You are on page 1of 151

‫جميل حمداوي‬

‫مـفــاهــيـم الديـدكـتـيـك الــعـــامـــة‬

‫‪1‬‬
‫المؤلف‪ :‬جميل حمداوي‬
‫العنوان ‪ :‬مفاهيم الديدكتيك العامة‬
‫الطبعة األولى‪2018:‬م‬
‫حقوق الطبع محفوظة للمؤلف‬
‫منشورات حمداوي الثقافية‪ ،‬تطوان‪ ،‬الهاتف‪0672354338:‬‬
‫‪jamilhamdaoui@yahoo.fr‬‬
‫اإليداع القانوني‪:‬‬
‫ردمك‪:‬‬
‫‪2‬‬
‫اإلهـــــداء‬

‫أهدي هذا الكتاب إلى جميع الطلبة األساتذة الذين‬


‫كونتهم‪ ،‬والذين مازلت أكونهم بالمركز الجهوي‬
‫لمهن التربية والتكوين بالجهة الشرقية‪ ،‬فرع‬
‫الناظور‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫الفــهــــرس‬
‫اإلهــــــداء‬
‫الفهرس ‪4..............................................................................‬‬
‫المقدمـــة ‪5............................................................................‬‬
‫المبحث األول‪ :‬المفهوم ‪7 .........................................................‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التمثالت‪11........................................................‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬المثلث البيداغوجي‪22............................................‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬الوساطة الديدكتيكية‪25..........................................‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬التعاقد الديدكتيكي‪29..........................................‬‬
‫المبحث السادس‪ :‬النقل الديدكتيكي‪35 ...........................................‬‬
‫المبحث السابع‪ :‬الفضاء الديدكتيكي‪38 ..........................................‬‬
‫المبحث الثامن‪ :‬الصراع السوسيو‪ -‬معرفي‪40..................................‬‬
‫المبحث التاسع‪ :‬الخريطة الذهنية‪43..............................................‬‬
‫المبحث العاشر‪ :‬السيناريو البيداغوجي‪49.......................................‬‬
‫المبحث الحادي عشر‪ :‬التقطيع الديدكتيكي‪54...................................‬‬
‫المبحث الثاني عشر‪ :‬النموذج الديدكتيكي‪55....................................‬‬
‫المبحث الثالث عشر‪ :‬الوضعية الديدكتيكية‪59..................................‬‬
‫المبحث الرابع عشر‪ :‬التعلم ونظرياته‪76........................................‬‬
‫الخاتمــــة‪132........................................................................‬‬
‫ثبت المصادر والمراجع‪134.......................................................‬‬

‫‪4‬‬
‫المقدمــــة‬
‫يتناول هذا الكتاب مجموعة من الدروس والمحاضرات التي تندرج ضمن‬
‫مادة الديدكتيك‪ ،‬أو مادة التربية الخاصة‪.‬ومن ثم‪ ،‬يتوجه الكتاب إلى‬
‫المكونين واألساتذة والطلبة المهتمين بقضايا التربية والتعليم بصفة خاصة‪.‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬يجمع هذا الكتاب التربوي المبسط والميسر مجموعة من المفاهيم‬
‫والمصطلحات المتعلقة بالديدكتيك‪ ،‬أو علم التدريس‪ ،‬أو فن التعليم‪ .‬ويعني‬
‫هذا أن الكتاب تعريف مجمل بمفاهيم علم الديدكتيك المتعددة والمتنوعة‪،‬‬
‫ورصد مختلف تصوراتها النظرية والتطبيقية‪ ،‬بالتوقف عند تمفصالتها‬
‫العلمية والمرجعية‪ ،‬والتركيز على أسسها الفكرية واإلجرائية ‪ ،‬ودراسة‬
‫مدلوالتها المتنوعة و المتشعبة‪ ،‬واستكشاف قضاياها المختلفة‪ ،‬واستقصاء‬
‫مرجعياتها التاريخية والمعرفية والسياقية‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فلقد انصب كتابنا هذا على تناول مجموعة من المفاهيم‬
‫الديدكتيكية العامة كمفهوم المفهوم‪ ،‬ومفهوم التعلم‪ ،‬ومفهوم الوضعية‪،‬‬
‫ومفهوم العائق‪ ،‬ومفهوم الوساطة‪ ،‬ومفهوم الفضاء الديدكتيكي‪ ،‬ومفهوم‬
‫التقطيع الديدكتيكي‪ ،‬ومفهوم السيناريو البيداغوجي‪ ،‬ومفهوم النموذج‬
‫التربوي‪ ،‬ومفهوم التعاقد الديدكتيكي‪ ،‬ومفهوم الصراع السوسيو‪ -‬معرفي‪،‬‬
‫ومفهوم المثلث الديدكتيكي‪ ،‬ومفهوم التمثالت الديدكتيكية‪...‬‬
‫وقد توسلنا‪ ،‬في كتابنا اإلبستمولوجي هذا ‪ ،‬بلغة عربية سهلة ومبسطة‬
‫وواضحة‪ ،‬مع االبتعاد قدر اإلمكان عن الحشو واإلطناب وركاكة اللغة‬
‫من أجل أن يستفيد منه الجميع‪.‬لذلك‪ ،‬قسمناه إلى مجموعة من المباحث‬
‫المترابطة لتسهيل عملية التنقيب والبحث واالستكشاف على الدارسين‬
‫والمدرسين والباحثين والطلبة على حد سواء‪ ،‬والسيما الذين يسعون‬
‫جادين إلى تجميع المعلومات والبيانات والمعطيات التي تتعلق بمفاهيم‬
‫الديدكتيك العامة‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫وفي األخير‪ ،‬أسأل هللا عز وجل أن يلقى هذا الكتااب المتواضاع استحساانا‬
‫لدى المتلقي‪ .‬وأشكر هللا وأحمده على علماه ونعماه وفضاا له الكثيار التاي‬
‫ال تعد وال تحصى‪ .‬وهللا ولي التوفيق‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫توطئة البد منها‪:‬‬
‫يشتمل علم الديدكتيك (‪ ،)Didactique‬أو التربية الخاصة‪ ،‬أو العملية‬
‫التعليمية‪-‬التعلمية على مجموعة من المفاهيم والتصورات والدوال‬
‫األساسية التي تسعف الباحث في بناء معرفته في مجال التدريس والتكوين‬
‫والتعليم‪.‬ومن ثم‪ ،‬فهناك مجموعة من المفاهيم الديدكتيكية الرئيسة التي‬
‫اليمكن أن يستغني عنها الباحث التربوي في تناول القضايا والمواضيع‬
‫والظواهر الديدكتيكية‪ .‬ومن بين هذه المفاهيم التي ينبغي التوقف عندها‬
‫المفاهيم التالية‪:‬‬

‫المبحث األول‪ :‬مفهوم المفهوم‬


‫يشتق المفهوم(‪ ،)Compréhension/Concept‬في اللغة العربية‪ ،‬من‬
‫فعل فهم ومشتقاته‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فهو اسم مفعول يدل على المعرفة‪ ،‬والعقل‪،‬‬
‫والعلم‪ ،‬واإلدراك‪ ،‬والتصور‪ ،‬واالستيعاب‪ ...‬ويعني هذا أن المفهوم هو‬
‫الحد أو المعنى المجرد‪ ،‬أو هو عبارة عن فكرة عامة‪ ،‬أو مجموع الصفات‬
‫والخصائص الموضحة لمعنى كلي‪ .‬ويقصد بمفهوم الشيء‪ ،‬في المعرفة‬
‫العلمية‪ ،‬ما يفهم ويدرك بالعقل‪ ،‬وليس بالحواس المادية المباشرة‪ .‬ويقابله‬
‫في المنطق ما يسمى بالماصدق‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فالمفهوم عبارة عن آلية ذهنية مجردة إلدراك المدلوالت‪.‬ومن‬
‫ثم‪ ،‬يمثل الخصائص والثوابت األساسية التي يتسم بها الشيء‪ .‬وتتكون‬
‫المفاهيم ضمن إطار التجريد والتعميم من جهة‪ ،‬ونتيجة التحوالت التي‬
‫تطرأ على األفكار القائمة من جهة أخرى‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬فالمفهوم هو‬
‫عبارة عن دال مجرد ‪ ،‬وبمثابة تصور منطقي عام‪ ،‬يحيل على مجموعة‬
‫من المضامين والمدلوالت الذهنية أو المرجعية التي تسمى بالماصدق‬
‫تضمنا‪ ،‬وشموال‪ ،‬وإحالة‪ ،‬ومرجعا‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫ويستند المفهوم إلى مجموعة من الخصائص والمميزات التي تفرده عن‬
‫باقي الدوال والتصورات األخرى‪ ،‬ويمكن تحديدها فيما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬التجريد‪ :‬هو أن يقوم الذهن بإدراك الخصا ص الثابتة المشتركة بين‬
‫طا فة من األشياء‪ ،‬أو عبار عن تصور أو تمثل مجرد عام‪ .‬وهو يشتمل‬
‫على عدد معين من الصفات المستخلصة أو المجرد من تمثل‪.‬أي‪:‬‬
‫الصفات التي يتشرك فيها مجموعة من أفراد العينة الواحد أو جنس‬
‫واحد عام‪ .‬فمفهوم القلم يتضمن مجموعة من الصفات ككونه مصنوعا‬
‫من ماد البالستيك مثال‪ ،‬ومنتهيا بريشة ثابتة‪ ،‬ومشتمال على مستودع‬
‫الحبر‪ .‬وتستخلص هذه المواصفات من مجموعة من أقالم الحبر‬
‫المعروفة‪.‬‬
‫إذاً‪ ،‬يمثل المفهوم ف ة من األشياء تشترك في هذه الصفات والخصا ص‬
‫والقواسم المشتركة‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فالمفهوم عبار عن تصور‬
‫(‪ )Compréhension ou Connotation‬يطلق على مجموع الصفات‬
‫التي يجمع بينها التصور‪.‬أما ماصدق)‪ (Extension‬التصور‪ ،‬فهو‬
‫مجموع األفراد الذين يصدق عليهم‪.‬والتصور عالقة بين ما صدق‬
‫ومفهوم‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فالمفهوم عبار عن صفات ودوال ذهنية مجرد‬
‫تنطبق على مجموعة من األشياء واألفراد والكا نات الحية والجامد ‪.1‬‬
‫‪ ‬التعميم‪ :‬يقصد به تطبيق المفهوم على كل األفراد التي تشترك في‬
‫الخصا ص نفسها‪.‬‬
‫‪ ‬التضمن‪ :‬هو مجموعة الصفات والخصائص التي تعيين معنيى الحيد أو‬
‫المفهييوم‪ ،‬وتكشييف محتييواه ومضييمونه‪.‬وللتمثيل‪ ،‬فكلميية إنسييان حييد‪ ،‬أو اسييم‬
‫كليييي‪ ،‬أو مفهيييوم يتضيييمن عيييدة معييياني قائمييية فيييي اليييذهن‪ :‬حييييوان نييياطق‪،‬‬
‫اجتماعي‪ ،‬تقني‪ ،‬إلخ‪ ...‬أميا الشيمول‪ ،‬فهيو مجموعية األفيراد التيي يمكين أن‬
‫‪ - 1‬بول موي‪ :‬المنطق وفلسفة العلوم‪ ،‬ترجمة‪ :‬فؤاد حسن زكريا‪ ،‬دار نهضة مصر‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص‪.31 :‬‬
‫‪8‬‬
‫يصدق عليها الحد أو االسم الكلي طبقا للصورة التيي حيددنا بهيا مضيمونه‪،‬‬
‫فإذا كان التضمن يتعلق بالصيفات‪ ،‬فيإن الشيمول هيو طائفية األفيراد كعليي‪،‬‬
‫وعثمييان‪ ،‬ومصييطفى‪ ،‬ومحمييد‪ ،‬وزهير‪...‬ويسييمى الشييمول عنييد المناطقيية‬
‫بالماصدق‪.2‬‬
‫‪ ‬الخاصية الذهنية‪ :‬ويعني هذا أن الذهن يقوم بتجريد المفاهيم والمعاني‪.‬‬
‫‪ ‬خاصية التصور‪:‬ويقصد بالتصورات تلك األلفاظ أو المعاني والمفاهيم‬
‫العامة‪ 3‬التي يجري عليها االستدالل‪ ،‬مثل‪ :‬إنسان‪ ،‬ومحفظة‪ ،‬وكرسي‪،‬‬
‫وتلميذ‪ ،‬وفان‪...‬ومن هنا‪ ،‬فالتصورات‪ ،‬سواء أكانت بسيطة أم مركبة‪ ،‬هي‬
‫التي نعبر عنها في اللغة باأللفاظ‪ ،‬وفي المنطق بالحدود‪ ،‬فكل لفظ يدل على‬
‫معنى محدد‪.‬وإذا كانت التصورات نتاج عالم المثل حسب أفالطون‪ ،‬فإنها‬
‫مرتبطة‪ ،‬عند أرسطو‪ ،‬بالواقع المحسوس؛ حيث ينتجها العقل اإلنساني‬
‫عبر عمليتين عقليتين هما‪ :‬التجريد والتعميم‪( 4‬مثل‪ :‬اإلنسان عاقل‬
‫وناطق)‪.‬‬
‫إذاً‪ ،‬تتحييدد المفيياهيم‪ 5‬والحييدود بتبيييان العييرل ميين الثابييت‪ ،‬ويكييون ذلييك‬
‫بيييالتعريف الجيييامع الميييانع‪ .‬والينصيييب التعرييييف إال عليييى األسيييماء الكليييية‬
‫كإنسان‪ ،‬وحديد‪ ،‬وشيجر‪....‬أما األسيماء الجزئيية ‪ ،‬فالتيدل إال عليى موجيود‬
‫مفرد ومشخص‪ ،‬كعثمان‪ ،‬وعلي‪ ،‬ومحمد‪...‬‬

‫‪- 2‬الماصدق(‪ )L’éxtension‬هم األفراد الذين يصدق عليهم التضمن‪ ،‬أو هو كل ما ينطبق‬
‫عليه المفهوم‪ ،‬تاليا هو الفرد أو مجموعة األفراد أو الجزئيات التي يصدق عليها المفهوم‬
‫(اللفظ)‪.‬وللتمثيل‪ :‬ماصدق لفظ معدن‪ :‬الفضة‪ ،‬والذهب‪ ،‬والحديد‪ ،‬والنحاس‪ ،‬والرصاص‪،‬‬
‫والقصدير‪...‬وتدل ما على الذي‪ ،‬وصدق على كلمة تدل‪.‬‬
‫وماصدق لفظ حيوان‪ :‬اإلنسان‪ ،‬الطير‪ ،‬الزواحف‪ ،‬النمر‪...‬‬
‫‪- 3‬المفهوم تصور مشترك ينطبق على عدد غير معين من األفراد والصور‪.‬‬
‫‪ - 4‬التجريد هو أن يقوم الذهن بإدراك الخصائص الثابتة المشتركة بين طائفة من األشياء‪.‬في‬
‫حين‪ ،‬يقصد بالتعميم تطبيق المفهوم على كل األفراد التي تشترك في الخصائص نفسها‪.‬‬
‫‪ - 5‬المفهوم (‪ )Compréhension‬هو مايدركه العقل من حقائق األشياء‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫وعليه‪ ،‬فالمفهوم هو ما يدركه العقل من حقائق األشياء‪ .‬وهو أيضا تصور‬
‫مشترك ينطبق على عدد غير معين من األفراد والصور‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬يعني المصطلح (‪ )Terme‬ذلك المعنى المشترك‪ ،‬وهو‬
‫جزء من المفهوم‪ .‬ويتميز بطابعه االتفاقي الخاص الذي يتغير من كينونة‬
‫بشرية ومجتمعية إلى أخرى‪ .‬ويعني هذا أن المصطلح خاضع للعالقة‬
‫االعتباطية بين الدال والمدلول‪ .‬وهو كذلك بمثابة المفاتيح واألدوات‬
‫العلمية اإلجرائية التي يستعين بها الباحث لتفكيك موضوع ما أو بنائه من‬
‫جديد‪.‬‬
‫وإذا كانت المفاهيم عامة ومجردة‪ ،‬فإن المصطلحات خاصة وقابلة للتمثل‬
‫والتطبيق واالستيعاب بسرعة‪ .‬وللمصطلح وظائف رئيسة كتوصيف العلم‬
‫ونقله وتأسيسه‪ .‬ولكل لعلم مصطلحاته الخاصة ‪.‬‬
‫أما فيما يخص التعريف‪ ،‬فهو مصطلح منطقي ذهني يقوم على الفصل‬
‫والنوع‪ .‬فعندما نقول‪ :‬اإلنسان حيوان ناطق‪ ،‬فلقد جئنا بصفة مانعة وهي‬
‫النطق التي التتوفر في الحيوان‪ ،‬ويسمى هذا بالفصل‪.‬وقد يتوفر النوع‬
‫على بعض الصفات التي التدخل في جوهر اإلنسان ‪ ،‬واليوصف بها‪،‬‬
‫فالتخرج عن أن تكون خاصة به كالضحك‪ ،‬أو من األعراض العامة التي‬
‫يشترك فيها اإلنسان مع غيره كالمشي واألكل وما إلى ذلك ‪ ،‬واليعتد بها‬
‫كثيرا في تعريف األشياء تعريفا تاما‪ ،‬فالتعريف التام عند األرسطيين اليتم‬
‫إال بالجنس والفصل‪.‬‬
‫ويسمى االسم الكلي القابل للتعريف عند المناطقة نوعا‪ ،‬وهو معنى عيام أو‬
‫حقيقيية واحييدة مشييتركة تنطبييق علييى أفييراد يختلفييون عيين بعضييهم بييذواتهم‪،‬‬
‫مثييل‪ :‬اإلنسييان‪ .‬وعنييدما نقييول‪ :‬اإلنسييان حيييوان ‪ ،‬فقييد انتقلنييا إلييى معيييار‬
‫الجنس‪.‬وفي هذا ‪ ،‬يتشترك اإلنسان مع القردة‪ ،‬والنمل ‪ ،‬والطيور‪...‬‬

‫‪10‬‬
‫ويسيييمى الجننننس والننننوع والفصنننل والخاصنننة والعنننرض العنننام بالكلييييات‬
‫الخميييس‪ ،‬أو المحميييوالت الخمس‪.‬ويتمثيييل اليييذاتي فيييي النيييوع‪ ،‬والجييينس‪،‬‬
‫والفصل‪.‬أما العرل‪ ،‬فيتمثل في الخاصة والعرل العام‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬مفهوم التمثالت‬


‫يعد مفهوم التمثالت (‪ )Représentations‬من أهم المفاهيم المعتمدة في‬
‫مجموعة من العلوم والمعارف‪ ،‬كعلم االجتماع‪ ،‬وعلم النفس‪ ،‬وعلم النفس‬
‫االجتماعي‪ ،‬وعلم الثقافة‪ ،‬والبيداغوجيا‪ ،‬والديدكتيك‪ ...‬ويعني هذا كله أن‬
‫دالالت هذا المفهوم تختلف من حقل معرفي إلى آخر‪ ،‬وإن كان هذا‬
‫المفهوم قد ارتبط في البداية بعلم النفس االجتماعي‪ .‬ويعني هذا المفهوم أن‬
‫" التمثل االجتماعي نمط خاص من المعارف حول الواقع تتقاسمه طائفة‬
‫من األفراد‪ ،‬ويتم إعداده وبناؤه جماعيا‪ .‬وهو نشاط ذهني يتميز بكونه‬
‫متنضمن لعملية إعادة إنتاج لخصائص موضوع معين والذي يتم على‬
‫مستوى عيني‪ ،‬وهو من حيث كونه بناء الواقع وإعادة اإلنتاج‪ ،‬فإنه يبدو‬
‫بمثابة إدراك‪.‬لذا‪ ،‬فالتمثيل االجتماعي بهذا المعنى يعكس سيرورة تدبير‬
‫إدراكي وذهني للواقع‪ ،‬والتي تحول الموضوعات االجتماعية (األشخاص‪،‬‬
‫الحاالت‪ ،‬األشياء‪ ،‬المواقف‪ )..‬إلى مقوالت رمزية ( معتقدات‪ ،‬قيم‪،‬‬
‫إيديولوجية‪ )...‬وتضفي عليها وضعا معرفيا يسمح بفهم مظاهر الحياة‬
‫‪6‬‬
‫العادية‪".‬‬
‫ويعني هذا كله أن ثمة تمثالت اجتماعية‪ ،‬وتمثالت ثقافية‪ ،‬وتمثالت نفسية‪،‬‬
‫وتمثالت تربوية‪ ،‬وتمثالت علمية‪...‬ينطلق منها الفرد في إدراك الذات‬
‫والعالم الخارجي على حد سواء‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬السياق النظري لمفهوم التمثالت‬

‫‪ - 6‬ابن يعيش محمد‪ :‬مفاهيم أساسية في علم النفس االجتماعي‪ ،‬مطبعة تطوان‪ ،‬المغرب‪،‬‬
‫الطبعة األولى سنة ‪2015‬م‪ ،‬ص‪.231:‬‬
‫‪11‬‬
‫كان الباحث السوسيولوجي إميل دوركايم (‪ )Émile Durkheim‬سباقا‬
‫إلى استعمال مفهوم التمثالت االجتماعية‪ ،7‬وبالضبط عند حديثه عن‬
‫التنشئة االجتماعية والتربية األخالقية‪ ،‬وقد استعمله أيضا السوسيولوجي‬
‫سيرج موسكوفيتشي (‪ )Serge Moscovici‬سنة ‪1961‬م في كتابه‬
‫(التحليل النفسي‪ :‬صورته وجمهوره)‪ .8‬بيد أن جان بياجيه ( ‪Jean‬‬
‫‪ )Piaget‬قد وظفه بكثرة في الحقلين السيكولوجي والتربوي ضمن‬
‫تصوره المتعلق بالبنيوية التكوينية‪.9‬‬
‫وبعد ذلك‪ ،‬استعمله كثير من الباحثين في مجالي التربية والتدريس‪ ،‬إما‬
‫بطريقة مختصرة مختزلة‪ ،‬وإما بطريقة مفصلة مسهبة‪ ،‬وإن تنظيرا‪ ،‬وإن‬
‫تطبيقا‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬مفهوم التمثالت‬
‫تعني التمثالت تلك المعارف العامية العادية التي يكتسبها الفرد ‪ ،‬وهو‬
‫يتكيف مع الطبيعة ويتأقلم معها للتعلم منها‪ .‬ومن ثم‪ ،‬تتقابل التمثالت مع‬
‫المعرفة العلمية اليقينية‪ .‬وإذا كانت التمثالت قائمة على الظن والتخمين‬
‫واالحتمال وبادىء الظن‪ ،‬فإن المعرفة العلمية يقينية قائمة على التجريب‬
‫والبرهان واالستدالل‪.‬‬
‫وتتحقق التمثالت عبر التشكيل والفنون الجميلة واألعمال اليدوية‪ ،‬ومن‬
‫خالل الصور واأليقونات السيميائية والمشخصة‪ ،‬و بتجريد المدركات‬
‫الحسية‪ .‬وتتحول اللغة واألشياء معا إلى صور وتمثالت مجردة افتراضية‪،‬‬
‫يلتقطها الذهن البشري أو العقل المعرفي ليحولها إلى صور مفهومة‬
‫‪7‬‬
‫; ‪- Durkheim, L’éducation morale, 1902-1903, PUF, nouv.éd.1963‬‬
‫‪Éducation et sociologie, 1922. PUF, nouv.éd.1966.‬‬
‫‪8‬‬
‫‪-Moscovici S., 1961, la psychanalyse, son image et son public.‬‬
‫‪Presse Universitaire de France : Paris.‬‬
‫‪9‬‬
‫‪-Piaget, J. (1996). Le structuralisme. Paris : Presses universitaires de‬‬
‫‪France.‬‬
‫‪12‬‬
‫ومعلومات ومعارف وبيانات متنوعة أو واضحة‪ ،‬يخزنها الدماغ البشري‬
‫في الذاكرة‪ ،‬أو يخضعها لإلدراك‪ ،‬والوعي‪ ،‬والتفسير‪ ،‬والتحليل‪،‬‬
‫والمعالجة المعرفية‪.‬‬
‫ويدل التمثل‪ ،‬في المعنى السيكولوجي‪ " ،10‬على استحضار موضوع‬
‫غائب إلى الذهن‪ ،‬موضوع غير واقعي أو يتعذر إدراكه بكيفية مباشرة ‪،‬‬
‫ولكن وعيه أو تصوره ذهنيا ممكن‪ ،‬وقد يشمل التمثل عدة صور‪.‬وهو‬
‫كالصورة يمكن تركيبه بواسطة الفاعلية الذهنية‪.‬كما يمكنه أن يستدعي‬
‫موضوعا غائبا‪...‬ورغم أن هذا المفهوم يستخدم في عدة علوم فإنها تكاد‬
‫تتفق على اعتباره نتاج عملية تفاعل بين المعطى النفسي والمعطى‬
‫االجتماعي‪ ،‬سواء تعلق األمر بتمثل الذات أو الموضوع أو تمثل اآلخر‪،‬‬
‫كما تتفق مختلف الدراسات على اعتبار أن التمثل يقوم بدور الوسيط‬
‫(‪ )Médiateur‬في التفاعالت التي تتم على مستوى الفرد صورة الذات أو‬
‫على مستوى التفاعل بين األفراد أو بين الجماعات االجتماعية أو على‬
‫مستوى المجتمع بشكل عام‪.‬‬
‫ويعد التمثل أحد الميكانيزمات التي تساعد الفرد على التكيف والتواصل‬
‫مع جماعته المرجعية‪.‬لذلك قد تكون بعض التمثالت الشائعة في الثقافة‬
‫‪11‬‬
‫التي تتداولها وسائل اإلعالم وسيلة من وسائل ربط الفرد بجماعته‪"...‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ " ،‬يعتمد التمثل باعتباره عملية ذهنية تركيبية‪ -‬على‬
‫جهاز نفسي بشري يستمد معطياته من الواقع انطالقا من المعلومات التي‬
‫يتلقاها الفرد من عدة مصادر كالحواس والخبرات التي تجتمع لديه‬

‫‪10‬‬
‫‪-Denis, M. (1999). Représentation mentale. In H. Bloch, R.‬‬
‫‪Chemana, E. Depet, A. Gallo, P. Lecomte, J.-F. Le Ny, J. Postel et M.‬‬
‫‪Reuchlin (dir.), Grand dictionnaire de la psychologie (p. 779-780).‬‬
‫‪Paris : Larousse-Bordas.‬‬
‫‪ - 11‬أحمد أوزي‪ :‬المعجم الموسوعي لعلوم التربية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬
‫الطبعة األولى سنة ‪2006‬م‪ ،‬ص‪.114-113:‬‬
‫‪13‬‬
‫وتختزنها ذاكرته‪ ،‬ومن المعلومات التي يستقيها عن طريق العالقات التي‬
‫يربطها بغيره من األفراد أو الجماعات‪.‬ومجموع هذه المعلومات أو‬
‫الخبرات تصنف وتنظم في شكل نسق ذهني عام ومتماسك بكيفية تسمح‬
‫للفرد فهم العالم المحيط به أو أحد محتوياته‪ ،‬مما يجعل الفرد قادرا على‬
‫التأثير فيه والتكيف معه‪.‬ومهما كان نصيب التمثل من الصحة أو الخطأ‬
‫فهو يتم وفق تشكالت نفسية واجتماعية محددة التنفصل عن‬
‫بعضها‪.‬والتمثل يشمل ظاهرتين سيكولوجيتين هما مضمون الفاعلية‬
‫الذهنية من جهة‪ ،‬والعمليات الذهنية الخاصة المرتبطة بهذه الفعالية من‬
‫‪12‬‬
‫جهة ثانية‪"...‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فالتمثالت عبارة عن قيم ومعتقدات وأفكار ومفاهيم وصور‬
‫وخلفيات وإحاالت يؤمن بها الفرد تمثال واقتناعا وتطبيقا‪ ،‬بترسيخها‬
‫وتخزينها شعوريا والشعوريا‪ ،‬مع توظيفها في الوقت المالئم لالنفتاح على‬
‫الذات من جهة‪ ،‬أو فهم الواقع الخارجي الموضوعي من جهة أخرى‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬مكونات التمثالت‬
‫يستند التمثل (‪ )Représentation‬إلى مكونات ثالثة ‪ ،‬يمكن حصرها‬
‫فيما يلي‪:‬‬
‫‪‬عملية التمثل نفسها التي تتمثل في الكتابة واستخدام الرموز والصيغ‬
‫اللفظية في ترجمة التمثالت واستعمالها وتمثلها ‪ ،‬والتعبير عن المدركات‬
‫الذهنية ‪ ،‬وتحويلها إلى معارف حسية؛‬
‫‪‬الموضوع المتمثل (‪ ،)Représenté‬ويكون باستحضار الذات‬
‫واألشياء والموضوعات المدركة‪ ،‬وتحويلها إلى قوالب معرفية ومدركات‬
‫مفهومة يمكن التعبير عنها أو استعمالها؛‬

‫‪ - 12‬أحمد أوزي‪ :‬المعجم الموسوعي لعلوم التربية‪ ،‬ص‪.114 :‬‬


‫‪14‬‬
‫‪‬العالقة التمثلية(‪ ،)Relation de représentation‬وهي تلك‬
‫العالقة التي تجمع بين عملية التمثل نفسها والموضوع المتمثل‪.‬‬
‫إذاً‪ ،‬هناك عوالم ثالثة تتعلق بعملية التمثل‪ :‬عالم الشخص المتمثل (بكسر‬
‫الثاء)‪ ،‬والعالم المتمثل(بفتح الثاء)‪ ،‬والعالقة التمثلية التي تجمع بينهما‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فالتمثل عبارة عن عملية ذهنية وعقلية ومنطقية تندرج ضمن‬
‫علم النفس المعرفي‪ .‬ولهذا المفهوم عالقة وطيدة ووثيقة بعملية التعلم‬
‫واالكتساب واالستحضار واإلدماج‪.‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬أنواع التمثالت‬
‫يمكن الحديث عن أنواع عدة من التمثالت ‪ ،‬مثل‪ :‬التمثالت الفطرية‬
‫الوراثية‪ ،‬والتمثالت المكتسبة من الواقع والتجربة‪ .‬فضال عن التمثالت‬
‫القبلية واآلنية والبعدية‪ .‬وهناك أيضا التمثالت االجتماعية‪ ،‬والتمثالت‬
‫النفسية‪ ،‬والتمثالت الثقافية‪ ،‬والتمثالت العلمية‪ ،‬والتمثالت البيداغوجية‪،‬‬
‫والتمثالت الديدكتيكية‪ ،‬والتمثالت القيمية‪ ،‬إلخ‪...‬‬
‫وثمة تمثالت صورية تتعلق بالمورفولوجيا كالشكل‪ ،‬والحجم‪ ،‬والبنية‪...‬؛‬
‫وتمثالت مفهومية مرتبطة باللغة واللفظ كالسعادة‪ ،‬والحق‪ ،‬والعدالة‪...،‬؛‬
‫وتمثالت عملية إنجازية تسعفنا في مواجهة وضعيات مهنية عملية؛‬
‫وتمثالت تتعلق بأشياء لم يسبق لنا إدراكها؛ وتمثالت ترتبط بأشياء مدركة‬
‫قبليا‪...‬‬
‫المطلب الخامس‪ :‬التمثالت الديدكتيكية‬
‫تعني التمثالت الديدكتيكية استحضار المتعلم لمجموعة من األشياء‬
‫والمواضيع من جديد في أثناء مواجهة الوضعيات التعلمية الصعبة‬
‫والمعقدة والمركبة (‪ ،)Représenter‬أو االستعانة بها وتمثلها تطبيقيا في‬
‫حل المسائل التي تقدم للمتعلم بصفة خاصة‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فلقد أصبح مفهوم التمثل من اآلليات الجوهرية التي يعتمد عليها‬
‫علم الديدكتيك‪ ،‬على أساس أن المتعلم يتعلم بالتمثالت التي تتحقق عنده بما‬
‫اكتسبه من موارد ومواقف وقدرات وكفايات ودرايات ومهارات سابقة‬
‫بغية استضمارها واستدماجها في أثناء تواجده أمام وضعيات صعبة‬
‫تتطلب منه أن يجد لها حال مالئما‪ .13‬و يدل توظيف المتعلم لتمثالته‬
‫الصحيحة على مدى كفاءته وصحة مؤهالته‪ .‬ومن هنا‪ ،‬تقوم التمثالت‬
‫بدور الوساطة في التعلم واالكتساب وتحصيل الكفايات والقدرات التعلمية‪.‬‬
‫فضال عن دور المماثلة والتكيف والتأقلم مع البيئة أو المحيط التعلمي عن‬
‫طريق المالءمة والمشابهة واالستيعاب والتمثل والمواجهة المعرفية‪.‬‬
‫عالوة على ذلك‪ ،‬تعني التمثالت مواضيع التعلم واالكتساب الذهني‪ ،‬أو‬
‫هي بمثابة وسائل التعلم واكتساب المعرفة‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فالتمثالت من آليات‬
‫التعليم والتعلم في آن معا‪ .‬وتعد التمثالت بالنسبة للمدرس وسيلة لتحليل‬
‫الواقع الصفي للمتعلمين من أجل بناء التعلمات وتدبيرها وتقويمها‪ .‬وقد‬
‫يكون التمثل باستحضار مواضيع وأشياء غائبة‪ ،‬وقد يكون أيضا بإدراك‬
‫مواضيع حاضرة باستحضار أشياء غير حاضرة ‪ .‬وقد أثبت جان ميني‬
‫(‪ )Jean Migne‬ضرورة " انطالق التعليم من تمثالت التالميذ باعتبارها‬
‫تصورات قبلية حول مختلف موضوعات المعرفة (‪ )...‬وضرورة تغيير‬
‫دور األستاذ من مرسل للمعارف إلى منشط للمجموعة التي تتكون منه‬
‫‪14‬‬
‫ومن تالميذه‪".‬‬

‫‪13‬‬
‫‪- Sarrazy, B. (2002). Représentation versus modèle implicite dans‬‬
‫‪l’analyse des phénomènes d’enseignement : analyse didactique et‬‬
‫‪épistémologique des enjeux praxéologiques de cette distinction. In J.‬‬
‫‪Ardoino et G. Mialaret (dir.), L’année de la recherche en sciences de‬‬
‫‪l’éducation 2002. Des représentations (p. 91-125). Vauchrétien :‬‬
‫‪Presses de La Botellerie.‬‬
‫‪ - 14‬العربي اسليماني‪ :‬المعين في التربية‪ ،‬المطبعة والوراقة الوطنية‪ ،‬مراكش‪ ،‬المغرب‪،‬‬
‫الطبعة األولى سنة ‪2018‬م‪ ،‬ص‪.327:‬‬
‫‪16‬‬
‫وتعني التمثالت الديدكتيكية أيضا إدراك المعاني المجردة‪ ،‬ومواجهة‬
‫الوضعيات والمواقف الحياتية الصعبة والشائكة ‪.‬كما أنها عبارة عن‬
‫تصورات ذهنية وتعلمية حول شيء أو موضوع معين‪ .‬وبالتالي‪،‬‬
‫فالتمثالت هي تلك المعاني التي يخلقها العقل البشري من أجل إدراك العالم‬
‫الخارجي وتمثله‪ ،‬أو هي عبارة عن عمليات ذهنية يقوم بها العقل إلدراك‬
‫المعاني المجردة‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فالتمثالت عبارة عن صور ومواقف سلوكية‬
‫يتمثلها الفرد المتعلم في وضعيات معينة للمواجهة واالستجابة تجاه‬
‫مثيرات داخلية وخارجية في أثناء االحتكاك بالعالمين الداخلي والخارجي ‪.‬‬
‫وتعني التمثالت الديدكتيكية كذلك "مجموع المعارف والتصورات التي‬
‫يمتلكها المتعلم‪ ،‬في وقت محدد‪ ،‬حول األشياء واألحداث والقوانين‬
‫والمفاهيم‪.‬وتتكون بفعل تعلمات وخبرات سابقة مرتبطة أساسا بالمحيط‬
‫المباشر للطفل‪ ،‬ونتيجة للتفاعل المستمر مع محيطه الطبيعي‬
‫واالجتماعي‪.‬فهي بفعل ما يسمى بآلية الترسيخ ‪ ،‬تصبح جزءا من بنيته‬
‫الفكرية والذهنية والوجدانية والمهارية‪.‬‬
‫وتكون هذه البنية القاعدية سابقة لوضعية التعلم‪ ،‬ويمكن اعتبارها معارف‬
‫أولية‪ ،‬مهيكلة بشكل ما‪ ،‬وناتجة عن تصورات لواقع أو تجارب عاشها‬
‫الطفل أو خضع لها‪.‬فهي تمثل ما يمكن تسميته بالشعور معرفي‪.‬وبهذه‬
‫الصفة ‪ ،‬فهي التبرز إال تحت تأثير تحريضي ناتج عن وضعية مثيرة‪،‬‬
‫‪15‬‬
‫عفوية أو مفتعلة‪".‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فالتمثالت وسيلة من وسائل التعلم والتكوين واكتساب الخبرات‬
‫واستحضار األشياء من جديد ‪ .‬وقد تكون هذه التمثالت ذهنية وفطرية‬
‫ومكتسبة على حد سواء ‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فهي تلك الصور التي نسبغها على‬

‫‪ - 15‬التومي عبد الرحمن وملوك محمد‪ :‬المقاربة بالكفايات‪ :‬بناء المناهج وتخطيط‬
‫التعلمات‪ ،‬مطبوعات الهالل‪ ،‬وجدة‪ ،‬المغرب‪ ،‬طبعة ‪2006‬م‪ ،‬ص‪.87:‬‬
‫‪17‬‬
‫العالم الخارجي‪ ،‬بمختلف عناصره ومكوناته وفئاته‪ ،‬في شكل تصورات ‪،‬‬
‫وأفكار‪ ،‬ورموز‪ ،‬واتجاهات‪ ،‬وميول‪ ،‬ومواقف‪ ،‬وأحكام‪...16‬‬
‫وقد تعني التمثالت الديدكتيكية كذلك تحويل المدركات المجردة إلى‬
‫مدركات حسية ‪ ،‬والعكس صحيح أيضا‪ ،‬أو هي عبارة عن تلك الصورة‬
‫اإلدراكية التي يرسمها المتعلم للعالم الظاهر الذي يعيش فيه‪ ،‬وهو‬
‫مشخص أمام أعينه‪ .‬وغالبا‪ ،‬ما تكون تلك التمثالت عبارة عن حقائق‬
‫وأفكار غير مكتملة تحتاج إلى شرح‪ ،‬وتوضيح‪ ،‬وتحليل‪ ،‬وبرهان‪،‬‬
‫واستدالل‪...‬ومن هنا‪ ،‬فقد تكون التمثالت التي يدركها المتعلم حول الذات‬
‫أو المواضيع الخارجية إما تمثالت صحيحة ويقينية‪ ،‬وإما تمثالت زائفة‬
‫ومشوهة وغير حقيقية‪...‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬يتبين لنا أن التمثالت من آليات التعلم على مستوى السيكولوجيا‬
‫الذهنية أو المعرفية‪ .17‬وتعد أيضا بمثابة وساطة تعلمية تسعف المتعلم في‬
‫استحضار المكتسبات السابقة لمواجهة المواضيع الجديدة أو المواقف‬
‫الصعبة‪ .‬ويكتسب المتعلم هذه التمثالت من خبراته الذاتية‪ ،‬ومن محيطه‬
‫الخارجي ‪ ،‬ومن معرفته الخاصة‪ ،‬وثقافته المحلية‪ ،‬والوطنية‪ ،‬والقومية‪،‬‬
‫والكونية‪...‬‬
‫عالوة على ذلك‪ ،‬فاالنطالق من تمثالت المتعلمين "لبناء معارف ومفاهيم‬
‫جديدة أمر ضروري من الناحية البيداغوجية والديدكتيكية؛ ألنها تلقي‬
‫الضوء على طبيعة التصورات الذهنية القبلية لدى المتعلم‪ ،‬والتي تدخل في‬
‫‪16‬‬
‫‪-Janvier, C. (1994). Contextualisation et représentation dans‬‬
‫‪l’utilisation des mathématiques. In C. Garnier, N. Bednarz et I.‬‬
‫‪Ulanovskaya (dir.), Après Vygotski et Piaget : perspectives sociale et‬‬
‫‪constructiviste. Écoles russe et occidentale (p. 129-147). Bruxelles :‬‬
‫‪De Boeck.‬‬
‫‪17‬‬
‫‪-Goldin, G.A. et Janvier, C. (1998). Representations and the‬‬
‫‪psychology of mathematics education. The Journal of Mathematical‬‬
‫‪Behavior, 17(1), 5-24.‬‬
‫‪18‬‬
‫تفاعل مستمر خالل عملية بناء المفاهيم الجديدة‪.‬ويمكن أن تتخذ التمثالت‬
‫في سياق وضعية تعلمية أوضاعا مختلفة‪ ،‬فقد تكون صحيحة ‪ ،‬فتشكل‬
‫أساسا للمعرفة الجديدة‪ ،‬وفي هذه الحالة يتم تعزيزها وإغناؤها ودعمها‪،‬‬
‫وقد تكون خاطئة‪ ،‬فيتم تصحيحها وإعادة بنائها من أجل استيعابها وبناء‬
‫معرفة صحيحة منظمة ومدمجة في البنية المعرفية للمتعلم‪.‬ويمكن أن‬
‫تشكل عوائق كبيرة تحول دون فهم وضعية التعلم‪.‬وفي هذه الحالة ينبغي‬
‫‪18‬‬
‫تتبع تطورها وتغييرها كليا إلحداث قطيعة إبستمولوجية معها‪".‬‬
‫وللتمثالت أيضا دور إيجابي مهم ومثمر في تطوير مقاربة الكفايات‬
‫وإرساء بيداغوجيا اإلدماج؛ ألنها تساعد المتعلم على استحضار موارده‬
‫ومواقفه وقدراته وكفاياته ودراياته وتجاربه لمواجهة الوضعيات الصعبة‬
‫والمعقدة والمركبة التي يجابهها في حياته الدراسية أو الطبيعية أو المهنية‪.‬‬
‫وقد تسعف التمثالت المتعلم في بناء التعلمات من بداية الدرس حتى نهايته‪.‬‬
‫كما تقوم بدور تواصلي فعال داخل الفضاء الدراسي‪ ،‬قد تجعل المتعلم‬
‫يعدل تمثالته أو يصححها أو يقومها ذاتيا وجماعيا و تبادليا ‪.‬‬
‫المطلب السادس‪ :‬مواقف مختلفة من التمثالت‬
‫يمكن الحديث عن مواقف متباينة من التمثالت المعرفية والديدكتيكية‪.‬‬
‫فهناك من يعد التمثالت أداة إيجابية لبناء التعلمات الديدكتيكية كما عند جان‬
‫بياجيه)‪ (Piaget‬وإنهيلدر(‪ ،)Inhelder‬مثال‪ .19‬فمن خالل التمثالت‬
‫المتشابهة أو المستحضرة‪ ،‬يستطيع المتعلم التكيف مع المواقع أو المحيط‬
‫الخارجي باستحضار ما تعلمه واكتسبه من خبرات وتجارب ذاتية‬
‫وموضوعية‪ .‬والشيء نفسه نجده عند روجرز كزافيي ( ‪Xavier‬‬

‫‪ - 18‬عبد الرحمن التومي‪ :‬الجامع في ديدكتيك اللغة العربية‪ ،‬مطبعة المعارف‪ ،‬الرباط‪،‬‬
‫المغرب‪ ،‬الطبعة الثانية سنة ‪2016‬م‪ ،‬ص‪.21:‬‬
‫‪19‬‬
‫‪- Piaget et Inhelder .B (1948) : La représentation de l’espace chez‬‬
‫‪l’enfant, P.U.F, Paris.‬‬
‫‪19‬‬
‫‪ 20)Roegiers‬صاحب بيداغوجيا اإلدماج الذي يرى أن التمثالت تسعف‬
‫المتعلم في إدماج موارده المكتسبة لحل الوضعيات الصعبة والمعقدة‬
‫والمركبة‪ .‬ومن هنا‪ ،‬نقول‪ :‬إننا نتعلم من خالل تمثالتنا التي ترسخت في‬
‫أذهاننا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة‪ ،‬أو بطريقة واعية أو الشعورية‪.‬‬
‫وقد نتعلم انطالقا من تمثالتنا الفطرية والمكتسبة‪ ،‬أو بفضل تمثالتنا كما‬
‫يرى ذلك غانيي(‪.21)Gagné‬‬
‫وفي المقابل‪ ،‬هناك من يعدها عائقا إبستمولوجيا سلبيا كغاستون باشالر‬
‫(‪ ،)Gaston Bachelard‬على أساس أن المعرفة العلمية اليقينية‬
‫والحقيقية اليمكن إرساؤها إال بإحداث قطيعة إبستمولوجية مع التمثالت‬
‫والمعتقدات والمعارف السابقة الموروثة المبنية على الظن واالحتمال‬
‫والتخمين والشك‪ .‬وهكذا‪ ،‬يعد باشالر التمثالت الموروثة بمثابة عائق‬
‫معرفي‪ ،‬يمكن التخلص منه أيما تخلص من أجل تكوين معرفة علمية‬
‫صحيحة وبناءة‪ .‬فال يمكن ‪ -‬علميا‪ -‬بناء معارفنا واستدالالتنا واستقراءاتنا‬
‫وأقيستنا الرياضية والمنطقية والعلمية على مجموعة من اآلراء الشخصية‬
‫والتمثالت الواهية‪ ،‬والمعتقدات العامة أو الخاصة‪ ،‬أو االنطباعات‬
‫المشتركة والحدوس المشوهة؛ لكونها آراء ذاتية شخصية نابعة من‬
‫الوجدان والقلب والعاطفة‪ ،‬ومرتبطة بالمنافع البشرية والمصالح‬
‫اإليديولوجية‪ .‬بينما الحقيقة العلمية نموذج للمعرفة الموضوعية التي تقوم‬
‫على الحجاج االستداللي‪ ،‬والتماسك المنطقي ‪ ،‬والمعرفة الحقة ‪،‬‬
‫واالستنتاج المتماسك نظريا وتطبيقيا‪.‬وفي هذا‪ ،‬يقول باشالر‪ ":‬الرأي نوع‬
‫من التفكير السيئ‪ ،‬بل إنه ليس تفكيرا على اإلطالق‪.‬إنه يترجم الحاجات‬
‫إلى معارف من خالل تعيينه لألشياء وفق منفعتها‪ ،‬ومن ثم‪ ،‬يحرم نفسه‬
‫‪20‬‬
‫‪-ROEGIERS, X. Des situations pour intégrer les acquis.‬‬
‫‪Bruxelles : De Boeck Université.2003.‬‬
‫‪21‬‬
‫‪-Gagné R.M (1994) : les principes fondamentaux de‬‬
‫‪l’apprentissage : Application à l’enseignement, TRad par Robert‬‬
‫‪Brian et Raymond Paquin, HRW Ltés Montréal.‬‬
‫‪20‬‬
‫من معرفتها‪.‬إننا ال نستطيع أن نؤسس أي شيء كيفما كان انطالقا من‬
‫الرأي‪ .‬ولذلك‪ ،‬يجب القضاء عليه أوال‪ .‬إن التفكير العلمي يمنعنا من تكوين‬
‫رأي بخصوص مسائل ال نفهمها‪ ،‬أي بخصوص مسائل ال نعرف كيفية‬
‫صياغتها بشكل واضح‪ .‬إذ ينبغي في البداية معرفة كيفية طرح المشاكل‪.‬‬
‫وهذا المعنى الذي تتخذه المشكلة هو الذي يمنح العقل العلمي خاصيته‬
‫‪22‬‬
‫الحقيقية"‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬يرفض غاستون باشالر االعتماد على الرأي الشخصي والتمثالت‬
‫الموروثة؛ ألن ذلك ال يجدي‪ ،‬بأي حال من األحوال‪ ،‬في ميدان المعارف‬
‫العلمية‪ .‬لذلك‪ ،‬يستبدله بالحقيقة اليقينية القائمة على البرهان العقالني‬
‫نظرية وتطبيقا‪ .‬وما يريد أن يقوله باشالر ‪ ،‬فيما ذهب إليه من آراء‪ ،‬أننا‬
‫نتعلم ضد تمثالتنا‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬يمكن الحد من التمثالت الواهية العامية التي تسيء إلى‬
‫المعرفة العلمية الموضوعية ببيداغوجيا التعديل والتصويب والتصحيح ‪،‬‬
‫أو ببيداغوجيا اإللغاء والتشطيب والحذف‪.‬‬
‫ويمكن الحديث كذلك عن موقف وسطي ثالث‪ ،‬يعطي أهمية للتمثالت في‬
‫بناء المعرفة الديدكتيكية والتربوية‪ ،‬بشرط أن تكون موافقة لشروط‬
‫المعرفة العلمية الصحيحة ومواضعاتها الصارمة والدقيقة والمضبوطة‪.‬‬
‫وخالصة القول‪ ،‬يتبين لنا ‪ ،‬مما سبق ذكره‪ ،‬أن التمثل عملية عقلية وذهنية‬
‫ومعرفية‪ ،‬يستعين بها المتعلم إلدراك الذات والموضوع واآلخر‪ ،‬وتساعده‬
‫على التعلم بالوساطة وفق االستحضار المتشابه ‪ ، 23‬أو االستحضار‬
‫المتماثل‪ ،‬أو استحضار الغائب لمواجهة الجديد‪ .‬ومن ثم‪ ،‬تعد المقاربة‬
‫‪22‬‬
‫‪- Bachelard: la formation de l’esprit scientifique, ED.Vrin 1970,‬‬
‫‪pp: 13-14.‬‬
‫‪23‬‬
‫‪-Greer, B. et Harel, G. (1998). The role of isomorphisms in‬‬
‫‪mathematical‬‬ ‫‪cognition. The‬‬ ‫‪Journal‬‬ ‫‪of‬‬ ‫‪Mathematical‬‬
‫‪Behavior, 17(1), 5-24.‬‬
‫‪21‬‬
‫بالكفايات وبيداغوجيا اإلدماج من الطرائق التربوية التي تعتمد‪ ،‬بشكل‬
‫واضح ودقيق‪ ،‬على مفهوم التمثالت في إرساء التعلمات تخطيطا‪،‬‬
‫وتدبيرا‪ ،‬وتقويما‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬المثلث البيداغوجي‬


‫ينبني التفاعل الديداكتيكي على عناصر ثالثة هي‪ :‬المدرس‪ ،‬والمتعلم‪،‬‬
‫والمعرفة ضمن ما يسمى بالمثلث البيداغوجي ( ‪Le triangle‬‬
‫‪ .)pédagogique‬وإذا كانت التربية التقليدية تركز على المدرس‬
‫والمعرفة‪ ،‬وتجعل المدرس مالكا للمعرفة المطلقة‪ ،‬وتغيب المتعلم على‬
‫مستوى التواصل التفاعلي‪ ،‬و تجعله كائنا سلبيا يتلقى المعلومات فقط‪ ،‬دون‬
‫مناقشتها أو محاورة صاحبها‪ ،‬وينتج عن ذلك أن المتعلم ذات متلقية فقط‬
‫تحشى بالمعلومات والمعارف‪ ،‬فإن المقاربة بالكفايات تتميز بالتركيز على‬
‫التفاعل اإليجابي بين أقطاب ثالثة‪ :‬المعلم‪ ،‬والمتعلم‪ ،‬والمعرفة‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬تتحول المعرفة‪ ،‬في البيداغوجيا الكفائية‪ ،‬إلى وضعيات إجرائية‬
‫تطبيقية‪ ،‬في شكل مشاكل وعوائق ومسائل معقدة ومركبة‪ ،‬تستوجب‬
‫الحلول التعلمية المالئمة والناجعة والهادفة‪ .‬ومن ثم‪ ،‬تنطلق هذه المعرفة‬
‫من المقررات والمحتويات والمضامين‪ ،‬في ضوء مجموعة من الكفايات‬
‫األساسية والوضعيات‪ -‬المشكالت‪ .‬ويعني هذا أن المعرفة مرتبطة‬
‫بالكفايات والوضعيات على حد سواء‪.‬‬
‫أما مهمة المعلم التربوية‪ ،‬فتتمثل في تحضير الوضعيات التي تجعل‬
‫المتعلم يستضمر قدراته الذاتية لمواجهة هذه الوضعيات المركبة والمعقدة‪.‬‬
‫وعالوة على ذلك‪ ،‬فللمدرس أهداف ثالثة‪ :‬فهو يساعد المتعلم على تحديد‬
‫المشكلة أو موضوع الوضعية‪ ،‬ثم يوجهه إلى الموارد التي ينبغي‬
‫استثمارها في حل هذه المشكلة‪ ،‬ثم يساعده على تنظيم موارده بكيفية الئقة‬
‫وهادفة‪ .‬ويعني هذا أن دور المدرس توجيهي وإرشادي ومنهجي وكفائي‬

‫‪22‬‬
‫وتحفيزي ليس إال‪ .‬ومن هنا‪ ،‬لم تعد المعرفة ملكا للمدرس‪ ،‬بل هي من‬
‫مكتسبات المتعلم‪ .‬أي‪ :‬أضحت المعرفة مجموعة من الموارد التي يمتلكها‬
‫المتعلم‪ ،‬وتتكون هذه المعرفة من مهارات‪ ،‬ومعارف‪ ،‬ودرايات‪ ،‬ومواقف‪،‬‬
‫وإنجازات‪ ،‬وإتقانات‪ ،‬وكفايات معرفية وثقافية ومنهجية‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فالكفاية‬
‫هي مجموعة من المعارف المختلفة التي يستعملها المتعلم‪ ،‬ويحركها حين‬
‫يواجه موقفا أو وضعية سياقية جديدة‪.‬‬
‫أما المتعلم ‪ ،‬فهو البطل الحقيقي في سيرورة التعلم؛ إذ يساعده المدرس‬
‫على حل الوضعيات السياقية المتدرجة في البساطة والتعقيد‪ ،‬مع توظيف‬
‫قدر ممكن من مكتسباته الكفائية والمنهجية ‪ ،‬واستعمال موارده بطريقة‬
‫الئقة وهادفة‪ .‬بمعنى أن كفاياته معرفية ووجدانية وحسية حركية‪ .‬ويعني‬
‫هذا أن هذه المقاربة تنمي الفكر المهاري لدى المتعلم‪ ،‬وتقوي إدراكاته‬
‫المنهجية والتواصلية‪ .‬في حين‪ ،‬يهتم التدريس السلوكي بتعليم شرطي آلي‬
‫محدود‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فهو تعليم قياسي وكمي‪ .‬بينما تساعد المقاربة الكفائية‬
‫المتعلم على البحث المنهجي اعتمادا على الذات‪ ،‬وحل المشاكل‬
‫المستعصية‪ ،‬ومواجهة الظروف الصعبة والمعقدة‪ ،‬والتأهب دائما لالعتماد‬
‫على النفس لحل جميع المشاكل المختلفة التي يواجهها في محيطه‬
‫الخارجي‪ .‬ويعني هذا أن هذه المقاربة طريقة دينامكية تساعد على اكتساب‬
‫الفكر المهاري والتعلم المنهجي للوصول إلى هدف ناجع‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫وتشكل هذه األقطاب الديدكتيكية الثالثة (المدرس‪ ،‬والمعرفة‪ ،‬والمتعلم) ما‬
‫يسمى بالمسار التعليمي‪ -‬التعلمي( ‪ )Un processus‬حسب جان هوساي‬
‫(‪ )Jean Houssaye‬الذي دافع عنه سنة ‪1986‬م‪ .24‬وقد أثبت هوساي أن‬
‫الفعل التربوي يرتكز على عناصر مترابطة ثالثة هي‪ :‬المدرس‪،‬‬
‫والمعرفة‪ ،‬والمتعلم‪ .‬ومن ثم‪ ،‬ينبني هذا الفعل التربوي والديدكتيكي على‬
‫ثالثة مسارات رئيسة هي‪:‬‬
‫‪ ‬فعل التعليم (‪ )Enseigner‬الذي يجمع بين المتعلم والمعرفة‪ .‬وهنا‪،‬‬
‫نتحدث عن ديدكتيك التعليم؛‬
‫‪ ‬فعل التكوين(‪ )Former‬الذي يجمع بين المدرس والمتعلم‪ .‬وهنا‪،‬‬
‫نتحدث عن التربية والتكوين‪ ،‬أو ما يسمى بالبيداغوجيا؛‬
‫‪ ‬فعل التعلم (‪ )Apprendre‬الذي يجمع بين المتعلم والمعرفة‪.‬‬
‫وهنا‪،‬نتحدث عن نظريات التعلم‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬هناك أنواع من العالقات المختلفة‪ ،‬كالعالقة الديدكتيكية‬
‫القائمة على ثنائية المدرس والمعرفة‪ ،‬ضمن ما يسمى بالنقل الديدكتيكي‬
‫(‪.)la transposition didactique‬‬
‫أما العالقة التي تجمع المدرس والمتعلم ‪ ،‬فهي عالقة بيداغوجية‬
‫وتربوية( ‪ ،)la relation pédagogique‬مادامت ترتكز على مختلف‬
‫التقنيات التي تتعلق بالتعليم‪.‬‬
‫وتتميز العالقة الموجودة بين المتعلم والمعرفة بأنها عالقة تعلم واكتساب‪.‬‬
‫كما أنها عالقة وثيقة بسيكولوجيا التعلم بصفة عامة‪ ،‬وسيكولوجيا المعرفة‬
‫بصفة خاصة‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬نتحدث عن ثالثة علوم رئيسة تسهم في إثراء الفعل التربوي‪،‬‬
‫وهي‪ :‬الديدكتيك (المدرس والمعرفة)‪ ،‬والبيداغوجيا (المدرس والتلميذ)‪،‬‬
‫والسيكولوجيا (المتعلم والمعرفة)‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬البد من التحكم في األقطاب الديدكتيكية الثالثة بشكل تفاعلي‬
‫نسقي‪ ،‬دون االهتمام بعنصر واحد على على حساب عنصر آخر‪ ،‬ويشكل‬
‫‪24‬‬
‫‪-Jean Houssaye, Le triangle pédagogique. Théorie et pratiques‬‬
‫‪de l'éducation scolaire, Peter Lang, Berne, 2000 (3e Éd., 1re Éd.‬‬
‫)‪1988‬‬
‫‪24‬‬
‫هذا ما يسمى باالنحرافات (‪ . )des dérives‬وهنا‪ ،‬يمكن الحديث عن‬
‫أنواع ثالثة من االنحراف ‪:‬‬
‫‪ ‬االنحراف المقرراتي الذي يعني التركيز على المقرر والمحتويات‬
‫والمضامين على حساب العناصر األخرى كالمتعلم والمعرفة‪.‬وهذا هو‬
‫السائد في التعليم التقليدي أوالكالسيكي؛‬
‫‪ ‬االنحراف السيكولوجي الذي يتمثل في التركيز على المتعلم‪ ،‬دون‬
‫االهتمام بالعناصر التفاعلية األخرى؛‬
‫‪ ‬االنحراف الوسيطي الذي يعنى بتقديس المدرس ‪ ،‬دون النظر إلى‬
‫أهمية العالقات التفاعلية ‪ ،‬أو االهتمام بالمعرفة‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬يبدو لنا أن المثلث البيداغوجي والديدكتيكي‪ 25‬ينبني على عناصر‬
‫تربوية ثالثة متشابكة ومتفاعلة‪ ،‬من الصعب فصلها عن بعضها البعض‪،‬‬
‫وإالسيشكل ذلك ما يسمى باالنحراف البيداغوجي الذي قد يؤثر على‬
‫العملية ‪ -‬التعليمية التعلمية على جميع األصعدة والمستويات‪.‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬الوساطة الديدكتيكية‬


‫إذا كان جان بياجيه (‪ 26)Jean Piaget‬يرى أن التعلم يتحقق بطريقة‬
‫مباشرة دون وسيط ديدكتيكي (‪.)médiation didactique‬بمعنى أن‬
‫الذات تتأقلم وتتكيف مباشرة ‪ ،‬ودون وسيط‪ ،‬مع البيئة أو المحيط عن‬
‫طريق التمثل واالستيعاب والمشابهة‪ .‬في حين‪ ،‬هناك من يثبت أن الذات‬
‫التتعلم إال بالوساطة كجيرار فيرنو ( ‪ .27)Gérard Vergnaud‬ومن ثم‪،‬‬

‫‪25‬‬
‫‪-Jean Houssaye, Le triangle pédagogique. Théorie et pratiques de‬‬
‫‪l'éducation scolaire, Peter Lang, Berne, 2000 (3e Éd., 1re Éd. 1988).‬‬
‫‪26‬‬
‫‪-Piaget, J. La genèse du nombre chez l’enfant. Lausanne :‬‬
‫‪Delachaux et Niestlé, 1966 et 1991.‬‬
‫‪27‬‬
‫‪- Vergnaud., G. Le rôle de l’enseignant à la lumière des concepts‬‬
‫‪de schème et de champ conceptuel, in Artigue, M. et al. (eds) Vingt‬‬
‫‪ans de didactique des mathématiques en France. La Pensée Sauvage‬‬
‫‪édition, p.177 à 191,1994..‬‬
‫‪25‬‬
‫اليمكن للمتعلم أن يتزود بالمعارف والمعلومات والموارد والقدرات‬
‫والكفايات إال بواسطة مدرس وسيط يقدم للمتعلم مجموعة من الوضعيات‬
‫الصعبة والمعقدة والمركبة إليجاد الحلول المناسبة ‪ ،‬وفك غموضها‬
‫والتباسها‪ .‬ومن هنا‪ ،‬تحيل الوساطة على التفاعالت الصفية من جهة‪ ،‬وعلم‬
‫النفس االجتماعي من جهة أخرى‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬يرتكز التعليم التقليدي الموسوعي على المدرس باعتباره‬
‫صاحب سلطة معرفية مطلقة‪ ،‬يقدمها للتلميذ جاهزة عن طريق مجموعة‬
‫من األسئلة التي تستوجب الحفظ والتقليد والتكرار‪ .‬ولقد كان التلميذ مرتكنا‬
‫إلى مدرسه‪ ،‬ال يستطيع أن يواجه ما يتعرل له من المواقف المستجدة‪ ،‬أو‬
‫يلبي طلبات المقاوالت الحديثة ؛ ألنه ال يملك الكفاءات والمهارات المهنية‬
‫و المنهجية و التواصلية والذهنية واللغوية‪ ،‬بل يقف مكتوف اليدين عاجزا‬
‫عن التأقلم والتكيف مع مستجدات الواقع االقتصادي الجديد؛ ألن معارفه‬
‫نظرية مجردة غير وظيفية‪ ،‬تنقصها الممارسة والخبرة التجريبية‪.‬‬
‫وفي التعليم الموسوعي أيضا‪ ،‬يكون االهتمام بالكم على حساب الكيف‪،‬‬
‫ويلتجئ المدرس إلى التحفيز السلوكي الميكانيكي اعتمادا على ثنائية‬
‫الحافز واالستجابة لتوجيه دفة القسم؛ مما ينتج عنه ردود أفعال التالميذ‬
‫السلبية‪ ،‬ونفورهم من القسم لغياب األنشطة الذاتية والخبرات الفردية‪.‬‬
‫وبالتالي‪ ،‬ينكمشون على أنفسهم انطواء أو خوفا أو خجال أو جهال بما‬
‫يعطى لهم من دروس ومعارف كمية‪ ،‬يصعب اإلحاطة بها في سنة كاملة‪.‬‬
‫أما التعليم بالكفايات القائم على علم النفس المعرفي‪ ،‬فهو تعليم قائم على‬
‫استكشاف القدرات الكفائية لدى المتعلم عبر أداءات وإنجازات طوال‬
‫سيرورة التعلم‪ ،‬ووضعه في وضعيات معقدة أو أقل تعقيدا الختبار أدائه‬
‫السلوكي ‪ ،‬وتقويم كفاءاته وقدراته في التعامل مع مشاكل الواقع المحيطة‬
‫به‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫و يراعي هذا التعليم الفوارق الفردية‪ ،‬وينكب على ظاهرة الالتجانس من‬
‫خالل دراسة كل حالة فردية‪ ،‬ودعم كل متعلم بمجموعة من المهارات‬
‫الكفائية‪ ،‬وتحفيزه على إبراز قدراته وميوله واستعداداته ‪ ،‬سواء في حلقة‬
‫واحدة أم في حلقات متعددة متواصلة ؛ألن المقياس ‪ -‬هنا‪ -‬ليس هو الدرس‬
‫الذي ينتهي داخل حصة زمنية محددة كما في التعليم التقليدي الموسوعي‪،‬‬
‫بل الحلقة الديدكتيكية المتوالية التي تمتد عبر حصتين فأكثر ‪.‬‬
‫ويقدم التعليم الكفائي المقرر الدراسي في شكل مجزوءات ووحدات‬
‫دراسية ووضعيات مركبة ‪ ،‬تصغر بدورها في إطار مقاطع وحلقات‬
‫وخبرات مؤشرة في كفايات نوعية أو شاملة أو ممتدة قصد التدرج بالمتعلم‬
‫لتحقيق كفايات عليا كلية ونهائية‪ .‬ويركز هذا النوع من التعليم على الكيف‬
‫والمتعلم ؛ ألن المدرس مجرد وصي أو مرشد أو وسيط ليس إال‪ .‬وتصبح‬
‫الدروس خبرات وممارسة كيفية ومهارات وقدرات معرفية ووجدانية‬
‫وحركية‪ .‬أي‪ :‬إن المتعلم هو الذي يكون نفسه بنفسه‪ ،‬ويتعلم كيف يبحث‬
‫ويفكر‪ ،‬وينظم ما يبحث عنه منهجيا ووظيفيا‪ .‬ويروم التعليم بالكفايات عند‬
‫محمد الدريج" بناء الكفايات لدى التلميذ‪ ،‬على اعتبار أن الكفايات هي‬
‫قدرات شاملة ودينامية (نشطة) التي اليمكن اختزالها في الئحة تحليلية من‬
‫المحتويات‪ ،‬إنها تشكيلة ( تركيبة) ذكية من المعارف والمهارات‬
‫واالتجاهات‪ .‬فأن نكون أكفاء ال يعني أن نملك جملة من المعلومات‬
‫والمهارات‪ ،‬فأن نكون أكفاء يعني أساسا أن نكون قادرين على تجنيد تلك‬
‫المعلومات والمهارات‪ ،‬وتوظيفها في مواقف معينة ولحل مشكالت‪ .‬أي‪:‬‬
‫أن نكون فعالين ومنتجين في وضعيات محددة‪.‬‬
‫لذلك‪ ،‬يصير بناء الكفايات بهذا المعنى أمرا معقدا وأمرا ذاتيا وشخصيا‪.‬‬
‫فيكون من أولويات نشاط المدرسين مساعدة المتعلمين‪،‬لكن على المتعلمين‬

‫‪27‬‬
‫مساعدة أنفسهم في التعلم والتكوين الذاتي‪ .‬لذلك‪ ،‬فإن التعليم بالمجزوءات‬
‫يستدعي المتعلم كمسؤول‪ ،‬ويتعامل معه كمدبر لتكوينه‪.28".‬‬
‫وهكذا‪ ،‬تتأسس المقاربة بالكفايات على المتعلم ال على المدرس كما هو‬
‫حال التعليم الكالسيكي‪ .‬بمعنى أن الدرس يتحول إلى مجموعة من‬
‫الوضعيات المعقدة والمشاكل المركبة التي ينبغي على المتعلم مواجهتها‬
‫من خالل الموارد التي يمتلكها ؛ حيث يوظفها بطريقة مالئمة ومناسبة من‬
‫أجل تحقيق الكفاية األساسية والهدف األنجع‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فالمدرس في هذا‬
‫التصور مرشد وموجه ووسيط ليس إال‪ ،‬يهيئ الوضعيات الجديدة‪،‬‬
‫ويقترح المشاكل المعقدة والمركبة التي ينبغي أن يحلها المتعلم‪ .‬ويعني هذا‬
‫أن الدرس يتحول إلى مجموعة من الوضعيات المتدرجة من البساطة إلى‬
‫التعقيد ؛ حيث تكون واضحة‪ ،‬ودالة ‪ ،‬وهادفة‪ ،‬وبناءة‪ ،‬ومحفزة على العمل‬
‫واالجتهاد والنجاح‪ .‬وهنا‪ ،‬ليس المدرس مالكا للمعرفة‪ ،‬بل هو مجرد‬
‫محضر لألسئلة والوضعيات المشكلة ‪.‬‬
‫و" ال يكون دور المدرس في الطرائق التي تتبنى البيداغوجيا المعرفية هو‬
‫تزويد المتعلم بالمعلومات أو المعارف الجاهزة من خالل التركيز على‬
‫المضامين‪ ،‬بل بالعكس يصبح دوره هو خلق وضعيات تعلمية تجعل‬
‫المتعلم يطلع على كيفية تعلمه كيف يبحث عن المعلومات ‪ ،‬كيف يحللها ‪،‬‬
‫كيف يصوغ استراتجيات تفكيره أثناء البرهنة والتحليل واالستنتاج‬
‫أواالكتشاف ‪.‬‬
‫ويعد فيورشتاين( ‪ ) Feuerstein‬أحد المنظرين لبيداغوجيا الوساطة‬
‫(‪ )Mediation‬؛ حيث يصبح دور المدرس هو مساعدة المتعلم ليس‬
‫إال‪ ،‬سواء بشكل مباشر أو غير مباشر ‪ ،‬بتوجيه أسئلة للمتعلم حول كيفية‬
‫تفكيره‪ ،‬وتبيان األسلوب الذي اعتمده في حل مشكلة معينة ‪ ،‬أو عن‬

‫‪ - 28‬محمد الدريج‪:‬الكفايات في التعليم‪ ،‬منشورات سلسلة المعرفة للجميع‪ ،‬الرباط‪ ،‬المغرب‪،‬‬


‫شتنبر‪2004‬م‪ ،‬ص‪.254:‬‬
‫‪28‬‬
‫طريق مقارنة أسلوبه هذا بأساليب أخرى مقترحة من لدن زمالئه في‬
‫الفصل الدراسي ‪ .‬وقد يتحقق هذا بشكل غير مباشر عندما يلجأ المدرس‬
‫إلى تنويع وضعيات التعلم قد تدفع المتعلم إلى تعديل أسلوب تفكيره‬
‫وتغييره خاصة عندما يكون األسلوب المتبع غير فعال ‪.‬‬
‫وتنطلق هذه الوساطة من مسلمة مفادها أن الصعوبات التي يواجهها‬
‫المتعلم في أثناء تعلمه التعود إلى الكيفية التي تقدم بها المضامين‪ ،‬بقدر ما‬
‫تعود إلى األسلوب الذي ينتهجه المتعلم في أثناء تعلمه ‪ .‬ولذلك‪ ،‬يمكن‬
‫الحصول على مردودية أكبر كلما تم تطوير القدرات والمهارات الذهنية‬
‫‪29‬‬
‫والمعرفية التي تسهل عليه عملية االكتساب والتعلم ‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬ترتكز الوساطة الديدكتيكية على الدور األساس الذي يقوم به‬
‫المدرس‪ ،‬أو المشرف على التدريب‪ ،‬أو الوسيط البيداغوجي في عملية‬
‫التعلم‪ .‬إنه بمثابة الوسيط االجتماعي كاألم أو األب الذي يأخذ بيد ابنه لكي‬
‫يحقق تكيفا سليما مع محيطه ‪ ،‬بتمثل مالحظاته‪ ،‬وخلق وضعيات غير‬
‫مألوفة لديه بتجريب خبراته ومهاراته ‪.‬‬

‫المبحث الخامس‪ :‬التعاقد الديدكتيكي‬


‫من المعروف أن القانون المدني (‪ )Civil law‬هو مجموعة من القوانين‬
‫التي نشأت في أروبا‪،‬وتعود أصلها إلى القانون الروماني‪ .‬ويمكن القول‬
‫بأنه هذا القانون قد تشكل مع انتقال اإلنسان من حالة الطبيعة إلى حالة‬
‫الدولة والقانون‪ .‬وقد تحدث جان جاك روسو عن العقد االجتماعي الذي‬
‫يجمع بين الراعي والرعية في كتابه (العقد االجتماعي) الذي نشره سنة‬
‫‪1762‬م‪.‬‬

‫‪ -29‬محمد أمزيان ‪ :‬التربية المدرسية‪ :‬من بيداغوجيا األهداف إلى بيداغوجيا‬


‫المعرفة‪،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ 1999 ،‬م‪ ،‬ص ‪. 151 – 149 :‬‬

‫‪29‬‬
‫ويدرس القانون المدني العالقات الموجودة بين األطراف المتعاقدة‪ ،‬سواء‬
‫أكانوا ماديين أم معنويين ‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فهو من مشموالت القانون الخاص إلى‬
‫جانب قانون التجارة‪ ،‬وقانون الدولي الخاص‪ ،‬والقانون الجنائي الخاص‪،‬‬
‫وقانون التعمير‪ ،‬وقانون البحار‪ ،‬والقانون الجوي‪ ،‬والقانون البيئي‪ ،‬وقانون‬
‫العمل‪...‬‬
‫ويعد القانون المدني أقدم القوانين اإلنسانية‪ ،‬مادام هذا القانون يدرس‬
‫الحقوق الشخصية أو االلتزامات القائمة على العالقة التي تجمع بين الدائن‬
‫والمدين في إطار العقد‪ ،‬أو اإلرادة المنفردة‪ ،‬أو العمل غير المشروع‪ ،‬أو‬
‫العمل النافع‪ ،‬أو القانون‪.‬‬
‫ويدرس أيضا الحقوق العينية القائمة على حق الملكية بسلطاته الثالث‬
‫كاالستعمال‪ ،‬واالستغالل‪ ،‬والتصرف‪ .‬فضال عن الحقوق المتفرعة عنه‬
‫كاالنتفاع‪ ،‬واالستعمال‪ ،‬والسكنى‪ ،‬وحق االحتكار ‪ .‬كما تشمل‬
‫أيضا ً الحقوق العينية التبعية التي توجد تابعة لحق الشخص كالرهن‬
‫الرسمي‪ ،‬والرهن الحيازي‪ ،‬وحق االمتياز‪ ،‬وحق االختصاص‪.‬‬
‫ويدرس القانون المدني كذلك األحوال الشخصية التي تتعلق بالعالقة‬
‫الموجودة بين الفرد وأسرته من زواج‪ ،‬وطالق‪ ،‬ووصية‪ ،‬وإرث‪ ،‬ونسب‪،‬‬
‫وقرابة ‪ ،‬و األهلية ‪ ،‬والوالية على المال وغيرها الموضوعات المدنية‬
‫األخرى‪.‬‬
‫ويعد العقد (‪ )Contrat‬من أهم مواضيع قانون االلتزامات والعقود ‪ ،‬أو‬
‫القانون المدني‪.‬ومن ثم‪ ،‬يكون العقد بين طرفين وأكثر‪ ،‬وتترتب عليه آثار‬
‫وأحكام معينة ‪.‬‬
‫ويستند العقد إلى مجموعة من األركان الرئيسة كالرضا بين الطرفين‬
‫على تنفيذ العقد‪ ،‬والتعبير عن إرادة التعاقد بالتفاول بكل حرية واختيار‪،‬‬
‫دون إكراه أو إلزام ضمني أوصريح‪ .‬وقد يكون العقد شفويا أو مكتوبا‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫وينتج عن ذلك التفاول مسؤولية تعاقدية‪ ،‬والتزام بتنفيذ العمل‪ ،‬أو تنفيذ‬
‫بنود العقد كليا أو جزئيا‪ ،‬إذا كان االتفاق يتضمن ذلك‪.‬‬
‫ومن األركان األخرى للعقد اإليجاب والقبول؛ فاليمكن تنفيذ العقد إطالقا‪،‬‬
‫إذا لم يتفق الطرفان على الموافقة والقبول بشكل إيجابي ‪ ،‬ويعبر عن ذلك‬
‫بالصيغة القانونية‪ .‬ومن عيوب ذلك الرضا أو اإليجاب والقبول الغلط‪،‬‬
‫والتدليس‪ ،‬واإلكراه‪ ،‬واالستغالل‪ .‬عالوة على ركن آخر يتمثل في محل‬
‫العقد أو موضوعه الذي يكمن في تحقيق العملية القانونية‪ ،‬كأن يكون‬
‫موضوع التعاقد هو البيع أو اإليجار أو الشراء إلخ‪...‬أما محل االلتزام‪،‬‬
‫فيكمن في اإلنجاز أو األداء الذي يجب على المدين أن يقوم به لصالح‬
‫الدائن‪ .‬أي‪ :‬أن يقوم بعمل ما أو يمتنع عن عمل‪.‬ويجيب عن السؤال‬
‫الرئيس‪ :‬بماذا التزم المدين؟‬
‫وهناك الركن األخير الذي يتمثل في السبب أو الدافع الذي يكون وراء‬
‫التعاقد أو االلتزام‪ ،‬وينبغي أن يكون التعاقد مشروعا‪ ،‬واليمنعه القانون‬
‫بأي حال من األحوال‪.‬‬
‫وقد تكون العقود ملزمة لطرفين كعقد البيع‪ ،‬أو ملزمة لطرف واحد كعقد‬
‫القرل‪ ،‬أو عقد الهبة‪ ،‬أو عقد الصدقة‪ ،‬أو عقد الجائزة‪...‬وقد تكون‬
‫المسؤولية عقدية عندما يمتنع الملتزم عن تنفيذ العقد جزئيا أو كليا‪ .‬وهنا‪،‬‬
‫يتحمل الطرف الملتزم مسؤولية خطئه بعدم تنفيذه شروط العقد‪ .‬ويكون‬
‫الحكم للعقد ‪ ،‬مادام العقد شريعة المتعاقدين‪ .‬وإذا كان الخطأ ناتجا عن‬
‫اإلضرار بالغير‪ ،‬فيسمى هذا بالمسؤولية التقصيرية التي يحم فيها القانون‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬ويقصد بالعقد الديدكتيكي(‪ 30)Le contrat didactique‬ذلك التعاقد‬
‫أو االتفاق المبرم بين طرفين أو أكثر‪.‬أي‪ :‬بين المدرس والمتعلم؛ حيث‬

‫‪30‬‬
‫‪-Brousseau, G. (1990). Le contrat didactique et le concept de‬‬
‫‪milieu :‬‬ ‫‪dévolution. Recherches‬‬ ‫‪en‬‬ ‫‪didactique‬‬ ‫‪des‬‬
‫‪mathématiques, 9(3), 309-336.‬‬
‫‪31‬‬
‫يضع المدرس المتعلم أمام وضعية مشكلة بسيطة أو صعبة ومعقدة‬
‫ومركبة من أجل إيجاد الحلول المناسبة لها‪ .‬ويعني هذا أن المتعلم مطالب‬
‫بتنفيذ التعليمة التي وضعها المدرس ‪ ،‬وقد تحوي تلك الوضعية ‪ -‬المشكلة‬
‫عوائق ديدكتيكية ظاهرة أو خفية‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فالتعاقد الديدكتيكي هو التزام‬
‫تربوي وديدكتيكي باإلجابة عن مختلف األسئلة التي يضعها المدرس‬
‫لتلميذه للتثبت من قدراته الكفائية ومهاراته المستضمرة ‪ ،‬ومدى اكتسابه‬
‫لمختلف الموارد التي تلقاها إبان حصص التدريس‪ .‬وقد استعمل المصطلح‬
‫من قبل الديدكتيكي الفرنسي غوي بروسو (‪ 31) Guy Brousseau‬في‬
‫كتابه (نظرية الوضعيات الديدكتيكية) سنة ‪1998‬م‪.‬‬
‫إذاً‪ ،‬ينبني هذا التصور على احترام العقود؛ ألن العقد شريعة المتعاقدين‪.‬‬
‫ويعني هذا أن المتعلمين والمعلمين داخل الوسط الديكتيكي عليهم أن‬
‫يحترموا العقود والمواثيق في تنفيذ األنشطة‪ ،‬واحترام الوقت المخصص‬
‫لذلك‪.‬ويرتكز هذا التصور أيضا على تحديد مجموعة من األهداف العامة‬
‫والخاصة‪ ،‬واختيار وسائل العمل الناجعة‪ ،‬وتبيان عمليات التنفيذ‬
‫والممارسة واإلنجاز‪ ،‬وانتقاء فضاءات العمل التشاركي‪ ،‬واالنطالق من‬
‫التقويم اإليجابي الهادف والبناء‪ ،‬وتوزيع المسؤوليات والمهام واألدوار‬
‫بشكل ديمقراطي عادل‪.‬‬
‫ويعني العقد الديدكتيكي‪ -‬حسب روجرز كزافيي(‪-)Rogiers Xavier‬‬
‫ذلك التفاعل بين الذات والعمل الذي " يفضي إلى اتخاذ قرار بإنجاز‬
‫العمل‪ ،‬ويخلق شكال من التعاقد الضمني أو الصريح بين مقترح الوضعية‬
‫(المدرس) ومن يحلها ( التلميذ)‪.‬ويتعلق األمر في هذا الصدد بتجسيد لما‬
‫أسماه شوفالر (‪ )Chevallard‬وبروسو(‪ )Brousseau‬عقدا ديدكتيكيا‬
‫يربط المدرس بتالمذته في إطار التعلم المدرسي‪ .‬إن هذا العقد رهين‬

‫‪31‬‬
‫‪-Brousseau G. (1998). Théorie des situations didactiques.‬‬
‫‪Grenoble, La Pensée sauvage.‬‬
‫‪32‬‬
‫بسلسلة كاملة من العوامل‪ ،‬مثل نمط تنظيم الفصل وتحفيز التلميذ والطاقة‬
‫التي يتوفر عليها واإلفادة التي سيحققها من خالل إنجازه‪...‬إلخ‪ .‬وعلى هذا‬
‫المستوى ‪ ،‬يتموقع كل حيز للتفاول المتواجد بخصوص حل الوضعية؛‬
‫إنه تفاول بشأن التعلمات والمعلومات وشروط تحقيق الوضعية؛ ويتعلق‬
‫األمر في هذه الحالة بالوضعية عندما نعتبرها عقدا وقرارا للمرور إلى‬
‫العمل؛ وكما هو الحال في أي عقد‪ ،‬ينظر إلى الوضعية في اآلن نفسه على‬
‫أنها إكراه‪ ،‬وبشكل خاص على أنها فرصة أمام التلميذ لكي يكتسب‬
‫معارف وإتقانات جديدة لكي يحقق إفادات أخرى على المستوى الدراسي‬
‫أو على مستوى آخر‪ .‬وتبقى عدة متغيرات ممكنة‪ ،‬إذ يمكن قبول العقد‬
‫بحرية‪ ،‬أي إن المدرس يمنح التلميذ حرية االختيار في أن يلتزم بالوضعية‬
‫أوال‪ ،‬كما يترك له حرية اختيار أوجه العمل (عمل فردي‪ ،‬عمل في إطار‬
‫مجموعة‪ ،‬عمل بمراجع أو بدونها‪ ،)...‬أو على خالف ذلك‪ ،‬يمكن أن يكون‬
‫العقد إلزاميا بشكل ضمني في إطار التعلم‪ ،‬حيث يبقى للتلميذ هامش من‬
‫‪32‬‬
‫حرية التصرف أو ينعدم لديه‪".‬‬
‫ويتحمل المدرس مسؤولية مجموعة من األخطاء‪ ،‬وهي أخطاء معرفية ‪،‬‬
‫وأخطاء تربوية‪ ،‬وأخطاء ديدكتيكية‪ ،‬وأخطاء إدارية‪ ...‬ويعني هذا أن‬
‫المدرس قد يرتكب أخطاء كثيرة في أثناء حصة الدرس؛ إما لكونه لم يتلق‬
‫تدريبا في مراكز التكوين التربوي‪ ،‬وإما ألنه لم يحسن التدبير في نقل‬
‫المعلومات إلى التالميذ بمراعاة أسس الديداكتيك‪ ،‬واحترام معطيات‬
‫البيداغوجيا‪ ،‬وإما لكونه لم يصرح باألهداف والكفايات‪ ،‬ولم يراع الميثاق‬
‫المبرم أو ذلك العقد الديدكتيكي الذي يجمع المدرس بالمتعلم‪ ،‬أو لم يحترم‬
‫خطوات التدرج في بناء الدرس انطالقا من الوضعية البدئية حتى‬
‫الوضعية النهائية‪ ،‬مرورا بالوضعية الوسيطة‪ ،‬وإما ألنه لم يوظف الوسائل‬

‫‪ - 32‬روجير كزافيي‪ :‬التدريس بالكفايات‪ ،‬وضعيات إلدماج المكتسبات‪ ،‬ترجمة عبد الكريم‬
‫غريب‪ ،‬منشورات عالم التربية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى ‪2007‬م‪ ،‬ص‪.24-23:‬‬
‫‪33‬‬
‫الديدكتيكية والطرائق البيداغوجية توظيفا حسنا‪ ،‬وإما لكونه لم ينجح في‬
‫عملية التواصل والتبليغ؛ حيث كان عاجزا عن نقل المعارف والتقنيات‬
‫والدرايات إلى متعلميه بطريقة واضحة وسلسلة ومفيدة وهادفة وبناءة‪.‬‬
‫ويمكن التمثيل للتعاقد الديكتيكي بهذا النموذج التوضيحي على النحو‬
‫التالي‪:‬‬
‫تقويم‬ ‫تنفيذ التعاقد‬ ‫مكان‬ ‫زمن‬ ‫اإلمكانيات‬ ‫طرفا التعاقد موضوع‬ ‫أهداف‬
‫التعاقد‬ ‫التعاقد‬ ‫التعاقد‬ ‫التعاقد‬ ‫التعاقد‬

‫تقديم تقويم‬ ‫تعيين ‪-‬‬ ‫تحديد‬ ‫‪-‬المادية‬ ‫يكون‬ ‫المدرس‬ ‫تحديد‬


‫التعاقد‬ ‫مكان الوضعية‪.‬‬ ‫زمان‬ ‫‪-‬المالية‬ ‫التعاقد‬ ‫والمتعلم‬ ‫أهداف‬
‫شرح بعد‬ ‫التعاقد ‪-‬‬ ‫التعاقد‬ ‫‪-‬البشرية‬ ‫خاصا‬ ‫التعاقد‬
‫مرحلة‬ ‫الوضعية‪.‬‬ ‫بشكل‬ ‫بالمواضيع ‪-‬التقنية‬ ‫بطريقة‬
‫تنفيذ إنجاز‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬اللوجيستيكية واضح‬ ‫التربوية‬ ‫صريحة‬
‫الوضعية‬ ‫الوضعية‪.‬‬ ‫ودقيق‬ ‫والتعليمية‬ ‫وواضحة‬
‫تقويم‬ ‫‪-‬‬ ‫وصريح‬ ‫كالدعم‪،‬‬ ‫ودقيقة في‬
‫الوضعية‪.‬‬ ‫والشراكة‪،‬‬ ‫إطار العتاقد‬
‫ومشروع‬ ‫التفاوضي‬
‫المؤسسة‪..‬‬ ‫التشاركي‬
‫‪.‬‬ ‫والتفاعلي‬
‫الديمقراطي‬

‫ويمكن أن يتكون التعاقد في شكل ميثاق شرف أخالقي صريح بين‬


‫المدرس والمتعلم‪ ،‬كأن يصرح التلميذ‪ ،‬مثال‪ ،‬بما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬ألتزم بعدم التغيب والتأخر؛‬
‫‪ ‬ألتزم بالحفاظ على نظافة القسم؛‬
‫‪ ‬ألتزم بإحضار الكتب في كل حصة دراسية؛‬
‫‪ ‬ألتزم باالنضباط داخليا وخارجيا؛‬
‫‪ ‬ألتزم بإنجاز واجباتي المدرسية؛‬
‫‪34‬‬
‫‪ ‬ألتزم باحترام أستاذي وزمالئي؛‬
‫‪‬ألتزم بعدم إثارة الشغب داخل القسم‪...‬‬
‫وهكذا‪ ،‬يتبين لنا أن التربية المعاصرة تنص على احترام المتعلم احتراما‬
‫حقوقيا ‪ ،‬بإبرام التعاقد التفاوضي والتشاركي معه بغية إنجاز مختلف‬
‫الوضعيات اإلدماجية الجزئية والنهائية‪ .‬ويعني هذا كله أن المدرس‬
‫والمتعلم البد أن يتعاقدا معا على الحقوق والواجبات من أجل استيفاء‬
‫المجزوءات والوحدات الدراسية في األجل المحدد بذلك‪ .‬لذا‪ ،‬البد أن يكون‬
‫التعاقد بين المدرس والمتعلم تفاوضيا صريحا في بداية السنة وطول السنة‬
‫الدراسية بكاملها‪ ،‬بتحديد األهداف والكفايات بشكل صريح‪ ،‬وانتقاء‬
‫المحتويات والمضامين المالئمة ‪ ،‬واختيار الوسائل والطرائق البيداغوجية‬
‫والديدكتيكية المساعدة على التعلم‪ ،‬وتعيين فضاء دراسي مناسب للتعلمات‪،‬‬
‫وتشجيع المتعلم على بناء التعلمات وفق مقاربة الكفايات وبيداغوجيا‬
‫اإلدماج‪.‬‬

‫المبحث السادس ‪ :‬النقل الديدكتيكي‬


‫يقصد بالنقل الديدكتيكي ( ‪ )transposition didactique‬نقل الدرس‬
‫وتحويله من الحالة العلمية إلى الحالة المدرسية‪ .‬ومن هنا‪ " ،‬يعتبر النقل‬
‫الديدكتيكي أحد اإلجراءات المساعدة على اقتطاع مادة معرفية من سياقاتها‬
‫النظرية العامة‪ ،‬لتكييفها مع المستوى النمائي للقائم بأفعال التعلم‪.‬إال أن‬
‫علماء السيكولوجيا المعرفية‪ ،‬وبشكل أخص أولئك الذين ذهبوا في اتجاه‬
‫توظيف خالصات األبحاث الميدانية داخل حقل البيداغوجيا‪ ،‬ارتأوا أن‬
‫الوقوف عند مستوى اإلعداد القبلي للمضمون المعرفي انطالقا من تحديده‬
‫وفق آليات النقل الديدكتيكي‪ ،‬اليفيد المتعلم في أي شيء‪ ،‬ألن عالقته به‬
‫تبقى عند مستوى التعرف لتحويله إلى مادة معرفية مخزنة في الذاكرة‬
‫البعيدة المدى فقط‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫وهكذا أصبح اإلعداد القبلي للمادة المعرفية موضوع التعلم‪ ،‬اليتوقف عند‬
‫حد النقل الديدكتيكي لها بقدر ما يتم البحث عن أهم العمليات الذهنية‬
‫‪33‬‬
‫الواجب استهدافها لدى الطفل‪ ،‬حتى يحدث فعل التعلم وبناء المعارف‪".‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬يمكن الحديث عن أنواع عدة من المعرفة المنقولة ديدكتيكيا‪،‬‬
‫ويمكن حصرها فيما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬المعرفة العالمة‪ :‬وهي المعرفة العلمية األكاديمية والجامعية التي تتميز‬
‫بالعمق والتخصص والدقة والصعوبة ‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فهي تلك المعرفة التي‬
‫يتلقاها الطلبة في الجامعات والمعاهد العليا؛‬
‫‪ ‬المعرفة المدرسية‪ :‬هي تلك المعرفة المحولة إلى معارف بيداغوجية‪،‬‬
‫بمراعاة األسس النفسية واالجتماعية والبيولوجية للمتعلم‪.‬وغالبا‪ ،‬ما نجدها‬
‫في الكتب والمناهج والمقررات والبرامج المدرسية‪.‬وتتسم هذه المعرفة‬
‫بالتبسيط والتسهيل والتيسير وفق المقاربات والتصورات البيداغوجية‬
‫المرتبطة بالمتعلم وقدراته في االستيعاب واالكتساب؛‬
‫‪ ‬المعرفة المدرسة‪ :‬هي تلك المعرفة التي يحولها المدرس إلى المتعلم‬
‫بطرائق ديدكتيكية مناسبة وفعالة وميسرة ومبسطة‪ .‬ويعني هذا أن المدرس‬
‫يقوم بدور كبير في تبسيط المعارف المدرسية ‪ ،‬والسيما العلمية منها‪،‬‬
‫لتصل إلى المتلقي بأيسر السبل؛‬
‫‪ ‬المعرفة المكتسبة‪ :‬يقوم المتعلم بتحويل المعرفة المدرسة إلى معرفة‬
‫تعلمية وفق قدراته الذاتية‪ ،‬ضمن ما يسمى بالمعرفة المكتسبة‪ ،‬أو المعرفة‬
‫المخزنة ‪.‬‬

‫‪ - 33‬محمد كجي‪( :‬التعلم وتربية الذهن على االشتغال)‪ ،‬سيكولوجية الطفل‪ ،‬مقاربات‬
‫معرفية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة‪2008‬م‪،‬‬
‫ص‪.82:‬‬
‫‪36‬‬
‫ ما يتحدث علماء التربية عن النقل الديدكتيكي في المواد العلمية‬،‫وغالبا‬
‫ ومن أهم العلماء الذين اهتموا بذلك‬.‫ والسيما الرياضيات‬،‫والتجريبية‬
)Chevallard( ‫ وشوفاالر‬،34 )Philippe Perrenoud( ‫فيليب بيرنو‬
‫ و( من المعرفة العالمة‬، )‫في دراساته وأبحاثه كـ(برامج النقل الديدكتيكي‬
،36)Conne, F( ‫ دون أن ننسى فرانسوا كون‬.35)‫إلى المعرفة المدرسة‬
‫ وتبيريان‬،)Martinand( ‫ ومارتينان‬،)Arsac, G( ‫وأرساك‬
،39)Durey(‫ ودوري‬،38)Caillot, M( ‫ وكايو‬،37)Tiberghien(
...41)Raisky( ‫ وريسكي‬40)Joshua( ‫وماري ألبيرت جوسيا‬

34
-Perrenoud, Ph. (1986) Vers une lecture sociologique de la
transposition didactique, Genève, Faculté de psychologie et des
sciences de l’éducation ; (1990) La géographie scolaire entre deux
modèles de transposition didactique, Genève, Faculté de psychologie
et des sciences de l’éducation ; (1992) La souris et la tortue. Deux
usages sociaux de l’informatique et leur transposition didactique à
l’école primaire, in A. Vieke (dir.) Intégration de l’informatique en
classe, Genève, Service informatique de l’enseignement primaire, pp.
51-65.
35
- Chevallard, Y. (1991) La transposition didactique. Du savoir
savant au savoir enseigné, Grenoble, La Pensée Sauvage (2e édition
revue et augmentée, en coll. avec Marie-Alberte Joshua, 1re édition
1985).
36
-Conne, F. (1986) La transposition didactique à travers
l’enseignement des mathématiques en première et deuxième années
de l’école primaire, Lausanne, Conne/Couturier-Noverra ; (1992) Un
grain de sel à propos de la transposition didactique, Education et
Recherche, n° 1, pp. 57-71 ; Conne, F. (1996) Savoir et connaissance
dans la perspective de la transposition didactique, in Brun, J.
(dir.) Didactique des mathématiques, Lausanne, Delachaux et Niestlé,
pp. 275-338.
37
-Arsac, G., Chevallard, Y., Martinand, J.-L., Tiberghien, A. (dir.)
(1994) La transposition didactique à l’épreuve, Grenoble, La Pensée
Sauvage Éditions.
37
‫ يبين لنا أن النقل الديدكتيكي هو الذي يسهم في تحويل الوضعيات‬،‫وهكذا‬
‫العلمية العالمة إلى وضعيات ديدكتيكية تعلمية بأيسر السبل والطرائق‬
‫الديدكتيكية المناسبة التي تدفع المتعلم إلى إظهار قدراته التعلمية في‬
.‫مواجهة الوضعيات اإلدماجية المدرسة‬

‫ الفضاء الديدكتيكي‬:‫المبحث السابع‬


‫يعني الفضاء الديدكتيكي ذلك الوسط الذي يتلقى فيه المتعلم تكوينه مع‬
‫ وقد يعني الفضاء‬.‫مجموعة من زمالئه بإشراف المدرس وتوجيهه‬
‫التعلمي مجموعة من الشروط والظروف الخارجية التي يعيش ضمنها‬
‫ يقوم‬،‫ ومن هنا‬.‫الفرد اإلنساني ويتطور من جميع الجوانب والمستويات‬
‫الوسط الديكتيكي بدور مهم في تنمية القدرات والكفايات والمهارات‬
‫وتطويرها لدى المتعلم من أجل مواجهة الوضعيات المختلفة التي‬
‫ تشدد النظريات التربوية المعاصرة على‬،‫ ومن ثم‬.‫سيجابهها في الحياة‬
‫المحيط أو الوسط الديدكتيكي في بناء معارف المتعلم وتطويرها وتنميتها‬
38
-Caillot, M. (1996) La théorie de la transposition didactique est-elle
transposable ?, in Raisky, C. et Caillot, M. (dir.) Au-delà des
didactiques, le didactique. Débats autour de concepts fédérateurs,
Bruxelles, De Boeck, pp. 19-35.
39
- Durey, A. et Martinand, J.-L. (1994) Un analyseur pour la
transposition didactique entre pratiques de référence et activités
scolaires, in Arsac, G., Chevallard, Y., Martinand, J.-L., Tiberghien,
A. (dir.) La transposition didactique à l’épreuve, Grenoble, La
Pensée sauvage Éditions, pp. 73-104.
40
-Joshua, S. (1996) Le concept de transposition didactique n’est-il
propre qu’au mathématiques ?, in Raisky, C. et Caillot, M. (dir) Au-
delà des didactiques, le didactique. Débats autour de concepts
fédérateurs, Bruxelles, De Boeck, pp. 61-73.
41
-Raisky, C. (1996) Doit-on en finir avec la transposition
didactique ?, in Raisky, C. et Caillot, M. (dir.) Au-delà des
didactiques, le didactique. Débats autour de concepts fédérateurs,
Bruxelles, De Boeck, pp. 37-59.
38
‫ذهنيا ووجدانيا وحسيا حركيا بغية تحقيق األهداف المتوخاة‪ ،‬والسيما‬
‫المدرسة السلوكية التي تعطي أهمية كبرى للبيئة أو المحيط أو الوسط؛ لما‬
‫له من تأثير في حافزية المتعلم واستجاباته التعلمية المختلفة لوجود مثيرات‬
‫وحوافز يثيرها هذا الوسط التعلمي‪ .‬لذا‪ ،‬البد من إعادة خلق فضاء أو وسط‬
‫تعلمي ‪ /‬تعليمي مناسب ومالئم لتقديم التعلمات المختلفة الصالحة لتطوير‬
‫كفايات المتعلم‪ ،‬ودفع التلميذ إلى االندماج في الفعل التعاقدي الديدكتيكي‬
‫بغية تحقيق مجموعة من األهداف المنشودة في المنهاج الدراسي‪.‬‬
‫والبد أن يتميز هذا الوسط الديدكتيكي بالتفاعل الحي بين المعلم والمتعلم‬
‫والمعرفة‪ ،‬وتوظيف المعارف واإلحاالت المرجعية ‪ ،‬وتحقيق النقل‬
‫الديدكتيكي المثمر والهادف والبناء‪ .‬ومن هنا‪ ،‬يصبح ذلك الوسط موضوعا‬
‫ثقافيا وتربويا وإبستمولوجيا‪ .‬ويتأسس الوسط الديدكتيكي على خلق‬
‫الوضعيات الديدكتيكية في إطار تعاقدي من أجل إيجاد الحلول المناسبة‬
‫لها‪.42‬‬

‫ولقد كان الفضاء الدراسي في المدرسة التقليدية فضاء عدوانيا مغلقا‬


‫رتيبا‪ ،‬يتحكم فيه المدرس بشخصيته الكاريزمية المتسلطة والمهيبة؛ حيث‬
‫يمتلك معرفة مطلقة ينبغي أن يستفيد منها المتعلم مهما كانت طريقة‬
‫التدريس شا نة‪ .‬وقد كان المتعلم مجرد متلقي سلبي ‪ ،‬ال يشارك في بناء‬
‫الدرس‪ ،‬بل يكتفي بالسمع والتدوين والحفظ والتحشية ‪ .‬وكان الفضاء‬
‫الدراسي غير منظم وال مرتب ‪ ،‬بل كان فضاء ضيقا فارغا‪ ،‬أو مؤثثا‬
‫بالحصا ر أو الزرابي المعدود ‪ ،‬يجلس عليها المتعلمون في وضعيات‬
‫غير مناسبة‪ .‬وبالتالي‪ ،‬غير صالحة للتعلم والدراسة‪ .‬وكان هذا الفضاء‬

‫‪-Margolinas, C. (1998). Le milieu et le contrat, concepts pour la‬‬


‫‪42‬‬

‫‪construction et l’analyse de situations d’enseignement. In R.‬‬


‫‪Noirfalise (dir.), Analyse des pratiques enseignantes et didactique‬‬
‫‪des mathématiques, cours, Actes de l’Université d’Été (p. 3-17). La‬‬
‫‪Rochelle : IREM Clermont-Ferrand.‬‬
‫‪39‬‬
‫موبوءا بالعنف والقهر والصرامة‪ ،‬تختفي فيه الحوارية والمبادر والنقد‬
‫والنقاش‪ ،‬وتغيب فيه الحيا السعيد والروح الديمقراطية‪.‬‬

‫وإذا انتقلنا أيضا إلى المدرسة الغربية الكالسيكية‪ ،‬فقد كان الفصل‬
‫الدراسي بمثابة مقاعد أو كراسي دراسية مصطفة ‪ ،‬تتوجه نحو السبور‬
‫المعلقة في وسط الجدار األمامي‪ .‬لكن هذا الفضاء الدراسي بدوره كان‬
‫فضاء رتيبا عمودي الطابع‪ .‬بمعنى أن المدرس كان مالك المعرفة‬
‫المطلقة‪ ،‬يوزعها على التالميذ في اتجاه عمودي من األعلى نحو األسفل‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فقد كان الفضاء الدراسي الكالسيكي فضاء صفيا عموديا‪،‬‬
‫تصطف فيه المقاعد إما بشكل فردي‪ ،‬وإما بشكل ثنا ي‪ ،‬وإما بشكل‬
‫متعدد‪.‬‬

‫لكن المدرسة الحديثة‪ ،‬التي أخذت بالطرا ق البيداغوجية الفعالة‪ ،‬قد‬


‫كسرت هذا الفضاء العمودي الرتيب المغلق‪ ،‬فانفتحت على أفضية‬
‫حميمة‪ ،‬كفضاء الساحة‪ ،‬وفضاء الحديقة‪ ،‬وفضاء اللعب‪ ،‬وفضاء‬
‫الروض‪ ،‬وفضاء التعاونيات‪ ،‬وفضاء البستنة‪ ،‬وفضاء الرحلة‪ ،‬وفضاء‬
‫المنزل‪ ،‬وفضاء الطبع والنشر‪ ،‬والفضاء المفتوح‪ ،‬والفضاء‬
‫الالمدرسي‪...‬كما تغير نظام المقاعد ليتخذ بعدا عموديا ‪ ،‬وأفقيا ‪ ،‬ودا ريا‪،‬‬
‫ونصف دا ري‪ ،‬وشكل حذو الحصان‪...‬‬

‫المبحث الثامن‪ :‬الصراع السوسيو‪ -‬معرفي‬


‫يعد مفهوم الصراع السوسيو‪ -‬معرفي (‪)le conflit sociocognitif‬‬
‫من أهم المفاهيم التي تمثلها البياجويون الجدد في أثناء حديثهم عن التعلم‬
‫والنمو ‪ ،‬باالنفتاح على المقاربات السيكواجتماعية من جهة‪ ،‬والمقاربات‬
‫السوسيومعرفية من جهة أخرى‪ .‬ويعني هذا أن جان بياجيه كان قد ألح‬
‫على وجود صراع معرفي داخلي‪ ،‬عندما يواجه المتعلم وضعيات جديدة لم‬
‫يكن قد اطلع عليها؛ مما يسبب له ذلك نوعا من عدم التوازن المعرفي‪.‬لذا‪،‬‬
‫‪40‬‬
‫يستحضر المتعلم تمثالته القديمة والغائبة لمواجهة تلك الوضعية الجديدة‪،‬‬
‫فيتحقق لها التعلم بشكل إيجابي‪ .‬ويسمى هذا بالصراع المعرفي الداخلي‬
‫المرتبط بالشخص في عالقته بالمعرفة من جهة‪ ،‬ومواجهة المحيط أو‬
‫البيئة التي يتواجد فيها من جهة أخرى‪.‬‬
‫بيد أن مينيي(‪ ،43)G.Mugny‬ودواز ( ‪ ، 44)W.Doize‬وجيلي‬
‫(‪ ،45)Gilly.M‬وفيكوتسكي(‪ 46 )Vygotsky‬قد تنبهوا إلى قصور هذا‬
‫التصور البياجوي‪ ،‬وأثبتوا أن ثمة تأثيرات اجتماعية مهمة ناتجة عن‬
‫التفاعل بين األفراد قد تسهم في توليد صراع من نوع آخر‪ ،‬وهو الصراع‬
‫المعرفي الخارجي ‪ ،‬أو الصراع السوسيو‪ -‬معرفي الناتج عن اختالف في‬
‫األجوبة أمام مشكل معرفي ؛ حيث تؤدي المواجهة بين هذه األجوبة إلى‬
‫إعادة ترتيب البنيات المعرفية الداخلية للفرد‪ .‬ومن ثم‪ ،‬اليمكن للفرد إغناء‬
‫تعلماته ومكتسباته وكفاءاته وتطويرها وتقويتها إال في فضاء تفاعلي‬
‫متعدد ومتنوع ومختلف‪ ،‬يتميز بالصراعات السوسيو‪ -‬معرفية ‪.‬ويعني هذا‬
‫أن التعلم من طبيعة اجتماعية محضة‪ ،‬وليس من طبيعة فردية‪ .‬وبالتالي‪،‬‬
‫فهذه المعرفة نتاج التفاعالت الصفية بين األفراد‪.‬ومن ثم‪ ،‬فالصراع‬
‫السوسيو ‪ -‬معرفي مصدر أساسي للتعلم واالكتساب وتطوير القدرات‬

‫‪43‬‬
‫‪-Mugny, G. (Ed.) (1985). Psychologie sociale du développement‬‬
‫‪cognitif. Berne : Peter Lang.‬‬
‫‪44‬‬
‫‪- W.Doize et G.Mugny B (1981) : Le développement social de‬‬
‫‪l’intelligence, Paris, InterEditions.‬‬
‫‪45‬‬
‫‪- Gilly, M. (1995). Approches socio-constructives du‬‬
‫& ’‪développement cognitif de l’enfant d’âge scolaire. In G. Gaonach‬‬
‫‪C. Golder (Eds.), Manuel de Psychologie pour l’enseignement‬‬
‫‪(pp.130-167). Paris : Hachette.‬‬
‫‪46‬‬
‫‪Vygotsky, L. S. (1978). Mind in society. Cambridge, MA: Harvard‬‬
‫‪University Press. Vygotski, L.S (1985c/1933). Le problème de‬‬
‫‪l'enseignement et du développement mental à l'âge scolaire. In B.‬‬
‫;)‪Shneuwly & J.P. Bronckart (Eds.), Vygotski aujourd'hui (pp. 95-117‬‬
‫‪Paris : Delachaux & Niestlé.‬‬
‫‪41‬‬
‫الذاتية الفردية داخل منظومة ديدكتيكية جماعية‪ .‬وبذلك‪ ،‬يتحقق التعلم‬
‫بتجاوز الالتوازن الفردي إلى التوازن الجماعي‪.‬‬
‫ويعني هذا كله أن التفاعالت والصراعات المعرفية ذات الطابع‬
‫االجتماعي قد تساعد على التعلم اإليجابي‪ ،47‬وتطوير آلياته التكوينية‬
‫واالكتسابية‪ .‬ومن ثم‪ ،‬يدخل المتعلم في صراع معرفي ضد المدرس‬
‫والمتعلمين اآلخرين على أساس أن أفكاره وتمثالته يقينية وصحيحة‪،‬‬
‫ولكن يستطيع أن يغير تمثالته بعد أن يتأكد من صحة آراء زمالئه‬
‫اآلخرين‪ ،‬فيقوم بتعديل تعلماته أو تصحيحها أو إلغائها‪ ،‬وبناء تمثالت‬
‫معرفية وتعلمية جديدة‪ .‬وبهذا‪ ،‬تشدد سيكولوجيا التعلم على أهمية المحيط‬
‫والبيئة االجتماعية وصراعاتها في توليد تعلم إيجابي هادف ومثمر‪ ،‬يسهم‬
‫في تطوير القدرات الكفائية لدى المتعلم وفق أسس علمية جديدة‪.‬‬
‫ويعني الصراع السوسيو‪ -‬معرفي مواجهة مشكلة أو وضعية معقدة‬
‫ومركبة داخل وسط تعلمي متعدد‪ ،‬أو فضاء دراسي متنوع‪ ،‬يتشكل من‬
‫عدة متعلمين يتنافسون فيما بينهم ثقافيا ومجتمعيا وتربويا ‪ ،‬سواء أكان ذلك‬
‫التننافس إيجابيا أم سلبيا‪.‬‬
‫ويعني هذا كله أن هذا الصراع السوسيو‪ -‬معرفي قد يكون في صالح‬
‫المتعلم عندما يكون واعيا بقدرات اآلخرين في عملية المواجهة‬
‫الديدكتيكية‪.‬ومن ثم‪ ،‬يتخذ ذلك الصراع المعرفي وظيفة تعليمية وتعلمية‬
‫وتكوينية على حد سواء ‪ ،‬بتحفيز جميع المتعلمين على التنافس والصراع‬
‫اإليجابي لتملك القدرات الكفائية والذكائية المختلفة‪ ،‬بحل الوضعيات ‪-‬‬
‫المشكالت التي يقدمها المدرس لجماعة الفصل‪ .‬ومن هنا‪ ،‬اليتحقق التعلم‬
‫بطريقة فردية كما كان سائدا في تصورات جان بياجيه‪ ،‬بل يتحقق أيضا‬
‫باالندماج في جماعة القسم أو صف المتعلمين بغية التنافس والتميز‬

‫‪47‬‬
‫‪- Perret-Clermont, A.N. (1979). La construction de l'intelligence‬‬
‫‪dans l'interaction sociale. Berne : Peter Lang.‬‬
‫‪42‬‬
‫وتحصيل وسائل النجاح‪ .‬فضال عن اختيار المتعلم للحل الصحيح للوضعية‬
‫المعطاة بمقارنته بمختلف الحلول التي قدمها اآلخرون لتلك الوضعية‬
‫نفسها داخل الصف الدراسي‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬يتحقق الصراع السوسيو‪ -‬معرفي‪ ،‬أو ذلك الصراع الموجود بين‬
‫المتعلمين داخل الفضاء الديدكتيكي‪ ،‬بسبب اختالف وجهات النظر تجاه‬
‫حلول الوضعيات الصعبة والمركبة‪ .‬واليمكن الحديث عن هذا الصراع إال‬
‫من أجل فهم عملية التعلم ضمن سياقات ذات طابع جماعي واجتماعي‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬يشارك المتعلمون في بناء التعلمات والمعارف وفق منطق‬
‫التنافس المعرفي‪ ،‬وإظهار القدرات والكفاءات التي تميز البعض عن‬
‫اآلخرين‪.‬ويعكس هذا الصراع المعرفي الصراع المجتمعي والطبقي‬
‫والعلمي والثقافي بشكل من األشكال‪.‬ومن ثم‪ ،‬البد للمدرس من مراعاة هذا‬
‫الصراع‪ ،‬وتفهمه بشكل جيد الستغالله في بناء التعلمات الدراسية‪،‬‬
‫وتحضير الوحدات التعلمية‪.‬‬
‫وخالصة القول‪ ،‬البد للمدرس من رصد التفاعالت الديناميكية الموجودة‬
‫داخل الفضاء الديدكتيكي بين المتعلمين‪ ،‬ومحاولة فهم التنافس الموجود‬
‫بين المتعلمين من أجل إثبات تميزهم‪ ،‬وإظهار مختلف القدرات والكفاءات‬
‫العملية والمهنية واالحترافية‪ ،‬وتوظيف ذلك لبناء التعلمات على أساس‬
‫وجود تمايز ثقافي واجتماعي ومعرفي‪ .‬وهنا‪ ،‬يركز المدرس على التعلم‬
‫الجماعي‪ ،‬أو تقسيم المتعلمين وفق الجماعات التعلمية‪ .‬وعلى المدرس‬
‫كذلك أن يستثمر آثار الصراع السوسيو ‪ -‬معرفي في سياق قائم على تبادل‬
‫المعارف والخبرات والتجارب والتعلمات‪.‬‬

‫المبحث التاسع‪ :‬الخريطة الذهنية‬


‫ترتبط الخريطة الذهنية (‪ ،)Carte mentale/Mental map‬أو الخريطة‬
‫العلمية‪ ،‬أو الخريطة المعرفية‪ ،‬أو خريطة األفكار‪ ،‬بالفيلسوف اليوناني‬

‫‪43‬‬
‫أرسطو من جهة‪ ،‬وبعلم النفس المعرفي الذي تبلور في سنوات الخمسين‬
‫من القرن الماضي‪ ،‬وبالخصوص في سنوات السبعين من جهة ثانية‪،‬‬
‫وبالعالم النفسي البريطاني طوني بوزان (‪ ) Tony Buzan‬من جهة‬
‫ثالثة‪.48‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬فالخطاطة الذهنية نتاج األبحاث والدراسات التي أجريت في‬
‫الفلسفة‪ ،‬والسيكولوجيا المعرفية‪ ،‬والتواصل‪ ،‬واإلعالميات‪ ...‬وهي بمثابة‬
‫إطار توصيفي يبين الطريقة التي يشتغل بها الفكر في بناء المعارف‬
‫والمعلومات والمعارف‪.‬وبالتالي‪ ،‬فهي بمثابة الموسوعة الذهنية التي تقيم‬
‫العالقة بين المفهوم والفكرة والمعلومات ‪ .‬ويعني هذا كله أن الخريطة‬
‫الذهنية هي التي تسعف الباحث أو المتعلم في تحليل المضامين وتفريعها‬
‫وتنظيمها وترتيبها وتشعيبها وتوسيعها أو تلخيصها‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فهي ترتبط‬
‫بالدماغ العصبي وفصيه يمنة ويسرة‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫‪Tony Buzan et‬‬ ‫‪Barry Buzan, Mind‬‬ ‫‪mapʼ :‬‬ ‫‪dessine-moi‬‬
‫‪l'intelligence,‬‬ ‫‪Paris,‬‬ ‫‪Éditions‬‬ ‫; ‪d'Organisation, 2003‬‬
‫‪Tony Buzan et Chris Griffiths, Le mind mapping au service du‬‬
‫‪manager, Paris, Eyrolles Ed. D’Organisation, 2011.‬‬
‫‪44‬‬
45
‫عالوة على ذلك‪ ،‬فهي تصف عمليات التخزين والتمثل واإلدراك‪،‬‬
‫ومعالجة البيانات والمعلومات والمعطيات وفق سياقاتها الواقعية والذهنية‬
‫والخيالية واإلدراكية‪ .‬وتتضمن مجموعة من المفاهيم‪ ،‬والمصطلحات‪،‬‬
‫والصور‪ ،‬والمتخيالت‪ ،‬والمدركات‪ ،‬واألفكار‪ ،‬والفضاءات‬
‫السياقية‪...‬والهدف من ذلك كله هو مساعدة الفرد على التكيف مع المحيط‬
‫بفهمه وتفسيره‪ ،‬أو الدخول في تواصل لفظي أو غير لفظي مع اآلخرين‪.‬‬
‫أضف إلى ذلك أن الخريطة الذهنية مجال معرفي مهم وواسع‪ ،‬تشتغل‬
‫عليه البيولوجيا‪ ،‬واألنتروبولوجيا‪ ،‬واللسانيات‪ ،‬والسيكولوجيا‪ ،‬والتربية‪،‬‬
‫والديدكتيك‪ ،‬واألدب ‪...‬وبالتالي‪ ،‬فهي عالم من الخطاطات‪ ،‬والصور‪،‬‬
‫والتخيالت‪ ،‬واألحالم‪ ،‬والمجردات‪ ،‬والتصورات‪ ،‬والمفاهيم‪ ،‬والتمثالت‪،‬‬
‫والحدوس‪ ،‬والمدركات ‪ ،‬واألطر‪ ،‬والمدونات‪ ،‬والمعارف الخلفية‪،‬‬
‫والسيناريوهات‪...‬‬
‫إذاً‪ ،‬فالخريطة المعرفية هي خطاطة فضائية وجغرافية ذهنية وعلمية‬
‫تصف الدماغ البشري أو الحيواني أو اآللي‪ ،‬بالتوقف عند طرائق تنظيم‬
‫المعلومات والمعارف في الذهن البشري‪ .‬ومن ثم‪ ،‬تهدف الخريطة الذهنية‬
‫إلى فهم العمليات الذهنية والعقلية في بناء المعارف والمعلومات ‪ ،‬وتفسير‬
‫ذلك في ضوء علم النفس المعرفي‪ .‬واليعني ذلك رسم خريطة جغرافية‬
‫للذهن فحسب‪ ،‬بل يمكن االستعانة بالوصف والتأويل والسرد في شرح هذه‬
‫الخريطة الذهنية التي ترد في شكل تمثالت‪ ،‬وصور‪ ،‬وتخيالت‪...‬‬
‫ويعني هذا كله أن الخريطة الذهنية تساعدنا على فهم مختلف الطرائق التي‬
‫تسهم في بناء المعلومات والمعارف الذهنية والعصبية والدماغية‬
‫فيزيولوجيا‪ ،‬وبيولوجيا‪ ،‬وسيكولوجيا‪ ،‬ومعرفيا‪...‬‬
‫ويمكن االستعانة بالخريطة الذهنية في مجالي البيداغوجيا والديدكتيك من‬
‫أجل فهم عمليات اإلدراك واالكتساب واالستيعاب واالنتباه والتمثل‬
‫والتخيل لدى المتعلم‪ .‬ويتحقق ذلك بتحويل أفكار ومعلومات الكتب‬
‫‪46‬‬
‫المدرسية إلى خطاطات وخرائط وصور بصرية ملونة تساعد المتعلم على‬
‫فهم آليات بناء الفكر ذهنيا ‪ .‬بمعنى أن الخريطة الذهنية تنظم مختلف‬
‫المعلومات المدرسية‪ ،‬وتبسطها بشكل واضح وبين وجلي‪.‬‬
‫وأكثر من هذا يمتلك كل متعلم خريطة ذهنية في دماغه العصبي‪ ،‬وتساعده‬
‫هذه الخريطة على تمثل مدركات الذات والعالم الخارجي‪ .‬كما يستطيع‪،‬‬
‫من خالل هذه الخريطة‪ ،‬بناء تعلمات الدرس‪ ،‬بتحويل المعطيات التعلمية‬
‫إلى ملخصات موجزة‪ ،‬أو نقلها في شكل خطاطات متشعبة لتيسير سبل‬
‫التعلم واالكتساب واالختزال والتخزين‪.‬عالوة على توظيف تمثالته‬
‫التعلمية‪ ،‬واستحضار ما اكتسبه من موارد‪ ،‬وما خزنه من خبرات‬
‫وتجارب لمواجهة الوضعيات الحياتية والطبيعية ‪ ،‬باستخدام العصف‬
‫الذهني‪ ،‬واستعمال آليات التفكير المختلفة من تخيل‪ ،‬وتصور‪ ،‬وتذكر‪،‬‬
‫وانتباه‪ ،‬وتركيز‪ ،‬وتجريد‪ ،‬وتشخيص‪ ،‬وتمثيل‪ ،‬وتخزين‪ ،‬وحفظ‪،‬‬
‫واستظهار‪ ،‬واسترجاع‪ .‬فضال عن توظيف جميع حواسه في بناء الدرس‬
‫لفظيا وإيمائيا وإشاريا وبصريا‪ .‬واليمكن للدرس الديدكتيكي أن يحقق‬
‫أهدافه إال إذا وظفنا الخطاطات والعالمات والمجسمات في فهم التعلمات‬
‫وتخزينها وتوظيفها مرة أخرى ‪.‬‬
‫ومن وظائف الخريطة الذهنية كذلك أنها تساعد المتعلم على استحضار‬
‫التعلمات في شكل تمثالت إيجابية لحل الوضعيات اإلدماجية ومعالجتها ‪،‬‬
‫وخلق الروابط المنطقية الممكنة بين الظواهر والوضعيات المعطاة‪ ،‬وفهم‬
‫التعلمات وتفسيرها وتأويلها وفق السياقات المعرفية المخزنة‪ ،‬واستدعاء‬
‫المكتسبات والموارد واإلحاالت المعرفية للتحكم في المسائل والوضعيات‬
‫‪ -‬المشكالت‪ .‬فضال عن تدوين المعلومات وترتيبها وتنظيمها وتلخيصها‬
‫وتوضيحها بغية خلق تواصل لفظي وغير لفظي فعال ومفيد وبناء ومثمر‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬يتبين لنا‪ ،‬مما سلف ذكره‪ ،‬أن الخريطة الذهنية من آليات التعلم‬
‫الديدكتيكي‪ ،‬وأداة من أدوات بناء التعلمات بشكل ذهني وعصبي ودماغي‪.‬‬
‫‪47‬‬
‫كما أنها تسعف المتعلم في استيعاب دروسه‪ ،‬ومراجعة الوحدات التعلمية‪،‬‬
‫وتمثل المكتسبات في حل مشاكل التمارين والمسائل والوضعيات الجزئية‬
‫واإلدماجية واإلشهادية‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫المبحث العاشر‪ :‬السيناريو البيداغوجي والديدكتيكي‬
‫السيييناريو(‪ ) Scénario‬كلميية إيطالييية تعنييي العييرل الوصييفي لكييل‬
‫المناظر واللقطات والمشاهد والحوارات التي سيينبني عليهيا الفييلم بطريقية‬
‫مفصلة عليى الورقية مين التقطييع حتيى التركييب والمونتياج‪ .‬وتسيتمد فكيرة‬
‫السيناريو من قصاصات الصحف‪ ،‬أو من مضامين بعض المسيرحيات‪ ،‬أو‬
‫من القصص‪ ،‬أو من الروايات سواء أكانت قديمة أم حديثة‪ ،‬أو من أرشيف‬
‫المحكميية‪ ،‬أو ميين التيياريخ ‪ ،‬أو ميين وقييائع اجتماعييية وسياسييية وثقافييية‪ ،‬أو‬
‫‪49‬‬
‫تقتبس من التراث األجنبي أو العالمي أو اإلنساني‪.‬‬
‫وإذا كان الفيلم عبارة عن قصة مصورة ومشخصة حركيا تروى للجمهور‬
‫علييى الشاشيية الصييغيرة أو الكبيييرة‪ ،‬أو هييو فيين سييرد القصيية بالصييور‪ ،‬فييإن‬
‫السيناريو هو التخطيط للفيلم على الورق‪ .‬أي‪ :‬إنه تخطييط للقصية السيردية‬
‫الحكائية في شكل لقطات ومقاطع ومشاهد وبكرات وحوارات على الورقة‬
‫لكييي تكييون قابليية للتشييخيص والتمثيييل والتمسييرح الييدرامي فييي األس يتوديو‬
‫اليييداخلي أو الخيييارجي‪ .‬كميييا أن السييييناريو قصييية سيييردية تكتيييب بطريقييية‬
‫مشخصة بالحركات والنقل المرئي البصري‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فالسيناريو عبارة عين شيريط سيردي ووصيفي يهيدف إليى تقيديم‬
‫األحداث والشخصيات والفضياء الزمكياني ‪ ،‬وتزوييد المشياهد بالمعلوميات‬
‫الضرورية كلها ‪ ،‬ونقلها عبر مكونات الحبكة السردية‪ .‬وهنياك نوعيان مين‬
‫السيييناريو‪ :‬سننيناريو خننا يتعلييق بالسييينما‪ ،‬وسننيناريو عننام يوجييه إلييى‬
‫المسرح واإلذاعة وغير ذلك من االختصاصات اإلعالمية‪.‬‬
‫وماان هنااا‪ ،‬يلتجااىء الماادرس إلااى الساايناريو البيااداغوجي ماان أجاال تااأطير‬
‫أنشااطة المااتعلم‪ ،‬والتخطاايط للمراحاال التعلميااة ماان البدايااة حتااى النهايااة‪،‬‬

‫‪ - 49‬حسن الورياغلي‪ :‬المصنفات السينمائية بين المقتضيات الفنية والضوابط القانونية‪،‬‬


‫سليكي إخوان‪ ،‬طنجة‪ ،‬ط‪2005 ، 1‬م‪ ،‬ص‪.13:‬‬
‫‪49‬‬
‫بااالتركيز علااى األحااداث واألنشااطة و األفعااال التعلميااة‪ ،‬وتحديااد ممثلااي‬
‫العملية الديدكتيكية‪ ،‬وتعيين زمان اللقطاات التعلمياة ومكانهاا‪ ،‬والتنصايص‬
‫علاااى الحاااوارات التاااي تتعلاااق بكااال طااارف علاااى حاااد ‪ ،‬وتصاااوير جمياااع‬
‫العالمات البصرية والقرا ن واإلماءات المالحظة داخل الفضاء الدراسي‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬يقوم السيناريو البيداغوجي بتوصايف المقااطع التعلمياة‪ ،‬بتحدياد‬
‫األهاااداف والكفاياااات النوعياااة والخاصاااة لكااال مقطاااع ديااادكتيكي‪ ،‬وتعياااين‬
‫الوسا ل الديدكتيكية ‪ ،‬وتبيان مختلف الموارد التي ينبغاي للماتعلم اكتساابها‬
‫وتعلمها‪ .‬ومن هناا‪ ،‬فالسايناريو البياداغوجي هاو مشاروع أو نشااط تعلماي‬
‫يسااتوجب ‪،‬علااى مسااتوى اإلخااراق ‪ ،‬التحقااق ماان ماادى اكتساااب المااتعلم‬
‫للقدرات الكفا ية المعلن عنها‪.‬‬
‫ويمكن الحديث عن سيناريو التعلم واالكتساب لدى المتعلم‪ ،‬وسيناريو‬
‫التأطير والتكوين والتدريس لدى المدرس‪ ،‬وسيناريو اإلدماج عند تقديم‬
‫الوضعيات اإلدماجية ومعالجتها وتقويمها‪...‬‬
‫وعليه‪ ،‬فالسيناريو البيداغوجي (‪ )Scénario pédagogique‬هو بمثابة‬
‫" تصور وتخطيط لكل مراحل الدرس من بدايته حتى نهايته؛ وهدف‬
‫السيناريو البيداغوجي هو تدبير التعلمات بشكل ناجع وفعال‪ ...‬وهو نتاج‬
‫سيرورة تصميم نشاط أو أنشطة تعلمية؛ يتكون من مقاطع وأدوار‬
‫وحركات كما نجد في السينما‪...‬ومراحل السيناريو خمس هي‪ :‬التشخيص‬
‫من أجل تحديد األهداف والحاجيات؛ والتصور؛ واإلعداد؛ والتنفيذ‪ ،‬ثم‬
‫التقويم والمراجعة‪.‬‬
‫وقد ارتبط هذا المفهوم باستدماج التكنولوجيا في التدريس ألن ذلك يتطلب‬
‫وضع تصور وتخطيط للدور أو المهمة التي ينتظر أن يقوم بها كل من‬
‫‪50‬‬
‫األستاذ والمتعلم والدعامة الرقمية المنشطة أو غير المنشطة‪".‬‬

‫‪ - 50‬العربي اسليماني‪ :‬المعين في التربية‪ ،‬ص‪.227:‬‬


‫‪50‬‬
‫إذاً‪ ،‬يعتمد السيناريست البيداغوجي والديدكتيكي (المدرس الكفء) علاى‬
‫مجموعة من الخطوات اإلجرا ية التاي توصاله إلاى إمكانياة إخاراق درس‬
‫تعلمااي ناااجا وهااادف‪ .‬وتتمثاال هااذه الخطااوات فااي رساام خطااة هندسااية أو‬
‫خطاااة ديدكتيكياااة وصااافية مرقماااة للمقااااطع والتعلماااات الديدكتيكياااة التاااي‬
‫تستلزم جميع المبادئ والقواعد التي تنبني عليها الحبكة التعلمية ومقومات‬
‫النموذق الديدكتيكي‪.‬‬
‫وإلاايكم مجموعااة مااان الخطااوات التاااي توضااا طريقاااة كتابااة السااايناريو‬
‫البيداغوجي والديدكتيكي في صورته التوضيحية التبسيطية‪:‬‬
‫‪ ‬تحدياد عناوان السايناريو الدراسااي بشاكل واضاا وهاادف‪ ،‬وبطريقااة‬
‫فنية ممتعة جذابة‪.‬‬
‫‪ ‬تبيان تيمته الكبرى وفكرته المحورية‪.‬‬
‫‪ ‬كتابة السينوبسيس أو ملخص السيناريو‪.‬‬
‫‪ ‬تخيل الجنيريك في شكل وضعيات استكشافية بد ية قصد االسترشااد‬
‫به‪.‬‬
‫‪ ‬تصميم الحبكة التعلمية‪ ،‬باحترام الخطوات الثالث‪ :‬عرض المشاكلة‪،‬‬
‫وتعقيد المشكلة‪ ،‬وإيجاد حل للمشكلة‪.‬‬
‫‪ ‬تقطيع الدرس إلى أنشطة وتعلمات وأدوار في شكل لقطات ومشااهد‬
‫ومقاطع متسلسلة من البداية حتى النهاية‪.‬‬
‫‪ ‬مراعااا االقتصاااد والتااوازن و التوقياات فااي عمليااة تقطيااع الاادرس‬
‫وتركيبه‪.‬‬
‫‪ ‬تحديااااد اإليقاعااااات الزمنيااااة والمكانيااااة إلنجاااااز مختلااااف التعلمااااات‬
‫واألنشطة واألدوار الديدكتيكية‪.‬‬
‫‪ ‬ضبط زاوية التواصل اللفظي وغير اللفظي‪.‬‬
‫‪ ‬تحديد أطراف التمثيل والتشخيص الديدكتيكي‪.‬‬
‫‪ ‬التأشااير علااى حركااة الاادرس (حركااة بطي ااة‪ ،‬حركااة سااريعة‪ ،‬حركااة‬
‫مركز ‪ ،‬حركة متسارعة‪ ،‬حركة دا رية‪.)...‬‬

‫‪51‬‬
‫‪ ‬تعيين الشخصيات المتعلمة التي تنجز األحداث من خالل مواصفات‬
‫معينة ومحدد بدقة‪.‬‬
‫‪ ‬توظيااف المااؤثرات الصااوتية والحركيااة واإليقاعيااة بغيااة بناااء درس‬
‫تعلمي ناجا‪.‬‬
‫‪ ‬االساااتعانة بالاااديكور واإلكسساااوارات علاااى مساااتوى تااادبير الفضااااء‬
‫الدراسي‪.‬‬
‫‪ ‬كتابة الحوارات البسيطة العادية المقتضبة‪.‬‬
‫‪ ‬تحديد مد الدرس وفق استعمال الزمن المخطط للدرس‪.‬‬
‫‪ ‬تخصيص عشر دقا ق للبداية‪ ،‬وعشردقا ق للنهاياة ‪ ،‬وأربعاين دقيقاة‬
‫للمقطع الدراسي الوسطي‪ ،‬أو حسب مد كل درس على حد ‪.‬‬
‫‪ ‬جدولااة الساايناريو البيااداغوجي علااى الااورق بشااكل هندسااي مخطااط‪،‬‬
‫بمراعااا جميااع المكونااات التااي ذكرناهااا سااالفا لحاجااة الم ادرس والم اؤطر‬
‫والمتعلم والمدير إلى نسخة من السيناريو البيداغوجي من أجل فهام الحبكاة‬
‫التعلميااة فااي جميااع جوانبهااا ‪ ،‬وتمثاال العماال جياادا فااي ضااوء عناصاارها‬
‫البارز ‪.‬‬
‫واآلن‪ ،‬إليكم سيناريو بيداغوجي لدرس التعبير واإلنشاء في التعليم األولي‬
‫في موضوع ( الطفل والنظافة) وفق المقاطع الديدكتيكية الثالثة‪:‬‬

‫سيناريو األنشطـــــــــــــــــــــــــة الديــــــــدكتيكيــــــــــــــــــــــــــة‬ ‫خطوات‬


‫السيناريو‬
‫أنشطـــــــــــــــــــة المتعلميــــــــــــــــن‬ ‫أنشطة األستـــــــــاذ‬

‫يستمعون للحكاية‪.‬‬ ‫تبدأ المربية بتسميع حكاية الولد النظيف‪ ،‬ثم‬ ‫التسميع‬
‫من الصور ألدوات ومواد‬ ‫عرض مجموعة‬
‫يتطلع األطفال إلى الصور بتحفز‪.‬‬
‫و‬ ‫والفرشا ‪،‬‬ ‫الصابون‪،‬‬ ‫‪:‬‬ ‫التنظيف‬
‫السنون‪،‬والغاسول‪ ،‬وقفاز الغسل‪ ...‬وصور طفل‬

‫يتسابق األطفال مجيبين أن لديهم مثل هذه األدوات‬ ‫ينظف أسنانه‪ ،‬و آخر يستحم‪...‬‬

‫والمواد في منازلهم‪.‬‬ ‫يا أطفالي‪ ،‬من لديه مثل هذه األشياء؟‬ ‫الفهم‬
‫‪-‬هذا كريم ‪ -‬كريم في الحمام – كريم يستحم‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫يسمون بعضها بأسما ها الصحيحة {الصابون ‪} ...‬‬ ‫‪-‬من هذا؟ ‪-‬أين هو؟ ‪-‬ماذا يفعل؟‬

‫ننظف جسمنا بالماء و الصابون‪.‬‬ ‫تسألهم عن أسماء ما في الصور‪.‬‬

‫‪ -‬ننظف أسناننا بالفرشا والسنون‪.‬‬ ‫تعرفهم باألسماء التي لم يتوصلوا إليها ‪.‬‬

‫ننظف مالبسنا بالماء ومسحوق الغسيل‪.‬‬ ‫بماذا ننظف جسمنا؟ بماذا ننظف أسناننا؟‬

‫يتقدم طفل ‪ ،‬ويقلد كريما ‪.‬‬ ‫بماذا ننظف مالبسنا؟‬

‫مجموعة من األطفال يشخصون حكاية الولد‬ ‫التشخيص من يقوم بدور كريم و ينظف أسنانه مثله؟‬
‫النظيف {لعب األدوار}‪.‬‬
‫االستثمار بماذا تنظف وزرتك؟ بماذا تغسل يديك؟‪...‬‬
‫يردد المتعلمون الحديث‪.‬‬
‫قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم)النظافة من‬ ‫الترسيخ‬
‫أنا الفتى النظيف مهذب لطيف‪.‬‬ ‫اإليمان(‪.‬‬

‫الطفل النظيف يحبه هللا‪ ،‬و تحبه المربية ‪،‬‬

‫و يحبه أصدقاؤه‪...‬‬ ‫التقويم‬


‫هذا مشط‪ – .‬هذه فرشا ‪ – .‬هذا مقص أظافر ‪...‬‬ ‫عرض بطاقات أدوات النظافة ليذكر المتعلمون‬
‫أسماءها‪ ،‬و يحاولوا استعمالها في جمل بسيطة‪.‬‬
‫أمشط شعري بالمشط‪.‬‬

‫‪...‬‬

‫وهكذا‪ ،‬يتبين لنا ‪ ،‬في األخير‪ ،‬أن السيناريو البيداغوجي هو تخطيط مسبق‬
‫للعملية التعليمية‪-‬التعلمية من أجل تحقيق مجموعة من األهداف الخاصة ‪،‬‬
‫والسعي بجدية إلى تثبيت الكفايات النوعية لدى المتعلم‪ ،‬وترسيخها وفق‬
‫مشاهد ولقطات ومقاطع تعلمية منطقية متسلسلة ومتدرجة من البداية حتى‬
‫النهاية‪ ،‬تنطلق من لحظة تقديم المشكلة إلى لحظة معالجتها وحلها‬
‫وتقويمها‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فالسيناريو البيداغوجي والديدكتيكي هو تخطيط ورقي‬
‫وتوصيف إجرائي لمختلف العمليات التي يمر بها الدرس الهادف‬
‫‪53‬‬
‫والكفائي‪ ،‬في شكل مشاهد ومقاطع محددة بإيقاعاتنها الزمانية والمكانية‬
‫والشخوصية والتواصلية والحوارية والبصرية‪.‬‬

‫المبحث الحادي عشر‪:‬التقطيع الديدكتيكي‬


‫يتمثل التقطيع الديدكتيكي في إفراغ التعلمات واألنشطة في مجموعة من‬
‫المراحل الر يسة‪ ،‬بعد تحديد األهداف اإلجرا ية‪ ،‬وتعيين الكفاية النوعية‬
‫والممتد والمستهدفة‪ .‬ومن ثم‪ ،‬يضم الدرس ثالث مراحل ديدكتيكية‪ ،‬أو‬
‫ثالثة مقاطع أساسية‪ ،‬ويمكن حصرها فيما يلي ‪:‬‬
‫‪‬المقطع التمهيدي أو االبتدائي أو االستهاللي‪ :‬يكون في شكل مراجعة‪،‬‬
‫أو تقويم تشخيصي‪ ،‬أو استكشاف توقعي لتمثالت التالميذ حول الموضوع‬
‫المدروس؛‬
‫‪ ‬المقطع التكويني‪ :‬يرتكز على أنشطة المعلم والمتعلم في شكل أفعال‬
‫كفا ية وقدرات مرصود ‪ ،‬مع تبيان الطرا ق البيداغوجية والموارد‬
‫والوسا ل الديدكتيكية وتقويمها؛‬
‫‪‬المقطع النهائي أو الختامي أو التقويمي‪ :‬يكون بمثابة تطبيقات‬
‫واستنتاجات واستثمارات وأنشطة لإلنجاز والتقويم النها ي أو اإلجمالي‪.‬‬
‫ويمكن تشخيص هذه المراحل في النموذق التقني التالي‪:‬‬

‫جـــذاذة نموذجية‪-‬‬ ‫‪-‬‬

‫رقم الجذاذة‪ .............:‬األستاذ‪.......................:‬‬ ‫التاريخ‪...........................:‬‬


‫المادة‪ .....................:‬عنوان الدرس‪.............:‬‬ ‫المؤسسة‪........................:‬‬
‫المدة الزمنية‪ ..........:‬الوحدة‪.......................:‬‬ ‫المستوى‪........................:‬‬
‫األسبوع‪......................:‬‬ ‫مكون الوحدة‪:‬‬ ‫رقم الوحدة‪......................:‬‬

‫‪54‬‬
‫‪...........................................................................‬‬ ‫الكفاية‬
‫المستهدفة ‪...........................................................................‬‬
‫‪...........................................................................‬‬
‫تقويم‬ ‫الطرائق‬ ‫األهداف األنشطة الديدكتيكية الوسائل‬
‫اإلجرائية المدرس المتعلم الديدكتيكية البيداغوجية ودعم‬
‫تقويم‬ ‫المقطع‬
‫قبلي‬ ‫التمهيدي‬
‫تقويم‬ ‫المقطع‬
‫تكويني‬ ‫التكويني‬
‫تقويم‬ ‫المقطع‬
‫إجمالي‬ ‫النهائي‬

‫المبحث الثاني عشر‪ :‬النموذج الديدكتيكي‬


‫النموذج الديدكتيكي (‪) Modèle didactique‬عبارة عن نموذج شكلي‪،‬‬
‫أو قالب نظري‪ ،‬هدفه هو توصيف العملية التعليمية‪ -‬التعلمية‪ ،‬واستجالء‬
‫طرائق بناء التعلمات فهما وتفسيرا واستكشافا‪.‬‬
‫ويعد النموذج أو النمط الديدكتيكي مقولة وصفية عامة ومجردة‪ ،‬تساعدنا‬
‫على فهم مجموعة من الظواهر التربوية والديدكتيكية وتفسيرها والتنظير‬
‫لها‪ .‬وليس من الضروري أن تكون خصائص هذا النمط متوفرة دائما‪،‬‬
‫وبشكل جيد‪ ،‬في الظواهر المالحظة والمدركة‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فهدف النموذج‬
‫هو تكوين صورة عامة للظاهرة الديدكتيكية أو منظور هادف لها‪.‬‬
‫واليحيلنا مفهوم النموذج على الجودة واإلتقان والحكم اإليجابي فقط‪ ،‬بل‬
‫هو دليل لبناء الفرضيات‪ ،‬ونموذج لفهم الظواهر التربوية المدركة في‬
‫الواقع‪ ،‬أو تعبير عن الفكر المنظم‪ .‬بمعنى أن النموذج هو نتاج لعملية‬

‫‪55‬‬
‫تركيبية لمجموعة من السمات والمواصفات لظاهرة ما‪ ،‬قد تكون مجردة‬
‫وعامة‪ ،‬وتصنيفها ضمن نموذج فكري وعقلي ومنطقي متسق‪.‬‬
‫وللتمثيل‪ ،‬حينما ندرس الظواهر الديدكتيكية ‪ ،‬فإننا ندرسها بطريقة مثالية‬
‫عامة ‪ ،‬بالتركيز على خصائصها ومميزاتها المجردة والمشتركة في‬
‫عمومها لقولبتها ضمن نموذج مفهومي ووصفي ما‪ .‬أضف إلى ذلك أن‬
‫النموذج الديدكتيكي هو نتيجة لمجموعة من المقارنات والعمليات الوصفية‬
‫لظاهرة ديدكتيكية ما‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فالنموذج العالقة له بالقيمة‪ ،‬بل يرتبط‬
‫بمنظومة من الخصائص واألوصاف والسمات المشتركة الناتجة عن‬
‫مالحظة ظاهرة ما‪.‬‬
‫وبتعبير آخر‪ ،‬يعني النموذج تجريد أو تحويل الظاهرة الديدكتيكية المدركة‬
‫والمالحظة إلى نموذج ذهني مجرد في شكل خصائص ومكونات وسمات‬
‫مشتركة مجردة وعامة‪.‬أي‪ :‬االنتقال من المحسوس إلى المجرد المثالي‪.‬‬
‫فحينما يرصد المالحظ ظاهرة مدركة ما ومعزولة ‪ ،‬فإنه يختزلها في‬
‫مجموعة من المكونات والخصائص والسمات العامة والمجردة لبناء‬
‫نمطها المثالي والمفهومي‪.‬‬
‫إذاً‪ ،‬فالنموذج أداة تصورية وإجرائية أساسية‪ ،‬أو هو بمثابة منهاج ‪ ،‬أو‬
‫مقياس‪ ،‬أو نموذج تركيبي يستخدم لوصف الوقائع الديدكتيكية وتقييمها‪.‬‬
‫ويعني هذا أن النموذج هو أداة للفهم وإدراك الظواهر التربوية والتعليمية‬
‫إدراكا مباشرا وبدهيا وواضحا‪ .‬ويرى أنتوني غيدنز(‪ )Giddens‬أن "‬
‫األنماط المثالية هي نماذج مفهومية وتحليلية يمكن استخدامها لفهم العالم‪.‬‬
‫وقلما توجد هذه النماذج في العالم الواقعي‪.‬وربما التوجد على اإلطالق‪.‬‬
‫وفي أغلب الحاالت تتضح جوانب أو مالمح قليلة منها في الواقع‪ .‬غير أن‬
‫هذه النماذج االفتراضية قد تكون مفيدة جدا‪ ،‬عندما نحاول فهم األوضاع‬

‫‪56‬‬
‫الفعلية في العالم بمقارنتها بواحد من هذه األنماط المثالية‪.‬وفي هذا السياق‪،‬‬
‫‪51‬‬
‫تكون األنماط المثالية بمثابة نقطة مرجعية ثابتة‪"...‬‬
‫إذاً‪ ،‬فالنموذج هو تشييد فكري اليعكس الواقع التجريبي المرصود فحسب‪،‬‬
‫بل يسمح بتحليل مكوناته وخصائصه‪ .‬ويتحقق النموذج بالربط بين عدد‬
‫من الظواهر‪ ،‬بتصنيفها وتنظيمها وترتيبها ضمن نموذج فكري منسجم‬
‫ومتسق‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬يعد النموذج بمثابة قالب للتوصيف والتجريد والتقعيد والتصنيف‬
‫والنمذجة ‪ ،‬وتحويل الواقع الديدكتيكي إلى قوانين وبناءات لها قيمة كشفية‬
‫كبيرة جدا‪ .‬أي‪ :‬يقوم النموذج المثال على ربط النظرية بالواقع بغية تحديد‬
‫األشكال والمفاهيم المجردة‪ ،‬وصوال إلى تصنيف نوعي‪ ،‬وتبيان للمكونات‬
‫الجوهرية ‪ ،‬وتحديد للسمات الثانوية‪ ،‬وتصنيف لألنماط‪ .‬ومن هنا‪،‬‬
‫فإن"النظام المنطقي للمفاهيم من جانب‪ ،‬والترتيب التجريبي لما هو خاضع‬
‫للتصور في إطار الزمان والمكان‪ ،‬إلى جانب الترابط السببي من جانب‬
‫آخر‪ ،‬كل ذلك سيبدو مترابطا إلى درجة أن محاولة اإلساءة إلى الواقع‪،‬‬
‫لتؤكد فيه القابلية الفعلية للبناء‪ ،‬ستبدو محاولة اليمكن مقاومتها‪"52.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬يستهدف النموذج الديدكتيكي فهم الظواهر التربوية والديدكتيكية‬
‫فهما حقيقيا‪ ،‬وتوصيفها تجريدا وتقعيدا وتصنيفا‪ .‬ومن هنا‪ ،‬يمكن الحديث‬
‫عن نموذج التعليم من جهة‪ ،‬ونموذج للتعلم من جهة أخرى‪ .‬ويعني هذا‬
‫وصف سيرورة التدريس التي يتوالها المدرس في مختلف مراحلها‪،‬‬
‫ووصف سيرورة التعلم التي يقوم بها المتعلم في مختلف خطواتها‬
‫اإلجرائية‪ .‬وبهذا‪ ،‬يكون النموذج التربوي هو الذي يصف مسارات التعليم‬
‫والتعلم على حد سواء‪ .‬وإذا كانت الطريقة (‪ )Méthode‬عبارة عن‬
‫‪- 51‬أنتوني غدينز‪ :‬علم االجتماع‪ ،‬ترجمة‪ :‬فايز الصياغ‪ ،‬منشورات المنظمة العربية‬
‫للترجمة‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2005‬م‪ ،‬ص‪.71:‬‬
‫‪ - 52‬كاترين كوليو تيلين‪ :‬ماكس فيبر والتاريخ‪ ،‬ترجمة‪ :‬جورج كتورة‪ ،‬المؤسسة الجامعية‬
‫للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪1994‬م‪ ،‬ص‪.119:‬‬
‫‪57‬‬
‫ممارسة إجرائية وتطبيقية ‪ ،‬فإن النموذج)‪ )Modèle‬عبارة عن تصور‬
‫بنيوي نظري‪ .‬ومن هنا‪ ،‬يعنى النموذج التربوي بتقسيم الدرس إلى مقاطع‬
‫التعلمات‪ ،‬ورصد أنشطة التعلم‪ ،‬وتبيان أشكال التعلمات‪ ،‬وتحديد أساليب‬
‫التعلم‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬يرتكز النموذج الديدكتيكي على فهم المثلث البيداغوجي‪ ،‬وتبيان‬
‫النموذج المثالي في عملية التدريس‪ ،‬كأن يرتكز هذا النموذج على تحديد‬
‫األهداف العامة والخاصة واإلجرائية من جهة‪ ،‬وتعيين مجموعة من‬
‫الكفايات النوعية والمستهدفة والنهائية والممتدة‪ .‬ثم‪ ،‬اختيار مجموعة من‬
‫الموارد في شكل قدرات وكفايات ودرايات ومواقف ومعارف لتبليغها‬
‫للمتعلم ‪ ،‬مع تقديم مجموعة من الدروس في شكل دعم وتوليف ضمن ما‬
‫يسمى باإلدماج الجزئي‪.‬وبعد ذلك‪ ،‬يقدم للمتعلم وضعيات صعبة ومركبة‬
‫ومعقدة للتثبت من مدى تحقق الكفاءة لديه ضمن ما يسمى ببيداغوجيا‬
‫اإلدماج‪.‬ويعني ذلك أن يدمج المتعلم ما اكتسبه من موارد في حل‬
‫الوضعيات التي يواجهها في الفضاء الدراسي‪ ،‬أو في المحيط الخارجي‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬يمكن الحديث عن النموذج الديدكتيكي المعرفي الموسوعي‬
‫المرتبط بالمدرسة التقليدية أو الكالسيكية‪ .‬عالوة على النموذج الديدكتيكي‬
‫الهادف القائم على فلسفة األهداف السلوكية‪ ،‬والنموذج الديدكتيكي الكفائي‬
‫الذي يعتمد على المقاربة بالكفايات وبيداغوجيا اإلدماج‪ .‬ومن جهة أخرى‪،‬‬
‫يمكن الحديث عن نماذجة ديدكتيكية أخرى كالنموذج اإلبداعي‪ ،‬والنموذج‬
‫الملكاتي‪ ،‬والنموذج اإلعالمي الترابطي‪...‬‬
‫وفي األخير‪ ،‬يمكن الحديث عن نماذج بيداغوجية وتربوية وديدكتيكية‬
‫متنوعة‪ ،‬يمكن حصرها فيما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬النموذج الديدكتيكي التلقيني كما في المدرسة التقليدية؛‬
‫‪ ‬النموذج الديدكتيكي الحواري كما في التربية الحديثة؛‬

‫‪58‬‬
‫‪ ‬النموذج الديدكتيكي الهادف القائم على بيداغوجيا األهداف؛‬
‫‪ ‬النموذج الديدكتيكي الكفائي القائم على المقاربة بالكفايات؛‬
‫‪ ‬النموذج الديدكتيكي الهربارتي القائم على التمهيد‪ ،‬وبناء الدرس‪،‬‬
‫والربط المنطقي بين مراحل الدرس‪ ،‬واالستنتاج‪ ،‬والتطبيق؛‬
‫‪ ‬النموذج اإلدماجي القائم على تنفيذ الوضعيات اإلدماجية؛‬
‫‪ ‬النموذج الديدكتيكي التنشيطي القائم على التنشيط الفردي والجماعي؛‬
‫‪ ‬النموذج الديدكتيكي اإلبداعي الذي يهدف إلى جعل المتعلم مبدعا في‬
‫أسرته ومدرسته ومجتمعه؛‬
‫‪ ‬النموذج الديدكتيكي الملكاتي القائم على الذكاءات المتعددة؛‬
‫‪ ‬النموذج الديدكتيكي الترابطي(‪ )Connectivité‬القائم على توظيف‬
‫اإلعالميات الرقمية في التدريس‪.‬‬

‫المبحث الثالث عشر‪ :‬الوضعية الديدكتيكية‬


‫اليمكن استيعاب مورفولوجيا الوضعية الديدكتيكية التعلمية إال بتحديد‬
‫الوضعية لغة واصطالحا‪ ،‬والتوقف عند الوضعية المسألة‪ ،‬وتبيان‬
‫خصائصها ومواصفاتها‪ ،‬وتبيان المقصود من العائق الذي يشكل دعامة‬
‫رئيسة للوضعية ‪ -‬المشكلة‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬مفهوم الوضعية‬
‫إذا تصفحنا معاجم اللغة العربية كلسان العرب والمعجم الوسيط‪ ،‬فإننا ال‬
‫نجد كلمة الوضعية بهذه الصيغة؛ بل نجد كلمة وضع موضعا ومواضع‬
‫الدالة على اإلثبات في المكان‪ .‬أي‪ :‬إن الوضعية بمثابة إطار مكاني للذات‬

‫‪59‬‬
‫والشيء‪ .53‬ولكننا نجد ‪ ،‬في اللغات األجنبية‪ ،‬حضورا لهذا المفهوم بشكل‬
‫واضح ومحدد؛ حيث نجد ‪ ،‬في معجم أكسفورد اإلنجليزي‪ ،‬أن الوضعية‬
‫(‪ )Situation‬تعني " معظم الظروف واألشياء التي تقع في وقت خاص‪،‬‬
‫وفي مكان خاص"‪.54‬‬
‫وتقترن الوضعية بداللة أخرى‪ ،‬وهي السياق الذي هو" عبارة عن وضعية‬
‫يقع فيها شيء‪ ،‬وتساعدك ‪ -‬بالتالي‪ -‬على فهمه"‪.55‬‬
‫أما معجم روبير(‪ ، )Robert‬فيرى أن الوضعية هي " أن تكون في مكان‬
‫أو حالة حيث يوجد الشيء أو يتموقع"‪ . 56‬أي‪ :‬إن الوضعية هي التموقع‬
‫المكاني أو الحالي في مكان أو وضع ما‪ ،‬بينما يحدد السياق في هذا المعجم‬
‫على أنه " مجموعة من الظروف التي تحيط بالحدث"‪.57‬‬
‫ويمكن أن نفهم من هذا كله أن الوضعية هي مجموعة من الظروف‬
‫المكانية والزمانية والحالية التي تحيط بالحدث‪ ،‬وتحدد سياقه‪ .‬وقد تتداخل‬
‫الوضعية مع السياق ‪،‬والظروف‪ ،‬والعوائق‪ ،‬والمواقف‪ ،‬والمشكالت‪،‬‬
‫والصعوبات‪ ،‬والمسائل‪ ،‬واالختبارات‪ ،‬والمحكات‪ ،‬والحالة‪ ،‬والواقع‪،‬‬
‫والدعامة‪ ،‬واإلطار‪ ،‬واإلشكالية…إلخ‪.‬‬
‫وتعرف الوضعية ‪ ،‬في مجال التربية والديدكتيك‪ ،‬بأنها" وضعية ملموسة‬
‫تصف‪ ،‬في الوقت نفسه‪ ،‬اإلطار األكثر واقعية‪ ،‬والمهمة التي يواجه التلميذ‬

‫‪ - 53‬ابن منظور‪ :‬لسان اللسان‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬
‫‪ ،1993‬ص‪743:‬؛ والمعجم الوسيط ألحمد حسن الزيات وآخرين‪ ،‬المكتبة اإلسالمية‪،‬‬
‫إستانبول‪ ،‬تركيا‪ ،‬ص‪.1039 :‬‬

‫‪54‬‬
‫‪- A.Regarder: Oxford advanced learners, Dictionary Oxford‬‬
‫‪university press 2000; p: 1109.‬‬
‫‪55‬‬
‫‪-Ibid, p : 247.‬‬
‫‪56‬‬
‫‪- Paul Robert : Le Petit Robert, Paris, éd, 1992, p : 378.‬‬
‫‪57‬‬
‫‪-Ibid, p : 1820 .‬‬
‫‪60‬‬
‫من أجل تشغيل المعارف المفاهيمية والمنهجية الضرورية لبلورة الكفاية‬
‫والبرهنة عليها"‪ .58‬أي‪ :‬إن الوضعية واقعية ملموسة‪ ،‬يواجهها التلميذ‬
‫بقدراته ومهاراته وكفاءاته بحلها‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فليست الوضعيات سوى التقاء‬
‫عدد من العوائق والمشاكل في إطار شروط وظروف معينة‪ .‬إن الوضعية‪-‬‬
‫حسب محمد الدريج‪ " -‬تطرح إشكاال عندما تجعل الفرد أمام مهمة عليه‬
‫أن ينجزها‪ ،‬مهمة ال يتحكم في كل مكوناتها وخطواتها‪ ،‬وهكذا يطرح‬
‫التعلم كمهمة تشكل تحديا معرفيا للمتعلم‪ ،‬بحيث يشكل مجموع القدرات‬
‫والمعارف الضرورية لمواجهة الوضعية وحل اإلشكال‪ ،‬ما يعرف‬
‫بالكفاية"‪.59‬‬

‫وتأسيسا على ما سبق‪ ،‬يتبين لنا أن الوضعية هي مجموعة من المشاكل‬


‫والعوائق والظروف التي تستوجب إيجاد حلول لها من قبل المتعلم من أجل‬
‫الحكم على مدى كفاءته وأهليته التعليمية ‪ -‬التعلمية والمهنية‪ .‬وتعد المواد‬
‫الدراسية مجموعة من المشاكل والوضعيات‪ .‬ومن هنا‪ ،‬ينبغي علينا أن‬

‫‪ - 58‬بيير ديشي‪ :‬تخطيط الدرس لتنمية الكفايات‪ ،‬ترجمة‪ :‬عبد الكريم غريب‪ ،‬منشورات عالم‬
‫التربية‪ ،‬مطبعة دار النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األولى‪2003 ،‬م‪ ،‬ص‪.181:‬‬
‫‪ - 59‬محمد الدريج‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.60 :‬‬
‫‪61‬‬
‫نعد التلميذ للحياة والواقع لمواجهة التحديات والصعوبات التي يفرضها‬
‫عالمنا اليوم‪ ،‬و يتعلم الحياة عن طريق الحياة‪ ،‬وأال يبقى رهين النظريات‬
‫المجردة البعيدة عن الواقع الموضوعي‪ ،‬أو حبيس الفصول الدراسية‬
‫واألقسام المغلقة والمسيجة بالمثاليات والمعلومات التي تجاوزها الواقع‪ ،‬أو‬
‫التي أصبحت غير مفيدة لإلنسان‪ .‬أي‪ :‬تنبني فلسفة الوضعيات على أسس‬
‫البراجماتية‪ ،‬كالمنفعة‪ ،‬واإلنتاجية‪ ،‬والمردودية‪ ،‬والفعالية‪ ،‬واإلبداعية‪،‬‬
‫والفائدة المرجوة من المنتج ‪ ،‬وهو تصور الفلسفة الذرائعية لدى جيمس‬
‫جويس‪ ،‬وجون ديوي ‪ ،‬وبرغسون‪ ،‬والثقافة األنجلو سكسونية بصفة عامة‪.‬‬
‫وخالصة القول‪ :‬ترتبط الكفايات بمواجهة المشاكل المركبة والوضعيات‬
‫المعقدة‪ .‬والمقصود بأن تكون كفئا ومؤهال‪ .‬أي‪ :‬أن تكون إنسانا ناجحا‬
‫ومتمكنا من أسباب النجاح‪.‬‬
‫ومن مواصفات الوضعية أنها مركبة تشتمل على مجموعة من الموارد‬
‫والمواقف المختلفة‪ .‬كما أنها ذات هدف معين‪ .‬وهي كذلك تفاعلية على‬
‫أساس أن المتعلم يتسلح بمجموعة من القدرات المستضمرة للتفاعل مع‬
‫المحيط‪ .‬ومن ثم‪ ،‬تنفتح على مجموعة من الحلول الواقعية والممكنة‬
‫والمحتملة‪ .‬وهي محفزة على النجاح والتفوق والتميز‪ .‬ومن جهة أخرى‪،‬‬
‫ينبغي أن تكون الوضعية مدعمة باألسناد والوثائق والتعليمات‬
‫والنصوص‪ ،‬ومعايير التقويم‪ ،‬ومؤشرات التصحيح‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الوضعية‪ -‬المشكلة‬
‫تنتج الوضعية المسألة عن تفاعل بين ذات ‪ ،‬سواء أكان ذلك شخصا‬
‫واحدا أم مجموعة من األشخاص‪ ،‬وموضوع معين‪،‬أو معلومات مبنية تبعا‬
‫لعمل يتعين إنجازه؛ " إال أنه يوجد في هذا اإلطار وسيط مقترح للوضعية‬
‫إن جاز التعبير‪ ،‬فهو يتدخل كوسيط بين الدعامة والقائم بالحل‪ ،‬أي التلميذ‪.‬‬
‫وبإمكاننا التعرف إلى أربع مراحل أساسية في هذا التفاعل‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ ‬بروز حاجة معيشة أو مبنية لنية إنجاز أو الدفع إلى إنجاز عمل تبعا‬
‫لمعلومات معينة (المرحلة األولى)؛‬
‫‪ ‬تنظيم المدرس لمجموعة هذه المعلومات من أجل أهداف تعلمية‬
‫(المرحلة الثانية)؛‬
‫‪ ‬إبرام عقد مع التلميذ لكي يمر إلى إنجاز العمل (المرحلة الثالثة)؛‬
‫‪60‬‬
‫‪ ‬إنجاز العمل في حد ذاته (المرحلة الرابعة)‪".‬‬
‫وللوضعيات أهمية كبيرة في اختبار المناهج الدراسية‪ ،‬وتقييم المدرسة‬
‫المعاصرة‪ ،‬والتمييز بين التقليدية منها والجديدة ‪ ،‬ومعرفة المدرسة‬
‫المنغلقة من المدرسة الوظيفية والمنفتحة‪ .‬وعليه‪ ،‬فإن الوضعيات هي محك‬
‫الكفاءة والمردودية‪ ،‬وإبراز للقدرات والمهارات والمواهب المضمرة‬
‫والظاهرة‪ .‬إنها تربية على حل المشاكل المستعصية‪ ،‬واقتراح الحلول‬
‫المناسبة والممكنة‪ ،‬والتحفيز على التعلم الذاتي‪ ،‬وتجاوز الطرائق التقليدية‬
‫القائمة على التلقين والحفظ‪ ،‬وتقديم المعرفة والمحتويات بواسطة المدرس‬
‫إلى التلميذ السلبي‪.‬‬
‫ومن المعلوم أن التربية بالوضعيات هي التي تفرز الكفاءات والقدرات‬
‫العقلية المتميزة ‪ .‬فهي التي تربط المدرسة بالواقع وسوق الشغل ‪ ،‬وليس‬

‫‪ - 60‬روجيه كزافيي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.22:‬‬


‫‪63‬‬
‫ذلك بالشهادات والدبلومات و المؤهالت‪ ،‬بل بالشهادات ‪ -‬الكفايات‪ .‬بيد أن‬
‫هذه الوضعيات والكفايات ليست عصا سحرية لمعالجة كل مشاكل‬
‫وزارات التربية والتعليم ‪ ،‬مثل‪ :‬معالجة اكتظاظ التالميذ في الفصول‬
‫الدراسية‪ ،‬ونقص في تكوين المدرسين‪ ،‬وإيجاد الحلول المناسبة للوضعية‬
‫االجتماعية للمدرسين‪ ،‬وتوفير الوسائل واإلمكانيات المادية والبشرية‪ ،‬بل‬
‫إن طريقة التعليم بالكفايات والوضعيات طريقة بيداغوجية لعقلنة العملية‬
‫الديدكتيكية تخطيطا وتدبيرا وتسييرا وتقويما‪ ،‬وتفعيلها بطريقة علمية‬
‫موضوعية على أسس معيارية وظيفية‪ ،‬وربط المدرسة بالحياة وسوق‬
‫العمل‪ ،‬وتلبية حاجيات أرباب العمل‪ ،‬وتحقيق الجودة والمنافسة ‪ ،‬والسير‬
‫وفق مقتضيات العولمة‪ .‬ويتطلب هذا كله تغيير عقلية اإلدارة والمدرس‬
‫والتلميذ واآلباء والمجتمع كله‪ .‬وال ينبغي أن تبقى الوضعيات والكفايات‬
‫في إطارها الشكلي‪ ،‬أو بمثابة موضة عابرة ‪ ،‬أو حبيسة مقدمات الكتب‬
‫المدرسية‪ ،‬أو رهينة توجيهات البرامج الدراسية وفلسفتها البعيدة‪،‬‬
‫باعتبارها غايات ومواصفات مثالية نظرية‪ ،‬دون تطبيق‪ ،‬أو دون تنزيل‬
‫واقعي‪ ،‬أو دون ممارسة فعلية وميدانية‪ .‬وهنا‪ ،‬أستحضر قولة معبرة بكل‬
‫وضوح لما نريد أن نقصده لمبلور الكفايات فيليب‬
‫پيرنو(‪":)Perrenoud‬إذا ظلت المقاربة بالكفايات على مستوى الخطاب‬
‫لهثا وراء الموضة‪ ،‬فإنها ستغير النصوص لتسقط في النسيان… […] أما‬
‫إذا كانت تطمح إلى تغيير الممارسات‪ ،‬فستصبح إصالحا من (النمط‬
‫‪61‬‬
‫الثالث) ال يستغني عن مساءلة معنى المدرسة وغايتها"‬
‫وعليه‪ ،‬فللوضعيات أهمية كبرى في مجال التربية والتعليم ؛ ألنها تؤهل‬
‫المتعلم ليكون إنسانا كفئا ومواطنا مسؤوال‪ ،‬يعتمد على نفسه في مواجهة‬
‫المواقف الصعبة والوضعيات المستعصية‪.‬‬

‫‪ - 61‬حسن بوتكالي‪ (:‬مفهوم الكفايات وبناؤها عند فيليب پيرنو)‪ ،‬الكفايات في التدريس بين‬
‫التنظير والممارسة‪ ،‬مطبعة أكدال‪ ،‬الرباط‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪ ،2004‬ص‪.24:‬‬
‫‪64‬‬
‫وال يمكن فهم الوضعيات إال إذا وضعناها في سياقها االجتماعي‬
‫والتاريخي؛ فلقد استلزم التطور العلمي والتكنولوجي المعاصر ‪ ،‬منذ‬
‫منتصف القرن العشرين‪ ،‬توفير أطر مدربة أحسن تدريب لتشغيل اآللة‬
‫بكل أنماطها؛ مما دفع المجتمع الغربي ليعيد النظر في المدرسة وطبيعتها‬
‫ووظيفتها‪ ،‬بربطها بالواقع والحياة وسوق الشغل قصد محاربة البطالة‪،‬‬
‫وأسباب الفشل المدرسي‪ ،‬وإيجاد حل للالمساواة االجتماعية‪ .‬ويعني هذا‬
‫ربط المدرسة بالمقاولة والحياة المهنية والعولمة والقدرة التنافسية‬
‫المحمومة‪ .‬أي ‪ :‬على المدرسة أن تنفتح على الواقع والمجتمع معا‬
‫لتغييرهما ‪ ،‬وإمدادهما باألكفاء واألطر المدربة الماهرة والمتميزة؛ فال‬
‫قيمة للمعارف والمحتويات الدراسية‪ ،‬إذا لم تقترن بما هو وظيفي ومهني‬
‫وتقني وحرفي‪ .‬إذاً‪ ،‬فكل هذه العوامل هي التي كانت وراء عقلنة المناهج‬
‫التربوية‪ ،‬وجعلها فعالة ناجعة ذات مردودية تأطيرية وإبداعية‪.‬‬
‫وقد حاولت دول العالم الثالث‪ ،‬بما فيها الدول العربية ( المغرب‪،‬‬
‫والجزائر‪ ،‬و تونس‪ ،‬وسلطنة عمان ‪ -‬مثال‪ ،)...-‬أن تتمثل هذا النموذج‬
‫التربوي القائم على المقاربة بالكفايات‪ ،‬وتمثل الوضعيات اإلدماجية‬
‫لمسايرة المستجدات العالمية‪ ،‬واإلنصات إلى متطلبات السوق الليبرالية‬
‫بغية الحد من البطالة‪ ،‬وتفادي الثورات االجتماعية ‪ ،‬والحد من ظاهرة‬
‫الهجرة بكل أنواعها‪ ،‬مع تبيئتها في مدارسها لخلق الجودة والعقالنية‪،‬‬
‫وتحصيل المردودية الفعالة‪ .‬وبذلك‪ ،‬أصبحت التربية تابعة للسياسة‬
‫االقتصادية للدولة وظروفها االجتماعية والتمويلية‪ .‬وفي هذا الصدد‪ ،‬يقول‬
‫نيكو هيرت (‪ ":)Nico Hirtt‬ما هو إذا عالم اليوم هذا ؟ يتميز محيطنا‬
‫االقتصادي بعنصرين اثنين ‪ :‬أوال تقلب بالغ ‪ ،‬وثنائية اجتماعية قوية‪ .‬ينجم‬
‫عن احتدام الصراعات التنافسية‪ ،‬وإعادة الهيكلة ‪ ،‬وإغالق المصانع‪،‬‬
‫وترحيل وحدات اإلنتاج‪ ،‬واللجوء المتسارع إلى اختراعات تكنولوجية‬
‫زائلة أكثر فأكثر(سواء في مجال اإلنتاج أم في مجال االستهالك)‪ .‬وفي‬
‫هذا السياق‪ ،‬تتمثل إحدى أهم مساعي أرباب العمل في المرونة‪ .‬أي‪:‬‬
‫‪65‬‬
‫مرونة سوق العمل‪ ،‬ومرونة العامل المهنية واالجتماعية‪ ،‬ومرونة أنظمة‬
‫التربية والتكوين‪ ،‬وقابلية تكيف المستهلك‪.‬‬
‫مازالت سوق العمل حاليا منظمة بشكل قوي على أسس المؤهالت‪ .‬أي‪:‬‬
‫على أساس الشهادات‪ .‬وتمثل الشهادة جملة معارف ومهارات معترف بها‪،‬‬
‫تخضع لمفاوضات جماعية‪ ،‬وتخول حقوقا بشأن األجور وشروط العمل أو‬
‫الحماية االجتماعية‪ .‬وإلتاحة دوران أكثر ليونة لليد العاملة‪ ،‬بات أرباب‬
‫العمل يسعون لتدمير هذا الثنائي المتصلب‪ :‬مؤهالت‪ -‬شهادات‪ ،‬واستبداله‬
‫بالثنائي كفايات‪ -‬شهادات مبنية على وحدات تكوين( مصوغات أو‬
‫‪62‬‬
‫مجزوءات ‪").Modulaire‬‬
‫ويتمثل سياق الوضعيات في االنفصال بين النظرية والتطبيق‪ ،‬أو في غربة‬
‫المدرسة عن الواقع و سوق الشغل‪.‬‬

‫وثمة مجموعة من الخصائص التي يجب أن تتميز بها الوضعية المشكلة‪-‬‬


‫حسب أستوفلي (‪ -63)ASTOLFI‬نذكر منها‪:‬‬
‫‪ ‬ينبغي أن تحدد الوضعية عائقا ينبغي حله‪.‬‬
‫‪ ‬أن تكون الوضعية حقيقية ملموسة وواقعية تفرل على التلميذ صياغة‬
‫فرضيات وتخمينات‪.‬‬
‫‪ ‬تشبه هذه الوضعية لغزا حقيقيا ينبغي حله‪ ،‬و مواجهته بالقدرات‬
‫المكتسبة‪.‬‬
‫‪ ‬تكون ذات خصوصية تحدد مجال فعل الكفاية‪.‬‬

‫‪ - 62‬نيكو هرت‪ (:‬بصدد المقاربة عبر الكفايات هل نحتاج إلى عمال أكفاء أم إلى مواطنين‬
‫نقديين؟)‪ ،‬الكفايات في التدريس بين النظرية والممارسة‪ ،‬مطبعة أكدال‪،‬الرباط‪،‬الطبعة‬
‫األولى سنة ‪2004‬م‪ ،‬ص‪.50 -49:‬‬
‫‪63‬‬
‫‪- Astolfi, j, p : ( Placer les élèves en situation – problème ? ), dans‬‬
‫‪Probio revue, 16, 4, Bruxelles : Association des professeurs de‬‬
‫‪biologie (ASBL) ,1993.‬‬
‫‪66‬‬
‫‪ ‬توصف ضمن لغة واضحة ومفهومة من قبل التلميذ‪.‬‬
‫‪ ‬تتطلب الوضعية معارف وقدرات ومهارات‪ ،‬تسهم في تكوين الكفاية‬
‫في شتى مستوياتها المعرفية والحركية والوجدانية‪.‬‬
‫‪ ‬تتشابه مع وضعية حقيقية يمكن أن تواجه األفراد خارج المدرسة‪،‬‬
‫ضمن الحياة المهنية‪ ،‬أو الحياة الخاصة‪.‬‬
‫‪ ‬ينبغي أن يكون المشكل الذي يعد للتلميذ مشكال حقيقيا‪ ،‬ال يكون فيه‬
‫الحل بديهيا‪.‬‬
‫خبراته‪.‬‬ ‫التلميذ‬ ‫‪ ‬تشكل الوضعية فرصة يثري فيها‬
‫‪ ‬تحدد الوضعية وفق المستوى المعرفي للتلميذ‪.‬‬
‫إذاً‪ ،‬يواجه المتعلم وضعية تتطلب حل مشكلة ما ‪ ،‬إما بشكل فردي‪ ،‬وإما‬
‫بشكل جماعي‪ ،‬بالتفكير في حيثيات المشكلة بمراعاة سياقها التداولي‪،‬‬
‫وتدبرها بشكل جيد‪ ،‬ثم اقتراح الحلول المناسبة والممكنة لمعالجة هذه‬
‫المشكلة‪ .‬ومن ثم‪ " ،‬يحقق التعلم بحل المشكالت نتائج أفضل من نشاط‬
‫االستكشاف‪ ،‬في إيصال مفهوم دقيق؛ ألنه يقترح وضعية‪ -‬مشكلة‬
‫معقدة‪،‬تستلزم أن يقوم التلميذ بتعلمات متعددة‪ ،‬متداخلة ومتمحورة حول‬
‫هذه الوضعية في اآلن نفسه‪ .‬وهي ليست نشاطا يستغرق دقائق أو ساعات‬
‫معدودة‪ ،‬وإنما يتطلب عدة أيام‪ ،‬وأسابيع‪ ،‬أو حتى عدة أشهر‪ ...‬وتعتمد هذه‬
‫‪64‬‬
‫المقاربة حاليا في التعليم العالي بالخصوص‪".‬‬
‫ويرتبط البحث الذي يقوم به المتعلم بفرضية أو مشكلة ما‪ ،‬تستوجب‬
‫البحث والتنقيب معا‪ ،‬وجمع المادة إليجاد حل لها‪.‬‬
‫ويلتجئ المتعلم إلى أنشطة اإلدماج بعد اكتساب الموارد ‪ ،‬وبعد عمليات‬
‫التوليف والتركيب والدعم والمراجعة من أجل مواجهة وضعية واحدة أو‬
‫مجموعة من الوضعيات الصعبة بغية تثبيت كفاية ما تمهيدا وتطبيقا‪.‬‬
‫‪ - 64‬انظر‪ :‬بيداغوجيا اإلدماج‪ ،‬ص‪.86:‬‬
‫‪67‬‬
‫وبتعبير آخر‪ ،‬يستدمج المتعلم كل موارده المكتسبة لتوظيفها لحل‬
‫الوضعية‪.‬أي‪ :‬إن" نشاط اإلدماج هو نشاط ديدكتيكي يتوخى استدراج‬
‫التلميذ لتحريك المكتسبات التي كانت موضوع تعلمات منفصلة‪ ،‬فهي ‪-‬‬
‫إذا ً‪ -‬لحظات تعلمية تقوم على إعطاء معنى لتلك المكتسبات‪.‬‬
‫ويمكن أن نلجأ إلى أنشطة اإلدماج في أية لحظة من التعلم‪ ،‬والسيما في‬
‫نهاية بعض التعلمات التي تشكل كال داال‪ ،‬أي‪ :‬عندما نريد ترسيخ كفاية‪،‬‬
‫أو تحقيق الهدف النهائي لإلدماج‪.‬‬
‫وتتغير أنشطة اإلدماج هاته‪ ،‬فأثناء التعلمات االعتيادية‪ ،‬قد تكون أنشطة‬
‫قصيرة (ال تتجاوز دقائق معدودات) لوضع مكتسبات عديدة ضمن سياق‪.‬‬
‫‪65‬‬
‫وفي نهاية التعلم‪ ،‬تصير المدة مهمة‪ :‬قد تمتد من ساعة إلى عدة أيام‪".‬‬
‫وعليه‪ ،‬ينبني نشاط اإلدماج على فعالية المتعلم باعتباره بطال رئيسا في‬
‫عملية بناء التعلمات‪ ،‬وحل الوضعيات المشكالت‪ .‬كما يستلزم اإلدماج من‬
‫المتعلم أن يعبئ كل موارده المستضمرة ‪ ،‬بشكل من األشكال‪ ،‬لحل‬
‫الوضعية المطروحة عليه‪ .‬كما أن نشاط المتعلم نشاط ذو معنى‪ ،‬ومرتبط‬
‫بوضعية جديدة‪ ،‬وموجه نحو كفاية أو نحو هدف إدماج نهائي‪.‬‬
‫ومن أمثلة األنشطة اإلدماجية نشاط حول حل المشكالت‪ ،‬ونشاط خاص‬
‫بوضعية تواصل‪ ،‬ومهمة معقدة تنجز في سياق معطى‪ ،‬وإنتاج حول‬
‫موضوع معين‪ ،‬وزيارة ميدانية‪ ،‬وأعمال تطبيقية ومختبرية‪ ،‬وابتكار عمل‬
‫فني‪ ،‬وتدريب عملي‪ ،‬وإنجاز مشروع بيداغوجي أو مشروع القسم‪...‬‬
‫ويرتكز نشاط اإلدماج على تحديد الكفاية المستهدفة‪ ،‬وتحديد التعلمات التي‬
‫نريد دمجها‪ ،‬واختيار وضعية ما تكون دالة وجديدة تراعي مستوى‬
‫المتعلم‪ ،‬وتتيح فرصة إلدماج ما نريد أن يتعلمه التلميذ‪ ،‬ووضع صيغ‬
‫التطبيق‪ ،‬مثل‪ :‬ما يقوم به المتعلم‪ ،‬وما يقوم به المدرس‪ ،‬وإعداد الوسائل‬

‫‪ - 65‬انظر‪ :‬بيداغوجيا اإلدماج‪ ،‬ص‪.92-91:‬‬


‫‪68‬‬
‫المتوفرة‪ ،‬وتحديد المطلوب بدقة‪ ،‬وتبيان أشكال العمل(فردي ‪ -‬جماعي‪-‬‬
‫المجموعات‪ ،)...‬وتوضيح مراحل العمل‪ ،‬واإلشارة إلى بعض المزالق‬
‫التي ينبغي تجنبها‪.‬‬
‫يتضمن التقويم اإلدماجي الوضعية المسألة التي تتكون من الوضعية من‬
‫جهة‪ ،‬والمسألة من جهة أخرى‪.‬بمعنى أن الوضعية تحوي موضوعا‬
‫وسياقا‪ .‬في حين‪ ،‬تتوفر المسألة على عائق أو مشكل ينبغي أن نجد له حال‪.‬‬
‫وكل من وجد هذا الحل‪ ،‬فهو شخص كفء أو مؤهل‪ .66‬ومن ثم‪ ،‬تكون‬
‫الوضعية في خدمة التعلمات الجديدة‪ .‬ويعني هذا أننا نتعلم كيف نحل‬
‫المشاكل‪ .‬وتذكرنا هذه الطريقة ببيداغوجيا حل المشكالت‪ .‬ومن هنا‪،‬‬
‫فالوضعية المسألة هي" وضعية تضع عائقا معينا تبعا لسلسلة من‬
‫التعلمات‪ ،‬مثل‪ :‬الوضعية المسألة التي تقتضي إنشاء مجسم للمدرسة‪،‬‬
‫باستعمال مواد معينة‪ ،‬بهدف تقديم المدرسة في إطار معرل‪.‬‬
‫الوضعية المسألة التي تقتضي إيجاد اإلجراءات التي يتعين اتخاذها في‬
‫مواجهة مشكلة بيئية مطروحة‪.‬‬
‫الوضعية المسألة التي تقتضي شرح بنية اجتماعية تتسم بطابع الصراع‬
‫اعتمادا على وقائع تاريخية سابقة‪"67.‬‬
‫ويمكن الحديث عن أنواع عدة من الوضعيات‪ ،‬فهناك وضعيات حياتية‪،‬‬
‫ووضعيات طبيعية‪ ،‬ووضعيات مهنية‪ ،‬ووضعيات تعلمية أو بنائية أو‬
‫ديدكتيكية وتربوية‪ .‬وفي هذا يقول‪ ،‬كزافيي‪ ":‬الوضعية المسألة ‪ ،‬بشكل‬
‫عام‪ ،‬هي وضعية تجيب عن إشكال مطروح‪ .‬وفي الحياة اليومية‪ ،‬تملى‬
‫الوضعيات المسائل من قبل األحداث التي يواجهها كل شخص يوميا؛ كما‬

‫‪ - 66‬كسافيي روجييرز ‪ :‬التدريس بالكفايات(وضعيات إلدماج المكتسبات)‪ ،‬ترجمة‪ :‬عبد‬


‫الكريم غريب‪ ،‬منشورات عالم التربية‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2007‬م‪،‬‬
‫ص‪.11:‬‬
‫‪ - 67‬كسافيي روجييرز ‪ :‬التدريس بالكفايات‪ ،‬ص‪.13:‬‬
‫‪69‬‬
‫هو الشأن بالنسبة للوضعية المسألة التي تتعلق بتوليف مواعيد عدة‪،‬‬
‫والوضعية المسألة التي تتعلق بضياع المفاتيح‪...‬إلخ‪.‬ونتكلم عن وضعيات‬
‫حياتية مثلما نتكلم عن وضعيات مهنية‪ ،‬عندما نطرح هذه األخيرة في‬
‫إطار مزاولة مهنة‪ ،‬مثل‪ :‬مواجهة مشكلة عطب في آلة‪ ،‬وفي حال التزامنا‬
‫بأجل محدد لإلنتاج‪.‬وكل هذه األمثلة تشكل وضعيات يمكن وصفها‬
‫بوضعيات طبيعية‪ .‬في اإلطار المدرسي‪ ،‬الوضعية المسألة هي وضعية‬
‫‪...‬يتم بناؤها أيضا على اعتبار أن الوضعية المسألة تتموضع داخل سلسلة‬
‫مخطط لها للتعلم‪.‬وسيكون هناك على سبيل المثال عدد أقل من المعطيات‬
‫المشوشة‪ ،‬كما هو األمر في وضعية حياتية‪ ،‬أو معطيات يتم تقديمها للتلميذ‬
‫وفق ترتيب معين لكي يحترم التدرج فيما يخص الصعوبات التي يتعين‬
‫‪68‬‬
‫عليه تجاوزها‪".‬‬
‫ولكن ما يهمنا من الوضعيات ‪ -‬المسائل الوضعيات الديدكتيكية‪ ،‬وهي‬
‫الوضعيات التي يقترحها المدرس لجماعة الفصل قاطبة في سياق تعلم‬
‫جديد‪ :‬درايات‪ ،‬وإتقانات جديدة‪...‬انطالقا من الموارد اإلدماجية‪ .‬وتسمى‬
‫أيضا هذه الوضعيات بوضعيات االستكشاف التي تهدف إلى تملك تعلمات‬
‫جديدة ‪ ،‬بحل المشاكل المستعصية‪.‬ويكون االستكشاف بطرح أسئلة حول‬
‫موضوع ما‪ ،‬وطرح فرضيات حوله‪....‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬يمكن الحديث عن الوضعيات اإلدماجية‪ ،‬أو ما يسمى‬
‫بالوضعيات المستهدفة‪ ،‬أو وضعيات إعادة االستثمار‪ ،‬أو وضعيات‬
‫األهداف‪ ،‬ويلتجىء إليها المتعلم بعد االنتهاء من اكتساب الموارد‪،‬‬
‫والدخول في عملية اإلدماج‪ ،‬أو استثمار المعلومات لحل المشاكل‬
‫المستعصية أو المعقدة التي تطرحها الوضعيات المشكالت‪ ،‬أو المسائل‬
‫المعقدة والصعبة والمركبة‪.‬‬

‫‪ - 68‬كسافيي روجييرز ‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.18:‬‬


‫‪70‬‬
‫وإذا كانت الوضعيات الديدكتيكية توظف لتيسير التعلم الجيد‪ ،‬فإن‬
‫الوضعيات األهداف أو الوضعيات اإلدماجية تقوم بدمج المعلومات‬
‫والموارد السابقة من أجل حل وضعية جديدة بغية التثبت من مدى تحقق‬
‫الكفاية المستهدفة‪ .‬وفي هذا‪ ،‬يقول كزافيي‪ ":‬التقتضي وضعية مسألة‬
‫هدف مجاورة تمارين صغيرة ‪ ،‬ألن هذا قد يكون مجرد مراجعة؛ بل‬
‫تقتضي وضعية معقدة ‪ ،‬يكون فيها على التلميذ القيام بمفصلة وتوليف عدة‬
‫درايات وإتقانات صادفها من قبل‪ .‬إن األمر يتعلق في اآلن نفسه بوضعية‬
‫مسألة في شكل سيرورة‪ ،‬تستعمل لتعلم اإلدماج‪ ،‬ووضعية مسألة منتوج‪،‬‬
‫تستعمل كشاهد على ما يتعين أن يتمكن منه التلميذ‪ .‬وحتى التلتبس هذه‬
‫الوضعيات بالوضعيات المسائل الديدكتيكية ‪ ،‬فنسميها وضعيات‬
‫أهداف‪".69‬‬
‫وعليه‪ ،‬تصبح الوضعية دعامة خامة بمعلوماتها المفصلة‪ ،‬ثم هي أداة‬
‫ديدكتيكية تساعد التلميذ على التعلم وحل المشكلة‪ ،‬ثم هي عقد مبرم بين‬
‫المتعلم والمدرس الذي يقترح الوضعيات(عقد ديدكتيكي)‪ .‬وهي كذلك‬
‫إنجاز وعمل وتنفيذ إجرائي‪.‬إذاً‪ ،‬هناك تفاعل بين المتعلم والمعلومات‪،‬‬
‫وتفاعل بين المتعلم والمدرس‪ ،‬وتفاعل بين المتعلم والعمل‪ ،‬من خالل تعاقد‬
‫صريح أو ضمني بين مقترح الوضعية ومن يحلها (المتعلم)‪.‬‬
‫كما تتنوع الحلول إلى حل موجه‪ ،‬وحل مستقل‪ ،‬وحل فردي‪ ،‬وحل‬
‫جماعي‪...‬‬

‫‪ - 69‬كسافيي روجييرز ‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.34:‬‬


‫‪71‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬الهدف العائق‬
‫تعرف اإلعاقة على أنها نوع من التأخر في التعلم واالكتساب في بعض‬
‫النواحي من شخصية الطفل؛ إذ يمكن استدراكها بعد الترويض والتدريب‬
‫والتمرين والعالج الداخلي والخارجي‪ .‬كما توجد لدى المصاب إمكانيات‬
‫أخرى سليمة وصحيحة كامنة لديه‪ ،‬يمكن توظيفها إيجابيا ‪ ،‬بشكل من‬
‫األشكال‪ ،‬واستثمارها بالتدريج ‪ ،‬جزئيا أو كليا‪ ،‬إلرجاع ما افتقده من‬
‫حواس أو تعلمات أو اكتسابات‪ .‬ويمكن كذلك توجيهها في مناح تعلمية‬
‫ومهنية هادفة وبناءة ووظيفية‪ ،‬كتعليم األعمى ‪ -‬مثال‪.-‬‬
‫أما العاهة‪ ،‬فهي إصابة مستدامة من حيث األثر المترسب؛ إذ اليمكن‬
‫عالجها أو إرجاعها أو استدراكها؛ ألنها تعود إلى عوامل وراثية‬
‫وبيولوجية‪ ،‬من الصعب إعادتها أو التحكم فيها ‪ ،‬مثل‪ :‬عاهة الصم‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫ويمكن الحديث عن أنواع من العوائق في مجال التدريس‪ ،‬وهي العوائق‬
‫اإلبستمولوجية‪ ،‬والعوائق الديدكتيكية‪ ،‬والعوائق التي تتعلق بتحقيق‬
‫األهداف والكفايات‪.‬‬
‫وتنبني الوضعية المسألة على الهدف العائق‪.‬أي‪ :‬مواجهة العائق وتجاوزه‬
‫انطالقا من الموارد المكتسبة التي استضمرها المتعلم بغية إدماجها لحل‬
‫الوضعية‪ -‬المشكلة‪ .‬إذاً‪ ،‬يضع المدرس هدفا ‪ ،‬ويتمثل هذا الهدف في طرح‬
‫مشكلة أو عائق ينبغي تجاوزه وإيجاد حل له‪ .‬ويسمى هذا الهدف بالهدف‬
‫العائق‪ ،‬وهو يصدر عن المواجهة بين منطقين‪:‬‬
‫" منطق األهداف المحددة من لدن الخبير (المدرس‪ ،‬وأخصائيو‬
‫المحتويات) ‪ ،‬والتي تنتج عن تحليل المحتويات؛‬
‫ومنطق تحليل الصعوبات التي تعترل المتعلم لكي يتجاوز ويتوصل إلى‬
‫الدرايات المراد تكوينها انطالقا من تمثالته الخاصة‪.‬‬
‫وتحاول األهداف المعيقات أن توفق بين هذين المنطقين‪ :‬منطق الخبير‬
‫ومنطق المتعلم‪:‬‬
‫من جهة‪ ،‬يدرس الهدف بطريقة معينة‪ ،‬حيث يشكل التعلم تقدما فكريا لدى‬
‫التالميذ؛‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬يدرس الهدف بشكل يمكن من االشتغال على معيق قابل‬
‫للتجاوز من قبل المتعلم‪.‬‬
‫‪70‬‬
‫يتعلق األمر‪-‬إذا ً‪ -‬بنوع من التفاول بخصوص الهدف‪".‬‬
‫وتختلف طبيعة الوضعية ‪ -‬المسألة من فرد إلى آخر‪ ،‬ومن لحظة إلى‬
‫أخرى‪ ،‬فقد تكون صعبة ومعقدة عند فرد ما‪ ،‬وسهلة ومتداولة عند فرد‬
‫آخر‪ ،‬وقد تكون مشكلة ما في لحظة معينة‪ ،‬والتكون كذلك في لحظة‬

‫‪ - 70‬كسافيي روجييرز ‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.28:‬‬


‫‪73‬‬
‫أخرى‪ .‬وفي هذا السياق‪ ،‬يقول كزافيي‪ ":‬إن مفهوم الوضعية المسألة نسبي‬
‫أساسا‪ ،‬ألنه يرتبط في جزئه األكبر بمن يتكلف بحل هذه الوضعية‪.‬ويمكن‬
‫أن تكون وضعية معينة‪ ،‬وضعية مسألة بالنسبة لفرد ما؛ لكنها تبقى‬
‫وضعية متداولة بالنسبة لفرد آخر‪.‬وبالمثل‪ ،‬يمكن أن تشكل وضعية معينة‪،‬‬
‫وضعية مسألة بالنسبة لفرد ما في لحظة معينة‪ ،‬والتطرح له أي إشكال في‬
‫‪71‬‬
‫لحظة أخرى‪".‬‬
‫وقد تكون الوضعية ‪ -‬المسألة معرفية ‪ ،‬أو وضعية وجدانية ‪ ،‬أو وضعية‬
‫حسية حركية‪.‬‬
‫ويكون التلميذ هو المستهدف بحل وضعيته اإلدماجية ‪.‬أي‪ :‬يكون قادرا‬
‫على إدماج مكتسباته لحل الوضعية المعقدة الجديدة بناء على موارده‬
‫المكتسبة التي استضمرها‪ .‬بمعنى أن يكون التلميذ فاعال في اإلدماج‪ ،‬أو‬
‫هو الذي يقوم بعملية اإلدماج‪ " ،‬وهذا الينفي بعض أشكال العمل الجماعي‬
‫التعاوني أحيانا؛ وهي أشكال عمل قد تخدم بعض التالميذ فيما يخص‬
‫مقصدية إدماج المكتسبات؛ ذلك أن المهم هو التأكد من أن كل تلميذ‪،‬‬
‫‪72‬‬
‫خصوصا الضعيف‪ ،‬لديه فرصة مهمة لتجنيد تفكيره‪"...‬‬
‫وعليه‪ ،‬ترتبط الوضعية ‪ -‬المسألة بالتعلمات والموارد( الدرايات‪،‬‬
‫واإلتقانات‪ ،‬والمهارات)‪ ،‬والوضعيات الديدكتيكية ‪ ،‬والوضعيات‬
‫اإلدماجية‪ .‬كما أن األنشطة التعلمية أنواع‪ :‬أنشطة تعليمية ‪ -‬تعلمية مجردة‬
‫من السياق‪ ،‬وأنشطة تعليمية ‪ -‬تعلمية مسيقة‪ ،‬وأنشطة تعليمية ‪ -‬تعلمية في‬
‫وضعية طبيعية‪ ،‬وأنشطة التمارين والتطبيق‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬للوضعية المسألة وظيفة إدماجية من جهة (التقويم اإلدماجي)‪،‬‬
‫ووظيفة تقويمية من جهة أخرى(التقويم التكويني أو اإلجمالي)‪ .‬بل يمكن‬
‫الحديث عن أهداف تشخيصية لوضعيات إدماجية في بداية السنة‬
‫‪ - 71‬كسافيي روجييرز ‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.29:‬‬
‫‪ - 72‬كسافيي روجييرز ‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.43:‬‬
‫‪74‬‬
‫الدراسية(التقويم التشخيصي)‪ ،‬أو ألهداف التوجيه والضبط واإلشهاد في‬
‫آخر السنة الدراسية(التقويم اإلشهادي)؛ حيث يقول كزافيي‪ ":‬هذا ما يتيحه‬
‫اإلدماج للتالميذ‪ ،‬باعتبارها فرصة للتقدم‪ ،‬وخصوصا ألضعفهم؛ ذلك أن‬
‫الفوارق بين التالميذ النبهاء والضعاف منهم‪ ،‬مردها إلى كون التالميذ‬
‫النبهاء يستطيعون اإلدماج بشكل تلقائي؛ إنهم ليسوا بحاجة إلى تعلم نوعي‬
‫من أجل إعادة استثمار مكتسباتهم‪.‬وبالتالي‪ ،‬فإن المستفيد من تطوير‬
‫وضعيات اإلدماج‪ ،‬هم التالميذ النبهاء على اعتبار أن مثل هذه‬
‫الوضعيات‪ ،‬تشكل لهم فرصا للتمرن‪ ،‬كما يستفيد منها التالميذ الضعاف‬
‫بدورهم؛ إذ تشكلت بالنسبة لهم تعلما حقيقيا‪.‬إنه تعلم قلما تتاح لهم الفرصة‬
‫لتلقيه‪ ،‬مادام قد ترسخت لديهم بشكل قوي الفكرة التي مفادها أن المساعدة‬
‫الوحيدة للتالميذ الضعاف‪ ،‬تكمن في تبسيط التعلمات‪ .‬ومن المؤكد أن هذا‬
‫صحيح في بعض اللحظات‪ ،‬لكنهم يحتاجون فيما بعد‪ ،‬للعودة إلى لحظات‬
‫‪73‬‬
‫تعلم ماهو مركب‪".‬‬
‫إذاً‪ ،‬اليمكن الحديث عن تقويم إدماجي إال باستحضار الوضعية اإلدماجية‪،‬‬
‫والموارد المكتسبة‪ ،‬والكفايات المستهدفة‪ ،‬وأنشطة الدعم والتوليف‪،‬‬
‫والحلول المقترحة‪ .‬ومن هنا‪ ،‬يمر التقويم اإلدماجي بعدة مراحل أساسية‬
‫هي‪ :‬تعلم الموارد‪ ،‬وتعلم كيفية دمج هذه الموارد‪ ،‬وتقويم عملية الدمج لهذه‬
‫الموارد‪.‬‬
‫ويعني هذا كله أن التعلم الحقيقي اليكون بطرح التمارين والمسائل التقليدية‬
‫البسيطة أو المباشرة أو الصعبة‪ ،‬بل بتقديم وضعيات مركبة ومعقدة‬
‫وصعبة بغية أن يجيب عنها المتعلم‪ ،‬باستحضار تعلماته القديمة‬
‫والجديدة‪.‬وبهذا‪ ،‬يكون العائق مجرد صعوبة ومشكلة ‪ ،‬تتدرج من البساطة‬
‫حتى التعقيد‪ ،‬وتكون مشكلة ديدكتيكية وتعلمية وإدماجية تسعف المتعلم في‬
‫إدماج تعلماته المكتسبة لحل المشاكل التي تطرحها تلك الوضعيات‪.‬ومن‬

‫‪ - 73‬كسافيي روجييرز ‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.64-63:‬‬


‫‪75‬‬
‫هنا‪ ،‬نثبت أن التعلم دون عوائق ومشاكل وصعوبات‪ ،‬مادام اإلنسان يواجه‬
‫في حياته مشاكل طبيعية وحياتية ومهنية وتعلمية وديدكتيكية‪.‬لذا‪ ،‬فالبد من‬
‫التسلح بمجموعة من القدرات والدراسات والكفايات لحل مشاكل هذه‬
‫الوضعيات المعقدة والمركبة والجديدة‪.‬‬

‫المبحث الرابع عشر‪ :‬التعلم ونظرياته‬


‫ثمة مجموعة من التيارات والمدارس واالتجاهات النفسية التي اهتمت‬
‫بالتعلم فهما وتفسيرا وتأويال‪.‬ويمكن تحديدها في المدرسة السلوكية‪،‬‬
‫والمدرسة الجشطلتية‪ ،‬والمدرسة التكوينية‪ ،‬والمدرسة البنائية االجتماعية‪،‬‬
‫ونظرية الذكاءات المتعددة‪،‬ونظرية الملكات‪ ،‬والبيداغوجيا اإلبداعية‪...‬‬
‫إذاً‪ ،‬ما التعلم؟ وما شروطه؟ وما أهميته؟ وما أهم النظريات والتصورات‬
‫التي تناولت التعلم ؟‬
‫المطلب األول‪ :‬مفهــــوم التعلـــم‬
‫يقصييد بييالتعلم إدراك األشييياء واستبصييارها وتنظيمهييا‪ ،‬وتملييك المعييارف‬
‫واكتسيييابها إميييا وراثييييا ‪ ،‬وإميييا تجريبييييا عبييير الميييران والتيييدريب والصيييقل‬
‫والدراسة والتجربة‪.‬‬
‫ويعني هذا أن التعلم يتحقق بالعقل والتجربة معا‪.‬ومن هنا‪ ،‬فيالتعلم هيو ذليك‬
‫النشاط الذي يقيوم بيه اإلنسيان للتيزود باألفكيار‪ ،‬والمعيارف‪ ،‬والمعلوميات‪،‬‬
‫والمواقف‪ ،‬والمهارات‪ ،‬والقيم‪...‬وال يتحقق ذلك بشكل عفوي أو فجائي‪ ،‬بل‬
‫بالنضج البيوليوجي‪ ،‬والتطيور النميائي واالرتقيائي لجسيم اإلنسياني وذكائيه‬
‫وعقليييه‪ .‬ويتحقيييق ذليييك أيضيييا بالتيييدريب‪ ،‬والتعلييييم‪ ،‬والميييران‪ ،‬والصيييقل‬
‫المستمر‪.‬‬
‫وييييرتبط اليييتعلم كيييذلك بالدافعيييية التيييي تتجليييى فيييي مجموعييية مييين اليييدوافع‬
‫والحاجيييات والحييوافز التييي تييدفع اإلنسييان إلييى الييتعلم ‪ ،‬كإشييباع رغباتييه‬

‫‪76‬‬
‫المعرفيييية والوجدانيييية والحسيييية الحركيييية‪ ،‬أو إشيييباع حاجياتيييه البيولوجيييية‬
‫والنفسية والعقلية‪ ،‬أو من أجل تحقيق طموحه ‪ ،‬أو من أجل إثبيات ذاتيه‪ ،‬أو‬
‫من أجل تحقيق التوازن أو التكيف مع البيئة‪ ،‬أو المحيط‪.‬‬
‫ومييين ثيييم‪ ،‬ينصيييب العليييم عليييى اكتسييياب األفكيييار‪ ،‬والتشيييبع بيييالقيم ‪ ،‬وتعليييم‬
‫المهيييارات‪ ،‬وحيييل الوضيييعيات‪-‬المشيييكالت‪ ،‬وإبيييداع النصيييوص واألشيييكال‬
‫والنظريات‪ ،‬واكتشاف المجهول‪...‬‬
‫وال يتحقق التعلم كذلك إال بوضيع الميتعلم أو اإلنسيان أميام وضيعية مشيكلة‬
‫معقدة أو صعبة أو مركبة من أجل إيجاد جواب أو حل لها‪.‬‬
‫إذاً‪ ،‬فالتعلم‪ ،‬في مفهومه الواسع‪ ،‬عبارة عن خبرات يكتسيبها الكيائن الحيي‪،‬‬
‫بتفاعله واحتكاكه المستمر ببيئته ومحيطهوواقعه المجالي والموضوعي‪.‬‬
‫واليييتعلم كيييذلك هيييو البحيييث عييين مختليييف الطرائيييق واألسييياليب والمنييياهج‬
‫والتقنيييات التييي يسييتطيع بهييا اإلنسييان أن يلبييي حاجياتييه النامييية والمسيتجدة‬
‫باستمرار‪.‬وبذلك‪ ،‬يعد اإلنسان الكائن األكثر حاجة إلى التعلم لتحقيق تيالؤم‬
‫أفضل مع المحيط الذي يعيش فيه‪ ،‬وأيضا من أجل إشباع حاجياته المتعددة‬
‫والمستجدة والملحة والمتكررة والمستمرة‪.‬‬
‫و ليييس الييتعلم فعييال فطريييا طبيعيييا عاديييا‪ ،‬بييل هييو فعييل اكتسييابي قييائم عليى‬
‫المران والتدريب والتجريب والتكرار‪،‬ويكون استجابة لدافع أو حاجيية مين‬
‫حاجيات اإلنسان البيولوجية‪ ،‬أو النفسية‪ ،‬أو الفكرية‪ ،‬أو الثقافية‪...‬‬
‫ويحتياج الييتعلم كيذلك إلييى بيذل المجهييود مين أجييل اكتسياب خبييرات جديييدة‪،‬‬
‫واكتشيياف المجهييول‪ ،‬وبنيياء المعييارف والعييادات الجديييدة‪ .‬ويتحقييق الييتعلم‬
‫باكتسيياب المهييارات‪ ،‬والتييزود بالمعلومييات واألفكييار والبيانييات‪ ،‬ومجابه ية‬
‫المواقف والوضعيات‪ ،‬وحل المشاكل التي يستلزمها الواقع واألحداث‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫ومن ثيم‪ ،‬فهنياك فيرق كبيير بيين العيادة واليتعلم‪ .‬فالعيادة عمليية سيهلة بيدون‬
‫مشقة ‪ ،‬قد تساعد المتعلم على إدراك بعض األشياء‪ ،‬لكن التعلم يحتياج إليى‬
‫جهد وصبر مشقة ومران من أجل التزود باألفكار‪ ،‬وتمثيل القييم وتشيربها‪،‬‬
‫وامتالك التقنيات‪ ،‬والتعرف إلى المناهج والنظريات والمعارف‪...‬‬
‫أضف إلى ذلك أن التعلم عبيارة عين عمليية نفسيية بامتيياز‪ ،‬تخضيع آللييات‬
‫وقييوانين وشييروط محييددة‪ ،‬تنشييأ عنهييا عييادات مختلفيية قييد تكييون صييالحة أو‬
‫طالحيية ‪ ،‬والتربييية هييي وحييدها الكفيليية بييالتمييز بييين الصييالح والطييالح‪.‬ومن‬
‫هنا‪ ،‬فالتعلم هو اكتساب لمجموعة من العيادات العقليية والذهنيية والفكريية‪،‬‬
‫والعادات الوجدانية واالنفعالية‪ ،‬والعادات الحسية ‪ -‬الحركية‪.‬‬
‫أميا الفيرق بيين اليذكاء واليتعلم‪ ،‬فالييذكاء هيو القيدرة عليى اليتعلم واالكتسيياب‬
‫وإدراك األشيييياء وفهمهيييا وتفسييييرها وتأويلهيييا‪ .‬أميييا اليييتعلم‪ ،‬فوظيفييية مييين‬
‫الوظائف األساسية للذكاء‪ ،‬وبه تنكشيف الفيوارق البيداغوجيية والديدكتيكيية‬
‫بين المتعلمين‪ ،‬وبيه يتمييز اليذكاء البشيري عين اليذكاء الحييواني‪.‬ومن هنيا‪،‬‬
‫ترتبط سرعة التعلم وبطؤه بطبيعة الذكاء ونوعه ودرجته ومعدله‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬شروط التعلم وأهميته‬
‫ينبني اليتعلم عليى مجموعية مين الشيروط األساسيية‪ .‬ويمكين حصيرها فيميا‬
‫يلي‪:‬‬
‫‪‬النضنننج البيولنننوجي‪ :‬اليمكييين أن يتحقيييق اليييتعلم ليييدى اإلنسيييان إال بنميييو‬
‫جسييمه‪ ،‬وتصييلب عضييالته‪ ،‬وامييتالك اللغيية‪ ،‬واكتسيياب الجهيياز الصييوتي‪،‬‬
‫ونضج بنيته الجسدية جزئيا أو كليا‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬يرتبط تعلم الكتابة بقوة اليدين‪.‬ويرتبط تعلم الرياضة بقوة الجسد‪.‬‬
‫ويييرتبط تعلييم السييباحة بتصييلب العضييالت‪ ،‬واكتسيياب بعييض المهييارات‪،‬‬
‫ونضج األعضاء والساقين‪ ،‬والتدريب على التنفس الصحيح‪ ،‬والتوفر عليى‬
‫قوة األعصاب والعظام‪...‬‬
‫‪78‬‬
‫‪ ‬النضج العقلي‪ :‬ويعني هذا أن التعلم مرتبط ارتباطا شديدا بالنمو العقلي‬
‫والييذكائي‪.‬فاليمكن أن نطالييب الطفييل‪ ،‬فييي السيينوات األولييى‪ ،‬بكتابيية إنشيياء‬
‫فلسفي قائم على التجريد‪ ،‬بينما الطفل لم يتجاوز مرحلة اإلدراك الحسي‪.‬‬
‫ويعنييي هييذا ضييرورة مراعيياة النمييو العقلييي لييدى الطفييل‪ ،‬وتحديييد الفتييرة‬
‫العمرييية ونييوع الييذكاء المناسييب لتلييك الفتييرة المرصييودة‪.‬ومن ثييم‪ ،‬اليكتفيي‬
‫التعلم بماهو بيولوجي ووراثي فقط‪ ،‬بيل البيد مين اميتالك خصيائص عقليية‬
‫منطقية ورياضية لفهم العالقات بين العناصر تماثال‪ ،‬وتقابال‪ ،‬واستنتاجا‪.‬‬
‫‪ ‬الدافـــعية‪:‬ييرتبط اليدافع إليى اليتعلم بمجموعية مين الحاجيات‪.‬فيالحيوان‬
‫يتعلم من أجل إشباع رغبيات بيولوجيية كاألكيل‪ ،‬وإرواء العطيش‪ ،‬وتحقييق‬
‫الرغبة الجنسية‪ .‬في حين‪ ،‬يسعى اإلنسان إلى تحقيق رغبات أخرى ‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫تحقييييق اليييذات‪ ،‬والسيييعي مييين أجيييل االميييتالك‪ ،‬وإشيييباع الرغبيييات الفكريييية‬
‫والثقافية والعلمية ‪ ،‬والبحث عن التوازن النفسي والديني والروحي‪...‬‬
‫‪ ‬موضننوع الننتعلم‪:‬يييرتبط الييتعلم باكتسيياب المهاراتالمتنوعيية والمختلفيية‪،‬‬
‫وتعليييم التقنييييات والطرائيييق‪ ،‬واليييتمكن مييين اسيييتخدام المنييياهج واألسييياليب‪،‬‬
‫واكتسيياب األفكييار والمعييارف القديميية والجديييدة‪ ،‬والتشييبع بييالقيم والمواقييف‬
‫والتمييثالت‪ ،‬وتعلييم الحركييات‪ ،‬واكتشيياف المعلييوم‪ ،‬والييتحكم فييي المجهييول‪،‬‬
‫وحل الوضعيات والمشاكل‪ ،‬وإيجاد األجوبة للمسائل العويصة والمعقدة‪...‬‬
‫‪ ‬سياق التعلم‪ :‬يتأسس التعلم على حل مجموعة من الوضعيات الصعبة‬
‫والمعقدة التي ترتبط بسياق ما‪ .‬وتحمل تلك الوضعيات والمواقف عوائق‬
‫ومشاكل تتطلب حلوال ناجعة من المتعلم‪.‬‬
‫وترد الوضعية التعليمية السياقية في شكل مسألة معقدة وصعبة‪ ،‬تستلزم‬
‫حلوال مناسبة ومالئمة‪ .‬وكلما وجد المتعلم حلوال لهذه الوضعيات المركبة‬
‫والصعبة والمعقدة ‪ ،‬كان المتعلم كفئا ومؤهال وذكيا‪ .‬وبالتالي‪ ،‬استحق‬
‫التنويه واإلشادة به‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫وللتعلم أهمية كبرى في حياة اإلنسان‪ .‬فهي عملية أساسية في نماء اإلنسيان‬
‫وارتقائييه‪ ،‬بيييالتكيف ميييع الطبيعييية واسييتغاللها وتغييرهيييا‪ .‬وبالتيييالي‪ ،‬يتمييييز‬
‫اإلنسييان عيين بيياقي الكائنييات األخييرى بخاصييية الييتعلم القييائم علييى المييران‪،‬‬
‫واالكتساب‪ ،‬والتجريب‪ ،‬والتدريب‪.‬‬
‫وبهذا التعلم‪ ،‬يستطيع اإلنسان بناء مدنيته وحضارته وكتابية تاريخيه‪ .‬وهيذا‬
‫مييا جعييل البيياحثين يهتمييون بدراسيية الييتعلم‪ ،‬والبحييث عيين قوانينييه وآلياتييه‬
‫المتنوعيية والمختلفة‪.‬لييذا‪ ،‬انقسييموا إلييى تيييارات سيييكولوجية متنوعيية‪ ،‬وإلييى‬
‫مدارس نفسية مختلفة‪ ،‬واتجاهات منهجية متضاربة‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪:‬التعلم في منظور المدرسة السلوكيـــة‬
‫ظهرت المدرسة السلوكية ضمن النطاق األنجلوسكسوني بغية فهم‬
‫مجموعة من الظواهر النفسية والسلوكية‪ ،‬والسيما ما يتعلق بالتربية‪،‬‬
‫والتعليم‪ ،‬والتكوين‪ ،‬والتعلم‪.‬وقد لقيت هذه المدرسة انتشارا كبيرا في‬
‫منتصف القرن العشرين‪ ،‬ومازالت تمارس تأثيرها في الساحة التعليمية‬
‫والتربوية إلى يومنا هذا‪ ،‬على أساس أنها أكبر مدرسة سيكولوجية تعنى‬
‫بمجال التعلم لدى المتمدرس بطريقة علمية موضوعية وتجريبية‪.‬‬
‫يمثييل المدرسيية السييلوكية مجموعيية ميين البيياحثين كيياألمريكيين واطسييون‬
‫(‪1878-1958()Watson‬م) ‪ ،‬وسكينر (‪1904-1990( )Skinner‬م)‪،‬‬
‫وثورنييدايك (‪1874-1949()Thorndike‬م)‪ ،...‬والطبيييب الفيزيولييوجي‬
‫الروسي بافلوف (‪... ،)1849-1963()Pavlov‬‬
‫وقييد تييأثرت هييذه المدرسيية بالوضييعية العلمييية وفلسييفة الواليييات المتحييدة‬
‫األمريكية فيي بدايية القيرن العشيرين‪ .‬وقيد ركيزت عليى فكيرتين أساسييتين‬
‫همييا‪ :‬السييلوك المالحييظ والبيئيية‪ ،‬مييع إقصيياء الييذات والعواطييف الشييعورية‬
‫والعمليات الذهنية والعقلية والفكرية الداخلية‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫الغرل من هذه المدرسية هيو دراسية السيلوك الخيارجي لإلنسيان السيوي‪،‬‬
‫بربطيييه بيييالمثير(‪ )Stimilus‬واالسيييتجابة (‪ .)Réponse‬ويعنيييي هيييذا أن‬
‫السيييلوك اإلنسييياني هيييو نتييياج لليييتعلم‪ ،‬أو هيييو رد فعيييل عليييى مجموعييية مييين‬
‫المنبهات التي تأتينا من العالم الخارجي‪.‬‬
‫ومييين هنيييا‪ ،‬فقيييد ظهيييرت السيييلوكية سييينة ‪1913‬م فيييي الوالييييات المتحيييدة‬
‫األمريكيييية ميييع واطسيييون اليييذي أوجيييد مصيييطلح السيييلوكية سييينة ‪1913‬م‬
‫(‪ )Behavior‬لدراسة مجميل السيلوكيات الموجيودة عنيد مختليف الكائنيات‬
‫الحية‪ ،‬في ارتباط تام بالبيئة‪ ،‬أو المحيط الخارجي‪.‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬فقد استبعدت هذه المدرسة كل ماهو داخليي ‪ ،‬سيواء أكيان شيعورا‬
‫أم الشعورا‪ .‬ويعني هذا أن السيلوكية مدرسية سييكولوجية تجريبيية وعلميية‬
‫بامتيييياز‪ ،‬هيييدفها دراسييية السيييلوك الخيييارجي المالحيييظ فيييي عالقييية بيييالمثير‬
‫واالستجابة‪.‬لذا‪ ،‬فقد أجرييت تجاربهيا األوليى عليى الحيوانيات‪ ،‬مين كيالب‪،‬‬
‫وفئران‪ ،‬وقطط‪ ،‬وحمام‪ ،‬بغية تطبيقها على اإلنسان‪ .‬وبتعبير آخر‪ ،‬التكتفي‬
‫السلوكية بدراسة السلوك عند المتعلم فحسب‪ ،‬بيل تيدرس ‪ ،‬عبير المالحظية‬
‫الواصفة‪ ،‬الكيفية التي بها يتحكم المتعلم في المعرفة‪ ،‬بعيد أن يحقيق الهيدف‬
‫اإلجرائي المطلوب‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫وقد ارتبطت النظرية السلوكية بالتشريط التعلمي (‪)Conditionnement‬‬
‫عند بافلوف انطالقا من ثنائية المثير واالستجابة [‪.]SR‬‬
‫ولييم تقتصيير السييلوكية علييى نظرييية المثييير واالسييتجابة البسيييطة كمييا عنييد‬
‫بافلوف فحسب‪ ،‬بل تطورت مع بييداغوجيا األهيداف التيي اهتميت بتسيطير‬
‫مجموعييييية مييييين األهيييييداف السيييييلوكية المعرفيييييية والوجدانيييييية والحسيييييية‬
‫الحركية‪.‬عالوة على التعلييم المبيرمج (‪)Enseignement programmé‬‬
‫الذي استفاد من تقنيات المدرسة السلوكية ‪ ،‬والتعلييم الحاسيوبي اليذي اميتح‬
‫إوالياته النظرية والتطبيقية مين المدرسية السيلوكية‪ .‬دون أن ننسيى اسيتفادة‬
‫بيداغوجيا الكفايات من هذه النظرية مع تطويرها‪.‬‬
‫وللتوضيح أكثر‪ ،‬فاإلنسان يصيدر سيلوكه الخيارجي المالحيظ والمرصيود‪،‬‬
‫حينما يرتبط ذلك بمحفز واستجابة‪ .‬ميثال‪ ،‬حينميا يحيس اإلنسيان بيالعطش ‪،‬‬
‫يسمى هذا حافزا‪ ،‬فإنه يتجه نحو المكان اليذي يوجيد فييه المياء‪ ،‬يسيمى هيذا‬
‫بالسلوك الخارجي‪ ،‬فيشرب ‪ ،‬ويسمى هذا استجابة‪ .‬وينطبق هذا على حافز‬
‫الجييوع وحييافز الييتعلم وحييافز الخييوف وغيرهييا ميين المثيييرات الخارجييية‬
‫المدركة‪.‬‬
‫وإذا كانييت المدرسيية الشييعورية تييدرس الشييعور الييداخلي‪ ،‬فييإن السييلوكية‬
‫التعنى إال بمالحظة السلوك الخارجي القابيل للدراسية والرصيد والتجرييب‬
‫والتوصيف‪.‬‬
‫وميين هنييا‪ ،‬فكلمييا كييان هنيياك مثييير أو حييافز أو منبييه خييارجي‪ ،‬كانييت هنيياك‬
‫استجابة سيلوكية بمثابية رد فعيل عليى هيذا المنبيه البيئيي أو المحيطيي‪ .‬وقيد‬
‫كان هذا القيانون السييكولوجي نتيجية مجموعية مين التجيارب التيي أجرييت‬
‫على الحيوانات في ظروف ووضعيات تجريبية مختلفة بغية معرفة عالقية‬
‫االرتباط الموجودة بين المثير المدروس واالستجابة المتوقعة‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫وأكثر من هذا‪ ،‬تهتم السلوكية بدراسة الوقائع الذهنية والوجدانية المالحظة‬
‫(الصييرا ‪ ،‬الضييحك‪ ،)...‬وال تعنييى بدراسييية الحيياالت غييير المالحظييية أو‬
‫المدركة (الفرح‪ ،‬والحزن‪ ،‬والغضب‪.)...‬كما تدرس عناصر البيئة الحسية‪،‬‬
‫مثل‪ :‬الحرارة‪ ،‬وعدد األفراد‪...‬ومن هنا‪ ،‬فالوضعيات البيئية هي التي تخلق‬
‫حوافر الفرد‪ ،‬وتستدعي ردود أفعاله واستجاباته‪.‬‬
‫وإذا كان بافلوف قد اهتم بدراسة االنعكاس المشروط‪ ،‬بدراسة ردود الفعيل‬
‫لدى الحيوان في عالقته بيالمحيط اليذي يوجيد فييه‪،‬فإن واطسيون " أراد أن‬
‫يبنييي نظرييية السييلوك اإلنسيياني علييى وحييدة بسيييطة هييي الفعييل الميينعكس‪،‬‬
‫ودرس الفعل المنعكس في الحيوانيات الدنيئية البسييطة والراقيية ‪ ،‬واعتبير‬
‫سلوك اإلنسان مجموعة من األفعال المنعكسة الشرطية المعقدة ‪"74.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فقد كانت السلوكية تنظر إليى اليتعلم وفيق منظيور إشيراطي‪ ،‬بيربط‬
‫التعلم بثنائية المثير واالستجابة‬

‫‪ - 74‬عبد العزيز القوصي‪ :‬علم النفس‪ :‬أسسه وتطبيقاته التربوية‪ ،‬مكتبة النهضة المصرية‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬طبعة ‪1978‬م‪ ،‬ص‪.76:‬‬
‫‪83‬‬
‫‪1874-( )Edward‬‬ ‫هييييييذا‪ ،‬ويعييييييد إدوارد ثورنييييييدايك(‪Thorndike‬‬
‫‪1949‬م)من العلماء األمريكيين الذين يحسبون على التيار السلوكي‪ ،‬وكيان‬
‫سييييباقا إلييييى وضييييع معادليييية المثييييير واالسييييتجابة إطييييارا مرجعيييييا للييييتعلم‬
‫وسيكولوجية السلوك‪ ،‬مع طرح تصور ترابطي للتعلم‪ .‬وقد عيرف بنظريية‬
‫الييتعلم بالمحاوليية والخطييأ‪ .‬عييالوة علييى قييانون األثيير الييذي ارتييبط باسييمه‪.‬‬
‫ويُطلق أيضا على نظرية ثورنيدايك اسيم الترابطيية(‪Connexionnisme‬‬
‫) ‪ ،‬على أساس أن عمليية اليتعلم هيي نتياج اليربط بيين المثيير واالسيتجابة‪.‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬تتقوى عملية التعلم أوتضعف حسب قوة الترابط وضعفه‪.‬‬
‫وتعني نظرية المحاولة والخطيأ أن اإلنسيان ييتعلم بالخطيأ ‪ ،‬ونتيجية تكيرار‬
‫المحاوالت الكثيرة بغية الوصول إلى الهدف المطلوب‪ .‬وتقوم هذه النظرية‬
‫التعلمية على مجموعة من المفاهيم األساسية هي‪:‬‬
‫‪‬التكننرار ‪ :‬يسيياعد المييتعلم علييى تجنييب الخطييأ بعييد القيييام بمجموعيية ميين‬
‫المحيياوالت فييي مييرات زمنييية متعييددة ‪ ،‬مييع تصييحيح االسييتجابات الخاطئيية‬
‫باالستجابات الصحيحة‪.‬‬
‫‪‬التدعيم أو التعزيز‪ :‬يعني التقويم اإليجابي بالمكافأة لتشجيع المتعلم على‬
‫االستجابة‪.‬‬
‫‪ ‬االنطفنناء‪ :‬إذا لييم يتحقييق التييدعيم‪ ،‬يقييع االنطفيياء‪ ،‬أو تراجييع المييتعلم عيين‬
‫االستجابة الفورية‪.‬‬
‫‪‬االسترجاع التلقائي‪ :‬بعد عملية االنطفاء‪ ،‬يمكن للمتعلم أن يسترجع قواه‬
‫بطريقة تلقائية‪.‬‬
‫‪‬التعميم‪ :‬ما يتعلمه المتعلم من موارد يمكن أن يوظفها ويدمجها في أثناء‬
‫مواجهته لوضعيات متشابهة‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫‪‬التمييز‪ :‬يعني هذا المبدأ أن الميتعلم إذا فشيل فيي حيل المشيكلة الوضيعية‬
‫الجديييدة بنيياء علييى وضييعيات سييابقة مشييابهة‪ ،‬فالبييد ميين االلتجيياء إلييى مبييدأ‬
‫التمييز للتفريق بين الموقف السابق والموقف الجديد‪.‬‬
‫‪‬العالقننات الزمانيننة‪ :‬يقييوم الزمييان بييدور هييام فييي تقييويم التعلمييات‪ ،‬فكلمييا‬
‫كانت االستجابة فوريية وفيي ميدة قصييرة كيان اليتعلم ناجحيا‪ ،‬وكلميا طاليت‬
‫الفترة الزمنية ضعف التعلم واالكتساب‪.‬‬
‫وقد أحضر ثورندايك صندوقا للقطط‪ ،‬ووضيع الطعيام خيارج البياب ليحفيز‬
‫القطييط ويطوعهييا علييى فييتح البيياب الحديييدي للظفيير بييذلك الطعييام‪ .‬وبطبيعيية‬
‫الحييال‪ ،‬ليين يتحقييق لييه ذلييك بسييهولة ومرونيية ويسيير إال بالضييغط علييى أداة‬
‫حديدية مساعدة‪ ،‬تسنده في فتح باب القفص إلشباع رغبته البيولوجية‪.‬‬
‫ويالحظ أن القط يكرر محاوالته الخاطئية فيي فيتح البياب ميرات عيدة حتيى‬
‫يحصل له المرام والمبتغى والغاية‪ ،‬فيخرج من قفصه الحديدي‪.‬‬
‫وقد رسم ثورندايك مبيانا إحصائيا تكراريا للتثبت من عدد المحاوالت التي‬
‫تسمح للقط بالخروج من القفص بسرعة‪ .‬وقد تحسن أداء القيط بعيد( ‪)117‬‬
‫محاولة خاطئة لمدة أسبوع‪ .‬وتضاءلت المدة الزمنية التيي اسيتغرقها اليتعلم‬
‫لدى القط عن طريق المحاولة والخطإ‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫وعليه‪ ،‬تعني نظريية المحاولية والخطيأ أن اإلنسيان ييتعلم بالخطيأ ‪ ،‬ونتيجية‬
‫تكرار المحاوالت الكثيرة بغية الوصول إلى الهيدف المطليوب‪ .‬وتقيوم هيذه‬
‫النظرية التعلمية على مجموعة من المفاهيم األساسية هي‪:‬‬
‫‪‬التكننرار ‪ :‬يسيياعد المييتعلم علييى تجنييب الخطييأ بعييد القيييام بمجموعيية ميين‬
‫المحيياوالت فييي مييرات زمنييية متعييددة ‪ ،‬مييع تصييحيح االسييتجابات الخاطئيية‬
‫باالستجابات الصحيحة‪.‬‬
‫‪86‬‬
‫‪‬التدعيم أو التعزيز‪ :‬يعني التقويم اإليجابي بالمكافأة لتشجيع المتعلم على‬
‫االستجابة‪.‬‬
‫‪ ‬االنطفنناء‪ :‬إذا لييم يتحقييق التييدعيم‪ ،‬يقييع االنطفيياء‪ ،‬أو تراجييع المييتعلم عيين‬
‫االستجابة الفورية‪.‬‬
‫‪‬االسترجاع التلقائي‪ :‬بعد عملية االنطفاء‪ ،‬يمكن للمتعلم أن يسترجع قواه‬
‫بطريقة تلقائية‪.‬‬
‫‪‬التعميم‪ :‬ما يتعلمه المتعلم من موارد يمكن أن يوظفها ويدمجها في أثناء‬
‫مواجهته لوضعيات متشابهة‪.‬‬
‫‪‬التمييز‪ :‬يعني هذا المبدأ أن الميتعلم إذا فشيل فيي حيل المشيكلة الوضيعية‬
‫الجديييدة بنيياء علييى وضييعيات سييابقة مشييابهة‪ ،‬فالبييد ميين االلتجيياء إلييى مبييدأ‬
‫التمييز للتفريق بين الموقف السابق والموقف الجديد‪.‬‬
‫‪‬العالقننات الزمانيننة‪ :‬يقييوم الزمييان بييدور هييام فييي تقييويم التعلمييات‪ ،‬فكلمييا‬
‫كانت االستجابة فوريية وفيي ميدة قصييرة كيان اليتعلم ناجحيا‪ ،‬وكلميا طاليت‬
‫الفترة الزمنية ضعف التعلم واالكتساب‪.‬‬
‫ومن خصائص هذه النظرية ارتباط المثير باالستجابة على مستوى اليتعلم‪،‬‬
‫ووجود دافع أساسيي لليتعلم‪ ،‬ثيم تكيرار المحياوالت التعلميية بغيية الوصيول‬
‫إلى الهدف‪ ،‬ثم إيجاد حل عن طريق الصدفة‪ ،‬ثم تعمييم أثير الحيل الصيحيح‬
‫على باقي الوضعيات السياقية األخرى‪.‬‬
‫ويعني هذا كله أن نظرية ثورندايك قائمة على ثالثة قوانين كبرى هي‪:‬‬
‫‪‬قانون االستعداد الذي يتمثل في رغبية اإلنسيان أو الحييوان فيي اليتعلم ‪،‬‬
‫باالستعداد والتحضير والتهيؤ وتوفير جمييع اإلمكانيات النفسيية والعضيوية‬
‫إلنجاز المهمة عن طريق التشجيع والتحفيز والتطويع‪ ،‬أو ميا يسيمى أيضيا‬
‫بقانون الدافعية؛‬
‫‪87‬‬
‫‪‬قانون األثر‪ :‬ويعنيي أن يكيون للعميل أو اإلنجياز المشيروط أثيرا إيجابييا‬
‫فييي المنجييز‪ ،‬كييأن يشييبع رغباتييه‪ ،‬ويحقييق متمنياتييه‪ ،‬ويرضييي طموحاتييه‪،‬‬
‫ويكون ذلك بالثواب والتشجيع والتقويم والمكافأة؛‬
‫‪‬قننانون الممارسننة‪ :‬ال يتحقييق الييتعلم الترابطييي إال بالتييدريب المسييتمر‪،‬‬
‫والتمارين المتكررة‪ ،‬والمحاوالت الخاطئة مين أجيل الظفير بالمبتغى‪.‬والبيد‬
‫أن يكون التمرين هادفيا وناجحيا وبنياء بامتيياز‪ ،‬يسياعد الميتعلم عليى اليتعلم‬
‫وحل الوضعيات المشكالت‪.‬‬
‫وقد توصل ثورندايك إلى مجموعة من القوانين المتعلقية بنظريية المحاولية‬
‫والخطأ ‪ ،‬و هذه القوانين هي‪:‬‬
‫‪‬قانون التكرار الذي يقوي الروابط بين المثير واالستجابة؛‬
‫‪‬قانون األثر القائم على الثواب‪ ،‬وقد قال به واطسون‪75‬؛‬
‫‪‬قنننانون التهينننؤ واالسنننتعداد الميييرتبط بالشيييعور بالرضيييا واالنزعييياج؛‬
‫‪‬قانون التمرين الذي يقوي االرتباطات التعلمية؛‬
‫‪‬قانون االنتماء الذي يقوي الرابطة بين المثير واالستجابة‪ ،‬عندما تكيون‬
‫االستجابة الصحيحة أكثر انتماء إلى الموقف؛‬
‫‪‬قااانون االسااتقطاب الااذي يعنااي أن الااتعلم يتحقااق بطريقااة التاارابط‬
‫الميسر بدل التارابط المانعكس الصاعب‪ ،‬كاأن ناتعلم معااني مفاردات‬
‫اللغااة الفرنسااية بالعربيااة أسااهل ماان تعلمهااا بالفرنسااية‪ ،‬كااأن نااذكر‬
‫المفرد الفرنسية ثم نذكر معناها بالعربية‪ .‬وهذا أفضل إذا طلب منا‬
‫أن نذكر معنى المفرد العربية بالفرنسية‪.‬‬

‫‪ -‬أحمد عزت راجح‪:‬أصول علم النفس‪ ،‬المكتب المصري الحديث‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪،‬‬ ‫‪75‬‬

‫الطبعة الثامنة ‪1970‬م‪ ،‬ص‪.207-206:‬‬

‫‪88‬‬
‫عالوة على وجود مجموعة من القوانين الثانوية‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫‪‬قنننانون االسنننتجابة المتعنننددة التيييي تسيييتلزم اسيييتجابات عيييدة ومتنوعييية؛‬
‫‪‬قننانون االتجنناه أو المنظومننة الييذي يعنييي مييدى تييأثر الييتعلم باتجاهييات‬
‫المتعلم وميوله ودوافعه ورغباته وقناعاته؛‬
‫‪‬قانون االستجابة بالمماثلة‪ ،‬ويعني اليتعلم انطالقيا مين المواقيف السيابقة‬
‫المشابهة؛‬
‫‪‬قنننانون االنتقنننال الترابطننني اليييذي يعنيييي تعليييم المواقيييف فيييي ارتباطهيييا‬
‫بالمواقف التعلمية األخرى‪...76‬‬
‫ويمكن تطبيق النظرية السلوكية على الحيوانات‪ ،‬واألفيراد األسيوياء‪ ،‬وفيي‬
‫مجال سيكولوجيا الطفولة‪ ،‬والسيكولوجيا االجتماعية‪...‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬تستند هذه المدرسة‪ ،‬على المستوى اإلبستمولوجي‪ ،‬على‬
‫الفكر العلمي الوضعي والموضوعي والتجريبي متيأثرة‪ ،‬فيي ذليك‪ ،‬بيالعلوم‬
‫الفيزيائيييية والفيزيولوجيييية والرياضيييية والطبيعيييية ‪ ،‬ميييع تطبييييق المييينهج‬
‫التجريبيييي القيييائم عليييى المالحظييية‪ ،‬والفرضيييية‪ ،‬والتجرييييب‪ ،‬والتكيييرار‪،‬‬
‫والمقارنة‪ ،‬والقانون‪ ،‬والنظرية‪ .‬دون أن ننسيى أن هيذه النظريية تقيوم عليى‬
‫مبدإ الحتمية العلمية‪ ،‬وربط األسباب بالنتيائج‪ ،‬وتمثيل الموضيوعية العلميية‬
‫في البحث التطبيقي‪.‬‬
‫وفي األخير‪ ،‬فلقد ساهمت المدرسة السلوكية في إغناء مجال التعليم والتعلم‬
‫والتكييوين‪.‬ومن ثييم‪ ،‬فييالتعلم‪ ،‬فييي منظييور المدرسيية السييلوكية‪ ،‬هييو أن يكييون‬
‫المييتعلم قيييادرا عليييى تقييديم الجيييواب المناسيييب‪ ،‬أو يكييون قيييادرا عليييى حيييل‬

‫‪ -‬عبد المجيد نشواتي ‪ ،‬علم النفس التربوي‪ ،‬دار الفرقان للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪،‬‬ ‫‪76‬‬

‫األردن ‪ ،‬طبعة ‪1984‬م‪ ،‬ص‪.327:‬‬

‫‪89‬‬
‫الوضعيات المعقدة والمركبية‪ ،‬أو يكيون قيادرا عليى تقيديم الحليول المالئمية‬
‫والمناسبة لمختلف المشاكل التي تواجهه في المدرسة من جهة‪ ،‬والحياة من‬
‫جهة أخرى‪.‬ومن ثم‪ ،‬يتحقق التعلم الحقيقي عنيد الميتعلم بيالجمع بيين المثيير‬
‫واالستجابة وتكراره عبر الوحدات الدراسية والتعلمية‪.‬‬
‫أضف إلى ذلك يتحقق التعليم السلوكي بتحدييد األهيداف اإلجرائيية‪ ،‬وتقيديم‬
‫الوضيييييعيات المتدرجييييية فيييييي السيييييهولة والصيييييعوبة لكيييييي يجييييييب عنهيييييا‬
‫المتعلم‪،‬وخلييق السييياقات الظرفييية والبيئييية التعليمييية المختلفيية للتثبييت ميين‬
‫مكتسيييبات الميييتعلم‪ ،‬رصيييد مختليييف اسيييتجاباته المعرفيييية‪ ،‬وتحدييييد مجميييل‬
‫المثيييرات الدافعيية نحييو الييتعلم‪ ،‬وتبيييان نييوع طبيعيية السييلوك التعلمييي لييدى‬
‫التلميذ بشكل علمي‪ ،‬وموضوعي‪ ،‬وتجريبي‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فقد رفضت المدرسة السلوكية البنييات العقليية المتحكمية فيي اليتعلم‬
‫كما لدى السيكولوجيا المعرفية‪ ،‬بل اعتبيرت السيلوك المالحيظ والمرصيود‬
‫هو أساس المعرفة النظرية والتطبيقيية‪.‬بمعنى أن هيدف المدرسية السيلوكية‬
‫هو تحليل السيلوك المعرفيي والتعلميي المالحيظ ليدى الميتعلم ووصيفه بدقية‬
‫علمية وقياسية‪ ،‬في شكل أهداف سلوكية وإجرائية في آخر حصة تعليميية‪-‬‬
‫تعلمية‪ .‬فما يهم السلوكية هو وصف األفعال السلوكية من قبيل‪:‬‬
‫‪ -‬أن يكون التلميذ قادرا على رسم لوحة تشكيلية في وصف الطبيعة؛‬
‫‪ -‬أن يكون المتعلم قادرا على قفز حاجز من خمسة أمتار؛‬
‫‪ -‬أن يكون التلميذ قادرا على العد إلى المائة‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬ينبنيي الفعيل السيلوكي عليى القيدرة زائيد فعيل الحركية‪ .‬وال تبنيي‬
‫السلوكية أهدافها اإلجرائية والكفائية على األفعال العقلية والمعرفيية‪ ،‬مثيل‪:‬‬
‫يتذكر‪ ،‬ويفهم‪ ،‬ويفكر‪... ،‬‬
‫وعليييى اليييرغم مييين إيجابييييات المدرسييية السيييلوكية‪ ،‬فإنهيييا تهميييل جوانيييب‬
‫سيييكولوجية أخييرى تتعلييق بميياهو شييعوري‪ ،‬والشييعوري‪ ،‬ومعرفييي‪ .‬كمييا‬

‫‪90‬‬
‫تسييقط فييي اآللييية الميكانيكييية التكرارييية‪.‬ثم‪ ،‬إن الييتعلم ليييس مرتبطييا بثنائييية‬
‫المثير واالستجابة بالضرورة ‪ ،‬بل قد يكون التعلم نتاج الرغبية فيي التعبيير‬
‫عن المشاعر واألحاسيس الداخلية التي العالقة لها بالمحيط الخارجي‪.‬كميا‬
‫تملك الذات مؤهالت وراثية وعقلية وذكائيية تسيمح لهيا بيالتعلم واالكتسياب‬
‫أكثر مما يتيحها المحيط الخارجي‪.‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬نظريات التعلم بعد المرحلة السلوكية‬
‫يمكن الحديث عن مجموعة من النظريات والتصورات التي اقترنت بالتعلم‬
‫في مرحلة ما بعد المدرسة السلوكية اإلشراطية‪ ،‬ويمكن حصرها في‬
‫المدرسة الجشطلتية األلمانية‪ ،‬واإلبستمولوجيا التكوينية لجان بياجي‪،‬‬
‫والسوسيوبنائية‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬الجشطلتية والتعلم باالستبصار‬
‫تعني الجشيطلتية‪ ،‬فيي اللغية األلمانيية‪ ،‬الشيكل ‪ ،‬أو الصييغة‪ ،‬أو الهيئية‪ ،‬أو‬
‫الصورة‪ ،‬أو البنية‪ ،‬أو النسق الكلي‪...‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬تعني الجشطلتية العليم بالكلييات اليذي ييدل عليى الجزئييات‪.‬بمعنى‬
‫أن الجشطلت عبارة عن نسق بنيوي كلي‪ ،‬يتكون من مجموعة من البنييات‬
‫الجزئييية التييي لهييا دور أو وظيفيية داخييل هييذا النسييق الييذي يتسييم باالتسيياق‬
‫واالنسجام‪ .‬وأي تغيير يحدث في أي جزء أو بنية داخل النسيق‪ ،‬ييؤثر ذليك‬
‫‪ ،‬بيييدوره‪ ،‬فيييي تغييييير النسيييق الكليييي‪ ،‬سيييواء أكيييان ذليييك التغييييير جزئييييا أو‬
‫كليييا‪.‬ويعني هييذا كلييه أن المييرء يييتعلم األشييياء بنيويييا ونسييقيا‪ ،‬ويييدركها فييي‬
‫كلياتها التي تتضمن جزئياتها الصغرى‪.‬‬
‫وقييد ظهييرت سيييكولوجيا الشييكل(‪ ، )Psychologie de la forme‬أو‬
‫النظريييية الجشيييطلتية (‪ )Gestaltthéorie‬فيييي بيييرلين ‪ ،‬ميييا بيييين ‪-1910‬‬
‫‪1920‬م‪ .‬وترتبط بمجموعة من األسيماء هيي‪ :‬فيرتيميير(‪،)Wertheimer‬‬
‫وكوهلر(‪ ،)Köhler‬وكوفكا(‪...)Koffka‬‬
‫‪91‬‬
‫وتيييدرس النظريييية الجشيييطلتية الظيييواهر السييييكولوجيا باعتبارهيييا وحيييدات‬
‫منظمة ضمن شيكل معيين‪ .‬ويعنيي الجشيطالت الكيل المتكاميل األجيزاء‪ ،‬أو‬
‫الصيغة اإلجماليية الكليية التيي تتضيمن‪ ،‬فيي طياتهيا‪ ،‬عناصيرها وأجزاءهيا‬
‫المكونة‪.‬‬
‫وتهتم الجشطلتية برصد األشكال في تمايزهيا وتنظيمهيا وتناسيقها وانتقالهيا‬
‫مييين وضيييعية إليييى أخيييرى‪ .‬وتركيييز كثييييرا عليييى اإلدراك واليييذكاء عنيييد‬
‫الحيوان‪.‬وقد تشكلت هذه المدرسة السيكولوجية " في وقت أسرف فيه كثير‬
‫مين علميياء اليينفس فيي تحليييل الظييواهر النفسييية إليى عناصيير جزئييية‪ .‬كييانوا‬
‫يحللون اإلدراك إلى إحساسات جزئية ‪ ،‬وعملية التعلم إلى روابط عصبية‪،‬‬
‫والشخصية إلى سمات مختلفة ‪ ،‬فكيان مين الطبيعيي أن ييؤدي ذليك إليى رد‬
‫فعييل شييديد‪ .‬وقييد كييان ذلييك علييى يييد هييذه المدرسيية التييي تييرى أن الظييواهر‬
‫النفسييية وحييدات كلييية منظميية‪ ،‬وليسييت مجموعييات ميين عناصيير وأجييزاء‬
‫متراصيية ‪ .‬فيياإلدراك أو الييتعلم أو بنيياء الشخصييية ليييس كييل منهييا كالحييائط‬
‫المكييون ميين قوالييب ملتصييقة ‪ ،‬بييل كالمركييب الكيميييائي انييدمجت عناصييره‬
‫بعضييها فييي بعييض‪ .‬ولييو حللنييا المركييب إلييى عناصييره تالشييى المركييب‬
‫‪77‬‬
‫نفسه‪".‬‬
‫فمثال‪ ،‬لو تأملنا شكل المربع‪ ،‬فإننا نراه جملة‪ ،‬وال نيراه عليى أنيه مجموعية‬
‫أضييالع‪ ،‬وزوايييا‪ ،‬ورؤوس‪ ،‬بييل نييرى تلييك العناصيير كلهييا علييى أنهييا كييل‪،‬‬
‫الضلع ضلع مربيع‪ ،‬والزاويية زاويية مربيع‪ ،‬واليرأس رأس مربيع‪ .‬وهكيذا‪،‬‬
‫دواليك‪.‬أي‪ :‬إن صفات الجزء تكون مشتقة من صفة الكيل اليذي ينتميي إلييه‬
‫‪78‬‬
‫هذا الجزء‪.‬‬

‫‪ - 77‬أحمد عزت راجح‪ :‬أصول علم النفس‪ ،‬المكتب المصري الحديث‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫الطبعة الثامنة‪ ،1970 ،‬ص‪.44:‬‬
‫‪ - 78‬عبد العزيز القوصي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.85:‬‬
‫‪92‬‬
‫‪ -‬إدراك الجزئيات في طابعها الكلي‪-‬‬
‫واليمكن فهم القصيدة وتحليلها نقديا إال باستيعاب النسق الكلي ‪ .‬فكثيير مين‬
‫المعيياني الجزئييية اليمكيين فهمهييا إال بوضييعها داخييل سييياقها الييداللي الكلييي‪.‬‬
‫وينطبييق هييذا أيضييا علييى الصييورة‪ ،‬فيينحن النييدرك منهييا إال طابعهييا الكلييي‪،‬‬
‫وتتضح أجزاؤها وعناصرها ضمن إطارها الهندسي الكلي‪.‬‬
‫وبنيياء علييى ماسييبق‪ ،‬ترتكييز النظرييية الجشييطلتية علييى المجييال اإلدراكييي‬
‫الكلي لألجزاء‪ .‬بمعنى أننا ندرك الكل فياألجزاء‪ .‬وهيذا يقيرب النظريية مين‬
‫التيار البنيوي اليذي ييدرس النسيق فيي كليتيه وشيموليته‪.‬بمعنى أنيه يتضيمن‬
‫مجموعيية ميين العناصيير الجزئييية التييي تنتمييي إلييى هييذا الكييل عبيير عالقييات‬
‫بنيوية وظيفية قائمة على االختالف‪ .‬وبالتالي‪ ،‬يتولد المعنى مين خيالل هيذا‬
‫المختلييف ميين األجييزاء والعناصيير والعالقييات‪ .‬وميين ثييم‪ ،‬يعنييي الجشييطلت‬
‫الشكل‪ ،‬أو الصيغة‪ ،‬أو المجال‪ ،‬أو النسيق الكليي اليذي يتمثيل فيي مجموعية‬
‫من األشكال والصيغ واألنساق المدركة ‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فللجشطلتية أبعاد ثقافية‬
‫مختلفة متنوعة‪ .‬فهي تهتم باآلليات اإلدراكية ومعالجة المعلومات التي يقوم‬
‫‪93‬‬
‫بها الذهن أو العقل‪ ،‬مع إعطاء نيوع مين االتسياق للظيواهر المدركية‪ .‬ومين‬
‫ثم‪ ،‬يتحقق التعلم لدى األفراد بإدراك ماهو كلي‪ ،‬ثم يعقبه ماهو جزئي‪ .‬أي‪:‬‬
‫يتضمن العلم الكليات التي تتضمن بدورها الجزئيات‪.‬‬
‫وقييد اسييتفادت هييذه النظرييية ميين فلسييفات الييوعي فييي القييرن السييابع عشيير‬
‫الميالدي‪ ،‬بتمثل منهج المالحظة والتجريب العلمي في القرن التاسع عشر‪.‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬تركز النظرية على الشكل الذي يسمح لنا بإدراك األشياء الجزئية‬
‫األخرى‪.‬فالوعي يقيوم بيإدراك الكيل ثيم األجيزاء ‪.‬ومين ثيم الكيل أسيمى مين‬
‫الجزء‪.‬‬
‫وإذا كانت السلوكية تعنى بخلق وضعيات بيئية تحفيزية أمام الفرد للتفاعيل‬
‫معهييا‪ ،‬فييإن الجشييطلتية تركييز علييى كيفييية معالجيية الييوعي للمعلومييات‪.‬ومن‬
‫هنا‪ ،‬تيؤمن الجشيطلتية أن اإلنسيان أو الحييوان ييتعلم باالسنتبطار واإلدراك‬
‫معييا‪.‬ويعني االستبصييار إدراك المجييال اإلدراكييي بسييهولة‪ ،‬وتبييين مختلييف‬
‫الحلول لمعالجة الموقف‪.‬بمعنى أن االستبصار هو نوع من النشاط اليذكائي‬
‫الذهني المتوقد الذي يدفع المتعلم إلى فهم عناصر الوضعية وتفهمها بشيكل‬
‫جيييد ‪ .‬وبعييد تأمييل عميييق لمختلييف عناصيير الموقييف أو الوضييعية‪ ،‬يتوصييل‬
‫المتعلم ‪ ،‬بشكل فجائي وسريع‪ ،‬إلى الحل المناسب‪.‬‬
‫وللتمثيل‪ ،‬إذا أعطيت لإلنسان مجموعة من المفاتيح لفيتح بياب مغليق‪ ،‬فإنيه‬
‫لن يفتح الباب بشكل عشيوائي إال إذا كيان مغميض العينيين‪ ،‬أميا إذا حررنيا‬
‫حواسييه ميين كييل عييائق‪ ،‬فإنييه سيييالحظ القفييل‪ ،‬وييينظم مجالييه اإلدراكييي‪ ،‬ثييم‬
‫يتثبت من شكل القفل وصورته وهيئته‪ ،‬ثم يبحث عين طبيعية المفتياح اليذي‬
‫يتشييابه مييع القفييل‪ ،‬ثييم يييدخل المفتيياح المنتقييى فييي ذلييك القفل‪.‬آنييذاك‪ ،‬تتحقييق‬
‫النتيجة اليقينية بفتح الباب على مصراعيه‪ .‬ويعنيي هيذا أن االستبصيار هيو‬
‫تعلييم نيياتج عييين عملييية ذكائيييية محكميية للمجييال اإلدراكيييي الكلييي‪ ،‬بتنظييييم‬
‫عناصره ‪ ،‬وإدراك جزئياته‪ .‬وفي هذا الصدد‪ ،‬أجرى كوهلر تجيارب عيدة‬
‫عليييى الحييييوان‪ ،‬والسييييما فئييية القيييردة مييين الشيييامبانزي‪ ،‬لبنييياء نظريتيييه‬
‫‪94‬‬
‫الجشييييطلتية‪ ،‬فقييييد تصييييل إلييييى أن الحيييييوان يييييتعلم باالستبصييييار واإلدراك‬
‫كاإلنسان‪.‬‬

‫أما اإلدراك‪ ،‬فهو عبارة عن عملية تأويل لمختليف بنييات النسيق الكليي‪ ،‬أو‬
‫هييو انتقييال ميين مرحليية المحسييوس إلييى مرحليية التجريييد والتعميييم وبنيياء‬
‫القييييوانين والنظريييييات‪ ،‬واسييييتنتاج القواعييييد الكلية‪.‬ويعتمييييد اإلدراك علييييى‬
‫مجموعيية ميين آليييات الييتعلم‪ ،‬مثييل‪ :‬قييانون التماثييل‪ ،79‬وقييانون التشييابه‪،80‬‬
‫وقانون التقارب‪ ،81‬وقيانون اإلغيالق‪ ،82‬وقيانون الحجيم النسيبي‪ ،83‬وقيانون‬
‫االستمرار‪.84‬‬

‫‪ -79‬قانون التماثل هو إدراك األشياء المتقابلة على أساس أنها تتماثل وتتوحد‪.‬‬
‫‪ -80‬قانون التشابه هو الذي يتأسس على إدراك تشابه األشياء والموضوعات في خصائص‬
‫موحدة ومعينة‪.‬‬
‫‪ -81‬قانون التقارب يدل على تقارب األشياء وتجاورها حتى يسهل إدراكها بيسر‪.‬‬
‫‪ -82‬قانون اإلغالق‪ ،‬ويعني أن األشياء الناقصة وغير التامة يقوم اإلنسان بإتمامها وإغالقها‬
‫حتى يتم إدراكها‪.‬‬
‫‪ -83‬قانون الحجم النسبي يتحقق بإدراك الصيغ الصغيرة كأشكال‪.‬في حين‪ ،‬تدرك الصيغ‬
‫الكبيرة على أساس أنها أرضية لهذه األشكال‪.‬‬
‫‪ -84‬قانون االستمرار‪ ،‬وي عني أن األشياء والعناصر التي تتجه نحو اتجاه معين تدفعنا إلى‬
‫إدراكها على أنها ستستمر في ذلك االتجاهبشكل النهائي‪.‬‬
‫‪95‬‬
‫تلكييم‪ ،‬إذاً‪ ،‬نظييرة مقتضييبة ومختصييرة إلييى مفهييوم الييتعلم لييدى المدرسيية‬
‫الجشيطلتية التيي تحصيره فيي إدراك المجيال الكليي اليذي يتضيمن‪ ،‬بيدوره‪،‬‬
‫إدراك الجزئيات‪.‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬فالجشطلتية نظرية بنيوية مجالية وإدراكية بامتياز‪ ،‬ترى أن التعلم‬
‫يتحقق لدى الحيوان واإلنسان معا بإدراك النسق أو المجال الكليي‪ .‬وبيذلك‪،‬‬
‫تتجيياوز المدرسيية السييلوكية التييي اهمييت بييربط السييلوك الخييارجي بثنائييية‬
‫المثير واالستجابة نحو سيكولوجيا معرفية وذهنية وإدراكية ومجالية‪ ،‬تهيتم‬
‫بماهو معرفي وعقلي وذكائي داخلي‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪:‬السيكولــوجيا التكوينية‬
‫ظهيييرت السييييكولوجيا التكوينيييية(‪ ، )Epistémologie génétique‬أو‬
‫المقاربيية البنائييية (‪ ،)Constructivisme‬فييي منتصييف القييرن العشييرين‪،‬‬
‫متييأثرة فييي ذلييك بالبنيوييية اللسييانية‪ ،‬و البنيوييية التكوينييية التييي تمثلهييا بيييير‬
‫بورديو (‪ )P.Bourdieu‬ولوسيان كولدمان (‪ )Lucien Goldmann‬في‬
‫سنوات الستين من القرن الماضي‪.‬‬
‫‪96‬‬
‫ويعيييرف جيييان بياجييييه (‪1896-1980(85)Jean Piaget‬م) بنظرياتيييه‬
‫المشهورة في التعليم والتعلم التي تندرج ضمن السيكولوجيا البنائيية‪ ،‬ميادام‬
‫يتحدث عن تفاعل تماثلي وثيق بين البنية والمحيط‪ .‬وقد اهتم كثييرا بتطيور‬
‫الطفل النمائي المعرفي والذكائي حتى مرحلية المراهقية ‪.‬وبالتيالي‪ ،‬يحسيب‬
‫أيضا على السيكولوجيا المعرفية(‪.)Psychologie cognitive‬‬
‫وميين ثييم‪ ،‬فقييد قسييم جييان بياجيييه التطييور المعرفييي والييذهني والييذكائي لييدى‬
‫اإلنسييان إلييى أربييع مراحييل أساسييية‪ ،‬تبييدأ ميين مرحليية الطفوليية إلييى مرحليية‬
‫المراهقة‪ ،‬وقد حيددها فيي ‪ :‬المرحلية الحسيية ‪ -‬الحركيية (مين فتيرة المييالد‬
‫إلييى السيينتين)‪ ،‬ومرحليية ماقبييل العمليييات الحسييية (ميين السيينتين إلييى سييبع‬
‫سنوات)‪ ،‬ومرحلة العمليات المشخصة (مين سيبع إليى اثنتيي عشيرة سينة)‪،‬‬
‫ومرحلة العمليات الصورية (من اثنتي عشرة سنة إلى مافوق)‪.‬‬

‫‪ -85‬جان بياجيه (‪1896-1980‬م) هو االبن األكبر للسويسري آرثر بياجيه والفرنسية ريبيكا‬
‫جاكسون‪ .‬كان عالم نفس وفيلسوفا سويسريا‪ .‬وقد طور نظرية التطور المعرفي عند األطفال‪،‬‬
‫فيما يعرف اآلن بعلم المعرفة الوراثية‪.‬‬
‫‪97‬‬
‫وقد تمثل جان بياجيه ‪ ،‬في دراساته السيكولوجية المعرفية‪ ،‬المالحظة‬
‫العلمية المنظمة في تجاربه المخبرية الواصفة‪ ،‬في أثناء رصد مختلف‬
‫المراحل التي كان يمر بها طفله إلى أن وصل إلى فترة المراهقة‪.‬‬
‫كما استرشد أيضا بتعاليم فلسفة كانط األلماني حينما بين أن الطفل‪ ،‬في‬
‫تعلمه‪ ،‬ال يعتمد فقط على حواسه‪ ،‬بل يشغل أيضا قدراته العقلية والفطرية‬
‫والمنطقية في اكتساب المعرفة‪ .‬وبالتالي‪ ،‬يعرف مجموعة من العمليات‬
‫المنطقية البديهية؛ مثل‪ :‬السببية‪ ،‬والزمان‪ ،‬والمكان‪ ،‬وديمومة األشياء‪...‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬يرى بياجيه أن الذكاء ناتج عن الترابط البنيوي بين الخبرة‬
‫والنضج‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فالذكاء عبارة عن عمليات عقلية ناضجة‪ ،‬تساعد الطفل‬
‫على التكيف والتأقلم إيجابيا مع بيئته‪ .‬ويعني هذا أن الطفل الذكي هو الذي‬
‫يستعمل مجموعة من اإلستراتيجيات العقلية والمنطقية للتعامل مع بيئته‬
‫تكيفا عبر طريقين هما‪ :‬التمثيل (االستيعاب) من جهة‪ ،‬والمالءمة‬
‫(المشابهة) من جهة أخرى‪.‬‬
‫ويقصد بالتمثيل استيعاب خبرات البيئة ‪ ،‬بالتحكم فيها أو تغييرها جزئيا أو‬
‫كليا لتحقيق نوع من التوازن مع الواقع الخارجي‪ ،‬وهو بمثابة تعلم جديد‪.‬‬
‫عالوة على مالءمة الخبرات القديمة والمتشابهة مع الوقائع الجديدة في‬
‫أثناء التعامل مع البيئة‪ .‬ويعني التوازن عند بياجيه انسجام الطفل عقليا‬
‫وجسديا مع متطلبات المحيط وبيئته‪.‬‬
‫ويضاف إلى هذا أن جان بياجيه حدد أربع مراحل نفسية وتربوية‪ ،‬هي‪:‬‬
‫المرحلة الحسية الحركية‪ ،‬وتمتد من لحظة الميالد حتى السنة الثانية؛‬
‫ومرحلة ما قبل العمليات‪ ،‬وتبتدئ من السنة الثانية حتى السنة السابعة؛‬
‫ومرحلة العمليات المادية أو الحسية‪ ،‬وتبتدئ من السنة السابعة حتى السنة‬
‫الحادية عشرة؛ ومرحلة التفكير المجرد‪ ،‬وتبتدئ من السنة الثانية عشرة‬
‫إلى بداية فترة المراهقة‪ .‬ويعني هذا أن الطفل‪ ،‬في تعلمه ونموه العقلي‬
‫والجسدي‪ ،‬ينتقل من المستوى المحسوس إلى المستوى المجرد‪.‬‬
‫‪98‬‬
‫وإذا كان الطفل مياال‪ ،‬في تعلمه‪ ،‬إلى ماهو حسي وحركي ومشخص‬
‫ومجسد‪ ،‬فإن الفرد ‪ ،‬في فترة المراهقة‪ ،‬يميل إلى التجريد والخيال‬
‫واإلبداع واالبتكار‪ .‬ويعني هذا كله أن جان بياجي قد ركز‪ ،‬في مختلف‬
‫دراساته‪ ،‬على تبيان الكيفية التي بها يتطور التفكير عند الطفل ‪ ،‬من خالل‬
‫مروره بمجموعة من المراحل العمرية المختلفة‪ ،‬وكيف يحقق نوعا من‬
‫التوازن مع الخارج‪ ،‬عبر التفاعل البنيوي التكويني بين الذات والموضوع‪،‬‬
‫أو بين الذكاء والبيئة‪.‬‬

‫ولم تقتصر أبحاثه العلمية على دراسة سيكولوجيا الطفل فحسب‪ ،‬بل درس‬
‫أيضا سيكولوجيا المراهقة مع شريكته إينهيلدر (‪ ،)Inhelder‬ضمن‬
‫مقاربته النفسية التكوينية‪ .‬وقد بين أن فترة المراهقة تتسم بالتجريد على‬
‫الصعيد الذهني والمنطقي والذكائي والمعرفي‪ .‬ويعني هذا أن السيكولوجيا‬
‫التكوينية قد قاربت فترة المراهقة من منظور عقلي وذهني ومعرفي‪.‬‬
‫وركزت كثيرا على السيرورة النمائية الذكائية والعقلية‪ .‬وبذلك‪ ،‬كانت من‬
‫المدارس األولى التي مهدت للسيكولوجيا المعرفية في منتصف القرن‬
‫العشرين‪.86‬‬
‫وتتميز مرحلة المراهقة ‪ -‬عند جان بياجي‪ -‬بخاصية التجريد ‪ ،‬والميل نحو‬
‫العمليييييات المنطقييييية‪ ،‬واالبتعيييياد عيييين الفكيييير الحسييييي الملمييييوس العييييياني‬
‫(‪ .)Concret‬ويعني هيذا أن اليذكاء المنطقيي والرياضيي ‪ -‬عنيد المراهيق‪-‬‬
‫‪86‬‬
‫‪- Piaget J:La psychologie de l'enfant, Que sais-je? P.U.F, Paris,‬‬
‫‪1973.‬‬
‫‪99‬‬
‫ينتقييل ميين مرحليية العمليييات المشخصيية نحييو البنيياء الصييوري المنطقييي‪ ،‬أو‬
‫ينتقييل ميين الطييابع الحسييي نحييو الطييابع الرمييزي المجرد‪.‬ويعييود ذلييك إلييى‬
‫السيرورة الطبيعية للنمو الذهني والمعرفي الذي يتماثيل‪ -‬بنيوييا‪ -‬ميع النميو‬
‫البيولييوجي ‪ ،‬وتطييور المحيييط والبيئيية‪ .‬وبتعبييير آخيير‪ ،‬يتطييور الييذكاء عنييد‬
‫المراهق باستخذام لغة الرموز واليذكاء المنطقيي‪ ،‬وإيجياد الحليول المناسيبة‬
‫للوضعيات التي يطرحها المحيط الخارجي‪.‬‬
‫أضييف إلييى ذلييك أن الطفييل ‪ -‬فييي هييذه المرحليية‪ -‬يكتسييب آليييات االسييتدالل‬
‫والبرهنيية واالفتييرال اسييتقراء واسييتنباطا‪ ،‬ويحييل الوضييعيات الرياضييية‬
‫والمنطقية المعقدة‪ ،‬ويميل إليى التفكيير الفلسيفي والنسيقي‪ .‬ويجعليه هيذا كليه‬
‫فييي تييوازن تييام مييع الطبيعيية أوالبيئيية التييي تحيييط بييه‪ ،‬مسييتخدما فييي ذلييك‬
‫مجموعة من العمليات ‪ ،‬مثيل‪ :‬التكييف‪ ،‬والتيأقلم‪ ،‬والمماثلية‪ ،‬واالسيتيعاب‪،‬‬
‫والتوافق‪ ،‬والمواءمة‪ ،‬واالنسجام‪...‬‬
‫وفي هذا الصدد‪ ،‬ييرى جيان بيياجي أن" جمييع الكائنيات الحيية ليديها قابليية‬
‫فطريييية إليجييياد عالقييية توافيييق أو تكييييف ميييع البيئييية مييين خيييالل ميييا يسيييمى‬
‫بالتوازن‪ .‬وهذا التوازن هو القابلية الفطريية لتهيئية قيدرات الفيرد وخبراتيه‬
‫لتحقيييق أكبيير قييدر ممكيين ميين التكيننف‪ .‬ويمكيين تعريييف التييوازن بأنييه نجيياح‬
‫الفييرد فييي توظيييف إمكاناتييه مييع متطلبييات البيئيية حولييه ‪ .‬وتسييمى عملييية‬
‫االسييتجابة للبيئيية طبقييا للبنيياء المعرفييي للفييرد بعملييية التمثيننل‪ ،‬والتييي تعتمييد‬
‫على نوع التفاعل بيين البنيى المعرفيية والبيئية الطبيعيية ‪ ،‬والبنيى المعرفيية‬
‫الماثلة فيي أي لحظية إنميا تشيمل ميا أمكين للكيائن الحيي اسنتيعابه وتمثليه ‪.‬‬
‫ومن الواضح أنه إذا كان التمثيل هو العملية المعرفيية الوحييدة‪ ،‬فلين يكيون‬
‫هنيياك نمييو عقلييي‪ ،‬حيييث إن الطفييل سييوف يعتمييد فييي تمثيييل خبراتييه علييى‬
‫اإلطييار المحييدد لمييا هييو ماثييل فييي بنيتييه المعرفييية‪ .‬لييذا‪ ،‬فييإن العملييية الثانييية‬
‫تسمى المواءمنة‪ ،‬والموائمية هيي العمليية التيي بواسيطتها تتكييف أو تتعيدل‬
‫البنى ا لمعرفية ويحدث من خاللهيا النميو المعرفيي ‪ .‬أي‪ :‬إن عمليية التمثييل‬

‫‪100‬‬
‫تسيييمح للكيييائن الحيييي ليسيييتجيب للموقيييف اليييراهن فيييي ضيييوء المعرفييية أو‬
‫الخبرات السابقة لديه‪ .‬وبسبب الخصائص الفريدة التيي ال يمكين االسيتجابة‬
‫لها في ضوء المعرفة السابقة وحدها ‪ ،‬فإنه يمكن القيول بيأن هيذه الخبيرات‬
‫الجديدة للفرد تسبب اضطرابا أو عدم توازن في بنائه المعرفيي فيي بيادىء‬
‫األمر ‪ .‬ثم ال تلبث أن تنسجم وتتزن ميع البنياء المعرفيي‪ ،‬وبميا أن التيوازن‬
‫حاجة فطرية‪ ،‬فإن البنى المعرفية تتغير لكي تتوائم مع خصائص الخبيرات‬
‫الجديييدة أو المواقييف الجديييدة‪ .‬وبالتييالي‪ ،‬يحييدث االتننزان المعرفنني ‪ .‬وهييذا‬
‫التناقض التدريجي في االعتماد على البيئة الطبيعيية والزييادة فيي اسيتخدام‬
‫القدرات أو البناء المعرفي هيو ميا يسيمى باالسيتدخال‪ ،‬وميع اسيتدخال قيدر‬
‫أكبر من الخبرات‪ ،‬يصبح التفكير أداة للتكيف مع البيئة ‪"87.‬‬
‫وكييذلك‪ ،‬تتميييز هييذه المرحليية بميييل المراهييق إلييى االنتبيياه ميين حيييث المييدة‬
‫والطول والعمق‪ .‬كما يتبين ذلك بجالء حين متابعته لفيلم طوييل‪ ،‬أو مبياراة‬
‫في كرة القدم‪ ،‬أو قصية طويلية مسترسيلة‪ .‬عيالوة عليى قدرتيه عليى التخييل‬
‫والتخييل والتذكر واإلبداع واالبتكار‪ ،‬والميل إليى الشيرود وأحيالم اليقظية‪،‬‬
‫واإلكثار من الرحالت وحب المغامرة واالستطالع‪ ،‬والتحرر مين البيرامج‬
‫الدراسيييية‪ ،‬والمييييل إليييى القيييراءة الحيييرة ‪ ،‬والسييييما قيييراءة الكتيييب العلميييية‬
‫والدينية‪ ،‬وقيراءة شيعر الغيزل‪ ،‬وسيماع األغياني الشيبابية ليدى اليذكور‪ ،‬أو‬
‫سماع األغاني الرومانسية عند اإلناث‪.‬‬
‫ويالحييظ أن عييالم الطفييل يختلييف عيين عييالم المراهييق ‪ ،‬فالعييالم األول عييالم‬
‫محدود وضيق‪ ،‬ومسيج بالحسيية والتشيخيص واإلحيائيية‪ .‬فيي حيين‪ ،‬يتمييز‬
‫العيالم الثيياني بخاصييية التجريييد والتخييييل والتجياوز لمييا هييو حسييي وعقلييي‪.‬‬

‫‪ -87‬فتحي مصطفى الزيات‪:‬األسس المعرفية للتكوين العقلي وتجهيز المعلومات‪ ،‬دار الوفاء‬
‫للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬المنصورة‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪1995‬م‪ ،‬ص‪– 185 :‬‬
‫‪.188‬‬

‫‪101‬‬
‫وفي هذا النطاق‪ ،‬يقول أحمد أوزي أن " العالم العقلي للمراهق يختلف عن‬
‫العييالم العقلييي للطفييل‪ ،‬إذ إن عييالم المراهقيية أكثيير تناسييقا وانتظامييا وأكثيير‬
‫معنوييية وتجريييدا ممييا يسييمح للمراهييق باالسييتمتاع بالنشيياط العقلييي وقضيياء‬
‫أوقييات طويليية فييي التفكييير والتأمييل فييي مسييائل معنوييية كييالخير والفضيييلة‬
‫والشييجاعة والعدالييية ومعنيييى الحيييياة‪ .‬حتيييى إنيييه يمكييين القيييول بيييأن مرحلييية‬
‫المراهقة هي مرحلة الفلسفة المعقلنة ‪ ،‬بعيد أن كانيت فتيرة الطفولية األوليى‬
‫فت رة الفلسفة الساذجة والبسيطة‪ .‬فاألسئلة الفلسفية التي يلقيهيا طفيل الرابعية‬
‫أو الخامسيية يجيبييه عنهييا اآلبيياء والمدرسييون فييي جميييع الحيياالت‪ .‬بخييالف‬
‫األسئلة الفلسفية التي تشغل المراهيق فيي هيذه الفتيرة‪ ،‬فهيي أسيئلة يطرحهيا‬
‫على نفسه‪ ،‬ويبحث فيها بقدرته العقلية‪ .‬ألنه لم يعد ذلك الطفل المتقبيل لكيل‬
‫شيء‪.‬إن المراهق يطيرح للنقياا العقليي المبيادىء الخلقيية التيي تلقاهيا مين‬
‫قبل‪ ،‬ويتساءل عن ضرورتها‪.‬كما أنه يتساءل عن علل الكون والحياة وعن‬
‫الدين وقيمته الروحية واالجتماعية‪ .‬وبقدر ما يناقش المراهق هيذه المسيائل‬
‫بالمنطق والعقل‪ ،‬فإنه يؤكد ذاته ووجوده من خالل هذا التفكير الذي يشعره‬
‫بين رفاقه بقيمته‪ .‬كما يعود إليى ذاتيه بعيد كيل نقياا يخوضيه وينتصير فييه‬
‫ليقييارن معرفتييه ووضييعه الفكييري بوضييع الطفوليية وسييذاجتها‪.‬لهذا‪ ،‬يييرفض‬
‫من اآلن فصاعدا اعتباره طفال‪ ،‬فهو عليى اسيتعداد لمناقشية األب واألسيتاذ‬
‫والصديق‪ ،‬بل وتحدي هؤالء جميعا إذا لم يعترفوا له بالوجود والقيمة‪.‬‬
‫ومييين خيييالل تفاعيييل المراهيييق ميييع مختليييف أفيييراد مجتمعيييه واسيييتخدامه‬
‫لإلمكانيات والقدرات العقلية تتكون اتجاهاتيه وتتبليور‪ .‬فمين خيالل مختليف‬
‫المواقف التي يخبرها في مجتمعه تتكيون اتجاهاتيه التيي تيتحكم فيي سيلوكه‬
‫وتوجهه‪ .‬لهذا‪ ،‬نجيد للمراهيق فيي هيذه الفتيرة وجهيات نظيره الخاصية التيي‬
‫‪88‬‬
‫يتحمس للدفاع عنها في مختلف المجالس واألندية‪".‬‬

‫‪ -88‬أحمد أوزي‪ :‬سيكولوجية المراهقة‪ ،‬دار النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬طبعة‬
‫‪1986‬م‪ ،‬ص‪.23:‬‬
‫‪102‬‬
‫وعليه‪ ،‬تتسم هذه المرحلة بقيوة اإلدراك والمالحظية عنيد المراهيق‪ ،‬ونميو‬
‫قدراتيييه العقليييية والمعرفيييية والكفائيييية‪ ،‬واتسييياع دماغيييه اليييذهني والعصيييبي‬
‫والذكائي‪ ،‬وقدرته عليى التمثيل واالسيتيعاب والحفيظ والبرهنية والتجرييب‬
‫والتخييل واإلبداع والتجريد‪.‬‬
‫وأهم ميزة يتصف بها جان بياجيه أنه نظم مراحل التعلم بشكل دقيق‪،‬‬
‫وحدد بداياتها ونهاياتها الزمنية بشكل علمي مقنن؛ مما جعل كثيرا من‬
‫األنظمة التربوية المعاصرة تسترشد بآراء جان بياجيه السديدة‪ ،‬وتستهدي‬
‫بنظرياته الوجيهة في مجال التعليم والتعلم والتكوين‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فقد حدد جان بياجيه أربع مراحل نفسية وتربوية متعاقبة‬
‫ومتدرجة ومتوافقة‪ ،‬هي‪:‬‬
‫‪‬المرحلة الحسية الحركية‪ :‬تمتد من لحظة الميالد حتى السنة الثانية؛‬
‫‪‬مرحلة ما قبل العمليات‪ :‬تبتدئ من السنة الثانية حتى السنة السابعة؛‬
‫‪‬مرحلة العمليات المادية أو الحسية‪ :‬تبتدئ من السنة السابعة حتى السنة‬
‫الحادية عشرة؛‬
‫‪‬مرحلة التفكير المجرد‪ :‬تبتدئ من السنة الثانية عشرة إلى بداية فترة‬
‫المراهقة‪.‬‬
‫ويتوافق التعليم األولي مع مرحلة ما قبل العمليات الحسية الحركية‪ ،‬أو ما‬
‫يسمى بالتفكير الرمزي عن طريق اللغة والصور الذهنية‪ .‬وإذا كانت‬
‫المرحلة األولى مرحلة فكرية حسية حركية‪ ،‬تمتد من الميالد حتى نهاية‬
‫السنة الثانية‪ ،‬ويعتمد فيها الطفل على مجموعة من السلوكيات الفطرية‬
‫الغريزية؛ مثل‪ :‬المص والقبض وغيرهما‪ ،‬ويتعلم من البيئة مجموعة من‬
‫السلوكيات والمهارات والتوافقات الحسية البسيطة‪ ،‬ويتعامل مع األشياء‬
‫بطريقة حسية وإدراكية بسيطة غير مركزة أو واعية‪ ،‬فإن المرحلة الثانية‬

‫‪103‬‬
‫من مراحل تطور الطفل تسمى بمرحلة التفكير الرمزي‪ ،‬أو مرحلة ما قبل‬
‫العمليات العيانية أو الحسية‪ .‬وتبدأ هذه المرحلة في النصف الثاني من‬
‫السنة الثانية حتى سنالسابعة تقريباً‪ .‬وفي هذه المرحلة‪ ،‬يبدأ الطفل في تعلم‬
‫اللغة‪ ،‬والميل نحو التمثياللرمزي لألشياء‪ ،‬وتكوين األفكار البسيطة‬
‫والصور الذهنية‪ ،‬ويتحول تفكير الطفلتدريجيا ً من صورته الحركية إلى‬
‫صورة تفكير رمزي غير مجرد‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬ال بد أن تراعي مؤسسات التعليم األولي وريال األطفال‬
‫الجوانب النفسية واالجتماعية والتربوية لدى المتعلم‪ ،‬باالسترشاد بعلم‬
‫النفس وعلم االجتماع‪ ،‬وتمثل الطرائق البيداغوجية الحديثة والنظريات‬
‫التربوية المعاصرة‪ .‬وفي هذا اإلطار‪ ،‬يقول غالي أحرشاو‪" :‬إذا كانت‬
‫األسرة هي التي تسهر على تربية الطفل خالل الفترة الممتدة من الوالدة‬
‫إلى سن الثالثة أو الرابعة‪ ،‬فإن مؤسسات التعليم األولي هي التي تضطلع‬
‫بهذه المهمة في الفترة الممتدة من الثالثة أو الرابعة إلى حدود السادسة التي‬
‫تمثل سن االلتحاق بالسلك األول من التعليم االبتدائي‪.‬‬
‫إن التربية المقصودة هنا تتحدد في جميع أشكال رعاية الطفل االجتماعية‬
‫والنفسية والتربوية والمعرفية‪ ،‬والتي تتوزع على هاتين الفترتين؛ بحيث‬
‫تتكفل األسرة بتنشئته ورعايته خالل الفترة األولى‪ ،‬وتسهر مؤسسات‬
‫التعليم األولي على تهييئه وإعداده للتعليم االبتدائي أثناء الفترة الثانية‪.‬‬
‫فهي‪ ،‬بالمعنى الذي يوجهها على امتداد هذه الفترة األخيرة‪ ،‬عبارة عن‬
‫ممارسة بيداغوجية تحكمها مجموعة من االعتبارات الموضوعية‬
‫والمستجدات العلمية‪ ،‬وتؤطرها جملة من األسس النظرية والمرجعيات‬
‫السيكولوجية‪ ،‬وتشرطها سلسلة من المرتكزات البيداغوجية والدعامات‬
‫اإلجرائية‪ .‬وهي بهذا التحديد‪ ،‬حتى وإن كانت تشكل الميدان المعقد الذي‬
‫يستدعي مقاربة متعددة التخصصات‪ ،‬تشمل بالخصوص علم النفس‬
‫والتربية واالجتماع‪ ،‬فإنها عبارة عن ممارسة تربوية تحكمها مرجعية‬

‫‪104‬‬
‫سيكولوجية ذات توجه معرفي‪ ،‬تتحدد على التوالي في سيكولوجية نمو‬
‫‪89‬‬
‫المعارف واكتسابها‪ ،‬وفي سيكولوجية التدريس وتعلم الكفاءات‪".‬‬
‫ويعني هذا أنه ال بد من تبني بيداغوجيا تعلمية كفائية متنوعة فعالة‬
‫ونشيطة‪ ،‬تتعامل مع أفضية لعبية متنوعة‪ ،‬باعتماد األنشطة الثقافية والفنية‬
‫واألدبية والرياضية والموسيقية‪ .‬فضال عن بيداغوجيا فارقية تهتم‬
‫بالفوارق الفردية‪ ،‬وتعنى أيضا بالذكاءات المتعددة‪ .‬أي‪ :‬البد من االعتماد‬
‫على" بيداغوجيا تعددية‪ ،‬يحكمها فضاء تربوي غني ومتنوع‪ ،‬من حيث‬
‫وسائله البيداغوجية‪ ،‬وموارده البشرية‪ ،‬وغاياته التعليمية‪ .‬بمعنى‬
‫البيداغوجيا التي تؤطرها رؤية إستراتيجية للواقع وإمكاناته وآفاقه‪،‬‬
‫‪90‬‬
‫ويجسدها خيار فكري مدرك لظروفه وأهدافه ومعوقاته‪".‬‬
‫وهكذا‪ ،‬يتبين لنا أن جان بياجيه قد أرسى نظرياته في التعلم على أسس‬
‫السيكولوجيا المعرفية التي تهتم بآليات الذهن والمعرفة العقلية وتطور‬
‫الذكاء اإلنساني‪ .‬كما تميز مشروعه العلمي بتقسيم التعلم إلى مجموعة من‬
‫المراحل الذهنية‪ :‬مرحلة الحسية الحركية‪ ،‬ومرحلة ماقبل العمليات‬
‫المشخصة‪ ،‬ومرحلة العمليات المشخصة‪ ،‬ومرحلة التجريد المنطقي‪.91‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬البنـــائية االجتماعيـــة‬
‫‪92‬‬
‫ظهرت المدرسة البنائية االجتماعية (‪)l’approche sociocognitive‬‬
‫رد فعل على المدرسة البنائية لجان بياجيه ‪ ،‬على أساس أن هناك تفاعال‬

‫‪ -89‬غالي أحرشاو‪ :‬غالي أحرشاو‪ :‬الطفل بين األسرة والمدرسة‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪،‬‬
‫الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2009‬م‪ ،‬ص‪.40:‬‬
‫‪ -90‬غالي أحرشاو‪ :‬الطفل بين األسرة والمدرسة‪ ،‬ص‪.59:‬‬
‫‪91‬‬
‫‪- Piaget, La naissance de l'intelligence chez l'enfant, Paris,‬‬
‫‪Delachaux et Niestlé, 1936 ; La construction du réel chez l'enfant,‬‬
‫‪Paris, Delachaux et Niestlé, 1937‬‬
‫‪92‬‬
‫‪-BERTRAND, Y. Théories contemporaines de l'éducation, Paris,‬‬
‫‪Editions Nouvelles, Chronique Sociale.1998.‬‬

‫‪105‬‬
‫الروسي‬ ‫بين البنية والمجتمع‪ .‬وقد تشكلت هذه المدرسة مع‬
‫فيكوتسكي(‪ ،)Vygotski‬وبرونور (‪ ،93)Bruner‬ودواز وبيري‬
‫كليرمون (‪ ،94)Doise & Perret-Clermont‬وغابرييل مونيي‬
‫(‪...95)Gabriel Mugny‬‬
‫وترى هذه المدرسة أن التعلم ال تتحكم فيه المؤثرات البيولوجية والوراثية‬
‫فقط‪ ،‬بل يخضع أيضا لعوامل ثقافية وتاريخية ومجتمعية‪ .‬بمعنى إذا كان‬
‫جان بياجيه يعطي أهمية كبرى لما هو وراثي وعقلي وذكائي في مجال‬
‫التعلم‪ ،‬فإن فيكوتسكي يقر بأهمية المجتمع في بناء تعلمات المتعلم‬
‫وتعزيزها وتطويرها‪ .‬أي‪ :‬يقر بأهمية التفاعل الموجود بين الذات‬
‫والمجتمع‪ ،‬أو بأهمية التفاعل بين التلميذ والمدرس‪ ،‬وبأهمية التفاعل بين‬
‫التلميذ والمجتمع‪.‬ومن هنا‪ ،‬أهمية االنصهار واالندماج في المجتمع ‪ ،‬أو‬
‫االنتماء إلى فريق تربوي ما‪ ،‬أو التوحد مع اآلخرين في جماعة ديناميكية‬
‫معينة ‪.‬ويعني هذا أن السيكولوجيا اإلنسانية نتاج لماهو مجتمعي في شكل‬
‫رموز تفاعلية ‪ .‬وبتعبير خر‪ ،‬يتحقق التفاعل بين الذات المتعلمة والمجتمع‬
‫بواسطة مجموعة من الرموز المتفقة عليها من أجل تحقيق تفاعل إيجابي‬
‫بناء وهادف‪.‬ومن ثم‪ ،‬يقر فيكوتسكي أن الوظائف السيكولوجية العليا‬

‫‪93‬‬
‫‪BRUNER J. L'éducation, entrée dans la culture : les problèmes‬‬
‫‪de l'école à la lumière de la psychologie culturelle, Paris, éd.‬‬
‫‪Retz.1996.‬‬
‫‪94‬‬
‫‪- Willem Doise et Gabriel Mugny, Le développement social de‬‬
‫‪l'intelligence, Paris, InterÉditions, 1981. Willem Doise et Gabriel‬‬
‫‪Mugny, Psychologie sociale et développement cognitif, Paris, Armand‬‬
‫‪Colin, « U », 1997.‬‬
‫‪95‬‬
‫‪-Willem Doise et Gabriel Mugny, Le développement social de‬‬
‫‪l'intelligence, Paris, InterÉditions, 1981. Willem Doise et Gabriel‬‬
‫‪Mugny, Psychologie sociale et développement cognitif, Paris, Armand‬‬
‫‪Colin, « U », 1997.‬‬
‫‪106‬‬
‫لإلنسان اليمكن فصلها عن الوظائف االجتماعية في أبعادها التفاعلية‬
‫والرمزية‪.‬‬
‫وأكثر من هذا يرى فيكوتسكي أن التطور الثقافي لدى الطفل ليس راجعا‬
‫إلى المكونات البيولوجية والجينية والوراثية والفطرية والعقلية والفردية ‪،‬‬
‫بل يرجع ذلك إلى اندماج الطفل في جماعات بشرية ما‪.‬وبهذا‪ ،‬يكون التعلم‬
‫مجتمعيا وليس فرديا‪.‬وتسعفنا هذه النظرية كثيرا في فهم تطور التعلم‬
‫واالكتساب لدى الطفل في مساره النمائي واالرتقائي والذكائي والمعرفي‪.‬‬
‫وتتمثل نظرية فيكوتسكي في أن التعلم هو بمثابة صيرورة استيعاب‬
‫لمختلف األنظمة الثقافية ووسائلها‪.‬أي‪ :‬إن التعلم فعل ثقافي ومجتمعي‬
‫بامتياز‪ .‬وبالتالي‪ ،‬اليمكن للتعلم أن يتعلم باالعتماد على قدراته الوراثية‬
‫والعقلية فقط‪ ،‬بل البد من االندماج في مجتمع من أجل اكتساب أنماطه‬
‫الثقافية ‪ .‬ويعني هذا أن المتعلم اليمكن له االستغناء عن المدرس من جهة‪،‬‬
‫وال عن جماعة األصدقاء والرفقاء من جهة أخرى‪ .‬ومن هنا‪ ،‬يتكون‬
‫الذكاء لدى الطفل عبر آليات سيكولوجية يمتحها الطفل من محيطه ‪،‬‬
‫مثل‪ :‬اللغة التي يستعملها الطفل‪ ،‬وهي ذات طابع مجتمعي‪ ،‬ويوظفها‬
‫للتعبير عن منتجه الفكري والعقلي‪ .‬ومن ثم‪ ،‬ينفي الباحث ما يسمى‬
‫بالتمركز اللغوي‪ ،‬أو تمركز الطفل على الذات‪ ،‬فهذا كله نتاج المجتمع‪،‬‬
‫مادام الطفل يستعمل اللغة التي وجدها في المجتمع‪ ،‬ثم يحولها إلى آلية‬
‫نفسية داخلية‪ .‬في حين‪ ،‬إن مصدرها مجتمعي‪ ،‬وليس فرديا أو‬
‫داخليا‪.‬وبهذا‪ ،‬يكون الذكاء نتاج تعلم خارجي مجتمعي وثقافي وتاريخي‪،‬‬
‫وليس نتاج ماهو وراثي أو بيولوجي‪ .‬وبهذا‪ ،‬يتعلم الطفل باالسترشاد‬
‫بشاب بالغ‪ ،‬أو بمدرس كفء‪ ،‬يزوده بمختلف الموارد التي تسعفه في‬
‫التعلم الذاتي‪ ،‬واكتساب المعارف‪.96‬‬

‫‪96‬‬
‫‪- Lev Vygotski : Pensée et langage (1934) (traduction de Françoise‬‬
‫‪Sève, avant-propos de Lucien Sève), suivi de « Commentaires sur les‬‬
‫‪107‬‬
‫وهكذا‪ ،‬يتبين لنا أن البنائية االجتماعية تجمع بين ماهو بنيوي ومجتمعي‪،‬‬
‫أو تجمع بين الذات والمجتمع في إطار عملية التفاعل المتبادل والرمزي‪.‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬نظرية الذكاءات المتعـــددة‬
‫تعد نظريية اليذكاءات المتعيددة مين أهيم النظرييات السييكولوجية والتربويية‬
‫المعاصرة‪ .‬وقد جاءت رد فعل على التصور البياجوي الذي يؤمن بأحادية‬
‫الييذكاء الرياضييي المنطقييي الييذي يعييد نمييوذج الفكيير اإلنسيياني‪ ،‬وغلييو جييان‬
‫بياجي في النزعة العقالنية الموحدة للعقيل اإلنسياني بيالمفهوم اليديكارتي‪":‬‬
‫العقل أعدل قسمة متساوية بين البشر"‪ .‬ناهيك عن استبعاده لعوامل الوسيط‬
‫والفوارق الفرديية‪ .‬وعليى العكيس‪ ،‬تيؤمن نظريية اليذكاءات المتعيددة‪ -‬التيي‬
‫تبلييييورت فييييي سيييينوات الثمييييانين ميييين القييييرن الماضييييي مييييع هييييووارد‬
‫غاردنر(‪ -)Howard Gardner‬بوجود ذكاءات متعددة ومتنوعة ومستقلة‬
‫لدى المتعلم‪ ،‬يمكن صقلها وشحذها عن طرييق التشيجيع والتحفييز والتعلييم‬
‫والتييدريب‪ ،‬وتنمييية المواهييب والعبقريييات والمبييادرات‪ .‬بمعنييى أن نظرييية‬
‫الذكاءات المتعيددة تيؤمن بعبقريية الميتعلم‪ ،‬وقدرتيه عليى العطياء واإلنتياج‬
‫واالبتكار واإلبداع‪ ،‬وحل المشاكل الصعبة‪ ،‬ومواجهة الوضعيات المعقدة‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬تعريف نظرية الذكـــاءات المتعددة‬


‫يعني الذكاء الفطنة والحدة والتوقد والحدس وقوة التخييل والتجريد ‪،‬‬
‫وامتالك قدرات ومهارات خارقة لمواجهة الصعوبات التعليمية‪ -‬التعلمية‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬يعرف الذكاء بأنه هو التكيف السريع مع المستجد من‬
‫المشكالت والوضعيات والظروف ‪ ،‬سواء أكانت سهلة أم صعبة‪ .‬والذكاء‬

‫‪remarques critiques de Vygotski » de Jean Piaget, (Collection‬‬


‫‪« Terrains», Éditions Sociales, Paris, 1985) ; Rééditions : La Dispute,‬‬
‫‪Paris, 1997.‬‬
‫‪108‬‬
‫حل المشكالت أو ت َ ْشكيل منتجات لها‬
‫‪ -‬وفق غارندر ‪ -‬هو "القدرة على ِّ‬
‫س ِّقها الثقافي أو عدة أنساق ثقافية‪." 97‬‬
‫قيمة في ن َ‬
‫ومن ثم‪ ،‬فالذكاءات المتعددة عبارة عن قدرات وملكات مختلفة ومتنوعة‬
‫ومستقلة عن بعضها البعض‪ ،‬يمكن تنميتها‪ ،‬وصقلها‪ ،‬وشحذها‪ ،‬وتثقيفها‪،‬‬
‫وتقويمها‪ ،‬وتعديلها‪ ،‬وتنميتها‪ ،‬وتطويرها بشكل إيجابي بغية التعلم‬
‫واالكتساب‪ .‬وفي هذا اإلطار‪ ،‬يقول غاردنر‪ ":‬إن العناصر األكثر أهمية‬
‫هي نتائج البحوث التي توصلت إليها مع األطفااللعاديين والموهوبين‪،‬‬
‫وكذلك مع معالجين راشدين تعرضوا لتلف دماغي‪ .‬ونتيجة لذلك‪ ،‬أدركت‬
‫أن القوة أو الضعف في مجال عقلي معين ال يسمح بالتنبؤبأن الشيء نفسه‬
‫يحدث في مجال عقلي آخر‪ .‬وخلصت حينئذ إلى أن التصور المعياريللذكاء‬
‫(والذي وفقه ال يوجد سوى ذكاء واحد هو الذكاء العام) خاطئ‪ .‬وبذلك‪،‬‬
‫وضعت ثمانية معايير لتحديد مفهوم الذكاء‪ ،‬وقمت بفحص عدة ذكاءات‬
‫"مرشحة "بهدف التأكد أي منها يمكن أن تنطبق عليه تلك‬
‫الخاصية‪/‬المعيار‪ .‬وفي سنة ‪1985‬أبرزت سبعة ذكاءات‪ ،‬واليوم ارتفع‬
‫عددها إلى ثمانية أو تسعة‪".98‬‬
‫وتأسيسا على ماسبق‪ ،‬فنظرية الذكاءات المتعددة هي أس اإلبداع واإلنتاج‬
‫واالبتكار ‪ ،‬وآلية إجرائية ناجعة لتفتيق المواهب الظاهرة والمضمرة‪ ،‬بل‬
‫هي دليل العبقرية والتميز والتفرد‪ .‬واليمكن الحديث اليوم عن ذكاء واحد‪،‬‬
‫كما عند جان بياجي‪ ،‬يقاس بالدرجة أو بمعامل الذكاء‪ ،‬فيقال ذكاء مرتفع‪،‬‬
‫وذكاء منخفض‪ ،‬بل هناك ذكاءات متعددة‪ ،‬ومواهب مختلفة‪ ،‬وعبقريات‬

‫‪- A regarder : Howard Gardner : Les formes de l’intelligence, ED‬‬


‫‪97‬‬

‫‪Odel Jacob, Paris, 1997.‬‬

‫‪ -98‬هاوارد غاردنر ‪( :‬حوار مع هوارد غاردنر حول الذكاءات المتعددة‪ :‬من التأسيس العلمي‬
‫إلى التطبيق البيداغوجي)‪ ،‬ترجمة وتقديم‪ :‬عبد الواحد أوالد الفقيهي‪،‬‬

‫‪http://www.aljabriabed.net/n68_08lafkih.htm‬‬
‫‪109‬‬
‫متميزة‪ .‬وبالتالي‪ ،‬يختلف الذكاء من ثقافة إلى أخرى‪ .‬فإذا كانت الثقافة‬
‫الغربية تؤمن بالذكاء الرياضي المنطقي‪ ،‬فإن هناك ثقافات أخرى تؤمن‬
‫بالذكاء الفلسفي‪ ،‬أو الذكاء الطبيعي‪ ،‬أوالذكاء الفني‪ ،‬أو الذكاء الجسمي‬
‫الحركي‪ ،‬أو الذكاء الفضائي البصري‪...‬فالمتعلم قد يكون ضعيفا في‬
‫تخصص علمي ما‪ ،‬لكنه قد يكون ناجحا وقويا في مجال علمي أو حياتي‬
‫آخر‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬يتعلم الطفل حسب طبيعة ذكائه النمائي‪ .‬وبالتالي‪ ،‬يختلف التعلم‬
‫من ذكاء إلى آخر‪.‬وللذكاء دورهم مهم في اكتساب المعارف‪ ،‬وتحصيل‬
‫المعلومات‪ ،‬وتنظيم المدارك‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬سياق ظهور نظرية الذكاءات المتعددة‬


‫إذا كان جان بياجي(‪ )Jean Piaget‬يقول بأحادية الذكاء اإلنساني على‬
‫المستوى المعرفي‪ .‬ومن ثم‪ ،‬يحصره في الذكاء الرياضي المنطقي‬
‫باعتباره أرقى الذكاءات اإلنسانية‪ ،‬فإن هناك من يقول بتعدد الذكاءات لدى‬
‫اإلنسان‪ ،‬وخاصة الباحث السيكولوجي األمريكي هووارد‬
‫غاردنر(‪ )Howard gardner‬الذي ألف مجموعة من الدراسات حول‬
‫نظرية الذكاءات المتعددة منذ ‪1983‬م‪ ،‬ونذكر من بين هذه الدراسات(أطر‬
‫الذكاء)‪ ،99‬و(الذكاءات المتعددة)‪...100‬‬
‫ويعني هذا أن هوارد غاردنر قد تجاوز النظرية الذكائية األحادية التي‬
‫ظهرت مع بداية القرن العشرين لقياس الذكاء المعرفي الرياضي‬
‫والمنطقي‪ ،‬عبر مجموعة من الروائز واالختبارات والفرول بغية تحديد‬
‫مراتب الذكاء ‪ ،‬وتصنيف الناس حسب مقاييس إحصائية معينة‪ ،‬كما يبدو‬
‫ذلك واضحا عند ألفرد بينيه‪ ،‬وإيسنك‪ ،‬وجالتن‪ ،‬وجنسن‪ ،‬وسبرمان‪....‬‬

‫‪99‬‬
‫‪- Howard Gardner : Les formes de l’intelligence,ED Odel‬‬
‫‪Jacob,Paris,1997.‬‬
‫‪100‬‬
‫‪- Howard Gardner : Les Intelligences multiples, traduit par‬‬
‫‪PH.Evans-Clark, M.Muracciole et N.Weinwurzel, Retz, Paris, 1996.‬‬
‫‪110‬‬
‫وفي هذا الصدد‪ ،‬يقول عبد الواحد أوالد الفقيهي‪ ":‬منذ بداية القرن‬
‫الماضي‪ ،‬تساءل العديد من الباحثين عن طبيعة الذكاء‪ .‬ومن أهم المقاربات‬
‫التي سادت تاريخيا مقاربة القياس النفسي والتحليل العاملي‪.‬فإذا كان الكثير‬
‫من هؤالء العلماء قد تبنوا معامل الذكاء أو دافعوا عن وجود عامل عام‬
‫للذكاء‪ .‬فهناك آخرون من رواد التحليل العاملي (ثورستون ‪/Thurstone‬‬
‫وجيلفورد ‪ )Guilford‬لم يقبلوا ذلك‪ ،‬ودافعوا بالمقابل عن فكرة أن الذكاء‬
‫يتضمن عددا كبيرا من العوامل والمكونات‪ .‬لكن على الرغم من مساهمة‬
‫التحليل العاملي في اكتشاف تعقد مكونات الذكاء وتعددها‪ ،‬فإنه ظل حبيس‬
‫استخدام بنود االختبارات التي تعرضت النتقادات عدة‪ ،‬كما أن النتائج التي‬
‫توصل إليها تعكس بشكل مباشر فرضيات رياضية تتخذ وسيلة لتحديد‬
‫عوامل الذكاء وتمييزها‪ .‬بمعنى آخر‪ ،‬إن رواد التحليل العاملي لم يتمكنوا‬
‫من الحسم في النقاا الذي ظل قائما حول الطبيعة الحقيقية للذكاء‪ .‬ومع‬
‫تمكن العديد من الباحثين من االنزياح عن إرث القياس النفسي والتحليل‬
‫العاملي‪ .‬ونهجوا طريقا آخر في الكشف عن تعدد الذكاء اإلنساني‪.‬إن‬
‫التعدد الذي تنطوي عليه الذكاءات يعني أن هناك عددا مستقال من القدرات‬
‫المختلفة‪ ،‬ومجموعة متباينة من أوجه النشاط المعرفي اإلنساني‪ ،‬يسميها‬
‫‪101‬‬
‫غاردنر بالذكاءات اإلنسانية المتعددة‪".‬‬
‫ويضاف إلى هذا أن نظرية الذكاءات المتعددة قد استخدمت‪ ،‬في البداية‪،‬‬
‫في مجال السيكولوجيا‪ ،‬ليتم تجريبها ‪ ،‬بعد ذلك‪ ،‬في مجال التربية والتعليم‬
‫سعيا إلى ترقية العقل اإلنساني‪ ،‬وتطوير بنياته المعرفية‪ ،‬وصقل قدراته‬
‫الذهنية والعصبية والدماغية‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬لم تكتشف بعد طاقات‬
‫الدماغ البشري وإمكانياته الزاخرة‪ .‬وفي هذا السياق‪ ،‬يقول عبد الواحد‬
‫أوالد الفقيهي ‪ ":‬خالل العقود األخيرة‪ ،‬ستبرز وتتبلور توجهات‪ -‬على‬
‫مستوى المنظمات الدولية واألبحاث العلمية‪ -‬سعت إلى نقد التصور‬
‫األحادي للذكاء وتجاوزه‪ ،‬وربطت تغيير األنظمة التعليمية وإصالحها‬
‫وتجديدها باستثمار تعدد الطاقات‪ ،‬وغنى اإلمكانات اإلنسانية ‪ .‬ففي سنة‬
‫‪ 1972‬أعلن تقرير لليونيسكو أن للدماغ اإلنساني إمكانات لم يتم استعمالها‬

‫‪ -101‬عبد الواحد أوالد الفقيهي‪ :‬الذكاءات المتعددة ‪ :‬التأسيس العلمي‪ ،‬منشورات مجلة علوم‬
‫التربية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األولى ‪2012‬م‪،‬ص‪.21:‬‬
‫‪111‬‬
‫بشكل واسع‪ ،‬وأن مهمة التربية هي تشغيل هذه اإلمكانات غير المستعملة‬
‫وتحقيقها‪ .‬وفي سنة ‪ 1979‬صدر عن نادي روما تقرير نص في مقدمته‬
‫على أن اإلنسان مازال يتوفر على كثير من الطاقات والموارد التي لم‬
‫تكتشف‪ ،‬ولم تختبر بعد؛ ولذلك فهو يظل في حاجة دائمة إلى تعلم كيف‬
‫يكشف عن طاقاته الكامنة‪ ،‬وكيف يستخدمها بصورة واعية وهادفة‬
‫‪102‬‬
‫وذكية‪".‬‬
‫هذا‪ ،‬وقد بلور هوارد غاردنر نظريته في الذكاءات المتعددة تنظيرا‬
‫وتطبيقا‪ ،‬بعد أن اشتغل تجريبيا على مشروع الطيف التربوي منذ‬
‫‪1984‬م‪ .‬وفي هذا الصدد‪ ،‬يقول غاردنر‪ ":‬إنمشروع الطيف هو مجهود‬
‫لتقييم مختلف أصناف الذكاءات لدى األطفال الصغار‪،‬ويمكن تكييفه‬
‫ليتالءم مع السنوات المبكرة‪ .‬مبدئيا ليس لدي أي اعترال لتقييمالذكاءات‬
‫ما دام هذا التقييم يتم بطريقة عادلة ومنصفة‪ ،‬وليس بواسطة‬
‫اختبارمعياري من صنف اختبارات "الورقة والقلم"‪ .‬فإذا أردت – مثال‪-‬‬
‫تقييم الذكاءالفضائي لشخص ما فال تقدم له اختبارا‪ ،‬بل علمه خط سير‬
‫جديد‪ ،‬ثم الحظ بأيةسرعة سيصل إلى التحكم في اتجاه السير‪ ،‬وكيف‬
‫سيقوم بتذكره‪.‬‬
‫هناك باحثون آخرون قاموا بتطوير اختبارات الذكاء‪ ،‬ولست من أنصار‬
‫هذهاالختبارات‪ ،‬لكني أحكم عليها حسب حالة كل اختبار‪ .‬وأعتقد أننا‬
‫أمضينا وقتاطويال في تقييم األطفال وتصنيفهم‪ ،‬ولم نمنحهم سوى وقتا‬
‫ضئيال لمساعدتهم ‪.‬لذلك‪ ،‬فالمبرر الوحيد‪ ،‬بالنسبة إلي‪ ،‬لتقييم الذكاءات هو‬

‫‪ -102‬عبد الواحد أوالد الفقيهي‪ :‬الذكاءات المتعددة ‪ :‬التأسيس العلمي‪ ،‬منشورات مجلة علوم‬
‫التربية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األولى ‪2012‬م‪.‬‬
‫‪112‬‬
‫مساعدة المتعلمينللتعلم بشكل جيد‪ ،‬وذلك بتوظيف الذكاءات األكثر تفوقا‪،‬‬
‫‪103‬‬
‫وتقوية الذكاءات التيهي في حاجة إلى ذلك‪ ،‬في الوقت نفسه‪".‬‬
‫ويضيف الباحث شارحا مشروعه المسمى بالطيف التربوي بقوله‪ ":‬إنه‬
‫برنامج تربوي يقدم لألطفال الصغار (بين ‪ 3‬و‪ 6‬سنوات) بيئة‬
‫غنيةوخصبة من شأنها أن تثير عددا كبيرا من الذكاءات‪ ،‬بحيث يمكن‬
‫لهؤالء األطفاالستكشاف هذا الوسط الذي يعتبر بمثابة متحف لهم أكثر مما‬
‫هو حجرة فصل عادي‪،‬ومن خالل مالحظة الطريقة التي يستثمرون بها‬
‫مختلف المواد والعناصر المحيطةبهم‪ ،‬يمكن استنباط جانبيتهم في الذكاء‪.‬‬
‫هناك طبعا "مهام الطيف" األكثرشكلية والمخصصة لتحديد أصناف‬
‫الذكاءات القوية والذكاءات الضعيفة لطفل ما‪،‬سواء في ارتباطها مع‬
‫الذكاءات األخرى لدى نفس الطفل‪ ،‬أم بمقارنتها معذكاءات األطفال‬
‫اآلخرين‪ .‬لقد تم تحويل نتائج هذا التقييم إلى "جانبيةالطيف"‪ ،‬والذي‬
‫يتضمن اقتراحات عملية حول األنشطة التي يجب مباشرتها مع الطفلحسب‬
‫جاذبيته الخاصة من حيث مكامن القوة والضعف‪.‬‬

‫أليس هناك خطر اإلخالل بالتوازن حين يتعلق األمر بتفضيل أو تشجيع‬
‫‪104‬‬
‫مجال للذكاء يوجد مسبقا وبقوة لدى طفل ما؟"‬
‫وهكذا‪ ،‬فلقد ظهرت نظرية الذكاءات المتعددة منذ الثمانينيات من القرن‬
‫الماضي بالواليات المتحدة األمريكية مع هوارد غاردنر ‪ ،‬بعد أن جربها‬
‫صاحبها مدة عشرين سنة في مجال السيكولوجيا والبيداغوجيا إلى أن‬

‫‪ -103‬هاوارد غاردنر ‪( :‬حوار مع هوارد غاردنر حول الذكاءات المتعددة‪ :‬من التأسيس‬
‫العلمي إلى التطبيق البيداغوجي)‪ ،‬ترجمة وتقديم‪ :‬عبد الواحد أوالد الفقيهي‪،‬‬

‫‪http://www.aljabriabed.net/n68_08lafkih.htm‬‬

‫‪ -104‬هاوارد غاردنر ‪ :‬الحوار نفسه‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫حققت نجاحا باهرا في المدرسة التربوية أكثر مما حققته في ميادين‬
‫ومجاالت وحقول معرفية أخرى‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬التصور النظري لنظرية الذكاءات المتعددة‬
‫يتحدث هوارد غاردنر عن مجموعة من الذكاءات المتعددة التي تتأثر بما‬
‫هو وراثي فطري يولد مع اإلنسان من جهة‪ ،‬ومما هو مكتسب من البيئة‬
‫والوسط (األسرة‪ ،‬والشارع‪ ،‬والمدرسة‪ ،‬والتربية‪ ،‬والمجتمع‪ .)...‬ويعني‬
‫هذا أن الذكاء وراثي ومكتسب معا‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فليس هناك ذكاء واحد ‪ ،‬كما‬
‫يقول جان بياجي وعلماء مقاييس الذكاء المعرفي‪ .‬وإذا فقد اإلنسان ذكاء‬
‫واحدا‪ ،‬فإنه بال شك‪ ،‬في هذه الحالة ‪ ،‬سيستخدم باقي ذكاءاته األخرى‪.‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬تختلف درجة الذكاء من شخص إلى آخر‪ ،‬كما يختلف مفهوم‬
‫الذكاء من ثقافة إلى أخرى‪ .‬وعليه‪ ،‬تستند نظرية الذكاءات المتعددة إلى‬
‫القدرة على حل المشاكل‪ ،‬و مواجهة وضعياتها البسيطة و المركبة ‪ ،‬ضمن‬
‫نسق ثقافي معين‪ ،‬والقدرة على إيجاد مشاكل أخرى للتعلم والتدرب‪،‬‬
‫وإنتاج خدمات وأفكار وقيم جديدة وأصيلة‪ .‬بمعنى أن هذه النظرية تؤهل‬
‫المتعلم ليتسلح بمجموعة من القدرات المهارية لحل المشكالت وإيجادها‪،‬‬
‫وتملك المهارة الذكائية‪ ،‬مع اكتساب ملكة اإلبداع لمواجهة الوضعيات‬
‫والتحديات المعرفية والواقعية‪ ،‬وتعويده على التعلم الذاتي‪ ،‬واستخدام‬
‫قدراته الذكائية في مواجهة الظروف والمعوقات الذاتية والموضوعية‪.‬‬
‫وينطلق غاردنر من فرضية أساسية تقول بتعدد الذكاءات‪ ،‬واستقاللها عن‬
‫بعضها البعض‪ ،‬حيث يقول غاردنر ‪ ":‬بالنسبة لي توجد أدلة مقنعة على‬
‫أن اإلنسان يتوفر على كفايات ذهنية مستقلة نسبيا؛ سوف أسميها بشكل‬
‫مختصر" الذكاءات اإلنسانية""‪ .105‬ويعتمد وصف الذكاء عند هوارد‬
‫غاردنر على مجموعة من المعايير التي يحددها في مايلي‪:‬‬
‫‪ -1‬التاريخ التطوري لكل ذكاء‪.‬‬
‫‪ -2‬عزل الذكاء عند إصابة الدماغ‪.‬‬

‫‪- H.Gardner : Les formes de l’intelligence, p : 18.‬‬


‫‪105‬‬

‫‪114‬‬
‫‪ -3‬وجود ذكاءات فائقة ومتميزة لدى فئات غير عادية‪.‬‬
‫‪ -4‬المسار النمائي المتميز لكل ذكاء‪.‬‬
‫‪ -5‬وجود عملية أساسية أو مجموعة عمليات محددة‪.‬‬
‫‪ -6‬قابلية الترميز في نسق رمزي معين‪.‬‬
‫‪ -7‬الدعم المستمد من علم النفس التجريبي‪.‬‬
‫‪ -8‬سند نتائج القياس النفسي‪.106‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬يحدد غاردنر تسعة أنواع من الذكاء ‪ ،‬وهي‪ :‬الذكاء الرياضي‬
‫المنطقي‪ ،‬والذكاء اللغوي‪ ،‬والذكاء الموسيقي‪ ،‬والذكاء البصري‬
‫والفضائي‪ ،‬والذكاء الجسمي الحركي‪ ،‬والذكاء الطبيعي‪ ،‬والذكاء الكوني‪،‬‬
‫والذكاء التفاعلي‪ ،‬والذكاء الذاتي‪ .‬فمن لم يكن ذكيا في مادة أو تخصص‬
‫معرفي ما‪ ،‬فقد يكون ذكيا في مجاالت أخرى‪ .‬وليس من الضروري أن‬
‫يكون الذكي هو الذي يعرف حل العمليات الرياضيات والمنطقية‪ ،‬بل قد‬
‫يكون الذكي هو الذي يتقن الموسيقا‪ ،‬ويبدع فيها مثال‪ ،‬أو له قدرة على‬
‫اإلبداع اللغوي‪ ،‬أو يملك الذكاء العاطفي أو االجتماعي‪...‬ومن ثم‪ ،‬يختلف‬
‫الذكاء من ثقافة إلى أخرى حسب اختالف السياقات الرمزية والحضارية‪.‬‬
‫وتعد نظرية الذكاءات المتعددة نظرية سيكوبيداغوجية مهمة لتطوير‬
‫مجموعة من الذكاءات لدى المتعلم‪ ،‬واالهتمام باألنشطة الفنية‪ ،‬والبصرية‪،‬‬
‫والجسمية‪ ،‬والحركية‪ ،‬والطبيعية‪ ،‬والكونية‪ ،‬واللغوية‪...‬ومن ثم‪ ،‬لم يعد‬
‫الذكاء مرتبطا كما في الثقافة الغربية بالرياضيات والعمليات المنطقية‪،‬‬
‫فالذكاء أوسع من الذكاء الرياضي المنطقي‪ .‬لذا‪ ،‬ينبغي تربويا تنمية الذكاء‬
‫التعليمي‪ ،‬بمعرفة أنواع الذكاء لدى المتعلم ‪ ،‬وتبيان مواصفات هذا الذكاء‪،‬‬
‫ورصد مختلف التعثرات التي تمنع من إبراز ذكاء معين‪ .‬ويعني هذا أن‬
‫نظرية الذكاءات المتعددة مفيدة في فهم اإلعاقات الخاصة وتفسيرها نفسيا‬
‫وبيولوجيا واجتماعيا ومعرفيا‪ .‬ويضاف إلى ذلك أنها تنفعنا في تأسيس‬
‫بيداغوجيا فارقية جديدة‪ ،‬تعترف بوجود ذكاء معين لدى كل تلميذ‪ .‬فليس‬

‫‪ -106‬انظر عبد الواحد أوالد الفقيهي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.19-14:‬‬


‫‪115‬‬
‫هناك تلميذ غبي أو أبله أو كسول‪ ،‬فلكل متعلم ذكاؤه الخاص‪ ،‬ينبغي‬
‫صقله‪ ،‬وشحذه‪ ،‬واستكشافه‪ ،‬وتنميته ذهنيا ووجدانيا وحركيا‪.‬وتشدد هذه‬
‫النظرية على أهمية الفنون في بلورة الذكاء البشري‪ .‬عالوة على أهمية‬
‫الذكاء العاطفي واالجتماعي والذاتي في تحقيق التوازن النفسي‪ ،‬وخلق‬
‫لحمة وجدانية إيجابية بين األنا واآلخر ‪...‬‬
‫وللتوضيح أكثر‪ ،‬يرى هوارد غاردنر أن ثمة تسعة ذكاءات تشتغل‪ ،‬بشكل‬
‫مستقل‪ ،‬عن باقي الذكاءات األخرى‪ .‬وترتبط مواقع هذه الذكاءات بالدماغ‬
‫العصبي وفصوصه المختلفة‪ .‬ومن هنا‪ ،‬يرتبط الذكاء اللغوي بالبالغة‬
‫والفصاحة ‪ ،‬و استخدام اللغة استخداما جيدا على المستوى الصوتي‬
‫والصرفي والتركيبي والداللي والبالغي والتداولي‪ ،‬والتحكم في هذه‬
‫المستويات اللسانية بيانا وبالغة وتصويتا وفصاحة وإبداعا‪ ،‬واستعمالها‬
‫في كتابة النصوص األدبية السردية والشعرية والدرامية والحكائية والفنية‪.‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬يتموقع الذكاء اللغوي في الفصوص الصدغية والجبهة اليسرى‪،‬‬
‫كمنطقة بروكا‪ ،‬ومنطقة فرنيك‪.‬‬
‫أما الذكاء الرياضي المنطقي الذي يعتمد على عمليات التجريد والتخييل‬
‫واالحتمال‪ ،‬فيستخدم في حل المشاكل المتعلقة بالرياضيات والمنطق‬
‫والهندسة‪ ،‬واليمكن فصل الرياضيات عن المنطق كما يقول وايتهايد نظرا‬
‫للعالقة الجدلية التي توجد بينهما‪ .‬ويتموقع هذا الذكاء في الفصوص‬
‫الجدارية اليسرى واليمنى‪ ،‬والفصوص الجبهية اليسرى‪ .‬في حين‪ ،‬يتموقع‬
‫الذكاء الموسيقي في الفص الصدغي األيمن‪ ،‬ويتجسد هذا الذكاء في إبداع‬
‫النوتات واأللحان واألنغام والموسيقا ‪...‬‬
‫ويرتكن الذكاء البصري الفضائي إلى استغالل المكان في عالقته بالزمان‬
‫هندسيا وبصريا وتشكيليا ومعماريا‪ .‬ويتموقع هذا الذكاء في المناطق‬
‫الجدارية والقفوية من النصف األيمن‪ .‬أما الذكاء الجسمي الحركي‪ ،‬فيوجد‬
‫في المخيخ والنويات القاعدية والمنطقة الحركية‪ .‬ويظهر هذا الذكاء‪،‬‬
‫بجالء‪ ،‬في الكوريغرافيا‪ ،‬والرقص‪ ،‬والرياضة البدنية‪ ،‬والمسرح‪،‬‬
‫والسينما‪ ،‬وحركات الجسد بصفة عامة‪...‬‬

‫‪116‬‬
‫في حين‪ ،‬يتميز الذكاء التفاعلي بأنه ذكاء اجتماعي‪ ،‬تتفاعل فيه الذات مع‬
‫اآلخر االجتماعي شخصا كان أو مؤسسة اجتماعية‪ .‬ويوجد هذا الذكاء في‬
‫الفصوص الجبهية‪ ،‬والفص الصدغي ‪ ،‬وخاصة في النصف األيمن‪،‬‬
‫والجهاز اللعبي‪ .‬أما الذكاء الذاتي‪ ،‬فيوجد في الفصوص الجبهية‪،‬‬
‫والفصوص الجدارية‪ ،‬والجهاز اللعبي‪ .‬ويستخدم هذا الذكاء في مجال علم‬
‫النفس‪ ،‬واألنساق الدينية والعرفانية‪ ،‬والرموز الذاتية‪...‬‬
‫أما الذكاء الطبيعي‪ ،‬فيتعلق بكل مكونات الطبيعة من حيوانات‪ ،‬ونباتات‪،‬‬
‫وصخور‪ ،‬ومعادن‪ ،‬وما يرتبط بالطبيعة كالعالج الطبيعي الشعبي‪ ،‬ومواد‬
‫التجميل‪ ،‬واالستهالك اليومي‪ .‬ويوجد هذا الذكاء في الفص الجداري‬
‫األيسر ‪ .‬وهو مهم في التمييز بين األشياء الحية وغير الحية‪ .‬ويتميز الذكاء‬
‫الوجودي بوجود نزعات التفلسف الكونية‪ ،‬وممارسة الطقوس والعقائد‬
‫‪107‬‬
‫والرياضات الروحية والصوفية‪ ،‬وإنتاج النظريات الفلسفية‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬يتبين لنا أن الذكاء أنواع مختلفة ومتعددة‪ ،‬ويرتبط بمواقع دماغية‬
‫وعصبية معينة‪ ،‬وأن هذه الذكاءات مستقلة باستقالل مواقعها ‪ .‬وبالتالي‪،‬‬
‫إذا أتلف ذكاء معين‪ ،‬فثمة ذكاء آخر يعوضه‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فنظرية الذكاءات‬
‫المتعددة طريقة مفيدة في إصالح المنظومة التربوية‪ ،‬بتنمية الذكاءات‬
‫الموجودة لدى المتعلم ‪ ،‬وصقلها بالدربة والممارسة والتمكين وفق أحدث‬
‫الطرائق التربوية والسيكولوجية‪ .‬ومن هنا‪ ،‬تعمل النظرية المتعددة‬
‫الذكاءات على حل المشكالت‪ ،‬وإيجاد مشكالت جديدة الكتساب معارف‬
‫جديدة‪ ،‬وإبداع أفكار ومنتجات وقيم جديدة وأصيلة‪.‬‬

‫‪ -107‬أنظر عبد الواحد أوالد الفقيهي ‪ :‬نفسه‪.155 ،‬‬


‫‪117‬‬
‫الفرع الرابع‪ :‬كتابات حول نظرية الذكاءات المتعددة‬
‫ثمة مجموعة من الدراسات الغربية التي اهتمت بنظرية الذكاءات المتعددة‬
‫تنظيرا وتطبيقا‪ ،‬مثل ما كتبه كل من‪ :‬توماس أرمسترونغ‪Thomas ( 108‬‬
‫‪ )Armstrong‬حول ‪( :‬الذكاءات المتعددة في القسم)‪ ،‬وبروس‬
‫كامبل(‪ )Bruce Campbell‬في كتابه (الذكاءات المتعددة‪ :‬الدليل‬
‫التطبيقي)‪...109‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬فقد انتشرت هذه النظرية عربيا مع مجموعة من‬
‫الباحثين المغاربة الذين كانوا سباقين إلى تمثلها سيكولوجيا وتربويا ‪،‬‬
‫وخاصة أحمد أوزي في كتابه (التعليم والتعلم بمقاربة الذكاءات‬
‫‪108‬‬
‫‪- Thomas Armstrong : les intelligences multiples dans votre‬‬
‫‪classe, traduit de l’américain par : Jean Blaquière, Chenelière,‬‬
‫‪Montréal, 1999.‬‬
‫‪109‬‬
‫‪- Bruce Campbell, les intelligences multiples : Guide pratique,‬‬
‫‪traduit par : Danièle Bellchumeur, Chenelière, Montréal, 1999.‬‬
‫‪118‬‬
‫المتعددة)‪ ،110‬وتلميذيه‪ :‬عبد الواحد أوالد الفقيهي في مجموعة من‬
‫دراساته‪ ،‬مثل‪( :‬نظرية الذكاءات المتعددة من التأسيسالعلمي‬
‫إلى التوظيف البيداغوجى)‪ ،111‬و (الذكاءات المتعددة ‪ :‬التأسيس‬
‫العلمي)‪ ،112‬ومحمد أمزيان في كتابه (الذكاءات المتعددة وتطوير‬
‫الكفايات‪ ...)113‬وفي هذا السياق‪ ،‬يقول أحمد أوزي‪ ":‬إن نظرية الذكاءات‬
‫المتعددة أحدثت منذ ظهورها وتطبيقها في العديد من األنظمة التربوية‬
‫تغييرا كبيرا حبب المدرسة إلى المتعلمين‪ ،‬وجعلتهم يحققون ذواتهم خالل‬
‫ممارسة مختلف األنشطة التي تتفق واهتماماتهم وأساليب تعليمهم‬
‫وتعلمهم‪ ،‬مما جعل هذه النظرية تعرف انتشارا كبيرا‪ ،‬وتغدو مفاهيمها‬
‫مدرجة في البرامج والمناهج التعليمية المتطورة‪ ،‬خالل وضعها‬
‫وتخطيطها لمختلف األنشطة التعليمية في كل المستويات‪ .‬والحقيقة أن‬
‫المغرب كان سباقا في العالم العربي إلى التعرف على هذه المقاربة‬
‫البيداغوجية المتطورة خالل قيامنا بتنشيط ورشات تطوير أساليب وتجويد‬
‫أداء العمل المهني لنساء ورجال التربية والتعليم في بعض منماطق‬
‫المغرب منذ التسعينيات من القرن الماضي‪ ،‬ومنذ ذلك الوقت سعينا إلى‬
‫إدخال هذه المقاربة إلى مجال البحث العلمي األكاديمي ليتعرف عليها‬
‫طالب الدراسات العليا بكلية علوم التربية بجامعة محمد الخامس‪،‬‬
‫‪114‬‬
‫ويستفيدون من نتائجها القيمة‪".‬‬

‫‪ -110‬أحمد أوزي‪ :‬التعليم والتعلم بمقاربة الذكاءات المتعددة‪،‬الشركة المغربية للطباعة‬


‫والنشر‪ ،‬الرباط‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة‪1999‬م‪ 134،‬من الصفحات‪.‬‬
‫‪ -111‬عبد الواحد أوالد الفقيهى ‪(:‬نظرية الذكاءات المتعددة من التأسيسالعلمي إلى التوظيف‬
‫البيداغوجى) مجلة علوم التربية‪ ،‬المغرب ‪ ،‬المجلدالثالث ‪ ،‬العدد الرابع والعشرون‪،‬‬
‫‪2003‬م‪.‬‬
‫‪ -112‬عبد الواحد أوالد الفقيهي‪ :‬الذكاءات المتعددة‪ :‬التأسيس العلمي‪ ،‬منشورات مجلة علوم‬
‫التربية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2012‬م‬
‫‪ -113‬محمد أمزيان‪ :‬الذكاءات المتعددة وتطوير الكفايات‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة ‪ ،‬الدار‬
‫البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2004‬م‪.‬‬
‫‪ -114‬أحمد أوزي‪( :‬تقديم)‪ ،‬الذكاءات المتعددة ‪ :‬التأسيس العلمي‪ ،‬لعبد الواحد أوالد الفقيهي‪،‬‬
‫منشورات مجلة علوم التربية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األولى سنة‬
‫‪2012‬م‪ ،‬ص‪.6:‬‬
‫‪119‬‬
‫بيد أن هناك دراسات عربية سابقة ظهرت في الشرق في سنوات الثمانين‬
‫من القرن الماضي قد تبنت نظرية الذكاءات المتعددة‪ ،‬مثل‪ :‬دراسة‬
‫(العالقة بين الذكاءات المتعددة لدى الطلبة المعاقين سمعيا ومتغيرات‬
‫درجة اإلعاقة والجنس والعمر) لسالم سليمان حمد الجعافرة‪ .115‬ومن‬
‫الدراسات العربية األخرى التي تنصب في هذا االهتمام نذكر ما كتبه جابر‬
‫عبد الحميد جابر في كتابه‪( :‬الذكاءات المتعددة والفهم‪ :‬تنمية وتعميق)‪،116‬‬
‫وما كتبه أيضا محمد عبد الهادي حسين في كثير من مؤلفاته التي‬
‫طورت نظرية الذكاءات المتعددة‪ ،‬مثل‪( :‬مدرسة الذكاءات المتعددة)‪، 117‬‬
‫و(مدخل إلى نظرية الذكاءات المتعددة) ‪ ،118‬و (الذكاءات المتعددة وتنمية‬
‫الموهبة)‪ ، 119‬و(الذكاءات المتعددة‪ :‬أنواع العقول البشرية)‪،120‬‬
‫و(ديناميكية التكيف العصبى وقوة الذكاءات المتعددة)‪ ،121‬و(التفكير‬
‫اإلبداعى فى ضوء نظرية الذكاء المتعلم‪ ،)122‬و(دليلك العملي الى قوة‬

‫‪ -115‬سالم سليمان حمد الجعافرة ‪ :‬العالقة بين الذكاءات المتعددة لدى الطلبة المعاقين سمعيا‬
‫ومتغيرات درجة اإلعاقة والجنس والعمر‪ ،‬الجامعة االردنية‪ ،‬األردن‪ ،‬الطبعة األولى سنة‬
‫‪1983‬م‪.‬‬
‫‪ -116‬جابر عبد الحميد جابر‪ :‬الذكاءات المتعددة والفهم‪ :‬تنمية وتعميق‪ ،‬دار الفكر العربى‬
‫للطباعة والنشر‪2003‬م‪.‬‬
‫‪ -117‬محمد عبد الهادي حسين‪ :‬مدرسة الذكاءات المتعددة‪ ،‬دار العلوم للتحقيق والطباعة‬
‫والنشر والتوزيع ‪ 600, 2005 -‬من الصفحات‪.‬‬
‫‪ -118‬محمد عبد الهادي حسين‪ :‬مدخل إلى نظرية الذكاءات المتعددة‪ ،‬دار العلوم للتحقيق‬
‫والطباعة والنشر والتوزي‪ ،‬الطبعة األولى ‪2008‬م‪.‬‬
‫‪ -119‬محمد عبد الهادي حسين‪ :‬الذكاءات المتعددة وتنمية الموهبة‪ ،‬دار العلوم للتحقيق‬
‫والطباعة والنشر والتوزيع‪2006‬م‪ 632،‬من الصفحات‪.‬‬
‫‪ -120‬محمد عبد الهادي حسين‪:‬الذكاءات المتعددة‪ :‬أنواع العقول البشرية‪ ،‬دار العلوم للتحقيق‬
‫والطباعة والنشر والتوزيع‪2000،‬م‪.‬‬
‫‪ -121‬محمد عبد الهادي حسين‪ :‬ديناميكية التكيف العصبي وقة الذكاءات المتعددة‪ ،‬دار العلوم‬
‫للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع‪. 2008‬‬

‫‪ -122‬محمد عبد الهادي حسين‪:‬التفكير االبداعى فى ضوء نظرية الذكاء المتعلم‪ ،‬دار العلوم‬
‫للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع‪2008‬م‪.‬‬
‫‪120‬‬
‫سيناريوهات دروس الذكاءات المتعددة)‪ ،123‬و(إيقاظ العبقرية داخل‬
‫فصولنا الدراسية)‪ ،124‬و (الذكاءات المتعددة ‪ :‬مراجعات وامتحانات)‪، 125‬‬
‫و(االكتشاف المبكر لقدرات الذكاءات المتعددة بمرحلة الطفولة)‪،126‬‬
‫و(مباردة الذكاءات المتعددة ومجتمع التعلم الذكى)‪ .127‬ونستحضر أيضا ما‬
‫كتبه كل من وليد محمد أبو المعاطي في كتابه (الذكاء المعرفي‬
‫واالنفعالي واالجتماعي وأساليب التعلم) ‪ ،128‬وحمدان ممدوح إبراهيم‬
‫الشامي فيكتابه (أثر برنامج تعليمى قائم على نظرية الذكاءات المتعددة‬
‫فى تحصيل الرياضيات لدى تالميذ الحلقة الثانية من التعليم األساسى‬
‫المنخفضين تحصيليا)‪،129‬وبدر محمد العدل في كتابه(فعالية برنامج‬
‫قائمعلى نظرية الذكاءات المتعددة)‪ ،130‬وأحمد السيد علي في كتابه‬

‫‪ -123‬محمد عبد الهادي حسين‪ :‬دليلك العملى الى قوة سيناريوهات دروس الذكاءات‬
‫المتعددة‪ ،‬دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع‪. 2008.‬‬
‫‪ -124‬محمد عبد الهادي حسين‪ :‬إيقاظ العبقرية داخل فصولنا الدراسية‪ ،‬دار العلوم للتحقيق‬
‫والطباعة والنشر والتوزيع‪. 2008.‬‬
‫‪ -125‬محمد عبد الهادي حسين‪ :‬الذكاءات المتعددة ‪ :‬مراجعات وامتحانات‪ ،‬دار العلوم للتحقيق‬
‫والطباعة والنشر والتوزيع‪. 2008.‬‬
‫‪ -126‬محمد عبد الهادي حسين‪ :‬االكتشاف المبكر لقدرات الذكاءات المتعددة بمرحلة‬
‫الطفولة‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع‪2005‬م‪ 496،‬من الصفحات‪.‬‬
‫‪ -127‬محمد عبد الهادي حسين‪ :‬مبادرة الذكاءات المتعددة ومجتمع التعلم الذكى‪،‬دار العلوم‬
‫للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع‪2008،‬م‪.‬‬
‫‪ -128‬وليد محمد أبو المعاطي ‪:‬الذكاء المعرفي واالنفعالي واالجتماعي واساليب التعلم‪،‬‬
‫جامعة المنصورة كلية التربية‪2005‬م‪ 236،‬من الصفحات‪.‬‬
‫‪ -129‬حمدان ممدوح إبراهيم الشامي ‪ :‬أثر برنامجتعليمى قائم على نظرية الذكاءات المتعددة‬
‫فى تحصيل الرياضيات لدى تالميذ الحلقة الثانية من التعليم األساسى المنخفضين تحصيليا‪،‬‬
‫جامعة القاهرة ‪ -‬كلية التربية‪. 2007.‬‬
‫‪ -130‬بدر محمد العدل‪ :‬فعالية برنامج قائم على نظرية الذكاءات المتعددة‪ ،‬جامعة‬
‫المنصورة‪ ،‬مصر‪ ،‬كلية التربية‪2006‬م‪ 290 ،‬من الصفحات‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫(نظرية الذكاءات المتعددة وتطبيقاتها في مجاالت صعوبات التعلم (رؤية‬
‫مستقبلية))‪...131‬‬
‫الفرع الخامس‪ :‬توظيف نظرية الذكاءات المتعددة في المدرسة‬
‫من المعلوم أن لنظرية الذكاءات المتعددة مجموعة من األهداف التربوية‬
‫والديدكتيكية التي يمكن تحقيقها ‪ .‬ويمكن حصرها في األهداف التالية‪:‬‬
‫‪ ‬تؤمن النظرية بتعدد الذكاءات لدى المتعلم؛ إذ يمكن الحديث عن الذكاء‬
‫اللغوي‪ ،‬والذكاء الرياضي المنطقي‪ ،‬والذكاء الطبيعي‪ ،‬والذكاء التفاعلي‪،‬‬
‫والذكاء الذاتي‪ ،‬والذكاء الوجودي‪ ،‬والذكاء الموسيقي‪ ،‬والذكاء الجسمي‬
‫الحركي‪ ،‬والذكاء الفضائي البصري‪...‬؛‬
‫‪ ‬تساهم هذه النظرية في حل المشاكل المتعلقة بالفوارق الفردية؛‬
‫‪ ‬تسعى إلى تنمية العبقرية والموهبة وقدرات اإلنتاج واالبتكار واإلبداع؛‬
‫‪ ‬تكشف مواطن الضعف والقوة عند المتعلم‪ ،‬وخاصة أنها تعالج مواطن‬
‫التعثر وصعوبات التعلم ‪ .‬ومن ثم‪ ،‬إذا كانت نظريات الذكاء التقليدية تركز‬
‫على مواطن الضعف لدى المتعلم‪ ،‬فإن نظرية الذكاءات المتعددة تهتم‬
‫بماهو إيجابي لدى المتعلم‪ ،‬وتستكشف مالديه من قدرات ذكائية أخرى؛‬
‫‪ ‬تطوير الطرائق البيداغوجية والديدكتيكية؛‬
‫‪ ‬تنمية القدرات الذكائية‪ ،‬وتطوير المهارات الكفائية لدى المتعلم من أجل‬
‫حل المشكالت‪ ،‬والعمل على االبتكار واإلنتاج واإلبداع؛‬
‫‪ ‬استثمار القدرات الذكائية لدى المتعلمين في تعليمهم األكاديمي من‬
‫خالل أنشطة تعليمية في مجاالت هذه الذكاءات؛‬

‫‪ -131‬السيد علي أحمد‪ :‬نظرية الذكاءات المتعددة وتطبيقاتها في مجاالت صعوبات التعلم‬
‫(رؤية مستقبلية)‪ ،‬جامعة الملك سعود‪ ،‬الريال‪2005 ،‬م‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫‪ ‬صالحية النظرية لتمثلها في برامج التدريس لألطفال العاديين وذوي‬
‫االحتياجات الخاصة؛‬
‫‪ ‬التركيز على األنشطة المختلفة للذكاءات المتعددةلكي يستفيد كل طفل‬
‫من النشاط الذي يوافق ذكاءاته؛‬
‫‪ ‬تسمح هذه النظرية لكل متعلم على حدة بتحقيق ذاته‪ ،‬والتميز بالجوانب‬
‫التي ينفرد بها‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فليست" نظرية الذكاءات المتعددة – حسب هوارد غاردنر‪ -‬غاية‬
‫في ذاتها‪ ،‬بل هي أداة للمدرسينالمتبصرين الذين يسعون إلى تطوير قدرات‬
‫معينة لدى تالمذتهم‪ .‬مثال‪ :‬إذا كنانبتغي أن يكون األطفال متخلقين فيما‬
‫بينهم‪ ،‬سنحتاج إلى تنمية ذكائهمالشخصي‪ .‬باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬طبعا‪ ،‬تمكن‬
‫هذه النظرية من تحسين تقديمالمواد الدراسية‪ ،‬مثال‪ :‬إذا كان على كل تلميذ‬
‫أن يتلقى مادة التاريخ أوالجغرافية‪ ،‬فليس هناك أي مبرر كي يتعلم كل‬
‫واحد هذه المواد بالطريقة نفسها أويخضع للتقييم نفسه‪.‬‬
‫لقد مكن مشروع الطيف من تعيين جوانب التفوق المتميزة لدى العديد‬
‫مناألطفال‪ ،‬وكان من الممكن أن تبقى مجهولة بدون ذلك؛ فأثناء القيام‬
‫بإحدىالتحريات مع فريقي في البحث صادفنا طفال في السادسة من عمره‪،‬‬
‫ينحدر من أسرةمفككة‪ ،‬ويواجه خطرا كبيرا ناتجا عن الفشل الدراسي‪،‬‬
‫وبحكم أن نتائجه لمتتغير خالل حصص التحضيري‪ ،‬فقد قررت مدرسته‬
‫إجباره على التكرار بعد شهرين منحضوره داخل فصلها‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فقد‬
‫كان الطفل ناجحا بشكل يفوق اآلخرين في فكتركيب مواد مستعملة‬
‫وإعادتها‪ .‬بعد تصويره‪ ،‬وهو يقوم بأنشطة عرضت سلسلة‬
‫اللقطاتالمصورة على معلمته‪ ،‬وكم كان ذهول هذه األخيرة كبيرا جراء ما‬
‫رأت! إلى درجةأنها لم تذق راحة النوم لمدة ثالث ليال‪ .‬منذ تلك اللحظة‬

‫‪123‬‬
‫غيرت بشكل جذرينظرتها حول الطفل‪ ،‬وبدأت النتائج المدرسية لهذا‬
‫األخير تتحسن بشكل ملموس"‪.132‬‬

‫ومن هنا‪ ،‬فنظرية الذكاءات المتعددة طريقة إبداعية تؤمن بالتنشيط‬


‫المدرسي والحياة المدرسية السعيدة‪ ،‬وتعترف بالفوارق الفردية بين‬
‫المتعلمين‪ ،‬وتكشف نوع الذكاء لدى المتعلم‪ ،‬وتتسم طرائقها الديدكتيكية‬
‫بالفاعلية والمعنى والتشويق‪ ،‬مادامت تسعى إلى تعزيز النمو اإلدراكي‬
‫لدى المتعلم‪ ،‬واالنطالق من فلسفة التنشيط‪ ،‬واالستفادة من آخر البحوث‬
‫التي أجريت على الدماغ اإلنساني‪ ،‬والعمل على تصنيف القدرات الدماغية‬
‫التي تختلف من شخص إلى آخر‪ ،‬وهي مستقلة عن بعضها البعض‪.‬‬
‫ويضاف إلى ذلك أن نظرية الذكاءات المتعددة‪ ،‬مادامت تعترف بموهبة‬
‫المتعلمين وعبقريتهم في العطاء واإلنتاج‪ ،‬وتراعي ميولهم‪ ،‬تقلل من الهدر‬
‫المدرسي‪ ،‬وتخفف من العنف والشغب والفوضى والالمباالة لدى المتعلم‪،‬‬
‫وتساهم في خلق المتعلم المفكر‪ ،‬وتصنف المتعلمين حسب احتياجاتهم‬
‫العلمية والمعرفية والنفسية‪.‬‬
‫وقد بلور أحمد أوزي مجموعة من اآلليات الديدكتيكية والمنهجية في‬
‫التعامل مع الذكاءات المتعددة على الشكل التالي‪ :‬ما أهداف الدرس؟ وما‬
‫الوسائل الالزمة إلبالغه على أفضل وجه؟ وما الكفاءات الذهنية الموجودة‬
‫لدى المتعلمين الذين يوجه إليهم الدرس؟ وكيف يمكن تقديم الدرس بكيفيات‬
‫مختلفة مع مراعاة الذكاءات المتعددة؟ وكيف يمكن توضيح الغايات‬
‫وحصيلة المتعلم في كل درس للتأكد من مساهمة كل درس بكيفية مباشرة‬
‫في تحقيق الغاية المنشودة؟‬
‫وعالوة على ذلك‪ ،‬يقترح أحمد أوزي مجموعة من المداخل المنهجية‬
‫لتطبيق نظرية الذكاءات المتعددة في المدرسة‪ ،‬حيث ينبغي‪ ،‬عند إعداد‬
‫الدرس‪ ،‬إدخال ما هو ممكن من الذكاءات بحسب ما يحتمل‬

‫‪ -132‬هاوارد غاردنر‪:‬الحوار نفسه‪.‬‬

‫‪124‬‬
‫الدرس‪،‬واستحضار ذكاءات المتعلمين عند تحضير الدروس‪ .‬وقبل تصميم‬
‫الدرس‪ ،‬ينبغي التفكير في المحتوى الموجود في الدرس أو الوحدة لكي‬
‫يتسنى انتقاء الذكاءات المناسبة إلدخالها ديدكتيكيا‪ .‬وينبغي دوما ً األخذ‬
‫بعين االعتبار الطرائق التي يتعلم بها التالميذ‪ ،‬ويرتاحون لها‪ .‬وينبغي‬
‫التعاون مع المعلمين في تحضير الدروس‪ ،‬ومناقشة اآلراء‪ .‬وليس مهما ً‬
‫إدخال كل الذكاءات في أي درس أو وحدة‪ ،‬فقد يتم أحيانا ً االكتفاء بإدراج‬
‫ثالثة ذكاءات أو أربعة‪ ،‬وإذا لم يحتمل هذا الدرس يراعى ذلك في الدرس‬
‫القادم‪.133‬‬
‫ومن المعلوم أن نظرية الذكاءات المتعددة ليس هدفها الرئيس هو اكتشاف‬
‫العباقرة داخل الفضاء التربوي‪ ،‬بل هو تبيان مواطن الضعف والقوة لدى‬
‫المتعلم فحسب‪ .‬وفي هذا الصدد‪ ،‬يقول غاردنر‪ ":‬ليس هناك أبدا ارتباط‬
‫مباشر بين نظرية علمية وبرنامج تعليمي‪ ،‬فكلنظرية علمية حول الذهن‬
‫اإلنساني تقترح العديد من التطبيقات التربويةالممكنة‪ ،‬والتجربة وحدها‬
‫يمكن أن تدل على نوع التطبيقات التي يكون لها معنىأو تلك التي ال معنى‬
‫لها‪ .‬وحتى أجيب بشكل دقيق عن السؤال‪ ،‬ال أعتقد أنهينبغي تركيز‬
‫االهتمام على مجال خاص من القوة لدى الطفل‪ .‬في الواقع‪ ،‬إنمسعاي ليس‬
‫على اإلطالق تحويل األطفال إلى عباقرة في المجال الذي يتفوقونفيه‪ ،‬بل‬
‫ينبغي فقط اكتشاف ما هي مجاالت القوة والضعف لديهم‪ .‬وبعد ذلك‪،‬‬
‫تبقىلكل واحد‪ ،‬انطالقا من تقييمه الخاص‪ ،‬الحرية في أن يقرر ما إذا كان‬
‫يفضالالهتمام أكثر بجوانب القوة أو بجوانب الضعف للطفل‪ ،‬أو يفضل‬
‫تجاهل النتائج ‪.‬وبالمقابل‪ ،‬ليس هناك أي مبرر لالعتقاد بأن الشخص الذي‬
‫يبدو ضعيف الذكاء فيلحظة ما ال يمكن أن يصبح متفوقا‪ ،‬بل إن مالحظة‬
‫قصور في ذكاء ما من شأنه أنيدفع هذا الشخص كي يتصرف بحماس من‬
‫أجل تطوير ذلك الذكاء‪ ،‬فهناك العديد مناألشخاص عوضوا نواقصهم‬
‫الظاهرية بالعمل الجاد‪ ،‬بل وأحرزوا أحيانا تفوقا فيتلك المجاالت‪ .‬وأكثر‬
‫‪ -133‬أحمد أوزي‪ :‬التعليم والتعلم بمقاربة الذكاءات المتعددة‪،‬ص‪.88-87:‬‬
‫‪125‬‬
‫من ذلك‪ ،‬يمكنني أن أقدم مثاال شخصيا‪ :‬فأنا دالتوني]مصاب بعمى لوني‬
‫يحول دون التمييز بين األحمر واألخضر] ‪ ،‬ولدي رؤية مجسادية‬
‫‪Stréoscopique‬ناقصة‪ ،‬وأحتاج إلى عدسات قوية مقومة‪ ،‬ومع ذلك‬
‫اخترت أن أكرسأطروحتي للدكتوراه حول الفنون البصرية‪ ،‬وقضيت وقتا‬
‫البصري‪.‬‬ ‫عنالعالم‬ ‫الكتابة‬ ‫في‬ ‫طويال‬
‫هكذا يبدو أن نظرية الذكاءات المتعددة ليست هي القائمة على الحتمية‪،‬‬
‫بل‪،‬باألحرى‪ ،‬أن األفراد‪ ،‬الذين يالحظون قصورا عاديا لديهم‪ ،‬عول أن‬
‫يقوموابتعويض ذلك القصور‪ ،‬يعتبرون ذلك عالمة تدفعهم إلى التنازل عن‬
‫مكامن تفوقهموإهمالها‪".134‬‬
‫وما أحوج مدارسنا العربية اليوم إلى تطبيق نظرية الذكاءات المتعددة‬
‫إلصالح منظوماتنا التربوية القائمة على تنمية الذكاء الواحد! فقد آن‬
‫األوان للبحث عن الذكاءات األخرى لدى المتعلم في ضوء فلسفة إبداعية‬
‫تنشيطية متعددة المقاربات‪.‬‬

‫الفرع السادس‪ :‬تقويم نظرية الذكاءات المتعددة‬


‫تعد نظرية الذكاءات المتعددة فلسفة سيكوبيداغوجية جديدة‪ ،‬تؤمن بالتنشيط‬
‫الفعال‪ ،‬وخلق المواهب والمبادرات والعبقريات المختلفة والمتنوعة‪.‬‬
‫وتساعد المتعلمين على التعلم الذاتي‪ ،‬واستغالل قدراتهم الذكائية في‬
‫مجاالت متنوعة‪ .‬وتسعى هذه النظرية أيضا إلى إعادة الثقة في المتعلم في‬
‫مختلف الثقافات األخرى التي تتعارل مع الثقافة الغربية المركزية؛ ألن‬
‫الذكاء الرياضي المنطقي ليس هو الذكاء الوحيد الذي يحقق النجاح في‬
‫الحياة‪ .‬فثمة ذكاءات أخرى مبدعة تؤمن المستقبل للمتعلم‪ .‬كما تتميز‬
‫نظرية الذكاءات المتعددة بأنها عبارة عن آليات ديدكتيكية وبيداغوجية‬
‫فعالة ‪ ،‬تساهم في تنشيط الدروس‪ ،‬وتحويلها إلى مهارات وقدرات كفائية‬

‫‪ -134‬هاوارد غاردنر ‪ :‬الحوار نفسه‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫إجرائية ‪ ،‬تعمل على تمهير المتعلم‪ ،‬وجعله أمام وضعيات معقدة‬
‫لمواجهتها أوالتأقلم معها‪ .‬كما أنها نظرية صالحة لمعالجة التعثر الدراسي‪،‬‬
‫ومحاربة العنف والشغب داخل الفضاءات التربوية التعليمية‪ ،‬والقضاء‬
‫على التسرب والهدر والفشل الدراسي‪ ،‬ومعالجات الكثير من معوقات‬
‫التعلم لدى المتعلمين العاديين‪ ،‬أو من ذوي الحاجيات الخاصة‪ .‬وأهم ميزة‬
‫تتسم بها النظرية أنها تنبني على فلسفة التشجيع والتحفيز وغرس الدافعية‬
‫في نفسية المتعلم‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬تستند إلى الطرائق البيداغوجية الفعالة‬
‫التي تشوق المعلم والمتعلم على حد سواء‪ ،‬وتعمل على تقوية الطالب‬
‫والمتعلم معا‪...‬‬
‫وقد نجحت نظرية الذكاءات المتعددة بشكل جيد في مجال التربية‬
‫والديدكتيك‪ .‬وفي هذا السياق‪ ،‬يقول غاردنر‪ ":‬إن نظريتي (حول الذكاءات‬
‫المتعددة) تؤثر بشكل كبير في الممارسة التربوية؛ ألنها تتفق مع المالحظة‬
‫الجماعية للمدرسين واآلباء‪ ،‬والتي تكشف عن وجوداختالفات بين األطفال‬
‫على الصعيد المعرفي‪ .‬فكلنا يتوفر على عناصر تفوقوجوانب قصور‬
‫متفاوتة في مختلف المجاالت العقلية‪ ،‬لكن معظم الجهود في مجااللتربية ال‬
‫تعترف بوجود تلك الفوارق‪ ،‬وتشجع نمط التفكير القائم على‬
‫اللغةوالمنطق‪ ،‬وتلك بالضبط هي حالة التفكير الديكارتي‪/‬المنهجي العقالني‬
‫فيفرنسا‪ .‬وعلى النقيض من ذلك‪ ،‬تنطلق مقاربتي من الجانبيات العقلية‬
‫المختلفة‪.‬لذلك‪ ،‬أقترح أن تأخذ التربية بعين االعتبار هذه الفوارق إلنجاز‬
‫تعليم بأعلىمستوى من الفعالية‪ .‬فإذا أردنا توجيه التعليم إلى كل األطفال‪،‬‬
‫وليس فقطحصره على أولئك الذين يتوفرون على استعدادات منطقية‬
‫ولغوية‪ ،‬ينبغي األخذبعين االعتبار االكتشافات التي توصلت إليها نظرية‬
‫الذكاءات المتعددة‪.‬‬
‫وأخيرا‪ ،‬لم يكن للباحثين في حقل التربية موقف نقدي خاص تجاه النظرية‪،‬‬
‫بل إنبعضهم سعى فعال إلى تطويرها‪ .‬كان ذلك هو هدف مجموعة من‬

‫‪127‬‬
‫طلبتي المرموقين‪،‬أمثال – ‪-Tom Hatch – Mara Krechevsky‬‬
‫‪ ،Mindy Kornhaber – Bruce Torff‬وغيرهم‪"..135‬‬

‫وثمة انتقادات موجهة إلى هذه النظرية؛ إذ يشير غاردنر إلى بعضها‬
‫فيقول‪":‬معظم علماء النفس‪ ،‬خاصة المحسوبين على القياس النفسي‪،‬‬
‫عارضوا هذه النظرية ‪ .‬ويمكن فهم موقفهم بسهولة ما دامت نظرية‬
‫الذكاءات المتعددة تهدد مواردعيشهم‪ ،‬بل ومبرر وجودهم‪ .‬لكن مقابل ذلك‬
‫هناك علماء متخصصون‪ .‬كالبيولوجيينمثال‪ ،‬وجدوا في النظرية ما يكفي‬
‫من األهمية‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬كانت لنظريةالذكاءات المتعددة أصداء قوية‬
‫داخل الوسط التعليمي األمريكي‪ ،‬فأثناء العقداألخير لم يحتل سوى عدد‬
‫محدود من األفكار التربوية نفس قيمة هذه النظريةبالواليات المتحدة‪ .‬ولكن‬
‫ذلك ال يعني تأييدا لها بالضرورة‪ ،‬فهناك الكثير منالتطبيقات تبقى سطحية‪،‬‬
‫كما أن جزءا من هذا التأييد كان في الواقع مجردتقليعة‪".136‬‬
‫ومن االنتقادات األخرى لهذه النظرية انعدام االختبارات واالمتحانات‬
‫الملموسة للتأكد من مدى نجاعة هذه النظرية واقعا وممارسة كما عند‬
‫علماء الذكاء الكالسيكيين‪ .‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬مهما دافعنا عن الذكاءات‬
‫األخرى‪ ،‬فيبقى الذكاء الرياضي المنطقي أس الذكاءات الموجودة‪ .‬فهو‬
‫مرتكز التفوق والتمدن والتحضر‪ ،‬مادام هذا الذكاء الحسابي آلة في خدمة‬
‫اإلنتاج واالقتصاد والتصنيع واالبتكار ‪ ،‬وتطوير بنيات المجتمع الغربي‬
‫الحديث‪ ،‬فكيف يمكن مقارنته بالذكاء اللغوي أو الموسيقي أو الفلسفي؟‬
‫ويمكن الحديث أيضا عن ذكاء عاشر‪ ،‬يمكن تسميته اليوم بالذكاء الرقمي‬
‫أو اإلعالمي الذي يمتلكه متعلمونا بشكل الفت لالنتباه‪ .‬عالوة على ذلك‪،‬‬
‫هل يمكن أن تنجح نظرية الذكاءات المتعددة في مدارسنا العربية التي‬
‫تغيب فيها الموارد المادية والمالية والبشرية ‪ ،‬وتقل فيها السياسات‬
‫التعليمية الهادفة‪ ،‬وتهمش فيها الكفاءات الحقيقية؟!‬

‫‪ -135‬هاوارد غاردنر ‪ :‬الحوار نفسه‪.‬‬

‫‪ -136‬هاوارد غاردنر ‪ :‬الحوار نفسه‪.‬‬

‫‪128‬‬
‫وخالصة القول‪ :‬تعد نظرية الذكاءات المتعددة من أهم النظريات‬
‫السيكوبيداغوجية التي استطاعت تحقيق قطيعة معرفية مع النظريات‬
‫التربوية السابقة؛ ألنها تنبني على اإلنتاج‪ ،‬واالبتكار‪ ،‬واإلبداعية‪ ،‬وتمثل‬
‫فلسفة التنشيط‪ ،‬وخلق المواهب والمبادرات والعبقريات‪ ،‬واستكشاف‬
‫ذكاءات المتعلمين‪ ،‬واستثمارها في األنشطة والتمارين الكفائية التي تزود‬
‫المتعلم بالمهارات والقدرات لحل المشاكل‪ ،‬وإيجاد مشكالت أخرى‪،‬‬
‫وإنتاج قيم وأفكار وخدمات جديدة حداثية وأصيلة‪ .‬وماتزال نظرية‬
‫الذكاءات المتعددة قابلة للتطوير والتغيير واإلثراء كما يقول صاحبها‬
‫هوارد غاردنر ‪ ":‬أتمنى تطوير النظرية في اتجاهات مختلفة‪ .‬لكن ما‬
‫يهمني بشكل أساسي أن نفهم كيف يمكن لطفل استعمال ذكائه أو ذكاءاته‬
‫بهدف التحكم الجيد في المواد الدراسية‪ ،‬و يجد له مكانة داخل المجتمع‬
‫وتطويرها‪ ..‬عالوة على ذلك أتوخى مستقبال اكتشاف ذكاءات أخرى‪،‬‬
‫وفهم الكيفية التي تشتغل بها‪ .‬وأريد بطبيعة الحال أن أعرف بشكل جيد‬
‫كيف يتم التعبير عن الذكاء نفسه داخل مختلف األوساط الثقافية‪ .‬وأود‬
‫كذلك معرفة كيف تتمكن الذكاءات المتعددة من االشتغال بيسر وسهولة‪،‬‬
‫وكيف يمكن تنميتها منفصلة عن بعضها ‪ ،‬وفي ارتباط بعضها البعض‪،‬‬
‫وكذا استكشاف العالقات الموجودة بين الذكاءات واالبتكار والقيادة‪.‬‬

‫أما بالنسبة إلى الطرق المسدودة التي ينبغي تجنبها‪ ،‬أرى واحدة هي‬
‫أهمها‪ :‬ال ينبغي السعي من أجل المقارنة بين المجموعات بمصطلحات‬
‫الذكاء (كالمقارنة بين الرجال والنساء أو بين المجموعات العرقية‪ ،‬إلخ‪)..‬‬
‫نظرا إلى المخاطر المترتبة على وقائع محرفة‪ .‬وكمثال على ذلك‪ ،‬أنه في‬
‫استراليا تم وضع الئحة لكل مجموعة عرقية‪ ،‬من خالل جزء من األدوات‬
‫المدرسية المعتمدة من طرف إحدى الواليات‪ .‬وداخل كل الئحة تم تحديد‬
‫الذكاءات التي تتفوق وتضعف فيها كل مجموعة بدون أي سند علمي‪.‬‬
‫اعتبرت ذلك انزالقا‪ ،‬وأعلنت موقفي في برنامج بالتلفزة األسترالية‪ .‬وفي‬

‫‪129‬‬
‫اليوم التالي‪ ،‬مباشرة بعد تصريحي‪ ،‬قام الوزير األول بإلغاء هذا "الخلط"‬
‫‪137‬‬
‫التربوي الذي يتأسس على الوهم العلمي‪".‬‬

‫تلكم‪-‬إذا ً‪ -‬نظرة مقتضبة إلى نظرية الذكاءات المتعددة لدى هوارد غاردنر‬
‫مفهوما‪ ،‬وتأريخا‪ ،‬وتنظيرا ‪ ،‬وتصنيفا‪ ،‬وتطبيقا‪ ،‬وتقويما‪.‬‬

‫وخالصة القول‪ ،‬يتبين لنا‪ ،‬مما سبق ذكره‪ ،‬أن التعلم هو القدرة على‬
‫االكتساب والمران والتدريب‪ ،‬والقدرة على تحصيل المعارف والمعلومات‬
‫والقيم والمهارات‪.‬‬
‫وللتعلم عالقة وطيدة بالذكاء‪ ،‬مادام التعلم هو نتاج القدرات الذكائية‪ ،‬ونتاج‬
‫مجموعة من الملكات الفطرية التي يمتلكها اإلنسان‪ .‬في حين‪ ،‬يعد التعلم‬
‫نتيجة طبيعية لذلك الذكاء‪.‬‬
‫وبناء على ما سبق‪ ،‬تختلف نظريات التعلم من مدرسة سيكولوجية إلى‬
‫أخرى‪ .‬ومن ثم‪ ،‬تربط المدرسة السلوكية عملية التعلم بثنائية الحافز أو‬
‫االستجابة‪ ،‬أو الربط بينهما في إطار ترابطي قائم على تكرار المحاوالت‪،‬‬
‫على الرغم من وجود عنصر الخطإ‪ ،‬كما يبدو ذلك جليا عند ثورندايك‪.‬‬
‫في حين‪ ،‬ترى النظرية الجشطالتية األلمانية أن التعلم يكون بإدراك المجال‬
‫الكلي بكل جزئياته المتنوعة والمختلفة‪ ،‬بشكل بنيوي نسقي معرفي‬
‫وذهني‪.‬‬
‫أما اإلبستمولوجيا التكوينية عند جان بياجي‪ ،‬فترى أن التعلم نتيجة التوازن‬
‫بين الذكاء الوراثي والواقع الموضوعي‪.‬أي‪ :‬ينتج التعلم عن طريق التماثل‬

‫‪ -137‬هاوارد غاردنر ‪ :‬الحوار نفسه‪.‬‬

‫‪130‬‬
‫بين البنيات العقلية والذهنية والذكائية من جهة‪ ،‬والوضعيات الموضوعية‬
‫من جهة أخرى‪ ،‬بواسطة عمليات التكيف والتأقلم واالستيعاب والتشابه‪.‬‬
‫بينما ترى المدرسة البنائية االجتماعية أن التعلم نتاج التحصيل‬
‫المجتمعي‪.‬بمعنى أن المجتمع هو الوسط الذي يكتسب منه الفرد كل‬
‫تعلماته وخبراته وتجاربه بشكل بنائي نسقي‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫الخاتمة‬
‫وخالصة القول‪ ،‬يتبين لنا مما سلف ذكره‪ ،‬أن الديدكتيك علم تطبيقي‬
‫يتضمن مجموعة من المفاهيم اإلجرائية التي تساعد الباحث التربوي على‬
‫استيعاب محتويات التربية الخاصة‪ ،‬واكتساب مضامينها المختلفة‪ .‬ومن‬
‫ثم‪ ،‬يقوم التعلم على مفهوم التمثالت الديدكتيكية التي تسهم في بناء تعلمات‬
‫المتعلمين‪ ،‬ومجابهة الوضعيات اإلدماجية من أجل إيجاد الحلول المناسبة‬
‫لتلك الوضعيات المعقدة والمركبة‪.‬‬
‫وال يتحقق التعلم النموذجي والتربوي السليم إال في إطار المثلث‬
‫البيداغوجي القائم على التفاعل النسقي والبنيوي بين المدرس والمتعلم‬
‫والمعرفة‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬اليكون الدرس درسا هادفا وكفائيا مثمرا إال‬
‫في سياق التعاقد الديدكتيكي التفاوضي والتشاركي بين المدرس والمتعلم‪،‬‬
‫مع مراعاة الصراع السوسيو‪ -‬معرفي‪.‬‬
‫أما التعلم‪ ،‬فهو القدرة على االكتساب والمران والتدريب‪ ،‬والقدرة على‬
‫تحصيل المعارف والمعلومات والقيم والمهارات‪ .‬وللتعلم عالقة وطيدة‬
‫بالذكاء‪ ،‬مادام التعلم هو نتاج القدرات الذكائية‪ ،‬ونتاج مجموعة من‬
‫الملكات الفطرية التي يمتلكها اإلنسان‪ .‬في حين‪ ،‬يعد التعلم نتيجة طبيعية‬
‫لذلك الذكاء‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬يستند الديدكتيك إلى تقطيع الدروس والوحدات‬
‫التعلمية إلى ثالثة مقاطع وظيفية ‪ ،‬تتمثل في المقطع التمهيدي‪ ،‬والمقطع‬
‫الوسطي‪،‬والمقطع النهائي‪ .‬ويشكل هذا كله ما يسمى بالسيناريو‬
‫البيداغوجي الذي يتالءم مع نموذج ديدكتيكي أو بيداغوجي معين‪.‬‬
‫وفي األخير‪ ،‬يمكن الحديث عن نماذج بيداغوجية وتربوية وديدكتيكية‬
‫متنوعة‪ ،‬يمكن حصرها فيما يلي‪:‬‬

‫‪132‬‬
‫‪ ‬النموذج الديدكتيكي التلقيني كما في المدرسة التقليدية؛‬
‫‪ ‬النموذج الديدكتيكي الحواري كما في التربية الحديثة؛‬
‫‪ ‬النموذج الديدكتيكي الهادف القائم على بيداغوجيا األهداف؛‬
‫‪ ‬النموذج الديدكتيكي الكفائي القائم على المقاربة بالكفايات؛‬
‫‪ ‬النموذج الديدكتيكي الهربارتي القائم على التمهيد‪ ،‬وبناء الدرس‪،‬‬
‫والربط المنطقي بين مراحل الدرس‪ ،‬واالستنتاج‪ ،‬والتطبيق؛‬
‫‪ ‬النموذج اإلدماجي القائم على تنفيذ الوضعيات اإلدماجية؛‬
‫‪ ‬النموذج الديدكتيكي التنشيطي القائم على التنشيط الفردي والجماعي؛‬
‫‪ ‬النموذج الديدكتيكي اإلبداعي الذي يهدف إلى جعل المتعلم مبدعا في‬
‫أسرته ومدرسته ومجتمعه؛‬
‫‪ ‬النموذج الديدكتيكي الملكاتي القائم على الذكاءات المتعددة؛‬
‫‪ ‬النموذج الديدكتيكي الترابطي(‪ )Connectivité‬القائم على توظيف‬
‫اإلعالميات الرقمية في التدريس‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫ثبت المصادر والمراجع‬
‫المعاجم‪:‬‬
‫‪-1‬إبراهيم مصطفى‪ ،‬وأحمد حسن الزيات‪ ،‬وحامد عبد القادر‪ ،‬ومحمد‬
‫النجار‪ :‬المعجم الوسيط‪،‬دار النشر‪ :‬دار الدعوة‪ ،‬تحقيق‪ :‬مجمع اللغة‬
‫العربية‪.‬‬
‫‪-2‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪ ،‬دار صبح بيروت‪ ،‬لبنان‪ /‬وأديسوفت‪ ،‬الدار‬
‫البيضاء‪ ،‬المغرب‪ /‬الطبعة األولى سنة ‪2006‬م‪.‬‬
‫‪-3‬أحمد أوزي‪ :‬المعجم الموسوعي لعلوم التربية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار‬
‫البيضاء‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2006‬م‪.‬‬
‫‪-4‬عبد الكريم غريب‪ :‬المنهل التربوي‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬منشورات عالم‬
‫التربية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫سنة ‪2006‬م‪.‬‬

‫المراجع باللغة العربية‪:‬‬


‫‪ -5‬ابن يعيش محمد‪ :‬مفاهيم أساسية في علم النفس االجتماعي‪ ،‬مطبعة‬
‫تطوان‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2015‬م‪.‬‬
‫‪-6‬أحمد أوزي‪ :‬سيكولوجية المراهقة‪ ،‬دار النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬
‫المغرب‪ ،‬طبعة ‪1986‬م‪.‬‬
‫‪ -7‬أحمد أوزي‪ :‬التعليم والتعلم بمقاربة الذكاءات المتعددة‪،‬الشركة‬
‫المغربية للطباعة والنشر‪ ،‬الرباط‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪1999‬م‪.‬‬
‫‪ -8‬أحمد عزت راجح‪:‬أصول علم النفس‪ ،‬المكتب المصري الحديث‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة الثامنة ‪1970‬م‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫‪ -9‬أنتوني غدنز‪ :‬علم االجتماع‪ ،‬ترجمة فايز الصياغ‪ ،‬مركز دراسات‬
‫الوحدة العربية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة الرابعة‪2005 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -10‬بدر محمد العدل‪ :‬فعالية برنامج قائم على نظرية الذكاءات‬
‫المتعددة‪،‬جامعة المنصورة‪ ،‬مصر‪ ،‬كلية التربية‪2006‬م‪.‬‬
‫‪ -11‬بول موي‪ :‬المنطق وفلسفة العلوم‪ ،‬ترجمة‪ :‬فؤاد حسن زكريا‪ ،‬دار‬
‫نهضة مصر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪-12‬بيداغوجيا اإلدماج‪ ،‬ترجمة‪ :‬لحسن بوتكالي‪ ،‬منشورات مجلة علوم‬
‫التربية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة الثانية‪،‬‬
‫‪2009‬م‪.‬‬
‫‪ -13‬بيير ديشي‪ :‬تخطيط الدرس لتنمية الكفايات‪ ،‬ترجمة‪ :‬عبد الكريم‬
‫غريب‪ ،‬منشورات عالم التربية‪ ،‬مطبعة دارالنجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪2003 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -14‬التومي عبد الرحمن وملوك محمد‪ :‬المقاربة بالكفايات‪ :‬بناء المناهج‬
‫وتخطيط التعلمات‪ ،‬مطبوعات الهالل‪ ،‬وجدة‪ ،‬المغرب‪ ،‬طبعة ‪2006‬م‪.‬‬
‫‪ -15‬التومي عبد الرحمن‪ :‬الجامع في ديدكتيك اللغة العربية‪ ،‬مطبعة‬
‫المعارف‪ ،‬الرباط‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة الثانية سنة ‪2016‬م‪.‬‬
‫‪ -16‬جابر عبد الحميد جابر‪ :‬الذكاءات المتعددة والفهم‪ :‬تنمية وتعميق‪،‬‬
‫دار الفكر العربى للطباعة والنشر‪2003‬م‪.‬‬
‫‪ -17‬حسن الورياغلي‪ :‬المصنفات السينمائية بين المقتضيات الفنية‬
‫والضوابط القانونية‪ ،‬سليكي إخوان‪ ،‬طنجة‪ ،‬ط‪2005 ، 1‬م‪.‬‬
‫‪ -18‬حمدان ممدوح إبراهيم الشامي ‪ :‬أثر برنامج تعليمى قائم على نظرية‬
‫الذكاءات المتعددة فى تحصيل الرياضيات لدى تالميذ الحلقة الثانية من‬

‫‪135‬‬
‫التعليم األساسى المنخفضين تحصيليا‪ ،‬جامعة القاهرة ‪ -‬كلية التربية‪.‬‬
‫‪.2007‬‬
‫‪ -19‬روجير كزافيي‪ :‬التدريس بالكفايات‪ ،‬وضعيات إلدماج المكتسبات‪،‬‬
‫ترجمة عبد الكريم غريب‪ ،‬منشورات عالم التربية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪،‬‬
‫الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى ‪2007‬م‪.‬‬
‫‪ -20‬سالم سليمان حمد الجعافرة ‪ :‬العالقة بين الذكاءات المتعددة لدى‬
‫الطلبة المعاقين سمعيا ومتغيرات درجة اإلعاقة والجنس والعمر‪،‬‬
‫الجامعة االردنية‪ ،‬األردن‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪1983‬م‪.‬‬
‫‪ -21‬السيد علي أحمد‪ :‬نظرية الذكاءات المتعددة وتطبيقاتها في مجاالت‬
‫صعوبات التعلم (رؤية مستقبلية)‪ ،‬جامعة الملك سعود‪ ،‬الريال‪،‬‬
‫‪2005‬م‪.‬‬
‫‪ -22‬عبد العزيز القوصي‪ :‬علم النفس‪ :‬أسسه وتطبيقاته التربوية‪ ،‬مكتبة‬
‫النهضة المصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬طبعة ‪1978‬م‪.‬‬
‫‪ -23‬عبد المجيد نشواتي ‪ ،‬علم النفس التربوي‪ ،‬دار الفرقان للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن ‪ ،‬طبعة ‪1984‬م‪.‬‬
‫‪ -24‬عبد الواحد أوالد الفقيهي‪ :‬الذكاءات المتعددة ‪ :‬التأسيس العلمي‪،‬‬
‫منشورات مجلة علوم التربية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬
‫الطبعة األولى ‪2012‬م‪.‬‬
‫‪ -25‬العربي اسليماني‪ :‬المعين في التربية‪ ،‬المطبعة والوراقة الوطنية‪،‬‬
‫مراكش‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2018‬م‪.‬‬
‫‪ -26‬غالي أحرشاو‪ :‬غالي أحرشاو‪ :‬الطفل بين األسرة والمدرسة‪ ،‬مطبعة‬
‫النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2009‬م‪.‬‬

‫‪136‬‬
‫‪ -27‬فتحي مصطفى الزيات‪:‬األسس المعرفية للتكوين العقلي وتجهيز‬
‫المعلومات‪ ،‬دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬المنصورة‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫الطبعة األولى سنة ‪1995‬م‪.‬‬
‫‪ -28‬كاترين كوليو تيلين‪ :‬ماكس فيبر والتاريخ‪ ،‬ترجمة‪ :‬جورج كتورة‪،‬‬
‫المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى سنة ‪1994‬م‪.‬‬
‫‪ -29‬محمد أمزيان ‪ :‬التربية المدرسية‪ :‬من بيداغوجيا األهداف إلى‬
‫الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪،‬‬ ‫بيداغوجيا المعرفة‪،‬مطبعة النجاح الجديدة‪،‬‬
‫‪ 1999‬م‪.‬‬
‫‪ -30‬محمد أمزيان‪ :‬الذكاءات المتعددة وتطوير الكفايات‪ ،‬مطبعة النجاح‬
‫الجديدة ‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2004‬م‪.‬‬
‫‪ -31‬محمد الدريج‪:‬الكفايات في التعليم‪ ،‬منشورات سلسلة المعرفة للجميع‪،‬‬
‫الرباط‪ ،‬المغرب‪ ،‬شتنبر‪2004‬م‪.‬‬
‫‪ -32‬محمد عبد الهادي حسين‪:‬الذكاءات المتعددة‪ :‬أنواع العقول البشرية‪،‬‬
‫دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع‪2000،‬م‪.‬‬
‫‪ -33‬محمد عبد الهادي حسين‪ :‬مدرسة الذكاءات المتعددة‪ ،‬دار العلوم‬
‫للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع ‪2005‬م‪.‬‬
‫‪ -34‬محمد عبد الهادي حسين‪ :‬الذكاءات المتعددة وتنمية الموهبة‪ ،‬دار‬
‫العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع‪2006‬م‪.‬‬
‫‪ -35‬محمد عبد الهادي حسين‪ :‬ديناميكية التكيف العصبي وقة الذكاءات‬
‫المتعددة‪ ،‬دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع‪. 2008.‬‬

‫‪137‬‬
‫‪ -36‬محمد عبد الهادي حسين‪:‬التفكير االبداعى فى ضوء نظرية الذكاء‬
‫المتعلم‪ ،‬دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع‪2008‬م‪.‬‬

‫‪ -37‬محمد عبد الهادي حسين‪ :‬دليلك العملى الى قوة سيناريوهات دروس‬
‫الذكاءات المتعددة‪ ،‬دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع‪.‬‬
‫‪.2008‬‬
‫‪ -38‬محمد عبد الهادي حسين‪ :‬إيقاظ العبقرية داخل فصولنا الدراسية‪،‬‬
‫دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع‪. 2008.‬‬
‫‪ -39‬محمد عبد الهادي حسين‪ :‬الذكاءات المتعددة ‪ :‬مراجعات وامتحانات‪،‬‬
‫دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع‪2008‬م‪.‬‬
‫‪ -40‬محمد لبيب النجيحي‪ :‬مقدمة في فلسفة التربية‪ ،‬دار النهضة العربي‬
‫للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى سنة‪1992‬م‪.‬‬
‫‪ -41‬مصطفى محسن‪ :‬مدرسة المسقبل‪ ،‬سلسلة شرفات‪ ،‬رقم‪،26 :‬‬
‫الرباط‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2009‬م‪.‬‬
‫‪ -42‬وليد محمد أبو المعاطي ‪:‬الذكاء المعرفي واالنفعالي واالجتماعي‬
‫وأساليب التعلم‪ ،‬جامعة المنصورة كلية التربية‪2005‬م‪.‬‬

‫المراجع األجنبية‪:‬‬
‫‪43-Arsac, G., Chevallard, Y., Martinand, J.-L.,‬‬
‫‪Tiberghien, A. (dir.) (1994) La transposition didactique‬‬
‫‪à l’épreuve, Grenoble, La Pensée Sauvage Éditions.‬‬
‫– ‪44-Astolfi, j, p : (Placer les élèves en situation‬‬
‫‪problème ?), dans Probio revue, 16, 4, Bruxelles :‬‬
‫‪Association des professeurs de biologie (ASBL) ,1993.‬‬
‫‪45-Bachelard: la formation de l’esprit scientifique,‬‬
‫‪ED.Vrin 1970.‬‬

‫‪138‬‬
46-BERTRAND, Y. Théories contemporaines de
l'éducation, Paris, Editions Nouvelles, Chronique
Sociale.1998.
47-Brousseau G. (1998). Théorie des situations
didactiques. Grenoble, La Pensée sauvage.
48-Brousseau, G. (1990). Le contrat didactique et le
concept de milieu : dévolution. Recherches en
didactique des mathématiques, 9(3).
49-Bruce Campbell, les intelligences multiples : Guide
pratique, traduit par : Danièle Bellchumeur,
Chenelière, Montréal, 1999.
50-BRUNER J. L'éducation, entrée dans la culture :
les problèmes de l'école à la lumière de la
psychologie culturelle, Paris, éd. Retz.1996.
51-Caillot, M. (1996) La théorie de la transposition
didactique est-elle transposable ?, in Raisky, C. et
Caillot, M. (dir.) Au-delà des didactiques, le didactique.
Débats autour de concepts fédérateurs, Bruxelles, De
Boeck.
52-Chevallard, Y. (1991) La transposition didactique.
Du savoir savant au savoir enseigné, Grenoble, La
Pensée Sauvage (2e édition revue et augmentée, en coll.
avec Marie-Alberte Joshua, 1re édition 1985).
53-Conne, F. (1986) La transposition didactique à
travers l’enseignement des mathématiques en première
et deuxième années de l’école primaire, Lausanne.
54-Conne/Couturier-Noverra ; (1992) Un grain de sel à
propos de la transposition didactique, Education et
139
Recherche, n° 1, pp. 57-71 ; Conne, F. (1996) Savoir et
connaissance dans la perspective de la transposition
didactique, in Brun, J. (dir.) Didactique des
mathématiques, Lausanne, Delachaux et Niestlé, pp.
275-338.
55-Denis, M. (1999). Représentation mentale. In H.
Bloch, R. Chemana, E. Depet, A. Gallo, P. Lecomte, J.-
F. Le Ny, J. Postel et M. Reuchlin (dir.), Grand
dictionnaire de la psychologie (p. 779-780). Paris :
Larousse-Bordas.
56-Durey, A. et Martinand, J.-L. (1994) Un analyseur
pour la transposition didactique entre pratiques de
référence et activités scolaires, in Arsac, G., Chevallard,
Y., Martinand, J.-L., Tiberghien, A. (dir.) La
transposition didactique à l’épreuve, Grenoble, La
Pensée sauvage Éditions.
57-Durkheim, Éducation et sociologie, 1922. PUF,
nouv.éd.1966.
58-Durkheim, L’éducation morale, 1902-1903, PUF,
nouv.éd.1963.
59-Gagné R.M (1994) : les principes fondamentaux de
l’apprentissage : Application à l’enseignement, TRad
par Robert Brian et Raymond Paquin, HRW Ltés
Montréal.
60-Gilly, M. (1995). Approches socio-constructives du
développement cognitif de l’enfant d’âge scolaire. In G.
Gaonach’ & C. Golder (Eds.), Manuel de Psychologie
pour l’enseignement (pp.130-167). Paris : Hachette.

140
61-Goldin, G.A. et Janvier, C. (1998). Representations
and the psychology of mathematics education. The
Journal of Mathematical Behavior, 17(1), 5-24.
62-Greer, B. et Harel, G. (1998). The role of
isomorphisms in mathematical cognition. The Journal
of Mathematical Behavior, 17(1).
63-Howard Gardner : Les formes de l’intelligence, ED
Odel Jacob, Paris, 1997.
64-Howard Gardner : Les Intelligences multiples,
traduit par PH.Evans-Clark, M.Muracciole et
N.Weinwurzel, Retz, Paris, 1996.
65-Janvier, C. (1994). Contextualisation et
représentation dans l’utilisation des
mathématiques. In C. Garnier, N. Bednarz et I.
Ulanovskaya (dir.), Après Vygotski et Piaget :
perspectives sociale et constructiviste. Écoles russe et
occidentale (p. 129-147). Bruxelles : De Boeck.
66-Jean Houssaye, Le triangle pédagogique. Théorie
et pratiques de l'éducation scolaire, Peter Lang,
Berne, 2000 (3e Éd., 1re Éd. 1988)
67-Jean Houssaye, Le triangle pédagogique. Théorie et
pratiques de l'éducation scolaire, Peter Lang, Berne,
2000 (3e Éd., 1re Éd. 1988).
68-Joshua, S. (1996) Le concept de transposition
didactique n’est-il propre qu’au mathématiques ?, in
Raisky, C. et Caillot, M. (dir) Au-delà des didactiques,
le didactique. Débats autour de concepts fédérateurs,
Bruxelles, De Boeck.

141
69-Lev Vygotski : Pensée et langage (1934) (traduction
de Françoise Sève, avant-propos de Lucien Sève), suivi
de « Commentaires sur les remarques critiques de
Vygotski » de Jean Piaget, (Collection « Terrains»,
Éditions Sociales, Paris, 1985) ; Rééditions : La
Dispute, Paris, 1997.
70-Margolinas, C. (1998). Le milieu et le contrat,
concepts pour la construction et l’analyse de situations
d’enseignement. In R. Noirfalise (dir.), Analyse des
pratiques enseignantes et didactique des
mathématiques, cours, Actes de l’Université d’Été (p.
3-17). La Rochelle : IREM Clermont-Ferrand.
71-Moscovici S., 1961, la psychanalyse, son image et
son public. Presse Universitaire de France : Paris.
72-Mugny, G. (Ed.) (1985). Psychologie sociale du
développement cognitif. Berne: Peter Lang.
73-Oxford advanced learners, Dictionary Oxford
university press 2000.
74-Paul Robert : Le Petit Robert, Paris, éd, 1992.
75-Perrenoud, Ph. (1986) Vers une lecture sociologique
de la transposition didactique, Genève, Faculté de
psychologie et des sciences de l’éducation.
76- Perrenoud, Ph. (1990) La géographie scolaire entre
deux modèles de transposition didactique, Genève,
Faculté de psychologie et des sciences de l’éducation .
77-Perrenoud, Ph. (1992) La souris et la tortue. Deux
usages sociaux de l’informatique et leur
transposition didactique à l’école primaire, in A.
Vieke (dir.) Intégration de l’informatique en

142
classe, Genève, Service informatique de l’enseignement
primaire.
78-Perret-Clermont, A.N. (1979). La construction de
l'intelligence dans l'interaction sociale. Berne : Peter
Lang.
79-Piaget et Inhelder .B (1948) : La représentation de
l’espace chez l’enfant, P.U.F, Paris.
80-Piaget J:La psychologie de l'enfant, Que sais-je?
P.U.F, Paris, 1973.
81-Piaget, J. (1996). Le structuralisme. Paris : Presses
universitaires de France.
82-Piaget, J. La genèse du nombre chez l’enfant.
Lausanne : Delachaux et Niestlé, 1966 et 1991.
83-Piaget, La naissance de l'intelligence chez l'enfant,
Paris, Delachaux et Niestlé, 1936.
84- Piaget,La construction du réel chez l'enfant, Paris,
Delachaux et Niestlé, 1937
85-Raisky, C. (1996) Doit-on en finir avec la
transposition didactique ?, in Raisky, C. et Caillot, M.
(dir.) Au-delà des didactiques, le didactique. Débats
autour de concepts fédérateurs, Bruxelles, De Boeck.
86-ROEGIERS, X. Des situations pour intégrer les
acquis. Bruxelles : De Boeck Université.2003.
87-Sarrazy, B. (2002). Représentation versus modèle
implicite dans l’analyse des phénomènes
d’enseignement : analyse didactique et épistémologique
des enjeux praxéologiques de cette distinction. In J.
Ardoino et G. Mialaret (dir.), L’année de la recherche
en sciences de l’éducation 2002. Des

143
représentations (p. 91-125). Vauchrétien : Presses de
La Botellerie.
88-Thomas Armstrong : les intelligences multiples
dans votre classe, traduit de l’américain par : Jean
Blaquière, Chenelière, Montréal, 1999.
89-Tony Buzan et Barry Buzan, Mind mapʼ : dessine-
moi l'intelligence, Paris, Éditions d'Organisation, 2003 .
90-Tony Buzan et Chris Griffiths, Le mind mapping au
service du manager, Paris, Eyrolles Ed.
D’Organisation, 2011.
91-Vergnaud., G. Le rôle de l’enseignant à la lumière
des concepts de schème et de champ conceptuel, in
Artigue, M. et al. (eds) Vingt ans de didactique des
mathématiques en France. La Pensée Sauvage édition,
p.177 à 191,1994.
92-Vygotsky, L. S. Le problème de l'enseignement et
du développement mental à l'âge scolaire. In B.
Shneuwly & J.P. Bronckart (Eds.), Vygotski aujourd'hui
(pp. 95-117); Paris : Delachaux & Niestlé.
93-Vygotsky, L. S. (1978). Mind in society.
Cambridge, MA: Harvard University Press. Vygotski,
L.S (1985c/1933).
94-W.Doize et G.Mugny B (1981) : Le développement
social de l’intelligence, Paris, InterEditions.
95-Willem Doise et Gabriel Mugny, Le développement
social de l'intelligence, Paris, InterÉditions, 1981.
96-Willem Doise et Gabriel Mugny, Psychologie
sociale et développement cognitif, Paris, Armand Colin,
« U », 1997.

144
‫‪97-Willem Doise et Gabriel Mugny, Le développement‬‬
‫‪social de l'intelligence, Paris, InterÉditions, 1981.‬‬
‫‪Willem Doise et Gabriel Mugny, Psychologie sociale et‬‬
‫‪développement cognitif, Paris, Armand Colin, « U »,‬‬
‫‪1997.‬‬
‫المقـــاالت‪:‬‬
‫‪ -98‬حسن بوتكالي‪ (:‬مفهوم الكفايات وبناؤها عند فيليب پيرنو)‪ ،‬الكفايات‬
‫في التدريس بين التنظير والممارسة‪ ،‬مطبعة أكدال‪ ،‬الرباط‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى سنة ‪2004‬م‪.‬‬
‫‪ -99‬محمد كجي‪( :‬التعلم وتربية الذهن على االشتغال)‪ ،‬سيكولوجية‬
‫الطفل‪ ،‬مقاربات معرفية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪،‬‬
‫الطبعة األولى سنة‪2008‬م‪.‬‬
‫‪ -100‬نيكو هرت‪ (:‬بصدد المقاربةعبر الكفايات هل نحتاج إلى عمال‬
‫أكفاء أم إلى مواطنين نقديين؟)‪ ،‬الكفايات في التدريس بين النظرية‬
‫والممارسة‪ ،‬مطبعة أكدال‪،‬الرباط‪،‬الطبعة األولى سنة ‪2004‬م‪.‬‬
‫‪ -101‬عبد الواحد أوالد الفقيهى ‪(:‬نظرية الذكاءات المتعددة من التأسيس العلمي‬
‫إلى التوظيف البيداغوجى) مجلة علوم التربية‪ ،‬المغرب ‪ ،‬المجلدالثالث ‪ ،‬العدد‬
‫الرابع والعشرون‪2003 ،‬م‪.‬‬

‫الــويبوغرافــيا‪:‬‬
‫‪ -102‬هاوارد غاردنر ‪( :‬حوار مع هوارد غاردنر حول الذكاءات‬
‫المتعددة‪ :‬من التأسيس العلمي إلى التطبيق البيداغوجي)‪ ،‬ترجمة وتقديم‪:‬‬
‫عبد الواحد أوالد الفقيهي‪،‬‬

‫‪http://www.aljabriabed.net/n68_08lafkih.htm‬‬

‫‪145‬‬
‫السيـــرة العلـــمية‪:‬‬

‫‪ -‬جميل حمداوي من مواليد مدينة الناظور‪.‬‬


‫‪ -‬حاصل على دبلوم الدراسات العليا سنة ‪1996‬م‪.‬‬
‫‪ -‬حاصل على دكتوراه الدولة سنة ‪2001‬م‪.‬‬
‫‪ -‬حاصال علااى إجاازتين‪:‬األولى فااي األدب العربااي‪ ،‬والثانياة فااي الشااريعة‬
‫والقانون‪.‬‬
‫‪ -‬تابع دراساته الجامعية في الفلسفة وعلم االجتماع‪.‬‬
‫‪ -‬أستاذ التعليم العالي بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بالناظور‪.‬‬
‫‪ -‬أستاذ األدب الرقمي بماستر الكتابة النسا ية بكلية اآلداب تطوان ‪.‬‬
‫‪ -‬باحاااااااااث فاااااااااي السوسااااااااايولوجيا‪ ،‬والسااااااااايكولوجيا‪ ،‬والبياااااااااداغوجيا‪،‬‬
‫واألنتروبولوجيااا‪ ،‬والعلااوم القانونيااة والسياسااية‪ ،‬والفاان‪ ،‬والفلساافة والفكاار‬
‫اإلسالمي‪ ،‬والقانون والشريعة‪.‬‬
‫‪ -‬أستاذ األدب العرباي‪ ،‬ومنااه البحاث الترباوي‪ ،‬وعلام الانفس الترباوي‪،‬‬
‫واإلحصاااااء التربااااوي‪ ،‬وعلااااوم التربيااااة‪ ،‬والتربيااااة الفنيااااة‪ ،‬والحضااااار‬
‫‪146‬‬
‫األمازيغيااااة‪ ،‬ودياااادكتيك التعلاااايم األولااااي‪ ،‬والحيااااا المدرسااااية والتشااااريع‬
‫التربوي‪ ،‬واإلدار التربوية‪ ،‬والكتابة النسا ية‪...‬‬
‫‪-‬أديب ومبدع وناقد وباحث‪ ،‬يشتغل ضمن رؤية أكاديمية موسوعية‪.‬‬
‫‪ -‬شاعر وقصاص وكاتب مسرحي‪ ،‬يكتب للصغار والكبار‪.‬‬
‫‪ -‬مثل دورا سينما يا في الفيلم األمازيغي (عسل المارار ) لمنتجاه عباد هللا‬
‫فركوس‪ ،‬وإخراق علي الطاهري‬
‫‪ -‬حصل مقاله (نظرياة ماا بعاد االساتعمار) علاى جاا ز الموقاع الساعودي‬
‫(األلوكة )‪.‬‬
‫‪ -‬حصااال علاااى جاااا ز مؤسساااة المثقاااف العرباااي (سيدنيلأساااتراليا) لعاااام‬
‫‪2011‬م في النقد والدراسات األدبية‪.‬‬
‫‪ -‬حصل على جا ز ناجي النعمان األدبية سنة‪2014‬م‪.‬‬
‫‪ -‬عضو االتحاد العالمي للجامعات والكليات بهولندا‪.‬‬
‫‪ -‬ر يس الرابطة العربية للقصة القصير جدا‪.‬‬
‫‪ -‬ر يس المهرجان العربي للقصة القصير جدا‪.‬‬
‫‪ -‬ر يس الهي ة العربية لنقاد القصة القصير جدا‪.‬‬
‫‪ -‬ر يس الهي ة العربية لنقاد الكتابة الشذرية ومبدعيها‪.‬‬
‫‪ -‬ر يس جمعية الجسور للبحث في الثقافة والفنون‪.‬‬
‫‪ -‬ر يس مختبر المسرح األمازيغي‪.‬‬
‫‪ -‬عضو الجمعية العربية لنقاد المسرح‪.‬‬
‫‪-‬عضو رابطة األدب اإلسالمي العالمية‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫‪ -‬عضو اتحاد كتاب العرب‪.‬‬
‫‪-‬عضو اتحاد كتاب اإلنترنت العرب‪.‬‬
‫‪-‬عضو اتحاد كتاب المغرب‪.‬‬
‫‪ -‬له إسهامات نظرية في التربية‪ ،‬وفن القصة القصير جدا ‪ ،‬وفان الكتاباة‬
‫الشاااذرية‪ ،‬واألدب الرقماااي‪ ،‬والمسااارح‪ ،‬ومنااااه النقاااد األدباااي‪ ،‬والكتاباااة‬
‫النسوية‪ ،‬والبالغة الرحبة‪...‬‬
‫‪ -‬باحث في الثقافة األمازيغية المغربية‪ ،‬والسيما الريفية منها‪.‬‬
‫‪ -‬خبير في البيداغوجيا والثقافة األمازيغية واألدب الرقمي‪.‬‬
‫‪ -‬ترجمت مقاالته إلى اللغة الفرنسية و اللغة الكردية‪.‬‬
‫‪ -‬نشاارت كتبااه بااالمغرب‪ ،‬والجزا اار‪ ،‬وتااونس‪ ،‬وليبيااا‪ ،‬واألردن‪ ،‬ولبنااان‪،‬‬
‫والمملكة العربية السعودية‪ ،‬واإلمارات العربية المتحد ‪ ،‬والعراق‪.‬‬
‫‪ -‬شارك في مهرجانات عربية عد في كل من‪ :‬الجزا ر‪ ،‬وتونس‪ ،‬وليبياا‪،‬‬
‫ومصر‪ ،‬واألردن‪ ،‬والسعودية‪ ،‬والبحرين‪ ،‬والعاراق‪ ،‬واإلماارات العربياة‬
‫المتحد ‪،‬وسلطنة عمان‪...‬‬
‫‪ -‬مستشااار فااي مجموعااة ماان الصااحف والمجااالت والجرا ااد والاادوريات‬
‫الوطنية والعربية‪.‬‬
‫‪ -‬نشر أكثر من ألف وسبعين مقال علمي محكم وغير محكم‪ ،‬وعددا كثيرا‬
‫من المقاالت اإللكترونية‪ .‬وله أكثار مان (‪ )150‬كتااب ورقاي‪ ،‬وأكثار مان‬
‫ماااا تي (‪ )200‬كتااااب إلكتروناااي منشاااور فاااي ماااوقعي (المثقاااف) وموقاااع‬
‫(األلوكة)‪ ،‬وموقع (أدب فن)‪.‬‬
‫‪ -‬ومن أهم كتبه‪ :‬محاضارات فاي لساانيات الانص‪ ،‬وسوسايولوجيا الثقافاة‪،‬‬
‫وميااادين علاام االجتماااع‪ ،‬وأسااس علاام االجتماااع‪ ،‬والعااوالم الممكنااة بااين‬
‫‪148‬‬
‫النظرية والتطبيق‪ ،‬واألدب الرقمي بين النظرية والتطبيق‪ ،‬وفقه الناوازل‪،‬‬
‫ومفهوم الحقيقة في الفكر اإلسالمي‪ ،‬ومحطات العمل الديادكتيكي‪ ،‬وتادبير‬
‫الحياااا المدرساااية‪ ،‬وبياااداغوجيا األخطااااء‪ ،‬ونحاااو تقاااويم ترباااوي جدياااد‪،‬‬
‫والشااذرات بااين النظريااة والتطبيااق‪ ،‬والقصااة القصااير جاادا بااين التنظياار‬
‫والتطبيااق‪ ،‬والروايااة التاريخيااة‪ ،‬تصااورات تربويااة جديااد ‪ ،‬واإلسااالم بااين‬
‫الحداثة وما بعد الحداثة‪ ،‬ومجزءات التكوين‪ ،‬ومان سايميوطيقا الاذات إلاى‬
‫ساااايميوطيقا التااااوتر‪ ،‬والتربيااااة الفنيااااة‪ ،‬وماااادخل إلااااى األدب السااااعودي‪،‬‬
‫واإلحصاااء التربااوي‪ ،‬ونظريااات النقااد األدبااي فااي مرحلااة مابعااد الحداثااة‪،‬‬
‫ومقومات القصة القصير جدا عند جمال الدين الخضيري‪ ،‬وأنواع الممثل‬
‫في التيارات المسرحية الغربية والعربياة‪ ،‬وفاي نظرياة الرواياة‪ :‬مقارباات‬
‫جديد ‪ ،‬وأنطولوجيا القصة القصير جدا بالمغرب‪ ،‬والقصيد الكونكريتية‪،‬‬
‫وماان أجاال تقنيااة جديااد لنقااد القصااة القصااير جاادا ‪ ،‬والساايميولوجيا بااين‬
‫النظرياااة والتطبياااق‪ ،‬واإلخاااراق المسااارحي‪ ،‬ومااادخل إلاااى الساااينوغرافيا‬
‫المسرحية‪ ،‬والمسرح األمازيغي‪ ،‬ومسرح الشباب بالمغرب‪ ،‬والمدخل إلى‬
‫اإلخااراق المساارحي‪ ،‬ومساارح الطفاال بااين التااأليف واإلخااراق‪ ،‬ومساارح‬
‫األطفااال بااالمغرب‪ ،‬ونصااوص مساارحية‪ ،‬وماادخل إلااى السااينما المغربيااة‪،‬‬
‫ومناااه النقااد العربااي‪ ،‬والجديااد فااي التربيااة والتعلاايم‪ ،‬وببليوغرافيااا أدب‬
‫األطفاااال باااالمغرب‪ ،‬ومااادخل إلاااى الشاااعر اإلساااالمي‪ ،‬والمااادارس العتيقاااة‬
‫باااااااالمغرب‪ ،‬وأدب األطفاااااااال باااااااالمغرب‪ ،‬والقصاااااااة القصاااااااير جااااااادا‬
‫بالمغرب‪،‬والقصاااة القصاااير جااادا عناااد الساااعودي علاااي حسااان البطاااران‪،‬‬
‫وأعالم الثقافة األمازيغية‪...‬‬
‫‪ -‬عناااااااوان الباحاااااااث‪ :‬جميااااااال حماااااااداوي‪ ،‬صاااااااندوق البرياااااااد‪،1799‬‬
‫الناظور‪ ،62000‬المغرب‪.‬‬
‫‪ -‬جميااال حماااداوي‪ ،‬صاااندوق البرياااد‪ ،10372‬البرياااد المركااازي‪ ،‬تطاااوان‬
‫‪ ،93000‬المغرب‪.‬‬

‫‪149‬‬
0672354338:‫ الهاتف النقال‬-
0536333488:‫ الهاتف المنزلي‬-
Hamdaouidocteur@gmail.com:‫ اإليميل‬-
Jamilhamdaoui@yahoo.

150
‫الغالف الخارجي‬
‫يجمع هذا الكتاب التربوي المبسط والميسر مجموعة من المفاهيم‬
‫والمصطلحات المتعلقة بالديدكتيك‪ ،‬أو علم التدريس‪ ،‬أو فن التعليم‪ .‬ويعني‬
‫هذا أن الكتاب تعريف مجمل بمفاهيم علم الديدكتيك المتعددة والمتنوعة‪،‬‬
‫ورصد مختلف تصوراتها النظرية والتطبيقية‪ ،‬بالتوقف عند تمفصالتها‬
‫العلمية والمرجعية‪ ،‬والتركيز على أسسها الفكرية واإلجرائية ‪ ،‬ودراسة‬
‫مدلوالتها المتنوعة و المتشعبة‪ ،‬واستكشاف قضاياها المختلفة‪ ،‬واستقصاء‬
‫مرجعياتها التاريخية والمعرفية والسياقية‪.‬‬

‫الثمن‪60:‬درهما‬

‫‪151‬‬

You might also like