You are on page 1of 52

‫سعد اهلل و ّنوس‬

‫‪-1-‬‬
‫رئيس جملس اإلدارة‬
‫وزير الثّقافة‬
‫األستاذ حممَّد األمحد‬
‫اإلشراف العامّ‬
‫املدير العامُّ للهيئة العامة السّوريّة للكتاب‬
‫د‪ .‬ثائر زين الدين‬

‫رئيس التحرير‬
‫مدير منشورات الطفل‬
‫رائدة الصيّاح‬

‫لوحة الغالف‬ ‫اإلخراج‬


‫رامي األشهب‬ ‫حنان الباني‬

‫الطباعي‬
‫اإلشـراف ّ‬
‫آب ‪2018‬م‬ ‫أنـــــس احلــســن‬
‫‪-2-‬‬
‫سعد اهلل و ّنوس‬

‫جوان جان‬

‫اهليئة العامّة السّوريّة للكتاب ‪ -‬مديريّة منشورات ّ‬


‫الطفل‬
‫وزارة الثقافــة ‪ -‬دمشق ‪2018‬م‬

‫‪-3-‬‬
‫ك��ان اتصا ًال هاتفيّاً مفاجئاً من صديقي القديم‬
‫الصحافـي املعروف األستاذ ضياء الذي منعتْه مشاغلُه‬
‫عن التواصل معي‪ ،‬منذ أن استلم مهامَه مسؤوالً عن‬
‫الصفحة الثقافيّة يف واح��دةٍ من أه�مّ الصحف اليت‬
‫تصدر يف عاصمتنا اجلميلةِ دمشق‪ ...‬وبعد السال ِم‬
‫والكالم املختصر‪ ،‬اتفقتُ معه على أن نلتقي يف اليوم‬
‫بعض القضايا املتعلّقة‬
‫ِ‬ ‫التايل يف مكتيب للتحدّث عن‬
‫بالشؤون الثقافيّةِ واألدبيّة‪.‬‬
‫وص��ل صديقي ضياء يف املوعدِ احمل �دّد وبرفقتِهِ‬
‫فتاةٌ تدرس يف كلية اإلعالم امسها خلود‪ ،‬وبعد تناول‬
‫العصريِ البارد‪ ،‬وتبادل األحاديث الودّية‪ ،‬أخربني األستاذ‬
‫ضياء أن اآلنسة خلود مك َّلفة من قِبل أستاذِها يف كليّة‬
‫اإلعالم كتاب َة حبث عن الكاتب املسرحيّ السوريّ سعد‬
‫اهلل و ّنوس‪ ،‬وأ ّنه وعدَها باملساعدة يف إعداد البحث‪،‬‬
‫ِ‬
‫الكتب واملراجع اليت ستساعدُها يف املهمّة‬ ‫وإرشادِها إىل‬
‫امللقاة على عاتقها‪ ،‬وملّا كان صديقي مشغوالً بشكل‬
‫ِ‬
‫املناسب أن‬ ‫دائم بالصحيفة اليت يعمل فيها‪ ،‬وجد من‬

‫‪-4-‬‬
‫اطالعي‬ ‫يشر َكين يف مساعدهتا يف ضوء ما يعرفه عن ّ‬
‫على احلركة املسرحيّة السوريّة‪ ،‬وأه �مِّ رم��وزه��ا‪...‬‬
‫فوعدتُه ووعدتُها خرياً‪ ،‬وابتدأتْ رحلتُنا الثالثية يف‬
‫عوامل األديب املسرحيّ السوريّ سعد اهلل و ّنوس‪.‬‬

‫‪-5-‬‬
‫البداية من حصني البحر‪:‬‬
‫كان اقرتاحي األوّل أنّ البحثَ ينبغي أال يستكنيَ‬
‫للطريقة التقليديّة يف كتابة األحب��اث اجلامعيّة؛ أي‬
‫االكتفاء بقراءة الكتب واملقاالت اليت تزوّدنا باملعلومات‬
‫املطلوبة‪ ،‬إذ علينا ح ّتى تكون الدراسة متميّزة أن ننطلق‬
‫إىل األماكن احلقيقيّة اليت نشأ فيها سعد اهلل و ّنوس‪،‬‬
‫ودرس وانطلق وعمل وأب��دع يف عامل املسرح‪ ،‬وكانت‬
‫البداية من قريته الصغرية حصني البحر الواقعة يف‬
‫ريف حمافظة طرطوس؛ فانطلقنا إليها ثالثتنا يف‬
‫صبيحة يوم اجلمعة‪ ،‬وهو يوم إجازة بالنسبة إلينا‪.‬‬
‫فور وصولنا إىل البلدة توجّهنا إىل السيّد صالح‬
‫زميل سعد اهلل و ّنوس أيّام الدراسة‪ ،‬وقد حتدّث إلينا‬
‫مطوّالً عن طفولته اليت أمضاها يف البلدة مكتسباً من‬
‫مدرستها االبتدائيّة معارفه األوىل‪ ،‬وأخربنا أنّ سعد‬
‫اهلل (املولود عام ‪1941‬م)‪ ،‬مل يكن يكتفي بقراءة الكتب‬
‫املدرسيّة؛ بل كان دائم السعي إىل قراءة روايات رموز‬
‫األدب العربيّ يف أربعينيّات القرن املاضي؛ كإحسان‬
‫‪-6-‬‬
‫عبد القدوس‪ ،‬وجنيب حمفوظ‪ ،‬وعباس حممود العقاد‪،‬‬
‫وطه حسني‪ ،‬وميخائيل نعيمة‪ ،‬ويوسف السباعي‪...‬إخل‬
‫وكان أوّل كتاب يقرؤه‪ ،‬هو «دمعة وابتسامة» جلربان‬
‫خليل جربان‪ ،‬وقد أبدت اآلنسة خلود مالحظة ذكيّة‪،‬‬
‫هي أنّ سعد اهلل تعرّف ب��األدب الروائي قبل تعرّفه‬
‫األدبَ املسرحيّ‪ ،‬فشرح هلا األستاذ ضياء أنّ الرواية‬
‫العربيّة كانت يف مخسينيّات القرن املاضي يف أوج‬
‫ازدهارها‪ ،‬بينما كانت حركة الكتابة املسرحيّة العربيّة‬
‫يطلع سعد‬ ‫ضعيفة جدّاً‪ ،‬وبذلك فإنّ من الطبيعي أن ّ‬
‫اهلل أوّالً على األدب الروائي العربي املنتشر يف تلك‬
‫اطالعه على األدب املسرحي‪.‬‬ ‫الفرتة انتشاراً واسعاً قبل ّ‬
‫وحدّثنا السيّد صالح عن املرحلة الثانية من رحلة‬
‫سعد اهلل الدراسيّة؛ عندما انتقل إىل مدارس مدينة‬
‫طرطوس يف مرحلة الدراسة الثانويّة‪ ،‬ليسافر بعدئذ‬
‫إىل القاهرة يف بعثة دراسيّة لدراسة الصحافة‪ ،‬وهو‬
‫األمر الذي تو ّقفت عنده اآلنسة خلود لتتساءل عن‬
‫سبب عدم توجّه سعد اهلل لدراسة املسرح يف القاهرة‬

‫‪-7-‬‬
‫على الرغم من وجود معهد للمسرح فيها منذ ذلك‬
‫احلني‪ ،‬وهو التساؤل الذي مل جيد له السيد صالح‬
‫جواباً!‬
‫وأخربنا السيد صالح أنه تل ّقى رسالة من سعد اهلل‬
‫بعد إمتام دراسته يف القاهرة وعودته إىل دمشق عام‬
‫‪1963‬م‪ ،‬خيربه فيها أنّ وزارة الثقافة كلّفته العم َل يف‬
‫جملّة «املعرفة»‪ ...‬ووصوالً إىل هذه املرحلة من حياته‬
‫انقطعت املراسالت تقريباً بينه وبني صديقه؛ ليستمرّ‬
‫بتتبّع أخباره من خالل الصحف واجملالت‪.‬‬

‫‪-8-‬‬
‫جملة «أسامة»‪:‬‬
‫بعد عودتنا إىل دمشق كان ال بدّ من اللقاءِ جمدّداً‪،‬‬
‫مكتب األستاذ ضياء الذي كان‬ ‫ِ‬ ‫فتواعدْنا هذه املرّة يف‬
‫يعجّ بالضيوف‪ ،‬لكنّه ما لبث أن تفرّغ لنا أنا واآلنسة‬
‫خلود ليطلعنا على جانبٍ ال يعرفه كثريون من متابعي‬
‫مسرية سعد اهلل و ّن��وس أال وهو عمله رئيسَ حترير‬
‫جمللّة األطفال «أسامة» اليت تصدرها وزارةُ الثقافة‪،‬‬
‫وقد بقي مشرفاً عليها ملدة قاربت ستَّ سنوات ح ّتى‬
‫العام ‪1975‬م‪ ،‬وكان قبلها قد عم َل مشرفاً على القسم‬
‫الثقافـيّ يف صحيفة «البعث» لفرتة وجيزة‪ ،‬وعند هذه‬
‫النقطة تساءلت اآلنسة خلود عن اخلطوات األوىل اليت‬
‫خطاها سعد اهلل يف عامل املسرح‪ ،‬فأخربتُها أنّ ذلك‬
‫كان يف العام ‪1964‬م‪ ،‬عندما أشرف على إصدار عدد‬
‫خاص عن املسرح من جملة «املعرفة» اليت ما زالت وزارة‬
‫الثقافة تصدرها ح ّتى اآلن‪ ،‬ليسهم يف العام ‪1969‬م‪،‬‬
‫يف التحضري ملهرجان دمشق املسرحي ال��ذي انطلق‬
‫يف العام نفسه‪ ،‬و ُقدِّمَت فيه مسرحيّتان من كتابته‬

‫‪-9-‬‬
- 10 -
‫مها‪« :‬الفيل يا ملك الزمان» اليت أخرجها عالء الدين‬
‫كوكش‪ ،‬و«مأساة بائع الدبس الفقري» وأخرجها رفيق‬
‫الصبّان‪ ،‬وك��ان يف الفرتة نفسها‪ ،‬قد كتب مسرحيّة‬
‫بعنوان «حفلة مسر من أج��ل‪ /5/‬ح��زي��ران‪ُ »1‬قدِّمت‬
‫من قبل فرقة املسرح بإخراج عالء الدين كوكش‪ ،‬لكن‬
‫خارج إطار املهرجان‪.‬‬

‫‪ -1‬تقدّم املسرحيّة يف جانب رئيسيّ منها حالة صراع بني جمموعة‬


‫من الشخصيّات اليت تنادي بالرتاجع أمام اخلطر اخلارجي‪ ،‬وأخرى‬
‫تنادي بالتشبّث باألرض وعدم الرتاجع أمام األخطار اخلارجيّة‪.‬‬

‫‪- 11 -‬‬
‫حفلة مسر‪:‬‬
‫مل تسمح اآلنسة خلود أن ميرّ احلديثُ عن مسرحيّة‬
‫«حفلة مسر من أجل ‪ /5/‬حزيران» مرور الكرام‪ ،‬عندما‬
‫ذكرتْ أ ّنها مسعت كثرياً عن هذه املسرحيّة‪ ،‬وأ ّنها تريد‬
‫أن تفردَ هلا حيّزاً واسعاً يف دراستها‪ ،‬فأثنيتُ على هذا‬
‫اخليار‪ ،‬وذ َّكرتُها مبا قاله الكاتبُ واملخرج املسرحي‬
‫فرحان بلبل عنها حينما شاهدها على خشبةِ املسرح؛‬
‫إذ رأى فيها خطوة أوىل حنو تعزيز العالقةِ بني املسرح‬
‫واجلمهور من خالل األع��داد الكبرية من املشاهدين‬
‫اليت حضرتْها‪ ،‬وهنا تذ ّكر صديقي ضياء أنه أسهم‬
‫يف اإلع��داد الستفتاء أُجري يف العام ‪1977‬م‪ ،‬ومشل‬
‫جمموعة من طلبة اجلامعةِ حول عالقتهم باملسرح؛‬
‫حيث أش��ارتْ نسبة كبرية من الطالب الذين مشلهم‬
‫االستفتاءُ إىل أنّ ه��ذه املسرحيّة كانت أوّل عرض‬
‫مسرحي يشاهدونه يف حياهتم‪ ،‬األمر الذي يعين أ ّنها‬
‫كانت واحدةً من املسرحيّات اليت جذبتْ ‪ -‬من خالل‬
‫السمعة ال�تي اكتسبتها ‪ -‬مجهوراً مسرحيّاً حيضر‬
‫العروض املسرحيّة ألوّ ِل مرّة!‬
‫‪- 12 -‬‬
‫وال شكّ أنّ هذه املسرحيّة قد امتلكتِ املؤهّالت‬
‫اليت جتعل اجلمهورَ يرتاد صال َة املسرح‪ ،‬أمهّها أ ّنها‬
‫كانت انعكاساً للواقع يف الفرتة اليت ظهرت فيها‪ ،‬وهو‬
‫أمر يذ ِّكر بأنّ سعد اهلل كان يؤمنُ دائماً أنّ املسرحَ فعل‬
‫مجاعيّ‪ ،‬وأنّ الشخصيّات فيه حافلة بالدالالت‪.‬‬

‫‪- 13 -‬‬
‫جتارب أخرى‪:‬‬
‫يبدو أنّ احلديثَ عن مسرحيّة «حفلة مسر من أجل‬
‫‪ /5/‬حزيران» قد طال‪ ،‬وجتاوز صديقي ضياء موعدَ‬
‫انصرافه إىل منزله بأكثر من ساعة‪ ،‬فما كان منه إال‬
‫أن دعاني واآلنسة خلود إىل منزله لتناول وجبة الغداء‪،‬‬
‫وكان لنا موعد آخر مع أدب سعد اهلل و ّنوس املسرحي‬
‫يف املساء؛ حيث بدأ األستاذ ضياء حديثه عن تلك‬
‫الفرتة من إبداع سعد اهلل (أواخر الستينيّات ومطلع‬
‫السبعينيّات) باحلديث عن مسرحيّته الشهرية «مأساة‬
‫بائع الدبس الفقري» اليت تتحدّث عن بائع دبس فقري‬
‫يطوف املدينة لتحصيل قوت عياله‪ ،‬فيتعرّض ملواقف‬
‫ش ّكلت حتدياً بالنسبة إليه وإىل عمله ضمن املدينة‬
‫اليت يبدو س ّكاهنا وكأ ّنهم جمموعة من التماثيل‪ ،‬والحظ‬
‫األستاذ ضياء أنّ سعد اهلل يف هذه املسرحيّة تأ ّثر‬
‫باملسرحني اليوناني القديم (اإلغريقي) والروماني‪ ،‬أمّا‬
‫مسرحيّة «ج ّثة على الرصيف»‪ ،‬فتتحدّث عن متسوّلَني‬
‫يلقيان مصريمها احملتوم‪ ،‬لكن يبدو أن صديقي نسي‬

‫‪- 14 -‬‬
‫مسرحيّة هامة‪ ،‬كتبها سعد اهلل يف تلك الفرتة هي‬
‫مسرحيّة «اجلراد»‪ ،‬فذ ّكرتُه هبا‪ ،‬وهي تتحدّث عن رجل‬
‫حيلم‪ ،‬ومن خالل احللم حي��اول الكاتب أن يبحر يف‬
‫أعماقه ليكشفَ خباياه وأسرارَه‪ ،‬ومن أجل مزيدٍ من‬
‫إقناع املتل ّقي بأجواءِ األحالم والنوم‪ ،‬يُبقي الكاتبُ على‬
‫صوتِ الشخري منذ بداية املسرحيّة ح ّتى هنايتها‪.‬‬
‫كأس من الشاي أخرجت اآلنس ُة خلود‬ ‫وبعد تناول ٍ‬
‫من بني أوراقِها بعضاً ممّا ُكتِب عن مسرحيّة «املقهى‬
‫الزجاجي» اليت كتبها سعد اهلل يف الفرتة نفسها؛ وقدّم‬
‫من خالهلا قضايا عامّة ومجاعيّة‪ ،‬وقد الحظ األستاذ‬
‫ضياء أ ّنها ختلو من املفهو ِم التقليدي ملعنى الشخصيّة‬
‫املسرحيّة؛ إذ إنّ الشخصيّات ليست أكثر من وسائل‬
‫لنقل وجهة نظر الكاتب‪.‬‬

‫‪- 15 -‬‬
‫يف مديريّة املسارح‪:‬‬
‫يسجّل العام ‪1975‬م‪ ،‬تقديمَ أوّل عمل مسرحيّ‬
‫لسعد اهلل و ّن��وس يف املسرح القوميّ بدمشق‪ ،‬فكان‬
‫البدّ لنا من زيارةِ مديريّة املسارح ّ‬
‫لنطلع على تفاصيل‬
‫مشاركته يف عروض املديريّة سواء يف املسرح القومي‬
‫أم التجرييب‪.‬‬
‫استقبلَنا على باب املديريّة السيد وليد املسؤول عن‬
‫قس ِم األرشيف‪ ،‬وأخربَنا أنّ املسرح القوميّ بدمشق‬
‫عرض لسعد اهلل أربعَ مسرحيّات هي‪ ،‬على التوايل‪:‬‬
‫‪ -‬سهرة مع أبي خليل القباني‪ ،‬إخراج أسعد فضة‪،‬‬
‫‪1975‬م‪.‬‬
‫‪ -‬امللك هو امللك‪ ،‬إخراج أسعد فضة ‪1977‬م‪.‬‬
‫‪ -‬مغامرة رأس اململوك جابر‪ ،‬إخراج فواز الساجر‬
‫‪1979‬م‪.‬‬
‫‪ -‬يوم من زماننا‪ ،‬إخراج عجاج سليم ‪1996‬م‪.‬‬
‫الوثائق املتو ّفرةِ‬
‫ِ‬ ‫وقد الحظت اآلنسة خلود من خالل‬
‫‪- 16 -‬‬
‫يف م��دي��ريّ��ة امل��س��ارح ع��ن ه��ذه امل��س��رح�يّ��ات األرب���ع‪،‬‬
‫وبالتحديد عن مسرحيّة «سهرة مع أبي خليل القباني»‬

‫أنّ سعد اهلل ك��ان ينظر ب��ارت��ي��ا ٍح إىل جت� ِ‬


‫��ارب روّادِ‬
‫املسرح العربي؛ أل ّنهم أدركوا منذ البداية تلك العالقة‬
‫بني املسر ِح واجلمهور‪ ،‬وآمنوا أن املسرحَ ال ميكن أن‬
‫يكون فعّاالً ومؤ ّثراً إال يف قدرتِه على التعبري عن واقع‬
‫اجلمهور الذي كان حاضراً بقوّة يف هذه املسرحيّة؛‬
‫إذ أشار السيد وليد إىل أنّ الكاتب أ ّكد فيها عالق َة‬
‫رائد املسرح السوري القبّاني مع مجهوره بسلبيّاهتا‬
‫‪- 17 -‬‬
‫وإجيابيّاهتا‪ ،‬وذلك حينما يؤ ّكد وبشكل ال لبس فيه‪،‬‬
‫أنّ التاريخ من املمكن أن يعيد نفسه‪ ،‬ألنّ الرتبة اليت‬
‫أنتجت مأساةَ «القبّاني» ما زالت موجودة‪ ،2‬وهنا ذكر‬
‫السيد ضياء أنّ سعد اهلل أ ّكد دائماً أمهيّ َة الشراكة بني‬
‫الصالةِ واجلمهور‪ ،‬فقد كان حيلم مبسرح تشرتك فيه‬
‫الصالة عرب حوار مرجتل وغينّ‪ ،‬يؤدّي يف النهاية إىل‬
‫إحساس عميق باجلماعة‪.‬‬
‫ٍ‬
‫حينما انتقل احلديث إىل مسرحية «امللك هو امللك»‬
‫اعتذر السيد وليد عن عدم متابعة اجللسة بسبب‬
‫انشغاله مبهمّة ُك ِّلف القيام هبا‪ ،‬لكنّه قبل أن يذهب‬
‫ترك بني أيدينا أرشيفَ املديريّة لنتابع البحث فيه‪،‬‬
‫فوقعتْ بني أيدينا وثيق ٌة احتوت وجه َة نظر الناقد‬
‫املسرحي نبيل احل ّفار حول هذه املسرحية؛ إذ يعتقد‬
‫احل ّفار أنّ الشكل املسرحي الذي ُقدِّمَت من خالله‬

‫‪ -2‬من املعروف أنّ «أبو خليل القباني»‪ ،‬اضطر إىل اهلجرة إىل مصر‬
‫بعد أن حاربته فئات متضرّرة من مسرحه الذي كشف فيه عن انتهازيّة‬
‫بعضهم‪ ،‬وتسلّطهم على اجملتمع وأفراده‪.‬‬

‫‪- 18 -‬‬
‫قادرٌ أكثر من غريه من األشكال األخرى على التواصل‬
‫مع اجلمهور العربي؛ من خالل الرتكيز على صعيد‬
‫املضمون على العنصر التعليميّ مع احلفاظ على شكل‬
‫فنّي قريب من ذوق املشاهد‪ ،‬حبيث يندمج الشك ُل مع‬
‫املضمون ليش ّكال معاً وحدةً فنيّة جديدة وم ّتسقة‪ ،‬بينما‬
‫لفتت انتباهَ األستاذ ضياء وثيق ٌة أخرى امتدح فيها‬
‫الناقد صالح صاحل أداء الفنان يوسف حنّا يف هذه‬
‫‪- 19 -‬‬
‫املسرحيّة إىل درجة قوله‪« :‬إنّ من الصعب ختيّل ممث ٍل‬
‫آخر يؤدّي الشخصيّة اليت أدّاها حنا»‪ .‬وقد عُرضت‬
‫هذه املسرحيّة بإخراجات خمتلفة يف العراق ومصر‬
‫واليمن وتونس‪ ،‬وهي مقتبسة من حكاية «أبو احلسن‬
‫املغ ّفل» الواردة يف كتاب «ألف ليلة وليلة»‪ ،‬وقد ملس فيها‬
‫الكاتب املسرحي فرحان بلبل براع ًة يف معاجلة قضايا‬
‫راهنة‪ ،‬وربّما هذا ما دفعه إىل إخراجها لفرقة املسرح‬
‫العمّايل يف محص‪ .‬ورأى الناقد عبد الكريم عمرين‬
‫يف إخ��را ِج بلبل هلذا النصّ عملي ًة تكامليّة بني النصّ‬
‫واإلخ��راج‪ ،‬وقد قام سعد اهلل بإدخال تعديالتٍ على‬
‫بعض شخصيّات احلكاية ح ّتى تكون مناسب ًة جلمهو ِر‬
‫اليوم‪ ،‬كما ابتكر شخصيّاتٍ إضافيّ ًة هبدف تعزيز فكرة‬
‫املسرحيّة‪ ،‬وسهولة إيصاهلا إىل اجلمهور‪.‬‬
‫بعد أن اكتفت اآلنسة خلود هبذا الكمّ من احلديث‬
‫ع��ن مسرحيّة «امل��ل��ك ه��و امل��ل��ك» انتقلنا إىل البحث‬
‫عن الوثائق املتعلّقة مبسرحية «مغامرة رأس اململوك‬
‫جابر»؛ حيث الحظت خلود أنّ سعد اهلل عرض يف‬

‫‪- 20 -‬‬
‫مسرحيّته هذه حكايته من خالل مقهى شعيب‪ ،‬وأنّ‬
‫الشخصيّة الرئيسة يف املسرحيّة (اململوك جابر) حافلة‬
‫بالدالالت‪ ،‬خاصة أنّ سعد اهلل أملح يف املسرحيّة إىل أنّ‬
‫العقاب الذي تناله شخصيّة جابر يف النهاية تستحقه؛‬
‫نظراً لسلبيّتها جتاه كل ما كان يدور حولَها‪ ،‬وسعيها‬
‫إىل اخلالص الفردي‪ ،‬بينما لفتُّ نظر األستاذ ضياء‬
‫واآلنسة خلود إىل أنّ سعد اهلل حاول يف مسرحيّتِه‬
‫هذه أن يكون للجمهور دوره مم َّثالً بالشخصيّات اليت‬
‫مت ّثل روّادَ املقهى يف املسرحيّة‪ ،‬وأ ّن��ه أوحى جلمهور‬
‫اليوم أنّ أحداثَ املسرحيّة ميكن أن تتكرّر يف ك ّل زمان‬
‫ومكان‪ ،‬وقد سبق للناقد املسرحيّ نبيل احل ّفار أن أملح‬
‫إىل أنّ سعد اهلل مل يقدّم احلكاية يف هذه املسرحية‬
‫على أ ّنها حكاية فحسب‪ ،‬إ ّنما قدّمها يف إطار اجتماعي‬
‫اق��ت��ص��اديّ‪ ،‬حبيث ال يبذل املشاهد جهداً كبرياً يف‬
‫التواصل مع الشخصيّات يف دوافعها وأهدافِها‪ ،‬كما‬
‫أ ّنه استخدم فيها شخصيّة احلكواتي‪ ،‬وهو األمر الذي‬
‫قرّب العم َل أكثر من اجلمهور الذي يش ّكل احلكواتي‬
‫بالنسبة إليه تراثاً ثقافيّاً وحضاريّاً‪.‬‬
‫‪- 21 -‬‬
‫وعندما ُفسح اجملال للحديث عن مسرحيّة «يوم من‬
‫زماننا»‪ ،‬كان السيّد وليد قد عاد من مهمّته ليفيدنا‬
‫أ ّنه شاهد هذه املسرحيّة على خشبة مسرح القبّاني‪،‬‬
‫مخس حمطات‪ ،‬كلّما‬ ‫ِ‬ ‫وأ ّنه يتذ ّكر متاماً أ ّنها مكوّنة من‬
‫حمطة‪ ،‬تكشّفت أمامه حقائقُ جديدة‪ ،‬مل‬ ‫ّ‬ ‫جتاوز بطلُها‬
‫يكن فيما مضى ليصدّق إمكانيّة وجودها هبذا الشكل‬
‫الواضح‪ ،‬وتذ ّكر السيّد وليد أنّ املَشاهد الثالثة األوىل‪،‬‬
‫ُقدِّمت بإطار كوميدي‪ ،‬ويف املشهدين األخريين‪ ،‬غابت‬
‫الطرافة عن املسرحية‪ ،‬كما ذكر أنّ املقاالت النقديّة‬
‫اليت نشرتْها الصحفُ آن��ذاك عن املسرحية أشارت‬
‫إىل أنّ سعد اهلل استلهم أحداثها وشكلَها الفنّي من‬
‫مسرحية «أودي��ب ملكاً» للكاتب املسرحي اإلغريقي‬
‫سوفوكليس‪ ،‬وقد دافع سعد اهلل عن خياراته يف إعداد‬
‫ه��ذه املسرحيّة وغريها من املسرحيّات ال�تي كتبها‬
‫عندما قال‪:‬‬
‫«إ ّننا نقتبس أو نعدّ أل ّننا نبحث عن رؤيتنا العربيّة‬
‫املتجاوبة مع واقعِنا‪ ،‬أو أل ّننا حن��اول أن يكون فعلُنا‬

‫‪- 22 -‬‬
‫املسرحيّ راهناً وفعّا ًال يف املكان والزمان‪ ،‬خاصّة أنّ‬
‫فعالية املسر ِح تضمح ّل‪ ،‬وتضعف إذا مل يعرف كيف‬
‫حياور زمنه وبيئته!»‬

‫‪- 23 -‬‬
‫جملة «احلياة املسرحيّة»‪:‬‬
‫بعد انتهاء زيارتنا إىل مديريّة امل��س��ارح‪ ،‬عرّجنا‬
‫مكتب جملّة «احلياة املسرحيّة» املوجود يف البناء‬
‫ِ‬ ‫على‬
‫نفسه‪ ،‬وه��ي اجمللّة ال�تي أسهم سعد اهلل و ّن��وس يف‬
‫تأسيسها ع��ام ‪1977‬م‪ ،‬وت��رأّس حتريرَها م �دّة تس ِع‬
‫سنوات‪ ،‬والحظ األستاذ ضياء من خالل استعراضِه‬
‫أعدادَ اجمللة القدمية أنّ عالق َة سعد اهلل هبا‪ ،‬مل تكن‬
‫رئيس حتري ٍر مبجلّة يشرف على إصدارها‬ ‫ِ‬ ‫عالقة‬
‫فحسب؛ بل كان مُسهماً فعّاالً فيها‪ ،‬فكتب هلا العديدَ‬
‫من املقاالت‪ ،‬وهنا يذكر الناقد نبيل احل ّفار أنّ تأسيس‬
‫ه��ذه اجمل��ل��ة‪ ،‬ج��اء تتوجياً جلهود سعد اهلل يف هذا‬
‫االجت���اه‪ ،‬وه��و ال��ذي ك��ان ي��درك منذ اللحظة األوىل‬
‫أنّ جملّ ًة كهذه لن تقف على قدميها إال بالتعاو ِن بني‬
‫الك ّتاب والباحثني والن ّقاد املسرحيّني العرب؛ لتكون‬
‫مرآة تعكسُ مهومهم وقضاياهم‪ .‬وقد نشر سعد اهلل‬
‫يف اجمللة نصَّه املسرحي «رحلة حنظلة من الغفلة إىل‬
‫اليقظة» يف العدد السادس الصادر يف العام ‪1978‬م‪،‬‬
‫وه��ي املسرحيّة ال�تي اقتبسها عن مسرحيّة «كيف‬
‫ختلّص السيد موكينبوت من آالمه؟» للكاتب األملاني‬
‫‪- 24 -‬‬
‫بيرت فايس‪ ،‬وقد أُخرجت خلشبة املسرح عدّة مرّات‪،‬‬
‫منها إخ��راج الفنان أمين زي��دان يف أواخ��ر مثانينيّات‬
‫القرن املاضي‪ ،‬ويف هذا السياق يقول الناقد عطيّة‬
‫مسوّح‪ :‬إنّ سعد اهلل اختار يف هذه املسرحيّة معاجلة‬
‫موضوع له عالقة محيمة حبياة اإلنسان‪ ،‬معطياً دوراً‬
‫تعليميّاً للشخصيّة الرئيسة فيها‪.‬‬

‫‪- 25 -‬‬
‫املسرح التجرييب‪:‬‬
‫�ب جم �لّ��ة «احل��ي��اة‬
‫ب��ع��د اجل��ل��س��ة امل��ط �وّل �ةِ يف م��ك��ت� ِ‬
‫املسرحيّة»‪ ،‬والعودة إىل أرشيفها‪ ،‬كان ال بدّ من أن نعرّج‬
‫على مسرح القبّاني‪ ،‬وهو املسرح الذي ا ّتخذه سعد اهلل‬
‫و ّنوس مقرّاً للمسر ِح التجرييب‪ ،3‬بعد أن كلّفته وزارة‬
‫الثقافة تأسيسَهُ يف العام ‪1977‬م‪ ،‬إىل جانب زميله‬
‫وصديقه املخرج املسرحي فوّاز الساجر‪.‬‬
‫فور وصولنا إىل املسرح كانت يف استقبالنا السيّدة‬
‫وفاء مديرة املسرح اليت أخربتنا أنّ املسرحَ التجرييب‬
‫ال��ذي أسّسه سعد اهلل‪ ،‬ق�دّم يف الفرتة ما بني العام‬
‫(‪1977‬و‪1979‬م)‪ ،‬ثالث َة عروض مسرحيّة من إعداد‬
‫سعد اهلل‪ ،‬وإخراج فواز الساجر‪ ،‬هي على التوايل‪:‬‬
‫«يوميات جم��ن��ون»‪« ،‬رحلة حنظلة من الغفلة إىل‬
‫اليقظة»‪« ،‬ثالث حكايات‪».‬‬
‫وك��ان اهل��دف من وراء تأسيس املسرح التجرييب‬
‫املزيد من التواص ِل مع اجلمهور‪ ،‬ال الرتكيز على الشك ِل‬

‫‪ -3‬املسرح التجرييب‪ :‬تقديم أعمال مسرحيّة‪ ،‬ال تتقيّد بالقواعد‬


‫التقليديّة اليت قام عليها املسرح عرب تارخيه‪.‬‬
‫‪- 26 -‬‬
‫اخلارجي للعم ِل املسرحي فقط‪ ،‬خاصة أنّ بعضهم يعتقدُ‬
‫أنّ معنى التجريب يف املسرح‪ ،‬إدخال جتديداتٍ على شكل‬
‫العرض املسرحي على حساب املضمون‪ ،‬وقد وصف‬ ‫ِ‬

‫الكاتبُ املسرحيّ فرحان بلبل هذا املسرح بأ ّنه كان‬


‫ظاهرة مجاليّ ًة ختوض معرك ًة اجتماعيّة‪ ،‬وأ ّنه اختلف‬
‫متاماً عن ك ّل التجارب املسرحيّة السوريّة والعربيّة‬
‫املشاهبة‪ ،‬وق��د وُصِ� َف��ت مسرحيّة «يوميّات جمنون»‬
‫‪- 27 -‬‬
‫بالعمل اجليّد شكالً ومضموناً‪ ،‬بينما ع�دّ بعضهم أنّ‬
‫عمليّة اإلع��داد اليت قام هبا سعد اهلل للنّص قرّبته من‬
‫اجلمهور العربي‪ ،‬ويبدو أنّ هذه املعلومات شحذت ذاكرة‬
‫صديقي ضياء؛ إذ تذ ّكر ال��دور ال��ذي أدّاه سعد اهلل يف‬
‫تقديم مسرحيّة «يوميّات جمنون» اليت م َّثلها الفنان أسعد‬
‫فضة‪ ،‬إضافة إىل عدد من املم ّثلني‪ ،4‬وقد امتدحها األديب‬
‫مم��دوح ع��دوان‪ ،‬وق��ال‪« :‬إّهن��ا حرّكت اجل�وّ املسرحيّ يف‬
‫دمشق زمنَ عرضها‪ ،‬وانتشلته من حالة الركود‪ ،‬ودفعت به‬
‫خطوات إىل األمام من خالل اللغة املسرحيّة اجلديدة اليت‬
‫قدّمها هبا كاتبها»‪ .‬ومت ّكن عدوان من اكتشاف طبيعةِ عمل‬
‫سعد اهلل‪ ،‬عندما أعدّ هذا النصّ ذاكراً أ ّنه ر ّكز على إبراز‬
‫املوظف‪ 5‬اليت تقدّمها هذه املسرحيّة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫مأساة شخصيّةِ‬
‫مشتغالً يف الوقت نفسه على إدانتها من قبل مجهورنا؛‬
‫أل ّنها شخصيّة ذات طموحات فرديّة حمدودة‪.‬‬
‫‪ -4‬شارك يف األداء أيضاً الفنّانون‪ :‬بسام لطفي ‪ -‬عبد الفتاح املزين‪-‬‬
‫حسن عكال‪.‬‬
‫ّ‬
‫حيضر ألداء هذه‬ ‫‪ -5‬يذكر عدوان أنّ الفنّان أسعد فضة‪ ،‬عندما كان‬
‫واطلع على حاالت متعدّدة‬‫الشخصية زار مشفى األمراض العقليّة‪ّ ،‬‬
‫للمرضى‪ ،‬وقرأ كتباً يف علم النفس‪ ،‬وتردّد على أخصائيّة يف هذا العلم‬
‫عدّة مرات؛ كي يتم ّكن من جتسيد الشخصيّة بصورة عميقة‪.‬‬
‫‪- 28 -‬‬
‫يف الوقت نفسه امتلكت مسرحيّ ُة «ث�لاث حكايات»‬
‫العوامل ال�تي جعلتْها تنتقل إىل أح��د أماكن التجمّعات‬
‫العمّاليةِ حبثاً عن مجهور واسع‪ ،‬ومل يكن املكان املتواضع‬
‫الذي ُقدّمت فيه املسرحي ُة جمهّزاً تقنيّاً بشكل جيّد‪ ،‬إذ‬
‫اقتصر على كونه صال ًة كبرية جُهّزت على عجل حتّى‬
‫تستقبل العرضَ املسرحيّ ال��ذي ك��ان يُقدّم يف النهار؛‬
‫بسبب عدم وج��ود إض��اءة مسرحيّةٍ ليالً‪ ،‬وبالرغم من‬
‫ذلك استقطبت املسرحي ُة آالف املشاهدين‪ ،‬ويذكر الكاتب‬
‫فرحان بلبل أ ّنه رافق الكاتب سعد اهلل و ّنوس‪ ،‬واملخرج‬
‫فواز الساجر يف هذا العرض‪ ،‬ويصفُ كيف كان سعد اهلل‬
‫جيلس يف آخر صفّ من املشاهدين مراقباً ردود أفعال‬
‫اجلمهو ِر على تفاصي ِل العرض املسرحي‪ ،‬فكان يثين على‬
‫بعض ردود األفعال‪ ،‬ويستغربُ من ردود أفعال مل يتو ّقعها‬
‫يف موقف معيّن‪ ،‬ويروي بلبل أيضاً كيف حتلّق املتفرّجون‬
‫بعد العرض ح��ول سعد اهلل والساجر‪ ،‬ووجّ��ه��وا إليهما‬
‫أسئلتهم واستفساراهتم حول املسرحيّة‪ ،‬ويبدو أ ّنها كانت‬
‫أسئل ًة عميقة‪ ،‬تناولت العرض املسرحي يف الصميم‪.‬‬

‫‪- 29 -‬‬
‫منمنمات تارخييّة‪:‬‬
‫يف السنوات األخرية من مسرية سعد اهلل اإلبداعيّة‬
‫(ع��ق��د ال��ت��س��ع��ي��ن�يّ��ات) ك��ت��ب ع����دداً ال ب���أس ب��ه من‬
‫النصوص املسرحيّة؛ منها مسرحية «االغتصاب» اليت‬
‫تطرّق فيها إىل القضيّة الفلسطينيّة‪ ،‬وقد أخرجها‬
‫ج��واد األس���دي‪ ،‬وه��ي إع��داد عن مسرحيّة «القصة‬
‫املزدوجة للدكتور باملة» للكاتب اإلسباني باييخو‪ ،‬كما‬
‫كتب مسرحيّة «طقوس اإلش��ارات والتحوّالت» اليت‬

‫‪- 30 -‬‬
‫تدور أحداثها يف فرتة االحتالل العثماني‪ ،‬وورد يف أحد‬
‫املراجع اليت عادت إليها اآلنسة خلود أنّ سعد اهلل استقى‬
‫مادهتا األساسيّة من م��ذ ّك��راتِ الشخصيّة السوريّة‬
‫البارزةِ فخري البارودي‪ ،‬وهي مكوّنة من جزأين‪ ،‬ويعدّ‬
‫الناقد املسرحي نبيل احل ّفار هذه املسرحيّ َة منعطفاً‬
‫حامساً يف تعام ِل سعد اهلل مع القضايا اإلنسانيّة‪.‬‬
‫أخ��رج��ت ال��ف��ن��ان� ُة اللبنانية ن��ض��ال األش��ق��ر هذه‬
‫املسرحيّة‪ ،‬ومت ّكن سعد اهلل من السف ِر إىل بريوت‬
‫ملشاهدهتا على الرغم من وط��أة امل� ِ‬
‫�رض ال�تي كانت‬
‫قد اشتدّتْ عليه‪ ،‬وكتب يف الفرتة نفسها مسرحيّات‪:‬‬
‫«األيّام املخمورة» و«ملحمة السراب» و«أحالم شقيّة»‪.‬‬
‫وباحلديث عن املرحلة األخرية من رحلته اإلبداعيّة‪،‬‬
‫أص �رّ األس��ت��اذ ضياء على أنّ مسرحيّة «منمنمات‬
‫تارخييّة»‪ ،‬هي األبرز واألفضل من بني أعمال سعد اهلل‬
‫األخرية‪ ،‬وهي تتحدّث عن الفرتةِ التارخييّةِ اليت َّ‬
‫توغل‬
‫األرض السوريّة ح ّتى أبواب دمشق‪،‬‬‫ِ‬ ‫فيها تيمورلنك يف‬
‫وتر ّكز على املواقف املتباينةِ اليت نشأت حينذاك داخل‬
‫‪- 31 -‬‬
‫ِ‬
‫اجليش‬ ‫املدينة ح��ول الطريقةِ األج��دى للتعام ِل مع‬
‫الغازي‪ ،‬ويقسم سعد اهلل مسرحيّتَه ثالث َة فصول‪،‬‬
‫يطلق على الفص ِل «منمنمة»‪ ،‬ويقسم ك ّل منمنمةٍ عدداً‬
‫من املشاهد القصرية‪ ،‬ويطلق على كل مشهدٍ اسم‬
‫مثة أكثر من مستوى فيما يتعلّق بأحداث‬ ‫«تفصيل»‪ ،‬و ّ‬
‫املسرحيّة‪ ،‬فهناك املستوى ال��ذي ي��ق�دَّم ع��ن طريق‬
‫شخصيّة امل��ؤرّ ِخ القديم املوكلة إليها مهمّة التعريف‬
‫بالوقائع التارخيية سواء املتعلّقة برصد مراح ِل القتال‬
‫أم حبالةِ سكا ِن املدينة املتأ ّثرة بتتاب ِع وقائع الصراع‪،‬‬
‫كما تلحظ شخصيّة املؤرّخ القديم حالة املناخ السائدة‬
‫املرافقة لألحداث‪ .‬وكذلك وضع هنر بردى يف حماولة‬
‫للربطِ بنيَ احلاالتِ املتعدّدة اليت ميرّ هبا النهر‪ ،‬وما‬
‫يقابلها من تطوّرات على صعيدِ املواجهة‪ ،‬وكعادته ال‬
‫يقدّم سعد اهلل شخصيّات مت ّثل حاالتٍ فرديّ ًة فقط؛‬
‫بل يقدّم ك ّل شخصيّةٍ بوصفها منوذجاً مي ّثل فئ ًة ما من‬
‫فئات السكان‪.‬‬
‫والحظت اآلنسة خلود أنّ الكاتب عندما يقدّم‬

‫‪- 32 -‬‬
‫من��اذجَ الشخصيّات يف ه��ذه املسرحيّة‪ ،‬ال يقدّمها‬
‫بوصفها مناذج مطلقة للفئاتِ اليت مت ّثلها؛ بل يضع يف‬
‫مواجهتها مناذجَ أخرى تنتمي إىل الفئة نفسها‪ ،‬لكنّها‬
‫ختتلف معها جذريّاً يف املواقف‪.‬‬
‫ويلجأ الكاتبُ يف ك ّل مشهد من مشاهد مسرحيّتِه‬
‫كل طرف من‬ ‫إىل لعبةِ التضاد يف املواقف؛ حيث يعرض ُّ‬
‫طريف املشهد وجه َة نظره وموقفه ممّا جيري‪ ،‬صحيح‬
‫أنّ الكاتب مي ّكن ك ّل طرف من سوق املسوّغات اليت‬
‫تدفعه الختاذ مواقفه‪ ،‬إال أنّ قارئ النص أو مُشاهد‬
‫العرض لن جيد صعوبة كبرية يف التعرّف بالطرف‬
‫الذي يؤيّد الكاتبُ مواقفه‪ ،‬بينما جند الطرفَ اآلخر‬
‫مداناً دائماً‪...‬‬
‫وينفي سعد اهلل أن يكون نصّه املسرحيّ هذا تأرخياً؛‬
‫بل هو ‪ -‬حبسب وجهة نظره ‪ -‬قراءة يف التاريخ‪ ،‬وقد‬
‫أخرجت املسرحيّ َة الفنان ُة نائلة األط��رش‪ ،‬و ُقدِّمت‬
‫يف قلعة دمشق عام ‪1997‬م؛ أي يف موقع األح��داث‬
‫احلقيقي الذي يفرتضه النص؛ وقد اعتمدت املخرج ُة‬
‫‪- 33 -‬‬
‫على شاشة سينمائية للمَشاهد اخلاصّة بشخصيّة‬
‫املؤرّخ القديم‪ ،‬وأسهم هذا االستخدام يف الفصل بني‬
‫شخصيّة املؤرّخ وشخصيّات العرض األخرى‪ ،‬وجسّد‬
‫شخصيّات املسرحيّة ع��دد من طلبةِ املعهد العايل‬
‫للفنون املسرحيّة آنذاك‪ ،‬باإلضافة إىل الفنّانَني عبد‬
‫املنعم عمايري‪ ،‬ووائل رمضان‪ ،‬وقد بلغت مدّة العرض‬
‫ثالث ساعات‪.‬‬

‫‪- 34 -‬‬
‫يف املهرجانات املسرحيّة‪:‬‬
‫مل تغب نصوص سعد اهلل و ّن��وس عن املهرجانات‬
‫املسرحيّة احملليّة اليت انطلقت يف سبعينيّات القرن‬
‫املاضي‪ ،‬يف مقدّمتها مهرجان دمشق املسرحيّ‪.‬‬
‫من خالل العودة إىل ما ُكتِب عن املهرجان توصّلت‬
‫اآلنسة خلود إىل أنّ من أبرز مشاركات نصوص سعد‬
‫اهلل يف هذا املهرجان مسرحيّته «مغامرة رأس اململوك‬
‫جابر» يف ال��دورة التاسعة من املهرجان اليت أقيمت‬
‫يف العام ‪1984‬م‪ ،‬وقد أخرج العرض املخرج املسرحي‬
‫العراقي جواد األسدي الذي رأى أنّ سعد اهلل استخدم‬
‫املقهى يف هذه املسرحيّة بأسلوب معاصر‪ ،‬وأشار إىل أ ّنه‬
‫مييل إىل هذه املسرحيّة منذ فرتة طويلة؛ لتو ّفر العديد‬
‫من العناصر الدراميّة فيها‪ ،‬بينما أشار الناقد نبيل‬
‫احل ّفار إىل أنّ ما استهوى األسدي يف هذه املسرحيّة‪،‬‬
‫مضموهنا الفكري وغناها بإمكانات التجسيد على‬
‫خشبة املسرح‪ ،‬وقدرهتا على ربط املاضي باحلاضر‪،‬‬
‫يف الوقت ال��ذي ن�وّه فيه األدي��ب مم��دوح ع��دوان بأنّ‬
‫‪- 35 -‬‬
‫سعد اهلل كتب هذه املسرحيّة بليونة وطواعية‪ ،‬بينما‬
‫وجد الناقد نديم معال حممد أ ّنها حتتفظ بالكثري من‬
‫رونقها ومصداقيّة أحداثها‪ ،‬وأنّ األسدي وصل بلغتها‬
‫البصريّة إىل مستوى اللوحة التشكيليّة‪ ،‬مع مراعاة‬
‫حرص سعد اهلل على توظيف مضامني هذه األحداث‬
‫يف خدمة الفكرة اجلديدة واملعاصرة اليت يريد إيصاهلا‬
‫إىل الـمُشاهِد‪ ،‬ورأى الشاعر شوقي بغدادي أ ّنها حتاول‬
‫أن تقرأ احلاضر من خالل العودة إىل املاضي‪ ،‬وهنا‬
‫يتقاطع هذا السعي من قبل سعد اهلل ‪ -‬كما تالحظ‬
‫اآلنسة خلود‪ -‬مع سعيه إىل إجي��اد شكل مسرحي‬
‫عربيّ بعيد عن األشكال املسرحيّة التقليديّة اليت كانت‬
‫سائدة يف سبعينيّات القرن املاضي‪.‬‬
‫ويف مهرجان دمشق املسرحي احلادي عشر املقام‬
‫ضت مسرحيّته «امللك هو امللك»‬‫يف العام ‪1988‬م‪ ،‬عُ ِر َ‬
‫من قِبل فرقة مسرحيّة مصريّة‪ ،‬وإخراج منري راضي‪،‬‬
‫وق��د رأى الناقد نديم معال حممد أنّ املخرج مت ّكن‬
‫من إجياد املعادل البصري املناسب للنصّ باالعتماد‬

‫‪- 36 -‬‬
‫على الفولكلور والرتاث الشعيب املصري‪ ،‬وأشار إىل أ ّنه‬
‫تصرّف بالنص من دون املساس جبوهر أفكاره‪ ،‬بينما‬
‫اختلفت رؤية الناقد صالح صاحل هلذه التجربة عندما‬
‫اعترب أن نقل النصّ إىل اللهجة املصرية أخضعها لرؤية‬
‫أحادية اجلانب‪...‬‬
‫ويف املهرجان نفسه قدّمت فرقة إماراتية مسرحيّة‬
‫سعد اهلل «رحلة حنظلة»‪ 6‬إخراج عبد اإلله عبد القادر‪،‬‬
‫وقد متيّز العرض برشاقة أداء مم ّثليه‪ ،‬وخبلوّه من‬
‫الديكورات املع ّقدة‪ ،‬كما ُقدِّمت املسرحية نفسها يف‬
‫املهرجان من قِبل فرقة املسرح اجلوّال السوريّة بإخراج‬
‫أمين زي��دان‪ ،‬وقد الحظ الناقد نديم معال حممد أنّ‬
‫زيدان‪ ،‬حاول يف هذا العرض أن يقدّم عمالً مسرحيّاً‬
‫شعبيّاً ذا مستوى راقٍ‪.‬‬

‫‪ُ -6‬قدِّم النص نفسه حتت عنوان «حنظلة» يف مهرجان القاهرة‬


‫للمسرح التجرييب عام ‪1994‬م‪ ،‬من قِبل فرقة املسرح احلديث املصريّة‪،‬‬
‫إخراج حممد دسوقي‪ ،‬كما ُقدِّمَت املسرحية بعنوان «رحلة حنظلة» يف‬
‫املهرجان نفسه من قِبَل فرقة األصدقاء السودانية‪ ،‬إخراج مصطفى‬
‫أمحد اخلليفة‪.‬‬

‫‪- 37 -‬‬
‫ويف دورة املهرجان الثانية عشرة اليت أُقيمت يف العام‬
‫‪2004‬م‪ ،‬شاركت مسرحية سعد اهلل «يوم من زماننا»‬
‫عرض‬
‫ٍ‬ ‫حتت عنوان «يوم من هذا الزمان»‪ ،‬من خالل‬
‫أخرجه املصري عمرو دوارة‪.‬‬
‫وبعيداً عن مهرجان دمشق املسرحي ذكر األستاذ‬
‫ضياء أ ّنه حضر مهرجان اهلواة املسرحيّ الذي أقيم‬
‫يف مدينة حلب عام ‪1977‬م‪ ،‬ويتذ ّكر متاماً أنّ مسرحيّة‬
‫سعد اهلل «الفيل يا ملك الزمان» ُقدِّمَت من خالل رؤيتني‬
‫إخراجيّتني‪ ،‬إح��دامه��ا للمخرج منري طانا‪ ،‬والثانية‬
‫للمخرج فوزي نيازي‪ ،‬كما يتذ ّكر اختيار املخرج أمحد‬
‫حداد مسرحيّ َة سعد اهلل «امللك هو امللك» ليقدّمها يف‬
‫مهرجان اهل��واة املسرحي يف العام ‪1978‬م‪ ،‬وشاركت‬
‫مسرحيّته «االغتصاب» يف مهرجان محاة املسرحي‬
‫عام ‪1996‬م‪ ،‬وقد أخرجها الفنان حسني ناصر‪.‬‬

‫‪- 38 -‬‬
‫خارج حدود الوطن‪:‬‬
‫يف خضم البحث عن األثر األدبيّ والفنّي الذي تركه‬
‫سعد اهلل و ّنوس‪ ،‬كان ال بدّ من زيارة إىل مكتبة األسد‪،‬‬
‫وه��ي املكان ال��ذي يتو ّفر فيه أك�بر ق��در من الوثائق‪،‬‬
‫لكن هذه املرّة مل يكن بإمكاننا مرافقة اآلنسة خلود‬
‫اليت توصّلت إىل نتائج ملفتة للنظر يف حبثها حول‬
‫احلضور اخلارجي ألعمال سعد اهلل و ّنوس؛ إذ كان هلا‬
‫حضورها الفعّال والغين خارج اإلطار السوري والعربي؛‬
‫ضت أعماله يف أكثر من دولة أوروبيّة‪ ،‬وتبيّن‬ ‫إذ عُ ِر َ‬
‫ضت مسرحيّة «مغامرة‬ ‫هلا أ ّنه يف العام ‪1977‬م‪ ،‬عُ ِر َ‬
‫رأس اململوك جابر» يف فرنسا‪ ،‬والقت صدى كبرياً يف‬
‫األوس��اط املسرحيّة والثقافيّة الفرنسيّة‪ ،‬وقبل ذلك‬
‫بأربع سنوات‪ ،‬عُ ِرضت املسرحيّة نفسها من قبل فرقة‬
‫مسرحيّة أملانيّة يف أملانيا‪ ،‬وأجرت جملة أملانيّة حواراً‬
‫مع سعد اهلل مبناسبة تقديم املسرحيّة‪ ،‬قال فيه‪« :‬نريد‬
‫من املسرح العربي أن يعكس احلقيقة‪ ،‬وأن يساعد‬
‫الناس على ح ّل املشاكل املوجودة يف جمتمعاتنا»‪.‬‬

‫‪- 39 -‬‬
‫وق��د أص���در امل��س��رح ال��ق��وم��ي األمل��ان��ي كتيّباً عن‬
‫املسرحيّة تضمّن تقدمياً للكاتب وللمسرحيّة‪ ،‬كما‬
‫تضمّن مقطعاً من كتاب سعد اهلل و ّن��وس «بيانات‬
‫ملسرح عربي جديد»‪ ،‬ومت تقديم املسرحية مدّة مخسة‬
‫وعشرين يوماً‪ ،‬وأشادت هبا الصحافة األملانيّة‪ ،‬إذ كتبت‬
‫جملّة «مسرح العصر» تقول‪:‬‬
‫«ال يدّخر سعد اهلل و ّن��وس لعرضه أيّ��ة وسيلة إال‬
‫وينسجها بإتقان غري عادي‪ ،‬وبك ّل فعالية»‪.‬‬
‫ويف العام ‪1975‬م‪ ،‬تعرّف اجلمهور األملاني من جديد‬
‫بسعد اهلل من خالل مسرحيّته «سهرة مع أبي خليل‬
‫القباني» اليت عُرضت يف مهرجان برلني املسرحي‪،‬‬
‫من قِبل فرقة املسرح القوميّ يف سورية‪ ،‬وأخرجها‬
‫الفنّان أسعد فضة‪ .‬وبعد عرض املسرحيّة يف برلني‪،‬‬
‫عُ� ِرض��ت يف أكثر من مدينة أملانيّة‪ ،‬ووص��ف الن ّقاد‬
‫املسرحيّون األملان هذا العرض بأ ّنه حدث ثقافـيّ هام‪،‬‬
‫وعُقِد نقاش موسّع بني أسرة املسرحيّة‪ ،‬وجمموعة من‬
‫املث ّقفني األملان‪.‬‬
‫‪- 40 -‬‬
‫ض��ت مسرحية «رحلة حنظلة من الغفلة‬ ‫كما عُ� ِر َ‬
‫إىل اليقظة» إخراج فواز الساجر يف مهرجان ثقافات‬
‫العامل ال��ذي استضافته مدينة برلني األملانية عام‬
‫‪1979‬م‪ ،‬ومسرحية «مغامرة رأس اململوك جابر» يف‬
‫موسكو عام ‪1985‬م‪ ،‬وأخرجها السوري أك��رم خزام‬
‫كمشروع خترّج يف معهد الفنون املسرحيّة يف موسكو‪،‬‬
‫وأدهتا جمموعة من املم ّثلني الروس‪ ،‬ووصفتها الناقدة‬
‫الروسية «أولغا فالسوفا» بأهنا عصريّة بشكل مدهش‪،‬‬
‫بينما رأى الناقد «غارماش» أنّ الفكرة الرئيسة للعمل‬
‫كانت واضحة ومفهومة‪...‬‬
‫بناء على هذه املعلومات اليت توصّلت إليها اآلنسة‬
‫خلود بعد زيارهتا مكتبة األسد‪ ،‬أ ّكد األستاذ ضياء أنّ‬
‫الكثريين من املتابعني ملسرية سعد اهلل و ّنوس اإلبداعيّة‪،‬‬
‫يعتقدون أ ّنه مل يكن كاتباً مسرحيّاً فحسب؛ بل كان‬
‫سفرياً للمسرح العربي احلديث خارج حدود الوطن‬
‫العربي‪ ،‬مشرياً إىل مشاركاته الغنيّة يف ندوات ولقاءات‬
‫مسرحيّة خارج حدود الوطن العربي؛ إذ شارك يف العام‬

‫‪- 41 -‬‬
‫‪1968‬م يف حوار عن الكاتب املسرحي األملاني «برتولت‬
‫بريشت»‪ ،‬عُقِد يف مدينة برلني األملانية‪ ،‬وهناك تعرّف‬
‫بالكاتب املسرحي «بيرت فايس»‪ ،‬ما دفعه حبسب ما‬
‫تذكر الباحثة األملانيّة «رجيينا قرشويل» إىل تعزيز‬
‫البعد االجتماعي يف أعماله املسرحيّة‪.‬‬
‫وتؤ ّكد «قرشويل» أنّ مسرحيّات سعد اهلل أغنت‬
‫العمل امل��س��رح��ي يف س��وري��ة وال��وط��ن ال��ع��رب��ي‪ ،‬وأنّ‬
‫أيّة دراس��ة للمسرح العربي املعاصر ال بدّ أن تتناول‬
‫أعماله‪ ،‬وهو رأي يتقاطع مع رأي الربوفسور األملاني‬
‫«بيرت بيلمان» الذي قال‪ :‬إنّ سعد اهلل و ّنوس واحد ممّن‬
‫شاركوا يف تطوير الفنّ املسرحي يف سورية يف عقد‬
‫السبعينيّات من القرن املاضي‪ ،‬مؤ ّكداً أ ّنه كان يربط‬
‫فعالية املسرح وتأثريه بالدور االجتماعي الذي ميكن‬
‫أن يقوم به‪.‬‬
‫هذا وقد تُرمجت بعض أعماله املسرحيّة إىل اللغة‬
‫الروسيّة عام ‪1984‬م‪ ،‬وه��ي‪« :‬مغامرة رأس اململوك‬
‫جابر» و«امل��ل��ك هو امللك» و«الفيل يا ملك الزمان»‬
‫‪- 42 -‬‬
‫و«سهرة مع أبي خليل القباني»؛ وقد تزامن صدور هذه‬
‫املسرحيّات يف موسكو مع زيارته إليها‪ ،‬ونفد الكتاب‬
‫الذي ضمّها من املكتبات الروسيّة؛ حيث أقبل عليه‬
‫القرّاء الروس بنهم شديد‪.‬‬

‫‪- 43 -‬‬
‫استنتاجات عامة‪:‬‬
‫كان ال بدّ بعد هذه اجلولة يف عامل سعد اهلل و ّنوس‬
‫تلخص‬‫من أن تصل الباحثة خلود إىل استنتاجات عامّة؛ ّ‬
‫فكر سعد اهلل و ّنوس املسرحي‪ ،‬ومن أبرز األفكار اليت‬
‫توصّلت إليها ميكن تلخيصها فيما يأتي‪:‬‬
‫‪ -‬إنّ سعد اهلل استفاد يف أعماله املسرحيّة من القصص‬
‫اليت حيفل هبا كتاب «ألف ليلة وليلة»‪ ،‬وأ ّنه حرص دائماً‬
‫يف نصوصه املسرحيّة على خماطبة عقل اإلنسان عن‬
‫طريق املشاعر والعواطف‪.‬‬
‫‪ -‬إنّ النشاط املسرحيّ لسعد اهلل و ّنوس‪ ،‬مل يتو ّقف‬
‫عند كتابة النصوص املسرحيّة فحسب‪ ،‬بل أسهم أيضاً‬
‫يف عمليّة وضع أسس وقواعد علميّة وعمليّة للحركة‬
‫املسرحيّة العربيّة‪ ،‬من خالل مقاالت نشرها حتت‬
‫عنوان «بيانات ملسرح عربيّ جديد»‪ ،‬عدّها فرحان‬
‫بلبل من أهمّ األحباث اليت نُشِرَت عن املسرح العربي‬
‫يف مطلع سبعينيّات القرن املاضي‪ ،‬وترت ّكز أمهيّة هذه‬
‫امل��ق��االت حبسب وجهة نظره‪ ،‬يف أ ّنها تعكس مدى‬
‫‪- 44 -‬‬
‫اخنراط سعد اهلل يف العملية اإلبداعيّة املسرحيّة نصّاً‬
‫ونقالً إىل خشبة املسرح‪ ،‬وتركيزه الدائم على أمهيّة‬
‫أن تكون أفكار املسرحيّة واضحة‪ ،‬وسهلة الوصول إىل‬
‫الـمُشاهد‪.‬‬
‫‪ -‬ي ّتسم سعد اهلل و ّنوس باملرونة عند كتابة نصّه املسرحيّ‬
‫حبسب األديب ممدوح عدوان الذي يشري أيضاً إىل أنّ‬
‫سعد اهلل ال يفرض مشهداً وحواراً وحركة‪ ،‬بل يقدّم‬
‫اقرتاحاً ليقوم املخرج واملم ّثلون والفنيّون بالتعامل مع‬
‫هذا االقرتاح حبسب ظروف العرض‪ ،‬األمر الذي يفسح‬
‫اجملال أمام إضافات وارجت��االت دائمة على العرض‬
‫املسرحي‪ ،‬كما يتيح هذا األسلوب اجملا َل واسعاً أمام‬
‫املم ّثلني يف التعامل مع النصّ حبسب بيئتهم‪ ،‬ومكان‬
‫تقديم العرض املسرحي‪ ،‬وهو أسلوب يرى عدوان أ ّنه‬
‫يعزّز الثقة بني اجلمهور والعرض املسرحي‪.‬‬
‫‪ -‬يسعى سعد اهلل و ّنوس إىل وضع أسس ومبادئ هبدف‬
‫جعل الفنّ املسرحيّ جزءاً أساسيّاً من الثقافة العربيّة‬
‫املعاصرة‪ ،‬وهذه األسس هي االستفادة من حكايات‬
‫‪- 45 -‬‬
‫التاريخ العربي‪ ،‬والرتاث القصصي والشعيب‪ ،‬ومعاجلة‬
‫قضايا راهنة متسّ احلياة اليوميّة للمواطن العربي‪،‬‬
‫وإعادة كتابة النصوص املسرحيّة األجنبيّة مبا جيعلها‬
‫تناسب املشاهد العربي‪ ،‬واالستفادة من أشكال الفرجة‬
‫املعروفة يف احلياة الثقافيّة العربيّة‪ ،‬والتفاعل املباشر‬
‫مع اجلمهور‪ ،‬وتلبية حاجاته الرتفيهيّة‪ ،‬واملالحظ هنا‬
‫أنّ سعد اهلل مل ير ّكز على املضمون فحسب‪ ،‬بل اهتم‬
‫بالشكل املسرحيّ املمتع واجل��اذب للجمهور‪ ،‬إذ يرى‬
‫الناقد صالح صاحل أنّ أعماله مت ّثل نقلة نوعيّة يف‬
‫املسرح السوري‪ ،‬مشيداً باختياره العربيّة الفصيحة لغ ًة‬
‫لنصوصه املسرحيّة‪ ،‬األمر الذي يعكس وعيه بأمهيّة‬
‫اللغة‪ ،‬ودوره��ا يف تكوين الثقافة واإلنسان واجملتمع‬
‫من خالل حرصه على مجاليّات الفصحى‪ ،‬ومزاياها‬
‫األدبية‪ ،‬وطواعيّتها الفنيّة‪ ،‬مع مالحظة حفاظه على‬
‫املستويات املتعدّدة للغة املسرحيّة مبا يتناسب وطبيعة‬
‫الشخصيّات املنتمية إىل بيئات متعدّدة ضمن إطار‬
‫العربيّة الفصيحة‪.‬‬

‫‪- 46 -‬‬
‫‪ -‬إنّ احل��وار يف مسرحيّات سعد اهلل و ّن��وس‪ ،‬ي ّتسم‬
‫باالختصار والرشاقة وعدم االسرتسال‪ ،‬كما أنّ أمساء‬
‫الشخصيّات لديه ت ّتخذ دالالتٍ أبعدَ من جمرّد التسمية‬
‫العادية‪ ،‬وقد اعتاد إيصال وجهات نظره بقضايا متعدّدة‬
‫على لسان شخصيّاته‪.‬‬

‫‪- 47 -‬‬
‫تكريم عاملي‪:‬‬
‫كرّمت اهليئة الدوليّة للمسرح كاتبنا املبدع يف العام‬
‫‪1996‬م‪ ،‬م��ن خ�لال تكليفه كتاب َة كلمة ي��وم املسرح‬
‫العاملي‪ ،7‬وقد ألقى سعد اهلل و ّنوس كلمته بنفسه يف‬
‫مسرح احلمراء يف دمشق بتاريخ (‪1996/3/27‬م)‪،‬‬
‫ضمن احتفاليّة مسرحيّة أقامتها وزارة الثقافة‪ ،‬وممّا‬
‫جاء يف تلك الكلمة هذا املقتطف الذي اختارته لكم‬
‫اآلنسة خلود‪:‬‬
‫«إ ّنين مصرّ على الكتابة للمسرح؛ أل ّنين أريد أن أدافع‬
‫عنه‪ ،‬وأق �دّم جهدي كي يستمرَّ هذا الفنُّ الضروريّ‬
‫ح�يّ�اً‪ ،‬وأخشى أ ّن�ني أك��رّر نفسي لو استدركتُ هنا‪،‬‬
‫وقلتُ إنّ املسرحَ يف الواقع هو أكثر من فنّ؛ إ ّنه ظاهرة‬
‫حضاريّة مر ّكبة؛ سيزداد العامل وحشة وقبحاً وفقراً‬
‫لو أضاعها وافتقر إليها‪ ،‬ومهما بدا احلصار شديداً‪،‬‬
‫والواقع حمبطاً‪ ،‬فإ ّني متي ّقن من أنّ تضافر اإلرادات‬
‫‪ -7‬تكلف اهليئة الدولية للمسرح يف ‪ 27‬آذار من ك ّل عام مسرحيّاً‬
‫عامليّاً شهرياً كتاب َة كلمة تُلقى على مسارح العامل يف اليوم نفسه‪.‬‬

‫‪- 48 -‬‬
‫الطيّبة على مستوى العامل‪ ،‬سيحمي الثقافة‪ ،‬ويعيد‬
‫إىل املسرح ألقه ومكانته‪ ...‬إ ّننا حمكومون باألمل‪ ،‬وما‬
‫حيدث اليوم ال ميكن أن يكون هناية التاريخ»‪.‬‬

‫‪- 49 -‬‬
‫الكاتب يف سطور‪:‬‬
‫جوان مزكني جان‪ ،‬دمشق ‪1970‬م‪.‬‬
‫خريج املعهد ال��ع��ايل للفنون املسرحيّة ‪ -‬قسم النقد‬
‫والدراسات املسرحيّة ‪1993‬م‪.‬‬
‫صدر له‪:‬‬
‫‪« -‬وراء الستار ‪ -‬مقاالت نقدية يف املسرح السوري» ‪-‬‬
‫وزارة الثقافة ‪ -‬املعهد العايل للفنون املسرحيّة ‪2000 -‬م‪.‬‬
‫‪« -‬مسرح بال كواليس ‪ -‬إطاللة على احلركة املسرحيّة‬
‫السورية» ‪ -‬وزارة الثقافة ‪ -‬املعهد العايل للفنون املسرحيّة‬
‫– ‪2006‬م‪.‬‬
‫‪« -‬قراءات يف النصّ املسرحيّ السوريّ» ‪ -‬احتاد الكتاب‬
‫العرب – ‪2006‬م‪.‬‬
‫‪ -‬مسرحيّتان لألطفال «مغامرة يف مدينة املستقبل»‬
‫و«حيلة العنكبوت» ‪ -‬وزارة الثقافة ‪ -‬اهليئة العامة السورية‬
‫للكتاب – ‪2008‬م‪.‬‬
‫‪ -‬نصوص مسرحيّة «الطوفان» ‪« -‬أمجل رجل غريق يف‬
‫العامل» ‪« -‬مونودراما ليلة التكريم» ‪« -‬املعطف» ‪ -‬دار إنانا –‬
‫‪2009‬م‪.‬‬
‫‪- 50 -‬‬
‫‪« -‬قصة املسرح» وزارة الثقافة ‪ -‬اهليئة العامة السورية‬
‫للكتاب ‪2013 -‬م‪.‬‬
‫‪« -‬حكايات مسرحيّة» ‪ -‬وزارة الثقافة ‪ -‬اهليئة العامة‬
‫السورية للكتاب ‪2016 -‬م‪.‬‬
‫‪ -‬نصوص مسرحيّة «حكاية املولود اجلديد» ‪« -‬وقت‬
‫مستقطع» ‪« -‬مونودراما ليلة الوداع» ‪ -‬وزارة الثقافة ‪ -‬اهليئة‬
‫العامة السورية للكتاب – ‪2016‬م‪.‬‬
‫‪ -‬مسرحيتان «نور العيون» ‪« -‬هوب هوب» ‪ -‬وزارة الثقافة‬
‫‪ -‬اهليئة العامة السورية للكتاب ‪2018 -‬م‪.‬‬
‫ش��ارك يف عضويّة جل��ان التحكيم والتقييم يف معظم‬
‫مهرجانات املسرح احملليّة‪ ،‬ومهرجان الشارقة املسرحيّ‪.‬‬
‫‪ -‬ألقى العديد من احمل��اض��رات‪ ،‬وش��ارك وأدار العديد‬
‫من الندوات املسرحيّة يف معظم مهرجانات املسرح احملليّة‬
‫والعربيّة يف سورية واألردن واإلمارات والكويت ومصر‪.‬‬
‫ضت نصوصه املسرحيّة على معظم املسارح احملليّة‪،‬‬ ‫‪ -‬عُ ِر َ‬
‫ويف بعض الدول العربيّة‪.‬‬

‫‪- 51 -‬‬
- 52 -

You might also like