You are on page 1of 2

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫دراسة نقدية فى رواية نصف زوجة نصف عشيقة للكاتبة ‪ /‬رشا ابراهيم‬
‫هناك مقولة أعجبتنى فى علم الرواية تقول ‪ :‬أن الحياة رواية لم تكتب بعد ‪.‬‬
‫وأول ما اتحدث عنه اليوم هو المنظور الروائى الذى هو عبارة عن وجهة النظر التى يعتنقها الكاتب ويريد أن يطرحها‬
‫فيما كتب ‪،‬حيث أن كل أديب شاء أم أبى يهدف إلى طرح نسق فكرى ربما يعكس موقفه من الكون والطبيعة والحياة‬
‫اإلنسانية ‪،‬وعلى هذا فالمنظور الروائى هو مركز الدائرة التى تدور حوله األحداث التى يشكلها الكاتب وصوال إلى وجهة‬
‫نظر أو رؤية تمثل المثير األول المقصود بالكتابة تعبيرا عما يرى ويعتقد عسى أن تصل إلى للقارىء ليبقى لديه منظور‬
‫خاص كمتلقى بعد االنتهاء من القراءة ‪،‬وللحق والحيادية فهناك من الكتاب من يطرح قضية ما أو فكرة بقصد أن ينفيها‬
‫أو يزدريها ‪،‬وحين أود العرض لمفهوم رواية اليوم ‪،‬فهذا ال يتطلب فهم شخوصها فحسب ‪،‬بل يمتد ليطال فهم الحوار‬
‫المتوقف بدوره على فهم اللغة التى هى مسألة حيوية لفهم الرواية ‪،‬فما يقوله المؤلف هو دوما مطابق لما أراد أن يقول‬
‫‪،‬لذلك فإن اإلصغاء الجيد للغة الحوار مضافا إليه مراقبة أفعال شخصيات الرواية هو المعول الرئيسى للفهم الصحيح‬
‫ألهداف العمل ومن ثم معناه وفلسفته وقوفا على ما تبقى منه ‪،‬وقبل الشروع فى نقد رواية اليوم ‪،‬تحضرنى مقولة‬
‫الكاتب ( فرانك كالرك ) أن النقد مثل المطر ينبغى أن يكون يسيرا بما يكفى ليغذى نمو اإلنسان دون أن يدمر جذوره ‪.‬‬
‫كما يقول الكاتب السورى (عبد الكريم بكار ) أن جزءا أصيال فى كل طرح وكل نظام عظيم يكمن فى قبوله للمراجعة‬
‫والنقد واإلنماء والتغيير ‪ ،‬فمن يقرأ رواية نصف زوجة ونصف عشيقة لألديبة (رشا ابراهيم ) يشعر أنها تمتلك رؤية‬
‫خصوصية وأمداء فكرية واسعة ال ينقصها سوى تأطيرها باإللمام بتقنيات الرواية ‪ ،‬فبرغم أن الرواية تحدثت ورصدت‬
‫مشاكل األنثى ومعاناتها العديدة التى قذفت بها كما أسمتها هى فى متاهة أنثى ‪،‬إال أننى أرى أنها عبرت عن انتكاسات‬
‫اإلنسان وليس األنثى فحسب كما سنجد معا على صفحات العمل ‪،‬حيث أن فضاءات التخييل عندها جاءت مطلقة متحررة‬
‫من قواعد الحياة الشرقية ويحسب لها هذا ‪،‬فالفن الجيد هو ذلك الذى يكسر المألوف والمتعارف عليه ليخلق الجديد فى‬
‫منطقته الخاصة التى يقتنع فيها القارىء وفق اإلطار الذى يحوط المتن تناصا مع معطيات األدب الالتينى‬
‫واألسيوى ‪،‬وبالحديث عن الفكرة الرئيسية و التيمة نجد أنهما متشابهتان عندها ‪،‬هنا قد نجحت فى إمدادهما بالروح‬
‫الالزمة لمنح الخصوصية للعمل ‪،‬فنجد معها أن مفاتيح الولوج للعمل جاءت من عتبة الغالف إلى عتبات العمل المتعددة‬
‫داخل الرواية كما سنشير إيماءا إلى المستنهضات العصرية للواقع المتغير ‪،‬فأضافت عالقات أصلية وأخرى فرعية‬
‫بين الشخصيات وتركت عناصر الرواية تعمل فى تلقائية وبساطة دون قيادة وترتيب وقد يشى ذلك بخبرة غير كافية‬
‫إلنتاج رواية ‪،‬فالحظنا من خالل االستهدافات التأويلية للشخصيات جاءت الدوال المركزية المرتكزة على تناصات أسرية‬
‫ومجتمعية لعل هذا هو الملمح الرئيسى األكثر إيجابية عندها كنقطة انطالق جيدة للعمل فيما هو قادم ‪.‬‬
‫ومعا إلى متن الرواية التى هى رواية اجتماعية وقعت فى تسع وخمسون صفحة من الحجم المتوسط ‪،‬لنجد أن الذات‬
‫الساردة أوال ( تولين ) هى ذات صديقة البطلة (نور) ثم بعد انتهاء قصة تولين تعود الكاتبة إلى الذات الساردة الرئيسية‬
‫( نور ) لعرض قصتها وتتصاعد األحداث والحبكة ‪،‬ثم الوصول للمنطقة الكاشفة للعودة مرة أخرى للمربع رقم صفر‬
‫والخفوت وإذ يلجأ الكاتب إلى ذلك ربما ذلكم الجنوح ليس فى صالحه وال فى صالح العمل إذ يدلل عند ذلك بشكل ما‬
‫على قلة النضوج واستبطاء الخبرة ‪.‬‬
‫فضال عن أن الصياغة الروائية التى هى العالمة المائية لعملة التداول األدبى البد أن تكون جيدة بما يتوائم وحجم العمل‬
‫والمبدع معا ‪.‬‬
‫وحرى بالذكر أيضا أن دمج ابيات شعر فى القصة فصحى كانت أو عامية على سبيل االستشهاد دون ذكر اسم صاحبها‬
‫األصلى ال طائل منه إال إذا كان يخدم النص األصلى وفى أضيق الحدود ‪.‬‬
‫ونأتى معا إلى تقنية تجريد الزمان والمكان فيما عدا ذكر إيطاليا والنيل كاماكن انتقال لشخصيتين فى العمل ‪،‬أما فيما‬
‫يتعلق بأهم تقنيات الرواية وهو التحرك الطولى والعرضى فقد جاء التحرك العرضى وافرا فى القصة ولها ذلك ‪،‬كما أتى‬
‫التحرك الطولى متوازنا نسبيا ‪،‬هذا وقد ذهبت الكاتبة إلى ما ذهب إليه أرسطو فى تعريفه للشخصيات وتقديمها بما يثير‬
‫المتلقى للتعاطف مع الشخصيات إن كانت جيدة ‪،‬وفى نفس الوقت أثارت خوف القارىء من المصير السىء للشخصيات‬
‫واألفعال الغير سوية السيئة ‪،‬كما نجد أنها عمدت إلى تصدير فكرة كره األخ ألخوه فى القصة الثانية ( قصة نور )‬
‫ولعلها هنا نجحت فى التناص مع فكرة الصراع البشرى األزلى األبدى منذ قابيل و هابيل ‪.‬‬
‫وهنا تجدر اإلشارة أن الشخصية الروائية عندها مهما اختلف النموذج اإلنسانى الذى تلعبه غنيا أو فقيرا كبيرا كان‬
‫اوصغيرا رجال أو امرأة ‪،‬طيبا أو شريرا ‪،‬قديسا أو محاربا ‪،‬فإنها جميعا قاسمها المشترك هو ( السلبية ) الشديدة فى‬
‫تصرفها وردة فعلها فتراها ال هى حاربت شرا وال هى حققت خيرا ‪،‬جاءت شخصيات الرواية طيبة مؤمنة خيرة تريد‬
‫التطهر ومع ذلك ينتظرها مصير مجهول لتطرح لنا التساؤل األكبر فى عتبات الرواية ‪،‬هل هذه الشخصيات بها عيب‬
‫جسدى أو أخالقي هى غير مسئولة عنه وهنا أجدنى قد الحظت أن أبطال الرواية ذكرتنى بإبطال المسرح اليونانى حيث‬
‫يحمل البطل عيبا ال ذنب له فيه ومع هذا يكون هذا العيب سببا فى سقوطه المدمر فى النهاية ‪،‬وهنا اختلفت الكاتبة‬
‫( رشا ابراهيم ) فجعلت الشخصية سرعان ما تتدارك األمر لتعيدها إلى رشدها وصوابها ‪.‬‬
‫طرحت الكاتبة فكرة اإلنس والجن واللبس وإمكانية التخلص من المس واللبس ‪،‬ونعود معا لنقول أن انتقال السرد قد‬
‫أتى بشكل جيد لنجد أيضا أن الرواية حفلت بالعديد من التناسالت الرؤيوية المتعدد متوازية مع تناسل الشخصيات ‪،‬إذ‬
‫جسد شخصيات العمل ما يقرب من الثالثين شخصية على سبيل التقريب ال الحصر ‪.‬‬
‫وقد جسدت الكاتبة فكرة مهمة جدا فى القصتين وهى ( حاجة األنثى للجنس ) تاركة للقارىء حرية اإلجابة بعد‬
‫االستيعاب ‪ ،‬فهل الجنس هو الحب ؟ أم الحب هو الجنس ؟ وهل تستسلم األنثى تحت وابل من كلمات الحب ؟ أم أنه نداء‬
‫الجسد ؟ ‪.‬‬
‫فى النهاية أود القول بأنه ‪ :‬نحن نقبل بالنظرية النقدية التى جائت عند دكتور ( طه وادى ) فى كتابه ( نقد الرواية )‬
‫بأن الرواية تحاول أن تكون شريحة من الحياة نفسها بتقديم رجال واقعيين ونساء واقعيات ‪،‬وعلى سبيل المثال فى‬
‫روايتنا اليوم فقد جاءت البطلتين عند الكاتبة مكبوحة الجماح دائما ‪ ،‬هذا الكبح المؤدى إلى ممارسة الحب الحرام أو‬
‫الجنس الحرام ‪ ،‬وال نرى أن الشخصيتين قد كبحت جماح نفسيهما سوى فى آخر القصة فعادت البطلة الثانية ( نور )‬
‫إلى رشدها ربما بعد فوات األوان ‪،‬لكن رحمة هللا وسعت كل شيء‪.‬‬
‫ختاما أدفع بجودة العمل وقبوله موضوعا أما فى شكالنيته والبنيوية فبرجاء مراعاة التقدم والتطور فى األعمال القادمة‬
‫‪.‬‬
‫أطيب تحياتى وجليل اإلحترام‬
‫الناقد ‪ /‬عصام الدين صقر‬
‫الزقازيق محافظة الشرقية فى ‪٢٥/٩/٢٠٢٢‬‬

You might also like