Professional Documents
Culture Documents
دراسات نقدية
ريرب هبون
ً
حقيقيا كيف تصبح ً
كاتبا
ً
حقيقيا عنوان الكتاب :كيف تصبح ً
كاتبا الطبعة األولى
تألي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف :ريبر هبون
Dar_aures2021@hotmail.com
I.S.B.N: 978-977-686-72-9
اإلهداء
إلى الذين يعتبرون الكتابة شوكة في حلق الزيف
3
ً
حقيقيا كيف تصبح ً
كاتبا
-تقنية الدهشة:
خلو الرواية من اإلدهاش يفتح الطريق بالقلم للغوص في السرد الحكائي،وبهذا فإن النص
يتسم بانغالقه على ذاتية املؤلف ،فلو افترضنا سالمة اللغة وقدرتها على سد فجوات السرد
املطول ،فإنها لن تستطيع أن تنوب مقام الوصف الجسدي والنفس ي للشخصية ،وال
يدخل الحوار إال في أتون ذلك الوصف ليغري املتلقي باملزيد من القراءة وتتبع الحكاية،
ألنها ليست مجرد حكاية وحسب وإنما هي رحلة مليئة باإلمتاع واملعرفة ،إذ البد على الروائي
أو الروائية أن تجسد في متن النص روح املعرفة ،وتجسيد طبائع النفس وما يسود الذات
املقابلة من تقلبات وتغيرات على صعيد أثر الحدث على الشخصية.
-أثر الحدث:
ً
هنا البد من مواكبة ذلك األثر تبعا لشدة الحدث ،تلك املقايسة ضرورية بمكان في النص،
ولعل رواية أرواح تحت الصفر للكاتبة أفين أوسو قد انغمست في التخاطر على صعيد
الشخصيات فوقعت في دوامة السرد ومن ميزات طوله انعدام اإلدهاش فيه ،والدخول في
طور العادية والرتابة األمر الذي يجعل القارئ في حيرة من أن يكمل للنهاية أم يتوقف على
صفحات محددة من الكتاب بغية فهم عام ملجمل الرواية وهذا األمر يحدث عندما يغلب
حس السرد والتقرير على اإلدهاش والوصف.
4
ريبرهبون
مضمون الرواية يجسد الشخصية العاشقة في زمن الحرب ،راحت تنطوي على خواطر
وشجون يشترك فيها من عاصرها لحظة بلحظة ،أما ما سنعرضه هو طريقة إيصال
القضايا اإلشكالية املتصلة بحياة اإلنسان في الحرب ،وكذلك نسبر الغور في اللغة
ً
والتحري عن مقومات الرواية فيما إن كانت مكتملة تماما وهكذا .
-الوصف:
ً ً ً
الوصف النفس ي دون الجسدي ال يعطي الرواية مدلوال فنيا ماتعا ،وبذلك فإن الوصفين
ً ً
يكمالن بعضاهما بشدة ،وقد جسدت الكاتبة النفس ي تبعا للحوار ،ولم تعطي مجاال
للشخصيات من أن تختلف وتتمايز عن بعضها ،الجميع وكأنهم بلسان نفس واحدة
يجسدون لغة واحدة روح واحدة قاسمها املشترك هو التعب والرغبة بنشدان الخالص،
فهنا كان من املهم إبراز االختالفات بين الطبائع واألمزجة وإتاحة املساحة الكافية للدخول
في حقل إبراز التمايزات بين الشخوص ،ولعل الوضوح في الرواية يجعل القارئ يكابد امللل
ً
،إذ يكون لسان حاله ،أن كل ش يء بات واضحا فلما يتعين علي إتمام الرواية لنهايتها ،هنا
البد من الحنكة في التعامل مع النص وإعطاء عنصر املفاجأة ليلعب دوره وليعطي إشارات
مبهمة توحي للمتلقي أو القارئ بأن أشياء غير متوقعة ستحدث وعليه أال يتوقف ماأمكن
ً
عن القراءة الكتشافها قريبا.
-حول اللغة:
وظفت الكاتبة تقنية الخاطرة ،وكذلك الحياة وراء الشاشة االفتراضية ،حيث وظفت
كواليس الفيسبوك ،وأثره في مواكبة الخلجات في زمن الحرب األهلية في سوريا ،فجاءت
5
ً
حقيقيا كيف تصبح ً
كاتبا
اللغة منسابة بما تحمل من أحزان متماهية مع شخوصها على نحو وجداني ر ٍام لفهم
املعضالت املعششة النفس ،تلك املفعمة بالخيبات واألحالم املنتهكة على مسرح الحرب
والصدامات العنيفة ،وقد برعت في مواكبة نقطة الهجرة ألوروبا ،واألهوال التي لقيتها
الشخصيات وبهذا اقتربت من البعد املكاني والزماني أكثر ،وهذه نقطة تحسب للروائية في
ً
أنها أعطت للبعد الحركي دورا في التوغل في املكان وجعل الصورو املشاهد تتحدث العساكر
،الحافالت املنطلقة ،رائحة الطعام ،قطيع الذئاب،الحركة وأصوات الناس ،نلحظ مدى
تأثير الوصف في تحريك مخيلة املتلقي وجعله في حالة انشداه وتتبع ،ألن الحركة في الرواية
ً
تعني التجدد ،وكذلك تتيح دورا للمخيلة في اإليغال في جماليات اللغة الروائية ،وعزمها
إلحداث أثر محمود في تعامل اإلنسان مع تجاربه وتجارب اآلخرين لتجسيد أن الحياة في
مضمونها فن.
-خاتمة:
هنا البد من أن نقول أن الرواية ليست مجرد نقل لحكاية أو آلالم وشجون ذاتية فحسب
ً
سيوال من تساؤالت ومادة معرفية تحتوي بقدر ما تحمل الرواية الحقيقية املؤثرة في جعبتها
على الفن واألدب والفلسفة وعلم النفس والسياسة يمكن وصفها(أنها ظبية مكتنزة
بالشحم واللحم) يحيط النص وصف الشخصية النفس ي والجسدي دون غياب عنصري
الغرابة واإلدهاش.
6
ريبرهبون
قراءة الديوان مدعاة إطراب ونشوة فنية ،تحاصره املفردات امللغومة والصور املتماهية مع
ً
الطبيعتين اإلنسانية والجغرافية ،تتخذ من الزمن جسرا لرؤية الحاضر من فوهة املاض ي
املتسربل باآلالم اإلنسانية ،فالشعر هنا تمرس بالوجع حد السادية املفرطة ،والشاعر هنا
مثقل بشجونه وطعناته واآلخرين الذين نصبوا أنفسهم وكالء عن القيود واإلحباطات،
لكنه يتابع كجسد يقاوم سرعة تقدم الحريق لنهش العظام ويتابع كناي يروي أزمنة الوجع
فوق تلك الهضاب املنسية ،ال يمكن للقارئ أن يقف على الحياد مهما حاول وهو يتصفح
هذا الديوان الشهي حد التخمة ،نلمس الحكمة في ثنايا الكلمات ،والحكمة تتصل بالشعر
ً ً
اتصاال وثيقا بل لعلها تمتطي صهوات اللغة لتهب األشياء الجديدة للمتلقي لم يسمع بها
من قبل ،حكمة تصويرية ال عقلية يبوح بها خيال ووجع الشاعر وفطرته املجبولة على تتبع
األمل الذي يبصره شائعة يجب تصديقها كي يستمر باإلنشودة ،لنتأمل هنا ص : 34
7
ً
حقيقيا كيف تصبح ً
كاتبا
فالشعر نقل ألحاسيس الشاعر وعصارة جهده في الحياة بما تحتوي من خيبات وأوجاع
ومتع متعددة األوجه ،حيث تندرج الحكمة في بند الفكر واالستشراف للمستقبل من فوهة
ً
الفن ،ونجد اللغة عند الشاعر هوشنك أوس ي صورة ومعنى وتوظيف لهما كي يقدما معا
للمتلقي من بوابات اإلستعارة والتشبيه والكناية اإلطراب والعبرة ،والتنفك الحكمة عن
الشعر امللتزم الهادف لتحسين نظرة املرء للزمن واملأساة وإعادة صهر الحياة بما تحمله
ً
بقالب فني تخييلي يساعد القارئ على إعمال ذهنه وخياله في آن معا وكذلك ليتماهى
ً
بالقصيدة وليحلق في فضاءاتها عله يجد في ثناياه ضالته املمتعة ،وللصورة الشعرية دورا
في تحريك الخيال وإراحة النفس اإلنسانية املحاطة بواقع صوري تحاصره ضغوطات
الحياة ومعضالتهاـ وطلب اللجوء للشعر من وظيفته إدخال املرء لعوالم أخرى موازية
للحياة بطريقة معنية حيث يقول الجاحظ هنا „ :الشعر فن تصويري يقوم جانب كبير من
جماله على الصورة الشعرية وحسن التعبير" ومما الشك فيه فإن الصورة عماد الخيال،
ً
إذ يحرك في الذهن إيحاءات الرموز ودالالتها النابضة ،وأخيرا يمكن أن ننهي إضاءتنا
الفاحصة هذه بمقتطف شعري يشير إلى ترابط الصور الحسية باملعنوية لتقدمان حصيلة
مهمة من جوانب نفسية الشاعر ونظرته للوجود والذات ص: 7
9
ً
حقيقيا كيف تصبح ً
كاتبا
مجموعة قصص مرمزة ،يطرح من خاللها الكاتب حليم يوسف عدة مواضيع إشكالية ففي
حب منخور الجمجمة برز ذلك الخيال الغرائبي ليتحدث عن تلك الفجوة الكبيرة في عالم
الرجل واملرأة في الشرق األوسط والذي أحال كل حب إلى سراب مأهول ،وقد استفاد الكاتب
ً
من تقنية التوصيف والتخييل في آن معا ليرسم في حكاياته لوحات سريالية مثيرة للتساؤل،
ً
مضفيا على القصص مفهوم جمالية القبح وهو ديدن الوجوديين في سبر الحياة واإلنسان
ورحلة الصراع إلثبات الكينونة ،إذ يخوض في الحب ،املوت والوالدة ليفهم دواعي تلك
الجرائم التي ترتكب ،حيث تتكرر في قصصه مفردات الجمجمة ،الحريق ،الدود ،الجثث
ً
لتشير إلى تضخم الفجوات في مسارات عيش املجتمع املقموع واملحروم والذي ينتظر أمال
قد تأخر ،أما في فقرة الحب ذئب في برية مقفرة فيلتهم رأسه يشير إلى اإلخفاقات املتكررة
في بناء عالقة عاطفية سواء مع املرأة أو مع البالد بإسلوب عماده الخيال وينطلق القلم
ليحمل صريره في كل األرجاء ،نتأمل هنا ص„ : 11لعنت عمي وجدي وكل البغال التي تطير
ً
سرا ،دحرجت الديدان جمجمتي باتجاه الشارع فتلمست عن كثب ما جرى" فحوى النص
مكتظ بالتساؤالت الفلسفية وانتثار عقد العالقات محل التغني بتشاؤمية تسود النص
كأنما تبحث عن ش يء مفقود في كينونة املوجود اإلنساني ،فهنا في فقرة الحب امرأة تفكر
برأس غيرها تشير إلى انهماك األنثى في ظل مجتمع اإلقطاع ،مجتمع يدمن الخسائر وقراءة
التعاويذ واإلدمان على شرب كؤوس العجز حتى الثمالة ،الشك أن حليم يوسف يخوض
زمن الديكتاتورية وكيف يغدو املجتمع عبارة عن فوارغ رصاص متساقط في حفل قروي،
ً
أو علبا فارغة معدة لترتيب البيوض ،حيث ذلك العيش بدد في الدواخل وجود األمل،
10
ريبرهبون
ً
لننتقل إلى فقرة أخرى عنوانها الحب امرأة تحمل روح رجل وترث هللا دائما على سرير
وحدتها بعد كل صالة ،نلحظ مدى انهماكه في السعي للمرأة الكمال وما جدوى ذلك
فالكمالية من أوهام املرء املتعصب الذي يبحث عن كمال ليس فيه ،لكنه يتمادى في
إصراره ليعيش دقائق الحياة ببؤس أكبر ،لنتأمل تلك الحوارية ص : 13
ً
-وضعت الصبار في علبة ومددت لها يدا مرتجفة .
هي مفردات تشير إلى عراك مع اآلخر ،هذا العراك يدمن البحث عن األبدية عن خيوط
ً
توصل املرء املاش ي في العتمة إلى نور مستدام لكن عبثا بال جدوى.
في إيغالنا في فلسفة الرمز في ذلك الترابط بين الخيال واإلدراك لفهم الحياة اإلنسانية التي
ً
ال تنفصم فيها النفس عما تتخيله عن النفس املدركة وإنما تحاوالن معا فهم حقيقة الحياة.
وفي مونولوج في كازينو املوتى يكمل الكاتب استعراض ذلك التداعي واألفول الذي استولى
على املكان وترسخ أكثر في شخصية عبد الكريم امليدي ،لنتأمل هنا ص „ : 20أنا كوخ مهجور
11
ً
حقيقيا كيف تصبح ً
كاتبا
متهدم الجدران متآكل القدمين مشوه ،تافه مزحوم بالحشرات والقتلى أنا ابن آدم ،سقط
ضلع من أضالعي فلم يتحول إلى امرأة ،رأيته يتحول إلى حمار.
يبين الكاتب حليم يوسف سيكولوجيا اإلنسان املقهور الذي خذله الحب كما خذلته تلك
البالد الهامشية فقعد يحاول فهم ما تبقى له من إدراك في إحصاء موته ومعضالته ،وكذلك
ً
نراه ينتقل بين أزقة القبح والدمامة باحثا عن جمال فيرصد الحواجز واملخافر والكالب،
يرصد االحتيال والكذب والقتام الطويل.
ففي مونولوج في شوارع املوتى يصل البطل إلى خالصة فلسفية تروقه مفادها املعرفة هي
القوة والقوة هي املعرفة ،ثم يليه سيل من الخيال وسيل من الصراخ يدفعانه إلى القتل
وكذلك الصراع من بوابة تلك الحنجرة الدامية ،ثمة قصة أخرى عنوانها قصة تقتل
مؤلفها ،تشير إلى كم النفاق الذي يستولي مجتمعات التحزبية التقليدية ،وتآمرها على
املعرفي ومحاولة قتله بل اغتياله على هيئة شخوص ملحمة مم وزين املعروفة حيث تتحلق
الشخصيات حول طاولة مستديرة لتصفية حسابها مع املؤلف من ثم تقوم الشخوص
بقتله وطعنه عدة طعنات جعلت دمه املهدور يغرق جزيرة بوطان بكاملها.
12
ريبرهبون
_ خالصة :
القصص احتجاجية ناقدة تنتقد بؤس السلطة الحاكمة وفساد املجتمع ▪
املتغول فيه.
دعوة إلى إخراج الحب من تلك الحفر التي صنعتها التقاليد وقامت عبره في دفن ▪
القيم الطبيعية وهذا ما مثل.
ً
.إيذانا بسقوط الحياة الطبيعية لصالح بروز املنظومة االستهالكية. ▪
ضياع الشباب في عز االحتياجات والبطالة وطغيان الحياة املنفعية وسيادة األنا ▪
الدولتيه في ظل عجز البؤساء.
.عن دفع دواعي ومسببات الفقر والعجز. ▪
بروز واقع تشاؤمي يدعو للقلق وينذر بالعديد من املشكالت املتأتية عن ضياع ▪
الروابط بين الناس والركون للفوض ى.
ً
وأخيرا يمكن القول أن قصص هذه املجموعة تتميز بفرادتها الفنية وإحاطتها بالحياة من
جوانب معتمة عمقت تلك الصلة ما بين اإلدراك والتخييل ،األمرالذي جعل من األدب
ساحة للكشف عن كل مبهم وغير جلي يستوطن تفاصيل الحياة اإلنسانية والنفس القلقة.
آذار2022
13
ً
حقيقيا كيف تصبح ً
كاتبا
كتاب يجمع بين املوضوعية والتجربة الذاتية ،يعرضها الكاتب على نحو يوحي بأنه يمزج
بين السيرة الذاتية وقراءاته التحليلية لحقب وأحداث عاصرها على نحو مباشر ،يخبرنا
عن عالقة املبدع بالسياسة ،وطريقة نهج الحزب الثوري وسلوكه في امليدان ،وبصورة
محددة في الجبال ،حيث يستهجن يحيى سلو العقل النمطي الخاضع،وتركه لخاصيتي
التفكير املجرد واالستقاللية في الرأي ،وقد بات هذا العقل جزء من آلة الشحن الحزبية
ودعايتها اآلنية ،وباستغناء الفرد عن روح اإلبداع أو التعبير الذاتي ،فإنه ينتهي ويمس ي جزء
ً ً
من القطيع املسير ،حيث تطرق الكاتب لعنوان كتابه ،ورأى أن الجغرافيا تلعب دورا مهما
ً ً
في تكوين الفرد ،وتغير طباعه ،لتتسم رويدا رويدا بالخشونة والتعنت ،وبذلك ال يستطيع
فهم السياسة املوضوعية وااللتفاف والدبلوماسية ،فرأى أنها غائبة في ميدان الواقع
الكوردي املشغول بالتناقضات البينية والخالفات املتشعبة ،فابتعاد الكوردستاني عن
اآللية التحليلية لفهم الواقع ،جعلته آلة طيعة منقادة بيسر ملا يروجه اإلعالم الحزبوي
املدجن ،فندد يحيى سلو بسعي الفكر االشتراكي الثوري لتعليب الفرد وتصميم نظام
الببغاء داخل فكره ،بحيث ينفذ ويطبق دون أن يستطيع إبداء وجهة نظره أو إطالق العنان
ً ً
ألفكاره ،السيما وان تأليه القائد هنا يمثل في صميمه عداء مبطنا أو ظاهرا لإلنسان املعرفي
باني الحضارات القديمة ،وصانع األشياء الجديدة ،تأليه القائد يقف بالضد من الثورة
املعرفية وبث األفكار الخصبة ،لسان حال الشموليين أن القائد هو اإلله املبدع الواهب،
اما املتحلقون حوله فهم مريدون ،يستقون من النبع امللهم أسباب الحياة ،فهم ورود
ً
صغيرة تموت إن لم تروى بمياه النبع األعظم (القائد) أيضا تطرق يحيى سلو لوالدة حزب
14
ريبرهبون
االتحاد الديمقراطي بعد مخاض عسير وأخذ ورد ،دام سنين ،حتى تم تأسيسه للقسم
ً ً
الغربي الكوردستاني ،وقد قدم الكاتب عرضا سريعا حول الصعوبات التي وقفت في طريق
تأسيس حزب ينظم أبناء غربي كوردستان ،وفي الوجه اآلخر أسهب في الحديث عن ظاهرة
االنشقاقات التي عمت الحركة الكوردية ،إثر لهث بعض رموزها للسلطة واأللقاب ،وأشار
ألصابع االستخبارات السورية في زرع الشقاق بين تلك األحزاب ،لحين حقبة 2011وظهور
الخط الثالث الذي تبناه حزب االتحاد الديمقراطي ،ليكون الكورد بعد ذلك القوة الثالثة
ً
في املشهد السوري إلى جانب تناطح النظام مع املعارضة ،ألحظ هنا أيضا بروز التكثيف
واالنتقال من فكرة ألخرى وذلك يعكس حالة توق الكاتب ليقول كل ش يء بعبارة أو أسطر،
وركز على نحو محوري في معضلة العقل الثوري الكوردستاني وأمراضه السلطوية وخطابه
البعيد عن الديمقراطية واألقرب للتسلط والتعنت اإليديولوجي ،انتقل ملوضوع االقتتال
الكوردي الداخلي وأسبابه املتصلة بالعقلية الجبلية غير الدبلوماسية وعن خوف السياس ي
ً
الثوري من التغيير حيث يصف دعاته باملتآمرين ،مرورا بمرحلة املتغيرات السريعة وبروز
ً
تحالفات جديدة قلصت هذا التعنت وفرضت عليه تدريجيا أن يجلس ويفاوض مما أوصل
العقل الكوردستاني لنتيجة مفادها أن السياسة الكوردستانية ينبغي أن تتجرد من
الحزبياتية الضيقة وتنفتح على املناخات األخرى كافة ،كتاب لغة الجبل في السياسة
والدبلوماسية الكردية من الكتب النقدية القليلة املراقبة لسير النضال الكوردستاني وتتبع
مساراته والكشف عن االضطرابات املرافقة لحقبه ،كتاب يقيم بحس ينم عن مسؤولية
ً
وطنية عميقة ويسبر في الوقائع واألزمات بغية فهم سليم لشروط املرحلة ونشدانا لحلول
تصب للصالح العام بغية تحديث الخطاب الكوردستاني بما يالئم وأخالقيات العصر
والسياسة الراهنة.
15
ً
حقيقيا كيف تصبح ً
كاتبا
بذلك األسلوب اللغوي املدرك لتفاصيل اإلنسان وعالقته باملكان ،وكذلك أنسنة
الجمادات عمدت الكاتبة الستنطاق كل ش يء على نحو مؤنسن ،موظفة ألجزاء املكان
واإلنسان على نحو يعمد لصخ النص بالرموز املتحدثة عن نظرة اإلنسان للحياة وسير
الزمن ،وكذلك عن مدى عالقة اإلنسان بأجزاءه حين تشير إلى أن بتر أي جزء يشير إلى
األلم النفس ي ناهيك عن الجسدي ،هنا التعالق بين اإلنسان والجسد املادي قائم على
حقيقة الواقع الكامنة في النفس والحياة بكل ما تحمله وتجسده لنا ،أما عن اسباغ
األدوات بروح األنسنة ،وذلك يعود إلى ضرورة بناء مناخ يسوده التخييل وتتضمنه رؤية
متمايزة للحياة عن غيرها وبذلك تسير القصة الحديثة بتقنياتها الجديدة لتقدم للمتلقي
ً
طرائقا جديدة من اإلفصاح عن خبايا الحياة املتجلية من بوابة الفن وعن تجرد املرء املبدع
عن قيود العقل والوضوح الذي ساد النصوص التقليدية فهنا مثلت تلك التجربة التي بين
ً ً
أيدينا خروجا سافرا عن تقاليد القص وانغماسه بمسائل تفصيلية دقيقة غابت عن
أذهاننا ،لنتأمل هنا ص „ : 37يقولون أن جسدي بارد ذوبان ،يزيلون ساقي السوداوين كي
ينقذوا بقية جسدي ،أنظر إليها للمرة األخيرة ،لم أكن أتخيل أن بعض األجزاء الحرة في
جسدي ستتركني لألبد" هذه الرؤية املختلفة ملشهد بتر أجزاء من الجسد يحيل املتلقي
إلجراء تلك الحالة املتخيلة ليكتشف للمحة تدبر لحال اإلنسان وأمله النفس ي والجسدي
ً
معا وهو يودع األجزاء الجسدية ،هذه الرؤى تستقدم العديد من التصورات التي تلج
ً
النفس والذهن معا وهدفها إنقاذ السرد من روتينه وإخراجه على هيئة كائن متجدد ومكتظ
باألسئلة لتقديم رؤية حركية تنساب مطواعة في ذهن املتلقي لتعرفه بعالم جديد استمد
ً
شكله من العالم القائم ،لنتأمل هنا أيضا :يد („ )6صوتي نهيق ،يحاولون إسكاتي ،ال
أستطيع ،الحقيقة أقوى من أي ش يء ،ال أتحمل ،لذلك أحمل عدة أفران وعلب كبريت،
16
ريبرهبون
أريها لهم كي يشعلوها ويعيشوا فيها إلى األبدـ يأخذها أحدهم مني بسرعة ،وأفاجأ بآخر
ً
يعطيني فرنا أكبر.
تستخدم الكاتبة صيغة املتكلم لتعبر عما يدور في خلد كل جزئية قصصية على حدة
ً
بطريقة القصص القصيرة جدا لتؤكد على ماهية الترابط بين ما يفكره الذهن اإلنساني
ويتخيله من ثم لتؤكد على ولوج الفن في كل تفصيلة لتحقق املتعة الفنية والعبرة الفكرية
ً
أيضا ،هذه التفاصيل في مجموعة مألوف واضحة في حياتنا ويعمد الفن على تجليها بطريقة
فنية تساعدنا على فهمها واستيعابها بمنظور مغاير وغاية الفن إعادة صهر الحياة على
ً
طريقتها ،هذا التكثيف في عرض النسق املكاني تبعا للنفس ي ،يخلق مؤثرات لغوية تحرك
لدى املتلقي التساؤل حيث للغة فلسفة كامنة في إسلوبها ،وهذه األجزاء التي تتحدث ليست
ً
بمعزل عن خيال ُيدخل الغرابة عمدا فيها ،كل ذلك يبحر الذهن املتخيل لحاالت جديدة
تساعده في عبور املألوف وفهم الحياة أو النظر إليها بطريقة تجيزها القوالب الفنية
املتعددة ،الغاية من بعث الخيال هو أن يستريح القارئ من تفاصيل الضغط والتعب
اليومي الذي يكابده فمن وظيفة الفن القصص ي هنا بناء عالم متخيل يسوده الالمنطق
والجمال عبر تقنية الوصف وتأويل األشياء ومد الجسور وإيجاد العالقات ما بين اإلنسان
واألشياء ووظيفة الخيال في حياتنا ال تقتصر فقط على املنامات واألحالم إنما على مخزون
الذاكرة الشعبية بما تحتويه من مجموع عقائد ،أديان ،أساطير ،عادات ومفاهيم ناشئة
عن االختالط والتطور.
17
ً
حقيقيا كيف تصبح ً
كاتبا
18
ريبرهبون
▪ التركيز على االغتراب الفردي ودواعيه في ظل نظام شمولي قمعي قائم على املالحقة
والتنكيل والترهيب.
▪ الولوج لعوالم الشخصية وطبيعة العالقات اإلنسانية ،ملعالجة الحقبة وفهمها.
▪ وصف املكان ،أجزاؤه لتصعيد الطاقة الوجدانية املتمثلة في صلة الفرد بالبيئة
وطبيعة الزمن السائد.
لقد توجه الكاتب زارا صالح نحو الشخصية األنموذج ،وأسبغ طاقات من الحكمة،
الفضيلة ،التأني ،الرهافة والحب على "جوان" وصلته بعائلته ،رفيقة دربه "جاال" فهذا
أعطى للبعد الدرامي هالة مميزة يفهم القارئ عبرها مدى املعاناة الفردية وسطوة نظام
الحكم ،فالعادية تسهم في تفعيل إحساس القارئ باملعاناة بشقيها الفردي والجمعي،
ً
ويمكن للسياس ي فهم الحقبة استنادا على الراوية الواقعية الجادة.
19
ً
حقيقيا كيف تصبح ً
كاتبا
برع الكاتب في االنتظار الرهيب في الفرع األمني وخارجه وكذلك الصيت الس يء للفرقة 17
هي احدى فرق االحتياط في الجيش السوري وقد تأسست بعد مجيء القوات األمريكية
للعراق حيث تتكون من عدد من األلوية واألفواج املنتشرة في محافظات املنطقة الشرقية
ً
الثالث دير الزور والرقة والحسكة ،حيث جسد الكاتب جانبا يتعلق بالعسكري الذي يخدم
ً ً
في الفرقة بحيث يعيش جوا كبيرا من العزلة فال يخرج منها بخاصة عند موت حافظ األسد،
وتقليل اإلجازات فيه بشكل كبير ،أما عن جوان ابراهيم فقد حالفه الحظ بسبب استدعاء
الفرع األمني له وتأجيل التحقيق معه عند كل مرة ،مما استطاع الذهاب واإلياب وزيارة
األهل ،تجسيد ذلك اتسم بالسته ومتعته وجعلنا نعيش الحالة ،وهذه النقطة تحسب
للرواية كونها اتسمت بسهولة االنتقال من حدث لحدث من مشهد آلخر.
20
ريبرهبون
*الخاتمة:
عبرت الرواية عن لوحات إنسانية صادقة ومثالية عن حقبة بائسة يسودها الخوف
ً
والقلق ،وكذلك بدا تأثر الكاتب باملنهج الواقعي القديم واضحا في إبرازه لهذا الواقع
املتشظي من تاريخ سوريا ،فالذي يتبع الرواية بعين املتفحص واملتذوق في آن سيستنبط بال
شك الكثير من الحقائق املتعلقة بعالقات الناس وسطوة الجهاز القمعي ،هذا الحس
ً
الدرامي املتصاعد بال ريب يمثل تفعيال باإلحساس بوطأة الواقع وكذلك يعمق من مدى
صلة الفرد املرهف بالعالم الفني الذي بدوره عمق الجسور ما بين الفن والحياة.
24.12.2021
21
ً
حقيقيا كيف تصبح ً
كاتبا
لقد اختار هوشنك أوس ي لروايته في املطلع جغرافيا جديدة يحشو في مناخها األفكار
ً
الناقدة الحاملة في متونها جرأة االنسياب لتطرق ذهن املتلقي أيا كان ما يحمل من هيئة
َ
ووعاء معرفي ،ليأخذنا في جوالت ألماكن متعددة وحكايا متفرغة داخلها التشعب والغموض
ً ً
حينا واملصارحة والكشف حينا آخر ،ليضعنا في رواية تقترن مع أجناس فنون الكتابة
األخرى ،لتتداخل وتتشابك مع األجناس املنتمية للعلوم اإلنسانية بما تحمل من فكر
وسياسة تختص بالنقد اإليديولوجي ،حيث أخذ الكاتب يستعير أحداث ذهاب الناتو لكوريا
الجنوبية في فترة الصراع بين الكوريتين ،والحرب التي راح ضحيتها حوالي مليون كوري
جنوبي مدني ،وتشرد ماليين آخرين كما قتل وجرح نحو 580000من قوات األمم املتحدة
وكوريا الشمالية سنة ، 1953حيث اختار الكاتب بطله في معمعان تلك الحرب ليفقد
ذاكرته ُويستبدل بجندي تركي اشتبهوا به العتقادهم أنه عسكري تركي وليس ألفونس دي
سخيبر البلجيكي األصل.
لقد بدأ الكاتب روايته بقوة وبتتابع أحداث متسارعة وبنص اتسم بالجاذبية والنقدية
الساخرة ،إلى جانب تشبع الشخصية واملكان بالوصف الجسدي النفس ي والجغرافي ،
ً
مستفيدا من حس الرواية التاريخية واندماجها مع الفلسفة لتتحدث عن وهم االنتماء
وكيفية نسف الهوية إثر تشظي الذاكرة وفقدانها ،لغاية موت ألفونس دي سخيبر دون أن
يهتدي لذاكرته وتنتهي تلك الرواية لتبرز لنا سلسلة أخرى يديرها يان دي سخيبر اإلبن
والذي يشتغل كصحافي وروائي متعاطف مع الكورد لكونه ينتمي لها من جهة والدته ،هنا
يبرز هوشنك أوس ي كناقد سياس ي نجد أنه قد قام بتوظيف يان كباحث متقص ي للشأن
الكردي ومشكالته السياسية الداخلية وقد انحدر مسار الرواية وانعطف بشدة ملناخ
22
ريبرهبون
شرقي كردي مثخن بالصراع والعنف والتشظي املجتمعي ،وبدأ التشعب والتسارع يأخذنا
من حكاية ألخرى ومن شخوص آلخرين وهكذا دواليك.
انفراط عقد الرواية وتبعثرها بدأ بعد موت ألفونس دي سخيبر ،لنجد أنفسنا أمام مشاهد
متشعبة من األمكنة والشخوص والقضايا املختلفة ما بين مشكالت الشرق والغرب وكل
ذلك يدور في متاهة الوهم الذي يحاول الكاتب فك طالسمه.
إلى لحظة موت ألفونس دي سخيبر بدأت الرواية تتسارع لتتغير فجأة بأبطالها وشخوصها
ً
وهذا االنتقال قد يكون مغامرة غير محمودة ما استدعى وراءه جملة من سرديات وأحيانا
حوارات متقطعة يفرغ الكاتب من خاللها ما بجعبته من مشاغل فكرية ومعضالت
فلسفية ،وأخرى بذخ وإطناب لغوي ال يقلل من فنية النص وال يفوقها في آن واحد ،ووجدنا
ً
أيضا هيمنة الروائي بأفكاره على الشخصيات بوضوح أكبر دون أن يفرد مساحة أكبر يترك
عبرها للشخصيات لتعبر عن مكامنها هي ال مكامنه هو ،إال أن حفلة أوهام مفتوحة يجسد
لوحة فسيفسائية غرائبية وظف فيها الكاتب أساليب السرد املتباينة على هيئة جمع
روايتين أو أكثر ضمن رواية ،إال أن الشق املتعلق بموضوع الهوية وفقدان الذاكرة فاق
الشقين الالحقين للرواية من حيث الجودة والقوة والكيفية التي قام الكاتب في عرضها على
نحو مشوق وسلس وبخيال سيمنائي جذاب ،فمن ذاق عسل مطلع الرواية لن يستطعم
بتذوق السكر األبيض إال أن املناخ العام للرواية يتمتع ببذخ لغوي تصويري دون وجود
األلم وبما الشك فيه فإن الرواية املؤثرة هي التي تحتوي على األلم والفرادة في تصويره ،دون
الفرار املنمق للسردية فهي تتميز باللعبة الفنية الدرامية دون ولوجها للمعاناة الجمعية.
ركز هوشنك أوس ي على النقد السياس ي اإليديولوجي بعد تولي يان دو سخيبر دور البطولة
فكان بوابة مفصلية شق من خاللها الكاتب ترعة باتجاه عرض وثائقيات تجسد مجموعة
23
ً
حقيقيا كيف تصبح ً
كاتبا
حوادث عبر هيئة سرديات وحواريات متقطعة وصاخبة فيما بعد حاول الكاتب التحدث
عن املعضالت املتصلة بالعنف والخوف والتي يعانيها شخوص رواياته من الغرب إلى الشرق
ودمج النفس ي الذاتي بالسياس ي الفكري بطريقة شيقة وذلك عبر التخلي عن الطرق
املألوفة لعناصر القصة في املناخ الروائي فال يوجد بطل رئيس ي تدور العقدة حوله وإنما
هنالك أفراد ،فالشخصيات الثانوية تتشارك كلها في لوحة الرواية تتحرك ويوجهها الروائي
حيثما يريد ويرغب ويرى فيها وسائل لبروز أفكاره وحاالته الشعرية ،نجد تعدد األمكنة
لدرجة التشعب وتعدد األزمنة ما بين األحداث الكورية واألحداث التي رافقت الحرب األهلية
السورية من هجرة ونزوح إلى قضايا اللجوء وتنامي اليمين املتشدد في أملانيا.
النص األدبي بوابة األفكار والشجون ،وطريقة يجري من وراءها الحديث عن قضايا
ً
اجتماعية وسياسية متنوعة وقد يجعل السرد الطويل النص رتيبا ويدفع القارئ بامللل
والقفز على السطور استماتة في إنهاء الرواية بسرعة والخروج من هذه املتاهة السردية
املجنونة ،ال يجد الكاتب ضالته في نهاية الرواية لسان حاله أنه لم يعد لديه ما يقوله سوى
اجترار ذاته والتحلق حولها ،يعود ذلك إلى خلو النص من دراما تراجيدية ،ونزوعه إلى
االستطراد والتشعب ،وحينما تنفلت الشخوص وينعدم التحديد وتختفي العقدة الرئيسة
ً
ويصبح النص مفتوحا على كل املسارات واالتجاهات والقضايا واألحداث كلوحة مكتظة
ً ً
باأللوان ،هذه الفوض ى اللونية ممتعة فنيا ،محدودة التأثير وجدانيا أشبه بامليتاسرد وهو
شكل من الكتابة السردية الذي عماده التخييل ومنطلق من الذات ،اقترب أوس ي منها
حينما راح يتطرق للباب األخير من روايته املتناولة لقضية اختفاء يان دو سخيبر حيث
يسيطر النثر على الرواية ما بعد موت سخيبر األب ،ليمد الكاتب الجسور بين اآلخرين،
ليكسر قوالب الجغرافيا املحددة بحدود ،كثرة معالجته للقضايا اإلشكالية وبتكثيف
أرهقت متن الرواية إذ تنوء على حمل هكذا أثقال يستطيع البحث العلمي أو السياس ي
24
ريبرهبون
حملها على عاتقه أكثر ،يحاول الكاتب سبر املآزق اإلنسانية وعوالم الخوف والقهر في كل
مكان ،حيث يرى محمود أمين في الرواية بأنها „ :البنية األدبية الزمنية اإلبداعية املعبرة
بلغتها عن السردية ،عن الوعي التاريخي املعرفي الوجداني من اتساع وعمق وتراكم والتباس
وإشكالية وتأزم وتطلع ومواقف ودالالت مختلفة" تجسد الحس التقريري لدى هوشنك
ً ً ً
أوس ي بمعرض نقده السياس ي وتميز هذا اإلسلوب نقديا متهكما والذعا إثر أحداث عايشها
وتحسس مقدار رهبتها في الداخل بمعرض حديثه عن أوميد سرختي كان بإمكانه أن تكون
قصة األخير رواية مستقلة بحد ذاتها ال مدمجة مع حكاية ألفونس دي سخيبر ،هذا الدمج
بين القصص والحكايا والعوالم واألحداث والسير لم يكن نقطة تحسب للمؤلف وإنما تظل
الرواية املحددة بمناخ وشخوص معينين ينتمون لحكاية واحدة أكثر نجاعة من تلك
السردية املتشعبة وبالنهاية فكما أنه ال يوجد نص مقدس وكامل يمكن فقط الثناء عليه
والرقص على إيقاع كلماته فكذلك فإن الكتابة النقدية تنطوي على آراء فردية مهما نحت
منحى املوضوعية ،إنما الكتابة اإلبداعية بشقها النقدي أو الروائي تتميز بفنيتها النسبية
ومجاورتها للصواب ،حيث يعمد النقد إلى تقويم األعمال الفنية وكشف مواضع القوة
ً ً
وتجل وبحث عن أكثر األعمال اإلبداعية أثرا وقربا ٍ والضعف فيها فهي وسيلة كشف
للكمال منها إلى الخلل.
25
ً
حقيقيا كيف تصبح ً
كاتبا
َ ً
الصور على الحائط ،يبدو العنوان رامزا لحقبة تاريخية مؤملة في حياة يهود العراق ،ركزت
فيه الكاتبة اليهودية تسيونيت فتال على جوانب معتمة للمجتمع اليهودي في حقبة ما قبل
الفرهود إبان عهد امللكية العراقية انتهاء باملجازر التي ارتكبت بحق يهود العراق ،وانتهاء
حقبة امللك فيصل وجالء البريطانيين عن العراق ،اعتمدت الكاتبة في روايتهاعلى املنهج
التاريخي ،فكانت الرواية التاريخية مبنية على تجربتها في ميدان البحث العلمي وكذلك على
خيالها ،فنسجت أبطال روايتها بما يتفق والحقبة املنصرمة ،وقد كان غالب شخوص
ً
الرواية من النساء ،والقضية األكثر بروزا هي حالة التخلف السائدة في تلك املرحلة ،وتفتت
النسيج اإلجتماعي والكراهية السائدة بين العائالت ،والسحر األسود املمارس بكثافة بغية
التشفي واالنتقام أو الهيمنة على األفراد كدأب العائالت األرستقراطية التقليدية املنشغلة
حينذاك بالتصارع بدافع حب التملك واالستئثار ،حيث لم يكن هنالك اهتمام بما يحدث
خارج املجتمع من تغيرات سياسية متسارعة ،وقد كانت لشخصية نورية،بطلة الرواية
ً ً
،املرأة اليهودية الجميلة دورا رياديا منذ بداية الرواية حتى نهايتها ،من كونها كافحت للنهاية
وبمفردها في مواجهة املؤامرات التي حيكت لتدمير عائلتها ،حيث كشفت خفايا األالعيب
ً
املمارسة ضد عائلتها ولم يثني عزمها موت أوالدها الثالث تباعا من أن تستمر في الحياة
ً ً ً
وتحارب بسالح الصبر لتنال أخيرا طفال أسمته "ناحوم" ،ليكون ذلك الفتى عنوانا ملرحلة
جديدة ،اسمها مرحلة العودة لألرض املقدسة "إسرائيل.
26
ريبرهبون
ً
نلحظ في هذه الرواية نقاطا مهمة جاءت متسلسلة لتبين الفكرة األساس من الرواية:
فعلى الرغم من نظرة املجتمع التقليدي وقتها لشخصية زيزي وغناءها في الكازينوهات ،إال
أنها برزت بشكل مؤثر في نفوذها داخل السلطة وعالقتها باملسؤولين وقد استطاعت
تخليص ابن نورية الوحيد املتبقي من قبضة الشرطة السرية العراقية.
▪ اإلشارة إلى السحر األسود كرمز يشير إلى عدم وجود توافق وانسجام اجتماعي
وبروز الكراهية بين العائالت اليهودية ذوي الجاه ،ومحاولتهم البروز على حساب
فناء وتعاسة اآلخر.
لقد جسدت الكاتبة تسينونيت فتال العادات ،التقاليد ،الطقوس الدينية ،الطعام ،املأكل
وامللبس واملأوى لتنقل لنا بطريقة مركزة ومعمقة معالم الحياة السائدة حينذاك على نحو
يوحي وكأنها إحدى بطالت تلك الحقبة.
ً
ونتيجة سياسة معاداة اليهود ألسباب دينية وتاريخية لم يتسنى للشرق أوسطي عموما
ً ً
والعربي خصوصا فهم القضية اليهودية بشكلها املوضوعي بعيدا عن نظرية املؤامرة ومزاعم
األنظمة القمعية العربية التي استفادت من قضية فلسطين لتدعيم سلطاتها وخداع
ً ً
شعوبها ،فبقي العقل الشرق أوسطي مغيبا كارها لليهودية والصهيونية إثر تلك الدعاية
ً
املنظمة املمارسة عليه طيلة قرون وحقب وعقود ،فكان لرواية الصور على الحائط دورا في
مد الجسور بين اليهودي وغير اليهودي ،وإن كانت تسلط الضوء على حقبة معينة محددة
27
ً
حقيقيا كيف تصبح ً
كاتبا
تخص يهود العراق دون غيرهم ،وبما الشك فيه فإن حرب األكثرية ضد األقليات نتيجة
ً ً
ألسباب سياسية وعقائدية كانت عنوانا عريضا للقرن العشرين نذكر إبادة األرمن ،
الكورد(مذبحة ديرسم ،حلبجة ،األنفال) ،األشوريين ،والسريان" مذابح سيفو".
▪ التركيز على تأثير الحاخامات على املجتمع من جهة ودور السحر الذي كانت
تمارسه نخبة املجتمع في اإلضرار باألفراد ،في إشارة لطبيعة العصر السائدة
وابتعاد الناس عن التفكير بالدراسة واالرتقاء ،والعبء املضاعف الذي تبديه
املرأة للتمسك بالعفة الظاهرية وتفادي بطش الذكور إن في الشارع أو البيت ،
حيث تتجلى مواقف النسوية في الرواية بتصاعد حاد في الكشف عن ازدواجية
الرجل وامتهانه لعب دورين متناقضين ،حيث يحق له مجاورة العاهرات في
املراقص ،وكذلك نعت املرأة التي تقيم معه بالسيئة وكونها منبع الرذيلة والفجور
واللعنات ،فتعود الروائية تسيونيت فتال في التأكيد على دور املرأة إن تجاوزت
الكراهية في إنقاذ الرجل من املوت وإنقاذ ما تبقى للخروج بهم من قعر الهالك
إلى األرض املوعودة.
28
ريبرهبون
29
ً
حقيقيا كيف تصبح ً
كاتبا
ً
أتاح الكاتب املجال اليسير ألن يتحرك خيال القارىء تبعا لوصفه تجارب الناجيات من
براثن داعش ،وكذلك وصف مكان زعيم داعش والغرف املحضرة ملمارسة النكاح الجهادي.
تتابع األحداث ووصف البيئة الداخلية لشنكال واملناخ النفس ي للشخصيات ما قبل وأثناء
غزو التنظيم اإلرهابي للمدينة اآلمنة.
ربط الكاتب بين ممارسات البعث العراقي البائد مع ما يقابله من ممارسات التنظيم ،ليشيد
ذلك الجسد الرؤيوي ما بين وجع األمس واليوم ومدى ذلك الترابط الحتمي بين الوجعين
والضحية واحدة وهو الكردي بمعزل عن ديانته.
*طبيعة الرواية:
استناد الكاتب ابراهيم اليوسف لشهادات أناس عاشوا هذه التجربة إلى جانب عدم تدخله
ً
الشخص ي في إلصاق ما يؤمن به شخصيا ،ذلك أعطى للحيز الزماني واملكاني والشخصيات
املساحة الكافية لتعبر عن ذواتها بكل حرية فما قيل بصدد شنكال بخاصة ما تداولته
األلسن تجسد بصورة دارماتيكية في حيثيات النص الروائي.
يتحدث هنا الكاتب عما جرى في أروقة العالقات بين الناس في املدينة الواحدة املتعرضة
ً
للغزو ،ما بين دمهات وروكا مثاال ،ذلك التناقض اإليديولوجي كان الفصل في إنهاء عالقتهما
العاطفية ،لنتأمل هذا املقتطف ص “ : 73سأقاتل من أجل أن تتحقق األحالم التي خططنا
لها ،سأقاتل من أن أجل تحرير أسيراتنا وأسرانا ،من أجل تحرير شنكال" وفي موضع آخر :
“تمنى لو أنه لم يفتح هاتفه ،ولم يتلق هذه الرسالة ،إذ لم يكد يمض ي يومان لروكا هناك
حاولت جعلها وشقيقتي الصغرى في حرز من حزب العمال ،كانوا ُ فها هي تتمرد عليه ،لقد
يبحثون عن موطئ قدم بين اإليزيديين ،أفكارهم طوباوية ،يريدون أن يكون كل ش يء لهم في
30
ريبرهبون
إشارة لعظم الخالف اإليديولوجي الذي يقصم ظهر العالقات االجتماعية عدا عن قصم
ً
العدو للمجتمع وبتر أواصر الحب والوئام بين شرائحه ،أيضا ركز الكاتب على العادات
والتقاليد وكذلك األدعية اإليزيدية والطرق الدينية ومراتبها ودور ذلك في الصمود في عز
ً ً ً
األزمات واملصائب فأجاد التعبير مقدما للقارىء مناخا حقيقيا يحوي الوعي الالجمعي
للمجتمع اإليزيدي.
متأت من تمايز سرد عن آخر وتمايز إسلوب عن الدراج وما يميز الكاتبإن فهم اإلبداع ٍ
فضاءه السردي وتقديمه للرواية بوصفها حاوية ألصناف القضايا واملشاهد اإلنسانية على
فوضاها وتزاحمها وما تحاول الرواية هنا تقديمه للمتلقي كي تأخذه ملجاهل رحلة مؤثرة
وماتعة يتعانق فيها خيال املتلقي مع واقعه وإدراكه له ،،وفي ذلك دعوة صريحة من الكاتب
للثورة على القوالب النمطية والدخول في تقنيات إخراجية متعددة هدفها إخراج النص
ً
من دائرة الرتيب والتحليق به بعيدا عن اإلرهاصات املؤذية للعمل الفني ،وبذلك يمكن فهم
الكتابة الحديثة على أنها محاوالت تخطي ونأي باإلبداع من الوقوع في مزالق العادية
والوضوح اإلبتذالي.
31
ً
حقيقيا كيف تصبح ً
كاتبا
* خالصة:
مما ال ريب فيه فإن الدراسة املقتضبة تساعد في تقديم موجز مكثف حول النتاج اإلبداعي
وال يكفي ذلك لإلحاطة بكامل العمل ودراسته من زوايا عدة ،يبقى القارئ هو الحكم،
فالناقد مبحر في محيط العمل اإلبداعي القائم ليستنبط ويقيم ويوضح ويقدم مغاز من
تفكيكه للعمل ومحاولة إيفاءه حقه من العناية والفهم والتحليل ،وما قدمته هنا محاولة
مني لتسليط الضوء على هذا العمل اإلنساني الذي يؤرخ ويوثق لإلبادة األخيرة التي لحقت
بالكورد اإليزيديين وفي ذلك مدعاة اعتبار وتأمل وفهم ملا يدور بهذا العالم من انقسام
وتصدع.
15.02.2022
32
ريبرهبون
الشاعر يعتمد السهل املمتنع في كتاباته ،فهي تعود لبدايات مرحلة الشباب األولى،
املفردات لديه مطواعة سلسلة تأتي دون تكلف وتعب ،لتالمس شغاف األرواح املساملة،
تجربته تتميز بنضجها ورمزية الوضوح التي يبرع في تدوينها ،حيث يذكرنا بما قاله نزار قباني
في معرض عفويته في قول الشعر :
التصوير لديه يعتمد الشفافية ،يتعامل مع املشاهد الوجدانية ببراعة املصور ،كاميراه
كلمات تستسهل الغموض فتخوض فيه بيسر هنا ص 69في مطلع قصيدة مرآة العيون
ً ً
يقول أملح في عينيك تضاريسا وغابات وأسرابا من الطيور تتنهد على عبور لم يكتمل
الشاعر يجبرنا أن نعتنق العمق والشفافية في مطاردتنا لكلمات قصائده ،حيث تتيح لنا
ً
صورها على فهم دواعي االغتراب النفس ي ،وفهم الحب بعيدا عن الضجيج واألرق ،إلى حيث
دنيا الخيال واألماني النقية ،يبحر دون التفاتة للخلف ،ويحيل الكآبة إلى فصول دهشة
والتياع الشاعر وعالقته باملكان وطيدة وفيها الكثير من الشجن والحزن ،فهو يذكر الرحيل
ً
والفراق والفواجع املتالحقة ،إلى جانب األمل في رؤية املكان مجددا ،في قصيدة شيران
مهجتي ص ،71يوضح دالالت اإلبحار في املكان فيقول:
33
ً
حقيقيا كيف تصبح ً
كاتبا
حمامتان من نور
للربيع داللة لدى الشاعر الكوردستاني ،فهو يشير إلى نوروز ،عام الثورة واالنقياد للجذور
الطبيعية ،والعراقة التي تتجلى في آذار ،شهر امللمات والفواجع ،املكان واملرأة امتداد واحد
،وحكاية واحدة ال تتجزأ ،كاألرض والسماء ،والجوز وقشره ،العنب ولبه ،وهكذا ،ثنائية
ً
األنا واألنت ،تشغل ذهن الشاعر ،لهذا نراه شغوفا بعقد املقارنات واملفاضالت بين
اإلنسان واآلخر ،ليعبر عما قاله جان بول سارتر الجحيم هو اآلخر ،لكنه ما يلبث أن
يستظل بنور الحب ليختم قصيدته بمفرده أحبك إشارة لآلخر ،وإلى مفردة أحبكم لإلشارة
لآلخرين ،إنه يؤكد هنا ارتباط الفرد بالجماعة ،وما ارتباطه إال نتيجة وعي وجودي معرفي ،
إذ ال جنة دون أناس يقول:
34
ريبرهبون
نهج الشاعر اسماعيل أحمد غنائي تفاؤلي ،ال يسيطر عليه التشاؤم ،إذ يجد كل الحل في
الحب والوفاء لألمكنة واالرتباط بالجماعة يسيطر على الديوان بكامله الحب ،من بدايته
لنهايته ،دون الدخول في فوض ى السياسة وآالعيبها ،يدمن اسماعيل احمد النسك والتتلمذ
ً ً
في معبد العشق املقدس ،يجد العالم متحررا باملطلق ،ويجد الزمن فيه متنصال من تقاليد
املوت والفناء والترهل نجد ميله الواضح ملفردات تكثف أكثر من فكرة عصية مثل
:أسقطوك في ضمير هللا ،أستحم في فراغات انتظارك ،خاصرة العالم تفقد عذريتها تحت
بريق نشوتك ،مشانق العذوبة ،على ثغرها الباسم يذوب نبيذ اشتياقي لعل الشاهد التالي
من أجمل ما كتبه في وصف املحبوبة هنا في قصيدة الليل وأشجانه ص " 130وتطير
ً ً
الحمامات من صدرها أسرابا اسرابا خلف ومضات الضوء".
ً
أيضا في قصيدة أيا ليل ص : 131
إن أردت
كرات من مرايا الصور الجميلة في هذه الشواهد التي أوردتها ،وهي تفصح عن خيال الشاعر
وروحه السابحة في فلك املناخات الوجدانية الحية ،تسعفه في ذلك ذاكرته الفتية وحبه
35
ً
حقيقيا كيف تصبح ً
كاتبا
العميق للمرأة املالذ ،فهنا في قصيدة أيتها الغابرة نلتقي بمفردات غاية في التكثيف
التصويري املرتبط بالنفس الشغوفة ملوادعة األنثى ببراءة ال حد لها يقول:
أحبكم
ليؤكد على ارتباطه بالحب كخالص للبشرية من أزماتها وحروبها وكوارثها املتالحقة.
36
ريبرهبون
فيما ال شك فيه فإن التفاصيل املؤملة والذكريات التي تتضمنها صفحات الرواية ،تضعنا
في حالة شجون متواصلة ،حيث برزت لغة الروائية منسابة ،سلسة وواضحة أشبه
ً
بتخاطرات تمس كوامن اإلنسان الشرق أوسطي عموما ملا عاشه أو يعيشه من أحداث
مقاربة واإلنسان الكردي بصورة خاصة كونه من شخوص رواية الفجيعة املتكررة والتي
يكتبها الزمن والتاريخ املكرر لنفسه ،فجاءت اللغة هنا تخاطرية ،تقريرية تميل إلى الرتابة
منها إلى اإلدهاش ،وقد غلب حس التوثيق لدى نوجين قدو على حس التخييل ،وقلت
الحوارات في متن الرواية باملقارنة مع السرد التقريري التسجيلي الذي هيمن على غالب
مفاصل الرواية ،لتعبر عن قصص مختلطة متعددة ومتشعبة في تداخلها على هيئة تراكب
النفس ي مع املعاناة الجمعية ،أما عن اللغة فقد بدت واضحة فصيحة ،وإن استولى عليها
تعبير كان ،الذي يشير إلى املاض ي ،فالواقعية السردية هنا حالت دون بروز عنصر التخييل
ً
الذي يشير للماض ي ،وقد حالت دون بروز عنصر التخييل الذي بدوره يشد القارئ ،نظرا
الستبداد كارثة عفرين ووقوعها بيد املرتزقة على نفسية املبدع الكردي ،فلم تأبه نوجين
قدو لتقاليد الرواية وراحت توثق وتدين وتشجب عل روحها تهدأ ،أو لتشعر أنها قدمت
للتاريخ الحي والبعيد صورة الفظائع املرتكبة على أرض الزيتون وبأبناءها امليامين ،فقامت
ً
بوصف األحداث دون الدخول لألفكار ،تاركا للمتلقي حرية أكبر في تقييم حيوات
ً ً
الشخوص ،كون الكاتبة اتخذت مسارا مغايرا يتسم بالتركيز على الحدث وهوله وقد غاب
التساؤل عن الرواية وكثر الوجع بال هوادة ليخيم على لغة النص من مبتداه إلى منتهاه.
37
ً
حقيقيا كيف تصبح ً
كاتبا
ركزت نوجين على الشخصيات املتحلقة حول بطلة الرواية تيا بمحاذاة استغراقها في
تجسيد الحرب ،ص : 35كانت الغارات متواصلة والقذائف ترمى من كل حدب وصوب ،
نحو املقرات العسكرية والتجمعات املدنية ،فيتعالى صخب املوت كل يوم وتعلو زغاريد
ً ً ً
أمهات الشهداء قهرا وتعذيبا ،تلوك األكفان أجساد الصغار والكبار أينما اتفقتماما
ً
تضعنا الكاتبة أمام مشاهد الهول والويل ،فكان الحس الدرامي متباينا ما بين الدخول في
مضافة الذكريات والخروج منها ملا يجري على أرض التين والزيتون.
حيث يقول الروائي األمريكي ستيفن كينغ <:إن لم يكن لديك وقت للقراءة ،يعني أنك ال
تملك الوقت وأدوات الكتابة ،وقد استغنت الروائية عن تلك األدوات لتأثرها املفرط بواقع
ً
اضطرها لقراءته مليا على نحو يبعث على األلم واليأس ،لسان حالها وجعها وشجونها
وغربتها ،وقد جسدت مقولي الروائي الروس ي أنطون تشيخوف حين قال :ال تقل لي إن القمر
مض يء ،بل أرني بريق ضوئه على زجاج مهشم.
وقد أطلت الكاتبة من ذلك الزجاج املهشم ،لتخبرنا بأثر أن يفقد املرء مسقط رأسه حينما
تسقط مدينته بيد حفنة من شذاذ اآلفاق ترعاهم تركيا التي بنت وجودها األساس على
الدم والغزو وإزهاق األرواح.
لقد سجلت نوجين قدو األحداث معتمدة على حصيلة من تجارب ذاتية وأخرى متعلقة
باملحيط ،وبغياب الترابط على مستوى تسلسل األحداث فإن ذلك يعزى إلى هيمنة الجانب
النفس ي على العملية الفنية ،إثر فرط الوجع وتشعب األفكار بما أنها تجربة أولى للكاتبة
نوجين قدو فإن املستقبل القريب سيرتب لها في دفتيه طرائق أخرى من السرد والحوار
تتخطى بهما مرحلة البداية بال ريب.
38
ريبرهبون
حين تكتب األنثى ينهال من بين أصابعها مطر الحب وتندلق من قلبها أنهار العسل وحين
ً
تكون الكتابة سلسة وواضحة فإنها تنصاع للجوارح وسيالن املقل حدا تكون فيه الحرائق
سيدة تلك املشاعر وحارستها ،في قراءتي لهذا الديوان ملست مواطن الشفافية ورقة
اإلحساس فلم تتفوه الشاعرة ندوة يونس إال بما يمليه عليها
:القلب حيث تجمع ما بين لوعة الشوق للوطن ولهفة االتحاد الطبيعي بالحبيب ،تكتب
عن قامشلو فتقول ص 7
نلحظ تكرار السؤال الذي يستقص ي الحال وهو بوابة لتوطيد الجسور ما بين التوق
ً
والجغرافيا وال تنفك الشاعرة عن التساؤل إنه يوحي أبدا من أن الشعر طريقة تفكير على
39
ً
حقيقيا كيف تصبح ً
كاتبا
حد تعبير أرسطو ،وفي متن الديوان ظهور للدفاع عن كدح املرأة والتغني باملناضالت كما
في قصيدة أبرو تيمتك حين تقول ص 16
لم تتغاض
لم تترنح
لم تستسلم
ولم تركع
ففي كلماتها تلك نعومة ممزوجة بصالبة أنثوية في إبراز دور املرأة ووقفتها ألجل قضيتها
ومعاناة شعبها ،الشاعرة ندوة يونس حين تكتب عن الحب تتماهى به لدرجة األلم واإلذعان
ملواثيق الوفاء واإلخالص لتفاصيل الحب تراها تعبر عن ذلك بكل توءدة حين تقول هنا ص
: 27
فتأكد
41
ً
حقيقيا كيف تصبح ً
كاتبا
"
ماوراء الكلمات يبصر املرء أحاديث الكون وسجاالته في ذات شاعرة تفرد لألشياء مساحات
من التفكير والتأمل لتفصح عن ذلك من خالل الرموز والصور التي تحبس األنفاس وتختزل
الدهشة على هيئة إيقاعات
راصدة لحكايات العشق وتلك االعترافات املكدسة في الكوامن ،فيقول مروان شيخي هنا:
وراوغتني في املكان
ماصدقت وعدها
وينتقل الشاعر من باب االعترافات الوجدانية للحديث عن جدلية املوت والحب في توضيح
منه عن مآالت الخراب والتداعي ،فتراه يطرق العديد من املوضوعات على هيئة قصيدة
واحدة تتحدث عن عالقة اإلنسان باألنثى األم والحبيبة وعن حزن املرهفين وانقياد الشاعر
ألحزانه في التعبير عن الحب والعالقة الوجدانية وما يتخللها من فقد وشوق وعن مراميز
42
ريبرهبون
الحضور والغياب ومالهما من عميق األثر على الشعر ،يكتب مروان شيخي على نحو هادئ
،فيتنقل من اغتراب آلخر لفهم تجليات النفس والوجدان وتغيرات الحياة وعدم اكتمال
الحب بل بمحاصرة الشقاء له كأنما هو قدر النفس أن تشقى وتعاني في حضرة الحنين
ً
والبعاد ،فالبناء الشعري لدى الشاعر يتجلى أحيانا على هيئة حوارية بينه وبين األنثى كما
هنا ص : 92
وأنا القتيل
في مقاربة من الشاعر مع آية قرآنية وردت في سورة مريم „ :25وهزي إليك بجذع النخلة
ً ً
ِّتساقط عليك رطبا جنيا" وهنا استخدم الشاعر االستعارة فدعى املحبوبة لتهز روحه من
خالل صرخة عليلة تبين عظم الحرائق التي تستولي عليه لحظة عشق فاصلة ما بين الحياة
واملوت.
لحالة الحزن التي تعتصره وكذلك يستمد من املاض ي الوجداني وعالقته باإلنسان الكثير
فهنا نرى ص: 94
ً
ال تقولي وداعا
تتكاثر في اآلهات
نلحظ مما سبق ميل الشاعر إلى عقد حوارات مع املحبوبة فعلى الرغم من قوله بأن زمن
الحزن قد ولى فها هو يعيد تلك السجعات الحاملة رياح الحزن حين يكررها عبر مفردتي
اآلهات واملووايل ،تلك الحواريات التي يجريها مع األنثى الغائبة ال تنفك عنه ،وكأنه في
تكرارها يحاول فهم ش يء من حضور الحب وأفوله وحضور الحبيبة وبعادها ،ويسقط ذلك
على العالم برمته بما يتخلله من مواقف ولحظات وعبر كثيرة.
44
ريبرهبون
ً ً
اختار الشاعر السهل املمتنع أسلوبا ولونا في قراءته للعالم ومحاكاته للوقت فيها ديوان
معبأ بالتنهدات الساخنة واإليماءات الكاشفة للوجود الوطن منها للوجود املغترب ،وحيث
أن الشعر بطبيعة الحال مرتبط بذوق املتلقي يرى فيه ما يراه ،األهم هو بقاءه لوحة
تتضمن األلوان بعتمها أو شدة ضوءها ،وهكذا يمكن فهم القصيدة ويمكن أن نستدل
ً
عليها بما نراه نحن فيها انعكاسا ملا في أنفسنا ،حيث استخدم نصر محمد األلفاظ البسيطة
الواضحة وابتعد عن التكلف والتعقيد ،حيث يصل السلس للجميع ويطرق أبواب املكامن
دون استئذان بالطبع ال نستسهل هذا املركب ،األمر الذي يجب أن نفرق فيه بين الكالم
العادي والشعر السهل الداخل للمكامن ،حيث لدى الشاعر موهبة عفوية في طور النمو
والتألق تغلب على كلماته البساطة وعلى قصائده القصر ،حيث يستعين بالخيال واأللم
طريقتين لفهم العالم في تبدالته وتحوالته وتناقضاته فنراه يقول ص:29
45
ً
حقيقيا كيف تصبح ً
كاتبا
يستمد نصر محمد الشعر من الذاكرة واملاض ي البعيد والقريب ،عالقته باملرأة واألرض
وبالقضايا املتمخضة عن تعانقهما عالقة العابد باملعبود ،السجان باملسجون ،هنا يسجن
املرهف ذاته بعشقه ووفاءه حتى للوجع في ذروة اشتعاله ،السيما وإن العالقة الوجدانية
باألشياء ذات الوقع على النفس عالقة تعتمد على كشف الحياة بما تتضمن من معضالت.
خالصة:
ً ً
الديوان مثقل بالعطر ،فرصة اللتقاط الحلم نديا معشوشبا بزغاريد املطر على ثكنات
الحنين الندي ،واللغة لدى نصر محمد شفيفة كثغر طفل رضيع ،مرهفة مرتطمة
بإرهاصات الحب والحنين للزمان البعيد .
46
ريبرهبون
الكورد واإلرهاب ،هذا العمل الذي اجتهد الكاتب الكردستاني إدريس عمر في تأليفه وقد
اتسم بتميزه البحثي وعرضه ملحتوى البحث بطريقة أكاديمية تتضمن كثرة املعلومات على
اختالف املصادر املستقاة منها والتي أعطت للقارىء مساحة لفهم اإلرهاب ودور الكورد في
مجابهته ،وقد كان امليدان البحثي فيه مدعاة تحليل واستنتاج وتقليب لألفكار وقد اجتهد
ً
الكاتب في جمع املعلومات معتمدا في ذلك على الدقة والتحري وهنا سأتطرق ملسألة عامة
تتعلق بعيوب البحث العلمي وأقوم بقياسها على البحث لتقديم وجهة نظر حول طبيعة
البحوث فال شك أن عملية جمع املصادر وتنسيق األفكار ضمن محتوى البحث عملية
مضنية تلتزم بالتقاليد األكاديمية لكن ما يطرق الذهن هو غياب إبداع املؤلف ،وذلك يمثل
ً ً
عيبا أكاديميا بمعزل عن البحث الذي ندرسه ،فاالكتفاء بعرض الشواهد من مصادر
ومراجع دون بيان وجهة نظر املؤلف وطريقته في فهم اإلشكاليات ومرامي ما يحاول إيصاله
للناس عبر العملية البحثية ُيفقد البحث ميزة التمايز عن بحث آخر ،حيث البد من إبراز
ذلك الفهم الخاص لإلرهاب وتفسيره لها وكذلك أن يبرز الجانب االستشرافي التنبؤي بمعنى
يحلل دون االكتفاء بعرض ما قيل عن اإلرهاب هنا وهناك ،فالبحث الجيد يتعدى كونه
ً
ميدان لجمع املعلومات بقدر ما يكون الهدف منه أيضا اإلتيان بالجديد على املستوى
اإلبداعي ،حيث يطلب من الباحث االلتزام املنهجي بالحب وكذلك اإلبداع دون أن يكون
غرض البحث األكاديمي إبراز التميز االجتماعي والتوجه للنخبة ،حيث التجرد من األراء
الشخصية يمثل احدى عيوب البحث العلمي بوجه عام ،وامليزة األكثر إيجابية في البحث
املقدم هو تدعيمه بالقرائن والشواهد ،وقد أشار الكاتب إدريس عمر هنا للحلول التي تحد
من الغلو والتطرف لنتأمل هنا ص „ : 38جرت العادة على مواجهة التطرف بأحد اسلوبين:
47
ً
حقيقيا كيف تصبح ً
كاتبا
-1األسلوب األمني البوليس ي :وهو املفضل لدى غالبية األجهزة الرسمية واملؤسسات
األمنية والعربية واإلسالمي.
-2األسلوب السياس ي والفكري :عن طريق االستيعاب وفتح قنوات الحوار ،إلقناع من
ً ً ً
يحمل فكرا متطرفا بأن أبواب التأثير واإلصالح بالطرق السلمية بعيدا عن العنف وإراقة
الدماء متيسرة أمامه وليست مغلقة.
ً ً
وأضيف هنا نقطة بأن الحزم في مواجهة التطرف الديني سواء سلما أم حربا له إيجابياته
ً ً
حيث يمثل تعبيرا صارخا عن وقف املتاجرة بالعقائد وخداع الناس حيث ينبغي أن تتم
مواجهته على نحو ممنهج ويتسم بالدقة وعبر تفعيل سطوة القوانين الحريصة على حماية
األمن وسالمة املواطنين.
ومما ال ريب فيه فإن طبيعة الحكومات الشرق أوسطية وتخاذلها عن تقديم املستلزمات
األولية ملواطنيها من توفير لألمان وفرص العمل والحريات ،كل ذلك أسهم في استشراء
اإلرهاب ويعطي مسوغات لبقاءها في رقعة الشرق األوسط ،حيث نجد شكلين من اإلرهاب
املمارس على املواطنين كل على حدة ،إرهاب الجماعات والتي يدفع الناس ثمن وجودها
واإلرهاب الدولي الذي ال يمكن وقفه كونه يستمد شرعيته بصفة قانونية ،مثال ذلك إرهاب
امليليشيات العراقية الطائفية ،وإرهاب امليليشيات اللبنانية الطائفية ودورها في االقتتال
األهلي ،وهيمنة حزب هللا اللبناني على القرار السيادي اللبناني وصراع املليشيات الطائفية
في اليمن بتمويل إيراني ،والجماعات املرتزقة في غرب الفرات في سوريا وكذلك في ليبيا بدعم
تركي قطري ،كل ذلك على مرأى من فساد الحكومات بل وتورطها في دعم تلك املليشيات
وتغذيتها بموارد لوجستية تساعد على بقاءها مما يخدم مصالح تلك الدول ومآربها ،وقد
ً ً
أشار الكاتب إدريس عمر إلى ظاهرة االغتيال ودوافع مرتكبيها وقد وقف موقفا حياديا من
48
ريبرهبون
موضوع األديان ورأى أنها تنحو منحى ما يدعو ملناهضة اإلرهاب الذي يركب دون وجه حق،
ً ً
ويمكن القول أخيرا أن البحث الذي قدمه ادريس عمر مشكورا استوفى املعايير البحثية
كافة ،لكن ما ينبغي برأيي طرحه بمعرض بحثه أنه والبد من وضع منهجية حلول وبدائل
حقيقية ضد اإلرهاب وليس اكتفاء بالتصدي دون االنتقام ،إذ ليس بالضرورة أن يكون
ً ً ً ً
اجتثاث اإلرهاب ومالحقة اإلرهابيين انتقاما بل حال ناجعا وضروريا وذلك ال يمكن حدوثه
ً ً
في الشرق األوسط ونحن نشهد حكومات تمول اإلرهاب وتمارسه جهارا نهارا وعلى مرأى
املجتمع الدولي واألمم املتحدة ولهذا فإن مكافحة اإلرهاب يحتاج لنوايا صادقة وقبلها
يحتاج لحكومات شرعية وقانونية ديمقراطية تنسق فيما بينها ناهيك عن غياب خطاب
فكري مناهض وفعال للتعريف باإلرهاب ومناهضة أشكاله لغاية اليوم.
13.01.2022
49
ً
حقيقيا كيف تصبح ً
كاتبا
ً
اللغة التي في متن هذا الكتاب ،تتضوع وجعا وأفكار ،إذ يدمن الشاعر تغليف الوجع في
أفكاره ،كما أنه يرى أال صدقية في األفكار مالم تتغلف بغالف الوجع السميك ،من ثم
تتبعثر كالخراف على براري الصفحات ،لنقرأ هنا ص:42
تناولني قصيدة
تجسيد ألشياء قد تبدو عادية في حياتنا ،لكنها فنية في عالم الشعر ،وتحمل روح الحياة
املرهفة ،حيث غاية الفن هنا هو تحقيق الرهافة في تناول أشياء مألوفة ،وتحويل الالمرئي
ً
إلى عرس تقيمه الحواس املدركة املرتبطة مع الفن واإلحساس العميق بعقد وثيق ،أيضا
نجد خاصية املفاجأة ،والبحث عن ش يء ليس ببسيط يسعف الالشعور كي ينتفض ويحيل
ً
اإلدراك إلى غرابة وذهول مثال :ص43
50
ريبرهبون
وتعلمهم الدورة الدموية تسيلين دمي"وقصاصات ورقية تأخذها املعلمة "لتتسع أثداءها ِّ
ُ
استنفار جيش ثمة مفردات غير متنافرة تخرج الفتنة من جوف الروح ،وال تخلو رحلة
املبدع في اإلتيان بالغرابة الفنية من مجازفات صغيرة ،إذ يأخذ اإلدراك غفوته بالتزامن مع
مجيء عبارات قد تخون ما يريد املبدع أن يقوله لآلخرين ،إال أن لغته :ماردة ،رهيفة ،والذعة
وتلك السمات الثالث ان اجتمعت ،فإنها تصوغ املناخات الشعرية بخطا واثقة ،ال تبخس
ً
العبارات حقها من إبداع وتحليق ،يستمتع املرء بلغة أكثر لصوقا بالغرابة واالحتراف في
معان جديدة من مفردات مقترنة ببعضها رغم ندرة التقاءها ،على هيئة الفن السريالي إتيان ٍ
التشكيلي ،وتعانق األلون ،إليضاح مشاهد الحياة الرتيبة والكشف عن عواراتها ،يستخدم
جان بابير اإلنزياحات الكثيفة ويدمن الصور املعبرة عن مراميز متعددة توحي إلى محنة
ً ً
الذات والعشق اإلبداعي لآلخرين والعالم ،ولصوقا بالحلم ،تحديدا بعوالم الطفولة
والتحديق في قسمات اآلخرين وأشياءهم ،توارد فكري انزياحي ،تراشق بالعبارات ذات
املعاني املستترة واأللفاظ املبهمة الغائصة في ألوان البالغة وأوحال البديع ،وما يميز تلك
اللغة هي خاصية توظيف القص وأخصها الحواريات القصيرة هنا :ص53
51
ً
حقيقيا كيف تصبح ً
كاتبا
الكالم طويل والبوح عميق وما أوردته هنا في هذه النظرة السريعة ،هي رؤية انطباعية آنية،
وبقعة ضوء على مفازات وعوالم جان بابير املحلق في عباب الحياة
2019-12-23
52
ريبرهبون
محتوى الكتاب مجموعة خواطر نقدية تحت اسم رجال باالسم تنتقد فيه على نحو
ً
مباشر الذكورية السائدة في املجتمعات العربية عموما والسودانية على نحو خاص ،وتحمل
ً
لألنثى نصائحا وتوجيهات تبين من خاللها وجهة نظرها في التعامل مع الرجل واالحتراس من
فخاخه ،وتحذر األنثى من مغبة الوقوع في الضعف واالنحالل ،فمضمون الكتاب نقدي
موجه ،يسهم في تعرية العيوب والتصرفات غير الظاهرة أو املباشرة في نظرته للمرأة
وتسليعها وفي ذلك دعوة من الكاتبة للشفافية والصراحة لتجلي الشخصية األنثوية
الواضحة والتي تعمل في فضاء رحب وتسهم في إنشاء مجتمع عماده املحبة والتفاهم ،كما
ً
تشيرإلى دور وسائل التواصل االجتماعي في كونها باتت أماكنا ملمارسة االحتيال لتوضح لنا
سلبياته فيما يخص الجريمة االلكترونية التي باتت عابرة للحدود واألقاليم ،يمارس فيها
الرجل السلعي وبشكل ممنهج الخداع بغية جر املرأة ألوكار االستغالل واالبتزاز وهذا ما بدا
ً
جليا بكل أسف ،يمكننا إيجاز الكتاب من خالل النقاط التالية:
▪ الدعوة التحاد بين املرأة قائم على التواصل والشفافية ،لتكوين درع واق يكشف
عن الخطر قبل وقوعه وقد بينت الكاتبة مها مقداد الحلول من وجهة نظرها
لردع االحتيال الذكوري املمارس تحت أقنعة الدين والشرع والتقاليد التي تبيح
له التعددية.
▪ تشير أن كتابها ال يعني أنها تناهض كل الرجال بشكل تعسفي وإنما جاءت لتبين
وتضع النقاط على الحروف للتمييز بين الصحيح والخاطئ ،إنها رسالة لجنسها
بالدرجة األولى ،تشارك فيه الكاتبة معهن شجونها وما يعتريها من أفكار بيان
53
ً
حقيقيا كيف تصبح ً
كاتبا
التعريف الحقيقي للرجولة فهي ليست الفحولة وإنما التحلي باألخالق العليا
ومساندة الضعيف ليقوى.
▪ التأني قبل الزواج للحيلولة دون الفشل واختيار الشريك بعد دراسة وتنقيب عن
ماهيته دون االنغرار باملظاهر والقشور والبذخ املادي.
▪ بينت الكاتبة استنكارها لبعض املمارسات الذكورية الشائعة لخداع املرأة
وكشفت عن ذلك بكل وضوح ودعت لليقظة حيث أن أن املرأة تعاني من ضغط
كبير في البيئات املعنفة والتي تمارس العنف تحت يافطة الدين.
الكتاب كما نرى توعوي يدخل في حقل الخاطرة النقدية حيث وضعت الكاتبة مها مقداد
خارطة طريق للمرأة الحائرة أو التي تعاني من االضطهاد والضياع األسري ،أفكار وضعت
على طاولة النقاش بمعزل عن مدى صواب األفكار فهي موضع نقاش ويمكن االختالف فيها
ً ً
قليال أو كثيرا فإن الكتاب يعد من الكتب القيمة والتي تدخل في بند الكتابة النسوية
الهادفة لتحسين عالقة املرأة بنفسها وبالرجل وبدعوة نحو ضرورة مراجعة الرجل لنفسه
ً ً ً
كي يكون بالفعل رجال منصفا حقيقيا ،وليس مضخة تنفيس عن الغرائز والشهوات العابرة.
54
ريبرهبون
عن دار أوراق املصرية – الطبعة األولى ،2017عدد الصفحات 208قطع متوسط
يستند الكاتب ابراهيم اليوسف في روايته على محاكاة الواقع الذي تماهى مع جوانب بهية
من حياته ،فشارع الحرية يمر من منزله وله فيها حكايات متسلسلة كقطار بانورامي في
الذاكرة مترامية األبعاد،حيث يوظف امليتاسرد كمذهب جمالي في االستدالل على محطات
هامة من تجربته في الحياة في ظل بيئة معتقلة ونظام مستبد فرخ مستبديه الصغار الذين
أوكلهم مهمة حراسة إرثه القمعي من بعده ونشير هنا إلى النظم الشمولية فقد خلفت
ً ً
وراءها أحزابا شمولية على شاكلتها ،تؤله قادتها ،وتقزم ما سواهم من األفراد ،أحزابا وإن
ادعت أنها على جانب الخالف مع النظام إال أنها أوغلت في املفاسد واملظالم على طريقتها،
حيث حذت هذه السلطة القمعية حذوها ولعل تجربة األحزاب اليسارية بشقيها الشيوعي
والقومي اعتكفت على تقاليد سلطوية تجهيلية مع املجتمع ،فالذي حظي بحكم الناس
ً ً
فإنه سرعان ما يسلك مسلكا قمعيا في التعامل مع الخصوم ومع من يخالفهم الرأي بالقمع
والتنكيل والتكميم وكيل تهم الخيانة بحقها ،األمر الذي يدفع باألخيرة إلى التشرذم ولنعد
إلى طريقة كتابة الروائي الكردي ابراهيم اليوسف لرواية شارع الحرية بطريقة تمد ذراعها
ً
آلفاق التخييل واإلدهاش موظفا كل ما هو مذهل ومشوق ليحد من خاللهما من موجي
التقليدية والنمطية ،وليعالج القضايا بمقاربات موضوعية تتحلق حول الكتابة الناقدة
واملتفحصة ملسارات حقبة زمنية بدأت جلية في بداية عام 2011ص„ : 47لقد تعلمت من
الشيخ معشوق الخزنوي ،أن أخرج بطارية هاتفي كما من معي ،عندما نكون في جلسة
حساسة ،كان يفعلها ،ألنه قيل لي :من املمكن التلصص لإلصغاء إلى ما يدور في أية جلسة
ً
من حديث ،إذا كان الهاتف مطفئا ،مالم تنزع منه بطاريته !..البد من النوم.
55
ً
حقيقيا كيف تصبح ً
كاتبا
يركز الكاتب على التفاصيل ومن خاللها ينفذ إلى قلب املتلقي القارئ كشمس تهوي بداخل
زنزانة من كوة متداعية ،فاآلليات التي يوظفها الكاتب تتسم بالدقة والشفافية وتحاول أن
تستقر في الذهن املتفحص للغة الرواية ومناخها ورسائلها الكامنة في تالبيب تلك النصوص
الهادرة واملكتظة بإيقاع األشخاص وصخبهم وما يحملونه من وقائع تصطك عبرها عظام
الذاكرة ،فالواقع الثوري كشف عن عديد املخاضات وأدخل الذهن في شباك الهواجس
واألفكار التي تنتقل باملرء من فكرة ألخرى ومن مشهد آلخر.
وسننتقل هنا لكشف جانب آخر يكمن وراء السرد ومآالته ودوره في إغراق الذهن املتخيل
بعديد التفاصيل„ :ص„ : 83خيال أمك ،خيال أبيك ،مالمح أخوتك وأخواتك وهي تهندس
أخطوطة البيت ،أخطوطة روح أهلها ،لحظات الفرح والحزن ،كل ذلك ينهض على نحو
حار في دمك.
ً ً
فمستويات السرد يمكن تشبيهها هنا بحالة البحر الذي يتالطم حينا ويهدأ حينا آخر ،وما
بين مد وجزر راح خيال الكاتب املتقد يكشف عن مسارات تخييلية متصاعدة تحاكي عوالم
الفرد في ظل القهر السلطوي والخشية من األذى ،االعتقال أو املوت حيث بالتزامن مع
ظهور املنتوج اإلبداعي ،يتحرك قلم الناقد ليدرس ويهندس تلك العوالم بمقاربات تفصح
ً
عما هو مخبوء وغير ظاهر ،وتنطلق من رؤية منهجية تتسم بالتنقيب والسبر وتحاول مليا
ً
فهم اللغة ومراميها وفلسفتها تبعا لوصفها للمكان واإلنسان ،هذا ما يجعل للنقد قدرة على
ً
إتاحة املجال لفهم العمل اإلبداعي بكونه فضاء مفتوحا للعديد من االحتماالت ،حيث يغزو
التساؤل ذهن الناقد مما يدفعه لخوض تجربة القلق الوجودي من املوت ومسبباته ،لنقرأ
ً
هنا أيضا „ : 173يلتقط السماعة أحدهم من يدها :بابا ،كنا في فم الحوت ،كنا في أحرج
56
ريبرهبون
لحظة ،هواتفنا كانت تركية ،رفعنا شرائحها ،أغلقنا الهواتف لئال ترن ،لم نعد إال بعد أن
عبرت العجوز ،ال تقلق ،لقد استلمت قرص السيدي.
57
ً
حقيقيا كيف تصبح ً
كاتبا
ً ً
يحيى سلو عاش الرواية بتفاصيلها ،ونقل أرواحا ،أحاسيسا وأمكنة ،أي اختزل العالم
الجبلي في متن الكتاب ،فالوضوح املعتمد والسالسة االنسيابية عنصران إيجابيان قادا
ً
املخيلة ،فال يحيد الذهن إطالقا عن السرد القائم بل البد وأن يتابع ليصل لخالصة ،جمع
الكاتب أدواته ورتب أفكاره ليجول في عوالم املجتمع الكوردستاني ومعاناته إزاء تعرضه
لقمع ثقافي جسدي ممنهج ،حمو ،بهار ،حكاية مالحة كالدموع املتراكمة واملتساقطة داخل
كؤوس الشاي وموائد الطعام ،وقصة التناقضات العشائرية والحروب التي يفتعلها
األغوات ويسعرها األتراك ،لترسيخ الهوة االجتماعية وفقدان الثقة بين الناس ،جسدتها
الرواية على نحو أمثلة عابرة مرتبطة بحدث املقاومة الوليدة الناشئة على الطرف املقابل
،لهفة الناس وتوقهم للكينونة ،شعورهم بالشموخ حين يفد املقاتلون إليهم ،حاالت من
الصراع املستشرس بين الجيش والفصائل الكوردية ،هذا اإلبهار في رصد املشاهد واملرونة
ً
في االنتقال بين األفكار واملشاهد جعل املتلقي يشعر أنه في قلب تلك املعمعة تماما ،تعيش
ً ً ً ً
الشخصية داخل الرواية في حالة صراع ،فحمو يعيش خوفا هائال وعارا ماثال في داخله،
الضابط آرول ليس في جعبته إال الحنق والغضب واملزيد من الكراهية ،أذهان القرويين
متأرجحة بين ذلك التدين الكالسيكي املضطرب ،وسرعة االنقياد إلى الخرافات ،ذلك
الحاجز القائم ما بين الرجل واملرأة طافح بالقسوة واألنانية واملزيد من الرضوخ من قبل
ً ً ً
املرأة ،ذلك سبب تباعدا اجتماعيا واغترابا عن شكل الحياة االجتماعية املتوازنة ،أرادت
الرواية أن تكون وعاء لحقبة قائمة من املعاناة واالنقياد إلى الحرية وسط أغالل وقيود جمة
،ال تنتهي وال تنحصر عند نطاق ،وقد جسد طبيعة املجتمع الجبلي وتحركاته بين الجبال
58
ريبرهبون
والسهول ،وعالقة الرجل باملرأة وتأثير العادات والتقاليد على املسلك والنشأة ،إلى جانب
اإليغال في حقبة التسعينيات بعد انطالقة ثورة حزب العمال الكوردستاني ،ودخول
املجمتمع ملرحلة اليقظة والغليان الثوري في شمال كوردستان ،وانشغال الحكومات التركية
باالنقالبات حينذاك ،وبكيفية قمع الحراك الطالبي الذي قاده مجموعة من الشباب
الكوردستاني املتأثر بالفكر املاركس ي ،تقص ي الجانب الوحش ي السائد بين الجبليين ،
خشونة الطباع والقسوة املتصدرة للحياة ،فيما يتعلق بالصراع ،على السلطة واملوارد،
وانقسام املجتمع إلى شريحتين إحداها موالية للعدو ومتعاونة معها ضد املقاتلين الكورد
واألخرى متعاونة مع أبناءها في الجبال تقدم لهم املساعدات اللوجستية ،حيث ينمو
ً ً
ويتبلور مفهوم الوطنية الكوردستانية شيئا فشيئا وتتوجه الغايات نحو هدف حركة
كوردستان والقتال لطرد املحتل منها ،بالتزامن مع الكفاح لبث القيم الوطنية الجامعة
محل العشائرية املتناحرة ،واعتماد الكاتب في سرد أوصاف الشخصيات النفسية
والجسدية ،جسد شفافية بالغة في التعمق بالبيئة ،فاملجتمع يعيش خصائصه ،وقد
أوجد نظامه التلقائي من مجموع التقاليد الناظمة ملسيرة حياته ،كذلك خضوع املجاورين
ملناطق تواجد الكريال لتعليمات وقوانين محددة تلزمهم بالحفاظ على البيئة وعدم قطع
ً ً
األشجار ،نجد إملاما دقيقا بأحوال الحياة ،عبر إبراز العينات الوجدانية املرتبطة بالحالة
املثالية وبساطة اإلنسان هناك ،عدم تلوثه بمفاهيم وأساليب تفكير الناس الذين
استوطنوا املدن الكبيرة ،ومزج الحكايات الشعبية والوقائع االجتماعية داخل الرواية ،من
خالل لغة واضحة مفهومة يستسيغها كل الناس ،دقة رصد األحداث وتصوير األمكنة
وارتباطها بمشكالت األفراد والجماعات ،اتسم بحرفيته ،وكذلك خفة االنتقال من مشهد
آلخر ،من فكرة ألخرى ،دون استطراد وتشعب ،تعتبر هذه الرواية من القالئل التي جسدت
مراحل مسيرة مجتمع مهمش مسحوق أثقلت كاهله األعراف والتقاليد والقبضة التركية
59
ً
حقيقيا كيف تصبح ً
كاتبا
على مفاصل حياته ،كذلك جسد حالة الصراع غير املتكافئ بين االحتالل وأعوانه وبين
الثوار وأنصارهم ،وقد كان تشخيص شخصية بهار وتطورها مثار اهتمام من قبل الكاتب،
تحد وعصيان ضد املفاهيمرفضها العودة لزوجها حمو ،ونعتها له بالخيانة ،يعتبر بمثابة ٍ
الذكورية،التي جسدتها النسوة الجالسات واملال العائد الستكمال ترتيبات العودة لحمو،
ً
تنحو الرواية منحى االقتراب من النتيجة املبيتة للمتلقي كي يدركها مليا وهو الرجوع لجادة
الكردياتية املنعتقة من الخنوع واإلذعان واملنتقمة ملا لحق بالشخصية الكوردستانية من
ذل وهوان ،رصد الكاتب أحد املحاوالت الرامية للرد على أساليب األتراك في ترسيخ
مفاهيمهم لنتأمل هنا ص - “ : 412ماذا فعل عمر بزك ؟
ً
مدرسا إلى قربة بصرا أسفل كابار بالقرب من قرية (كور دال) -قرية املطربة مريم
أرسلوا ِّ
ً
خان املشهورة ،حزب MHPتوركيش الفاش ي ،كان يعلم األطفال أمورا فاشية وال أخالقية،
كان املدرس أحد أعضاء حزب مثل كيفية تشكيل شعارهم الذئب ،من خالل يد واحدة ،
ً
اإلبهام والوسطى والبنصر ،وإبقاء السبابة والخنصر مفتوحتين ،لتعطي شكال كأذني
الذئب ،في أحد األيام سمع عمر بزك ذلك ،فذهب واعتقل ذلك الوغد ،وأخذه إلى الجبل
يحقق معه ثم علقه من قدميه بغصن شجرة ،وتركه هكذا كما يقولون ،إال أن بدأ ينسل
ويخرج البراز من فمه ،بينما كان يسأله :لم تقل لي أيها التوركش ي ،كيف يكون شكل الذئب،
أيهما أعجبك ،لديكم أصابع اليد تشكلون شعاركم به ،أما نحن فعندما نقبض على
الذئب ،هكذا يكون شكله ،ثم نسلخ جلده.
وباستعادة حمو لذاته وكينونته ،وهو على قمم هركول ،تبدأ أولى أسارير تلك االنبعاثة التي
أرادها يحيى سلو خاتمة لروايته ،وقد أجاد في إحداث تساؤل عما يشغل الذهن ،يتعلق
بفداحة ارتكاب األعداء لجرائم تقشعر لها األبدان ،من خالل تمثيلهم بجثث املقاتلين
60
ريبرهبون
وقطع رؤوسهم ،مبرزين عبرها حقدهم وحجم كراهيتهم لكل من يتشبث بهدف تحرير
كوردستان واستقاللها ،هذا االنبعاث يولد في محيط من املخاض واآلالم ،وبذلك يعبر عن
صفاء الذهن الكوردستاني واستعادته لهويته املنهوبة ،وضرب العدو التركي في صميمه
وإحداث الرعب في مفاصل قوته وجيشه املزعوم ،حيث الرواية املشبعة بقضية االلتزام
ً ً
القومي أكثر ما تكون قربا من الخلود ،وبقاءها أثرا يدون مسيرة الشعوب ويؤرشف نضاالت
ً
أبناءها ،اعتمد الكاتب فيها على الوضوح والربط املحكم متقيدا بمقومات القص من سرد
ً
ومونولوج داخلي وحوار ،ليعبر عن حقبة منصرمة ال تزال قائمة ليومنا هذا ،تجسيدا
لصراع الهوية املستفحل في شمالي كوردستان ،لتحمل الرواية في كنفها إشكاالت عصية
ً ً
وحلوال مبدئية يستوجب الوقوف عندها مليا.
61
ً
حقيقيا كيف تصبح ً
كاتبا
ً ً
لقد سلك الشاعر مسلكا تصويريا في ابتداع لوحات متعددة األوجه ،حداثوية االتجاه ،
ً
نحو فهم رهيف للغة املتخيلة والذهاب بعيدا نحو التلميح املبطن يصوغ تلك املشاهد على
نحو مرهف وإدراك يقظ ،فلم تك هنالك مواضيع متصلة بالقصائد على نحو مباشر
بالسياسة أو املجتمع وإنما اقتصر املناخ الشعري هنا على إيراد الجماليات اللغوية متشحة
ً
بثوب العاطفة ومستعينة بالخيال والحكمة بعيدا عن الخطابية املتبعة في الشعر
يحدث مقاربات حداثوية ما بين مضمون تصويري حديث الكالسيكي وإن راح الشاعر ْ
وشكل يعتمد على الوزن ما بين الكامل والرمل املجزوء راح يدوام في سبك تلك الصور على
ً
نحو متقن ،وتراه يستحضر رموزا تاريخية في عقد صلة ما بين املعين التاريخي والنظرة
الحاملة ملستقبل أفضل حيث يقول هنا ص : 7
ً
مهال يا سليل الحزن يعقوب
تحد ُق
في أي اتجاهات الشرود ِّ
قمصاننا اهترأت كأسمال وأنت
يعقوب فهو على الجانب اآلخر حسب تعبير الشاعر يسعى لفهم الحزن ودواعيه ،فلنتأمل
هنا ص 9
الرسائل
نلحظ ميل الشاعر إلى التكثيف والصور في آن فهو هنا يربط ما بين الوصف للحزن واملكان
بطريقة فنية درامية تبعث على الرغبة في تتبع تلك الخيوط املتسلسلة لوحدة القصيدة
ونلحظ التزام الشاعر بمناخ يوحد هذا الديوان الذي يمكن أن نطلق عليه بقاموس الحزن
الصغير والذي يختزل عالقة اإلنسان باملكان واملحيط البشري ،حيث ثمة إشارات للمكان
كثيرة في تلك النصوص "مداخل ،مصاطب ،شبابيك ،حجارة ،خيوط العناكب ،الخرائب"
في إشارة إلى مالمح الحزن ،أنعشتها األوزان الخارجية التي تتوسط ما بين العمودي والنثر ،
فنجد التدفق في الصور واملشاهد واالنزياحات التي أضفت على النصوص ضبابية قد
يختفي بدواخلها املغزى أو الفكرة وراء تلك الصياغات الجامحة ،حيث يكفي أن يكون
ً ً
الشاعر متمتعا برفد بالغي لغوي ناتج عن قراءات متعددة في الشعر حتى يبدو مجيدا
ً
ممزجا التراكيب ببعضها على حساب غياب األفكار وقد يكون ذلك من عيوب نظام
63
ً
حقيقيا كيف تصبح ً
كاتبا
ً
التفعيلة الحديث فتوظيف األوزان كجنوح زائد ممتع فنيا ،ويفقد معناه حينما يصبح
عادة ،كذلك نجد الشاعر يستعين باملفردات التي تشير آليات وردت في القرآن مثل ص 22
ً
موقنا بعصا األنبياء في اإلشارة لعصا موس ى ،يهش بها ماعز الهم في إشارة إلى آية عصاي
أهش بها على غنمي ولي بها مآرب أخرى ،فالديوان بمجمله ماتع يتسم برمزية سلسلة وصور
كثيفة ورشاقة مطواعة.
64
ريبرهبون
ذكرت األستاذة املحاضرة الفرنسية سيلفي دوكاس بمعرض حديثها عن الجوائز املقدمة
لألعمال األدبية الفائزة قائلة „ :الجوائز األدبية هي أداة تسويقية ،تدفع إلى الكثير من
اإلصدارات الروائية لكنها تظل محكومة بتوجهات وطنية واقليمية ودولية ،وبمعزل عن هذا
وذاك فيما يحاك عن قضية الجوائز وعالقتها بالسياسة فإنني سأتناول رواية وطأة اليقين
ً
للكاتب الكوردستاني هوشنك أوس ي بوصفها رواية جمعت طرائقا من السرد املتنوعة،
تضمنت الحديث عن مجمل القضايا الشرق أوسطية اإلشكالية منها على وجه خاص،
إيحاءه في ذلك مرحلة الربيع العربي والهبة السورية ومآالتها وتأثيراتها على الخارج ،وقد برع
الكاتب في هذه الرواية حين وظف تقنيات السرد ،الحوار وسالسة االنتقال والغرائبية التي
تلف الحدث وتعبر عن مسار لرحلة ممتعة وشيقة في براري القضايا املتعلقة بأدب الثورات
وأدب الرسائل والتي راحت العديد من القضايا السياسية فيه تتشابك ،يرويها خيال الكاتب
وتعطشه في التحلق بمتن عوالم الوطأة واستبداد اليقين باملرء ،وظف الكاتب ثقافته
ً
وتجربته في ميدان السياسة والتحليل والصحافة وأيضا إملامه بمختلف القضايا الشائكة
ً ً ً ً
اقليميا محليا وأوروبيا ،يدفعه إلى ذلك ذخيرته املعرفية في حقلي السياسة واألدب ناقدا
ً ً
تارة ملآالت الحدث وموظفا شخوص الرواية تبعا ملا يود قوله كرأي وموقف فكان املناخ
ً
السردي متسما بغرابته وسالسة نقله لألحداث بتراتبية واالنتقال ضمن عالم متكامل
متصل بعضه ببعض ،لنلحظ بداية الرواية ص „ : 9بات الزمن شديد االنحطاط
والتدهور ،كغول يحاصرك ،وال يتيح لك الفكاك من دنسه ،حين يدنسك الزمن ،ماذا
بوسع األمكنة فعله لك كي تتطهر من هذا الرجس األعمى والعاصف؟
65
ً
حقيقيا كيف تصبح ً
كاتبا
-طبيعة السرد:
السرد في هذه الرواية هي خليط معقد ومتشابك من التخاطر واالسترسال والشعرية ،األمر
الذي جعل اللغة تفكيكية ،عاقد العزم على الخوض املكثف لجملة قضايا تعتصر روح
املؤلف لتجمعه مع شخوصه على قواسم مشتركة تهدف لنزع القناع عن املتواريات،
فبحسب نظرية الفكر السردي فإنها" تنظر للدماغ على أنه مكون من أنظمة فرعية تعمل
على "متضافرة إلثارة الوعي" هذا الوعي لدى الكاتب نابع من رهافته كشاعر وإدراكه
كسياس ي وفهمه لصيرورة األحداث كصحافي ،وقد تضافرت كل هذه الخبرات اإلدراكية
لتوضع في خدمة رواية تكشف عن املستور وتخوض في معمعمان األقكار الهادفة لنقل
تجارب إنسانية مختلفة يجمعها التبعثر والتشتت بسبب اليقين الذي تؤمن به وتعاني من
ً
ثقل حمله ،ونتيجة لسلسلة اآلالم التي تخوضها كل شخصية تبعا لعاملها الذي تعيشه
ً
واملحيط الذي يتأثر ويؤثر به تبعا للحالة الشعورية فإن الكاتب أخلص لشكل محدد يتعلق
بنقد الحالة السلبية الكامنة في املمارسة السياسية واملتجسدة في حالة الفوض ى الناجمة
عن االستبداد والفساد فقد خيل للمتلقي أننا أمام أدب الرسائل الحاملة في دفتها الكثير
من التفاصيل املركبة واملعقدة لكنها تتالقى عند نقطة نقد السلطة بشقيها القائم كمؤسسة
دولتية وأخرى معارضة لها ،فنجد الكاتب في بداية روايته قد اختار السرد املباشر املستند
على تشاؤمية مفرطة من الواقع السياس ي ويظهر هنا تأثره بالكاتب السوري محمد املاغوط
ورائعته سأخون وطني ،مناخ رواية تؤرشف حياة الحاملين والرازحين تحت وطأة ذوي
السلطة والنفوذ ممن يمتلكون اليد الباطشة.
66
ريبرهبون
نتأمل هنا ص “: 22مازالت ذاكرته محتفظة بسحر وألق ذلك املشهد واألصوات املشاركة
في تشكيله ،هدير القطار املتداخل مع خوار البقرة وصياح الديك وثغاء األغنام اآلتي من
الحظيرة املوجودة في زاوية حوش الدار ،هو الذي يوقظه بعد فشل النسائم العليلة في
إيقاظه.
لقد اعتمد الكاتب الكشف عن املكان بتصوير حمل حزمة من األدوات املؤلفة لطبيعة
الحياة ،وهو بذلك يمهد لالستدالل عن طبيعة تلك الحياة التي خبرها بما تحتويه من
بساطة وقسوة عاكسة للشجن والحنين إلى البيئة التي خرج من رحمها حيث املكان ال
يضمحل أثره في الذاكرة فيقوم الرصد للمكان بتفعيل بنية السرد بكونه مصدر إغراء
للعودة إلى الجذور واملاهية ،جيش املؤلف ذاكرته وأطلقها في متن السرد ليضاعف
اإلحساس بالبيءة من كونها بوابة للولوج للغة الرواية املفصحة عن حياة اإلنسان بمعزل
عن األفكار الخاصة باملؤلف والتي تضمنتها الرواية فإن اللغة اتسمت بجاذبيتها والتدرج بين
ً
السرد والحوار بدا سلسا يشد اهتمام القارئ ،فبرزت األفكار إلى جانب الصور واتسم
النص بانفتاحه على االحتماليات واألشكال التي ال حصر لها ،وهي بذلك فضاء رحب يتنقل
فيه ذهن املتلقي لفضاءات متنوعة وطرائق كثيرة من تقليب السير ،سير الشخوص
ومعاناتهم واستمرارية الصراع دون توقفه ،واإلشارة بمصائر كل شخصية وما آلت إليه،
بتلك اللغة الفلسفية وهذا التأمل في اإلنسان عبر بوابة الذاكرة ،ينقل لنا الكاتب عديد
التجارب التي حظي بها هؤالء الذين استبد بهم يقين املعتقد فأحالهم إلى حطام ،لكن
الرحلة ال تزال مستمرة ،تكشف في حيثياتها عن إثارة في عرض الحادثة ورغبة في تتبعها ،
تثير الشغف ملعرفة ما ستؤول إليه تلك األحداث ،كلها تصب مصب اللهث حول الحقيقة
67
ً
حقيقيا كيف تصبح ً
كاتبا
ومحاولة قبضها وفهم املغزى من عيش الحياة من بوتقة اإليمان بعدالة القضايا التي
يتحلق حولها األفراد ،هذا االندفاع وراء السيل رغم عدم تكافؤ الصراع بين قوتين،يبين
ً
ضراوة الصراع وحدته ،ورغبة املؤلف في اإلملام أكثر بمصائر األفراد متجاوزا الجغرافية
املحلية ،ليجسد طرائق مواجهة الشخوص للتحديات النفسية التي تواجههم عبر مناخية
عقد أواصر العالقة بين الشرق أوسطي السوري واألوروبي ،وهذا التبادل املعرفي في فهم
مشكالت البعض والحالة السياسية في سوريا ،يكشف بعض فصول تلميع النظام السوري
لصورته من خالل بعض األوروبيين املتواطئين معه ،وكذلك املصالح التي تربط بين قوى
الصراع في سوريا والخارج وقضية زرع األعضاء وتهريب األعضاء الشابة من سوريا إلى أوروبا،
ينتقل لتونس فيتأمل بداية انطالقة الربيع العربي منها فنجد أدب الرسائل يحمل في متنه
لغة مكتظة بهموم ومتاعب السياسة وتصورات األفراد وموقف السنجاري الذي يبنيه
ً
ملستقبل الرسالة زرادشتيان ،نص ينطوي على شجون ويبين للمتلقي تفاؤال بهذه الهبات ِّ
ً
الشعبية رغم أنها ال تعتبر إال انتقاال البد منه وجرأة ماثلة لتحدي السلطات ومن خالل
إقدام البوعزيزي التونس ي على إضرام النار في جسده ،ص„ : 39إن ما فعله البوعزيزي ،
هذا البائع البسيط الفقير ،البائس ال يقل أهمية عما فعله كل رجاالت عصر النهضة
والتنوير في أوروبا ،هكذا يولد البطل الشعبي من رحم الحرمان والتهميش والفاقة والعوز.
يجسد الكاتب هنا أفكاره ،مواقفه املتعددة منها ما يتعلق بالسياس ي ومنها ما يتعلق باألدب
وقد أجاد السرد الجاذب للذهن والخيال في آن ..فالسرد كاميرا منقبة لحيوات الشخوص
ومتاعبهم ،تتجول لتصور وتستكشف وعليه يترتب على القارئ من أن يركز بعين املدرك
وروح املرهف لفهم املراد من هذا التنقل وهو اإلفصاح عن مكنون الفرد بما يتضمن ذهنه
من فوض ى شعورية وإدراكية ،فنراه عبر هذا التنقل يناقش قضايا متنوعة منها ما يخص
ً ً
األدب ومنها ما يخص السياسة ،مثال نجد الجدل األدبي الذاتي كامنا هنا :ص„ 51الشعراء
68
ريبرهبون
والشاعرات ،حين يعبرون عن حبهم ومشاعرهم تجاه حبيبهم ،فإنهم يمارسون الجنس
حتى ولو كان األمر مجرد كالم ،كذلك الروائي حين يقوم بتوظيف الجنس في روايته فهو
يمارسه عبر الكتابة نفس األمر بالنسبة للفن التشكيلي أو السينما.
إذ نجد أنفسنا أمام سرد يرتبط بكافة القضايا التي تشغل الكاتب ،إذ ال يوجد ش يء محدد
أو قضية محددة وإنما هنالك سرد يأخذ بالقارئ من مكان ملكان ،من قضية ألخرى
فيتحدث عما يؤرق املجتمعات من قضايا شائكة تدور في فلك العنصرية والتحرر منها،
وشخوص الرواية يقدمون ما بجعبتهم ويمنحهم الكاتب مطلق الحرية الواقعية لقول ما
يبرز على السطح من أفكار ،وآفاق وحلول ومعضالت.
ً ً
سرعة التنقل في عرض القضايا ومعاناة الشخوص أحدث شططا ذهنيا وفي اآلن ذاته لم
يخرج عن ذلك املناخ اللغوي املاتع املركب على هيئة تعانق السياس ي مع االجتماعي،
التاريخي مع الوجداني ،ليشير إلى حجم الصلة بين هذه األنساق ،حيث يتمأسس النظام
االجتماعي ويتموضع إثر تالقح بين سلطة الدولة والعائلة ،وفي ظلها يتكون الفرد وتتكون
أفكاره وتتشكل نفسيته االجتماعية فال تخرج بيسر عن أفكار منظومة الدولة أو األسرة
التي ينتمي إليها ،كأن باملؤلف يعقد خيوط التشابه املوحدة بين مجتمع وآخر وبين جغرافية
وأخرى.
ً ً ً
أخيرا يمكن أن أقول إن رواية وطأة اليقين لهوشنك أوس ي استطاعت أن تكون فيلما شيقا
اكتملت في متنه عناصر الرواية الحديثة بما تحمل من تقنيات معاصرة ،األمر الذي يمكننا
فيه القول أنها تستحق جائزة كتارا بمعزل عن سياسة كل جائزة وما يدور خلفها من
كواليس ،وبغض النظر عن اتهامات البعض الكيدية له إثر نية غير محمودة مفادها الغيرة
69
ً
حقيقيا كيف تصبح ً
كاتبا
ً
التي جبلت عليها ذئبية اإلنسان إال أنني كناقد وقارئ أجد الرواية قد ركبت مركبا ليس
باليسير قيادته وقد سرى به الكاتب لبر األمان.
70
ريبرهبون
يسعى الناقد خالد حسين هنا في مغامرته الحميمة في تخوم الشعر لبيان االقترافات في
ً ً
التأويل من بوابة سعيه لفهمه للتأويل من زواية أنه مهما بدا ناقصا أو خاطئا إال أنه واقع
بحكم رأي املؤول وطريقة فهمه ،حيث يبين في كتابه هنا سوءات الوقوع في متاهات غير
محمودة من التأويل للنص ،في حين تبدو أكثر النصوص الشعرية النثرية منها على وجه
الخصوص ،بما يتعلق بالرمزي مشرعة أمام تأويالت كثيرة ،حال الواقف أمام لوحة
تشكيلية زاخرة باأللوان بهيها ومعتمها ،فما الذي دعا الناقد هنا الستخدام كلمة اقتراف،
سنعود إلى هذه الكلمة وذلك عبر تفكيكها ،ففي شمس العلوم :اقترف الش يء أي اكتسبه
ويقال فرقه بأمر أي اتهمه به فاقترف به"،شمس العلوم – نشوان بن سعيد الحميري" أما
ً
في معجم الزائد :اقترف اقترافا- :اقترف الذنب :فعله ،اقترف املال :اقتناه،ربحه ،اقترف
من مرض فالن :أصابه مرضه “.الرائد جبران مسعود"
حيث يستبدل خالد حسين التأويل بكونه مغالطة ويفتح الباب ملتاهة من الهفوات
بالتفكيك حيث يقول هنا ص „ :161إن التفكيك في األساس بحث عن التناقضات
والفجوات واملسكوتات التي تخترق بنيات النصوص وهذه األخيرة ليست إال نتاج الالوعي
الجمعي املنبثق من تجاويف النظام السوسيوثقافي الذي يقف وراء النصوص ويحرسها من
ً ً
القراءة ومن ثم يشكل جانبا من جوانب سياساته" فالناقد هنا ينحاز للتفكيكية بدال من
التأويل بكون التفكيكية مشروع قراءة وكسر للمألوف من تقاليد سائدة في النظر للعمل
اإلبداعي والذي قام جاك دريدا عبرها بتأكيد رفضه لثالث مقوالت وهي :سلطة العقل
والحضور واملقوالت البنيوية ،وبالتالي فإن الناقد خالد حسين ينتصر في مجمل كتابه
71
ً
حقيقيا كيف تصبح ً
كاتبا
ً
للمنهج التفكيكي ألنها طريقة لكشف معالم النص وفهمه محتجا في ذلك على تلك املتاهات
التي اتسم بها النهج التأويلي االنطباعي ،بيد أن التفكيكية ما تزال مبهمة وتدعو للثورة على
النص املؤول وهذا ما يجعلني أرجح التأويلية كمنطلق لفهم متوالد ومتجدد للعمل اإلبداعي
بمعزل عما يذهب إليه الناقد بوصفه للتأويل كجنحة ممارسة على العمل اإلبداعي ،األمر
الذي يجعل املساحة تضيق أمامه بخاصة حين ينجرف النقد إلى االنطباعية التي تقاد
بمنطق ذاتي قائم على األحكام والرؤى املسبقة والجاهزة ،األمر الذي يذهب بالناقد مذهب
التضليل والتالعب باملنتج املوضوع بمزاجية ذاتية في غالب األحيان.
ً ً
السيما وأن الكثيرين رؤوا في التأويل كفكرة فلسفية مدخال وسبيال لفهم النص ،بيد أن
املفكرة األمريكية سوزان سونتاغ عارضت التأويل في كتابها "ضد التأويل ومقاالت أخرى"
لكنها انتصرت ملنهج التأويل
ً
.املقونن ،أي أن يكون مستندا لقوانين وليس لرغبات ذاتية مزاجية
ً
وإذا نظرنا ملعنى التأويل فهو يعني التفسير والشرح وقد كان موضع نقاش الفالسفة قديما
ً
وحديثا ،فقد مارسوا التأويل كطريقة فهم كما عمل ابن رشد على فهم فلسفة أرسطو في
كتابه شرح فلسفة أرسطو وقد كان ارسطو مع التأويل وكذلك في الوقت املعاصر برز شيلر
ً
ماخر الذي وظف التأويل في الدراسات التاريخية واإلنسانية معا وهكذا تدرج التأويل
الفلسفي وأخذ ينحو منحى فهم النصوص األدبية ونقدها كما فعل غدامير وبول ريكور،
وبما الشك فيه فإن التأويل يذهب مذهب تطويع املنتوج اإلبداعي لخدمة املؤول وأفكاره
كما برز النقد اإليديولوجي بكونه طريقة لفهم النص والعمل اإلبداعي على نحو إيديولوجي
ً
وقد رأى بول ريكور أن النص عبارة عن رموز لهذا راح ينقب في املعاني والدالالت استنادا
ملفهوم الهيرمينوطيقا في تفسيره للنصوص الدينية وكذلك الدنيوية ،فالكتاب بمجمله
72
ريبرهبون
مسبوك بلغة تذهب للتلميح واستخدام التوصيفات ذاتية الفهم متعلقة باملعجم اللغوي
ً
للكاتب مثاال :ص „ 158القراءة الثقافية مفهوم عام يشتمل على استراتيجيات متنوعة
ومتعددة في مقاربة املمارسات الدالة تعمل في الحقل الخاص بها من منظور العالقة عبر
البريئة بالعالم" نضع إشارة على كلمة بريء ،التي استخدمها الناقد هنا عن نعت لصيق
ً
باإلنسان املتهم ،وهنا أيضا " القراءة الثقافية مدعاة إلى اإلعالن عن جثة القراءة النصية
الحريصة على تجفيف التواصل الرطب بين النص والعالم" نلحظ هذين التعبيرين جثة
القراءة والتواصل الرطب حيث يمكن توظيفهما في حقلي الشعر والنثر األدبي وليس
النقدي ،إذ لم يكن إدخالهما عنوة إال مدعاة إذكاء للغموض الذي يحيلنا ملا قاله
ً
البحتري في احتجاجه على الشعراء املتكلفين أو الغامضين حينذاك قائال:
تذكري ملا قاله البحتري يمكن قياسها على لغة الكتاب وإسلوب التطرق لقضايا التأويل
والتفكيك اللتين شغلتا الكاتب هنا في هذا الكتاب وهي محاولة مقتضبة ومكثفة من قبلي
لقراءته وهو إلى جانب غموضه فإنه حقق بالفعل املتعة الفنية وتحريك التساؤل في الذهن
ً
حول معاني ودالالت النص وتلك الرموز التي تستوجب منا جدية أكبر في فهمها بعيدا عن
التصحر البنيوي على حد تعبير الناقد حسين خالد ،حيث ال انطباعية ذاتية وال نقد
أكاديمي منغلق وإنما انتصار للتفكيكية وبيان قيمها دون مجافاة التأويلية كمنهج ،والدعوة
لرسم معاملها وإحياءها في التعامل مع النصوص الشعرية على وجه خاص في الحاضر
واملستقبل غير املنظور.
73
ً
حقيقيا كيف تصبح ً
كاتبا
النص املوضوع يثير التساؤل ،وينقاد إليه ،الناقد حين يقرأ الهواجس املتعددة بمتنها
وتتصل ببحث الناقد في خضم السرد عن الجماليات واإلشارة إليها واإلشادة بها وتقديمها
للمتلقي كي يكثر منها ويكتب أفضل منها ،إذن يقوم النقد النص ويأخذ باملبدع لطريق مشرع
بالنور والتجلي ،ينقذ النص من الوقوع في أسر
الفراغ والدوران حول الذات ،لينفتح على اآلخر ويعبد الطرق للولوج ألعماق حيواتهم
وهي نزعة تمثل بها الكتاب األوروبيون املتأثرين بالتحليل السيكولوجي الفريدوي كأمثال
فرجينيا وولف وجيمس جوبس ووليم فولر ،فمن إيجابياته أنه يعتمد الكشف ،حيث
يكشف الكاتب جان بابير بما في مكنونه بكل حرية
74
ريبرهبون
يسمى باملونولوج الداخلي ،يبرز الكاتب في متن هذا التداعي قضايا شائكة تخصه كفرد
وتخص اآلخرين كأفراد من مجتمع يعاني التهميش والفقر والضياع في متاهة األوهام
"ص „ 88هاهو عنترة يمتطي فرسه ،ينزل ،يركب ،ينزل ،يموت ،يعيش
.والتملق والزيف املكتظ بجوانب وأطراف املدينة دخان سيجارتي يتصاعد بينما أستند
بظهري إلى جبال بيستون ،قصة فرهاد وشيرين ،رائحة الغبار املتسللة إلى أنفاس ي من
وصايا زرادشت االنغماس في الشهوات الجسدية كبديل عن االكتئاب الذي ال حل له إثر
شعور عميق باالغتراب وانعدام وجود ديمومة واستقرار في طبيعة العالقة بين الرجل
واملرأة ص„ : 283لعقت كل جسدها ،بأنفاس ولعاب كاوية ،كأنني كنت أطهرها من ماء هللا
بما ال شك فيه فإن السرد ينطوي على كون شعري من الصور نذكر :ص42
75
ً
حقيقيا كيف تصبح ً
كاتبا
ما أروع نهديك ،كأنهما قبتان من البياض ،والحلمتان البنيتان ترفعان بابتهالهما نحو سماء
سواستيكا والظل العاري في قلب الناقوس ،يتدلى فوق فضاء رأسك والبخور يفصح عن
غطرسة احتالل املكان تلك املقاطع يكثر جان بابير في رصدها وتنم عن شاعرية حادة
مرهفة تنطوي على هيئة تالحم الحس ي .باملعنوي
مآخذ:
لشدة الرتابة في السرد الروائي وإغراقه بالطالسم والغوامض والتي تتسم بها القصائد
الرمزية عادة فإن املتلقي يضيع في لجة هذيان الكاتب وكتابته للشعر بمسمى الرواية مما
ً
يجعل القارئ أمام احتمالين ،إما أن يكمل القراءة للنهاية مستمتعا بالصور والتراكيب التي
قد يجدها بين فينة وأخرى ،أو أن يتوقف عن قراءة الرواية آلخرها ألنه لم يجد فيها ما
يشجع ،هنا أتحدث عن غياب الفكرة واملناخ املوحد بنظام معين ،ترابط الشخصيات،
واملغزى من السرد الذي يقفز على األحداث بطرائق غير منطقية وعلى نحو يكرر فيها
الكاتب ذاته ،بما الشك فيه فإن ما قلناه ال يقلل من قيمة العمل الفني على العكس من
ذلك فإن املرء قادر على أن يحفل بمناخاتها املجنونة والجذابة ويغض الطرف عن غياب
الحبكة والحكائية املختفية من بداية الكتاب لنهايته ،فتارة نجد السرد يستغرق صفحات
ً ً
طويلة متتابعة وفجأة نرى حوارا طويال ال يعلم فيه القارئ من يحاور من ،ال شخصيات
محددة وإنما سرد ينم عن سيرة ذاتية تنطوي على خواطر وأوجاع شخصية ،وتجارب
ً
جسدية(أوهايو-هيفاء) كبديل عن تجربة عاطفية صادقة لم تكتمل (نازو) ،أيضا يبرر
ً
الكاتب كل تلك الرتابة فيصف الناقد بالذباب الذي يحوم حول الوجه مبيحا لنفسه
مااليجب االعتراض عليه أو مالحظته ،وهنا يأخذ بنا لقضية القطيعة الشرقية بين الكاتب
ً ً
والناقد ،نظرا لغياب نقد حقيقي موجه ،وانشغال بعض النقاد كيدا بحروب عبثية مع
76
ريبرهبون
الكتاب ليس هدفها الحث على أعمال ذي جودة وإخراج املبدع من قاع تكرار الهفوات إلى
ركن التجلي بالجمال واإلبداع املتمايز عن سواه ،مما يضعنا أمام مكاشفة موضوعية
بضرورة اإلنصاف واإلشارة إلى الزلل وكذلك ملواضع الفرادة إن وجدت ،نجد تكرار لكلمة
جاوبتها ،واألفصح أجبتها ،نذكر ذلك في مواضع هنا ص 17جاوبته ببرود ظاهر ،ص49
ً
جاوبته :الش يء مازلنا في صراع ،ص 50قاطعته مجاوبا.
ال خالف على أيهما أصح أجاب أم جاوب وإنما تكرار ذلك لم يكن ليعبر عن ش يء -
ً
وإنما ال يكون محبذا في الحوار ويضفي عليه رتابة تشعر القارئ بامللل,
77
ً
حقيقيا كيف تصبح ً
كاتبا
ً
يمكن فهم هذه الرواية التي تنطوي على نصوص ،قصائد ،خواطر ،وقصص قصيرة جدا
بهذه الطريقة وهذا ما ِّملت إليه في دراستي لهذه الثالثية الكاشفة عن هدير في أعماق الذات
ورغبة عارمة في فهم الجمال على الرغم من تكالب القبح والقيح في كل مكان وزمان ،وبهذا
آمل أني قد نجحت في عرض جوانب من السرد
.والتداعي الحر ملا فيه من ألغاز يمكن اإلحاطة بها من باب طلب املتعتين الفنية والجمالية
78
ريبرهبون
السخرية هي املادة األبرز الذي يحكم فضاء مجموعة الرجل الحامل لحليم يوسف وهي
ً ً
باكورة أعماله القصصية التي صدرت في عام ، 1991والعنوان يعد ملفتا وجاذبا ويدعو
للتساؤل ،وقد استمد الكاتب من البيئة التي عاش فيها وكذلك من الشخصيات التي
أحاطت به كأدوات يسترسل ويحلق من خاللها ،حيث تطفح في القصص السخرية الالذعة
والنقد الصارم لطبائع الناس وطريقة عيشها وسلوك بعض أفرادها وجهلهم نتيجة طبيعة
الجغرافية والنظام السياس ي الذي فرض حياة معقدة يعاني ناسها من شظف العيش
ومشقة الحياة والعزلة ،ولعل السخرية والكوميديا في نقد الناس آليتان يتسم بهما حليم
الشاب املتوقد والذي اتسم داخله بغليان متوثب ورفض ملا هو سائد عبر قصص واكبت
ً
روح املجتمع وتجولت في أروقته :متفحصة سحنات الشخوص ممن أثروا فيه إن سلبا ُُ أو
ً
إيجابا ،ففي نظرة لعناوين القصص نجد اآلتي
رفسات الحمار األبيض :الحمار رامز للبالدة البشرية والحنق على القيد املتربص -
بالناس ممن يعيشون .
في رقعة هامشية على الحدود صفقة مع عزرائيل :كوميديا تعج بالرموز الغامضة ،راحت
القصة تحلق في فضاء فني ساخر وساحر تهكمي مع غياب الفكرة وحضور اللغة الفنية
الرجل الحامل :نقد لحالة الخنوع ص : 31باختصار شديد من يرفع ساق أمنا فهو أبونا
وازدراء راح الكاتب يعبر عنه عبر الوصف الجسدي للشخصية املزدرى منها دواليب
الصوفي دوالب:نقد الزوداجية رجل الدين ومزاجيته التي يطوع ما يعتقده حسب هواه
79
ً
حقيقيا كيف تصبح ً
كاتبا
ً
اللحية الطائرة :يستمر الكاتب في تعرية االزدواجية املقيتة لدى رجل الدين انعكاسا لرداءة
الحياة االجتماعية واالنغالق السائد لدى الناس وحاجتها لقوة غيبية تجعلها تشعر أنها على
ما يرام إزاء واقع عص ي على التغيير العنزة الغامضة :يتحدث عن ذلك الصوفي أسير الزواية
،والذي يعاني من شذوذه واضطرابه املتفاقم.
واهتمام اآلخرين به ومحاولتهم في كسب وده ،ونجد في هذه القصة غلبة الوصف النفس ي
والجسدي على شخصية الصوفي وحشو ذلك الوصف بالسخرية والتهكم مع حس واضح
للكوميديا وكأننا أمام مشهد حكائي ساخر هدفه إذكاء الحواس في فهمها ملا يجول في مخيلة
الكاتب وروح االسترسال السردي لديه رجل متعدد األيدي :ينشغل الكاتب في مالحقة العهر
املنهي لرجال التقية والوعاظ ويكشف عن صور قاتمة من الجهل والتجهيل واستغباء
ً
الناس ممو يستيقظ من املوت :هنا الكاتب ينتقل إلى جو مغاير نسبيا لتتم املواجهة بين
العاشق واملتآمر ..فيستحدث حكاية مم وزين على نحو أكثر عصرية حيث تنقلب اآلية في
هذه القصة على نحو انتصار التآمر على البراءة.
80
ريبرهبون
األول يشير إلى تقسيم كوردستان ما بين الصفوية والعثمانية بعد معركة جالديران بينهما
واآلخر متعلق بهزيمة العرب من قبل إسرائيل ،حيث يضيع املنفلش ما بين تاريخ مجهول
لشعب بال دولة وآخر قائم بحكم وجود دول عربية.
عطلة األوكسجين :نقد لطريقة فهم الناس التقليدية للدين ،مرتبط ببدع غير معروفة
تتحلق حول يوم -
الجمعة ص„ : 178جاءه الصوت يشق السماء نصفين -،اليوم جمعة ..يوم عطلة ..عطلة
األوكسجين
!عطلة...عطلة
السيرة الذاتية لحذاء :إحاطة لرمزية الحذاء وهو يشير إلى الغنى ،املكانة االجتماعية،
السلطة والذل -
رمزية األرجل تتحلق حول اإلمكانات املادية وبدونه يستحيل بقاء الحب في مجتمع الفقر
وضحالة الفكر.
81
ً
حقيقيا كيف تصبح ً
كاتبا
استنتاج:
من خالل موضوعات هذه املجموعة حول النقد الساخر لجملة املفاهيم االجتماعية
وسلوكيات األفراد ،يمكن فهم طبيعة الحياة في التسعينيات في زمن الصمت املطبق
والخوف من الرقابة وتفش ي انعدام الثقة وتفكك الروابط وكذلك البيئة بشخوصها
ً
املتباينين إلهاما للكاتب فجاءت عباراته مرمزة ملغومة تسبر األغوار عن حياة تعاش بشق
األنفس وتعكس طريقة تفكير الكاتب أنذاك وغليانه الداخلي والتي راحت النعوت تفصح
.عنها في معرض تطرقه للشخصيات ومسارات حياتها مآخذ غابت الحبكة الحكائية في
نسيج تلك القصص واختفت الفكرة املحددة في متاهة الوصف والسرد على طريقة
النصوص األدبية الهجينة ما بين القصة والخاطرة ،كذلك اإلفراط في التخييل حقق املتعة
ً ً
الفنية املتعلقة بتقنية اإلدهاش عبر التشابيه وطغيان ذلك على نحو متكرر أخذ حيزا كبيرا
ً
على حساب املغزى الذي ظل مبهما.
خالصة:
الرجل الحامل هو بداية ولوج الكاتب لفن القصة وسبر الواقع وإعادة صهره بقالب فني
ً ً
أضفى على اللغة تمايزا واضحا عن القصة القصيرة التقليدية والبيئة تمثل لدى الكاتب
ً ً
إلهاما واضحا عبر عنها بصدق وكانت له متكأ في التعريف بهويته األدبية للعالم واآلخر.
82
ريبرهبون
تتكئ هذه املجموعة على حقل فريد من املناخات الهادئة والصور الشعرية املتجانسة
ً
وتجمح نفسية الشاعر إلى الطبيعة لتعبر عن توق املرهف لالندماج بالوجود استنادا على
املبهم واملتخيل لفهم الحياة على طريقة الغنائيين الرومانسيين ممن يجدون في محاكاة
الطبيعة والتماهي بها مبتغاهم ،فيرسمون ما يشاؤون من لوحات ويتابعون مكوثهم
ً
وانغماسهم بالطبيعة واالنشداه لها ،حيث يعلو عنوان املجموعة هادرا في سماء الحب ،
فالصمت واألزل ،األبدية ،والصوت يلخصان جدلية العاشق في تعبده للجمال في شخص
املرأة املعشوقة ،حيث أحسن الشاعر انتقاء العنوان وامتهن االنزياح والغموض الشفاف
الذي يلعب على حبلي الوضوح والغرابة وهكذا يبدو املشهد الشعري في حالة دائمة في عقد
مقاربات انزياحية وداللية ما بين املعاناة الشعورية واإلفصاح عنها في حضرة الطبيعة،
حيث ينجذب الشاعر أللوان بهيجة وشديدة اإلضاءة ويشرك املتلقي القارئ أو الناقد في
استرساله املحبذ في وصف النتاج الشعري بكونه بوصلة نحو املكان وأثره على املكنون
الداخلي للشاعر لنقرأهنا ص :13اللقلق مختل بذاته فوق برج السريان في الدرباسية وبوم
يعتلي شامخ غرائبي كالهما يتحاوران بالنظرات حول مقتلي يتساءالن عن قاتلي ورابعنا
ملئذنة الجامع تطلق النفير كلما مال بنا النعاس"الرفد املعرفي الديني لدى هوشنك أوس ي
تعبير" ورابعنا مئذنة " ،تنقلنا لسورة الكهف" ورابعهم كلبهم إلى جانب هذا االنزياح املشير
ً
لعالقة الكاتب املرمزة مع مسقط رأسه مبرزا التعددية األثنية والدينية في مدينته
ً
الدرباسية ومشيرا إلى القاتل والقتيل "هو" ليحدثنا عن شعور الحنين واالنتهاك الداخلي
83
ً
حقيقيا كيف تصبح ً
كاتبا
اللذين ال يبرحان الشاعر أينما حل ،حيث يميل هوشنك أوس ي للتعريف في مطلع بعض
قصائده هنا ص: 24
ص38
ص59
النورس في اضطراب
ص68
الظن عليل
ً ً
ليشير في ذلك إلى ثيمة التوصيف التي تتربع هاجسا شعريا في ذهنه ،الهتمامه باملكان كونه
سر الشاعر ودليله إلى التوغل باملاض ي ومصائر البشر ،حيث يفصح في هذا الديوان على
كم هائل من التأمالت التي تخص عالقة :الشاعر باملكان ،كون املكان روح كما قال نزار
قباني.
84
ريبرهبون
85
ً
حقيقيا كيف تصبح ً
كاتبا
صدرت عن دار خطوط وظالل األردنية رواية جمهورية الكلب للكاتب الكردي ابراهيم
اليوسف سنة 2020والكتاب يقع على 364صفحة من القطع املتوسط ،ويمكن النظر
ً
للرواية هنا بكونها نقطة فاصلة بينها وبين ما كتبه الكاتب مؤخرا كرواية شارع الحرية
وشنكالنامه ،فهنا استثمار مغاير للغة وانتقال متميز من مشهد آلخر ،وتقلب متقن ما بين
عالم القصة والسيرة الذاتية ،وهذا الخلط ما بين الفنين من سمات الرواية الحديثة والتي
ً
خرجت عن تقاليد الرواية التقليدية ،وهذا ما يعتمده املغترب الوافد للبلد الجديد ،نظرا
ً
لصعوبة التأقلم فإنه ينزع للماض ي ويستجر أحداثا حصلت معه منذ سنوات طويلة،
ً ً
وهكذا تغدو الرواية وعاء بل أرشيفا ذاتيا للروائي نفسه ،فهو ابن تجاربه وشاهد عيان
أمين لحقبة معينة ،فالذي نكتبه ال يمكن نسيانه واألشياء التي ال يتم تدوينها تبقى عرضة
للنسيان مع الوقت ،فال حدود فاصلة حقيقية ما بين السيرة الذاتية والرواية ،حيث أنهما
تتقاطعان في العديد من التفاصيل والنقاط ،فال يمكن التخلص من التراكمات النفسية
واملعنوية إال عن طريق الكتابة وبما أن الرواية الحديثة عالم واسع ورحب ويمكن أن
ً ً
يستوعب بدوره الكثير من الفنون السردية فإنها قادرة بمكان على أن تكون معينا كبيرا
يحتوي في طياته على العديد من األفكار ،التصورات وأثر األشخاص في صناعة الذات
ناهيك عن الجغرافيا وتبدلها عبر الزمن ،حيث القاسم املشترك بين الرواية والسيرة
الذاتية هو السرد بما يحمل من إرهاصات وأحالم وتداعيات ،فمهما اتسعت دائرة الجدل
بين النقاد حولهما ،فإنهما هنا في جمهورية الكلب كأنموذج حي ومباشر أعطيا اللغة
ً
األسلوبية حصانة بالغية في أن هذه اللغة استطاعت النفاذ بعيدا إلى الذهن واملخيلة
86
ريبرهبون
87
ً
حقيقيا كيف تصبح ً
كاتبا
العاملين لدى اآلغا ،ولعله العم سينو ،هناك لصوص الذاكرة خبز الرواية والوقائع ،
ً
األحداث ،والحوارات مادتها ،فقد ظل ابراهيم اليوسف بمعرض تذكره للماض ي ومحلقا
ً
بأفقها الرحب بال هوادة ،راسما العديد من الصور والحكايا على هيئة شريط سينمائي
يمض ي على هودج السرد بال توقف.
-الحوار الوامض وأثره في رسم املكان من بعض حوارات البطل مع بيانكا ص53
" قلت لها :ال أطيق الفلسفة املركبة ،فلسفتي في الحياة بسيطة ،إنني أنفر من كل ما يقبل
التأويل تتسم الحوارات بالشاعرية والعمق وتفصح عن رغبة ما في إشادة الجسور ما بين
عاملين ،بيئتين عبر إنسانين لهما تجارب نفسية حياتية متباينة.
ص „ : 128ألقت نفسها على األريكة قربي ،كان قلبها يخفق ،ثم دفنت وجهها املستدير في
صدري ،وهي تدغدغ رقبتي ،وجهي ،شعري بأصابعها ،أنزلت راحة يدها الساخنة على
بطني ،سرتي ما تحت بنطالي تحت سروالي الداخلي ،توغلت أصابعها إلى عضوي الذكري،
كان في سبات غريب هذه الرسائل تتسم بأنها أحادية ،بيانكا تستدرجه للمتعة الجسدية
بينما هو يخاف من الكالب ،ويتذكر ما يسترعي هذا الخوف ،هذا الفزع من الكالب مرده
إلى املاض ي الذي يحاصر بطل الرواية ويدفعه لالستسالم والهروب.
88
ريبرهبون
ً ً
ص„ :139الخوف أكبر اضطرابا ، !..قلتها بيني وبين نفس ي وأنا أضحك ،لقد كان خوفا
ً
عظيما ،لم يحدث " أن صرت في مواجهة املوت أكثر من الليلة حيث اللغة مشتعلة بالذعر
والقلق ،يكاد الكاتب يبحر خارج الواقع الجديد ويستنجد بوقائع من املاض ي يستعيدها
ويدثر من خاللها عظام الروح العليلة ،فالخوف هو الدوامة واملتاهة التي ال ينفك عنهما
الكاتب وهو يقود الشخصيات إلى مقاصلها الشاحبة واملميتة ،في إشارة إلى األلم الجسدي
ً
وما يعكسه على الروح .املعلولة مذ خرجت قسرا من بالد الحنين.
ص „ :270إنه ضياع أول صديقة لي في هذه الغربة ،إنها أول وآخر صديقة في هذا املكان،
فال يمكن أن أجد أنثى في هذه الغربة القاسية الطاحنة ،تتقبلني وأنا بكل هذا البرود الذي
أعاني منه ،بكل هذا املزاج الس يء ،بكل هذه الصالفة ،بعد أن كان وجود أنثى في عاملي
ً
يمنحني عنفوانا يكفي إلحداث أعظم زلزال في " فضاءات قلبي وروحي ووجدان"
إن الغرابة تسود السرد حيث اللغة اليائسة واملتأملة والباحثة عن أنيس أو عن فكرة مريحة
من بين العديد من األفكار الحائرة وتبحث في طيات النفس عن صداقة دائمة في عالم
يكتظ باملتغيرات.
89
ً
حقيقيا كيف تصبح ً
كاتبا
يمكن فهم هذه الرواية من زاوية تلخص عالقة اإلنسان بذاته ،بما يحمله من وفاء لألماكن،
للشخوص ،للماض ي ويحاول إيصال رسائل متعددة تنتصر على اختالفها لقضية اإلنسان
املقموع والذي يعاني من صعوبة االندماج والتركيز مع املحيط الجديد الذي اضطر للجوء
إليه جمهورية الكلب هي الرواية املمتعة والتي تنقل املرء بال شك لعوالم يحتاجها ليتغير من
خالل مالمستها له ،والفن هنا دعوة لفهم الحياة من كونها الفضاء الرحب والحقل املثير
والخصب لعديد البشر املرهفين والحاملين في ذواتهم مشاعل الحركة واألمل في التغيير
نحو األفضل
28.08.2022
90
ريبرهبون
تمهيد:
ً
لعل وراء التطرق لوباء كورونا مواضيعا سياسية اقتصادية تكون عادة من دواعي الوقوف
عندها حينما يتم الحديث عن الوباء ،كما رواية خفافيش كورونا للكاتب العراقي ابراهيم
رسول ،حيث راحت تنقد الوضع السياس ي العراقي وحالة الفساد والجهل السائدتين ،أما
ابراهيم اليوسف في روايته هذه جرس إنذار ،أخذ يعاين بادئ ذي بدء ردة الفعل العاملية
ملواجهة الوباء والضحايا الذين كابدوا املرض ولقيوا حتوفهم ،مسنون أطباء ورجال في
ً
مقتبل شبابهم ،حيث ركز الروائي كثيرا على الجوانب اإلنسانية وعالقة الناس ببعضهم
ً
بعضا والتغييرات التي رافقت حياة الناس منذ بداية انتشار كورونا وتوسع نطاقه وأثر ذلك
على املجتمع ،حيث نجد أن كورونا غزت السينما فراح فيلم Stuk togetherيجسد
املأساة اإلنسانية في شوارع مدينة باريس الفرنسية والتي باتت خاوية من الناس نتيجة
الفزع والصدمة.
العزلة والخوف:
في ص„ : 321تصور :أمس لم أنم ألسباب كثيرة أنباء عن إصابة صيادلة وأطباء من الوطن،
صديقتي الدكتورة ناهد ابنة السويداء ماتت أمس بسبب التقاطها فيروس كورونا ،حزنت
ً
عليها كثيرا ،والدها استشهد برصاص أزالم النظام نتيجة الفتنة التي سببها بين أهلها في
91
ً
حقيقيا كيف تصبح ً
كاتبا
البلد ،شقيق لها اختطف من قبل الراديكاليين ،وال أثر له ،زوجها مصاب بفيروس كورونا
وهو في حالة غيبوبة السرد طغى وتجبر واستطرد وراح يشير إلى حيث تمتد ذهن وأفكار
ومخيلة الروائي إلى الحياة في زمن طغيان العلة على النفس اإلنسانية والجسد اإلنساني
ً
معا ،وحياة اإلنسان إن في املنفى أو في الوطن ،وطرق املواجهة لهذا األلم الالهب ،بتلك
اإلمكانات الضئيلة واملتاحة وكذلك حالة التردي السياس ي الذي ضاعف األعباء على
الكاهل وباتت أثقاله جمة إلى جانب شح املوارد واإلمكانات وجنون النظام السياس ي القائم
ً ً
وهيمنته على اإلنسان ،جعل ذلك من الوباء سيفا مسلطا فاملوت ،االغتيال ،االعتقال،
التعذيب إلى جانب العدوى وجهل مواجهته جعل ما تبقى من املجتمع السوري مشروع موت
ً
مؤجل ،حيث نرى على الطرف املقابل الكاتبة األمريكية إملا والتز البالغة من العمر 91عاما
تتحدث عبر مجموعتها القصصية تحت عنوان :هذا اليوم امرأة أصابها الجنون في السوبر
ً
ماركت تعرض أحداثا متصلة بالوباء الذي اكتسح العالم ،ولعلها في ذلك تشارك هواجس
الكاتب ابراهيم اليوسف في أن الكتابة متنفس ووسيلة للخروج من الحزن ،حيث الهرب
لالنشغال بتفاصيل حيوات الناس الصغيرة ،ذلك مثل ديدن الكاتب في كتابته لهذه الرواية
وعالئق البطل بما حوله ،وتأثير تصرفاته عليهم ،بل وحثهم على األمل على الرغم من أخبار
ً ً
املوت والنعوات هنا وهناك ،لهذا لم يكن السرد ممال أو رتيبا ،ظل يرسم املكان والزمان،
والناس من منظار ضمير املتكلم.
كورونا والسياسة:
ً
نتأمل هنا ص 295العالم كله وقف عاجزا أمام فيروس غير مرئي ،أصغر من رأس الدبوس
بآالف املرات ،تعلق زوجتي .
92
ريبرهبون
بصوت يكاد يكون غير مسموع ،بطر وغرور وال مباالة تجاه اآلخرين ،لقد أرسل هللا
الفيروس كي يعلم كل منا أنه ضعيف أمام إرادة خالقه.
لقد أصاب الفيروس أكثر من 67مليون شخص ،وبالتالي فإن تأويالت بعض الناس عن
أسباب انتشار الفيروس كثيرة ال حد لها سواء من دعاة نظرية املؤامرة أو من عامة الناس
،إذ قال بعضهم أن الفيروس غضب إلهي ،فالوباء حال بين الناس واحتفاالتها ،انتخاباتها،
ً ً
ومناسباتها ،فباتت العزلة مطلبا صحيا وقائيا ودونه يعني زيادة العدوى وانتشارها بكثرة..
حيث تنطوي الرواية على كون وجداني تأملي ،يطرح التساؤالت بعين مجهرية تارة وبعين
التواردات الفكرية املنبعثة من الناس إزاء معايشتها للظروف واملستجدات الجديدة ،والتي
دفعتها لخيارات متعددة املغزى منها التفاعل مع الجديد بطريقة ممكنة دون أن تصطدم
النفس املعلولة بعائق الفناء ،والفناء يمثل التحدي األكبر بالنسبة لتلك النفس ،فوراء كل
رغبة في اإلبداع رغبة للحياة ،وفي ذلك رؤية ملمارسة التشافي عبر الكتابة حيث يعتبر ذلك
ً
خلودا ما إلى جانب الجنوح نحو التكاثر الجنس ي ،فاإلبداع وممارسة الخلق مطلب نفس ي
رفيع وتعبير عن الذود واإليثار واملحافظة على قيمة البقاء الفردي ،إزاء مواجهته لكافة
األدران والتشوهات املعترضة طريق املعرفي الطامح.
الحالة اإلنسانية هنا طافحة في متن السرد ،البطل وهو يمد جسوره مع الجميع ،آال ،
مهاباد ،روهالت ،لكل منهن قصة ،ذات تتوجع على حدة ،آال الطبيبة الطموحة املحاولة
ً ً
اكتشاف مصل أو لقاح لكورونا ،وهي األكثر قربا وسطوعا في حياة بطل الرواية ،الذي
يسرد الحكايا واملواجع على نحو ذاتي ،يؤرقه في ذلك شعور املوت ،ومعاناة اآلخر ،فالبطل
يمارس اغترابه الفردي عبر حلول ذاته في الجماعة بيد أن إحساسه ومجاورته لألنثى يبعث
93
ً
حقيقيا كيف تصبح ً
كاتبا
ً ً
في نفسه شعورا صاعدا بالذين يعانون حيث نقرأ هنا „ :شعرت بحرج جد شديد ،لم أقل
ً
يوما مثل هذا الكالم ألحد ،قبل زمن كورونا ،السيما مع أنثى استثنائية ،وفية عاملة ،
مخلصة بيننا ما ال أستطيع حتى اآلن فك شيفراته وطالسمه كما ينبغي؟
حيث يميل البطل هنا للحب املتشح بالكتمان والكثير من اإلعجاب بعبقرية وطموح األنثى
في زمن الوباء ونلحظ إشادته املتكررة لتلك الوثبات والطفرات الفكرية للمرأة إلى جانب
الرجل ،هذا الكفاح العصيب برهن حالة التشاركية الجنسوية حين تواجه امللمات
ً ً
والظروف وقد مثل ذلك التصالح الروحي مسلكا واضحا في هذه الرواية عبر مواجهة تلك
العزلة الصعبة.
94
ريبرهبون
إن االنتقال بين املشاهد واألمكنة وحيوات الناس جعل املرء يحس أنه أمام عامله الخاص
هو ،ذلك العالم املليئ بالشغب واملشير إلى اكتظاظ هذا الكون بكل معضالت وفضالت
البشر وصراعاتهم على مدى الدهور ،املاكثين على سطحه والعاملين بفناءهم املرتقب،
لكنهم يزرعون الكثير من الرغبات على شكل صراعات ويزاولون التدمير الذاتي وهكذا يمكن
فهم البناء اإلبداعي كردة فعل مسؤولة على التصحر واالنتحار ،ونجد الرواية بمثابة النبتة
ً ً ً
سريعة النمو والتفرع ،جرس إنذار راح الكاتب فيه قارعا ناقوسه موغال في الوجدان عميقا
ً
وموقدا نار التساؤل تحت ِّقرب الظن والتخوف من اآلتي ،حيث املوت وخبر توارده وذلك
الفقدان املستمر قض املضجع وجعل البشر في حالة تأهب قصوى ملوت راح يفتك بال
حسيب أو رقيب بكل الذين لهم معضالت صحية أو مناعة أقل ،وال شك أن الرحلة على
ً
صعوبتها وتشعبها مث لت بعدا آخر لفن الكتابة لتنبثق عن سرد مشرع األفق على صنوف
األساليب وهنا أعطى الكاتب مساحة رحبة للمتلقي ليبحث فيها عن معنى ،أو مغنى بين
أسطر ممتلئة بأصوات وعذابات أناس ال ينفكون عن الدوران كاألرض في سبيل مداراة
لحقيقة واضحة تحيطهم إحاطة السوار باملعصم.
95
ً
حقيقيا كيف تصبح ً
كاتبا
ريبر هبون
ريبر عادل أحمد كاتب ،شاعر وناقد كوردستاني سوري( ،ولد في مدينة منبج
صدر أول ديوان شعري له في عام 2016بعنوان "صرخات الضوء" ،تالها أول عمل نثري
نقدي له في عام 2017بعنوان "أطياف ورؤى ويعتبر كتابه الثاني ،من ثم قام بتجريب
كتب مشتركة منها لكتاب جوقات كوردستانية املشترك مع الشاعرة بنار كوباني وديوان
شعري باللغة الكوردية بعنوان ". Qêrînên roniyêصدر سنة2020
ثم توالى في طباعة كتب أخرى ككتاب فك املرموز في روايات حليم يوسف ،تناول فيها الكاتب
تجربة حليم يوسف في حقل الرواية ،بعد ذلك قام بنشر كتاب نقدي آخر تحت عنوان
دالالت ما وراء النص في عوالم الكاتب محمود الوهب ليقوم بعد ذلك في طباعة عمله
ً
الفكري الشهير تحت عنوان الحب وجود والوجود معرفة ،ويعد كتابا في مجال التنظير
الفلسفي حول فكرة اتحاد املعرفيين وبعث الرابطة العقلية وكيفية إحالل العصر املعرفي
باالستفادة من القفزات التكنولوجية في مجال التواصل االجتماعي وتحقيق التبادل املعرفي
على مستوى الوجود باالستفادة من نظام العوملة واستبدال الربحية باملعرفية التي تهدف
لصون الوجود من الكوارث الطبيعية والكوارث التي يصنعها اإلنسان بواسطة الحروب،
كما قام بطباعة كتاب آخر باللغة الكردية تحت اسمRewrewkên xwînî
ً
كما أعد كتبا في مجال الحوار واملناظرة ونشرها ككتب الكترونية
96
ريبرهبون
عمل في مجال الصحافة وقام بإصدار عشر اعداد من صحيفة الحب وجود والوجود
معرفة االلكترونية-
أسس دار نشر الكترونية تحت اسم تجمع املعرفيين األحرار الذي نشر العديد من الكتب
باللغتين الكردية والعربية
شارك في
97
ً
حقيقيا كيف تصبح ً
كاتبا
سيرته
له العديد من املقاالت الفكرية واألدبية والنقدية في عدة صحف ومواقع إلكترونية ،أولها
املقاالت الفكرية السياسية بعنوان "الحب وجود والوجود معرفة" املنشورة في الحوار
املتمدن ،مركز النور ،وصحيفة املثقف عام ،2014كذلك محاضرات فكرية وأماس ي
شعرية باللغتين الكردية والعربية على اليوتيوب منذ عام . 2013
أعماله
شهادت عن الكاتب
"" ريبر هبون" شاعر وناقد شاب يملك تجربة أدبية غنية في مختلف مجاالتها أثبت خاللها
حضوره على الساحة األدبية في
الباحث االجتماعي والشاعر "حسن خالد" قال عن تجربة األديب والناقد "ريبر هبون"« :إن
معرفتي باألستاذ "ريبر" لم تكن وليدة املصادفة فقد تعرفته في مجال العمل فكان أسلوبه
في الحديث هو الذي شدني إليه وملا تعارفنا بدأت عالقتنا بالتقدم.
األخ "ريبر" لديه مشروعه -وهو مصدر احترامي له -شعره ونقده وكتاباته كلها مسخرة
ً ً ً
ملشروعه الذي يحمل بعدا إنسانيا عميقا وله أسلوبه اللغوي املفعم بالخصوصية واليسر
ملن يحاول قراءته وتتبع كتاباته ،كما أنه يتميز بمرونة كبيرة في املحاورات والجداالت -إن
شئت -دون أن يستسلم لفكرة خصمه مجرد االستسالم حيث يحاول إيصال رسالته
98
ريبرهبون
ببعدها اإلنساني العميق ويمقت التعصب بأشكاله ،يسمو ويصبو نحو املستتر اإلنساني
الذي نفتقده في يومياتنا وتفاصيل حياتنا».
واكبت قلمه املوظف لناحية وجودية بحتة على مدار سنوات في عالم افتراض ي لم يقسم
لنا اللقاء ،وربما ألنه ابن بلدي /كوباني /خريج تلك البيئة املتقشفة الخاوية من متارف
ً ً
الحياة ومتاعها ،والتي لم تكن حائال بينه وبين السمو نحو االبداع والتأمل والسبر عميقا في
األقانيم واألطياف ،باتت املآس ي التي ملستها في قراءتي املتواضعة لتلك النصوص /اذ أرى
نفس ي أبسط من أن أقدم قامة أدبية سامقة ك -ريبر هبون -بنار كوباني – موقع تجمع
املعرفيين األحرار – مؤرشف في -17يونيو2017 -
99
ً
حقيقيا كيف تصبح ً
كاتبا
الفهرس
اإلهداء 3 ..........................................................................................................................................................................
ً
أثر الوضوح على الرواية (أرواح تحت الصفر "أنموذجا"ألفين أوسو) 4 .......................................................................
غصن على متن "السراب ورحلة توثيق" الوجع للكاتبة نوجين قدو 37 .........................................................................
قراءة في ديوان النبض املرهق للشاعرة الكردية ندوة يونس 39 ...................................................................................
قراءة في وجع "طفل يلعب في حديقة اآلخرين" لجان بابير 50 .......................................................................................
قراءة موجزة في مجموعة "رجالة باالسم" للكاتبة السودانية مها مقداد53 .................................................................
100
ريبرهبون
مالمح االلتزام القومي في رواية انبعاث في أغوار الجبال ليحيى سلو58 ........................................................................
نظرة في مرموز الحزن في ديوان كمآذن ألفت مراثي الريح للشاعر أحمد عثمان 62 ....................................................
الكتابة الساخرة لدى حليم يوسف في مجموعة الرجل الحامل 79 .............................................................................
(ال أزل إال صمتك ،ال أبد إال صوتك) 83 ......................................................................................................................
جمالية السرد في رواية جرس إنذار للكاتب الكردي ابراهيم اليوسف 91 ....................................................................
101