You are on page 1of 6

‫أدب الفكاهة من اآلداب الشيّقة والممتعة‪ ،‬فهي نزهة النفس وربيع القلب‪ ،‬ومرتع السمع‬

‫ومجلب الراحة‪ ،‬ومعدن السرور‪ ،‬وال يمكن أن نتصور العالم من دون فكاهة‪ ،‬أو نتصور‬
‫الحياة عابسة مقضبة الجبين مقفهرة المظهر‪ ،‬إن الحياة بغير ضحك عبء ثقيل ال يحتمل‬
‫وكما قال الرسول‪( G‬صلى هللا عليه وسلم)‪( :‬روحوا القلوب ساعة بعد ساعة فإن القلوب إذا‬
‫كلّت عميت‬
‫إن من خصائص أدب الفكاهة الخفة والظرافة‪ ،‬ويشترط‪ G‬في الفكاهي أن يكون صاحب ذكاء‬
‫يجعله يبحث عن الحيلة ويتدبر‪ G‬ال ُخطط وينسج خيوطها‪ ،‬ويمتاز بنظره الثاقب‪ ،‬بموهبته‬
‫األصلية التي تضفي عليه خفة ولطفاً‪ ،‬فتأتي فكاهته لبقة غير مصطنعة‪ ،‬تفيض بالعذوبة‬
‫وألن الفكاهة تُعتَبَ ُر من األمور‪ G‬المحفوفة بالحرج‪ ،‬لم يكن من اليسير الخوض في أدب‬
‫الفكاهة‪ ،‬فهو وإن كان موجوداً‪ G‬إال أنه أقرب إلى االنزواء عن المتناول الثقافي العام‪ ،‬ذلك أن‬
‫جزءاً من تراثنا يشجبُ الضحك ويعتبره منافيا‪ G‬للوفاء‪ ،‬رغم أن لكل أمة من األمم‪ ،‬ولكل‬
‫طبقة من طبقات المجتمع‪ ،‬مهما بلغت مكانتها‪ ،‬قسطها ً من النوادر والمرح والسخرية‪ ،‬يمثله‬
‫‪..‬أشخاص يبرزون في أدب األمة ويخلّدهم‪ G‬تراثها‬
‫وقد ظهرت في التراث العربي كثير من الشخصيات الفكاهية‪ ،‬اشتهر‪ G‬منها أشعب‪،‬‬
‫العبَر‪ ،‬بسخريتهم ونوادرهم التي صاغوها بحكمة أو قصة أو شعر‬
‫‪.‬وأبودالمة‪ ،‬وأبو ِ‬

‫وتناول كثير من األدباء العرب الفكاهة‪ ،‬وهناك فريق‪ G‬من الكتاب‪ ،‬أفردوا‪ G‬الفكاهة بكتب‬
‫خاصة‪ ،‬منهم‪ :‬الجاحظ في كتابه‪" :‬البخالء"‪ ،‬و"أبو‪ G‬الطيب محمد بن إسحاق الوشاء"‪ ،‬في‬
‫ُّ‬
‫والظرفاء"‪ ،‬و"أبو منصور الثعالبي" في كتابه‪" :‬لطائف‪G‬‬ ‫كتابه‪" :‬الموشى"‪ G‬أو "الظَّرف‬
‫اللطف"‪ .‬و"أبو الفرج عبدالرحمن بن علي ابن الجوزي" في كتابيه‪" :‬أخبار الحمقى‬
‫الظراف والمتماجنين"‪ ،‬و"الخطيب البغدادي" في كتابه‪" :‬التطفيل‬ ‫والمغفلين"‪ ،‬و"أخبار‪ُّ G‬‬
‫وحكايات الطفيليين وأخبارهم‪ G‬ونوادر‪ G‬كالمهم وأشعارهم"‪ ،‬إن هؤالء ورغم مااتصفوا‪ G‬به من‬
‫الجدية والصرامة في كتاباتهم األخرى‪ ،‬إال أن شغفهم بكشف‪ G‬عيوب المجتمع وال سيما‪،‬‬
‫طبقة الفقهاء‪ ،‬والقضاة‪ ،‬والمتزهدين‪ ،‬والبخالء‪ ،‬دفعتهم‪ G‬للخوض في هذا المجال مستخدمين‬
‫الفكاهة التي امتزجت بالسخرية‪ ،‬وبطريقة تطلبت الكثير من الذكاء والمهارة والمكر في‬
‫‪.‬التلميح إلى ما يرغبون تعريته‬

‫والفكاهة لون هزلي أدبي موجه‪ ،‬يقوم على النقد المضحك‪ ،‬أو التجريح الهازئ‪ ،‬معتمداً على‬
‫أساليب ووسائط فنية مختلفة كما أن الضحك المنبعث من الفكاهة ضحك َسارٌّ ومبهج‪ ،‬أما‬
‫السخرية فمؤلمة موجعة‪ ،‬كئيبة ولو انبعث منها أو معها الضحك‪ ،‬فإنما هو ضحك كالبكاء‪،‬‬
‫‪.‬كما أن السخرية غير الهجاء رغم الصلة بينهما‪ ،‬وكثيراً ما يَستخد ُم الهجاء أدوات السخرية‬
‫أنواع الفكاهة‬

‫تأخذ الفكاهة الكالمية عدة أشكال‪ ،‬فقد تكون هذه الفكاهة لطيفة ورقيقة‪ ،‬أو قد تكون فظّة‬
‫‪:‬والذعة‬
‫الظرف‪ :‬يختلف هذا النوع عن معظم الفكاهة في كونه يعتمد على خلفية ذهنية‪ ،‬ورصيد‪1- G‬‬
‫من الخبرة في الحياة اليومية‪ ،‬أكثر من اعتماده على أوجه التضارب التي تنشأ بطبيعة الحال‬
‫في كثير من المواقف‪ G،‬ومعظم الفكاهة تجلب االبتسامة ولكن الظّرف ما يجعل الناس‬
‫‪.‬ينخرطون في ضحك فجائي‬
‫الته ّكم‪ :‬يُظ ِه ُر التَّه ُّك ُم الضعف اإلنساني ويجعل منه موقفا ً مضحكاً‪ ،‬ويحاول التهكم عادة ‪2-‬‬
‫‪.‬أن يعالج الحماقة بأن يجعل الناس يضحكون عليها‬
‫‪ .‬السخرية‪ :‬وهي أكثر قسوة من التهكم إذ أنها غالبا ما تأخذ شكل خطاب الذع ‪3-‬‬
‫الفكاهة التهكمية‪ :‬وتحمل عكس ما يبدو منها ظاهريا‪ ،‬فقد تبدأ هذه السخرية مديحا‪ ،‬أو ‪4-‬‬
‫حديثا عاديا‪ ،‬ولكنها تخفي وراء ذلك نقدا الذعًا‪ ،‬ويتم‪ G‬التعبير عن التورية التهكمية عادة‬
‫بواسطة نبرة صوتية معيّنة‪ ،‬كما أنها غالبا ما تكون تعبيراً‪ G‬عن واقع األمر بصورة تخفف‬
‫‪.‬من وطأة تأثيره‬
‫المحاكاة التهكمية والساخرة‪ :‬وهي تغيير كلمات الشخصية وأخذها على غير معناها ‪5-‬‬
‫‪.‬لخلق نتائج كوميدية‬
‫‪.‬المحاكاة‪ :‬وهي تقليد لعادات شخص آخر أو حركاته أو حديثه من أجل خلق أثر كوميدي‪6- G‬‬
‫وأخيراً سأختم كما بدأ "ابن الجوزي"‪ G‬حين قال‪" :‬آثرت أن أجمع أخبار الحمقى والمغفلين‬
‫ُر ُموا منه فحثه ذلك‬
‫ب إليه مما ح ِ‬
‫ألسباب ثالثة‪ ،‬األول‪ :‬إذا العاقل سمعها عرف قدر ما ُو ِه َ‬
‫على الشكر‪ ،‬والثاني‪ G‬يحث المتيقظ على اتقاء أسباب الغفلة‪ ،‬أما إذا كانت الغفلة مجبولة في‬
‫الطباع فال تقبل التغيير‪ ،‬والثالث‪ :‬أن يرّوح اإلنسان قلبه بالنظر في سير هؤالء المبخوسين‬
‫"حظوظاً‪ ،‬فإن النفس ترتاح إلى بعض المباح من اللهو‬
‫ألن الضحك جزء من حياة اإلنسان يؤ ّدي‪ G‬وظيفة‬
‫الفكاهة عنصر مه ّم من عناصر األدب؛ ّ‬
‫ّ‬
‫روحية وفسيولوجية‪ ،‬فيجب أن يكون له في سائر الفنون ما يغذيه ويبعث عليه‪ ،‬وبوجود‬
‫أنواع الفكاهة في القص العربي القديم عرف العرب الفكاهة‪ ،‬كما عرفتها األمم األخرى‪،‬‬
‫وبخاصة بعد فتحهم‪ G‬العراق وفارس والشام‪ G‬ومصر‪ ،‬حيث تأثروا بما لدى تلك األمم من حياة‬
‫اجتماعية وثقافية جديدة‪ ،‬جعلتهم يصيرون إلى شيء من حياة الترف والبذخ‪ ،‬قادتهم إلى‬
‫االهتمام بألوان الفكاهة والترويح المختلفة‪ ،‬وقد شغف الخاصة والعامة على ح ٍّد سواء‬
‫بمجالس القصص والحكايات‪ G‬والهزل والنوادر‪ .‬وسيتم‪ G‬الحديث عن أنواع الفكاهة في القص‬
‫العربي القديم وعن أبي الفرج األصفهاني والجاحظ وجرير‪ G‬والفرزدق‪G‬‬
‫‪ .‬الشكل الخارجي للمقامةخصوصيات‬
‫الناظر في المقامة يالحظ من الوهلة األولى أن القائل فيها مركب يمثلها راويان األول‬
‫مستتر ال يحضر‬
‫في النص سوى في شكل ضمير المتكلم الجمع الذي ال يضطلع في النص إال بدور واحد هو‬
‫نقل ما يروى له من أحداث ووقائع‪ G‬دون أن يكون ساهم فيها أو عاين أحداثها و لذلك سنسميه‬
‫الراوي الغائب أما الثاني فهو شخصية عيسى بن هشام التي ال تكتفي برواية األحداث و إنما‬
‫تشارك فيها و تشهد وقوعها‪ G‬فهي في معظم األحيان جزء ال يتجزا من الحكاية ذاتها و لهذا‬
‫أسميناها الراوي الشاهد‬
‫إن التشابه بين كالم الهمذاني في رسائله و كالم الشخصيات في مقاماته ليس مجرد ظاهرة‬
‫عابرة‬
‫و إنما هي ظاهرة تتواتر في نصوص المقامات تواترا يعبر عن حضور‪ G‬المؤلف المستمر‬
‫داخل نصه التخييلي إن هذا الحضور‪ G‬الحضور الدائم في الواجهة الخلفية للسرد هو الذي‬
‫جعل المؤلف يستغل ما تتيحه الرواية من هيمنة على القول ليخرس الشخصيات كلما دعته‬
‫الحاجة إلى إبداء رأي مهم وربما كانت أهمية القضايا التي ينساق إليها الكالم تفضحه فيخلع‬
‫عنه برقع الشخصية و ينتصب في النص عاري الوجه واضح األفكار‪ G‬والرؤى فيستحيل‪G‬‬
‫كائنا خارقا ينتقل " جيئة و ذهابا بين القصة و الحياة تحدوه في ذلك قدرة عجيبة على‬
‫" اختراق الجدار العازل لعالم الواقع عن عالم الخيال‬
‫أما الراوي عيسى بن هشام فهو‪ G‬شخصية تتردد في النص لتنقل أحداثه و تروي أقوال‬
‫شخصياته بأمانة و معرفة تذكر بالرواة في علم الحديث‬
‫و تكرار هذا السند بالذات في المقامات يوحي برغبة في البحث عن نوع من المصداقية ثم‬
‫إن مصداقية األحداث و اقترابها‪ G‬من الحياة مطلوبة أيضا لكي يؤدي النص وظيفة هامة من‬
‫وظائفه باعتباره حديثا ذلك أن من الدالالت الحافة التي تقدمها اللغة لفعل حدث ما يدفعنا‪ G‬إلى‬
‫النظر في النص باعتباره أحدوثة فيها من العجب و التعجيب ما يجعل المتقبل في حاجة‬
‫مستمرة إلى عالمة توهمه بأن النص قد حدث فعال أو هو ممكن الوقوع‪ G‬على األقل‬
‫يقول في مقدمة بعض المقامات " كان يبلغني من مقامات اإلسكندري و مقاالته ما يصغي‬
‫إليه النفور و ينتفض له العصفور‪ ... G‬و أنا أسأل هللا بقاءه حتى أرزق لقاءه و أتعجب من‬
‫" قعود همته بحالته من حسن آلته‬
‫إن اهم ما يالحظ ما يوليه عيسى بن هشام للتعجب فهو ال يعتبره مصدر لذة فحسب و إنما‬
‫يجعله غاية حياته و مطلب عمره و سواء أكان الهمذاني هو من فرض على عيسى بن هشام‬
‫هذه الوظيفة أم أنه تطوع لها من تلقاء نفسه التواقة إلى المعرفة فإن النص شاهد على كل‬
‫عالماته على أن الرواية في المقامة منذورة إلى العجب و أن الراوي قدره العجب و‬
‫التعجيب‬
‫يقول في إحدى المقامات واصفا عمله التعجيبي " وخرج فتبعته متعجبا من حذقه بزرقه و‬
‫تمحل رزقه و هممت بمسألته عن حاله فأمسكت و بمكالمته فسكت و تأملت فصاحته في‬
‫وقاحته ومالحته في استماحته و ربطه الناس بحيلته و أخذه المال بوسيلته و نظرت فإذا هو‬
‫" أبو الفتح اإلسكندري‪G‬‬
‫والتعجب ال يقف عند الشعور‪ G‬العابر و اإلحساس الغفل و إنما يتجاوز ذلك إلى السؤال و‬
‫البحث‬
‫و التأمل و ال شك أن ذلك يقرب مفهوم العجب في المقامات من المعرفة‬
‫وهذا ما جعل شخصيات من القرن الرابع تلقاها شخصيات من من القرن الول بل إنها قد‬
‫تلتقي شخصيات عجيبة مثل إبليس في المقامة اإلبليسية‬
‫لكن مع ذلك تبقى المقامة جنسا خبريا إذ اإلسناد‪ G‬فيها ال يختلف عنه في الخبر‬
‫السجع ‪ :‬يقول الهمذاني في المقامة العلمية أن العلم " طائر‪ G‬ال يخدعه إال قنص اللفظ و ال‬
‫يعلقه إال شرك الحفظ " و أن المتعلم ينبغي أن يتبع " من الكالم ما فتق السمع ووصل‪ G‬إلى‬
‫القلب و تغلغل في الصدر " قد حقق السجع ذلك حتى كان غيلبه أدعى إلى االنتباه من‬
‫حضوره وذلك ألن بنية السجع تضفي على النصوص خصوصيات تؤثر‪ G‬في بنائها و توجه‬
‫دالالتها و قد وظف الهمذاني‪ G‬السجع في مقاماته وربما أمكن له ذلك بسبب ما تميز به عمق‬
‫المقامة من جد و موعظة برغم ما كان يوحي به ظاهرها من استهتار و لهو و تندر بأخبار‬
‫الكدية و المكدين‬
‫لكن ال يمكن لجنس المقامة ان يتحدد باإلسناد‪ G‬أو السجع فحسب بل في التوليف بينهما‬
‫غير أن التميز يتحدد أيضا من ائتالف شكله الخارجي مع شكله الداخلي‬
‫البناء السردي للمقامة يوحي منذ الوهلة األولى بأن المقامة مسكونة بالحركة منذورة للتحول‬
‫و التبدل و الدوران تؤسس بالمؤتلف‪ G‬المختلف و تصرف‪ G‬متشابه القسمات ألوانا من‬
‫التصريف ومع ذلك فإن وراءها بنية موحدة‬
‫و األمر األساسي في المقامة هو أنها قصة أبرز حدث فيها هو القول سواء كان خطبة أو‬
‫شعرا أما األحداث األخرى‪ G‬من لقاء الراوي و الشخصية و حيلة و كشف للحيلة فإنها مهما‬
‫تنوعت و تعقدت ال تطال هذا الحدث الرئيسي و إنما تحيطه بسياق أول و بسياق اخير فتزيد‪G‬‬
‫في إبرازه‬
‫فالمقامة هي قبل كل شيء قول أدبي تحيط بقائله ظروف‪ G‬و مالبسات يتولى الراوي وصفها‬
‫في مفتتح المقامة و في خاتمتها لغاية إبراز القول و لفت االنتباه إلى ما يتضمنه من إدهاش‬
‫و إغراب‬
‫و لذلك تجد الراوي‪ G‬يعنى بالظروف التي تسبق القول و تحدد العالقة بين المتكلم و هو في‬
‫الغالب ( أبو الفتح اإلسكندري‪ ) G‬و المستمع و هو في الغالب ( عيسى بن هشام )‬
‫تنتهي المقامات في الغالب بإجازة المكدي و التعرف إلى شخصيته الحقيقية و التعجب من‬
‫قدرته‬
‫لذا يمكن أن نحصر عناصر المقامة و فق البنية التمطية الجامعة للمتون في ثالثة أقسام‬
‫فهي تبدأ بمقام يحدد فيه الراوي عالقة السامع ابن هشام بالمتكلم البليغ و يتوسطها مقال يلقيه‬
‫متكلم بليغ و هو في الغالب أبو الفتح اإلسكندري‪ G‬و يالئم فيه بين معانيه و عناصر المقام‬
‫المذكورة في القسم األول و تنتهي المقامة بذكر المنال الذي يجنيه المتكلم من كالمه من‬
‫اعتراف الراوي‪ G‬في نهاية كل مقامة بقدرته األدبية و تعجبه من بالغة كالمه و غرابة ما‬
‫جاء فيه من حيل‬
‫و هكذا يصنع الهمذاني العجب في نصوصه عبر األهمية التي يوليها‪ G‬للقول األدبي في بنيتها‬
‫إذ ليست المقامة سوى قصة القول تبين ظروف‪ G‬إنشائه و تصف تأثيره في نفوس مستمعيه‬
‫المقال هو أهم عنصر في هذه البنية فهو هيكل منفتح يمكن أن يتضمن الشعر كما يمكن أن‬
‫يتضمن النثر المسجوع و يمكن أن يكون مدحا كما يمكن أن يكون هجاء أو استعطافا‪ G‬أو‬
‫وعظا بل قد يتضمن أحيانا نصوصا‪ G‬نقدية أو كالمية أما عنصر المقام فيتمثل ال في تلك‬
‫الظروف‪ G‬التي تحيط بالقول و التي تفسر أدبيته و تأثيره في الناس ذلك أن األدبية ظلت إلى‬
‫عصر الهمذاني رهينة المالءمة بين المقام‬
‫و المقال‬
‫خصوصية التمثيل في المقامة‬
‫يعمد السارد إلى مسرحة األحداث فيتحول النص إلى مشهد يتطابق فيه زمن األحداث مع‬
‫زمن الخطاب و تتكلم الشخوص بألسنتها في حوار مباشر يحاول السارد فيه أن يطابق بين‬
‫الشخصية و التمثل الذي يحدث لدى القارئ أو السامع عنها انطالقا مما يعرفه عن انتمائها‬
‫إلى نمط معين من البشر‬
‫و هذا ما يسمح للكالم أن يتراوح بين لغة الخاصة من األدباء و النقاد و لغة العامة بل لغة‬
‫‪ .‬السوقة و الرعاع أحيانا‬
‫إال أن التمثيل ال يقتصر على حكاية األحوال و إنما يتعداه في بعض األحيان على حكاية‬
‫األحوال و حكاية األفعال بالمحاكاة‬
‫خصوصية المضمون في المقامة‬
‫في المقامة تقاطع محير بين فعلي الكدية و األدب و هو ما يجعل القارئ إزاء سبيلين‬
‫مختلفين في التعامل مع هذه النصوص أوالهما تقتضي اعتبار المقامة قصة مكد انقلب‬
‫لطلب الرزق أدبا مبدعا و في هذه الحالة ال بد له من أن يعدها نموذجا‪ G‬من أدب الهامشيين‬
‫أما السبيل الثاني فتقتضي من القارأن يعد المقامة سردا تصور‪ G‬فيه حكاية األديب مع قوله و‬
‫جمهوره‬
‫المقامة و الوظيفة الهزلية‬
‫تتميز أخبار الكدية و المكدين في المقامة و ال تمس ظاهرة الكدية غرض النص و معناه‬
‫فحسب بل تهم كذلك بناءه السردي العميق فالحصول‪ G‬على المال كثيرا ما مثل الغاية التي‬
‫يطمح الفعل القصصي إلى تحقيقها و يأمل الفاعل بلوغها و لما كان الحصول على المال‬
‫مرتبطا بالقدرة على التخفي و اإليهام بغير الحق الزم اللثام وجه البطل في معظم المقامات‬
‫إلى نهايتها و لم نر البطل يكشف عن اسراره إال بعد أن ينال ما يرجوه و هو يدل على‬
‫تالزم آخر بين التعرف و ما يرافقه من تعجب و تعجيب و المال و ما يعنيه من تحقق الطلبة‬
‫و بلوغ الغاية‬
‫هناك تشابه بين ظاهرتي التسول و البخل‬
‫فعل أكدى يحتمل نعاني أخرى منها ان قولك " أكدى الرجل يعني قل ماله و كدى الرجل‬
‫يكدي قل خيره و قيل بخل و في التنزيل العزيز و اعطى قليال و أكدى أي و قطع القليل و‬
‫" قال الفراء أكدى أمسك عن العطية و قطع‬
‫و لكن الكدية ليست دائما عنصرا قارا و إنما هي عنصر من عناصر‪ G‬الفعل يمكن أن تغيب‬
‫فيعوضها‪ G‬الجنون أو التزهد أو البخل و ربما خلت المقامة من كل ذلك و تمخضت لوصف‪G‬‬
‫األديب دون غيره و هو ما يخرج بها من دائرة الوظيفة الهزلية إلى الوظيفة الجدية‬
‫المقامة و الوظيفة الجدية‬
‫يقول الهمذاني في المقامة العلمية " الناس رجالن عالم يرعى و متعلم يسعى و الباقون‬
‫" هامل نعام و راتع أنعام‬
‫الناس فئتان فئة الخاصة يعني بها أهل الشهرة من العلم و السياسة و فئة العامة يعني بها‬
‫المهتمين بالعلوم‪ G‬من غير أهل الشهرة و النفوذ أما الرعاع و السوقة‬
‫لذلك كانت شخصية عيسى بن هشام ممثلة لصورة المتعلم فقد رايناها‪ G‬في المقامات مسافرة‬
‫ال تكاد تستقر‬
‫يقول في بعض المقامات " كنت أجتاز في بعض البالد األهواز و قصاراي لفظة شرود‪G‬‬
‫أصيدها و كلمة بليغة أستزيدها‪ " G‬فهو يجمع بين فعلين أساسيين لطالب العلم هما السفر و ما‬
‫يكتنفه من خطر و التأمل و ما يقتضيه من نظر‬
‫و قد مثلت شخصية عيسى بن هشام شخصية المتعلم يقول مخاطبا صديقه اإلسكندري‪" : G‬‬
‫" مرحبا بأمير الكالم و أهال بضالة الكرام لقد نشدتها‪ G‬حتى و جدتها و طلبتها حتى أصبتها‬
‫مفهوم العلم الذي أخذ به يتسع لمعارف جمة هو األخذ من كل شيء بطرف و الخوض في‬
‫كل باب مع المحافظة على بالغة القول و فصاحة اللسان‬
‫و هكذا يبدو مفهوم العلم مرتبطا‪ G‬بمفهوم األدب و ذلك أن الدب ال يقتصر في هذا العصر‬
‫على على الخلق الفني المحض و البحث عن اإلمتاع و إنما يعني التأديب األخالقي و‬
‫الموعظة الدينية و لذلك وجدنا أبا عنبس الصيمري يربط بين األدب و الموعظة قائال ‪ " :‬إن‬
‫مما نزل بي من إخواني الذين اصطفيتهم‪ G‬و انتخبتهم‪ G‬و ادخرتهم‪ G‬للشدائد ما فيه من عظة و‬
‫" عبرة و أدب لمن اعتبر و اتتعظ و تأدب‬
‫نرى اإلسكندري‪ " G‬رجل الفصاحة يدعوها فتجيبه و البالغة يأمرها‪ G‬فتطيعه " حتى و إن‬
‫كان مظهره يدل على التشرد و البؤس و هذا مقصود لتصوير‪ G‬ما يعانيه أديب القرن الرابع‬
‫من انقالب وضعيته و تهميش لدوره في المجتمع وتدنيه إلى أسفل السلم االجتماعي‬
‫يلخص ها في المقامة الصيمرية قول أبي عنبس‬
‫فلما رايت المر قد صعب و الزمان قد كلب و التمست الدرهم فإذا هو مع النسرين و عند "‬
‫منقطع البحرين و أبعد من الفرقدين فخرجت اسيح كأبي المسيح فجلت خراسان الخراب‬
‫منها والعمران و جيالن إلى طبرستان و إلى عمان ‪ ...‬أجول البراري‪ G‬و القفار و أصطلي‬
‫‪ ..‬بالنار و آوي مع الحمار‬
‫فجمعت من النوادر‪ G‬و األخبار و السمار و الفوائد و اآلثار و أشعار المتعرفين و سخف‬
‫الملهين و أسفار المتيمين و أحكام المتفلسفين و حيل المشعوذين و نواميس المتخمرقين و‬
‫نوادر المنادمين و زرق‪ G‬المنجمين ولطف المتطببين ‪ ..‬فاسترفدت و اجتديت و تسولت و‬
‫" تكديت و مدحت و هاجيت حتى كسبت ثروة من المال‬
‫إن هذه الحالة هي التي جعلت الهمذاني يقلب األديب مكديا و هو في ذلك يستغل معنى آخر‬
‫من معاني فعل أكدى و هو الشدة من الدهر و يقال أكدى افتقر بعد غنى‬
‫لم تكن المقامة عند الهمذاني نموذجا ألدب الهامشيين تناقض األدب الرسمي‪ G‬بقدر ما كانت‬
‫صورة لهذا األدب الرسمي‪ G‬و قد وعى بتدني منزلته و تهميش دوره في المجتمع فالمقامة ال‬
‫تصور الهامشي‪ G‬و قد استقام اديبا بقدر ما تصف األديبو‪ G‬قد انقلب هامشيا‬
‫خصوصية المقامة كامنة في هذه التركيبة الجامعة بين باطن النص و ظاهره بين جده و‬
‫هزله لتحقيق ما به تتميز المقامة مضمونيا‬
‫خالصة القول قامت المقامة على توليفات ثالث تمثل كل واحدة منها خصوصية البناء في‬
‫مستوى من مستويات النص‬
‫فأما التوليفة األولى فتهم شكل النص الخارجي‪ G‬و تمثل التالزم التام بين الكالم المسند إلى‬
‫راويسة خيالي متصل بالكاتب من ناحية واإليقاع الذي يبنيه السجع احتراما لمقام المشافهة‬
‫من ناحية أخرى‬
‫أما التوليفة الثانية فتتمثل في التالزم القائم في شكل المقامة الداخلي بين السرد المعبر عن‬
‫قصة القول مع مقامه و جمهوره من جهة و التمثيل المحاكي ألصناف‪ G‬متباينة من النماذج‬
‫البشرية و الفئات االجتماعية من جهة أخرى‬
‫أما التوليفة الثالثة فتتمثل في تالزم في مستوى المضمون بين وظيفة هزلية تعنى بأخبار‬
‫المكدين و الحمقى و المجانين و ما إليهم من المهمشين و وظيفة جدية تجعل من كل‬
‫تلكالخبار صورة لتهميش األديب العالم و تدهور‪ G‬منزلته في مجتمع قائم على المادة كمجتمع‬
‫القرن الرابع‬
‫إال ان االقتصار على الممارسة الدبية دون التصضور‪ G‬العميق لألدب قد حكم على المقامة‬
‫بالظرفية و التحجر في شكل واحد جعل هذا الفن يتوقف عن التطور‪ G‬بعد وقت قصير‪ G‬من‬
‫نشأته فيؤول‪ G‬أمره إلى االنحسار‪ G‬و الذبول بعد ان انحسر هذا المفهوم الموسوعي‪ G‬و تداولته‬
‫اجناس أخرى كارسالة األدبية و الكتب الدبية الجامعة‬
‫‪.‬‬

You might also like