You are on page 1of 4

‫الفنّ‪ّ:‬اجلمالّواحلقيق ّة ّ‬

‫األستاذ‪ّ:‬زهريّبوست ّة ّ‬

‫الفنّّّّّّ‪ّّّّǂ‬احلقيق ّة ّ‬
‫ضّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّ ّ‬ ‫الفنّواحلقيقة‪ّ:‬التعار ّ‬
‫بروست‪" :‬عوضا أن نرى عاملا واحدا‪ ،‬عاملنا هذا‪ ،‬فإنّنا‪ ،‬بفضل ّ‬
‫الفن‪ ،‬نرى هذا العامل يتكاثر‪ ،‬وبقدر عدد الفنّانني املبدعني يكون عدد العوامل اليت ندركها"‬
‫الفن عندما يقتصر على احملاكاة ال يستطيع منافسة الطبيعة وأنّه يشبه دودة جتهد نفسها يف تقليد فيال"‬ ‫عامة‪ ،‬جيب قول أ ّن ّ‬ ‫هيقل‪" :‬بصفة ّ‬
‫كانط‪" :‬العبقرية مناقضة متاما لروح احملاكاة"‬
‫دوين العامل وإّّنا هم منافسوه"‬
‫أندريه مالرو‪" :‬الفنّانون الكبار ليسوا ُم ّ‬
‫الفن إنتاج املرئي‪ ،‬بل جيعل الالمرئي مرئيا"‬ ‫پول كلي‪" :‬ال يعيد ّ‬
‫الفن لكي ال ُمتيتنا احلقيقة"‬
‫نيتشه‪" :‬لنا ّ‬

‫=ّّّّّاحلقيق ّة ّ‬
‫الفنّواحلقيقة‪ّ:‬احملايثةّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّالفنّّّّّ ّ‬
‫الفن حياكي الطبيعة"‬
‫أرسطو‪ّ " :‬‬
‫الفن والدين والفلسفة إالّ يف الصورة ّأما املوضوع فهو واحد"‬
‫هيقل‪" :‬ال يعدو أن يكون االختالف بني ّ‬
‫يتعرف اإلنسان من خالهلا على شيء ما جيهله من نفسه"‬ ‫كل الفنون مبثابة مرااي ّ‬‫آالن‪ّ " :‬‬
‫الفن الواقع خبلق عامل خيايل يكون مع ذلك أكثر واقعيّة من الواقع ذاته"‬ ‫هرابرت ماركوز‪" :‬يتح ّدى ّ‬

‫متهيدّ‪:‬‬
‫الفن هو وسيلة للهروب من الواقع‪ ،‬اعتقاد سائد إىل درجة أ ّن أكثر الناس اليوم ال مييّزون بني منتوجات اجملتمع االستهالكي‬
‫يسود االعتقاد اليوم أب ّن ّ‬
‫تتضمن من جهة مبدعها مثلما من جهة املهتمني ابلشأن الفين‪ ،‬استثمارا حقيقيا قد يصل إىل ح ّد‬ ‫اليت هلا أهداف ترفيهية‪ ،‬واإلبداعات الفنية اليت ّ‬
‫متنوعة وخمتلفة‪ ،‬انتشاءات موسيقية وسينيمائية ومسرحية‪ ...‬تتمثّل‬‫الفن نوعا من الوسيلة اليت هتب لنا انتشاءات ّ‬‫الوجد (الشغف)‪ .‬فنحن نرى يف ّ‬
‫وظيفتها يف التسلية إذ تساعدان على نسيان الواقع الباهت والفظ (السمج) الذي نعيش فيه‪.‬‬
‫وجيمل الواقع‬
‫الفن مبين على نسيان اجملهودات‪ ،‬رمبا‪ ،‬الفوق إنسانية اليت يقوم هبا الفنّان ليشنّع ويتجاوز ويتعاىل ّ‬
‫غري أ ّن هذا الضرب من التعامل مع ّ‬
‫الفن مبقتضاه رسالة‪ .‬ويف هذا املعىن ما غنم اإلنسان الذي يصارع ض ّد خزي الواقع‪ ،‬وض ّد محاقات اجملتمع‪ ،‬بل وض ّد‬ ‫ذاته‪ .‬هو أيضا نسيان حيمل ّ‬
‫محاقات اإلنسانية أبغاين ومبوسيقى وبصور وحنوت‪.‬‬
‫اإلحرجاتّ‪ّ :‬‬
‫يؤسس‬‫الفن‪ ،‬إذن‪ ،‬وأي صلة تربطه ابلواقع؟ هل أنّه مبدع للجمال من أجل االرحتال عن الواقع أم أنّه ّ‬
‫الفن هو اهلروب من الواقع‪ .‬فما ّ‬ ‫إذا كان هدف ّ‬
‫حقيقة متعالية على ما هو حمسوس بشكل مباشر فيستدعينا إىل عامل اجلمال الذي يوقظ فينا خزي الواقع وقبحه‪ ،‬فال يكون االرحتال عن الواقع إالّ‬
‫متضمنة للفرح وابلتايل لبهاء اجلمال الروحي؟‬
‫لغزوه من جديد؟ أم أ ّن اجلمال واحلقيقة ال يلتقيان إالّ ليتناقضا؟ أليست احلقيقة ّ‬
‫ّالفنّ‪ّ ّ:‬‬
‫للفن ابعتباره تقنية أو ابعتباره صناعة حرفية مميّزة من انحية بني العمل التقين ابعتباره عمال ممكنا‬
‫أتخذ اجلماليات املعاصرة مسافة من املفهوم الضيّق ّ‬
‫متفرد وغري قابل للتكرار أو النسخ‪ ،‬وهلذا السبب تصل أسعار‬ ‫الفين ابعتباره عمل ّ‬
‫ومتكررا وال حيمل ملسة الفنّان وأحاسيسه الذاتية‪ ،‬وبني العمل ّ‬ ‫ّ‬
‫الفن واحلرفة اليدوية‬
‫اللوحات احلقيقية إىل مستوايت فلكية يف حني أ ّن الرسومات املُستنسخة بقيت زهيدة الثمن‪ ،‬كما ميّزت اجلماليات املعاصرة بني ّ‬
‫التقليدية نظرا أل ّن احلريف يعتمد آلية التكرار لنفس احلركات اليت تل ّقنها ليسقط عمله ضمن دائرة الراتبة الفاقدة للداللة احلقيقيّة يف حني أ ّن الفنّان ما‬
‫املتنوعة ابستمرار‪ ...‬ويف "املعجمّالتقينّوالنقديّللفلسف ّة" ّ‬
‫يعرف أندريه الالند‬ ‫املتفردة دائما و ّ‬
‫ينفك يبدع ويتح ّكم يف دائرة موضوعاته املبتكرة و ّ‬‫ّ‬
‫املصطلح ابعتباره "كل ّإنتاجّللجمالّيتحققّيفّأعمالّكائنّواع"‪ .‬وهذا التعريف ّ‬
‫خيصص التجربة الفنّية ابعتبارها جتربة ذات صلة مباشرة بصناعة‬
‫وإبداع اجلمال طلبا لقيمة إنسانية كونية هي قيمة اجلماليات أو اإلستيتيقا‪.‬‬
‫اجلمال‪ّ ّ:‬‬
‫ما اجلمال؟ هل هناك معايري اثبتة للجمال؟ ما مبّر احلكم على شيء ما أنّه قبيح أو مجيل ؟‬
‫ينزل كانط اجلمال ضمن جمال‬
‫‪ -‬اجلمال مفهوم معياري‪ ،‬حكم ال خيضع ملعايري اثبتة أو علمية أو أخالقية‪ ،‬فاجلميل ليس ابلضرورة الفاضل لذلك ّ‬
‫(كل ما يرتبط ابإلحساس والذوق والتل ّقي) حيث يكون اجلميل ما يولّد إحساسا ابجلمال‪ ،‬ويستبعد كانط وجود قاعدة‬
‫اإلستيتيقا وهي علم احلساسية ّ‬
‫فكل حكم مجايل ينطوي على طموح‬‫اثبتة أو معيار حقيقي للجمال‪ ،‬كما أ ّكد انفصال الل ّذة عن اجلمال وش ّدد على البعد الكوين لألحكام اجلمالية ّ‬
‫املستحب واجلميل‬
‫ّ‬ ‫ح" لذلك ُمييّز كانط بني‬ ‫الكونية حيث يقول‪" :‬إنّاجلميل‪ّ،‬ماّيعجبّكونياّدونّمفهوم" واجلمال عنده "إحساسّمجيلّابالنشرا ّ‬
‫يتنصل اجلميل منها‪ ،‬واجلميل الكوين هو شعور ينتاب اإلنسان إزاء األشياء اجلميلة جيعله يعتقد أ ّن األشياء‬
‫حسية يف حني ّ‬
‫ملستحب يرتبط دائما بل ّذة ّ‬
‫ّ‬ ‫فا‬
‫نظرية "الفنّ‬
‫اجلميلة اليت يراها ميكن أن تعجب مجيع الناس‪ ،‬فيقول "اجلميلّهوّالذيّيعجبّبطريقةّكونيةّدونّمفهوم‪ ، "...‬ولذلك دافع كانط عن ّ‬
‫للفن"‪.‬‬
‫ّ‬
‫احلسي فيها يف أدين السلّم‬
‫‪ -‬مييّز أفالطون بني املادي والروحي والعقلي والذي انعكس بدوره على التفكري يف نظرية تفاضلية للجمال يكون اجلمال ّ‬
‫الوجودي للكائنات مثّ يليه اجلمال الروحي مث يليهما اجلمال العقلي أو"اجلمالّيفّحد ّذات ّه" أو"اجلمالّكفكرّة" مطلقة موجودة يف عامل املثل على‬
‫شاكلة "مثالّللجمال" حيث ّبني يف حماورة "املأدبة" إمكانية االرتقاء من الرغبة يف األجسام اجلميلة إىل الرغبة يف األرواح اجلميلة إىل ّ‬
‫أتمل اجلمال يف‬
‫ليتسىن له بعد ذلك إمكانية املقابلة بني اإليروس (الرغبة) واللغوس (العقل) ليكون اجلمال مطابقا للحقيقة كلّما دان أكثر من مثال اجلمال ومزيّفا‬‫ذاته ّ‬
‫املشوه‪.‬‬
‫احلسي الزائف و ّ‬ ‫هلا كلّما احندر إىل العامل ّ‬
‫عّ‬‫الفن‪ّ:‬احملاكاةّواإلبدا ّ‬
‫ّ‬
‫لئن فهمت احملاكاة عند أفالطون كتشويه للحقيقة وكابتعاد عنها بثالث درجات‪ ،‬حيث مييّز أفالطون بذلك بني األصل والنسخة ونسخة‬
‫فن الرسم ابعتباره فنّا‬
‫الفن احلقيقة املطلقة للجميل حيث يتح ّدث عن ّ‬
‫املشوهة للجمال مستبعدا بذلك إمكان أن تقول احملاكاة يف ّ‬ ‫النسخة أو النسخة ّ‬
‫النجار‬
‫الرسام الذي حياكي طاولة ّ‬
‫مشوهة عن فكرة الطاولة يف عامل املثل و ّ‬
‫النجار الذي يصنع نسخة ّ‬ ‫يبعدان عن احلقيقة بثالث درجات‪ ،‬ويورد لنا مثال ّ‬
‫الرسامني من‬‫الفن حيث أطرد الشعراء و ّ‬
‫برسم مثال مزيّف هلا فال يصيب منها إالّ نسخة النسخة‪ ،‬ورّمبا هلذا السبب يتّخذ أفالطون موقفا سلبيا من ّ‬
‫شر اخلداع ومن سلبيات املغالطات اليت قد يوقعنا فيها هؤالء‪.‬‬‫مجهوريته الفاضلة‪ ،‬توقّيا من ّ‬
‫فن‬
‫الفن ألنّه ّ‬
‫فإ ّن أرسطو كان قد اعتب حماكاة الطبيعة ميزة الفنّان نظرا أل ّن ما ميتاز به الفنّان عن األشخاص العاديني هو قدرته على إجادة هذا ّ‬
‫الرسم أو غريمها من الفنون حيث يقول يف كتاب "فنّالشع ّر"‪" :‬إنّالصورةّتسرانّالّبوصفهاّحماكاةّولكنّ ّإلتقانّصنعتهاّ‬
‫ألجبدايت ّ‬
‫ّ‬ ‫مهارة وحذق‬
‫بفن احملاكاة مل مينعه من متييز الفنّانني حبسب طبيعة املوضوعات اليت حتاكى حيث يرى أن "ذووّ‬
‫أوّأللواهناّأوّماّشاكلّذلك" غري أ ّن اعرتاف أرسطو ّ‬
‫النفوسّالنبيلةّحاكواّاألفعالّالنبيلةّوأعمالّالفضالءّ‪ّ،‬وذووّالنفوس ّاخلسيسةّحاكواّأفعالّاألدنياء"‪ّ ّ.‬أما هيقل فريى احملاكاة ال تنقص مرتبة‬
‫فن مت متّت إبتقان وحرفية‪ ،‬مستشهدا بـ"‪( "Zeuxis‬ق‪ 5‬ق‪.‬م)‬ ‫الفين جمانبا للحقيقة ّبل ّإ ّن هيقل يعتب أ ّن احملاكاة ّ‬
‫الفنّان وال يكون فيها العمل ّ‬
‫الذي رسم لوحة العنب بشكل فائق اإلتقان لدرجة أ ّن احلمام قد ّ ُخدع ابللّوحة وكان يرتطم هبا كلّما أراد أن أيكل من العنب املوهوم ‪ -‬غري أ ّن هذا‬
‫الفيلسوف يرى أ ّن الفارق بني احملاكاة والطبيعة هو فارق مجايل ابألساس فالفنّان الذي حياكي الواقع ال يضيف له شيئا كما أنّه ال ميكن أن حياكي‬
‫اجلمال الطبيعي إبطالق لذلك يفضل هيقل منطق اإلبداع على منطق اإلتّباع نظرا أل ّن اإلبداع هو إعادة تشكيل للرؤية لدى الفنّان فيه حتاول الروح‬
‫اجملرد الذي هو العامل الذي ينشده‬
‫احلسي إىل العامل ّ‬
‫متحررة من العامل ّ‬
‫املبدعة خوض جتربة تعبرييّة خترتق هبا أفق الفكرة املطلقة وتتوق هبا إىل عامل الكمال ّ‬
‫الفنّان‪.‬‬
‫الفنّواحلقيقةّ‪ّ ّ:‬بيةّحقيقةّينبئناّالفنّ ّ؟ ّ‬
‫احلقيقةّ‪ّ :‬‬
‫إ ّن حقيقة العبارة مبا هي تعبري عقالين عن معرفة الواقع‪ ،‬ضرورية ابلنسبة لإلنسان من حيث هو كائن عاقل‪ ،‬غري أ ّن احلقيقة ميكن أن جتد أشكاال‬
‫الفن هو تعبري إنساين يتجاوز حدود احلاجة احلياتية الضرورية لكل‬‫فتكملها‪ ،‬خاصة عندما يتعلّق األمر مبا ال ميكن قوله‪ .‬و ّ‬
‫أخرى يف التعابري اإلنسانية ّ‬
‫فالفن هو ضرب من احلكمة العملية اليت متزج بني املعرفة واملهارة لتهب شكال حلقيقة واقع يف لغة‬
‫حي‪ ،‬إذ ميثل غزارة للثراء اإلنساين الداخلي‪ّ .‬‬
‫كائن ّ‬
‫اإلحساس‪ ،‬لغة الرائي واملرئي‪ ،‬إذ "هناك فعل وانفعال ال ميكن ابلكاد متييزمها حبيث ال نعود نعرف من الذي يرى ومن الذي يُرى" على ح ّد عبارة‬
‫مرلوبونيت‪ .‬وإذا كانت دراستنا للمسألة العلمية قد بيّنت لنا نسبية احلقيقة اليت تتح ّدد ابلنسبة ملنظورية الذات العارفة‪ ،‬فإنّنا ال جنانب الصواب إذا قلنا‬
‫أهنا غري بعيدة عن الرؤية الذاتية للفنّان الذي يبدع يف متثالته آاثرا فنية‪ ،‬إ ّن الفنان لينمذج الواقع بطريقته اخلاصة‪.‬‬
‫الرسام اإلسباين اببلو بيكاسو‪" :‬إنناّلنعرفّمجيعاّأن ّالفن ّليسّهوّاحلقيقةّوإّناّهوّكذبةّجتعلناّندركّاحلقيقةّأوّعلىّاألقل ّتلكّ‬
‫يقول ّ‬
‫احلقيقةّاليتّكتبّلناّأنّنفهمهّا" إ ّن هذا االعرتاف الذي يديل به فنّان من شأنه أن يدعوان للتفكري يف عالقة اخليايل ابلواقعي وعالقة اجلمال‬
‫الفن واجلمال‪ ،‬لذلك ميكن‬
‫الفن من شأنه أن يدفع البعض إىل الزهد يف احلقيقة واليأس من طلبها يف حضرة ّ‬‫ابحلقيقة‪ ،‬حيث أ ّن املنحى الالواقعي يف ّ‬
‫فالفن حسب ماركوز‪" :‬الّواقعيّالّألنهّشيءّأقلّمنّالواقعّالقائم‪ّ،‬بلّألنهّأكثرّ‬
‫استحضار اجلمالية املاركوزية لرفع اللبس بني الالواقعي واحلقيقي ّ‬
‫منهّو"مغاير"ّلهّأيضاّمنّجهةّالنظرّالنوعيةّوبصفتهّعاملاّخيالياّحيتويّمنّاحلقيقةّأكثرّمماّحيتويّعليهّّالواقعّاليومي‪ ".ّ..‬وهذا تقريبا ما عناه‬
‫ال‪ّ،‬فاجلمالّصفةّالّميكنّأنّتنطبقّإالّعلىّماّهوّخيايل‪ّ:‬عاملّاجلمالّعاملّخيايلّوالفنانّاملوهوبّهوّ‬
‫سارتر حني أ ّكد أ ّن "الواقعّليسّأبداّمجي ّ‬
‫ليسّذلكّالذيّيعطيناّصورةّوفيةّللواقعّبلّذلكّالذيّخيلقّ"واقعا"ّخمتلفاّعنّالواقع‪ّّ،‬الذيّيستعملّعناصرّمنّالواقعّلتكوينّأشكالّ‬
‫جديدة‪ "ّ...‬فالتعبري اجلمايل ليس ابلضرورة" متثالتّألشياءّمجيلة‪ّ،‬بلّمتثالتّمجيلةّألشياء" كما ّ‬
‫عب عن ذلك كانط‪ ،‬فبإمكان الفنّان أن ينطلق‬
‫ورث‬ ‫ليعب به عن حقائق عظيمة وحسبنا يف هذا اجملال "لوحةّاحلذاء" لفان ڤوڤ‪ ،‬فأيّة حقيقة ميكن أن ّ‬
‫يعب عنها حذاء ابيل ّ‬ ‫من موضوع وضيع وقبيح ّ‬
‫الشقاء واالغرتاب يف العمل‪...‬‬
‫وملطّخ قذارة ووحال ألحد الفالحني إن مل تكن تعبريا عن البؤس و ّ‬
‫الفن ؟ وهل يقول حقيقة بعينها أم أن تع ّدد‬ ‫الفن هيدقراي "بدءّتنفيذّاحلقيق ّة" (أصل العمل ّ‬
‫الفين) فما هي احلقيقة اليت يعلن عنها ّ‬ ‫فإذا اعتب ّ‬
‫الفين من شأهنا أن تكشف عن منطق للكثرة خمرتق للوحدة الظاهرة للحقيقة‪ ،‬لذلك سنسعى إىل مالمسة شعاع احلقيقة وراء منظومة‬‫القراءات للعمل ّ‬
‫التع ّدد واالختالف‪...‬‬
‫قّإىلّالفكرةّاملطلقةّ ّ‬
‫*ّهيقلّ‪ّ:‬الفنّتو ّ‬
‫ال فرق لدى هيقل بني اجلمال واحلقيقة‪ ،‬نظرا أل ّن اجلمال فكرة وكذلك احلقيقة هي مطلب للعقل‪ ،‬لذلك يسعى العقل عب التاريخ إىل بلوغ‬
‫يعب عنها هيقل ابلفكرة املطلقة أو الروح املطلق لذلك يقول "عندماّنقولّإن ّاجلمالّفكرة‪ّ،‬نقصدّبذلكّأن ّاجلمالّواحلقيقةّشيءّ‬ ‫احلقيقة اليت ّ‬
‫اجملرد‬
‫احلسي إىل ّ‬‫وحترره من ّ‬
‫مير به العقل يف رحلته عب التاريخ مثل ال ّدين والفلسفة وذلك يف إطار تع ّقل الروح لذاته ّ‬
‫الفن معبا ّ‬‫واحد"‪ ،‬ويعتب ّ‬
‫تصوره كلّما‬
‫فالفن حسب ّ‬
‫اجملردة كالشعر واملوسيقى‪ّ ،‬‬
‫مرت من الفنون احملسوسة كالنحت والعمارة إىل الفنون ّ‬ ‫والعقالين‪ ،‬لذلك فإ ّن اترخييّة الفنون قد ّ‬
‫الفن موضوعا وغاية يف‬
‫تصوره جوهر ّ‬
‫جمردا إالّ واقرتب أكثر من طبيعة الفكرة املطلقة اليت من طبيعتها اإلطالقيّة والتجريد لذلك تكون احلقيقة يف ّ‬
‫كان ّ‬
‫احلس اجلمايل لدى اإلنسان‪ ،‬لذلك يقول "ماتّالفن ّوولدت ّاإلستيتيقّا" تعبريا عن ال تناهي ّ‬
‫احلس‬ ‫الفن لديه هو اإلستيتيقا أي ّ‬
‫حني أ ّن جوهر ّ‬
‫احلسية مبرور الزمن مثل املعامل املعمارية الفنّية وإمكانية جتديدها أو تشييد ما هو أعظم منها‬
‫اجلمايل لدى اإلنسان وعن إمكانية تالشي األعمال الفنّية ّ‬
‫أل ّن الروح اجلمايل واإلبداعي لدى اإلنسان روح خالدة‪.‬‬
‫*ّاملاركسية‪ّ:‬الفنّّكشفّعنّالواقعّ ّ‬
‫التطور االجتماعي عب العصور ويعكس طبيعة الوعي‬ ‫الفن يف اجلماليات املاركسيّة منعزال عن حركة التاريخ لذلك فهو وثيق االرتباط أبشكال ّ‬‫‪ -‬ليس ّ‬
‫االجتماعي الذي هو بنية فوقية تنبثق عن البنية التحتيّة للمجتمع اليت حت ّدد أّناط وسائل وعالقات اإلنتاج القائمة أساسا على االستغالل الطبقي‬
‫تعب عن واقعها ومصاحلها‬‫ولكل طبقة فنوهنا اليت ّ‬ ‫لكل جمتمع فنونه ّ‬ ‫للفن أ ّن ّ‬
‫التصور املاركسي ّ‬
‫وصعود طبقة على حساب طبقة أخرى لذلك يعتب ّ‬
‫وفن الطبقات البورجوازية (مثل األوبريا‪ )...‬وانعتا ّإايمها ابلرجعية واالحنطاط مؤّكدا‬
‫الفن الرومنطيقي ّ‬
‫للفن رافضا ّ‬‫لذلك أ ّكد ماركس على الطابع الواقعي ّ‬
‫الفن امللتزم والنضايل الذي حياول توعية اجلماهري ببؤسهم قصد حتفيز الثورة االجتماعية وحتقيق العدالة املفقودة‪.‬‬
‫على قيمة ّ‬
‫االجتاه يذهب املف ّكر املاركسي ليون تولستوي يف كتابه "ماّهوّالفنّ؟" إىل الدفاع عن مبدأ دمقرطة ّ‬
‫الفن مناداي بضرورة املصاحلة بني الفنّان‬ ‫‪ -‬يف هذا ّ‬
‫الفن‬
‫عامة النّاس لذلك ال تكمن احلقيقة يف التجريد أو يف ّ‬ ‫للفن مستبعدا بذلك موسيقى األوبريا املعاصرة بتعلّة أ ّهنا ال تُفهم من قبل ّ‬
‫املتذوق ّ‬
‫و ّ‬
‫الفن الشعيب البسيط والواضح مستبدال منطق التعقيد مبنطق السهولة حيث يعتب أ ّن أغنية شعبية يف ريف ما ميكن أن تكون أعظم‬ ‫البورجوازي بل يف ّ‬
‫وقعا من سنفونيات موزار أو مسرحيات شكسبري‪.‬‬
‫لفنّمناصفةّبنيّالذايتّواملوضوعيّ ّ‬
‫ّ*ّهريابرتّماركوز‪ّّ:‬ا ّ‬
‫الفن الرومنطيقي والبورجوازي وعلى الفرويدية اليت تضيق من رقعة‬
‫مهمشة ّ‬ ‫الفن يف بعده التارخيي والنضايل واملادي ّ‬
‫رده على املاركسيّة اليت حتصر ّ‬
‫‪ -‬يف ّ‬
‫يهتم إالّ البعد اإليروسي والغريزي‪ ،‬يعتب ماركوز أحد ّرواد مدرسة فرانكفورت (املدرسة الفرويدو ‪ -‬ماركسية) أ ّن‬
‫احلقيقة الفنّية بفهم أحادي اجلانب ال ّ‬
‫فخ اإليديولوجيا فلم يعرتف‬ ‫يل" هو مزج بني املعطى التارخيي واالقتصادي والبعد النفسي اإلبداعي‪ ،‬فخطأ ماركس أنّه أوقع كونية ّ‬
‫الفن يف ّ‬ ‫"البعدّاجلما ّ‬
‫املضاد للطبقات األخرى وللفئات املبدعة األخرى واحلال أ ّن‬
‫ّ‬ ‫الفن‬
‫الفن إالّ مبا كان فنّا نضاليا ملتزما ومدافعا عن نظرية الثورة الطبقية متجاهلة ّ‬
‫من ّ‬
‫جردت‬‫"الفن ّيوجهّمنظورهّحنوّكوينّعيين‪ّ،‬حنوّإنسانيةّغريّاحملتواةّيفّأيةّطبقةّخاصة" كما يقول ماركوز‪ ،‬وخطأ املدرسة التحليلية النفسية أ ّهنا ّ‬
‫جمرد نشاطات الواعية وال مسؤولة مجاليا واحلال أ ّن التجربة‬
‫الفن ّ‬
‫الفن ضمن نظرية الالشعور ليكون ّ‬ ‫لتقزم ّ‬‫كل شعور ابجلمالية اخلالّقة ّ‬ ‫الذات املبدعة من ّ‬
‫اجلمالية مبا هي تعبري عن النظرة الذاتية للفنّان‪.‬‬
‫التذوق وكونية التعبري اجلمايل لدى اجلميع وليس لدى طبقة دون أخرى أو يف حقبة‬ ‫‪ -‬لقد دافع ماركوز عن كونية اإلحساس وكونية الرغبة والل ّذة و ّ‬
‫موجه لفئة‬
‫بفن مفهوم لدى اجلميع أو ّ‬ ‫ط الواقعي دون سواه أو إلزامه ّ‬ ‫احلر للفنّان فمن اخلطأ إلزامه ابخل ّ‬
‫اترخيية دون سواها كما دافع عن كونية التعبري ّ‬
‫اخلاصة وهو ال ينري الواقع وال‬
‫فن لغته ّ‬ ‫فلكل ّ‬
‫دون أخرى فاملشاعر اإلنسانية من حزن وفرح وأيس وأمل غري قابلة للتذويب ضمن طبقة دون غريها‪ّ ،‬‬
‫اخلاصة واملستقلّة عن أيّة إيديولوجيا‪.‬‬
‫يكون له دورا يف التاريخ ويف الوجود اإلنساين ما مل يكن لدية لغته ّ‬
‫*ّنيتشه‪ّ:‬الفنّجتاوزّلكلّحقيق ّة ّ‬
‫ّ‬
‫فن التنسيب الذي قد يفضي إىل إعادة التفكري يف املوروث الفلسفي القدمي بدءا ابألفالطونية وصوال إىل رموز‬
‫فن قلب املواقع و ّ‬
‫يعلمنا نيتشة ّ‬
‫‪ّ -‬‬
‫امليتافيزيقا يف األزمنة احلديثة كما يعلّمنا أيضا حماربة "الصنمية" اليت ميزت اتريخ احلقيقة يف الفلسفة هلذا السبب هاجم نيتشه هذا املفهوم معلنا موت‬
‫انفك العقل اإلنساين يبدع احلقائق مثل "املثل" األفالطونية الشيء الذي أفرز‬
‫ك" حيث ما ّ‬ ‫اإلله وموت احلقيقة اليت يعتبها "أوهامّنسيناّأهناّكذل ّ‬
‫ويبوبه ضمن خانة العبيد‪ ،‬الشيء الذي‬‫ط من قيمته ّ‬ ‫إنساان اتبعا لألوهام اليت ابتدعها‪ ،‬معرفيا ووجوداي وأخالقيّا مدافعا بذلك عن خيار إنساين حي ّ‬
‫القوة اليت اندى هبا نيتشه هي‬
‫احملتل ملرتبة السيادة يف هذا العامل‪ ،‬لذلك كانت فلسفة ّ‬ ‫رفضه نيتشه بعنف مدافعا عن نظرية "السوبرما ّن" العاشق ّ‬
‫للقوة و ّ‬
‫فلسفة يف حترير اجلسد وفلسفة يف عتق الرغبة والل ّذة دفاعا عن فلسفة احلياة ض ّد فلسفة املوت‪...‬‬
‫وتشيء الوجود‪ ،‬لنا اجلمال الذي يعيد إحياء احليوي فينا بعد أن‬
‫تنمط ّ‬ ‫‪ -‬ال تنفصل مجاليات نيتشه عن فلسفة املتعة لديه‪ ،‬ففي مقابل احلقيقة اليت ّ‬
‫حرية‪ ،‬امتالء‪ ،‬انتشاء (زارادشت‪ ،‬زوراب‪) ..‬‬
‫مجّدته العقالنية‪ .‬حيث أ ّن فلسفة اجلمال لديه ال تعتب اجلمال جمّرد أثر أو عمل بل هو كيفية وجود‪ّ :‬‬
‫‪ -‬يقول نيتشه‪" :‬قبلّكلّشيءّجيبّأنّجيملّالفنّاحلياة‪ّ...‬جيبّأنّخيفيّكلّماّهوّقبيحّوّيعيدّأتويل ّه" ّ‬
‫فالفن من هذا املنظور هو سالح ض ّد‬
‫القبح وض ّد بشاعة الواقع وض ّد صنمية احلقيقة ومجودها‪ ،‬وهو بذلك أداة جيب أن حيتمي هبا اإلنسان من الصنمية أي أنّه مبدأ إبداع وجتديد للتجربة‬
‫حيوهلا نيتشه إىل أوهام وخياالت‬
‫القوة ض ّد الوهن الشبيه بنسيج العنكبوت الذي تتّسم به حقائق الواقع وحقائق امليتافيزيقا اليت ّ‬
‫اإلنسانية وأتكيد ملبدأ ّ‬
‫للعقل الشبيه بنسيج العنكبوت لذلك يقول نيتشه‪" :‬لناّالفنّلكيّالّمتيتناّاحلقيقة‪"...‬‬
‫ّفرويد‪ّ:‬الفنّتعبريّعنّالوعيّاإلنسانّ ّ‬
‫‪ -‬يقول فرويد يف كتاب "التحليلّالنفسيّوالفنّ" ويف معرض حديثه عن دافنشي‪" :‬إنّجمهوداّلكتابةّترمجةّحياة‪ّ،‬إذاّماّسعىّحقاّإىلّالنفاذّإىلّ‬
‫فهمّاحلياةّالنفسيةّلبطلها‪ّ،‬الّينبغيّ(‪ّ)...‬أنّميرّيفّصمتّابلنشاطّاجلنسيّأوّاخلواصّ(األسرار)ّاجلنسيةّللشخصّموضوعّالبحث‪".ّ..‬‬
‫تعرض‬
‫‪ -‬قام فرويد بدراسة مذ ّكرات واتريخ حياة ليوانردو دافينشي وبعض شهاداته وذكرايته ليكتشف من خالل أتويل بعض األعمال هلذا الفنّان أنّه ّ‬
‫جل أعماله مثل لوحة "العذراء‪ّ،‬الطفلّيسوعّوالقديسةّآان" حاملة يف طيّاهتا لرمزية النسر كما وردت‬
‫حلادث "جنسية مثلية" يف طفولته لذلك تبدو ّ‬
‫حزينة األلوان مثل لوحة "املوانليزّا" القامتة‪ ...‬ويف ذلك مؤ ّشرات ع ّدة للولوج إىل اجلانب الالشعوري للفنّان‪ ،‬تعتب األطروحة التحليلية النفسية أ ّن العمل‬
‫يعب عن العقد النفسيّة املختزنة داخل "اهلو" ابعتباره اجلزء احمل ّدد للجانب الالواعي يف اإلنسان وحسبه ميكن أن نفهم شخصية الفرد‬ ‫الفين من شأنه أن ّ‬‫ّ‬
‫املرتددة دائما بني مبدأ الل ّذة ومبدأ الواقع ‪ -‬ميكن أن نستحضر يف هذا اجملال املقارنة اليت قام هبا فرويد بني العصايب‬
‫ورغباته املكبوتة وصراعاته النفسية ّ‬
‫األول يقوم ابستبدال واقعه بواقع خيايل يقيم فيه يف حني أ ّن الفنّان خيرتق عامل اخليال واجلنون حبثا عن توازن‬
‫والفنّان حيث أ ّكد أ ّن الفرق بينهما أ ّن ّ‬
‫مفقود مثّ سرعان ما يعود لواقعه األصلي‪...‬‬

You might also like