Professional Documents
Culture Documents
استعماالت "النون"
في لغة العرب ودالالتها وأحكامها
تأتي النون ،وهي موضوع حديثنا في هذه السطور ،على اثني عشر
نوعا ،أو استعماال ،نعرضها في ثوب واضح ميسور ،ونبدأ بالنوع أو
االستعمال األول :وهو الذي يرد حرفا من حروف األبجدية العربية ،أو
حروف الهجاء ،أو حروف التهجي ،فهي حرف من حروف الكتابة العربية،
ويقع هذا الحرف ،وهو الذي يرسم هكذا (:ن) بين الميم والهاء ؛ وهو
حرف مجهور متوسط ،ومخرجه من طرف اللسان ،مع أصول الثنايا العليا،
وهو أنقى ؛ إذ يتسرب الهواء معه من األنف مع اللثة العليا وامتداد النفس
من األنف ،كما يقول المعجم الوسيط ،وهو حرف َم ْب َنى ،جيء به؛ ليدخل
في تكوين وتشكيل جسم الكلمة ؛ فهو لذلك يسمى حرف مب َنى ( بميم
مفتوحة ،بعدها باء ساكنة ،ثم نون مفتوحة ،وألف قصر ،من غير نقطتين
تحت ألف القصر) ،كأن يدخل في تكوين االسم ( نضال) ،او الفعل (نبت) ،
أو الحرف ( َعنْ أو منْ ) ،فهو عندئذ يدخل في جعل اللفظ له معنى ،وبغيره
حرف
َ ال يكون له أي داللة ،فهو يكون مع غيره جسم الكلمة؛ ومن ثم سم َي
مبنى ،فاالستعمال األول أنه حرف مبنى ،غير أني سأركز على كونه حرفا
من حروف المعانى ،أي هو حرف له معنى قائم برأسه ،وال يدخل ليكون
مع غيره أحرف كلمة ،كاالستعمال األول ،فالحروف إذا قسمان :حروف
مبنى ،وحروف معنى ،وفي األسطر اآلتية نوضح استعماالت النون كحرف
معنى ،ال مبنى ،والناظر الستعماالت النون نظرة المتفحص الحصيف،
المتبصر المتأني ،لَيأخذه العجب بعيدا؛ إذ كيف لحرف واحد كهذا يتداخل في
كل تلك المعاني ،ويكون له كل هذا التأثير الكبير ،ونعرض هنا الستعماالت
النون في لغة العرب ،وبيان أحكامها وطبيعتها في السياقات اللغوية ،وكيف
تخرج من معنى وداللة ،إلى معنى وداللة أخرى ،مما يدل على عظمة هذه
اللغة ،ويقفنا على شيء من الحكمة اإللهية في اختيار اللغة العربية؛ لتكون
صبا ألحكام اإلسالم ،آخر األديان ،وأوسعها ،وخاتمة الدنيا ،وما فيها.
َم َ
* فاالستعمال الثاني للنون :أنها تستعمل حرفا داال على مضارعية الفعل،
فهو يدخل ليكون ضمن أحرف المضارعة المعروفة في علم الصرف
بحروف( أنيت) ،ويتمثل في نحو" :ونريد أن نمن على الذين استضعفوا
يفي األرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في األرض ونر َ
فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون" ،ونحو" :إنْ نقول إال
اعتراك بعض آلهتنا بسوء" ،ومثل" :منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها
نخرجكم" ،وهذه النون لها تأثير نحوي ،حيث تجعل فاعل الفعل يستتر
وجوبا ،فمن مواضع استتار الفاعل وجوبا :أن يكون فعال مضارعا مبدوءا
بالنون ،نحو" :ونضع الموازين القسط ليوم القيامة" ،فالفعل نضع مبدوء
بحرف المضارعة الذي يفيد االستمرار ،ويجعل فاعل الفعل مستترا وجوبا ال
يظهر ،كما قال ابن مالك:
ومن ضمير الرفع ما يستتر كافعل أوافق نغتبط إذ
تشكر.