You are on page 1of 64

‫بدايات مسرحية‬

‫إعداد‪ :‬جوان جان‬

‫‪-1-‬‬
‫رئيس جملس اإلدارة‬
‫الدكتورة لبانة مشوّح وزيرة الثقافة‬
‫وضاح اخلطيب‬
‫املدير املسؤول ‪ -‬املديرالعام‪ :‬الدكتور ّ‬
‫رئيس التحـــــريـــــــــر‪ :‬قحـــطـان الطـــــالع‬

‫اإلشــــــراف الطبـاعـي‪ :‬أنس احلسن‬

‫‪-2-‬‬
‫حني شرع اإلنسان البدائي بتصوير (رسم) مُختَلَف‬
‫األشكال اإلنسانية واحليوانية والنشاطات البشرية‬
‫املختلفة على ج��دران الكهوف مل يكن يفعل أكثر من‬
‫أنه كان حياول نقل وتثبيت مرحلته وظروفه اليت كانت‬
‫اجلدران املكان األكثر قدرة على حفظها من الضياع‪.‬‬

‫الرسوم القدمية على اجلدران‬

‫‪-3-‬‬
‫فإذا أمعنّا النظر يف تلك الرسوم وجدنا أهنا يف‬
‫معظمها جتسد حاالت نفسية وجسمانية بالغة الدقة‬
‫يف زمن كانت احلياة تتسم فيه بالعشوائية باملقارنة‬
‫مع ما حنياه اليوم من عملية تنظيم لطبيعة احلياة‬
‫ُ‬
‫اصطلِح على تسميته باحلياة املدينية (نسب ًة إىل‬ ‫فيما‬
‫املدينة)‪.‬‬

‫‪-4-‬‬
‫املسرح قدمياً‬

‫وبطبيعة احلال ش ّكلت االحتفاالت الدينية املومسية‬


‫اليت كانت تقام يف بعض اجملتمعات اإلنسانية املنبع‬
‫الغين هلذه الرسوم‪ ،‬حيث عكس املصورون ما كانت‬
‫تقوم به جمتمعاهتم من نشاط احتفايل ذي طابع ديين‪،‬‬
‫حيث كانت ختتلط املوسيقا بالرقص بالغناء بالتمثيل‪..‬‬
‫وميكن القول أنه ابتداءً من هذه النقطة برزت ما ميكن‬
‫أن نطلق عليها ظاهرة التمثيل أو التجسيد‪ ،‬وإن كان‬
‫ذلك يف البداية بطرق وأساليب بدائية غري مدركة‬
‫ملاهيتها‪.‬‬
‫وجيمع املؤرخون على أن هذه االحتفاالت اليت كان‬
‫بعضها يستمر ألكثر من ‪ /12/‬يوماً كانت تتضمن‬
‫العديد من املَشاهِد ذات الطابع املسرحي‪-‬التمثيلي‪،‬‬
‫ومنها ما مت ذكره من مَشاهِد تُقدِّم شخصيات تعود‬
‫من عامل املوت إىل عامل احلياة‪ ،‬وبعضها اآلخر كان‬
‫ذا طابع كوميدي‪-‬ساخر‪ ،‬حيث كان املشاركون يضعون‬
‫على رؤوسهم شَعراً مستعاراً ويقومون حبركات ذات‬
‫طابع هترجيي هب��دف اإلض��ح��اك‪ ،‬كما كانوا يرتدون‬
‫جلود احليوانات األليفة كالبقر واملاعز‪ ،‬متكئني على‬
‫‪-5-‬‬
‫قوائم احليوانات ليقوموا بالتجوال يف الشوارع وقرع‬
‫أب��واب البيوت‪ ،‬وح�ين يُفتَح هلم الباب يرمتون على‬
‫األرض منبطحني ومدّعني اإلغماء حتى يقوم صاحب‬
‫البيت بإعطائهم ما جتود به نفسه يف إطار جوّ من‬
‫اهل��زل والفكاهة ال��ذي مل يكن خيلو أيضاً من ألعاب‬
‫الرتاشق باملاء والقفز فوق النار املشتعلة ملن كان قادراً‬
‫من الناحية اجلسدية على القيام هبذا الفعل بطبيعة‬
‫احلال‪.‬‬
‫ويف بعض األماكن –كشمال أفريقيا مثالً‪ -‬كانت‬
‫االح��ت��ف��االت تتضمن أع��م��االً مسرحية شبه متكاملة‬
‫تعتمد على الشخصيات اليت تقدم حكايات مضحكة‪،‬‬
‫ومنها حكاية رجل وزوجته يلجأان إىل القاضي حل ّل‬
‫خالف بينهما‪ ،‬فيحاول القاضي االحنياز إىل أحد طر َفي‬
‫اخلالف مما ينتج عنه العديد من املواقف املضحكة‪.‬‬
‫وضمن هذا اإلطار يشار هنا إىل أن القبائل البدائية‬
‫كانت متارس ما مسي برقصات احلرب ممارسة فعلية‬
‫هبدف بث روح الشجاعة يف نفوس احملاربني مما يدفعهم‬
‫إىل اإلقدام يف احلروب اليت خيوضوهنا‪ ،‬وهبذا يٌرتجَم على‬
‫أرض الواقع األداء التمثيلي مع حتقيق اهلدف املنشود‬
‫من وراء هذا األداء‪.‬‬

‫‪-6-‬‬
‫ويف اليونان القدمية املعروفة ببالد اإلغريق اشتُ ِهرت‬
‫أغاني أُط�لِ��ق عليها تسمية (الديثريامبوس) وكانت‬
‫تتحدث عن شخصيات أسطورية كديونيسوس حيث‬
‫كانوا يتخذون من تفاصيل حياته مواضيع ألغنياهتم‬
‫ويصفون األخطار اليت تعرّض هلا‪ ،‬وكان املسؤول عن‬
‫هذه األغاني خيتار جمموعة من املشاركني ويل ّقنهم‬
‫أبياتاً من الشعر الغنائي اليت تفيض باحلزن واألسى‬
‫لريددوها أثناء الغناء‪ ،‬وكان أفراد هذه اجملموعة اليت‬
‫مسيت (اجلوقة) فيما بعد يرتدون جلود حيوانات املاعز‬
‫ليظهروا مبظهر أتباع ديونيسوس كما تقول األساطري‪،‬‬
‫وكانت تصاحب هذه اجملموعة املكوّنة من الرجال فقط‬
‫موسيقا آلة الناي اليت يرتاقص على أنغامها املشاركون‬
‫يف االحتفال‪.‬‬
‫كما كان لتجسيد املعارك شأن يف بعض االحتفاالت‪،‬‬
‫حيث كان احملتفلون ينقسمون إىل قسمني‪ ،‬ميثل كل‬
‫واحد منهما جيشاً من اجليوش‪ ،‬وهنا لنا أن نالحظ‬
‫م��دى ضخامة األع���داد ال�تي كانت ت��ش��ارك يف هذه‬
‫العروض االحتفالية ذات الطابع التمثيلي‪.‬‬
‫وميكن القول أن أشهر االحتفاالت اليت كانت تعجّ‬
‫باللمحات التمثيلية هي تلك االحتفاالت اليت كانت‬
‫‪-7-‬‬
‫تقام يف بالد اإلغريق (اليونان) قبل امليالد بعدة مئات‬
‫من السنني وكان بعضها ميتد ألربعة أيام‪ ،‬حيث كانت‬
‫تُقدَّم األغاني وتُع َقد حلقات الرقص وتُقدَّم اللوحات‬
‫املعتمدة على املهارات اجلسدية كالرقص على قدم‬
‫ملطخ بالزيت‪ ،‬باإلضافة إىل‬ ‫واحدة فوق كيس جلدي ّ‬
‫بعض العروض التمثيلية املرجتلة للفنانني اجلوالني‪.‬‬
‫بعض ه��ذه االحتفاالت ك��ان يُ��ق�دَّم يف مناسبات‬
‫مرتبطة بالطبيعة مثل هناية فصل الشتاء وبداية فصل‬
‫الصيف‪ ،‬حيث يتم إعداد وليمة كبرية مرتافقة مع قيام‬
‫الناس جبولة يف أحناء املدينة تنتهي حبضور العروض‬
‫الفنية اليت كان من ضمنها سباق يشارك فيه عشرون‬
‫شاباً وهم حيملون أغصان العنب‪.‬‬
‫يف فرتة الحقة أخذت هذه الفقرات الفنية‪-‬التمثيلية‬
‫تأخذ طابعاً جاداً ورمسياً من خالل إقامة مسابقات‬
‫للعروض املسرحية يشارك فيها ك ّتاب مسرحيون‬
‫مرموقون‪ ،‬حيث كان اإلعداد هلذه املسابقات يستغرق‬
‫حوايل سبعة أشهر‪ ،‬وكانت التهيئة هلذه املسابقات تبدأ‬
‫من اللحظة اليت يقوم فيها القائمون على أمور األعياد‬
‫الدينية باإلعداد هلا‪ ،‬فكان من أوىل مسؤولياهتم اختيار‬

‫‪-8-‬‬
‫ثالثة ك ّتاب للمشاركة يف هذه املسابقات املسرحية‬
‫ووضع العناصر الفنية املدرّبة حتت تصرفهم‪ ،‬واملقصود‬
‫بالعناصر الفنية هنا ما أُطلِق عليه تسمية (اجلوقة)‬
‫أي ال َكوْرَس املعروف يف االحتفاالت الغنائية املعاصرة‪،‬‬
‫حيث كان دور هذه اجلوقة ذا طابع درام��ي للتعليق‬
‫على أحداث املسرحية أو للتمهيد هلا أو للتحذير من‬
‫املخاطر اليت قد تتعرض هلا شخصيات املسرحية‪،‬‬
‫وكانت املشاركة يف اجلوقة املسرحية إجبارية حبيث‬
‫مل يكن من املسموح ملن يتم اختياره للمشاركة فيها‬
‫أن يرفض ذلك‪ ،‬ورفضه كان يعين تعرّضه للمحاكمة‬
‫بتهمة عصيان أوامر الدولة‪ ،‬وكان يتم االكتفاء بدفع‬
‫غرامة معيّنة كعقوبة على رفض أمر الدولة‪ ..‬وبكل‬
‫األح��وال كان من النادر أن يرفض أحد املشاركة ألن‬
‫األعطيات كانت جمزية‪ ،‬فباإلضافة إىل الطعام اليومي‬
‫اجملاني طيلة فرتة التدريب على العرض املسرحي كان‬
‫هناك مصروف يومي كتعويض جم ٍز عن ّ‬
‫تعطل أفراد‬
‫اجلوقة عن أعماهلم األساسية‪.‬‬
‫وم���ن امل�لاح��ظ أن أمه��ي��ة اجل��وق��ة يف العروض‬
‫املسرحية الرتاجيدية تضاءلت مع مرور الزمن‪ ،‬حيث‬
‫حتوّل دورها إىل جمرد عنصر موسيقي راقص مُقحَم‬
‫‪-9-‬‬
‫على العمل املسرحي وليس له عالقة بالعنصر الدرامي‬
‫وحبكة األحداث‪.‬‬

‫املسارح اليونانية القدمية‬

‫والطريف هنا يف موضوع اجلوقة (أو الكورس) أن‬


‫القائمني على هذه املسابقات يف القرن اخلامس قبل‬
‫امليالد كانوا مبجرد اختيار الكاتب واجلوقة املناسبة‬

‫‪- 10 -‬‬
‫يبحثون بني أفراد الشعب عن مموِّل يقوم حبمل العبء‬
‫االقتصادي يف مسألة تدريب اجلوقة على أداء دورها يف‬
‫العرض املسرحي‪ ،‬باإلضافة إىل كافة تكاليف العرض‬
‫األخرى كتكاليف صناعة األقنعة واألزياء‪ ،‬وغالباً ما‬
‫كان املك َّلفون بتمويل اجلوقة يقومون بذلك تطوعاً وعن‬
‫طيب خاطر‪ ،‬باعتبار أن هذا األمر ميثل شرفاً بالنسبة‬
‫هلم دون أن تنساهم الدولة اليت كانت تكافئهم نظري‬
‫مسامهتهم يف إجناح املسابقات املسرحية‪ ،‬حيث كان‬
‫جيري تكرميهم يف حفل افتتاح املسابقات‪ ،‬ويف حال‬
‫مل يتوفر الشخص املناسب كان احلاكم يقوم بنفسه‬
‫بتكليف أحد التجار الكبار هبذه املهمة‪ ،‬وكان هذا األمر‬
‫يُعتَبَر خدمة عامة يقدمها الفرد للدولة‪ ،‬وكانت تكاليف‬
‫هذه املسابقات باهظة حبيث كانت حتتاج إىل ما يزيد‬
‫عن‪/25/‬مموِّالً كي خترج بالشكل الالئق‪ ،‬إذ مل يكن‬
‫من املسموح أن تكون هذه العروض متواضعة‪ ،‬بل كان‬
‫من الواجب أن تكون مبهرة كي تشد انتباه اجلمهور‬
‫وترتك لديه أفضل االنطباعات عنها وعن مدى اجلهد‬
‫املبذول يف إجنازها‪.‬‬
‫وكان املهم يف الك ّتاب الذين يتم اختيارهم للمشاركة‬
‫يف املسابقة حصوهلم على جوائز يف مسابقات سابقة‪،‬‬
‫‪- 11 -‬‬
‫فقد كان هذا األم��ر يرجّح أحقيتهم يف املشاركة يف‬
‫املسابقة من جديد‪ ،‬كما كانت مسعة الكاتب ومكانته‬
‫عند اجلمهور تلعب دوراً أساسياً يف هذا اإلطار‪ ،‬وبذلك‬
‫كانت مشاركة ك ّتاب جدد يف هذه املسابقات أمراً بالغ‬
‫الصعوبة‪ ،‬خاصة يف مسابقات املسرحيات الرتاجيدية‪،‬‬
‫وهي املسرحيات اليت حاول ك ّتاهبا أن تكون بلغة راقية‬
‫تعبّر من خالهلا الشخصيات عن واقعها ومآسيها مبا‬
‫يؤدي إىل إثارة الشفقة عليها من قِبل املشاهِد وخوف‬
‫هذا األخري من أن يلقى نفس املصري املأساوي لبطل‬
‫املسرحية‪ ،‬ويرى كثريون أن هذا األمر يؤدي إىل شعور‬
‫املشاهِد بأنه تطهّر نفسياً بعد حضوره هلذه العروض‬
‫املسرحية‪.‬‬
‫اخلطوة األه��م يف ه��ذه املسابقات كانت اختيار‬
‫حم ِّكميها‪ ،‬وكان هذا االختيار يتم قبل انطالق املسابقة‬
‫بوقت قصري‪ ،‬وك��ان اختيار ه��ؤالء احمل ِّكمني الذين‬
‫سيقيّمون الك ّتاب واملمثلني يستأثر باهتمام اجلمهور‪،‬‬
‫إذ لطاملا اعترب هؤالء احمل ِّكمون أنفسهم ممثلني هلذا‬
‫اجلمهور ومعبِّرين عن ذائقته الفنية واألدبية‪ ،‬وكان من‬
‫النادر أن يُصدِر أعضاء جلان التحكيم قرارات ونتائج‬
‫خمالفة لرغبات ومتنيات اجلمهور الذي كان ميارس‬
‫‪- 12 -‬‬
‫شتى أنواع الضغوط على جلان التحكيم لرتجيح ك ّفة‬
‫العروض األكثر استقطاباً للجمهور واألكثر جناحاً برأيه‪،‬‬
‫وكان اختيار العروض املسرحية الفائزة يتم بسرية تامة‬
‫لضمان نزاهة النتائج وعدم احنيازها ألي كاتب أو‬
‫ألي عرض مسرحي‪ ،‬وكانت هذه املسابقات تنقسم إىل‬
‫قسمني‪ ،‬األول يضم املسرحيات الرتاجيدية (املأساوية)‬
‫والثاني املسرحيات الكوميدية (اهلزلية) وكانت هذه‬
‫العروض تتضمن شخصيات أساسية وأخرى ثانوية‪،‬‬
‫وكانت شخصيات اخلدم واألتباع واحل�رّاس من أهم‬
‫الشخصيات الثانوية‪ ،‬وكان على بعضهم أن يظل صامتاً‬
‫طيلة فرتة العرض أو معظمها‪ ،‬وكان من املمكن أن تُسنَد‬
‫بعض هذه األدوار إىل األطفال‪ ،‬أما اجلوقة فكانت مركز‬
‫الثقل الدرامي يف هذه األعمال وكانت تلعب دوراً أساسياً‬
‫فيها‪ ،‬وكان من املمكن أن جتسد شخصيات إنسانية أو‬
‫حيوانية‪ ،‬لكن أمهيتها تضاءلت مع مرور الوقت لصاحل‬
‫احلوار املسرحي بني الشخصيات األساسية‪ ،‬وكان هذا‬
‫األمر واضحاً يف األعمال ذات الطابع الكوميدي‪ ،‬بينما‬
‫ظلّت الشخصيات الثانوية حمتفظة بأمهيتها كعنصر‬
‫أساسي يف العرض املسرحي‪ ،‬وكان من املتعارف عليه‬
‫أن يقوم الك ّتاب املسرحيون بإخراج أعماهلم املسرحية‬
‫‪- 13 -‬‬
‫بأنفسهم‪ ،‬وحتديداً يف األعمال الرتاجيدية‪ ،‬بينما انفرد‬
‫ك ّتاب الكوميديا باختيار خمرجي أعماهلم املسرحية‪،‬‬
‫ومل يكن من الضروري أن يكون قيام الكاتب املسرحي‬
‫الرتاجيدي بإخراج نصّه املسرحي عن طيب خاطر‪،‬‬
‫فقد ك��ان القانون جي�بره على القيام بكل ما خيص‬
‫العرض املسرحي من متطلّبات ذات طابع فين إبداعي‪،‬‬
‫باستثناء حالة واحدة هي وفاة الكاتب حيث كان أحد‬
‫أبنائه يتوىل إخراج العمل املسرحي‪ ..‬وابتداء من القرن‬
‫الرابع قبل امليالد انتقلت مهمة إخراج العمل املسرحي‬
‫من يد كاتبه إىل يد املمثل األول يف املسرحية‪ ،‬وترافق‬
‫ذلك مع تقديم العروض املسرحية بشكل مستمر خارج‬
‫إطار املسابقات السنوية حمدودة أيام العرض‪ ،‬األمر‬
‫ال��ذي يعين أن مجهور العرض املسرحي أخ��ذ يتسع‬
‫حجمه مع مرور السنوات‪ ،‬وهو ما ألقى على عاهل‬
‫الك ّتاب واملخرجني واملمثلني املسرحيني مسؤوليات‬
‫إضافية‪.‬‬
‫وأما شكل املسرح اإلغريقي فقد كان دائرياً وكانت‬
‫املقاعد حتيط بأكثر من نصف هذه الدائرة‪ ،‬وخلفها‬
‫هناك جدار حيمل الديكور ومن ورائه الكواليس‪ ،‬ويف‬
‫البداية كان املمثلون خيتلطون بأعضاء اجلوقة‪ ،‬وفيما‬
‫‪- 14 -‬‬
‫بعد مت الفصل بينهما بعدما تقلص دور اجلوقة من‬
‫الناحية الدرامية‪ ،‬وكان املمثلون يرتدون أزياء واقعية‬
‫تعكس طبيعة ال��زيّ يف تلك ال��ف�ترة‪ ،‬كما ك��ان بعض‬
‫املمثلني يرتدون أزي��اء بعيدة عن الواقع عندما كانوا‬
‫يؤدون شخصيات امللوك واألمراء‪.‬‬
‫وجيمع املؤرخون على أن األعمال الكوميدية كانت‬
‫تعكس الواقع أكثر من األعمال الرتاجيدية اليت كانت‬
‫شخصياهتا عبارة عن ملوك وقادة عسكريني‪ ،‬بعكس‬
‫األعمال الكوميدية اليت جلأ ك ّتاهبا إىل شخصيات من‬
‫عامة الشعب‪ ،‬لذلك كان من الطبيعي أن يزداد عدد‬
‫األعمال املشاركة يف مسابقة األعمال الكوميدية من‬
‫ثالثة إىل مخسة‪.‬‬
‫باإلضافة إىل املسرح يف اليونان القدمية عرفت‬
‫بعض األم��اك��ن أش��ك��االً مسرحية خيتلف الدارسون‬
‫والباحثون يف مدى قدرهتا على تشكيل ظاهرة مسرحية‬
‫معتَبَرة‪ ،‬فقبل امليالد حبوايل ألفي عام عرفت مصر‬
‫القدمية ما مسي بدراما التتويج حيث يتم جتسيد‬
‫الشعائر والطقوس حلظة تتويج احلاكم‪ ،‬وكان اهلدف‬
‫من ذلك تثبيت تتويج الفرعون والتمين بأن يكون حظه‬
‫يف احلكم مساوياً حلظ من سبقوه‪ ،‬باإلضافة إىل دفع‬
‫‪- 15 -‬‬
‫اجلمهور حنو الشعور باحملبة جتاه احلاكم اجلديد‪ ،‬كما‬
‫ال ننسى هنا أن اهلدف األساسي من وراء بعض هذه‬
‫األعمال هو حتريض الناس على املشاركة يف احلروب‪،‬‬
‫ومثال ذلك عمل بعنوان (انتصار حور على أعدائه) وهو‬
‫يتحدث عن عمليات ثأر بني متحاربني‪ ،‬وكان اجلمهور‬
‫يتأثر مبثل هذه العروض إىل درجة مشاركته يف األداء‬
‫كالقيام بالصراخ أو التنبيه أو االعرتاض‪ ،‬وهذا النوع من‬
‫الدراما كان يُقدم بشكل سنوي‪ ،‬وكان يُعتَ َقد أن احلاكم‬
‫إذا م ّثل دوراً يف هذه األعمال فسيُمنَح فوائد سحرية!!‬
‫ويشار هنا إىل تكرار تقديم هذه األعمال سنوياً كان‬
‫يُقصَد به رفع معنويات الشعب وتأكيد قدسية احلاكم‬
‫والتذكري بانتصاراته الدائمة على أعدائه‪ ،‬وهذا يفسر‬
‫بدء املسرحية وانتهائها بإعالن انتصار احلاكم‪.‬‬
‫أما بالد الرافدين فقد عرفت أشكاالً مسرحية يف‬
‫دل على ذلك ظهور نصوص‬ ‫القرن الثالث قبل امليالد‪ّ ،‬‬
‫قدمية تعود إىل تلك الفرتة وتتضمن حواريات ذات طابع‬
‫مسرحي مثل (رث��اء أور) ال�تي تناولت مأساة تشريد‬
‫الشعب السومري وهتديم مدينته أور على يد العيالميني‬
‫وذلك بلغة تفيض بالعذاب واألمل الذي يعكس اآلالم اليت‬
‫تعرض هلا السومريون‪.‬‬

‫‪- 16 -‬‬
‫أقنعة املسرح اهلندي‬

‫كما عرفت اهلند جتارب مسرحية الفتة سواء قبل‬


‫امليالد أم بعده‪ ،‬حيث كانت التجارب املسرحية يف اهلند‬
‫جتمع ما بني الرقص واملوسيقا واحلوار واحلركة‪ ،‬وكان‬
‫املمثلون يضعون أقنعة على وجوههم‪ ،‬وكان اهلدف األول‬
‫من العرض املسرحي هو اإلمتاع والتسلية‪ ،‬حيث كانت‬
‫فقرات الرقص واملوسيقا تسبق العروض املسرحية‪،‬‬
‫‪- 17 -‬‬
‫وق��د اعتمد املسرح اهلندي على القصص الشعبية‬
‫الشائعة‪ ،‬كما تأثرت نصوص وعروض املسرح اهلندي‬
‫مبلحمتَي (رامايانا) و (مهاهباراتا) حيث قام مر ِّتلون‬
‫وم��ن��ش��دون حم�ترف��ون بالتجوال يف املناطق اهلندية‬
‫الشاسعة لتعريف السكان هباتني امللحمتني من خالل‬
‫الغناء واملوسيقا والرقص‪ ،‬وقد متيز املسرح اهلندي‬
‫بوجود ممثلني حمرتفني منذ القرن الرابع قبل امليالد‪،‬‬
‫واستطاعت الفرق املسرحية اهلندية اجلوالة أن جتتذب‬
‫أعداداً واسعة من اجلماهري‪.‬‬
‫أما اليابان فقد تألق مسرحها يف القرن العاشر‬
‫امليالدي من خالل ما يسمى مبسرح (البونراكو)وهو‬
‫أحد أشكال املسرح الياباني ويشمل فن حتريك الدمى‬
‫وفن القصّ والسرد ال��ذي تطور بواسطة احلكايات‬
‫اليت كانت تروى من قبل الكهنة املكفوفني حني كانوا‬
‫جيوبون أرجاء البالد منشدين مالحم الصراع الدامي‬
‫بني القبائل مبرافقة آلة موسيقية وترية تشبه العود‪،‬‬
‫وقد وصل مسرح البونراكو إىل قمة تألقه يف القرن‬
‫الثامن عشر‪ ،‬وكانت الدمية يف هذا املسرح يف فرتته‬
‫األوىل قطعة واح��دة ثم تطورت إىل دمية برأس ويد‬
‫مينى ثم أصبحت يف العام (‪ )1730‬ذات ذراعني وعينني‬
‫‪- 18 -‬‬
‫متحركتني وغدت حباجة إىل ثالثة العبني ليحركوها‬
‫بعد أن صارت تفوق حبركاهتا لغة جسد اإلنسان يف‬
‫دقته وبالغته‪.‬‬

‫املسرح الياباني‬

‫أما مسرح (النو) الياباني الذي يعين القدرة على‬


‫اس��ت��ع��راض امل��وه��ب��ة فقد تبلور يف منتصف القرن‬
‫اخلامس عشر كتتويج لعملية تطور طويلة مرت هبا‬
‫الفنون الشعبية اليت انتقلت إىل اليابان من الصني يف‬
‫األل��ف األوىل قبل امليالد بعد أن ح��ازت على شعبية‬

‫‪- 19 -‬‬
‫كاسحة‪ ،‬ويتضمن ع��رض مسرح (النو)أربع قصص‬
‫مصنفة حسب املواضيع واألبطال‪( :‬الرجل احملارب‪-‬‬
‫املرأة‪-‬اجملانني‪-‬الشياطني) ويف هذا املسرح تتضافر‬
‫املوسيقا مع الرقص مع الغناء األوب���رايل واملشاهد‬
‫اإلميائية (الصامتة)‪.‬‬
‫من جهته ولِد مسرح (الكابوكي) الياباني يف القرن‬
‫السابع عشر وهو يعتمد على احلركة واأللوان واخلدع‬
‫املسرحية والتقنية الرفيعة يف استخدام الديكور‬
‫وحتريكه‪ ،‬ويعود تاريخ هذا املسرح إىل الكاهنة أوكوني‬
‫اليت كانت تقدم مع رفيقاهتا عروضاً موسيقية راقصة‬
‫شبيهة باالستعراضات الغنائية فأثارت إعجاب الناس‬
‫وتنامت شعبيتها‪ ،‬ويتميز ممثل مسرح (الكابوكي)‬
‫بأنه فنان شامل‪ ،‬يبدأ بتلقي أس��رار املهنة منذ عهد‬
‫الطفولة فيتعلم الرقص واإللقاء والعزف وألعاب اخلفة‬
‫واملكياج‪.‬‬

‫‪- 20 -‬‬
‫رواد الكتابة املسرحية‬

‫أسخيلوس‪:‬‬
‫ولِ��د أسخيلوس يف بلدة إيليوسيس اليونانية يف‬
‫العام ‪ /525/‬قبل امليالد‪ ،‬وه��و يُعتَبَر رائ��د الكتابة‬
‫املسرحية يف اليونان القدمية (بالد اإلغريق) وقد كتب‬
‫أوىل مسرحياته وهو يف اخلامسة والعشرين من عمره‪،‬‬
‫لكنه مل يفز باجلائزة األوىل إال وهو يف حدود األربعني‪،‬‬
‫وقد فاز هبا ثالثة عشرة مرة كان آخرها عن ثالثيته‬
‫املسرحية املعروفة باسم (ثالثية أورست)واليت تتضمن‬
‫ثالث مسرحيات هي (أغاممنون‪ ،‬حامالت القرابني‪،‬‬
‫الصافحات)‪.‬‬

‫‪- 21 -‬‬
‫وقد متيّز باملسرحيات الرتاجيدية اليت كتبها واليت‬
‫تعتمد على النهايات املأساوية ألبطاهلا الذين كانوا‬
‫من علية القوم‪ ،‬وتطرّق يف نصوصه املسرحية إىل‬
‫أحدث ما يف تاريخ املنطقة وبالتحديد التاريخ اليوناني‬
‫واحلروب اليت خاضتها أثينا‪ ،‬وقد بلغ عدد مسرحياته‬
‫أكثر من تسعني مسرحية مل حيفظ لنا التاريخ منها‬
‫سوى سبع مسرحيات‪ ،‬منها (الفرس‪ ،‬السبعة ضد‬
‫طيبة‪ ،‬بروميثيوس مص َّفداً‪ ،‬الضارعات)‪.‬‬
‫يُجمِع نقاد املسرح على أن أسخيلوس هو من قام‬
‫بتثبيت أسس وقواعد الفن املسرحي الرتاجيدي‪ ،‬حيث‬
‫كان املسرح قبل أسخيلوس يعتمد على ممثل واحد‬
‫فقط‪ ،‬يقوم باألدوار املتعددة فيصبغ وجهه باملساحيق‬
‫ويعمد إىل تغيري مالبسه أثناء العرض املسرحي‪ ،‬فأدرك‬
‫أسخيلوس عدم ج��دوى هذا األسلوب فقام بإضافة‬
‫ممثل ثا ٍن إىل العرض املسرحي‪ ،‬األمر الذي أدى إىل‬
‫تقليص دور اجلوقة مما جعلها أكثر قدرة على إبراز‬
‫طبيعة وأفكار الصراع الذي تقوم عليه املسرحية‪..‬‬
‫وباإلضافة إىل ذلك كان أسخيلوس أول من أضاف‬
‫احل��وار مبعناه التقليدي على العرض املسرحي‪ ،‬بل‬
‫وجعله العنصر األهم يف العرض املسرحي‪ ،‬ونتج عن‬
‫‪- 22 -‬‬
‫ذلك زيادة املدة اليت كانت تستغرقها العروض املسرحية‬
‫اليت ختلّت عن احلوارات اهلزلية اليت كانت معروفة يف‬
‫االحتفاالت واملناسبات‪ ،‬كما اهتم أسخيلوس مبالءمة‬
‫األزي��اء لطبيعة قصة ومضمون املسرحية‪ ،‬واعتنى‬
‫بصقل األقنعة وإتقان صناعتها لتعبِّر عن انفعاالت‬
‫الشخصيات بشكل جيد‪ ،‬وأوىل أمهية خاصة باملمثل‬
‫الذي كان حي ّثه على إجادة دوره وبذل اجلهد املضاعف‬
‫إلشعار املشاهدين بأهنم يتابعون واقعاً حقيقياً وليس‬
‫جمرّد متثيل‪.‬‬
‫تويف أسخيلوس يف العام ‪ /456/‬قبل امليالد أثناء‬
‫رحلة له إىل جزيرة صقلية‪ ،‬وهناك رواية غريبة عن‬
‫حادثة وفاته‪ ،‬حيث ذكر بعض املؤرخني أنه بينما كان‬
‫أسخيلوس جالساً يف العراء مرّ فوقه نسر كان حيمل‬
‫سلحفاة يف فمه يريد حتطيمها على صخرة قبل‬
‫التهامها فظن رأسَ أسخيلوس تلك الصخرة فرمى‬
‫السلحفاة عليها مما أدى إىل وفاة أسخيلوس بشكل‬
‫مأساوي ال يقل عن مأساوية املسرحيات اليت كتبها‪.‬‬

‫‪- 23 -‬‬
‫سوفوكليس‪:‬‬
‫ولِ��د سوفوكليس يف قرية كولوناس ق��رب مدينة‬
‫أثينا عام ‪ /496/‬قبل امليالد وتويف سنة ‪ /405/‬قبل‬
‫امليالد‪ ،‬وهو واحد من أعظم ك ّتاب املسرح يف اليونان‬
‫القدمية‪ ،‬ويشري باحثون إىل أنه كتب أكثر من ‪/120/‬‬
‫مسرحية مل يصلنا منها سوى سبع مسرحيات نذكر‬
‫منها (أجاكس‪ ،‬أوديب ملكاً‪ ،‬أوديب يف كولونا‪ ،‬أنتيغونا‪،‬‬
‫الكرت) ونال اجلائزة األوىل يف املسابقات املسرحية أكثر‬
‫من عشرين مرة‪ ،‬أي أنه نال املركز األول أكثر من أي‬
‫كاتب يوناني آخر‪ ،‬ويذكر املؤرخون أنه هزم يف إحدى‬
‫املسابقات معلّمه أسخيلوس‪ ،‬كما حصل على املركز‬
‫الثاني عدة مرات‪.‬‬
‫عاش سوفوكليس يف فرتة ازدهار بالد اليونان‪ ،‬حيث‬
‫أحرزت اليونان يف تلك الفرتة انتصارات عسكرية‪ ،‬كما‬
‫أحرزت تقدماً على الصعيدين االقتصادي والعمراني‪.‬‬
‫من أهم اإلجنازات اليت تُسجَّل لسوفوكليس إضافته‬
‫املمثل الثالث على العرض املسرحي‪ ،‬األمر الذي أتاح‬
‫أمامه فرصة إعطاء شخصياته أمهية أكرب وأكثر تأثرياً‬
‫على املشاهدين‪ ،‬كما زاد عدد أفراد اجلوقة من ‪/12/‬‬
‫فرداً إىل ‪ /15/‬وأَوىل اهتماماً خاصاً للديكور الذي‬
‫‪- 24 -‬‬
‫استخدمه يف تعدد األماكن اليت ت��دور فيها أحداث‬
‫مسرحياته‪.‬‬

‫تُعتَبَر مسرحية (أوديب ملكاً) اليت كتبها يف العام‬


‫‪ /406/‬قبل امليالد أي قبل رحيله بعام واحد من أشهر‬
‫‪- 25 -‬‬
‫مسرحيات سوفوكليس وفيها يتحدث عن أوديب ابن‬
‫امللك اليوس وامللكة جوكاستا حاكمَي مدينة طيبة اللذين‬
‫أخربهتما النبوءة أهنما سينجبان ولداً سوف يقتل أباه يف‬
‫املستقبل‪ ،‬وعندما أبصر أوديب النور ّ‬
‫فضل أبواه إبعاده‬
‫كي ال تتحقق النبوءة فأعطياه ألحد األشخاص كي‬
‫يتخلص منه لكن هذا الشخص أشفق عليه من املوت‬
‫فأخذه إىل مدينته وأعطاه إىل ملكها وملكتها اللذين‬
‫مل ينجبا أطفاالً‪ ..‬وبعد أن أصبح أوديب شاباً عرف‬
‫بأمر أبيه وأمه احلقيقيني وكيف ختلصا منه خوفاً‬
‫من قيامه بقتل أبيه كما حتدثت النبوءة فيقرر الرحيل‬
‫عن املدينة اليت نشأ فيها‪ ،‬وأثناء رحلته صادف أوديب‬
‫موكباً ألبيه احلقيقي امللك اليوس فنشب خِالفٌ بني‬
‫أوديب وحاشية امللك فقام بقتلهم مجيعاً مبا يف ذلك‬
‫امللك فتتحقق بذلك النبوءة بعد وقت قصري من معرفة‬
‫أودي��ب بأمرها‪ ..‬بعد ذلك يواصل أودي��ب سريه حتى‬
‫يصل إىل مدينة طيبة مسقط رأسه دون أن يعلم أن‬
‫هذه املدينة هي مدينته فوجدها تتعرض للدمار على‬
‫يد وحش امسه سفنكس يدأب على طرح أحجيته على‬
‫سكان املدينة ومن ال يعرف اجلواب يتعرض للقتل على‬
‫يديه‪ ،‬لكن أودي��ب يتمكن من حل اللغز فيقوم سكان‬
‫‪- 26 -‬‬
‫املدينة بتنصيبه ملكاً عليهم خلفاً للملك املقتول على يد‬
‫أوديب نفسه دون أن يعلم أحد بذلك‪ ..‬وبعد فرتة طويلة‬
‫من الزمن حي ّل باملدينة وباء شديد‪ ،‬وترتدد شائعات‬
‫تفيد بأن سبب الوباء هو وجود قاتل امللك السابق يف‬
‫املدينة وأن الوباء لن يذهب عن املدينة إال بالقصاص‬
‫من قاتل امللك السابق‪ ،‬فينربي أوديب للبحث عن القاتل‬
‫دفاعاً عن املدينة وإنقاذاً هلا إىل أن يتوصل إىل النتيجة‬
‫الصاعقة اليت تفيد بأنه هو سبب الوباء ألنه هو من‬
‫قام بقتل امللك السابق فيقرر أودي��ب معاقبة نفسه‬
‫وذلك بأن خرج خارج املدينة هائماً على وجهه مبدياً‬
‫األسف على ما جرى ولكن بعد فوات األوان‪.‬‬
‫باإلضافة إىل إبداعه املسرحي شغل سوفوكليس‬
‫ع��دداً من املناصب اهلامة يف الدولة‪ ،‬فقد توىل عام‬
‫‪ /443/‬قبل امليالد خزانة الدولة‪ ،‬ويف العام ‪/440/‬‬
‫قبل امليالدي قاد قوات أثينا العسكرية‪ ،‬كما انتُخِب‬
‫بعد ذلك عضواً يف جلنة األم��ن العام‪ ،‬وك��ان الشعب‬
‫األثيين معجباً بأخالقه‪ ،‬فقد كان ظريفاً ومتواضعاً‬
‫وحمبّاً للّهو‪.‬‬

‫‪- 27 -‬‬
‫يوربيدس‪:‬‬
‫ولِد يوربيدس يف اليونان القدمية يف العام ‪/480/‬‬
‫قبل امليالد يف جزيرة يونانية‪ ،‬وتتضارب الروايات حول‬
‫نشأته االجتماعية‪ ،‬فبعض املؤرخني يذكر أن والده كان‬
‫صاحب متجر لبيع اخلمور‪ ،‬ووالدته بائعة خضار‪،‬‬
‫وي��س �وِّغ ه���ؤالء امل��ؤرخ��ون وج��ه��ة نظرهم ه��ذه بكون‬
‫نصوص يوربيدس املسرحية ختلو متاماً من أي ذكر‬
‫للتقاليد االجتماعية ذات املنبت األرستقراطي‪ ،‬بينما‬
‫يؤكد آخرون أنه ينتمي إىل أسرة عريقة‪ ،‬لكن املؤكد أنه‬
‫درس الفلسفة واألدب‪.‬‬

‫‪- 28 -‬‬
‫بداية مشواره مع املسرح كانت يف العام ‪ /455/‬قبل‬
‫امليالد حيث قدم أول مسرحياته يف إحدى املسابقات‬
‫اليت حتدثنا عنها ونال عليها املركز الثالث‪.‬‬
‫يشري املؤرخون إىل أنه كتب ‪ /92/‬مسرحية‪ُ ،‬فقِد‬
‫معظمها ومل يبقَ منها اليوم إال ‪ /17/‬مسرحية‪ ،‬نذكر‬
‫منها‪( :‬الطرواديات‪ ،‬إيفيجينيا يف أوليس‪ ،‬الباخوسيات‪،‬‬
‫أن��دروم��اخ‪ ،‬الضارعات‪ ،‬الكرتا‪ ،‬الفينيقيات‪ ،‬ميديا)‬
‫وتُعتَبَر مسرحية (ميديا) من أشهر مسرحياته وهي‬
‫تتحدث عن الفتاة ميديا املاهرة يف أعمال السحر‬
‫واليت قامت مبساعدة الشاب ياسون (أو جيسون كما‬
‫ورد يف بعض الرتمجات) يف احلصول على جرّة ذهبية‬
‫وقدمت تضحيات كبرية من أجله‪ ،‬لكنه يرتكها بعد أن‬
‫يتزوج منها وتنجب له أطفاالً ليتزوج بعد ذلك من ابنة‬
‫أحد كبار الشخصيات طمعاً يف اجلاه واملناصب واملال‪،‬‬
‫األمر الذي يؤدي إىل غضب ميديا منه وسخطها عليه‬
‫بعد أن ادّعت يف البداية أهنا رضخت ملشيئته‪ ،‬لتقرر‬
‫فيما بعد أن تنتقم منه شرّ انتقام وذلك بأن تقوم بقتل‬
‫زوجته اجلديدة بواسطة ثوب مسحور ما إن ارتدته‬
‫حتى شبّت فيها ال��ن�يران‪ ،‬وعندما ح��اول والدها أن‬
‫ينقذها احرتق معها‪.‬‬
‫‪- 29 -‬‬
‫ميتاز يوربيدس عن سابقيه أسخيلوس وسوفوكليس‬
‫بأنه صوّر الواقع كما هو جبماله وقبحه‪ ،‬مبتعداً إىل‬
‫حد ما عن الشخصيات العظيمة كامللوك واألمراء‬
‫وغريهم‪.‬‬
‫غ��ادر يوربيدس مدينة أثينا بعد أن ق��دم فيها‬
‫مسرحيته الشهرية (أورس���ت) يف العام ‪ /408/‬قبل‬
‫امليالد حيث توجه إىل مملكة مقدونيا اجملاورة فاستقبله‬
‫ملكها استقباالً يليق به وبقي فيها حتى وفاته يف العام‬
‫‪ /406/‬قبل امليالد وقد اعتُ ِبر أول كاتب مسرحي يف‬
‫اليونان القدمية‪ ،‬وقد كرّمته أثينا بعد وفاته بأن أقامت‬
‫له نصباً تذكارياً نُقِشَت عليه أبيات من الشعر ختلّد‬
‫ذكراه‪.‬‬

‫‪- 30 -‬‬
‫أرستوفانس‪:‬‬
‫ولِد أرستوفانس يف العام ‪ /446/‬قبل امليالد ألسرة‬
‫مثقفة وغنية من طبقة مالكي األراضي يف أثينا‪.‬‬
‫عندما بلغ أرستوفانس مرحلة الشباب قامت حرب‬
‫بني مدينته أثينا وجارهتا أسربطة فندد هبذه احلرب يف‬
‫مسرحياته اليت كتبها‪ ،‬وأصبح دأبه يف أعماله املسرحية‬
‫التنديد باحلروب وتصوير أخطارها‪ ،‬ومن مسرحياته‬
‫اليت ندد فيها باحلروب وسياسات املواجهة املسرحية‬
‫املفقودة (البابليون) اليت ُقدِّم على أثرها إىل احملاكمة‬
‫بتهمة اخليانة وحُكِم عليه بدفع غرامة‪.‬‬
‫وقد كتب عدداً كبرياً من النصوص املسرحية بلغ‬
‫أربعني مسرحية‪ ،‬وصَلَنا منها ‪ /11/‬مسرحية بشكل‬
‫كامل‪ ،‬باإلضافة إىل شذرات من مسرحياته املفقودة‬
‫يقول النقاد إهنا كافية إلعطاء حملة وافية عن طبيعة‬
‫كتابته املسرحية الكوميدية أهّلته لنيل لقب (أمري‬
‫الكوميديا القدمية) عن جدارة واستحقاق‪ ،‬خاصة كونه‬
‫عكس يف نصوصه املسرحية احلياة اليومية ألبناء بلده‬
‫أكثر من أي كاتب آخر من ك ّتاب تلك املرحلة‪.‬‬
‫من أعماله املسرحية نذكر‪( :‬الفرسان‪ ،‬الزنابري‪،‬‬
‫السالم‪ ،‬الطيور‪ ،‬الضفادع‪ ،‬برملان النساء‪ ،‬بلوتوس‪،‬‬
‫‪- 31 -‬‬
‫السُّحُب) وهذه األخرية تُعتَبَر من أهم مسرحياته‪ ،‬وهي‬
‫تتحدث عن رجل عجوز أثقلته الديون بسبب زواجه من‬
‫امرأة ثرية وبسبب ابنه املستهتِر الذي يعشق اخليول وال‬
‫يف ِّكر إال يف اللهو‪ ،‬فال جيد العجوز مَخرجاً من مشكلة‬
‫سداد ديونه سوى أن يع ِّلم ابنه فنَّ اجلدل ومنطق الباطل‬
‫يف مدرسة سقراط (الفيلسوف املعروف) إذ كان الرجل‬
‫العجوز ومن منطلق جهله يعتقد أن الفكر الفلسفي‬
‫ال��ذي ب��رع به سقراط ما هو إال عبارة عن تالعب‬
‫باأللفاظ واملعاني هبدف االحتيال على اآلخرين‪ ،‬لكن‬
‫االبن يرفض الذهاب إىل هذه املدرسة‪ ،‬فيقرر الرجل‬
‫العجوز ال��ذه��اب بنفسه إليها وتل ّقي ال���دروس فيها‬
‫على يد سقراط‪ ،‬لكنه يفشل يف االختبارات األولية‬
‫اليت خيضعها له سقراط لكرب سنّه وعدم قدرته على‬
‫االستيعاب فيلجأ إىل ابنه مرة أخرى ويقنعه بالذهاب‬
‫إىل هذه املدرسة‪ ،‬فريضخ االبن ملشيئة والده ويذهب‬
‫إىل املدرسة ويتلقى ال��دروس فيها ويتخرّج بعد فرتة‬
‫من الزمن‪ ،‬األمر الذي يُدخِل السرور إىل قلب األب‬
‫فيسارع إىل طرد دائنيه ألن ابنه –حسب اعتقاده‪ -‬بعد‬
‫أن خترّج من مدرسة سقراط سيستطيع عرب احلجة‬
‫واجلدل من ختليص أبيه من الدائنني عرب الدفاع عنه‬
‫‪- 32 -‬‬
‫أمام احملاكم‪ ،‬لكن النتيجة تبدو مغايرة لتطلّعات األب‪،‬‬
‫إذ سرعان ما يطبّق االبن على أبيه ما تعلمه يف املدرسة‬
‫من فنون اجلدل والنقاش حيث يبادر إىل ضرب أبيه‬
‫وتقديم الرباهني واحلجج املقنعة على صواب تصرفه‪،‬‬
‫فيندم الرجل العجوز على ما فعله بنفسه ويصمم على‬
‫إحراق مدرسة سقراط حيث تنتهي املسرحية بإحراق‬
‫املدرسة‪.‬‬
‫يبقى أن نذكر أن أرستوفانس تويف يف العام ‪/386/‬‬
‫قبل امليالد‪.‬‬

‫‪- 33 -‬‬
‫املسرح يف سورية‬

‫قبل ظهور رائ��د املسرح العربي وال��س��وري أمحد‬


‫أبو خليل القباني يف النصف الثاني من القرن التاسع‬
‫عشر ببضعة قرون عرفت املدن السورية وبالتحديد‬
‫مدينة حلب ف�نّ خيال الظل ال��ذي وص��ل إىل بالدنا‬
‫من الشرق األقصى كما تشري بعض الوثائق وذلك يف‬
‫القرن العاشر امليالدي‪ ،‬وكان يتكون من بعض الدمى‬
‫اليت تتحرك على منصة خشبية بسيطة جداً ويقود‬
‫التمثيلية شخص واحد يسمى (املُخايل) يقوم بتغيري‬
‫صوته حسب الشخصيات واحلوار الدائر بينها‪ ،‬وكان‬
‫فنانو حلب الذين يعملون يف هذا اجملال يستفيدون‬
‫من األحداث العامة اليت تدور حوهلم يف العروض اليت‬
‫يقدموهنا‪ ،‬ويذكر أحد مواطين املدينة وامسه مجيل كنة‬
‫يف كتاب له صدر عام ‪ /1962/‬أن فناني حلب يف ذاك‬
‫الزمن قاموا بتجسيد مسرحيات قصرية مضحكة على‬
‫قماش أبيض من الشاش عُ ِّلق يف ركن من أركان املقهى‬
‫الذي كانت تُقدَّم فيه تلك العروض‪ ،‬باإلضافة إىل صور‬
‫األشخاص واحليوانات ال�تي يريد العرض أن يتكلم‬
‫عنها وذلك على قطع صغرية من الورق املقوى مدهونة‬
‫‪- 34 -‬‬
‫بألوان قامتة كي ال ينفذ النور منها‪ ،‬وكانوا يضعون‬
‫لكل قطعة عوداً ليتمكن حمرك الدمى من حتريكها‬
‫بسهولة‪ ،‬ثم يتم إيقاد سراج من الزيت فتسقط أشعته‬
‫على القطع لينعكس خياهلا على الشاشة وتُشاهَد من‬
‫قبل املتفرجني‪.‬‬

‫فن خيال الظل‬

‫وكانت شخصيتا كراكوز وعيواظ مها الشخصيتان‬


‫األشهر يف هذه العروض‪ ،‬وكان كل منهما يتصف بصفات‬

‫‪- 35 -‬‬
‫خمتلفة متاماً عن اآلخر‪ ،‬فكراكوز رجل شعيبّ‪ ،‬بسيط‪،‬‬
‫طيب القلب‪ ،‬يصدق كل ما يقوله عيواظ وإن كان من آن‬
‫إىل آخر يشكك يف أقواله ويرتدد يف تصديقها ويشرتط‬
‫شروطاً لتنفيذها‪ ،‬ولكنه يف معظم األحيان يقع يف الفخ‬
‫الذي ينصبه له عيواظ‪ ،‬كما أنه أميّ ال جييد القراءة‬
‫وال الكتابة وال يتقن أية مهنة‪ ..‬أما عيواظ فهو مثال‬
‫الرجل الذكي‪ ،‬اخلبيث‪ ،‬اجلريء‪ ،‬الغينّ‪ ،‬الذي حيب أن‬
‫حييك املكائد لكراكوز‪ ،‬كما أنه أكثر خربة باحلياة من‬
‫كراكوز‪ ،‬وهو متعلم بشكل حمدود لكنه يدّعي العلم بكل‬
‫شيء‪ ،‬ويتمتع بدم بارد وبرودة أعصاب يستخدمها يف‬
‫الدفاع عن نفسه‪.‬‬
‫وباإلضافة إىل الشخصيتني الرئيسيتني املذكورتني‬
‫هناك يف هذه العروض شخصيات أقارهبما كأم كراكوز‬
‫وزوجته‪ ،‬باإلضافة إىل بعض الشخصيات النمطية‬
‫اليت تتميز كل واحدة منها بشيء خمتلف عن اآلخرين‪،‬‬
‫هذا باإلضافة إىل شخصيات امللوك واألمراء والنساء‬
‫واألطفال‪ ،‬وكان على حمرك الدمى أن يقنع اجلميع من‬
‫خالل تغيري طبقة الصوت بأن عدداً من األشخاص هم‬
‫الذين يتلفظون باحلوار‪.‬‬
‫هذه الدمى كانت تُصنَع غالباً من جلد اجلمل ألنه‬
‫‪- 36 -‬‬
‫متني‪ ،‬وكانت ترافق العروض جوقة موسيقية صغرية‬
‫مؤلفة من ثالثة عازفني‪ :‬ضارب على الدربكة وعازف‬
‫على العود وع��ازف على الناي حيث كانوا يبدؤون‬
‫بالعزف قبل بداية العرض املسرحي وخالل فصوله‪.‬‬
‫ويف عشرينيات وثالثينيات القرن املاضي كانت‬
‫ه��ذه ال��ع��روض منتشرة يف كل مقاهي مدينة حلب‪،‬‬
‫وكانت أحياناً تُستدعى إىل املنازل يف بعض املناسبات‬
‫االجتماعية‪.‬‬
‫ك��ان العرض يبدأ بعزف على العود ثم ضربتان‬
‫على اخلشبة ليُعلَن فتح الستار وبداية العرض الذي‬
‫يطرح باستمرار قضايا اجتماعية كقضية البطالة‬
‫اليت تفاقمت يف الفرتة الواقعة بني احلربني العامليتني‪،‬‬
‫حيث كانت معظم عروض خيال الظل تتحدث عن هذه‬
‫املشكلة املستعصية‪.‬‬
‫ويف إطار احلديث عن مسرح خيال الظل ال بد من‬
‫أن نذكر أن هذا الفن شهد ازدهاراً يف جزيرة أرواد يف‬
‫الفرتة ما بني احلربني العامليتني حيث اجتذبت اجلزيرة‬
‫إليها العديد من فناني خيال الظ ّل‪ ،‬نذكر منهم الفنان‬
‫عباس فتوح ابن اجلزيرة والفنان اللبناني عبد اللطيف‬
‫حاج سليمان معماري‪.‬‬
‫‪- 37 -‬‬
‫ويف الالذقية اشتُ ِهر املخايل خالد مالزم‪ ،‬أما يف‬
‫دمشق فقد تألق الفنان عبد ال���رزاق الذهيب الذي‬
‫تعرف على هذا الفن منذ طفولته حيث كان مواظباً‬
‫على مشاهدته يف املقاهي‪ ،‬وخاصة ع��روض الفنان‬
‫صاحل حبيب‪ ،‬كما اطلع الذهيب على ع��روض خيال‬
‫الظل يف مدينة يافا الفلسطينية عندما زاره��ا عام‬
‫‪ /1942/‬لكنه الح��ظ أن مستوى املخايلني هناك‬
‫متواضع باملقارنة مع املخايلني الدمشقيني‪ ،‬ويف العام‬
‫‪ /1976/‬كتب مسرحية بعنوان (كراكوز) مل يتمكن من‬
‫تقدميها‪ ،‬كما قام يف العام ‪/1982/‬بتدريس طالب‬
‫املعهد العايل للفنون املسرحية بدمشق مبادئ هذا الفن‬
‫وشارك بتقديم مَشاهد من خيال الظل يف مسرحية‬
‫(التانغو) يف املسرح القومي وهي للمخرج أسعد فضة‬
‫ومسرحية (لكع بن لكع) للكاتب أميل حبييب‪ ،‬ويعتقد‬
‫الذهيب أن ال��دراس��ة العميقة لشخصيات فن خيال‬
‫الظل ستساعدنا على فهم الشكل املسرحي خليال‬
‫الظل وعلى تقديم صورة واضحة عن تراثنا الشعيب‬
‫وعادات وتقاليد شعبنا‪.‬‬
‫باإلضافة إىل فن خيال الظل برز احلكواتي كشكل‬
‫من أشكال التواصل بني منصة ومكان يتواجد فيه‬
‫‪- 38 -‬‬
‫ّ‬
‫املفضل ملمارسة ه��ذا النشاط‬ ‫مجهور‪ ،‬وك��ان املكان‬
‫الفين‪-‬األدبي هو املقاهي‪ ،‬وكان احلكواتي يتمتع باحرتام‬
‫الناس وتقديرهم ألهنم كانوا يعتربونه الشخص املثقف‬
‫الذي يستطيع من خالل احلكاية التارخيية أن يقدم‬
‫مقولة معاصرة بأسلوب غري مباشر‪.‬‬

‫‪- 39 -‬‬
‫االنطالقة احلقيقية‬

‫مي��ك��ن اع��ت��ب��ار ال��ع��ام ‪ /1871/‬ع���ام االنطالقة‬


‫احلقيقية للحركة املسرحية يف سورية‪ ،‬حيث باشر رائد‬
‫املسرح العربي أمحد أبو خليل القباني تقديم أعماله‬
‫املسرحية يف مقاهي مدينة دمشق‪ ،‬إذ يُعتَبَر القباني‬
‫املؤسس احلقيقي للحركة املسرحية السورية والعربية‪،‬‬
‫وقد قدم العديد من األعمال اليت مزج فيها بني ما‬
‫هو درام��ي وما هو موسيقي وغنائي‪ ،‬فكان املؤسس‬
‫األول للمسرح الغنائي العربي‪ ،‬وبذلك استطاع أن‬
‫جيذب إىل مسرحه اهتمام خمتلف الفئات االجتماعية‬
‫فكانت أعماله مثاالً حيّاً للمسرح اجلماهريي‪ ،‬وقد عاد‬
‫من خالله إىل التاريخ العربي والشخصيات العربية‬
‫املعروفة ليقدم العديد من حكاياته املتداولة‪ ،‬وميكن‬
‫أن نذكر من عناوين مسرحياته الشهرية (ناكر اجلميل‪،‬‬
‫أنس اجلليس‪ ،‬هارون الرشيد‪ ،‬عايدة‪ ،‬الشاه حممود‪،‬‬
‫عنرتة‪ ،‬اخل ّل الويف)‪.‬‬
‫وميكن القول إنَّ القباني تأ ّثر يف أعماله املسرحية‬
‫بالعديد من الظواهر املسرحية اليت كانت منتشرة يف‬
‫دمشق يف ذلك احلني كقصص احلكواتي يف املقاهي‪،‬‬
‫‪- 40 -‬‬
‫حيث استفاد القباني من الرتاث الشفهي الذي وصله‬
‫عن طريق احلكواتية الذين كانوا منتشرين يف املقاهي‬
‫الدمشقية ليحوِّل السرد الفردي من قِبل احلكواتي إىل‬
‫حوار تتداوله الشخصيات فيما بينها على خشبة املسرح‪،‬‬
‫كما استفاد من عروض رقص السماح واملولوية‪ ،‬خاصة‬
‫إذا علمنا أنه تربّى على دروس املوسيقا واملوشّحات‬
‫ورقص السماح‪.‬‬

‫وتذكر املصادر املختلفة أن القباني كان مواظباً‬


‫على حضور عروض فنِّ خيال الظ ّل (كراكوز وعيواظ)‬
‫‪- 41 -‬‬
‫وبالتحديد تلك اليت كان يقدمها الفنان علي حبيب الذي‬
‫كان يقدم فصول خيال الظل الكوميدية الناقدة يف مقهى‬
‫العمارة يف دمشق‪ ..‬وبعد فرتة وجيزة من حضور القباني‬
‫هلذه العروض خطرت له فكرة تتلخص يف حتويل دمى‬
‫خيال الظ ّل اليت يؤدي أصوات شخصياهتا املختلفة ٍّ‬
‫مؤد‬
‫واحد إىل شخصيات حقيقية من حلم ودم يؤديها مؤدون‬
‫متدربون‪ ،‬فعرض الفكرة على أصدقائه املقرّبني الذين‬
‫شجعوه وتعهدوا مبساعدته على حتقيق هذا احللم‪،‬‬
‫وكان اخليار كتابة أعمال تستمد موضوعاهتا من التاريخ‬
‫العربي واحلكايات الرتاثية املليئة باحلِ َكم والع َِبر األمر‬
‫الذي يعين أن القباني كان واعياً ومدركاً منذ البداية‬
‫للدور التوعوي والتنويري واألخالقي الذي ميكن لفنِّ‬
‫املسرح أن يلعبه يف حياة الناس وتطوير اجملتمعات‪،‬‬
‫كما كان مدركاً أن مزج هذه احلكايات املليئة باملواعظ‬
‫بشيء من الغناء والرقص كان كفيالً بتقريبها من كافة‬
‫األذواق‪.‬‬
‫أوىل العروض ال�تي قدمها القباني ك��ان مسرحها‬
‫حظه أن وايل دمشق حضر‬ ‫بيت جدّه‪ ،‬وكان من حسن ّ‬
‫عجب هبا واقرتح على القباني أن‬ ‫بعض تلك العروض وأ ُ ِ‬
‫يوجد لنفسه مكاناً الئقاً لتقديم أعماله الفنية ووعدّه أن‬
‫يساعده مادياً لتحقيق هذه األمنية‪.‬‬
‫‪- 42 -‬‬
‫ب��ال��ت��وازي م��ع ذل��ك كانت هناك فرقة مسرحية‬
‫فرنسية تقدم عروضها يف إحدى مدارس دمشق وكان‬
‫القباني يتابع عروضها باهتمام األمر الذي ساعده‬
‫على تكوين صورة واضحة عن ماهية العرض املسرحي‬
‫وعناصره من إضاءة وأزياء وماكياج وغناء‪.‬‬
‫ق��دم القباني أول أع��م��ال��ه املسرحية يف العام‬
‫وضاح ومصباح وقوت‬ ‫‪ /1871/‬وكانت بعنوان (الشيخ ّ‬
‫األرواح)‪ ..‬وباعتبار أن اجملتمع مل يكن يف تلك الفرتة‬
‫يتقبّل قيام النساء بالتمثيل على خشبة املسرح كلّف‬
‫القباني ممثلني رج��االً القيام بتجسيد شخصيات‬
‫النساء يف مسرحياته وهو األم��ر ال��ذي أث��ار حفيظة‬
‫بعض مدّعي الدفاع عن األخالق بينما هم يف الواقع‬
‫أبعد ما يكونون عن األخ�لاق فقاموا مبضايقته مما‬
‫دفعه إىل إيقاف نشاطه املسرحي مؤقتاً فاضطر إىل‬
‫العمل بالتجارة والبيع والشراء فكان مثاالً لالستقامة‬
‫والنزاهة يف تعامالته التجارية‪ ،‬يف الوقت الذي تابع‬
‫فيه حتصيله الفين املعريف ولكن بشكل مسترت ريثما‬
‫يتمكن مرة أخرى من متابعة نشاطه املسرحي‪ ،‬وهذا‬
‫ما كان بالفعل يف العام ‪ /1873/‬حينما عاد من جديد‬
‫إىل نشاطه املسرحي وهذه املرة يف خان أسعد باشا‬
‫‪- 43 -‬‬
‫يف وسط دمشق والذي مازال قائماً حتى يومنا هذا‪..‬‬
‫ويُ��ذ َك��ر يف ه��ذا الصدد أن اإلقبال اجلماهريي على‬
‫عروض القباني كان منقطع النظري‪ ،‬فقد كان الراغب‬
‫حبضور ع��رض م��ن ع��روض��ه يضطر إىل أن حيجز‬
‫لنفسه مكاناً قبل ساعة على األقل من بدء العرض‬
‫املسرحي‪.‬‬
‫ويف مرحلة تالية وجد القباني أنه من املناسب أن‬
‫ينشئ لنفسه منصة عرض دائمة ليقدم عليها أعماله‬
‫املسرحية بدل التن ّقل من مكان إىل آخر‪ ،‬فوقع خياره‬
‫على مكان يف حيّ باب توما يسمى (جنينة األفندي)‬
‫واختذ منه مسرحاً صيفياً‪ ،‬لينتقل بعد فرتة إىل مكان‬
‫آخر يف دمشق القدمية يسمى (باب اجلمرك)‪.‬‬
‫ويف العام ‪ /1879/‬وجد أنه أصبح من املناسب‬
‫تشكيل فرقة مسرحية خاصة به فأقدم على هذه‬
‫اخلطوة وقدم من خالل الفرقة الوليدة أكثر من أربعني‬
‫مسرحية نالت إع��ج��اب اجلمهور ال��ذي أقبل على‬
‫حضور مسرحياته ملا وجده فيها من احنياز باجتاه‬
‫املفاهيم األخالقية السامية والقيم العليا اليت يعتز هبا‬
‫جمتمعنا‪.‬‬

‫‪- 44 -‬‬
‫ومثلما كان للقباني (ال��ذي يعود إليه الفضل يف‬
‫ترسيخ دعائم املسرح الشعيب‪-‬الغنائي يف سورية) حمبّوه‬
‫ومتابعوه كذلك كان له أعداؤه الذين مل ترق هلم تلك‬
‫الشعبية اليت استطاع القباني احلصول عليها فكادوا‬
‫له عند املعنيني ومت ّكنوا من إغ�لاق مسرحه ومنعه‬
‫من تقديم األعمال املسرحية مما اضطره للهجرة إىل‬
‫مصر يف العام‪ /1884/‬لتقديم أعماله املسرحية هناك‬
‫يف أكثر من مدينة مصرية حيث القى جناحاً باهراً‬
‫واعتربه املصريون مؤسساً للحركة املسرحية يف مصر‬
‫اليت قدم فيها أعماله يف مدينة االسكندرية والقى‬
‫فيها جناحاً كبرياً‪ ،‬وهذا النجاح كان سبباً يف دعوته‬
‫إىل القاهرة ليقدم أعماله على مسارحها‪.‬‬
‫وبعد عودة القباني من مصر يف العام ‪ /1900/‬مت‬
‫تكرميه وإعادة االعتبار إليه فخصصت له الدولة آنذاك‬
‫راتباً شهرياً‪ ،‬واكتفى القباني يف تلك املرحلة األخرية‬
‫من حياته بإقامة احلفالت الغنائية واملوسيقية‪.‬‬
‫بعد وفاة القباني يف العام ‪ /1903/‬ظهر العديد‬
‫من األمساء املسرحية يف سورية حاولت إكمال املسرية‬
‫اليت بدأ هبا القباني‪ ،‬فلمع اسم اسكندر فرح الذي كان‬
‫عضواً يف فرقة القباني وسافر معه إىل مصر وشارك يف‬
‫‪- 45 -‬‬
‫النجاح الكبري الذي حققته فرقة القباني فيها‪ ،‬وقد ولِد‬
‫فرح يف العام ‪ /1851/‬وتويف يف العام ‪ /1916/‬وقدم‬
‫العديد من املسرحيات التارخيية اهلامة مثل (شهداء‬
‫الغرام‪ ،‬صالح الدين‪ ،‬حسن العواقب‪ ،‬اليتيمان)‪.‬‬
‫كما ملع يف دمشق اسم الفنان أمحد عبيد الذي كان‬
‫يف مطالع القرن العشرين مواظباً على متابعة كل ما‬
‫يُقدَّم من أعمال مسرحية فتأثر هبا وقرر مجع مبلغ من‬
‫النقود واشرتى بعض لوازم املسرح هبدف تشكيل فرقة‬
‫مسرحية‪ ،‬ثم بدأ بكتابة احلواريات البسيطة والطريفة‬
‫وقدم أول أعماله املسرحية يف العام ‪ /1907/‬وقدم‬
‫بعدها عدداً من األعمال املسرحية اليت شهدت جناحاً‬
‫فضل بعد ذل��ك إهن��اء عمله‬‫ك��ب�يراً لكن أمح��د عبيد ّ‬
‫املسرحي والتفرّغ لشؤون األدب كما يذكر األستاذ‬
‫وصفي املاحل يف مذكراته‪.‬‬
‫وبعد تبعثر أعضاء فرقة القباني ظهر يف سورية‬
‫العديد من الفرق املسرحية اهلامة اليت أخذت على‬
‫عاتقها مح��ل راي���ة ال��ف��ن امل��س��رح��ي‪ ،‬منها (الفرقة‬
‫االستعراضية‪ ،‬فرقة الكواكب‪ ،‬فرقة ن��ادي االحتاد‪،‬‬
‫فرقة جورج دخول‪ ،‬فرقة عبد اللطيف فتحي‪ ،‬فرقة‬
‫أنور املرابط‪ ،‬فرقة ناديا العريس) وهذه األخرية ضمت‬
‫‪- 46 -‬‬
‫أكثر من مئة وعشرين فناناً وفنانة‪ ،‬وقد متيزت األعمال‬
‫املسرحية اليت قدمتها هذه الفرق بأهنا أعمال هادفة‬
‫اعتمدت على الكوميديا والرقص والغناء وهي العناصر‬
‫املسرحية اليت أسسها وكرّسها أبو خليل القباني يف‬
‫املسرح السوري‪.‬‬
‫وبعيداً عن القباني وتأثرياته يف احلركة املسرحية‬
‫السورية برز يف مطالع القرن العشرين اسم الفنان‬
‫عبد الوهاب أب��و السعود املولود يف العام ‪/1897/‬‬
‫وال��ذي كان واسع االط�لاع على مجيع عروض الفرق‬
‫املسرحية اليت كانت تزور سورية منذ العام ‪/1900/‬‬
‫وح��ت��ى ال��ع��ام ‪ /1910/‬كما ش��اه��د بعض العروض‬
‫املسرحية يف لبنان ليغادر بعد ذل��ك إىل القاهرة‪،‬‬
‫اطلع بشكل مباشر على احلركة الفنية واتصل‬ ‫وهناك ّ‬
‫بالفنان جورج أبيض الذي كان مشهوراً آنذاك كواحد‬
‫من فرسان املسرح يف مصر‪ ،‬فانتسب أبو السعود إىل‬
‫فرقة جورج أبيض الذي أوكل إليه يف البداية أداء بعض‬
‫الشخصيات الثانوية يف مسرحياته‪ ،‬فكان أبو السعود‬
‫يؤديها على أكمل وجه‪ ،‬وبعد أن عمل عبد الوهاب أبو‬
‫السعود يف فرقة جورج أبيض ملدة عام كامل واكتسابه‬
‫املهارة املطلوبة عاد إىل دمشق اليت قابل فيها األستاذ‬
‫‪- 47 -‬‬
‫أمح��د عبيد فأوكل إليه اإلش��راف ‪-‬يف ض��وء اخلربة‬
‫اليت اكتسبها من خالل عمله يف القاهرة‪ -‬على فرقته‬
‫املسرحية‪ ،‬وكان من أهم العروض اليت قدمتها الفرقة‬
‫بإشراف أبو السعود مسرحية (مجال باشا الس ّفاح)‬
‫اليت كتبها معروف األرن��اؤوط (الذي كتب أيضاً نصاً‬
‫مسرحياً بعنوان (أحالم ودموع) وقد أدى أبو السعود‬
‫شخصية مجال السفاح وأبدع فيها إىل درجة يقال أن‬
‫اجلمهور خاف بالفعل من الشخصية حتى أن البعض‬
‫غادر صالة العرض‪.‬‬
‫انقطع عبد الوهاب أبو السعود عن الفن املسرحي‬
‫بعد دخول الفرنسيني إىل دمشق وحتى الثورة السورية‬
‫عام ‪ /1925/‬ليؤسس بعد ذلك بثالث سنوات نادي‬
‫الكشاف الرياضي الذي أغلقته السلطات الفرنسية‬
‫املستعمِرة بتهمة النشاط الوطين‪.‬‬
‫من احملطات اهلامة يف حياة أبو السعود زيارته‬
‫إىل فرنسا اليت شاهد فيها عروضاً مسرحية هامة‬
‫جعلته يقارن بني حال املسرح يف البالد العربية وحاله‬
‫يف البالد األوربية اليت كان املسرح مزدهراً فيها أميا‬
‫ازده��ار‪ ،‬وهذا االطالع دفعه إىل املطالبة بعد عودته‬
‫إىل وطنه بتأسيس معهد للفنون املسرحية وهو احللم‬
‫‪- 48 -‬‬
‫الذي مل يتحقق إال بعد رحيله حبوايل ‪ /25/‬عاماً‪.‬‬
‫ويف العام ‪ /1932/‬ساهم عبد الوهاب أبو السعود‬
‫بتأسيس نادي دار األحلان والتمثيل وقدم النادي عدداً‬
‫كبرياً من املسرحيات اليت كتبها أبو السعود بنفسه‪..‬‬
‫وبعد ث�لاث سنوات ش��ارك أب��و السعود يف تأسيس‬
‫املسرح املدرسي ال��ذي ق��دم ع��دداً من األعمال ذات‬
‫التوجه الرتبوي‪ ،‬كما ترأس عام ‪ /1936/‬مدرسة الفنون‬
‫اجلميلة‪ ،‬وساهم بتأسيس نادي االحتاد والرت ّقي الذي‬
‫كان منرباً وطنياً باإلضافة إىل كونه نادياً فنياً‪.‬‬
‫وقبل رحيله يف العام ‪ /1951/‬شارك أبو السعود‬
‫يف بعض التمثيليات اإلذاعية‪.‬‬
‫اسم آخر ملع يف النصف األول من القرن املاضي‬
‫هو اسم الفنان عبد السالم أبو الشامات املولود يف‬
‫العام ‪ /1919/‬وقد بدأ حياته الفنية على مسرح الكلية‬
‫العلمية الوطنية ومل يكن يتجاوز اخلامسة عشرة من‬
‫عمره حيث شارك ببعض األعمال املسرحية‪ ،‬لكنه ما‬
‫لبث أن انتقل إىل العمل يف التجارة‪ ،‬ليتعرّف فيما بعد‬
‫على الفنان أنور املرابط الذي كان يقدم أعماالً مسرحية‬
‫كوميدية يف املدارس‪ ،‬ولينتسب يف العام ‪ /1938/‬إىل‬
‫ن��ادي الفنون اجلميلة حيث قام ب��أداء بعض األدوار‬
‫‪- 49 -‬‬
‫الثانوية يف البداية ثم أوكل إليه أداء بعض الشخصيات‬
‫األساسية إىل جانب زميله الفنان تيسري السعدي الذي‬
‫ختصص بأداء الشخصيات الرتاجيدية بينما ختصص‬
‫أبو الشامات بأداء الشخصيات الكوميدية‪.‬‬
‫ويف الثالثينيات ظهر الكاتب أمح��د تقي الدين‬
‫الذي كتب ثالثة نصوص مسرحية هي (الشيخ تاج)‬
‫و(الغرور) و (لقيط الصحراء)‪.‬‬
‫يف النصف ال��ث��ان��ي م��ن ال��ق��رن العشرين بدأت‬
‫ف��رق مسرحية تركت أث���راً ب���ارزاً يف احلركة‬
‫ٌ‬ ‫تظهر‬
‫املسرحية السورية كفرقة املسرح احلرّ اليت تأسست‬
‫عام ‪ /1956/‬وترأسها الفنان نزار فؤاد وش��ارك يف‬
‫جتسيد شخصيات املسرحيات اليت قدمتها عدد كبري‬
‫من الفنانني املعروفني آنذاك مثل‪ :‬رفيق سبيعي‪ ،‬سعد‬
‫الدين بقدونس‪ ،‬حممد خري حلواني‪ ،‬هناد بربر‪ ،‬عبد‬
‫الرمحن نور اهلل‪ ،‬عبد اللطيف فتحي‪ ،‬حممد العقاد‪..‬‬
‫ومن املسرحيات الشهرية اليت قدمتها مسرحية (صابر‬
‫أفندي) تأليف حكمت حمسن وإخ��راج عبد اللطيف‬
‫فتحي‪.‬‬
‫كما نذكر من هذه الفرق أيضاً ندوة الفكر والفنّ‬
‫اليت أسسها الدكتور رفيق الصبان يف مطالع الستينيات‬
‫‪- 50 -‬‬
‫وقد قدمت ع��دداً كبرياً من املسرحيات نذكر منها‪:‬‬
‫(الليلة الثانية عشرة‪ ،‬تاجر البندقية‪ ،‬رجل األقدار)‪.‬‬
‫أما فرقة الفنان حممود جرب فتأسست يف العام‬
‫‪ /1968/‬وهي نتاج شراكة إبداعية بني الفنان حممود‬
‫جرب والكاتب أمحد قبالوي وضمت ع��دداً كبرياً من‬
‫الفنانني مثل يوسف شويري‪ ،‬هيثم جرب‪ ،‬ناجي جرب‪،‬‬
‫أدي���ب ش��ح��ادة‪ ..‬ومت��ي��زت ال��ف��رق��ة بتقديم األعمال‬
‫الكوميدية ذات الطابع االجتماعي‪.‬‬

‫من عروض فرقة الفنان حممود جرب‬

‫‪- 51 -‬‬
‫ويف نفس ال��ف�ترة مل��ع اس��م فرقة مسرح دبابيس‬
‫ل�لأخ��وة قنوع ال�تي تأسست ع��ام ‪ /1973/‬وقدمت‬
‫عشرات األع��م��ال الكوميدية االجتماعية واضطلع‬
‫ببطولة معظم أعماهلا الفنان مروان قنوع إىل جانب‬
‫الفنانني عدنان قنوع‪ ،‬أنور البابا‪ ،‬غادة الشمعة‪ ،‬هدى‬
‫شعراوي‪ ..‬وغريهم‪.‬‬
‫ومن أب��رز التجارب املسرحية اليت ب��رزت يف أواخر‬
‫ستينيات القرن املاضي ومطالع سبعينياته جتربة مسرح‬
‫الشوك للفنان عمر حجو وك��ان عرضها األول بعنوان‬

‫من عروض مسرح الشوك‬

‫‪- 52 -‬‬
‫(مرايا) تأليف عمر حجو وإخراج دريد حلام‪ ،‬وقد ساهم‬
‫الفنان أسعد فضة يف إخراج بعض عروض هذه التجربة‬
‫اليت ش��ارك فيها عدد كبري من جنوم املسرح السوري‪:‬‬
‫دريد حلام‪ ،‬هناد قلعي‪ ،‬رفيق سبيعي‪ ،‬زياد مولوي‪ ،‬ياسني‬
‫بقوش‪ ،‬عمر حجو‪ ،‬حممد العقاد‪ ..‬والكثريون غريهم‪.‬‬
‫أما فرقة املسرح القومي (املسرح الذي تشرف عليه‬
‫الدولة) فقد تأسست وباشرت يف تقديم عروضها يف‬
‫العام ‪ /1960/‬ومازالت تقدم أعماهلا حتى يومنا هذا‪،‬‬
‫وقد مت تأسيس فروع هلذا املسرح يف معظم احملافظات‬
‫السورية‪.‬‬

‫من عروض املسرح القومي‬

‫‪- 53 -‬‬
‫كما مت تأسيس فرق مسرحية يف املنظمات الشعبية‬
‫كفرق املسرح الشبييب والعمايل واجلامعي وهي تقيم‬
‫مهرجاناهتا بشكل سنويّ‪.‬‬
‫وم��ن أب��رز إجن���ازات امل��س��رح ال��س��وري يف العقود‬
‫األخرية إقامة مهرجان دمشق املسرحي مرة كل عامني‪،‬‬
‫وهو املهرجان الذي تُقدَّم فيه أبرز العروض املسرحية‬
‫السورية والعربية والعاملية‪.‬‬
‫إال أن تأسيس املعهد العايل للفنون املسرحية يف‬
‫العام ‪ /1977/‬كان احملطة األب��رز يف تاريخ املسرح‬
‫السوري حيث خ �رّج املعهد حتى اآلن العشرات من‬
‫الفنانني املسرحيني الذين كانت هلم بصمتهم يف احلركة‬
‫املسرحية السورية‪.‬‬

‫‪- 54 -‬‬
‫من رواد املسرح السوري‬

‫أنور البابا‪:‬‬
‫بداية الفنان أنور البابا (املولود يف العام ‪)1915‬‬
‫يف ع��امل املسرح كانت يف امل��درس��ة حيث أسند إليه‬
‫صديقه أنور املرابط الذي سبقه يف هذا اجملال عدة‬
‫أدوار يف املسرحيات اليت كان يقدمها أثناء جوالته‬
‫وعروضه يف مدارس دمشق‪ ،‬ثم التقى عام ‪/1937/‬‬
‫بالفنانني تيسري السعدي وعبد السالم أبو الشامات‬
‫وفهد كعيكاتي‪ ،‬وغريهم وقدموا مجيعهم ع��دداً من‬
‫املسرحيات القصرية ال�تي كانوا يقدموهنا يف بيوت‬
‫األحياء الدمشقية ثم قاموا بتقدميها يف بعض القرى‬
‫احمليطة بدمشق‪ ،‬ومن أهم املسرحيات اليت شارك فيها‬
‫يف تلك الفرتة مسرحية بعنوان (أتاتورك) كما شارك‬
‫يف مسرحية هامة أخرى بعنوان (جرمية اآلباء)‪ ..‬ويف‬
‫العام ‪ /1938/‬انضم الفنان البابا إىل نادي الفنون‬
‫اجلميلة واستمر فيه ح��وايل عشر سنوات‪ ،‬ومن ثم‬
‫قام مع جمموعة من زمالئه بتأسيس الفرقة السورية‬
‫وقد اشتهر بأدائه لشخصية نسائية شعبية امسها أم‬

‫‪- 55 -‬‬
‫كامل اليت قدمها يف عدد كبري من العروض املسرحية‪،‬‬
‫وبالتحديد يف عروض فرقة دبابيس للفنان مروان قنوع‬
‫وأشقائه‪ ،‬ويقول الفنان أنور البابا عن هذه الشخصية‪:‬‬
‫(أصبحت شخصية أم كامل النموذج احل �يّ للمرأة‬
‫الدمشقية اليت تتمتع حبالوة حديثها وطالوة صوهتا‪..‬‬
‫إهنا شخصية حيوية‪ ،‬ساحرة‪ ،‬ولِ��دت لتغطية غياب‬
‫الشخصية النسائية يف املسرح‪ ،‬لكنها حافظت فيما‬
‫بعد على حضورها وتألقها‪ ،‬وعاصرت عمالقة الفن‬
‫العربي‪ ،‬ونسجت معهم الكثري من احلكايات‪ ،‬وكانت‬
‫تسرق من العجائز احل��رك��ات والكلمات والسكنات‬
‫لتوظفها يف خدمة الفن)‪.‬‬

‫‪- 56 -‬‬
‫رفيق السبيعي‪:‬‬
‫ولِ��د يف دمشق عام ‪ /1930/‬وب��دأ حياته الفنية‬
‫عام ‪ /1949/‬حني التحق بالفرق املسرحية اجلوالة‬
‫اليت كانت تقدم املسرحيات الكوميدية واالرجتالية‪،‬‬
‫ومن الفرق الشهرية اليت عمل فيها فرقة الفنان سعد‬
‫الدين بقدونس اليت كانت تقدم عروضها يف دمشق‬
‫واحملافظات‪ ،‬كما عمل يف فرقة الفنان علي العريس‪،‬‬
‫وعمل أيضاً يف فرقة الفنان حممد علي عبدو‪.‬‬

‫‪- 57 -‬‬
‫ومن خالل عمله يف هذه الفرق ظهرت شخصية أبو‬
‫صياح اليت اشتُ ِهر هبا يف العديد من األعمال املسرحية‬
‫والتلفزيونية والسينمائية‪ ،‬لكنه مل يتوقف يف املسرح‬
‫عند هذه الشخصية بل شارك يف العديد من املسرحيات‬
‫ذات الطابع اجلادّ كمسرحيات (أبطال بلدنا‪ ،‬األشباح‪،‬‬
‫االستثناء والقاعدة‪ ،‬األخوة كارامازوف) ويف السنوات‬
‫األخرية شارك السبيعي يف أعمال مسرحية إىل جانب‬
‫جمموعة من األجيال اجلديدة كمسرحية (مات ثالث‬
‫مرات) إخراج الفنان حامت علي‪.‬‬
‫زياد مولوي‪:‬‬

‫ب��دأ حياته الفنية يف العام ‪ /1964/‬من خالل‬


‫انتسابه إىل رابطة املمثلني وعمل مع الفرق املسرحية‬
‫الناشطة يف ذل��ك الوقت حيث ش��ارك مع الفنانني‪:‬‬
‫حممد علي عبده‪ ،‬طلحت مح��دي‪ ،‬عمر حجو‪ ،‬كما‬
‫شارك يف عروض املسرح القومي بدمشق من خالل‬
‫مسرحيتَي (تلميذ الشيطان) و (زواج فيغارو)‪ ..‬أما‬
‫مشاركته املسرحية األب��رز فكانت يف مسرح الشوك‬
‫مع الفنانني دريد حلام وهناد قلعي وعمر حجو ورفيق‬
‫السبيعي‪ ،‬ويف مرحلة الحقة أس��س فرقة مسرحية‬
‫‪- 58 -‬‬
‫خاصة به اشتُ ِهرت بتقديم أعمال مسرحية لألطفال‬
‫كـ (الشاطر زياد) و (حكايا عمو زياد)‪.‬‬

‫سعد الدين بقدونس‪:‬‬


‫ولِد الفنان سعد الدين بقدونس يف العام ‪/1920/‬‬
‫وبدأ مشواره الفين يف العام ‪ /1939/‬حيث واجه يف‬
‫البداية معارضة شديدة من أهله يف دخول عامل الفن‪،‬‬
‫لكنه أصر على املضي يف الدرب الذي اختاره واستمرت‬
‫مرحلة املوهبة لعشر سنوات حيث احرتف الفن يف العام‬
‫‪ /1949/‬وشارك يف عدة أعمال مسرحية مت تقدميها‬
‫‪- 59 -‬‬
‫يف سينما النصر بدمشق‪ ،‬ليكوّن فيما بعد فرقته‬
‫اخلاصة به واليت أمساها (فرقة بردى) ثم ساهم مع‬
‫الفنان عبد اللطيف فتحي يف تأسيس فرقة (املسرح‬
‫احلر) وقد جال الفنان بقدونس مع الفرق املسرحية‬
‫املتعددة اليت عمل فيها على احملافظات السورية كما‬
‫قدم عروضاً مسرحية يف بعض املدن اللبنانية‪ ،‬وكان‬
‫له نشاط مسرحي كبري يف مدينة حلب حيث ساهم‬
‫بتأسيس فرقة (املسرح العربي) وعمل فيها ملدة عشر‬
‫س��ن��وات‪ ،‬ليعود إىل دمشق وليلتحق بفرقة املسرح‬
‫العسكري وليساهم مع الفنان نزار فؤاد يف تأسيس‬
‫فرقة (املسرح الكوميدي)‪.‬‬

‫‪- 60 -‬‬
‫صدر للمؤلف‪:‬‬

‫‪-‬كتاب (وراء الستار‪-‬مقاالت نقدية يف املسرح السوري)‬


‫وزارة الثقافة‪-‬املعهد العايل للفنون املسرحية ‪.2000‬‬
‫‪-‬ك��ت��اب (م��س��رح ب�لا كواليس‪-‬إطاللة على احلركة‬
‫املسرحية السورية) وزارة الثقافة‪-‬املعهد العايل للفنون‬
‫املسرحية ‪.2006‬‬
‫‪-‬كتاب (ق��راءات يف النص املسرحي السوري) احتاد‬
‫الكتاب العرب ‪.2006‬‬
‫‪-‬مسرحية (حكاية املولود اجلديد) (إص��دار خاص)‬
‫‪.2006‬‬
‫‪-‬مسرحيتان لألطفال (مغامرة يف مدينة املستقبل)‬
‫و(حيلة العنكبوت) وزارة الثقافة‪-‬اهليئة العامة السورية‬
‫للكتاب ‪.2008‬‬
‫‪-‬أربعة نصوص مسرحية (الطوفان) و(أمج��ل رجل‬
‫غريق يف العامل) و (مونودراما ليلة التكريم)و (املعطف)‬
‫‪-‬دار إنانا ‪.2009‬‬

‫‪- 61 -‬‬
‫صدر من السلسلة‬
‫فايز فوق العادة‬ ‫حنن جزء من هذا الكون‬
‫حممد قرانيا‬ ‫دمشق‬
‫ترمجة‪ :‬فريوز نيوف‬ ‫األشرعة احلمراء‬
‫ترمجة‪ :‬قاسم طوير‬ ‫مملكة ماري‬
‫خمتارات من اسامة‬
‫د‪ .‬هشام احلالق‬ ‫القدس‬
‫حسن بالل‬ ‫الذرة‬
‫فايز فوق العادة‬ ‫العلم يدهشنا‬
‫أنطوانيت القس‬ ‫مملكة إيبال‬
‫طه الزوزو‬ ‫البيئة‪ :‬الطبيعة واإلنسان‬
‫موسى ديب اخلوري‬ ‫قصة الكون واحلياة واإلنسان‬
‫عبد اهلل عبد‬ ‫ربيع كاذب‬
‫حممد املصري‬ ‫صفحات من تاريخ املوسيقا‬
‫ترمجة أنطوانيت القس‬ ‫األمري الصغري‬
‫موسى ديب اخلوري‬ ‫قصة اخرتاع األرقام‬
‫د‪ .‬غزوان زركلي‬ ‫الصوت والزمن‬
‫هنادي زرقة‬ ‫حشرات يف بيتك وحديقتك‬
‫د‪ .‬ريم منصور األطرش‬ ‫طريق احلرير‬
‫أويس الشريف‬ ‫احلاسوب‬
‫د‪ .‬حممد عبود‬ ‫فلزات (سيليكون‪/‬كوارتز‪/‬حرير صناعي‬
‫فايز فوق العادة‬ ‫الثقوب الكونية السوداء‬
‫موسى ديب اخلوري‬ ‫الفسيفساء‬
‫د‪ .‬تغريد شعبان‬ ‫فن النحت يف العصر القديم‬
‫د‪ .‬حممد عبود‬ ‫التلوث النفطي‬
‫هنادي زرقة‬ ‫احملميات الطبيعية‬
‫رسوم ضحى اخلطيب‬ ‫خمتارات من حكايات إيسوب‬
‫حممد مروان مراد‬ ‫حيوانات املروج والغابات‬
‫جهاد سالمة األشقر‬ ‫قصة الالسلكي‬
‫موسى ديب اخلوري‬ ‫أوغاريت‬

‫‪- 62 -‬‬
‫د‪ .‬تغريد شعبان‬ ‫ممالك سورية القدمية‬
‫نزار مصطفى كحلة‬ ‫التخدير واإلنعاش عرب التاريخ‬
‫أنطوانيت القس‬ ‫أساطري يونانية‬
‫دلدار فلمز‬ ‫تاريخ الرسم‬
‫د‪ .‬عبري عيسى‬ ‫النفايات الصلبة‬
‫حممد دنيا‬ ‫الفينيقيون وأساطريهم‬
‫فايز فوق العادة‬ ‫الرياضيات علم وفن‬
‫د‪ .‬سرياؤوس حممد‬ ‫اجلراثيم والبيئة‬
‫ترمجة‪ :‬د‪ .‬نبيل احلفار‬ ‫حكايات األخوين غريم‬
‫حسن عز الدين بالل‬ ‫النانو وتطبيقاته‬
‫حممد دنيا‬ ‫غزو الفضاء‬
‫موسى ديب اخلوري‬ ‫على دروب القرى املنسية‬
‫حممد مروان مراد‬ ‫أعالم الكشف واالخرتاع‬
‫د‪ .‬هشام سعيد احلالق‬ ‫قرطاج‬
‫حممد دنيا‬ ‫أساطري من اليابان‬
‫فايز فوق العادة‬ ‫أوليات علم الفلك‬
‫هيسم جادو أبو سعيد‬ ‫نشوء احلياة‬
‫اكتشاف حضارة عريقة‬ ‫املايا‬
‫أنطوانيت القس‬ ‫فراشات وأحالم‬
‫حممد مروان مراد‬ ‫العلماء العرب رواد النهضة العربية‬
‫حسن عز الدين بالل‬ ‫اهلندسة الوراثية وتطبيقاهتا‬
‫‪-‬‬ ‫من حكايات ألف ليلة وليلة‬
‫د‪ .‬بسام جاموس‬ ‫مملكة قطنا‬
‫حممد حسام الشاالتي‬ ‫تعرف على الرياضات اجلوية‬

‫‪- 63 -‬‬
- 64 -

You might also like