Professional Documents
Culture Documents
التحليل السيميائي للخطاب الشعري
التحليل السيميائي للخطاب الشعري
ظهر مصطلح السيميائية في مجال الطب العالجي أو الطب النفسي ،و هو دراسة عالمات المرضى
و أعراضهم الجسدية و اللفظية.1أما في مجال اللسانيات الحديثة فقد ظهر المصطلح مع العالم اللساني
2
فرديناند دي سوسير " كمشروع علم جديد موضوعه دراسة حياة العالمات في إطار الحياة االجتماعية .
و في أمريكا مع " شارل سندرس بيرس" الذي كان سباقا في تسمية هذا العلم السيميوطيقا ،الذي وسع من
خاللها نطاق العالمة لتشمل حقوال معرفية علمية و اجتماعية "،فالسيميائية على حد تعبيره هي اإلطار
المرجعي ألية ممارسة فكرية كالرياضيات و الكيمياء و علم الفلك،و علم النفس..هذه العلوم ال يمكن أن
3
تتجاوز دراستها اإلطار السيميائي.
في البحث السيميائي يوجد إشارات عربية منشورة بين الكتب و لكنها ال تعد علما قائما بذاته ،لذا مهما
تعددت المصطلحات و اختلفت قضاياها يبقى مجال البحث في جوهره هو شمولية علم العالمات كونه
علما خاصا بأنظمة التواصل.
_األدب شفرة أو عرفا أو مجموعة سنن متفق عليها ،ضمن مستوى ما،لكن ال اتفاق بشأن أبعادها العميقة
_النص من منظور علم العالمات بنية تستوجب اختراق سطحها للولوج إلى عالمها الداخلي.فالنص يترك
في حالة سكون و صمت دالالته تغط في نوم عميق،لكن كلماته تتحرك عندما يأخذ القارئ في فك رموز
رسالته و التي تخفي من ورائها رسالة حقيقية .
_من هنا يغدو النص بنية تنهض على أمرين سطح /عمق ،أي أن النص عالمة " ينسحب عليه ما
ينسحب على العالمة عموما من قوانين ،و ذلك على الرغم ما يميز العالمة األدبية.كونها عالمة
جمالية".4األمر الذي يتطلب الوقوف على العالمة باعتبارها مركز علم العالمات عند دي سوسير فهي
وحدة لسانية مكونة من دال /مدلول ،و اتحاد العنصرين شرط أساسي لتكوين العالمة من جهة،و لتحقيق
التواصل من جهة أخرى.و هذا ما يشترطه بيرس " إن الدليل منظور إليه في ذاته ،أداة ممكنة إلنجاز
1
عبد هللا بوخلخال :مصطلح السيميائية ص.75:
2
المرجع نفسه ،ص.76:
3
رشيد بن مالك:البحث السيميائي المعاصر ،ص.23:
4
بلواهم محمد :علم العالمات و النص األدبي ،ص.36:
الداللة و التواصل.و ال ترقى هذه األداة أو الممثل في الحقيقة إلى غايتها السيميوطيقية إال بفضل عالقة
دقيقة مع موضوع معين.إال أنه ال يمكن ألي دليل معين لموضوع أن يخبرني بأي شيء عن هذا
الموضوع اعتمادا فقط على خاصياته ،و على عالقته مع الموضوع وحدها.و لكي يكون بمقدور الدليل
تحقيق هذه الداللة و هذا التواصل فإن عليه أن يستدعي طرفا ثالثا هو مؤوله .5فبيرس يقيم عالقة
ضرورية بين طرفين ينتج عن اتحادهما طرف ثالث بالضرورة ،إذن فالممثل و الموضوع عنده يشكالن
المؤول أي العالمة،و هذا النظام نجده عند "دي سوسير" بالعالمة أو الدليل يتكون نتاجا الدال /المدلول .
6.
فالعالمة عنده وحدة نفسية ذات وجهين
_لذا فاعتبار الخطاب نظاما من العالمات يطرح دائما إشكالية المدلول الغائب ،وأية قراءة فاعلة عليها
أن تضع هذا المفهوم ضمن إستراتجيتها ،و ذلك ألن العالمة التي يتم بواسطتها التواصل تنهض على
هذه الثنائية دال /مدلول ،دال حاضر و مدلول غائب.
_ أي قراءة للخطاب الشعري أو السردي تقتضي العبور من السطح إلى العمق،و العبور إلى العمق معناه
استحضار المدلول الغائب و هو ما تنتجه القراءة الفاعلة.
_ إن األدب بوصفه نظاما عالميا يخضع للقوانين التي تحكم العالقة مهما كانت العالمة التي تربط
الدال بالمدلول ،أكانت عالقة مطابقة مثل األيقونة (الصورة و صاحبها) ،أو اإلشارة كعالمة الدخان على
النار،أو الترميز و هو المستوى الذي تكون فيه العالقة بين الدال و المدلول اعتباطية النشأة.ثم تتحول بعد
ذلك إلى عالقة تحكمها أسباب منطقية تق أر في ضوء المرجعية الثقافية المنتجة كعالمة األحمر التي ترمز
7
إلى الخطر في نظام المرور.
_ إن النظام العالماتي للخطاب األدبي أو النص يختلف عن بقية األنظمة األخرى.ذلك "أن الدال الواحد
قد تكون له مدلوالت متعددة تخضع الختبار المتلقي في ترجيح إحداها على األخرى ،بينما الدال في
الحقول المعرفية األخرى يكون له مدلول واحد ،أي أحادي البعد و ليس متعدد األبعاد.
_ إن العمل المفتوح يتيح إمكانية تعدد المعنى باعتبار أن المعنى و معنى النص األدبي هو سر كينونته
وهو أساس مكوناته،لذلك كان البحث عن هذا السر هو هاجسا سيميائيا ،وكانت القراءات المتعددة للنص
األدبي الواحد دليل التمتع.
تتابعت الدراسة و المقاالت العربية لمقاربة الخطاب الشعري من خالل استثمار آليات التحليل
السيميولوجي نذكر منها:
-سيمياء العنوان في ديوان " مقام البوح" لعبد هللا العشي :شادية شقرون :تطرقت من خالل هذه القراءة
إلى فك شفرات العنوان المتشظي إلى عناوين فرعية لتصل إلى نتائج تخلص بها دراستها أهمها أن العنوان
أحد مفاتيح الشفرة الرمزية التي تمكننا من الولوج إلى النص وليس زائدة لغوية يمكن استئصالها من جسد
النص .فهو عالمة تملك سلطتها المرجعية على الخطاب الشعري و المتلقي.
_طالسم إيليا أبو ماضي دراسة سيميائية :عمار شلواي :استند الباحث على منطلقات لسانية في مقاربة
القصيدة ،أي تحليل المستوى السطحي البارز في الطالسم،حيث ذكر أن القصيدة تتكون من 284بيتا
موزعة على 4أبيات من مجزوء الرمل.فالعالقات بين المقاطع و الوحدات تشكل صيغتي التماثل و
التخالف مما يؤكد أن قيمة المقاطع تستمد من تالحم الدوال بالمدلوالت .و بالتالي اكتشاف بواطن المعنى
الخفي .الذي يقيم عالقاته مع عنوان القصيدة.
_شعرية المحموم /المفجوع /الموجوع _ مقاربة سيميولوجية تأويلية في ديوان قصائد محمومة:عبد الغني
بارة :تركز الدراسة على تتبع الدوال من العنوان وطريقة تسرب داللته بين مستويات الخطاب الشعري
_ مقاربة سيميائية لنص شعري قصيدة خائفة لنازك المالئكة.لمنقور عبد الجليل :تبدأ الدراسة بالعنوان
الذي يمثل نقطة االنطالق و االنفتاح على دالالت القصيدة ،حيث الفضاء المفتوح /الحركة و
المغلق/السكون.و هذا من خالل رصد المعجم الشعري ،بقراءة تأويالته الداللية .و ثنائياته و ما يمثله
المربع السيميائي .
من خالل هذه الدراسات و غيرها فإن المبدأ األول للتحليل هو اعتبار النص الشعري عالمة ،تبدأ من
عنوان القصيدة بكل تفاصيله و فروعه من عناوين فرعية ،اإلخراج الطباعي ،اإلشارات الرموز،الصور
والتي تشكل نظاما من العالمات ,تندرج تحته كل مستويات النص و ثنائياته و مسا ارته .و انزياحا ته و
انفتاحه و تفاعله مع نصوص أخرى و هذا ما يعرف بالتناص ،وفق أفق داللي منتج يمنح إمكانية
مشاركة القارئ له.