Professional Documents
Culture Documents
الداروينية
ّ
رؤية فلسفية
إعداد
األخ أندرو وهيب الفرنسيسكاني
حيـــــــــاتــــــه
ّ
داروينية داروين
شكل معلمو داروين في إدنبره وكامبريدج مواقفه الفلسفية ومسيرته
ً
العلمية تشكيلً حاسما .لقد كان هينسلو هو من عرف داروين بالكابتن
بروبرت فيتزروي Robert Fitzroyقائد سفينة إتش إم إس بيجل H. M.
ً
،S. Beagleفقد سعى فيتزروي إلى رفيق نبيل يمكنه أيضا جمع
معلومات عن الجيولوجيا والتاريخ الطبيعي خلل جولة مقترحة حول
العالم .في الوقت نفسه كانت رسالة هينسلو إلى داروين ،والتي سأله
ً
فيها عما إذا كان مهتما بالتوصية لهذا المنصب ،وصلت إلى منزل داروين
بينما كان يعمل في مسح جيولوجي لشمال ويلز .لكن بعد التغلب على
مقاومة والده ،قبل داروين المنصب.
ْ
كان الجمع بين المراقبة الميدانية الدقيقة ،والتجريب ،وتدوين الملحظات،
والقراءة والتفكير ،خلل رحلة بيغل لمدة خمس سنوات ،ما تحول عبر
مقطع عرضي واسع للغاية لبيئات األرض ،هو ما حدد مسار [داروين]
ً
لبقية حياته .فقد قرأ خلل الرحلة "مبادئ الجيولوجيا" المنشور حديثا
لتشارلز اليل ،Charles Lyellوأعاد قراءته ،وهو عمل يقع في ثلث
مجلدات توضح رؤية فلسفية لعلم تاريخي تجريبي صارم ،يتمحور حول
خمس أفكار رئيسية:
يبحث الجيولوجي في كل من التغيرات الحية وغير الحية .1
التي حدثت خلل تاريخ األرض.
تتمثل مهامه الرئيسية في تطوير سجل دقيق .2
وشامل لتلك التغييرات ،وتغليف وتلخيص تلك المعرفة
في قوانين عامة ،والبحث عن أسبابها.
يجب أن يقتصر هذا البحث على األسباب التي يمكن .3
ً
دراستها تجريبيا.
تشير السجلت أو «اآلثار» لماضي األرض إلى عملية .4
مستمرة للـ«اإلدخال» و«االنقراض» لألنواع ،ومن مهمة
البحث عن أسباب هذه المدخلت ً الجيولوجي
واالنقراضات ،وفقا لملحظة األفكار في نقطة ،3في
األعلى.
ً
المحاولة الجادة الوحيدة للقيام بذلك وفقا لفكرة أن .5
األنواع قادرة على «تعديل غير محدد» ،وهي محاولة
جان بابتيست المارك ،وقد فشلت ألسباب منهجية.
وبالتالي تدعم جميع األدلة الرأي القائل بأن تنوع األنواع
ً
محدود ،وأن نوعا ما ال يمكن تحويله إلى نوع آخر.
ً
يمكن وضع النظرية كسلسلة من العناصر السببية التي ،بالعمل معا ،ستنتج التحوالت المطلوبة:
ً ً
• تتكون األنواع من أفراد يختلفون اختلفا طفيفا عن بعضهم البعض ،فيما يتعلق بسماتهم العديدة.
• تميل األنواع إلى الزيادة في األعداد عبر األجيال بمتوالية هندسية.
ُ َ َّ
• يتحقق من هذا الميل باستخدام لغة توماس مالتوس Thomas Malthusحول "مبدأ المجموعة On The
ً
،"Principle Of Populationمن خلل الموارد المحدودة ،والمرض ،واالفتراس ،وما إلى ذلك ،مما يخلق صراعا من
أجل البقاء بين أعضاء النوع.
• سيكون لدى بعض األفراد اختلفات تمنحهم ميزة طفيفة في هذا الصراع ،وتنوعات تسمح لهم للوصول ألكثر
كفاءة أو أفضل إلى الموارد ،ومقاومة أكبر لألمراض ،ونجاح أكبر في تجنب االفتراس ،وما إلى ذلك.
• كما سوف يميل هؤالء األفراد إلى البقاء على قيد الحياة بشكل أفضل ،وتوالد المزيد من النسل.
• يميل النسل إلى وراثة تنوع (أو تنوعات) آبائهم.
ُ ُ َ َّ
• لذلك تميل االختلفات المواتية إلى أن تمرر بشكل متكرر أكثر من غيرها ،وبالتالي يحافظ عليها ،وهو اتجاه
أطلق عليه داروين اسم "االنتخاب الطبيعي".
• بمرور الوقت ،خاصة في بيئة متغيرة ببطء ،ستؤدي هذه العملية إلى تغيير طبيعة األنواع.
الكفاية ،ستختلف المجموعات المتحدرة من األنواع عن األسلف ،بما فيه• بالنظر إلى فترة زمنية طويلة بما ًفيه ُ َّ
الكفاية عن بعضها ،وعن بعضها بعضا ،لتصنف على أنها أنواع مختلفة ،وهي عملية قادرة على التكرار إلى أجل غير
مسمى .توجد ،باإلضافة إلى ذلك ،قوى تشجع االختلف أو التنوع بين المجموعة المنحدرة ،والقضاء على األصناف
الوسيطة.
ّ
المشاكل الفلسفية
ّ
مع داروينية داروين
ّ
االحتمالية والصدفة
أوالً ،الحظ استخدام لغة «الميول أو النزعات» و«الترددات» في المبادئ المذكورة أعله .لقد علم
داروين بشكل خاص أن هيرشل قد أشار إلى نظريته على أنها «قانون مشوش» ،على األرجح إشارة إلى
العنصر الكبير الذي يتم لعبه في مبادئه األساسية عن طريق الصدفة واالحتمال .نظرية داروين ،كما
َّ َّ
نقول اليوم ،نظرية "إحصائية ."Statisticalال يمكن للمرء أن يقول إن لكل فرد تباين إيجابي ،سيبقى
على قيد الحياة أو سيترك ذرية أكثر من األفراد بدونه .وال يمكن للمرء أن يقول إنه ال توجد بيئة تدعم
جميع النسل المنتج في جيل معين ،وبالتالي البد من وجود صراع تنافسي على الدوام .تميل هذه
هي األشياء إلى الحدوث ألسباب واضحة ،وهذا يسمح لنا بعمل تنبؤات دقيقة حول االتجاهات أو
الميول أو التوجهات على مستوى المجتمعات ،ولكن ليس لتقديم ادعاءات مطلقة حول ما يجب أن
يحدث في كل حالة .اطمأن فلسفة العلم إلى نظرية من هذا النوع بعد هيرشل فقط ،وما يزال الفهم
َّ
الفلسفي المناسب لمثل هذه التفسيرات محل نقاش.
طبيعة االنتخاب وقوته ونطاقه
ً
جوهر نظرية داروين هو مفهوم االنتخاب الطبيعي .يبدو أن هذا العنصر األساسي في نظريته قد حير الجميع تقريبا ،وربما
كان هذا بسبب استخدامه لمصطلح انتخاب ( .)selectionهل يمكن أن يكون -كما كان يتساءل اليل وهيرشل ومدافع
داروين األمريكي آسا جراي Asa Gray -وجود «سبب وسيط» ،أي مبدأ سببي وضعه الله ودعمه؟ أم أنه ،في صميم
ُ
طبيعته ،نقيض مثل هذا المبدأ ،كما اعتقد مدرس الجيولوجيا القديم سيدجويك؟ هل يمكن أن تخلق األنواع ،أم أنها،
َ َ َ ُ َ
بطبيعتها ،قوة سلبية ،تقضي على ما خ ِلق بالفعل بوسائل أخرى؟ في إحدى نسخه من أصل األنواع ،شطب ألفريد راسل
survival of the واالس « Alfred Russell Wallaceاالنتخاب الطبيعي» وكتب بجواره عبارة «البقاء لألصلح
.»fittestلطالما شعر واالس أن «االنتخاب» يستورد بشكل غير الئق مفاهيم مجسمة anthropomorphicللطبيعة،
ً
تختار عمدا بين المتغيرات في التاريخ الطبيعي .وفي مراجعة مخربة ،وافق فليمنج جينكين Fleeming Jenkinبسعادة
على مبدأ االنتخاب الطبيعي ،لكنه تحدى قوته في تعديل األجداد أو األسلف إلى األنواع المتحدرة المولودة ،وبالتالي
قصر نطاقه على إنتاج األصناف .وقد تساءل عدد من المراجعين ،حتى بعض المتعاطفين منهم ،عن إمكانية توسيع
النظرية لتفسير تطور تلك الخصائص التي تميز البشر عن أقرب أقربائهم.
االنتخاب والتكيف والغائية
… أوالً ،ما إذا كان لألنواع وجود حقيقي ودائم في الطبيعة؛ أو ما إذا كانت قادرة -كما يدعي بعض علماء الطبيعة -على
ُ
أن تعدل إلى أجل غير مسمى في سياق سلسلة طويلة من األجيال.
ً
يفترض اليل بوضوح أن السماح بالتطور يعني إنكار حقيقة األنواع وواقعها .فلكي يكون النوع «حقيقيا» ،يجب أن يكون له
«وجود دائم في الطبيعة» ،أو كما قال في مكان آخر …« ،حدود ثابتة ،ال يمكن لألحفاد من اآلباء العاديين تجاوز هذه
ً ً
الحدود مطلقا ،واالنحراف عن النوع نفسه…» .وفقا لهذا الرأي ،لقبول التغيير التطوري ،يجب أن تشعر بالراحة تجاه
مجموعة متنوعة من االسمية حول األنواع .ويبدو أن داروين أصبح كذلك.
ُ
… ومن ثم فإنني أنظر إلى الفروق الفردية ،على الرغم من أنها ذات أهمية صغيرة للمصنفين ،حيث إنها ذات أهمية عالية
ُ
بالنسبة لنا ،باعتبارها الخطوة األولى نحو ِمثل هذه األنواع الطفيفة ،والتي بالكاد يعتقد أنها تستحق التدوين في كتب
ً ً
التاريخ الطبيعي .وأنا أنظر إلى األصناف األكثر تميزا واستمرارية في أي مرحلة ،كخطوات تؤدي إلى أصناف أكثر تميزا
واستمرارية؛ وفي هذه األخيرة ،تؤدي إلى أنواع فرعية ،ومن ثم األنواع.
ُ ِّ َ
قد خصص قدر كبير من الفصل الثاني من «أصل األنواع» لداروين ،إلقناع القارئ بأن أفضل
الممارسات الحالية بين علماء النبات وعلماء الحيوان تقبل بعالم طبيعي منظم كما يصر ،وليس
كما يدعي خصومه:
ً
يجب االعتراف بأن العديد من األشكال التي يعتبرها الخبراء ذوو الكفاءة العالية أصنافا ،لها طابع
ً
األنواع تماما ،لدرجة أن الخبراء اآلخرين ذوي الكفاءة العالية يصنفونها بأنها أنواع جيدة وحقيقية.
هذه نتيجة متوقعة -من منظور داروين -لحقيقة أن الكائنات الحية التي نرغب اليوم في
تصنيفها كأنواع ،هي مجرد المرحلة األخيرة من عملية تطورية بطيئة وتدريجية .الكائنات الحية
ً
داخل الجنس لها أسلف مشتركة ،وربما أسلف مشتركة حديثة نسبيا .وقد يرى بعض علماء
الطبيعة عشرة أنواع مع عدد قليل من األصناف في كل منها .كما قد يصنف بعضهم اآلخر بعض
ً
األصناف كأنواع ،ويقسم نفس الجنس إلى عشرين نوعا .يمكن إجراء كل التصنيفين بأقصى قدر
من الموضوعية والعناية من قبل المراقبين المهرة.
طريقة التغيير التطوري وإيقاعه
تشير مسألة االسمية مقابل الواقعية فيما يتعلق باألنواع ،إلى جانب أخير من نظرية داروين،
Gradualism.ألنه التي اختلف معها العديد من المتعاطفين معه ،وهو التدرج أو التدريجية
بصرف النظر عما إذا كانت وجهات نظره تنطوي على «االسمية» حول األنواع الطبيعية ،يبدو أنها
ً
تعكس اعتقادا بأن العملية التطورية يجب أن تكون بطيئة وتدريجية .ربما هنا نرى التأثير األكثر
ديمومة لدراسة داروين الدقيقة لـ«مبادئ الجيولوجيا» لتشارلز اليل أثناء وجوده على ظهر
السفينة بيغل .وأشدد بأن العملية التطورية بطيئة وتدريجية؛ ألنه من الواضح يمكن أن تكون
ً
العملية التطورية بطيئة ،ولكن غير تدريجية ،ويمكن للعملية أيضا أن تكون سريعة ،ولكن
ً ً
تدريجية .يؤكد داروين مرارا وتكرارا أنه يتصور االنتخاب الطبيعي «إضافة اختلفات صغيرة للغاية»،
ً
كما يتخيل أن عملية االنتواع ستحدث على مدى لفترة طويلة جدا من الزمن.
ُ
واحدة من أقوى الحجج لإلصرار على أن «الداروينية» ،كما تستخدم اليوم ،متشابهة مع داروينية
َ
داروين ،هي أن كل من هذه األسئلة ما تزال محل نقاش ساخن ،وقد ظلت طوال تاريخ النظرية .مع
كل التغييرات المدهشة التي أحدثتها الثورات الجينية والكيميائية الحيوية والجزيئية ،ومع تطوير
النماذج الرياضية لعلم الوراثة وعلم البيئة ،والتقنيات المتطورة لكل من التحقيق الميداني
والمختبري للعمليات التطورية ،والتحليل للتصنيفات الفرعية في علم التصنيف .ومع ذلك ،يبقى
ً
صحيحا أنه يمكن للمرء أن يجد علماء أحياء تطوريين يلتزمون بـ داروينية داروين ،يعرفون أنفسهم
[ويعرفهم] منتقديهم.
خالصة وتعليق