Professional Documents
Culture Documents
كلية التربية
قسم اللغة العربية
البحث في كتابات الجاحظ يحتاج الى عظيم عناية و دقة فهم و يحتاج الى ان يتامل فيها المتامل
ويطيل اللبث عندها و الجاحظ بعد ذلك مؤسس للرمزية العربية حين نبه و دل على الرمزية في
صراع الكلبا و الثور في كثير من قصائد الجاهلية وكذلك القصائد الموية .
فهل كان بعيدا عن الرمز في كتاباته و بالخاص كتابه الحيوان الذي وقف البحث عنده ؟ أي هل
كان واقفا مثلما وقف النقاد في زمانه ؟ ام ان له قدم سبق في الرؤية والذوق والبتكار ،لعل
الجابة واضحة و لزمة فالرجل كان واعيا و هو يكتبا و كان خابي ار و متمرسا في الكتابة و الدبا
و البيان .
و لقد قسمته الى مقدمة و تمهيد ومبحثين تناول التمهيد الرمز والسطورة و رمزية الحيوان في
الفكر العالمي القديم وتناول المبحث الول الجاحظ اول الرمزيين العربا وتناول المبحث الثاني
البعاد التي تنشأ منها والتي تدل عليها الرموز الحيوانية في نصوص الجاحظ
انني اعتذر سلفا عن العجالة التي كتبا بها و كثرة المشاغل و بالرغم من ان سيدي و استاذي
الدكتور سعيد عدنان قد تابعه شفاهيا مثلما تابع ما كتبه زملئي في الدرس ,ال انني اقول ان
ماورد فيه من اخاطاء هي لي وحدي
واخار دعوانا ان الحمد ل ربا العالمين
الباحث
تمهيد
الرمز والسطورة
تعددت التجاهات و النظريات فيما يتعلق بتصور التراكيبا الرمزية للسطورة التي كان من بينها
النظرية العقلية كما تمثلت عند كل من تيلور E.B.Taylorو فريزير J . frazerو
عندهما بدت الساطير تراكيبا عقلية مؤسسة على مقدمات خااطئة و تبعا لهذه النظرية اعتبر
العقل البدائي منطقيا بشكل جوهري ,و الى جانبا هذا التجاه ,نجد النظرية التطورية
2
الجتماعية ,و قد عارض بريل فيها النظرية العقلية ,و ذهبا في تحليله للوعي السطوري الى
انه سابق على المنطق ,و تتميز الرمزية السطورية بوصفها معينا ل ينضبا من الرموز التي
صاغها النسان خاصائص و سمات اصيلة .و يمكن القول بان الرموز السطورية قد فسرت من
خالل هذا الصراع الطبيعة الحية في تقبلها و ثوران ظواهرها ,كما فسرت حقيقة الخاير و الشر ,
و التصورات المتعلقة بنشاة الكون .و قد ازكت طبيعة النسان السطوري بما انطوت عليه من
تركيبا سحري انفعالي ,
يجبا ان نعترف بصعوبة الفصل بين السطورة و الدين ,و ان التطابق و التداخال بين السطورة
و الدين ,يرجعان الى النشأة و الظهور ,حيث يمكن ان نلتمس الوحدة العينية التي انصهرت
فيها السطورة و الدين و اللغة و الفنون ,و التي اخاذت تنحل تدريجيا الى اشكال ثقافية مستقلة
.و ليس من شك في ان الرمزية تطالعنا في كثير من الطقوس و الشعائر التي تدور حول
التكريس و التطهير و التحريم و اشكال الكفارات المتنوعة ,كما تكشف عن نفسها في التصورات
الخااصة بعبادة الطبيعة و تقديس مظاهرها .و في مقابل النطولوجيا القديمة التي تمثلت في
الرموز الدينية المشبعة بروح السطورة ,تشخاص النطولوجيا المعاصرة في الفلسفة الحديثة .
و لم يعد العتقاد في اللوهية و القوى غير المنظورة مناط اهتمام النسان و مثار قلقه و تساؤله
.ومن الجلي ان الرمز السطوري الى الطبيعة في الدين القديم ,كان يعكس انسجام النسان مع
الكون و مشاركته اياه .و يذهبا بعض الفلسفة و الدارسين في هذا الصدد الى ان السطورة
ليست مقصورة على عالم النسان القديم اذ قد وجدت في الديان العليا ذاتها (1) .
اما الذين يرون في هذه الديان ما يسمى بانتصار اللوجوس على السطورة فل يخالو موقفهم من
تناقض بين ,تكشف عنه هذه الديان التي ما زالت تنطوي على كل شيء من تلك الرموز .
ـــــــــــــــــــ
)(1ينظر :الرمز الشعري عند الصوفية 24/ـ 36
و من بين تلك الرموز المنصبغة بالخايال السطوري ,ما جاء تبري ار لظروف البيئة و المناخ ,
ففي منطقة ما بين النهرين ,اول البابليون هطول المطار و اهتزاز الرض بالنبات بعد قحط و
ظما شديدين ,بتدخال الطائر العملق الذي هبط لنقاذهم ,فغطى السماء بسحبا العاصفة
الداجية التي انسابت من جناحيه ,فالتهمت الثور السماوي الهائل الذي احرق المحاصيل
بانفاسه الساخانة ,اما الساطير المصرية القديمة ,فقد قدمت عددا من الرموز للسماء ,حيث
ظهرت في صورة بقرة ,في نقوش و تصاوير الجدران و المعابد و التوابيت ,و يبدو ان البقرة
كانت من صور السماء منذ عصور فجر التاريخ ,و لما كانت البقرة وفق اقدم النصوص في
3
المحيط الول ,فلعل فكرة نهوضها من المحيط لتكون السماء ,ان تكون اول قد وجدت قبل ان
تؤلف القصة الحالية و الصورة الرمزية الثانية زورق الشمس ,
و الصورة الرمزية الثالثة ,سقف تحمله دعائم اربع يحرس كل منها اله ,و تقوم ارجل البقرة
الربع هنا مقام اعمدة السماء الربعة .و ل جدال على حد ما يقول )) رودلف انتس (( في ان
المصريين منذ بداية تاريخاهم قد كانوا على علم بان ل سبيل الى فهم تصور السماء فهما مباش ار
عن طريق العقل و التجربة الحسية ,فكانوا يدركون انهم انما يستخادمون الرموز لجعلها ممكنة
الفهم في نطاق الحدود النسانية (1) .
و اننا لنظفر في اساطير مصر القديمة )) ,بتصور خااص بالمحيط البدائي ,حيث برز التل
البدائي من الرض فوق سطح الماء ,و هو يحمل اول كائن حي ,و كان ذلك اما الثعبان الذي
كان يعتبر الجسد الولي لي اله اصيل في العصور التاريخاية ,او انه كان الجعل ....و من
تصورات الكائن الحي الول ,الضفدعة التي صارت في اعقابا ذلك رم از مسيحيا للبعث ( )(2
و قد وصف وندت Wundtالتابو بانه اقدم مجموعة قانونية غير مدونة ,وانه يرجع الى
عصر ما قبل الديان ,و قد كانت الطبيعة التابوية للحيوان ,ترمز الى تحريم قتله او اكله ,و
يكون التابو من هذه الوجهة نواة الطوطمية ,و ثم امثلة كثيرة توضح التحريمات المرتبطة
بالطبيعة التابوية للحيوان ,نجدها شائعة لدى العربا في الجاهلية .
ـــــــــــــــ
)(1ينظر:اساطير العالم القديم ،صموئيل كريمر ،ترجمة احمد عبد الحميد 19-17/
) (2اساطير العالم القديم25/
و من هذه الطقوس التحريمية لديهم ,ما ابطله السلم و شنع عليه .و في القران بعض ايات
تشير الى هذه الشعائر ,منها قوله في سورة المائدة ـ اية )) : 103مما مجمعمل اللهه ممن مبمحيمرةة مولم
صيلمةة مولم محاةم مولممكنِن النِمذيمن مكفمهروا ميافتمهرومن معملى اللمه االمكمذمبا موأماكثمهرههام لم مياعمقهلومن (( و قوله سآَمئبةة ولم و م
م م م م
شاءطمعهممها إملنِ ممن لن م ث محاجمر لنِ مي ا في سورة النعام ـ اية 138ـ )) : 139مومقالهوا مهمذمه أمانمعامم مومحار م
م م م م
سمياجمزيمهم مبمما مكاهنوا سمم ال له معلمايمها اافتمراء معلمايه م مبمزاعممهام موأمانمعامم هحررممات ظهههوهرمها موأمانمعامم لنِ مياذهكهرومن ا ا
صمة لرهذهكومرمنا موهممحنِرمم معملى أمازموامجمنا م إومان ميهكن م م مم ميافتمهرومن {138مومقالهوا مما مفي هب ه
طومن مهذه المانمعام مخاال م
صفمههام إمنِنهه محمكيمم معمليمم(( . سمياجمزيمهام مو ا شمرمكاء م نِمايتمةة فمههام مفيمه ه
4
و شبيه بهذه التحريمات التابوية المرتبطة بالحيوان ,ما نجده في العهد القديم خااصا باشكال
الخاطر و القيود التي فرضها اله موسى على الشعبا اليهودي عندما كان يحيا حياة رعوية متنقلة
.
و الذي يبدو من تتبع تلك الطقوس انها تشير بما فيها من دللت ,الى نمط من انماط الثقافة
البدائية ,يسوده طابع سحري ,و تشوبه نظرة تعاطفية تتناول الطبيعة باسرها على انها نسق
روحي يؤثر و يتاثر بواسطة قوى خاارقة غير منظورة .
و لقد كانت الديان العليا اكثر فهما لطبيعة الرمز و وظيفته من الديان البدائية و يبدو العهد
القديم من هذه الوجهة زاخا ار برموز وفيرة ,نسوق منها رم از ماخاوذا من سفر التكوين .
الرمز قد ساقه فريزر Frazerمعتمدا على ما جاء في سفر التكوين من ان الربا امر ابراهيم
قائل :لتضح لي ببقرة عمرها ثلث سنين و نعجة عمرها ثلث سنين و يمامة و حمامة صغيرة .
فاخاذ ابراهيم البقرة و النعجة و الكبش ,و شطر كل منها الى شطرين ,اما اليمامة و الحمامة
فلم يشطرهما ,فلما غربت الشمس ,هنا اعلن الربا عهده لبراهيم .
و على تلك الواقعة علق فريزر بان الربا استجابا للتقاليد الشرعية التي كان يتطلبها قانون
العبريين القدماء للتصديق على العهد .كان من عادة الطرفين المتعاهدين ان يذبحوا بقرة و
يشطروها الى شطرين ليمروا بينهما .
و قد ذكر فريزر ان هناك نظريتين تفسران هذا المعنى الرمزي ,احدهما نظرية الجزاء ,و الخارى
تعرف بنظرية السر المقدس او نظرية التطهير (1) .
ـــــــــــــــــ
)(1ينظر الغصن الذهبي /ترجم باشراف احمد ابو زيد ط 1/89، 1971 1
و ذبح الضحية بناء على نظرية الجزاء ,ثم تقطيعها الى اجزاء ,يرمز الى الجزاء الذي سيحل
بمن سيخاون العهد او يحنث باليمين ,حيث يكون مصيره مصير الحيوان المقتول .
فذبح الحيوان رمز الى ذبح الحانث باليمين ,و قد اشار فريزير بنظريته التطهير او السر
المقدس ,حيث افتراض ان مرور الجانبين بين اجزاء الحيوان المذبوح ,يرمز الى انتمائهم الى
حياة الحيوان الروحية )(1
5
ـــــــــــــــــ
)(1ينظر الغصن الذهبي1/83 /
المبحث الول
الجاحظ اول الرمزيين العربا
الجاحظ علم متفرد بين معاصريه وامام فذ من ائمة البيان ل يدانيه احد في اتقاد ذهنه واتساع
ثقافته ورجاحة عقله وجمال بيانه وسعة حفظه والحيوان كتابا الجاحظ الكبر وموسوعتة الشاملة
وهو اجل كتبه شانا ويعد صورة بارزة لثقافة عصره المتشعبة فقد حوى طائفة صالحة من
المعارف الطبيعية و المسائل الفلسفية وهو يملي على الناس روح عصره وما كان فيه من ادبا
وبجواره متعة الفوائد الدبية و المسائل الدينية واجمل النوادر والحكايات
ولما كان الغرض من تاليف الجاحظ لهذا الكتابا هو بيان ما في الحيوان من الحجج على حكمة
ال و قدرته الباهرة ,فقد رجع الى القران و فيه الكثير عن الحيوان و بعض سوره سميت باسماء
بعض الحيوانات و منها البقرة و النحل و العنكبوت و النمل و النعام و الفيل ,و قد استعان
الجاحظ بالشعر العربي ايضا لن العربا كما يقول قد ثقفوا معرفة الحيوان و برعوا في ذلك براعة
فائقة ,و قل معنى سمع في بابا معرفة الحيوان من الفلسفة و المتكلمين ال وهو ,او قريبا
منه في اشعار العربا ).(1
ان قدرة الجاحظ على صهر هذه المعلومات و بثها بهذا البيان الذي ل يزال يطربا له من اهل
زماننا و يمتعهم بالمتعة التي تلقفها به اهل القرن الثاني الهجري ,فالمعنى ما يزال مشحونا
بالطاقة و الحيوية و الجملة عنده جوهرة ل تزيدها اليام ال بريقا و توهجا و لمعانا .
6
و كان الجاحظ ممنوعا ,بل قضى وط ار من حياته متخافيا ,و لبد له ان يكتبا و ان يقول و ان
يمرر ما يريد من فوق رؤوس رقباء زمانه و يحافظ على عنقه في لعبة اتقنها منذ صباه ,و لنه
كاتبا خاطير فقد كتبا ما يريده برموز و شفرات دون صراخ و دون ان يقطع حبله
ــــــــــــــــــــ
) (1الحيوان 83 /3و ينظر ابو عثمان الجاحظ لمحمد عبد المنعم خافاجي ص , 321
مصادر التراث العربي د .عمر الدقاق م 86
مع الخاصوم ,و استطاع ان يفخار بالعربا على غيرهم في عز دولة ال ساسان و قسوتها ) ,و
ل تستطيع اليوم ال ان تعجبا من تلك المناظرات البريئة بين ) الكلبا و الديك ( التي مل بها
كتابا الحيوان فاذا اعدت قرأتها و عينيك على ما بين السطور و ليس على السطور نفسها و
جدت نصا ادبيا جادا يغوص في اعماق السياسة و يفاخار بين الجناس و القصائد و الثقافات و
يحتاط لنفسه و سلمته فيضع تلك المصائبا الناطقة الكفيلة بقطع اللسنة و الرزاق و العناق
في ارق الساليبا و اكثرها جاذبية و بعيدا عن الشبهات ( )(2
و المناظرة بين صاحبا الكلبا و صاحبا الديك اطول مناظرة في مجالها شغلت نحو مجلد و نصف
من كتابا الحيوان و قد بين غرضها انه بيان حكمة ال و تدبيره في الكلبا و الديك و ان يفكر
فيهما و يعتبر بهما و يسبح ال عندهما ) (3ال ان الخارين قالوا انها لبيان عادات العربا و
العجم و انها مناظرة ) بين الشعوبية و العربا اما الشعوبية فرمزهم الديك الذي يرمز في قراهم و
مدنهم و اما العربا فرمزهم الكلبا الذي ل يفارقهم في منازلهم و مراعيهم و الشعوبية التي تستقذر
الكلبا و حيوانات الصحراء مما جعل الجاحظ يعقد في حيوانه مناظرة اخارى بين البعير و الفيل
فدائما الشعوبية تتحرش بالعربا و تهجن حياتها و كل ما اتصل بها ,و كان الجاحظ اقام نفسه
رصدا لهم و من الممكن ان يكون من هذا البابا كتابه الزرع و النخايل الذي اهداه الى ابراهيم بن
العباس الصولي فالزرع رمز الحضارة و الشعوبية و النخايل رمز العربا و البادية و قد هاجم
الجاحظ الشعوبية م ار ار في كتابه البيان و التبيين اذ افرد لها فصل طويل في كتابات اخارى له
متعددة عن العربا و العجم ...فهو الذي اقام تلك المناظرة التي ظاهرها كلبا و ديك و باطنها
عربا و شعوبية و كان يتعصبا للعروبة في اعماقه مما جعله ينقض عن الكلبا كل مذامه و
مثالبه و يضفي عليه كثي ار من المحامد و المحاسن في حماسة بالغة ( )(4
ولكن الجاحظ ل يرى هذا الراي فهو يصرح قائل ) و ليس هذا الكتابا ) يرحمك ال ( في تفضيل
العجم على العربا و عدنان علي قحطان ( )(5
7
ــــــ
) (2اباء الحداثة العربية ,مدخال الى عوالم الجاحظ و الحلج و التوحيدي ,محي الدين
اللذقاني . 20 /
) (3ينظر :الحيوان 222 / 1
) (4تاريخ الدبا العربي العصر العباسي الثاني /د .شوقي ضيف 598 /ـ . 603
) (5الحيوان . 7/7
فهل كان في هذا القول يريد ان يطرد اعين الرقباء و المترصدين ,ام انه حقيقة ما سعى اليه في
جميع ما سعى اليه في جميع ما كتبا من نبذ العصبية و التي يقول هلك بها عالم بعد عالم و ان
الحمية ل تبقي دينا ال افسدته و ل دنيا ال اهلكتها )(1
ان الصورة الرائعة التي رسمها الجاحظ لبي المبارك الصابي و هو يتغزل و يولع بالجمال و
يسمع نغمة المراة فظن ان كبده قد ذابت و يظن مرة اخارى انها قد انصدعت و يظن ثالثة ان
عقله قد اخاتلس و بالرغم من من انه كان خاصيا فهو يحن الى جمال المراة و سحرها ال ان محمد
عبد المنعم خافاجي يرى ان الجاحظ هنا كان يصور حرمانه هو في هذه الصور .(3) .
و ل اظن انه اصابا في هذا الراي فالجاحظ كان قد ) تسرى بالمقدار الذي اسعفه عليه ماله و
اكمل الباقي بما كان يجود به عليه الصدقاء من الجواري و قد جعلته هذه البحبوحة الجنسية
الشرعية يعزف عن الزواج و عن تكوين اسرة تقليدية ( )(4
و اذا كانت السياسة فيها من الخاطر ما يخااف الجاحظ و غير الجاحظ الى ان يقول رم از و يكتم
س ار و ل يقول ما يريد فان الجاحظ كان متحرر العقل من ان يتحرج في ما ينقله فيقول دون
خاوف ) و بعض الناس اذا انتهى الى ذكر العورات ارتدع و اظهر التقزز و استعمل بابا التورع ,
و اكثر من تجده كذلك فانما هو رجل ليس معه من العفاف و الكرم و النبل و الوقار ال بقدر هذا
الشكل من التصنع و لم يكشف قط صاحبا رياء و نفاق ال عن لؤم مستفحل و نذالة متمكنة ( )
(2
و نخالص الى ان الجاحظ ربما كان يكتبا برمزية ليتحاش رقباء السياسة ,ال انه لم يكن يتحرج
ان يقول كل ما يشتهي من قول دون خاوف او وجل ,و اظن انه كان واعيا في نقده مثلما كان
واعيا في كتاباته وادبه و لهذا فان الجاحظ اول ناقد عربي ) يسجل ما للحيوان من قيمة رمزية
في احساس الشاعر بمعاني الحياة و الموت ( ) (5و ) اقدم من تنبه على ــــــــ
.1ينظر :البيان و التبيين 12 / 3
.2الحيوان 109 / 3
.3ينظر :ابو عثمان الجاحظ 211 /و الحيوان 125 / 1ـ 128
8
.4اباء الحداثة العربية 37 /
.5شعر الرثاء في العصر الجاهلي .د .مصطفى الشورى 65 /
جانبا رئيس من هذه الحقيقة ] حقيقة الدللة الرمزية [ حيث رصد في النماذج التي تاملها ان
قصة الثور تنتهي بمقتل الثور اذا كانت القصيدة في الرثاء و تنتهي بنجاته في سائر الغراض (
). (11
لقد وقف الشاعر الجاحظ الناقد موقفا ينم عن قدرة فائقة في التحليل فقد تكررت صورة الثور و
الكلبا في كل رحلة و تكررت الرحلة في كل قصيدة طللية و تتكرر صورة الكلبا التي تهاجم
الثور و كان لبد ان يكتبا فيها النصر لحد الطرفين ,و لعل الناقد القديم لم ير فيها ال وصفا
مباش ار و ان هذا لم يكن ال تقليدا لل وائل ,و لكن الجاحظ يكشف عن ان هذه المعركة ذات
دللية رمزية تتصل اتصال مباش ار ببنية النص و يبدو ذلك واضحا من قوله اذا كان الشعر مرثية
او موعظة او مديحا ) (12يقول الجاحظ :
) من عادة الشعراء اذا الشعر مرثية او موعظة ,ان تكون الكلبا التي تقتل بقر الوحش ,و اذا
كان الشعر مديحا و قال كأن ناقتي بقرة من صفاتها كذا ,ان تكون الكلبا هي المقتولة ,ليس
على ان ذلك حكاية عن قصة بعينها ,ولكن الثيران ربما جرحت الكلبا و ربما قتلتها واما في
أكثر ذلك فانها تكون هي المصابة و الكلبا هي السالمة و الظافرة و صاحبها الغانم ( )(3
ان هذا النص يشكل اعلنا عن ولدة الرمزية العربية في النقد التطبيقي و هذا الوعي النقدي
الذي يخارج عن اسار القراءات التقليدية للناقد المعاصر للجاحظ يدفع الى ان ننظر في التوظيف
للدللة الرمزية للحيوان في ادبا الجاحظ و بالخاص في كتابه الحيوان وهو ما يقف عنده البحث .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
)(11قراءة معاصرة في نصوص من التراث الشعري د .محمود الجادر . 43 /
) (12ينظر :بنية القصيدة الجاهلية د .علي مراشدة 194 /
) (13الحيوان . 20 / 1
المبحث الثاني
9
البعد الرمزي للحيوان
لما كان الجاحظ يملي على الناس روح عصره فهو ينقل ما يتعارفونه بينهم ثم يطرح رايه ان كان
له ذلك الراي ,فهو يشير للدللة الرمزية للحيوان عند العربا فيقول ) والعربا انما كانت تسمي
بكلبا و حمار و حجر و جعل حنظلة و قرد على التفاؤل بذلك و كان الرجل اذا ولد له ذكر خارج
يتعرض لزجر الطير و الفال فان سمع انسانا يقول حج ار او راى حج ار سمى ابنه به و تفاءل فيه
الشدة و الصلبة والبقاء و الصبر و انه يحطم ما لقى و كذلك ان سمع انسانا يقول ذئبا او راى
ذئبا تاول فيه الفطنة و الخابث و المكر و الكسبا و ان كان حما ار تاول فيه طول العمر و الوقاحة
و القوة و الجلد و ان كان كلبا تاول فيه الحراسة و اليقظة و بعد الصوت و الكسبا و غير ذلك ()
(1
و مثلما يتخايرون لبنائهم اسماء ذات دللة رمزية فانهم يتخايرون لحيواناتهم اسماء ذات دللة
رمزية ايضا ,ال ان البعض ل يحسن الخاتيار ) قال الشاعر و رأى رجل اسمه وثابا و اسم كلبه
عمرو فقال :
من التوفيق اسبابا و لو هيأ له ال
و سمى الكلبا وثابا ( )(2 لسمى نفسه عم ار
و لطول التجربة النسانية مع الحيوان صار لكل جنس من الحيوان صفة يعرف بها و صار
النسان يقرن بتلك الصفة بذلك الجنس فيقال ) اج ار من الليث و اجبن من الصقر و اسخاى من
لفظة و اصبر على الهون من كلبا واحذر من عقعق و ازهى من غرابا و اصنع من سرقة و
اظلم من حية و اغدر من الذئبا و اخابث من ذئبا خامر و اشدعداوة من عقربا و اروغ من ثعلبا
و احمق من حبارى و اهدى من قطاة و اكذبا من فاخاتة و الم من كلبا على جيفة و اجمع من
ذرة و اضل من حمار اهلي و اعق من ضبا و ابر من هرة و انفر من ظليم و اضل من ورل و
اضل من ضبا و اضل من الحية ( )(3
و لقد وقف البحث عند البعاد الرمزية التي ظهرت في نصوصية و التي نجد ثلثة ابعاد رئيسة
مكتنزة بالدللت و متداخالة و هي :
ـــــــــ
الحيوان . 324 / 1
الحيوان 194 / 2
الحيوان 220 / 1ـ . 221
10
1ـ البعد السطوري :و فيه تمتزج الحقيقة التاريخاية بالخايال و الخارافة و يكون للديبا مجال
رحبا لتوظيف المتن السطوري ويمنح دللته الرمزية الى النص الموظف فيه و لعل الجاحظ
يسفه احيانا بعض هذه الساطير و يضعف بعضها احيانا اخار .
2ـ البعد الديني :و فيه يوظف الجاحظ المام المعتزلي الثقافة السلمية و الدينية و التاريخاية
في نصوصه و يبث الكثير من معتقداته من خالل ادبه و مثلما وقف من الساطير كان له موقف
من اراء المفسرين الذين جانبوا الصوابا فيسخار و يه أز و ينكر ما يخاالف العقل .
3ـ البعد الجتماعي :و فيه يوظف ما تعارف عليه المجتمع من رؤية للحيوان بامثالهم و
احاديثهم و فيه ينهل من حياة اجتماعية بصرية تشتبك فيها العروق من عربا و فرس و زنوج و
افارقة و لن البصرة نشأت عجو از ناضجة مكتملة ,تصطرع فيها العقائد و الفكار و كان
الخاوارج على اطرافها و فيها التشيع و العتزال و السنة و طوائف الديان الخارى و اهل الشك و
المجون و الزنادقة (1) .و فيها الترف و النعيم لدى الخااصة و الفقر و الشقاء لدى العامة فكثر
الرقيق و الجواري وشاع الغناء و ذاع اللهو ,و هذا كله انعكس في ادبا الجاحظ فنرى انه اخاذ
في توظيفه في الرمز الحيواني فصار اكبر حجما من البعدين السطوري و الديني و هو ما سنقف
عليه .
ــــــــــــــــــ
) (1محاضرات الستاذ الدكتور سعيد عدنان على طلبة الدكتوراه كلية التربية
13/12/2009
11
و من هذه الساطير التي نجدها في كتابا الحيوان اسطورة اولد السعلة ) و للناس في هذا
الضربا ضروبا من الدعوى و علماء السوء يظهرون تجويزها و تحقيقها كالذي يدعون من اولد
السعالى من الناس كما ذكروا عن عمرو بن يربوع و كما يروي ابو زيد النحوي عن السعلة التي
اقامت في بني تميم حتى ولدت فيهم فلما رات برقا يلمع من شق بلد السعالى حنت و طارت اليهم
( ) (2و قريبا من هذا ما ذكرته العربا من اسطورة ان جرهما كان من نتاج ما بين الملئكة و
بنات ادم و كان الملك من الملئكة اذا عصى ربه اهبطه في صورة رجل كما صنع بهاروت و
ماروت )(3
و من الساطير القريبة مما مضى ما يقوله الناس في البل ان فيها عرقا من سفاد الجن و ذهبوا
الى الحديث انهم كرهوا الصلة في اعطان البل لنها خالقت من اعنان الشياطين ) ) (4و زعم
ناس ان من البل وحشيا و كذلك الخايل ...فزعموا ان تلك البل تسكن ارض و بار لنها غير
مسكونة ...و قال اخارون هذه البل الوحشية هي الحوش و هي التي من بقايا ابل و بار فلما
اهلكهم ال تعالى كما اهلك المم مثل عاد و ثمود و العمالقة و طسم و جديس فبقيت ابلهم في
اماكنها التي ل يطورها انسي ,فان سقط الى تلك الجيزة بعض الخالعاء او بعض من اضل
الطريق حثت الجن في وجهه فان الح خابلته ( )(5
و هكذا فان البل الوحشية من بقايا القوام التي اهلكها ال و التي تحرسها الجن و اما البل غير
الوحشية فانها من سفاد الجن .
و من هذا التزاوج بين المخالوقات و النسان ينقل الجاحظ اسطورة اخارى هي ) ان النسناس
ـــــــــــــ
.1ينظر :معجم الدباء 75 / 16
.2الحيوان 185 /1
.3ينظر :الحيوان 187/ 1
.4ينظر :الحيوان 152 / 1
.5الحيوان 154 / 1
تركيبا ما بين الشق و النسان و يزعمون ان خالقا من وراء السد تركيبا من النسناس و الناس و
الشق و ياجوج و ماجوج و ذكروا عن الواق واق و الدوال باي انهم نتاج مابين بعض النبات و
الحيوان ( )(1
و يذهبا الجاحظ الى الدفاع عن اسطورة تلقح الجن و النس و يستشهد بالية ) و شاركهم
بالموال و الولد ( و بالية ) لم يطمثهن انس قبلهم ول جان ( و يقول فلو كان الجان ل يفتض
الدميات لما قال ال تعالى ذلك (2) .
12
و يقف الجاحظ وقفات طوال ليصف الجن و اصنافهم و مراتبهم و طعامهم و شرابهم و ذبائحهم
و استضافتهم الناس و من خانقته و من قتلته و من استهوته و عملهم و رؤيتهم و مكالمتهم و
سماع اصواتهم و التحصن منهم و محالفتهم و مطاياهم و ثيابهم و مواضعهم و نارهم و جبلهم
و ابلهم و كلبهم و رماحهم و جنونهم و صرعهم و خاضوعهم لسليمان )(3
و من الرموز السطورية التي ترد في الحيوان ان مسخ الضبا و سهيل و هي اسطورة تقول
انهما كان ماكسين عشارين فمسخ ال الضبا في الرض و سهيل في السماء و قال في ذلك
الشاعر
و سهيل السماء عمدا يصغر )(4 مسخ الضبا في الجدالة قوما
و يذهبا الجاحظ الى ان ) الحديث عن مسخ الضبا و الجري و عن مسخ الكلبا و الحكاة و ان
الحمام شيطان من جنس المزاح الذي كنا كتبنا به الى بعض اخاواننا ممن يدعى علم كل شيء
فجعلنا هذه الخارافات و هذه الفطن الصغار من بابا المسائل ( )(5
و يذكر من هذه الساطير احاديث المسخ و الجن و الغيلن و زواج السعلة و ابن يربوع و غيرها
ساخا ار مسته از
و من اساطير العربا ان الجن تصد البقر عن شربا الماء اذا وردت فيضربوا الثور ليقتحم الماء
لن البقر تتبعه و يصف الشاعر هذه السطورة مشبها نفسه بالثور الذي يضربا دون
ـــــــــــــ
.1الحيوان 1/189
.2ينظر :الحيوان 1/188ـ 189
.3ينظر :الحيوان 217 /6 * 184 , 85 /4 * 207 , 131 /2 * 309 , 1/291
.4ينظر :الحيوان 155 /6
.5الحيوان 308 /1
13
و من الساطير ذلك التواشج بين الشياطين و الشعراء و الجن فالشعراء كلبا الجن كما يراهم
العربا يقول ) عمرو بن كلثوم
و شذينا قتادة من يلينا و قد هرت كلبا الجن منا
فانهم يزعمون ان كلبا الجن هم الشعراء ( ) (3و انهم يزعمون ان مع كل فحل من الشعراء
شيطانا يقول ذلك الفحل على لسانه الشعر و ان لكل شيطانا اسما يعرف به فعمرو اسم شيطان
المخابل و مسحل شيطان العشى و عمرو شيطان الفرزدق و عنه يقول الشاعر :
و خاالي همم صاحبا عمرو بنت عمرو و خاالها مسحل الخاير
فالجنية بنت عمروا و خاالها مسحل وهميم اسم الفرزدق الشاعر الذي شيطانه عمرو )(4
و من الرموز السطورية للطيور السمندل او السندل و هو طائر يدخال في اتون النار و يخارج و
ل تحترق له ريشة ) (5و الهامة و هي طائر يقف على القبور و ) ان صبيا من العرابا فيما
مضى من الدهر صاد هامة على قبر فظنها سمان فاكلها فغثت نفسه ( )(6
و) يزعمون ان القنزعة التي على راس ] الهدهد[ ثوابا من ال تعالى على ما كان من بره لمه
لن امه لما ماتت جعل قبرها على راسه فهذه القنزعة عوض عن تلك الوهدة ( )(7
ــــــــــــ
.1ينظر :الحيوان 1/19
.2ينظر :الحيوان 148 /8 , 121/ 7
.3الحيوان 229 / 6
.4ينظر :الحيوان 225 / 6
.5ينظر :الحيوان 434 /6
.6الحيوان 302 / 4
.7الحيوان 510 / 3
و يذم الكلبا صاحبا الديك فيقول انها ل سبع و ل بهيمة و ل انسية و ل جنية و انها من الحن
دون الجن و انها مطايا الجن نوع من المسخ )(1
ومن الساطير عند العربا ان الديك خادعه الغرابا و تلعبا به و رهنه عند الحمار وهذه السطورة
تجعل من الغرابا انذل الطير وألمه ومن الديك انه غبي قليل المعرفة و الذكاء(2) .
و الغرابا رمز للتشاؤم و اشتقوا من اسمه الغربة و الغترابا و الغريبا و منها غرابا البين و كانوا
يتعايرون باكل لحم الغرابا قال الشاعر
شواء الناهضات مع الخابيص فما بالعار ما عيرتمونا
و ل سرطان انهار البريص )(3 فما لحم الغرابا لنا بزاد
14
و هذا المعنى يجعلنا ننتقل الى البعد الجتماعي للرمز الحيواني .
15
اشارة الى قولهم انما انت نعامة اذا قيل لها احملي قالت انا طائر و اذا قيل لها طيري قالت انا
بعير ,و النعامة لها قصة اخارى و هي انها تطلبا قرنين فرجعت مقطوعة الذنين فلذلك يسمونه
الضليم )(3
و من الرمزية الجتماعية ان الطيور الجوارح رمز لكثرة القتلى من العداء يقول النابغة
عصائبا طير تهتدي بعصائبا اذا ما غزوا بالجيش حلق فوقهم
و قال حميد بن ثور
من الطير ينظرن الذي هو صانع اذا ما غ از يوما رايت عصابة
و قال اخار
فهن يتبعنه في كل مرتحل )(4 قد عود الطير عادات و ثقن بها
و يرمز للرض الكثيرة الخايرات بانها ) ارض ل يطير غرابها ( و اذا دخال الغرابا بارض خاصبا
فانه ل يخارج منها ,و يقال للرجل الذي يحصل على ما يريد انه وجد ) ثمرة الغرابا ( لنه يتخاير
اطيبا الثمر)(5
ـــــــــــــــ
.1الحيوان 240 /1 :
.2الحيوان 203 /6 :
.3الحيوان 322 /4 :ـ 323
.4ينظر :الحيوان 21 /7ـ 22
.5ينظر :الحيوان 424 /3ـ 425
و ترمز الهرة الى البر باولدها فقالوا ) ابر من الهرة و اعق من ضبا ( و وجهوا اكل الهرة
اولدها على شدة الحبا لهم ,و يقول السيد الحميري برمزية اخارى في وصف السيدة عائشة
تزجى الى البصرة اجنادها جاءت مع الشقين في هودج
تريد ان تاكل اولدها كانها في فعلها هرة
وترمز الذئبة الى الحمق لنها تدع ولدها وترضع و لد الضبع فقيل )احمق من جهيزة ( )(1
ويرمز الطاووس للجمال و الزهو و سمي جيش ابن الشعث بالطواويس لكثرة من كان يجتمع
فيهم من الفتيان المنعوتين بالجمال )(2
و لعل من الرمز الحيواني ما يتصل بالطعام ففي المثل ) سمن كلبا في جوع اهله ( وذلك عندما
تمرض الحيوانات و تموت فياكلها يقول يقول الشاعر في ذم احدهم
فيهزل اهل الكلبا و هو سمين )(3 فانت ككلبا السوء في جوع اهله
16
و من الرمزية اذا جاء الناس الخاير يقال قد اكلت الرض و احرنفشت العنز لخاتها و لحس
الكلبا الوضر
و احرنفاش العنز أن ينتفش شعرها و تنطح صاحبتها ,و لحس الكلبا الوضر لما يفضلون منه
لنهم في الجدبا ل يدعون للكلبا شيئا يلحسه ) (4و يرمز ابراز الكلبا الى الكرم و طلبا
الضياف و منعه يرمز للبخال قال الشاعر يهجو احدهم
و قدرك كالعذراء من دونها ستر)(5 و تكعم كلبا الحي من خاشية القرى
و لعل استئناس الكلبا للنسان دليل على كثرة تردده على اصحابه فاذا كان الكلبا تملكه امراة
تعيش وحدها فالستئناس رمز الخايانة يقول هلل بن خاثعم
و اني لمشنؤ الى اغتيابها اني لعف عن زيارة جارتي
زؤ ار و لم تانس الي كلبها )(6 اذا غابا عنها بعلها لم اكن لها
ـــــــــــــــ
ينظر :الحيوان 1/197
ينظر :الحيوان 2/245
ينظر :الحيوان 192 /1
ينظر :الحيوان 156 /2
ينظر :الحيوان 385 /1
ينظر :الحيوان 382 /1ـ 383
و اذا كان النسان جوادا فلكثرة توافد الناس اليه يصبح كلبه جبانا ل ينبح احدا و لهذا قال
الشاعر يمدح نفسه
جبان الكلبا مهزول الفصيل )(1 و ما بك في من عيبا فاني
و قال حاتم الطائي
و شق على الضيف الغريبا عقورها اذا ما بخايل الناس هرت كلبه
جواد اذا ما النفس شح ضميرها فاني جبان الكلبا بيتي موطا
قليل على من يعتريها هريرها )(2 و لكن كلبي قد اقرت و عودت
و هذا الحيوان الذي صار بجبنه رم از لكرم صاحبه هو المحروم الذي له الحق في اموال صاحبه
و هو ما نقف عليه و على غيره في البعد الديني .
17
قال بعض المفسرين في قوله تعالى ) و الذين في اموالهم حق معلوم للسائل و المحروم ( ان
المحروم هو الكلبا )(3
و قال الثوري عن ابن عباس قال قال على منبر البقرة ان الكلبا من الجن و ان الحسن من
صنعقة الجن فاذا غشيكم منها شيء فالقوا اليها شيئا او اطردوه فان له نفس سوء )(4
و زعم بعض المفسرين ان اهل سفينة نوح تاذوا بالفار فعطس السد عطسة فرمى من نخاريه
بزوج سنانير و سلح الفيل زوج خانازير قال كيسان :ينبغي ان يكون ذلك السنور ادم السنانير و
تلك السنور حواءها )(5
و يرمز الفيل الى ) اية في الجاهلية و ارهاصا للنبوة ( ) (6في اشارة الى حادثة فيل ابرهة
الحبشي .
و ترمز الحمامة الى الطاعة و حسن الدللة حيث كانت دليل نوح بعد الطوفان و انها طلبت ــــــــــــ
.1ينظر :الحيوان 384 /1
.2ينظر :الحيوان 383 /1
.3ينظر :الحيوان 193 /1
.4ينظر :الحيوان 295 , 291 /1
.5ينظر :الحيوان 146 /1
.6ينظر :الحيوان 202 /7
الجعالة فاعطاها ال تلك الحلية و هي الطوق في عنقها و انها رجعت في رجليها من الطين
فعوضت خاضابا الرجلين )(1
والحية في الديانات السابقة هي التي ادخالت ابليس في جوفها و انها كانت في صورة جمل
فمسخاها ال عقوبة لها و ذكر الجاحظ ابياتا في هذه السطورة الدينية لمية بن ابي الصلت و
قال فان قلت ان امية كان اعرابيا و هذا من خارافات اعرابا الجاهلية فاني سانشدك لعدي بن زيد
و كان نصرانيا ديانا و ترجمانا و صاحبا كتبا ,و هكذا فان الحية مسخاها ال حين طاوعت عدوه
على وليه )(2
و من هنا فان ) في بعض كتبا النبياء ان ال تبارك و تعالى قال لبني اسرائيل :يا اولد الفاعي
( ) (3و رووا ان كعبا الحبار قال مكتوبا في التوراة ان الحية التي دخال فيه ابليس عوقبت
بعشر خاصال و من هذه العشرة التي عدها شق لسانها و يقول كعبا الحبار ان الحية كلما خاافت
من القتل اخارجت لسانها لتريهم العقوبة (4) .
18
و من الرموز الحيوانية ذات الدللت الدينية الجتماعية ما تقوله العوام انه اذا كان في الدار
ديك ابيض افرق لم يدخاله شيطان و ان من اكل لحم سنور اسود لم يضره سحر )(5
و من الحاديث في الديك ) صرخ ديك عند النبي ) صلى ال عليه و اله و سلم ( فسبه بعض
اصحابه فقال ) صلى ال عليه و اله و سلم ( :ل تسبه فانه يدعو الى الصلة ( و في رواية
اخارى قال ) انه يؤذن للصلة ()(6
لقد وقف الجاحظ ساخا ار و منك ار لكثير من الوهام و يه أز من اقوال المفسرين الذين جانبوا الفهم
الصحيح لليات و هو ناقل لتراث امة في كل ما يدور بين ابنائها ,صوابا ام خاطا ,و لكنه يصرح
برايه دون ان تاخاذه فيه لومة لئم .
ـــــــــــــــــ
.1ينظر :الحيوان 195 /3
.2ينظر :الحيوان 196 /4ـ 198
.3ينظر :الحيوان 244 /4
.4ينظر :الحيوان 200 /4
.5ينظر :الحيوان 207 /2
.6ينظر :الحيوان 258 /2
المصادر
اباء الحداثة العربية مدخال الى عوالم الجاحظ و الحلج و التوحيدي محي الدين
اللذقاني مؤسسة النتشار العربي بيروت ط 1998 /2
ابو عثمان الجاحظ محمد عبد المنعم خافاجي دار الكتابا اللبناني ط /1
1973
ط اساطير العالم القديم د .صموئيل كريم ترجمة احمد عبد الحميد يوسف
الهيئة المصرية العامة للكتابا 1974 /
البيان و التبيين الجاحظ تحقيق عبد السلم هارون /لجنة التاليف و النشر /
القاهرة 1948 /
بنية القصيدة الجاهلية د .علي مراشدة عالم الكتبا الحديث /الردن 2006
تاريخ الدبا العربي /العصر العباسي الثاني د .شوقي ضيف دار المعارف
مصر ط 1975 /2
19
تحقيق عبد السلم محمد الحيوان .ابو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ
هارون مكتبة مصطفى البابي الحلبي مصر ط 1943 /1
الرمز الشعري عند الصوفية د .عاطف جودل نصر دار الندلس بيروت ط / 3
1983
شعر الرثاء في العصر الجاهلي د .مصطفى الشورى الشركة المصرية العالمية
ط 1995 / 1
الغصن الذهبي /ج فريزر ترجم باشراف د .احمد ابو زيد ط 1971
قراءة معاصرة في نصوص من التراث الشعري د .محمود الجابر دار الشؤون
الثقافية /بغداد 2002
معجم الدباء) إرشاد الريبا ( ياقوت الحموي دار المشرق /بيروت
دار الشرق بيروت ط 1972 /3 مصادر التراث العربي .د .عمر الدقاق
20