You are on page 1of 44

‫أبو خليل القبّاني‬

‫‪-1-‬‬
‫رئيس جملس اإلدارة‬
‫وزير الثّقافة‬
‫األستاذ حممَّد األمحد‬

‫اإلشراف العا ّم‬


‫املدير العامُّ للهيئة العامة السّوريّة للكتاب‬
‫د‪ .‬ثائر زين الدين‬

‫رئيس التحرير‬
‫مدير منشورات الطفل‬
‫د‪ .‬مجال أبو مسرة‬

‫لوحة الغالف‬ ‫اإلخراج‬


‫رامي األشهب‬ ‫حنان الباني‬

‫الطباعي‬
‫اإلشـراف ّ‬
‫أنـــــس احلــســن‬
‫أيلول ‪2017‬‬

‫‪-2-‬‬
‫أبو خليل القبّاني‬

‫كتابة‪ :‬هناء أبو أسعد‬

‫اهليئة العامّة السّوريّة للكتاب ‪ -‬مديريّة منشورات ّ‬


‫الطفل‬
‫وزارة الثقافــة ‪ -‬دمشق ‪2017‬م‬

‫‪-3-‬‬
‫عادَ سامر من املدرسة فرحاً مسروراً‪ ،‬فقد اختارته‬
‫ِ‬
‫بسبب نباهته وذكائه وحسن‬ ‫معلم ُة مادّة الرتبية الفنيّة ـ‬
‫إلقائه ـ ليكونَ بط َل مسرحيّة‪ ،‬سوف تُقدّمُ على مسر ِح‬
‫أبي خليل القبّاني‪ ،‬يف يوم الطفل العربي‪.‬‬
‫غمرت السعادةُ أمه وأباه وإخوته‪ ،‬وأبدوا اهتماماً‬
‫بالغاً هبذا احلدث الرائع‪ ،‬ممّا دفعهم إىل تقديم النصائح‬
‫واإلرشاداتِ إليه‪ ،‬لكي يكون مم ّثالً ناجحاً‪.‬‬
‫وحني علمَ جدُّه باألم ِر‪ ،‬ناداه‪ ،‬وسأله‪:‬‬
‫هل وقع االختيار عليك بطالً ملسرحيّةٍ لألطفا ِل‬
‫ح ّقاً؟‬
‫سامر‪ :‬نعم يا جدّي‪.‬‬
‫اجلدّ‪ :‬وأين ستقدّم املسرحيّة؟‬
‫سامر‪ :‬على مسر ِح أبي خليل القبّاني‪.‬‬
‫ضحك اجل��دّ‪ ،‬وق��ال‪ :‬أري��د أن أسألك يا ب�ني‪ ،‬هل‬
‫تعرفُ من أبو خليل القبّاني؟‬
‫‪-4-‬‬
‫ذه َل سامر بسؤال جدّه‪ ،‬وحاول جاهداً أن يستحضرَ‬
‫من ذاكرته إجابة تنقذهُ من عد ِم معرفتهِ هبذا الرجل‪،‬‬
‫لكنه مل يفلح‪!!...‬‬
‫قال‪ :‬ال شكّ أ ّنه أحد رجا ِل الثورةِ على الفرنسيّني‬
‫يف سورية!‬
‫ضحك اجلدّ‪ ،‬وربّتَ على كتفِ سامر حبنان‪ ،‬وقال‬
‫له‪ :‬اليوم بعد الغداء‪ ،‬سأحدّثك عن هذا الرجل‪ .‬أحسَّ‬
‫سامر باإلحرا ِج أمام جدّه‪ ،‬وقال‪ِّ :‬‬
‫بكل شوق يا جدّي‪.‬‬
‫***‬
‫بعد الغداء‪...‬‬
‫جلسَ سامر أمام جدّه‪ ،‬وقال‪ :‬حدثين عن أبي خليل‬
‫القبّاني كما وعدتين‪ ،‬فمن هذا الرجل؟‬
‫قال اجلدّ‪ :‬قبل أن أحدّثك عنه‪ ،‬البدّ أن أذكرَ لك‬
‫شيئاً عن تاريخ املسر ِح يف بالدنا‪.‬‬
‫سامر‪ :‬كما تشاء يا جدّي‪ ،‬كلّي آذانٌ صاغية‪.‬‬

‫‪-5-‬‬
‫تاريخ املسرح يف سورية‪:‬‬
‫اجلدّ‪ :‬عَرَفَ الناسُ املسرحَ ـ يا بين ـ من ُذ القديم‪،‬‬
‫لكن بصور خمتلفة‪ ،‬وي���روي ال��ت��اري��خُ أنّ السوريني‬
‫عرفوا املسرحَ منذ ما يزيدُ على ثالثة آالف سنة‪ ،‬وما‬
‫يدل على ذلك‪ ،‬وج��ودُ مدرّجات خلّدت املالحمَ اليت‬ ‫ُّ‬
‫أحياها السوريُّ القديم‪ ،‬لسنني طوا ٍل يف تدمر وبصرى‬
‫والسويداء‪...‬‬
‫ويدل التصميمُ اهلندسيُّ هلذه املدرّجات على قدرة‬ ‫ُّ‬
‫اجلمهو ِر على التقاط أيّ��ةِ كلمة يلقيها املم ّثلون‪ ،‬كما‬
‫قصص ومالحمَ وأناشيدَ منقوشةٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ُّ‬
‫يدل ما اكتُشفَ من‬
‫متثيلي آلهلةِ‬
‫ٍّ‬ ‫طقس‬
‫ٍ‬ ‫على ألوا ٍح طينيّة‪ ،‬كانت تغنّى يف‬
‫اخلصب‪ ،‬على أنّ السوريّني عرفوا املسرحَ منذ القديم‪،‬‬
‫وهذا األمر معروفٌ لدى ك ّل األم��م‪ ،‬ولكن مع اتسا ِع‬
‫رقعةِ البالد‪ ،‬والتطوّرات اليت حدثتْ يف اجملتمعاتِ‬
‫اإلنسانيّة‪ ،‬وصلوا إىل ما يُعْرَفُ باملسرح‪.‬‬
‫وامل��س��رحُ امل��ع��روفُ يف العص ِر احلديثِ يف بالدنا‪،‬‬
‫وحتديداً يف سورية كانت له بدايات‪...‬‬
‫‪-6-‬‬
‫ّ‬
‫الظل‪:‬‬ ‫خيال‬
‫يف البداية‪ ،‬كان مسرحُ الظل «اخليال»‪ ،‬الذي يقومُ‬
‫على إلقاءِ خياالت على ستار‪ ،‬يشاهدُها املتفرجون‪،‬‬
‫فيجدون فيها املتعة والفائدة‪.‬‬
‫الظل»‪ ،‬نشأ‬‫ِّ‬ ‫هذا النوعُ من املسرح‪ ،‬يُدعى «خيا ُل‬
‫قبل نشأةِ املسرح‪ ،‬وال أحد بالضبطِ يعرفُ منشأه‪ ،‬لكنْ‬
‫يقا ُل إ ّنه نشأ يف اليونان واهلند والصني يف األلفِ األوّل‬
‫قب َل امليالد‪ ،‬وانتق َل إىل البلدا ِن العربيّة‪.‬‬
‫كان صاحبُ خيا ِل الظ ّل‪ ،‬يعرضُ ما يف جعبتهِ من‬
‫أح��واش مسوّرةٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مسرحيّاتٍ يف خيام متن ّقلة‪ ،‬أو يف‬
‫قماش أبيض‪ ،‬تنعكس‬ ‫ٍ‬ ‫باخلشب‪ ،‬وتُعْرَضُ على ستا ٍر من‬
‫عليه من اخللفِ ظال ُل عرائس من ال��ورقِ املقوّى‪ ،‬أو‬
‫ِ‬
‫العرائس مصباحٌ‬ ‫اجللد املضغوط‪ ،‬وقد وُضِعَ خلفَ تلك‬
‫يعكسُ ظالً على الستار‪ ،‬والعرائسُ مكوّن ٌة من أعضاءٍ‬
‫تتحر ُّك بوساطة مفاصل‪ ،‬وقد عُلّقتْ تلك العرائس‪،‬‬
‫واتصلتْ هبا وبأجزائها املختلفةِ خيوط‪ ،‬تتجمّعُ يف يدِ‬

‫‪-7-‬‬
‫صاحب اخليال‪ ،‬وبفضلها حير ُّك تلك العرائس‪ ،‬حسبما‬ ‫ِ‬
‫يشاء‪ ،‬ووفقاً ملقتضيات احل��وا ِر ال��ذي يلقيه صاحبُ‬
‫الظل القاب ِع خلفَ الستار‪ ،‬فيسمعُه املشاهدون‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫خيا ِل‬
‫ويرون الصورَ املتحرّك َة اليت تصاحبُه‪ ،‬وهو نوعٌ من أنواع‬
‫املسرح الكثرية اليت عرفتها «سورية»‪ ،‬ومن شخصيّاته‬
‫الشهرية «كراكوز وعيواظ» صديقا السهراتِ يف معظ ِم‬
‫احملافظاتِ السورية‪.‬‬
‫ِ‬
‫األدب‬ ‫وق��د استمدَّ خ��ي��ا ُل ال��ظ ِّ��ل موضوعاتِه م��ن‬
‫الكالسيكي‪ ،‬سواء أكان العربيّ أم الفارسيّ‪ ،‬أم الرتكي‪،‬‬
‫كـ «ليلى واجملنون» و«قيس وليلى»‪ ،‬و«خُسْرَوْ وشِريِين»‪،‬‬
‫و«فرحات وشِريِين»‪ ،‬ولكن البدّ من اإلش��ارةِ هنا‪ ،‬إىل‬
‫أنّ هذه الشخصيّات قد ُغيّرتْ مبا يتالءم مع رو ِح فنّ‬
‫الفكاهةِ الساخر‪.‬‬
‫سامر‪ :‬هذا مجي ٌل يا جدّي‪ ،‬أذكر أ ّني رأيت برناجماً‬
‫تلفازيّاً‪ ،‬حتدثوا فيه عن صندوق الفرجة‪ ،‬واحلكواتي‬
‫أيضاً‪...‬‬

‫‪-8-‬‬
‫اجلدّ‪ :‬أحسنتَ يا سامر‪ ،‬فصندو ُق الفرجة هذا‪ ،‬كان‬
‫يدعى «صندوق الدنيا»‪.‬‬
‫صندوق الدنيا‪:‬‬
‫كان صاحبُهُ حيملُه على ظهره‪ ،‬وحيمل معه الد ّكة‪،‬‬
‫كي جيلسَ عليها املشاهدون‪ ،‬وك��ان يطوفُ الشوارعَ‬
‫واحل��ارات للعرض‪ ،‬حيث يرى املشاهدون من خالل‬
‫فتحةٍ زجاجيةٍ صوراً ملون ًة متعاقبة‪ ،‬فيما يقومُ صاحبُ‬
‫الصندوقِ بتفسريِ ما يراه املشاهدون بصورةٍ شائقة‬
‫ّ‬
‫وجذابة‪.‬‬
‫احلكواتي‪:‬‬
‫عَرَ َفتْ دمشق أشكاالً عديدةً من الفرجة الشعبيّة‪،‬‬
‫كانت تلبّي جزئيّاً حاج َة اجلماعةِ إىل ف��نِّ املسرح‪،‬‬
‫ِّ‬
‫الظل وصندوق الدنيا‪ ،‬راجَ‬ ‫فباإلضافةِ إىل خيمةِ خيا ِل‬
‫احلكواتي يف دمشق يف القر ِن التاسع‪.‬‬
‫ك��ان احل��ك��وات��ي ينصبُ خيم ًة يف مقاهي دمشقَ‬
‫الشعبيّة‪ ،‬ويعرضُ حكاياتٍ ذات أمناطٍ وحبكاتٍ دراميّةٍ‬
‫‪-9-‬‬
‫مرنة‪ ،‬تتمدّدُ وتتفاع ُل باالرجتا ِل مع مجهو ِر املشاهدين‪،‬‬
‫وال سيّما يف أيام شه ِر رمضان‪.‬‬
‫ويف زم ِ��ن االحتال ِل العثمانيّ للبالدِ العربيّة‪ ،‬بر َز‬
‫احلكواتي كظاهرةٍ قويّةٍ يف بالد الشام‪ ،‬وحيتفي جدارُ‬
‫مقهى النوفرة حبكواتي دمشقَ األوّل عبد احلميد‬
‫اهل��واري أبي أمحد املنعش من مواليد ‪1885‬م‪ ،‬الذي‬
‫تويف عام ‪1951‬م‪.‬‬
‫وعادة ما يكون للحكواتي كرسيٌّ مرتفع يف املقهى‪،‬‬
‫لرياه اجلميع‪ ،‬ويرتدي لباساً شعبيّاً‪ ،‬وله من األدوات‬
‫امل��س��اع��دة على س��رد احلكاية م��ا ي��ف��ي��دُه‪ ،‬فالسيفُ‬
‫والعصا‪ ،‬أداتان مهمّتان يف سردِ قصّةِ الظاهر بيربس‪،‬‬
‫أو الزير سامل‪ ،‬أو أبي زيد اهلاليل‪.‬‬
‫ويف ك ّل مرّةٍ ينقسمُ مجهورُ املقهى إىل فريقني‪ ،‬مييل‬
‫كل منهما إىل طرف من احلكاية‪ ،‬فثمة من كان يرى‬ ‫ٌّ‬
‫يف جساس مصيباً فيما فعله‪ ،‬حني رمى كليباً بالرمح‪،‬‬
‫فيما يذهبُ الفريقُ اآلخرُ إىل اعتبا ِر الزير سامل مصيباً‬
‫يف استمراريّة أخذه بالثأر ألربعني سنة‪.‬‬
‫‪- 10 -‬‬
‫سامر‪ :‬هذا يعين أنّ احلكواتي كان حالة متثيليّة بك ّل‬
‫معنى الكلمة‪ ،‬من حيث اكتما ُل عناص ِر املسرحيّة‪ ،‬من‬
‫نص‪ ،‬وممثلٍ‪ ،‬ومجهور‪.‬‬‫ٍّ‬
‫اجلد‪ :‬نعم‪ ...‬نعم؛ لذلك كانت حال ُة اإليها ِم تأخذ‬
‫اجلمهورَ إىل التفاع ِل مع احلكايةِ ليكون جزءاً منها‪.‬‬
‫سامر‪ :‬يُخيّ ُل إيلّ ـ يا حدي ـ أنّ «خيا َل الظ ّل» كان من‬
‫أكث ِر الفنو ِن الشعبيّةِ قرباً من املسر ِح احلديث‪.‬‬
‫اجلد‪ :‬هذا صحيح‪ ،‬أل ّنه يعرضُ صوراً من احلياة‪،‬‬
‫فيها العديدُ من الشخصيّات اليت يقفُ من ورائها عددٌ‬
‫من املم ّثلني احملرتفني‪.‬‬
‫ومن املعروف‪ ،‬أنّ هذه الفنونَ الشعبيّة‪ ،‬وال شكّ‪،‬‬
‫هيّأت العقو َل واحلواس لإلقبال على فنّ التمثيل‪.‬‬

‫‪- 11 -‬‬
‫مَن أبو خليل القبّاني؟‬

‫سامر‪ :‬هذا رائعٌ يا جدّي‪ ،‬فمن أبو خليل القبّاني‪...‬؟‬


‫اجلدّ‪ :‬هو أمحد بن حممد آغا بن حسني آغا‪ ،‬املل ّقب‬
‫«بالقبّاني»؛ ول��دَ يف دمشق ع��ام ‪1833‬م‪ ،‬من أس��رةٍ‬
‫دمشقيّةٍ عريقة؛ تعلّم القراءةَ ومبادئَ العلو ِم يف أحد‬
‫‪- 12 -‬‬
‫ِ‬
‫املدارس االبتدائيّة‪ ،‬ويف‬ ‫الكتاتيب‪ ،‬ثم انتق َل إىل إحدى‬
‫ِ‬
‫الدرس يف املساجد‬ ‫بدايات شبابه‪ ،‬أخذ حيضرُ حلقاتِ‬
‫والبيوت ثمّ احرتفَ مهن َة القبّان‪ ،‬ويف هذه األثناء‪ ،‬كان‬
‫ينمّي ميولَه املوسيقيّة والغنائية‪ ،‬فاكتسبَ الكثريَ من‬
‫أساتذته ح ّتى أشادوا له بذلك‪...‬‬
‫ويُعدّ أبو خليل القبّاني رائداً كبرياً من روّادِ املسر ِح‬
‫واملوسيقا‪ ،‬فهو امل��ؤسّ��سُ األوّل ملا عُ��� ِرفَ باملدرسةِ‬
‫الشاميّة اليت اعتمدتْ على دم ِ��ج التمثيل يف الغناءِ‬
‫والرقص‪...‬‬
‫كان والدُه يريده أن يكون متعلّماً مثقفاً‪ ،‬فأخذه إىل‬
‫اجلام ِع األم��ويّ الكبري‪ ،‬ليتع َّلمَ اللغ َة العربيّة والقرآنَ‬
‫ميض وقتٌ طويل‪ ،‬حتى ذاعَ‬ ‫الكريم‪ ،‬كباقي األطفال‪ ،‬ومل ِ‬
‫صيتُه بذكائه النادر‪ ،‬وصوته الساحر‪ ،‬بعد ذلك اجته‬
‫أبو خليل القبّاني إىل مقهى العمارة الكبرية‪ ،‬ليتفرَّجَ‬
‫على «خيا ِل الظ ّل» وعندما شعرَ مبي ٍل إىل الفنّ‪ ،‬دعا‬
‫رفا َقه إىل دا ِر أبيه «يف باب سرجية» وبدأ يغنّي هلم‪.‬‬
‫‪- 13 -‬‬
‫حني رآه أبوه يرقصُ ويغنّي‪ ،‬طردَهُ من املنزل‪ ،‬فلج َأ‬
‫إىل خاله «عبد اهلل النشواتي»‪ ،‬واشتغ َل على قبّا ٍن يف‬
‫سوقِ البزوريّة‪ ،‬وبذلك أصبحَ لقبه «القبّاني»‪ ،‬وكان‬
‫عمره آنذاك اثنيت عشرة سنة‪.‬‬
‫لكنّ أبا خليل – على الرغم من طرده من املنز ِل – مل‬
‫يكن يرتدّدُ يف متابعةِ ما عزمَ عليهِ يف سرّه‪ ،‬من العمل‬
‫يف املسرح وفنونه‪ ،‬وب��دأ يغنّي كلما دُع��ي إىل حفل‪،‬‬
‫فتعلّمَ يف الوقتِ ذاته اللغ َة الرتكيّة‪ ،‬وأتقنها وكذلك تعلّم‬
‫سن الثامنة عشرة من عمره‪.‬‬ ‫الفارسيّة‪ ،‬وهو يف ِ‬
‫ويف وقت الحق استأجرَ أبو خليل القبّاني قطع َة‬
‫أرض يف باب توما‪ ،‬وراح ميرّنُ رفاقه من هواة التمثيل‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫لتقديم رواي��ة «ع��ائ��دة»‪ ،‬ال�تي ب��شّ��رتْ ب��والدة مسرح‬
‫القبّاني يف دمشق‪ ،‬وكانت أوّل خطوة له حنو االحرتاف‪.‬‬
‫سامر‪ :‬ما أهمُّ املسرحيّات اليت قدّمها القبّاني يف‬
‫ذلك الوقت يا جدي؟‬
‫اجلدّ‪ :‬توالت عروضُ القبّاني‪ ،‬مثل «ناكر اجلميل»‬
‫‪- 14 -‬‬
‫وقدّم فيها الغناءَ واملوسيقا والرقص‪ ،‬ومن بعدها أ ّلفَ‬
‫رواية خياليّة عاطفية أمساها «وضاح»‪ ،‬قيل إ ّنه أ ّلفها‬
‫يف ثالثةِ أيام‪ ،‬و ّ‬
‫حلنَها‪ ،‬وو ّزع أدوارَه��ا على أصحابه‪،‬‬
‫ومُ ّثلتْ يف بيتِ أحدهم على سبي ِل التجربة‪ ،‬ثمّ مُ ّثلتْ‬
‫باب اجلابيةِ عند سوقِ مدحت‬ ‫يف «كازينو الطليان»‪ ،‬يف ِ‬
‫باشا‪.‬‬
‫ويذكرُ أن القبّاني بدأ التمثي َل أوّل األم�� ِر يف خا ِن‬
‫ال��ع��ص��رون��يّ��ة‪ ،‬وه��و امل��ك��انُ ال���ذي ك��ان يشغلهُ البنك‬
‫العثماني‪ ،‬ثمّ نق َل املسرحَ بعدها إىل اخل��ا ِن املعروف‬
‫القرب من املدرسة العادليّة يف‬ ‫ِ‬ ‫خب��ا ِن اجلمرك‪ ،‬يف‬
‫منتصفِ املدينة‪.‬‬
‫وك��ان أوّل ما قدّمه رواي��ة «ناكر اجلميل»‪ ،‬ورواي��ة‬
‫«وض���اح»‪ ،‬ولقد حظيتِ املسرحيتان بنجا ٍح منقط ِع‬
‫النظريِ‪.‬‬
‫وق���دم ك��ذل��ك «م��ص��ب��اح وق���وت األرواح»‪ ،‬والق��ى‬
‫مسرحه استحساناً وإقباالً كبريين‪ ،‬وتابعَ الناسُ أعماله‬
‫‪- 15 -‬‬
‫وعروضه املسرحيّة‪ ،‬وح ّققَ جناحاً كبرياً‪ ،‬فقد كان‬ ‫َ‬
‫مسرحُه مكاناً ممتعاً‪ ،‬يؤمّهُ الكرباءُ واألمراءُ والشعراءُ‬
‫واألدب��اءُ ملشاهدةِ رواياتِه‪ ،...‬فقد مجعتْ مسرحياتُهُ‬
‫بني جزالةِ األلفاظِ وعذوبتها‪ ،‬ور ّقة املعاني ود ّقتها‪،‬‬
‫فقدّمَ يف سنواته األوىل حنو أربعني عرضاً مسرحيّاً‬
‫وغنائياً‪.‬‬
‫واستمتعَ اجلمهورُ مبشاهدةِ مسرحيّات «األم�ير‬
‫حممود جنل شاه العجم» و«عنرتة بن شداد» و«السلطان‬
‫حسن» و«أسد الشرى» و«كسرى أنو شروان»‪ ،‬باإلضافةِ‬
‫إىل املسرحيّاتِ األدبيّة اليت اقتُبستْ موضوعاهتا من‬
‫التاريخ‪ ،‬وقد كان هو املؤ ّلف‪ ،‬وامللحّن‪ ،‬واملخرج‪ ،‬وهذا‬
‫ما دفعهُ لتطوي ِر مسرحه‪ ،‬فاستعانَ بفتاتنيِ من لبنان‪،‬‬
‫مها لبيبة ومريم‪ ،‬لتقدي ِم مسرحيّة «الشاه حممود»‪.‬‬
‫وهكذا أصبحَ أبو خليل القبّاني مشهوراً‪ ،‬حيضرُ‬
‫الناسُ مسرحياته‪ ،‬ويدعمونه‪ ،‬إىل أن كتبَ مسرحيّة‬
‫قوضت مسرحه‪ ،‬فقد ثارَ‬ ‫ّ‬ ‫«أب��و احلسن املغ ّفل» اليت‬
‫املشايخُ عليه‪ ،‬لظهو ِر هارون الرشيد على املسر ِح يف‬
‫‪- 16 -‬‬
‫صورة أبي احلسن املغ ّفل‪ ،‬فانقضّ عليه املرتبّصون به‪،‬‬
‫بتهمةِ أ ّنه ينزعُ عن الشخصيّات قدسيّتَها‪ ،‬واهتموه بـ‬
‫«البدعة والضاللةِ» واالستهانة باحلكام‪ ،‬وأ ّنه جيع ُل‬
‫الفتيانَ يقومونَ بأفعا ِل الفتيات‪« ،‬وكانوا يرونَ يف ذلك‬
‫فسوقاً» وخروجاً على قواعدِ األخالق‪.‬‬
‫وص َل هذا األم��رُ إىل إسطنبول‪ ،‬فصدرتِ األوام��رُ‬
‫من السلطا ِن عبد احلميد‪ ،‬بإغالق مسرح القبّاني‪،‬‬
‫ومنعه من التمثيل‪ ،‬وكان ذلك عام ‪1880‬م‪ ،‬فأحرقوا‬
‫مسرحه‪ ،‬وهنبوا بيته‪ ،‬وصار صبيانُ األز ّقةِ يلحقونَ بهِ‪،‬‬
‫ويسخرونَ منهُ بعباراتٍ عدائية‪...‬‬
‫سامر‪ :‬وماذا فعل القباني ملواصلة مسريته الفنيّة‪...‬؟!‬
‫اجلدّ‪ :‬لقد قرّر السفر إىل مصر يا بينّ‪.‬‬

‫‪- 17 -‬‬
‫السفر إىل مصر‪:‬‬
‫قرّرَ أبو خليل السفرَ إىل مصرَ عام ‪1884‬م‪ ،‬فكانت‬
‫مرحلة جديدة وغنيّة يف حياته‪ ،‬اصطحبَ معه بعض‬
‫أفراد فرقته‪ ،‬وجمموعة من العازفني واملنشدين‪.‬‬
‫عم َل أوّالً ول��ف�ترة قصرية يف اإلس��ك��ن��دريّ��ة‪ ،‬وذل��ك‬
‫بفض ِل جهودِ أحدِ األعيا ِن السوريّني املقيمني فيها‪،‬‬
‫وهو سعد بيك حالبو‪ .‬يف حزيران ‪1884‬م استقبلتِ‬
‫الصحاف ُة وال سيّما جريدة األه��رام خربَ قدو ِم فرقة‬
‫مسرحيّة سوريّة إىل اإلسكندريّة بكثريٍ من الفرح‪ ،‬وكما‬
‫يليقُ بشهرةِ القبّاني‪ ،‬فقد قامَ صاحباها «سليم وبشارة‬
‫تقال»‪ ،‬بالرتويج هلذه الفرقة‪ ،‬ومدحِها منذ وصوهلا‪،‬‬
‫إذ بدأتْ جريدةُ األهرا ِم مهمّتَها يوم ‪1884 /6 /23‬م‬
‫حني أعلنتْ قدومَ فرقة سوريّة يديرُها الشيخُ أبو خليل‬
‫ِ‬
‫بالكاتب املشهور‪،‬‬ ‫القبّاني الدمشقيّ ال��ذي وصفتهُ‬
‫والشاع ِر املفلق‪ ،‬أمّا فرقته فتتأ ّلفُ من أشه ِر الفنانني‬
‫ضروب التمثي ِل وأساليبه‪ ،‬بينهم زمرةٌ من املنشدين‬ ‫ِ‬ ‫يف‬
‫املطربني‪ ،‬ترو ُق لسماعهم اآلذان‪ ،‬وتنشرحُ الصدور‪ .‬ومل‬
‫‪- 18 -‬‬
‫تغفل اجلريدة – يف إعالهنا – التأكيد أنّ املسرحيّات‬
‫املقدّمة ستكونُ عربيّة؛ ربّما املقصود أ ّنها مسرحيّاتٌ‬
‫عربيّة تأليفاً‪ ،‬ال أجنبيّة مرتمجة أو معرّبة‪ ،‬كمعظ ِم‬
‫مسرحياتِ الفرقِ السابقة‪.‬‬
‫وأعلنتِ اجلريدةُ أمساء املسرحيّات اليت ستمثل‪،‬‬
‫وهي‪:‬‬
‫‪( -‬أنس اجلليس)‪:‬‬
‫كان العرضُ األوّ ُل هلذه املسرحيّة يف قهوة الدانوب‬
‫املعروفة بقهوةِ سليمان باشا رمح��ي‪ ،‬وك��ان عرضاً‬
‫ناجحاً‪ ،‬ووص��ف��تْ صحيف ُة األه���رام اجلماهريَ اليت‬
‫حضرت العرضَ بالغفرية‪ ،‬والعرضَ بالناجح‪ ،‬بفضل‬
‫أساليب التمثيل‪ ،‬وروعةِ‬ ‫ِ‬ ‫براعة املم ّثلني‪ ،‬وتفنّنهم يف‬
‫اإللقاء‪ ،‬وبالغة املوضوع‪ ،‬وقد أرادَ أبو خليل القبّاني‬
‫م��ن خ�لال مسرحيّة (أن���س اجل��ل��ي��س)‪ ،‬أن ي��ؤسّ��سَ‬
‫مسرحاً عربيّاً فصيحاً‪ ،‬يعرضُ من خالله موضوعاتٍ‬
‫ت��راث��يّ�� ًة مشوّقة‪ ،‬حتم ُل الكثريَ م��ن احل��ك�� ِم واألم��ث��ا ِل‬

‫‪- 19 -‬‬
‫والنماذ ِج األدبيّة الرصينة نثراً وشعراً‪ ،‬مزينة بأغا ٍن‬
‫عربيّة‪ ،‬ليواجهَ هبا ال��ع��روضَ األجنبيّة‪ ،‬أو العروض‬
‫نصوص مسرحيّةٍ مرتمجةٍ أو‬‫ٍ‬ ‫العربيّة املعتمدة على‬
‫معرّبة‪ ،‬وكأ ّنه بذلك حياربُ املستعمر الذي فرضَ اللغ َة‬
‫اإلنكليزيّة على التعلي ِم يف مصر آن��ذاك‪ ،‬وقد عرضَ‬
‫القبّاني رؤيته هذه من خال ِل أبياتٍ شعريّة ألقاها قبل‬
‫متثي ِل املسرحيّة‪ ،‬إذ قال‪:‬‬
‫مسارح أحرزتْ متثي َل من سلفوا‬
‫وعظاً‪ ،‬وجاءتْ لنا عنهم كمرآةِ‬
‫مت ّث ُل اليومَ أحــــوا َل األىل سبقوا‬
‫مــــن طيّبـــاتٍ هلم‪ ،‬أو من إساءاتِ‬
‫عسى يـــكون لنــــا فيما مضى عبــرٌ‬
‫جتـــــدي‪ ،‬وتعــــلم أ ّني عبـــرةُ اآلتي‬
‫حلــــــرُّ إن مـــاتَ أحيتهُ فضائـــــلُه‬
‫فا ُ‬
‫والـــوغدُ إن عـــاشَ مقرونٌ بأمواتِ‬
‫هذا هو القصدُ من متثيل من عربوا‬
‫ال اللهو والزهو واإلعجابُ بالذاتِ‬
‫‪- 20 -‬‬
‫هب��ذا الفك ِر اإلص�لاح��يّ‪ ،‬كتبَ القبّاني مسرحيّة‬
‫(أن��س اجلليس)‪ ،‬مستوحياً فيها «حكاية الوزيرين‬
‫اليت فيها ذكر أنس اجلليس» املنشورة يف كتاب ألف‬
‫ليلة وليلة (من الليلة اخلامسة واألربعني إىل احلادية‬
‫واخلمسني)‪ ،‬ليربهنَ ـ منذ البدايةِ ـ التزامَه برسالتهِ‬
‫املسرحيّة املنبثقة من إحياءِ الرتاثِ عرب معاجلةِ موضو ٍع‬
‫من الرتاثِ العربيّ األدبيّ‪.‬‬
‫ومن أشعا ِر مسرحيّة «أنس اجلليس» اليت فيها حكمٌ‬
‫ومواعظ من تأليفه نقتطف‪:‬‬
‫إذا اعتذرَ املسيءُ إليكَ يومـــاً‬
‫من اآلثــــا ِم عُذرَ فتى مقرِّ‬
‫فصنْه عن جفائكَ واعفُ عنه‬
‫فــإنّ العفوَ شيم ُة كل حرِّ‬
‫وقوله‪:‬‬
‫إذا مل تصنْ عرضاً‪ ،‬ومل ختشَ خالقاً‬
‫وتستحي خملوقاً فما شئتَ فافع ِل‬
‫ِ‬
‫‪- 21 -‬‬
‫ويُذكر أنّ هذه املسرحيّة عرضتْ أكثر من أربعني‬
‫مرّة‪.‬‬
‫‪( -‬نفح الرُّبا)‪:‬‬
‫عُرضتْ هذه املسرحيّة أربع مرات فقط‪ ،‬يف عامي‬
‫‪1889-1884‬؛ ربّما أل ّنها مل تكن من تأليف القبّاني‬
‫نفسه‪ ،‬وكانت شبهَ خاليةٍ من األغاني واألحلان‪ ،‬ومها‬
‫ِ‬
‫عروض القبّاني‪.‬‬ ‫عمادُ‬
‫ّ‬
‫(عفة احملبّني)‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫وهي من تأليف الشيخ إبراهيم األحدب الذي اعتمدَ‬
‫يف كتابتها على األدب األندلسيِّ وتارخيه‪ ،‬ما يعين أنّ‬
‫ِ‬
‫بعرض مسرحيّاتٍ تراثيّة‪ ،‬ح ّتى‬ ‫القبّاني مازال ملتزماً‬
‫لو مل تكنْ من تأليفه‪.‬‬
‫ت��دورُ أح��داثُ هذه املسرحيّة حول احل��بِّ العفيف‬
‫ال��ذي نش َأ بني الشاعرة والدة‪ ،‬والوزير ابن زي��دون‪،‬‬
‫مح��ه يف حبّها الوزيرُ أبو عامر «ابن عبدوس‬ ‫وقد زا َ‬
‫امل��ل��ق��ب ب��ال��ف��ار»‪ ،‬وف��ي��ه��ا ذك���ر ل��رس��ال��ة اب���ن زي���دون‬
‫‪- 22 -‬‬
‫الشهرية اليت يته ّكم فيها من أبي عامر‪ ،‬كما تطرّقتِ‬
‫املسرحيّ ُة إىل قصة إه��دار دم ابن زي��دون‪ ،‬وسجنه‪،‬‬
‫ومن ثم هروبه إىل إشبيليّة‪ ،‬وتق ُّلده ال��وزارةَ يف عهد‬
‫املعتضد بن عباد‪.‬‬
‫وتنتهي املسرحيّ ُة هناي ًة سعيدةً‪ ،‬باستمرا ِر احلبّ‬
‫العفيفِ بني والدة واب��ن زي���دون‪ ،‬على غ��رار قصص‬
‫العرب الشهرية يف احلبّ‪ ،‬وبذلك بقي القبّاني حمرتماً‬
‫التقاليدَ العربيّة‪.‬‬
‫ويُذكرُ أنّ مسرحيّة «ع ّفة احملبّني» عرضتْ بعدّة‬
‫أمساءٍ منها‪( :‬والدة) أو (والدة بنت املستكفي) أو (والدة‬
‫بنت املستكفي باهلل) أو (ع َّفة احملبني الوليد بن زيدون‬
‫ووالدة بنت املستكفي)‪.‬‬
‫‪( -‬عنرتة)‪:‬‬
‫هنج كتابتِها على منوا ِل ما قامَ به‬
‫سار القبّاني يف ِ‬
‫يف «أن��س اجلليس»‪ ،‬فقد أع��ادَ تألي َفها معتمداً على‬
‫القصص الشعبيّة اليت كانتْ تروى يف اجملالس‪ ،‬واملقاهي‬
‫‪- 23 -‬‬
‫ِ‬
‫بعرض املوضوعات الرتاثية‪ ،‬كما‬ ‫السوريّة‪ ،‬التزاماً منه‬
‫نسيج أبياتِ عنرتة‬
‫ِ‬ ‫نظمَ العديدَ من األشعار‪ ،‬أدخلها يف‬
‫حبيث يصعبُ على القارئ متييز أبياتِ القبّاني من‬
‫أبياتِ عنرتة‪ ،‬حني يلقيها املم ّثل على املسرح‪.‬‬
‫‪( -‬ناكر اجلميل)‪:‬‬
‫بأسلوب األوبريت «شعراً‬
‫ِ‬ ‫مسرحيّة كتبها القبّاني‬
‫ونثراً»‪ ،‬وهي مسرحيّ ٌة بسيط ُة املوضوع‪ ،‬سهل ُة التناو ِل‬
‫الفنّي‪ ،‬واملرجّح أن القبّاني قامَ بكتابتها وتأليفها‪ ،‬من‬
‫غري االعتماد على أصل تراثيّ معروفٍ هلا‪ ،‬فأسلوبُه‬
‫الكتابيُّ فيها‪ ،‬ميي ُل إىل الشكل ال��روائ��ي‪ ،‬أكثر من‬
‫الشكل املسرحيّ‪ ،‬فقد تداخل السردُ مع احلكاية‪ ،‬مع‬
‫اإلرشادات املسرحيّة‪ ،‬من غري فواصل حمدّدة للمناظر‬
‫أو املشاهد ال�تي أطلقَ عليها القبّاني فيما بعد يف‬
‫مسرحيّاته اسم «وقائع»‪ ،‬وأصبحتْ هذه املسرحيّ ُة‬
‫درَّةَ العروض املدرسيّة املسرحيّة يف مصر‪ ،‬من عام‬
‫‪1897‬إىل عام ‪1916‬م‪.‬‬

‫‪- 24 -‬‬
‫ّ‬
‫(اخلل الويف)‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫اختتم القبّاني أسبوعه التمثيليّ األوّل – يف قهوة‬
‫بعرض مسرحيّة «اخل ّل‬ ‫ِ‬ ‫الدانوب يف اإلسكندريّة –‬
‫تاريخ مسر ِح القبّاني؛‬
‫ِ‬ ‫الوفــيّ» اليت تعدُّ لغزاً حميّراً يف‬
‫أل ّنها جمهول ُة النصِّ على الرغم من طباعتها‪ ،‬جمهول ُة‬
‫الكاتب على ال��رغ��م م��ن شهرهتا! فالقبّاني ع��رضَ‬ ‫ِ‬
‫املسرحيّ َة عشرين مرة منذ عام ‪1884‬م‪ ،‬وعلى الرغم‬
‫من ذلك مل يذكر اسمَ كاتبها يف إعالناتهِ الصحفيّة؛‬
‫وبعضُ الفرقِ األخرى‪ ،‬قالتْ‪ :‬إنّ مؤ ّلفها هو إمساعيل‬
‫اب يف ذلك الوقت‪ ،‬ومن‬ ‫عاصم‪ ،‬وهو من مشاهريِ الك ّت ِ‬
‫ناحيةٍ أخرى جندُ الدكتور حممد يوسف جنم‪ ،‬يؤ ّكد‬
‫أ ّن��ه��ا مسرحيّة مرتمجة ع��ن دمي��اس األب‪ ،‬ترمجها‬
‫حممد املغربي‪ ،‬وهذه االختالفاتُ تدفعنا إىل القو ِل‬
‫إنّ القبّاني ربّما كتبَ مسرحيّ ًة باسم «اخل ّل الوفــيّ»‪،‬‬
‫وهي من نصوصهِ الضائعة‪ ،‬وما أكثرها! وختتلفُ عن‬
‫املسرحيّةِ اليت ترمجَها حممد املغربي‪ ،‬ونشرَها باالسم‬
‫نفسه فيما بعد‪ ،‬خصوصاً أنّ معظمَ أحداثها تدورُ‬
‫‪- 25 -‬‬
‫ِ‬
‫الكنائس واألدي��رة‪ ،‬وأنَّ منظرَها املتكرّرَ يف معظم‬ ‫يف‬
‫فصولِها‪ ،‬حيتوي على متثا ٍل للسيّدةِ مريم العذراء‬
‫«عليها السالم»‪ ،‬وهذه األمورُ مل يألفِ القبّاني كتابتَها‬
‫من قبل‪ ،‬ومل يكتبْ عنها فيما بعد‪.‬‬
‫ستُّ مسرحيّات تراثيّة عربيّة‪ ،‬استطاعَ القبّاني‬
‫تقدميها يف مقهى الدانوب‪ ،‬يف أوّ ِل أسبوع منذ قدومه‬
‫إىل مصر‪ ،‬عَبّرَتْ عن مدى التزامه بإظهار الرتاث يف‬
‫صوره املشرقة‪ ،‬ومتسّكه مبفردات رسالته املسرحيّة‪،‬‬
‫كما أظهرت جناحَهُ يف حتقيق هدفه‪ ،‬من خالل أدوات‬
‫منهجه املستخدمة يف التطبيق‪ ،‬مثل‪ :‬نظم الشعر‪،‬‬
‫وتأليف األغاني واألحلان املتنوّعة‪ ،‬وتشكيالت رقص‬
‫شكلت رصيده‬ ‫السماح‪ ...‬إخل‪ ،‬وهذه املسرحيّات الستّ‪َّ ،‬‬
‫الدراميّ الناجح الذي اعتمدتْ عليه فرقتُه سنواتٍ‬
‫طويلة‪.‬‬
‫عرضهُ أسبوعاً آخر‪،‬‬
‫َ‬ ‫هذا الرصيدُ أع��ادَ القبّاني‬
‫معتمداً يف جناحه على إقبال اجلمهور لرؤية مسرحيّاته‬
‫الرتاثيّة اجلادة‪ ،‬فانتقلتْ عروضُ القبّاني إىل مسرح‬

‫‪- 26 -‬‬
‫زيزينيا؛ املسرح ال��ذي هو أم�� ُل الفرقِ املسرحيّة يف‬
‫اإلسكندريّة‪ ،‬وأضافَ إىل رصيدهِ عملني جديدين مها‪:‬‬
‫«األم�يرُ حممود وزه��ر ال��ري��اض»‪ ،‬ومسرحيّة «الشيخُ‬
‫وضاح ومصباحُ وقوتُ األرواح» فش ّك َل بذلك جمموع ًة‬
‫العروض ُقدّر هلا جناح مجاهرييّ كبري‪.‬‬
‫ِ‬ ‫من‬
‫سامر‪ :‬يا له من جن��اح! ه��ذا يعين أن شهرته قد‬
‫جتاوزت بالد الشام‪!!...‬‬
‫اجلدّ‪ :‬نعم‪ ...‬وهذا هو مثنُ املثابرةِ واجلدِّ واالجتهاد‪.‬‬

‫‪- 27 -‬‬
‫االنتقال إىل القاهرة‪:‬‬
‫انتق َل القبّاني إىل القاهرة‪ ،‬يف منتصف تشرين األوّل‬
‫ُ‬
‫عروضه‬ ‫‪1884‬م‪ ،‬واستأجرَ مسرحَ «البوليتياما» وبدأتْ‬
‫املسرحيّة تتواىل‪ ،‬مع إقبا ٍل مجاهرييّ ال بأس به‪ ،‬ألهنا‬
‫عرضها يف‬‫ُ‬ ‫كانت العروض العربيّة الوحيدةَ املطروح‬
‫تلك الفرتة‪ ،‬وبالتايل مل تلقَ فرق ُة القبّاني أيّ َة منافسة‪،‬‬
‫يضافُ إىل ذل��ك قيامُ القبّاني بعرضني مسرحيّني‬
‫جديدين «لباب الغرام»‪ ،‬أو «امللك مرتيدات» و«محزة‬
‫ِ‬
‫العروض‬ ‫عروضه الفنيّة أق��وى من‬ ‫ُ‬ ‫احملتال»‪ ،‬وكانت‬
‫األجنبيّة‪ ،‬أل ّنها صاحب ُة رسالة‪...‬‬
‫ه���ذا ال��ن��ج��احُ دف���عَ ال��ق��بّ��ان��ي ب��ال��ت��ع��او ِن م��ع عبده‬
‫احلمويل‪ ،‬لتقديم طلبٍ إىل وزي ِر األشغا ِل العموميّةِ يف‬
‫الرتخيص للتمثيل يف دار‬ ‫ِ‬ ‫‪1884/12/15‬م‪ ،‬من أج ِل‬
‫العروض األجنبيّة‪ ،‬وقد‬‫ِ‬ ‫األوبرا اليت كانت حكراً على‬
‫رُفض الطلب؛ ألن عروضَ مسرحه ال تتفقُ مع ما يدعو‬
‫له االحتال ُل اإلنكليزيّ؛ فكيف يُسمحُ بعروض مسرحيّة‬
‫تراثيّة عربيّة هد ُفها‪ :‬العظ ُة والعربةُ والتعلّمُ وبعثُ العزم‬
‫‪- 28 -‬‬
‫وتقدّمُ األمم‪ ...‬إخل؟! وهذه رسال ُة القبّاني املسرحيّة‪.‬‬
‫لذلك مل تنشر الصحفُ املصريّة أيّ خرب عن نشاطٍ‬
‫ملموس للقباني يف مصر‪ ،‬منذ «كانون الثاني إىل تشرين‬
‫ٍ‬
‫الثاني من العام ‪1885‬م» إذ كان القبّاني يف هذه الفرتة‬
‫يف سورية‪ ،‬بسبب اإلحباطِ الذي أصابهُ من عد ِم متثي ِل‬
‫فرقته يف دار األوبرا املصرية‪.‬‬
‫ويذكرُ فرحان بلبل يف كتابه «املسرح السوري يف مئة‬
‫عام ‪1946 - 1847‬م‪ ،:‬أنّ القباني قدّم يف اإلسكندريّة‬
‫حن��و مخسة وث�لاث�ين ح��ف�لاً‪ ،‬ق���دّم فيها مسرحيات‬
‫عديدة‪.‬‬
‫سامر‪ :‬ولكن يا جدي هل من املعقول أنّ املصريني مل‬
‫يعرفوا املسرح يف ذلك الوقت‪...‬؟‬
‫اجلدّ‪ :‬بل كانوا يعرفونه‪ ،‬هلذا كانت هناك فرق عدّة‬
‫منافسة للقبّاني‪.‬‬

‫‪- 29 -‬‬
‫فرق منافسة للقباني‪:‬‬
‫ظهرتْ أوّ ُل فرقةٍ منافسةٍ للقبّاني؛ وهي فرق ُة يوسف‬
‫اخلياط ال�تي عرضتْ مسرحيّيت «ه���ارون الرشيد»‬
‫و«الظلوم» على مسر ِح زيزينيا يف اإلسكندريّة‪ ،‬يف‬
‫كانون األوَّل ‪1884‬م‪ ،‬كما عرضتْ مسرحيّيت «الذوب»‬
‫و«الظلوم» على مَسرحي برنتانيا والبوليتاميا يف كانون‬
‫الثاني ‪1885‬م‪ ،‬واملسرح األخ�ير كان خمصّصاً آلخ ِر‬
‫ِ‬
‫عروض القبّاني‪.‬‬
‫استطاعتْ فرق ُة اخل��يّ��اط اهليمن َة على الساحة‬
‫املسرحيّة العربيّة يف اإلسكندريّة والقاهرة‪ ،‬يف أثناء‬
‫فرتة غياب القبّاني يف سورية‪...‬‬
‫ظ ّل القبّاني يف سورية حنو ستة أشهر‪ ،‬واستعدَّ‬
‫استعداداً تاماً للعودةِ إىل مصر بصورةٍ فنيّة تضمنُ له‬
‫جناحَ رسالتهِ الفنيّة واستمرارها‪.‬‬
‫وعاد إىل اإلسكندريّة مرةً ثاني ًة يف تشرين الثاني‬
‫‪1885‬م‪ ،‬ليعيدَ مشهدَ قدومِه األوّل؛ حيث بدأ التمثيل يف‬
‫‪- 30 -‬‬
‫مقهى الدانوب‪ ،‬الذي أصبح امسه «تياترو الدانوب»‪...‬‬
‫كانت بداي ُة القبّاني الثانية بداي ًة ناجحة‪ ،‬فقد استطاعَ‬
‫يف أسبوع واحد عرضَ مخس مسرحيات‪ ،‬القلي ُل منها‬
‫من رصيدهِ الدراميّ املعروف مسبقاً؛ مثل مسرحيّيت‬
‫«مرتيدات» و«عايدة»؛ والكثريُ من املسرحيّات اجلديدة‪،‬‬
‫مت ّث ُل جانباً جديداً جاءَ به من سورية؛ منها «جمنون‬
‫ليلى» و«عبد السالم احلمصي» و«عاقبة الصيانة‬
‫وغائلة اخليانة»‪.‬‬
‫ق��رّرَ ت َ‬
‫��رك اإلسكندريّة‪ ،‬وال��ع��ودةَ إىل القاهرة مرّة‬
‫أخرى‪ ،‬وال سيّما أنّ رصيدَه الدرامي وص َل إىل أربعَ‬
‫ع��ش��رةَ مسرحيّة‪ .‬وص�� َل القبّاني إىل القاهرة عام‬
‫بعرض مسرحيّاته اليت الق��تْ جناحاً‬ ‫ِ‬ ‫‪1885‬م‪ ،‬وب��دأ‬
‫كبرياً على أحدِ مسارح القاهرة الكربى – مسرح حديقة‬
‫األزبكية ‪ -‬ممّا أثارَ غريةَ اآلخرين‪ ،‬وحسدَهم‪ ،‬وأرادوا‬
‫إيقافَ جن��ا ِح القبّاني‪ ،‬فقد قامتْ جريدةُ «الزمان»‬
‫بتاريخ ‪1885/12/22‬م بنش ِر مقالةٍ هتاجم فيها‬
‫القبّاني وفرقته – من غري ذكر امسيهما – حتت عنوان‬
‫‪- 31 -‬‬
‫«التشخيص العربي يف تياترو اجلنينة»‪ ،‬بينما كانت‬
‫قد نشرتْ بتاريخ ‪1885/4/11‬م مقال ًة أشادتْ فيها‬
‫ِ‬
‫بعرض مسرحيّةِ «الظلوم» لفرقةِ يوسف اخلياط‪.‬‬
‫خيوط امل��ؤام��رة على القبّاني وفرقته‬‫ُ‬ ‫هنا ب��دأتْ‬
‫وترك مصر لفرقيت‬ ‫َ‬ ‫تتكشّف؛ ولألسفِ ابتعدَ القبّاني‪،‬‬
‫اخلياط والقرداحي‪ ،‬وابتعد بفرقته إىل أقاليم مصر‬
‫– مدينة طنطا – طوا َل ثالثة أشهر‪ ،‬أعادَ فيها متثي َل‬
‫مسرحيات‪« :‬عنرتة العبسي» و«والدة» و«عبد السالم‬
‫احلمصي» و«عايدة» و«ناكر اجلميل»‪.‬‬
‫ولألسفِ كان أبرز ممثلي القبّاني‪ ،‬قد انضمَّ إىل‬
‫فرقة اخلياط‪.‬‬
‫ونتيجة املقاالتِ الصحفيّة املسيئة للقباني تفرّ َق‬
‫أعضاءُ فرقته‪ ،‬وباألخصِّ ساعده األمين إسكندر فرح‪،‬‬
‫فلم جيدِ القبّاني مفرّاً من العودةِ إىل سورية‪.‬‬

‫‪- 32 -‬‬
‫عودة ثالثة إىل مصر‪:‬‬
‫بقي القبّاني يف سورية ثالثَ سنوات‪ ،‬وعادَ إىل مصر‬
‫ِ‬
‫العروض‬ ‫عام ‪1889‬م بفرقة جديدة‪ ،‬حتم ُل الكثريَ من‬
‫ِ‬
‫وألعاب السيفِ والرتس‪.‬‬ ‫والفصو ِل املضحكة‪،‬‬
‫خاص للفصول املضحكة «أبو اخلري»‪،‬‬
‫ٍّ‬ ‫كما جاءَ مبم ّثل‬
‫بدالً من حمي الدين الدمشقي الذي انضمَّ إىل فرقة‬
‫القرداحي‪.‬‬
‫َ‬
‫ع��روض��ه يف مقهى ال���دان���وب يف‬ ‫وب���دأ ال��ق��بّ��ان��ي‬
‫اإلسكندريّة‪ ،‬قدّم بعدها طلباً للتمثيل يف دار األوبرا‬
‫ينجح القبّاني‬
‫ِ‬ ‫اخلديويّة لكنّه رُفضَ أيضاً‪ ،‬وبذلك مل‬
‫م��رةً ثاني ًة يف اعتالء خشبة دار األوب��را مع فرقته‪،‬‬
‫لكنّه ع��وّض ذلك اإلخفاق بنجاح آخ��رَ ملدة شهرين‪،‬‬
‫بعروض جديدة منها‪ :‬مسرحيّة «مي» ومسرحيّة «قوت‬
‫القلوب»‪ ،‬باإلضافة إىل عروضه القدمية منها «أنس‬
‫اجلليس» و«الصيانة واخليانة» و«ناكر اجلميل» و«والدة‬
‫بنت املستكفي» و«عايدة» و«اخل ّل الويف»‪.‬‬

‫‪- 33 -‬‬
‫فرتك مصرَ وعادَ‬ ‫َ‬ ‫وبعدها ظهرتْ ع ّدةُ فرقٍ منافسة‪،‬‬
‫إىل سورية مدّةَ أربع سنوات؛ وهذا الغيابُ جع َل الفر َق‬
‫املنافس َة ت��زدادُ تألقاً‪ ،‬ح ّتى إنّ بعضها كانت تعرضُ‬
‫عروضَ القبّاني نفسه‪!...‬‬
‫عودة رابعة إىل مصر‪:‬‬
‫يف ع��ام ‪1896‬م ع���ادَ القباني إىل اإلس��ك��ن��دريّ��ة‪،‬‬
‫وم���ارسَ نشاطهُ املسرحي‪ ،‬لكنّه مل مي ّث ْل يف مقهى‬
‫الدانوب‪ ،‬بل م ّث َل على مسر ِح القرداحي‪ ،‬وعرضَ عليه‬
‫ثالثَ مسرحيّاتٍ جديدةٍ هي‪« :‬الكوكايني» و«السلطان‬
‫حسن» و«أس���د ال��ش��رى» إىل جانب مسرحيّات من‬
‫رصيده الدراميّ السابق‪ .‬بعد جناح هذه املسرحيّات يف‬
‫اإلسكندريّة‪ ،‬جاء القبّاني إىل القاهرة‪ ،‬وبدأت الصحفُ‬
‫هتتمُّ بأخبار مسرحه اجلديد الذي كان يقعُ يف ميدان‬
‫العتبة اخلضراء‪.‬‬

‫‪- 34 -‬‬
‫مسرح العتبة‪:‬‬
‫ِ‬
‫بعرض‬ ‫افتتحَ القبّاني مسرحَه يف ‪1897/1/14‬م‬
‫مسرحيّة «الكوكايني» ووصفتِ الصحفُ جن��احَ هذا‬
‫العرض‪ ،‬وأشادتْ بإقبا ِل اجلمهو ِر عليه‪.‬‬
‫استمرَّ القبّاني بتقديم عروضه على مسرحه اخلاصّ‪،‬‬
‫واستمرَّ جناحُه‪ ،‬وباملقابل استمرّت املنافس ُة الفنيّة بني‬
‫فرقيت القبّاني وفرقة فرح أربعة أشهر‪ ،‬استطاعتْ فيها‬
‫فرق ُة القبّاني أن تقف على قدم املساواة مع الفرقة‬
‫املتألقة األوىل يف مصر‪ ،‬وهي فرق ُة «إسكندر فرح»‪،‬‬
‫وهذه املساواةُ تأتي يف صاحل القبّاني الذي عرضَ يف‬
‫هذه األشهر جمموعة من مسرحيّات رصيده الدرامي‬
‫الذي وص َل إىل إحدى وعشرين مسرحيّة؛ ثمّ أضافَ‬
‫إليه مسرحيّة جديدة هي «احلاكمُ بأمر اهلل العباسي»‪،‬‬
‫وبعد أربعة أشهر من املنافسة بني فرقة القبّاني وفرقة‬
‫ف��رح‪ ،‬ع��ادتْ فرق ُة إسكندر فرح إىل الصدارة؛ فعادَ‬
‫إىل سورية مدّةَ ثالثة أشهر‪ ،‬وقامَ جبم ِع جمموعةٍ من‬
‫املطرباتِ السوريّات‪ ،‬برئاسة املطربة «ملكة سرور»‪،‬‬
‫‪- 35 -‬‬
‫عازفة القانون‪ ،‬وأطلقَ عليها جوقة «املطربات احلسان»‪،‬‬
‫وخصّصَ هذه اجلوقة لتقدّمَ فصوالً غنائية بني فصول‬
‫مسرحيّاته ويف ختامها‪.‬‬
‫هبذا الشكل الفينّ اجلديد‪ ،‬عادَ القبّاني إىل مصر يف‬
‫ُ‬
‫عروضه القويّة مبسرحيّتني‬ ‫هناية آب ‪1897‬م‪ ،‬وبدأتْ‬
‫مها‪« :‬اإلسكندر املقدوني» و«املعتمد بن عباد»‪.‬‬
‫تألقتْ فرقة القبّاني من جديدٍ‪ ،‬ومل تستط ِع الفر ُق‬
‫األخرى جماهب َة هذا النجاح الباهر للقباني‪ ،‬وكذلك‬
‫أ ّلف القبّاني «جوقة املطربات» من غري رئيسة هلن‪.‬‬
‫ُ‬
‫عروضه وجناحاته‪...‬‬ ‫وبدأتْ‬
‫كان جناحُ القبّاني يف مصر‪ ،‬مدعاةً للغرية واحلسد‪،‬‬
‫ففي ع��ام ‪1900‬م أحْ��ر َق مسرحُه يف القاهرة بينما‬
‫عروضه يف أقاليمَ أخرى يف مصر؛ احرت َق‬ ‫َ‬ ‫كان يقدّم‬
‫نشاطه املسرحي‪ ،‬وعلى الرغم‬ ‫ُ‬ ‫مسرح القبّاني‪ ،‬وتو ّقفَ‬
‫من ذلك مل حترت ْق رسالته املسرحيّة اليت تبنّتها الفر ُق‬
‫املسرحيّة األخرى بعد وفاته بعشرين سنة؛ فمسرحيّة‬
‫‪- 36 -‬‬
‫«عنرتة العبسي» استمرّ عرضها حتى عام ‪1906‬م من‬
‫قبل فرقة إسكندر فرح‪ ،‬وفرقة سليمان القرداحي‪،‬‬
‫وفرقة يوسف اخلياط‪ ...‬وغريهم‪.‬‬
‫العودة النهائيّة إىل دمشق‪:‬‬
‫ع��ادَ القبّاني إىل دمشق‪ ،‬لكنّه أصيبَ بالطاعون‪،‬‬
‫وتويف ودُف��ن يف مقربةِ العائلةِ يف باب الصغري‪ ،‬وكان‬
‫ذلك يف العام ‪1951‬م‪.‬‬

‫‪- 37 -‬‬
‫املسرحيات اليت م ّثلها القبّاني‪:‬‬
‫نوردها حبسب ما كتبه الدكتور حممد يوسف جنم‪:‬‬
‫أبو احلسن املغفل أو هارون الرشيد ‪ -‬أسد الشرى‬
‫‪ -‬اإلفريقية ‪ -‬األمري حممود جنل شاه العجم ‪ -‬االنتقام‬
‫‪ -‬مجيل ومجيلة ‪ -‬جنيفياف ‪ -‬حفظ الوداد ‪ -‬محدان‬
‫«هرناني» ‪ -‬محزة احملتال ‪ -‬اخلل الويف‪ ،‬والغدر اخلفي‬
‫‪ -‬السلطان حسن ‪ -‬السيد ‪ -‬الشيخ وضاح ومصباح‬
‫وقوت األرواح ‪ -‬صالح الدين ‪ -‬الصيدليّة ‪ -‬عاقبة‬
‫الصيانة‪ ،‬وغائلة اخليانة ‪ -‬عائدة ‪ -‬عبد السالم ‪-‬‬
‫عرابي باشا ‪ -‬عنرتة بن ش��داد ‪ -‬الفيلسوف الغيور‬
‫‪ -‬لباب الغرام ‪ -‬جمنون ليلى ‪ -‬مطامع النساء ‪ -‬مي‬
‫«هوراس» ‪ -‬ناكر اجلميل ‪ -‬نفح الرُّبا ‪ -‬هارون الرشيد‬
‫مع األمري ‪ -‬هارون الرشيد مع أنس اجلليس ‪ -‬والدة‬
‫أو ع ّفة احملبّني‪.‬‬
‫سامر‪ :‬يا هلا من مسرية فنية غنية باألحداث‪!!...‬‬
‫اجلدّ‪ :‬ليس هذا وحسب‪ ،‬فهناك املزيد أيضاً‪.‬‬
‫‪- 38 -‬‬
‫املوسيقا واملوشّحات عند أبي خليل القبّاني‪:‬‬
‫اشتهرَ أبو خليل القبّاني مبسرحهِ الغنائي الذي‬
‫كان رائداً له‪ ،‬وعنه أخ َذ الفنّانون املصريون‪ .‬فقد قدّمَ‬
‫أبو خليل القبّاني خالل مسريته الفنية إحدى وثالثني‬
‫مسرحيّة غنائية‪ ،‬بعضها من تأليفه‪ ،‬بلغ عددُها مخس‬
‫عشرة مسرحيّة منها «أسد الشرى» و«األمري حممود‬
‫جنل شاه العجم» و«الشيخ وض��اح» و«مصباح وقوت‬
‫األرواح» وبعضها اآلخر ملؤ ّلفني آخرين‪ ،‬وباإلضافة إىل‬
‫املسرحيّات‪ ،‬كان أبو خليل يقيم الكثري من احلفالتِ‬
‫الغنائية‪.‬‬

‫‪- 39 -‬‬
‫ق���دّمَ أب��و خليل القبّاني بعض موشّحاته ضمن‬
‫مسرحيّاته‪ ،‬على سبيل املثال يف مسرحيّة «احلاكم‬
‫بأمر اهلل» أنشد موشح «برزتْ مشسُ الكمال»‪.‬‬
‫ويف رواي��ة «ه��ارون الرشيد وأن��س اجلليس» أنشدَ‬
‫موشحي «رق��صَ البان وغنّى» و«مش��س ك��أس ال��راح‬
‫جتلّى»‪.‬‬
‫إض��اف��ة إىل امل��وش��ح��ات‪َّ ،‬‬
‫حل��ن أب��و خليل القبّاني‬
‫جمموع ًة من األغنياتِ الشعبية‪ ،‬من أشهرها «يا مال‬
‫ال��ش��ام» و«ي��ا ط�يرة ط�يري ي��ا مح��ام��ة» و«ي��ا مسعدك‬
‫صبحية»‪.‬‬
‫سامر‪ :‬ال شك أن األدباء السوريني احتفوا بالقباني‬
‫بعد وفاته‪.‬‬
‫اجل��دّ‪ :‬نعم‪ ...‬فقد كتبوا عنه أعماالً أدبيّ ًة وفنيّ ًة‬
‫مرموقة‪ ،‬منها نصّ املسرحي املعروف سعد اهلل ونوس‪،‬‬
‫«سهرة مع أبي خليل القبّاني»‪ ،‬وكذلك امللحمة التلفازية‬
‫املشهورة «أبو خليل القبّاني»‪.‬‬
‫هكذا ك��انَ أمح��د أب��و خليل القبّاني‪ ،‬ال��ذي أحيا‬
‫‪- 40 -‬‬
‫ال�تراثَ العربيّ‪ ،‬وأسّ��سَ مسرحاً عربيّاً‪ ،‬مطبّقاً فيه‬
‫رؤيته حلركة اإلحياء يف املسرح‪ ،‬كان املسرحُ لديه مي ّث ُل‬
‫حريّة الكلمة والشجاعة يف الرأي‪ ،‬وعنه يقو ُل‪« :‬فيه‬
‫من احلكم البالغة واألبيات الدافعة ما يطلقُ اللسان‪،‬‬
‫ويشجّعُ اجلبان‪ ،‬ويص ّفي األذهان»‪ ،‬إنه القبّاني الذي‬
‫التزمَ الفصحى يف كتاباته وعروضه‪ ،‬ومزجَ يف حواره‬
‫املسرحي النثرَ بالشعر باملوشحات‪ ،‬واقتبس النماذج‬
‫الشعريّة من تراثنا العربيّ األصي ِل لتكونَ أسلوباً تربويّاً‬
‫تعليميّاً مؤ ّثراً يف مجهوره‪.‬‬
‫إنه القبّاني الذي تأ ّثرَ بعروضه املسرحيّون‪ ،‬هو الذي‬
‫عرّفنا برقص السماح‪ ،‬وهو املسرحيُّ واملوسيقيّ الكبريُ‬
‫حام ُل لواء الرتاث يف املسرح العربيّ‪ ،‬وما زال مسرحُ‬
‫القبّاني يف ش��ارع ‪ 29‬أي��ار خملّداً ذك��رى هذا الرجل‬
‫املسرحيّ العظيم‪.‬‬
‫سامر‪ :‬يا هلا من مسرية غنية باألحداث واملواقف!‬
‫أشكرك يا جدّي على هذه املعلومات القيّمة‪.‬‬
‫اجلدّ‪ :‬أرجو منك حني تقدّم مسرحيّتك أن تتذ ّكر‬
‫هذا الرجل‪ ،‬ومواقفه الشجاعة‪.‬‬
‫‪- 41 -‬‬
‫احملتوى‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ -‬تاريخ املسرح يف سورية‪)6(..........................‬‬


‫‪ -‬خيال الظل‪)7(.......................................‬‬
‫‪ -‬صندوق الدنيا‪)9(...................................‬‬
‫‪ -‬من أبو خليل القبّاني؟‪)12(...........................‬‬
‫‪ -‬السفر إىل مصر‪)18(................................‬‬
‫‪ -‬االنتقال إىل القاهرة‪)28(............................‬‬
‫‪ -‬فرق منافسة للقبّاني‪)30(...........................‬‬
‫‪ -‬عودة ثالثة إىل مصر‪)33(............................‬‬
‫‪ -‬عودة رابعة إىل مصر‪)34(...........................‬‬
‫‪ -‬مسرح العتبة‪)35(...................................‬‬
‫‪ -‬العودة النهائية إىل دمشق‪)37(......................‬‬
‫‪ -‬املسرحيات اليت مثلها القبّاني‪)38(.................‬‬
‫‪ -‬املوسيقا واملوشحات عند أبي خليل القبّاني‪)39(...‬‬

‫‪- 42 -‬‬
‫املؤلف يف سطور‪:‬‬

‫هناء أمحد أبو أسعد‪.‬‬


‫‪ -‬مواليد طرطوس‪.‬‬
‫‪ -‬إجازة يف األدب الفرنسي ‪ -‬جامعة تشرين‪.‬‬
‫‪ -‬تعمل يف املكتب الصحفي يف م��دي��ري��ة امل��س��ارح‬
‫واملوسيقا ‪ -‬وزارة الثقافـــة‪.‬‬
‫صدر هلا يف الشعر‪:‬‬
‫‪ -‬العابر يف كانون‪.‬‬
‫‪ -‬وهلا جمموعتان شعريّتان قيد الطبع‪ :‬مهسات ‪-‬‬
‫باألمس كنّا‪.‬‬

‫‪- 43 -‬‬
- 44 -

You might also like