You are on page 1of 36

‫قراءة سيميائية في‬

‫قصيد"البكاء بين يدي زرقاء اليمامة" ألمل دنقل‬

‫دكتورة‪ /‬سوسو مراد يوسف أبوعمر‬


‫الملخص باللغة العربية‬
‫قراءة سيميائية في‬
‫قصيد"البكاء بين يدي زرقاء اليمامة" ألمل دنقل‬
‫ ورؤية متفتحة ال تقف عند الجانب‬،‫يتناوؿ البحث القراءة السيميائية بنظرة عميقة‬
‫ ولذلك‬،‫ بل تحاوؿ دائما البحث عما وراء الظاىر‬،‫السطحي للنص أوالظواىر األدبية‬
" ‫حاوؿ البحث في السطور التالية االستفادة من المنهج السيميائي في تحليل قصيدة‬
" ‫البكاء بين يدي زرقاء اليمامة‬
Summary
Semiotic reading in
Poem "crying in the hands of a blue dove" to Amal Dunqul

This paper deals with semiotics reading deep look, and


see the open does not stop at the surface side of the text
Literary phenomena, but always trying to find what is behind
the apparent, therefore, try searching in the following lines to
take advantage of semiotic approach in the poem "cry among
blue-Yamamah Lady 'analysis
‫تتسم القراءة السيميائية بنظرة عميقة‪ ،‬ورؤية متفتحة ال تقف عند الجانب‬
‫السطحي للنص أوالظواىر األدبية‪ ،‬بل تحاوؿ دائما البحث عما وراء الظاىر‪ ،‬ولذلك‬
‫حاوؿ البحث في السطور التالية االستفادة من المنهج السيميائي في تحليل قصيدة "‬
‫البكاء بين يدي زرقاء اليمامة "من خالؿ المباحث التالية‪:‬‬
‫المبحث األوؿ‪:‬مدخل إلى القراءة السيميائية‪:‬‬
‫(المفهوـ والنشأة‪-‬أنواع السيميائية‪-‬المنهج السيميائي‪-‬آليات التأويل السيميائي)‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪:‬التحليل السيميائي للقصيدة‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪:‬خاتمة‪.‬‬
‫أوال‪:‬مدخل إلى القراءة السيميائية‪:‬‬
‫المفهوـ والنشأة‪:‬‬
‫إف المتتبع لجذور السيمياء في اللغة يجدىا قديمة جدا‪ ،‬فقد ورد لفظ‬
‫(السيماء) في القرآف الكريم بمعنى العالمة ‪ ,1‬كما ورد في لساف العرب‪" :‬عليو سيما‬
‫حسنة معناه عالمة‪ ،‬وىي مأخوذة من وسمت اسما قاؿ‪ ،‬واألصل في سيما‪ ،‬وسمى‬
‫فحولت الواو من موضع الفاء‪ ،‬فوضعت في موضع العين‪ ،‬كما قالوا ما أطيبو وأيطبو فصار‬
‫سومى‪ ،‬وجعلت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها‪ ،‬وفي التنزيل العزيز‪" ،‬والخيل‬
‫المسومة‪ :‬آؿ عمراف‪ ( ] 14 :‬قاؿ أبو زيد الخيل المسومة‪ :‬المرسلة وعليها ركبانها‪،... ،‬‬
‫وقيل الخيل المسومة‪ ،‬ىي التي عليها السيما السومة‪ ،‬وىي العالمة "‪.2‬‬

‫‪1‬‬
‫) ورد لفظ "السيما" في القرآف ست مرات‪ ,‬بمعنى العالمة ‪:,‬قاؿ تعالى ‪ ":‬تعرفهم بسيماىم ال يسألوف الناس‬
‫إلحافا"‪1‬البقرة‪:‬آية رقم‪"،273‬وعلى األعراؼ رجاؿ يعرفوف كال بسيماىم" األعراؼ آية رقم‪"،.46‬ونادى أصحاب‬
‫األعراؼ رجاال يعرفوف بسيماىم" األعراؼ‪ :‬آية رقم‪"،48‬ولو نشاء ألريناكم فلعرفتهم بسيماىم"‪1‬محمد‪ :‬آية‬
‫رقم‪"،33‬سيماىم في وجوىهم من أثرالسجود "‪) 1‬الفتح‪:‬آية رقم‪" ،29‬يعرؼ المجرموف بسيماىم" الرحمن‪ :‬آية رقم‪.41‬‬
‫‪2‬‬
‫) ابن منظور"محمد بن مكرـ األفريقي "‪ :‬لساف العرب‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪،‬ط‪1963 ،1‬ـ‪ ،‬جػ ‪،12‬ص‪ ،313‬مادة‬
‫(سوـ)‪.‬‬
‫ولعل العالمة تشكل وظيفة أساسية في حياة اإلنساف‪ ،‬فالكوف كلو مليء‬
‫بالعالمات واإلشارات ا لدالة‪ ،‬فمثال إذا نزؿ المطر‪ ،‬فهذا عالمة على الخصب والنماء‪،‬‬
‫وإذا رأى شخص ديار األحبة فهذا يدفعو لتذكر األحباب‪ ،‬ولعل من أبرز األمثلة الدالة‬
‫على ذلك الطلل الذي احتل في عقل الشاعر القديم مساحة عظيمة‪ ،‬فقد كاف يثير‬
‫بداخلو ذكريات دفينة‪ ،‬وما أكثر الشعر الذي كتب في األطالؿ‪ ،‬واإليماءة بالرأس عالمة‬
‫على الموافقة أو الرفض‪ ،‬وإشارات المرور عالمات على تصرؼ معين البد أف يؤديو‬
‫الراكب أو السائر في الطريق؛ وىذا كلو يؤكد على تنوع العالمات‪ ،‬فمنها األلفاظ‪,‬‬
‫واإلشارات‪ ,‬والرموز‪ ,‬واآلثار‪ ,‬كما أف للعالمات دورا مهما جدا في حياة البشر كلهم‪.‬‬
‫وتنقسم العالمات إلى عدة أقساـ فقد تكوف لفظية أومتصلة بالحواس‪:‬‬
‫(شمية‪,‬أوسمعية)‪،‬أوإيقونية‪ ،‬واأليقونة‪:‬ىي "أحد أشكاؿ العالمة يبدو لنا فيها الداؿ شبيها‬
‫أو محاكيا للمدلوؿ على نحو واضح من حيث المظهر أو الصوت أو الملمس أو المذاؽ‬
‫أو الرائحة أي مماثال لو في بعض خصائصو‪ ،‬ومن ىذه األشكاؿ األيقونية للعالمة الصورة‬
‫الشخصية (البوتريهات)‪ ،‬والرسوـ التوضيحية والنماذج القياسية والكلمات التي تحاكي في‬
‫صوتها معناىا‪ ،‬واالستعارات اللغوية"(‪.)1‬‬
‫ومن الجدير بالذكر أف العرب في دراساتهم‪ ،‬وكتبهم تحدثوا عن العالمة‬
‫اللغوية‪ ،2‬ووظيفتها‪ ،‬لكن لم يتحدثوا عن السيميولوجيا‪ ،‬أو السيمياء بمفهومها الحديث‬
‫فهي علم من العلوـ الحديثة ظهر في القرف العشرين‪ ,‬وأصل ىذه الكلمة يوناني مركبة‬
‫من ‪ Semeion‬بمعنى عالمة و ‪ Logos‬بمعنى خطاب‪.‬والسيميولوجيا في تعريف‬
‫دي سوسير ىي‪" :‬العلم الذي يدرس حياة العالمات داخل الحياة االجتماعية إنو االعتراؼ‬
‫عمليا‪ ،‬ولو ضمنيا بأف العالمة ال توجد أبدا منفردة إنها النقطة الجوىرية التي تتميز بها‬

‫(‪ )1‬تشارنلدر دانياؿ‪ :‬معجم المصطلحات األساسية في علم العالمات (السموطيقا)‪ ،‬ترجمة شاكر عبد الحميد‪،‬‬
‫أكاديمية الفنوف‪ ،‬القاىرة‪2335 ،‬ـ‪ ،‬ص‪.81‬‬
‫‪) 2‬على سبيل المثاؿ الجاحظ في تعداده العالمات واإلشارات التي تدؿ على المعنى" اللفظ واإلشارة والعقد والخ‬
‫والحاؿ‪،.‬يراجع‪:‬الجاحظ‪:‬البياف والتبيين‪،‬تحقيق عبد السالـ محمد ىاروف‪،‬ج‪،1‬مكتبة الخانجي‪،‬القاىرة‪،‬ط‪،7‬‬
‫‪1998‬ـ‪،‬ص ‪.76‬‬
‫السيميولوجيا التقليدية التي لألسف تتعلق أكثر بتصنيف بسي للعالمات عن السيميائية‬
‫المنشغلة أكثر بما يجري بين العالمات‪،‬بلعبة المعنى الذي يركز على مكونات‬
‫العالمة"(‪.)1‬‬
‫وكل نظاـ من األنظمة السيميائية لو عالمات خاصة يتميز بها‪ ,‬لكن مالمح‬
‫المنهج السيميائي لم تتبلور إال مع التقدـ العلمي‪ ،‬وتطور العلوـ اإلنسانية‪ ،‬ويعد (جيم‬
‫لوؾ) أوؿ من قدـ مصطلح (السيميولوجيا) غير أنها لم تتجاوز إطار النظرية العامة للغة‪،‬‬
‫وفلسفتها النظرية في ذلك العصر الذي عاش فيو‪.‬وأوؿ من دعا إلى علم السيميولوجيا‪,‬‬
‫العالمة فيرديناند ديسوسير‪ ،‬إال أنها لم تصبح علما قائما بذاتو إال بعد الجهود التي بذلها‬
‫‪La‬‬ ‫الفيلسوؼ األمريكي بورس؛ حيث وضع نظرية خاصة باإلشارة سماىا‬
‫‪ ,Sémiotique‬وذكر أنها شاملة لجميع العلوـ اإلنسانية والطبيعية‪ ،‬إذ يقوؿ‪ «:‬لم‬
‫أكن في يوـ ما‪ ،‬قادرا على دراسة كل ما درستو‪ -‬رياضيات‪ ،‬ذىن‪ ،‬ميتافيزيقا‪ ،‬تجاذب‪،‬‬
‫علم الحراريات‪ ،‬البصريات‪ ,‬والكيمياء‪ ,‬التشريح المقارف‪ ,‬علم الفلك‪ ,‬علم النفس‪,‬‬
‫والفونيتيك‪ ,‬االقتصاد‪ ,‬تاريخ العلوـ (‪ )...‬الرجاؿ‪ ,‬والنساء‪ ,‬والخمرة‪ ,‬علم القياسات‪-‬‬
‫مالم تكن دراسة سيميائية"(‪ .)2‬ومن ىنا أضحت اإلشارة الدالة بكافة أنواعها تدخل‬
‫ضمن علم السيمياء‪.‬‬
‫والفرؽ بين (دي سوسير)‪ ،‬و(بورس) يكمن في أف األوؿ ركز على الوظيفة‬
‫االجتماعية لإلشارة؛ حيث قاؿ إنها‪":‬ىي علم يدرس دور اإلشارات كجزء من الحياة‬
‫االجتماعية"(‪ ,)3‬أما الثاني‪ ،‬فقد ركز على الوظيفة المنطقية‪ ،‬حيث قاؿ إنها‪" :‬الدستور‬

‫(‪ )1‬جوزيف كورتيس‪ :‬سيميائية اللغة ‪،‬ترجمة جماؿ حضري‪ ،‬مجد المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪،‬‬
‫بيروت‪ /‬لبناف‪ ،‬ط‪2313 ،1‬ـ‪ ،‬ص ‪.33‬‬
‫(‪ )2‬عبد اللطيف محفوظ‪ :‬آليات إنتاج النص الروائي "نحو تصور سيميائي"‪ ،‬الدار العربية للعلوـ ناشروف‪ ،‬بيروت‪ /‬لبناف‪،‬‬
‫ط‪2338 ،1‬ـ‪ ،‬ص‪31‬و ‪.32‬‬
‫(‪ )3‬دانياؿ تشاندلر‪ :‬أسس السيميائية‪ ،‬ترجمة طالؿ وىبة‪ ،‬مراجعة‪ :‬ميشاؿ زكريا‪ ،‬المنظمة العربية للترجمة‪ ،‬بيروت‪/‬‬
‫لبناف‪ ،‬ط‪2338 ،1‬ـ‪ ،‬أكتوبر‪ ،‬ص‪.33‬‬
‫الشكالني لإلشارات"(‪,)1‬أي أف "السيميائية تحيل على الجانب التطبيقي على عكس‬
‫السيميولوجيا التي تشير إلى التصورات النظرية لعلم العالمات"‪ 2‬غير أف كلتا الوظيفتين‬
‫ترتبطاف ببعضهما ارتباطا وثيقا‪ ،‬لكن من المالحظ أف مصطلح السيميولوجيا يستعمل‬
‫" لإلشارة إلى التقليد السوسوري‪ ،‬بينما تشير السيميائية إلى التقليد البيرسي‪ .‬لكن من‬
‫الشائع في الوقت الحالي استعماؿ السيميائية كمصطلح عاـ يشمل كل الحقل‬
‫المدروس"(‪ ،)3‬أي أف الكلمتين (سيميولوجيا) و (سيميائيات)‪ ،‬تستخدماف اليوـ للداللة‬
‫على شيء واحد‪ ،‬وتعطياف المعنى نفسو‪.‬‬
‫وىكذا تبلورت السيميائية في القرف العشرين‪ ,‬وصارت علما اتضحت مناىجو‪،‬‬
‫وحقال معرفيا ثريا؛ حيث تدرس جميع مجاالت النشاط الثقافي البشري‪ ،‬وأحد أوسع‬
‫التعريفات للسيميائية‪" ،‬قوؿ أمبرتو إيكو تعني السيميائية بكل ما يمكن اعتباره إشارة"(‪)4‬‬
‫وعرفها "شارلز موريس"بأنها‪:‬العلم الذي ينسق العلوـ األخرى‪ ،‬ويدرس األشياء أو‬
‫خصائص األشياء في توظيفها للعالمات‪ ،‬ومن ثم فالسيميائيات ىي آلة كل العلوـ (علم‬
‫العلوـ)‪ ،‬أي أنها العلم الذي يصف أو علم العلوـ األخرى‪.‬‬

‫أنواع السميائية‪:‬‬
‫أ) سيميائية التواصل‪:‬‬
‫تهتم بدراسة طرؽ التواصل‪ ،‬أي دراسة الوسائل المستخدمة للتأثير والتواصل مع‬
‫اآلخرين‪ ،‬فاإلنساف كائن اجتماعي‪ ،‬والبد لو من التواصل مع المحيطين بو‪ ،‬ومن ثم فمن‬
‫منظور السيميائية تعد اللغة نظاما للتواصل‪.‬‬

‫(‪)1‬نفسو‪.‬‬
‫‪ ) 2‬جوزيف كورتيس‪:‬مدخل إلى السيميائية السردية والخطابية‪ ،‬ترجمة جماؿ حضري‪،‬منشورات االختالؼ‪،‬الجزائر‪/‬الدار‬
‫العربية العلوـ ناشروف‪ ،‬بيروت‪،‬ط‪2337 ،1‬ـ‪،‬ص‪.13‬‬
‫(‪)3‬نفسو‪ :‬ص ‪.31 ،33‬‬
‫(‪ )4‬السابق نفسو‪ :‬ص ‪.28‬‬
‫ب) السيميائية الداللية‪:‬‬
‫‪(connotation‬‬ ‫الداللة نوعاف‪ :‬داللة التقرير‪ ،‬وداللة اإليحاء‬
‫)‪Denotation‬‬
‫وقد انبثق ىذاف المفهوماف من ىميسلف‪ ،‬حيث ميز بين مستويين‪ :‬المستوى‬
‫التقريري‪ ،‬والمستوى اإليحائي‪ ،‬فالمستوى التقريري ال يمكن بأية حاؿ أف يشكل نسقا‬
‫سيميائيا‪ ،‬أما المستوى اإليحائي فهو الذي يشكل النسق من خالؿ إنتاج الدالالت‪،‬‬
‫"ولكن ال يمكن تصور أف تنشأ داللة اإليحاء دوف أف تكوف مرتكزة على الداللة الحرفية‬
‫التي تشكل المرتكز األساسي ‪‬لها‪ ،‬ولذلك فإف مثل ىذه المفاىيم التي أفادت منها‬
‫الدراسات اللسانية واألسلوبية قد شكلت في الدرس السيميائي أىمية كبيرة في الكشف‬
‫عن المعاني المتعددة التي تقود إلى قراءة استكشافية تؤمن بأحادية المعنى‪ ،‬إذ تنتج‬
‫الدواؿ محموالت داللية متعددة"(‪.)1‬‬

‫الفرؽ بين داللة التقرير وداللة اإليحاء‪:‬‬


‫إف داللة التقرير ذات طبيعة إحالية فق ‪ ،‬أي أنها تحيل على المعنى المعجمي‬
‫فق ‪.‬‬
‫أما داللة اإليحاء فتحمل معنى تأثيريا‪ ،‬ومعنى انفعاليا‪.‬‬
‫مثاؿ‪ :‬كلمة الوردة ‪:‬يمكن أف تحمل داللتها المعجمية فق ‪ ،‬لكنها في سياؽ آخر‬
‫قد تحمل معها داللة الحب والرومانسية والمحبوبة والسعادة‪،‬والتفاؤؿ‪..‬إلخ‪.‬‬
‫والسيميائية الداللية‪ :‬تركز جهودىا على دراسة أنظمة الداللة‪ ،‬والداللة ترتب‬
‫ارتباطا وثيقا بعملية اإليحاء‪ ،‬والظواىر الداللية ما ىي إال نسق مكوف من عالمات‪ ،‬أو‬
‫رموز‪ ،‬ذلك باعتبار أف اللغة ىي وسيلة االتصاؿ‪ ،‬ونقل المعرفة‪.‬‬

‫(‪ )1‬موسى ربابعة‪ :‬آليات التأويل السيميائي‪ ،‬آفاؽ للنشر والتوزيع‪ ،‬الكويت‪ ،‬ط‪2311 ،1‬ـ‪ ،‬ص ‪.13‬‬
‫جػ ػ السيميائيات األدبية‪:‬‬
‫ثمة مصطلح آخر استخدمو النقاد ىو مصطلح السيميائيات األدبية‪،" ،‬ووظيفتها‬
‫األساسية تكمن في دراسة" األدب من خالؿ العمل األدبي المفرد‪ ،‬وذلك باعتباره تنويعا‬
‫لمقولة األدب‪ ،‬إنو عمل مستقل يجمع بين نظامين‪ ،‬ىما‪ :‬النظاـ اللغوي و النظاـ‬
‫األدبي‪ ،)1( ".....‬وىذا يعني من و جهة نظر سيميائية "أف االىتماـ بالعالمة أو الدليل‬
‫حسب مصطلح سوسير ىو جزء من االىتماـ بالنص الذي ىو نظاـ من العالمات "(‪،)2‬‬
‫فالنص "كنظاـ مستقل من الدالئل يختلف عن العالم‪ ،‬حيث الوحدات الدالة فيو تدخل‬
‫في عالقة متبادلة فيما بينها‪ ...‬يوجد النص كنظاـ داللي في تنظيم مختلف عن‬
‫الواقع"(‪.)3‬‬

‫د) سيميائية بورس‪ :‬وتكمن أىميتها في "كونها تستند على المنطق و الرياضيات‬
‫و الظاىرا تية‪ ،‬وفي كونها تصدر عن ذات انشغلت بالعلوـ البحتة و العلوـ اإلنسانية‪ .‬فقد‬
‫سبق لبورس قبل صياغتو لعلم السيميائيات أف درس الرياضيات والكيمياء والمنطق‬
‫وىيجل بإعطائها اسم‬ ‫والفلسفة‪...‬وميز بورس ظاىرياتو عن ظاىريات كان‬
‫‪ paneroscopie‬وقد عمل على إدراكها وتحديدىا انطالقا من مصطلحات‬
‫واقعية‪...‬إنها وصف ما‪ ،‬لما ىو أماـ العقل أو في الوعي‪ ،‬وفق ما يبدو في مختلف أنواع‬
‫الوعي"(‪.)4‬‬

‫المنهج السيميائي‪:‬‬
‫إف المنهج السيميائي منهج متعدد النواحي‪ ،‬حيث إنو يقوـ بدراسة النص األدبي‪،‬‬
‫ويشمل عناصر متنوعة ومترابطة في آف كالعنصر اللغوي البنيوي‪ ,‬النفعي الداللي‪ ,‬والفني‬

‫(‪ )1‬أنور المرتجي‪ :‬سيميائية النص األدبي‪ ،‬دار أفريقيا الشرؽ‪ ،‬الدار البيضاء‪1987 ،‬ـ‪ ،‬ص‪.34‬‬
‫(‪ )2‬حسين خمري‪ :‬نظرية النص من بنية المعنى إلى سيميائية الداؿ‪ ،‬منشورات االختالؼ‪ ،‬الجزائر‪ ،‬الدار العربية للعلوـ‬
‫ناشروف‪ ،‬بيروت‪ /‬لبناف‪ ،‬ط‪23337 ،1‬ـ‪ ،‬ص‪.23‬‬
‫(‪ )3‬أنور المرتجي‪ :‬سيميائية النص األدبي‪ ،‬المرجع السابق نفسو‪،‬ص‪.35‬‬
‫(‪ )4‬عبد اللطيف محفوظ‪ :‬آليات إنتاج النص الروائي "نحو تصور سيميائي"‪،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 31‬و‪.32‬‬
‫الجمالي‪.‬ويتواصل مع علوـ أخرى متنوعة منها الفلسفة واالجتماع والتاريخ‪.‬ويقوـ بدور‬
‫بارز ىو لفت انتباه القارئ إلى عناصر بعينها داخل النص‪ ،‬كي يقف على دالالتها‬
‫ويحللها‪ ،‬وىذا العمل يقوـ على المبادئ التالية ‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬التحليل المحايث ‪ :‬الذي يبحث عن العالقات الرابطة بين العناصر التي تنتج‬
‫المعنى‪ ،‬وإبعاد كل العناصر الخارجية‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬التحليل البنيوي‪":‬يسعى السيميائيوف البنيويوف إلى النظر في ما وراء سطح‬
‫المدروس‪ ،‬أو تحتو‪ ،‬الكتشاؼ تنظيم الظواىر التحتي‪ ،‬وكلما بدا التظيم البنيوي للنص أو‬
‫للشيفرة بينا زاد احتماؿ وجود صعوبة في رؤية ما يقع ما وراء سمات السطح(‪.)1‬‬
‫نظاما إلنتاج‬
‫ثالثا‪ :‬تحليل الخطاب‪ :‬يركز التحليل السيميائي على الخطاب باعتباره ً‬
‫األقواؿ‪.‬‬

‫آليات التأويل السيميائي‪:‬‬


‫إف السيميائية ال تهتم بمؤلف النص‪ ،‬وإنما تهدؼ بصفة أساسية إلى البحث عن‬
‫المعنى‪ ،‬من خالؿ البنية‪ ،‬ولذلك يفكك النص‪،‬ويعاد تركيبو من جديد‪.‬وللتأويل السيميائي‬
‫آلياتو الخاصة‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫‪1‬ػ العالمة‪ :‬فالنص يحتوي على "عالمات محملة بالدالالت التي تحتاج إلى قراءة‬
‫و تأويل‪....‬ولذلك فإف السيميائية ال تقف عند العالمة بحد ذاتها‪ ،‬وإنما تسعى إلى‬
‫الكشف عن دالالتها‪....‬وال تهدؼ القراءة السيميائية إلى استجالء العوالم الظاىرة‬
‫للعالمة‪ ،‬وإنما تحاوؿ أف تستقريء ىذه العالمة من خالؿ النظرة التأويلية التي تتأسس‬
‫على أف النص في مجملو عالمة أو مجموعة من العالمات التي تتعانق وتتشابك مع‬
‫بعضها لتبرز الرؤية القارة في أعماؽ النص‪ ،‬و ذلك أمر يتحقق من خالؿ األدوات التي‬
‫يستخدمها المبدع في نصو"(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬دانياؿ تشاندلر‪ :‬أسس السيميائية‪ ،‬ترجمة طالؿ وىبة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.358‬‬
‫(‪ )2‬موسى ربابعة‪ :‬آليات التأويل السيميائي‪،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 22‬و‪.24‬‬
‫‪2‬ػ ما أسماه كريماس ثنائية التشاكل والتباين‪ :‬والتشاكل كلمة أصلها يوناني‪ ،‬وتعني‬
‫(المكاف نفسو)‪ ،‬وىو المصطلح الذي أدخلو جريماس إلى الحقل السيميائي ليعني بو‬
‫مجموعة متراكمة من المقوالت المعنوية بعد حل إبهامها‪ ،‬وىذا الحل نفسو موجو بالبحث‬
‫عن القراءة المنسجمة ‪(...‬ووسع إفرانسو راستيو) المفهوـ عندما عرفو بأنو كل تكرار‬
‫لوحدة لغوية‪...‬والتشاكل ينهض بوظيفة تمنح النص التماسك والتراب ‪ ،‬وذلك من خالؿ‬
‫التراكم والتكرار والتواتر لبنى معنوية أو وحدات لغوية (تساعد) في تشكيل ما يسمى‬
‫بالتماسك النصي‪ ،‬وقد اقترف مصطلح التشاكل بمصطلح التباين للداللة على االختالؼ‬
‫بينهما"(‪ ،)1‬والتباين يعني التناقض واالختالؼ‪.‬‬
‫‪3‬ػ المربع السيميائي‪ :‬يشكل"العالقات بين الوحدات التي يتشكل منها النص‪،‬‬
‫فمنظومة البنية البسيطة للمعنى‪ ،‬والتي توجد على مستوى البنية العميقة تأخذ عند قراءتنا‬
‫للنص اسم المربع السيميائي ‪.)2(" Carre Semioitique‬‬
‫‪4‬ػ البحث عن المعنى‪ :‬ويعني البحث عن "المعاني القائمة خلف العالمات التي‬
‫يستجلي القارئ من خاللها معنى المعنى"(‪.)3‬‬
‫‪5‬ػ تجدد الداللة وتعددىا‪ :‬يمثل أحد"أسس التأويل السيميائي‪ ،‬ألف التأويل يرتب‬
‫ارتباطا وثيقا بتعدد الدالالت التي يحاوؿ القارئ اإلمساؾ بها‪ ،‬على الرغم من تمنعها‬
‫واستغالقها في بعض األحياف‪ ،‬ولذلك فإف البحث عن الداللة المتجددة يفتح آفاقا واسعة‬
‫أو ال نهائية للتأويل"(‪.)4‬‬

‫(‪)1‬موسى ربابعة‪ :‬آليات التأويل السيميائي‪،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪14‬و ‪.15‬‬


‫(‪)2‬نفسو‪ :‬ص‪.24‬‬
‫(‪)3‬نفسو‪ :‬ص‪.25‬‬
‫(‪)4‬نفسو‪.‬‬
‫ونظرا ألف آليات التأويل السيميائي تحاوؿ الوصوؿ إلى المعنى‪ ،‬فػ" ال بد من‬
‫التركيز على الطباؽ واالنزياح والتشاكل والتباين والفراغات والتناص‪ ،‬وغيرىا من العناصر‬
‫التي يمكن أف تعد آليات يستعين بها التأويل السيميائي في مقاربة النصوص"(‪.)1‬‬

‫ثانيا‪ :‬التحليل السيميائي للقصيدة‪:‬‬


‫يمكن تقسيم القصيدة إلى أربع لوحات ‪،‬يقوؿ الشاعر‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫المقدَّسو‪..‬‬
‫أيتها العرافة ُ‬
‫جئت إليك ‪ُ ..‬مثخناً بالطَّعنات والدِّماء‬
‫ُ‬
‫المك ّدسو‬
‫حف في معاطف القتلى‪ ،‬وفوؽ الجثث ُ‬
‫أز ُ‬
‫السيف‪ ،‬مغبَّػر الجبين واألعضاء‪.‬‬
‫ُمنكسر َّ‬
‫أسأؿ يا زرقاء ‪..‬‬
‫ُ‬
‫عن فمك الياقوت عن‪ ،‬نُبوءة العذراء‬
‫المن َّكسو‬
‫عن ساعدي المقطوع‪ ..‬وىو ‪ -‬ما يزاؿ‪ -‬ممسكاً بالراية ُ‬
‫عن صور األطفاؿ في الخوذات‪ ..‬ملقا ًة على الصحراء‬
‫عن جاري الذي يػ ُه ُّم بارتشاؼ الماء‪..‬‬
‫الرصاص رأسوُ ‪ ..‬في لحظة المالمسو!‬
‫ُ‬ ‫فيثقب‬
‫ُ‬
‫المحشو بالرماؿ ِّ‬
‫والدماء!!‬ ‫ِّ‬ ‫عن الفم‬
‫أسأؿ يا زرقاء‪..‬‬
‫ُ‬
‫السيف ‪ ..‬والجدار‪!..‬‬
‫عن وقػفتي العزالء بين َّ‬

‫(‪)1‬نفسو‪ :‬ص ‪.28‬‬


‫السبي ‪.‬والفرار ؟‬
‫عن صرخة المرأة بين َّ‬
‫ت العار‪..‬‬
‫كيف حمل ُ‬
‫مشيت ؟ دوف أف أقتل نفسي ؟ ! دوف أف أنهار ؟!‬
‫ُ‬ ‫ثم‬
‫ودوف أف يسق لحمي‪ ..‬من غبار التربة المدنَّسو ؟!‬
‫تكلَّمي أيتها النبيَّةُ المقدسو‪.‬‬
‫تكلمي ‪ ..‬باهلل ‪ ..‬باللعنة‪ ..‬بالشيطاف ‪.‬‬
‫ال تُػغمضي عينيك‪ ،‬فالجرذا ُف ‪..‬‬
‫تلعق من دمي حساءىا ‪ ..‬وال أردُّىا !‬
‫ُ‬
‫تكلمي ‪َّ ...‬‬
‫لشد ما أنا ُمهاف ‪.‬‬
‫ال اللَّيل يُخفي عورتي ‪ ..‬وال الجدراف!‬
‫وال اختبائي في الصحيفة التي أشدُّىا ‪..‬‬
‫وال احتمائي في سحائب الدخاف!!‬
‫(‪)2‬‬
‫تقفز حولي طفلةٌ واسعةُ العينين ‪ ..‬عذبةُ المشاكسو ‪.‬‬
‫‪ُ ..‬‬
‫ص عنك يا صغيرتي ‪ ..‬ونحن في الخنادؽ‬
‫)‪-‬كاف يػ ُق ُّ‬
‫فنفتح األزرار في ُستُػراتنا ‪ ..‬ونسن ُد البنادؽ‬
‫المشمسو ‪..‬‬
‫الصحراء ُ‬‫وحين مات عطشاً في َّ‬
‫رطَّب باسمك ِّ‬
‫الشفاه اليابسو ‪!.‬‬
‫وارتخت العيناف ‪) !.‬‬
‫المداف ؟‬
‫فأين أُخفي وجهي المتَّهم ُ‬
‫الطروب ‪ :‬ضحكتو‬
‫ُ‬ ‫والضحكة‬
‫والغمازتاف !؟ ‪.‬‬
‫والوجوُ ‪َّ ..‬‬
‫(‪)3‬‬
‫أيتها النبيَّةُ المقدسو ‪..‬‬
‫ال تسكتي ‪ ..‬فقد سك ُّ‬
‫ت سنةً فسنو …‬
‫لكي أناؿ فضلة األماف‬
‫قيل لي‪" :‬اخرس "‪..‬‬
‫وائتممت بالخصياف !‬
‫ُ‬ ‫فخرست ‪ ..‬وعميت ‪..‬‬
‫ُ‬
‫أحرس القطعاف‪!..‬‬
‫ُ‬ ‫ظللت في عبيد" عبس "‬
‫ُ‬
‫أجتز صوفها ‪..‬‬
‫ُّ‬
‫أرد نُوقها ‪..‬‬
‫ُّ‬
‫أناـ في حظائر النسياف‪.‬‬
‫ُ‬
‫وبعض الثمرات اليابسو ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫طعامي‪ :‬الكسرةُ ‪ ..‬والماءُ ‪..‬‬
‫وىا أنا في ساعة الطعاف‪.‬‬
‫ساعة أف تخاذؿ الكماةُ ‪ ..‬والرماةُ ‪ ..‬وال ُفرساف‬
‫عيت للميداف !‬
‫ُد ُ‬
‫ذقت لحم الضَّأف‪..‬‬
‫أنا الذي ما ُ‬
‫أنا الذي ال حوؿ لي‪،‬أو شأف ‪...‬‬
‫صيت عن مجالس الفتياف‪،‬‬
‫أنا الذي أُق ُ‬
‫أُدعى إلى الموت ‪ ..‬ولم أدع إلى المجالسو !!!‬
‫تكلمي أيتها النبيَّةُ المقدسو‬
‫تكلمي‪ ..‬تكلمي ‪..‬‬
‫سائل دمي‪..‬‬
‫فها أنا ‪-‬على التراب ‪ٌ -‬‬
‫يطلب المزيدا ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وىو ظميءٌ ‪..‬‬
‫الصمت الذي يخن ُقني ‪:‬‬
‫ُسائل َّ‬
‫أ ُ‬
‫"ما للجماؿ مشيُها وئيدا‪ ..‬؟ !‬
‫أجندالً يحملن أـ حديدا ‪ ..‬؟!‬
‫فمن تُرى يص ُدقني ؟‬
‫أسائل الرَّكع والسجودا‬
‫ُ‬
‫سائل القيودا ‪:‬‬
‫أُ ُ‬
‫"ما للجماؿ مشيُها وئيدا ‪ ..‬؟!‬
‫"ما للجماؿ مشيُها وئيدا ‪ ..‬؟!‬
‫(‪)4‬‬
‫أيتها العَّرافةُ المقدسو ‪..‬‬
‫الكلمات البائسو ؟‬
‫ُ‬ ‫ماذا تفي ُد‬
‫قلت لهم ما قلت عن قوافل الغبار ‪..‬‬
‫فاتهموا عينيك‪ ،‬يا زرقاءُ ‪ ،‬بالبوار ‪!.‬‬
‫قلت لهم ما قلت عن مسيرة األشجار ‪..‬‬
‫فاستضحكوا من وىمك الثرثار ‪!.‬‬
‫وحين فُوجئُوا ِّ‬
‫بحد السيف‪ :‬قايضوا بنا ‪..‬‬
‫والتمسوا النجاة والفرار !‬
‫ونحن جرحى القلب ‪،‬‬
‫جرحى الروح والفم ‪.‬‬
‫الموت ‪..‬‬
‫ُ‬ ‫لم يبق إال‬
‫والحطاـ ‪..‬‬
‫ُ‬
‫والدمار ‪..‬‬
‫مشردوف يعبروف آخر األنهار‪..‬‬
‫وصبيةٌ ّ‬
‫ونسوةٌ يُسقن في سالسل األسر‪،‬‬
‫وفي ثياب العار‬
‫مطأطئات الرأس‪ ..‬ال يملكن إال الصرخات التاعسو ‪!.‬‬
‫ىا أنت يا زرقاء ‪.‬‬
‫وحيدةٌ ‪ ...‬عمياء ‪!.‬‬
‫الحب ‪ ..‬واألضواء‬
‫ِّ‬ ‫أغنيات‬
‫ُ‬ ‫تزاؿ‬
‫وما ُ‬
‫الفارىات ‪ ..‬واألزياء ‪!.‬‬
‫ُ‬ ‫والعربات‬
‫ُ‬
‫المش َّوىا‪.‬‬
‫فأين أخفي وجهي ُ‬
‫المموىا ‪.‬‬ ‫كي ال ِّ‬
‫أعكر الصفاء ‪ .‬األبلو ‪َّ ..‬‬
‫في أعين الرجاؿ والنساء !؟‬
‫وأنت يا زرقاء ‪..‬‬
‫وحيدةٌ ‪..‬عمياء ‪!.‬‬
‫وحيدةٌ‪ ..‬عمياء(‪!.)1‬‬
‫إف العنواف ىو المدخل الرئيس للنص األدبي‪ ،‬وىو أوؿ ما تقع عين القارئ‬
‫عليو‪ ،‬وقد يكوف جاذبا مشوقا لقراءة النص‪ ،‬أو على النقيض من ذلك‪ ،‬ويمكننا القوؿ بأف‬
‫العنواف ىو حجر األساس بين المؤلف والمتلقي‪ ،‬والعنواف ىنا ينطوي على داللة مزدوجة‬
‫ذات تنوع وثراء في آف؛ إذ إنو يحمل معنى مستقال بذاتو‪ ،‬ويحمل معنى آخر من خالؿ‬
‫عالقتو بالنص‪،‬ألف داللة العنواف غالبا ما ترتب ارتباطا وثيقا بمضموف النص‪ ،‬وقد ال يتأتى‬
‫للمتلقي فهم المغزى الحقيقي للعنواف إال بعد قراءة النص؛ إذ إف وجود عنواف للنص يثير‬
‫مجموعة من األسئلة المهمة‪ ،‬وىي‪ :‬ىل للعنواف عالقة بمضموف النص‪ ،‬أـ وضعو المؤلف‬
‫بطريق اعتباطية؟ إذا كاف ثمة عالقة بين العنواف والنص فما طبيعة تلك العالقة؟ىل تلك‬
‫العالقة تكميلية أـ تنويرية؟ىل وجود العنواف في النص أدى دورا مهما‪ ،‬أـ يمكن االستغناء‬
‫عنو؟ ىل ينطوي العنواف على داللة واحدة واضحة؟ أـ ىو قابل للتأويل ينطوي على‬
‫دالالت متعددة؟ وإذا كاف ينطوي على دالالت متعددة ىل لها ارتباط بمضموف النص؟ أـ‬
‫ال؟‬
‫إف نظرة في عنواف القصيدة تكشف عن انفتاحو على داللتين‪ :‬إحداىما واقعية‬
‫(البكاء)‪ ،‬واألخرى‪ :‬خارقة (زرقاء اليمامة) تفصل بينهما الظرفية بين بإضافتها إلى كلمة‬
‫"يدي"‪.‬والبكاء ضد الفرح‪ ،‬وىو داؿ على الحزف واألسى‪ ،‬كما يدؿ على التأثر بموقف أو‬
‫حدث ما دفع إليو‪ .‬أما زرقاء اليمامة فهي فتاة جديس من اليمامة‪ ،‬شخصية عربية قديمة‬

‫(‪ )1‬أمل دنقل‪ :‬األعماؿ الشعرية الكاملة‪ ،‬مكتبة مدبولي‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ط‪1987 ،3‬ـ‪ ،‬ص‪.126 -121‬‬
‫تنتمي إلى عالم األسطورة‪ ،‬وكانوا يزعموف أنها ترى الشخص على بُعد مسيرة ثالثة أياـ‪،‬‬
‫وىي أبصر خلق اهلل عن بعد‪.‬وفي إحدى الحروب التي نشبت بين قومها وأعدائهم‪ ،‬احتاؿ‬
‫األعداء فاستتروا خلف غصوف من األشجار فجعلوىا أمامهم‪ ،‬فرأت زرقاء اليمامة بحدة‬
‫بصرىا األعداء المستترين؛ فأنذرت قومها فلم يصدقوىا‪ ،‬فلما اقتحم األعداء ديار القوـ‬
‫قتلوىم‪ ،‬وأمسكوا زرقاء اليمامة التي كانت مصدر خطر يهددىم‪ ،‬وقلعوا عينيها‪ ،‬ويقاؿ‬
‫إنها كانت محشوة باألثمد‪ ،‬وسميت زرقاء اليمامة بهذا االسم لزرقة عينيها‪.‬والعرب تضرب‬
‫المثل بزرقاء اليمامة لجودة بصرىا ولحدة نظرىا‪ ،‬فيقاؿ أبصر من زرقاء(‪.)1‬‬
‫وانطواء العنواف على"زرقاء اليمامة"أضفى بعدا دالليا على النص يتصل‬
‫بالماضي بصورتين‪ :‬إحداىما عامة‪ :‬تذكرنا ببكاء الشاعر القديم على األطالؿ‪ ،‬واألخرى‬
‫خاصة‪ :‬تستدعي حدث اقتحاـ األعداء ديار قوـ زرقاء اليمامة‪ ،‬وىذا بدوره يستدعي‬
‫الظروؼ التي كتبت فيها القصيدة بعد النكسة‪ ،‬وجعلها الشاعر تعبيرا عن الواقع‪ ،‬وفتحا‬
‫آلفاؽ األمل في االنتصار في آف واحد‪،‬كما أف الظرفية"بين" أضفت داللة عميقة‪ ،‬حيث‬
‫تومئ إلى الحالة التي يكوف عليها الشخص الباكي فهو يعيش بين حالتين‪ :‬حالة التأثر‬
‫مر بو‪ ،‬وحالة التنفيس عنو بإخراج شحنة الحزف‪.‬وىذا التنفيس‬
‫الشديد بالموقف الذي َّ‬
‫يمكن أف يكوف قوة دافعة للشخص للتخلص من أحزانو‪ ،‬والتغلب على محنتو‪ ،‬وىي حالة‬
‫الشعب المصري بعد الهزيمة‪ ،‬فهو يعيش مرحلة بين بين‪ ،‬بين الهزيمة‪ ،‬واالنتصار‪ ،‬وبين‬
‫اإلحباط واألمل‪ ،‬بين الضعف وقوة اإلرادة‪ ،‬ومن ثم نالحظ أف العنواف ىنا ذو دالالت‬
‫جسد تقاطع الواقع مع الالواقع‪ ،‬العادي مع‬
‫رامزة جمالية وإغرائية وترويحية‪ ،‬حيث َّ‬
‫الخارؽ‪ ،‬وأضاع الحدود الفاصلة بين العالمين‪.‬وآثر الشاعر كلمة (البكاء)معرفة باأللف‬
‫والالـ‪ ،‬فلم يقل (بكاء)‪ ،‬أو(بكائي) مثال؛ ليومئ إلى أف البكاء كاف حالة عامة للشعب‬
‫بأسره‪.‬‬

‫(‪ )1‬عن زرقاء اليمامة وقصة مثلها‪ .‬انظر‪ :‬أبو الفضل أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراىيم النيسابوري الميداني‪ :‬مجمع‬
‫األمثاؿ‪ ،‬حققو وضب غرائبو وعلق حواشيو‪ :‬محمد محيي الدين عبد الحميد‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪1955 ،‬ـ‪ ،‬جػ‪،1‬‬
‫ص‪.114‬‬
‫لقد أصدر أمل دنقل ديوانو األوؿ الحامل لعنواف القصيدة نفسو عاـ‪1969‬ـ‪ ،‬إثر‬
‫المر بالهزيمة‪ ،‬مما‬
‫نكسة ‪1967‬ـ‪ ،‬مصورا فيو خيبة أمل اإلنساف العربي‪ ،‬واإلحساس ُ‬
‫يؤكد على اىتمامو بقضايا أمتو العربية‪ ،‬كما أف استئثار القصيدة بعنواف الديواف‪ ،‬دوف غيرىا‬
‫يؤكد على أىميتها‪ ،‬يقوؿ عبد العزيز المقالح في مقدمة األعماؿ الكاملة للشاعر‪":‬ىي‬
‫قصيدة جريئة أكدت خطواتو على طريق الشعر‪ ،‬وكانت عنوانا ألىم دواوينو‪...‬ارتبطت‬
‫بالجرح القومي األكبر‪ ،‬وكانت تعبيرا عميقا وصادقا عن موقف عنترة الشعب العربي الذي‬
‫تركو الحكاـ في صحراء اإلىماؿ‪ ،‬يسوؽ النوؽ إلى المرعى‪ ،‬ويحتلب األغناـ‪ ،‬ويجتر‬
‫أحالـ الخصياف‪ ،‬حتى إذا ما اشتدت الحرب وأعلنت الحمية ذىبوا يستصرخوف فيو روح‬
‫الحمية‪ ،‬ويدعونو إلى الدفاع عن قصورىم المضاءة بالمسرات و ألواف الترؼ"(‪.)1‬‬
‫تنتمي القصيدة إلى ما يمكن تسميتو بػ (أدب المقاومة)‪ ،‬وقد آثر الشاعر أف يكوف‬
‫لو دور في مجتمعو‪ ،‬فدافع عن قضايا الوطن‪ ،‬وىمومو‪ ،‬وبث روح المقاومة في نفوس‬
‫الناس‪،‬ألنو يرفض أف يكوف من الفئة المستسلمة‪،‬ألنها تشبو في رأيو الطير مقصوص‬
‫األجنحة‪ "،‬يمكن ألي صبي عابر أف يربطو بخي ويلهو بو على قارعة الطريق"‪.2‬‬
‫وقد اتخذ الشاعر من زرقاء اليمامة قناعا ليعبر من خالؿ الحوار معو عن صوتو‪،‬‬
‫وىذا الصوت يمثل صوت المهزوـ المحزوف الذي حذر قومو من الهزيمة لكنهم لم يأبهوا‬
‫بو تارة‪ ،‬وصوت اإلنساف العربي الفقير‪ ،‬المطحوف بين فكي الفقر‪ ،‬والخزي من الهزيمة‬
‫تارة أخرى‪.‬‬
‫تتكاتف لوحات القصيدة لتصعيد االنفعاؿ إلى ذروتو في نهايتها‪ ،‬ويالحظ أف‬
‫الجملة األولى في القصيدة تحمل نداء لزرقاء اليمامة‪:‬‬

‫(‪ )1‬عبد العزيز المقالح‪ ،‬أمل دنقل أحاديث وذكريات‪ ،‬مقاؿ في مقدمة األعماؿ الكاملة‪،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ 13‬و‪.11‬‬
‫‪ ) 2‬حامد يوسف أبو أحمد‪:‬تحديث الشعر العربي تأصيل وتطبيق‪،‬الهيئة العامة لقصور الثقافة(سلسلة كتابات‬
‫نقدية(‪ ،)153‬القاىرة‪2334،‬ـ‪ ،‬ص‪.275‬‬
‫أيتها العرافة المقدسو‬
‫جئت إليك ُمثخناً بالطَّعنات والدِّماء‬
‫حف في معاطف القتلى‪ ،‬وفوؽ الجثث المك ّدسو‬
‫أز ُ‬
‫السيف‪ ،‬مغبَّػر الجبين واألعضاء‬
‫منكسر َّ‬
‫أسأؿ يازرقاء‬
‫عمقها استخداـ الكلمات الواقعة‬
‫إف المشهد السابق حافل بدالالت‪َّ ،‬‬
‫حاال‪(:‬مثخنا‪-‬منكسر‪-‬مغبر)‪.‬فالحاؿ تنم عن مدى اآلالـ الجسدية التي ألمت بالمتكلم‪،‬‬
‫بدءًا من تلك الطعنات المتعددة في جسده‪ ،‬ومرورا بتغبر جبينو‪ ،‬وانتهاء بانكسار سيفو‪،‬‬
‫وتغبر الجبين رمز إلىانة عزتو‪ ،‬وامتهاف كرامتو‪ ،‬وانكسار السيف ملمح بارز على شجاعتو؛‬
‫فقد قاتل حتى انكسر سيفو‪ ،‬ولم يفر من المعركة‪ ،‬بل لحقتو الهزيمة‪.‬‬
‫وثمة مالحظة مهمة وىي أف النداء بػ"العرافة المقدسة"تكررمرتين‪،‬بينما تكرر‬
‫النداءبػ"النبية المقدسة"ثالث مرات‪،‬ثم تكررالنداء بػ"يازرقاء"خمس مرات‪،‬مما يومئ إلى أف‬
‫الشاعر في البداية وصفها بالعرافة‪،‬تماشيا مع الجانب األسطوري في قصتها‪،‬ثم أكد في‬
‫النهاية صدؽ النبوءة من خالؿ النداء بالتركيز على اسمها‪،‬وىو ىنا يرجح جانب الصدؽ‬
‫فيما تنبأت بو‪،‬أي أف ىزيمة الشعب كانت محققة ألف الواقع كاف يومئ إلى ذلك‪.‬‬
‫والفعل المركزي في القصيدة ىو"أسأؿ"‪ ،‬والمالحظ أنو أتبعو بالنداء"يازرقاء"مما‬
‫يومئ إلى أف السؤاؿ ىنا سؤاؿ حقيقي‪،‬وآثر الشاعر أف ي َّ‬
‫صدر أسئلتو بقولو أسأؿ ‪:‬‬
‫عن فمك الياقوت‬
‫ووصف الفم بالياقوت يومئ إلى صدؽ ما نطقت بو زرقاء‪ ،‬ثم انتقل إلى السؤاؿ‬
‫عن‪":‬الساعد المقطوع‪ -‬صور األطفاؿ في الخوذات‪ -‬الجار الذي ثقب الرصاص رأسو"‬
‫أي السؤاؿ عما ترتب علي عدـ تصديق النبوءة ‪ ،‬ثم اختتم قائمة األسئلة ىنا بالفم‬
‫المحشو بالرماؿ والدماء"وىنا تتضافر النهاية مع بداية السؤاؿ؛ لتؤكد المفارقة‪ ،‬فالفم‬
‫الذي تنبأ كاف ياقوتا‪،‬أما الفم المهزوـ‪ ،‬الفم الضحية فقد مألتو الرماؿ والدماء‪،‬كما أف‬
‫الفم ىو وسيلة اإلجابة عن السؤاؿ‪ ،‬ولم يُسمع صوت اإلجابة فكرر الفعل‪":‬أسأؿ"متبوعا‬
‫بالنداء‪":‬يا زرقاء"راجيا أف يسمع اإلجابة‪ ،‬فسأؿ عن وقفتو العزالء‪ ،‬والنساء السبايا‪،‬متعجبا‬
‫من قدرتو على حمل العار‪ ،‬والوقفة العزالء بين السيف والجدار‪ ،‬وصرخة المرأة بين السبي‬
‫والفرار‪ ،‬وتتضافر األسئلة يتراسل دالليا مع البكاء في عنواف القصيدة؛ ليستدعي إلى‬
‫الذىن بكاء الشاعر القديم على األطالؿ‪ ،‬ويعمق المفارقة بين موقفو‪،‬وموقف شاعرنا‬
‫الحديث ىنا‪ ،‬فإف كاف الشاعر القديم قد فػقد أحبتو ولم يفقد عزة نفسو باعتزازه‬
‫بشجاعتو‪ ،‬فشاعرنا ىنا فقد أحبتو‪،‬وكرامتو بسبب الهزيمة‪،‬وإف كاف الشاعر القديم يقف‬
‫وقتما شاء ويبكي كيفما أحب‪ ،‬فشاعرنا ىنا مجبر على المشي وحمل العار‪ ،‬وإف كاف‬
‫الشاعر القديم يفتخر بسيفو‪ ،‬وببطولتو‪ ،‬فشاعرنا ىنا ضعيف‪ ،‬مهزوـ‪ ،‬يقف أعزال بين‬
‫السيف والجدار‪ ،‬واختتمت قائمة األسئلة بالصورة األخيرة‪ ،‬لتومئ إلى أف شاعرنا أحس‬
‫بتقصيره‪،‬لذا غيَّر الفعل من أسأؿ إلى "أسائل"على وزف أفاعل وكأنو أراد أف يجعل اآلخرين‬
‫يشاركونو في األسئلة‪،‬أراد أف يحفزىم للسؤاؿ‪ ،‬والسؤاؿ ىذه المرة سؤاؿ مختلف‪ ،‬حيث‬
‫إنو لم يوجو إلى زرقاء اليمامة‪ ،‬ولم تسبقو أداة نداء‪ ،‬إنو سؤاؿ مباشرلػ‪":‬الصمت الذي‬
‫يخنقو‪،‬الركع‪ ،‬والسجود"‪ ،‬ووقوع لفظتي الركع والسجود بين لفظتي الصمت والقيود يومئ‬
‫إلى أف الركع والسجود ليسوا المصلين‪،‬وإنما ىم الفئة الخاضعة للظلم‪ ،‬الفئة المستكينة‬
‫المكبلة بقيود الخوؼ واالستعباد‪ ،‬ولجوء الشاعر إلى سؤاؿ(القيود)‪،‬يومئ إلى أف تلك‬
‫القيود ىي التي تقف حائال دوف الكالـ‪ ،‬فبسببها ال يستطيع أحد الجهر باإلجابة‪ ،‬مما‬
‫يشي بذلك تكرار الفعل"تكلمي"ست مرات؛ حيث إنو يدؿ على رغبة قوية في بث روح‬
‫المقاومة في نفس الشعب‪ ،‬ودفعو للمطالبة بحقوقو‪ ،‬والدفاع عن نفسو‪ ،‬وعدـ الخوؼ من‬
‫عاقبة الكالـ‪ ،‬فػ"الكالـ ليس مخترعا‪ ،‬وإنما الصمت ىو المخترع الثقافى‪ ،‬فالكالـ صفة‬
‫جوىرية غريزية فى اإلنساف‪ ،‬وعجزه عن الكالـ علة تطرأ عليو‪ ،‬إما ألسباب مرضية أو‬
‫ألسباب قمعية سلطوية"(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬عبد اهلل الغذامى‪ :‬النقد الثقافى (قراءة فى األنساؽ الثقافية العربية)‪ ،‬المركز الثقافى العربى‪ ،‬المملكة المغربية‪ ،‬الدار‬
‫البيضاء‪2333 ،‬ـ‪ ،‬ص ‪.233‬‬
‫وواضػػح ممػػا سػػبق أف األسػػباب ىنػػا قمعيػػة سػػلطوية ‪،‬أمػػا صػػور األطفػػاؿ فػػي اللوحػػة‬
‫األول ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػى فداللػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػة علػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػى تشػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػرد األطفػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػاؿ مػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػن بعػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػد قتػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػل اآلبػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػاء‪.‬‬
‫وتتراسل تلك الداللػة متعمقػة فػي صػورة الطفلػة عذبػة المشاكسػة فػي اللوحػة الثانيػة‪ ،‬وكػاف‬
‫إيراد الطفلة ىنا بمثابة التفصيل بعد اإلجماؿ ‪ ،‬يقوؿ الشاعر‪:‬‬
‫تقفز حولي طفلةٌ واسعةُ العينين ‪ ..‬عذبةُ المشاكسو ‪.‬‬
‫ُ‬
‫ص عنك يا صغيرتي ‪ ..‬ونحن في الخنادؽ!‬
‫)‪-‬كاف يػ ُق ُّ‬
‫فنفتح األزرار في ُستُػراتنا ‪ ..‬ونسند البنادؽ‬
‫وحين مات عطشاً في الصحراء المشمسو ‪..‬‬
‫رطَّب باسمك الشفاه اليابسو ‪!.‬‬
‫وارتخت العيناف ‪) !.‬‬
‫المداف ؟‬
‫فأين أخفي وجهي المتَّهم ُ‬
‫الطروب ‪ :‬ضحكتو‪..‬‬
‫ُ‬ ‫والضحكةُ‬
‫والغمازتاف !؟‪.‬‬
‫والوجوُ ‪َّ ..‬‬
‫إف المشهد السابق أتى بمثابة لقطة سينمائية واعية تبرز المفارقة بين حياة الشعب‬
‫قبل الهزيمة‪ ،‬وحياتو بعدىا‪ ،‬من خالؿ صورة تلك الطفلة التي كاف أبوىا يكن لها حبا‬
‫عظيما‪ ،‬وبالقطع كانت تبادلو نفس الحب‪ ،‬ويتساءؿ الشاعر متعجبا كيف سيخبرىا بتلك‬
‫الفجيعة؟!‪ ،‬وكيف ستتحوؿ الضحكات البريئة إلى صرخات مفزعة؟! ىذا من جهة‪ ،‬ومن‬
‫جهة أخرى يدؿ على أف الجنود دافعوا بإخالص حتى آخر رمق‪ ،‬تومئ إلى ذلك جملة‪":‬‬
‫فنفتح األزرار في ُستُػراتنا ‪ ..‬ونسند البنادؽ"‪ ،‬و"مات عطشا"‪.‬وصورة الطفلة ىنا تستدعي‬
‫بدورىا عدة صور في القصيدة‪ ،‬منها‪:‬صورة الجار الذي كاف يهم بارتشاؼ الماء‪،‬فثقب‬
‫الرصاص رأسو‪ ،‬وصورة الفم المحشو بالرماؿ‪،‬وصورة الوجو المتهم المداف‪ ،‬وصورة العبد‬
‫العبسي في اللوحة الثالثة‪ ،‬وقد وردت تلك الصورة في قوؿ الشاعر‪:‬‬
‫أيتها النبيَّةُ المقدسو ‪..‬‬
‫ال تسكتي ‪ ..‬فقد سك ُّ‬
‫ت سنةً فسنو …‬
‫لكي أناؿ فضلة األماف‬
‫قيل لي‪" :‬اخرس "‪..‬‬
‫وائتممت بالخصياف !‬
‫ُ‬ ‫فخرست ‪ ..‬وعميت ‪..‬‬
‫ُ‬
‫أحرس القطعاف‪!..‬‬
‫ُ‬ ‫ظللت في عبيد" عبس "‬
‫ُ‬
‫أجتز صوفها ‪..‬‬
‫ُّ‬
‫أرد نُوقها ‪..‬‬
‫ُّ‬
‫أناـ في حظائر النسياف‪.‬‬
‫ُ‬
‫وبعض الثمرات اليابسو ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫طعامي‪ :‬الكسرةُ ‪ ..‬والماءُ ‪..‬‬
‫وىا أنا في ساعة الطعاف‪.‬‬
‫ساعة أف تخاذؿ الكماةُ ‪ ..‬والرماةُ ‪ ..‬وال ُفرساف‬
‫ُدعيت للميداف !‬
‫ذقت لحم الضَّأف‪..‬‬
‫أنا الذي ما ُ‬
‫أنا الذي ال حوؿ لي‪،‬أو شأف ‪...‬‬
‫صيت عن مجالس الفتياف‪،‬‬
‫أنا الذي أُق ُ‬
‫أُدعى إلى الموت ‪ ..‬ولم أدع إلى المجالسو !!!‬
‫تكلمي أيتها النبيَّةُ المقدسو‬
‫تكلمي ‪ ..‬تكلمي ‪..‬‬
‫سائل دمي‪..‬‬
‫فها أنا ‪-‬على التراب ‪ٌ -‬‬
‫وىو ظميءٌ ‪ ..‬يطلب المزيدا ‪.‬‬
‫الصمت الذي يخن ُقني ‪:‬‬
‫ُسائل َّ‬
‫أ ُ‬
‫"ما للجماؿ مشيُها وئيدا ‪ ..‬؟ !‬
‫أجندالً يحملن أـ حديدا ‪ ..‬؟!‬
‫فمن تُرى يص ُدقني ؟‬
‫أسائل الرَّكع والسجودا‬
‫ُ‬
‫ُسائل القيودا ‪:‬‬
‫أ ُ‬
‫"ما للجماؿ مشيُها وئيدا ‪ ..‬؟!‬
‫"ما للجماؿ مشيُها وئيدا ‪ .‬؟‪!.‬‬

‫إف الشاعر يسعى إلى تأكيد موضوع القيمة في قصيدتو‪ ،‬وىو بث روح المقاومة‬
‫من خالؿ الضغ على الجرح‪ ،‬فينتقل من صورة إلى صورة‪ ،‬ومن حاؿ إلى حاؿ‪ ،‬من حالة‬
‫االنفصاؿ الظاىري إلى حالة االتصاؿ‪ ،‬فخطابو إلى زرقاء اليمامة يبدو في الظاىر انفصاال‬
‫عن الواقع‪ ،‬ثم يعود إلى االتصاؿ بالواقع حين يصف ما حولو من صور الخراب والدمارفي‬
‫المشاىد السابقة‪،‬إف ىذا العبد ىو"عنترة"‪ ،‬وىنا يستدعي الشاعر"عنترة الموقف"الذي‬
‫عاش مقيدا في أغالؿ العبودية‪ ،‬ال يقدـ لو سوى الرديء من الطعاـ‪ ،‬ويرفع عليو سيف‬
‫اإلرىاب؛ فيجبر على السكوت طمعا في النجاة من الموت‪ ،‬والعيش في ظالؿ األماف‪،‬‬
‫لكنو أماف مزيف‪ ،‬واألفعاؿ ىنا سلسلة متصلة الحلقات‪":‬فخرست وعميت وائتممت‬
‫بالخصياف"‪،‬إف قبولو بأف يخرس"يدفن صوتو بداخلو"‪ ،‬صاحبو أوال فعل العمي أي فقد‬
‫القدرة على الرؤية‪ ،‬ثم صاحبو ثانيا الفعل الداؿ على التبعية"ائتممت بالخصياف"‪ ،‬وتلك‬
‫ىي النتيجة المنطقية‪ ،‬مما أدى إلى احتداـ الصراع في نفس الشاعر‪ ،‬فطلب من زرقاء‬
‫اليمامة أال تسكت‪ ،‬ويبدو أف الخطاب ىنا موجو للشعب المقهور‪ ،‬إذ إف عنترة قد جرب‬
‫حياة الذؿ فوجدىا مرة‪ ،‬الموت أفضل منها‪ ،‬فأين ىو من عالم اإلنسانية؟!إنو يعيش مع‬
‫البهائم‪،‬وال يوليو رؤساء قومو اىتماما إال وقت الحرب خوفا على سيادتهم‪،‬وىنا تبرز‬
‫المفارقة بين أدعى إلى الموت‪/‬ولم أدع إلى المجالسة‪ ،‬وتبدو معالم الجرح الممتد من‬
‫بداية القصيدة في نفس الشاعر‪ ،‬بدءا من تصوير األلم الجسدي(الساعد المقطوع‪،‬‬
‫والجبين المغبر‪ ،‬الفم المحشو بالرماؿ والدماء)‪ ،‬ومرورا بتجسيد األلم النفسي في صورة‬
‫عنترة السابقة‪ ،‬ويومئ إليو قوؿ الشاعر‪ :‬فقد سكت سنة وسنة‪،‬فالرضوخ للذؿ‪،‬والركوف إلى‬
‫الصمت‪،‬يميت اإلنساف‪،‬تومئ إلى ذلك"حظائر النسياف"؛لتتبدى المفارقة بين الجبن‬
‫‪/‬الشجاعة‪ ،‬الهزيمة‪/‬االنتصار‪ ،‬الواقع‪/‬المأموؿ‪ ،‬وكلمة التراب تشير إلى االتصاؿ الوثيق بين‬
‫اإلنساف العربي وأرضو‪ ،‬فدمو يسيل عليها‪ ،‬تضحية من أجلها‪.‬‬
‫وصورة عنترة العبد تستدعي بدورىا الصورة المناقضة لها‪ ،‬صورتو بعد أف حصل‬
‫على حريتو بفضل شجاعتو‪ ،‬تلك الصورة تومئ إلى التنفير من الحياة في ظل الهزيمة‪ ،‬كما‬
‫أف تكرار الحديث عن زرقاء اليمامة إيماءة إلى أف الشعب في حاجة إلى بطل يتفانى في‬
‫حبو‪ ،‬ويكوف على استعداد تاـ بأف يقدـ أغلى ما يمتلكو فداء لوطنو‪،‬فإذا تحركت القدوة‬
‫سيتحرؾ الشعب‪.‬‬
‫واللوحػػة الرابعػػة تكشػػف عػػن تراسػػل صػػورة الطفلػػة مػػع صػػورة الصػػبية المشػػردين‪،‬‬
‫والنسوة الالئي يسقن في األسر‪ ،‬يقوؿ الشاعر‪:‬‬
‫مشردوف يعبروف آخر األنهار‬
‫وصبيةٌ ّ‬
‫ونسوةٌ يُسقن في سالسل األسر‪،‬‬
‫وثمة مفارقة بين الوجو الطروب "صورة الطفلة"السابقة في اللوحة الثانية‪ ،‬والصور‬
‫األخرى البائسة ظاىريا‪،‬إال أف المضموف واحد حالةُ الحزف واألسى‪،‬حيث إف صور‬
‫القصيدة جميعها تتراسل لتؤكد داللة العنواف "البكاء"إنها جميعا تدعو إلى البكاء‪،‬وإف كاف‬
‫الشاعر قد ركز في صورة الطفلة على وصف عذوبة مشاكستها‪ ،‬وجماؿ ضحكتها‪ ،‬فإف‬
‫ىذا يومئ بطريقة غير مباشرة إلى الفجيعة المنتظرة عندما تدرؾ موت والدىا الذي ذكرىا‬
‫في آخر رمق‪،‬ومن ىنا تتكامل الصور لتعمق المغزى‪ ،‬وىو ضرورة أخذ الثأر من‬
‫األعداء‪،‬فقد استحالت الحياة بعد الهزيمة جحيما اليطاؽ‪ ،‬ومما يومئ إلى ذلك المشهد‬
‫األخير في القصيدة‪:‬‬
‫الموت ‪..‬‬
‫ُ‬ ‫لم يبق إال‬
‫والحطاـ ‪..‬‬
‫ُ‬
‫والدمار ‪..‬‬
‫مشردوف يعبروف آخر األنهار‪..‬‬
‫وصبيةٌ ّ‬
‫ونسوةٌ يُسقن في سالسل األسر‪،‬‬
‫وفي ثياب العار‬
‫مطأطئات الرأس‪ ..‬ال يملكن إال الصرخات التاعسو ‪!.‬‬
‫ىا أنت يا زرقاء ‪.‬‬
‫وحيدةٌ ‪ ...‬عمياء ‪!.‬‬
‫الحب ‪ ..‬واألضواء‬
‫ِّ‬ ‫أغنيات‬
‫ُ‬ ‫تزاؿ‬
‫وما ُ‬
‫الفارىات ‪ ..‬واألزياء ‪!.‬‬
‫ُ‬ ‫والعربات‬
‫ُ‬
‫المش َّوىا‪.‬‬
‫فأين أخفي وجهي ُ‬
‫المموىا ‪.‬‬ ‫كي ال ِّ‬
‫أعكر الصفاء ‪ .‬األبلو ‪َّ ..‬‬
‫في أعين الرجاؿ والنساء !؟‬
‫وأنت يا زرقاء ‪..‬‬
‫وحيدةٌ ‪..‬عمياء ‪!.‬‬
‫وحيدةٌ‪ ..‬عمياء(‪!.)1‬‬
‫لقد انسحب ما في الواقع من تناه وفناء على المخاطب(زرقاء اليمامة)‪،‬‬
‫والمقصود بها ىنا الشعب‪ ،‬وجاءت تلك الصورة متساوقة مع المقدمة النفسية للقصيدة‬
‫كلها‪ ،‬ويعمق الشاعر اإلحساس بالمأساة ليؤكد على أف الضد لن يأتي إال بالثورة‪ ،‬وتولد‬
‫الحياة‪ /‬اإلعمار‪ /‬البناء‪،‬مثلما ناؿ عنترة حريتو‪،‬ومثلما ضحت زرقاء اليمامة من أجل قومها‪،‬‬
‫وىنا تنفتح داللة النص على إيماءة أخرى‪،‬وىي أف البكاء تنفيس والبد أف نبكي‪ ،‬لكن‬
‫البد من العمل والنهوض من حالة اإلحباط‪ ،‬كما كاف الشاعر القديم يبكي أحبتو‪،‬وفي‬
‫الوقت نفسو يعيش حياتو‪ ،‬ويحرص على الفخر بفروسيتو‪ ،‬لقد أسدؿ الستارعلى مشهد‬
‫تسوده الوحدة‪ ،‬ويخيم عليو الحزف‪ ،‬لكنو في الوقت ذاتو يعمق المفارقة بين حياة‬
‫الرفاىية‪/‬وحياة الذؿ؛ لينهض الشعب من غفوتو‪ ،‬وينتبو إلى حالة العمى التي يعيش فيها‪.‬‬
‫تلك الداللة تتضح أيضا من خالؿ مايلي‪:‬‬

‫(‪ )1‬أمل دنقل‪ :‬األعماؿ الشعرية الكاملة‪ ،‬مكتبة مدبولي‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ط‪ ،1987 ،3‬ص‪.126 -121‬‬
‫أوال‪:‬التشاكل والتباين في الناحية التركيبية‪:‬‬
‫‪1‬ػ لقد زاوج الشاعر بين استخداـ األفعاؿ المضارعة‪ ،‬واألفعاؿ الماضية في‬
‫قصيدتو كما يلي‪:‬‬
‫أػ األفعاؿ الماضية‪:‬مثل‪:‬‬
‫فخرست ػ‬
‫ُ‬ ‫جئت ػ حملت ػ مشيت ػ مات ػ رطَّب ػ وارتخت ػ سك ُّ‬
‫ت ػ قيل ػ‬ ‫ُ‬
‫ذقت ػ أُقصيت ػ قلت ػ اتهموا ػ‬ ‫ظللت ػ تخاذؿ ػ ُدعيت ػ ُ‬ ‫ُ‬ ‫وائتممت ػ‬
‫ُ‬ ‫وعميت ػ‬
‫فاستضحكوا ػ فُوجئُوا ػ قايضوا ػ التمسوا‪.‬وعددىا اثناف وعشروف فعال‪.‬‬
‫ب ػ أفعاؿ مضارعة‪ :‬وتنقسم إلى‪:‬‬
‫حف‪.‬‬
‫‪ )1‬أفعاؿ مضارعة وقعت في الحيز الداللي للماضي‪ ،‬مثل ‪:‬أز ُ‬
‫فيثقب ػ أقتل ػ‬
‫ُ‬ ‫‪":‬أسأؿ ػ يػ ُه ُّم ػ‬
‫ُ‬ ‫‪ )2‬أفعاؿ مضارعة في الحيز الزماني الحاضر‪ ،‬مثل‬
‫أنهار ػ يسق ػ تغمضي ػ تلعق ػ أردُّىاػ يخفي ػ أشدىا ػ تقفز ػ يقص ػ نفتح ػ نسند ‪-‬أخفي ػ‬
‫أناـ ‪-‬أُدعى ػ أدع ػ يطلب ػ أسائل ػ يخنقني ػ يحملن‪ -‬ترى ػ‬
‫أردػ ُ‬
‫أجتز ‪ُّ -‬‬
‫أحرس ػ ُّ‬
‫ُ‬ ‫أناؿ‪-‬‬
‫أعكر ػ أخفي ػ تسكتي ‪ .‬وعددىا‬ ‫يص ُدقني ػ تفيد ػ يبق ػ يعبروف‪ -‬يسقن ػ يملكن‪ِّ -‬‬
‫ثمانية وثالثوف فعال‪.‬‬
‫جػ ػ أفعاؿ أمر‪ :‬مثل ‪":‬اخرس ػ تكلمي "‪.‬‬
‫والفعل المضارع يدؿ على التجدد واالستمرار‪،‬أما الماضي فيدؿ على الثبوت و‬
‫الدواـ‪ ،‬وقد غلب استخداـ األفعاؿ المضارعة للداللة على أف النظر إلى الماضي غير‬
‫مجد مما يعمق الداللة الباطنة للنص وىي أف البكاء لن يعيد األمجاد‪ ،‬والبد من النظر إلى‬
‫الحاضر‪ ،‬والتعامل معو بقوة اإلرادة‪.‬‬
‫‪ -2‬استخداـ الضمائر ‪:‬‬
‫غلب استخداـ ضمير المتكلم ( أنا)‪ ،‬حيث تكرر ثماني مرات‪ ،‬في مثل قولو‪:‬‬
‫(أنا الذي ما ذقت لحم الضأف )‪( ،‬أنا الذي ال حوؿ لي أو شأف ) ‪( ،‬أنا الذي‬
‫أقصيت عن مجالس الفتياف )‪ .‬وضمير الػ (أنا) ىنا يعود على الشعب‪ ،‬ويومئ إلى تأكيد‬
‫وجود الذات‪ ،‬أي تأكيد وجود الشعب المهزوـ‪ ،‬المقموع مقابل قوى الطغياف والظلم ‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬التشاكل الصوتي‪:‬‬


‫‪ -1‬الجن ػ ػ ػ ػػاس الن ػ ػ ػ ػػاقص‪ ،‬مثػ ػ ػ ػ ػػل‪:‬دمي والدـ‪،‬وال ػ ػ ػ ػػدـ‪ ،‬والدماء‪،‬والدماءوال ػ ػ ػ ػػدمار‪،‬‬
‫وفخرست ‪ ،‬الكمػاة‬
‫ُ‬ ‫الجدار‪،‬والغبار والفراروالبوار‪ ،‬العار وأنهار‪ ،‬الخنادؽ والبنادؽ‪ ،‬اخرس‬
‫والرم ػػاة‪ ،‬المقدسة‪،‬المكدسة‪،‬المنكسة‪،‬المدنس ػػة‪ ،‬المشاكس ػػة‪ ،‬المالمس ػػة‪ ،‬والمشمس ػػة‪،‬‬
‫والبائسةوالناعس ػػة واليابس ػػة‪ ،‬ج ػػدراف وال ػػدخاف‪،‬الرماؿ والدماء‪،‬الضحكةوض ػػحكتو‪،‬واخرس‬
‫وفخرست‪،‬واألعضاءواألضواء‪،‬واألعضػ ػ ػ ػ ػػاء‪ ،‬والعذراءواألزياء‪،‬المػ ػ ػ ػ ػػداف والميػ ػ ػ ػ ػػداف‪،‬الفتياف‬
‫والخصياف‪ ،‬الطعاف والقطعاف‪.‬‬
‫‪-2‬القوافي ‪1‬الواردة في نهاية األسطر الشعرية في الكلمات التالية‪:‬‬
‫)المقدسو‪-‬المكدسو‪-‬المنكسو‪-‬المالمسو‪-‬المدنسو‪-‬المشاكسو‪-‬المشمسو‪-‬‬
‫اليابسو‪-‬البائسو‪-‬الناعسو)الروي حرؼ السين‪.‬‬
‫(الدماء‪-22‬األعضاء‪ -‬العذراء‪ -‬الصحراء‪ -‬الماء‪ -‬زرقاء‪-‬األضواء‪-‬األزياء‪-‬‬
‫النساء‪-‬عمياء‪)2‬الروي الهمزة‪.‬‬
‫(الجدار‪-‬الفرار‪-‬العار‪-2‬أنهار‪-2‬الغبار‪-‬البوار‪-‬األشجار‪-‬الثرثار‪-‬الدمار) الروي‬
‫حرؼ الراء‬
‫(الشيطاف‪-‬الجرذاف‪-‬مهاف‪-‬الجدراف‪-‬الدخاف‪-‬العيناف‪-‬المداف‪-‬الغمازتاف‪-‬‬
‫األماف‪-‬الخصياف‪-‬القطعاف‪-‬النسياف‪-‬الطعاف‪-‬الفرساف‪-‬للميداف‪-‬الفتياف)‪.‬حرؼ النوف‪.‬‬

‫‪ ) 1‬التعريف المعتمد للقافية‪:‬آخر ساكنين في البيت وما بينهما من حروؼ متحركة والحرؼ المتحرؾ الذي قبل األوؿ‬
‫منهما‪،‬لالستزادة يراجع‪:‬إبراىيم أنيس‪:‬موسيقى الشعر‪،‬مكتبة األنجلو المصرية‪،‬مصر‪2313،‬ـ‪،‬ص‪ .264-233‬وليد‬
‫سعيد عيسى علي‪:‬علم القافية بين النظرية والتطبيق‪ ،‬دار األندلس للنشروالتوزيع‪،‬ط‪2336 ،1‬ـ‪ ،‬ص‪.14‬‬
‫‪) 2‬استخدـ الرقم‪2‬لإلشارة إلى أف الكلمة تكررت مرتين و‪3‬لإلشارة إلى أنها تكررت ثالث مرات‪.‬‬
‫المموىا)الهاء‪(،‬الخنادؽ‪-‬البنادؽ)‬
‫المشوىا‪َّ -‬‬
‫َّ‬ ‫(أردىا‪-‬أشدىا‪-‬صوفها‪-‬نوقها‪-‬‬
‫الروي حرؼ القاؼ‪.‬‬
‫(المزيدا‪ -‬وئيدا‪ -3‬حديدا‪-‬السجودا‪ -‬القعودا) حرؼ الروي الداؿ واأللف‬
‫لإلطالؽ ‪(،‬تكلمي‪-‬دمي) حرؼ الروي الميم ‪(،‬يخنقني‪ -‬يصدقني)حرؼ الروي النوف‪.‬‬
‫ويالحظ أف الشاعر أكثر من األصوات الهادئة‪ ،‬النسجامها مع موضوع‬
‫القصيدة وجوىا العاـ‪ ،‬وحاوؿ االبتعاد عن األصوات المستثقلة كالضاد‪ ،‬والصاد‪ ،‬والزاي‬
‫مما ساىم في تحقيق االنسجاـ المعنوي واإليقاعي‪ ،‬وفيما يلي جدوؿ توضيحي‪ ،‬أُحصي‬
‫فيو بصورة تقريبية عدد مرات ورود كل صوت في القصيدة‪:‬‬
‫عدد مرات وروده‬ ‫الصوت‬

‫‪68/189‬‬ ‫ا‪/‬ء‬

‫‪48‬‬ ‫ب‬
‫‪49/67‬‬ ‫ت‪/‬ة‬
‫‪9‬‬ ‫ث‬
‫‪24‬‬ ‫ج‬
‫‪35‬‬ ‫ح‬
‫‪17‬‬ ‫خ‬
‫‪49‬‬ ‫د‬
‫‪12‬‬ ‫ذ‬
‫‪75‬‬ ‫ر‬
‫‪15‬‬ ‫ز‬
‫عدد مرات وروده‬ ‫الصوت‬

‫‪63‬‬ ‫س‬
‫‪17‬‬ ‫ش‬
‫‪17‬‬ ‫ص‬
‫‪13‬‬ ‫ض‬
‫‪17‬‬ ‫ط‬
‫‪4‬‬ ‫ظ‬
‫‪57‬‬ ‫ع‬
‫‪7‬‬ ‫غ‬
‫‪61‬‬ ‫ؼ‬
‫‪42‬‬ ‫ؽ‬
‫‪33‬‬ ‫ؾ‬
‫‪223‬‬ ‫ؿ‬
‫‪113‬‬ ‫ـ‬
‫‪137‬‬ ‫ف‬
‫‪38‬‬ ‫ىػ‬
‫‪95‬‬ ‫و‬
‫‪141‬‬ ‫ي‬
‫من خالؿ الجدوؿ السابق يتضح أف أكثر األصوات ورودا في القصيدة‪،‬ىي‪-‬‬
‫على الترتيب‪( -‬ؿ‪،‬ا‪،‬ي‪،‬ـ‪،‬ف‪،‬و‪،‬ر‪،‬س)‪،‬وىي أصوات مرققة‪ ،‬ىادئة‪ ،‬وأقل األصوات ورودا‬
‫(ظ‪،‬غ‪،‬ث‪،‬ض‪،‬ذ‪،‬ز‪،‬خ‪،‬ش‪،‬ص‪،‬ط) وأغلبها أصوات مفخمة‪.‬ولعل السبب في ذلك يكمن‬
‫في أنها تناسب جو الحزف واأللم‪ ،‬وقد استخدـ الشاعر صوت األلف بكثرة‪ ،‬ألنو يفيد‬
‫في التنفيس عن الحزف‪ ،‬كما أف حروؼ الميم والالـ والنوف والراء حروؼ مجهورة تناسب‬
‫رفض الشاعر حالة االستسالـ والخضوع‪.‬‬
‫وكتبت القصيدة على بحر الرجز‪ ،‬وىو كما يقوؿ حازـ القرطاجني‪ ":‬فأما السريع‬
‫والرجز‪ ،‬ففيهما كزازة"‪،1‬أي انقباض‪،‬وىذا مناسب لحالة الحزف أيضا‪.‬‬

‫ثالثا‪:‬جماليات التعبير في القصيدة‪:‬‬


‫من مواطن جماؿ التعبير في القصيدة ما يلي‪:‬‬
‫أػ المحسنات البديعية المعنوية‪ :‬ومنهػا‪:‬‬
‫الطبػاؽ‪ :‬مثل‪ :‬الركع‪ /‬السجودا ‪ ، ...‬الرجاؿ والنساء‪.‬‬
‫المقابلة‪ :‬وقد وردت المقابلة بين عدة جمل ىي ‪:‬‬
‫حين مات عطشا في الصحراء المشمسة‬
‫رطَّب باسمك الشفاه اليابسة‪...‬‬
‫وغرض المقابلة ىنا تأكيد الحزف الذي كاف يشعر بو األب عندما أيقن أنو سيفارؽ‬
‫الحياة‪ ،‬و يترؾ طفلتو الصغيرة المحتاجة إلى رعايتو‪ ،‬ورغبتو في أف تكوف حياة ابنتو أفضل‬
‫فقد ضحى بروحو من أجلها‪ ،‬ىذا من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى يؤكد استمرار حياة الشهداء‬
‫في ضحكة أطفالهم الذين ظلوا يتذكرونهم حتى آخر رمق‪.‬‬
‫أيضا ثمة جملتاف فعليتاف متقابلتاف معنويا‪ ،‬ىما‪:‬‬

‫‪ )1( 1‬أبو الحسن حازـ القرطاجني‪ :‬منهاج البلغاء وسراج األدباء‪ ،‬تقديم وتحقيق‪ :‬محمد الحبيب ابن الخوجة‪ ،‬دار‬
‫الغرب اإلسالمي‪ ،‬تونس‪1966 ،‬ـ‪ ،‬ص‪.268‬‬
‫أُدعى إلى الموت ‪/ ..‬ولم أدع إلى المجالسة !!!‬
‫والجملتاف مبنيتاف للمجهوؿ‪ ،‬والبناء للمجهوؿ يدؿ على اإلرادة المستلبة‪ ،‬كما أنهما‬
‫مسندتاف إلى ضمير المتكلم لتأكيد القهر والظلم الواقع على الشعب المقموع ‪.‬‬
‫ب‪ -‬تنوع األساليب اإلنشائية‪:‬‬
‫تتمثل أىمية األسلوب اإلنشائي في‪":‬تحريك اىتماـ المتلقي‪ ،‬وجعلو طرفا إيجابيا‬
‫في عملية األداء اللغوي ‪...‬ودفع الملل عن المتلقي‪(...‬و) إبراز قدرة المبدع كاتبا أو‬
‫شاعرا أو خطيبا على المزاوجة بين فنوف األداء اللغوي ووضع األسلوب المناسب في‬
‫الموقف المناسب (و) لألساليب اإلنشائية قيمة صوتية؛ إذ إف أداءىا يتطلب اختالفا‬
‫صوتيا ضروريا عن أداء األساليب الخبرية مما يؤثر أيضا في تجديد حيوية األسلوب"(‪.)1‬‬
‫وردت في القصيدة عدة أساليب إنشائية ‪ ،‬تتضح فيما يلي ‪:‬‬
‫الغرض‬ ‫نوعو‬ ‫األسلوب‬
‫التعجب وإظهار الحيرة‬ ‫استفهاـ‬ ‫مشيت ؟‬
‫ُ‬ ‫حملت العار ‪..‬ثم‬
‫ُ‬ ‫كيف‬
‫دوف أف أقتل نفسي ؟ ! دوف أف‬
‫أنهار؟!‬
‫إظهار الحيرة‬ ‫استفهاـ‬ ‫فأين أخفي وجهي المشوىا؟‬
‫إظهار الحيرة‬ ‫استفهاـ‬ ‫المداف ؟‬
‫فأين أخفي وجهي المتَّهم ُ‬
‫التمني‬ ‫أسلوب أمر‬ ‫تكلمي‬
‫الحث على مقاومة الهزيمة‬ ‫نهي‬ ‫ال تغمضي عينيك‬
‫الحث على عدـ السكوت على القهر‬ ‫نهي‬ ‫ال تسكتي‬
‫التمني‬ ‫نداء‬ ‫يا زرقػاءُ‬
‫التهكم واإلنكار التوبيخي‬ ‫استفهاـ‬ ‫مػا للجماؿ مشيها وئيدا؟!‬
‫إظهار التعجب والحزف واألسى‬ ‫استفهاـ‬ ‫مػاذا تفيد الكلمات البائسة؟!‬

‫(‪ )1‬مصطفى محمود أحمد رجب‪ :‬لغة الشعر الحديث دراسة تطبيقية لديواف زرقاء اليمامة ألمل دنقل‪ ،‬الهيئة العامة‬
‫لقصور الثقافة‪ ،‬القاىرة‪ ،2333 ،‬ص ‪.193‬‬
‫جػ‪-‬الصور البالغية ‪:‬‬
‫رسم الشاعر لوحتو الفنية مرتكزا على التصوير الكلي والجزئي‪ ،‬يتضح ذلك‬
‫بصورة جلية في كثرة استخدامو للتشبيهات‪ ،‬واالستعارات‪ ،‬والكنايات‪ ،‬والمجازات في‬
‫القصيدة‪ ،‬ومنها ما يلي‪:‬‬
‫أ ) التشػبيو‪ :‬ومنػو‪:‬‬
‫سحائب الدخاف‪ :‬تشبيو بليغ‪ ،‬شبّو الدخاف بالسحاب‪ ،‬وحذؼ أداة التشبيو‪.‬‬
‫قوافل الغبار‪ :‬تشبيو بليغ‪ ،‬شبو الغبار بقوافل تسير‪ ،‬وحذؼ أداة التشبيو‪.‬‬
‫ب) االسػتعارة المكنية في الجمل التالية‪:‬‬
‫حملت العار‪ :‬شبو العار بشيء محسوس أو بثقل يحمل‪ ،‬ثم حذؼ المشبو بو‬
‫ُ‬
‫(الحمل)‪ ،‬وأبقى صفة من صفاتو (وىي الحمل) على سبيل االستعارة المكنية‪.‬‬
‫ال الليل يخفي عورتي ‪ :‬شبّو الليل بإنساف يستطيع أف يستر شيئا وىو العورة‪.‬‬
‫رطّب باسمك الشفاه ‪ :‬شبو اسم الطفلة بماء عذب يرطب شفاه أبيها ‪.‬‬
‫حظائر النسياف‪ :‬شبّو النسياف بحيوانات لها حظائر تختفي وتعيش فيها‪.‬‬
‫أسائل القيودا‪ :‬شبو القيود بإنساف عاقل يمكن أف يوجو إليو السؤاؿ ‪.‬‬
‫اتهموا عينيك ‪ :‬شبّو العينين بإنساف مجرـ يتَّػهمو الناس من حولو ‪.‬‬
‫مسيرة األشجار‪ :‬شبو األشجار بمجموعة من الناس يسيروف في مسيرة من أجل غرض‬
‫ما‪.‬‬
‫وىمك الثرثار‪ :‬شبّو الوىم بشخص كثير الكالـ وثرثار‪.‬‬
‫قايضوا بنا‪ :‬شبّو الشاعر الشعب المقموع بثمن يدفع ويقايض بو‪.‬‬
‫واالستعارة والتشبيو يفيداف التشخيص‪ ،‬والتوضيح لحالة معاناة الشعب وتشرده‬
‫وضياعو في تلك الفترة‪ ،‬ثم التأكيد على ضرورة المقاومة‪ ،‬وعدـ االستسالـ لظروؼ القهر‬
‫المحيطة مهما كانت قسوتها‪ ،‬وقد ساىمت الصور جميعها في إظهار مدى األلم الذي‬
‫يشعر بو الناس إباف الهزيمة‪ ،‬وحسرتهم على حدوثها‪.‬‬
‫جػ ) الكنػػاية‪ :‬ومنها‪:‬‬
‫مشيت دوف أف أقتل نفسي‪ :‬كناية عن الصمود‪.‬‬
‫دوف أف أنهار‪ :‬كناية عن التحدي‪.‬‬
‫واسعة العينين ‪ :‬كناية عن جماؿ الطفلة‪.‬‬
‫عذبة المشاكسة ‪ :‬كناية عن براءة الطفلة‪ ،‬وخفة ظلها ‪.‬‬
‫رطب باسمك الشفاه اليابسة ‪ :‬كناية عن المعاناة وشدة العطش‪.‬‬
‫وارتخت العيناف‪ :‬كناية عن االستشهاد‪.‬‬
‫طعامي الكسرة ‪ ..‬والماء وبعض الثمرات اليابسة‪ :‬كناية عن ضيق ذات اليد‪.‬‬
‫أنا الذي ال حوؿ لي وال شاف ‪ :‬كنػاية عن المهانة والذلة‪.‬‬

‫رابعا‪:‬جدؿ الماضي والحاضر‪:‬‬


‫ُوظفت في القصيدة عدة نصوص تراثية‪ ،‬ساىمت في إثراء المعنى‪ ،‬وفتحتو‬
‫على أفق اإليحاء‪ ،‬حيث استدعى الشاعر من عبق التاريخ شخصية (زرقاء اليمامة)‪،‬‬
‫واستخدمها على مدار القصيدة كلها‪ ،‬ليعرض عن طريق الحوار معها مشاعره وأفكاره‪،‬كما‬
‫ألمح إلى قصة الزباء بأسلوب ينحو إلى اإليماء‪ ،‬ويبتعد عن المباشرة‪)1( :‬في قولو ‪:‬‬
‫ما للجماؿ مشيُها وئي ًدا ‪ .‬؟!‬ ‫ما للجماؿ مشيُها وئي ًدا ‪ ..‬؟!‬

‫تضمين لقوؿ الزبػػاء ‪:‬‬


‫يحمل ػ ػػن أـ حدي ػ ػػدا ‪ ..‬؟!‬ ‫أجنػ ػ ػػدالً‬ ‫م ػػا للجم ػػاؿ مش ػػيُها وئي ػػدا ‪ ..‬؟‬

‫(‪)1‬عن قصة الزباء يراجع‪ :‬الجاحظ أبو عثماف عمرو بن بحر‪ :‬المحاسن واألضداد‪ ،‬مكتبة الخانجي‪ ،‬القاىرة مصر‪ ،‬ط‬
‫‪ 1994،2‬ـ‪ ،‬ص‪.173‬وأيضا‪ :‬أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي‪:‬األذكياء‪ ،‬تحقيق عبد اهلل محمد الصديق‬
‫الغماري‪،‬مكتبة القاىرة للنشر والتوزيع‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪ ،1‬د‪.‬ت‪ ،‬ص ‪.169 ،168 ،163 ،162‬‬
‫وقد قالتو عندما جاء "قصير بن عمرو" بجماؿ محملة بالرجاؿ لقتلها‪ ،‬والزباء‪:‬‬
‫كانت عربية حسنة اللساف حسنة البياف شديدة السلطاف كبيرة الهمة ‪...‬ولم يكن في‬
‫عصرىا أجمل منها(‪.)1‬والتضمين ىنا يعبر عن الخديعة التي تعرض لها الشعب‬
‫المصري‪،‬وتسببت في ىزيمتو‪ .‬كما ألمح الشاعر إلى قصة عنترة كما ذكر سابقا في قولو‪:‬‬
‫"ظللت في عبيد (عبس ) أحرس القطعاف"‪ ،‬حيث عبرت اللفظتين عبيد عبس‪ ،‬وجملة‬
‫أحرس القطعاف عن قصة عنترة العبد العبسي المشهور الذي عاش مقهورا بسبب عدـ‬
‫اعتراؼ أبيو ببنوتو‪ ،‬رغم شجاعتو‪ ،‬وبسالتو‪ ،‬لكنو في النهاية تمكن من الحصوؿ على‬
‫حريتو بسبب صبره‪ ،‬وشجاعتو في الدفاع عن قبيلتو‪.‬‬
‫وإذا كانت الزباء قد قُتلت‪ ،‬وزرقاء اليمامة فقأت عينيها ثم ماتت‪ ،‬فإف عنترة‬
‫الممثل الحقيقي لحاؿ الشعب ناؿ حريتو في النهاية‪ ،‬مما يومئ إلى أف القناع في القصيدة‬
‫ذو ثالثة أبعاد‪ ،‬حيث إف الشاعر عاد إلى الماضي وفي الوقت ذاتو عمل على تعميق‬
‫اإلدراؾ بالحاضر‪ ،‬وفي ظل الجدؿ بين الماضي والحاضر يتولد عندئذ إدراؾ المستقبل‪،‬‬
‫وىذا ىو المغزى البعيد الذي ترمي إليو القصيدة بطريقة غير مباشرة‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر ابن الجوزي‪:‬األذكياء‪ ،‬المرجع السابق نفسو‪ ،‬ص‪.169 ،162‬‬


‫خاتمة‬
‫تبين من خالؿ ما سبق أف تحليل النصوص األدبية ال يمكن إخضاعو لمنهج‬
‫واحد‪ ،‬ويمكن االستفادة من جميع المناىج النقدية‪ ،‬لكن بشرط أف يتناسب المنهج مع‬
‫طبيعة النص‪ ،‬وأال يلوى عنق النص كي يخضع تحت سيطرة منهج بعينو‪ ،‬فالنص ىو‬
‫األساس‪ ،‬وأي محاولة لفرض منهج عليو دوف أف يكوف ذلك مناسبا لطبيعة النص ومغزاه ال‬
‫جدوى من ورائها‪ .‬كما يتضح أف المنهج السيميائي يقوـ على أساس تضافر البُنى‬
‫العميقة للنص‪ ،‬و تحليلها لمعرفة العالقات بينها‪ ،‬والرب الداللي بين العالمات كالتشاكل‬
‫والتباين‪،‬والكشف عن المعاني العميقة في النص من خالؿ تضافر بنى المستوى الصوتي‪،‬‬
‫والداللي والمعجمي و البالغي‪ ،‬كما اتضح من التحليل السابق‪.‬‬
‫المصادروالمراجع‬
‫أوال‪:‬المصادر‪:‬‬
‫‪ .1‬أمل دنقل‪ :‬األعماؿ الشعرية الكاملة‪ ،‬مكتبة مدبولي‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ط‪،3‬‬
‫‪1987‬ـ‪.‬‬
‫ثانيا‪:‬المراجع‪:‬‬
‫‪ .2‬إبراىيم أنيس‪:‬موسيقى الشعر‪،‬مكتبة األنجلو المصرية‪،‬مصر‪2313،‬ـ‪.‬‬
‫‪ .3‬أنور المرتجي‪ :‬سيميائية النص األدبي‪ ،‬دار أفريقيا الشرؽ‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬
‫‪1987‬ـ‪.‬‬
‫‪ .4‬تشارنلدر دانياؿ‪ :‬معجم المصطلحات األساسية في علم العالمات‬
‫(السموطيقا)‪ ،‬ترجمة شاكر عبد الحميد‪ ،‬أكاديمية الفنوف‪ ،‬القاىرة‪2335 ،‬ـ‪.‬‬
‫‪ .5‬جوزيف كورتيس‪ :‬سيميائية اللغة ‪،‬ترجمة جماؿ حضري‪ ،‬مجد المؤسسة‬
‫الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ /‬لبناف‪ ،‬ط‪2313 ،1‬ـ‪.‬‬
‫‪ .6‬ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ‪:‬مدخل إلى السيميائية السردية والخطابية‪ ،‬ترجمة جماؿ‬
‫حضري‪،‬منشورات االختالؼ‪،‬الجزائر‪/‬الدار العربية العلوـ ناشروف‪ ،‬بيروت‪،‬ط‪2337 ،1‬ـ‪.‬‬
‫‪ .7‬حامد يوسف أبو أحمد‪:‬تحديث الشعر العربي تأصيل وتطبيق‪،‬الهيئة العامة‬
‫لقصور الثقافة‪(،‬سلسلة كتابات نقدية(‪ ،)153‬القاىرة‪2334،‬ـ‪.‬‬
‫‪ .8‬أبو الحسن حازـ القرطاجني‪ :‬منهاج البلغاء وسراج األدباء‪ ،‬تقديم وتحقيق‪:‬‬
‫محمد الحبيب ابن الخوجة‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬تونس‪1966 ،‬ـ‪.‬‬
‫‪ .9‬حسين خمري‪ :‬نظرية النص من بنية المعنى إلى سيميائية الداؿ‪ ،‬منشورات‬
‫االختالؼ‪ ،‬الجزائر‪ ،‬الدار العربية للعلوـ ناشروف‪ ،‬بيروت‪ /‬لبناف‪ ،‬ط‪2337،1‬ـ‪.‬‬
‫‪ .13‬دانياؿ تشاندلر‪ :‬أسس السيميائية‪ ،‬ترجمة طالؿ وىبة‪ ،‬مراجعة‪ :‬ميشاؿ‬
‫زكريا‪ ،‬المنظمة العربية للترجمة‪ ،‬بيروت‪ /‬لبناف‪ ،‬ط‪ ،1‬أكتوبر ‪2338‬ـ‪.‬‬
‫‪ .11‬عبد اللطيف محفوظ‪ :‬آليات إنتاج النص الروائي "نحو تصور سيميائي"‪،‬‬
‫الدار العربية للعلوـ ناشروف‪ ،‬بيروت‪ /‬لبناف‪ ،‬ط‪2338 ،1‬ـ‪.‬‬
‫‪ .12‬عبد اهلل الغذامى‪ :‬النقد الثقافى (قراءة فى األنساؽ الثقافية العربية)‪ ،‬المركز‬
‫الثقافى العربى‪ ،‬المملكة المغربية‪ ،‬الدار البيضاء‪2333 ،‬ـ‪.‬‬
‫‪ .13‬أبو عثماف عمرو بن بحر الجاحظ‪:‬البياف والتبيين‪،‬تحقيق عبد السالـ محمد‬
‫ىاروف‪،‬جػ‪،1‬مكتبة الخانجي‪،‬القاىرة‪،‬ط‪1998 ،7‬ـ‪.‬‬
‫‪ .14‬أبو عثماف عمرو بن بحر الجاحظ‪ :‬المحاسن واألضداد‪ ،‬مكتبة الخانجي‪،‬‬
‫القاىرة مصر‪ ،‬ط ‪ 1994،2‬ـ‪.‬‬
‫‪ .15‬أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي‪:‬األذكياء‪ ،‬تحقيق عبد اهلل محمد‬
‫الصديق الغماري‪،‬مكتبة القاىرة للنشر والتوزيع‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪ ،1‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ .16‬أبو الفضل أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراىيم النيسابوري الميداني‪:‬‬
‫مجمع األمثاؿ‪ ،‬حققو وضب غرائبو وعلق حواشيو‪ :‬محمد محيي الدين عبد الحميد‪ ،‬دار‬
‫المعرفة‪ ،‬بيروت‪ ،‬جػ‪1955 ،1‬ـ‪.‬‬
‫‪ .17‬مصطفى محمود أحمد رجب‪ :‬لغة الشعر الحديث دراسة تطبيقية لديواف‬
‫زرقاء اليمامة ألمل دنقل‪ ،‬الهيئة العامة لقصور الثقافة‪ ،‬القاىرة‪2333 ،‬ـ‪.‬‬
‫‪" .18‬ابن منظور "محمد بن مكرـ األفريقي‪ :‬لساف العرب‪،‬جػ‪ ،12‬دار صادر‪،‬‬
‫بيروت‪،‬ط‪1963 ،1‬ـ‪.‬‬
‫‪ .19‬موسى ربابعة‪ :‬آليات التأويل السيميائي‪ ،‬آفاؽ للنشر والتوزيع‪ ،‬الكويت‪،‬‬
‫ط‪2311 ،1‬ـ‪.‬‬
‫‪ -23‬وليد سعيد عيسى علي‪:‬علم القافية بين النظرية والتطبيق‪ ،‬دار األندلس‬
‫للنشروالتوزيع‪،‬حائل‪،‬المملكة العربية السعودية‪،‬ط‪2336 ،1‬ـ‪.‬‬

You might also like