You are on page 1of 13

88-60 ‫ ص‬،2521 ‫ السنة‬.

50 ،50 ‫العدد‬ ‫جملـة "نتائج الفكر" الصادرة عن معهد اآلداب واللغات‬


EISSN 2773-2762 / ISSN 2477-992x ‫املركز اجلامعي صاحلي أمحد النعامة‬

‫اجلذور الفلسفية للتداولية‬


Philosophical roots of pragmatics
1
‫عزوز هواري‬

azzouzhouari31@gmail.com ،)‫ المركز ال جامعي صالحي أحمد النعامة (الجزائر‬1

‫سندير ورقتنا البحثية هذه حول حمورين أساسيني لنشأة الفكر التداويل؛ األول الفلسفة التحليلية النشأة‬
‫ وحماولني‬، ‫ والثاين حياول رصد مفهوم فلسفة اللغة و أهم أعالمها‬، ‫و التأصيل و أهم املبادئ اليت قامت عليها‬
‫الوصول إىل النقلة النوعية يف دراسة اللغة وما لنظرية ألعاب اللغة احملسوبة على تيار الفلسفة اللغوية من األثر‬
. "‫الكبري يف ظهور أهم مباحث الدرس التداويل و هو "نظرية األفعال الكالمية‬
.‫ نظرية‬،،‫ األفعال الكالمية‬،‫ اجلذور الفلسفية‬،‫ التداولية‬:‫كلمات املفتاحية‬
Abstract:
We will manage this research paper on two main axes of
the emergence of deliberative thought. The first one is the
analytical philosophy ; the origin, the roots and the most
important principles upon which it was based. And the
second attempts to monitor the concept of language
philosophy and its most important figures. Also, trying to
reach the paradigm shift in the study of language, and the
great impact of language games theory, which belongs to the
philosophical linguistic on the emergence of the most
important discussion of the deliberative lesson, which is "The
Theory of verbal acts."
Keywords: pragmatics، Philosophical roots، verbal acts، Theory.

_________________________
azzouzhouari31@gmail.com :‫ اإلمييل‬.‫ عزوز هواري‬:‫املؤلف املرسل‬

76
‫عنوان املقال‪ :‬اجلذور الفلسفية للتداولية‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫تطرح عالقة التداولية ابألحباث الفلسفية الغربية وخباصة الفلسفة التحليلية مجلة من القضااي‬
‫النظرية و التساؤالت املنهجية اهلامة ‪ ،‬و ذلك ابلنظر إىل نوعية العالقة التارخيية بني الفلسفة‬
‫التحليلية و اجلذور التأسيسية األوىل للتداولية وخنص ابلذكر فلسفة اللغة العادية ‪ ،‬فهذه النقلة من‬
‫دراسة اللغة املثالية اليت أرسى معاملها الفالسفة التحليلني و املناطقة حماولني إقامة دعائمها وانتهاء‬
‫إىل فلسفة اللغة العادية اليت تعد حجر األساس للدراسات التداولية ‪.‬‬
‫ومن هذا املنطلق و جدتنا ملزمني منهجيا ابلوقوف عند واإلطارالتأسيسيو التأصيلي لنشأة هذا‬
‫احلقل التداويل انطالقا من الفلسفة التحليلية وصوال إىل فلسفة اللغة العادية "األلعاب اللغوية " ‪.‬‬
‫الفلسفة التحليلية النشأة والتأصيل‬
‫إن حديثنا عن الفلسفة التحليلية وحتديد أسسها ومفاهيمها الرئيسة ليس ابألمر اهلني وذلك‬
‫ألن "من الصعب متاما أن جند تعريفا دقيقا للفلسفة التحليلية ذلك ألن ما نطلق عليهم اسم‬
‫"فالسفة التحليل" ال ميثلون يف الواقع منطا واحدا ن الفالسفة يتفقون على دوافع تفكريهم وأهدافه‪،‬‬
‫بل ليس هناك يف واقع األمر اتفاق عام حىت االسم الذي مييز تلك احلركة الفلسفية يف حني جند‬
‫بعض التسميات اليت أضحت لصيقة هبا و ابملسار البحثي لروادها مثل فلسفة مدرسة كمربدج ‪،‬و‬
‫‪2‬‬
‫فلسفة مدرسة أوكسفورد و الشائع املتداول على وجه الدقة فلسفة اللغة العادية"‬
‫فهذا اإلشكال يف ضبط املفهوم ليس راجعا إىل العلم نفسه‪ ،‬وإمنا راجع إىل من يؤطره "فعلى‬
‫الرغم من أن مجيع فالسفة هذه احلركة متفقون على أن "التحليل" هو اهلدف الرئيسي من الفلسفة‬
‫الذي يقدمونه هلذا اللفظ فهم ميارسونه بدوافع متباينة متاما إىل احلد الذي ميكن أن يدفع أحدا إىل‬
‫القول أبهنم ال يشرتكون يف موقف فلسفي بعينه"‪.3‬أو ابألحرى تباين املرجعيات ‪،‬و هذا التعدد و‬
‫التباين كاد أن يكون مأزقا مفاهيمي ملقولة التحليل اليت تنسب لرواد هذه احلركة ‪ ،‬لوال أن حبثهم‬
‫ظل مرتبطا خبط معني لتطور األفكار عن طبيعة الفلسفة و وظيفتها ‪،‬حيث ارتسمت معامله مع ج‬
‫‪77‬‬
‫عزوز هواري‬

‫مور‪ G Moore‬و راسل ‪ Russell‬و اجته به فتجنشتاين‪ Wittgenstein‬وجهة جديدة أىل‬


‫أن وصل اىل هنايته على يد فالسفة اللغة العادية يف مدرسة أوكسفورد من أمثال رايل ‪ G Ryle‬و‬
‫أوستني ‪ J L Austin‬و سرتاوسون‪. Strausson‬‬
‫من هذا املنطلق الذي اعتمده الفالسفة يف دراساهتم‪ ،‬ذهب بعض الباحثني إىل القول أبن‬
‫هناك فالسفة حتليلني ال فلسفة حتليلية‪ ،‬وإن متييز هذه احلركة الفلسفية أ ههنا فلسفة التحليل لن يقدم‬
‫لنا شيء عن طبيعتها الستخدام لفظ التحليل بطرق متنوعة‪ ،‬وكذلك متيزها أبهنا فلسفة لغوية تعاجل‬
‫األلفاظ‪ ،‬جيعلها منحصرة مرادفة لالجتاه الواحد "فلسفة أكسفورد اللغوية" وهذا ما جيعلها يف نظر‬
‫كثري من التحليليني غري معربة عن املهمة الصحيحة للفلسفة وأهدافها‪ ،‬وهذا ما جيعل من الصعوبة‬
‫تقدمي تعريف دقيق هلذه احلركة التحليلية‪.4‬‬
‫فاالجتاه التحليلي يعترب االجتاه الرئيسي يف فلسفة اللغة ابختاذ اللغة موضوع الدراسة‪ ،‬ونقصد‬
‫ابللغة "اللغة العادية" بدال عن اللغة املعيارية الطبيعية املثالية أو االصطناعية‪ ،‬اليت فشل رواد هذا‬
‫االجتاه يف تكريسها على الواقع‪ ،‬مع تطوير لتقنيات التحليل اليت جتسدت يف نظرية "أفعال‬
‫الكالم"(‪5.‬‬
‫يف حني قام "سكوليموفسكي" بتقدمي بعض اخلصائص املميزة هلذه احلركة التحليلية‪ ،‬إذ‬
‫يرى أن "الفلسفة التحليلية" اسم يطلق على نوع من فلسفة القرن العشرين واليت تتميز ابخلصائص‬
‫‪6‬‬
‫التايل‬
‫‪-‬اعرتافها بدور اللغة الفعال يف الفلسفة أو بعبارة أخرى ما ميكن أن نسميه اجتاهها‬
‫الشعوري املتزايد حنو اللغة‪.‬‬
‫‪-‬اجتاهها إىل تفتيت املشكالت الفلسفية إىل أجزاء صغرية ملعاجلتها جزءا جزءا‪.‬‬
‫‪-‬خاصيتها املعرفية‪.‬‬
‫‪-‬املعاجلة املشرتكة بني الذوات (أو البني ذاتية) (‪ )Inter subjective‬لعملية التحليل‪.‬‬
‫‪78‬‬
‫عنوان املقال‪ :‬اجلذور الفلسفية للتداولية‬

‫فمن خالل هذه األسس فإن الفلسفة التحليلية قد حددت لنفسها مهمة واضحة لدراسة‬
‫املوضوعات الفلسفية‪ ،‬على أساس عملي متمثل يف اللغة مبتعدة عن أسس الفلسفة الكالسيكية‬
‫اليت مل تول اللغات الطبيعية ما تستحق من الدراسة واالهتمام‪ ،‬فهي بذلك فلسفة تقوم على‪:‬‬
‫‪-‬ضرورة التخلي عن أسلوب البحث الفلسفي القدمي وخصوصا جانبه امليتافيزيقي‪.‬‬
‫‪-‬تغيري بؤرة االهتمام الفلسفي من موضوع "نظرية املعرفة" إىل موضوع "التحليل اللغوي"‪.‬‬
‫‪-‬حتديد وتعميق بعض املباحث اللغوية والسيما مبحث الداللة والظواهر اللغوية املتفرعة‬
‫‪7‬‬
‫عنه‬
‫وانطالقا من اختالف وجهات النظر بني الفالسفة التحليليني واألسس املعرفية املتبعة فقد‬
‫انقسمت وتشعبت الفلسفة التحليلية إىل ثالث اجتاهات كربى وهي‪:‬‬
‫‪-1‬الوضعانية املنطقية ( ‪ )logique Positiviste‬بزعامة رودولف كارانب‪.‬‬
‫‪-2‬الظاهراتية اللغوية (‪ )Phénoménologie du langage‬بزعامة أدموهنوسرل‪.‬‬
‫‪-3‬فلسفة اللغة العادية (‪ )Philosophie du langage ordinaire‬بزعامة‬
‫فيتجنشتاين‪.‬‬
‫وهذا الفرع األخري أي "فلسفة اللغة العادية" هو الذي نشأت بني أحضانه ظاهرة األفعال‬
‫الكالمية‪.8‬‬
‫‪-‬وهذا األخري يندرج حتت ما يعرف ابالجتاه التداويل على غرار االجتاهني األول والثاين اللذين خرجا‬
‫عن هذا املنحىن‪ ،‬وذلك الهتمام االجتاه األول ابللغات الصورية املصطنعة‪ ،‬وهو االجتاه الذي متثله‬
‫الوضعانية املنطقية بزعامة كارانبوآير اليت تقوم على التحليل املنطقي للجمل والقضااي اللغوية‪،‬‬
‫"فبسلوكها هذا املسلك‪ ،‬تقصي القدرات التواصلية العجيبة اليت متتلكها اللغات الطبيعية‪ ،‬بل تستبعد‬
‫تلك اللغات وتقصيها متاما من نشاطها العلمي الدراسي‪ ،‬وهتتم ببناء لغات بديلة مقصورة على جمال‬
‫تواصلي يف غاية احملدودية والرمسية والتخصص"(‪.9‬‬
‫‪79‬‬
‫عزوز هواري‬

‫هذا ما جيعل اللغة الشكلية أو الصورية عائقا أمام عملية التواصل اليومية بني املتكلمني‪ ،‬على‬
‫غرار اللغة العادية اليت تظهر القدرات التواصلية احلقيقية من قبل املتكلمني العاديني‪ ،‬وكذلك االجتاه‬
‫الثاين الذي يعترب خارج املنحىن التداويل ونقصد الظاهراتية اللغوية اليت "يؤخذ عليها أهنا انغمست‬
‫يف البحث يف أطر فكرية أعم من الكينونة اللغوية‪ ،‬إذ راحت تتساءل عن قطب "األساس" وهو‬
‫بداية احلدث اللساين يف أعماق الوجدان وهو الذي يسميه سوسري "املرحلة السدميية" واليت هي‬
‫مرحلة ذهنية ما قبل وجودية‪ ،‬فهي يف غاية التجريد‪ ،‬وال عالقة هلا ابالستعمال اللغوي وال بظروف‬
‫‪11‬‬
‫استخدام اللغة وال أبحوال أطراف احلوار وال مبالبسات التواصل وال أبغراض املتكلمني"‬
‫لكن هذا ال ينفي القول أن هذا االجتاه قد أوجد مبدءًا إجرائيا يف جمال اللسانيات التداولية‬
‫وهو مبدأ القصدية (‪ )Intentionnalité‬الذي استمر من طرف الفيلسوف أوسنت يف الدراسة‬
‫ظاهرة "األفعال الكالمية" وزاد عنه سريل ابختاذه معيارا أساسيا لتصنيف "القوى املتضمنة يف‬
‫القول"‪.11‬‬
‫أما االجتاه الثالث واألهم وهو فلسفة اللغة العادية "الذي استطاع أن ميثل مركز االهتمام‬
‫الفلسفي بعد الوضعية املنطقية‪ ،‬وميكن أن نلتمس بذور هذا االجتاه عند جورج مور ‪G.‬‬
‫‪ MOORE‬إال أن أساس هذا االجتاه قد جاء من أفكار فتجنشتاين‪L. Wittgenstein‬‬
‫لالفرتاض السابق الذي روجه الوضعيون املناطقة‪ ،‬ذلك االفرتاض الذي كان قد شارك هو نفسه يف‬
‫وضعه يف كتابه املتقدم "رسالة منطقية فلسفية" وقد فعل ذلك منذ قيامه ابلتدريس يف كمربدج عام‬
‫‪ ،1931‬حيث ساد االقتناع أبن اللغة العادية صحيحة متاما"‪.12‬‬
‫فقد جعل فتجنشتاين اللغة املادة األساسية يف فلسفته ذلك أنه كان يرى "أن مجيع مشكالت‬
‫الفلسفة‬
‫حتل ابللغة‪ ،‬فاللغة هي املفتاح السحري الذي يفتح مغاليق الفلسفة بل كان يعتقد أن‬
‫اخلالفات والتناقضات املنتشرة بني الفالسفة سببها األساسي سوء فهم للغة‪ ،‬أو إمهاهلم هلا وراح‬
‫‪80‬‬
‫عنوان املقال‪ :‬اجلذور الفلسفية للتداولية‬

‫يطور فلسفته اجلديدة اليت توصي مبراعاة اجلانب اإلستعمايل يف اللغة فاالستعمال هو الذي يكسب‬
‫‪13‬‬
‫تعليم اللغة واستخدامها"‬
‫وألجل حل هذه املشكالت الفلسفية البد من حتديد الطريقة اليت يتم هبا استخدام لغتنا يف‬
‫الواقع والكيفية اليت يتم هبا من أجل ذلك‪.‬‬
‫فقد شاع هذا االجتاه يف مدرسة كيمربدج الذي دام أتثريها ما بني ‪ 1933‬حىت هناية احلرب‬
‫العاملية الثانية على يد جمموعة من الفالسفة الكبار املتأثرين ب‪:‬فتجشتاين ونذكر من بينهم جون‬
‫ونزدم‪ ،Winsdam‬و ج‪ .‬أبول ‪ G.A Poul‬وموريس ليزرويتز‪M. Lazerowitz‬ون‪.‬‬
‫مالكومل‪ N. Malcolm‬ميكن أن نطلق على هؤالء اسم "مدرسة كمربدج" ويعد وفاة فتجشتاين‪،‬‬
‫انتقل مركز االهتمام الفلسفي من كمربدج إىل أكسفورد بزعامة جلريت وايل ‪G. Ryle‬‬
‫(‪ )1976-1911‬وجون أسنت ‪ J. Austin‬أو يطلق على هذا االجتاه "مدرسة أكسفورد" وما‬
‫مييز هذه املدرسة عن سابقتها أهنا تعطي اهتماما كبريا ابلتفصيالت الفعلية للغة العادية للوصول إىل‬
‫النتائج الفلسفية العامة على غرار فلسفة كمربدج الذين سعو إىل حل مشكالت حمددة(‪11‬‬
‫فهذه النقلة النوعية من مدرسة كمربدج إىل مدرسة أكسفورد جعلت تراث فنجتشاين يكسب‬
‫مكانته احلقيقية خاصة مع ج‪ .‬ل‪ .‬أوسنت وذلك بتأثره الواضح يف كتابه "عندما يكون القول هو‬
‫الفعل"‬
‫‪ "Quand dire, c'est faire‬وتلميذه ج‪ .‬سريل‪ ،‬واعتماده على أفكار هذا الفيلسوف‬
‫‪15‬‬
‫يف دراسته لـ"القوى املتضمنة يف القول"‬
‫يصدر هذا التصور كمحاولة للتخلي عن النظر إىل اللغة ابعتبارها كياان اثبتا يف كل املواقف‬
‫إىل نظرة أوسع تربط بني املتكلم واملخاطب وما يكتنفها من اعتبارات ثقافية واجتماعية ونفسية‪،‬‬
‫وهذا ما أنتج يف آخر املطاف إىل والدة علم لغوي جديد هو التداولية‬

‫‪81‬‬
‫عزوز هواري‬

‫فلسفة اللغة‪ ،‬املفهوم واملنهج‪:‬‬


‫إن دراسة اللغة ومعناها من الدراسات القدمية املتشعبة بني الفالسفة الذين أخذوا هذا املوضوع‬
‫ابلدراسة على اختالف مناهجهم واجتاهاهتم‪ ،‬وقد تركزت الدراسة يف هذا اجملال خاصة يف القرن‬
‫العشرين عصر التحليل "فاللغة يف الفلسفة التحليلية البد فهمها على أهنا ليست جمرد وسيلة‪ ،‬بل‬
‫على أهنا هدف من أهداف البحث الفلسفي‪ ،‬وتعد هذه النظرة عنصرا جديدا يف الفلسفة‪ ،‬ويبدو‬
‫أن االهتمام الكبري ابللغة من جانب الفالسفة التحليليني هو ما انتهى ببعض الباحثني إىل تعريف‬
‫الفلسفة التحليلية برمتها أبهنا جمرد دراسة للغة"(‪.)16‬‬
‫فهذا االهتمام والتحول الفلسفي اجتاه دراسة اللغة يف الفلسفة املعاصرة‪ ،‬وما قدم من نظرايت‬
‫لغوية جديدة مثل منعطفا لغواي مثلته فلسفة اللغة اليت تعترب بديال للفلسفة وانغالقا على اللغة‪ ،‬كوهنا‬
‫مبحثا من مباحث الفلسفة يدرس اإلشكاليات اللغوية كما طرحتها الفلسفة املعاصرة مبختلف‬
‫تياراهتا‪ ،‬وأول من استعمل هذا املصطلح "فلسفة اللغة" هو الفيلسوف اإليطايل بندتوكروتشه‬
‫(‪ ،Benedetto Groce )1952-1866‬ومؤكدا على أن مفهوم اللغة يلعب دورا توجيهيا‬
‫يف عملية البحث اجلمايل‪ ،‬وهو القائل "اللغة فعل فكري وإبداعي"(‪.)17‬‬
‫لقد تبلور هذا املفهوم يف سياق الفلسفة التحليلية‪ ،‬من خالل أعمال فرجيه يف املنطق‬
‫والفلسفة وفلسفة نيتشه ضمن سياق الوجودية والتأويلية‪ ،‬وكذلك يف الدراسات اللسانية‪ ،‬وهذا‬
‫التداخل والتشابك بني املعارف جعل من الصعب إعطاء مفهوم دقيق وهنائي "لفلسفة اللغة"‪ ،‬هذا‬
‫ما دفع إىل التطرق للحديث عن املعامل العامة جملال "فلسفة اللغة"‪ ،‬ابعتبار هذا املبحث مبحثا‬
‫فلسفيا حديثا‪ ،‬ظهر يف بداية القرن العشرين‪ ،‬إال أن هناك من يعتقد أنه جمال قدمي قدم الفلسفة‪،‬‬
‫وترجع إىل خمتلف اآلراء الفلسفية اليت قيلت حول طبيعة اللغة وعالقتها ابلفكر والواقع‪ ،‬وهذا ما‬
‫جيعلها جزءا من الفلسفة العامة للفيلسوف‪ ،‬واآلراء حول هذا الرأي متعددة نذكر منها‪:18‬‬

‫‪82‬‬
‫عنوان املقال‪ :‬اجلذور الفلسفية للتداولية‬

‫‪-‬هناك من يقصر فلسفة اللغة على التيار التحليلي على يد جورج مور وراسل وخاصة‬
‫فتجنشتاين‪.‬‬
‫‪-‬هناك من يقول إنه تقوى على يد التيار الوضعي املنطقي وتيار مدرسة أكسفور‪.‬‬
‫‪-‬هناك من حيددها يف التيار التأويلي ابتداءا من هو سريل مرورا هبيدغر و مريلو يوثين و‬
‫غدامري وبول ريكور و خلفيته التارخيية عند شالير ماخر وفقهاء اللغة‪.‬‬
‫‪-‬هناك من يقتصر فلسفة اللغة يف أعمال األلسنيني ابتداءا من ديسوسري وانتهاء‬
‫بتشومسكي مرورا ببنفست واملدرسة التوزيعية األمريكية مع الرتكيز على مناهج ومفاهيم ألسنية‪.‬‬
‫فهذا التضارب والغموض يف اآلراء فيما خيص مفهوم "فلسفة اللغة" وموضوعها ومضموهنا‬
‫جعل من الصعوبة إعطاء تعريف جامع مانع‪ ،‬هلذا تعددت اآلراء حيث جند كل من ديكرو و‬
‫تودوروف يف قاموسهما" موسوعة علوم اللغة" يبينان أن مصطلح "فلسفة اللغة" يتضمن معنيني‪:‬‬
‫هذا ما جنده يف أعمال كل من "ل‪ .‬برانشويكغ" يف كتابه الصادر سنة ‪L'âges ( 1917‬‬
‫‪ )de l'intelligence‬و(هـ‪ .‬برغستون) يف كتابه الصادر سنة ‪L'évolution ( 1917‬‬
‫‪ ،)créatrice‬وكذلك االهتمام ابلتأمالت احلاضرة يف فلسفة القرن التاسع عشر األملانية‪ ،‬كوهنا‬
‫اهتمت بدور اللغة يف التاريخ اإلنساين واليت متظهرت يف فلسفة شليخر اللغوية واليت ربطها بفكر‬
‫هيقل(‪.)19‬‬
‫ومعىن داخلي‪ ،‬حيث جيعل هذا التوجه من اللغة جماال للدراسة‪ ،‬وذلك إبخضاع اللسان إىل‬
‫الدراسة الداخلية‪ ،‬بوصفه موضوعا لالستقصاء‪ ،‬فقد كان التحليل اللساين حاضرا يف كل فلسفة‪،‬‬
‫وهذا ما تبناه معظم الفالسفة اإلجنليز –فالسفة اللغة‪ -‬يف أحباثهم اليت مسوها "الفلسفة التحليلية"‬
‫حيث جعلوا من اللغة موضوعا للفلسفة‪21‬فهذا التعريف من ديكرو و تودوروف "لفلسفة اللغة"‬
‫يقصي ويهمل دور الدراسات األلسنية يف تطوير مممكمعلوم اللغة‪ ،‬كما يهمل أيضا التيار الظواهري‬
‫والتأويلي‪ ،‬والصراع القائم بني الفلسفة األجنلوسكسونية والفلسفة األوروبية القارية‪ ،‬وهذا ما يدفعنا‬
‫‪83‬‬
‫عزوز هواري‬

‫إىل النظر إىل أعمال أخرى قامت بدراسة فلسفة اللغة من جانب آخر‪ ،‬حيث ركزت على األلسنية‬
‫من جانبها املفاهيمي‪ ،‬نذكر‬
‫منها "دراسة كارتز و فودور ومها يعدان من أتباع نعوم تشومسكي وذلك يف كتاهبما"فلسفة‬
‫اللغة" حيث ذهبا إىل القول أن فلسفة اللغة تقوم بتحليل املفاهيم واملناهج األلسنية وتستعني‬
‫بنتائجها حلل بعض املشكالت الفلسفية‪ ،‬ويعتقدان أن فلسفة اللغة مبحث فلسفي معاصر‪،‬‬
‫ي تمحور حول املعرفة املفاهيمية أو كما قاال "فلسفة اللغة حقل معريف ضمن جمموع األحباث‬
‫الفلسفية اليت تدور حول املعرفة املفاهيمية وهي مبحث ضمن الفلسفة املعاصرة كفلسفة الرايضة‬
‫وفلسفة الفن‪...‬اخل‪ ،‬إن هذا املبحث يركز على املعرفة املفاهيمية املعرب عنها يف اللغة"(‪21‬‬
‫فمن هذا الطرح الذي هبني أهم املدارس واالجتاهات اليت اختصت فلسفة اللغة ابلدراسة‬
‫والتقومي ميكن القول أن "فلسفة اللغة مبحث فلسفي جديد‪ ،‬يهتم ابللغة من منظور فلسفي يعتمد‬
‫على مناهج لغوية فلسفية أساسية كالتحليل املنطقي واأللسين والتأويلي أو بتعبري آخر‪ :‬فلسفة اللغة‬
‫مبحث فلسفي يتكون من خمتلف التطورات اليت عرفها الفكر الفلسفي املعاصر واملتمثل بشكل‬
‫خاص يف التطورات احلاصلة يف جمال املنطق الرمزي والتأويلي‪ ،‬أو فلسفة التأويل واأللسنية أو علم‬
‫اللغة احلديث"(‪22‬‬
‫فهذا التعدد يف املناهج والعلوم اليت احتضنت فلسفة اللغة جعلتها أكثر وعي ابللغة ومبعرفة‬
‫طبيعتها وقدرهتا على محل املعاين‪ ،‬ومل يكن هذا االكتشاف ابألمر السهل واهلني الذي قد مير دون‬
‫تغيري هام يف مفهوم اللغة وتصوران هلا‪ .‬حيث قدمت الروائية أريس موردخ (‪ )I. Mordoch‬يف‬
‫كتاهبا عن "سارتر" هذا األمر فقالت‪" :‬إننا مل نعد نسلم تسليما أعمى ابللغة على أهنا وسط تتم من‬
‫خالله عملية التواصل‪ ،‬فقد انتهت شفافيتها‪ ،‬فما أشبهنا بقوم راحوا ينظرون من خالل انفذة ملدة‬
‫طويلة دون أن يالحظوا زجاجها‪ ،‬مث ما لبثوا ذات يوم أن الحظوه"(‪ 23‬فهي هبذه النظرة جعلت من‬
‫اللغة أكرب صعوبة تواجهها الفلسفة املعاصرة ويف إنكار أن جنعلها واسطة بيننا وبني العلم‪.‬‬
‫‪84‬‬
‫عنوان املقال‪ :‬اجلذور الفلسفية للتداولية‬

‫وعلى أساس هذه الدراسة فإنه ليس من الغريب أن تركز الفلسفة جل أعماهلا الكربى على‬
‫دراسة العالمة‪ ،‬ذلك للكشف عن طاقات اإلنسان التعبريية اجلديدة‪ ،‬وهبذا ميكن القول إن "فلسفة‬
‫اللغة‪ ،‬من الرواقني إىل كاسريير ومن القروسطيني إىل فيكو (‪ )Vico‬ومن القديس أوغستني إىل‬
‫فتجنشتاين‪ ،‬مل تكف عن مساءلة أنساق العالمات‪ ،‬وبذلك تكون هذه الفلسفات قد طرحت‬
‫بشكل جدري قضية السيميائيات"(‪ .)21‬فهذه الرؤية دعوة إىل توسيع جمال اللغة التواصلية لتشمل‬
‫ما ليس لغواي‪ ،‬فجل مظاهر الوجود اإلنساين اليومية متثل موضوعا سيميائيا‪ ،‬ذلك أن اإلنسان ال‬
‫يستطيع العيش بدون وسائط لغوية وغري لغوية من أجل التواصل مع اآلخرين‪.‬‬

‫ووفق هذا املنحى من التصور جند أن فتجنشتاين من خالل نظريته "ألعاب اللغة" قد حطم‬
‫القيود بني النشاط اللغوي واحلياة االجتماعية اليت متارس فيها عملية التواصل حيث حطم كل الرؤى‬
‫اليت كانت تنظر إىل اللغة على أهنا حساابت منطقية جتعل لكل كلمة يف اللغة معىن واحدا حمددا‪،‬‬
‫فقد جعل من اللغة جمموعة كلمات حاملة لعدة معاين تتمظهر من خالل استخداماتنا املتعددة وفق‬
‫سياقات حمددة ترد فيها(‪ )25‬ففهم اللفظ وإدراك معناه مرهون إبدراك استعماالته الفعلية ومدى‬
‫إدراك واستيعاب السياق الذي ورد فيه‪ ،‬وهذه دعوة صرحية إىل التحول عن النموذج البنيوي إىل‬
‫النموذج التداويل اإلستعمايل للغة‪ ،‬ومفاد هذا النموذج األخري عند فتجنشتاين أن وظيفة اللغة هي‬
‫االستعمال "فال نقول‪ :‬بدون اللغة ال ميكن إتصال الواحد منها ابآلخر‪،‬وإمنا نقول ابلتأكيد ‪ :‬بدون‬
‫اللغة ال ميكننا التأثري يف اآلخرين على هذا النحو أو ذاك‪ ،‬وال بناء الطرق وصناعة اآلالت وغري‬
‫ذلك‪ ،‬كما نقول كذلك ‪ :‬بدون استخدام الكالم والكتابة لن يستطيع الناس االتصال ببعضهم"(‪26‬‬
‫فوظيفة اللغة األساسية واحملورية هي التواصل كما هو معلوم وبديهي إىل جانب التفاهم مع اآلخرين‬
‫والتأثري فيهم‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫عزوز هواري‬

‫وميكن القول أن لنظرية "ألعاب اللغة" األثر الكبري يف ظهور نظرية أفعال الكالم للفيلسوف‬
‫األمريكي سريل‪. Searle‬‬
‫خالصة البحث‬
‫إن الولوج ألساسيات الدرس التداويل يف دراسة اللغة ال يتأتى اال ابلتعرف على املنبع األساسي‬
‫الذي احتضن اللغة ابلدراسة و التحليل انطالقا من الفلسفة التحليلية و وصوال اىل املناهج و العلوم‬
‫اليت احتضنت فلسفة اللغة و جعلتها أكثر وعي ابللغة و مبعرفة طبيعتها و قدرهتا على محل املعاين‬
‫وتغيري مفهومنا و تصوراتنا هلا و االنتقال من دراسة اللغة املثالية االصطناعية اىل دراسة اللغة العادية‬
‫‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫عنوان املقال‪ :‬اجلذور الفلسفية للتداولية‬

‫هوامش البحث ‪:‬‬


‫‪ 1‬فرانسواز أرمينكو املقاربة التداولية ترمجة سعيد علوش‪ ،‬مركز اإلمناء القومي‪ ،‬الرابط‪،1986 ،‬‬
‫ص ‪.7‬‬
‫‪ 2‬حممد مهران رشوان‪ ،‬دراسات يف فلسفة اللغة‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪ 3‬نفس املرجع‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪ 1‬ينظر نفس املرجع‪ ،‬ص ‪.13-12‬‬
‫‪ 5‬ينظر الزواوي بوغورة‪ ،‬الفلسفة واللغة‪ ،‬نقد املنعطف اللغوي يف الفلسفة املعاصرة‪ ، ،‬دار الطباعة‬
‫والنشر‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ، 2115‬ص ‪.212‬‬
‫‪ 6‬ينظر‪ :‬حممد مهران رشوان‪ ،‬دراسات يف فلسفة اللغة‪ ،‬ص ص ‪.11-13‬‬
‫‪ 7‬ينظر مسعود صحراوي التداولية عند العلماء العرب ‪،‬دراسة تداولية لظاهرة األفعال الكالمية يف‬
‫اللسان العريب ‪،‬دار الطليعة بريوت ص ص‪. 22- 21 -21‬‬
‫‪ 8‬ينظر نفس املرجع‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪ 9‬نفس املرجع‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪ 11‬نفس املرجع‪ ،‬ص ص ‪.23 ،22‬‬
‫‪ 11‬ينظر نفس املرجع‪ ،‬ص ‪.23‬‬
‫‪ 12‬زواوي بوغورة‪ ،‬الفلسفة واللغة‪ ،‬ص ‪.215‬‬
‫‪ 13‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.23‬‬
‫‪ 11‬ينظر حممد مهران رشوان‪ ،‬دراسات يف فلسفة اللغة‪ ،‬ص ‪.111‬‬
‫‪ 15‬ينظر‪ ،‬مسعود صحراوي‪ ،‬التداولية عند العلماء العرب‪ ،‬ص ‪.21‬‬
‫‪ 16‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.111-99‬‬
‫‪87‬‬
‫عزوز هواري‬

‫‪ 17‬ينظر‪ ،‬زواوي بوغورة‪ ،‬الفلسفة واللغة‪ ،‬ص ‪.195‬‬


‫‪ 18‬ينظر‪ ،‬نفس املرجع‪ ،‬ص ‪.197-196‬‬
‫‪ 21‬ينظر‪ :‬أوزوالدديكرو‪ ،‬جان ماري سشايفر‪ ،‬القاموس املوسوعي اجلديد لعلوم اللسان‪ ،‬ص ص‬
‫‪.219-218‬‬
‫‪ 21‬ينظر‪ :‬نفس املرجع‪ ،‬ص ‪.221‬‬
‫‪ 22‬ينظر‪ :‬زواوي بوغورة‪ ،‬الفلسفة واللغة‪ ،‬ص ‪.199-198‬‬
‫‪ 23‬نفس املرجع‪ ،‬ص ‪.211‬‬
‫‪ 21‬حممد مهران رشوان‪ ،‬دراسات يف فلسفة اللغة‪ ،‬ص ‪.112- 111‬‬
‫‪ 25‬سعيد بنكراد‪ ،‬السيميائيات مفاهيمها وتطبيقاهتا‪ ،‬مطبعة النجاح اجلديدة‪ ،‬ط‪،2113 ،11‬‬
‫الدار البيضاء‪ ،‬املغرب ص ‪.17‬‬
‫‪ 26‬ينظر حممد فهمي زيدان‪ ،‬يف فلسفة اللغة‪ ،‬ص‪ .57‬والزواوي بوغورة‪ ،‬الفلسفة واللغة‪ ،‬ص‬
‫‪111‬‬

‫‪88‬‬

You might also like