You are on page 1of 3

‫وإن كان كذلك فالبعد اللمسي للحرف ( الالم ) يدخل طرفا آخر في المعادلة المطروحة‪ ،‬وفي تحول الصورة

من منطقة‬ ‫البنية العميقة للنص ومحاولة الوصول للمعنى الممكن‬


‫التجريد الذهني المتخيلة للمعنى إلى الجانب الحسي اللمسي له ( الثور الهزيل ) فصفة الهزال للصورة لم تعد معتمدة على‬
‫األبعاد الحقيقية لقصيدة “لي ما يبرر وحشتي هذا الصباح لـ” يحيى السماوي” من منظور الشعر السياسي‬
‫استرجاع الذاكرة أو استحضارها لصورة الهزال بل تعدت إلى اإلحساس اللمسي للهزال كحالة دافعة لإلنسان ألن يتلمس هذا‬
‫البنى العميق للنص ومحاولة الوصول للمكن‪:‬‬
‫الهزال جراء استخدام حرف الالم كبداية ونهاية للصفة (الثور الهزيل)‪.‬‬
‫ونظ ار لتبدل الرؤية الجمالية للنص ما استدعى ذلك سقوط المقاييس المتعارف عليها في القصيدة العمودية أو التفعيلة على حد‬
‫صورة ثالثة أشد وضوحا لخدمة داللة حرف الالم إليحائية المعنى من الجوانب السابقة مجتمعة في السطرين التاليين ( ال‬
‫سواء واقتصار النص على القدرة على االنتقالية االنفعالية والتأثير في انفعاالت القارئ وتوجيهها لخدمة الغرض األكبر والذي‬
‫أكف عن التلفت للوراء ‪ /‬وال أمل من التطلع في حطامي ؟ ) ولعل هذا أيضا يلقي الضوء على زاوية الشكل‬ ‫أدري لماذا ال ّ‬ ‫يهدف إلى كسب أكبر قدر من التعاطف للقضية ومنها لحشد التأييد المطلوب لعملية التغيير الهادئة والساعي إليها النص‪،‬‬
‫المستطيلي والتقاء الوحشة مع نهاية أخرى ليبدأ ضلع آخر في االنكشاف أمام المتلقي ألبعاد الوحشة الكلية‪.‬‬
‫فإن ذلك يتبعه سقوط البالغة بشكلها التقليدي والمشكلة للحس الجمالي القائم على التجسيد والتشخيص‪ ،‬لتبرز بدال منها‬
‫فالحرف متكرر في السطرين بشكل الفت للنظر (إحدى عشرة مرة) منها صوتان مضعفان كنوع من التوغل في اإليحائية مما‬
‫عوامل أخرى محقق لغاية النص الجمالية لالنتقالية كي تحل محل ما تعارف عليه من تقليدية بالغية تثير وال تكشف وتشحذ‬
‫يرسخ حالة االلتصاق للحيرة من جهة ومن جهة أخرى انعكاس الوحشة داخل النفس ونتيجة لها ودافعا لتحول هذه الحالة‬
‫الهمم للتغيير العنيف وال تتأمل لتعطي المساحة الكافية للتبدل المطلوب‪.‬‬
‫المتماسكة القوية للحالة اللمسية‪ ،‬فحالة الحيرة (ال أدري) والسؤال والدهشة (لماذا) ثم الخوف والترقب للمحذور (التلفت للوراء)‬
‫وللوصول للبنية العميقة للنص وبالتالي للمعنى الممكن له‪ ،‬يجب االنطالق من الرؤية التفكيكية للنص وتحوله لمستوياته بدأ‬
‫أمل) مع استشراف اآلتي (التطلع) ليسقط كل هذا في الحطام كلحظة صادمة تنعكس على القارئ كنهاية‬
‫والتواصل والدوام (ال ّ‬ ‫من أصغر وحداته‪ ،‬وتحديدا من البنية الصوتية له‪ ،‬علها تكشف لنا جانبا هاما من استراتيجية النص في العملية االنتقالية‬
‫حتمية للمرحلة السابقة وبداية سفرة أخرى في عمق الوحشة والغوص في الضلع السياسي للمجتمع الباعث للوحشة‪ ،‬وهذا‬
‫لالنفعال‪ ،‬كذلك للكشف عن االنزياح المعنوي واإليحائي لألصوات المهيمنة عليه في مقابل األصوات المهملة فيه كثنائية‬
‫بالطبع ال ينفي التأثيرات للحروف األخرى في السطور السابقة كمد األلف المعلن للحالة والمعبر بدفقه للهواء عن طبيعة‬
‫صوتية يمكن لها دالة على جوانب معينة للمعنى‪ ،‬بجانب ثنائية اإليقاع التي سيأتي ذكرها تباعا‪.‬‬
‫الحرف السابق له والمعلن عن التالي له‪( ،‬حيث يقتصر تأثيرها في معانيها على إضفاء خاصية االمتداد عليها مكانية أو‬
‫بمد األلف ثم الهمزة فالميم و التاء والراء‬
‫ومن الواضح أن هناك أصوات هيمنت على النص بدءا من صوت الالم مرو ار ّ‬
‫زمانية) حسن عباس ـ خصائص الحروف ‪ /‬وخاصة مع حرف الالم‪.‬‬
‫وأخي ار النون‪ ،‬في مقابل أصوات أهملها النص وكانت كالتالي‪ :‬الظاء ثم الزاي فالثاء والغين والذال والطاء ومد الواو والصاد‬
‫وإن كنت أرى أنه أيضا يضفي حالة من الحزن و االنكسار جراء الخروج الحر والحار للهواء كدفق متتابع وكحركة إيحائية‬
‫والشين والجيم وانتهاء بالخاء‪.‬والسؤال الذي يطرح نفسه وبقوة‪ ،‬ما الذي تشكله هذه األصوات من حيث الهيمنة أو اإلهمال ؟‬
‫لظفرات األلم للتوجه‪ ،‬إال أن بالطبع سيطرة السابق عليه كصوت قوي يجعل صفاته أعلى من صفات حرف مد األلف وخاصة‬
‫وما طبيعة االنزياح المعنوي والداللي أو اإليحائي لهذا األمر ؟‪.‬‬
‫لو كان حرفا قوي الشخصية‪ ،‬فإن سمات الحرف القوي بالتالي ستفرض نفسها عليه حتما‪ ،‬ولكن هذا ال يمنع بروز هذه الحالة‬
‫ومن المعلوم أن حرف الالم كأقوى الحروف وأكثرها انتشا ار هو (حرف مجهور متوسط الشدة) حسن عباس ـ خصائص‬
‫(الحزن واالنكسار) مع شيوع هذا الصوت في السطر الشعري‪.‬‬
‫الحروف ‪ /‬كما أنه يسقط كداللة صوتية إيحائية (للتماسك) من جهة ومن جهة أخرى (بااللتصاق) مما يعني بالضرورة أن‬
‫أما عن حرف الهمزة فإن هذا الحرف الدال على (الوعائية إال أنه دال على الجوف وما هو وعاء للمعنى) نفسه ‪ /‬وهذا ما‬
‫ّ‬ ‫هناك التصاقا وثيقا للحالة الشعورية لمضمون معنى الجملة للمشكلة األساسية والدافعة للنص (الوحشة)‪.‬‬
‫يجعل لمعنى الوحشة بعدا أكثر توغال في النفس‪ ،‬فنرى مثال حينما يحاول النص تجسيد الحالة النفسية لمن يمر بتجربة‬
‫خذ مثال (لماذا ال أكف عن اتصالي الهاتفي بها) فالمعنى ال يحتاج تبيان إال أن دخول الالم كأحد األصوات الحاسمة‬
‫االعتقال وفقدان الحرية (محمود بن كاظمة) (ويقول ال تبلغ سالمي أحد ‪ /‬إلى أن تكنس األنوار أرصفة الظالم) فإن من‬
‫والمشكلة للمعنى داخل السطر الشعري يقوم بشكل أساسي بمسؤولية نقل االنفعال جراء تك ارره ومن مجرد المداومة إلى حيز‬
‫الظاهر أن صوت الهمزة متوالي تقريبا مما يدفع القارئ ألن يبدأ الكلمة به ما يعني البداية من الجوف دائما مما ينبع معه‬
‫االلتصاق بالفعل (ال أكف) والتشابك مع (اتصالي الهاتفي) وإسقاط ذلك في نفس المتلقي كحدث فاعل ومولد للمشكلة (‬
‫الشعور بالوعائية لمعنى الكلمة (لى أن) اتجاه ثم استقرار تأخذ السالم من (أحد) كدال يأخذ استيعابية شمول المعنى الرافض‬
‫الوحشة)‪ ،‬ليأخذ المعنى بعدا أخر غير المداومة إلى االرتباط الوثيق ( التشابك و االلتصاق )‪ ،‬بحث تبدو اإلشكالية واضحة‬
‫حتى يتحقق ما يصبو له (تكنس األنوار أرصفة الظالم) من احتواء النور للظالم‪.‬‬
‫مع ربط هذا المعنى مع المعنى السطر السابق عليه والواصف لحالة الطرف اآلخر (األم) من استحالة هذا االلتصاق أو‬
‫ثم كداللة بصرية للصورة (أحد ـ أنوار ـ أرصفة ـ الظالم) فإن المعادل المعنوي والداللي لأللفاظ السابقة متخيلة بواسطة حاسة‬
‫التشابك ليكشف لنا عن طبيعة الوحشة التي تهيمن على النص‪.‬‬
‫البصر وال غير‪ ،‬فإن اجتمعت الدالالت السابقة تشكل معا الحالة االنكسارية من جانب تسلطها واستيعابها لشخصية (محمود)‬
‫ثم لو ضممنا ذلك مع السطر التالي له (وإرسالي المزيد من التصاوير الحديثة ) لبدا لنا جليا اإلشكالية الحقيقية من محاولة‬
‫كرمز دال على شريحة من المجتمع رافض ومصدر للوحشة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫المحاوَلة‬ ‫اختراق متكررة لحاجزي الصمم والعمى‪ ،‬إذا هما محاولتان فاشلتان تتكرران مع الكثير من االلتصاق والتماسك بالنفس‬
‫وبالنسبة للميم والراء فإنهما يدالن على مجموعة من المشاعر انطالقا من (السد واالنغالق مع الح اررة والجمع والضم ) نفسه ‪/‬‬
‫فتكون النتيجة الحتمية (هل يرى األعمى من القنديل أكثر من ظالم ؟) وبالرغم من ذلك فالتشابك وااللتصاق ضرورة حتمية‬
‫إن كانا في بداية اللفظ أو (التوسع و االمتداد) نفسه ‪ /‬إن كانا في نهاية اللفظ‪ ،‬مع الميزة الصوتية كدال على (المص‬
‫كانزياح معنوي لصوت الالم المهيمن على الجمل في هذا المقطع وغيره‪.‬‬
‫والحلب) نفسه‪.‬‬
‫تتابع حرف الالم المسؤول عن تماسك وتشابك الصورة وتتابعها (تكرر أربع مرات في السطر) ليصبح الظالم النتيجة الحتمية‬ ‫خذ مثال لفظة (متهما) في (وكان متهما وقد ثبتت براءته) فإن هذا اللفظ شديد اإليحائية من حيث الح اررة ثم السد و االنغالق‬
‫لألعمى المتصف بالمحاولة المتكررة للرؤية واستخدام مصدر الضوء كدال على فقد الشخوص المتوالية في النص للضلع‬ ‫لداللة االتهام أمام النفس لشعورها بالمأساة أو المأزق وامتداد ذلك أمامها كحالة يصعب التخيل معها الخروج من المأزق في‬
‫القاعدي للبيئة المؤهلة للرؤية حتى مع امتالك مصدرها‪ ،‬ناهيك عن سيطرة الظالم وتماسكه أمام النور كمعلم من معالم الحياة‬ ‫ظل النظام االستبدادي‪ ،‬فإن هذه الدالالت اإليحائية تأتي نظ ار لوقوع الميم في البداية والنهاية للفظ‪ ،‬كما أن لفظي (التقدم ‪/‬‬
‫في الوطن األم كداللة سوداوية للوحشة داخل النفس البشرية‪.‬‬ ‫األمام) يوحيان باالمتداد األفقي وبالطبع فإن إيحائيهما يبدوان أكثر وضوحا مع جملتهما (صار يطنب في الحديث عن التقدم‬
‫وكذلك في الضلع الموازي للقاعدة في الشكل المستطيلي ن كصورة تصاعدية أو الذروة لضلعي (عالقة الحكم بالجماهير ـ‬ ‫للوراء أو التراجع لألمام ) ثم التناوب في صوت الراء كعامل مساعد قوي لالمتداد (وراء ‪ /‬تراجع) فإن هذه الحالة المدهشة‬
‫محمود ـ وعالقة الحكم بالعلم والحقيقة المطلقة ـ القصر ونشرة األخبار)‪ ،‬ليضع لنا النص الصورة المتماسة مع األسطورة ليدور‬ ‫والمبكية للنفس المنطلقة من المحنة (االعتقال) تبدو انكساريتها شديدة نتيجة هذه الرؤية الممتدة والمعاكسة لما اعتقلت من‬
‫معها فصول التعامل من الخروج المتوالي من مأزق الشك الذي يسيطر على نظام الحكم األمني والقاهر لجماهيره‪ ،‬لتبدأ معها‬ ‫أجله لتبرز مصدرة الوحشة في نفس المتلقي‪.‬‬
‫الشاك في النوايا والحكم عليها‬
‫مداورات حمادة الحمار (جحا) للخالص من ورطة وضعها حماره فيها والتعامل األمني معها و ّ‬ ‫ولذلك فإن اجتماع اإليحاءات السابقة مجتمعة تشكل العموم لالنزياح المعنوي واالنتقال االنفعال كغاية جمالية يسعى إليها‬
‫بناء على الظرفية ال القطعية لألدلة‪.‬‬ ‫النص ويضعها نصب أعينه‪ ،‬وكلها تنصب في خانة تماسك حالة االنكسار والوحشة واستقرارها في النفس‪ ،‬ثم الترجيع لهما‬
‫فمد األلف يعلو بجانب الالم مع الميم على حين تنخفض بشدة الهمزة‪ ،‬وتتقارب أصوات التاء والراء والنون لتمزج معا ـ‬
‫ّ‬ ‫(كخاصية ثابتة لحرف الالم) مما يدفع النص لتكرار دائما (لي ما يبرر وحشتي هذا الصباح) كمفتاح ومنطلق‪ ،‬وكنهاية‬
‫ونالحظ ـ أن جل هذه األصوات(تنطق من مقدمة الفم بداية من اللثة وانتهاء بالشفاه) غانم قدوري ـ علم أصوات العربية ‪ /‬مما‬ ‫متوقعة راسخة‪ ،‬وكحافز أساسي الكتشاف الوحشة والبحث عن مسبباتها‪.‬‬
‫يسحب منها صفة (العمق والشدة) حسن عباس خصائص الحروف ‪ /‬فيعضد من حركية المشاهد كمكون أساسي للصورة‬ ‫لذا لم يكن غريبا بالطبع سقوط صوت (الظاء) الذي يوحي الفخامة‪ ،‬والزاي الذي يوحي بالحدة والفعالية‪ ،‬والثاء الدال على‬
‫الهزلية الساخرة والمبكية لشخصية حمادة ‪ /‬حجا‪ ،‬فبجانب التماسك والح اررة المؤلمة للمشهد نجد االضطراب واأللم للنون مع‬ ‫الرقة والليونة‪.‬‬
‫االستكانة مع تكرار الراء‪.‬‬ ‫فإن مجموع هذه األصوات ودالالتها المعنوية وما يترتب عليه من انزياح معنوي سواء باالنتشارية والهيمنة أو االختفاء‬
‫هذا التباين في االستخدام يؤكد أوال على معيار المهارة الستخدام خاصية األصوات كعامل حاسم في بروز الجانب الجمالي‬ ‫واإلهمال‪ ،‬تؤكد لجوء النص إلى الدالالت الصوتية (ظهو ار واختفاء) كعامل حاسم في الكشف عن جوانب مهمة للوحشة ثم‬
‫لتشكيل الصورة واإلسقاط أو االنزياح المعنوي لها في نفس المتلقي وتجعل من الممكن الهروب من تقليدية البالغة المجسمة‬ ‫الدفع بها لنفس القارئ كحامل لالنفعالية ومحقق لالنتقالية كغاية جمالية كبرى للنص السياسي‪ ،‬وبالتالي تقوم بدورها الطبيعي‬
‫والمشخصة‪ ،‬والتي ال يمكنها أن تصبح جس ار النتقالية االنفعال‪.‬‬ ‫كبديل للبالغة التقليدية‪ ،‬فالحالة حالة انتقال ال تجسيد أو تشخيص بل بث وانتقال‪.‬‬
‫فالبالغة التقليدية من تشبيه واستعارة وكناية لعلم البيان المجسم والمشخص يجعل من المتلقي متعاطفا ال منفعال‪ ،‬حزينا جراء‬ ‫إال أننا يحب أال نغفل أن هذه األصوات الشائعة في النص تتباين من حيث اللجوء إليها في كل ضلع من الشكل المستطيلي‬
‫التجسيم ال رافضا جراء اإلحساس‪ ،‬إال أن مهمة الشعر السياسي وبالطبع نصنا في المقام األول بث االنفعال وجذب المتلقي‬ ‫للقصيدة‪ ،‬أو من حيث رسم جوانب الوحشة الرباعية األضالع‪ ،‬إ ْذ نجد ارتفاعا لصوت من األصوات الشائعة في مقابل‬
‫لمنطقة انفعالية شعورية لشحذه لعملية الرفض وبالتالي التحول وليدور في نطاقها‪ ،‬لذا فال تجدي شخصنة الفكرة أو تجسيدها‬ ‫انخفاض آخر منهم‪ ،‬والعكس صحيح أيضا في أحوال أخرى‪ ،‬مما يعني كداللة قاطعة ال تقبل الشك إلى ما أشرنا إليه من‬
‫لبلوغ الغاية الجمالية المحددة سالفا‪.‬‬ ‫تحمل األصوات عبء حمل اإليحاءات على عاتقها والوصول إلى الغاية الجمالية المطلوبة بالدرجة األولى‪.‬‬
‫وبالتالي تأخذ األصوات هنا دور الحامل والدال معا على مالمح الصورة اإليحائية والنفسية للمشهد الحركي والبصري والسمعي‬ ‫فصوت الالم أكثر األصوات انتشارية في النص وبالتالي تأثي ار فيه‪ ،‬نجده في الضلع األول القاعدي للشكل المستطيلي ليس‬
‫بين النص والمتلقي لالنفعالية المطلوبة ولعل هذا ما يحيلنا إلى الجانب اآلخر أو المعادل لألصوات في هذا المستوى‪ ،‬ونقصد‬ ‫هو الشائع والمهيمن‪ ،‬بل صوت الهمزة كدال على المشاهد البصرية لبيئة النص وكوعاء ٍ‬
‫حاو للتحوالت المستمرة في الحياة‬
‫به البنية اإليقاعية للنص‪.‬‬ ‫االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬وكحركة مستمرة للخروج من المأزق أو على األقل تقدير محاولة الخروج والخالص من التبعات‬
‫البنية اإليقاعية للنص وعالقتها باالنفعالية كغاية جمالية‪:‬‬ ‫الملقاة على عاتق الفئة البسيطة والجاهلة أمام الحكم غير الواعي أو العابئ بمصالح جماهيره‪.‬‬
‫ألي نص هي الجناح الثاني والمكمل للبنية الصوتية له‪ ،‬وهي انعكاس حقيقي ومؤثر في عملية‬
‫ال شك في أن البنية اإليقاعية ّ‬ ‫على حين تأتي أصوات الالم والتاء كأصوات (متقاربة بين الهمس والتوسط في الشدة) غانم قدوري ـ علم أصوات العربية ‪/‬‬
‫االنتقال االنفعالي كأساس جمالي تقوم عليه القصيدة السياسية‪.‬‬ ‫كتأثير صوتي إيحائي في النفس‪ ،‬ما يوحي بالتحول الهادئ دون صخب كنوع من أنواع االستسالم‪ ،‬ثم هما يمثالن الثنائية‬
‫وتأخذ البنية اإليقاعية أهميتها من كونها الدال المؤثر في نفس المتلقي على هذا االنفعال‪ ،‬بالرغم من الشكل الخفي لها في‬ ‫الضدية المسيطرة على عملية التحول‪ ،‬ما بين التماسك لالم وااللتصاق وما بين االضطراب للتاء كصوت (يشبه قرع الكف‬
‫النص‪ ،‬كما أنها المؤشر الحي للعملية المسؤولة عن انتقال االنفعال كهدف أسمى للقصيدة السياسية من جهة ومن جهة أخرى‬ ‫باألصابع) حسن عباس ـ خصائص الحروف ‪ ،/‬ثم صفة اإلعالن نتيجة االمتداد الصوتي لصوت مد األلف الذي ال يكون له‬
‫أحد أهم العوامل الرئيسة في التأثير االنفعالي عموما‪ ،‬بجانب أنها البوصلة التجاه الصورة وحركتها الداخلية وتموجها‪ ،‬لذا فإن‬ ‫إال إظهار صفات األصوات السابقة عليه (هل يرى األعمى من القنديل أكثر من ظالم) فتك اررية الراء للرؤية (يرى)‪ ،‬ثم الميم‬
‫دراستها هو في واقع األمر كشف لجانب هام للمعنى الممكن‪ ،‬جانب نستطيع وصفه بالحاسم والمؤثر‪ ،‬هذا الجانب وإن كان ذا‬ ‫كح اررة مؤلمة في النفس جراء فقد الرؤية (األعمى)‪ ،‬ثم التشابكية واالتصاق لالوضوح نتيجة الالم (ظالم) كل هذا في إطار‬
‫أثر هام إال أنه خفي تدركه النفس ويخفى على العين إال عين الخبير باإليقاع الشعري‬
‫فاعُل ْن )‪ ،‬وبمعنى آخر النص ينتسب إيقاعيا إلى البحر‬ ‫والبنية اإليقاعية لنصنا تعتمد أساسا على تفعيلة بحر (الكامل ‪ /‬متَ ِ‬
‫ُ‬
‫الكامل‪ ،‬وهذه التفعيلة تتميز بمقدرتها على التحول إلى (م ْت ِ‬
‫فاعُل ْن) وهي تشبه صوتيا ( ُم ْستَْف ِعُل ْن للرجز ) والتي تعنى الحدة في‬ ‫ُ‬
‫فاعُل ْن) التفعيلة الرئيسة للبحر‪ ،‬لنجد التنوع المطلوب والحرية في التعبير عن الحركة الداخلية للصورة‬ ‫مقابل انسيابية (متَ ِ‬
‫ُ‬
‫والمعنى معها‪.‬‬
‫إال أن األمر ال يقف على هذا الحد فقط‪ ،‬بل يتعدى ذلك إلثراء اإليقاع نظ ار لطبيعة السرد وتنوع الشخوص وحركتهم نسبة‬
‫لتنوع طبقاتهم وثقاف تهم وطبيعة مشكالتهم وعالقاتهم بالنص أو الحكم‪ ،‬نقول إنه تعدى ذلك إلى استخدام تقنية (التدوير) وهي‬
‫تقنية من األهمية بحيث تستطيع أن تغير من مسار اإليقاع لتدخله في أتون بحر آخر وبالتالي جو إيحائي نفسي إيقاعي آخر‬
‫يناسب التحوالت الداخلية والخارجية للمعنى وتخدم الغاية الجمالية أيما خدمة‪.‬‬
‫بجانب أن هذه التقنية (أي التدوير) تقوم بدور هام آخر حيث تجعل من البيت الشعري في شعر التفعيلة يمتد إلى أكثر من‬
‫سطر شعري‪ ،‬مما يعني امتداد الصورة وتكثيفها‪ ،‬وفي جانب آخر تبرز خاصية ما يسمى بالفضاء الشعري للكلمة الهامة أو‬
‫المفتاح‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فالنص إذا ينتمي إلى البحر الكامل إيقاعيا بخاصية تفعيلته ( ُمتَفاعُل ْن ‪ُ /‬م ْتفاعُل ْن ) المتابينة بين االنسيابية والحدة المتوالية‬
‫الشبيهة بـ ( الرجز ‪ُ /‬م ْستَْف ِعُل ْن ) فتساوي الساكن أمام المتحرك يعني الحدة في اإليقاع نظ ار ألن التفعيلة تصبح مقاطع‬
‫متساوية في البناء ( ‪ ) 0 // 0 / 0 /‬أمام قلة الساكن نسبيا بالنسبة للمتحرك ما يعني االنسيابية في الحركة والتي تناسب‬
‫الحركة الراقصة ( ‪ ،) 0 / / 0 / / /‬فنحن أمام نوعية خاصة من الحركة المتغيرة للحركة الداخلية للصورة ما بين التوازن‬
‫والحدة وما بين التوالي والراقص المنساب‪ ،‬إال أن تدخل تقنية التدوير في البيت الشعري يجعل اإليقاع أكثر ثراء من ذي قبل‪،‬‬
‫فاعْلتُ ْن أو َمفاعيُل ْن) نظ ار العتبار بعض العروضيين المحدثين أن تفعيلتي الوافر‬
‫فاعَلتُ ْن ـ َم َ‬
‫حيث تدخل تفعيلة (بحر الوافر ‪َ /‬م َ‬
‫والهزج واحدة لتبادلهم في الوافر ( انظر موسيقى الشعر بين اإلتباع واإلبداع ‪ /‬شعبان صالح ) باندفاعها الصاخب وعلو‬
‫(متَْف ِعُل ْن) الرزينة والمعللة عند الضرورة أو التحول من‬
‫صوتها‪ ،‬وفي بعض الحاالت المحددة تنتج عملية التدوير تفعيلة الرجز ُ‬
‫السرد إلى التعليل أو التأمل‪.‬‬
‫إذا في حقيقة األمر‪ ،‬ولو أن النص ينتمي إلى البحر الكامل إال أنه يقوم على أساس التنوع اإليقاعي‪ ،‬وبروز ثالث تفعيالت‬
‫تفاعلُن) وصورتها (م ْت ِ‬
‫فاعُل ْن ‪ُ /‬م ْستَْف ِعُل ْن)‬ ‫تقوم بالعبء األكبر في العملية االنتقالية لالنفعال كغاية جمالية‪ ،‬وهم كالتالي (م ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫فاعْلتُ ْن ‪ /‬مفاعيلن)‪ ،‬ومع تفعيلة مساندة لوقت‬ ‫(م َ‬
‫فاعَلتُ ْن) وصورتها ُ‬
‫(م َ‬‫كتفعيلة والدة‪ ،‬تخرج منها بسبب تقنية التدوير تفعيلة ُ‬
‫(متَْف ِعُل ْن)‪.‬‬
‫الحاجة أو التعليل أو االنتقال للتأمل ُ‬
‫هشام مصطفى‬
‫شاعر وكاتب مصري‬

You might also like