You are on page 1of 13

‫من جمال اللغة العربية‬

‫استعماالت "النون"‬
‫في لغة العرب ودالالتها وأحكامها‬

‫تأتي النون ‪ ،‬وهي موضوع حديثنا في هذه السطور ‪ ،‬على اثني عشر‬
‫نوعا‪ ،‬أو استعماال ‪ ،‬نعرضها في ثوب واضح ميسور‪ ،‬ونبدأ بالنوع أو‬
‫االستعمال األول‪ :‬وهو الذي يرد حرفا من حروف األبجدية العربية‪ ،‬أو‬
‫حروف الهجاء ‪ ،‬أو حروف التهجي‪ ،‬فهي حرف من حروف الكتابة العربية‪،‬‬
‫ويقع هذا الحرف‪ ،‬وهو الذي يرسم هكذا‪ (:‬ن) بين الميم والهاء ؛ وهو‬
‫حرف مجهور متوسط ‪ ،‬ومخرجه من طرف اللسان‪ ،‬مع أصول الثنايا العليا‪،‬‬
‫وهو أنقى ؛ إذ يتسرب الهواء معه من األنف مع اللثة العليا وامتداد النفس‬
‫من األنف‪ ،‬كما يقول المعجم الوسيط‪ ،‬وهو حرف َم ْب َنى ‪ ،‬جيء به؛ ليدخل‬
‫في تكوين وتشكيل جسم الكلمة ؛ فهو لذلك يسمى حرف مب َنى ( بميم‬
‫مفتوحة‪ ،‬بعدها باء ساكنة‪ ،‬ثم نون مفتوحة‪ ،‬وألف قصر‪ ،‬من غير نقطتين‬
‫تحت ألف القصر)‪ ،‬كأن يدخل في تكوين االسم ( نضال) ‪ ،‬او الفعل (نبت) ‪،‬‬
‫أو الحرف ( َعنْ أو منْ ) ‪ ،‬فهو عندئذ يدخل في جعل اللفظ له معنى‪ ،‬وبغيره‬
‫حرف‬
‫َ‬ ‫ال يكون له أي داللة‪ ،‬فهو يكون مع غيره جسم الكلمة؛ ومن ثم سم َي‬
‫مبنى‪ ،‬فاالستعمال األول أنه حرف مبنى‪ ،‬غير أني سأركز على كونه حرفا‬
‫من حروف المعانى‪ ،‬أي هو حرف له معنى قائم برأسه ‪ ،‬وال يدخل ليكون‬
‫مع غيره أحرف كلمة‪ ،‬كاالستعمال األول‪ ،‬فالحروف إذا قسمان‪ :‬حروف‬
‫مبنى‪ ،‬وحروف معنى‪ ،‬وفي األسطر اآلتية نوضح استعماالت النون كحرف‬
‫معنى‪ ،‬ال مبنى‪ ،‬والناظر الستعماالت النون نظرة المتفحص الحصيف‪،‬‬
‫المتبصر المتأني ‪ ،‬لَيأخذه العجب بعيدا؛ إذ كيف لحرف واحد كهذا يتداخل في‬
‫كل تلك المعاني‪ ،‬ويكون له كل هذا التأثير الكبير‪ ،‬ونعرض هنا الستعماالت‬
‫النون في لغة العرب ‪ ،‬وبيان أحكامها وطبيعتها في السياقات اللغوية‪ ،‬وكيف‬
‫تخرج من معنى وداللة ‪ ،‬إلى معنى وداللة أخرى‪ ،‬مما يدل على عظمة هذه‬
‫اللغة‪ ،‬ويقفنا على شيء من الحكمة اإللهية في اختيار اللغة العربية؛ لتكون‬
‫صبا ألحكام اإلسالم ‪ ،‬آخر األديان‪ ،‬وأوسعها ‪ ،‬وخاتمة الدنيا ‪ ،‬وما فيها‪.‬‬
‫َم َ‬
‫* فاالستعمال الثاني للنون‪ :‬أنها تستعمل حرفا داال على مضارعية الفعل‪،‬‬
‫فهو يدخل ليكون ضمن أحرف المضارعة المعروفة في علم الصرف‬
‫بحروف( أنيت) ‪ ،‬ويتمثل في نحو‪" :‬ونريد أن نمن على الذين استضعفوا‬
‫ي‬‫في األرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في األرض ونر َ‬
‫فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون" ‪ ،‬ونحو‪" :‬إنْ نقول إال‬
‫اعتراك بعض آلهتنا بسوء" ‪ ،‬ومثل‪" :‬منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها‬
‫نخرجكم" ‪ ،‬وهذه النون لها تأثير نحوي ‪ ،‬حيث تجعل فاعل الفعل يستتر‬
‫وجوبا‪ ،‬فمن مواضع استتار الفاعل وجوبا‪ :‬أن يكون فعال مضارعا مبدوءا‬
‫بالنون‪ ،‬نحو‪" :‬ونضع الموازين القسط ليوم القيامة"‪ ،‬فالفعل نضع مبدوء‬
‫بحرف المضارعة الذي يفيد االستمرار‪ ،‬ويجعل فاعل الفعل مستترا وجوبا ال‬
‫يظهر‪ ،‬كما قال ابن مالك‪:‬‬
‫ومن ضمير الرفع ما يستتر كافعل أوافق نغتبط إذ‬
‫تشكر‪.‬‬

‫فاالستعمال الثاني للنون أن يرد حرف مضارعة ‪ ،‬يبين استمرار حدوث‬


‫الفعل من جانب‪ ،‬ومن جانب آخر يجعل من أحكامه أن يكون فاعل الفعل‬
‫مستترا وجوبا ‪ ،‬أي ال يظهر مطلقا‪ ،‬فإنْ جاء ما ظاهره الفاعل ‪ ،‬فإنه يعرب‬
‫توكيدا لفظيا للفاعل المستتر وجوبا‪ ،‬كقولك‪ :‬نضع نحن هذا التصور ‪ ،‬ونبدأ‬
‫نحن في تنفيذه لنفع الناس‪ ،‬وخدمة المجتمع"‪.‬‬
‫* واالستعمال الثالث للنون‪ :‬وهو أن تستعمل حرفا زائدا في آخر الكلمة‬
‫مثل‪ :‬ضيفن‪ ،‬والضيفن في اللغة هو الذي يتبع الضيف ‪ ،‬متطفال من غير أن‬
‫يطلَب إليه الحضور‪ ،‬وهي ضيفن‪ ،‬وضيفنة‪ ،‬فكأن اللغة من إحساسها‬
‫بالداللة هذه جاءت لنا بنون مزيدة على الكلمة ‪ ،‬متطفلة على أصلها ‪،‬‬
‫كالذي قيلت في حقه ‪ ،‬وهو المتطفل الذي َيحشر نفسه مع القوم ‪ ،‬ال يضيفه‬
‫أحد ‪ ،‬فيضيف نفسه ‪ ،‬فيكون زائدا على المضيفين‪ ،‬فزادت اللغة نونا متطفلة‬
‫لتدل على المعنى المقصود‪ ،‬وتتماشى مع الداللة غير الطيبة للفظة‪ ،‬فثمة‬
‫فارق بين (ضيف)‪ ،‬و( ضيفنن)‪ ،‬فالضيف هو الذي يطلَب إليه الحضور‪،‬‬
‫ويستعد صاحب البيت المضيف له‪ ،‬ويكون المضيف على علم بحضوره‪،‬‬
‫واتصل عليه ‪ ،‬وأبلغه‪ ،‬ولكن ( ضيفنن) هو المتطفل الحاشر نفسه ‪ ،‬ولم‬
‫يطلَب إليه الحضور ‪ ،‬وال يعلم المضيف به إال بوجوده ‪ ،‬فيضطر إلى‬
‫السكوت ‪ ،‬وعدم إحراجه‪ ،‬أو سكب ماء وجهه أمام الذين استضيفوا‪ .‬فالنون‬
‫متطفلة على الكلمة ‪ ،‬تحكي قصة فاعلها المتطفل‪ ،‬الذي يأتي الوليمة دون‬
‫إذن صاحبها‪ ،‬وكذلك نون‪ :‬غضبان وزعفران‪ ،‬ونحوها‪ ،‬فهي زائدة‪ ،‬وأصل‬
‫الفعل‪( :‬غضب‪ ،‬وزعفر)‪.‬‬
‫* واالستعمال الرابع للنون‪ :‬وهو أن ترد نونَ النسوة‪ ،‬وهي ضمير متحرك ‪،‬‬
‫يدخل ضمن ضمائر الرفع المتحركة الثالثة ( نون النسوة‪ ،‬وتاء الفاعل‬
‫بصورها المتعددة‪ ،‬ونا الدالة على الفاعلين) ‪ ،‬وهو مبني على الفتح دائما ‪،‬‬
‫ويتخذ محل الرفع على الفاعلية‪ ،‬ويؤثر في الفعل المضارع بأن يحوله من‬
‫حالة اإلعراب إلى حالة البناء على السكون‪ ،‬وكذلك يدخل الماضي المبني‬
‫على الفتح ‪ ،‬فيحوله إلى مبني على السكون‪ ،‬فهو يوجب تسكين آخر الفعل‬
‫قبله‪ :‬مضارعا كان أم ماضيا‪ ،‬فالماضي يتحول من البناء على الفتح ‪ ،‬إلى‬
‫يرضعنَ‬
‫ْ‬ ‫البناء على السكون‪ ،‬وذلك كما في قوله ‪ -‬تعالى‪ ":-‬والوالدات‬
‫يض ْعنَ ثيابهن غير متبرجات‬
‫أوالدهن‪ ،"...‬ونحو‪" :‬فليس عليهن جناح أن َ‬
‫بزينة وأن يستعففن خير لهن" ‪ ،‬ونحو‪" :‬إال أن يأتين بفاحشة مبينة"‪،‬‬
‫ونحو البنات لم يأتين إلى المعهد للدراسة‪ ،‬وهن كارهات أو مكرهات‪.‬‬
‫فكل هذه الضمائر في األفعال "نون إناث" ‪ ،‬وهي ضمير مبني على الفتح‬
‫في محل رفع ‪ ،‬فاعال لألفعال قبله‪.‬‬
‫فهذا االستعمال للنون‪ ،‬وهو كونها ضميرا للرفع ‪ ،‬من أحكامه أنه متحرك‪،‬‬
‫وأنه مبني على الفتح‪ ،‬وأنه يوجب تسكين الفعل قبله‪ :‬ماضيا كان أم‬
‫مضارعا‪ ،‬كما أنه ي َحول المضارع من حالة اإلعراب إلى حالة البناء‪ ،‬ويحول‬
‫الماضي من مبني على الفتح‪ ،‬إلى مبني على السكون‪.‬‬
‫*واالستعمال الخامس للنون‪ :‬أن تستعمل حرفا داال على الفاعل اآلتي بعد‬
‫جمع‪ ،‬وليس مفردا ‪ ،‬وذلك على لغة "يتعاقبون فيكم مالئكة" ‪ ،‬أو كما‬
‫يسميها ابن مالك‪( :‬لغة أكلوني البراغيث) في بعض تراكيبها‪ ،‬نحو ‪ :‬يذهبن‬
‫النسوة ‪ /‬يتعلمن البنات‪ ،‬ومنها في الشعر‪ :‬رأين الغواني الشيب الح‬
‫بعارضي فأعرضن عني بالخدود النواضر‪.‬‬
‫فالنون في ( رأين) فيها ثالثة تأويالت؛ األول‪ :‬أنها حرف دال على أن‬
‫الفاعل اآلتي بعد مجموع جمع إناث‪ ،‬وليس ضميرا ‪ ،‬والفاعل هو الغواني‬
‫(االسم الظاهر) ‪ ،‬ونحوها في جملتها‪ ،‬والثاني أنه فاعل‪ ،‬والغواني بدل منه‪،‬‬
‫والثالث أنه فاعل‪ ،‬والجملة خبر مقدم‪ ،‬والغواني مبتدأ مؤخر‪.‬‬
‫*واالستعمال الخامس للنون‪ :‬أن َتردَ نون توكيد‪ ،‬سواء أكانت خفيفة (‬
‫ساكنة) ‪ ،‬أم ثقيلة مشددة ‪ ،‬نحو‪" :‬ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونن‬
‫من الصاغرين"‪ ،‬فالنون األخيرة في ( ليسجنن) نون توكيد ثقيلة مشددة‪،‬‬
‫والنون األخيرة في ( وليكوننْ ) نون توكيد خفيفة‪ ،‬والداللة واضحة في اآلية‬
‫‪ ،‬وتحتاج وحدها إلى مقال نستجلي فيه طبيعة النون المشددة هنا وطبيعة‬
‫النون المخففة ولم دخلت على كل فعل بعينه دون اآلخر‪ ،‬ونحو‪" :‬كال لئن لم‬
‫ينته لنسفعنْ بالناصية"‪ ،‬ونحو‪ ":‬ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن هللا"‪،‬‬
‫وغيرها من اآلي الكريمات في كل القرآن الكريم‪.‬‬
‫*واالستعمال السادس للنون‪ :‬وهو أن ترد نون وقاية‪ ،‬وهي‪ :‬تلك النون التي‬
‫تدخل آخر الفعل لتقيه من الكسر؛ ألن الكسر من عالمات األسماء‪ ،‬وليس‬
‫من عالمات األفعال‪ ،‬وهذه النون لها أحكامها في األفعال‪ ،‬وفي األسماء‪،‬‬
‫وفي الحروف‪ ،‬ولكن لدخول هذه النون جملة من الفوائد ‪ ،‬منها‪ :‬أن هذه‬
‫التسمية دقيقة "نون الوقاية " ؛ألنها تقي الفعل قبلها من الكسر‪ ،‬الذي ينشأ‬
‫عن لحاق ياء المتكلم به‪ ،‬فإذا اتصلت ياء المتكلم بالفعل الماضي‪ ،‬سبقتها‬
‫نون الوقاية وجوبا (وهي نون مكسورة)‪ ،‬نحو‪ :‬شكرني والدك‪ ،‬وقابلني‬
‫أخوك‪ ،‬واحترمني خالد‪ ،‬وإذا اتصلت بالمضارع‪ ،‬سبقتها نون الوقاية ‪-‬‬
‫وجوبا أيضا ‪ -‬إال إذا كان المضارع من األفعال الخمسة‪ ،‬مرفوعا بثبوت‬
‫النون‪ ،‬فيجوز حذف نون الرفع أو إثباتها‪ ،‬نحو‪ :‬األصدقاء يكرموني (اكتفينا‬
‫هنا بنون الرفع وحذفنا نون الوقاية )‪ ،‬أو‪ :‬يكرمو َنني (أثبتنا هنا نون الوقاية‬
‫مع نون الرفع)‪ ،‬ويجوز يكرموني( بتشديد النون مكسورة بعد حذف حركة‬
‫نون الرفع وهي الفتحة فيسكن الحرف ‪ ،‬فيلتقي حرفان متماثالن نون الرفع‬
‫ونون الوقاية فيتوجب اإلدغام ‪ ،‬فتدغم وتشدد مكسورة إتباعا لكسرة نون‬
‫َ‬
‫حاجة إلى نون‬ ‫شرة‪ ،‬فال‬‫الوقاية‪ ،‬وإذا اتصلت ياء المتكلم باألسماء مبا َ‬
‫الوقاية‪ ،‬نحو‪ :‬هذا كتابي‪ ،‬وتقدر الحركات على ما قبلها للمناسبة ؛ ألن‬
‫الكسرة المناسبة للياء تحول دون ظهور الحركات إال في حالة الجر‪،‬‬
‫حاجة لت َكلف تقديرها ما دامت‬‫َ‬ ‫فالكسرة ظاهرة ‪ ،‬وليست مقد َرة‪ ،‬وال‬
‫موجودة‪ .‬وإذا اتصلت ياء المتكلم بحروف الجر‪ ،‬جردَت من نون الوقاية‪ ،‬إال‬
‫مع‪" :‬منْ " ‪ ،‬و" َعنْ "‪ ،‬فيجب أن تسبقها النون‪( ،‬وذلك في غير الضرورة‬
‫الشعرية)‪ .‬أما إذا لحقت األحرف المشبهة بالفعل‪ ،‬وهي الناسخة الناصبة‬
‫ت‪ ،‬لَ َعل)‪ ،‬ففي األحرف األربعة‬ ‫لالسم الرافعة للخبر‪ ( :‬إن‪ ،‬أن‪َ ،‬كأن‪ ،‬لكن‪ ،‬لَ ْي َ‬
‫األولى‪ ،‬يجوز فيها أنْ تصحبها نون الوقاية‪ ،‬وأن تح َذف منها‪ ،‬وكالهما‬
‫صحيح ( أو كالهما صحيحان )‪ ،‬نحو‪ :‬إني وإنني‪ ،‬أني وأنني‪َ ،‬كأني وكأنني‪،‬‬
‫صح أن تصح َبها نون الوقاية‪ ،‬نحو‪ :‬قوله‪-‬‬ ‫ت"‪ ،‬فاأل ْف َ‬ ‫لكني و لكنني‪ ،‬وأما "لَ ْي َ‬
‫وز َف ْوزا َعظيما" سورة النساء‪،72 /‬‬ ‫تعالى‪َ " :-‬يا لَ ْي َتني كنت َم َعه ْم َفأَف َ‬
‫واألكثر في "لَ َعل" أن َت َت َجردَ من نون الوقاية‪ ،‬نحو قوله‪ -‬تعالى‪" :-‬لَ َعل َي‬
‫ت" وإثباتها مع "لَ َعل"‪ .‬وهذه‬ ‫حذفها مع "لَ ْي َ‬ ‫اب" غافر‪ ،36/‬و َندَ َر ْ‬ ‫أَ ْبلغ ْاألَ ْس َب َ‬
‫التسمية هي حقا دقيقة ‪ -‬كما سلف‪ -‬؛ إذ تدخل النون لتقي الفعل من الكسر ‪،‬‬
‫لتقي األفعال من أن تكسر‪ ،‬فتضيع‬ ‫َ‬ ‫فتتحمل هي أثر الكسر وألم الضربة‬
‫أحكامها ‪ ،‬وهي كما أسميها دائما ‪" :‬الحرف الفدائي في أحرف األبجدية‬
‫العربية"‪ ،‬ويذكرني بقول القائل‪:‬‬
‫إن أخاك الحق من كان معك ومن يضر نفسه لينفعك‬
‫ومن إذا ريب الزمان صدعك شتت فيك شمله ليجمعك‬
‫واالستعمال السابع للنون‪ :‬أن تكون النون التي تلحق االسم المنسوب إليه‬
‫على غير قياس‪ ،‬كما يقولون في النسب إلى صنعاء‪ :‬صنعاني‪ ،‬والصواب‬
‫صنعاوي ؛ ألن الهمزة زائدة‪ ،‬ال أصلية وال منقلبة عن أصل‪ ،‬والتي صفتها‬
‫كذلك يجب معها قلب الهمزة واوا ووضع ياء النسي المشددة المكسور ما‬
‫قبلها‪ ،‬مثل الطريق الصحراوي‪ ،‬والغدة الصفراوية‪ ،‬ونحوها‪ ،‬وكذلك النسب‬
‫الشاذ في الكلمات اآلتية التي نصت عليها كتب شواذ النسب ‪ ،‬وهي كثيرة‪،‬‬
‫ومثل‪ :‬بحراني‪ ،‬وتحتاني‪ ،‬وفوقاني‪ ،‬وبراني‪ ،‬وجواني‪ ،‬وبهراني ‪،‬‬
‫وجسماني‪ ،‬وروحاني‪ ،‬ورباني‪ ،‬وسفالني‪ ،‬وشعراني‪ ،‬ولحياني‪ ،‬وحداني‪،‬‬
‫ومنظراني‪ ،‬ومنبجاني ‪،‬ويزاني‪ ،‬ويماني‪ ،‬ونحوها ‪ ،‬وتسمى النسب عندئذ‬
‫بالنسب الشاذ‪ ،‬أو شواذ النسب‪ ،‬فهي شاذة قياسا ‪ ،‬لكنها فصيحة استعماال؛‬
‫إذ سرى بين العرب النسب الذي جرى على غير قياس‪ ،‬ولم يرد على‬
‫القياس‪ ،‬ووفق القاعدة‪.‬‬
‫واالستعمال الثامن للنون‪ :‬وهو أن تكون نون الرفع‪ ،‬وهي نون توضع في‬
‫آخر الفعل عالمة على رفعه‪ ،‬وذلك متحقق في األفعال الخمسة‪ ،‬حيث تعرب‬
‫إعرابا فرعيا‪ ،‬تنوب فيه أحرف عن حركات‪ ،‬فإذا وجدت تلك النون‪ ،‬فهو‬
‫دليل رفعها أو أنها غير مسبوقة بناصب وال جازم‪ ،‬وإن حذفت ولم تثبت‪،‬‬
‫فهو دليل تغير الوظيفة ووجود ناصب أو جازم‪ ،‬مثل قوله ‪ -‬تعالى‪ ":-‬فإن‬
‫تبتم فلكم رؤوس أموالكم ال تظلمون وال تظلمون"‪ ،‬ونحو‪ ":‬فذرهم في‬
‫خوضهم يلعبون"‪ ،‬وفي الحذف مثل‪ ":‬فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار‬
‫التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين"‪ ،‬ونحو‪ ":‬إن هذان لساحران‬
‫يريدان أن يخرجاكم من أرضهما ويذهبا بطريقتكم المثلى"‪ ،‬ونحو‪ ":‬لن‬
‫تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون"‪ ،‬وهكذا ‪ ،‬ولها أحكام ‪ ،‬منها أنها تنقل‬
‫الفعل من الفعل الصحيح اآلخر أو المعتل اآلخر‪ ،‬إلى األفعال الخمسة‪ ،‬ومن‬
‫ثم تحيله من اإلعراب األصلي الظاهري أو التقديري‪ ،‬إلى اإلعراب الفرعي‪،‬‬
‫كما أن من أحكامها أيضا أنها إذا اجتمعت مع نون التوكيد الثقيلة ‪ ،‬فلها‬
‫ثالثة أحكام؛ بقاؤهما معا دونما حذف‪ ،‬نحو‪ ":‬لم تؤذونني وقد تعلمون أني‬
‫رسول هللا إليكم"‪ ،‬أو حذف نون الرفع مع حركتها كاملة للتخفيف‪ ،‬كما في‬
‫قراءة التخفيف في قوله ‪ -‬تعالى‪ ":-‬قل أفغير هللا تأمروني أعبد أيها‬
‫الجاهلون"‪ ،‬وكما في نحو قراءة التخفيف في قوله ‪ -‬تعالى‪ ":-‬قل أتحاجوني‬
‫في هللا وقد هدان" ‪ ،‬والثالث حذف حركة نون الرفع وهي الفتح أو الكسر‬
‫وتشديد النونين‪ ،‬وإدغامهما في بعضهما‪ ،‬نحو قراءة التشديد في اآليتين‬
‫السابقتين‪ ":‬قل أفغير هللا تأمروني أعبد أيها الجاهلون"‪ ،‬وكما في قوله ‪-‬‬
‫تعالى‪ ":-‬قل أتحاجوني في هللا وقد هدان"‪.‬‬
‫وهذا الحذف في نون الرفع على ضربين‪ :‬واجب‪ ،‬وجائز‪ ،‬فأما الواجب‪ ،‬ففي‬
‫موضعين؛ األول‪ :‬إذا سبق الفعل بناصب أو جازم نحو قوله ‪ -‬تعالى‪":-‬فإن‬
‫لم تفعلوا ولن تفعلوا‪ ،‬وقوله ‪ -‬سبحانه ‪" : -‬ال تقربوا الصالة وأنتم سكارى‬
‫حتى تعلموا ما تقولون"‪.‬والموضع الثاني مما الحذف فيه واجب‪ :‬أن يؤكد‬
‫الفعل بنون التوكيد الثقيلة نحو ‪":‬لتدخلن المسج َد الحرا َم"‪ ،‬ونحو ‪":‬لتركبن‬
‫ْ‬
‫حذفت‬ ‫ضم الباء‪ ،‬وأصل األول (لتدخلو َنن)‬
‫طبقا عن طبق"‪ ،‬في قراءة من َ‬
‫(لتدخلون)‪ ،‬فالتقى ساكنان‪ :‬واو‬ ‫ْ‬ ‫نون الرفع لكراهة توالي النونات‪ ،‬فصارت‬
‫الضمير ‪ ،‬والنون المدغمة من نوني التوكيد؛ ألنه حرف مشدد‪ ،‬فحذفت‬
‫َ‬
‫ضمة الالم‪،‬‬ ‫الواو للتخلص من التقاء الساكنين‪ ،‬ولوجود ما يدل عليها‪ ،‬أعني‬
‫فصارت‪( :‬لتدْ خلن)‪ ،‬والفعل مرفوع ‪ ،‬وعالمة رفعه النون المحذوفة لكراهة‬
‫توالي األمثال‪ ،‬والنون تسمى النون غير المباشر‪ ،‬وهل يلحق بذلك ما‬
‫ليس‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫اتصلت به نون التوكيد الخفيفة أيضا؟ هنا ترد ملحوظة مؤداها‪ :‬أنه‬
‫منَ الالزم لحذف واو الجماعة في هذه الصورة وأمثالها مما ي ْس َند فيها‬
‫المضارع الصحيح اآلخر لواو الجماعة‪ ،‬أن تكونَ نون التوكيد مشددة‪ ،‬فمن‬
‫الجائز أن تكونَ مخففة‪ ،‬ومع تخفيفها تحذف ألجلها نون الرفع وجوبا ‪ ،‬كما‬
‫تحذف مع المشددة‪ ،‬ويترتب على هذا الحذف أن يتال َقى الساكنان السالفان؛‬
‫وهما‪ :‬واو الجماعة ونون التوكيد المخففة؛ فتحذف واو الجماعة هنا‪ ،‬كما‬
‫كانت نون التوكيد مخففة فهو‬‫ْ‬ ‫حذ َف ْت هناك‪ ،‬أما سبب حذف نون الرفع إذا‬
‫اتباع العرب في المأثور عنهم‪ ،‬ومحاكاتهم في حذفها؛ بالرغم من َع َدم‬
‫اجتماع ثالث نونات في هذه الصورة‪ ،‬كما ذكر األستاذ عباس حسن ‪،‬‬
‫صاحب النحو الوافي ‪(:‬ج‪ /4‬ص‪.)188‬‬
‫واالستعمال التاسع للنون‪ :‬أن تردَ نونا للمثنى‪ :‬وهي تلك النون المكسورة‬
‫دائما‪ ،‬التي تلحق آخر المثنى‪ ،‬أو الملحق به إذا كان منكرا أو معرفا مرفوعا‬
‫أو منصوبا أو مجرورا من غير إضافة‪ ،‬نحو‪ :‬قال رجالن من الذين يخافون‬
‫أنعم هللا عليهما"‪ ،‬ونحو‪ ":‬ودخل معه السجن فتيان"‪ ،‬ونحو ‪ ":‬ومنهم من‬
‫يمشي على رجلين"‪ ،‬ونحو‪ " :‬وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا‬
‫شهيدَ ْين منْ ر َجالك ْم َفإنْ لَ ْم َيكو َنا‬ ‫شهدوا َ‬ ‫اس َت ْ‬
‫"‪َ ...‬و ْ‬ ‫بينهما"‪ ،‬ونحو‪:‬‬
‫ض ْونَ منَ الش َهدَ اء أَنْ َتضل إ ْحدَاه َما َفت َذك َر‬ ‫ام َرأَ َتان ممنْ َت ْر َ‬ ‫َرجلَ ْين َف َرجل َو ْ‬
‫إ ْحدَ اه َما ْاأل ْخ َرى" سورة البقرة ‪ ،‬ونحو‪ ":‬فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما‬
‫ترك"‪ ،‬ونحو‪" :‬إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين"‪ ،‬ونحو‪" :‬وقال هللا‬
‫ال تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد"‪ ،‬ونحو‪" :‬ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا‬
‫اثنتين‪ ،"...‬وهذه النون دليل تمام االسم وعدم احتياجه إلى مضاف إليه‬
‫مكمل‪ ،‬سواء أكان نكرة ‪ ،‬مثل‪ :‬رجالن رجلين" أم كان معرفة ‪ ،‬مثل‪" :‬‬
‫الرجالن والرجلين"‪ ،‬أما إن كان مضافا حذفت هذه النون لإلضافة‪ ،‬وال تبقى‬
‫‪ ،‬نحو‪ ":‬تبت يدا أبي لهب وتب"‪ ،‬ونحو‪" :‬ذلك بما قدمت يداك وأن هللا ليس‬
‫صدقا ل َما َب ْينَ َي َد ْيه َوأَ ْن َزل َ‬
‫اب با ْل َحق م َ‬
‫بظالم للعبيد"‪ ،‬ونحو‪َ ":‬نزل َ َعلَ ْي َك ا ْلك َت َ‬
‫صدقا ل َما َب ْينَ َيدَ ي منَ‬ ‫الت ْو َرا َة َو ْاإل ْنجيل َ" سورة آل عمران (‪ ،)3‬ونحو‪َ ":‬وم َ‬
‫ض الذي حر َم َعلَ ْيك ْم َوج ْئتك ْم بآ َية منْ َربك ْم َفاتقوا هللاَ‬ ‫الت ْو َراة َوألحل لَك ْم َب ْع َ‬
‫َوأَطيعون" سورة آل عمران (‪.)50‬‬
‫وهذه النون دليل على اإلضافة‪ ،‬سواء أضيف اللفظ إلى اسم ظاهر أم إلى‬
‫ضمير‪ ،‬نحو‪ ":‬كتابا خالد جديدان‪ ،‬وقلما الطالب مفقودان"‪ ،‬ونحو‪ ":‬بين‬
‫يدي حقيبتي أفتحها"‪ ،‬ونحو‪" :‬المعهد مدخاله مغلقان‪ ،‬ووالدي يداه‬
‫كريمتان"‪ ،‬فإذا وجدنا النون عرفنا تمام الكلمة ‪ ،‬وإن حذفت عرفنا أنه‬
‫مضاف‪ ،‬فاإلضافة توجب حذف النون‪ ،‬وهناك حكم إعرابي يترتب على‬
‫َ‬
‫البحث) ‪،‬‬ ‫الحذف واإلبقاء‪ ،‬فإذا قلنا‪ ":‬الطالبان كاتبان البحث" نصبنا كلمة (‬
‫ووضعنا الفتحة على الثاء‪ ،‬فإذا قلنا ‪ ":‬الطالبان كاتبا البحث" بحذفها ‪،‬‬
‫كسرنا الثاء لإلضافة‪ ،‬وهكذا نحو‪ ":‬تبت يدا أبي لهب وتب"‪ ،‬فقد حذفت‬
‫النون لإلضافة؛ ومن ثم جاءت كلمة (أبي) مجرورة ‪ ،‬وعالمة جرها الياء ؛‬
‫ألنه إعراب فرعي‪ ،‬فاألسماء الستة ت َجر بالياء‪ ،‬ونحو قولنا‪" :‬علي وزيد‬
‫قارئان القرآنَ " نصبنا ‪ ،‬وفتحنا النون من ( القرآن)‪ ،‬ولكن إذا أضفنا حذفنا‬
‫النون‪ ،‬وجررنا النون (علي وزيد قارئا القرآن)‪ ،‬وكثيرا ما يخطئ في نطقها‬
‫الكثيرون‪ ،‬وكذلك المعربون من أبنائنا وبناتنا عندما يطلَب إليهم إعرابها ‪،‬‬
‫أو تحليلها النحوي‪.‬‬
‫واالستعمال العاشر للنون‪ :‬أن ترد نونا لجمع المذكر السالم وملحقاته‪ ،‬وهي‬
‫تلك النون المفتوحة دائما ‪ -‬بصرف النظر عن بعض اللهجات التي تكسرها‬
‫‪ -‬التي تثبت في آخر اللفظ ؛ لتكون دليال على استغنائه عن المضاف إليه‪،‬‬
‫وتمامه‪ ،‬وعدم احتياجه إليه ‪ ،‬وعدم إضافته‪ ،‬وتوجد في الكلمة رفعا ونصبا‬
‫وجرا ما لم يضف‪ ،‬نحو‪َ " :‬ولَ ْو آ َمنَ أَهْ ل ا ْلك َتاب لَ َكانَ َخ ْيرا لَه ْم م ْنهم‬
‫ا ْلم ْؤمنونَ َوأَ ْك َثرهم ا ْل َفاسقونَ " سورة آل عمران" (‪ ، )110‬ونحو‪" :‬قد‬
‫أفلح المؤمنون"‪ ،‬ونحو‪ ...":‬وأولئك هم المفلحون"‪ ،‬ونحو‪ ":‬وعلى هللا‬
‫فليتوكل المؤمنون"‪ ،‬ونحو‪" :‬الذين هم في صالتهم خاشعون والذين هم‬
‫للزكاة فاعلون‪ ،"...‬ونحو‪ ":‬وهللا يحب المحسنين"‪ ،‬ونحو‪َ " :‬ال َيتخذ‬
‫اء منْ دون ا ْلم ْؤمنينَ " سورة آل عمران‪، 28‬‬ ‫ا ْلم ْؤمنونَ ا ْل َكافرينَ أَ ْول َي َ‬
‫ونحو‪ ":‬وهللا ذو فضل على المؤمنين"‪ ،‬ونحو‪ ":‬وهللا مع المؤمنين"‪،‬‬
‫ونحو‪" :‬المال والبنون زينة الحياة الدنيا"‪ ،‬ونحو‪" :‬الحمد هلل رب‬
‫العالمين"‪ ،‬ونحو‪" :‬كال إن كتاب األبرار لفي عليين وما أدراك ما عليون"‪،‬‬
‫ونحو‪" :‬قال تزرعون سبع سنين دأبا"‪ ،‬ونحوها من ملحقات جمع المذكر‬
‫السالم‪ ،‬ولكن هذا الجمع وملحقاته تحذف نونه كذلك عند اإلضافة‪ ،‬نحو‪":‬‬
‫إنهم مالقو ربهم"‪ ،‬ونحو‪ ":‬إن الذين توفاهم المالئكة ظالمي أنفسهم قالوا‬
‫فيم كنتم؟"‪،‬ونحو‪" :‬ثم إنهم لصالو الجحيم"‪ ،‬ونحو‪َ ":‬وأَ ْو َح ْي َنا إلَى أم م َ‬
‫وسى‬
‫أَنْ أَ ْرضعيه َفإ َذا خ ْفت َعلَ ْيه َفأ َ ْلقيه في ا ْل َيم َو َال َت َخافي َو َال َت ْح َزني إنا َرادوه‬
‫سلينَ " سورة القصص‪ ،‬ونحو‪ ،)7( ":‬ونحو‪:‬‬ ‫إلَ ْيك َو َجاعلوه منَ ا ْلم ْر َ‬
‫اس َت ْغف ْر لَ َنا"‬ ‫س َيقول لَ َك ا ْلم َخلفونَ منَ ْاألَ ْع َراب َ‬
‫ش َغلَ ْت َنا أَ ْم َوال َنا َوأَهْ لو َنا َف ْ‬ ‫" َ‬
‫اص َطب ْر"‬‫ار َتق ْبه ْم َو ْ‬‫سورة الفتح‪ ،11 /‬ونحو‪ ":‬إنا م ْرسلو النا َقة ف ْت َنة لَه ْم َف ْ‬
‫سورة القمر (‪ ،)27‬وهكذا‪ ،‬ولكن وجودَ هذه النون تجعل الجمع المشتق‬
‫يعمل‪ ،‬أي يرفع وينصب‪ ،‬وعدم وجودها‪ ،‬أي حذفها يترتب عليه الجر لما‬
‫بعدها وجوبا ‪ ،‬كما رأينا في اآليات السابقات‪ ،‬وكما رأينا سلفا في الحديث‬
‫عن نون المثنى‪ ،‬وهكذا تكون تلك النون ذات طبيعة نحوية خاصة‪ :‬وجودا‬
‫وعدما‪ ،‬أو حذفا‪.‬‬
‫واالستعمال الحادي عشر للنون‪ :‬أن تكون نونَ جمع وتأنيث للضمائر‬
‫المتصلة ؛ وذلك بهدف بيان أن الخطاب لمؤنث ال لمذكر‪ :‬وهي تلك النون‬
‫التي تلحق نهاية عدد من الضمائر المتصلة للداللة على أن الضمير يخص‬
‫جمع نساء أو جمع فتيات ‪ ،‬وتكتب مشددة مفتوحة هكذا (ن) ‪ ،‬لكنها تختلف‬
‫عن نون التوكيد الثقيلة؛ وذلك ألن نون التوكيد تدخل فقط على الفعل‬
‫المضارع والفعل األمر ؛ لتؤكد وتثبت معناهما في نفس المستمع أو‬
‫المخاطب بعامة‪ ،‬في حين أن نون الجمع والتأنيث هذه ال تلحق إال الضمائر‬
‫المتصلة ‪،‬لبيان نوعية المخاطبين‪ ،‬وأنهن نسوة أو فتيات‪ ،‬أو بنات‪ ،‬وهي‬
‫كذلك تختلف عن نون النسوة ‪ ،‬ويبين هذا الخالف في أن نون النسوة ضمير‬
‫رفع ‪ ،‬متصل ‪ ،‬مبني على الفتح‪ ،‬في محل رفع فاعال دائما‪ ،‬بينما نون الجمع‬
‫والتأنيث هذه ليست إال حرفا زائدا‪ ،‬يلحق الضمير المتصل للداللة على أنه‬
‫يخص جمع نساء ‪ ،‬أو جمع الفتيات أو البنات‪ ،‬والضمائر التي تلحق بها‬
‫خاطب ‪،‬‬ ‫نون الجمع والتأنيث هذه هي‪( :‬تاء الفاعل ‪ ،‬كاف المفعول به الم َ‬
‫اء النبي َمنْ َيأْت‬ ‫س َ‬‫هاء المفعول به الغائب) كما في قوله – تعالى‪َ ":-‬يا ن َ‬
‫ف لَ َها ا ْل َع َذاب ض ْع َف ْين َو َكانَ َذل َك َعلَى هللا َيسيرا‬ ‫اع ْ‬
‫ض َ‬‫شة م َبي َنة ي َ‬‫م ْنكن ب َفاح َ‬
‫صالحا ن ْؤت َها أَ ْج َرهَا َمر َت ْين َوأَ ْع َتدْ َنا لَ َها‬ ‫َو َمنْ َي ْقن ْت م ْنكن هلل َو َرسوله َو َت ْع َملْ َ‬
‫ض ْعنَ‬ ‫ساء إن ات َق ْيتن َف َال َت ْخ َ‬ ‫اء النبي لَ ْستن َكأ َ َحد منَ الن َ‬ ‫ر ْزقا َكريما َيا ن َ‬
‫س َ‬
‫با ْل َق ْول َف َي ْط َم َع الذي في َق ْلبه َم َرض َوق ْلنَ َق ْوال َم ْعروفا َو َق ْرنَ في بيوتكن َو َال‬
‫َت َبر ْجنَ َت َبر َج ا ْل َجاهلية ْاألولَى َوأَق ْمنَ الص َال َة َوآتينَ الز َكا َة َوأَط ْعنَ َ‬
‫هللا‬
‫س أَهْ ل َ ا ْل َب ْيت َوي َطه َرك ْم َت ْطهيرا‬ ‫ب َع ْنكم الر ْج َ‬ ‫َو َرسولَه إن َما يريد هللا لي ْذه َ‬
‫َو ْاذك ْرنَ َما ي ْتلَى في بيوتكن منْ آ َيات هللا َوا ْلح ْك َمة إن هللاَ َكانَ لَطيفا َخبيرا"‬
‫سورة (‪ ،)34 -30‬ونحو‪َ ":‬و َألضلنه ْم َو َأل َمن َينه ْم َو َآلم َرنه ْم َفلَي َبتكن َآذانَ‬
‫ْاألَ ْن َعام" سورة األنعام ‪ ،119 /‬ونحو قولك‪" :‬أقلتن هذا الكالم وفعلتن هذا‬
‫الفعل‪ ،‬وتفوهتن بهذا الحديث‪ ،‬وأعليتن أصواتكن بحضرته؟!"‪ ،‬ونحو‪":‬‬
‫(هل البنات أكرمهن والوالد) حيث يعرب (أكرم) فعال ماضيا مبنيا على‬
‫الفتح‪ ،‬والهاء ضمير نصب متصل في محل نصب مفعوال به‪ ،‬وتعرب النون‬
‫حرفا أو عالمة الجمع والتأنيث ‪ ،‬مبنيا على الفتح‪ ،‬ال محل له من اإلعراب‪،‬‬
‫ولو كتبنا الهاء دون النون ألصبح يدل على مفعول به مفرد‪ ،‬ذكر‪ ،‬غائب‬
‫(الولد أكرمه أبوه)‪ ،‬فالبد من التنبه إلى أن تلك النون هي حرف‪ ،‬وأنها‬
‫تخص جماعة النساء أو الفتيات أو البنات‪ ،‬وال عالقة لها‪ ،‬ال بنون التوكيد‬
‫الثقيلة وال الخفيفة ‪ ،‬وال بنون النسوة‪ ،‬فنون التوكيد حرف يدخل الفعل‬
‫أمريته‪ ،‬وله أحكامه التي سلف‬ ‫المضارع واألمر للداللة على مضارعيته أو ْ‬
‫الحديث عنها‪ ،‬كما أن نون النسوة ضمير‪ ،‬وليست حرفا‪ ،‬وتتخذ محل الرفع‬
‫دائما على الفاعلية‪ ،‬بينما نون عالمة جماعة اإلناث هي مفتوحة دائما ‪،‬‬
‫وهي حرف‪ ،‬كما أنها ال تحدث أحكاما نحوية‪ ،‬وال عمل لها إال تحويل المعنى‬
‫ليدل على جماعة اإلناث وليس لها عمل من ناحية الصناعة النحوية‪.‬‬
‫وأما االستعمال الثاني عشر للنون‪ :‬فهو أن تكون هي تلك النون المسماة‬
‫بالتنوين؛ ألن تعريف التنوين‪ -‬كما هو عند أهل التجويد‪ ،‬وأهل النحو‪ : -‬نون‬
‫ساكنة زائدة تلحق آخر الخط‪ ،‬لفظا ‪ ،‬ال خطا ‪ ،‬وقفا‪ ،‬ال وصال‪ ،‬لغير توكيد‪،‬‬
‫شاكرا‬ ‫شركينَ َ‬ ‫نحو‪ " :‬إن إ ْب َراهي َم َكانَ أمة َقانتا هلل َحنيفا َولَ ْم َيك منَ ا ْلم ْ‬
‫س َنة َوإنه في‬ ‫اج َت َباه َو َهدَ اه إلَى ص َراط م ْس َتقيم َوآ َت ْي َناه في الد ْن َيا َح َ‬ ‫ألَ ْنعمه ْ‬
‫ْاآلخ َرة لَمنَ الصالحينَ " سورة النحل ‪ ، 122/ 120‬ونحو‪ ":‬محمد رسول‬
‫عربي مبين"‪ ،‬وهذا التنوين يعني أن اللفظ مصروف‪،‬‬ ‫ٍّ‬ ‫هللا"‪ ،‬ونحو‪ ":‬بلسان‬
‫وليس ممنوعا من الصرف‪ ،‬وأنه عند الجر يجر بالكسرة‪ ،‬وليس بالفتحة‪،‬‬
‫وأنه يدخل ضمن األسماء المصروفة ‪ ،‬غير الممنوعة من الصرف‪ ،‬وهناك‬
‫تنوين آخر يدخل عوضا عن حرف محذوف هو تنوين العوض مثل الداخل‬
‫على األسماء المنقوصة مجرورة ومرفوعة منونة؛ ليكون عوضا عن‬
‫الحرف المعتل المحذوف نحو‪ ":‬كل من عليها فان"‪ ،‬نحو‪" :‬والزانية ال‬
‫ينكحها إال زان أو مشرك"‪ ،‬ونحو‪ ":‬ولكل قوم هاد"‪ ،‬وهذا يختلف قليال عن‬
‫التنوين الذي يلحق األسماء المنقوصة التي ترد مجموعة فقط‪ ،‬وهي منكرة‬
‫مرفوعة أو مجرورة ‪ ،‬حيث يسمى تنوين عوض عن حرف أيضا لكنها‬
‫كلمات ممنوعة من الصرف‪ ،‬والممنوع من الصرف ال ينون ‪ -‬كما هو‬
‫معروف ‪ -‬لكنها نونت تنوين عوض عن حرف‪ ،‬وليس تنوين صرف‪ ،‬مثل‪":‬‬
‫ومن فوقهم غواش"‪ ،‬ونحو‪" :‬سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام‬
‫حسوما"‪ ،‬وهكذا يختلف نوع التنوين الداخل على الكلمات من تنوين تمكين‪،‬‬
‫وهو المعروف المشهور‪( ،‬ويكون فتحتين‪ ،‬أو ضمتين‪ ،‬أو كسرتين)‪ ،‬إلى‬
‫تنوين تنكير ‪ ،‬وهو الداخل على الكلمات ليفيد شيوعها وتنكيرها كالداخل‬
‫على أسماء األفعال‪( :‬صه‪ ،‬ومه ‪ ،‬وواها‪ ،‬وإيه)‪ ،‬ونحوها ؛ ليدل على شيوع‬
‫ضى َرب َك أَال َت ْعبدوا‬ ‫داللتها وعدم تقييد مفهومها‪ ،‬كما في قوله ‪ -‬تعالى‪َ ":-‬و َق َ‬
‫سانا إما َي ْبل َغن ع ْندَ َك ا ْلك َب َر أَ َحده َما أَ ْو ك َاله َما َف َال َتقلْ‬
‫إال إياه َوبا ْل َوال َد ْين إ ْح َ‬
‫ف َو َال َت ْن َه ْره َما َوقلْ لَه َما َق ْوال َكريما‪ :‬سورة اإلسراء‪ ، 23 /‬ونحو‪":‬‬ ‫لَه َما أ ٍّ‬
‫ف لَك َما أَ َتعدَ انني أَنْ أ ْخ َر َج َو َقدْ َخلَت ا ْلقرون منْ َق ْبلي‬ ‫َوالذي َقال َ ل َوالدَ ْيه أ ٍّ‬
‫ساطير‬ ‫هللا َو ْيلَ َك آمنْ إن َو ْع َد هللا َحق َف َيقول َما ه ََذا إال أَ َ‬ ‫َوه َما َي ْس َتغي َثان َ‬
‫ْاألَولينَ " سورة األحقاف‪ ، 17 /‬إلى تنوين عوض عن حرف‪ ،‬كالذي سبق‪،‬‬
‫إلى تنوين مقابلة ‪ ،‬وهو الداخل على الكلمات المجموعة جمعا مؤنثا سالما؛‬
‫سى َربه إنْ‬‫ليكون في مقابلة نون جمع المذكر السالم‪ ،‬كما في نحو‪َ ":‬ع َ‬
‫َطل َقكن أَنْ ي ْبدلَه أَ ْز َواجا َخ ْيرا م ْنكن م ْسل َمات م ْؤم َنات َقان َتات َتائ َبات َعاب َدات‬
‫سائ َحات َثي َبات َوأَ ْب َكارا‪ :‬سورة التحريم (‪ ،)5‬وهكذا تدخل النون كعالمة على‬ ‫َ‬
‫تنوين اللفظ‪ ،‬والمنون تام‪ ،‬مستغن عما بعده ‪ ،‬غير مفتقر إليه‪ ،‬وهو دليل‬
‫تمام الكلمة‪ ،‬وقد َبي ْنت بعضه؛ حتى ال يلتبس على المتعلمين والشادين في‬
‫تعلم النحو وتفصيالته‪.‬‬
‫أسأل هللا ‪ -‬تعالى‪ -‬أن يبصرنا بجمال هذه اللغة‪ ،‬وجاللها ‪ ،‬وكمال تراكيبها‪،‬‬
‫وسمو تعبيراتها‪ ،‬وكما رأينا أن حرفا واحدا ( وهو النون) قد توزع على‬
‫اثني عشر نوعا ‪ ،‬أو استعماال‪ ،‬وكلها ‪ -‬أي تلك االستعماالت ‪ -‬ذات‬
‫خصائص محددة‪ ،‬ال تلتقي في خصائصها مع أختها ‪ ،‬وإنما وضعت لكل منها‬
‫اتسمت بخصائص‪ ،‬وخص ْت بصفات وميزات تحجزها من أن تلتبس‬ ‫ْ‬ ‫حدود‪ ،‬و‬
‫بأخواتها‪ ،‬والحمد هلل أننا من أتباع هذا الدين‪ ،‬ومن محبي اللغة العربية لغة‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬ومن مستجلي كمالها وجاللها‪ ،‬ونقائها وصفائها‪ ،‬وممن‬
‫يغوصون فيها الستخراج آللئها‪ ،‬والتقاط أصدافها‪ ،‬والعيش في جمالها‬
‫واالستظالل بظل فيئها الوارف ‪ ،‬وهوائها العليل‪ ،‬والحمد هلل الذي بنعمته تتم‬
‫الصالحات‪ ،‬وصلى هللا وسلم‪ ،‬وبارك على سيدنا محمد‪ ،‬وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين‪.‬‬
‫د جمال عبد العزيز أحمد‬
‫كلية دار العلوم‪ -‬جامعة القاهرة‬
‫جمهورية مصر العربية‬
‫‪Drgamal2020@hotmail.com‬‬

You might also like