Professional Documents
Culture Documents
" لنا الفن كي ال تقتلنا الحقيقة " .ما وجاهة هذا الراي؟
االشارة الى التوتر الذي تعرفه عالقة الفن بالحقيقة من جهة ان الفن من ناحية -
هو تعالي عن كل حقيقة في الوقت الذي يعمل فيه على تأسيس حقيقة ما .
-او االنتباه الى ضروب موضوعات الفن و توظيفاته ما يدعو الى اتخاذ موقف ما
من حقيقة الواقع .
-او سقوط الفن في البراغماتية مع تحوالته المعاصرة ما يدعو الى انقاذ الجمال
ونحت صورة جديدة عنه .
االشكالية :ما الفن و أي عالقة تربطه بالحقيقة ؟ هل أنه مبدع للجمال من أجل تصوير
حقيقة الواقع ومحاكاته ؟ أم أنه يؤسس حقيقة ارفع من ما هو محسوس فيستدعينا إلى
عالم الجمال الذي يوقظ فينا الوعي بخزي الواقع وقبحه ؟ لكن أال يكون القطع مع الحقيقة
من اجل تأثيثها من جديد؟ أم أن الجمال الذي يبدعه الفن ليس سوى حقيقة هي حقيقة
الفنان ذاته ؟ ولكن اليس رهان الفن ابعد من الحقيقة ومن الجمال نحو تحرير االنسان ذاته
؟
لحظة اولى :تحليل الموقف المثبت في القول ان الفن ينقذنا من الحقيقة القاتلة وذلك ب :
-تعريف الفن بما هو( )arsيعني المهارة واإلتقان وال يختلف هذا التعريف عن
التحديد العربي الذي يعتبره ضربا من المهارة والصناعة .وليس بعيد عن المعنى
اإلغريقي technéالذي يعني المهارة في إنجاز ما هو عملي ،أي مجموع
الحركات الدقيقة الالزمة لممارسة تتوسط المعرفة النظرية والممارسة العفوية.
والغاية من ذلك تحقيق منفعة ما.
1
اهلادي عبد احلفيظ – معهد حي االمل -قابس
يعرف الالند الفن بكونه " كل إنتاج للجمال يتم بواسطة أعمال ينجزها كائن واع،"...
فالفن يتميز حسب المنظور الفلسفي بإنتاج قيم جمالية ،تتجسم في أثر .
-وهو عمل يحدث فينا إحساسا بلذة أو متعة،قد تكون انعكاسا لواقع موجود او
تجاوز لحقيقته .
-تعريف الحقيقة :بمعناها اليوناني أليتيا Aletheia :تعني الكشف أو عدم الخفاء
وعدم االحتجاب ،وتفيد تطابق الفكر مع الواقع او مع ذاته ؛ والفنان هو الذي
يضع الحقيقة في العمل الفني ،وما يعبر عن ذلك هو الجمال ،وهكذا يرتبط إنتـاج
الجميل بظهور الحقيقة.
-السؤال عن الحقيقة التي ينقذنا منها الفن بما هي حقيقة قاتلة :فالحقيقة مراتب
وأنواع يحررنا منها الفن :
-أ ) حقيقة الوجود :الفن بما هو تجاوز لحقيقة الوجود في مقابل الحقيقة التي
تنمط و تموضع و تشيء الوجود ،لنا الجمال الذي يعيد تسريح ما تعطل من ذواتنا
و إحياء الحيوي فينا بعد إذ جمدته العقالنية.
-لقد علمنا الفن علـى مـدى آالف السنين أن ننظر إلى الحياة وإلى كل شكل من
أشكالها باهتمام ومتعـة ،وأن نستدرج أحاسيسنا هذه إلى الحد الذي نصرخ فيه :
"أيا تكن هذه الحيـاة فهي جميلة" نيتشه
-ـ الفن هو ما وراء الخير و الشر ،براءة و شراهة وجود .الجمال ليس فقط أثرا أو
عمال بل هو كيفية وجود :حرية ،إقبال ،امتالء ،انتشاء ( ديونيزوس ،زارادشت،
زوربا ) ..فاذا كانت صورة الوجود معقلنة واذا ما كان العقل مجرد اخفاء وتمويه
كما يقول نيتشه فان الحقيقة التي يصنعها ليست سوى وهم علينا التحرر منه
بالفن الذي يعيدنا الى الحسي الى المشاعر نفسها من دون رتوش او مساحيق
مجازية .
2
اهلادي عبد احلفيظ – معهد حي االمل -قابس
"الفن العظيم هو الذي يدرك روح األشياء ،هو الذي يدرك ما يربط الفرد بالكل ويربط
كل جزء من اللحظة بالديمومة األبدية " فيو
-ب) حقيقة الذات :المنغمسة في اليومي ,في الخصوصي ,في الجسدي ,في ما
يشدنا الى الغريزة وملذات الجسد ( الحقيقة المادية للذات ) فيكون الفن وحده
القادر على رفعنا نحو حقيقة الذات الرمزية ,العاطفية ,االيتيقية فوحده الفن قادر
على رفع الفنان عن مستوى االنسانية الى مصاف االلهة :
" -يريد الرسام أن يرى جماالً يفتنه ،إذ هو سيد خلقه؛ فإذا شاء أن يستحضر
وحوشا مرعبة ،أو مناظر ساخرة ومضحكة ،أو أخرى مؤثرة ،فإنه في ذلك رب
وسيد ".دي فنشي
"فقبل أن تشع الحقيقـة في أعماق القلب ،يكتشف الخيال مالمحها ،ألن قمم جبال
اإلنـسانية تبـدو متوهجة في الوقت الذي يخيم الظالم في أوديتها" ماكس شيلر
" الجمال ليس صفة في الشيء المدروس بقدر ما هو األثر الذي ينشأ في اإلنسان
نفسه الدارس لذلك الشيء " .سبينوزا
فتكون نحو رمزية تصنعها الذات نفسها لنفسها اليس الفن كما قال غادمار "الفن ،لعب
ورمز واحتفال " الم يقل ماركس "إن الموسيقى األكثر كماال بالنسبة لألذن التي ال تكون
موسيقية هي ال معنى لها" فتكون حقيقة الفن الوحيدة هي تلك التي يؤسس لها الفنان و
يجسدها العمل الفني خالصا فيكون " الفن هو وضع الحقيقة نفسها في العمل الفني كما
يقول هيدغـر في تحليله للوحة الحذاء لفان غوغ .
3
اهلادي عبد احلفيظ – معهد حي االمل -قابس
لحظة ثانية :الفن ليس شأنه االهتمام بالحقيقة بل االنشغال بالجمال ,ذلك :
ـ أننا نعيش محكومين ببراديغم نفعي ال يرينا الواقع كما هو في ديمومته واتصاله بل في
حدود ما تسمح به حاجاتنا ،و من ثمت فكل فهم أو تعقل أو تعبير أو حكم ال يقول الحقيقة
األصلية للواقع ومن ثم فلم يعد لمفهوم الحقيقة معنى في عالم تحكمه المنفعة.
ـ أن تحول الفن الى تجربة معنى ” إن المصور ينبغي أن يخترقه العالم ال أن يخترق هو
العالم ..إني أنتظر أن أكون مغمورا داخليا و مدفونا ،إنني أصور لكي أبزغ “ .موريس
ميرلوبوتني.
ـ أن الفن تجربة ايتيقية للجمال :تصل الجميل بالخير (اشتراك المعايير الجمالية و
األخالقية :الحسن /القبيح ،بما يرادف الخير والشر ) الجميل تهذيب للطبيعة االنسانية
يرقى بها إلى مستوى األخالقية السامية (التطهر) للجمال إذ يؤهلنا للجالل .
ـأن الجمال تحرر و وعد بالسعادة ” .إن صفات الفن الجذرية ،أي وضع الواقع القائم
موضع اتهام و استحضار صورة جميلة للحياة ،ترتكز تحديدا على األبعاد التي بها يتجاوز
الفن تعيينه االجتماعي و ينعتق من عالم القول و السلوك المتواضع عليهما" .الى "
سيطرة مبدأ النجاعة و المردودية على كل أبعاد الحياة اإلنسانية .فهيمنة مبدأ النجاعة
أنتج ”ذاتا بال أفق“ تظل اسيرة نزعة تقنوية تعمل على تبضيع منتجات الفن و استيعابها
ضمن ذهنية االستهالك ـفالخيال الفني ال يمكن تنميطه و مأسسته.
ـ الجمال تحرير لإلنسان من خصوصيته ومن ذاتيته الضيقة نحو االنفتاح على الكوني ”
إن االنسان بحاجة إلى أن يكون أكثر مما هو ،فهو بحاجة إلى أن يكون إنسانا كليا ،و هو
ال يكتفي بأن يكون فردا منعزال ،و هو من خالل سأمه الذي يشكل الطابع الجزئي لحياته
الفردية يطمح إلى الخروج نحو كلية يرجوها و يطلبها ،إلى كلية الحياة “ فيشر.
5
اهلادي عبد احلفيظ – معهد حي االمل -قابس
استتباعات الموقف:
وظيفة الفن لم تعد ذوقية او جمالية او حتى معرفية بل اصبحت اليوم في مواجهة عالم
االستهالك المسلعن لقيم الجمال ثورية تعمل على تحرير االنسان ذاته اذ " ينبغي أن يكون
الفن حرا ،فحيثما ال توجد حرية ،ال يوجد فن " كما يقول ارسان بوسات .فالفن يحررنا
من :
-القيم النفعية قيم المردودية والمصلحة والنجاعة ليصبح للفن مهمة اخالقية
تربوية.
-الفردية الضيقة واالنانية نحو تأصيل قيم اجتماعية تجعله ينصهر اكثر فأكثر مع
الجماعة او الطبقة ليصبح للفن رسالة سياسية ".إن الفن ال يستطيع أن يغير
العالم ،لكنه يستطيع اإلسهام في تغيير وعي الرجال والنساء وغرائزهم الذين
يمكنهم أن يغيروا العالم" ماركوز.
6