Professional Documents
Culture Documents
ومجلب الراحة ،ومعدن السرور ،وال يمكن أن نتصور العالم من دون فكاهة ،أو نتصور
الحياة عابسة مقضبة الجبين مقفهرة المظهر ،إن الحياة بغير ضحك عبء ثقيل ال يحتمل
وكما قال الرسول( Gصلى هللا عليه وسلم)( :روحوا القلوب ساعة بعد ساعة فإن القلوب إذا
كلّت عميت
إن من خصائص أدب الفكاهة الخفة والظرافة ،ويشترط Gفي الفكاهي أن يكون صاحب ذكاء
يجعله يبحث عن الحيلة ويتدبر Gال ُخطط وينسج خيوطها ،ويمتاز بنظره الثاقب ،بموهبته
األصلية التي تضفي عليه خفة ولطفاً ،فتأتي فكاهته لبقة غير مصطنعة ،تفيض بالعذوبة
وألن الفكاهة تُعتَبَ ُر من األمور Gالمحفوفة بالحرج ،لم يكن من اليسير الخوض في أدب
الفكاهة ،فهو وإن كان موجوداً Gإال أنه أقرب إلى االنزواء عن المتناول الثقافي العام ،ذلك أن
جزءاً من تراثنا يشجبُ الضحك ويعتبره منافيا Gللوفاء ،رغم أن لكل أمة من األمم ،ولكل
طبقة من طبقات المجتمع ،مهما بلغت مكانتها ،قسطها ً من النوادر والمرح والسخرية ،يمثله
..أشخاص يبرزون في أدب األمة ويخلّدهم Gتراثها
وقد ظهرت في التراث العربي كثير من الشخصيات الفكاهية ،اشتهر Gمنها أشعب،
العبَر ،بسخريتهم ونوادرهم التي صاغوها بحكمة أو قصة أو شعر
.وأبودالمة ،وأبو ِ
وتناول كثير من األدباء العرب الفكاهة ،وهناك فريق Gمن الكتاب ،أفردوا Gالفكاهة بكتب
خاصة ،منهم :الجاحظ في كتابه" :البخالء" ،و"أبو Gالطيب محمد بن إسحاق الوشاء" ،في
ُّ
والظرفاء" ،و"أبو منصور الثعالبي" في كتابه" :لطائفG كتابه" :الموشى" Gأو "الظَّرف
اللطف" .و"أبو الفرج عبدالرحمن بن علي ابن الجوزي" في كتابيه" :أخبار الحمقى
الظراف والمتماجنين" ،و"الخطيب البغدادي" في كتابه" :التطفيل والمغفلين" ،و"أخبارُّ G
وحكايات الطفيليين وأخبارهم Gونوادر Gكالمهم وأشعارهم" ،إن هؤالء ورغم مااتصفوا Gبه من
الجدية والصرامة في كتاباتهم األخرى ،إال أن شغفهم بكشف Gعيوب المجتمع وال سيما،
طبقة الفقهاء ،والقضاة ،والمتزهدين ،والبخالء ،دفعتهم Gللخوض في هذا المجال مستخدمين
الفكاهة التي امتزجت بالسخرية ،وبطريقة تطلبت الكثير من الذكاء والمهارة والمكر في
.التلميح إلى ما يرغبون تعريته
والفكاهة لون هزلي أدبي موجه ،يقوم على النقد المضحك ،أو التجريح الهازئ ،معتمداً على
أساليب ووسائط فنية مختلفة كما أن الضحك المنبعث من الفكاهة ضحك َسارٌّ ومبهج ،أما
السخرية فمؤلمة موجعة ،كئيبة ولو انبعث منها أو معها الضحك ،فإنما هو ضحك كالبكاء،
.كما أن السخرية غير الهجاء رغم الصلة بينهما ،وكثيراً ما يَستخد ُم الهجاء أدوات السخرية
أنواع الفكاهة
تأخذ الفكاهة الكالمية عدة أشكال ،فقد تكون هذه الفكاهة لطيفة ورقيقة ،أو قد تكون فظّة
:والذعة
الظرف :يختلف هذا النوع عن معظم الفكاهة في كونه يعتمد على خلفية ذهنية ،ورصيد1- G
من الخبرة في الحياة اليومية ،أكثر من اعتماده على أوجه التضارب التي تنشأ بطبيعة الحال
في كثير من المواقف G،ومعظم الفكاهة تجلب االبتسامة ولكن الظّرف ما يجعل الناس
.ينخرطون في ضحك فجائي
الته ّكم :يُظ ِه ُر التَّه ُّك ُم الضعف اإلنساني ويجعل منه موقفا ً مضحكاً ،ويحاول التهكم عادة 2-
.أن يعالج الحماقة بأن يجعل الناس يضحكون عليها
.السخرية :وهي أكثر قسوة من التهكم إذ أنها غالبا ما تأخذ شكل خطاب الذع 3-
الفكاهة التهكمية :وتحمل عكس ما يبدو منها ظاهريا ،فقد تبدأ هذه السخرية مديحا ،أو 4-
حديثا عاديا ،ولكنها تخفي وراء ذلك نقدا الذعًا ،ويتم Gالتعبير عن التورية التهكمية عادة
بواسطة نبرة صوتية معيّنة ،كما أنها غالبا ما تكون تعبيراً Gعن واقع األمر بصورة تخفف
.من وطأة تأثيره
المحاكاة التهكمية والساخرة :وهي تغيير كلمات الشخصية وأخذها على غير معناها 5-
.لخلق نتائج كوميدية
.المحاكاة :وهي تقليد لعادات شخص آخر أو حركاته أو حديثه من أجل خلق أثر كوميدي6- G
وأخيراً سأختم كما بدأ "ابن الجوزي" Gحين قال" :آثرت أن أجمع أخبار الحمقى والمغفلين
ُر ُموا منه فحثه ذلك
ب إليه مما ح ِ
ألسباب ثالثة ،األول :إذا العاقل سمعها عرف قدر ما ُو ِه َ
على الشكر ،والثاني Gيحث المتيقظ على اتقاء أسباب الغفلة ،أما إذا كانت الغفلة مجبولة في
الطباع فال تقبل التغيير ،والثالث :أن يرّوح اإلنسان قلبه بالنظر في سير هؤالء المبخوسين
"حظوظاً ،فإن النفس ترتاح إلى بعض المباح من اللهو
ألن الضحك جزء من حياة اإلنسان يؤ ّدي Gوظيفة
الفكاهة عنصر مه ّم من عناصر األدب؛ ّ
ّ
روحية وفسيولوجية ،فيجب أن يكون له في سائر الفنون ما يغذيه ويبعث عليه ،وبوجود
أنواع الفكاهة في القص العربي القديم عرف العرب الفكاهة ،كما عرفتها األمم األخرى،
وبخاصة بعد فتحهم Gالعراق وفارس والشام Gومصر ،حيث تأثروا بما لدى تلك األمم من حياة
اجتماعية وثقافية جديدة ،جعلتهم يصيرون إلى شيء من حياة الترف والبذخ ،قادتهم إلى
االهتمام بألوان الفكاهة والترويح المختلفة ،وقد شغف الخاصة والعامة على ح ٍّد سواء
بمجالس القصص والحكايات Gوالهزل والنوادر .وسيتم Gالحديث عن أنواع الفكاهة في القص
العربي القديم وعن أبي الفرج األصفهاني والجاحظ وجرير GوالفرزدقG
.الشكل الخارجي للمقامةخصوصيات
الناظر في المقامة يالحظ من الوهلة األولى أن القائل فيها مركب يمثلها راويان األول
مستتر ال يحضر
في النص سوى في شكل ضمير المتكلم الجمع الذي ال يضطلع في النص إال بدور واحد هو
نقل ما يروى له من أحداث ووقائع Gدون أن يكون ساهم فيها أو عاين أحداثها و لذلك سنسميه
الراوي الغائب أما الثاني فهو شخصية عيسى بن هشام التي ال تكتفي برواية األحداث و إنما
تشارك فيها و تشهد وقوعها Gفهي في معظم األحيان جزء ال يتجزا من الحكاية ذاتها و لهذا
أسميناها الراوي الشاهد
إن التشابه بين كالم الهمذاني في رسائله و كالم الشخصيات في مقاماته ليس مجرد ظاهرة
عابرة
و إنما هي ظاهرة تتواتر في نصوص المقامات تواترا يعبر عن حضور Gالمؤلف المستمر
داخل نصه التخييلي إن هذا الحضور Gالحضور الدائم في الواجهة الخلفية للسرد هو الذي
جعل المؤلف يستغل ما تتيحه الرواية من هيمنة على القول ليخرس الشخصيات كلما دعته
الحاجة إلى إبداء رأي مهم وربما كانت أهمية القضايا التي ينساق إليها الكالم تفضحه فيخلع
عنه برقع الشخصية و ينتصب في النص عاري الوجه واضح األفكار Gوالرؤى فيستحيلG
كائنا خارقا ينتقل " جيئة و ذهابا بين القصة و الحياة تحدوه في ذلك قدرة عجيبة على
" اختراق الجدار العازل لعالم الواقع عن عالم الخيال
أما الراوي عيسى بن هشام فهو Gشخصية تتردد في النص لتنقل أحداثه و تروي أقوال
شخصياته بأمانة و معرفة تذكر بالرواة في علم الحديث
و تكرار هذا السند بالذات في المقامات يوحي برغبة في البحث عن نوع من المصداقية ثم
إن مصداقية األحداث و اقترابها Gمن الحياة مطلوبة أيضا لكي يؤدي النص وظيفة هامة من
وظائفه باعتباره حديثا ذلك أن من الدالالت الحافة التي تقدمها اللغة لفعل حدث ما يدفعنا Gإلى
النظر في النص باعتباره أحدوثة فيها من العجب و التعجيب ما يجعل المتقبل في حاجة
مستمرة إلى عالمة توهمه بأن النص قد حدث فعال أو هو ممكن الوقوع Gعلى األقل
يقول في مقدمة بعض المقامات " كان يبلغني من مقامات اإلسكندري و مقاالته ما يصغي
إليه النفور و ينتفض له العصفور ... Gو أنا أسأل هللا بقاءه حتى أرزق لقاءه و أتعجب من
" قعود همته بحالته من حسن آلته
إن اهم ما يالحظ ما يوليه عيسى بن هشام للتعجب فهو ال يعتبره مصدر لذة فحسب و إنما
يجعله غاية حياته و مطلب عمره و سواء أكان الهمذاني هو من فرض على عيسى بن هشام
هذه الوظيفة أم أنه تطوع لها من تلقاء نفسه التواقة إلى المعرفة فإن النص شاهد على كل
عالماته على أن الرواية في المقامة منذورة إلى العجب و أن الراوي قدره العجب و
التعجيب
يقول في إحدى المقامات واصفا عمله التعجيبي " وخرج فتبعته متعجبا من حذقه بزرقه و
تمحل رزقه و هممت بمسألته عن حاله فأمسكت و بمكالمته فسكت و تأملت فصاحته في
وقاحته ومالحته في استماحته و ربطه الناس بحيلته و أخذه المال بوسيلته و نظرت فإذا هو
" أبو الفتح اإلسكندريG
والتعجب ال يقف عند الشعور Gالعابر و اإلحساس الغفل و إنما يتجاوز ذلك إلى السؤال و
البحث
و التأمل و ال شك أن ذلك يقرب مفهوم العجب في المقامات من المعرفة
وهذا ما جعل شخصيات من القرن الرابع تلقاها شخصيات من من القرن الول بل إنها قد
تلتقي شخصيات عجيبة مثل إبليس في المقامة اإلبليسية
لكن مع ذلك تبقى المقامة جنسا خبريا إذ اإلسناد Gفيها ال يختلف عنه في الخبر
السجع :يقول الهمذاني في المقامة العلمية أن العلم " طائر Gال يخدعه إال قنص اللفظ و ال
يعلقه إال شرك الحفظ " و أن المتعلم ينبغي أن يتبع " من الكالم ما فتق السمع ووصل Gإلى
القلب و تغلغل في الصدر " قد حقق السجع ذلك حتى كان غيلبه أدعى إلى االنتباه من
حضوره وذلك ألن بنية السجع تضفي على النصوص خصوصيات تؤثر Gفي بنائها و توجه
دالالتها و قد وظف الهمذاني Gالسجع في مقاماته وربما أمكن له ذلك بسبب ما تميز به عمق
المقامة من جد و موعظة برغم ما كان يوحي به ظاهرها من استهتار و لهو و تندر بأخبار
الكدية و المكدين
لكن ال يمكن لجنس المقامة ان يتحدد باإلسناد Gأو السجع فحسب بل في التوليف بينهما
غير أن التميز يتحدد أيضا من ائتالف شكله الخارجي مع شكله الداخلي
البناء السردي للمقامة يوحي منذ الوهلة األولى بأن المقامة مسكونة بالحركة منذورة للتحول
و التبدل و الدوران تؤسس بالمؤتلف Gالمختلف و تصرف Gمتشابه القسمات ألوانا من
التصريف ومع ذلك فإن وراءها بنية موحدة
و األمر األساسي في المقامة هو أنها قصة أبرز حدث فيها هو القول سواء كان خطبة أو
شعرا أما األحداث األخرى Gمن لقاء الراوي و الشخصية و حيلة و كشف للحيلة فإنها مهما
تنوعت و تعقدت ال تطال هذا الحدث الرئيسي و إنما تحيطه بسياق أول و بسياق اخير فتزيدG
في إبرازه
فالمقامة هي قبل كل شيء قول أدبي تحيط بقائله ظروف Gو مالبسات يتولى الراوي وصفها
في مفتتح المقامة و في خاتمتها لغاية إبراز القول و لفت االنتباه إلى ما يتضمنه من إدهاش
و إغراب
و لذلك تجد الراوي Gيعنى بالظروف التي تسبق القول و تحدد العالقة بين المتكلم و هو في
الغالب ( أبو الفتح اإلسكندري ) Gو المستمع و هو في الغالب ( عيسى بن هشام )
تنتهي المقامات في الغالب بإجازة المكدي و التعرف إلى شخصيته الحقيقية و التعجب من
قدرته
لذا يمكن أن نحصر عناصر المقامة و فق البنية التمطية الجامعة للمتون في ثالثة أقسام
فهي تبدأ بمقام يحدد فيه الراوي عالقة السامع ابن هشام بالمتكلم البليغ و يتوسطها مقال يلقيه
متكلم بليغ و هو في الغالب أبو الفتح اإلسكندري Gو يالئم فيه بين معانيه و عناصر المقام
المذكورة في القسم األول و تنتهي المقامة بذكر المنال الذي يجنيه المتكلم من كالمه من
اعتراف الراوي Gفي نهاية كل مقامة بقدرته األدبية و تعجبه من بالغة كالمه و غرابة ما
جاء فيه من حيل
و هكذا يصنع الهمذاني العجب في نصوصه عبر األهمية التي يوليها Gللقول األدبي في بنيتها
إذ ليست المقامة سوى قصة القول تبين ظروف Gإنشائه و تصف تأثيره في نفوس مستمعيه
المقال هو أهم عنصر في هذه البنية فهو هيكل منفتح يمكن أن يتضمن الشعر كما يمكن أن
يتضمن النثر المسجوع و يمكن أن يكون مدحا كما يمكن أن يكون هجاء أو استعطافا Gأو
وعظا بل قد يتضمن أحيانا نصوصا Gنقدية أو كالمية أما عنصر المقام فيتمثل ال في تلك
الظروف Gالتي تحيط بالقول و التي تفسر أدبيته و تأثيره في الناس ذلك أن األدبية ظلت إلى
عصر الهمذاني رهينة المالءمة بين المقام
و المقال
خصوصية التمثيل في المقامة
يعمد السارد إلى مسرحة األحداث فيتحول النص إلى مشهد يتطابق فيه زمن األحداث مع
زمن الخطاب و تتكلم الشخوص بألسنتها في حوار مباشر يحاول السارد فيه أن يطابق بين
الشخصية و التمثل الذي يحدث لدى القارئ أو السامع عنها انطالقا مما يعرفه عن انتمائها
إلى نمط معين من البشر
و هذا ما يسمح للكالم أن يتراوح بين لغة الخاصة من األدباء و النقاد و لغة العامة بل لغة
.السوقة و الرعاع أحيانا
إال أن التمثيل ال يقتصر على حكاية األحوال و إنما يتعداه في بعض األحيان على حكاية
األحوال و حكاية األفعال بالمحاكاة
خصوصية المضمون في المقامة
في المقامة تقاطع محير بين فعلي الكدية و األدب و هو ما يجعل القارئ إزاء سبيلين
مختلفين في التعامل مع هذه النصوص أوالهما تقتضي اعتبار المقامة قصة مكد انقلب
لطلب الرزق أدبا مبدعا و في هذه الحالة ال بد له من أن يعدها نموذجا Gمن أدب الهامشيين
أما السبيل الثاني فتقتضي من القارأن يعد المقامة سردا تصور Gفيه حكاية األديب مع قوله و
جمهوره
المقامة و الوظيفة الهزلية
تتميز أخبار الكدية و المكدين في المقامة و ال تمس ظاهرة الكدية غرض النص و معناه
فحسب بل تهم كذلك بناءه السردي العميق فالحصول Gعلى المال كثيرا ما مثل الغاية التي
يطمح الفعل القصصي إلى تحقيقها و يأمل الفاعل بلوغها و لما كان الحصول على المال
مرتبطا بالقدرة على التخفي و اإليهام بغير الحق الزم اللثام وجه البطل في معظم المقامات
إلى نهايتها و لم نر البطل يكشف عن اسراره إال بعد أن ينال ما يرجوه و هو يدل على
تالزم آخر بين التعرف و ما يرافقه من تعجب و تعجيب و المال و ما يعنيه من تحقق الطلبة
و بلوغ الغاية
هناك تشابه بين ظاهرتي التسول و البخل
فعل أكدى يحتمل نعاني أخرى منها ان قولك " أكدى الرجل يعني قل ماله و كدى الرجل
يكدي قل خيره و قيل بخل و في التنزيل العزيز و اعطى قليال و أكدى أي و قطع القليل و
" قال الفراء أكدى أمسك عن العطية و قطع
و لكن الكدية ليست دائما عنصرا قارا و إنما هي عنصر من عناصر Gالفعل يمكن أن تغيب
فيعوضها Gالجنون أو التزهد أو البخل و ربما خلت المقامة من كل ذلك و تمخضت لوصفG
األديب دون غيره و هو ما يخرج بها من دائرة الوظيفة الهزلية إلى الوظيفة الجدية
المقامة و الوظيفة الجدية
يقول الهمذاني في المقامة العلمية " الناس رجالن عالم يرعى و متعلم يسعى و الباقون
" هامل نعام و راتع أنعام
الناس فئتان فئة الخاصة يعني بها أهل الشهرة من العلم و السياسة و فئة العامة يعني بها
المهتمين بالعلوم Gمن غير أهل الشهرة و النفوذ أما الرعاع و السوقة
لذلك كانت شخصية عيسى بن هشام ممثلة لصورة المتعلم فقد رايناها Gفي المقامات مسافرة
ال تكاد تستقر
يقول في بعض المقامات " كنت أجتاز في بعض البالد األهواز و قصاراي لفظة شرودG
أصيدها و كلمة بليغة أستزيدها " Gفهو يجمع بين فعلين أساسيين لطالب العلم هما السفر و ما
يكتنفه من خطر و التأمل و ما يقتضيه من نظر
و قد مثلت شخصية عيسى بن هشام شخصية المتعلم يقول مخاطبا صديقه اإلسكندري" : G
" مرحبا بأمير الكالم و أهال بضالة الكرام لقد نشدتها Gحتى و جدتها و طلبتها حتى أصبتها
مفهوم العلم الذي أخذ به يتسع لمعارف جمة هو األخذ من كل شيء بطرف و الخوض في
كل باب مع المحافظة على بالغة القول و فصاحة اللسان
و هكذا يبدو مفهوم العلم مرتبطا Gبمفهوم األدب و ذلك أن الدب ال يقتصر في هذا العصر
على على الخلق الفني المحض و البحث عن اإلمتاع و إنما يعني التأديب األخالقي و
الموعظة الدينية و لذلك وجدنا أبا عنبس الصيمري يربط بين األدب و الموعظة قائال " :إن
مما نزل بي من إخواني الذين اصطفيتهم Gو انتخبتهم Gو ادخرتهم Gللشدائد ما فيه من عظة و
" عبرة و أدب لمن اعتبر و اتتعظ و تأدب
نرى اإلسكندري " Gرجل الفصاحة يدعوها فتجيبه و البالغة يأمرها Gفتطيعه " حتى و إن
كان مظهره يدل على التشرد و البؤس و هذا مقصود لتصوير Gما يعانيه أديب القرن الرابع
من انقالب وضعيته و تهميش لدوره في المجتمع وتدنيه إلى أسفل السلم االجتماعي
يلخص ها في المقامة الصيمرية قول أبي عنبس
فلما رايت المر قد صعب و الزمان قد كلب و التمست الدرهم فإذا هو مع النسرين و عند "
منقطع البحرين و أبعد من الفرقدين فخرجت اسيح كأبي المسيح فجلت خراسان الخراب
منها والعمران و جيالن إلى طبرستان و إلى عمان ...أجول البراري Gو القفار و أصطلي
..بالنار و آوي مع الحمار
فجمعت من النوادر Gو األخبار و السمار و الفوائد و اآلثار و أشعار المتعرفين و سخف
الملهين و أسفار المتيمين و أحكام المتفلسفين و حيل المشعوذين و نواميس المتخمرقين و
نوادر المنادمين و زرق Gالمنجمين ولطف المتطببين ..فاسترفدت و اجتديت و تسولت و
" تكديت و مدحت و هاجيت حتى كسبت ثروة من المال
إن هذه الحالة هي التي جعلت الهمذاني يقلب األديب مكديا و هو في ذلك يستغل معنى آخر
من معاني فعل أكدى و هو الشدة من الدهر و يقال أكدى افتقر بعد غنى
لم تكن المقامة عند الهمذاني نموذجا ألدب الهامشيين تناقض األدب الرسمي Gبقدر ما كانت
صورة لهذا األدب الرسمي Gو قد وعى بتدني منزلته و تهميش دوره في المجتمع فالمقامة ال
تصور الهامشي Gو قد استقام اديبا بقدر ما تصف األديبو Gقد انقلب هامشيا
خصوصية المقامة كامنة في هذه التركيبة الجامعة بين باطن النص و ظاهره بين جده و
هزله لتحقيق ما به تتميز المقامة مضمونيا
خالصة القول قامت المقامة على توليفات ثالث تمثل كل واحدة منها خصوصية البناء في
مستوى من مستويات النص
فأما التوليفة األولى فتهم شكل النص الخارجي Gو تمثل التالزم التام بين الكالم المسند إلى
راويسة خيالي متصل بالكاتب من ناحية واإليقاع الذي يبنيه السجع احتراما لمقام المشافهة
من ناحية أخرى
أما التوليفة الثانية فتتمثل في التالزم القائم في شكل المقامة الداخلي بين السرد المعبر عن
قصة القول مع مقامه و جمهوره من جهة و التمثيل المحاكي ألصناف Gمتباينة من النماذج
البشرية و الفئات االجتماعية من جهة أخرى
أما التوليفة الثالثة فتتمثل في تالزم في مستوى المضمون بين وظيفة هزلية تعنى بأخبار
المكدين و الحمقى و المجانين و ما إليهم من المهمشين و وظيفة جدية تجعل من كل
تلكالخبار صورة لتهميش األديب العالم و تدهور Gمنزلته في مجتمع قائم على المادة كمجتمع
القرن الرابع
إال ان االقتصار على الممارسة الدبية دون التصضور Gالعميق لألدب قد حكم على المقامة
بالظرفية و التحجر في شكل واحد جعل هذا الفن يتوقف عن التطور Gبعد وقت قصير Gمن
نشأته فيؤول Gأمره إلى االنحسار Gو الذبول بعد ان انحسر هذا المفهوم الموسوعي Gو تداولته
اجناس أخرى كارسالة األدبية و الكتب الدبية الجامعة
.