Professional Documents
Culture Documents
17
" ...تزدحم نفسي شوقا لرؤيته ..وأمتلئ كالما أستعيره من شوقي ،وارغب
في حكيه ،حين التقت عيني بعينيه ،خبأني الصمت في تجاعيد الزمن ..انهزمت
في داخلي ،وتعطل الكالم .ل م أفهم ما حدث ..ما وجدتني ألملم لغتي ..ما وجدتني
أحرك لساني ..لم أفهم ما حدث .في المرة السابقة ،وقفت أنشد امتدادي أمامه..
هذه المرة ،اختزلت امتدادي في صمت يذبحني ..هو ما سألني عن صمتي .حين
تحركت عيونه ،تهدئ صرخة صمتي ،وجدتني أحاول جاهدة تحريك لساني،
والبحث عن لغة تخرقني ،فتكبتني؛ ليتكسر الصمت أمامه ..أمامي.4"...
صوت الذات المبدعة ينطلق من األعماق ،نلمس ذلك مع افتتاح السرد بتلك
العوالم الباطنية التي تبحث عن الخالص في هذا اآلخر ،ووجع السرد هو في وجع
هذا الجسد وأشواقه الدفينة المكبوتة ،وكأن الساردة ال تتكّلم؛ وانما جسدها الذي
يتكلم.
حين نصغي إلى المقطع السردي ،يتراءى لنا حضور الذات لغـ ًة ،من خالل
مصاحبة كل فعل لضميرها..." :أمتلئ ..أرغب ..انهزمت ..أفهم ..وقفت..
أنشد ..الملم ..أحرك ..اختزلت ..تحركت ."...وضمائر المتكلم المرتبطة بالفعل،
تعطي انطباعا بوعي الذات بنفسها ،وباآلخر التواقة إليه.
والجسد الذي تتحرك في سياقه "الساردة" جسد بمصدريه األنثوي والذكوري،
وهو هاجس المرأة ونواتها الحكائية ..." :حين التقت عيني بعينه ،خبأني الصمت
في تجاعيد الزمن ..انهزمت في داخلي ،وتعطل الكالم."...
يتدخل الزمن
ما نلمسه أن "الذات (األنثى) مفجوعة باآلخر (المذ ّكر) ،هناّ ،
يعول
الخارجي؛ ليحل محلّه الزمن النفسي القائم على التداعيات الداخلية التي ّ
طية المسلمات الموروثة في البنية التعبيرية اللغوية .فالسادرة
عليها في تكسير خ ّ
يتحول الفعل من آلة تصوير
مسافرة في الرؤيا التي تضيئها شعلة الشعر ،كما ّ
17
مادة من مواد البناء ،وهندسة السرد ..." :حين تحركت عيونه ،تهدئ
لحدث ،إلى ّ
صرخة صمتي ،وجدتني أحاول جاهدة تحريك لساني."...
توحد األصوات.
تتحول من طاقة حركة إلى طاقة إشارة ّ
وطاقة الفعل هناّ ،
وفي صمت هذا التالحم ،يتحقّق صوت التالحم الجسدي ،أو صوت التالحم
النصي الذي اقتضى االكتفاء بلغة الجسد ،لغة اإلشارة .فالجسد هو المؤ ّشر علىّ
تلك التحوالت الطارئة ،وهو الموّلد لحركة التداعي واالستدعاء.
تواصل الساردة تصوير المشهد السردي باقتصاد مرّكز في اللغة ،وكثافة في
المعنى:
تتعرى أمامي ...تفضحها شمس هذا الصباح ،وجدت " ...شهدت نفسي ّ
األبيض يحتك بي ،يوقظ ما بداخلي من ارتعاشات ..يعزفها ..يغنيها ..رأيت
األبيض ينفلت مني ،حين اقترب هو من صمتي ..حين لمحته بطرف عيني؛
المرة ،أطلقت شعري،
يصغي إلى صمتي ...يقترب من شعري المسدول ..هذه ّ
حررته من القيود ..غمس أنفه بين ثنايا شعري ،فغاب وجهه ،واذا بي أبحث عنه.
ّ
-شعرك غابة!
-شعرك ليل دامس!
المرة السابقة ..وأنا اآلن أبحث عنه في تعاريج الغابة ..أخاف أن
قالها ّ
أفقده في هذا الليل الدامس ،لوال أن األبيض الذي أشاهده اآلن ،يرقص أمامي،
لحسبت الكون انطفأ ،وبات ليال.5"...
نصا يحتمل
وقوة المجاز ،وطاقة الترميز ،طرحت ّإن كثافة اللغةّ ،ّ
متعددة.
عدة ،وسياقا يحتمل دالالت شتى ،وجملة تحتمل جمال ّ
مضاعفات داللية ّ
وتوحد اآلخر (المذكر) ،وغيابه في األنثى:
ّ نلمس الميل إلى التوحد بـ (األنثى)،
" ...أنا اآلن أبحث عنه في تعاريج الغابة ."...فاألنثى ،حين تدخل النص،
تمارس االنشطار الذي يجعل داللتها تعطي الكون بأكمله ،وقد تفطّن إلى ذلك
17
الصوفية في طقوسهم ،فوردت في مآثر (ابن عربي)" :أن المرأة هي أقرب المواد
إلى الخالق ،وأقدرها على احتواء ماهيته وصفاته ،واظهارها ،ولعل هذا االصطفاء
يفسر غرام بعض النساك بالمرأة تقربا إلى اهلل ،ومالمسته لحضوره من خالل
ّ
جسدها ،ويسوغ االنجذاب الثاوي للرجل نحوها طالما أن عشقها "ميراث نبوي،
وحب إلهي".6
وما يالحظ على (زهور كرام ) تلك الشعرية السردية التي انفلتت من سلطة
الخطاب ،ليتحول النص إلى شرنقة لألنواع التعبيرية المنزلقة من تيمة الجسد
األنثوي ،الم نجذب إلى اآلخر .هذا االنزالق الجسدي ،زود النص بقيم داللية
مضافة ،وأفرغ الجسد من شحنة توتره ،وتباريح بواطنه وقلقه .وغ ّذى السرد بديمومة
بتشيء الحالة الجسدية داخل المشهد اإلبداعي ّ وتحوله .هذا ما يجعلنا نقول
ّ حركته
وتحولها إلى رؤيا ال تطالها إال اللغ ة الشعرية الرامزة ،الغنية بانزياحاتها
ّ النسائي،
الرمزية التي تحافظ على الجسـد وآلياتـه المختبئـة وراء اللغة ..." .أحسست بشيء
يدب في قلبي ،كأني رأيت إبراهيم يطل منه."...
ّ
فحين يستخدم أي عضو من أعضاء الجسد ،يستخدم حسب حجمه الثقافي،
وبعده التداولي؛ فالقلب هو المضخة الت ي تنبض الدم حا ار في أوردة الجسد
المحرك لـ (األنثى) وهاجسها في معانقة
ّ وشرايينه ،وبالتالي يعتبر اآلخر (المذكر)
تجربة كتابتها الروائية.
والجسد يتخلق من أجزائه المكونة له؛ "فعندما يستعصى العثور على معنى
كل إال من خالل أجزائه،
المحلل أن يعود إلى األجزاء .فقد ال يدل ال ّ
ّ للكل ،بإمكان
الكل عن داللة األجزاء المكونة له ،تلك حالة الجسد ،وتلك
أو قد تختلف داللة ّ
حالة داللته وأشكاله ومعانيه".7
إن موضوع األنوثة ،وسياقها :لغة ورم از وايحاء ،تعتبر ظاهرة أساسية فاعلة
في الرواية النسائية المغاربية ،وعندما نشير إلى الرواية النسائية؛ ّإنما نقصد الرواية
17
الناضجة فنيا ،وليست الرواية التقريرية الصحفية التي ال تمت بصلة إلى عالم
نهمش بقدر ما أريد للرواية التي يتوفر
الرواية إال في عنوانها ،وال نقصي هنا ،وال ّ
فيها الحد األدنى من العمل الفني ،مما من شأنه أن يساعد على الدراسة والمقارنة.
"نخب الحياة" عنوان رواية لـ (آمال مختار) التي تدخل األنثى إلى عالمها
الروائي دخوال جارفا ،ويبقى الجسد المؤنث في موقع التأسيس الذي يمثل نواته
الحكائية والداللية حيث نلمس حيوية السرد وطاقته الفعاّلة .فقد ورد على لسان
الساردة:
"...دقائق بعد السابعة ،أخذت مرآ ة من حقيبتي ،لم يكن وجهي مرهقا وال
مترّهال ،بل كان مشرقا وجميال ،أعدت صباغ شقتي ،تزحلقت إلى الطرف اآلخر
من الكرسي ،كنت سأغادر لما وقفت ،سطع ضوء في عيني؛ فتهاويت .أغمضت
عيني ..بخخت عط ار على جسدي ..وقفت عارية أمام المرآة ..فكرت أن أعيد رسم
شفتي ،ثم عدلت بقلم ..تتبعت خطوط جسدي على المرآة ،ورسمته .تطّلعت إلى
كأني رأيت إبراهيم يطل منه كأني رأيته يقف
يدب في قلبيّ ،
الرسم أحسست بشيء ّ
يتمدد ،ويضحك.8"...
فيه ،يتبخترّ ،
يمد
تطل من الجسد واليه ،وحركة النص حركة الجسد الذي ّ الكتابة قراءة ّ
النص بتفجير هائل للداللة ،بمقتضاه ينساب السرد عن طريق الحركة الداخلية
التي يحدثها الجسد ،بحيث تغدو تداعيات الرؤيا محصورة في هذا الجسد أو في
جزء منه.
ورد على لسان السادرة -باعتبارها حاكية وفاعلة في رواية "نخب الحياة"-
ما يلي:
" ...شيء ما يحدث هنا ،يتحرك ..فذاتي لم تعد تقوى على ذاتي ،تكد سنا
جميعنا ،أنا وفوضاي ،واالرتباك وضوء آسر .كأس أخرى أيتها الشقراء ..ماذا
يحدث؟ وماذا سيحدث؟ ...التحام ،انصهار ،لوحدة تجديدية ،يتداخل في فضائها
17
الجسد والفعل مع اللون والضوء والظل .والفعل متوتّر ،يهمد ،ينساب ،يتعالى
بأنات المتعة .تتفتّت قطع الثلج في كأسي
ضجيجه ،وتمتلئ الصرخة المكتومة ّ
وتئن.9"...
ّ
ما نالحظه ،ونلمسه في النص هو نزوع األنثى إلى االشتعال الجسدي،
والرغبة في االلتحام ،تسرد الكاتبة لحظة االنصهار تحت وطأة الجسد ،متشظيا مع
ذاته وواقعه ،وقد غلب على النص تعابير االنصهار واالحتراق ،فالسرد هو
اكتشاف للذا ت األنثوية عبر اكتشاف اآلخر ،وصوت الجسد هو الذي يطغى على
السرد ،ويتقاطع مع اآلخر المذكر" .من هنا ،كان الجسد كال وأجزاء في الوقت
نفسهّ ،إنه يولّد معطى انفعاليا وغريزيا وثقافيا عاما ،وكل هذا المعطى ال يدرك إال
من خالل األجزاء ،وال يستقيم وجود هذه األجزاء إال من خالل اندراجها ضمن هذه
الكل الذي هو الجسد".10
تقتحم المرأة عالمها الكتابي بجسدين :جسد بيولوجي محسوس ،وجسد لغوي،
بحسيته وتجريده فقد نلمس مفردات جسدية المرأة وبيولوجيتها،مجنحا ّنصها ّفتحمل ّ
المشعة في النص.
ّ كما نلمس رمزية هذا الجسد ومجازاته التي تتركها األلفاظ
والكتابة السردية النسائية ،بوصفها إنصاتا للمكبوت الجسدي ،تشترك فيها
أغلب الروايات المغاربية .فها هي الكاتبة الليبية (فوزية شاللي) ،لم تشذ هي
األخرى عن الظاهر .يرد على لسان الساردة "صالحة":
" ...المشهد اليومي متاهة من خطوط متداخلة شوهاء ،واألصوات مزيج
صاخب من نقيق وزعيق وانفجارات!...
أبكي ،ال ،أنا ال أبكيّ ،إني أحاول أن أبكي فأرتد مهزومة" :هذا أنت ،أيها
البكاء ،تخذلني! ..أحاول أن أريح رأسي على كتفي ،فتحيط بي غيالن الرغبات:
"إني أحتاج رجال ،وال بد أن هنالك رجال ما في هذا الحي ..في هذه المدينة ..في
هذا الوطن ..في العالم ..في هذا اليوم ،..يحتاجني كما أحتاجه ،وربما أكثر!...
11
ذراعاي يختزنان هذه الرغبة المحمومة في أن يحضنا رجال ما ،يشعالن فيه نار
هذا الوقت الوعر .هيا نجرب أن يحيل هذا الفراغ ..هذا الهواء البارد الخفيف،
رجال! ..تنهال علي صور هؤالء الرجال الذين أعرفهم واحدا واحدا ..الذين
جربتهم ،والذين لم أجربهم واحدا واحدا.11 "!..
نستدل بهذا النص ،ونستقرئ فضاءاته ،بحثا عن حمولة رموزه،
ّ حين
واشعاع إشاراته ،نالحظ:
أن الكتابة السردية النسائية ،بوصفها إنصاتا للمكبوت ،تحافظ على تماهي ّ
الذات مع أشياء الوجود ،فحالة الساردة النفسية ،وقلقها الوجداني ،وانفجار رغباتها
الكامنة ،وحاجتها إلى اآلخر الغائب ،جعلت حياتها ال تطاق ،فحتى المشهد
اليومي المألوف ،انقلب إلى فوضى عارمة ،ينقصها التجانس والتنظيم..." :
المشهد اليومي متاهة من خطوط متداخلة شوهاء."...
أن هناك تماثال وتزاوجا بين إيقاع الذات والحياة والواقع ،وايقاع الجسد
ّ
الثائر؛ مما يؤكد طبيعة السرد عند المرأة ،القائم بين تجاذب الذات والجسد ،هذا
التجاذب هو الذي يغذي الحركة السردية ويدفعها ،كما يمثّل هذا التجاذب المحور
الذي يجمع بين مفاصل الرواية وشخصياتها وأحداثها.
أنه ،حين نصغي إ لى النص ،ونتأمل العنصر اإليقاعي المرتبط بالجسد،
نجد التركيب اإليقاعي يبدأ من الحواس وينتهي عند الجسد ..." :ذراعاي ،يختزنان
هذه الرغبة المحمومة في أن يحضنا رجال ما ،يشعالن فيه نار هذا الوقت
الواعر."...
إن الجسد "باعتباره بؤرة لتجلي العملي والغريزي والوظيفي واألسطوري
المستمرة لالستعماالت اإليحائية
ّ الثقافي ،يعيش بشكل دائم تحت التهديدات
(االستعارية) .إننا من خالل هذه االستعماالت ال نق أر الحركة وال نق أر اإليماءة ،وال
نق أر ترابط هذه الحركات وهذه اإليماءات ،ولكننا نق أر فقط النصوص التي تولدها
17
هذه الحركات " . 12ولو نصغي إلى النص ،نصغي إلى نبض الساردة ،ورعشة
جسدها من خالل إيقاع الرغبة في هذا اآلخر الغائب.
أن جغرافية الجسد تتداخل مع فضاء النص وفضاء المكان إلى درجة ّ
التماهي ،فالمرجعية الثقافية لداللة الجسد تحتوي تمفصالت المعنى المكتنزة فيه،
سيحوله إلى نسيج
ّ تثريه بخصوبة المجاز ،ومضاعفة الداللة ،كما أن السياق
النص ورؤيته الكلية.
إن "الذراع" وظّفت بدقة ،فهو عضو من األعضاء الرئيسة للجسد ،لما تمثله ّ
من حمولة داللية كثيفة ،أدناها ،داللتها "على التهديد ،وعلى المنع ،وعلى العناق،
كما تدل على اإلشارات الرامزة للفعل الجنسي" ،13نستشف أثره من قول الساردة:
إن
" ...هيا نجرب أن نحيل هذا الفراغ ..هذا الهواء البارد الخفيف رجال ،"..حيث ّ
تكرس فكرة التملك ،واالغتنام ،والتشكيل ،مثلما هي المعانقة والرغبة،
وظيفة الذراع ّ
مخيلة
السياق الذي وردت فيها يكسبها شكال إيجابيا تصويريا ،تعكسه ّ كما أن ّ
مجنحا رشيقا إلى القارئ ،حين يزاوج بين
المتلقي ،ومرجعيته الثقافية؛ فيحمل النص ّ
المرأة الجسد والمرأة المجاز.
إن المتتبع للمشهد اإلبداعي النسائي المغاربي ،يكتشف أن سرد المرأة
تعرف على اآلخر ،بوصفه روحا
تعرف على الذات أوال ،ووقفه ّ
عموما هو وقفه ّ
وجسدا ونصا معا.
وحين نعود إلى رواية "الغد والغضب" للكاتبة المغربية (خناثة بنونة) ،نجد
تمردا وعصيانا وفوضى من أجل تحرير الذات أوال ،ومن أجل تغيير نمط السلطة ّ
المتعالية التي تقمع الجسد وتقمع الذات تاليا.
فالساردة "هدى " ذات فاعلة ،تملك القدرة على التجاوز واالختراق ،وعلى
الرغم من ذلك ،نجدها تعاني الوحدة والشعور بالخوف:
17
" ...حينما كانت تماشيني ،كنت أتساءل :هذا الجسد ..أي ألوان من
التفجير واالرتواء قد عرف؟ ...وكان ذلك يوقظني على جسدي ..هذا الذي قد
يكون يحمل نفس استعدادات جسد "هند" ،لكني لم أتيقن ،فجسدي لن يكون غير
شبيه بي ،يحمل لوع ة كبيرة من البدء .ولكني رأيت خموده ...خمود جسد "هند"،
وهو يتلقف في كفه يد "محسن" ،حينما التقيناه صدفة ذات مرة ..فلكأن أية لحظة،
أو أيام ،أو متعة ،لم تجمع بينهما! .بينما كنت أنتظر أن يحصل أي شيء واضح،
حينما يتقابل جسدان ،عرف بعضها في وقت ما.14"...
يتجلّى فعل السرد عند المرأة ،على أنه اندفاع نحو المغامرة واالكتشاف،
نصية تسمح لنا بالمرور من الخارج على فللجسد لغته وبالغته ،وهو أول عتبة ّ
تم من خالل جسدها ،والمالمح الظاهرة الداخل .وقراءة الساردة "هدى" لـ "هند" ،قد ّ
ٍ
أسئلة ،وأزمةُ هوية ،كما ق
فيه ،فهي مالمح األلم والخوف .ونص (خناثة بنونة) قل ُ
ّأنه محاكمة للتاريخ والحقيقة.
كانت رغبة الساردة "هدى" إثباتا للوجود ،واثباتا لكينونة المرأة ،وحضورها
الفاعل المؤثّر .من هنا ،كان عنوان الرواية "الغد والغضب" الذي امتاز -من
الناحية السيميائية -بعالقة عضوية مع النص ،مش ّكال بنية تعادلية كبرى؛ تتألّف
من محورين أساسيين في العملية اإلبداعية ،هما :العنوان /النص .ومعه ،سيغدو
العنوان هو "المناص" الذي يستند إليه النص الموازي.15
تحضرنا – في هذا السياق -رواية "فوضى الحواس " التي هي وليدة الجسد
األنثوي وحواسه ،هذه الرواية الجارفة التي ولدت بين تعابير االحتراق واالنصهار
مع تداعيات الرؤيا الدائبة ،على الحركة التحويلية التي ال تعرف السكون أو
الثبات .يرد في افتتاحية الرواية:
يجرب معها متعة
" ...عكس الناس ،كان يريد أن يختبر بها اإلخالص ،أن ّ
حبا وسط ألغام الحواس.الوفاء عن جوع ،أن يرّب َي ّ
78
هي ال تدري كيف اهتدت أنوثتها إليه .هو الذي بنظرة ،يخلع عنها عقلها،
ويلبسها شفتيه ،كم كان يلزمها من اإليمان كي تقاوم نظرته! ...كم كان يلزمه من
الصمت كي ال تشي به الحرائق! ...هو الذي يعرف كيف يالمس أنثى تماما ،كما
يعرف مالمسة الكلمات باالشتعال المستتر نفسه.
يحتضنها من الخلف ،كما يحتضن جملة هاربة ،بشيء من الكسل الكاذب.
تمران بمحاذاة شفتيها،
شفتاه تعبرانها ببطء متعمد ،على مسافة مدروسة لإلثارةّ ،
دون أن تقبالهما تماما ،تنزلقان نحو عنقها ،دون أن تالمساه حقا ،ثم تعاودان
صعودهما بالبطء المتعمد نفسه ،وكأنه كان يقبلها بأنفساه ال غير.
هذا الرجل الذي يرسم بشفتيه قدرها ،ويكتبها ،ويمحوها من غير أن يقبلها،
كيف لها أن تنسى ..كل ما لم يحدث بينه وبينها.16"...
حين نق أر هذا المقطع السردي ،يبهرنا ويفاجئنا ويغرينا؛ فالرواية تمتلك من
الكثافة الشعرية ،ونزيف الداللة ،وتداعيات الرؤيا ما يجعلها تنغرس في جسد
خلية ،ثمّ تبدأ في االنقسام الخلوي ،إنها سيل جارف من الكلمات ال
خلية ّ
النصّ ،
تقوى أمامه سدود البناء المنطقي وحواجزه المباشرة.
إن (أحالم مستغانمي) تعتمد على الجسد األنثوي ،كبؤرة مركزية تستقطبّ
حولها عالم النص كّله .فالداللة مرتكزة على وظيفة الشيفرات الثقافية للجسد
النصي ،ولو "أن الكتابة استحضرت تاريخ المعاني ونظام
ّ الحسي ،تنقله إلى الجسد
ّ
المباني :كلمات ،فجمال ،فخطابا ،لحظة إنشائها ،ألمتنع حدوثها ،ولصارت في
حصولها ضربا من المحال ،لكثرة انشغالها بالمعاني عن المعنى الوليد ،وبالمباني
عن المبنى الجديد".17
تفجر اللغة من الداخل ،وتخلق لهالذا ،نجد األعمال اإلبداعية ،هي التي ّ
دالالت جديدة ،غير مألوفة ،تثري اللغة ،فتجعل فيها الحياة والحركة ،ويبقى األدب
77
تفسره سياقات
نظاما لغويا "يقوم من خلفه نظام حضاري يحتويه نص مفتوحّ ،
خاصة".18
حين نتأمل نص (أحالم مستغانمي) ،نكتشف اختفاء أدوات الربط ،وانسياب
المعنى ضمن الحركة الدائرية المحجوزة ،من الجسد إلى الذات ،جسد النص
المؤنث بألفاظه وحميميته ،ويبقى النص يدور ضمن جغرافية
ّ يستحضر الجسد
الجسد وفضاءه ،فتظهر شعرية اللغة من خالل االتصال واالنفصال بين الجسد
المتخيل ،حيث الداللة اإليحائية االنفعالية.
ّ الواقعي والجسد
تم من خالل معجم الجسد ،وما يثير من إن اإليقاع الداخلي لبنية النصّ ،ّ
إغراء وتوتّر واستفزاز .فالجسد بموجوداته ،يشحن السرد ،ويجعل اإليقاع اللغوي
متناغما عبر الجمل القصيرة التي تنعدم فيها أدوات الربط ،ويبقى اإلشعار
المحدد للنص متماثال مع إيحاءات الجسد ورموزه المكثّفة .و"اللغة،
ّ الجغرافي
عندما تدخل الكتابة ،تتطهّر من بقاياها ،وتلد نفسها حدثا يفارق األصل إلى غير
سمته الثقافة العربية :سحر البيان.19"..
عودة ،وتصبح مجهوالّ ،
ولغة (أحالم مستغانمي) تطفح بالشعرية المنسجمة مع طبيعتها ،بوصفها
إن "إيثار البساطة في نظم الكالم ،جعل لغة
أنثى تألف لعبة البساطة ،حيث ّ
تتميز بسرعة اإليقاع الذي يعكس االنفعاالت داخل األنثى،
الكتابة النسائية ّ
ويكشف عن أحوالها عند التناغم أو التنافر .فالجمل في األغلب قصيرة متعاطفة
تعبر عنه عالمات
أو متالزمة ،تنسحب أحيانا ليعوضها نوع من كتابة البياضّ ،
تعجب أو استفهام ،أو نقاط متتابعة ،وهو ما يسم نسقها بالتدفق الذي يجسد حال
توتر الذات /الكاتبة ،وهي تمارس فعل اإلبداع ،ومن عالماتها تقطع العبارة بانعدام
الروابط ،وتسارع الوتيرة ،والترجيع الغنائي ،وتقسيم الكالم إال وحدات إيقاعية
متساوية".20
-2بالغة الجسد ،وفاعلية التجسيم اإلستعاري:
77
يمدها بفاعلية التجسيم بوصفه
يستيقظ الجسد كالجمرة في الكتابة النسائيةّ ،
ليتحول بعد ذلك من
ّ تتذوق طعم األشياء من خالله،حسيا مرئيا موجوداّ ،
كائنا ّ
الجسد إلى اإلحساس باألشياء ،واالندماج فيها .فالجسد في الكتابة النسائية عنصر
محفز إلثارة األحداث ،وتشغيل الذاكرة ،باعتباره المرجعية التي تثبت الكينونة
والوجود.
وخالصة األمر "أن الجسد واقعة اجتماعية ،ومن ثم ،فهو واقعة دالة ،يدل
باعتباره موضوعا ،ويدل باعتباره حجاجا إنسانيا ،ويدل باعتباره شكال ،إنه عالمة،
وككل العالمات ،ال يدرك إال من خالل استعماالته ،وكل استعمال يحيل على
نسق ،وكل نسق يحيل على داللة مثبتة في سجل الذات ،وسجل الجسد ،وسجل
إن أي محاولة لفهم هذه الدالالت ،واإلمساك بها ،يمر عبر تحديد مسبق
األشياءّ .
لمجموع النصوص التي يتحرك ضمنها ،ومعها ،وضدها".21
تحولت
تحولت اللغة من كائن مسموع إلى كائن موجود بفعل الكتابة ،كما ّ
وقد ّ
مجرد إلى كائن محسوس ومرئي باستعارتها لمعجم الجسد ،وتوظيفه كدال
من كائن ّ
متعددة ،تتجاوز الموجود إلى ما هو ذهني وروحي،
لغوي وجودي له دالالت أخرى ّ
لينتقل بالجسد من الذات إلى اآلخر والعالم.
"لقد تحققت للغة ،بدخولها إلى عالم الكتابة ،أن دلت على نفسها؛ فصارت
بالمكتوب إشارة دالة ،انتقلت بكائنها من المضغة إلى الكائن ،ومن المسموع إلى
المرئي ،ومن المنطوق إلى المقروء ،وتغلّبت على زوالها ،فبرزت شكال ّداال لمعان ال
تنتهي".22
إن الجسد في الرواية النسائية ،يمثّل فضاء عنكبوتيا ،تمتد خيوطه إلى جميع
العوالم السردية األخرى ،فجغرافية الجسد هي جغرافية النص ،واستبطان الجسد
النصي ،وتمثّل لخصائصه.
األنثوي هو استبطان للفضاء ّ
77
التلصص بعينين جائعتين على عوالم
إن الكتابة النسائية تحسن اإلصغاء و ّ ّ
مسميات ،تستقطرها من
ّ جسدها ،تستعير لألشياء واألحجام واأللوان والظواهر
المخيلة السادرة ،بحسب األجواء النفسية
ّ جسدها ،وحاجاته الكامنة التي تستوطن
الراصدة لحالة الجسد ،الكاشفة ألحاسيسه.
نصها ،بناء على آلية االشتغال العضوي للجسد ،واسقاطاته،
فالمرأة تكتب ّ
ولكن الجسد ،حين يدخل عالم الكتابة ،ينفلت من معناه المعجمي المنغلق ،إلى
دالالت احتمالية مضاعفة ،يفرضها السياق وتفرضها القرائن المصاحبة المنفتحة
تتحول
على قنوات محايثة للجسد ،تحقّق االستبطان والتمثّل من كون األشياء ،كما ّ
المتشعبة التي تغني السرد
ّ أعضاء الجسد إلى كائنات حبلى بالتحوالت الداللّية
وتشحنه بالخصب والنماء.
والجدير بالذكر ،أن الكتابة النسائية الناضجة فنيا ،تجيد في مجملها بالغة
الجسد ،وفاعلية التجسيم اإلستعاري لألشياء التي تمنحها المرأة تشكيالت الجسد،
حية نابضة بالحياة ،تشارك السارد في
وتزرع فيها العواطف اآلدمية ،بوصفها كائنات ّ
توليد السرد واثرائه.
ومن األمثلة الدالة على توظيف الجسد ،واستعارة أشيائه وتفاصيله ،نذكر ما
ورد في رواية (فوزية شالبي) ،على لسان الساردة "صالحة":
كل شيء ..دخلت كل " ...مضى أسبوع ..أسبوعان ..ثالثة ..تالشى ّ
التفاصيل ..رماد الذاكرة القديمة ،لكن شيئا واحدا بدأ ينفر من الرماد ،ويكون له وهج
الجمر :كان شبحا باهتا .ازداد وضوحا ،اكتسى معنى وهيئة ونبضا ،هي ابتسامته
تحاصرني ..أكابدها .. ! ..هي جسر من البهاء والروعة والمودة ،فهل أنجو من
طوق ياسمين ،أو عرجون فل! ..هي ابتسامته تناغيني ..أهيل على وجهها رماد
النسيان ! ..هي ابتسامته ..هي ابتسامته ..هي ابتسامته ..ياللورطة اللذيذة…".23
77
بناء على مالحظتنا للجمل السردية ،نشعر بتلك الوقفات الشبحية والطيفية
التي تطرحها رؤيا الساردة بعد أن كاد يطويها النسيان .لكن ما نالحظه أيضا ،هو
يحل في األشياء
ليتوحد مع السادرة ،أو ّ
ّ هذا الطّيف الطليق الذي يغادر جسده،
والتفاصيل المحيطة بها ..." :لكن شيئا واحدا بدأ ينفر من الرماد ،ويكون له وهج
بتحوالته ،فتعاطت لغة الجسد
الجمر ."...هذا الزائر الغريب التي استضاءت الساردة ّ
المحرمات والممنوعات.
ّ بعد اقتحامها لعالم
الحيز العاطفي للجسد والمساحة الرومانسية لألشياء ،يمثّل األفعال والوقائع
إن ّّ
بكم هائل من
في الكتابة النسائية ،التي تلقي بظاللها على السرد الذي يشحن ّ
تتحدد بمدى احتوائها لهذا الجسد
ّ الوحدات السردية المتناسلة من بعضها بعض،
المغيب ..." .كان شبحا باهتا ،ازداد وضوحا ،اكتسى معنى وهيئة ونبضا ،هي
ّ
ابتسامته تحاصرني ،أكابدها."...
لو حاولنا استقراء المنظور السردي عند (فوزية شالبي) ،لوجدنا ظاهرة تمثّل
الجسد الغائب ،واستعارة تشكيله ،ثم زرعه بالحياة ،فإذا هو كائن يخرج من الرماد
متوهجا ،آس ار الساردة بابتسامته..." .هي ابتسامته ،هي ابتسامته."...
ّ جم ار
والساردة ،في الرواية ،شخصية محورية فاعلة في األحداث ،تحقّق في حركتها
المتخيل) إذ ال يكاد السرد يبرح العالم
ّ السردية التوازي بين (زمن السرد) و(زمن الفعل
الداخلي للساردة ،من خالل التأكيد على عنصر الفعل المرتبط بالضمير..." :
تحاصرني ،أكابدها ،تناغيني."...
حيا ،يسهم في تلك اإلرساليات
تفعل الكتابة النسائية (الرغبة) ،فتحيلها كائنا ّ
ّ
المشبعة باآلخر (الحاضر /الغائب) الذي ينساب إلى عوالم محكيات المرأة.ّ السردية
وحين يحضر هذا اآلخر ،يحضر بكل جسده ،وعنفوانه ،كما تريده المرأة أن يكون.
آمال مختار ،كاتبة روائية تجيد جماليات الحفر ،والعبور ،والتواصل الجسدي
(من الجسد والى الجسد) ،حيث تبدو روايتها إنصاتا لهذا الجسد ،واستف از از له ،وولوجا
77
لعتباته ،وامساكا لمفاتيحه؛ فمع أحداثها اليومية ،ووقائعها السردية ،وعوالم محكياتها،
تنبع من هذا الجسد المؤنث ،وتتخلّق في رحمه ،تقتات من تفاصيله ،حتى الطبيعة،
يكون برنامجه السردي بتواطئه مع هذا الجسد
بمظاهرها المختلفة تصبح كائنا حركياّ ،
المؤنث الخصب.
ّ
فالجسد ينسجم مع كينونات الطبيعة ،ويتالحم معها ،نجده ينسجم مع الريح،
والمطر ،والشتاء:
" ...المطر ،الشتاء ،الضباب ،كلمات تعني عندي الدفء ،وبقدر ما يكون
الشتاء عاصفا باردا قاسيا ،يكون الدفء أدفأ ،والعشق أعنف ،وأكثر جنونا .أحب أن
يبدأ العشق دائما في الخريف ،أن يبدأ خجوال ،بخدود موردة ،ثم يكبر مع عواصفه
حتى يصير مجنونا في الشتاء.24"...
ما يالحظ في الكتابة النسائية ،تلك العناصر الداخلية للجسد ،تخاطب
العناصر الخارجية للكون ،بلغتها المؤنثة ،فتجعلها متآلفة متناغمة مع إيقاع جسدها،
وفق تواصل متحاور منسجم.
إن الجسد المؤنث يشحن مظاهر الطبيعة بتلك الشحنة المتوقّدة التي يفرزها
نصية ،فتتخّلق في السرد ،وتتناسل ،مساعدة الداللة
الجسد المؤنث ،عبر سالسل ّ
متعدد ال
ّ على االنطالق واإلنعتاق من قيود المعجم وداللته المباشرة ،إلى فضاء
بكل هيمنته وسلطته
محدود ،تجابه المرأة المبدعة ،في أثنائه ،شيطان الجسدّ ،
وشراسته التي لم تتوقف عن الحضور الطاغي في فضاء الوعي الكاشف غير اآلبـه
بالمحرمات والممنوعات.
ّ
ها هي (فضيلة فاروق) تنحت روايتها من تخوم الجسد وحفرياته ،من خالل
العبارات المشخونة التي تنجذب من الجسد واليه ،فيتكّلم بلغته ويستعير معجمه.
الملبدة بالغيوم ،وذلك
ّ نلمس ذلك في مثل قولهـا" ...":أيس" ،تلك السماء العبوس
77
المطر الشبق الذي يغازل الكون ،لم يكن أكثر من رجل ،ولكنه في الوقت نفسه،
كان أكثر من رجل ،وهذا ما لم أفهمه.25"...
وفي مقطع آخر ،يرد على لسان الساردة ،في وصف شارع ،هو أشبه بوصف
جسد رجل ..." :شارع (مونبرناس) ،في السادسة مساء ،تحت قبعة سوداء من
تهب كالموسيقى ،وبقع الماء في الشارع
الغيوم ،يبدو رجال مشكوكا في أمره ،الريح ّ
أغنية مبعثرة.26"...
وفي أحيان كثيرة ،نجد في الرواية النسائية ميال إلى إخراج الجسد -بشقيه
الذكوري واألنثوي -من أسوار الذات إلى فضاء الكون؛ فقد توظف المرأة "المطر"
و"الشارع" و"الريح" بالصفة الذكورية ،فتمنح له تفاصيل الجسد الذكوري ،بينما تختبئ
خلف مسميات أخرى كـ "الكون" ،مثل ..." :ذاك المطر الشبق الذي يغازل
الكون ."...وأحيانا نجدها هي "األرض" و"المدينة" ،تمارس من خالل ذلك كل
التحوالت ،بل تتشاكل مع كينونات طبيعيه ورمزية ،وتبقى السياحة متواصلة،ّ
خاصة ،حين يتوّقف الزمن الخارجي ،وتطغى التداعيات الداخلية
ّ مستمر،
ّ والترحال
الحية والجامدة،
التي تتيح لهذا الجسد أو ذاك إمكانية التماهي مع مظاهر الطبيعة ّ
مثل ما ورد في رواية (فضيلة فاروق) ..." :ولكن باريس جميلة ،ومتوهجة في
الوقت الذي تنام فيه قسنطينة في حضن رجل شرس ،بال قلب ،بال مخ ،بال صوت،
تسرق أنفاسها خلسة من مساء يختنق ،وتقول الشعر الذي يجعلنا نبكي ،ال الشعر
الذي تقوله باريس في صالونات ،تضج بالتصفيق.27"...
إن المغامرة السردية في الكتابة النسائية هي مغامرة للروح والجسد .فالتواصل
مع الكون ،والفضاء الخارجي ،يتم عبر مجموعة من القرائن المحفّزة على التخييل،
والتي ال تخرج عن استعارة تفاصيل الجسد الحاضرة عبر االمتداد اللغوي ،في جمل
سريعة اإليقاع ،نق أر فيها حاضر الجسد ،وحاضر الذات .فهي تنطلق من الجسد،
زودت المعنى بدالالت جديدة ،فرضتها شبكة
وتعود من حيث بدأت ،بعد أن ّ
71
العالقات الجديدة بين مفردات النص الروائي ..." :ولكن باريس جميلة ومتوهجة،
في الوقت الذي تنام فيه قسنطينة ،في حضن رجل شرس."...
بناء ولغةً،
وما يالحظ على (فضيلة فاروق) محاكاتها لـ (أحالم مستغانمي) ً
بل ّإنهـا تستعمل لغتها ومسمياتها ،وتستخدم رؤيتها لألشياء ،بحيث تكاد تكون هذه
فوقة على قريناتها،
الرواية "اكتشاف الشهوة" تقليدا أعمى للكاتبة (أحالم) التي تبقى مت ّ
سواء من حيث المرتكزات المعرفية التي انطلقت منها ،أم من حيث البناء وتقنيات
تميز كتابتها.
السرد ،أم بالنظر إلى اإلشارات اللغوية ،والظواهر األسلوبية التي ّ
توظف (أحالم مستغانمي) الجسد األنثوي ،وتستعير جزئياته في رسم لوحتها
الزيتية "حنين" .وعن طريق السارد الرئيس في رواية "ذاكرة الجسد" ،يرد المقطع
التالي:
" ...ها هي لوحاتي ،تستيقظ كامرأة بتلك الحقيقة الصباحية العارية ،دون زينة
وال مساحيق وال رتوش ،ها هي امرأة تتثاءب على الجدران ،بعد أمسية صاخبة،
اتجهت نحو لوحتي الصغيرة -حنين -أتفقدها ،وكأنني أتفقدك" :صباح الخير
علي
ردت ّ قسنطينة ،كيف أنت ،يا جسري المعلّق ..يا حزني المعلق منذ ربع قرن؟"ّ .
المرة ،فابتسمت لها بتواطؤ ،إننا نفهم
اللوحة بصمتها المعتاد ،ولكن بغمزة صغيرة هذه ّ
بلدية مكابرة مثل
بعضنا ،أنا وهذه اللوحة -البلدي يفهم من غمزة -وكانت لوحة ّ
صاحبها ،عريقة مثله ،تفهم بنصف غمزة.28"...
يجسد المتن الروائي ،ويربط عناصره ،كما يساعد في
فالجسد المؤنث هو الذي ّ
تكثيف حضور الطاقة الشعرية ،وتحقيق ذلك التعاطف المادي ،واالنجذاب الوجداني.
"الجسد األنثوي ،يسع الحياة برمتها ،ألن العالقة بين الجسد وبين العالم ،بعد أن
وتوحد".29
كانت عالقة احتواء وترويض وامتالك ،أصبحت عالقة حوار وتناغم ّ
ويبقى الجسد األنثوي ،في الرواية ،هو القابض على خيال القارئ وفكره ،وتبقى
اللغة التي تعمل على تفجير أشياء الجسد هي السائدة ،نظ ار للتوتّر الكائن الذي تمثّله
77
المجازات والصور واإليحاءات .فالرواية النسائية تحسن اإلنصات إلى الجسد الذي
مجنح،
علوي ّ
ّ الحسي إلى كائن
يفعل الشبكات الداللية واللغوية ،بحيث تصعد بالكائن ّ
ّ
موجهة للمعنى ،قابلة
مزود بالمعاني اإلضافية المبثوثة ،تح ّقق للنص سلطة داللية ّ
ّ
للتأويل ،مثل ..." :ها هي لوحاتي تستيقظ كامرأة بتلك الصباحية العارية ،دون زينة
وال مساحيق"...
(أحالم مستغانمي) في روايتها "ذاكرة الجسد" تربك قواعد اللعبة السردية ،من
خالل شعرية الرواية وح اررتها ،حين توظّف الجسد األنثوي مرتعا خصبا لتغذية السرد
علي اللوحة بصمتها المعتاد ،ولكن بغمزة صغيرة هذه
ّ ردتوتحريكهّ ..." :
بأتم معنى الكلمة ،وهي
تتحول إلى امرأة مغرية ّ
المـرة ."...فاللوحة الزيتية "حنين"ّ ،
صورة قد درج عليها األدباء من قبل ،حين عمدوا إلى "تنحية التعبير المنطقي،
والتركيز على عمليات االستثارة العاطفية ،بحيث يصبح نقل التوتّر هو المقصد
األول" .30والمالحظة نفسها يمكن أن تقال في رواية "قالدة قرنفل" للكاتبة الروائية
ّ
(زهور كرام) ،حيث يرد على لسان الساردة ،وهي تتكلّم عن ذاتها ،وجسدها ،وظلّها:
" ...ألن ظلّي سرعان ما عاد يستلطفني ..هل أدرك حاجتي إليه هو أيضا..
يحيا من وجودي ..لم أعرف كم من الوقت انصرف في ركوب هذا السفر ،يحدث أن
أركب مسافات ،واحّلق في أجواء ،ألجد ذاكرتي جاهزة الحتضان شرودي ،الهثـة من
تصر على استفزازي حتّى ال يتراجع خطوي ،وأضعف أمام
فرط تحالفها معي ،كأنها ّ
انسحاب ظلّي ..أنيسي ..حين تفاجئني الطبيعة مطرا ..مطرا ..وان كان خفيفا..
خفيفا ..فإنه يواري أنيسي.31"...
يتحول النزوع إلى التوحد بالجسد وبظلّه إلى طرح المرأة من خالل كلّيتها ،وهذه
ّ
الكّلية تتح ّقق في الجسد وفي ظّله الذي يعتبر باعثا لليقين على الكينونة والوجود،
فتأكيد الظل هو تأكيد على وجود الجسد الذي تتح ّقق بوجوده االستم اررية ،والقدرة على
الديمومة والحركة.
77
إن وجود "الظل" هو دليل على وجود "الجسد" ،والجسد كائن يمتلك الشكل،
والكائن الذي يمتلك الشكل ،حسب تعبير (باشالر)" ،يسود آالف السنين ،ألن كل
المتحجرة ،ليست مجرد كائنات عاشت في الماضي،
ّ شكل يستعيد الحياة ،والكائنات
حية ،مستغرقة في النوم داخل شكلها".32
ولكنها ما تزال ّ
تحول الحياة ،وديمومة الحركة ،كما يمثّل الجسد األنثوي شجون
الجسد يمثّل ّ
الرغبة ،بين ما يرسله النص من مفردات لغوية ،وما يبحث عنه المتلقي لتبقى سلطة
الرغبة في التأويل والكشف قائمة وفق تلك المسافة بين الجسد وظله .هذه المسافة
التي تحسنها الكتابة النسائية بامتياز.
وحين نتأمل مثل عبارات ..." :يستلطفني ..أركب مسافات االحتضان..
الهثة ..المطر ،"...وحين نبحث في عالم األلفاظ عن تلك العالقة المتجاذبة المهيمنة
في فضاء النص :كاالستلطاف ،واالحتضان ،والركوب ،واللهاث ،واإلمطار ،تتكون
لدينا لوحة تعبيرية مشحونة بتوتر الجسد ،هي في األصل عالمات سردية تستدعي
التأويلّ ،إنهـا بالغة الجسد النابعة من كثافة الرموز المشحونة بالتأويالت
شعرية مشفّرة:
ّ -3فاعلية الجسد وبالغته في تشكيل لوحات
يمثّل الجسد بالغة فنية مكثّفة في الرواية النسائية ،يسهم في إنتاج العناصر
التميز في كتابة المرأة ،يخلق
المش ّكلة لإلبداع ،وتشكيل لوحات شعرية مش ّفرة ،هذا ّ
تلك الخصوصية التي قد تعجز عنها الكتابة الذكورية لنمطية الجسد األنثوي عند
الرجل.
التحول واالنشطار ،وما يترتّب
مع تشكيل الجسد عند المرأة ،نعيش المباغتة و ّ
عنها من تداع لألفكار ،وتوليد للدالالت المطلقة ،فيتقاطع الذاتي بالموضوعي ،ويلتئم
المتعدد بالواحد الكّلي ،كما يسمح للطاقة الخيالية بالعبور والتسّلل إلى ما وراء
ّ
األشياء.
78
تسعى الرواية النسائية – دومـا -إلى االختراق والتجاوز ،لكن بنوع من اللين
والمرونة ،قصد اكتشاف الحقيقة ،ومواجهتها عبر االلتحام باآلخر .وظاهرة
استحضار (الجسد) في الرواية النسائية تختلف عنها في الرواية الذكورية؛ فالرجل
يرى المرأة جسدا ناميا ،ال فك ار واعيا ،بينما اختلف األمر في الرواية النسائية،
المتميز في اللغة التعبيرية
ّ لخصوصية التعاطي األنثوي مع هذه القضية ،واالنسجام
عن المرأة التي ترصد أدق األحاسيس والمشاعر دون خجل أو مواربة ،معها يشتبك
نبض الجسد مع نبض النص ،في لغة متآلفة مبدعة خالّقة ،نلمس فيها فاعلية
المستمدة منه ،وتشكيالت شعرية مشفّرة تضيء أفق
ّ الجسد ،فاعلية الصورة البالغية
النص المؤنث ،فتزيل الحجب الفاصلة بين األنا واآلخر ،من خالل التشكيل
المتجانس اإليقاع والداللة.
ولتقريب هذا المعطى ،نورد مقطعا سرديا من "ذاكرة الجسد" ،على لسان السارد
"خالد بن طوبال" ،وهو يعّلق على اللوحة الزيتية "حنين" ومدى التقارب بينها وبين
"حياة":
أود لحظتها لو احتضنتك بذراعي
" ...نظرت إليك خلف ضباب الدمع ،كنت ّ
الوحيدة ،كما لم أحضن امرأة ..كما لم أحضن حلما ..ولكنني بقيت في مكاني،
وبقيت في مكانك متقابلين هكذا ..جبلين مكابرين ،بينهما جسر سري من الشـوق
والحنين ،وكثير من الغيوم التي لم تمطر ،استوقفتني كلمة جسر ،وتذكرت تلك
وكأنك تبحثين فيها عن نفسك .قلت" :أليست هذه قنطرة
اللوحة ...نظرت إلى اللوحةّ ،
الحبال؟ ."..أجبتك" :أنها أكثر من قنطـرة ..إنها قسنطينة ،وهذه هي القرابة األخرى
التي تربطك بهذه اللوحة ...يوم دخلت هذه القاعـة ،دخلت قسنطينة معك ،دخلت في
طّلتك ،في مشيتك ،في لهجتك ..وفي سوار كنت تلبسينه.33"...
إن (أحالم مستغانمي ) في رسمها للصورة ،تستعير الجسد األنثوي المشتهى،
ّ
ليتشاكل عندها ،في نظام بديع ،مع كينونات رمزية ،وطبيعية ،وتاريخية ،حيث
77
المستمدة من
ّ يتناسل الوصف الموضوعي مع اإلسهام والهذيان في تشكيل الصورة
األنثى ،أين الدفء والجاذبية والميل الغريزي .وا ّن تحقيق هذا النظام بين دوال
أن "نظام تش ّكل األشياء واقعا ،ونظام
األشياء ومدلوالتها قد ال ينسجم دائما ،ذلك ّ
تش ّكل معنى األشياء لغة ،ال يتالزمان".34
محجبا ،يخفي نصف الحقيقة،
ّ تلبس اللغة عند (أحالم مستغانمي) لباسا
ويظهر النصف األخر .وا ّن "اللغة لتعيش وجودها في جدل مع الواقع ،تجاذبه
ويجاذبها في فهم الواقع والتعبير عنه ،أو تزويره واالنحراف به ،أو ولوجه
واالستحواذ عليه ،ال لسيطرة اللغة عليه ،بل لتحويله واعادة إبداعه تركيبا وصياغة
وانشاء".35
تحاول المؤلفة ،في تشكيل صورها الشعرية ،فتبدأ من الدالالت التي تدخلها
في غالالتها الضبابية ..." :نظرت إليك خلف ضباب الدمع ."...و"ضباب الدمع"
فيكون
لها مرجعية داللية ،تتمثّل في الحزن الشديد ،أو الشوق الذي يحرق القلبّ ،
تعبر
حاجبا حاج از للرؤية .ولكن مع سياق النص ،نعثر على الداللة الضمنية التي ّ
ألمت بالسارد "خالد بن طوبال" ،وهو يوشك علىحميمية المشاعر التي ّ
ّ عن
أود لحظتها لو احتضنتك بذراعي الوحيدة."...
احتضان حياة ..." :كنت ّ
فالصورة السردية المح ّفزة هنا هو العناق وااللتحام ،حيث مشاعر العشق
والفيض الوجداني ينزف من جسد ينقصه ذراع .وهذا المشهد المحموم المتوتّر الذي
وظل
ّ هو في حاجة إلى االلتحام لم يقع ،بل بقيت المسافة بين الجسد المؤنث،
القوة الفاعلة في مسار السرد النسائي ،حيث البؤرة المحفّزة، اآلخر ،تمثّل ّ
والمستقطبة لمحاور السرد الباحثة عن اإلشباع وعن االرتواء ،فال تكاد تعثر عليه:
" ...ولكنني بقيت في مكاني ،وبقيت في مكانك ،متقابلين ،هكذا جبليين
سري من الشوق والحنين ،وكثير من الغيوم التي لم
مكابرين ،بينهما جسر ّ
تمطر."...
77
تستوقفنا كلمة "جبل " ،والجبال من الركائز التي استخدمها سبحانه وتعالى
تتحول،
لتثبيت هذه األرض واستقرارها ،فهي من العالمات الدالّة التي ال يمكن أن ّ
أن للجبل من القوة والصالبة ما يجعل االنحراف به أو تزويره أو االستحواذذلك ّ
عليه أم ار مستحيال.
بهذا االستحضار القصدي لـ "الجبل" ،فيه صورة الذات وصورة لآلخر؛ هذا
أن (الجبل)
اآلخر الذي تمثله "حيـاة" التي هي "قسنطينة" الوطن واألرض .غير ّ
اآلخر سيمثّله السارد "خالد بن طوبال " الرجل المجاهد الذي حمل السالح دفاعا
عن هذا الوطن ،وهو الذي تربطه حْلقة وصل وانجذاب بهذا الوطن ،هي حْلقة
الشوق والحنين.
وتحسن (أحالم مستغانمي) التوليد الداللي المنسجم مع اإليقاع الصوتي،
وهو ما يجعل أسلوبها التعبيري يقترب م ن الشعرية المكتنزة بالرموز ،حيث إن
الرؤيا عند الكاتبة تؤطّر لفلسفة الجسد ،وتجسيد آللياته المختبئة وراء اللغة الشعرية
المش ّفرة الغنية بالتأويل.
فالنص "مكان الذات الذي تتجسد من خالله رؤاها ومعاناتها وأحاسيسها ،في
عالقاتها بالكون والكائنات ،والنص مكان الذات إذ تتموضع في اللغة ،فتجد فيه
سكنها ،ومن خالل هذا التموضع تجد الذات -أو تحاول أن تجد -هويتها ،وهذه
الهوية مع الهوية المادية الجسدية هويتان تتحركان في جسد العالم ،وفضاءات
المكان ،وهو تموضع وجودي حتمي؛ ألن المكان األكبر (األرض /الوطن) ،يملك
هويته ،ويفرض خطابه االجتماعي والثقافي والحضاري ،في عالقة هيمنة
وتملك" ،36فيكتسب الجسد في الرواية النسائية نكهة مغايرة ولغة وليدة تنشأ عنها
تحوالت وجماليات.
ولعل بالغة الجسد في تشكيل لوحات شعرية مش ّفرة يشير إلى تلك العالقات
سنة كونية ،تشمل الطبيعة
التي تبحث عن االلتحام والتوافق ،فتصبح هذه الظاهرة ّ
77
"إن إحالة اللغة على
ومظاهرها الشاعرية المح ّفزة ،داخل تش ّكل المكونات األخرىّ .
الجسد ،والجسد على اللغة ،وتماهيهما ،تجعل من الضروري التذكير بمفصل
الكينونة القديم ،واإلشارة إلى تلك اللحظة التي أنشأ اهلل فيها جسد الكون بكلمة
( ُكـن) ،والجسد البشري ،أو الكينونة البشرية جزء من هذه الكينونة الجسدية الكبرى،
قصة خلق عيسى (عليه السالم) من كلمة الّله ،يشير الصريح قي ّ ولعل النص ّّ
بوضوح إلى هذه العالقة المتج ّذرة بين الخلق والجسد واللغة".37
يمدها
وتتقن (أحالم مستغانمي) أيضا شعرية الكتابة ببالغة الجسد الذي ّ
بلغة طافحة بالشعرية ،مشحونة بالدالالت ،مثيرة لخيال المتلقي ،عبر النبش في
المتجددة المتناسلة
ّ مخزون الذاكرة والتاريخ ،وعبر تفاصيل الجسد ،وعوالمه الثرّية
قصها
يعبر بصدق عن مهارة الكاتبة وموهبتها السردية ،وبالغة ّ باستمرار ،مما ّ
يؤسس لكتابة نسائية مغاربية بامتياز.
الذي ّ
ولالستدالل والتمثيل على هذا الزعم ،نتوقف عند رواية "فوضى الحواس"
تعد محفال إبداعيا ولغويا ،مارست الكاتبة من خالله غواية اللغة
مرة أخرى ،والتي ّ
مؤنث ،غطّى مكونة منحوتة شعرية من جسد ّ وفتنتها ،كما تماهت مع الكتابةّ ،
فضاء النص إغراء ومتعة.
" ...كنا على مشارف قبلة ،عندما جاءت تلك الموسيقى مباغتة لنا ،زاحفة
نحونا ،متباطئة كسلى ،ثم متقاربة اإليقاع ،بمزاجية الرغبات الطاعنة ،تناقضا
كخطى راقص على أرصفة الشغف ،تحت مطر السماء ،كانت األقدام الحافية،
تنقل لنا إيقاعها العشقي ،منتعلة خفّة شهوتنا في حضرة زوربا ...خلع البحر
نظاراته السوداء ،وقميصا أسود ،وجلس يتأملني.
مد وجزر،رجل نصفه حبر ،ونصفه بحر ،يجردني من أسئلتي ،بين ّ
يسحبني نحو قدري ،رجل نصفه حياة ،ونصفه إغراء ،يجتاحني بحمى من القبل،
77
بذراع واحدة يضمني ،يلغي يدي ،ويكتبني ،يتأملني وسط ارتباكي ،يقول" :إنها أول
مرة ،أطل فيها من نافذة الصفحة ،ألتفرج على جسدك .دعيني أراك أخيرا.38"...
تظهر الساردة "عالمة" أساسية في رواية "فوضى الحواس" ،فهي التي
تحكي والرجل يستمع ،وتبقى الساردة تضيء األبعاد الداللية والرمزية ،بين الكثافة
الشعرية واالسترسال الروائيّ .إنها ت ستقطر رحيق الجسد األنثوي ،وتجمع عصارته
الجوانية بين الـ (هي) والـ (هو) ،وتختار حوافزها
الجمالية حين ترصف تلك العالقة ّ
تؤسس للحبكة الفنية من إيقاع الجسد.
التي ّ
بأعنة شخوصها ،معهّ لقد كان جسد الساردة هاجس الرواية ،الماسك
المؤسسة لبؤرة الرواية النسائية ونقطة ارتكازها وأرضية
ّ تجسدت شعرية السردّ
يتميز بها السرد النسائي ،تتباين -قوة وضعفا -
توازنها .وهذه الخصوصية التي ّ
لعل (أحالم مستغانمي) كانت أكثرهن تفعيال لدفء الجسد
من رواية إلى أخرىّ ،
وعبقه ،وعرضا لتواريخه ،وكشفا ألس ارره.
في رواية "ذاكرة الجسد" ،بقي السارد "خالد بن طوبال" ،و"حيـاة" متقابلين
كجبلين مكابرين ،بينهما كثير من الغيوم التي لم تمطر .39لكن في رواية "فوضى
الحواس" التي هي بمثابة تكملة للرواية األولى ،تمطر الغيوم ،ويلتقي الجبالن،
بحمى
ويجتاح أحدهما اآلخر عبر نزيف لغوي ،نلمس فيه نفس الساردة الساخن ّ
الكلمات المحبوكة على مقاس الجسد:
" ...أحاول أن أحتمي بلحاف الكلمات ..يطمئنني" :ال تحتمي بشيء ،أنا
أنظر إليك في عتمة الحبر ،وحده قنديل الشهوة يضيء جسدك اآلن ،لقد عاش
حبنا دائما في عتمة الحواس".
أود أن أسأله" :لماذا أنت حزين إلى هذا الحد؟" .ولكن زوبعة بحرية ذهبت
بأسئلتي ،وبعثرتني رغوة ...على سرير الشهوة .كان البحر يتقدم ،يكتسح كل شيء
في طريقه ،يضع أعالم رجولته على كل مكان يمر به .مع كل منطقة يعلنها
77
منطقة محتلة ،وأعلنها منطقة محررة ،كنت أكتشف فداحة خسائري قبله .كمن
يتململ داخل قفص الجسد ..أنتفض واقفا ،كان يريد أن يغادر ذاته ،ويتّحد بي.
أسأله" :ماذا أنت فاعل بي؟" .يجيب :ال تملك األشجار إال أن تمارس الحب
واقفة .تعالي للوقوف معي" .40"...
حين نتأمل المادة اللغوية بوصفها (ملفوظا) ،نجد معجم الجسد ،وايقاع
المدونة .وبعد
ّ للحيز األكبر من
المؤسس ّّ الرغبة ،وطقوس التالحم الجارف هو
تأملنا للمقطع السردي المنتخب بعفوية ،نجده أقرب إلى المشاهد واللوحات الشعرية
المتتابعة ،والمتقاطعة أحيانا مع الجسد ،المحبوكة والمكتملة بوجود اآلخر.
فـ (أحالم مستغانمي) تخط نصا قريبا من جسدها بحيث يتنفّس النص
ويجس نبضه .وهذه (الظاهرة الفنية) هي من خصوصية ّ هواءه ،ويعيد أصداءه،
التعبير النسائي المطارد بعالقات التماثل بين الجسد وبين الرموز والمعاني الكونية
ومظاهر الطبيعة األخرى.
مع (فضيلة فاروق) ،نجد تفاوتا واضحا بينها وبين ( أحالم مستغانمي) من
حيث توظيف الجسد . 41لذلك فقد أخفقت ،حين حاولت محاكاتها ،أو منافستها،
ليتحول الجسد -الذي يمثّل قيمة جمالية وفنية -إلى شيء مبتذل ،نلمس فيه
ّ
التكّلف ،وانعدمت التقنية التصويرية له .كما فقد الجسد عند (فضيلة فاروق) تلك
الكثافة الداللية ،وذلك اإليقاع العالي والعنيف ،وبالتالي ،فقد خصوصية العمل
الفني ،فكشفت عن عدم امتالك للتقنيات األسلوبية المؤثّرة في إنتاج النص التي
بتفوق.
تملكها (أحالم مستغانمي) ّ
تتحول
وتوظّف الكاتبة الليبية (فوزية شالبي) الجسد كشخصية وهوية ،كما ّ
الرؤيا عندها إلى فلسفة للجسد ،بموجبه تتش ّكل حركية نمو الحدث وتطوره .فالجسد
قوية
هو الذي يخلق التوتّر الدرامي في الجمل الشعرية ،ويمثّل شرايين ال مرئية ّ
الدفع والحركة ،واالستعانة بأصوات الجسد وحركاته هو الكفيل بتلك الصور
77
تجسد اللوحة الشعرية المبنية على مقاس الجسد في ثورته وصخبه،
البالغية التي ّ
أو في هدوئه واسترخائه ،ذلك الذي ورد على لسان الساردة:
" ...العالم ،هذا الحوت الضخم المخيف؟ أسنانه حادة وكبيرة ،وهذا
الخدر ...األشياء تتالشى ..الجمرة تخبو رويدا رويدا ،وأنا أرقص /أجمح /أهمهم /
أتلوى كأفعى /أعدو مثل قطة فزعة /أك ّشر عن أنيابي القديمة ،ثم أسقط في هذا
الخدر اللذيذ.
تعال ،أجذبك من يدك ،آخذك منهم ،أنت لي ،لي وحدي ،تعال ألهرب بك.
أجري وسط جموعهم التي تتفرج مدهوشة وحاقدة ،يرجموننا بنظراتهم ،وأنت ،وأنا
نركض .إلى أين..؟ ال أدري ،لكنني فقط أعرف ّأنك معي ،أن أمسك يدك ،أريد
يدك ،وال أعرف ! .أضحك /أبكى /أغني /أبتهل /أسب ! .أقول لك أحبك ،أقول
لك أبغضك .أقول هيا قبلني ،اصفعني .ماذا أريد منك؟ .ال أدري .من أنت؟ .ال
ادري .متى – أين – كيف – لماذا؟ .أرجوك ،تسأل أو ال تسأل .أريد سيجارة
أخرى .هذا غير معقول .الطرق مألى بالعربات ،والناس ،وأكوام القمامة والحفر،
واإلشارات الضوئية ،والمنعطفات ،ورجال البوليس ،وتقلب األحوال الجوية ،وفضول
النوافذ المغلقة ،وشفاه السيدات الممطوطة .إيه ..وماذا أيضا؟! .42"...
ظي تحت سلطة
توحي المشاهد والوقفات السردية ،بتبعثر الجسد المتش ّ
المكبلة باإللغاء والمصادرة .فالنص مكتنز بتفاصيل الجسد المشحون
ّ الرغبة
بحركية االجتياز إلى اآلخر المعشوق ،حيث يوظّف الجسد هنا ،ليستوعب تجربة
شعورية وشعرية ،تعطي أجواء الغبطة الراقصة لهذا الجسد الذي داهمته خيول
الشوق ،شوق اآلخر الغائب ..." :وأنا أرقص /أجمح /أهمهم /أتلوى كأفعى."...
وتواتر ارتباط غبطة الجسد ،وشراهته المحمومة بـ (الجمرة) و(القطة)
و(األفعى) ،وهي محاولة تدخل في تسمية األشياء بغير أسمائها ذلك أن "األلفاظ
التي يعمل وجودها في نسقها الداللي على إخراجها من دالالتها القريبة المباشرة
71
المعروفة ،ويحصرها بداللتها الجنسية الصرفة ،من خالل جعلها تش ّكل ثوبا شفافا،
وظيفته األولى :لفت االنتباه إلى المنطقة المثيرة ،وليس إلى سترها وتغطيتها".43
حين نصغ ي إلى النص ،نشعر برغبة "جسد السادرة" ،باعتباره كمون
بالتغير ولكن إلى أين؟ ..." .أقول لك :أحبك ،أقول
انتظاري ،وطاقته كامنة تسمح ّ
لك :أبغضك ،أقول :هيا قبلني ،أصفعني ،ماذا أريد منك ."...ما تريد الساردة
تحرير الجسد النسائي من المفاهيم المتداولة ،وتأكيد الكينونة من خالل اإلحساس
للتحول في الدالالت والرؤيا
ّ باألشياء واالندماج فيها .ويبقى "الجسد بمثابة الحاضن
من المستوى الرمزي التجريدي ،إلى المستوى الرمزي في الثقافة الشعبية ،تماما كما
لو أن الجسد أصبح ذلك الوسيط الشفّاف بين قناتي الوعي والالوعي ،وبالتالي،
تتوّلد الرؤيا بفعل الصورة أو الهيئة المعطاء للجسد ،والمعنى المنبعث منها".44
بتمردها وثورتها على الكثير من
ثم تأتي (زهور كرام) ،فتكسر جدار الصمت ّ
القيود والعوائق االجتماعية ،ولكنها ال تبرح جسدها؛ فهي تسكنه ،وتكتفي بتفاصيله؛
لتكتب منها رواية تسمى" :قالدة قرنفل ".
العمة) ..وقد أحسنت
(جبة ّ
تغدو الساردة شخصية محورية فاعلة في اختراق ّ
الكاتبة في ذلك التداعي الذي يولّد من الكلمة الواحدة موضوعا من خالل السياق
المونولوجي وتداعياته .جاء على لسان الساردة:
" ...هو الذي حثّني على السير للقياه ،كّلما هاجت نفسي ،لكي أرتوي..
لكي أعان قه ،أعانقني ،أدور في الغرفة ..أرتطم بأشالء حميميتي ..اختلطت فوق
تمزقت ،تعريت ،أشعر بالبرودة تلسعني ..برودة العري
األرض ،تبعثرتّ ،
علي األمر ،أقلبني
والفضح ..وأنا منتشرة غسيال على األرض ،أفتّشني ،يستعصى ّ
ورقة ورقة ،أصبح كتابا تافها ..منسيا ،ذكرى مخذولة ،أين الطريق إليه .هل
اغتصبوه ..سرقوه..
77
انتبهت إلى انسحاب الشمس من الغرفة ،خرجت من النافذة دون أن أدري..
انشغلت عنها ..جمعت خيوطها وانصرفت بهدوء.
حسنا فعلت ،حيث أضأت نور الغرفة ..مازلت أبحث عن الكتاب عن أثر
العشق ..حيث أعياني الدوار ..ارتميت فوق السرير ،وعيناي على السقف ،فيما
أفكر ..ال أدري ..ذهني منشغل ...أعرف ،أسبح في فضاءات ..أركب صورا،
تحضرني كل األسماء.45"...
التوحد مع جسدها ،ومع ذاتها ،ومن ثم ،كانت
ّ تكتب (زهور كرام) من خالل
الرواية معها هجرة داخل الجسد الذي ما فتئ يقف حائال دون الصدام العلني،
والمواجهة الحقيقية.
ومن أجل استفزاز النص ،واستفزاز القارئ من بعد ذلك ،تركن الكاتبة إلى
تتوسل بها
ّ مقيدة دالليا،
نسق سردي تركيبي ،عماده وحدات نحوية قصيرة غير ّ
الموجهة إلى
ّ للتعبير عن آفاق التجربة اإلنسانية المفتوحة ،ومن هنا ،ترد األفعال
لتتحول بعد ذلك إلى (مفعول به) ،مثل ..." :لكي أعانقه أعانقني ،تبعثرت
ّ الذات،
تعريت ،تلسعني ،"... ،كما نلمس التكرار المعجمي ،مثل ..." :أركب،
متكرر ،يكثّف المدلول الصوتي
ّ يتحول إلى مؤ ّشر صوتي
ّ أركبني ،"...،الذي
لأللفاظ.
تكسر (نمطية) الخطاب ،ومألوف اللغة ،فتعتمد على كما نجد الكاتبة ّ
توجه منظور الرؤية ليكون لألشياء بعدها المغاير ،ونكهتها
(المجاز) ،وهي بهذا ّ
المميزة ،مثل ..." :انتبهت إلى انسحاب الشمس من الغرفة ،خرجت من النافذة
ّ
دون أن أدري ."...
لقد أحسنت (زهور كرام) في صياغة جملها السردية ،حين أقامتها على
(شعرية اللغة) ،من خالل االنزياح الذي يشغل ذهن المتلقي ،ويربك أفق انتظاره.
77
فذات الساردة تفتّش دوما في الجسد ،وتستأنس بظّله ،وتختبئ بداخله،
وتنجذب إلى التأمل في اآلخر الذي يعتبر عناقـه عناقا لجسدها وذاتها ،مثل ذلك،
قولها ..." :لكي أعانقه أعانقني ،أركبني"...
تعمل (زهور كرام) على تحرير (اآلخر) بوصفه جزءا جوهريا في تحرير
الذات ،وتحرير الجسد .وهي بهذا ،تحاول تحطيم التراث ،من خالل االختفاء وراء
جدران الجسد وجغرافيته ،لذا ،كان التشابه النحوي والصرفي بين مفردات اللغة التي
تعمل على نسق واحد ،كون الكتابة يمتزج فيها المشهد المرئي الحسي بمشاعر
السادرة الس اعية إلى إرباك قواعد اللعبة السردية ،من خالل تشتيت البرنامج
المتحول ) ،حيث اإلف ارزات الجديدة المتناسلة للتحوالت
ّ السردي ،من (الثابت) إلى (
تحول الساردة إلى غسيل ،ثم إلى المتسارعة ،قصد تغذية السرد ،وتحريكه ،مثل ّ
كتاب ..وهكذا ،يبقى مسار التحوالت خاضعا لنفسية ا لسادرة ،ووضعها الجسدي
الباحث عن كيانه ،ووجوده.
مع (آمال مختار) ،نجد توظّيف الجسد يأخذ طريقة هي أقرب إلى المباشرة
الحسية ،حيث تستبد به الواقعية في صياغة المشهد ،ففقد الجسد خالها شحنته
و ّ
الداللية ،وضاعت رموزه الدالة ،جراء سعي الكاتبة إلى االلتقاط المباشر لتلك
ظيف الجسدي ماديا ،يفقد سخونته
الفاعلية المشهدية (البصرية) التي تجعل التو ّ
ويخيب أفق انتظار القارئ ،كونه يجهر ويعلن وال يخفي ،لذا ،كانت ّ وفتنته،
نصوص (آمال مختار) السردية أبالغية ،إخبارية ،أكثر من بالغية ،إشارية.46
وعلى الرغم من ذلك ،يبقى الجسد في السرد النسائي ،يمثّل الومضة
اإلبداعية التي تحمل الكثير من الدالالت المشحونة باالحتماالت المضاعفة ،يكفي
يتعمد لفت
معها القول إن الجسد غدا قناعا مالزما إلبداع األنثى ،حيث "القناع ّ
المقنعة المستش ّفة ،وهكذا،
االنتباه إلى القيمة الخاصة التي تنطوي عليها المنطقة ّ
تتحول هذه الكلمات إلى درجة أخرى من درجات البوح ،وبعدا من أبعاده ،وليس
ّ
788
مما هو معروف في
إلى مجرد مجاز لغوي ،أو استعارة ،أو تورية ،أو ما سوى ذلك ّ
علم البالغة.47"...
-4جغرافية الجسد فضاء لتأثيث المساحة السردية:
كمادة حكائية،
ّ يغدو الجسد (تيمة) داللية في الرواية النسائية التي توظفه
وكملفوظ تشخيصي وتصويري لجميع المشاهد السردية المنبثقة من الجسد،
المتصلة والمنفصلة بينه وبين مظاهر الطبيعة األخرى التي يحل فيها .نجده في
البحر ،والشجر ،والمطر ،والكون.
إن السرد عند المرأة -عموما -مو ٍاز ألحوال جسدها ّ
مدا وجزرا .هنا تكمن
غنيا
(شعرية) السرد عندها ،كون السرد يالمس الجسد ،ويلتحم به مكثّفا ،مشحوناّ ،
طي النص النسائي.
بحمولته اللفظية التي تغ ّ
كما يمثّل (الجسد) أجواء الغبطة الراقصة المثيرة لذهن المتلقي ،باعتباره بؤرة
داللية وايقاعية ينطلق منها المخيال السردي النسوي ،فتنفتح اللغة معه بكل طاقتها
الترميزية ،ومنتهى إيحاءاتها المجازية على جسد النص تمهيدا إلخصابه .و"إن
وصف لغة الصورة السردية بأنها لغة مكثّفة على نحو تبدو فيه بنيتها الداخلية أو
حتى شكلها الخارجي أقربّ إلى مرتبة اللغة الشعرية ".48
تستمد اللغة الشعرية ،في الكتابة النسائية ،طاقتها من الجسد ،حيث تمنح
ّ
الفاعلية للمرأة من خالل جسدها الذي يمدها باالندفاع والحركة تجاه اآلخر ،وهنا
تكمن ل ّذة االلتحام واالختراق في إطار وعيها باآلخر المذ ّكر ،نلمس –أثناءها -
قدرة المرأة المبدعة في استثمار قدرة الجسد لتأثيث مساحتها السردية ،بعيدا عن
سطوة المجتمع وقيده.
فالمرأة ،حين تسرد ،تبدأ بنبضات أنوثتها الحالمة ،حيث ينبري المخيال
أالنزياحي إثرها ،في استدعاء صوت اآلخر وصورته ،هذه الفضاءات الحالمة
فتجسد رغبتها
ّ المهيمنة على السرد النسائي ،تجتاح المرأة الكاتبة أثناء فعل سرد،
787
األزلية في االستئثار بمن تح ب ،حيث تبقى الفضاءات الترميزية المتاحة لإلسقاط
الفني رهينة "الجسد".
وكما أن (الذوات /األجساد) ال تلتقي ،أو تتفاعل إال بتجسيد أساليب النفاذ
فإن من هذا
واالختراق ،لتجسيد ما يمكن أن نطلق عليها (الذات الشعرية الكاملة)ّ ،
التوحد ،أو من هذه الكثرة داخل الوحدة ،ما يفتح أسئلة الوجود والحياة.49
ّ
يمثل الجسد عند المرأة منطلق الخصوبة ،والتوالد ،والكينونة ،إذ ال تستقيم
تتحرك في جغرافيته .فها هي
الكتابة عندها دون هذا الجسدّ ،إنه الفضاء الذي ّ
(آمال مختار) ،في روايتها " نخب الحياة" ،تسبح في فضاء الجسد الذي اتخذت من
جغرافيته فضاء رحبا لتأثيث سردها ،تستوقفنا ،بمشاهدها السردية التي ال تخرج
عن حدود (المرأة /الجسد) ،حيث الشهوة وحيث الشبقية المسترسلة:
" ...كصبية تذهب إلى الموعد األول لغرامها األول ..كعاشقة تمشي في
كصوفي في حضرة اإلله ،دخلت المقهى ..كنت كمن يبحث عن
ّ ضباب النشوة..
عمره الضائع ،وعلى حافة الضياع التقينا.
كان كما رسمته روحي ،وانتظرته أعماقي .غصنا من نار تضيء ..ارتبكت
علي ،على سكوتي ،ورتابتي ،وكسلي ..لم تكن أبدا
وحدست أن األمر خطير ّ
طل سير أضغاث فراغ ،وال ابتكارات الوحشة والشوق إلى تلك الفوضى التي تع ّ
خمولي.
أتجمل كل يوم؟ ..منذ متى لم أر الكحل في
ّ جمل ،وكنت
منذ متى لم أت ّ
عيني؟ ..منذ متى لم أتردد في اختيار عطري وألواني؟ ..منذ زمن ..كم عمره؟..
مر زمن ،لم أر وجهي في المرآة.
ال أدري ..أذكر فقط أنه ّ
قبل أن يجيء ،انتظرته ،وكنت أكره االنتظار ،لكن انتظاره متعة أخرى،
كل من حولي أشباحا ،وكنت
بقدومه تعتق متعتي ،لحظات كان فيها ّ
وكانت ثقتي ّ
وتربكني .لم أكن أحب أن أراه قادما؛
داخل شرنقتي أشد لهفتي حتى ال تفرّ ،
787
إلي ،بل أن أراه،
يخترق بهو المقهى ..لم أكن أحب أن أرى خطواته تطوي المسافة ّ
وقد انبثق أمامي فجأة ،كأنه يطلع في أرضي وردة عطرة.50"...
المتأمل للمسار السردي النسائي ،يجد أن تشكيل حركية نمو الحدث،
ّ إن
وتصاعده ،يتم في فضاء "الجسد" الذي تتّخذ منه المؤلفة بؤرة لتوليد محكياتها
السردية ،كما أن الرؤيا ،عند المرأة المبدعة ،تكاد تكون فلسفة للجسد ،إذ "الجسد"
هو الوجود ،والكينونة ،ومن هذا الوجود يتم األخذ والعطاء.
مطية ،يمتلك القدرة على االستقبال والتفاعل،
والسرد الذي يتخذ من الجسد ّ
أن الجسد األنثوي يملك خاصية حتى مع النصوص والذوات المهاجرة األخرى ،كما ّ
متفردة ،فهو منتج ومتل ٍق ،واذا كان الجنين يتكون نطفة ،فمضغة ،فعلقة ،فجنينا،
ّ
كذلك حال النصوص ،تحبل بالحكاية ،وتتحمل عسر الوالدة التي تتم داخل الجسد
وفي فضاءه" .فالميل والوصال الجسدي يجمع الحواس واألعضاء تأهبا للرعشة
متخذة من الحواس
ً الحسية والوجودية ،لذلك تقصد المتعة الجنسية لذاتها ،ولغيرها،
بؤرةً لتوليد المعاني"الفم ،العين ،األذن ،األنف.51"...
فضاء لتأثيث "نخب الحياة" ،هذه الرواية التي
ً توظف (آمال مختار) الجسد
تنحت من جغرافية الجسد ،وعالمه ،من خالل الساردة المتحررة الباحثة عن الشهوة
والجنس ،من خالل العالقات األنثوية باآلخر؛ فتسرد ثورة الجسد وتفاصيله.
التوحد،
وكما توظّف "الجسد " ،توظف المطر ،واالغتسال ،والمتعة ،والحلم و ّ
بحيث تكاد تكون مفردات الملفوظ السردي هي المعجم اللغوي الجسدي الذي يش ّكل
لوحة مؤطّرة لجغرافيته ،تحت غطاء البوح ،ووجع األنوثة ،وااللتحام باآلخر ،من
هنا تتوالد الوحدات السردية بتوالد الشخصيات ،فتسهم في تفعيل العوالم السردية
المنتشية بالح لم والحب والجنس ،ويبقى صنع الحكاية عن طريق التداعي واألحالم.
ولو أردنا تأمل المحكي الذاتي عند (أمال مختار) ،وتمثّالته في النص ،نجد
أن هذه التمثّالت ال تكاد تخرج عن "الجسد"؛ فحين تقول الساردة..." :منذ متى لم
787
أتجمل ،وكنت أتجمل كل يوم؟ ..منذ متى لم أر الكحل في عيني ،"...تكون ّ
الحكاية بضمير المتكلّم والحاضر ،ممثّلة ضمير الفاعل.
تفجر تلك
تنطلق الروائية من عالمها الحميمي ،عالم جسدها ،تريد أن ّ
الرغبات المكبوتة ،مما يجعل الحضور السردي ،وفق شكلين متطابقين" :أنا
الساردة ،وأنا الفعل" .حيث الفعل يتمثّل في صياغة العالم الداخلي من موقع المرأة
الفاعلة في سوغ بناء عالمها التخييلي ..." :قبل أن يجيء ،انتظرته ..كنت أكره
االنتظار ،ولكن انتظاره متعة أخرى ..كانت ثقتي بقدومه تعتق متعتي."...
وتشخص (آمال مختار) أحداثها التخييلية من موقع كون الساردة تمثّل
ّ
شخصية محورية في الرواية ،وفاعلة في (زمن السرد) ،و(زمن الفعل) ،من خالل
يستمد طاقته من وجع الجسد ورغباته .هذاّ الحكاية عن عالمها الحميمي الذي
التزاوج بين السرد والفعل ،جاء نتيجة تزاوج العالم (الخارجي) بالعالم (الداخلي)
الذي تعيشه الساردة.
إن تجلّي عنصر األفعال المرتبطة بالضمير ،مثل..." :كنت أكره ..لم
أتردد ..لم أره ،"...تثبت تمظهرات الحياة الداخلية للساردة ،من خالل
أتجمل ..لم ّ
التأكيد على الفعل المرتبط بنفسية الشخصية التي نجدها ساردة وفاعلة في
األحداث.
(فضيلة فاروق) ،ال تختلف عن (آمال مختار) ،في روايتها "اكتشاف
كل وحداتها السردية المختلفة حكائيا،
الشهوة" ،حيث توظف جغ ارفية الجسد في ّ
والمؤتلفة دالليا؛ فهي أشبه بتنويعات مختلفة تضرب على وتر واحد مؤتلف هو
طر هذه الرواية ،ومغامرة الجسد هي هاجسها
"الجسد" .فالجسد هو الذي يؤ ّ
ومرجعها الذي يؤّلف بين وحداتها .ورد على لسان الساردة ،الشخصية البطلة في
هذه الرواية:
787
" ...قبلة "إيس" كانت تلك أخطر المنعرجات في حياتي ..أخطرها على
أتحول إلى امرأة أخرى تشبه سيل مطر صيفي هائج ،ال يفرق اإلطالق قبل أن ّ
بين الحجارة والكائنات .قبلة "أيس" كانت قبلة الصباح الماطر ،والبرد الذي غامر
من أجل حفنة من الدفء ،والرضاب ال ذي سقى شتائل الشهوة ،وأيقظ كل شياطين
الدنيا؛ إلقامة حفلة تنكرية مجنونة ،في سهل مقفر.52"...
(فضيلة فاروق) في روايتها ،تش ّكل سردها من شرايين الجسد الملتهب
وتأخذ جميع صورها منه ،تضيء نصها بعالقات التماثل بين الرموز والمعاني،
والجسد الذي تطارده ويطاردها في آن واحد ،وهذه من خصوصية التعبير النسائي
الذي يستمد مادته من الجسد المؤ ّشر األولي على الكون والوجود ،ومن خالل
قراءتها لتضاريس الجسد تق أر هويتها وأسرارها.
ويفجر تلك الطاقة
ّ مهمة الوظيفة الشعرية للغة،
واذا كان الجسد يستهل ّ
فإن قانون التماثل
الكامنة ،حين تمتزج عناصر الوجود المادي بالكيان الجسديّ ،
عند الساردة يولّد عناصره السردية؛ نلمس ذلك في مثل قولها..." :قبلة الصباح
الماطر ،والبرد الذي غامر من أجل حفنة من الدفء"...؛ فالصباح ،والبرد،
والكون ،والمطر ،والريح ،وما شابه ذلك ..تأخذ من الجسد مذاقه ونكهته ،لتتحول
الكاتبة ،من فضاء الجسد وتخومه إلى رحاب الكون والوجود ،بل "تحفر اللغة على
الجسد ،فيصير الجسد لغة في لغة ،ومن هنا ،تبدو األبجدية والكتابة ليست سوى
تموضع في المكان ،فهي وشم في جسد الكون".53
بكل ما
لغة الجسد حاضرة في السرد النسائي ،تنسج النص من الجسدّ ،
تعنيه الكلمة( ،نسيج النص /نسيج الجسد) هذا المصطلح الذي يرجعه -جان
فرانسوا جان ديلو ،jean – froncois jean dillou -إلى أصله الذي يربط
النص بالنسيج .إن النص بموجب أصله اإليتيمولوجي (من الالتينية tissus
787
و ،textusالمشتق من الفعل ،texture :أي :نسج ،فتل )..حيث يغدو شبيها
بالنسج .54tissage
إن سرد المرأة إثبات لحقيقة الذات وكينونتها ،كينونة الجسد التي تختبئّ
داخل ظلّه ،وتنجذب إلى التأمل بوجوده ،حيث عالم المرأة األنثوي راقد ساكن في
جسدها ،قابل للتحرك بحيويتها وانطالقاتها ،وما تقوله المرأة هو من قبيل الحكاية
نصها وجسدها.
الرامزة بجملة عناصر جسدها المتوازية والمتقاطعة بين ّ
وها هي (أحالم مستغانمي) تزاوج بين الجسد وشعرية اللغة ،تبدأ من
تضاريس الكلمات القائمة على تجسيده ،حيث نشعر بتلك (اإليروسية) الممتعة
بشعرية مكثفة ،قائمة على تراسل الدالالت واألشياء في بوتقة التجربة الكلية
للجسد .ورد على لسان الساردة التي تغامر وتجازف من أجل هذا اآلخر الحبيب
والعشيق:
تورط عشقي ،لم أكن أعرف " ...ومنذ البدء ،كنت أدري تماما أن األسئلة ّ
أنه ،مع هذا الرجل بالذات ،تصبح األجوبة – أيضا -انبها ار ال يقل تورطا .أحب
أجوبته ،وأعترف أنني كثي ار ما ال أفهم ما يعنيه بالتحديد .كثي ار ما يبدو لي ،كأنه
يحدث امرأة غيري ،عن رجل آخر ،ولكنني أحب كل ما يقول ،ربما ألنني مأخوذة
بغموضه.
أقول ،وأنا أعبث بيده" :أحبك ..حررني قليال من عبوديتك" ..يحتضنني،
ويسحبني نحوه قائال" :الحب أن تسمحي لمن يحبك بأن يجتاحك ،ويهزمك،
ويسطو على كل شيء .هو أنت ..ال بأس أن تنهزمي قليال ..الحب حالة ضعف،
وليس حالة قوة ،ولكن ..ولكن ..ألنك لم تع هذا ..أنت تكررين خطأ سبق أن
ارتكبته في كتاب سابق.
787
أريد أن أسأله متى حدث هذا ،وفي أي كتاب ،ولكن شفتيه تسرقان أسئلتي،
وتذهبان بي في قبلة مفاجئة ..كأجوبة ،فأستسلم الجتياح شفتيه لي ،وكأنني أريد
أن أثبت ،مع كل مساحة تسقط تحت سطوة رجولته ،كم أنا أحبه.55"...
تراهن (أحالم مستغانمي) على سلطة اللغة ،وسطوة الجسد المؤنث؛ فهي
تحسن لعبة المجاز والسرد حين تتعامل مع اللغة ،بوصفها مجا از محبوكا ومش ّفرا،
وهو يشتغل على النص األنثى ،والجسد األنثوي ،حيث تجد المساحة الوافرة
مادته من تفاصيل الجسد.
لمعجمها اللغوي الذي يستمد ّ
وبما أن النص "بناء لغوي ،يتمظهر داخل سلسلة تركيبية وداللية متعددة
نصها األنثوي في جسده وفي المسارات والمستويات" ،فإنه يتيح للمرأة أن تكتب ّ
56
داللته ،كما نلمس سيطرة البع د العاطفي الخيالي فيه ،وانجذابها إلى اآلخر المذ ّكر
الذي ال يمكن أن تعيش بدونه" .فالمرأة في صورتها الذهنية الراسخة ،كائن
اندماجي ،وليس مستقال".57
لتجسيد مالمح الذات األنثوية
ّ توظف ( أحالم مستغانمي) المخيال االنزياجي
من الجسد الذي يعتبر الفضاء المهيمن على أفق فضاء النص السردي ،حيث
المحملة بالتأويل الثقافي المؤثّر .وقد وجدت الرؤية النسائية في
ّ الرؤية الرامزة
فضاء الجسد فضاء مالئما لإلسقاط الفني ،تجتاز الذات المتكلمة به عالمها
فضاء مناسبا
ً الراهن ،في اتجاه فضاءات باهرة ،تمنحها نشوة سرابية ،بوصفه
لشعرية السرد واللغة التصويرية.
نصها ،كتبت
إن ما هو مكتوب موجود في الطبيعية ،والمرأة ،حين كتبت ّ ّ
المغيب ،ليفرض حضوره وكينونته .فكان نصا أنثويا مثبتا بالكتابة – على
ّ جسدها
حد قول (بول ريكور) "نسمي نصا كل خطاب مثبت بالكتابة ،ومن خالل هذا ّ
نصها،
التعريف فإن التثبيت بالكتابة يكون النص ذاته" .فالمرأة ،حين تكتب ّ
58
نجدها فعال وفاعال ،وأنموذجا ولغة ،وقد نلمس "تعامل المرأة مع اللغة ،في سبيل
781
التحول من كونها موضوع أو مجاز لغوي ،أي من مجرد مفعول به إلى فاعل، ّ
المؤنث على المرجع
ّ حيث تدخل تاء التأنيث على الفاعل اللغوي ،ويدخل الضمير
النحوي ،وحيث تقلب المرأة أوراق اللعبة؛ فتدخل الرجل معها ،في سجن اللغة،
السجان ،ويتبارى الرجل والمرأة ،في مناورة ما بين األنوثة
ّ ويتقابل المسجون مع
والفحولة ،وتأتي رواية "ذاكرة الجسد" كمثال على هذا االنقالب اللغوي".59
787
الهوامش
-1عبـد اهلل محمــد الغــذامي ،المـرأة واللغــة ،ج ،7ط ،7777 ،1.المركــز الثقــافي العربــي ،بيــروت،
ص.18.
-2المرجع نفسه ،ج ،7.ص.77 .
-3منـ ــذر عياشـ ــي ،الكتابـ ــة الثانيـ ــة وفاتحـ ــة المتعـ ــة ،المركـ ــز الثقـ ــافي العربـ ــي ،ط،77 77 ،7.
ص.77.
-4زهور كرم ،قالدة قرنفل ،ص.77.
-5زهور كرام ،قالدة قرنفل ،ص.77.
-6هشام العلوي" ،الجسد والمعنى" ،قراءة في السيرة الروائية المغربية ،شركة النشر
والتوزيع،المدارس ،الدار البيضاء ،ط .7887. 7ص.777.
-7سعيد بنكراد ،السـيميائييات (مفاهيمهـا وتطبيقاتهـا) ،منشـورات الـزمن ،مطبعـة النجـاح الجديـدة،
الدار البيضاء ،ط ،7887 .ص.777.
-8آمال مختار" ،تخب الحياة" ،ص.78.
-9آمال مختار ،نخب الحياة ،ص.77.
-10سعيد بنكراد ،مرجع سابق ،ص.777.
-11فوزية شاللي ،رجل لرواية واحدة ،ص.77- 78.
-12سعيد بنكراد /السيميائيات /مفاهيمها وتطبيقاتها ،مرجع سابق ،ص.777.
-13نفسه ،ص.778.
-14خناثة بنونة ،الغد والغضب ،ص.77.
-15ناصــر يعقــوب ،اللغــة الشــعرية وتجلياتهــا فــي الروايــة العربيــة ،المؤسســة العربيــة للدارســات
والنشر ،بيروت ،ط ،7887 ،7.ص.788 .
-16فوضى الحواس ،ص.78 -87 .
-17منذر عياشي ،الكتابة الثانية وفاتحة المتعة ،مرجع سابق ،ص.77 .
-18نفسه ،ص.778 .
-19نفسه ،ص.77 .
787
-20بوشوش ــة ب ــن جمع ــة ،الرواي ــة النس ــائية المغربي ــة ،منش ــورات س ــعيدان ،سوس ــة ،الجمهوري ــة
التونسية ،ص.771.
-21سعيد بنكراد ،السيمايئات ،مرجع سابق ،ص.777.
-22منذر عياشي ،الكتابة الثانية وفاتحة المتعة ،مرجع سابق ،ص.77.
-23فوزية شالبي ،رجل لرواية واحدة ،ص.77 - 77.
-24آمال مختار ،نخب الحياة ،ص ص.77 -77
-25فضيلة فاروق ،اكتشاف الشهوة ،ص.77.
-26فضيلة فاروق ،اكتشاف الشهوة ،ص.77.
-27فضيلة فاروق ،اكتشاف الشهوة ،ص.77 - 77.
-28أحالم مستغانمي ،ذاكرة الجسد ،ص.77.
-29عبد القادر الغزالي ،الصورة الشعرية وأسئلة الذات ،ص.777.
- 30صالح فضل ،أساليب الشعرية المعاصرة ،دار اآلداب ،بيروت ،ط ،7777 ،7.ص.77.
-31زهور كرام ،قالدة قرنفل ،ص71 - 77 .
-32غاستون باشالر ،جماليات المكان ،تر :غالب هلس ،ص.777.
-33أحالم مستغانمي ،ذاكرة الجسد ،ص ص.777 - 777
-34منذر عياشي ،الكتابة الثانية وخاتمة المتعة ،مرجع سابق ،ص.71.
-35المرجع نفسه ،ص. 77 .
-36فاطمــة الــوهيبي ،المكــان والجســد والقصــيدة (المواجهــة وتجليــات الــذات) ،المركــز الثقــافي
العربي ،بيروت ،ط ،7887 ،7.ص.77 .
-37نفسـه ،ص.77 .
-38أحالم مستغانمي ،فوضى الحواس ،ص.771 .
-39أحالم مستغانمي ،ذاكرة الجسد ،ص.777 - 777 .
-40أحالم مستغانمي ،فوضى الحواس ،ص .777 -777
-41ينظر ،فضيلة فاروق ،اكتشاف الشهوة ،مصدر سابق
-42فوزية شاللي ،رجل لرواية واحدة ،ص.71 .
778
-43صــالح صــالح ،ســرد اآلخــر (األنــا واآلخــر عبــر اللغــة الســردية) ،المركــز الثقــافي العربــي،
بيروت ،ط ،7887 ،7.ص.777 .
-44محم ــد الح ــرز ،ش ــعرية الكتاب ــة والجس ــد (د ارس ــات ح ــول ال ــوعي الش ــعري والنق ــدي) ،مطبع ــة
االنتشار العربي ،بيروت ،ط ،7887 ،7.ص.77 .
-45زهور كرام ،قالدة قرنفل ،ص.771.
- 46آمال مختار ،نخب الحياة ،مصدر سابق
-47صالح صالح ،سرد اآلخر ،مرجع سابق ،ص777.
-48عثم ــان ب ــدري ،وظيف ــة اللغ ــة ف ــي الخط ــاب الروائ ــي الـ ـواقعي عن ــد نجي ــب محف ــوظ (د ارس ــة
تطبيقية) ،موفم للنشر والتوزيع ،الجزائر ،7888 ،ص.777 .
-49عبد القادر الغزالي ،الصورة الشعرية وأسئلة الذات ،مرجع سابق ،ص.77 .
-50آمال مختار ،نخب الحياة ،ص ص.77-71 .
-51عبد القادر الغزالي ،الصورة الشعرية وأسئلة الذات ،مرجع سابق ،ص.778 .
-52فضيلة فاروق ،اكتشاف الشهوة ،ص ص.77 - 78 .
-53فاطمة الوهيبي ،المكان والجسد والقصيدة ،مرجع سابق ،ص.77 .
54- Jeon – fromcais jendillou, l'analyse textuel, Armand Collin/Masson.
Paris, 1997, p.29.
-55أحالم مستغانمي ،فوضى الحواس ،ص ص .777 - 777
-56أحم ــد اليب ــوري ،دينامي ــة ال ــنص الروائ ــي ،منش ــورات اتح ــاد كت ــاب المغ ــرب ،ط ،7.الرب ــاط،
،7777ص.71.
-57عبد اهلل الغذامي ،المرأة واللغة ،مرجع سابق ،ص.777 .
58- Paul Ricoueur, Du texte a l’action, Edition Seuil, 1986, P15 .
-59عبد اهلل الغذامي ،المرأة واللغة ،ص.778 .
777