You are on page 1of 7

‫مطلب الكلّي‬

‫اإلنساين بني الوحدة والكثرة‬


‫التواصل واألنظمة الرمزية‬
‫أ‪ .‬زهري بوستّة‬

‫دواعي التفكري يف مسألة التواصل واألنظمة الرمزية‬


‫‪ -‬عالقة األان ابآلخر عالقة‪ :‬تضايف‪ -‬حمايثة ‪ -‬جدلية ‪ /‬جتديل‬
‫‪ -‬سياقات العالقة متع ّددة‪ * :‬سياق وجودي‪ :‬اآلخر ضروري لتح ّقق ذايت‪.‬‬
‫* سياق معريف‪ :‬إدراك الذات لذاهتا يقتضي وساطة اآلخر‪.‬‬
‫* سياق وجداين‪ :‬حيبين اآلخر إذا أان موجود‪.‬‬
‫* سياق نفسي‪ :‬الذات يف حاجة ملن يساعدها على متظهر حياهتا النفسية‪ :‬اإلصغاء ‪ -‬التخفيف من األمل‪.‬‬
‫‪ -‬الوجود احلقيقي ليس وجودا ذاتيا بل بينذاتيا‪.‬‬
‫‪ -‬اإلنسان كائن املعية كائن عالئقي كائن التواصل‪.‬‬
‫‪ -‬الوجود اإلنساين وجود عالئقي تواصلي‪.‬‬
‫يف ظاهر األمر يعترب عصران عصر التواصل ابستحقاق وخروج الذات الفردية من عاملها املغلق وانفتاحها على اآلخرين يشهد بذلك انتشار وسائل التواصل‬
‫واالتصال‪ .‬غري أ ّن األمر ال خيلو من مفارقة إذ أ ّن هذه الوسائل اليت جاءت لتؤمن تواصل األفراد عملت على عزهلم وسجنهم داخل عاملها االفرتاضي وابعدت‬
‫الصلة بينهم حىت داخل األسرة الواحدة وقل التواصل بينهم إىل احل ّد األدىن‪.‬‬
‫‪ -‬تراجع وسائط التواصل يف مقابل هيمنة وسائل االتصال التكنولوجية‪.‬‬
‫وحولت الوحدة‬
‫‪ -‬وسائل االتصال اليت جاءت من أجل أتمني مزيد من الوحدة واللقاء احنرفت عن وظيفتها األصلية وخانت فعل التواصل فانقلبت عمل فرقة ّ‬
‫االجتماعية إىل كائنات ذرية مستلبة‪( .‬راهنية أزمة التواصل يف العصر الراهن)‬
‫ما التواصل؟ هل هو معطى أم مطلب؟ ما هي وسائطه؟ هل األنظمة الرمزية وسائط (وساطة) أم سلطة وهيمنة؟‬
‫‪ -I‬يف احلاجة إىل التواصل‬
‫‪ -1‬يف داللة التواصل‬
‫أ‪ -‬مفهوم االتصال ‪communication‬‬
‫‪ -‬عملية نقل معلومات وبياانت حم ّددة يتم إرساهلا من املرسل إىل شخص آخر وهو املرسل إليه‪.‬‬
‫‪ -‬االتصال انفتاح قطب واحد شخص واحد انفتاح آحادي البعد أو اجلانب أي أ ّن املتلقي ليس له إالّ التقبّل‪.‬‬
‫ب‪ -‬مفهوم التواصل ‪continuité‬‬
‫عرف أبنه اجتماع نقل املعلومات أو الرسائل من شخص إىل آخر لغرض التأثري على سلوكه ويتم ذلك ابستخدام اللغة أو‬
‫‪ -‬التواصل لغة يتعارض مع التعطيل يُ ّ‬
‫املعىن أو العالمات أو املفاهيم‪.‬‬
‫‪ -‬التواصل هو التبليغ املتبادل للمشاعر واألحاسيس واألفكار بني نظامني‪ :‬ابث ‪ /‬متقبل‪.‬‬
‫‪ -‬التواصل هو وصل وربط بني شخصني أو أكثر الغاية منه حتقيق الفهم بني طريف التواصل‪ :‬تفاهم يقوم على احلوار‪.‬‬
‫للتعرف والتعارف املتبادل كمقدمة للفهم والتفاهم ولكي يكون احلوار حوارا كونيا البد أن ينبين على معياري‬
‫‪ -‬التواصل حوار يهدف لفسح اجملال أمام البشر ّ‬
‫احلقيقة واحلرية‪.‬‬
‫‪ -‬التواصل هو وسيلة للتعبري عن األفكار‪ ...‬من خالل إرسال أو استقبال الرسائل من طرف إىل آخر إذ ميكن التعبري عن األفكار‪ ...‬من خالل التحدث أو‬
‫طور اإلنسان من‬
‫الكتابة أو املؤشرات املختلفة وتتواصل مجيع الكائنات احلية مع بعضها من خالل أنواع خمتلفة من األصوات اليت يفهمها أفراد جنسها وقد ّ‬
‫مهارات تواصله مع اآلخرين من خالل العديد من الطرق املختلفة كاللغات اليت متكن األفراد من فهم بعضهم ويستخدم للتواصل العديد من األجهزة لإلرسال‬
‫أو االستقبال تُعرف ب "وسائل االتصال" وهي اجلزء األكثر أمهية يف احلياة احلديثة‪.‬‬
‫‪ -‬التواصل يفيد الفهم والتفاهم املتبادل لذلك يقتضي وسائط ترتاوح بني أنظمة رمزية ووسائل تقنية أل ّن التواصل ال يتح ّقق بشكل مباشر‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬عملية التفاعل التبادل بني فردين أو جمموعتني (بني املرسل واملرسل إليه) أي تبادل املعلومات واألفكار عن طريق وسائل وأساليب متع ّددة إما بطريقة لفظية‬
‫أو غري لفظية من خالل الصور أو الكتابة أو الرسائل الصوتية أو اإلمياءات واحلركات عرب أطراف التواصل‪.‬‬
‫الصورة‪ .‬هذا يعين أن‬
‫يتم بواسطة اللغة املكتوبة واملنطوقة والتواصل بواسطة اإلمياءات اجلسدية والتواصل البصري عرب ّ‬
‫ميكن التمييز بني‪ :‬التواصل اللفظي ّ‬
‫هناك ميزاتن للتواصل يف تقدير جوليا كريستيفا مها التواصل اللساين والتواصل الغري لساين‪.‬‬
‫ج‪ -‬العناصر األساسية لعملية االتصال والتواصل‪:‬‬
‫‪ -1‬الشخص املرسل وهو الشخص الذي يقوم إبرسال الرسالة‪.‬‬
‫‪ -2‬الشخص املرسل إليه ويقوم ابستقبال الرسالة‪.‬‬
‫املعوقات‪.‬‬
‫جناح العملية التواصلية يقتضي خلو أي عنصر من كل أشكال ّ‬ ‫‪ -3‬مضمون الرسالة أو املعلومات املتبادلة أو البياانت بني الطرفني‪.‬‬
‫‪ -4‬وسائل التواصل املختلفة اليت تكون لفظية أو غري لفظية‪.‬‬
‫د‪ -‬الفرق بني االتصال والتواصل‬
‫‪ -1‬هناك فرق كبري بني مفهوم االتصال والتواصل فإ ّن عملية االتصال تتم على أساس رغبة أحد الطرفني يف التواصل مع الطرف اآلخر ويف إيصال رسالة معينة إىل‬
‫الطرف اآلخر‪.‬‬
‫‪ -2‬ينحصر دور الطرف اآلخر (املستقبل) يف استقبال الرسالة وميكنه االستجابة هلا أو اإلعراض عنها حيث ال يشرتط يف عملية االتصال وجود تبادل يف‬
‫املعلومات بني الطرفني‪.‬‬
‫‪ -3‬أما عملية التواصل تتم بناء على املشاركة املتبادلة بني الطرفني هبدف حتقيق أهداف وغاايت معينة من قبل الطرفني وذلك من خالل تبادل الرسائل مما‬
‫يشكل انفتاح أحد الطرفني على اآلخر ويساعد على جتدد العالقة بينهما وبناء عالقات اجتماعية مرتابطة‪.‬‬
‫حي ّدد هانز فري الفروق بني اتصل وتواصل فاتصل تعين وصل شيئا بشيء آخر احتك به‪ .‬بينما تعىن تواصل العالقة املتبادلة بني طرفني ففي االتصال‬
‫هناك رغبة من أحد الطرفني ابجتاه اآلخر الذي قد يستجيب وقد يُعرض ّأما يف التواصل فإ ّن الرغبة تصدر أو حتدث من كال الطرفني وتواصل على وزن "تفاعل"‬
‫وتفيد هذه الصيغة املشاركة وغايته الفهم والتفاهم‪.‬‬
‫و ‪ -‬يف ضرورة التواصل‬
‫‪ -‬إ ّن اإلنسان يقحم وسائطا بينه وبني حميطه‪ .‬وهي وساطة تتمثّل يف العمل (نشاط يدوي وذهين) واحمليط التقين (مي ّكن اإلنسان من الفعل يف الطبيعة) ومن هذا‬
‫توسط ح ّد اثلث لكن احلياة االجتماعية تقتضي وسائط‬ ‫املنطلق فإ ّن العالقة مع اآلخر ميكن أن تكون مباشرة مثل ما يتم خالل تبادل النظرات أو الكلمات دون ّ‬
‫من أجل حياة اجتماعية دائمة بل لتكون هناك فعال حياة اجتماعية‪.‬‬
‫‪ -‬الوجود اإلنساين وجود عالئقي تواصلي "أان أتكلّم ألنين لست وحيدا" ‪ -‬غوسدورف‬
‫‪ -‬التواصل إذا مطلب إنساين من جهة أنّه ما به يكون اإلنسان إنساان ذلك أن األنظمة الرمزية كوسائط هي اليت جتعل التواصل ممكنا‪.‬‬
‫‪ -‬التواصل أو التفاهم بني الناس ضرورة لضمان بقائهم أل ّن الفرد ال ميكنه العيش يف هذا العامل مبفرده إذ له حاجات وضرورات بيولوجية نفسية واجتماعية‬
‫حتقيقها يقتضي تعاون مع اآلخرين‪" :‬مدين بطبعه" ‪ -‬أرسطو‬
‫‪ -‬تتح ّدد األنظمة الرمزية ابعتبارها وسائط بني اإلنسان واآلخر وبني اإلنسان والعامل وسيطا ميكن اإلنسان من حتقيق التواصل وحتقيق إنسانيته اليت تشرتط الفعل‬
‫التواصلي‪.‬‬
‫‪ -2‬يف داللة الرمز‬
‫الرمز‪ - :‬متثيل حيمل داللة أو معىن وحييل إىل استحضار شيئا غائبا أو غري قابل لإلدراك حسيا إنّه أتسيس لعالقة مماثلة بني شيئني‪ :‬مرئي والمرئي‪.‬‬
‫‪ -‬الرمز هو ما يسمح بتمثل األشياء واإلستعاضة عن حضورها املادي والتعبري عنها‪.‬‬
‫جمرد ‪ -‬مثال‪ :‬امليزان = العدالة ‪ /‬احلمامة = السالم‬ ‫‪ -‬التمثيل ّ‬
‫احلسي لشيء ّ‬
‫جمرد ردود أفعال للعقل وإمنا هي قدرات إدراكية ضمن العقل الستيعاب معلومات متميّزة (فرويد ‪ +‬يونغ)‪.‬‬
‫الرموز‪ :‬ليست ّ‬
‫الرمزية‪ :‬التعبري الذهين واخليايل بشكل ميكن إدراكه ّ‬
‫حسيا‪( .‬يف مقابل املعاين الواضحة ‪ +‬الوصف الواقعي)‬
‫الوظيفة الرمزية‪ :‬تتمثّل الوظيفة الرمزية يف قدرة اإلنسان على إنشاء الرموز أي على متثيل األشياء والعواطف واألفكار بعالمات ّ‬
‫حسية أو حركية أو بصرية أو‬
‫كل رمز‬
‫دل على غريه‪ .‬وميكن تفكيك ّ‬
‫ومعربة عنها واستخدامها يف عالقته بذاته وابآلخرين وابألشياء‪ .‬الرمز هو ما ّ‬
‫صوتية (طبيعية أو اصطالحية) دالّة عليها ّ‬
‫شجرة‪ :‬ش‪ -‬ج ‪ -‬ر‪ -‬ة (دال)‬ ‫دال‪ :‬الصورة البصرية أو الصوتية أو احلركية ما يقع حتت احلواس‬
‫إىل‪ّ - :‬‬
‫الشجرة (مدلول)‬ ‫‪ -‬مدلول‪ :‬الصورة الذهنية = املعىن ّ‬
‫اجملرد املدرك ابلعقل‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫أ‪ -‬يف التمييز بني الرمز والعالمة‪:‬‬
‫يدل عليه عالقة ضرورية‬
‫على الرغم من التقارب بني العالمة والرمز حيث يستخدمان لتمثيل األشياء والداللة عليها مثة فرق بينهما بني الرمز واملرجع الذي ّ‬
‫حبيث ال ميكن مثال استبدال امليزان بشيء آخر للدالّلة على العدالة بينما تقوم بني العالمة واملرجع عالقة اعتباطية·‬
‫"الرمز هو قبل كل شيء عالمة‪ ،‬لكن يف العالمة تكون العالقة اليت تربط العالمة ابلشيء الذي تدل عليه عالقة اعتباطية" ‪ -‬هيقل‬
‫ب‪ -‬يف التمييز بني الرمز واإلشارة‪:‬‬
‫إذا كانت اإلشارة جزء من عامل الوجود املادي وهي مرتبطة ابلشيء الذي تشري إليه على حنو اثبت فإ ّن الرمز جزء من عامل املعىن اإلنساين أي عامل االنطباق أي‬
‫ومتنوع‪.‬‬
‫متحرك ومتن ّقل ّ‬
‫يوحي بشيء واحد وهو ّ‬
‫ج‪ -‬يف التمييز بني الرمز والوسيط‪:‬‬
‫يتم االتّصال بني طرفني وتتح ّقق الوساطة ‪ .médiation‬جيمع على "الوسائط"‪.‬‬ ‫الوسيط ‪ médiateur‬هو ما يقوم ابلوساطة ويصلح لتحقيقها ما به ّ‬
‫يكون الوسيط ماداي مثل كافّة الوسائل ‪/‬الوسائط التقنية اليت يستخدمها اإلنسان لتحقيق أهدافه يف العيش أو التفاعل مع الغري شأن الراديو ‪/‬التلفاز ‪ /‬اهلاتف‪...‬‬
‫كل وسيط رمزي‪.‬‬
‫كل رمز وسيط وليس ّ‬
‫ويكون أيضا رمزاي وتبعا لذلك ّ‬
‫‪ - II‬األنظمة الرمزية‪ :‬وسائط ‪ /‬وسائل‬
‫‪ -‬بني اإلنسان واحليوان قواسم مشرتكة‪ :‬احلياة(كائنات حية)‪ +‬انتظام احلياة وفق قوانني (≠ قوانني الطبيعة) ‪ +‬امتالك جهاز استقبال وجهاز أتثري ورغم هذه‬
‫القواسم خيتلف اإلنسان عن احليوان ابلقدرة على الرتميز بتملكه جلهاز رمزي‪" .‬اإلنسان حيوان رامز" ‪ -‬كاسريار‬
‫‪ -‬القدرة على الرتميز هي امليزة ‪/‬الصفة النوعية لإلنسان‪ :‬سبب اختالفه عن احليوان (ليس العقل ‪ /‬التفكري)‬
‫‪ -‬سيادة العامل والسيطرة عليه ال تكمن (شرط) يف التفكري (ديكارت) بل يف القدرة على إنتاج الرمز (كاسريار)‪.‬‬
‫‪ -‬ال جيب أن نرى يف األنظم ة الرمزية طرقا خمتلفة يتمظهر من خالهلا الواقع يف ذاته للعقل بل طرق خمتلفة يتبعها العقل للتموضع أي طرقا يتبعها يف متظهره‬
‫لذاته‪ .‬فاألنظمة الرمزية من هذا املنطلق تتق ّدم كمحاوالت لتحويل العامل السليب للتمثّل البسيط إذ متثّل سريورات ديناميكية للرتميز‪.‬‬
‫‪ -‬األنظمة الرمزية بدء ابألسطورة وصوال إىل الصورة مثلت أساس العملية التواصلية‪ :‬ال ختلو حضارة من األنظمة الرمزية‪ :‬لغة‪ ...‬دين‪ ...‬أسطورة‪...‬‬
‫لفن األسطورة العلم‪ ...‬وهي‬
‫وتتجسد يف‪ :‬اللغة الصورة الدين ا ّ‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬منظومة الرموز (كاسريار) اليت يستخدمها اإلنسان تشمل مجيع أبعاد حياته املادية والروحية‬
‫تطور الواقع اإلنساين وتع ّقد احتياجاته‪.‬‬
‫التنوع ابستمرار حبسب ّ‬
‫قابلة لالتّساع و ّ‬
‫التنوع (لغات‪ :‬العربية ‪ +‬الفرنسية ‪ /‬دايانت‪ :‬اإلسالم ‪ +‬املسيحية) من جهة أخرى‪.‬‬
‫‪ -‬تتميّز األنظمة الرمزية ابلتع ّدد (اللغة ‪ +‬الدين‪ )...‬من جهة و ّ‬
‫‪ -1‬اللغة‬
‫يعّب هبا كل قوم عن أغراضهم" ‪ -‬ابن جين‬
‫‪ -‬خاصية إنسانية صرف (ديكارت) حاملة ملضامني فكرية وأخالقية‪" .‬اللغة أصوات ّ‬
‫‪ -‬متيز البشر عن احليوان الذي يتمتع إبشارات وحركات وأصوات ال ترتقي إىل مرتبة لغة اإلنسان‪.‬‬
‫‪ -‬يف معناها العام منظومة من الرموز ختضع لقواعد وضعها البشر ويف معناها اخلاص هي قدرة على الكالم الذي يشرتط طرفني يدور بينهما حوار غري مفهوم ما‬
‫مل يتفق الطرفان على معاين الكلمات والعبارات املستعملة‪ :‬اعتباطية أي تقوم على اتفاق بني البشر‪.‬‬
‫جمرد فعل آيل وإمنا فاعلية ذهنية تفرتض العقل وذلك ما جيعلها حكرا على اإلنسان‪.‬‬
‫‪ -‬قدرة ذهنية وليست ّ‬
‫‪ -‬أداة تستحضر املوجودات من الغياب إىل احلضور‪ -‬نظام رمزي يستحضر العامل ولكنّه ال يشبهه إذ الكلمات ليست األشياء‪.‬‬
‫‪ -‬نسق من العالمات ليست هلا عالقة مادية مبا تعنيه هذه العالمات‪.‬‬
‫‪ -‬قدرة على استعمال العالمات كرموز متكن من متثل شيء غائب‪ :‬وظيفة رمزية‬
‫حسية) بينما هي (اللغة) صورة ذهنية‪.‬‬
‫‪ -‬تشمل كل أدوات التواصل مبا فيها الصورة (لغة ّ‬
‫اللّغة هي ملكة التعبري الرمزي‪" :‬كل أنظمة التواصل األخرى اخلطّية واحلركية والبصرية‪ ...‬تتفرع منها وتفرتضها مسبقا" بنفينيست‬
‫اخلصائص‪:‬‬
‫الباث (املرسل) واملتقبّل (املرسل إليه)‪ :‬الطبيعة احلوارية‪.‬‬
‫الرد على الكالم أي تبادل األدوار بني ّ‬
‫‪ -‬اللغة تفرتض التخاطب الكالم و ّ‬
‫معني برمز‬
‫نعرب عن شيء ّ‬ ‫‪ -‬العالقة بني الرمز اللغوي (اللفظ) واملرجع اعتباطية‪ :‬فاللغة تقيم عالقة غري ّ‬
‫مربرة غري ضرورية بني الرمز واملرجع إذ ال شيء يلزم أبن ّ‬
‫معني بل املواضعة (االتّفاق) هي أصل اقرتان الدليل ابملرجع‪.‬‬
‫لفظي ّ‬
‫‪ -‬تقبل التحليل والتجزئة وإعادة التأليف والرتكيب‪ :‬ازدواجية متفصل اللغة (عامل اللسانيات‪ :‬مارتينيه)‬

‫‪3‬‬
‫متفصل اثن‪ :‬انتقال من الكلمات إىل احلروف (صوامت)‬ ‫‪+‬‬ ‫متفصل أول‪ :‬انتقال من اجلمل إىل الكلمات (لفاظم)‬

‫وحدات صوتية بسيطة‬ ‫وحدات داللية مرّكبة وحدات داللية بسيطة‬


‫دليل على الثراء واخلصوبة والقدرة الالحمدودة على التعبري‪.‬‬
‫الوظائف‪:‬‬
‫‪ .‬انطولوجية‪ - :‬إذ هي ما به ما من خالله يكتشف اإلنسان نفسه ويعرف أنّه موجود يف العامل‪.‬‬
‫‪ -‬القدرة على الكالم هي قدرة على إعالن الذاتية وجتلّي الذات لآلخر وللعامل‪.‬‬
‫‪ -‬اللغة والكالم شرط الوجود واالنكشاف لآلخر‪ :‬كوجيتو لساين جديد "يكون أان من يقول أان"‪ -‬بنفينيست‪.‬‬
‫تعرب عن قيمه ومبادئه (روالن ابرط) وليست ّ‬
‫جمرد عبارات جوفاء‪.‬‬ ‫مؤسسة اجتماعية" ابعتبار حاجتها جملتمع ّ‬ ‫‪ .‬اجتماعية‪ - :‬إهنا " ّ‬
‫‪ -‬الوظيفة األوىل للغة هي التواصل بني الناس ولقاء اآلخر من أجل التبادل العاطفي والفكري‪ :‬أن نتكلّم هو أن نتواصل‪.‬‬
‫تصور جمتمع من دون لغة أو لغة خارج السيّاق االجتماعي‪ :‬الرمز إنشاء اجتماعي‪.‬‬
‫‪ -‬ال ميكن ّ‬
‫‪ -‬أبدع اإلنسان اللغة للتواصل مع اآلخر والعامل والتعبري عن أحاسيسه وأفكاره‪.‬‬
‫جمرد دالة الفكر‪( .‬ديكارت ‪ -‬بنفينيست)‬
‫‪ .‬معـرفية‪ - :‬العملية الذهنية ليست ممكنة إالّ من خالل اللغة‪ :‬جتاوز اعتبار اللغة ّ‬
‫‪ -‬اخلطاب هو جعل املعرفة ممكنة‪.‬‬
‫جمرد عالمات لغوية تقيم عالقة بني دال ومدلول وإمنا هي متثّل ذهين منتظم للعامل‪.‬‬
‫اللغة ليست ّ‬
‫‪ -2‬الصورة‬
‫تطورا يف أشكاهلا عرب التاريخ من صور الكهوف واجلدران (اإلنسان البدائي) إىل الصور املتلفزة والسينماتوغرافية (اإلنسان املعاصر) حيث تعتمد‬
‫‪ -‬شهدت ّ‬
‫وسائل فنية وتقنية متق ّدمة سامهت يف انتشارها حيث أصبح عصران يُعرف أو يُوصف بـ "عصر الصورة"‪.‬‬
‫األقل على معنيني‪:‬‬
‫‪ -‬الصورة ُحتمل على ّ‬
‫التصور أي استحضار صورة شيء ما يف الذهن‪.‬‬ ‫حسي ما حيث تتقاطع كلمة الصورة مع كلمة ّ‬ ‫معىن ذهين‪ :‬التمثّل الذهين ّ‬
‫اجملرد لشيء وحدث ّ‬
‫معين عيين‪ :‬التمثيل البصري ّ‬
‫احلسي لألشياء واألحداث عن طريق الرسوم واألشكال واأللوان وهي أصناف‪ :‬الصورة املرسومة واحملفورة واملنحوتة‪.‬‬
‫‪ -‬عالمة مرّكبة حتمل معىن‪.‬‬
‫‪ -‬رسالة مشهدية مرئية تفرتض تواصل بني ابث ومتقبل‪.‬‬
‫‪ -‬وحدت البشر ضمن عامل التمثّل والفرجة‪.‬‬
‫‪ -3‬الدين‪ :‬املق ّدس‬
‫‪ -‬ساد االعتقاد أ ّن اإلنسان املعاصر قد ح ّقق املزيد من التق ّدم العلمي والتقين ومل يعد يف حاجة إىل الفكرة اإلهلية (املوقف الوضعي‪ :‬أ‪ .‬كونت)‪ .‬لكن ت ّبني أن‬
‫اإلنسان املعاصر ما يزال يف حاجة ماسة للمق ّدس (غراجني) ويف هذا السياق يقول فولتري‪" :‬لو مل يكن اإلله موجودا لوجب اخرتاعه"‪ .‬هذا يعين أن للمق ّدس‬
‫قيمة يف حياة اإلنسان فمن املق ّدس ينشد اإلنسان قيمة روحية متعالية إهنا قيمة عليا للعقل‪ .‬مثال‪ :‬إ ّن تضحية سيّدان إبراهيم إببنه تعكس فكرة التضحية من‬
‫أجل قيمة متعالية‪.‬‬
‫‪ -‬ماهية كل رؤية دينية للعامل‪.‬‬
‫‪ -‬الدين (غراجني) منظومة عقائد وطقوس ورموز تعكس تعلّق اإلنسان ابملق ّدس وتفرتض‪ :‬اإلميان ّ‬
‫بقوة مطلقة وغيبية وعبادة املق ّدس‪.‬‬
‫‪ -‬املق ّدس هو هذا الوسيط الرمزي وهو هذا العامل املتعايل يف مقابل الدنيوي ويتجلّى يف مستوايت ع ّدة كاملكان املقدس يف مقابل املكان الدنيوي والزمان املق ّدس‬
‫وتفسر األشياء على أساسه‪.‬‬
‫يف مقابل الزمان الدنيوي فاملق ّدس هو مبدأ للعامل ّ‬
‫‪ -‬تفسري سحري للظواهر خيلّص اإلنسان من اخلوف والنقص ويرجع األسباب والعلل إىل قوى متعالية غيبية‪.‬‬
‫‪ -‬كل ّقوة خفية يعتقد فيها الناس ويشعرون جتاهها ابلرغبة والرهبة إذ يرغبون يف رضاها وخيشون غضبها ويرجعون هلا النعم والنقم‪.‬‬
‫يقسم الناس العامل إىل عامل مساوي مق ّدس وعامل أرضي مدنّس ويعرب البشر‬
‫كل دين من األداين وبناء على املق ّدس الديين ّ‬
‫‪ -‬يرتبط املق ّدس ابلدين ألنّه ميثل جوهر ّ‬
‫عن اعتقاهم يف املق ّدس من خالل مجلة من الطقوس والشعائر والعبادات‪ :‬املق ّدس نقيض املدنّس‬
‫‪ -‬أشكال املق ّدس‪ :‬مق ّدس اجتماعي (املراهنة على الرفاهة والتق ّدم كقيم عليا) ومق ّدس سياسي (النضال من أجل مبادئ عليا)‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫الضامن "للتماسك االجتماعي" ومن مثّة‬
‫إذا كان للمق ّدس قيمة اترخييّة وعقليّة فهو يكتسي أيضا قيمة اجتماعية (دوركامي) حيث يعترب أ ّن املق ّدس الديين هو ّ‬
‫يعمق التواصل بني اإلنسان واإلنسان‪.‬‬ ‫فهو ّ‬
‫‪ -III‬منزلة ‪ /‬مقام الرمز‬
‫وظيفة انطولوجية‪:‬‬
‫‪ .‬الرمز هو امليزة اليت ينفرد هبا اإلنسان‪.‬‬
‫‪ .‬الرمز هو الذي حي ّقق وجود اإلنسان‪ :‬أساس وجود اإلنسان‪.‬‬
‫وظيفة معرفية‪ - :‬اللغة ختتزل األشياء يف أمساء‪ :‬كلّما اتّسع عامل الرموز (العامل الرمزي) كلّما ضاق عامل األشياء (العامل املادي)‪.‬‬
‫‪ -‬األشياء واحدة لكن الرموز متع ّددة ومتنوعة‪.‬‬
‫اإلنسان منطقيا ال يعيش يف عامل األشياء وإمنا يقيم يف عامل األمساء‪.‬‬
‫وظيفة اجتماعية‪ :‬تسمح له بتحقيق التواصل مع ذاته ومع غريه فهي أداة تعبري وبيان وتبادل للعواطف واخلربات واملعاين وشرط حت ّقق احلياة اجلماعية واستمراريتها‪.‬‬
‫فالرموز هي شرط التواصل وأدوات حتقيقه وهي سبيل الفرد لالندماج يف اجملتمع‪.‬‬
‫وظيفة انثروبولوجية‪ :‬تتح ّدد من خالل الوظيفة التواصلية اليت يضطلع هبا الرمز‪.‬‬
‫‪ -‬الرمز هو األداة اليت يستخدمها الكائن البشري لتبليغ مقاصده والتعبري عما يريد قوله‪.‬‬
‫فلكل شعب رموزه اخلاصة اليت من خالهلا ينظّم عيش‬
‫وتكرس خصوصية الشعوب يف نظم عيشها وتفكريها‪ّ .‬‬
‫اهلوية الثقافية لألفراد ّ‬
‫تؤصل ّ‬
‫‪ -‬األنظمة الرمزية ّ‬
‫املنتسبني إليه ومييّزهم عن غريهم من الشعوب‪.‬‬
‫‪ -IV‬حدود األنظمة الرمزية‪ :‬أزمة تواصل أم أزمة وسائط؟‬
‫‪ -‬كأن قدر اإلنسان هو أن يبدع دائما مظاهر استعباده فكم اعتقدان أ ّن اللغة إبداعا ولكن اتّضح لنا أهنا جماال لإلرغام سواء يف بنيتها أو يف توظيفاهتا‪ .‬وكم‬
‫حتوله إىل آلية حتريض على العنف‬ ‫املطول الذي تقتضيه اللغة‪ .‬واعتقدان يف قيمة املق ّدس فاهنار أمام ّ‬
‫يسرت لنا الفهم وجنّبتنا عناء التفكري ّ‬
‫اعتقدان أ ّن الصورة قد ّ‬
‫والعنف املضاد‪.‬‬
‫تتحول من وسائط رمزية إىل سلطات رمزية‪.‬‬ ‫‪ -‬األنظمة الرمزية ّ‬
‫‪ -‬أزمة الوسائط ال تتعلّق بكثرهتا واختالفها وإمنا تتعلّق ابهليمنة والسلطة اليت متارسها‪.‬‬
‫التطور الالفت يف‪:‬‬
‫تطورا منقطع النظري بسبب الثورات العلمية والتكنولوجية‪ .‬يظهر هذا ّ‬‫يشهد واقع االتّصاالت يف اجملتمعات املعاصرة ّ‬
‫‪ -‬تع ّدد وسائل االتّصال‪ :‬اهلاتف‪ -‬الراديو‪ -‬التلفزة‪ -‬الصحافة‪ّ ...‬‬
‫تؤمن أنواعا خمتلفة من االتّصال (مسعي‪ -‬بصري‪ -‬رقمي‪ -‬مكتوب‪ -‬شفوي‪)...‬‬
‫حىت تتّصل مبن تشاء يف وقت قياسي‪ .‬أو‬ ‫‪ -‬جناعة أداء وسائل االتّصال سواء ‪ -‬وفق مقياس السرعة‪ :‬إذ يكفي الضغط على بعض األزرار يف هاتفك ّ‬
‫اجلوال‪ّ ...‬‬
‫وفق امتداد االتّصال‪ :‬إذ مل يبق تقريبا ركنا من العامل مل تغطّه اهلواتف والفضائيات ما جعل من العامل على اتّساعه "قرية كونية"‪.‬‬
‫‪ -‬توظيف وسيط رمزي جديد أسرع هضما وأقدر على التسلّل إىل فكر اإلنسان ووجدانه "الصورة" فقد احتلّت هذه األخرية احليّز األكرب على أنظمة االتّصال‬
‫الراهن أبنّه "جمتمع الفرجة" أتكيدا على الدور املبالغ فيه للصورة يف أتمني اتّصال الناس‬
‫مقارنة ابلكلمة الشفوية أو املكتوبة ما جعل غي ديبور يصف اجملتمع ّ‬
‫ببعضهم ويف تشكيل وعي اإلنسان بذاته وحميطه‪.‬‬
‫الراهن‬
‫يربر اعتبار العصر ّ‬
‫وتنوعها جناعة أدائها احلضور الكثيف لنمط التواصل املرئي هذه بعض مالمح الثورة االتّصالية املعاصرة ما ّ‬ ‫تع ّدد وسائل االتّصال ّ‬
‫عصر اإلفراط يف االتّصال‪.‬‬
‫وسائل االتّصال أنتجت ضربني من العزلة‪:‬‬
‫حمل التضامن‪.‬‬
‫املودة والفردانية ‪ /‬الذاتية ّ‬
‫حمل ّ‬ ‫أ ‪ -‬عزلة روحية‪ :‬املنفعة ّ‬
‫تفرق الناس وتبعدهم عن بعضهم ماداي بغرض إحكام السيطرة عليهم‪.‬‬‫ب ‪ -‬عزلة مادية‪ :‬وسائل االتّصال ّ‬
‫يقول أدرنو وهوركامير‪" :‬وسائل االتصال متثل مصدر انعزال" ويضيفان‪" :‬إ ّن االتصاالت حت ّقق التماثل بني الناس وذلك بعزهلم عن بعضهم البعض"‪.‬‬
‫ويتجلّى ذلك يف‪:‬‬
‫‪ -1‬اللغة‬
‫‪ -‬أداة إخفاء ومتويه وخداع ألهنا تتسرت وراء قيم ومثل ومبادئ أخالقية ومهية‪.‬‬
‫‪ -‬ختفي رغبات وميوالت اإلنسان اجلسدية‪.‬‬
‫"إ ّن اإلنسان إبتكر اللغة وهو أول ضحاايها" ‪ -‬نيتشة‬
‫‪5‬‬
‫كل لفظ هو حكم مسبق ويف ذلك يكمن خطر اللغة على الفكر"‪ -‬نيتشة‬
‫" ّ‬
‫‪ -‬إ ّن اللغة أخطر ما امتلكه اإلنسان‪" :‬فهي تفتح أمامنا أبواب فهم العامل وتغلقها دوننا" ‪ -‬مريلوبونيت‪.‬‬
‫‪ -‬عاجزة عن التعبري عن مشاعران وانفعاالتنا الوجدانية أل ّن العاطفة متغرية واللغة تعتمد عبارات جامدة‪ :‬تضع بيننا وبني العامل حجاب‪( .‬برغسون)‬
‫حتول الرمز إىل سلطة على اإلنسان فضاء من االغرتاب فيه تضيع الذات يف اللغة حني ال تقول احلقيقة‪.‬‬ ‫‪ّ -‬‬
‫"إ ّن اللغة فاشية‪ ،‬فأن نتكلّم معناه أن خنضع" ‪ -‬روالن ابرط‬
‫‪ -2‬الصورة‬
‫‪ -‬فقدت اليوم وظيفتها التواصلية و ُغييبت يف مقابل سيطرة الصورة الرقمية (ليست بريئة‪ -‬غايتها املغالطة واخلداع والتظليل)‬
‫‪ -‬توظّف اليوم الصورة للمغالطة وخلدمة مصاحل بعض األفراد والشعوب والدول فتزيف احلقائق وتنشر األكاذيب وتستخدم للدعاية‪.‬‬
‫حتول اإلنسان إىل انفعايل بعد موت الكائن املفكر فيه (ال تسمح ابلتفكري مثل الكتاب)‪" .‬أمام منضدة املشاهدة نصمت"‪ -‬غي ديبور‪.‬‬
‫‪ -‬الصورة ّ‬
‫حتولت إىل عنصر أتثري مفسد للتواصل احلقيقي ومعطّل للحوار بني الذوات‪.‬‬
‫‪ -‬الصورة اليت كانت يف األصل تبلغ الداللة وحتدث التواصل ّ‬
‫‪ -‬تعلّق قدرة اإلنسان على التفسري والفهم وختتزل نشاطه يف املشاهدة‪.‬‬
‫حيول اإلنسان املستهلك للسلع إىل مستهلك لألوهام‪.‬‬
‫‪ -‬اعتماد الفرجة أنواعا من الصور الباهرة وأشكال الرتفيه املغرية ّ‬
‫حسه النقدي فالصورة تولّد االنبهار واالستسالم‪.‬‬
‫تكرس سلبية املتل ّقي وتسلبه ّ‬
‫‪ّ -‬‬
‫تعرب عن إرادة ومصاحل الطرف (طبقة شعب‪ )..‬الذي ميلك القدرة على صنعها وفرضها على اآلخرين‪.‬‬
‫‪ -‬تضطلع بوظيفة إديولوجية إذ عادة ما ّ‬
‫‪ -‬تضلّل إذ تفرض لبسا وتداخال بني الواقعي واالفرتاضي بني احلقيقي واخليايل "فهي بقدر ما ترينا العامل تعمينا عن النظر إليه"‪ -.‬ديّباي‬
‫جمردة لتختزل احلياة يف املشهدي والبصري‪.‬‬ ‫‪ -‬تف ّقر عامل اإلنسان حيث تقصي الالمرئي املؤثّر على حياته من معاين ومق ّدسات وقيم ّ‬
‫حل حمل التفكري واللغة واحلوار عصرا أصبح فالسفته وأنبياءه هم الراقصات والرايضيني واملذيعني‪ ...‬عصر تراجعت فيه كل‬ ‫‪ -‬إ ّن عصر الصورة والفرجة الذي ّ‬
‫القيم لتتضخم فيه املراوغة والكذب واألحالم الوامهة والوعود الزائفة‪.‬‬
‫‪ -‬يتحدث غي ديبور عن اجملتمعات املعاصرة ابعتبارها جمتمعات الفرجة مبا هي رؤية كلية للحياة وأساسها ترسانة من الصور املؤثرة على املشاهد مما أحدث ما‬
‫املعمم" الذي ميثل وجها من وجوه االغرتاب‪ .‬هو نتاج قدرة أتثريية ابلغة يصنعها خمطط اقتصادي ليبريايل حيث ّ‬
‫تطوع الصورة والكلمة لتشكيل‬ ‫مساه ب"االستبعاد ّ‬
‫الوعي الزائف وإبعادهم عن مشاغلهم احلقيقية عرب التشبه بسلوك املشاهري والنجوم (الكهنة اجلدد)‪.‬‬
‫يقسم اتريخ احلضارات إىل ثالث عصور حمكومة بنظم سلطوية متناسبة مع الشكل الذي تتّخذه الصورة يف ّ‬
‫كل عصر‪:‬‬ ‫‪ -‬سلطة الصورة جعلت ديّباي ّ‬
‫‪ .‬عصر اخلطاب وشكل صورته هو الصنم الذي يتطلب الرهبة والنظام السياسي الذي يقابله الثيوقراطية (حكم ديين)‪.‬‬
‫الفن الذي يتطلّب احلياة والنظام السياسي الذي يقابله االيديوقراطية (سلطة الفكر)‪.‬‬
‫‪ .‬عصر األشكال وشكل صورته ّ‬
‫‪ .‬عصر الشاشة وشكل صورته هو الصورة البصرية اليت ترتبط ابملصلحة والنظام السياسي الذي يقابله الفيديوقراطية (سلطة الصورة)‪.‬‬
‫يقول ديّباي‪" - :‬إ ّن الصورة اليت ترينا العامل هي ابلذات ما مينعنا من النظر إليه"‪.‬‬
‫‪" -‬حني يغدو عصر الشاشة مسيطرا أينما كنا ستكون فضيلته الفساد ومنطلقه اإلمتثالية وأفقه عدمية مكتملة"‬
‫‪ -‬إ ّن الواحد منا ليجد نفسه حماطا ابلصورة من كل اجلوانب على اجلدران وعلى وسائل النقل بل على مالبسنا (األفظع) إىل درجة أمكن القول معها أبننا‬
‫ونوظفها بقدر ما تستعملنا وهي ليست شيئا ينضاف إىل حميطنا بل‬ ‫جمرد لوحات إشهاريّة سياسية كانت أو اقتصادية أو ثقافية‪ .‬إننا ال نستعمل الصورة ّ‬
‫أصبحنا ّ‬
‫احملل‪".‬‬
‫هي املتملكة له يقول ديّباي‪" :‬مبا أ ّن الصورة أول ساكن للمكان‪ ،‬فإهنا ليست ضيفا علينا وإمنا هي صاحبة ّ‬
‫الصورة كغريها من الوسائط بقدر ما هي سبيل لتنظيم عالقة اإلنسان مبحيطه هي أيضا سالح ميكن أن ينقلب ض ّد اإلنسان يعميه عن واقعه وحي ّد‬
‫التحرر‪.‬‬
‫من تطلّعه حنو ّ‬
‫‪ -3‬الدين‪ :‬املق ّدس‬
‫‪ -‬يكون الدين اغرتااب حني يؤمن املتديّن أ ّن ّ‬
‫االجتاه إىل اإلله يقتضي اإلعراض عن احلياة والتاريخ واالنسحاب من العامل‪ .‬ويتجلّى ذلك يف ثنائيات مثل‪ :‬الروح‬
‫الرهبنة واحتقار اجلسد واستقذار احلياة الدنيا لتغيب املسؤولية إزاء الواقع‬
‫يتحول ال ّدين إىل ضرب من ّ‬
‫واجلسد ‪ /‬املق ّدس واملدنّس ‪ /‬الدنيوي واألخروي‪ .‬حيث ّ‬
‫والتاريخ‪.‬‬
‫‪ -‬يكون الدين اغرتااب وأفيوان عندما يبحث اإلنسان عن اإلله يف حاالت العجز ومواضع اإلخفاق واجلهل‪.‬‬
‫يؤدي إىل إميان بقيمة اإلنسان يكون هرواب وضياعا وأفيوان‪ -".‬غارودي‬
‫"إ ّن إمياان ابإلله ال ّ‬
‫‪ّ -‬‬
‫يتحول الدين إىل إيديولوجيا منظومة أفكار مغلقة تصبح مصدرا للعنف وإقصاء‪( .‬اإلرهاب)‬
‫‪6‬‬
‫حيوله إىل سالح لقمع العقل وإشاعة الظالمية‪.‬‬
‫‪ -‬إ ّن التوظيف اإليديولوجي من طرف البشر للدين هو ما ّ‬
‫‪ -‬استغالل الدين سياسيا وإقحامه يف صراعات إيديولوجية وحزبية وقومية وحضارية هو ما ّ‬
‫حيوله أداة قمع وينحرف به من التعبري عن املق ّدس املطلق والكوين إىل‬
‫املتغري والدنيوي واملصاحل الضيقة‪.‬‬
‫الدفاع عن النسيب و ّ‬
‫حتول املق ّدس إىل سلطة على اإلنسان يصبح م ّربرا ملطالبة بعض الفلسفات املعاصرة الغربية مبوت اإلله ألنّه عالمة على شقاء اإلنسان وبؤسه لقد طالب‬‫‪ّ -‬‬
‫"نيتشة" ابلتخلّص من املق ّدس الديين‪.‬‬
‫أي نوع من الدين"‬
‫يقول فروم "احل ّق أ ّن املشكلة ليست هل مثّة دين أم ال وإ ّمنا هي ّ‬
‫يبني غارودي أ ّن اإلميان هو الرجاء وهو ّقوة األمل‪.‬‬
‫‪ -‬خالفا لسارتر الذي يقول "عبثا حنيا وعبثا منوت" و "أ ّن اإلنسان عاطفة غري جمدية" ّ‬
‫مهما عرفت األنظمة الرمزية من قصور وحمدودية تبقى األدوات املثلى لإلنسان لإلفصاح والتبليغ إذ لو كان لنا أن نتخلّى عن الرموز لكان معىن ذلك أن نتخّلى‬
‫عن الوجود فالوجود اإلنساين ابألساس وجودا رمزاي أما ما يقال عنها من مراوغة وتظليل فذلك ليس مرده الرمز يف حد ذاته بل فساد الطبيعة البشرية وافتقارها‬
‫للقيمة إذ املغالطة ال تقوم يف صلب الرمز بل يف استخدامه السليب من قبل اإلنسان وابلتايل فإ ّن األزمة ليست أزمة وسائط بل أزمة تواصل أكثر من ذلك إ ّن هذا‬
‫التعامل النقدي مع الرمز ال جيب أن يشكل ذريعة للتخلّي عنها والتشكيك يف قيمتها قدر ما جيب أن يشكل حافزا للوعي مبخاطر توظيفها مراهنة على حتريرها مبا‬
‫حترر اإلنسان‪.‬‬
‫يساهم يف ّ‬
‫شروط إنقاذ العملية التواصلية من الفشل‪:‬‬
‫التفوق أو‬
‫حيق ألي كان أن ميارس وصايته على البشر بذريعة ّ‬ ‫‪ -‬شرط التكافؤ (الن ّدية)‪ :‬أن يكون األفراد متساوون ضمن التواصل وضمن األنظمة الرمزية وال ّ‬
‫التحضر ذلك أ ّن األصل واألساس الذي تبىن عليه العالقات بني البشر هو التكافؤ لقول هابرماس‪" :‬أمسّي تواصلية‪ ،‬التفاعالت اليت يكون فيها املشاركون‬
‫ّ‬
‫تكافؤ يف اللغة والدين والثقافة‪.‬‬ ‫متفقني مؤتلفني على تنسيق خمطّطات عملهم"‪.‬‬
‫‪ -‬شرط الكونية‪ :‬إ ّن ما أنتجته اإلنسانية من أنظمة رمزية هو يف حقيقته مكسب لإلنسانية مجعاء لذلك ال ينبغي أن تكون منفعته فئوية أو طبقية أو قطرية بل‬
‫كونية اللغة والدين‪.‬‬ ‫جيب أن تكون إنسانية وكليّة‪.‬‬
‫خامتة‪:‬‬
‫‪ .‬األنظمة الرمزية وسائط ضرورية يف حياتنا ال ميكن التخلّي عنها بل ميكن جتاوز سلبياهتا ابلنقد واملراجعة‪.‬‬
‫‪ .‬إ ّن األزمة ليست أزمة وسائط بل أزمة تواصل‪.‬‬
‫‪ .‬إ ّن املشكل ليس يف الرموز بل يف االستعمال والتوظيف السيئ هلا‪.‬‬
‫احلل ليس يف أتثيم الرموز والتخلّي عنها بل يف تصحيح مسارها وحتريرها من التوظيف وإرجاعها إىل رهاهنا احلقيقي‪ :‬جتسيد اإلنساين‪.‬‬
‫‪ .‬إ ّن ّ‬

‫‪7‬‬

You might also like