Professional Documents
Culture Documents
النص المسرحي :يقوم أساسا على الفرجة ،والعناصر المؤسسة لها كامنة فيه .يعني خضوعه عند تأليفه
وفي 2مستوى بنيته إلى متطلبات هذه الفرجة وانفتاحه على فواعل آخرين (الممثلين ،المخرج ،مصمم
المناظر ،مبتكر األزياء ،تقني اإلضاءة والصوت )...انفتاحه على أدوات تواصل وقوانين تخاطب ال تقوم
فحسب على اللغة المنطوقة وإنما كذلك على الحركة والسكون وعلى الصوت والصمت وعلى اإلضاءة
.واإلظالم وعلى الظل واللون ،تتشابك فيما بينها لتنشئ لغة متعددة ال ّدوال
المتطلبات التي تفرضها 2الفرجة على بنية النص المسرحي لعلها مرتبطة أساسا بنوعية الصلة القائمة في
هذه الفرجة بين الباث (أصحاب العمل المسرحي) والمتقبل (الجمهور) وباألثر 2الرمزي 2الذي تسعى
.المسرحية إلى إحداثه في المتفرج من ناحية أخرى
الزمن :تت ّم الفرجة بالضرورة في الزمن الحاضر (اآلن) ذلك أن زمن الفرجة هو ذاته زمن حدوث
.األحداث فوق 2الركح وأمام المتفرج وفي مكان يجمع بين الفرجة والمتفرجين (هنا)
بحكم الصلة المباشرة بالمتفرج تتطلب الفرجة االلتزام 2بمدى زمني ال يتجاوز 2طاقة المتفرج على التركيز2
.واالنتباه
نوعية األثر الرمزي المراد إحداثه في المتفرج تفرض على صاحب النص عددا من االختيارات الجمالية
تأخذ بعين االعتبار إلى جانب مقتضيات الفرجة مراجع المتفرج الفكرية والذوقية من ناحية وغايات
.صاحب المسرحية من ناحية أخرى
النص المسرحي 2أكثر من نص :الحوار وهو النص الرئيسي ،وإشارات 2ومالحظات 2تتخلل هذا الحوار
وتقع بين بداياته ونهاياته وغالبا ما يكون فحواها متعلقا بتحديد 2كيفية أداء الحوار أو بيان ظروف القول
.المفترض عناصر راسمة للمدى الفرجوي 2والمجسدة لمكوناته
سعد هللا ونوس :كاتب سوري )1997 -1941( 2درس الصحافة في جامعة القاهرة حيث كان ينشر
إنتاجه األدبي .ثم هاجر إلى فرنسا في إطار بعثة سنة 1966وتمثل هذه المرحلة مرحلة نضجه الفكري
والسياسي الذي انعكس في أعماله المسرحية ونظرته إلى الفنّ ،وفي فرنسا 2توفرت له فرصة االطالع
على مختلف ما كان يعرض فيها من عروض مسرحية آتية من كل أصقاع الدنيا وفرص 2االقتراب من
رجال المسرح ونقاده األروبيين .ومن أهم مؤلفاته المسرحية :الفيل يا ملك الزمان 1969ومغامرة رأس
.المملوك جابر
تتكون مسرحيته الفيل يا ملك الزمان من أربع لوحات (القرار ،والتدريبات ،وأمام قصر الملك ،وأمام
.الملك) ونصنا من اللوحة األخيرة
يمثل النص وضع النهاية ألحداث قصة بعد اضطراب وتأ ّزم ،إذ يأتي النص بعدما ألحقه فيل الملك من
ضرر 2بالبالد والعباد 2واتفاق الناس بقيادة زكريا على اشتكائه إلى الملك ،لكن يسيطر عليهم الخوف2
فيخذلون قائدهم ،مما يضطره إلى تحويل الشكوى إلى مدح للفيل والمطالبة بتزويجه لتخليصه من وحدته
.ووحشته وتنتهي المسرحية بخلع مالبس التمثيل
وتعالج المسرحية قضية سياسية مدارها على عالقة الحاكم بالرعية :ظلم الحاكم وجبروته ،خوف الرعية
.وخنوعها ،وفشل هذه األخيرة في مواجهة الحاكم ورفع الظلم أو حتى التعبير عن حالها
:الشرح
عنوان النص هو عنوان المسرحية التي أخذ منها النص وهو العبارة التي رددها زكريا أمام الملك ،وهي
.عبارة مبتورة منتظرا 2من الجماعة اإلخبار بفائدة االبتداء بالفيل وعن سبب حضورهم( 2مظالم الفيل)
اإلشارات الركحية متنوعة بين منظورة ومسموعة وأقيمت على الحركة والصوت لتحقق إثارة داخلية
للشخصيات وإثارة خارجية للمتفرج .تولت موضعة الشخوص على الركح وربط 2عالقاتها بعضها ببعض
.وكشف أحوالها وتصعيد 2الحدث الدرامي
تدل اإلشارات المتصلة بالجماعة على الموقف 2المهيب الذي هم فيه وعلى الخوف المسيطر 2عليهم (الذعر
واالضطراب...الخوف...مبحوحة وراعشة...الجميع خافضو 2الرؤوس)...
تدل اإلشارات المتصلىة بزكريا على موقعه ومكانته في الجماعة القائد (يتقدم...في طليعتهم )...وعلى
التحول في الموقف والتدرج من حالة إلى أخرى (صوته راجف....يقوى صوته....يعلو صوته
أكثر...يمثل ما يقوله بخفة وبراعة)...
تد ّل اإلشارات المتعلقة بالملك -وهي قليلة -على سلطته وعلى حاله المقابلة لحال الجماعة (مقهقها،
.ضاحكا)
يفهم من اإلشارات الركحية أن األمر يتعلق بمحادثة (أصوات ،زكريا ،الملك ،صوت الطفلة) لكن
أطراف 2المحادثة متفاوتون في درجة الحضور والفاعلية تفاوتا يعكسه التفاوت في الوسم ،فالوحيد
الموسوم باسم هو زكريا 2البطل القائد وهو اسم نبي من األنبياء وال يخفى ما لهذا االسم من داللة على
القيادة (النبوة) وتحمل المسؤولية ومفهوم 2المخلّص المنقذ .أما الملك فلم يخصص باسم بما يجعله رمزا
لكل سلطة ظالمة دون التقيد بزمان ومكان معينين أما عدم وسم سائر الشخوص فدال على سلبيتهم وعدم
.فاعليتهم في مواجهة سلطة الملك
ولئن أوحى السياق وحضور الجماعة بمحادثة فإن الغالب على النص حوار ثنائي بين زكريا والملك
والحوار 2مباشر صرف تديره الشخصيات بنفسها دون وساطة راو ويفترض أن يدور 2هذا الحوار أمام
متفرج وهو ما يجعل الحوار مضاعفا أو من مستويين مختلفين ( بين الشخصيات في مستوى 2أول وبين
الشخصيات والمتفرج في مستوى ثان) المستوى األول هو الحوار المباشر المنطوق 2فعال أما الثاني فهو2
ضمني كامن في ما يخلفه األول من أثر رمزي في الجمهور ،دون أن يمنع ذلك الممثلين والجمهور من
.التحاور أحيانا عند العرض
موضوع الحوار الذي من أجله حضرت الجماعة االحتجاج على سلوك الفيل وشكواهم من بطشه لكن
الخوف منعهم من تبليغ طلبهم وجعلهم 2يخذلون قائدهم 2مما جعل هذا األخير يلتمس الخالص الفردي
.فيبرر حضوره ويحول 2محتوى الطلب من شكوى من الفيل إلى مدح له وحرص على سعادته
مواجهة زكريا وجماعته للملك مواجهة رمزية يرمز 2فيها الملك إلى كل حاكم مستبد ظالم في كل زمان
ومكان شوكته وأداة ظلمه وطغيانه وقمعه الفيل ويرمز 2فيها زكريا إلى القائد الثوري 2الذي يحاول تخليص
شعبه من الظلم والطغيان لكن الخوف المسيطر 2عليهم الذي شتت وحدتهم وفرق 2كلمتهم حال دون بلوغ
غايته و اضطره إلى إنقاذ نفسه وتعميق 2مأساتهم فالنص ذو نفس تراجيدي 2يخرج المأساة في شكل ملهاة
ويتضمن رسالة سياسية مفادها أن مواجهة الحاكم الظالم ال يكون بالبطولة الفردية وأن رفع الظلم يكون
.بوعي جمعي وبانتزاع 2الخوف من القلوب وبوحدة الكلمة والصف2
أقوال الجماعة مختزلة ومتقطعة بدت في البداية متفرقة ال يجمعها موضوع 2واحد( الملك وبيده
الصولجان ،ضوء كالشمس )....ومشتتة لكنها تتفق في التعبير عن الموقف 2والحالة النفسية التي تصدر
عنها األقوال وتفسر تشتت كلمتهم وهي حالة الخوف والرعب وهيبة الموقف (ضوء كالشمس ،الحراس
كاألشباح ،العرش عال)....ولئن اتفقت كلمتهم فيما بعد (تزويج الفيل ،أدام هللا فضل الملك علينا) فإن
االتفاق يعكس في الواقع اتفاقا في الحالة األولى (الدهشة) والطاعة والتسليم 2باألمر الواقع في الحالة
.الثانية
أقوال الملك يغلب عليها األسلوب اإلنشائي :االستفهام واألمر 2والتهديد (ما ذا تريد الرعية من ملكها؟ ما
خبر الفيل؟ ،تكلّم إما أن تتكلم أو أأمر بجلدك )....وهو أسلوب مناسب للحاكم الحاكم يسأل ويأمر 2وينهى
ويهدد 2والمحكوم يجيب ويطيع ويخاف وتعكس أقواله األخرى عمق الهوة الفاصلة بينه وبين رعيته
.ودرجة معرفته بأـحوالها( 2إني محظوظ برعيتي حنان ورقة في الشعور)
اللغة أداة الحوار وقناته وبها تحقق الشخوص وجودها وعليها يعتمد الكاتب في رسم مالمحها وهي من
حيث مستوى 2االستعمال نمطية ال تميز الشخصيات بعضها عن بعض فهي فصيحة بسيطة العبارة
يسيطر 2عليها المعجم السياسي( 2الملك الصولجان الحراس الفرمانات )..وتميل أكثر إلى التصريح منه إلى
.التلميح
:وظائف الحوار
الوظيفة السردية تتجلى في تنمية الحوار للفعل السردي 2والبناء الدرامي 2باعتبار النص المسرحي قصة
لها بدايتها وتحوالتها 2ونهايتها .ونصنا يشكل وضع النهاية في الحكاية ،إذ تنغلق الحكاية بتوازن جديد
تسلم بموجبه الرعية باألمر الواقع بعد تذمرها من ظلم الفيل وتعبيرها 2عن سخطها واالتفاق على
االحتجاج ورفع شكواها إلى الملك .وإضافة إلى وظيفة الحوار الناقلة لألفعال فإن الحوار 2يضطلع 2أيضا
بدور 2دفع األحداث الدرامي ،فبالحوار حوّ ل زكريا المقام من مقام شكوى 2إلى مقام استحسان ومدح
.ودعاء وبه أنقذ نفسه وكوفئ2
الوظيفة الرمزية التي ال تستنتج فقط من الحوار بل يتضافر الحوار واإلشارات 2الركحية (إطالق المكان
والزمان ،عدم وسم أغلب الشخوص)...من ذلك نسبة الملك إلى الزمان المطلق (يا ملك الزمان) وهذا
يعني أن الملك رمز للحاكم صاحب السلطة ،والفيل وضخامة جثته إلى الظلم و فداحته والجماعة إلى
الشعب المغلوب على أمره المستلب اإلرادة الذي يسكنه الخوف والرعب وإلى الخذالن والخيانة أما
.زكريا فرمز 2البطل القائد المنقذ المخلّص
:التأليف
الفيل يا ملك الزمان" ككل نص مسرحي 2قائم على الفرجة حواري 2أساسا تتخلله إشارات ركحية تبيّن"
ظروف القول وأحوال المتحاورين وكيفية أداء أدوارهم 2.والسياق العام لألقوال في هذا النص هو سياق
محادثة (الجماعة ،زكريا ،الملك )...لكن يسيطر عليه حوار ثنائي مباشر بين الملك وزكريا موضوعه
أفعال الفيل والموقف 2منها ،وهو موقف متغير بتغير الظرف 2من سخط عليها ورفض للظلم قبل مقابلة
الملك إلى تزيينها وحرص على سعادة الفيل والتفكير في تزويجه بعد تسرب الخوف إلى القلوب .وقد
عكست األساليب في األقوال 2منزلة المتحاورين االجتماعية فناسب االستفهام واألمر والتهديد شخصية
ّ
وتقطعها 2على تش ّتت كلمتهم وذهاب وحدتهم 2واألسلوب الحاكم اآلمر الناهي ،ود ّل تشتت أقوال الجماعة
.التقريري اإلخباري في أقوالهم 2على الخنوع والطاعة
يصرّ ح الحوار في هذا النص بمضمونه أكثر مما يلمّح .التصريح جلي في البناء الدرامي السردي
.للحكاية التي تنقلها األقوال .والتضمين كامن في رمزية الشخصيات والعالقات بينها