You are on page 1of 41

‫الرواية النسائية المغاربية والكتابة بشروط الجسد‬

‫أ‪ .‬األخضر بن السائح‬


‫جامعة األغواط‬

‫يمثّل الجسد في الرواية النسائية الصورة السردية المحفّزة داخل تش ّكل‬


‫المكونات األخرى‪.‬‬
‫فالجسد هو سيل الكتابة عند المرأة ونارها التي ال تنضب ومعجزتها التي لم‬
‫تكتمل‪ ،‬فمن الجسد تقبض المرأة على شيطان لغتها ومن معجمه تزّين السرد‬
‫ببروقه ورعوده وتركب على أحصنة اللغة‪ ،‬وتفتعل الحرائق وتبارك حتى الجحيم‪.‬‬
‫في حضرة الجسد ينحت السرد‪ ،‬وتتناسل الجمل داخل طميه وفي عمق‬
‫جغرافيته‪ ،‬حيث تتّخذ اللفظة بعدا دالليا واسعا‪ ،‬ويتحول اإلدراك المعرفي للمتلقي‬
‫يتحول منظور الرؤية ليكون لألشياء بعدها المغاير‪.‬‬
‫في اتجاه جديد‪ ،‬كما ّ‬
‫فالسرد يصبح معادال لغويا لحالة الجسد‪ ،‬كما يح ّقق الوظيفة الشعرية للغة‪،‬‬
‫ويماثل بين عناصر الوجود المادي والكيان الجسدي اإلنساني‪.‬‬
‫قانون التماثل هذا تحسنه المرأة التي تكتب بشروط الجسد حيث‪ ،‬يحدث‬
‫شك أن الكثافة‬
‫النصي على مستوى عال داخل السياق الجسدي‪ ،‬وال ّ‬ ‫ّ‬ ‫التماسك‬
‫الجمالية وحاالت االجتذاب الفني وبث اللذة الجمالية يمثّله الجسد الذي يبقى من‬
‫المرتكزات والعالمات التي تستنير بها الرواية النسائية المعاصرة‪.‬‬
‫‪ - 7‬صوت الذات المبدعة‪ ،‬والسفر نحو األبعاد ال المتناهية في الجسد‬
‫والذات‪:‬‬
‫تسكن الروح الجسد‪ ،‬وتهيمن على فضاءاته وتحتويها‪ :‬ثقافة‪ ،‬وذكرى‪ ،‬ورؤيا‪،‬‬
‫وينفتح الجسد على إشراقات الذات فينعكس فيها‪ ،‬ليغدو الجسد‪ ،‬بتشكيلته الظاهرة‪،‬‬
‫‪17‬‬
‫الجواني‪ ،‬ذلك أن "الجسد‬
‫البراني إلى الجسد ّ‬‫نصية للعبور من الجسد ّ‬ ‫أول عتبة ّ‬
‫كان ‪ -‬وما زال ‪ -‬مادة للنشاط الثقافي‪ ،‬في بعده الخيالي‪ ،‬وفي بعده اللغوي"‪.1‬‬
‫والكتابة قابلية الجسد لتمثيل هذا المكتوب معرفيا‪ ،‬بعد أن ترك بذرته ونواته‪،‬‬
‫تنضج وتنمو وتلد‪ ،‬واذا مات الجسد‪ ،‬تبقى الروح ترفرف؛ لتسكن جسدا آخر‪ .‬فحاله‬
‫أشبه بحال اإلنسان‪ :‬يموت الجسد‪ ،‬وتبقى الروح‪ ،‬إذ "الكتابة ليست قراءة ذات‪،‬‬
‫بقدر ما هي قراءة آخر يتجدد"‪.2‬‬
‫يبدأ مستوى الوعي اإلدراكي المش ّكل لموقع الرؤية في الرواية النسائية من‬
‫يشخص أكثر‬‫الجسد هويةً‪ ،‬وتبدأ أسئلة الكتابة‪ ،‬من خالل أسئلة الجسد الذي ّ‬
‫المشبعة بأحاسيس الجسد التي تمثّل موقف الساردة أو‬
‫األفعال المصاغة ذاتيا‪ ،‬و ّ‬
‫موقف مؤلفة النص‪ .‬فالمرأة المبدعة تصغي إلى جسدها‪ ،‬ومن خالل جسدها‪،‬‬
‫تبحر في عوالم الذات‪.‬‬
‫من هنا‪ ،‬تعتبر كوكبة الدوال التي تمثّل النص النسائي امتدادات نورانية من‬
‫الجسد إلى الذات‪ ،‬ومن الجسد إلى العالم الخارجي‪ ،‬ذلك أن الجسد تمثيل حي‬
‫يتميز بسحر المالحقة عند‬
‫طر جسور العبور بين الداخل والخارج‪ ،‬كما ّ‬ ‫للنص‪ ،‬يؤ ّ‬
‫ظفه كطاقة أكثر داللة وترميزا‪ .‬فحلم المرأة المبدعة مخبوء‬
‫المرأة المبدعة التي تو ّ‬
‫في جسدها‪ ،‬من هنا‪ ،‬نلمس موضوعية (الجسد) بدالالتها المنفتحة على النص‪.‬‬
‫تطلع علينا رواية "قالدة قرنفل " للكاتبة المغربية (زهور كرام)‪ ،‬يطغى عليها‬
‫صوت الذات‪ ،‬وبالغة الجسد‪ ،‬حين ينتشي بوجود اآلخر‪ ،‬وبالبحث عنه‪ .‬هنا‪،‬‬
‫تتحول اللغة إلى طاقتها الشعرية الكامنة في جسد الساردة الباحثة عن اآلخر‪ ،‬إذ‬
‫اللغة "عبر نظامها‪ ،‬تقوم على استحضار الغائب والكالم عنه‪ ،‬ال على استحضار‬
‫الحاضر والكالم عنه‪ ،‬كما يعني أنها تملك القدرة على تشكيل هذا الغائب‪ ،‬واعادة‬
‫تشكيله؛ إلعطائه "صورة سمعية‪ ،‬ومفهوما ذهنيا"‪.3‬‬

‫‪17‬‬
‫"‪ ...‬تزدحم نفسي شوقا لرؤيته‪ ..‬وأمتلئ كالما أستعيره من شوقي‪ ،‬وارغب‬
‫في حكيه‪ ،‬حين التقت عيني بعينيه‪ ،‬خبأني الصمت في تجاعيد الزمن‪ ..‬انهزمت‬
‫في داخلي‪ ،‬وتعطل الكالم‪ .‬ل م أفهم ما حدث‪ ..‬ما وجدتني ألملم لغتي‪ ..‬ما وجدتني‬
‫أحرك لساني‪ ..‬لم أفهم ما حدث‪ .‬في المرة السابقة‪ ،‬وقفت أنشد امتدادي أمامه‪..‬‬
‫هذه المرة‪ ،‬اختزلت امتدادي في صمت يذبحني‪ ..‬هو ما سألني عن صمتي‪ .‬حين‬
‫تحركت عيونه‪ ،‬تهدئ صرخة صمتي‪ ،‬وجدتني أحاول جاهدة تحريك لساني‪،‬‬
‫والبحث عن لغة تخرقني‪ ،‬فتكبتني؛ ليتكسر الصمت أمامه‪ ..‬أمامي‪.4"...‬‬
‫صوت الذات المبدعة ينطلق من األعماق‪ ،‬نلمس ذلك مع افتتاح السرد بتلك‬
‫العوالم الباطنية التي تبحث عن الخالص في هذا اآلخر‪ ،‬ووجع السرد هو في وجع‬
‫هذا الجسد وأشواقه الدفينة المكبوتة‪ ،‬وكأن الساردة ال تتكّلم؛ وانما جسدها الذي‬
‫يتكلم‪.‬‬
‫حين نصغي إلى المقطع السردي‪ ،‬يتراءى لنا حضور الذات لغـ ًة‪ ،‬من خالل‬
‫مصاحبة كل فعل لضميرها‪..." :‬أمتلئ‪ ..‬أرغب‪ ..‬انهزمت‪ ..‬أفهم‪ ..‬وقفت‪..‬‬
‫أنشد‪ ..‬الملم‪ ..‬أحرك‪ ..‬اختزلت‪ ..‬تحركت‪ ."...‬وضمائر المتكلم المرتبطة بالفعل‪،‬‬
‫تعطي انطباعا بوعي الذات بنفسها‪ ،‬وباآلخر التواقة إليه‪.‬‬
‫والجسد الذي تتحرك في سياقه "الساردة" جسد بمصدريه األنثوي والذكوري‪،‬‬
‫وهو هاجس المرأة ونواتها الحكائية‪ ..." :‬حين التقت عيني بعينه‪ ،‬خبأني الصمت‬
‫في تجاعيد الزمن‪ ..‬انهزمت في داخلي‪ ،‬وتعطل الكالم‪."...‬‬
‫يتدخل الزمن‬
‫ما نلمسه أن "الذات (األنثى) مفجوعة باآلخر (المذ ّكر)‪ ،‬هنا‪ّ ،‬‬
‫يعول‬
‫الخارجي؛ ليحل محلّه الزمن النفسي القائم على التداعيات الداخلية التي ّ‬
‫طية المسلمات الموروثة في البنية التعبيرية اللغوية‪ .‬فالسادرة‬
‫عليها في تكسير خ ّ‬
‫يتحول الفعل من آلة تصوير‬
‫مسافرة في الرؤيا التي تضيئها شعلة الشعر‪ ،‬كما ّ‬

‫‪17‬‬
‫مادة من مواد البناء‪ ،‬وهندسة السرد‪ ..." :‬حين تحركت عيونه‪ ،‬تهدئ‬
‫لحدث‪ ،‬إلى ّ‬
‫صرخة صمتي‪ ،‬وجدتني أحاول جاهدة تحريك لساني‪."...‬‬
‫توحد األصوات‪.‬‬
‫تتحول من طاقة حركة إلى طاقة إشارة ّ‬
‫وطاقة الفعل هنا‪ّ ،‬‬
‫وفي صمت هذا التالحم‪ ،‬يتحقّق صوت التالحم الجسدي‪ ،‬أو صوت التالحم‬
‫النصي الذي اقتضى االكتفاء بلغة الجسد‪ ،‬لغة اإلشارة‪ .‬فالجسد هو المؤ ّشر على‬‫ّ‬
‫تلك التحوالت الطارئة‪ ،‬وهو الموّلد لحركة التداعي واالستدعاء‪.‬‬
‫تواصل الساردة تصوير المشهد السردي باقتصاد مرّكز في اللغة‪ ،‬وكثافة في‬
‫المعنى‪:‬‬
‫تتعرى أمامي‪ ...‬تفضحها شمس هذا الصباح‪ ،‬وجدت‬ ‫"‪ ...‬شهدت نفسي ّ‬
‫األبيض يحتك بي‪ ،‬يوقظ ما بداخلي من ارتعاشات‪ ..‬يعزفها‪ ..‬يغنيها‪ ..‬رأيت‬
‫األبيض ينفلت مني‪ ،‬حين اقترب هو من صمتي‪ ..‬حين لمحته بطرف عيني؛‬
‫المرة‪ ،‬أطلقت شعري‪،‬‬
‫يصغي إلى صمتي‪ ...‬يقترب من شعري المسدول‪ ..‬هذه ّ‬
‫حررته من القيود‪ ..‬غمس أنفه بين ثنايا شعري‪ ،‬فغاب وجهه‪ ،‬واذا بي أبحث عنه‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -‬شعرك غابة!‬
‫‪ -‬شعرك ليل دامس!‬
‫المرة السابقة ‪ ..‬وأنا اآلن أبحث عنه في تعاريج الغابة‪ ..‬أخاف أن‬
‫قالها ّ‬
‫أفقده في هذا الليل الدامس‪ ،‬لوال أن األبيض الذي أشاهده اآلن‪ ،‬يرقص أمامي‪،‬‬
‫لحسبت الكون انطفأ‪ ،‬وبات ليال‪.5"...‬‬
‫نصا يحتمل‬
‫وقوة المجاز‪ ،‬وطاقة الترميز‪ ،‬طرحت ّ‬‫إن كثافة اللغة‪ّ ،‬‬‫ّ‬
‫متعددة‪.‬‬
‫عدة‪ ،‬وسياقا يحتمل دالالت شتى‪ ،‬وجملة تحتمل جمال ّ‬
‫مضاعفات داللية ّ‬
‫وتوحد اآلخر (المذكر)‪ ،‬وغيابه في األنثى‪:‬‬
‫ّ‬ ‫نلمس الميل إلى التوحد بـ (األنثى)‪،‬‬
‫"‪ ...‬أنا اآلن أبحث عنه في تعاريج الغابة‪ ."...‬فاألنثى‪ ،‬حين تدخل النص‪،‬‬
‫تمارس االنشطار الذي يجعل داللتها تعطي الكون بأكمله‪ ،‬وقد تفطّن إلى ذلك‬
‫‪17‬‬
‫الصوفية في طقوسهم‪ ،‬فوردت في مآثر (ابن عربي)‪" :‬أن المرأة هي أقرب المواد‬
‫إلى الخالق‪ ،‬وأقدرها على احتواء ماهيته وصفاته‪ ،‬واظهارها‪ ،‬ولعل هذا االصطفاء‬
‫يفسر غرام بعض النساك بالمرأة تقربا إلى اهلل‪ ،‬ومالمسته لحضوره من خالل‬
‫ّ‬
‫جسدها‪ ،‬ويسوغ االنجذاب الثاوي للرجل نحوها طالما أن عشقها "ميراث نبوي‪،‬‬
‫وحب إلهي"‪.6‬‬
‫وما يالحظ على (زهور كرام ) تلك الشعرية السردية التي انفلتت من سلطة‬
‫الخطاب‪ ،‬ليتحول النص إلى شرنقة لألنواع التعبيرية المنزلقة من تيمة الجسد‬
‫األنثوي‪ ،‬الم نجذب إلى اآلخر‪ .‬هذا االنزالق الجسدي‪ ،‬زود النص بقيم داللية‬
‫مضافة‪ ،‬وأفرغ الجسد من شحنة توتره‪ ،‬وتباريح بواطنه وقلقه‪ .‬وغ ّذى السرد بديمومة‬
‫بتشيء الحالة الجسدية داخل المشهد اإلبداعي‬ ‫ّ‬ ‫وتحوله‪ .‬هذا ما يجعلنا نقول‬
‫ّ‬ ‫حركته‬
‫وتحولها إلى رؤيا ال تطالها إال اللغ ة الشعرية الرامزة‪ ،‬الغنية بانزياحاتها‬
‫ّ‬ ‫النسائي‪،‬‬
‫الرمزية التي تحافظ على الجسـد وآلياتـه المختبئـة وراء اللغة‪ ..." .‬أحسست بشيء‬
‫يدب في قلبي‪ ،‬كأني رأيت إبراهيم يطل منه‪."...‬‬
‫ّ‬
‫فحين يستخدم أي عضو من أعضاء الجسد‪ ،‬يستخدم حسب حجمه الثقافي‪،‬‬
‫وبعده التداولي؛ فالقلب هو المضخة الت ي تنبض الدم حا ار في أوردة الجسد‬
‫المحرك لـ (األنثى) وهاجسها في معانقة‬
‫ّ‬ ‫وشرايينه‪ ،‬وبالتالي يعتبر اآلخر (المذكر)‬
‫تجربة كتابتها الروائية‪.‬‬
‫والجسد يتخلق من أجزائه المكونة له؛ "فعندما يستعصى العثور على معنى‬
‫كل إال من خالل أجزائه‪،‬‬
‫المحلل أن يعود إلى األجزاء‪ .‬فقد ال يدل ال ّ‬
‫ّ‬ ‫للكل‪ ،‬بإمكان‬
‫الكل عن داللة األجزاء المكونة له‪ ،‬تلك حالة الجسد‪ ،‬وتلك‬
‫أو قد تختلف داللة ّ‬
‫حالة داللته وأشكاله ومعانيه"‪.7‬‬
‫إن موضوع األنوثة‪ ،‬وسياقها‪ :‬لغة ورم از وايحاء‪ ،‬تعتبر ظاهرة أساسية فاعلة‬
‫في الرواية النسائية المغاربية‪ ،‬وعندما نشير إلى الرواية النسائية؛ ّإنما نقصد الرواية‬
‫‪17‬‬
‫الناضجة فنيا‪ ،‬وليست الرواية التقريرية الصحفية التي ال تمت بصلة إلى عالم‬
‫نهمش بقدر ما أريد للرواية التي يتوفر‬
‫الرواية إال في عنوانها‪ ،‬وال نقصي هنا‪ ،‬وال ّ‬
‫فيها الحد األدنى من العمل الفني‪ ،‬مما من شأنه أن يساعد على الدراسة والمقارنة‪.‬‬
‫"نخب الحياة" عنوان رواية لـ (آمال مختار) التي تدخل األنثى إلى عالمها‬
‫الروائي دخوال جارفا‪ ،‬ويبقى الجسد المؤنث في موقع التأسيس الذي يمثل نواته‬
‫الحكائية والداللية حيث نلمس حيوية السرد وطاقته الفعاّلة‪ .‬فقد ورد على لسان‬
‫الساردة‪:‬‬
‫"‪...‬دقائق بعد السابعة‪ ،‬أخذت مرآ ة من حقيبتي‪ ،‬لم يكن وجهي مرهقا وال‬
‫مترّهال‪ ،‬بل كان مشرقا وجميال‪ ،‬أعدت صباغ شقتي‪ ،‬تزحلقت إلى الطرف اآلخر‬
‫من الكرسي‪ ،‬كنت سأغادر لما وقفت‪ ،‬سطع ضوء في عيني؛ فتهاويت‪ .‬أغمضت‬
‫عيني‪ ..‬بخخت عط ار على جسدي‪ ..‬وقفت عارية أمام المرآة‪ ..‬فكرت أن أعيد رسم‬
‫شفتي‪ ،‬ثم عدلت بقلم‪ ..‬تتبعت خطوط جسدي على المرآة‪ ،‬ورسمته‪ .‬تطّلعت إلى‬
‫كأني رأيت إبراهيم يطل منه كأني رأيته يقف‬
‫يدب في قلبي‪ّ ،‬‬
‫الرسم أحسست بشيء ّ‬
‫يتمدد‪ ،‬ويضحك‪.8"...‬‬
‫فيه‪ ،‬يتبختر‪ّ ،‬‬
‫يمد‬
‫تطل من الجسد واليه‪ ،‬وحركة النص حركة الجسد الذي ّ‬ ‫الكتابة قراءة ّ‬
‫النص بتفجير هائل للداللة‪ ،‬بمقتضاه ينساب السرد عن طريق الحركة الداخلية‬
‫التي يحدثها الجسد‪ ،‬بحيث تغدو تداعيات الرؤيا محصورة في هذا الجسد أو في‬
‫جزء منه‪.‬‬
‫ورد على لسان السادرة ‪ -‬باعتبارها حاكية وفاعلة في رواية "نخب الحياة"‪-‬‬
‫ما يلي‪:‬‬
‫"‪ ...‬شيء ما يحدث هنا‪ ،‬يتحرك‪ ..‬فذاتي لم تعد تقوى على ذاتي‪ ،‬تكد سنا‬
‫جميعنا‪ ،‬أنا وفوضاي‪ ،‬واالرتباك وضوء آسر‪ .‬كأس أخرى أيتها الشقراء‪ ..‬ماذا‬
‫يحدث؟ وماذا سيحدث؟‪ ...‬التحام‪ ،‬انصهار‪ ،‬لوحدة تجديدية‪ ،‬يتداخل في فضائها‬
‫‪17‬‬
‫الجسد والفعل مع اللون والضوء والظل‪ .‬والفعل متوتّر‪ ،‬يهمد‪ ،‬ينساب‪ ،‬يتعالى‬
‫بأنات المتعة‪ .‬تتفتّت قطع الثلج في كأسي‬
‫ضجيجه‪ ،‬وتمتلئ الصرخة المكتومة ّ‬
‫وتئن‪.9"...‬‬
‫ّ‬
‫ما نالحظه‪ ،‬ونلمسه في النص هو نزوع األنثى إلى االشتعال الجسدي‪،‬‬
‫والرغبة في االلتحام‪ ،‬تسرد الكاتبة لحظة االنصهار تحت وطأة الجسد‪ ،‬متشظيا مع‬
‫ذاته وواقعه‪ ،‬وقد غلب على النص تعابير االنصهار واالحتراق‪ ،‬فالسرد هو‬
‫اكتشاف للذا ت األنثوية عبر اكتشاف اآلخر‪ ،‬وصوت الجسد هو الذي يطغى على‬
‫السرد‪ ،‬ويتقاطع مع اآلخر المذكر‪" .‬من هنا‪ ،‬كان الجسد كال وأجزاء في الوقت‬
‫نفسه‪ّ ،‬إنه يولّد معطى انفعاليا وغريزيا وثقافيا عاما‪ ،‬وكل هذا المعطى ال يدرك إال‬
‫من خالل األجزاء‪ ،‬وال يستقيم وجود هذه األجزاء إال من خالل اندراجها ضمن هذه‬
‫الكل الذي هو الجسد"‪.10‬‬
‫تقتحم المرأة عالمها الكتابي بجسدين‪ :‬جسد بيولوجي محسوس‪ ،‬وجسد لغوي‪،‬‬
‫بحسيته وتجريده فقد نلمس مفردات جسدية المرأة وبيولوجيتها‪،‬‬‫مجنحا ّ‬‫نصها ّ‬‫فتحمل ّ‬
‫المشعة في النص‪.‬‬
‫ّ‬ ‫كما نلمس رمزية هذا الجسد ومجازاته التي تتركها األلفاظ‬
‫والكتابة السردية النسائية‪ ،‬بوصفها إنصاتا للمكبوت الجسدي‪ ،‬تشترك فيها‬
‫أغلب الروايات المغاربية‪ .‬فها هي الكاتبة الليبية (فوزية شاللي)‪ ،‬لم تشذ هي‬
‫األخرى عن الظاهر‪ .‬يرد على لسان الساردة "صالحة"‪:‬‬
‫"‪ ...‬المشهد اليومي متاهة من خطوط متداخلة شوهاء‪ ،‬واألصوات مزيج‬
‫صاخب من نقيق وزعيق وانفجارات‪!...‬‬
‫أبكي‪ ،‬ال‪ ،‬أنا ال أبكي‪ّ ،‬إني أحاول أن أبكي فأرتد مهزومة‪" :‬هذا أنت‪ ،‬أيها‬
‫البكاء‪ ،‬تخذلني! ‪ ..‬أحاول أن أريح رأسي على كتفي‪ ،‬فتحيط بي غيالن الرغبات‪:‬‬
‫"إني أحتاج رجال‪ ،‬وال بد أن هنالك رجال ما في هذا الحي‪ ..‬في هذه المدينة‪ ..‬في‬
‫هذا الوطن‪ ..‬في العالم‪ ..‬في هذا اليوم‪ ،..‬يحتاجني كما أحتاجه‪ ،‬وربما أكثر!‪...‬‬
‫‪11‬‬
‫ذراعاي يختزنان هذه الرغبة المحمومة في أن يحضنا رجال ما‪ ،‬يشعالن فيه نار‬
‫هذا الوقت الوعر‪ .‬هيا نجرب أن يحيل هذا الفراغ‪ ..‬هذا الهواء البارد الخفيف‪،‬‬
‫رجال!‪ ..‬تنهال علي صور هؤالء الرجال الذين أعرفهم واحدا واحدا‪ ..‬الذين‬
‫جربتهم‪ ،‬والذين لم أجربهم واحدا واحدا‪.11 "!..‬‬
‫نستدل بهذا النص‪ ،‬ونستقرئ فضاءاته‪ ،‬بحثا عن حمولة رموزه‪،‬‬
‫ّ‬ ‫حين‬
‫واشعاع إشاراته‪ ،‬نالحظ‪:‬‬
‫أن الكتابة السردية النسائية‪ ،‬بوصفها إنصاتا للمكبوت‪ ،‬تحافظ على تماهي‬ ‫ّ‬
‫الذات مع أشياء الوجود‪ ،‬فحالة الساردة النفسية‪ ،‬وقلقها الوجداني‪ ،‬وانفجار رغباتها‬
‫الكامنة‪ ،‬وحاجتها إلى اآلخر الغائب‪ ،‬جعلت حياتها ال تطاق‪ ،‬فحتى المشهد‬
‫اليومي المألوف‪ ،‬انقلب إلى فوضى عارمة‪ ،‬ينقصها التجانس والتنظيم‪..." :‬‬
‫المشهد اليومي متاهة من خطوط متداخلة شوهاء‪."...‬‬
‫أن هناك تماثال وتزاوجا بين إيقاع الذات والحياة والواقع‪ ،‬وايقاع الجسد‬
‫ّ‬
‫الثائر؛ مما يؤكد طبيعة السرد عند المرأة‪ ،‬القائم بين تجاذب الذات والجسد‪ ،‬هذا‬
‫التجاذب هو الذي يغذي الحركة السردية ويدفعها‪ ،‬كما يمثّل هذا التجاذب المحور‬
‫الذي يجمع بين مفاصل الرواية وشخصياتها وأحداثها‪.‬‬
‫أنه‪ ،‬حين نصغي إ لى النص‪ ،‬ونتأمل العنصر اإليقاعي المرتبط بالجسد‪،‬‬
‫نجد التركيب اإليقاعي يبدأ من الحواس وينتهي عند الجسد‪ ..." :‬ذراعاي‪ ،‬يختزنان‬
‫هذه الرغبة المحمومة في أن يحضنا رجال ما‪ ،‬يشعالن فيه نار هذا الوقت‬
‫الواعر‪."...‬‬
‫إن الجسد "باعتباره بؤرة لتجلي العملي والغريزي والوظيفي واألسطوري‬
‫المستمرة لالستعماالت اإليحائية‬
‫ّ‬ ‫الثقافي‪ ،‬يعيش بشكل دائم تحت التهديدات‬
‫(االستعارية)‪ .‬إننا من خالل هذه االستعماالت ال نق أر الحركة وال نق أر اإليماءة‪ ،‬وال‬
‫نق أر ترابط هذه الحركات وهذه اإليماءات‪ ،‬ولكننا نق أر فقط النصوص التي تولدها‬
‫‪17‬‬
‫هذه الحركات "‪ . 12‬ولو نصغي إلى النص‪ ،‬نصغي إلى نبض الساردة‪ ،‬ورعشة‬
‫جسدها من خالل إيقاع الرغبة في هذا اآلخر الغائب‪.‬‬
‫أن جغرافية الجسد تتداخل مع فضاء النص وفضاء المكان إلى درجة‬ ‫ّ‬
‫التماهي‪ ،‬فالمرجعية الثقافية لداللة الجسد تحتوي تمفصالت المعنى المكتنزة فيه‪،‬‬
‫سيحوله إلى نسيج‬
‫ّ‬ ‫تثريه بخصوبة المجاز‪ ،‬ومضاعفة الداللة‪ ،‬كما أن السياق‬
‫النص ورؤيته الكلية‪.‬‬
‫إن "الذراع" وظّفت بدقة‪ ،‬فهو عضو من األعضاء الرئيسة للجسد‪ ،‬لما تمثله‬ ‫ّ‬
‫من حمولة داللية كثيفة‪ ،‬أدناها‪ ،‬داللتها "على التهديد‪ ،‬وعلى المنع‪ ،‬وعلى العناق‪،‬‬
‫كما تدل على اإلشارات الرامزة للفعل الجنسي"‪ ،13‬نستشف أثره من قول الساردة‪:‬‬
‫إن‬
‫"‪ ...‬هيا نجرب أن نحيل هذا الفراغ‪ ..‬هذا الهواء البارد الخفيف رجال‪ ،"..‬حيث ّ‬
‫تكرس فكرة التملك‪ ،‬واالغتنام‪ ،‬والتشكيل‪ ،‬مثلما هي المعانقة والرغبة‪،‬‬
‫وظيفة الذراع ّ‬
‫مخيلة‬
‫السياق الذي وردت فيها يكسبها شكال إيجابيا تصويريا‪ ،‬تعكسه ّ‬ ‫كما أن ّ‬
‫مجنحا رشيقا إلى القارئ‪ ،‬حين يزاوج بين‬
‫المتلقي‪ ،‬ومرجعيته الثقافية؛ فيحمل النص ّ‬
‫المرأة الجسد والمرأة المجاز‪.‬‬
‫إن المتتبع للمشهد اإلبداعي النسائي المغاربي‪ ،‬يكتشف أن سرد المرأة‬
‫تعرف على اآلخر‪ ،‬بوصفه روحا‬
‫تعرف على الذات أوال‪ ،‬ووقفه ّ‬
‫عموما هو وقفه ّ‬
‫وجسدا ونصا معا‪.‬‬
‫وحين نعود إلى رواية "الغد والغضب" للكاتبة المغربية (خناثة بنونة)‪ ،‬نجد‬
‫تمردا وعصيانا وفوضى من أجل تحرير الذات أوال‪ ،‬ومن أجل تغيير نمط السلطة‬ ‫ّ‬
‫المتعالية التي تقمع الجسد وتقمع الذات تاليا‪.‬‬
‫فالساردة "هدى " ذات فاعلة‪ ،‬تملك القدرة على التجاوز واالختراق‪ ،‬وعلى‬
‫الرغم من ذلك‪ ،‬نجدها تعاني الوحدة والشعور بالخوف‪:‬‬

‫‪17‬‬
‫"‪ ...‬حينما كانت تماشيني‪ ،‬كنت أتساءل‪ :‬هذا الجسد‪ ..‬أي ألوان من‬
‫التفجير واالرتواء قد عرف؟‪ ...‬وكان ذلك يوقظني على جسدي‪ ..‬هذا الذي قد‬
‫يكون يحمل نفس استعدادات جسد "هند"‪ ،‬لكني لم أتيقن‪ ،‬فجسدي لن يكون غير‬
‫شبيه بي‪ ،‬يحمل لوع ة كبيرة من البدء‪ .‬ولكني رأيت خموده‪ ...‬خمود جسد "هند"‪،‬‬
‫وهو يتلقف في كفه يد "محسن"‪ ،‬حينما التقيناه صدفة ذات مرة‪ ..‬فلكأن أية لحظة‪،‬‬
‫أو أيام‪ ،‬أو متعة‪ ،‬لم تجمع بينهما!‪ .‬بينما كنت أنتظر أن يحصل أي شيء واضح‪،‬‬
‫حينما يتقابل جسدان‪ ،‬عرف بعضها في وقت ما‪.14"...‬‬
‫يتجلّى فعل السرد عند المرأة‪ ،‬على أنه اندفاع نحو المغامرة واالكتشاف‪،‬‬
‫نصية تسمح لنا بالمرور من الخارج على‬ ‫فللجسد لغته وبالغته‪ ،‬وهو أول عتبة ّ‬
‫تم من خالل جسدها‪ ،‬والمالمح الظاهرة‬ ‫الداخل‪ .‬وقراءة الساردة "هدى" لـ "هند"‪ ،‬قد ّ‬
‫ٍ‬
‫أسئلة‪ ،‬وأزمةُ هوية‪ ،‬كما‬ ‫ق‬
‫فيه‪ ،‬فهي مالمح األلم والخوف‪ .‬ونص (خناثة بنونة) قل ُ‬
‫ّأنه محاكمة للتاريخ والحقيقة‪.‬‬
‫كانت رغبة الساردة "هدى" إثباتا للوجود‪ ،‬واثباتا لكينونة المرأة‪ ،‬وحضورها‬
‫الفاعل المؤثّر‪ .‬من هنا‪ ،‬كان عنوان الرواية "الغد والغضب" الذي امتاز ‪ -‬من‬
‫الناحية السيميائية‪ -‬بعالقة عضوية مع النص‪ ،‬مش ّكال بنية تعادلية كبرى؛ تتألّف‬
‫من محورين أساسيين في العملية اإلبداعية‪ ،‬هما‪ :‬العنوان‪ /‬النص‪ .‬ومعه‪ ،‬سيغدو‬
‫العنوان هو "المناص" الذي يستند إليه النص الموازي‪.15‬‬
‫تحضرنا – في هذا السياق‪ -‬رواية "فوضى الحواس " التي هي وليدة الجسد‬
‫األنثوي وحواسه‪ ،‬هذه الرواية الجارفة التي ولدت بين تعابير االحتراق واالنصهار‬
‫مع تداعيات الرؤيا الدائبة‪ ،‬على الحركة التحويلية التي ال تعرف السكون أو‬
‫الثبات‪ .‬يرد في افتتاحية الرواية‪:‬‬
‫يجرب معها متعة‬
‫"‪ ...‬عكس الناس‪ ،‬كان يريد أن يختبر بها اإلخالص‪ ،‬أن ّ‬
‫حبا وسط ألغام الحواس‪.‬‬‫الوفاء عن جوع‪ ،‬أن يرّب َي ّ‬
‫‪78‬‬
‫هي ال تدري كيف اهتدت أنوثتها إليه‪ .‬هو الذي بنظرة‪ ،‬يخلع عنها عقلها‪،‬‬
‫ويلبسها شفتيه‪ ،‬كم كان يلزمها من اإليمان كي تقاوم نظرته!‪ ...‬كم كان يلزمه من‬
‫الصمت كي ال تشي به الحرائق!‪ ...‬هو الذي يعرف كيف يالمس أنثى تماما‪ ،‬كما‬
‫يعرف مالمسة الكلمات باالشتعال المستتر نفسه‪.‬‬
‫يحتضنها من الخلف‪ ،‬كما يحتضن جملة هاربة‪ ،‬بشيء من الكسل الكاذب‪.‬‬
‫تمران بمحاذاة شفتيها‪،‬‬
‫شفتاه تعبرانها ببطء متعمد‪ ،‬على مسافة مدروسة لإلثارة‪ّ ،‬‬
‫دون أن تقبالهما تماما‪ ،‬تنزلقان نحو عنقها‪ ،‬دون أن تالمساه حقا‪ ،‬ثم تعاودان‬
‫صعودهما بالبطء المتعمد نفسه‪ ،‬وكأنه كان يقبلها بأنفساه ال غير‪.‬‬
‫هذا الرجل الذي يرسم بشفتيه قدرها‪ ،‬ويكتبها‪ ،‬ويمحوها من غير أن يقبلها‪،‬‬
‫كيف لها أن تنسى‪ ..‬كل ما لم يحدث بينه وبينها‪.16"...‬‬
‫حين نق أر هذا المقطع السردي‪ ،‬يبهرنا ويفاجئنا ويغرينا؛ فالرواية تمتلك من‬
‫الكثافة الشعرية‪ ،‬ونزيف الداللة‪ ،‬وتداعيات الرؤيا ما يجعلها تنغرس في جسد‬
‫خلية‪ ،‬ثمّ تبدأ في االنقسام الخلوي‪ ،‬إنها سيل جارف من الكلمات ال‬
‫خلية ّ‬
‫النص‪ّ ،‬‬
‫تقوى أمامه سدود البناء المنطقي وحواجزه المباشرة‪.‬‬
‫إن (أحالم مستغانمي) تعتمد على الجسد األنثوي‪ ،‬كبؤرة مركزية تستقطب‬‫ّ‬
‫حولها عالم النص كّله‪ .‬فالداللة مرتكزة على وظيفة الشيفرات الثقافية للجسد‬
‫النصي‪ ،‬ولو "أن الكتابة استحضرت تاريخ المعاني ونظام‬
‫ّ‬ ‫الحسي‪ ،‬تنقله إلى الجسد‬
‫ّ‬
‫المباني‪ :‬كلمات‪ ،‬فجمال‪ ،‬فخطابا‪ ،‬لحظة إنشائها‪ ،‬ألمتنع حدوثها‪ ،‬ولصارت في‬
‫حصولها ضربا من المحال‪ ،‬لكثرة انشغالها بالمعاني عن المعنى الوليد‪ ،‬وبالمباني‬
‫عن المبنى الجديد"‪.17‬‬
‫تفجر اللغة من الداخل‪ ،‬وتخلق لها‬‫لذا‪ ،‬نجد األعمال اإلبداعية‪ ،‬هي التي ّ‬
‫دالالت جديدة‪ ،‬غير مألوفة‪ ،‬تثري اللغة‪ ،‬فتجعل فيها الحياة والحركة‪ ،‬ويبقى األدب‬

‫‪77‬‬
‫تفسره سياقات‬
‫نظاما لغويا "يقوم من خلفه نظام حضاري يحتويه نص مفتوح‪ّ ،‬‬
‫خاصة"‪.18‬‬
‫حين نتأمل نص (أحالم مستغانمي)‪ ،‬نكتشف اختفاء أدوات الربط‪ ،‬وانسياب‬
‫المعنى ضمن الحركة الدائرية المحجوزة‪ ،‬من الجسد إلى الذات‪ ،‬جسد النص‬
‫المؤنث بألفاظه وحميميته‪ ،‬ويبقى النص يدور ضمن جغرافية‬
‫ّ‬ ‫يستحضر الجسد‬
‫الجسد وفضاءه‪ ،‬فتظهر شعرية اللغة من خالل االتصال واالنفصال بين الجسد‬
‫المتخيل‪ ،‬حيث الداللة اإليحائية االنفعالية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الواقعي والجسد‬
‫تم من خالل معجم الجسد‪ ،‬وما يثير من‬ ‫إن اإليقاع الداخلي لبنية النص‪ّ ،‬‬‫ّ‬
‫إغراء وتوتّر واستفزاز‪ .‬فالجسد بموجوداته‪ ،‬يشحن السرد‪ ،‬ويجعل اإليقاع اللغوي‬
‫متناغما عبر الجمل القصيرة التي تنعدم فيها أدوات الربط‪ ،‬ويبقى اإلشعار‬
‫المحدد للنص متماثال مع إيحاءات الجسد ورموزه المكثّفة‪ .‬و"اللغة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الجغرافي‬
‫عندما تدخل الكتابة‪ ،‬تتطهّر من بقاياها‪ ،‬وتلد نفسها حدثا يفارق األصل إلى غير‬
‫سمته الثقافة العربية‪ :‬سحر البيان‪.19"..‬‬
‫عودة‪ ،‬وتصبح مجهوال‪ّ ،‬‬
‫ولغة (أحالم مستغانمي) تطفح بالشعرية المنسجمة مع طبيعتها‪ ،‬بوصفها‬
‫إن "إيثار البساطة في نظم الكالم‪ ،‬جعل لغة‬
‫أنثى تألف لعبة البساطة‪ ،‬حيث ّ‬
‫تتميز بسرعة اإليقاع الذي يعكس االنفعاالت داخل األنثى‪،‬‬
‫الكتابة النسائية ّ‬
‫ويكشف عن أحوالها عند التناغم أو التنافر‪ .‬فالجمل في األغلب قصيرة متعاطفة‬
‫تعبر عنه عالمات‬
‫أو متالزمة‪ ،‬تنسحب أحيانا ليعوضها نوع من كتابة البياض‪ّ ،‬‬
‫تعجب أو استفهام‪ ،‬أو نقاط متتابعة‪ ،‬وهو ما يسم نسقها بالتدفق الذي يجسد حال‬
‫توتر الذات‪ /‬الكاتبة‪ ،‬وهي تمارس فعل اإلبداع‪ ،‬ومن عالماتها تقطع العبارة بانعدام‬
‫الروابط‪ ،‬وتسارع الوتيرة‪ ،‬والترجيع الغنائي‪ ،‬وتقسيم الكالم إال وحدات إيقاعية‬
‫متساوية"‪.20‬‬
‫‪ -2‬بالغة الجسد‪ ،‬وفاعلية التجسيم اإلستعاري‪:‬‬
‫‪77‬‬
‫يمدها بفاعلية التجسيم بوصفه‬
‫يستيقظ الجسد كالجمرة في الكتابة النسائية‪ّ ،‬‬
‫ليتحول بعد ذلك من‬
‫ّ‬ ‫تتذوق طعم األشياء من خالله‪،‬‬‫حسيا مرئيا موجودا‪ّ ،‬‬
‫كائنا ّ‬
‫الجسد إلى اإلحساس باألشياء‪ ،‬واالندماج فيها‪ .‬فالجسد في الكتابة النسائية عنصر‬
‫محفز إلثارة األحداث‪ ،‬وتشغيل الذاكرة‪ ،‬باعتباره المرجعية التي تثبت الكينونة‬
‫والوجود‪.‬‬
‫وخالصة األمر "أن الجسد واقعة اجتماعية‪ ،‬ومن ثم‪ ،‬فهو واقعة دالة‪ ،‬يدل‬
‫باعتباره موضوعا‪ ،‬ويدل باعتباره حجاجا إنسانيا‪ ،‬ويدل باعتباره شكال‪ ،‬إنه عالمة‪،‬‬
‫وككل العالمات‪ ،‬ال يدرك إال من خالل استعماالته‪ ،‬وكل استعمال يحيل على‬
‫نسق‪ ،‬وكل نسق يحيل على داللة مثبتة في سجل الذات‪ ،‬وسجل الجسد‪ ،‬وسجل‬
‫إن أي محاولة لفهم هذه الدالالت‪ ،‬واإلمساك بها‪ ،‬يمر عبر تحديد مسبق‬
‫األشياء‪ّ .‬‬
‫لمجموع النصوص التي يتحرك ضمنها‪ ،‬ومعها‪ ،‬وضدها"‪.21‬‬
‫تحولت‬
‫تحولت اللغة من كائن مسموع إلى كائن موجود بفعل الكتابة‪ ،‬كما ّ‬
‫وقد ّ‬
‫مجرد إلى كائن محسوس ومرئي باستعارتها لمعجم الجسد‪ ،‬وتوظيفه كدال‬
‫من كائن ّ‬
‫متعددة‪ ،‬تتجاوز الموجود إلى ما هو ذهني وروحي‪،‬‬
‫لغوي وجودي له دالالت أخرى ّ‬
‫لينتقل بالجسد من الذات إلى اآلخر والعالم‪.‬‬
‫"لقد تحققت للغة‪ ،‬بدخولها إلى عالم الكتابة‪ ،‬أن دلت على نفسها؛ فصارت‬
‫بالمكتوب إشارة دالة‪ ،‬انتقلت بكائنها من المضغة إلى الكائن‪ ،‬ومن المسموع إلى‬
‫المرئي‪ ،‬ومن المنطوق إلى المقروء‪ ،‬وتغلّبت على زوالها‪ ،‬فبرزت شكال ّداال لمعان ال‬
‫تنتهي"‪.22‬‬
‫إن الجسد في الرواية النسائية‪ ،‬يمثّل فضاء عنكبوتيا‪ ،‬تمتد خيوطه إلى جميع‬
‫العوالم السردية األخرى‪ ،‬فجغرافية الجسد هي جغرافية النص‪ ،‬واستبطان الجسد‬
‫النصي‪ ،‬وتمثّل لخصائصه‪.‬‬
‫األنثوي هو استبطان للفضاء ّ‬

‫‪77‬‬
‫التلصص بعينين جائعتين على عوالم‬
‫إن الكتابة النسائية تحسن اإلصغاء و ّ‬ ‫ّ‬
‫مسميات‪ ،‬تستقطرها من‬
‫ّ‬ ‫جسدها‪ ،‬تستعير لألشياء واألحجام واأللوان والظواهر‬
‫المخيلة السادرة‪ ،‬بحسب األجواء النفسية‬
‫ّ‬ ‫جسدها‪ ،‬وحاجاته الكامنة التي تستوطن‬
‫الراصدة لحالة الجسد‪ ،‬الكاشفة ألحاسيسه‪.‬‬
‫نصها‪ ،‬بناء على آلية االشتغال العضوي للجسد‪ ،‬واسقاطاته‪،‬‬
‫فالمرأة تكتب ّ‬
‫ولكن الجسد‪ ،‬حين يدخل عالم الكتابة‪ ،‬ينفلت من معناه المعجمي المنغلق‪ ،‬إلى‬
‫دالالت احتمالية مضاعفة‪ ،‬يفرضها السياق وتفرضها القرائن المصاحبة المنفتحة‬
‫تتحول‬
‫على قنوات محايثة للجسد‪ ،‬تحقّق االستبطان والتمثّل من كون األشياء‪ ،‬كما ّ‬
‫المتشعبة التي تغني السرد‬
‫ّ‬ ‫أعضاء الجسد إلى كائنات حبلى بالتحوالت الداللّية‬
‫وتشحنه بالخصب والنماء‪.‬‬
‫والجدير بالذكر‪ ،‬أن الكتابة النسائية الناضجة فنيا‪ ،‬تجيد في مجملها بالغة‬
‫الجسد‪ ،‬وفاعلية التجسيم اإلستعاري لألشياء التي تمنحها المرأة تشكيالت الجسد‪،‬‬
‫حية نابضة بالحياة‪ ،‬تشارك السارد في‬
‫وتزرع فيها العواطف اآلدمية‪ ،‬بوصفها كائنات ّ‬
‫توليد السرد واثرائه‪.‬‬
‫ومن األمثلة الدالة على توظيف الجسد‪ ،‬واستعارة أشيائه وتفاصيله‪ ،‬نذكر ما‬
‫ورد في رواية (فوزية شالبي)‪ ،‬على لسان الساردة "صالحة"‪:‬‬
‫كل شيء‪ ..‬دخلت كل‬ ‫"‪ ...‬مضى أسبوع‪ ..‬أسبوعان‪ ..‬ثالثة‪ ..‬تالشى ّ‬
‫التفاصيل‪ ..‬رماد الذاكرة القديمة‪ ،‬لكن شيئا واحدا بدأ ينفر من الرماد‪ ،‬ويكون له وهج‬
‫الجمر‪ :‬كان شبحا باهتا‪ .‬ازداد وضوحا‪ ،‬اكتسى معنى وهيئة ونبضا‪ ،‬هي ابتسامته‬
‫تحاصرني‪ ..‬أكابدها‪ .. ! ..‬هي جسر من البهاء والروعة والمودة‪ ،‬فهل أنجو من‬
‫طوق ياسمين‪ ،‬أو عرجون فل!‪ ..‬هي ابتسامته تناغيني‪ ..‬أهيل على وجهها رماد‬
‫النسيان ! ‪ ..‬هي ابتسامته‪ ..‬هي ابتسامته‪ ..‬هي ابتسامته‪ ..‬ياللورطة اللذيذة…"‪.23‬‬

‫‪77‬‬
‫بناء على مالحظتنا للجمل السردية‪ ،‬نشعر بتلك الوقفات الشبحية والطيفية‬
‫التي تطرحها رؤيا الساردة بعد أن كاد يطويها النسيان‪ .‬لكن ما نالحظه أيضا‪ ،‬هو‬
‫يحل في األشياء‬
‫ليتوحد مع السادرة‪ ،‬أو ّ‬
‫ّ‬ ‫هذا الطّيف الطليق الذي يغادر جسده‪،‬‬
‫والتفاصيل المحيطة بها‪ ..." :‬لكن شيئا واحدا بدأ ينفر من الرماد‪ ،‬ويكون له وهج‬
‫بتحوالته‪ ،‬فتعاطت لغة الجسد‬
‫الجمر‪ ."...‬هذا الزائر الغريب التي استضاءت الساردة ّ‬
‫المحرمات والممنوعات‪.‬‬
‫ّ‬ ‫بعد اقتحامها لعالم‬
‫الحيز العاطفي للجسد والمساحة الرومانسية لألشياء‪ ،‬يمثّل األفعال والوقائع‬
‫إن ّ‬‫ّ‬
‫بكم هائل من‬
‫في الكتابة النسائية‪ ،‬التي تلقي بظاللها على السرد الذي يشحن ّ‬
‫تتحدد بمدى احتوائها لهذا الجسد‬
‫ّ‬ ‫الوحدات السردية المتناسلة من بعضها بعض‪،‬‬
‫المغيب‪ ..." .‬كان شبحا باهتا‪ ،‬ازداد وضوحا‪ ،‬اكتسى معنى وهيئة ونبضا‪ ،‬هي‬
‫ّ‬
‫ابتسامته تحاصرني‪ ،‬أكابدها‪."...‬‬
‫لو حاولنا استقراء المنظور السردي عند (فوزية شالبي)‪ ،‬لوجدنا ظاهرة تمثّل‬
‫الجسد الغائب‪ ،‬واستعارة تشكيله‪ ،‬ثم زرعه بالحياة‪ ،‬فإذا هو كائن يخرج من الرماد‬
‫متوهجا‪ ،‬آس ار الساردة بابتسامته‪..." .‬هي ابتسامته‪ ،‬هي ابتسامته‪."...‬‬
‫ّ‬ ‫جم ار‬
‫والساردة‪ ،‬في الرواية‪ ،‬شخصية محورية فاعلة في األحداث‪ ،‬تحقّق في حركتها‬
‫المتخيل) إذ ال يكاد السرد يبرح العالم‬
‫ّ‬ ‫السردية التوازي بين (زمن السرد) و(زمن الفعل‬
‫الداخلي للساردة‪ ،‬من خالل التأكيد على عنصر الفعل المرتبط بالضمير‪..." :‬‬
‫تحاصرني‪ ،‬أكابدها‪ ،‬تناغيني‪."...‬‬
‫حيا‪ ،‬يسهم في تلك اإلرساليات‬
‫تفعل الكتابة النسائية (الرغبة)‪ ،‬فتحيلها كائنا ّ‬
‫ّ‬
‫المشبعة باآلخر (الحاضر‪ /‬الغائب) الذي ينساب إلى عوالم محكيات المرأة‪.‬‬‫ّ‬ ‫السردية‬
‫وحين يحضر هذا اآلخر‪ ،‬يحضر بكل جسده‪ ،‬وعنفوانه‪ ،‬كما تريده المرأة أن يكون‪.‬‬
‫آمال مختار‪ ،‬كاتبة روائية تجيد جماليات الحفر‪ ،‬والعبور‪ ،‬والتواصل الجسدي‬
‫(من الجسد والى الجسد)‪ ،‬حيث تبدو روايتها إنصاتا لهذا الجسد‪ ،‬واستف از از له‪ ،‬وولوجا‬
‫‪77‬‬
‫لعتباته‪ ،‬وامساكا لمفاتيحه؛ فمع أحداثها اليومية‪ ،‬ووقائعها السردية‪ ،‬وعوالم محكياتها‪،‬‬
‫تنبع من هذا الجسد المؤنث‪ ،‬وتتخلّق في رحمه‪ ،‬تقتات من تفاصيله‪ ،‬حتى الطبيعة‪،‬‬
‫يكون برنامجه السردي بتواطئه مع هذا الجسد‬
‫بمظاهرها المختلفة تصبح كائنا حركيا‪ّ ،‬‬
‫المؤنث الخصب‪.‬‬
‫ّ‬
‫فالجسد ينسجم مع كينونات الطبيعة‪ ،‬ويتالحم معها‪ ،‬نجده ينسجم مع الريح‪،‬‬
‫والمطر‪ ،‬والشتاء‪:‬‬
‫"‪ ...‬المطر‪ ،‬الشتاء‪ ،‬الضباب‪ ،‬كلمات تعني عندي الدفء‪ ،‬وبقدر ما يكون‬
‫الشتاء عاصفا باردا قاسيا‪ ،‬يكون الدفء أدفأ‪ ،‬والعشق أعنف‪ ،‬وأكثر جنونا‪ .‬أحب أن‬
‫يبدأ العشق دائما في الخريف‪ ،‬أن يبدأ خجوال‪ ،‬بخدود موردة‪ ،‬ثم يكبر مع عواصفه‬
‫حتى يصير مجنونا في الشتاء‪.24"...‬‬
‫ما يالحظ في الكتابة النسائية‪ ،‬تلك العناصر الداخلية للجسد‪ ،‬تخاطب‬
‫العناصر الخارجية للكون‪ ،‬بلغتها المؤنثة‪ ،‬فتجعلها متآلفة متناغمة مع إيقاع جسدها‪،‬‬
‫وفق تواصل متحاور منسجم‪.‬‬
‫إن الجسد المؤنث يشحن مظاهر الطبيعة بتلك الشحنة المتوقّدة التي يفرزها‬
‫نصية‪ ،‬فتتخّلق في السرد‪ ،‬وتتناسل‪ ،‬مساعدة الداللة‬
‫الجسد المؤنث‪ ،‬عبر سالسل ّ‬
‫متعدد ال‬
‫ّ‬ ‫على االنطالق واإلنعتاق من قيود المعجم وداللته المباشرة‪ ،‬إلى فضاء‬
‫بكل هيمنته وسلطته‬
‫محدود‪ ،‬تجابه المرأة المبدعة‪ ،‬في أثنائه‪ ،‬شيطان الجسد‪ّ ،‬‬
‫وشراسته التي لم تتوقف عن الحضور الطاغي في فضاء الوعي الكاشف غير اآلبـه‬
‫بالمحرمات والممنوعات‪.‬‬
‫ّ‬
‫ها هي (فضيلة فاروق) تنحت روايتها من تخوم الجسد وحفرياته‪ ،‬من خالل‬
‫العبارات المشخونة التي تنجذب من الجسد واليه‪ ،‬فيتكّلم بلغته ويستعير معجمه‪.‬‬
‫الملبدة بالغيوم‪ ،‬وذلك‬
‫ّ‬ ‫نلمس ذلك في مثل قولهـا‪" ...":‬أيس"‪ ،‬تلك السماء العبوس‬

‫‪77‬‬
‫المطر الشبق الذي يغازل الكون‪ ،‬لم يكن أكثر من رجل‪ ،‬ولكنه في الوقت نفسه‪،‬‬
‫كان أكثر من رجل‪ ،‬وهذا ما لم أفهمه‪.25"...‬‬
‫وفي مقطع آخر‪ ،‬يرد على لسان الساردة‪ ،‬في وصف شارع‪ ،‬هو أشبه بوصف‬
‫جسد رجل‪ ..." :‬شارع (مونبرناس)‪ ،‬في السادسة مساء‪ ،‬تحت قبعة سوداء من‬
‫تهب كالموسيقى‪ ،‬وبقع الماء في الشارع‬
‫الغيوم‪ ،‬يبدو رجال مشكوكا في أمره‪ ،‬الريح ّ‬
‫أغنية مبعثرة‪.26"...‬‬
‫وفي أحيان كثيرة‪ ،‬نجد في الرواية النسائية ميال إلى إخراج الجسد ‪ -‬بشقيه‬
‫الذكوري واألنثوي ‪ -‬من أسوار الذات إلى فضاء الكون؛ فقد توظف المرأة "المطر"‬
‫و"الشارع" و"الريح" بالصفة الذكورية‪ ،‬فتمنح له تفاصيل الجسد الذكوري‪ ،‬بينما تختبئ‬
‫خلف مسميات أخرى كـ "الكون"‪ ،‬مثل‪ ..." :‬ذاك المطر الشبق الذي يغازل‬
‫الكون‪ ."...‬وأحيانا نجدها هي "األرض" و"المدينة"‪ ،‬تمارس من خالل ذلك كل‬
‫التحوالت‪ ،‬بل تتشاكل مع كينونات طبيعيه ورمزية‪ ،‬وتبقى السياحة متواصلة‪،‬‬‫ّ‬
‫خاصة‪ ،‬حين يتوّقف الزمن الخارجي‪ ،‬وتطغى التداعيات الداخلية‬
‫ّ‬ ‫مستمر‪،‬‬
‫ّ‬ ‫والترحال‬
‫الحية والجامدة‪،‬‬
‫التي تتيح لهذا الجسد أو ذاك إمكانية التماهي مع مظاهر الطبيعة ّ‬
‫مثل ما ورد في رواية (فضيلة فاروق)‪ ..." :‬ولكن باريس جميلة‪ ،‬ومتوهجة في‬
‫الوقت الذي تنام فيه قسنطينة في حضن رجل شرس‪ ،‬بال قلب‪ ،‬بال مخ‪ ،‬بال صوت‪،‬‬
‫تسرق أنفاسها خلسة من مساء يختنق‪ ،‬وتقول الشعر الذي يجعلنا نبكي‪ ،‬ال الشعر‬
‫الذي تقوله باريس في صالونات‪ ،‬تضج بالتصفيق‪.27"...‬‬
‫إن المغامرة السردية في الكتابة النسائية هي مغامرة للروح والجسد‪ .‬فالتواصل‬
‫مع الكون‪ ،‬والفضاء الخارجي‪ ،‬يتم عبر مجموعة من القرائن المحفّزة على التخييل‪،‬‬
‫والتي ال تخرج عن استعارة تفاصيل الجسد الحاضرة عبر االمتداد اللغوي‪ ،‬في جمل‬
‫سريعة اإليقاع‪ ،‬نق أر فيها حاضر الجسد‪ ،‬وحاضر الذات‪ .‬فهي تنطلق من الجسد‪،‬‬
‫زودت المعنى بدالالت جديدة‪ ،‬فرضتها شبكة‬
‫وتعود من حيث بدأت‪ ،‬بعد أن ّ‬
‫‪71‬‬
‫العالقات الجديدة بين مفردات النص الروائي‪ ..." :‬ولكن باريس جميلة ومتوهجة‪،‬‬
‫في الوقت الذي تنام فيه قسنطينة‪ ،‬في حضن رجل شرس‪."...‬‬
‫بناء ولغةً‪،‬‬
‫وما يالحظ على (فضيلة فاروق) محاكاتها لـ (أحالم مستغانمي) ً‬
‫بل ّإنهـا تستعمل لغتها ومسمياتها‪ ،‬وتستخدم رؤيتها لألشياء‪ ،‬بحيث تكاد تكون هذه‬
‫فوقة على قريناتها‪،‬‬
‫الرواية "اكتشاف الشهوة" تقليدا أعمى للكاتبة (أحالم) التي تبقى مت ّ‬
‫سواء من حيث المرتكزات المعرفية التي انطلقت منها‪ ،‬أم من حيث البناء وتقنيات‬
‫تميز كتابتها‪.‬‬
‫السرد‪ ،‬أم بالنظر إلى اإلشارات اللغوية‪ ،‬والظواهر األسلوبية التي ّ‬
‫توظف (أحالم مستغانمي) الجسد األنثوي‪ ،‬وتستعير جزئياته في رسم لوحتها‬
‫الزيتية "حنين"‪ .‬وعن طريق السارد الرئيس في رواية "ذاكرة الجسد"‪ ،‬يرد المقطع‬
‫التالي‪:‬‬
‫"‪ ...‬ها هي لوحاتي‪ ،‬تستيقظ كامرأة بتلك الحقيقة الصباحية العارية‪ ،‬دون زينة‬
‫وال مساحيق وال رتوش‪ ،‬ها هي امرأة تتثاءب على الجدران‪ ،‬بعد أمسية صاخبة‪،‬‬
‫اتجهت نحو لوحتي الصغيرة ‪-‬حنين‪ -‬أتفقدها‪ ،‬وكأنني أتفقدك‪" :‬صباح الخير‬
‫علي‬
‫ردت ّ‬ ‫قسنطينة‪ ،‬كيف أنت‪ ،‬يا جسري المعلّق‪ ..‬يا حزني المعلق منذ ربع قرن؟"‪ّ .‬‬
‫المرة‪ ،‬فابتسمت لها بتواطؤ‪ ،‬إننا نفهم‬
‫اللوحة بصمتها المعتاد‪ ،‬ولكن بغمزة صغيرة هذه ّ‬
‫بلدية مكابرة مثل‬
‫بعضنا‪ ،‬أنا وهذه اللوحة ‪ -‬البلدي يفهم من غمزة ‪ -‬وكانت لوحة ّ‬
‫صاحبها‪ ،‬عريقة مثله‪ ،‬تفهم بنصف غمزة‪.28"...‬‬
‫يجسد المتن الروائي‪ ،‬ويربط عناصره‪ ،‬كما يساعد في‬
‫فالجسد المؤنث هو الذي ّ‬
‫تكثيف حضور الطاقة الشعرية‪ ،‬وتحقيق ذلك التعاطف المادي‪ ،‬واالنجذاب الوجداني‪.‬‬
‫"الجسد األنثوي‪ ،‬يسع الحياة برمتها‪ ،‬ألن العالقة بين الجسد وبين العالم‪ ،‬بعد أن‬
‫وتوحد"‪.29‬‬
‫كانت عالقة احتواء وترويض وامتالك‪ ،‬أصبحت عالقة حوار وتناغم ّ‬
‫ويبقى الجسد األنثوي‪ ،‬في الرواية‪ ،‬هو القابض على خيال القارئ وفكره‪ ،‬وتبقى‬
‫اللغة التي تعمل على تفجير أشياء الجسد هي السائدة‪ ،‬نظ ار للتوتّر الكائن الذي تمثّله‬
‫‪77‬‬
‫المجازات والصور واإليحاءات‪ .‬فالرواية النسائية تحسن اإلنصات إلى الجسد الذي‬
‫مجنح‪،‬‬
‫علوي ّ‬
‫ّ‬ ‫الحسي إلى كائن‬
‫يفعل الشبكات الداللية واللغوية‪ ،‬بحيث تصعد بالكائن ّ‬
‫ّ‬
‫موجهة للمعنى‪ ،‬قابلة‬
‫مزود بالمعاني اإلضافية المبثوثة‪ ،‬تح ّقق للنص سلطة داللية ّ‬
‫ّ‬
‫للتأويل‪ ،‬مثل‪ ..." :‬ها هي لوحاتي تستيقظ كامرأة بتلك الصباحية العارية‪ ،‬دون زينة‬
‫وال مساحيق‪"...‬‬
‫(أحالم مستغانمي) في روايتها "ذاكرة الجسد" تربك قواعد اللعبة السردية‪ ،‬من‬
‫خالل شعرية الرواية وح اررتها‪ ،‬حين توظّف الجسد األنثوي مرتعا خصبا لتغذية السرد‬
‫علي اللوحة بصمتها المعتاد‪ ،‬ولكن بغمزة صغيرة هذه‬
‫ّ‬ ‫ردت‬‫وتحريكه‪ّ ..." :‬‬
‫بأتم معنى الكلمة‪ ،‬وهي‬
‫تتحول إلى امرأة مغرية ّ‬
‫المـرة‪ ."...‬فاللوحة الزيتية "حنين"‪ّ ،‬‬
‫صورة قد درج عليها األدباء من قبل‪ ،‬حين عمدوا إلى "تنحية التعبير المنطقي‪،‬‬
‫والتركيز على عمليات االستثارة العاطفية‪ ،‬بحيث يصبح نقل التوتّر هو المقصد‬
‫األول"‪ .30‬والمالحظة نفسها يمكن أن تقال في رواية "قالدة قرنفل" للكاتبة الروائية‬
‫ّ‬
‫(زهور كرام)‪ ،‬حيث يرد على لسان الساردة‪ ،‬وهي تتكلّم عن ذاتها‪ ،‬وجسدها‪ ،‬وظلّها‪:‬‬
‫"‪ ...‬ألن ظلّي سرعان ما عاد يستلطفني‪ ..‬هل أدرك حاجتي إليه هو أيضا‪..‬‬
‫يحيا من وجودي‪ ..‬لم أعرف كم من الوقت انصرف في ركوب هذا السفر‪ ،‬يحدث أن‬
‫أركب مسافات‪ ،‬واحّلق في أجواء‪ ،‬ألجد ذاكرتي جاهزة الحتضان شرودي‪ ،‬الهثـة من‬
‫تصر على استفزازي حتّى ال يتراجع خطوي‪ ،‬وأضعف أمام‬
‫فرط تحالفها معي‪ ،‬كأنها ّ‬
‫انسحاب ظلّي‪ ..‬أنيسي‪ ..‬حين تفاجئني الطبيعة مطرا‪ ..‬مطرا‪ ..‬وان كان خفيفا‪..‬‬
‫خفيفا‪ ..‬فإنه يواري أنيسي‪.31"...‬‬
‫يتحول النزوع إلى التوحد بالجسد وبظلّه إلى طرح المرأة من خالل كلّيتها‪ ،‬وهذه‬
‫ّ‬
‫الكّلية تتح ّقق في الجسد وفي ظّله الذي يعتبر باعثا لليقين على الكينونة والوجود‪،‬‬
‫فتأكيد الظل هو تأكيد على وجود الجسد الذي تتح ّقق بوجوده االستم اررية‪ ،‬والقدرة على‬
‫الديمومة والحركة‪.‬‬
‫‪77‬‬
‫إن وجود "الظل" هو دليل على وجود "الجسد"‪ ،‬والجسد كائن يمتلك الشكل‪،‬‬
‫والكائن الذي يمتلك الشكل‪ ،‬حسب تعبير (باشالر)‪" ،‬يسود آالف السنين‪ ،‬ألن كل‬
‫المتحجرة‪ ،‬ليست مجرد كائنات عاشت في الماضي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫شكل يستعيد الحياة‪ ،‬والكائنات‬
‫حية‪ ،‬مستغرقة في النوم داخل شكلها"‪.32‬‬
‫ولكنها ما تزال ّ‬
‫تحول الحياة‪ ،‬وديمومة الحركة‪ ،‬كما يمثّل الجسد األنثوي شجون‬
‫الجسد يمثّل ّ‬
‫الرغبة‪ ،‬بين ما يرسله النص من مفردات لغوية‪ ،‬وما يبحث عنه المتلقي لتبقى سلطة‬
‫الرغبة في التأويل والكشف قائمة وفق تلك المسافة بين الجسد وظله‪ .‬هذه المسافة‬
‫التي تحسنها الكتابة النسائية بامتياز‪.‬‬
‫وحين نتأمل مثل عبارات‪ ..." :‬يستلطفني‪ ..‬أركب مسافات االحتضان‪..‬‬
‫الهثة‪ ..‬المطر‪ ،"...‬وحين نبحث في عالم األلفاظ عن تلك العالقة المتجاذبة المهيمنة‬
‫في فضاء النص‪ :‬كاالستلطاف‪ ،‬واالحتضان‪ ،‬والركوب‪ ،‬واللهاث‪ ،‬واإلمطار‪ ،‬تتكون‬
‫لدينا لوحة تعبيرية مشحونة بتوتر الجسد‪ ،‬هي في األصل عالمات سردية تستدعي‬
‫التأويل‪ّ ،‬إنهـا بالغة الجسد النابعة من كثافة الرموز المشحونة بالتأويالت‬
‫شعرية مشفّرة‪:‬‬
‫ّ‬ ‫‪ -3‬فاعلية الجسد وبالغته في تشكيل لوحات‬
‫يمثّل الجسد بالغة فنية مكثّفة في الرواية النسائية‪ ،‬يسهم في إنتاج العناصر‬
‫التميز في كتابة المرأة‪ ،‬يخلق‬
‫المش ّكلة لإلبداع‪ ،‬وتشكيل لوحات شعرية مش ّفرة‪ ،‬هذا ّ‬
‫تلك الخصوصية التي قد تعجز عنها الكتابة الذكورية لنمطية الجسد األنثوي عند‬
‫الرجل‪.‬‬
‫التحول واالنشطار‪ ،‬وما يترتّب‬
‫مع تشكيل الجسد عند المرأة‪ ،‬نعيش المباغتة و ّ‬
‫عنها من تداع لألفكار‪ ،‬وتوليد للدالالت المطلقة‪ ،‬فيتقاطع الذاتي بالموضوعي‪ ،‬ويلتئم‬
‫المتعدد بالواحد الكّلي‪ ،‬كما يسمح للطاقة الخيالية بالعبور والتسّلل إلى ما وراء‬
‫ّ‬
‫األشياء‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫تسعى الرواية النسائية – دومـا ‪ -‬إلى االختراق والتجاوز‪ ،‬لكن بنوع من اللين‬
‫والمرونة‪ ،‬قصد اكتشاف الحقيقة‪ ،‬ومواجهتها عبر االلتحام باآلخر‪ .‬وظاهرة‬
‫استحضار (الجسد) في الرواية النسائية تختلف عنها في الرواية الذكورية؛ فالرجل‬
‫يرى المرأة جسدا ناميا‪ ،‬ال فك ار واعيا‪ ،‬بينما اختلف األمر في الرواية النسائية‪،‬‬
‫المتميز في اللغة التعبيرية‬
‫ّ‬ ‫لخصوصية التعاطي األنثوي مع هذه القضية‪ ،‬واالنسجام‬
‫عن المرأة التي ترصد أدق األحاسيس والمشاعر دون خجل أو مواربة‪ ،‬معها يشتبك‬
‫نبض الجسد مع نبض النص‪ ،‬في لغة متآلفة مبدعة خالّقة‪ ،‬نلمس فيها فاعلية‬
‫المستمدة منه‪ ،‬وتشكيالت شعرية مشفّرة تضيء أفق‬
‫ّ‬ ‫الجسد‪ ،‬فاعلية الصورة البالغية‬
‫النص المؤنث‪ ،‬فتزيل الحجب الفاصلة بين األنا واآلخر‪ ،‬من خالل التشكيل‬
‫المتجانس اإليقاع والداللة‪.‬‬
‫ولتقريب هذا المعطى‪ ،‬نورد مقطعا سرديا من "ذاكرة الجسد"‪ ،‬على لسان السارد‬
‫"خالد بن طوبال"‪ ،‬وهو يعّلق على اللوحة الزيتية "حنين" ومدى التقارب بينها وبين‬
‫"حياة"‪:‬‬
‫أود لحظتها لو احتضنتك بذراعي‬
‫"‪ ...‬نظرت إليك خلف ضباب الدمع‪ ،‬كنت ّ‬
‫الوحيدة‪ ،‬كما لم أحضن امرأة‪ ..‬كما لم أحضن حلما‪ ..‬ولكنني بقيت في مكاني‪،‬‬
‫وبقيت في مكانك متقابلين هكذا‪ ..‬جبلين مكابرين‪ ،‬بينهما جسر سري من الشـوق‬
‫والحنين‪ ،‬وكثير من الغيوم التي لم تمطر‪ ،‬استوقفتني كلمة جسر‪ ،‬وتذكرت تلك‬
‫وكأنك تبحثين فيها عن نفسك‪ .‬قلت‪" :‬أليست هذه قنطرة‬
‫اللوحة‪ ...‬نظرت إلى اللوحة‪ّ ،‬‬
‫الحبال؟‪ ."..‬أجبتك‪" :‬أنها أكثر من قنطـرة ‪ ..‬إنها قسنطينة‪ ،‬وهذه هي القرابة األخرى‬
‫التي تربطك بهذه اللوحة ‪ ...‬يوم دخلت هذه القاعـة‪ ،‬دخلت قسنطينة معك‪ ،‬دخلت في‬
‫طّلتك‪ ،‬في مشيتك‪ ،‬في لهجتك‪ ..‬وفي سوار كنت تلبسينه‪.33"...‬‬
‫إن (أحالم مستغانمي ) في رسمها للصورة‪ ،‬تستعير الجسد األنثوي المشتهى‪،‬‬
‫ّ‬
‫ليتشاكل عندها‪ ،‬في نظام بديع‪ ،‬مع كينونات رمزية‪ ،‬وطبيعية‪ ،‬وتاريخية‪ ،‬حيث‬
‫‪77‬‬
‫المستمدة من‬
‫ّ‬ ‫يتناسل الوصف الموضوعي مع اإلسهام والهذيان في تشكيل الصورة‬
‫األنثى‪ ،‬أين الدفء والجاذبية والميل الغريزي‪ .‬وا ّن تحقيق هذا النظام بين دوال‬
‫أن "نظام تش ّكل األشياء واقعا‪ ،‬ونظام‬
‫األشياء ومدلوالتها قد ال ينسجم دائما‪ ،‬ذلك ّ‬
‫تش ّكل معنى األشياء لغة‪ ،‬ال يتالزمان"‪.34‬‬
‫محجبا‪ ،‬يخفي نصف الحقيقة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫تلبس اللغة عند (أحالم مستغانمي) لباسا‬
‫ويظهر النصف األخر‪ .‬وا ّن "اللغة لتعيش وجودها في جدل مع الواقع‪ ،‬تجاذبه‬
‫ويجاذبها في فهم الواقع والتعبير عنه‪ ،‬أو تزويره واالنحراف به‪ ،‬أو ولوجه‬
‫واالستحواذ عليه‪ ،‬ال لسيطرة اللغة عليه‪ ،‬بل لتحويله واعادة إبداعه تركيبا وصياغة‬
‫وانشاء"‪.35‬‬
‫تحاول المؤلفة‪ ،‬في تشكيل صورها الشعرية‪ ،‬فتبدأ من الدالالت التي تدخلها‬
‫في غالالتها الضبابية‪ ..." :‬نظرت إليك خلف ضباب الدمع‪ ."...‬و"ضباب الدمع"‬
‫فيكون‬
‫لها مرجعية داللية‪ ،‬تتمثّل في الحزن الشديد‪ ،‬أو الشوق الذي يحرق القلب‪ّ ،‬‬
‫تعبر‬
‫حاجبا حاج از للرؤية‪ .‬ولكن مع سياق النص‪ ،‬نعثر على الداللة الضمنية التي ّ‬
‫ألمت بالسارد "خالد بن طوبال"‪ ،‬وهو يوشك على‬‫حميمية المشاعر التي ّ‬
‫ّ‬ ‫عن‬
‫أود لحظتها لو احتضنتك بذراعي الوحيدة‪."...‬‬
‫احتضان حياة‪ ..." :‬كنت ّ‬
‫فالصورة السردية المح ّفزة هنا هو العناق وااللتحام‪ ،‬حيث مشاعر العشق‬
‫والفيض الوجداني ينزف من جسد ينقصه ذراع‪ .‬وهذا المشهد المحموم المتوتّر الذي‬
‫وظل‬
‫ّ‬ ‫هو في حاجة إلى االلتحام لم يقع‪ ،‬بل بقيت المسافة بين الجسد المؤنث‪،‬‬
‫القوة الفاعلة في مسار السرد النسائي‪ ،‬حيث البؤرة المحفّزة‪،‬‬ ‫اآلخر‪ ،‬تمثّل ّ‬
‫والمستقطبة لمحاور السرد الباحثة عن اإلشباع وعن االرتواء‪ ،‬فال تكاد تعثر عليه‪:‬‬
‫"‪ ...‬ولكنني بقيت في مكاني‪ ،‬وبقيت في مكانك‪ ،‬متقابلين‪ ،‬هكذا جبليين‬
‫سري من الشوق والحنين‪ ،‬وكثير من الغيوم التي لم‬
‫مكابرين‪ ،‬بينهما جسر ّ‬
‫تمطر‪."...‬‬
‫‪77‬‬
‫تستوقفنا كلمة "جبل "‪ ،‬والجبال من الركائز التي استخدمها سبحانه وتعالى‬
‫تتحول‪،‬‬
‫لتثبيت هذه األرض واستقرارها‪ ،‬فهي من العالمات الدالّة التي ال يمكن أن ّ‬
‫أن للجبل من القوة والصالبة ما يجعل االنحراف به أو تزويره أو االستحواذ‬‫ذلك ّ‬
‫عليه أم ار مستحيال‪.‬‬
‫بهذا االستحضار القصدي لـ "الجبل"‪ ،‬فيه صورة الذات وصورة لآلخر؛ هذا‬
‫أن (الجبل)‬
‫اآلخر الذي تمثله "حيـاة" التي هي "قسنطينة" الوطن واألرض‪ .‬غير ّ‬
‫اآلخر سيمثّله السارد "خالد بن طوبال " الرجل المجاهد الذي حمل السالح دفاعا‬
‫عن هذا الوطن‪ ،‬وهو الذي تربطه حْلقة وصل وانجذاب بهذا الوطن‪ ،‬هي حْلقة‬
‫الشوق والحنين‪.‬‬
‫وتحسن (أحالم مستغانمي) التوليد الداللي المنسجم مع اإليقاع الصوتي‪،‬‬
‫وهو ما يجعل أسلوبها التعبيري يقترب م ن الشعرية المكتنزة بالرموز‪ ،‬حيث إن‬
‫الرؤيا عند الكاتبة تؤطّر لفلسفة الجسد‪ ،‬وتجسيد آللياته المختبئة وراء اللغة الشعرية‬
‫المش ّفرة الغنية بالتأويل‪.‬‬
‫فالنص "مكان الذات الذي تتجسد من خالله رؤاها ومعاناتها وأحاسيسها‪ ،‬في‬
‫عالقاتها بالكون والكائنات‪ ،‬والنص مكان الذات إذ تتموضع في اللغة‪ ،‬فتجد فيه‬
‫سكنها‪ ،‬ومن خالل هذا التموضع تجد الذات ‪ -‬أو تحاول أن تجد ‪ -‬هويتها‪ ،‬وهذه‬
‫الهوية مع الهوية المادية الجسدية هويتان تتحركان في جسد العالم‪ ،‬وفضاءات‬
‫المكان‪ ،‬وهو تموضع وجودي حتمي؛ ألن المكان األكبر (األرض‪ /‬الوطن)‪ ،‬يملك‬
‫هويته‪ ،‬ويفرض خطابه االجتماعي والثقافي والحضاري‪ ،‬في عالقة هيمنة‬
‫وتملك"‪ ،36‬فيكتسب الجسد في الرواية النسائية نكهة مغايرة ولغة وليدة تنشأ عنها‬
‫تحوالت وجماليات‪.‬‬
‫ولعل بالغة الجسد في تشكيل لوحات شعرية مش ّفرة يشير إلى تلك العالقات‬
‫سنة كونية‪ ،‬تشمل الطبيعة‬
‫التي تبحث عن االلتحام والتوافق‪ ،‬فتصبح هذه الظاهرة ّ‬
‫‪77‬‬
‫"إن إحالة اللغة على‬
‫ومظاهرها الشاعرية المح ّفزة‪ ،‬داخل تش ّكل المكونات األخرى‪ّ .‬‬
‫الجسد‪ ،‬والجسد على اللغة‪ ،‬وتماهيهما‪ ،‬تجعل من الضروري التذكير بمفصل‬
‫الكينونة القديم‪ ،‬واإلشارة إلى تلك اللحظة التي أنشأ اهلل فيها جسد الكون بكلمة‬
‫( ُكـن)‪ ،‬والجسد البشري‪ ،‬أو الكينونة البشرية جزء من هذه الكينونة الجسدية الكبرى‪،‬‬
‫قصة خلق عيسى (عليه السالم) من كلمة الّله‪ ،‬يشير‬ ‫الصريح قي ّ‬ ‫ولعل النص ّ‬‫ّ‬
‫بوضوح إلى هذه العالقة المتج ّذرة بين الخلق والجسد واللغة"‪.37‬‬
‫يمدها‬
‫وتتقن (أحالم مستغانمي) أيضا شعرية الكتابة ببالغة الجسد الذي ّ‬
‫بلغة طافحة بالشعرية‪ ،‬مشحونة بالدالالت‪ ،‬مثيرة لخيال المتلقي‪ ،‬عبر النبش في‬
‫المتجددة المتناسلة‬
‫ّ‬ ‫مخزون الذاكرة والتاريخ‪ ،‬وعبر تفاصيل الجسد‪ ،‬وعوالمه الثرّية‬
‫قصها‬
‫يعبر بصدق عن مهارة الكاتبة وموهبتها السردية‪ ،‬وبالغة ّ‬ ‫باستمرار‪ ،‬مما ّ‬
‫يؤسس لكتابة نسائية مغاربية بامتياز‪.‬‬
‫الذي ّ‬
‫ولالستدالل والتمثيل على هذا الزعم‪ ،‬نتوقف عند رواية "فوضى الحواس"‬
‫تعد محفال إبداعيا ولغويا‪ ،‬مارست الكاتبة من خالله غواية اللغة‬
‫مرة أخرى‪ ،‬والتي ّ‬
‫مؤنث‪ ،‬غطّى‬ ‫مكونة منحوتة شعرية من جسد ّ‬ ‫وفتنتها‪ ،‬كما تماهت مع الكتابة‪ّ ،‬‬
‫فضاء النص إغراء ومتعة‪.‬‬
‫"‪ ...‬كنا على مشارف قبلة‪ ،‬عندما جاءت تلك الموسيقى مباغتة لنا‪ ،‬زاحفة‬
‫نحونا‪ ،‬متباطئة كسلى‪ ،‬ثم متقاربة اإليقاع‪ ،‬بمزاجية الرغبات الطاعنة‪ ،‬تناقضا‬
‫كخطى راقص على أرصفة الشغف‪ ،‬تحت مطر السماء‪ ،‬كانت األقدام الحافية‪،‬‬
‫تنقل لنا إيقاعها العشقي‪ ،‬منتعلة خفّة شهوتنا في حضرة زوربا‪ ...‬خلع البحر‬
‫نظاراته السوداء‪ ،‬وقميصا أسود‪ ،‬وجلس يتأملني‪.‬‬
‫مد وجزر‪،‬‬‫رجل نصفه حبر‪ ،‬ونصفه بحر‪ ،‬يجردني من أسئلتي‪ ،‬بين ّ‬
‫يسحبني نحو قدري‪ ،‬رجل نصفه حياة‪ ،‬ونصفه إغراء‪ ،‬يجتاحني بحمى من القبل‪،‬‬

‫‪77‬‬
‫بذراع واحدة يضمني‪ ،‬يلغي يدي‪ ،‬ويكتبني‪ ،‬يتأملني وسط ارتباكي‪ ،‬يقول‪" :‬إنها أول‬
‫مرة‪ ،‬أطل فيها من نافذة الصفحة‪ ،‬ألتفرج على جسدك‪ .‬دعيني أراك أخيرا‪.38"...‬‬
‫تظهر الساردة "عالمة" أساسية في رواية "فوضى الحواس"‪ ،‬فهي التي‬
‫تحكي والرجل يستمع‪ ،‬وتبقى الساردة تضيء األبعاد الداللية والرمزية‪ ،‬بين الكثافة‬
‫الشعرية واالسترسال الروائي‪ّ .‬إنها ت ستقطر رحيق الجسد األنثوي‪ ،‬وتجمع عصارته‬
‫الجوانية بين الـ (هي) والـ (هو)‪ ،‬وتختار حوافزها‬
‫الجمالية حين ترصف تلك العالقة ّ‬
‫تؤسس للحبكة الفنية من إيقاع الجسد‪.‬‬
‫التي ّ‬
‫بأعنة شخوصها‪ ،‬معه‬‫ّ‬ ‫لقد كان جسد الساردة هاجس الرواية‪ ،‬الماسك‬
‫المؤسسة لبؤرة الرواية النسائية ونقطة ارتكازها وأرضية‬
‫ّ‬ ‫تجسدت شعرية السرد‬‫ّ‬
‫يتميز بها السرد النسائي‪ ،‬تتباين ‪ -‬قوة وضعفا ‪-‬‬
‫توازنها‪ .‬وهذه الخصوصية التي ّ‬
‫لعل (أحالم مستغانمي) كانت أكثرهن تفعيال لدفء الجسد‬
‫من رواية إلى أخرى‪ّ ،‬‬
‫وعبقه‪ ،‬وعرضا لتواريخه‪ ،‬وكشفا ألس ارره‪.‬‬
‫في رواية "ذاكرة الجسد"‪ ،‬بقي السارد "خالد بن طوبال"‪ ،‬و"حيـاة" متقابلين‬
‫كجبلين مكابرين‪ ،‬بينهما كثير من الغيوم التي لم تمطر‪ .39‬لكن في رواية "فوضى‬
‫الحواس" التي هي بمثابة تكملة للرواية األولى‪ ،‬تمطر الغيوم‪ ،‬ويلتقي الجبالن‪،‬‬
‫بحمى‬
‫ويجتاح أحدهما اآلخر عبر نزيف لغوي‪ ،‬نلمس فيه نفس الساردة الساخن ّ‬
‫الكلمات المحبوكة على مقاس الجسد‪:‬‬
‫"‪ ...‬أحاول أن أحتمي بلحاف الكلمات‪ ..‬يطمئنني‪" :‬ال تحتمي بشيء‪ ،‬أنا‬
‫أنظر إليك في عتمة الحبر‪ ،‬وحده قنديل الشهوة يضيء جسدك اآلن‪ ،‬لقد عاش‬
‫حبنا دائما في عتمة الحواس"‪.‬‬
‫أود أن أسأله‪" :‬لماذا أنت حزين إلى هذا الحد؟"‪ .‬ولكن زوبعة بحرية ذهبت‬
‫بأسئلتي‪ ،‬وبعثرتني رغوة‪ ...‬على سرير الشهوة‪ .‬كان البحر يتقدم‪ ،‬يكتسح كل شيء‬
‫في طريقه‪ ،‬يضع أعالم رجولته على كل مكان يمر به‪ .‬مع كل منطقة يعلنها‬
‫‪77‬‬
‫منطقة محتلة‪ ،‬وأعلنها منطقة محررة‪ ،‬كنت أكتشف فداحة خسائري قبله‪ .‬كمن‬
‫يتململ داخل قفص الجسد‪ ..‬أنتفض واقفا‪ ،‬كان يريد أن يغادر ذاته‪ ،‬ويتّحد بي‪.‬‬
‫أسأله‪" :‬ماذا أنت فاعل بي؟"‪ .‬يجيب‪ :‬ال تملك األشجار إال أن تمارس الحب‬
‫واقفة‪ .‬تعالي للوقوف معي" ‪.40"...‬‬
‫حين نتأمل المادة اللغوية بوصفها (ملفوظا)‪ ،‬نجد معجم الجسد‪ ،‬وايقاع‬
‫المدونة‪ .‬وبعد‬
‫ّ‬ ‫للحيز األكبر من‬
‫المؤسس ّ‬‫ّ‬ ‫الرغبة‪ ،‬وطقوس التالحم الجارف هو‬
‫تأملنا للمقطع السردي المنتخب بعفوية‪ ،‬نجده أقرب إلى المشاهد واللوحات الشعرية‬
‫المتتابعة‪ ،‬والمتقاطعة أحيانا مع الجسد‪ ،‬المحبوكة والمكتملة بوجود اآلخر‪.‬‬
‫فـ (أحالم مستغانمي) تخط نصا قريبا من جسدها بحيث يتنفّس النص‬
‫ويجس نبضه‪ .‬وهذه (الظاهرة الفنية) هي من خصوصية‬ ‫ّ‬ ‫هواءه‪ ،‬ويعيد أصداءه‪،‬‬
‫التعبير النسائي المطارد بعالقات التماثل بين الجسد وبين الرموز والمعاني الكونية‬
‫ومظاهر الطبيعة األخرى‪.‬‬
‫مع (فضيلة فاروق)‪ ،‬نجد تفاوتا واضحا بينها وبين ( أحالم مستغانمي) من‬
‫حيث توظيف الجسد‪ . 41‬لذلك فقد أخفقت‪ ،‬حين حاولت محاكاتها‪ ،‬أو منافستها‪،‬‬
‫ليتحول الجسد ‪ -‬الذي يمثّل قيمة جمالية وفنية ‪ -‬إلى شيء مبتذل‪ ،‬نلمس فيه‬
‫ّ‬
‫التكّلف‪ ،‬وانعدمت التقنية التصويرية له‪ .‬كما فقد الجسد عند (فضيلة فاروق) تلك‬
‫الكثافة الداللية‪ ،‬وذلك اإليقاع العالي والعنيف‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬فقد خصوصية العمل‬
‫الفني‪ ،‬فكشفت عن عدم امتالك للتقنيات األسلوبية المؤثّرة في إنتاج النص التي‬
‫بتفوق‪.‬‬
‫تملكها (أحالم مستغانمي) ّ‬
‫تتحول‬
‫وتوظّف الكاتبة الليبية (فوزية شالبي) الجسد كشخصية وهوية‪ ،‬كما ّ‬
‫الرؤيا عندها إلى فلسفة للجسد‪ ،‬بموجبه تتش ّكل حركية نمو الحدث وتطوره‪ .‬فالجسد‬
‫قوية‬
‫هو الذي يخلق التوتّر الدرامي في الجمل الشعرية‪ ،‬ويمثّل شرايين ال مرئية ّ‬
‫الدفع والحركة‪ ،‬واالستعانة بأصوات الجسد وحركاته هو الكفيل بتلك الصور‬
‫‪77‬‬
‫تجسد اللوحة الشعرية المبنية على مقاس الجسد في ثورته وصخبه‪،‬‬
‫البالغية التي ّ‬
‫أو في هدوئه واسترخائه‪ ،‬ذلك الذي ورد على لسان الساردة‪:‬‬
‫"‪ ...‬العالم‪ ،‬هذا الحوت الضخم المخيف؟ أسنانه حادة وكبيرة‪ ،‬وهذا‬
‫الخدر‪ ...‬األشياء تتالشى‪ ..‬الجمرة تخبو رويدا رويدا‪ ،‬وأنا أرقص‪ /‬أجمح‪ /‬أهمهم ‪/‬‬
‫أتلوى كأفعى‪ /‬أعدو مثل قطة فزعة‪ /‬أك ّشر عن أنيابي القديمة‪ ،‬ثم أسقط في هذا‬
‫الخدر اللذيذ‪.‬‬
‫تعال‪ ،‬أجذبك من يدك‪ ،‬آخذك منهم‪ ،‬أنت لي‪ ،‬لي وحدي‪ ،‬تعال ألهرب بك‪.‬‬
‫أجري وسط جموعهم التي تتفرج مدهوشة وحاقدة‪ ،‬يرجموننا بنظراتهم‪ ،‬وأنت‪ ،‬وأنا‬
‫نركض‪ .‬إلى أين‪..‬؟ ال أدري‪ ،‬لكنني فقط أعرف ّأنك معي‪ ،‬أن أمسك يدك‪ ،‬أريد‬
‫يدك‪ ،‬وال أعرف !‪ .‬أضحك‪ /‬أبكى‪ /‬أغني‪ /‬أبتهل‪ /‬أسب !‪ .‬أقول لك أحبك‪ ،‬أقول‬
‫لك أبغضك‪ .‬أقول هيا قبلني‪ ،‬اصفعني‪ .‬ماذا أريد منك؟‪ .‬ال أدري‪ .‬من أنت؟‪ .‬ال‬
‫ادري‪ .‬متى – أين – كيف – لماذا؟‪ .‬أرجوك‪ ،‬تسأل أو ال تسأل‪ .‬أريد سيجارة‬
‫أخرى‪ .‬هذا غير معقول‪ .‬الطرق مألى بالعربات‪ ،‬والناس‪ ،‬وأكوام القمامة والحفر‪،‬‬
‫واإلشارات الضوئية‪ ،‬والمنعطفات‪ ،‬ورجال البوليس‪ ،‬وتقلب األحوال الجوية‪ ،‬وفضول‬
‫النوافذ المغلقة‪ ،‬وشفاه السيدات الممطوطة‪ .‬إيه‪ ..‬وماذا أيضا؟! ‪.42"...‬‬
‫ظي تحت سلطة‬
‫توحي المشاهد والوقفات السردية‪ ،‬بتبعثر الجسد المتش ّ‬
‫المكبلة باإللغاء والمصادرة‪ .‬فالنص مكتنز بتفاصيل الجسد المشحون‬
‫ّ‬ ‫الرغبة‬
‫بحركية االجتياز إلى اآلخر المعشوق‪ ،‬حيث يوظّف الجسد هنا‪ ،‬ليستوعب تجربة‬
‫شعورية وشعرية‪ ،‬تعطي أجواء الغبطة الراقصة لهذا الجسد الذي داهمته خيول‬
‫الشوق‪ ،‬شوق اآلخر الغائب‪ ..." :‬وأنا أرقص‪ /‬أجمح‪ /‬أهمهم‪ /‬أتلوى كأفعى‪."...‬‬
‫وتواتر ارتباط غبطة الجسد‪ ،‬وشراهته المحمومة بـ (الجمرة) و(القطة)‬
‫و(األفعى)‪ ،‬وهي محاولة تدخل في تسمية األشياء بغير أسمائها ذلك أن "األلفاظ‬
‫التي يعمل وجودها في نسقها الداللي على إخراجها من دالالتها القريبة المباشرة‬
‫‪71‬‬
‫المعروفة‪ ،‬ويحصرها بداللتها الجنسية الصرفة‪ ،‬من خالل جعلها تش ّكل ثوبا شفافا‪،‬‬
‫وظيفته األولى‪ :‬لفت االنتباه إلى المنطقة المثيرة‪ ،‬وليس إلى سترها وتغطيتها‪".43‬‬
‫حين نصغ ي إلى النص‪ ،‬نشعر برغبة "جسد السادرة"‪ ،‬باعتباره كمون‬
‫بالتغير ولكن إلى أين؟‪ ..." .‬أقول لك‪ :‬أحبك‪ ،‬أقول‬
‫انتظاري‪ ،‬وطاقته كامنة تسمح ّ‬
‫لك‪ :‬أبغضك‪ ،‬أقول‪ :‬هيا قبلني‪ ،‬أصفعني‪ ،‬ماذا أريد منك‪ ."...‬ما تريد الساردة‬
‫تحرير الجسد النسائي من المفاهيم المتداولة‪ ،‬وتأكيد الكينونة من خالل اإلحساس‬
‫للتحول في الدالالت والرؤيا‬
‫ّ‬ ‫باألشياء واالندماج فيها‪ .‬ويبقى "الجسد بمثابة الحاضن‬
‫من المستوى الرمزي التجريدي‪ ،‬إلى المستوى الرمزي في الثقافة الشعبية‪ ،‬تماما كما‬
‫لو أن الجسد أصبح ذلك الوسيط الشفّاف بين قناتي الوعي والالوعي‪ ،‬وبالتالي‪،‬‬
‫تتوّلد الرؤيا بفعل الصورة أو الهيئة المعطاء للجسد‪ ،‬والمعنى المنبعث منها"‪.44‬‬
‫بتمردها وثورتها على الكثير من‬
‫ثم تأتي (زهور كرام)‪ ،‬فتكسر جدار الصمت ّ‬
‫القيود والعوائق االجتماعية‪ ،‬ولكنها ال تبرح جسدها؛ فهي تسكنه‪ ،‬وتكتفي بتفاصيله؛‬
‫لتكتب منها رواية تسمى‪" :‬قالدة قرنفل "‪.‬‬
‫العمة)‪ ..‬وقد أحسنت‬
‫(جبة ّ‬
‫تغدو الساردة شخصية محورية فاعلة في اختراق ّ‬
‫الكاتبة في ذلك التداعي الذي يولّد من الكلمة الواحدة موضوعا من خالل السياق‬
‫المونولوجي وتداعياته‪ .‬جاء على لسان الساردة‪:‬‬
‫"‪ ...‬هو الذي حثّني على السير للقياه‪ ،‬كّلما هاجت نفسي‪ ،‬لكي أرتوي‪..‬‬
‫لكي أعان قه‪ ،‬أعانقني‪ ،‬أدور في الغرفة‪ ..‬أرتطم بأشالء حميميتي‪ ..‬اختلطت فوق‬
‫تمزقت‪ ،‬تعريت‪ ،‬أشعر بالبرودة تلسعني‪ ..‬برودة العري‬
‫األرض‪ ،‬تبعثرت‪ّ ،‬‬
‫علي األمر‪ ،‬أقلبني‬
‫والفضح‪ ..‬وأنا منتشرة غسيال على األرض‪ ،‬أفتّشني‪ ،‬يستعصى ّ‬
‫ورقة ورقة‪ ،‬أصبح كتابا تافها‪ ..‬منسيا‪ ،‬ذكرى مخذولة‪ ،‬أين الطريق إليه‪ .‬هل‬
‫اغتصبوه‪ ..‬سرقوه‪..‬‬

‫‪77‬‬
‫انتبهت إلى انسحاب الشمس من الغرفة‪ ،‬خرجت من النافذة دون أن أدري‪..‬‬
‫انشغلت عنها‪ ..‬جمعت خيوطها وانصرفت بهدوء‪.‬‬
‫حسنا فعلت‪ ،‬حيث أضأت نور الغرفة‪ ..‬مازلت أبحث عن الكتاب عن أثر‬
‫العشق‪ ..‬حيث أعياني الدوار‪ ..‬ارتميت فوق السرير‪ ،‬وعيناي على السقف‪ ،‬فيما‬
‫أفكر‪ ..‬ال أدري‪ ..‬ذهني منشغل‪ ...‬أعرف‪ ،‬أسبح في فضاءات‪ ..‬أركب صورا‪،‬‬
‫تحضرني كل األسماء‪.45"...‬‬
‫التوحد مع جسدها‪ ،‬ومع ذاتها‪ ،‬ومن ثم‪ ،‬كانت‬
‫ّ‬ ‫تكتب (زهور كرام) من خالل‬
‫الرواية معها هجرة داخل الجسد الذي ما فتئ يقف حائال دون الصدام العلني‪،‬‬
‫والمواجهة الحقيقية‪.‬‬
‫ومن أجل استفزاز النص‪ ،‬واستفزاز القارئ من بعد ذلك‪ ،‬تركن الكاتبة إلى‬
‫تتوسل بها‬
‫ّ‬ ‫مقيدة دالليا‪،‬‬
‫نسق سردي تركيبي‪ ،‬عماده وحدات نحوية قصيرة غير ّ‬
‫الموجهة إلى‬
‫ّ‬ ‫للتعبير عن آفاق التجربة اإلنسانية المفتوحة‪ ،‬ومن هنا‪ ،‬ترد األفعال‬
‫لتتحول بعد ذلك إلى (مفعول به)‪ ،‬مثل‪ ..." :‬لكي أعانقه أعانقني‪ ،‬تبعثرت‬
‫ّ‬ ‫الذات‪،‬‬
‫تعريت‪ ،‬تلسعني‪ ،"... ،‬كما نلمس التكرار المعجمي‪ ،‬مثل‪ ..." :‬أركب‪،‬‬
‫متكرر‪ ،‬يكثّف المدلول الصوتي‬
‫ّ‬ ‫يتحول إلى مؤ ّشر صوتي‬
‫ّ‬ ‫أركبني‪ ،"...،‬الذي‬
‫لأللفاظ‪.‬‬
‫تكسر (نمطية) الخطاب‪ ،‬ومألوف اللغة‪ ،‬فتعتمد على‬ ‫كما نجد الكاتبة ّ‬
‫توجه منظور الرؤية ليكون لألشياء بعدها المغاير‪ ،‬ونكهتها‬
‫(المجاز)‪ ،‬وهي بهذا ّ‬
‫المميزة‪ ،‬مثل‪ ..." :‬انتبهت إلى انسحاب الشمس من الغرفة‪ ،‬خرجت من النافذة‬
‫ّ‬
‫دون أن أدري ‪."...‬‬
‫لقد أحسنت (زهور كرام) في صياغة جملها السردية‪ ،‬حين أقامتها على‬
‫(شعرية اللغة)‪ ،‬من خالل االنزياح الذي يشغل ذهن المتلقي‪ ،‬ويربك أفق انتظاره‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫فذات الساردة تفتّش دوما في الجسد‪ ،‬وتستأنس بظّله‪ ،‬وتختبئ بداخله‪،‬‬
‫وتنجذب إلى التأمل في اآلخر الذي يعتبر عناقـه عناقا لجسدها وذاتها‪ ،‬مثل ذلك‪،‬‬
‫قولها‪ ..." :‬لكي أعانقه أعانقني‪ ،‬أركبني‪"...‬‬
‫تعمل (زهور كرام) على تحرير (اآلخر) بوصفه جزءا جوهريا في تحرير‬
‫الذات‪ ،‬وتحرير الجسد‪ .‬وهي بهذا‪ ،‬تحاول تحطيم التراث‪ ،‬من خالل االختفاء وراء‬
‫جدران الجسد وجغرافيته‪ ،‬لذا‪ ،‬كان التشابه النحوي والصرفي بين مفردات اللغة التي‬
‫تعمل على نسق واحد‪ ،‬كون الكتابة يمتزج فيها المشهد المرئي الحسي بمشاعر‬
‫السادرة الس اعية إلى إرباك قواعد اللعبة السردية‪ ،‬من خالل تشتيت البرنامج‬
‫المتحول )‪ ،‬حيث اإلف ارزات الجديدة المتناسلة للتحوالت‬
‫ّ‬ ‫السردي‪ ،‬من (الثابت) إلى (‬
‫تحول الساردة إلى غسيل‪ ،‬ثم إلى‬ ‫المتسارعة‪ ،‬قصد تغذية السرد‪ ،‬وتحريكه‪ ،‬مثل ّ‬
‫كتاب‪ ..‬وهكذا‪ ،‬يبقى مسار التحوالت خاضعا لنفسية ا لسادرة‪ ،‬ووضعها الجسدي‬
‫الباحث عن كيانه‪ ،‬ووجوده‪.‬‬
‫مع (آمال مختار)‪ ،‬نجد توظّيف الجسد يأخذ طريقة هي أقرب إلى المباشرة‬
‫الحسية‪ ،‬حيث تستبد به الواقعية في صياغة المشهد‪ ،‬ففقد الجسد خالها شحنته‬
‫و ّ‬
‫الداللية‪ ،‬وضاعت رموزه الدالة‪ ،‬جراء سعي الكاتبة إلى االلتقاط المباشر لتلك‬
‫ظيف الجسدي ماديا‪ ،‬يفقد سخونته‬
‫الفاعلية المشهدية (البصرية) التي تجعل التو ّ‬
‫ويخيب أفق انتظار القارئ‪ ،‬كونه يجهر ويعلن وال يخفي‪ ،‬لذا‪ ،‬كانت‬ ‫ّ‬ ‫وفتنته‪،‬‬
‫نصوص (آمال مختار) السردية أبالغية‪ ،‬إخبارية‪ ،‬أكثر من بالغية‪ ،‬إشارية‪.46‬‬
‫وعلى الرغم من ذلك‪ ،‬يبقى الجسد في السرد النسائي‪ ،‬يمثّل الومضة‬
‫اإلبداعية التي تحمل الكثير من الدالالت المشحونة باالحتماالت المضاعفة‪ ،‬يكفي‬
‫يتعمد لفت‬
‫معها القول إن الجسد غدا قناعا مالزما إلبداع األنثى‪ ،‬حيث "القناع ّ‬
‫المقنعة المستش ّفة‪ ،‬وهكذا‪،‬‬
‫االنتباه إلى القيمة الخاصة التي تنطوي عليها المنطقة ّ‬
‫تتحول هذه الكلمات إلى درجة أخرى من درجات البوح‪ ،‬وبعدا من أبعاده‪ ،‬وليس‬
‫ّ‬
‫‪788‬‬
‫مما هو معروف في‬
‫إلى مجرد مجاز لغوي‪ ،‬أو استعارة‪ ،‬أو تورية‪ ،‬أو ما سوى ذلك ّ‬
‫علم البالغة‪.47"...‬‬
‫‪ -4‬جغرافية الجسد فضاء لتأثيث المساحة السردية‪:‬‬
‫كمادة حكائية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫يغدو الجسد (تيمة) داللية في الرواية النسائية التي توظفه‬
‫وكملفوظ تشخيصي وتصويري لجميع المشاهد السردية المنبثقة من الجسد‪،‬‬
‫المتصلة والمنفصلة بينه وبين مظاهر الطبيعة األخرى التي يحل فيها‪ .‬نجده في‬
‫البحر‪ ،‬والشجر‪ ،‬والمطر‪ ،‬والكون‪.‬‬
‫إن السرد عند المرأة ‪ -‬عموما ‪ -‬مو ٍاز ألحوال جسدها ّ‬
‫مدا وجزرا‪ .‬هنا تكمن‬
‫غنيا‬
‫(شعرية) السرد عندها‪ ،‬كون السرد يالمس الجسد‪ ،‬ويلتحم به مكثّفا‪ ،‬مشحونا‪ّ ،‬‬
‫طي النص النسائي‪.‬‬
‫بحمولته اللفظية التي تغ ّ‬
‫كما يمثّل (الجسد) أجواء الغبطة الراقصة المثيرة لذهن المتلقي‪ ،‬باعتباره بؤرة‬
‫داللية وايقاعية ينطلق منها المخيال السردي النسوي‪ ،‬فتنفتح اللغة معه بكل طاقتها‬
‫الترميزية‪ ،‬ومنتهى إيحاءاتها المجازية على جسد النص تمهيدا إلخصابه‪ .‬و"إن‬
‫وصف لغة الصورة السردية بأنها لغة مكثّفة على نحو تبدو فيه بنيتها الداخلية أو‬
‫حتى شكلها الخارجي أقربّ إلى مرتبة اللغة الشعرية "‪.48‬‬
‫تستمد اللغة الشعرية‪ ،‬في الكتابة النسائية‪ ،‬طاقتها من الجسد‪ ،‬حيث تمنح‬
‫ّ‬
‫الفاعلية للمرأة من خالل جسدها الذي يمدها باالندفاع والحركة تجاه اآلخر‪ ،‬وهنا‬
‫تكمن ل ّذة االلتحام واالختراق في إطار وعيها باآلخر المذ ّكر‪ ،‬نلمس –أثناءها ‪-‬‬
‫قدرة المرأة المبدعة في استثمار قدرة الجسد لتأثيث مساحتها السردية‪ ،‬بعيدا عن‬
‫سطوة المجتمع وقيده‪.‬‬
‫فالمرأة‪ ،‬حين تسرد‪ ،‬تبدأ بنبضات أنوثتها الحالمة‪ ،‬حيث ينبري المخيال‬
‫أالنزياحي إثرها‪ ،‬في استدعاء صوت اآلخر وصورته‪ ،‬هذه الفضاءات الحالمة‬
‫فتجسد رغبتها‬
‫ّ‬ ‫المهيمنة على السرد النسائي‪ ،‬تجتاح المرأة الكاتبة أثناء فعل سرد‪،‬‬
‫‪787‬‬
‫األزلية في االستئثار بمن تح ب‪ ،‬حيث تبقى الفضاءات الترميزية المتاحة لإلسقاط‬
‫الفني رهينة "الجسد"‪.‬‬
‫وكما أن (الذوات‪ /‬األجساد) ال تلتقي‪ ،‬أو تتفاعل إال بتجسيد أساليب النفاذ‬
‫فإن من هذا‬
‫واالختراق‪ ،‬لتجسيد ما يمكن أن نطلق عليها (الذات الشعرية الكاملة)‪ّ ،‬‬
‫التوحد‪ ،‬أو من هذه الكثرة داخل الوحدة‪ ،‬ما يفتح أسئلة الوجود والحياة‪.49‬‬
‫ّ‬
‫يمثل الجسد عند المرأة منطلق الخصوبة‪ ،‬والتوالد‪ ،‬والكينونة‪ ،‬إذ ال تستقيم‬
‫تتحرك في جغرافيته‪ .‬فها هي‬
‫الكتابة عندها دون هذا الجسد‪ّ ،‬إنه الفضاء الذي ّ‬
‫(آمال مختار)‪ ،‬في روايتها " نخب الحياة"‪ ،‬تسبح في فضاء الجسد الذي اتخذت من‬
‫جغرافيته فضاء رحبا لتأثيث سردها‪ ،‬تستوقفنا‪ ،‬بمشاهدها السردية التي ال تخرج‬
‫عن حدود (المرأة ‪ /‬الجسد)‪ ،‬حيث الشهوة وحيث الشبقية المسترسلة‪:‬‬
‫"‪ ...‬كصبية تذهب إلى الموعد األول لغرامها األول‪ ..‬كعاشقة تمشي في‬
‫كصوفي في حضرة اإلله‪ ،‬دخلت المقهى‪ ..‬كنت كمن يبحث عن‬
‫ّ‬ ‫ضباب النشوة‪..‬‬
‫عمره الضائع‪ ،‬وعلى حافة الضياع التقينا‪.‬‬
‫كان كما رسمته روحي‪ ،‬وانتظرته أعماقي‪ .‬غصنا من نار تضيء‪ ..‬ارتبكت‬
‫علي‪ ،‬على سكوتي‪ ،‬ورتابتي‪ ،‬وكسلي‪ ..‬لم تكن أبدا‬
‫وحدست أن األمر خطير ّ‬
‫طل سير‬ ‫أضغاث فراغ‪ ،‬وال ابتكارات الوحشة والشوق إلى تلك الفوضى التي تع ّ‬
‫خمولي‪.‬‬
‫أتجمل كل يوم؟ ‪ ..‬منذ متى لم أر الكحل في‬
‫ّ‬ ‫جمل‪ ،‬وكنت‬
‫منذ متى لم أت ّ‬
‫عيني؟ ‪ ..‬منذ متى لم أتردد في اختيار عطري وألواني؟ ‪ ..‬منذ زمن‪ ..‬كم عمره؟‪..‬‬
‫مر زمن‪ ،‬لم أر وجهي في المرآة‪.‬‬
‫ال أدري ‪ ..‬أذكر فقط أنه ّ‬
‫قبل أن يجيء‪ ،‬انتظرته‪ ،‬وكنت أكره االنتظار‪ ،‬لكن انتظاره متعة أخرى‪،‬‬
‫كل من حولي أشباحا‪ ،‬وكنت‬
‫بقدومه تعتق متعتي‪ ،‬لحظات كان فيها ّ‬
‫وكانت ثقتي ّ‬
‫وتربكني‪ .‬لم أكن أحب أن أراه قادما؛‬
‫داخل شرنقتي أشد لهفتي حتى ال تفر‪ّ ،‬‬
‫‪787‬‬
‫إلي‪ ،‬بل أن أراه‪،‬‬
‫يخترق بهو المقهى‪ ..‬لم أكن أحب أن أرى خطواته تطوي المسافة ّ‬
‫وقد انبثق أمامي فجأة‪ ،‬كأنه يطلع في أرضي وردة عطرة‪.50"...‬‬
‫المتأمل للمسار السردي النسائي‪ ،‬يجد أن تشكيل حركية نمو الحدث‪،‬‬
‫ّ‬ ‫إن‬
‫وتصاعده‪ ،‬يتم في فضاء "الجسد" الذي تتّخذ منه المؤلفة بؤرة لتوليد محكياتها‬
‫السردية‪ ،‬كما أن الرؤيا‪ ،‬عند المرأة المبدعة‪ ،‬تكاد تكون فلسفة للجسد‪ ،‬إذ "الجسد"‬
‫هو الوجود‪ ،‬والكينونة‪ ،‬ومن هذا الوجود يتم األخذ والعطاء‪.‬‬
‫مطية‪ ،‬يمتلك القدرة على االستقبال والتفاعل‪،‬‬
‫والسرد الذي يتخذ من الجسد ّ‬
‫أن الجسد األنثوي يملك خاصية‬ ‫حتى مع النصوص والذوات المهاجرة األخرى‪ ،‬كما ّ‬
‫متفردة‪ ،‬فهو منتج ومتل ٍق‪ ،‬واذا كان الجنين يتكون نطفة‪ ،‬فمضغة‪ ،‬فعلقة‪ ،‬فجنينا‪،‬‬
‫ّ‬
‫كذلك حال النصوص ‪ ،‬تحبل بالحكاية‪ ،‬وتتحمل عسر الوالدة التي تتم داخل الجسد‬
‫وفي فضاءه‪" .‬فالميل والوصال الجسدي يجمع الحواس واألعضاء تأهبا للرعشة‬
‫متخذة من الحواس‬
‫ً‬ ‫الحسية والوجودية‪ ،‬لذلك تقصد المتعة الجنسية لذاتها‪ ،‬ولغيرها‪،‬‬
‫بؤرةً لتوليد المعاني"الفم‪ ،‬العين‪ ،‬األذن‪ ،‬األنف‪.51"...‬‬
‫فضاء لتأثيث "نخب الحياة"‪ ،‬هذه الرواية التي‬
‫ً‬ ‫توظف (آمال مختار) الجسد‬
‫تنحت من جغرافية الجسد‪ ،‬وعالمه‪ ،‬من خالل الساردة المتحررة الباحثة عن الشهوة‬
‫والجنس‪ ،‬من خالل العالقات األنثوية باآلخر؛ فتسرد ثورة الجسد وتفاصيله‪.‬‬
‫التوحد‪،‬‬
‫وكما توظّف "الجسد "‪ ،‬توظف المطر‪ ،‬واالغتسال‪ ،‬والمتعة‪ ،‬والحلم و ّ‬
‫بحيث تكاد تكون مفردات الملفوظ السردي هي المعجم اللغوي الجسدي الذي يش ّكل‬
‫لوحة مؤطّرة لجغرافيته‪ ،‬تحت غطاء البوح‪ ،‬ووجع األنوثة‪ ،‬وااللتحام باآلخر‪ ،‬من‬
‫هنا تتوالد الوحدات السردية بتوالد الشخصيات‪ ،‬فتسهم في تفعيل العوالم السردية‬
‫المنتشية بالح لم والحب والجنس‪ ،‬ويبقى صنع الحكاية عن طريق التداعي واألحالم‪.‬‬
‫ولو أردنا تأمل المحكي الذاتي عند (أمال مختار)‪ ،‬وتمثّالته في النص‪ ،‬نجد‬
‫أن هذه التمثّالت ال تكاد تخرج عن "الجسد"؛ فحين تقول الساردة‪..." :‬منذ متى لم‬
‫‪787‬‬
‫أتجمل‪ ،‬وكنت أتجمل كل يوم؟ ‪ ..‬منذ متى لم أر الكحل في عيني‪ ،"...‬تكون‬ ‫ّ‬
‫الحكاية بضمير المتكلّم والحاضر‪ ،‬ممثّلة ضمير الفاعل‪.‬‬
‫تفجر تلك‬
‫تنطلق الروائية من عالمها الحميمي‪ ،‬عالم جسدها‪ ،‬تريد أن ّ‬
‫الرغبات المكبوتة‪ ،‬مما يجعل الحضور السردي‪ ،‬وفق شكلين متطابقين‪" :‬أنا‬
‫الساردة‪ ،‬وأنا الفعل"‪ .‬حيث الفعل يتمثّل في صياغة العالم الداخلي من موقع المرأة‬
‫الفاعلة في سوغ بناء عالمها التخييلي‪ ..." :‬قبل أن يجيء‪ ،‬انتظرته‪ ..‬كنت أكره‬
‫االنتظار‪ ،‬ولكن انتظاره متعة أخرى‪ ..‬كانت ثقتي بقدومه تعتق متعتي‪."...‬‬
‫وتشخص (آمال مختار) أحداثها التخييلية من موقع كون الساردة تمثّل‬
‫ّ‬
‫شخصية محورية في الرواية‪ ،‬وفاعلة في (زمن السرد)‪ ،‬و(زمن الفعل)‪ ،‬من خالل‬
‫يستمد طاقته من وجع الجسد ورغباته‪ .‬هذا‬‫ّ‬ ‫الحكاية عن عالمها الحميمي الذي‬
‫التزاوج بين السرد والفعل‪ ،‬جاء نتيجة تزاوج العالم (الخارجي) بالعالم (الداخلي)‬
‫الذي تعيشه الساردة‪.‬‬
‫إن تجلّي عنصر األفعال المرتبطة بالضمير‪ ،‬مثل‪..." :‬كنت أكره‪ ..‬لم‬
‫أتردد‪ ..‬لم أره‪ ،"...‬تثبت تمظهرات الحياة الداخلية للساردة‪ ،‬من خالل‬
‫أتجمل‪ ..‬لم ّ‬
‫التأكيد على الفعل المرتبط بنفسية الشخصية التي نجدها ساردة وفاعلة في‬
‫األحداث‪.‬‬
‫(فضيلة فاروق)‪ ،‬ال تختلف عن (آمال مختار)‪ ،‬في روايتها "اكتشاف‬
‫كل وحداتها السردية المختلفة حكائيا‪،‬‬
‫الشهوة"‪ ،‬حيث توظف جغ ارفية الجسد في ّ‬
‫والمؤتلفة دالليا؛ فهي أشبه بتنويعات مختلفة تضرب على وتر واحد مؤتلف هو‬
‫طر هذه الرواية‪ ،‬ومغامرة الجسد هي هاجسها‬
‫"الجسد"‪ .‬فالجسد هو الذي يؤ ّ‬
‫ومرجعها الذي يؤّلف بين وحداتها‪ .‬ورد على لسان الساردة‪ ،‬الشخصية البطلة في‬
‫هذه الرواية‪:‬‬

‫‪787‬‬
‫"‪ ...‬قبلة "إيس" كانت تلك أخطر المنعرجات في حياتي‪ ..‬أخطرها على‬
‫أتحول إلى امرأة أخرى تشبه سيل مطر صيفي هائج‪ ،‬ال يفرق‬ ‫اإلطالق قبل أن ّ‬
‫بين الحجارة والكائنات‪ .‬قبلة "أيس" كانت قبلة الصباح الماطر‪ ،‬والبرد الذي غامر‬
‫من أجل حفنة من الدفء‪ ،‬والرضاب ال ذي سقى شتائل الشهوة‪ ،‬وأيقظ كل شياطين‬
‫الدنيا؛ إلقامة حفلة تنكرية مجنونة‪ ،‬في سهل مقفر‪.52"...‬‬
‫(فضيلة فاروق) في روايتها‪ ،‬تش ّكل سردها من شرايين الجسد الملتهب‬
‫وتأخذ جميع صورها منه‪ ،‬تضيء نصها بعالقات التماثل بين الرموز والمعاني‪،‬‬
‫والجسد الذي تطارده ويطاردها في آن واحد‪ ،‬وهذه من خصوصية التعبير النسائي‬
‫الذي يستمد مادته من الجسد المؤ ّشر األولي على الكون والوجود‪ ،‬ومن خالل‬
‫قراءتها لتضاريس الجسد تق أر هويتها وأسرارها‪.‬‬
‫ويفجر تلك الطاقة‬
‫ّ‬ ‫مهمة الوظيفة الشعرية للغة‪،‬‬
‫واذا كان الجسد يستهل ّ‬
‫فإن قانون التماثل‬
‫الكامنة‪ ،‬حين تمتزج عناصر الوجود المادي بالكيان الجسدي‪ّ ،‬‬
‫عند الساردة يولّد عناصره السردية؛ نلمس ذلك في مثل قولها‪..." :‬قبلة الصباح‬
‫الماطر‪ ،‬والبرد الذي غامر من أجل حفنة من الدفء‪"...‬؛ فالصباح‪ ،‬والبرد‪،‬‬
‫والكون‪ ،‬والمطر‪ ،‬والريح‪ ،‬وما شابه ذلك‪ ..‬تأخذ من الجسد مذاقه ونكهته‪ ،‬لتتحول‬
‫الكاتبة ‪ ،‬من فضاء الجسد وتخومه إلى رحاب الكون والوجود‪ ،‬بل "تحفر اللغة على‬
‫الجسد‪ ،‬فيصير الجسد لغة في لغة‪ ،‬ومن هنا‪ ،‬تبدو األبجدية والكتابة ليست سوى‬
‫تموضع في المكان‪ ،‬فهي وشم في جسد الكون"‪.53‬‬
‫بكل ما‬
‫لغة الجسد حاضرة في السرد النسائي‪ ،‬تنسج النص من الجسد‪ّ ،‬‬
‫تعنيه الكلمة‪( ،‬نسيج النص‪ /‬نسيج الجسد) هذا المصطلح الذي يرجعه ‪ -‬جان‬
‫فرانسوا جان ديلو ‪ ،jean – froncois jean dillou -‬إلى أصله الذي يربط‬
‫النص بالنسيج‪ .‬إن النص بموجب أصله اإليتيمولوجي (من الالتينية ‪tissus‬‬

‫‪787‬‬
‫و‪ ،textus‬المشتق من الفعل‪ ،texture :‬أي‪ :‬نسج‪ ،‬فتل‪ )..‬حيث يغدو شبيها‬
‫بالنسج ‪.54tissage‬‬
‫إن سرد المرأة إثبات لحقيقة الذات وكينونتها‪ ،‬كينونة الجسد التي تختبئ‬‫ّ‬
‫داخل ظلّه‪ ،‬وتنجذب إلى التأمل بوجوده‪ ،‬حيث عالم المرأة األنثوي راقد ساكن في‬
‫جسدها‪ ،‬قابل للتحرك بحيويتها وانطالقاتها‪ ،‬وما تقوله المرأة هو من قبيل الحكاية‬
‫نصها وجسدها‪.‬‬
‫الرامزة بجملة عناصر جسدها المتوازية والمتقاطعة بين ّ‬
‫وها هي (أحالم مستغانمي) تزاوج بين الجسد وشعرية اللغة‪ ،‬تبدأ من‬
‫تضاريس الكلمات القائمة على تجسيده‪ ،‬حيث نشعر بتلك (اإليروسية) الممتعة‬
‫بشعرية مكثفة‪ ،‬قائمة على تراسل الدالالت واألشياء في بوتقة التجربة الكلية‬
‫للجسد‪ .‬ورد على لسان الساردة التي تغامر وتجازف من أجل هذا اآلخر الحبيب‬
‫والعشيق‪:‬‬
‫تورط عشقي‪ ،‬لم أكن أعرف‬ ‫"‪ ...‬ومنذ البدء‪ ،‬كنت أدري تماما أن األسئلة ّ‬
‫أنه‪ ،‬مع هذا الرجل بالذات‪ ،‬تصبح األجوبة – أيضا ‪ -‬انبها ار ال يقل تورطا‪ .‬أحب‬
‫أجوبته‪ ،‬وأعترف أنني كثي ار ما ال أفهم ما يعنيه بالتحديد‪ .‬كثي ار ما يبدو لي‪ ،‬كأنه‬
‫يحدث امرأة غيري‪ ،‬عن رجل آخر‪ ،‬ولكنني أحب كل ما يقول‪ ،‬ربما ألنني مأخوذة‬
‫بغموضه‪.‬‬
‫أقول‪ ،‬وأنا أعبث بيده‪" :‬أحبك‪ ..‬حررني قليال من عبوديتك"‪ ..‬يحتضنني‪،‬‬
‫ويسحبني نحوه قائال‪" :‬الحب أن تسمحي لمن يحبك بأن يجتاحك‪ ،‬ويهزمك‪،‬‬
‫ويسطو على كل شيء‪ .‬هو أنت‪ ..‬ال بأس أن تنهزمي قليال‪ ..‬الحب حالة ضعف‪،‬‬
‫وليس حالة قوة‪ ،‬ولكن‪ ..‬ولكن‪ ..‬ألنك لم تع هذا‪ ..‬أنت تكررين خطأ سبق أن‬
‫ارتكبته في كتاب سابق‪.‬‬

‫‪787‬‬
‫أريد أن أسأله متى حدث هذا‪ ،‬وفي أي كتاب‪ ،‬ولكن شفتيه تسرقان أسئلتي‪،‬‬
‫وتذهبان بي في قبلة مفاجئة‪ ..‬كأجوبة‪ ،‬فأستسلم الجتياح شفتيه لي‪ ،‬وكأنني أريد‬
‫أن أثبت‪ ،‬مع كل مساحة تسقط تحت سطوة رجولته‪ ،‬كم أنا أحبه‪.55"...‬‬
‫تراهن (أحالم مستغانمي) على سلطة اللغة‪ ،‬وسطوة الجسد المؤنث؛ فهي‬
‫تحسن لعبة المجاز والسرد حين تتعامل مع اللغة‪ ،‬بوصفها مجا از محبوكا ومش ّفرا‪،‬‬
‫وهو يشتغل على النص األنثى‪ ،‬والجسد األنثوي‪ ،‬حيث تجد المساحة الوافرة‬
‫مادته من تفاصيل الجسد‪.‬‬
‫لمعجمها اللغوي الذي يستمد ّ‬
‫وبما أن النص "بناء لغوي‪ ،‬يتمظهر داخل سلسلة تركيبية وداللية متعددة‬
‫نصها األنثوي في جسده وفي‬ ‫المسارات والمستويات" ‪ ،‬فإنه يتيح للمرأة أن تكتب ّ‬
‫‪56‬‬

‫داللته‪ ،‬كما نلمس سيطرة البع د العاطفي الخيالي فيه‪ ،‬وانجذابها إلى اآلخر المذ ّكر‬
‫الذي ال يمكن أن تعيش بدونه‪" .‬فالمرأة في صورتها الذهنية الراسخة‪ ،‬كائن‬
‫اندماجي‪ ،‬وليس مستقال"‪.57‬‬
‫لتجسيد مالمح الذات األنثوية‬
‫ّ‬ ‫توظف ( أحالم مستغانمي) المخيال االنزياجي‬
‫من الجسد الذي يعتبر الفضاء المهيمن على أفق فضاء النص السردي‪ ،‬حيث‬
‫المحملة بالتأويل الثقافي المؤثّر‪ .‬وقد وجدت الرؤية النسائية في‬
‫ّ‬ ‫الرؤية الرامزة‬
‫فضاء الجسد فضاء مالئما لإلسقاط الفني‪ ،‬تجتاز الذات المتكلمة به عالمها‬
‫فضاء مناسبا‬
‫ً‬ ‫الراهن‪ ،‬في اتجاه فضاءات باهرة‪ ،‬تمنحها نشوة سرابية‪ ،‬بوصفه‬
‫لشعرية السرد واللغة التصويرية‪.‬‬
‫نصها‪ ،‬كتبت‬
‫إن ما هو مكتوب موجود في الطبيعية‪ ،‬والمرأة‪ ،‬حين كتبت ّ‬ ‫ّ‬
‫المغيب‪ ،‬ليفرض حضوره وكينونته‪ .‬فكان نصا أنثويا مثبتا بالكتابة – على‬
‫ّ‬ ‫جسدها‬
‫حد قول (بول ريكور) "نسمي نصا كل خطاب مثبت بالكتابة‪ ،‬ومن خالل هذا‬ ‫ّ‬
‫نصها‪،‬‬
‫التعريف فإن التثبيت بالكتابة يكون النص ذاته"‪ .‬فالمرأة‪ ،‬حين تكتب ّ‬
‫‪58‬‬

‫نجدها فعال وفاعال‪ ،‬وأنموذجا ولغة‪ ،‬وقد نلمس "تعامل المرأة مع اللغة‪ ،‬في سبيل‬
‫‪781‬‬
‫التحول من كونها موضوع أو مجاز لغوي‪ ،‬أي من مجرد مفعول به إلى فاعل‪،‬‬ ‫ّ‬
‫المؤنث على المرجع‬
‫ّ‬ ‫حيث تدخل تاء التأنيث على الفاعل اللغوي‪ ،‬ويدخل الضمير‬
‫النحوي‪ ،‬وحيث تقلب المرأة أوراق اللعبة؛ فتدخل الرجل معها‪ ،‬في سجن اللغة‪،‬‬
‫السجان‪ ،‬ويتبارى الرجل والمرأة‪ ،‬في مناورة ما بين األنوثة‬
‫ّ‬ ‫ويتقابل المسجون مع‬
‫والفحولة‪ ،‬وتأتي رواية "ذاكرة الجسد" كمثال على هذا االنقالب اللغوي"‪.59‬‬

‫‪787‬‬
‫الهوامش‬

‫‪ -1‬عبـد اهلل محمــد الغــذامي‪ ،‬المـرأة واللغــة‪ ،‬ج‪ ،7‬ط‪ ،7777 ،1.‬المركــز الثقــافي العربــي‪ ،‬بيــروت‪،‬‬
‫ص‪.18.‬‬
‫‪ -2‬المرجع نفسه‪ ،‬ج‪ ،7.‬ص‪.77 .‬‬
‫‪ -3‬منـ ــذر عياشـ ــي‪ ،‬الكتابـ ــة الثانيـ ــة وفاتحـ ــة المتعـ ــة‪ ،‬المركـ ــز الثقـ ــافي العربـ ــي‪ ،‬ط‪،77 77 ،7.‬‬
‫ص‪.77.‬‬
‫‪ -4‬زهور كرم‪ ،‬قالدة قرنفل‪ ،‬ص‪.77.‬‬
‫‪ -5‬زهور كرام‪ ،‬قالدة قرنفل‪ ،‬ص‪.77.‬‬
‫‪ -6‬هشام العلوي‪" ،‬الجسد والمعنى"‪ ،‬قراءة في السيرة الروائية المغربية‪ ،‬شركة النشر‬
‫والتوزيع‪،‬المدارس‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ط‪ .7887. 7‬ص‪.777.‬‬
‫‪ -7‬سعيد بنكراد‪ ،‬السـيميائييات (مفاهيمهـا وتطبيقاتهـا)‪ ،‬منشـورات الـزمن‪ ،‬مطبعـة النجـاح الجديـدة‪،‬‬
‫الدار البيضاء‪ ،‬ط‪ ،7887 .‬ص‪.777.‬‬
‫‪ -8‬آمال مختار‪" ،‬تخب الحياة"‪ ،‬ص‪.78.‬‬
‫‪ -9‬آمال مختار‪ ،‬نخب الحياة‪ ،‬ص‪.77.‬‬
‫‪ -10‬سعيد بنكراد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.777.‬‬
‫‪ -11‬فوزية شاللي‪ ،‬رجل لرواية واحدة‪ ،‬ص‪.77- 78.‬‬
‫‪ -12‬سعيد بنكراد ‪ /‬السيميائيات‪ /‬مفاهيمها وتطبيقاتها‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.777.‬‬
‫‪ -13‬نفسه‪ ،‬ص‪.778.‬‬
‫‪ -14‬خناثة بنونة‪ ،‬الغد والغضب‪ ،‬ص‪.77.‬‬
‫‪ -15‬ناصــر يعقــوب‪ ،‬اللغــة الشــعرية وتجلياتهــا فــي الروايــة العربيــة‪ ،‬المؤسســة العربيــة للدارســات‬
‫والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،7887 ،7.‬ص‪.788 .‬‬
‫‪ -16‬فوضى الحواس‪ ،‬ص‪.78 -87 .‬‬
‫‪ -17‬منذر عياشي‪ ،‬الكتابة الثانية وفاتحة المتعة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.77 .‬‬
‫‪ -18‬نفسه‪ ،‬ص‪.778 .‬‬
‫‪ -19‬نفسه‪ ،‬ص‪.77 .‬‬

‫‪787‬‬
‫‪ -20‬بوشوش ــة ب ــن جمع ــة‪ ،‬الرواي ــة النس ــائية المغربي ــة‪ ،‬منش ــورات س ــعيدان‪ ،‬سوس ــة‪ ،‬الجمهوري ــة‬
‫التونسية‪ ،‬ص‪.771.‬‬
‫‪ -21‬سعيد بنكراد‪ ،‬السيمايئات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.777.‬‬
‫‪ -22‬منذر عياشي‪ ،‬الكتابة الثانية وفاتحة المتعة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.77.‬‬
‫‪ -23‬فوزية شالبي‪ ،‬رجل لرواية واحدة‪ ،‬ص‪.77 - 77.‬‬
‫‪ -24‬آمال مختار‪ ،‬نخب الحياة‪ ،‬ص ص‪.77 -77‬‬
‫‪ -25‬فضيلة فاروق‪ ،‬اكتشاف الشهوة‪ ،‬ص‪.77.‬‬
‫‪ -26‬فضيلة فاروق‪ ،‬اكتشاف الشهوة‪ ،‬ص‪.77.‬‬
‫‪ -27‬فضيلة فاروق‪ ،‬اكتشاف الشهوة‪ ،‬ص‪.77 - 77.‬‬
‫‪ -28‬أحالم مستغانمي‪ ،‬ذاكرة الجسد‪ ،‬ص‪.77.‬‬
‫‪ -29‬عبد القادر الغزالي‪ ،‬الصورة الشعرية وأسئلة الذات‪ ،‬ص‪.777.‬‬
‫‪ - 30‬صالح فضل‪ ،‬أساليب الشعرية المعاصرة‪ ،‬دار اآلداب‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،7777 ،7.‬ص‪.77.‬‬
‫‪ -31‬زهور كرام‪ ،‬قالدة قرنفل‪ ،‬ص‪71 - 77 .‬‬
‫‪ -32‬غاستون باشالر‪ ،‬جماليات المكان‪ ،‬تر‪ :‬غالب هلس‪ ،‬ص‪.777.‬‬
‫‪ -33‬أحالم مستغانمي‪ ،‬ذاكرة الجسد‪ ،‬ص ص‪.777 - 777‬‬
‫‪ -34‬منذر عياشي‪ ،‬الكتابة الثانية وخاتمة المتعة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.71.‬‬
‫‪ -35‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪. 77 .‬‬
‫‪ -36‬فاطمــة الــوهيبي‪ ،‬المكــان والجســد والقصــيدة (المواجهــة وتجليــات الــذات)‪ ،‬المركــز الثقــافي‬
‫العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،7887 ،7.‬ص‪.77 .‬‬
‫‪ -37‬نفسـه‪ ،‬ص‪.77 .‬‬
‫‪ -38‬أحالم مستغانمي‪ ،‬فوضى الحواس‪ ،‬ص‪.771 .‬‬
‫‪ -39‬أحالم مستغانمي‪ ،‬ذاكرة الجسد‪ ،‬ص‪.777 - 777 .‬‬
‫‪ -40‬أحالم مستغانمي‪ ،‬فوضى الحواس‪ ،‬ص ‪.777 -777‬‬
‫‪ -41‬ينظر‪ ،‬فضيلة فاروق‪ ،‬اكتشاف الشهوة‪ ،‬مصدر سابق‬
‫‪ -42‬فوزية شاللي‪ ،‬رجل لرواية واحدة‪ ،‬ص‪.71 .‬‬

‫‪778‬‬
‫‪ -43‬صــالح صــالح‪ ،‬ســرد اآلخــر (األنــا واآلخــر عبــر اللغــة الســردية)‪ ،‬المركــز الثقــافي العربــي‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪ ،7887 ،7.‬ص‪.777 .‬‬
‫‪ -44‬محم ــد الح ــرز‪ ،‬ش ــعرية الكتاب ــة والجس ــد (د ارس ــات ح ــول ال ــوعي الش ــعري والنق ــدي)‪ ،‬مطبع ــة‬
‫االنتشار العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،7887 ،7.‬ص‪.77 .‬‬
‫‪ -45‬زهور كرام‪ ،‬قالدة قرنفل‪ ،‬ص‪.771.‬‬
‫‪ - 46‬آمال مختار‪ ،‬نخب الحياة‪ ،‬مصدر سابق‬
‫‪ -47‬صالح صالح‪ ،‬سرد اآلخر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪777.‬‬
‫‪ -48‬عثم ــان ب ــدري‪ ،‬وظيف ــة اللغ ــة ف ــي الخط ــاب الروائ ــي الـ ـواقعي عن ــد نجي ــب محف ــوظ (د ارس ــة‬
‫تطبيقية)‪ ،‬موفم للنشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪ ،7888 ،‬ص‪.777 .‬‬
‫‪ -49‬عبد القادر الغزالي‪ ،‬الصورة الشعرية وأسئلة الذات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.77 .‬‬
‫‪ -50‬آمال مختار‪ ،‬نخب الحياة‪ ،‬ص ص‪.77-71 .‬‬
‫‪ -51‬عبد القادر الغزالي‪ ،‬الصورة الشعرية وأسئلة الذات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.778 .‬‬
‫‪ -52‬فضيلة فاروق‪ ،‬اكتشاف الشهوة‪ ،‬ص ص‪.77 - 78 .‬‬
‫‪ -53‬فاطمة الوهيبي‪ ،‬المكان والجسد والقصيدة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.77 .‬‬
‫‪54- Jeon – fromcais jendillou, l'analyse textuel, Armand Collin/Masson.‬‬
‫‪Paris, 1997, p.29.‬‬
‫‪ -55‬أحالم مستغانمي‪ ،‬فوضى الحواس‪ ،‬ص ص ‪.777 - 777‬‬
‫‪ -56‬أحم ــد اليب ــوري‪ ،‬دينامي ــة ال ــنص الروائ ــي‪ ،‬منش ــورات اتح ــاد كت ــاب المغ ــرب‪ ،‬ط‪ ،7.‬الرب ــاط‪،‬‬
‫‪ ،7777‬ص‪.71.‬‬
‫‪ -57‬عبد اهلل الغذامي‪ ،‬المرأة واللغة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.777 .‬‬
‫‪58- Paul Ricoueur, Du texte a l’action, Edition Seuil, 1986, P15 .‬‬
‫‪ -59‬عبد اهلل الغذامي‪ ،‬المرأة واللغة‪ ،‬ص‪.778 .‬‬

‫‪777‬‬

You might also like