصراع واملنافسة .وهذا ما جعل إ .فروم يتشاءم من الوضع احلايل الذي توازي فيه الزايدة يف التقدم والثراء ،زايدة يف
الفقر .وإذا كان ماركس قد اقرتح ثورة الربوليتاراي كحل ،فإن إ .فروم يكاد يسلم أبنه ال حل هلذه الوحشية املتنامية .فهل نكتفي بوصف واقع العمل دون
البحث عن حلول ممكنة؟ وهل حنتكم إىل الواقع رغم ما فيه من إجحاف؟ وابملقابل هل تكون العدالة يف شكلها املثايل احلل األنسب؟
إذا كان اإلحراج األساسي هو التصادم بني العدالة والنجاعة ،وإذا كانت املساواة بني العامل وصاحب رأس املال غري ممكنة ،فإنه يكون من الضروري على
األقل تعميم االستفادة أبقصى جهد ممكن -وإن كانت أبشكال متفاوتة -كما يذهب إىل ذلك راولس ،وهبذا تكون العدالة يف حد ذاهتا مقصدا للنجاعة
بدل أن نعتربها متعارضة معها .إن العدالة مبا هي مساواة مطلقة ال يؤيدها الواقع ،كما أّنا عدمية املعىن .لذلك يكون من الضروري أن نستبدل هذه الداللة
ابلعدالة يف معىن اإلنصاف.
إن القول بعالقة التوازن تدفعنا إىل البحث يف املفاهيم اجملاورة ملفهوم النجاعة مثل مفهوم الوفرة والثروة ،ويف املفاهيم اجملاورة ملفهوم العدالة كمفهوم
اإلنصاف ومفهوم احلرية .فالعدالة يف أحد وجوهها ال تتحقق إال إنصافا ( العدالة هي تنظيم املصاحل الفردية يف إطار املصلحة العامة وهذا هو مبدأ اإلنصاف
عينه الذي جيعل املواطن يطالب جبزء عادل من اإلنتاج االجتماعي) مبا أن اإلنصاف يتحدد مبا هو شعور طبيعي مبا هو عادل وهو أمسى من القانون ،مبا هو
إعطاء كل ذي حق حقه ،ذلك أن احلق وحده يستبعد الالمساواة ويتجاوز االدعاء السائد أبن التفاوت جيد أصله يف الطبيعة نفسها .فإريك فايل يعمل على
إجياد تثبيت العالقة بني العدالة والنجاعة وإحداث نوع من التوازن بني النجاعة كقيمة مادية وبني العدالة مبا هي عدالة اجتماعية وإنصافا .ذلك أن العالقة
تتحدد مبا هي تشارطية ،ليجعل من عملية التفكري يف النجاعة دون العدالة غري ممكنة .فمسؤولية السياسي تكمن يف التأليف إبجياد املالءمة بني متطلبات
العدالة ومقتضيات النجاعة ،فاحنياز الدولة للعدالة دون النجاعة أو للنجاعة دون العدالة جيعلها غري عادلة .لذلك يتوجب عدم التذمر من النجاعة وعلى
الدولة أن جتعل النجاعة عادلة ،ألن النجاعة هي اليت جتعل من اإلنسان فاعال ذلك أن اإلنسان يتحدد مبا هو عضو يف جمتمع العمل .فمهمة الدولة تكمن
يف حتقيق العدالة يف دنيا الواقع والعمل ،هي العدالة من أجل املصاحل كما أن النجاعة هي تنظيم املصاحل ،فمن واجبات احلكومة اعتبار املصاحل حىت ميكنها أن
تكون عادلة.
وخالصة القول إن العدالة كإنصاف هي ضرب -من احلد األقصى -من الرفاه ابلنسبة إىل أغلب أفراد اجملتمع أي يقع تبين مبدأ العدالة التوزيعية (كل
حسب جمهوده) بدل العدالة التعويضية (كل حسب حاجته).
إن اإلقرار ابلتفاوت هو إقرار اباحتكار الثروة ،وابملقابل فإن الطموح إىل عدالة مطلقة هو طموح غريب عن الواقع .وهذا ما يستدعي حال واقعيا أبن
"ننظم أشكال التفاوت االقتصادي االجتماعي على حنو يستفيد منه اجلميع" ،ليكون من املمكن اإلرتقاء اجتماعيا واقتصاداي واإلنتقال من طبقة إىل أخرى.
ويكون من الضروري فسح اجملال للغري لإلرتقاء ،وبدل إقامة عالقات على املنافسة والصراع ،يكون من الضروري إقامة "عالقة تعاون وليست عالقة استغالل"
التوجه األعمى
على حد عبارة إيريك فروم .إن التعاون هو العالقة األكثر إنسانية واألكثر مالءمة للتواصل اإلنساين إذ "بدون هذا التعاون يستحيل إيقاف ّ
لآللة االجتماعية" وبدل متثل السعادة على أّنا تكديس للثروة وتشيئة للعالقات اإلنسانية وأتلية ألنشطتها ،يكون من الضروري أن نتمثلها يف معىن العطاء
والتضحية واعتبار اآلخر كقيمة ،ذلك أن "الفرحة تغمر اإلنسان حني يعطي ويشارك ،وليس حني يستغل ويكتنز" -إيريك فروم.
ليست العدالة قيمة مطلقة بل هي مرتبطة ابلنجاعة املادية ،ذلك أنه ال ميكننا أن نعدل إال عند وجود ما هو مادي وما هو انفع ذلك أنه يكون من
الضروري أن يوجد اإلنتاج واملنفعة ،كي تكون العدالة ممكنة ،إن املنفعة ليست قيمة مضادة للعدالة بل هي شرط حتققها الفعلي .كما أن العدالة ليست خطرا
على الثراء وليست هتديدا للمصاحل االقتصادية ،وإمنا هي شرط كل متاسك اجتماعي ،لقد تنبأ البعض-خطأ -أبن منحة البطالة -كقيمة عادلة -ميكن أن
تضع االقتصاد الفرنسي يف وضع عجز ،ولكن تبني على العكس من ذلك ،مما يعين يف األخري أنه ال تعارض بني العدالة والنجاعة.
االجتماعية ملقاة ابألساس على عاتق احلكومات إن االقتصاد ال يقصد لذاته ،أي لتكديس الثروة ،وإمنا يستمد قيمته من اجتماعيته .إن مهمة العدالة ا
كما يذهب إىل ذلك إيريك فايل ،ذلك أن العامل ال يتحدد كيانه مبوقعه يف املصنع ،وإمنا هو -إضافة إىل كونه عامل -فهو مواطن ضمن حكومة يوكل هلا
وأول ما يطالب به هو جزء عادل من اإلنتاج االجتماعي".
احلفاظ على حقه ،لقول إيريك فايل" :إ ّن املواطن هو ابدئ األمر عضو يف جمتمع العملّ .
وهبذا املعىن يتضح تعقيد داللة العدالة اليت هي حصيلة جهود اقتصادية وسياسية .وهي قيمة جتمع حوهلا كل املنتجات اإلنسانية ،من دين وأخالق وسياسة.
كما أن كل هذه القيم ال وجود هلا يف فراغ ،وإمنا ضمن حتقق فعلي للثراء املادي ،وبقدر ثراء اجملتمعات ،بقدر توقها إىل قيمة العدالة .إن العمل ال حيتوي
فحسب على قيم الثراء واملنفعة واملردودية وإمنا هو يف حد ذاته قيمة :إنه أوال وأساسا صانع للوجود اإلنساين.
الشواهد:
"إ ّن العدالة من غري النجاعة ليس هلا معّن وإ ّن النجاعة ال تفيد شيئا من غري العدالة" -إريك فايل
"العدالة دون مصلحة وهم والنجاعة دون عدالة تضليل وفساد" -إيريك فايل
خامتة:
-مهما تعددت األطروحات ،فإننا ال نستطيع أن نتصور العامل اليوم دون ظاهرة العمل ،أو حياة ليس فيها عمل ،مهما كنا طوابويني أو مستغرقني يف أحالم
ألّنا ال تشعل لنا لفائف التبغ" -.كاراليل
اليقظة" .إنّه من احلماقة أن نلعن الشمس ّ
-إذا كان ديكارت قد قال" :أان أفكر فأان إذن موجود" ،فإننا ميكن أن نعارضه بقولنا" :أان أعمل إذن أان موجود" ألن أبشع أشكال االستالب هو
استالب الالعمل (أو استالب البطالة)" .كلّما أخلد إىل الكسل كلّما صعب عليه أن يعزم على العمل" - .كانط
-العم ل وحده يستطيع أن حيقق لإلنسان إنسانيته ويضمن له كرامته .إننا اليوم نوجد ابلقدر الذي نعمل ،بل األصح أن وجودان متوقف على العمل ،من
خالله نستطيع أن نتفاعل مع ذواتنا ومع اآلخرين ،وهو الكفيل أبن يقيم التصاحل بيننا وبني أنفسنا ،بيننا وبني جمتمعنا.
حّت يبلغ جدارة عالية" -أرفون
جمرد ضرورة قاسية ال يستطيع اإلنسان التملّص منها بل هو يف الوقت ذاته اإلمكان املتاح له ّ
"العمل ليس ّ