You are on page 1of 4

‫النص الخامس‪ :‬الفيل يا ملك الزمان (سعد هللا ونوس)‬

‫النص المسرحي‪ :‬يقوم أساسا على الفرجة‪ ،‬والعناصر المؤسسة لها كامنة فيه‪ .‬يعني خضوعه عند تأليفه‬
‫وفي‪ 2‬مستوى بنيته إلى متطلبات هذه الفرجة وانفتاحه على فواعل آخرين (الممثلين‪ ،‬المخرج‪ ،‬مصمم‬
‫المناظر‪ ،‬مبتكر األزياء‪ ،‬تقني اإلضاءة والصوت‪ )...‬انفتاحه على أدوات تواصل وقوانين تخاطب ال تقوم‬
‫فحسب على اللغة المنطوقة وإنما كذلك على الحركة والسكون وعلى الصوت والصمت وعلى اإلضاءة‬
‫‪.‬واإلظالم وعلى الظل واللون‪ ،‬تتشابك فيما بينها لتنشئ لغة متعددة ال ّدوال‬

‫المتطلبات التي تفرضها‪ 2‬الفرجة على بنية النص المسرحي لعلها مرتبطة أساسا بنوعية الصلة القائمة في‬
‫هذه الفرجة بين الباث (أصحاب العمل المسرحي) والمتقبل (الجمهور) وباألثر‪ 2‬الرمزي‪ 2‬الذي تسعى‬
‫‪.‬المسرحية إلى إحداثه في المتفرج من ناحية أخرى‬

‫‪:‬من بين السمات المؤثرة في بنية النص المسرحي‬

‫الزمن‪ :‬تت ّم الفرجة بالضرورة في الزمن الحاضر (اآلن) ذلك أن زمن الفرجة هو ذاته زمن حدوث‬
‫‪.‬األحداث فوق‪ 2‬الركح وأمام المتفرج وفي مكان يجمع بين الفرجة والمتفرجين (هنا)‬

‫بحكم الصلة المباشرة بالمتفرج تتطلب الفرجة االلتزام‪ 2‬بمدى زمني ال يتجاوز‪ 2‬طاقة المتفرج على التركيز‪2‬‬
‫‪.‬واالنتباه‬

‫نوعية األثر الرمزي المراد إحداثه في المتفرج تفرض على صاحب النص عددا من االختيارات الجمالية‬
‫تأخذ بعين االعتبار إلى جانب مقتضيات الفرجة مراجع المتفرج الفكرية والذوقية من ناحية وغايات‬
‫‪.‬صاحب المسرحية من ناحية أخرى‬

‫النص المسرحي‪ 2‬أكثر من نص‪ :‬الحوار وهو النص الرئيسي‪ ،‬وإشارات‪ 2‬ومالحظات‪ 2‬تتخلل هذا الحوار‬
‫وتقع بين بداياته ونهاياته وغالبا ما يكون فحواها متعلقا بتحديد‪ 2‬كيفية أداء الحوار أو بيان ظروف القول‬
‫‪.‬المفترض عناصر راسمة للمدى الفرجوي‪ 2‬والمجسدة لمكوناته‬

‫سعد هللا ونوس‪ :‬كاتب سوري‪ )1997 -1941( 2‬درس الصحافة في جامعة القاهرة حيث كان ينشر‬
‫إنتاجه األدبي‪ .‬ثم هاجر إلى فرنسا في إطار بعثة سنة ‪ 1966‬وتمثل هذه المرحلة مرحلة نضجه الفكري‬
‫والسياسي الذي انعكس في أعماله المسرحية ونظرته إلى الفنّ ‪ ،‬وفي فرنسا‪ 2‬توفرت له فرصة االطالع‬
‫على مختلف ما كان يعرض فيها من عروض مسرحية آتية من كل أصقاع الدنيا وفرص‪ 2‬االقتراب من‬
‫رجال المسرح ونقاده األروبيين‪ .‬ومن أهم مؤلفاته المسرحية‪ :‬الفيل يا ملك الزمان ‪ 1969‬ومغامرة رأس‬
‫‪.‬المملوك جابر‬

‫تتكون مسرحيته الفيل يا ملك الزمان من أربع لوحات (القرار‪ ،‬والتدريبات‪ ،‬وأمام قصر الملك‪ ،‬وأمام‬
‫‪.‬الملك) ونصنا من اللوحة األخيرة‬

‫يمثل النص وضع النهاية ألحداث قصة بعد اضطراب وتأ ّزم‪ ،‬إذ يأتي النص بعدما ألحقه فيل الملك من‬
‫ضرر‪ 2‬بالبالد والعباد‪ 2‬واتفاق الناس بقيادة زكريا على اشتكائه إلى الملك‪ ،‬لكن يسيطر عليهم الخوف‪2‬‬
‫فيخذلون قائدهم‪ ،‬مما يضطره إلى تحويل الشكوى إلى مدح للفيل والمطالبة بتزويجه لتخليصه من وحدته‬
‫‪.‬ووحشته وتنتهي المسرحية بخلع مالبس التمثيل‬

‫وتعالج المسرحية قضية سياسية مدارها على عالقة الحاكم بالرعية‪ :‬ظلم الحاكم وجبروته‪ ،‬خوف الرعية‬
‫‪.‬وخنوعها‪ ،‬وفشل هذه األخيرة في مواجهة الحاكم ورفع الظلم أو حتى التعبير عن حالها‬

‫التقسيم‪( :‬حسب معيار الموضوع)‪ :‬خوف الجماعة وترددها‪2‬‬

‫إنقاذ زكريا نفسه بتغيير‪ 2‬محتوى الطلب من شكوى إلى مدح‬

‫‪:‬الشرح‬

‫عنوان النص هو عنوان المسرحية التي أخذ منها النص وهو العبارة التي رددها زكريا أمام الملك‪ ،‬وهي‬
‫‪.‬عبارة مبتورة منتظرا‪ 2‬من الجماعة اإلخبار بفائدة االبتداء بالفيل وعن سبب حضورهم‪( 2‬مظالم الفيل)‬

‫اإلشارات الركحية متنوعة بين منظورة ومسموعة وأقيمت على الحركة والصوت لتحقق إثارة داخلية‬
‫للشخصيات وإثارة خارجية للمتفرج‪ .‬تولت موضعة الشخوص على الركح وربط‪ 2‬عالقاتها بعضها ببعض‬
‫‪.‬وكشف أحوالها وتصعيد‪ 2‬الحدث الدرامي‬

‫تدل اإلشارات المتصلة بالجماعة على الموقف‪ 2‬المهيب الذي هم فيه وعلى الخوف المسيطر‪ 2‬عليهم (الذعر‬
‫واالضطراب‪...‬الخوف‪...‬مبحوحة وراعشة‪...‬الجميع خافضو‪ 2‬الرؤوس‪)...‬‬

‫تدل اإلشارات المتصلىة بزكريا على موقعه ومكانته في الجماعة القائد (يتقدم‪...‬في طليعتهم‪ )...‬وعلى‬
‫التحول في الموقف والتدرج من حالة إلى أخرى (صوته راجف‪....‬يقوى صوته‪....‬يعلو صوته‬
‫أكثر‪...‬يمثل ما يقوله بخفة وبراعة‪)...‬‬

‫تد ّل اإلشارات المتعلقة بالملك‪ -‬وهي قليلة‪ -‬على سلطته وعلى حاله المقابلة لحال الجماعة (مقهقها‪،‬‬
‫‪.‬ضاحكا)‬

‫يفهم من اإلشارات الركحية أن األمر يتعلق بمحادثة (أصوات‪ ،‬زكريا‪ ،‬الملك‪ ،‬صوت الطفلة) لكن‬
‫أطراف‪ 2‬المحادثة متفاوتون في درجة الحضور والفاعلية تفاوتا يعكسه التفاوت في الوسم‪ ،‬فالوحيد‬
‫الموسوم باسم هو زكريا‪ 2‬البطل القائد وهو اسم نبي من األنبياء وال يخفى ما لهذا االسم من داللة على‬
‫القيادة (النبوة) وتحمل المسؤولية ومفهوم‪ 2‬المخلّص المنقذ‪ .‬أما الملك فلم يخصص باسم بما يجعله رمزا‬
‫لكل سلطة ظالمة دون التقيد بزمان ومكان معينين أما عدم وسم سائر الشخوص فدال على سلبيتهم وعدم‬
‫‪.‬فاعليتهم في مواجهة سلطة الملك‬

‫ولئن أوحى السياق وحضور الجماعة بمحادثة فإن الغالب على النص حوار ثنائي بين زكريا والملك‬
‫والحوار‪ 2‬مباشر صرف تديره الشخصيات بنفسها دون وساطة راو ويفترض أن يدور‪ 2‬هذا الحوار أمام‬
‫متفرج وهو ما يجعل الحوار مضاعفا أو من مستويين مختلفين ( بين الشخصيات في مستوى‪ 2‬أول وبين‬
‫الشخصيات والمتفرج في مستوى ثان) المستوى األول هو الحوار المباشر المنطوق‪ 2‬فعال أما الثاني فهو‪2‬‬
‫ضمني كامن في ما يخلفه األول من أثر رمزي في الجمهور‪ ،‬دون أن يمنع ذلك الممثلين والجمهور من‬
‫‪.‬التحاور أحيانا عند العرض‬
‫موضوع الحوار الذي من أجله حضرت الجماعة االحتجاج على سلوك الفيل وشكواهم من بطشه لكن‬
‫الخوف منعهم من تبليغ طلبهم وجعلهم‪ 2‬يخذلون قائدهم‪ 2‬مما جعل هذا األخير يلتمس الخالص الفردي‬
‫‪.‬فيبرر حضوره ويحول‪ 2‬محتوى الطلب من شكوى من الفيل إلى مدح له وحرص على سعادته‬

‫مواجهة زكريا وجماعته للملك مواجهة رمزية يرمز‪ 2‬فيها الملك إلى كل حاكم مستبد ظالم في كل زمان‬
‫ومكان شوكته وأداة ظلمه وطغيانه وقمعه الفيل ويرمز‪ 2‬فيها زكريا إلى القائد الثوري‪ 2‬الذي يحاول تخليص‬
‫شعبه من الظلم والطغيان لكن الخوف المسيطر‪ 2‬عليهم الذي شتت وحدتهم وفرق‪ 2‬كلمتهم حال دون بلوغ‬
‫غايته و اضطره إلى إنقاذ نفسه وتعميق‪ 2‬مأساتهم فالنص ذو نفس تراجيدي‪ 2‬يخرج المأساة في شكل ملهاة‬
‫ويتضمن رسالة سياسية مفادها أن مواجهة الحاكم الظالم ال يكون بالبطولة الفردية وأن رفع الظلم يكون‬
‫‪.‬بوعي جمعي وبانتزاع‪ 2‬الخوف من القلوب وبوحدة الكلمة والصف‪2‬‬

‫أقوال الجماعة مختزلة ومتقطعة بدت في البداية متفرقة ال يجمعها موضوع‪ 2‬واحد( الملك وبيده‬
‫الصولجان‪ ،‬ضوء كالشمس‪ )....‬ومشتتة لكنها تتفق في التعبير عن الموقف‪ 2‬والحالة النفسية التي تصدر‬
‫عنها األقوال وتفسر تشتت كلمتهم وهي حالة الخوف والرعب وهيبة الموقف (ضوء كالشمس‪ ،‬الحراس‬
‫كاألشباح‪ ،‬العرش عال‪)....‬ولئن اتفقت كلمتهم فيما بعد (تزويج الفيل‪ ،‬أدام هللا فضل الملك علينا) فإن‬
‫االتفاق يعكس في الواقع اتفاقا في الحالة األولى (الدهشة) والطاعة والتسليم‪ 2‬باألمر الواقع في الحالة‬
‫‪.‬الثانية‬

‫أقوال الملك يغلب عليها األسلوب اإلنشائي‪ :‬االستفهام واألمر‪ 2‬والتهديد (ما ذا تريد الرعية من ملكها؟ ما‬
‫خبر الفيل؟‪ ،‬تكلّم إما أن تتكلم أو أأمر بجلدك‪ )....‬وهو أسلوب مناسب للحاكم الحاكم يسأل ويأمر‪ 2‬وينهى‬
‫ويهدد‪ 2‬والمحكوم يجيب ويطيع ويخاف وتعكس أقواله األخرى عمق الهوة الفاصلة بينه وبين رعيته‬
‫‪.‬ودرجة معرفته بأـحوالها‪( 2‬إني محظوظ برعيتي حنان ورقة في الشعور)‬

‫اللغة أداة الحوار وقناته وبها تحقق الشخوص وجودها وعليها يعتمد الكاتب في رسم مالمحها وهي من‬
‫حيث مستوى‪ 2‬االستعمال نمطية ال تميز الشخصيات بعضها عن بعض فهي فصيحة بسيطة العبارة‬
‫يسيطر‪ 2‬عليها المعجم السياسي‪( 2‬الملك الصولجان الحراس الفرمانات‪ )..‬وتميل أكثر إلى التصريح منه إلى‬
‫‪.‬التلميح‬

‫‪:‬وظائف الحوار‬

‫الوظيفة السردية تتجلى في تنمية الحوار للفعل السردي‪ 2‬والبناء الدرامي‪ 2‬باعتبار النص المسرحي قصة‬
‫لها بدايتها وتحوالتها‪ 2‬ونهايتها‪ .‬ونصنا يشكل وضع النهاية في الحكاية‪ ،‬إذ تنغلق الحكاية بتوازن جديد‬
‫تسلم بموجبه الرعية باألمر الواقع بعد تذمرها من ظلم الفيل وتعبيرها‪ 2‬عن سخطها واالتفاق على‬
‫االحتجاج ورفع شكواها إلى الملك‪ .‬وإضافة إلى وظيفة الحوار الناقلة لألفعال فإن الحوار‪ 2‬يضطلع‪ 2‬أيضا‬
‫بدور‪ 2‬دفع األحداث الدرامي‪ ،‬فبالحوار حوّ ل زكريا المقام من مقام شكوى‪ 2‬إلى مقام استحسان ومدح‬
‫‪.‬ودعاء وبه أنقذ نفسه وكوفئ‪2‬‬

‫الوظيفة الرمزية التي ال تستنتج فقط من الحوار بل يتضافر الحوار واإلشارات‪ 2‬الركحية (إطالق المكان‬
‫والزمان‪ ،‬عدم وسم أغلب الشخوص‪)...‬من ذلك نسبة الملك إلى الزمان المطلق (يا ملك الزمان) وهذا‬
‫يعني أن الملك رمز للحاكم صاحب السلطة‪ ،‬والفيل وضخامة جثته إلى الظلم و فداحته والجماعة إلى‬
‫الشعب المغلوب على أمره المستلب اإلرادة الذي يسكنه الخوف والرعب وإلى الخذالن والخيانة أما‬
‫‪.‬زكريا فرمز‪ 2‬البطل القائد المنقذ المخلّص‬

‫‪:‬التأليف‬

‫الفيل يا ملك الزمان" ككل نص مسرحي‪ 2‬قائم على الفرجة حواري‪ 2‬أساسا تتخلله إشارات ركحية تبيّن"‬
‫ظروف القول وأحوال المتحاورين وكيفية أداء أدوارهم‪ 2.‬والسياق العام لألقوال في هذا النص هو سياق‬
‫محادثة (الجماعة‪ ،‬زكريا‪ ،‬الملك‪ )...‬لكن يسيطر عليه حوار ثنائي مباشر بين الملك وزكريا موضوعه‬
‫أفعال الفيل والموقف‪ 2‬منها‪ ،‬وهو موقف متغير بتغير الظرف‪ 2‬من سخط عليها ورفض للظلم قبل مقابلة‬
‫الملك إلى تزيينها وحرص على سعادة الفيل والتفكير في تزويجه بعد تسرب الخوف إلى القلوب‪ .‬وقد‬
‫عكست األساليب في األقوال‪ 2‬منزلة المتحاورين االجتماعية فناسب االستفهام واألمر والتهديد شخصية‬
‫ّ‬
‫وتقطعها‪ 2‬على تش ّتت كلمتهم وذهاب وحدتهم‪ 2‬واألسلوب‬ ‫الحاكم اآلمر الناهي‪ ،‬ود ّل تشتت أقوال الجماعة‬
‫‪.‬التقريري اإلخباري في أقوالهم‪ 2‬على الخنوع والطاعة‬

‫يصرّ ح الحوار في هذا النص بمضمونه أكثر مما يلمّح‪ .‬التصريح جلي في البناء الدرامي السردي‬
‫‪.‬للحكاية التي تنقلها األقوال‪ .‬والتضمين كامن في رمزية الشخصيات والعالقات بينها‬

You might also like