You are on page 1of 7

‫المنزع العقلي عند التوحيدي‬

‫‪:‬إن دراسة مؤلفات التوحيدي تبين أن العقل في أدبه نوعان‬


‫عقل مف ّكر في مشاغل الخاصة الفكرية و الفلسفية و اللغوية و األدبية و المساهمة في تدارس القضايا الثقافية العامة ‪1/‬‬
‫‪.‬المطروحة في األوساط الفكرية في عصره‬
‫عقل ناقد متف ّحص لحياة الناس بمختلف وجوهها السياسية و االجتماعية و العقائدية‪...‬و هو عقل يحلل الموجود و يشير ‪2/‬‬
‫‪.‬إلى مواضع الخلل مقترحا أوجه إصالحه‬
‫‪ .‬بهذا يكون العقل في اإلمتاع و المؤانسة ضربان ‪ :‬عقل مف ّكر و من ّ‬
‫ظر وعقل ناقد مصلح‬
‫‪:‬منزلة العقل عند التوحيدي‬
‫متفردة و ذلك من خالل القرائن التالية‬
‫‪:‬يعتبر التوحيدي أن للعقل منزلة متميزة ّ‬
‫قوة تميّز اإلنسان عن سائر المخلوقات‪ .‬يقول‪ ":‬وهب ‪1/‬‬
‫العقل بما هو هبة إلهية ‪ :‬يرى التوحيدي أن العقل هبة ربانية و ّ‬
‫" اإلنسان الفطرة‪ ,‬و أعين بالفكرة و رفد بالعقل‪"...‬و يقول أيضا "العقل قوة إلهية و هو خليفة هللا‬
‫العقل بما هو أساس التفاضل بين الناس ‪ :‬اعتبر التوحيدي أن الناس ال يتفاضلون بالمال أو الجاه أو باالنتماء العرقي و ‪2/‬‬
‫‪ ".‬إنما بالعقل ال غير‪ .‬يقول ‪":‬فهو الذي يتفاضل به المتفاضلون والمدار عليه‬
‫العقل بما هو أساس الغنى الحقيقي ‪ :‬يقرر التوحيدي أن الغنى الحقيقي هو الغنى العقلي و أن الفقر الحقيقي هو الفقر من ‪3/‬‬
‫‪".‬العقل و العلم ‪ .‬يقول ‪ ":‬من حرمه فهو أنقص من كل فقير‬
‫العقل هو مصدر الحقيقة ‪ :‬التوحيدي أن الحكمة و العلم و الحقيقة مصدرها العقل ال غير ‪ .‬يقول‪ ":‬العقل ينبوع العلم" و ‪4/‬‬
‫‪ ".‬يقول ‪ ":‬صواب بديهة الفكرة من سالمة العقل " و يقول ‪ ":‬من ق ّل نصيبه من العقل كثر نصيبه من الحمق‬
‫العقل بما هو أفضل من المال ‪ :‬يؤكد التوحيدي أن العلم أفضل من المال و أن جوهر التفضيل للعلم على المال أرجعه إلى ‪5/‬‬
‫شهويّة‪....‬و ح ّ‬
‫ظه من العلم‬ ‫شهويّة يقول ‪ ":‬ح ّ‬
‫ظ اإلنسان من المال إنما هو من قبيل النّفس ال ّ‬ ‫أفضليّة النفس العاقلة على النفس ال ّ‬
‫‪".‬إنما هو من قبيل النفس العاقلة‬
‫و ينتهي التوحيدي إلى اعتبار ّ‬
‫أن ضياع المال يورث مالكه الضياع و الحسرة بينما صاحب العلم ال خشية عليه حيث يقول‬
‫‪ ":‬ال ترى عالما سرق علمه و ترك فقيرا‪ ..‬و قد رأيت جماعة سرقت أموالهم و نهبت و بقي أصحابها محتاجين ال حيلة لهم‬
‫‪".‬‬
‫‪ :‬أسلوب التوحيدي و لغته ‪- 1‬‬
‫‪ :‬أسلوب التوحيدي‪ :‬تجلّى احتفاء التوحيدي بالعقل في مستوى األسلوب من خالل القرائن التالية‪-‬‬
‫ماالرغبة ‪ )....‬و هو أسلوب ساهم في ****‬
‫ّ‬ ‫كثافة حضور االستفهام و األسئلة مثال (ما الحلم ؟ ما الحسد ؟ ما الشجاعة ؟‬
‫تأسيس ليالي اإلمتاع و المؤانسة والمقابسات‪ .‬يقول زكريا إبراهيم ‪ ":‬التوحيدي فيلسوف التساؤل ‪ّ ,‬‬
‫ألن لديه روحا تساؤلية‬
‫تكف عن إثارة السؤال تلو السؤال‬
‫" تعشق الجدل و ال تكاد ّ‬
‫شرح المستفيض و التّفصيل للفكرة أو المسالة ****‬
‫حرص التوحيدي على التوسّع و اإلطناب و التّنقيب و االستقصاء و ال ّ‬
‫( الواحدة (حديث أبي حيّان عن النفس‬
‫التدقيق في بعض المسائل لنزع الشبهة و ضمان الدّقة ‪ :‬مثال لما سأله الوزير ابن سعدان عن الفرق بين تفعال ( التاء ****‬
‫مكسورة ) و تفعال (التاء مفتوحة ) فقال له التوحيدي " المصادر كلها على تفعال بفتح التّاء و ا ّنما تجيء تفعال ( التاء‬
‫( مكسورة في األسماء‬
‫‪1‬‬
‫صل النظر فيها تفصيال تعليليا****‬
‫‪.‬تواتر أسلوب التعليل ‪ :‬فكثيرا ما يقدم التوحيدي الفكرة ث ّم يف ّ‬
‫مثال لما سأله الوزير " ما الفرق بين اإلرادة و الحياة " قال أبو حيّان ‪ ":‬ك ّل مراد مختار و ليس كلّ مختار مراد‬
‫صورة****‬
‫الروح‪ -‬الحقيقة –الهيولي ‪-‬ال ّ‬
‫‪..‬استعمال مفاهيم علمية و مصطلحات فلسفية و عبارات تجريدية ‪.‬مثال ‪ّ :‬‬
‫أسلوب التّوليد السّقراطي و ذلك من خالل االنتقال من البسيط البديهي إلى المعقّد المر ّكب و من خالل االنطالق من ****‬
‫‪...‬معنى رئيسي ث ّم الشرح التفصيلي ‪,‬تسلسل األفكار ‪ ,‬توالد األفكار‬
‫‪ .‬تقريب المعنى بضرب األمثال ****‬
‫األسلوب التعليمي ‪. -‬‬
‫لقد خضعت مسامرات اإلمتاع والمؤانسة والمقابسات في عديد األحيان إلى جدلية السّؤال والجواب‪ .‬و هي جدلية تذكرنا‬
‫ببنية الحكاية المثالية في كتاب "كليلة و دمنة " أين نجد الملك دبلشيم يسأل و بيديا الفيلسوف يجيب و هذا ما أضفى على‬
‫‪:‬بعض المسامرات والمقابسات الطابع التعليمي و من العالمات ا لدّالة على ذلك‬
‫‪.‬توظيف الحكايات و األمثلة الستخالص العبرة منها ‪-‬‬
‫تفرد التوحيدي باإلجابة مما يجعل كالمه مستفيضا طويال ( عكس الحوار السّجالي ) و في ذلك إشارة إلى أن التوحيدي ‪-‬‬
‫ّ‬
‫( هو صاحب رسالة عليه أن يؤديها ( اإلصالح – اإلرشاد‬
‫أسلوب التضمين وهو أسلوب متواتر في نصوصه و ذلك إليصال موقف أو رأي مع تجنّب المواجهة وال ّ‬
‫صدام مع محاوره‪-‬‬
‫‪.‬‬
‫المتنوعة لحمل الطرف اآلخر على التراجع عن موقفه ‪-‬‬
‫ّ‬ ‫‪.‬توظيف الحجج‬
‫تحول موقف ابن سعدان و حالته من الجهل إلى العلم و ذلك في نهاية أغلب المسامرات ‪-‬‬
‫‪ّ .‬‬
‫‪".‬يقول ‪ ":‬فقال (أي الوزير " )‪ :‬ما كان عندي هذا كلّه‬
‫النص طابعا تعليميا( النصح – التحذير‪--‬‬
‫ّ‬ ‫تواتر األساليب اإلنشائية ( األمر‪-‬النهي‪-‬االستفهام –التع ّجب‪ )...‬التي تضفي على‬
‫( التوجيه‬
‫‪".‬أما تعلم أن الرعية وديعة هللا عند السلطان"‬
‫األسلوب السّردي ‪ :‬لقد جاء كثير من المسامرات شكال من أشكال الكتابة النثرية المقصودة القائمة على األسلوب السردي ‪- .‬‬
‫فقد هيّأ التوحيدي شروط النوع السردي فلم تكن المسامرات بعيدة الصلة عن تقاليد السرد القصصي في التراث السابق عليه‪.‬‬
‫ذلك ّ‬
‫أن التوحيدي بدا متجاوبا مع (ألف ليلة و ليلة ) و مع (كليلة ودمنة ) من زاوية وجود الحكاية اإلطار التي تتولد من‬
‫داخلها حكايات اقتضت بدورها تقسيم الليالي و ترتيبها‪ .‬و قد تبين لنا كيف كانت عملية استرجاع التوحيدي لما دار بينه و‬
‫بين ابن سعدان قائمة على السرد حتى أصبح هذا السرد بدوره إطارا خارجيا للمحاورة أو بعبارة أخرى تولدت المحاورات‬
‫‪ .‬في داخل السرد ث ّم تولّدت المحاورة بعد ذلك من داخل المحاورة‬
‫القص السّابقة من خالل توظيفه لبنية الخبر و ما يتأسس عليه من سند و متن على شاكلة‬
‫ّ‬ ‫لقد تجاوب التوحيدي مع تقاليد‬
‫أخبار الجاحظ و التي تتوفّر فيها مقومات السّرد من أطر وشخصيات و أحداث و تداخل في أنماط الكتابة (خبر ابن يوسف و‬
‫خبر المعتضد مع ابن سليمان( وننبه إلى أسلوب السرد ال يخرج عن النزعة العقلية التي توخاها التوحيدي في كتابة اإلمتاع‬
‫والمؤانسة فهذه األخبار والحكايات هي بمثابة حجج واقعية تاريخية ألطروحات ضمنية ‪ .‬مثال ‪ :‬خبر ابن يوسف يمكن أن‬
‫‪.‬يكون هذا الخبر حجة تدعم أطروحة ضمنية هي فساد العالقة بين الحاكم والحاشية في بالط السلطة‬

‫‪2‬‬
‫األسلوب الوصفي التسجيلي ‪ :‬يمكن اعتبار مسامرات اإلمتاع و المؤانسة وصفا تسجيليا ألحوال مجتمع القرن الرابع ‪-‬‬
‫للهجرة ‪ .‬يقول أحد النقاد ‪ ":‬و أيّا ما كان ‪,‬فالكتاب يلقي نورا كثيرا على العراق في النّصف الثاني من القرن ّ‬
‫الرابع أعني في‬
‫‪".‬العصر البويهي‬
‫فرسم الكتاب أحوال المجتمع وجعل من صاحبه منخرطا في الواقع تصويرا و رسما ‪ .‬فالمؤانسة في كتاب اإلمتاع و‬
‫المؤانسة ليست مؤانسة ممتعة فقط و إنما هي مؤانسة جادة ‪ .‬يقول زكريا إبراهيم ‪ ":‬تحدّدت شخصية أبي حيّان التوحيدي‬
‫تمرده على العصر الذي كان‬
‫بثورته على أخالق المجتمع الذي كان يعيش فيه و نقده لسائر الناس الذين كان يحيا معهم ‪ ,‬و ّ‬
‫‪".‬ينتسب إليه‬
‫ي باألساس لذلك يجب‬
‫صة الفتنة ) بل هي عمل أدب ّ‬
‫على أننا ال يجب أن نعتبر العديد من المسامرات وثائق تاريخية ( ق ّ‬
‫تخليص هذه المسامرات وكتاب اإلمتاع و المؤانسة من وهم التاريخ والتعامل مع ما جاء فيها بإسقاط البعد التاريخي ّ‬
‫ألن‬
‫‪ :‬الت ّوحيدي أديب و ليس مؤرخا و إن كانت مادة أدبه متصلة بالتاريخ و ذلك لعدة أسباب‬
‫‪.‬موسوعية ثقافة التوحيدي الملّمة بالكثير من المسائل و منها التاريخية‪-‬‬
‫التوحيدي ال يسعى إلى تأريخ األحداث بقدر ما يسعى إلى النقد السياسي و االجتماعي بطريقة أدبية‪ ,‬و الذي يؤكد هذا ‪-‬‬
‫‪ :‬المنحى األدبي عدّة قرائن‬
‫خلو الكتاب من األرقام و النسب و الموضوعيّة ****‬
‫‪.‬عدم البحث العميق في األسباب و النتائج****‬
‫مزج السرد التاريخي بالوصف االنطباعي و الحوار مما يخرج الحديث عن طابعه التاريخي و يضفي عليه طابع ****‬
‫‪ .‬المباشرة‬

‫‪ :‬ب ‪-‬لغة التوحيدي‬

‫ترتبط لغة التوحيدي ارتباطا وثيقا بشخصيته المتميّزة ‪ .‬فكما تميزت شخصية هذا المفكر شاع في أسلوبه االزدواج ‪ .‬فكتاب‬
‫تمرد على أسلوب السّجع و حافظ‬
‫تمرد على أسلوبه االزدواج و التناقض‪ .‬فكتاب اإلمتاع و المؤانسة ّ‬
‫اإلمتاع و المؤانسة ّ‬
‫بالحس عالم بالعقل‪,‬‬
‫ّ‬ ‫قوة متقاصرة و موانع معترضة ‪,‬و إنّه مع هذه األحوال منتبه‬
‫على توازن الجملة ‪ .‬يقول " اإلنسان ذو ّ‬
‫‪ ...".‬عاشق للشاهد ‪ ,‬ذاهل عن الغائب‬
‫يتحرر من تعسّف أساليب الفالسفة و وضع أسلوبا متوازنا لم يجعل اللّفظ القصير فتسحر به عن‬
‫ّ‬ ‫و قد استطاع التّوحيدي أن‬
‫فإن اللّفظ للعامة و المعنى للخاصة‬
‫"المعنى العريض‪ّ ,‬‬
‫و هذا ال يعني أنّه يستهين بداللة األلفاظ بل إنه يحذّر في االغترار باللّفظ الذي سيطر على لغة أدباء عصره و العصور‬
‫‪.‬القريبة منه‬
‫عوضه بالتوازن بين الفقرات و هو ما أسماه النقاد القدامى‬
‫الرسائل‪ )...‬و ّ‬
‫تحرر التوحيدي من قيد السّجع (المقامات‪ّ -‬‬
‫لقد ّ‬
‫ّ‬
‫المعطل حيث يقسّم الفقرات إلى جمل قصيرة أشبه ما تكون باألساليب الشعرية الحديثة يراعي في ذلك التنغيم‬ ‫بالسّجع‬
‫اللّفظي ‪ .‬و هذا ما جعل لغته جسرا بين الشعر و النثر ‪ .‬يقول " أحسن الكالم ما ّ‬
‫رق لفظه و لطف معناه و قامت صورته بين‬
‫‪ ".‬نظم كأنه نثر و نثر كأنّه نظم‬

‫‪ :‬ج – المسارات الحجاجيّة‬


‫‪:‬تنوعت المسارات الحجاجيّة التي اعتمدها التّوحيدي في و يمكن ذكر المسارات الحجاجيّة التالية‬
‫ّ‬
‫أ ‪-‬المسارالحجاجي البرهاني ‪ :‬و هو ضرب من الحجاج يقوم على البرهنة وفق أنساق متعددة وهما النسق االستنباطي(‬

‫‪3‬‬
‫‪(.‬االنطالق من العام إلى الخاص ) و النسق االستقرائي (االنطالق من الخاص إلى العام‬
‫تدرج إلى تمييزهللا لإلنسان ****‬
‫مثال للحجاج البرهاني االستنباطي‪ :‬انطالق التوحيدي من فكرة الخلق اإلالهي عا ّمة ثم ّ‬
‫بالعقل لينتهي إلى المقارنة بين اإلنسان و الحيوان ‪ .‬فيرى ّ‬
‫أن اإلنسان مفضّل على الحيوان بالعقل ألنه يختار أفعاله بينما‬
‫‪ .‬الحيوان ملهم غريزي‬
‫ليتدرج منها إلى مظاهر ****‬
‫ّ‬ ‫مثال للحجاج البرهاني االستقرائي‪ :‬انطالق التوحيدي من ظاهرة االختالف بين المذاهب‬
‫الرجال و المال ‪ )...‬ليخلص إلى قاعدة عامة جوهرها ّ‬
‫أن االختالف‬ ‫أخرى في االختالف (االختالف في تفضيل األمم و ّ‬
‫‪ .‬ظاهرة مالزمة لإلنسان و ال يمكن بأي حال من األحوال أن تزول‬
‫ي القائم على العرض‪ :‬و هو ضرب في الحجاج يقوم على عرض أطروحة ما فتحليلهاو التوسّع فيها‪ .‬و‬
‫ب – المسار الحجاج ّ‬
‫‪ :‬من أمثلة ذلك‬
‫تقر ّ‬
‫بان صالح ****‬ ‫نص متى تطيب الدنيا) ‪ :‬عرض التوحيدي أطروحة ديوجانس التي ّ‬
‫أطروحة شروط صالح الدنيا ( ّ‬
‫الدنيا ال يتحقق إال بالتالزم بين الفلسفة و السلطة ‪ ,‬ث ّم توسّع باالستدالل عليها بعرض مجموعة من الحجج تدعم أطروحة‬
‫‪.‬ديوجانس و تؤكد حاجة السائس إلى االستنارة بآراء العقالء‬
‫الرأي و نقيضه و يتجلّى هذا النوع من‬
‫ي ‪ :‬و هو ضرب من الحجاج يقوم على عرض ّ‬
‫ج – المسار الحجاجي الحوار ّ‬
‫‪:‬الحجاج في المناظرات و المساجالت من ذلك‬
‫المناظرة بين كتابة البالغة و اإلنشاء من جهة و بين كتابة الحساب من جهة أخرى فهذه المناظرة أطرافها صاحب ****‬
‫البالغة ( التوحيدي) و صاحب الحساب (ابن عبيد الكاتب ) و هي مناظرة انتهت باالنتصار للبالغة و تفضيل الكتابة على‬
‫‪ .‬الحساب‬
‫المناظرة بين النثر و الشعر ‪ :‬هذه المناظرة أطرافها راو مناصر للنثر و التوحيدي ضمنيا و راو مناصر للشعر من ****‬
‫‪.‬جهة أخرى و التي انتهت بتفضيل النثر‬
‫المناظرة بين النّحو و المنطق و التي جرت بين مناصر النّحو أبي سعيد السّيرافي و مناصر المنطق متّى بن يونس و ****‬
‫‪.‬التي انتهت إلى تفضيل النحو على المنطق في إشارة إلى أفضلية الثقافة العربية على الثقافة اليونانية‬

‫تنوع مضامين الحجاج و مساراته من شأنه أن يولّد منطقيا تعدد الحجج و من أهمها نذكر‬
‫‪:‬إن ّ‬
‫الح ّجة الواقعية‪--‬‬
‫الح ّجة التاريخية‪--‬‬
‫ح ّجة المشابهة ‪--‬‬
‫ي ‪--‬‬
‫ح ّجة الشاهد القول ّ‬
‫‪ ....‬الح ّجة العقليّة ‪--‬‬
‫‪( .‬و أمثلة هذه الحجج تزخر بها نصوص اإلمتاع و المؤانسة‪ (.‬أنظر النصوص المشروحة في حصص شرح النص‬
‫التنوع والتعدّد‬
‫‪..‬مالحظة ‪ :‬أنواع الحجج على قدر كبير من ّ‬
‫‪ :‬مظاهر انعكاس العقل في كتابات التّوحيدي ‪II‬‬

‫‪ :‬مظاهر المنزع العقلي في القضايا السياسية و االجتماعية و الثقافية و الدينية ‪1 -‬‬


‫أ‪ -‬في القضايا السياسية ‪ :‬تصوير التوحيدي لفساد الحكم و الحاشية و لرداءة الوزراء إضافة إلى رسم مالمح العالقة بين‬
‫الراعي و الرعية‬
‫‪ّ ...‬‬

‫‪4‬‬
‫الراعي ‪ :‬يقول التوحيدي ّ انهمكوا في القصف و العزف و أعرضوا عن المصالح الدّينية و الخيرات‬
‫ب‪ -‬مثال في فساد ّ‬
‫" السياسية‬
‫ت‪ -‬مثال في فساد الحاشية ‪:‬يقول ‪ ":‬و منابع الفساد و منابت التّخليط كلّها من الحاشية التي ال تعرف نظام الدّولة و ال‬
‫‪ ".‬استقامة المملكة‬
‫ث‪ -‬مثال في رداءة الوزراء ‪ :‬يقول متحدثا عن الوزير ابن عبّاد ‪ ":‬ال يرجع إلى الرقة و الرأفة و الرحمة ‪ ,‬و النّاس كلّهم‬
‫‪ ".‬محجمون عنه لجرأته و سالطته و اقتداره و بسطته ‪ ,‬شديد العقاب طفيف الثّواب‬
‫ج‪ -‬دعوته الساسة إلى االستنارة بآراء العقالء و مراقبة الحاشية و االقتصاد في الشهوات و النّزوات والنّظر في أمور‬
‫الرعية و رفع مظالم الحاشية عنها ‪ .‬يقول التوحيدي مو ّجها الكالم إلى ابن سعدان ‪ ":‬وآخر ما أقول أيها الوزير ‪ :‬مر‬
‫ّ‬
‫بالصدقات فإنها مجلبة السّالمات و الكرامات و مدفعة للمكاره و اآلفات ‪ ,‬و اهجر ال ّ‬
‫شراب و أدم النظر في المصحف و‬
‫‪ ".‬افزع إلى هللا في االستخارة و الثقات باالستشارة‬
‫ح‪ -‬دعوة السّاسة إلى اصطفاء حاشية نصوحة قادرة على توجيههم نحو الحلول السّليمة ‪ .‬يقول مخاطبا ابن سعدان ‪ ":‬ال‬
‫الرأي كالدّرة التي ربّما وجدت في ال ّ‬
‫طريق و المزبلة‬ ‫"تبخل على نفسك برأي غيرك ‪....‬فان ّ‬
‫التمرد‬
‫ّ‬ ‫الن تعمق الفاقة يولّد الثورة و‬ ‫‪.‬خ‪ -‬دعوة السّاسة إلى النّظر في شؤون ّ‬
‫الرعية و تخفيف المحن و الشقاء و الفقر عنها ّ‬
‫الن التوحيدي يراها أصل الفساد و البالء و المحن ألنّهم "قوم ه ّمهم أن يأكلوا رغيفا و‬
‫د‪ -‬دعوة السّاسة إلى مراقبة الحاشية ّ‬
‫" يشربوا قدحا‪ ,‬ال هم م ّمن يقتبس من علمهم و ال هم يتكلّفون له نصحا‬

‫القضايا االجتماعية‪ :‬إن متابعة أبي حيّان للظاهرة االجتماعية ليست مجرد وصف أو نقل لما يدور في األوساط ‪2 -‬‬
‫االجتماعية أو تصوير لحياة الناس كما شاهدها و عايش أوضاعها ‪ ,‬و إنما هي متابعة واعية تحاول فهم الطاهرة في مختلف‬
‫صة ‪,‬انّه فهم متب ّ‬
‫صر ال يكتفي بالمعاينة بل يسعى إلى تتبع‬ ‫مكوناتها تحديدا لعواملها و انعكاساتها على العا ّمة و الخا ّ‬
‫ّ‬
‫المعطيات تتبعا عميقا ‪ ,‬و بهذا تسنّى ألبي حيّان أن يكون شاهدا واعيا معاينا مدركا ألسرار ما شاهدته حضرته و بذلك‬
‫‪.‬كانت أجوبته على أسئلة الوزير دقيقة وعميقة‬
‫و يتسم وصف التوحيدي لمجتمعه بإتباع منهجية مقنعة تدّل على أنه تمكن من رصد جميع المعطيات التي يحتاجها‬
‫تحليله‪.‬لذلك كان حديثه شافيا رسم من خالله الحالة االجتماعية ‪ ,‬فقد تعّرض التوحيدي إلى ما تعنيه العّامة من فقر و‬
‫خصاصة باإلضافة إلى ظاهرة التفاوت الطبقي المجحف التي أحدثت خلال في العالقات االجتماعية م ّما ولّد تناحرا بين‬
‫‪).‬األجناس ( ظاهرة الشعوبية‬
‫الراعي و ما نتج عنها من رداءة في الواقع‬
‫و هذه األوضاع أدت إلى عدّة ثورات و انتفاضات احتجاجا على سياسة ّ‬
‫‪.‬االجتماعي‬
‫يقول متحدّثا عن ظاهرة الفقر" إنها تشكو غالء القوت و عوز الطعام و تعذّر الكسب و غلبة الفقر و تهتك صاحب‬
‫‪..." .‬العيال‬
‫و يعلّق على رداءة الت ّجار قائال‪ ":‬أما أصحاب األسواق فانّا ال نعدم من أحد منهم خلقا دقيقا و دينا رقيقا و حرصا مسرفا و‬
‫"‪ .‬دناءة معلومة ‪...‬قد تعاطوا المنكر حتى عرف و تناكروا المعروف حتى نسي‬
‫و يشير إلى مسألة رداءة العالقات االجتماعية قائال ‪ ":‬أرى واحدا في فتل حبل و آخر في حفر بئر و آخر في نصب ف ّخ و‬
‫دس حيلة و آخر في تقبيح حسن و آخر في شحذ حديد و آخر تمزيق عرض و آخر في اختالق كذب ‪ "...‬و هذا ما‬
‫آخر في ّ‬
‫كان سببا في انهيار صرح المجتمع ‪ .‬و يقول " سفكت الدّماء و استبيح الحريم و شنّت الغارات و ّ‬
‫خربت الدّيارات و فشا‬

‫‪5‬‬
‫"‪..‬الكذب و المحال و أصبح طالب الحق حيران و محبّ السالمة مقصودا بك ّل لسان‬
‫‪ :‬رسم األوضاع الثقافية‪-3‬‬
‫صراع و أمراض السلطة ‪ .‬و إذا كان للمجالس الثقافية و‬
‫لم تكن الحياة الثقافية بمعزل عن تناقضات المجتمع و محاور ال ّ‬
‫الفكرية التي أقامها الوزراء و األعيان فائدة في تنشيط الحركة الثقافية االّ أن المثقف في مثل هذه المجالس يكو ن مسلوبا في‬
‫‪ .‬حريتة الرأي و التفكير المغاير ألهداف صاحب المجلس‬
‫و يعترف التوحيدي بمصادرة الفكر و تبعية األديب في عصر كان القلم فيه أداة للتكسّب و البيع في سوق الكساد ‪ .‬و يقول ‪":‬‬
‫الرفاهية مرغوبة و المكانة عند الوزراء مطلوبة و الدنيا خضرة حلوة ‪ ,‬و من التهب طعمه ظهر‬ ‫ّ‬
‫إن العاجلة محبوبة و ّ‬
‫‪".‬عجزه و العزلة محمودة إال أنها محتاجة إلى الكفاية‬
‫صوفية ‪ .‬وقد ندّد بالفالسفة‬
‫و قد حدّد التوحيدي طبقات المثقفين و حصرها في العلماء و األدباء و المتكلمين و القضاة و ال ّ‬
‫الذين احتكروا المعرفة و استخدموها للمكاسب المادية و يورد رأي ابن يعيش اليهودي الذي يشكو من الفالسفة قائال‪ ":‬بأنهم‬
‫صدّوا عن الطريق و طرحوا الشوك فيه ‪ ,‬و اتخذوا من نشر الحكمة ف ّخا للمثالية‪" .‬إال أن ذلك لم يثن التوحيدي عن اإلشارة‬
‫إلى الحركة الثقافية التي ازدهرت في عصره والتي تجسّدها مجالس المناظرات و المحاورات بين المذاهب إضافة إلى‬
‫‪.‬المشاغل الفكرية و الفلسفية والكالمية و البالغية و الفقهية و النحوية‬
‫مثال في المشاغل األدبية‪ ( :‬المقارنة بين النثر و النّظم –الموازنة البحتري و أبي تمام) يقول ابن سعدان " حدّثني في ‪-‬‬
‫" اعتقادك في أبي تمام و البحتري‬
‫)‪ ...‬المشاغل الفكرية (قضية الجبر و االختيار ‪ /‬الحق و الباطل ‪ /‬النفس و الجسد‪ /...‬العقل ‪ /‬المعتقد‪-‬‬
‫) المجالس و المناظرات ( المناظرة بين ابن يونس القناني و أبي سعيد السيرافي‪-‬‬
‫رسم الواقع الديني و العقائدي ‪ :‬سأل ابن سعدان أبا حيّان عن سبب اختالف المذاهب و تباينها بقوله ‪ ":‬من أين دخلت ‪-4‬‬
‫اآلفة على أصحاب المذاهب حتى افترقوا هذا االفتراق و تباينوا هذا التباين ‪ ,‬و خرجوا إلى التكفير و التفسيق و إباحة الدّم و‬
‫المال ‪ "..‬فكان الجواب ّ‬
‫"ان المذاهب فروع األديان ‪ ,‬و األديان أصول المذاهب ‪ ,‬فإذا ساغ االختالف األديان –و هي‬
‫"األصول – فلم ال يسوغ في المذاهب و هي الفروع‬
‫يرد التو حيدي على تساؤل ابن سعدان و يجيبه جوابا ربط فيه األسباب بمسبّباتها على طريقة الجاحظ‬
‫بهذا التفسير المنطقي ّ‬
‫‪.‬في أساليبه المنطقية‬
‫صراع بين الفرق و التناحر بينها مما كان سببا في تراجع الدّين و انقالب القيم و‬
‫لقد كشف التوحيدي عن كثرة المذاهب و ال ّ‬
‫‪...‬اإلفالس األخالقي‬
‫متعرضا لمسألة انقالب القيم " صار المنكر معروفا و المعروف منكرا" و يقول بارت البضائع وغارت البدائع و كسد‬
‫ّ‬ ‫يقول‬
‫"سوق العلم و خمد ذكر الكرم و صار الناس عبيد الدّرهم بعد الدّرهم‬
‫و يقول متحدّثا عن كثرة المذاهب و الفرق ‪ ":‬صار الناس أحزابا في النّحل و األديان‪ ,‬فهذا نصيري و هذا أشجعي و هذا‬
‫"‪...‬جارودي و هذا قطعي و هذا جبّائي و هذا أشعري و هذا خارجي و هذا شعيبي‪ ....‬و من ال يحصي عددها إالّ هللا‬
‫التنوع المذهب ولّد صراعا و نستحضر هنا قول ابن سعدان آنفا من أين دخلت اآلفة على أصحاب المذاهب ‪....‬و‬
‫و هذا ّ‬
‫" إباحة الدّم و المال‬
‫‪:‬هكذا نرى ّ‬
‫أن احتفال التوحيدي بالحقل في المستوى المضمون تجلى من خالل و وظائف العقل التالية‬
‫العقل الناقد ‪ :‬اضطالع العقل في اإلمتاع و المؤانسة بنقد األوضاع السّائدة اجتماعيا و سياسيا و ثقافيا و عقائديا ‪ .‬فانتهى إلى‬
‫صب أو مذهبية و إنما بجرأة و‬
‫أن الزمان الذي يعيش فيه " زمان تدمع له العين " و العقل الناقد تحقق من دون تع ّ‬
‫‪6‬‬
‫موضوعية و حرية ‪ .‬لذلك يقول ماجد يوسف ‪ ":‬كان التوحيدي مف ّكرا ّ‬
‫حرا لم ينتم لمذهب و لم ينضو في جماعة و لم‬
‫ّ‬
‫‪".‬يتحزب لرأي‬
‫العقل المصلح ‪ :‬سعى التوحيدي إلى تقديم حلول إصالحية من شأنها أن تنقل الموجود المتدهور إلى عالم أجمل و ّ‬
‫الزمان‬
‫‪ :‬الذي تدمع له العين إلى مدينة فاضلة و ذلك من خالل‬
‫دعوته السّاسة إلى االستنارة بآراء العقالء و مراقبة الحاشية و االقتصاد في الشهوات و النّظر في أمور الرعية و رفع مظالم‬
‫مر بالصدقات فإنها مجلبة السالمات و‬ ‫ّ‬
‫سعدان" و آخر ما أقول أيّها الوزير ‪ّ :‬‬ ‫الحاشية عنها ‪...‬يقول التوحيدي مخاطبا ابن‬
‫الكرامات و مدفعة للمكاره و اآلقات و اهجر الشراب و أدم النظر في المصحف و افزع إلى هللا في االستخارة والى الثقات‬
‫‪.‬باالستشارة‬
‫‪ :‬العقل المف ّكر‬
‫اضطلع العمل بالتفكير في قضايا حارقة و معارف صعبة و أسئلة ماهوية في مجاالت متعدّدة فقد ف ّكر عقل التوحيدي في‬
‫علم التنجيم وعلم السّحر و الكهانة و علم السّماع والغناء و علم ال ّ‬
‫طب و الحيوان والنبات و اإلنسان و علم األخبار و النجوم‬
‫‪...‬و السّحب و علم تعبير الرؤيا و األحالم و علم اللّغة و البالغة و المنطق و الفلسفة و علم الكالم‬
‫الروح النقدية على بعض الرؤى أو األفكار أو‬
‫العقل المص ّحح‪ :‬كثيرا ما يتوسّل التوحيدي العقل من أجل ممارسة ّ‬
‫صب أو الوثوقية و ملتزما إلى‬
‫التصورات لينتهي إلى دحضها و تصحيحها بعيدا في كل ذلك عن منطق التع ّ‬
‫ّ‬ ‫األطروحات أو‬
‫صورات‬
‫بالروح الموضوعية من ذلك ‪ :‬اعتراضه على بعض آراء أستاذه أبي سليمان المنطقي أو دحضه لت ّ‬
‫أبعد الحدود ّ‬
‫"بعض المتكلّمين الذي قال عنهم " إن ال ّ‬
‫طريقة التي قد لزموها و سلكوها ال تقضي بهم االّ إلى الشك و االرتياب‬
‫صة في مجال‬
‫‪ :‬العقل الحجاجي ‪ :‬توسّل أبو حيان العقل في ممارسة الحجاج و خا ّ‬
‫‪....‬المناظرات مثل المناظرة بين النثر و ال ّ‬
‫شعر‪-‬‬
‫‪ .‬المفاضالت مثل المفاضلة بين العرب و العجم أو بين شعر أبي تمام والبحتري‪-‬‬
‫ينوع المسارات الحجاجية ( حواري –برهاني –العرضي) مثلما أملى عليه تنويع‬
‫و العقل الحجاجي اقتضى من التوحيدي أن ّ‬
‫‪...).‬الحجج (واقعية –منطقية –تاريخية‬
‫المؤرخ أو التسجيلي‬
‫ّ‬ ‫‪ :‬العقل‬
‫توسّل التوحيدي العقل ليؤرخ لبعض مالمح العصر أو ليس ّجل بعض األحداث أو المظاهر و قد تميّز التوحيدي في هذا‬
‫‪ :‬المجال‬
‫االلتزام بصرامة التاريخ و ذلك بذكر األسماء و األعالم و التواريخ و نقل األخبار الصحيحة بعد معاينة "يقول معلقا عن ‪-‬‬
‫مر السنين و‬
‫الرم تهايجت على المسلمين فصارت إلى نصيبين بجامع عظيم زائد على ما عهد على ّ‬
‫الروم ‪ » :‬ذلك أن ّ‬
‫ثورة ّ‬
‫" كان هذا آخر سنة ‪ 362‬هجري فخاف الناس بالموصل و ما حولها‬
‫الحرص على الموضوعية و األمانة العلمية و من مظاهر ذلك تحليل أحاديثه بشواهد من النّقل أو الواقع أو التّجربة ‪- ,‬‬
‫تحقيق النصوص و توثيقها و نسبتها إلى أصحابها ‪ ,‬و إذا اختصر الكالم الذي سمعه نبّه على اختصاره ‪ ,‬و إذا حكى معنى و‬
‫صرح بذلك ‪ .‬من ذلك قوله ‪ :‬فقال كالما كثيرا أنا أحكيه على وجهة من وجهة المعنى و إن انحرفت عن‬
‫عبّر عنه بأسلوبه ّ‬
‫‪ ".‬أعيان لفظه و أسباب نظمه ‪ ,‬و اجتهد أن ألتزم متن المراد و سمت المقصود‬

‫‪7‬‬

You might also like