You are on page 1of 239

‫"إن البإداع هو انتقال المثقف من حاله النفعال‬

‫واللهاث الفوضوي على المنجز الثقافي والمعرفي ‪،‬‬


‫إلى الفعل‬
‫والمشاركة في النتاج الثقافي والنساني "‬

‫بإن رشد‬ ‫ا‬

‫"ل يجوز لنسان أهانه عقائد غيرة من الناس ‪ ،،‬وإل‬


‫لهانت كل العتقادات وأهينت ‪ ،‬ولم يصح أي دين‬
‫لي إنسان "‬

‫هيبا‬
‫ملخص رواية عزا زيل‬
‫تنويه‬

‫ملخص الرواية عبارة عن مقاطع من الرواية الصألية تم‬


‫إدراجها بالماسح الضوئي دون أدنى تدخل‬
‫الحقيقة والخيال‬
‫إن الحيادية في التحليل تفرض علينا قبل الشروع في ذلك التعرف على التكوين‬
‫الثقافى لكاتب الرواية محل البحث‪ ،‬ونحن هنا بالطبع لن نتعرض لسيرته الذاتية‪ ،‬فهي‬
‫غير ذات قصد في هذا المقام‪ ،‬ولكننا سوف نقوم باستقراء شخصية المؤلف من خلل‬
‫عمله الدبي الذي تحت أيدينا‪.‬‬
‫فرواية ع اززيل تحفل ضمن ما تحفل بتفاصيل التفاصيل عن العقيدة المسيحية‬
‫وتاريخها ومراجعها الدينية والتي يتضح أن الكاتب يعرف جيددا حقيقة ما يتعرض له‪،‬‬
‫ل‪ً:‬ا‬
‫والدلة على ذلك كثيرة فمث د‬
‫‪ -‬نجد أن الرواية مليئة بالكثير من آيات ونصوص الكتاب المقدس وهو ما يدل على‬
‫أن مؤلف الرواية قد ق أر الكتاب المقدس جيددا وتبححر فيه ونهل منه ما نهل ‪ -‬على‬
‫طريقته الخاصة‪.‬‬
‫‪ -‬التعرض لكثير من الطقوس والممارسات الكنسية مثل سر المعمودية وسر‬
‫العتراف وسر التناول والقداس اللهي والتسبحة وغيرها الكثير‪.‬‬
‫‪ -‬الجو العام للرواية يدور في ظاهره داخل مجتمع الرهبنة‪ ،‬إوان كان المؤلف قد اتخذ‬
‫هذا المجتمع رم داز لما يريد إسقاطه على المجتمع الكنسي ككل‪ ،‬وهذا سوف نتعرض‬
‫له بالتفصيل‪.‬‬
‫‪ -‬اختيار المؤلف لشكالية الخلفات اللهوتية بين الكنائس لتكون هي التيمة الرئيسية‬
‫في البناء الروائي لروايته‪ ،‬وهى إشكالية تعتبر من دقائق المور في العالم المسيحي‬
‫كله؛ لم تعد تخص العامة ‪-‬نظ دار لستقرار العقيدة‪ -‬بقدر ما تخص المتخصصين من‬
‫دارسي اللهوت‪.‬‬

‫فمن هنا نجد أن المؤلف ييدرك جيددا العقيدة المسيحية كما يؤمن بها أصحابها‬
‫وتابعيها‪ ،‬ويكون من غير الوارد هنا أن نعزى أي خطأ عقائدي أو لهوتي داخل‬
‫الرواية لجهل المؤلف بحقيقته أو عدم درايته بالمور العقائدية‪ ،‬فيكون كل ما أورده‬
‫الكاتب على لسان شخصيات روايته‪ ،‬هو رأيه وقناعته عن قصد‪ ،‬وهو كما سوف‬
‫نوضح رأى عاري تمادما من الصحة‪ .‬بل أننا نرى كما سوف نسهب فيما بعد أن هناك‬
‫من الشبهات والدوافع التي تحوم حول هذه الرواية فهي ليست عملد أدبديا بقدر ما هي‬
‫أيدلوجية موجهة‪.‬‬
‫الفصل بين الحقيقة والخيال‬
‫إننا بادئ ذي بدء يجب علينا أن نوضح للقارئ الكريم أن هناك مزج داخل‬
‫الرواية بين ما قد وقع بالفعل‪ ،‬وبين ما هو من نسج خيال المؤلف‪ ،‬وبين شخصيات‬
‫حقيقية صنع منها المؤلف عالدما خيالديا خاص به ل يمت للواقع بشيء‪ .‬وهنا سوف‬
‫نورد ما هو خيالي داخل الرواية وما هو حقيقي‪.‬‬

‫الخيال فى الرواية‬
‫إن السواد العظم من الشخصيات والحداث داخل الرواية ينتمي إلى عالم‬
‫خيال الكاتب‪ ،‬وهو ما أقره المؤلف في أكثر من لقاء وحديث تلفزيوني معه بداية من‬
‫الرقوق التي يحدعى أنه قام بترجمتها‪ ،‬والتي تخص الراهب هيبا‪ ،‬الذي هو أيضا من‬
‫نسج خيال الكاتب بكل ما يخصه من أحداث وتفاصيل مثل علقته بأوكتافيا‪ ،‬وهى‬
‫ضا‪ ،‬والرهبان‪ ،‬وعلقته بمارتا وهيبتايا‪ .‬كل هذا من محض‬
‫شخصية غير حقيقية أي د‬
‫خيال المؤلف‪ .‬والشخاص والحداث في الرواية ليس المقصود بها ظاهرها‪ ،‬ولكنها‬
‫‪-‬كما سوف نوضح‪ -‬أن في باطن الرواية روايات إواسقاطات‪..‬‬

‫الحقيقة في الرواية‬
‫إن نسطور وتيودور والبابا كيرلس والبابا ثاوفيلوس وهيباتايا وأريوس هي أسماء‬
‫لشخصيات تاريخية حقيقية ولكن ما يتعلق بها من أحداث وتوصيف جانبه الصواب‬
‫من المؤلف وأتى على غير الحقيقة ومنافي لما أورده المؤرخون في كتاباتهم‪.‬‬

‫تسفيه العقيدة وتفريغها من محتواها‬


‫إن المحور الرئيسي الذي تقوم عليه الرواية هو محاولة الكاتب تسفيه‬
‫الرثوذكسية وتفريغها من محتواها وقد لجأ الكاتب في هذا المقام إلى عدة وسائل هي‪ً:‬ا‬
‫‪ 1‬ـ التشويه المباشر للموروث‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ تعظيم وتبجيل المعاكس الموضوعي‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ الرمزية والسقاط‪.‬‬
‫وسوف نقوم هنا بحصر ما يخص كل عنصر والرد عليه‬

‫التشويه المباشر للموروث‬


‫لقد أخذ الكاتب على عاتقه تشويه وتسفيه كل الموروثات المتعلقة بالرثوذكسية‬
‫بداية من عقيدة التجسد والفداء‪ ،‬مرودار بأسرار الكنيسة وحياة الرهبنة‪ ،‬نهاية بالتشكيك‬
‫في وجود ال من الساس‪ ،‬وفيما يلي ما أتاه الكاتب في هذا المجال‪ً:‬ا‬

‫هيبا الخيال المريض للكاتب‬


‫إن الشخصية المحورية التي تقوم عليها رواية ع اززيل هي شخصية الراهب‬
‫هيبا‪ .‬ذلك الراهب الذي له طموح في تعلم الطب حتى يصير أشهر أطباء السكندرية‪.‬‬
‫ضا الشاعر ومؤلف الموسيقى والفيلسوف والكاتب ولكنه لم يستطع أن يحقق‬
‫وهو أي د‬
‫ذاته في أي من هذه المجالت‪ ،‬فقرر اللتحاق بسلك الرهبنة لعله يحظى في يوم من‬
‫اليام بالسقفية لحدى اليبارشيات الشهيرة في ذلك الوقت‪ ،‬وهو في نفس الوقت‬
‫الشبق دائدما والذي ل يفوت أي فرصة للمجون مع أية امرأة تقع بين يديه‪ ،‬أو تسوقها‬
‫القدار في طريقه‪ ،‬وهو في حالة إثارة جنسية دائمة‪ .‬ول مانع لديه في إرضاء شهوته‬
‫بأية طريقة من الطرق سواء بشكل طبيعي مع امرأة‪ ،‬أو غير طبيعي مع فتى أمرد‬
‫ضا المتشكك في الرب وأفعاله وقدراته‪ .‬والحقيقة الغيبية الوحيدة عنده هو‬
‫ل‪ .‬وهو أي د‬
‫مث د‬
‫ع اززيل ‪-‬اسم من أسماء الشيطان‪ -‬فهو جليسه ومستشاره وناصحه‪ ،‬وع اززيل دائدما‬
‫مستيقظ مصاحدبا هيبا‪ ،‬وقلما يصلى هيبا أو يمارس العبادة حتى إذا فعل ذلك يكون‬
‫شارددا ل مصلديا‪.‬‬
‫هكذا يرى المؤلف حياة الرهبنة أو هكذا أراد أن يروج لها‪ ،‬فهذه إذن هي وجهة‬
‫نظر المؤلف في الرهبان وحياتهم‪ ،‬وهى رؤية بل شك نختلف كلديا وجزئديا معه فيها‪.‬‬
‫ولكن الملفت للنظر هو كم التفاصيل الجنسية والباحية التي لجأ إليها المؤلف من‬
‫وصف لجساد النساء‪ ،‬وطريقة ممارسة الراهب للجنس في مواقف وأوضاع مختلفة‪،‬‬
‫والسهاب في ذلك‪ .‬وهو المر المستغرب على أسلوب الكاتب‪ ،‬فكان يمكن أن يكفيه‬
‫بضعة ألفاظ تشرح الموقف وتوصل المعنى إلى القارئ بدلد من الملل الذي أصابنا‬
‫عند مطالعة الرواية‪ ،‬ولكن يبدو أن المؤلف لم يكن يتحدث على لسان بطل روايته‪،‬‬
‫ولكنه كان في مثل تلك المواقف يفرض على القارئ معاناته النفسية والشخصية‪ ،‬والتي‬
‫بات واضدحا أنها رسخت في نفسه استحالة أن يعيش النسان طارددا لشهواته وقامدعا‬
‫لها ومتحكدما فيها‪ ،‬فظن بهذا أنه يكشف مستور هذا العالم الذي لم يستطع أن يصدقه‬
‫أل وهو عالم الرهبنة‪.‬‬
‫إن الرهبنة ليست حالة عامة ول مجتمع مفتوح ولكنها حالة خاصة‪ ،‬بل تكاد‬
‫تكون خصوصية لصحابها‪ .‬لقد اعتزل الرهبان العالم حدبا وعشدقا في الخالق‪ ،‬فلماذا لم‬
‫يعتزلهم العالم‪ ،‬ويتركهم يعيشون فيما اختاروا أن يعيشوا فيه؟ إن الرهبنة ل تحتاج إلى‬
‫العالم ولكن العالم دائدما هو الذي يحتاج إلى الرهبنة‪.‬‬
‫صا جددا؟ لماذا ل يقدر أن يصدق أن هذا‬
‫لماذا أراد أن يقتحم المؤلف عالدما خا د‬
‫العالم في معظمه عالم طاهر ملئكي؟ هل لم يصدق هذا لعيب في هذا العالم‪ ،‬أم‬
‫لهواجس تسيطر عليه؟ إن أبواب الديرة مفتوحة دائدما لزائريها يستظلوا ببركاتها وينعموا‬
‫بروحياتها‪ .‬فليذهب إذن المؤلف إلى أي بقعة رهبانية ونتحداه أن يخرج لنا منها هيبا‬
‫واحددا‪..‬‬
‫وحتى ل يظن القارئ أننا نورد هنا أقوالد مرسلة ليس لها مردوددا داخل الرواية‪،‬‬
‫سوف نستميح القارئ عذ دار أن نناقش شخصية هيبا الراهب‪ ،‬وسلوكياته‪ ،‬وأفعاله قارنين‬
‫تلك السلوكيات والفعال بما جاء بأدبيات وقوانين الرهبنة‪ ،‬وعذ دار لما سوف يرد من‬
‫ألفاظ لن هذا أمر نواجهه ول مفر منه‪.‬‬

‫الله المتعالى‬
‫جاء في صفحة )‪ (14‬في بداية تدوين هيبا لرقوقه المزعومة "بسم الله‬
‫المتعالى" وهى ترويسة غريبة على الدب الرهبانى خاصة‪ ،‬والدب الكنسي عامة‪.‬‬
‫فمن المعروف أن الترويسة التي يستخدمها دائدما الباء في كتاباتهم هي باسم الب‬
‫والبن والروح القدس الله الواحد آمين‪ .‬أو باسم الثالوث القدوس‪ .‬فالثالوث هو أحب‬
‫العبارات إلى قلب الباء التي يبدأون بها كتاباتهم‪ ،‬حتى من لم يستخدم عبارات‬
‫الثالوث‪ ،‬كان يستخدم عبارات لها نفس المعنى مثل باسم ال القوى‪ .‬وكان يمكن لنا‬
‫قبول العبارة لو كانت "باسم الله العالي" فهي تشير إلى علو مكانة إلهنا‪ ،‬أما‬
‫"المتعالي" فهي تدل على أن هذا الله الذي نؤمن به يتصنع العلو وهو ليس كذلك‪ .‬أو‬
‫أننا نضعه في مكانة أعلى من مكانته التي يستحقها‪ ،‬فإلهنا هنا ليس هو العالي ولكنه‬
‫في درجة أقل أو أدنى‪ ،‬وقد تدنو درجة هذا الله حتى تصل إلى الدرك السفل والذي‬
‫تنتفي فيه إلوهيته‪ .‬كما أن العبارة توحي بأن هذا الله إله مستقوى ومغرور‪ .‬وبالتالي‬
‫تنسحب هذه الصفات على أتباعه والمؤمنين به‪ ،‬ليمهد الكاتب بذلك للقارئ لغوديا‬
‫لطبيعة أهل هذه الديانة في هذا العصر‪.‬‬

‫نقض العقيدة‬
‫يبدأ مبك دار مؤلف الرواية في محاولة هدم العقيدة كلية وبشكل إجمالي حينما ترد‬
‫على لسان هيبا في صفحه )‪ (15‬العبارة التالية‪ً:‬ا‬

‫هنا يبدأ المؤلف في الفصاح عن مآربه وقناعاته‪ ،‬فكل الشياء لديه تتساوى‬
‫في جوهرها فالعقيدة مثل أي عقيدة‪ ،‬وال مثله مثل باقي اللهة‪ .‬فبقية الشياء مثل بقية‬
‫الشياء‪ ،‬أي أن كل الشياء تشترك في جوهر واحد ولكن الختلف هنا في الصفات‪.‬‬
‫والمتياز كما يراه المؤلف ليس في طبيعة الشياء أو جوهرها ولكن المتياز هنا ناتج‬
‫عن ما توهمنا في هذه الشياء هذا الوهم الذي ولد لدينا الظن؛ هذا الظن كحون بداخلنا‬
‫العقيدة‪ ،‬فالعقيدة إذن ظن وليست حقيقة‪.‬‬
‫والمؤلف هنا يعتنق مبدأ الواحدية أو الهوية المطلقة الذي اعتنقه‪ ،‬ومؤداه أن‬
‫العقل والمادة ل يرد أحدهما إلى الخر‪ ،‬بل يرد كلهما إلى جوهر مشترك واحد‪ .‬وهما‬
‫بالنسبة له تحولت ظاهرية‪ .‬وهذا المبدأ يعارض الثنائية بل أنه يمتد ليعارض التعددية‬
‫سواء كان هذا بالنسبة للجوهر أو الصفات‪ ،‬فتعدد الجواهر تعدددا ظاه دار إنما يرجع إلى‬
‫ل‪،‬‬
‫حالت أو ظواهر مختلفة لجوهر واحد‪ ،‬كان هو ال أو الطبيعة عند سيبنو از مث د‬
‫وكان هو المطلق عند برادلى‪ .‬كذلك فإنه أديا كان عدد الجواهر فإنها في النهاية من‬
‫نوع واحد‪ ،‬أي أنه ل وجود لغير مجال واحد للوجود‪ .‬والخلصة أنه في داخل أي‬
‫مجال للوجود )أي كان عدد تلك المجالت( فل يوجد هناك إل جوهر واحد فحسب‪.‬‬
‫فالكاتب إذن يرى أن كل اللهة هي جوهر لله واحد‪ ،‬فال مثلث القانيم عند‬
‫المسيحيين هو أمون عند الفراعنة؛ وهو ذاته زيوس عند الغريق‪ ،‬كما إنه هو هو‬
‫اللت والعزة عند العرب‪ ..‬فالمسيحية مثلها مثل اليهودية والبوذية والكونفوشية‬
‫والخناتونية والزرادشتية والسلمية‪.‬‬
‫وهنا نرى أنه ينبغي علينا بل لعله يتوجب أن نوضح للقارئ العزيز ماهية‬
‫جوهر إله المسيحية الواحد مثلث القانيم والتي تختلف كلديا وجزئديا عن بقية اللهة‪.‬‬
‫وحتى يكون رأينا ذو فائدة؛ سوف يكون هذا مصحودبا بالمقارنة ببعض العقائد التي‬
‫تتماس مع المسيحية في نقاط ما‪ ،‬حتى نبين أن هناك أكثر من جوهر داخل هذه‬
‫العقائد وآلهتها‪ ،‬فل تكون بقية الشياء مثل بقية الشياء‪ ،‬بل أننا سوف نرى أن كل‬
‫شئ في بقية الشياء هو جوهر يختلف عن بقية الشياء‪ .‬ومن أشهر هذه العقائد‪ً:‬ا‬
‫عقيدة النصف إله ونصف إنسان عند الغريق‪.‬‬
‫عقيدة الثالوث الفرعونية )إيزيس‪ ،‬أوزوريس‪ ،‬حورس(‪.‬‬

‫جوهر السيد المسيح‬


‫إن الحديث عن جوهر ال في المسيحية حديث طويل يصعب اختصاره في‬
‫كتاب واحد ولكننا هنا سوف نركز على أهم ما في جوهر ال مسيحديا وخاصة مناطق‬
‫التمييز والختلف عن جوهر باقي اللهة التي سوف نتعرض لها بالشرح والتفسير‪.‬‬
‫فنحن نؤمن أن جوهر أو طبيعة تكوين ال الواحد هي طبيعة مثلثة القانيم‪ ،‬هذه‬
‫القانيم هي الب والبن والروح القدس متحدة غير منفصلة ولكنها تتمايز فيما بينها‬
‫وظيفديا‪ ،‬وعلى هذا فإن‬
‫الب‪ً:‬ا هو ال من حيث الجوهر‪ ،‬وهو الصل من حيث القنوم‪.‬‬
‫البن‪ً:‬ا هو ال من حيث الجوهر‪ ،‬وهو المولود من حيث القنوم‪.‬‬
‫الروح القدس‪ً:‬ا هو ال من حيث الجوهر وهو المنبثق من حيث القنوم‪.‬‬
‫فالب هو الصل أو الينبوع في الثالوث‪ ،‬وهو أصل الجوهر وأصل الكينونة بالنسبة‬
‫للقنومين الخرين‪ .‬والبن هو مولود من الب ولكن ليس مجرد صفة بل أقنوم له‬
‫كينونة حقيقية وغير منفصل عن الب لنه كلمة ال‪ .‬والروح القدس؛ ينبثق من الب‬
‫ولكنه ليس مجرد صفة‪ ،‬بل أقنوم له كينونة حقيقية وغير منفصل عن الب لنه روح‬
‫ال‪..‬‬
‫وبذلك يكون السيد المسيح إله المسيحيين هو‪ً:‬ا‬
‫‪ 1‬ـ صورة الب‪ ،‬بكر كل خليقة‪ ،‬خالق وحافظ وغاية كل الشياء‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ كائن فوق كل الرواح السماوية‪ ،‬سواء كخالق لها أو كرئيس لها‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ المسيح يمتلك كل الملء‪.‬‬
‫إن الحديث عن طبيعة السيد المسيح اللهوتية يرتبط بالحديث عن الوجود السابق‬
‫للمسيح وبعلقته الزلية مع الب وكذلك بفاعليته في خلق العالم‪ .‬ونحن نؤمن بأنه في‬
‫وقت معين من الزمان )ملء الزمان( جاء المسيح إلى العالم ليخلص الخطاة‪ .‬فالمسيح‬
‫لم يجيء فقط إلى العالم ولكنه جاء لغرض معين‪ ،‬وبهذا ل يمكن لنا أن نقارن مجيئه‬
‫بمجيء أي شخص آخر إلى العالم‪ ،‬لقد ظهر المسيح في الجسد‪ .‬ونود هنا أن نؤكد‬
‫على بعض الحقائق وهى‪ً:‬ا‬
‫ل يحسب السيد المسيح ضمن المخلوقات‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫له وجود أعلى وأسبق من كل مخلوق‪ ،‬فوجوده ضروري قبل الخليقة لن "فيه‬ ‫‪‬‬
‫خلق الكل" )كو ‪ً:1‬ا ‪.(16‬‬
‫هو "قبل كل شئ وفيه يقوم الكل" )كو ‪ً:1‬ا ‪.(17‬‬ ‫‪‬‬
‫المسيح لم يوجد فقط وجوددا سابدقا‪ ،‬ولكنه "هو صورة ال" )‪2‬كو ‪ً: 4‬ا ‪(4‬‬ ‫‪‬‬

‫إن صورة ال سواء كانت تعنى طبيعته أو جوهره أو خصائصه أو كمالته‪،‬‬


‫فإن صورة ال هي ال‪ ،‬وصورة ال هذه وصورة العبد تتحدان مدعا فى طبيعة واحدة‬
‫بدون اختلط أو امتزاج أو تغيير‪ ،‬ولهذا فإن المسيحيين ل يفصلون بين ال والمسيح‪.‬‬
‫وعلى هذا يكون الفهم الصحيح للثالوث هو النظر إلى الثالوث باعتباره‪ً:‬ا‬
‫الب بكلمته وروحه‪ ،‬البن هو ابن الب‪ ،‬والروح القدس هو الروح المنبثق من الب‪.‬‬
‫وعلى هذا الوضع نتكلم عن الوحدانية والثالوث في آن واحد‪ .‬عندما نتكلم عن الثالوث‪،‬‬
‫نكون قد فهمنا الثالوث فهدما صحيدحا‪ .‬فنحن ل نتحدث عن الب والبن والروح القدس‬
‫طا بالب‪،‬‬ ‫كمنفصلين ثم نكحون منهم وحدانية‪ .‬ولكن بالحرى ننظر إلى البن مرتب د‬
‫طا بالب‪ ،‬وفى نفس الوقت يكون لكل أقنوم عمله الخاص‪.‬‬
‫وكذلك الروح القدس مرتب د‬
‫عندما نقول الله الواحد؛ الب الذي يولد منه البن‪ ،‬ومنه ينبثق الروح القدس‪ ،‬فمن‬
‫الواضح أننا نؤكد هنا على وحدانية ال‪ ،‬وضد ما يفهم خطأ من تعددية حينما نتحدث‬
‫عن القانيم الثلثة‪ .‬عندما نقول‪ً:‬ا الب بكلمته وروحه ل يبقى مجال للتحدث عن‬
‫التعددية في الثالوث‪.‬‬
‫إن القانيم في الثالوث جوهر واحد‪ ،‬ولكل منهم خصائص شخصية‪ .‬هذه‬
‫الخصائص هي الصفات القنومية التي تميز الب بوصفه غير مولود وهو الينبوع‪،‬‬
‫والبن بوصفه أنه المولود‪ ،‬والروح القدس بوصفه منبثدقا‪.‬‬
‫ولتبسيط الفكرة سوف نستخدم المثال التالي‪:‬‬
‫إذا كان لدينا‬
‫مثلث من‬
‫معدن‬
‫الذهب‪ ،‬فإن‬
‫رؤوسه‬
‫الثلثة تكون‬
‫من الذهب‬
‫ضا‪ .‬أي أن‬
‫أي د‬
‫الذهب واحد‪،‬‬
‫وهذا هو الجوهر‪ .‬أ هو ذهب ‪ -‬ب هو ذهب ‪ -‬ج هو ذهب‪ .‬والذهب الذي يخص أ‬
‫يساوى الذهب الذي يخص ب و ج‪ .‬ومع ذلك فإن هناك ذهب واحد وليس أكثر‪ .‬وبهذا‬
‫ضا مساو له في الجوهر‪.‬‬
‫يكون أ واحد مع ب في الجوهر وأي د‬
‫واحد في الجوهر لن الجوهر غير منقسم‪ ،‬ومساوي لن نصيبه من الذهب ليس أقل‪.‬‬
‫لكن إذا قمنا بلصق جرام من الذهب مع كيلو من الذهب يكون الثنان واحددا‬
‫في الجوهر لكنهما غير متساويان‪ ،‬ولكن هل نستطيع أن نقول أن أ هو ب؟ بالطبع‬
‫ل‪ ،‬لن أ إذا انطبق على ب يصير المثلث خط مستقيم‪ .‬إواذا انطبقت النقط أ‪ ،‬ب‪ ،‬ج‬
‫سيتحول المثلث إلى نقطة مساحتها صفر‪ ،‬وبهذا يؤول الذهب إلى صفر‪ ،‬أي ينعدم‬
‫الجوهر وينعدم التمايز‪.‬‬
‫ها وقد بيحنا جوهر ال في المسيحية‪ ،‬سوف نقوم بشرح جوهر ال في بعض العقائد‬
‫الوثنية والتي يتتهم المسيحية عنوة أن جذورها مأخوذة من جوهر تلك العقائد‪.‬‬

‫الثالوث الغإريقى‬
‫تقــول الســطورة أن زيــوس رب الربــاب لــدى الغريــق والــذي كــان يســكن جبــل‬
‫الوليمب‪ ،‬كان دائدما ما يتحول مـن صــورته الناريــة إلـى طبيعــة بشـرية بهــدف مضـاجعة‬
‫النساء البشريات‪ ،‬وكان في حالة تحوله إلى الحالة البشرية يضــع فــي جــانبه خنجـدرا‪ ،‬إذا‬
‫ما لمس هذا الخنجر أحد‪ ،‬عاد زيوس إلى طبيعته اللهيــة الناريــة والــتي تحــرق كــل شــئ‬
‫من حولها‪ ،‬وكانت سميل هي‬
‫المفضـ ـ ــلة مـ ـ ــن بيـ ـ ــن نسـ ـ ــائه‪،‬‬
‫وكــانت ل تعــرف ســر الخنجــر‬
‫الــذي فــي جــانبه‪ .‬وفــى إحــدى‬
‫المـرات الـتي كـان زيـوس يلقـى‬
‫فيهــا ســميل وكــانت قــد حملــت‬
‫مـ ــن زيـ ــوس‪ ،‬دفعهـ ــا الفضـ ــول‬
‫لرؤية الخنجر الذي في جانب‬
‫زيــوس‪ ،‬ومــا أن لمســت ســميل‬
‫الخنجــر حــتى بــدأ زيــوس فــى‬
‫التحول إلى كتلة كـبيرة مـن اللهـب أمسـكت بسـميل وقبـل أن تحـترق ويتحـول زيـوس إلـى‬
‫ل‪ ،‬شق زيوس بطنها بخنجره وأخذ الجنين وشق له أخـدودا فـي‬
‫طبيعته النارية تحولد كام د‬
‫فخذه ووضعه فيه‪ .‬فلما اكتملت أيام نمو الجنين أخرجـه زيـوس مـن فخـذه ليكـون نصـف‬
‫إلــه ونصــف بشــر وعــرف باســم ديــونيس إلــه الخمــر والمــاء والخصــاب‪ .‬إلــى هنــا تنتهــي‬
‫السـطورة‪ ..‬ولكـن يحلــو للبعــض الربــط مـا بيـن شـخص المسـيح وشــخص ديــونيس علـى‬
‫اعتبار أن كل منهما يحمل الطبيعتين البشرية واللهية والربط هنا في غيــر محلــه وذلــك‬
‫لعدة أسباب هي‪ً:‬ا‬
‫‪ -1‬أن ديونيس مخلوق ولكن المسيح غير مخلوق‪.‬‬
‫‪ -2‬ديونيس حبل به بالشهوة أما المسيح فقد حبل به من غير شهوة‪.‬‬
‫‪ -3‬الطبيعة اللهية والطبيعة البشرية في ديونيس متلزمتين‪ ،‬فنصفه البشرى ل يحمل‬
‫نصفه اللهي‪ ،‬ونصفه اللهي ل يحمل طبيعته البشرية‪ .‬بعكس السيد المسيح الذي فيه‬
‫تتحد الطبيعة البشرية مع لهوته بغير اختلط ول امتزاج ول تغيير في طبيعة واحدة‪.‬‬
‫‪ -4‬ديونيس محض خيال فهو أسطورة توهمها الغريق غير موجودة على أرض‬
‫الواقع‪ ،‬أما السيد المسيح فهو واقع حى عايشه الكثيرون وثابت وجوده تاريخديا ودينديا‪.‬‬
‫‪ -5‬ديونيس إله محدود القدرات؛ ل سيطرة له ‪-‬بحسب السطورة‪ -‬إل على الخمر‬
‫والماء والخصاب فقط ‪ ،‬فهذا هو مجال إلوهيته‪ .‬أما المسيح فهو إله كلى القدرة‪.‬‬
‫‪ -6‬ديونيس جاء نتيجة نزوة لزيوس ول غرض لمجيئه‪ ،‬أما المسيح فقد جاء طاعة‬
‫لبيه لخلص الخطاة‪.‬‬
‫‪ -7‬ثالوث زيوس وسميل وديونيس هذا الثالوث الغريقى عبارة عن ثلثة كيانات‬
‫كل منها له جوهره الخاص وغير متحدين في الطبيعة‪ ،‬فالمثلث أضلعه بشر إواله‬
‫ونصف إله‪ ،‬أما الثالوث المقدس فهو واحد في الطبيعة والجوهر‪.‬‬

‫ديونس‬ ‫المسيح كإله‬ ‫وجه‬


‫المقارنة‬
‫جاء في زأمن معين‬ ‫كائن منذ الزأل‬ ‫أزلية‬
‫الوجـــود‬
‫خيال ليس له وجود‬ ‫موجود تاريخييا ودينييا‬ ‫حقيقة‬
‫الوجود‬
‫له جوهره الخاص المنفصل‬ ‫واحد مع أبيه في الجوهر‬ ‫طبيعة‬
‫عن أبيه‬ ‫التكوين‬
‫محدود القدرة‬ ‫كلي القدرة‬ ‫القــــــد‬
‫رة‬
‫نزأوة من أبيه ل غرض منها‬ ‫صا‬
‫طاعة لبيه وخل ي‬ ‫الغرض‬
‫للخطاة‬ ‫من‬
‫التجسد‬
‫مولود فى الزأمن ومخلوق‬ ‫مولود في الزأل غير‬ ‫طريقة‬
‫مخلوق‬ ‫التكوين‬
‫ضلع من أضلعا الثالوث‬ ‫الثالوث هو وهو الثالوث‬ ‫وجوده‬
‫في‬
‫الثالوث‬
‫)جدول يبين الختلف الكلى لجوهر إله المسيحية عن إله الغريق(‬
‫الثالوث الفرعوني )إيزيس وأوزوريس‬
‫وحورس( تاسوع أون‬
‫من الخرافات التي يحاول البعض إلصاقها بالمسيحية ‪-‬ونظن أن الكاتب ليس‬
‫بمنأى عن ذلك‪ -‬إن الثالوث المسيحي أصله الثالوث الفرعوني )إيزيس وأوزوريس‬
‫وحورس(‪.‬‬
‫والحقيقة فإن من ينادى بهذا الرأي ل يعلم جيددا طبيعة الديانات الفرعونية‪ ،‬فلقد آمن‬
‫الفراعنة بعقيدة التوحيد‪ ،‬والتي نادي بها أخناتون والذي كان يرى أن الشمس )أتون(‬
‫هي الله الحقيقي الواحد خالق هذا الكون ومعطي الحياة له‪.‬‬
‫كما آمن الفراعنة بالثامون )من الرقم ثمانية( فيما عرف بثامون الشمونيين‪.‬‬
‫هذا الثامون الذي مؤداه أن أصل الخليقة ناتج عن تزاوج أربعة ضفادع بأربعة ثعابين‪،‬‬
‫نتج عنهم هذا الكون‪ .‬وهؤلء الثمانية هم رعاة الكون وأربابه‪.‬‬
‫أما فيما يتعلق بالثالوث الفرعوني المزعوم فإن هذا الثالوث تم اقتطاعه من‬
‫تاسوع )من الرقم تسعة(‪ ،‬هذا التاسوع عرف بتاسوع أون‪ ،‬وهو في الديانة المصرية‬
‫القديمة يعتبر أقدم نظرية في الخلق‪ ،‬والتي تصورت أن العالم كان غاردقا في أعماق‬
‫المحيط الزلي )نون( وما لبث أن ظهرت فوق سطحه قمة تل عال )قاق( فكانت‬
‫اليابسة‪ ،‬حيث بدأت عليها عملية الخلق بواسطة الله )أتوم(‪ ،‬الذي لم يكن ثم أصبح‪،‬‬
‫والذي خلق نفسه بنفسه‪ ،‬وعكف بعد ذلك على إتمام عملية الخلق بأن عطس‪ ،‬فكان‬
‫من ذلك توأم هما شو )الهواء( وتفنوت )الرطوبة(‪ .‬وتزوج هذان وأنجبا جب )الرض(‬
‫ونوت )السماء( وبقيا منطبقين حتى فصلهما شو بعد أن أنجبا أوزوريس إوايزيس وست‬
‫ونفتيس ثم أنجب الولن حورس‪ .‬هذه هي السطورة!!!‬
‫إن مطابقة الثالوث المقدس بثالوث إيزيس وأوزوريس وحورس ليست فى محلها على‬
‫الطلق وذلك للسباب التالية‪ً:‬ا‬
‫‪ -1‬إن الثالوث الفرعوني هو جزء من منظومة إلهية ‪-‬طبدقا للمعتقد المصري القديم‪-‬‬
‫تاسوعية‪ .‬إذن فهذا الثالوث جزء من اللهة‪ ،‬بعكس الثالوث المقدس الذي هو ال‬
‫الكامل الذي ل يشترك معه في إلوهيته إله آخر‪.‬‬
‫‪ -2‬الثالوث الفرعوني هو ثلثة آلهة في مرحلة أدنى من اللوهية من الله الخالق‬
‫)أتوم( فهو في المرحلة الرابعة من اللوهية‪ ،‬أما الثالوث المقدس فهو ال الذي ل آلهة‬
‫قبله ول آلهة بعده‪.‬‬
‫‪ -3‬مقابلة أوزوريس بأقنوم الب ليست صحيحة‪ ،‬لن أوزوريس لو افترضنا جدلد أنه‬
‫إله‪ ،‬فهو إله ضعيف مهزوم تم تقطيعه إلى أشلء‪ ،‬وجاء حورس ابنه للبحث عن‬
‫أشلئه وتجميعها‪ ،‬أما الب فهو الله القوى الذي بذل ابنه الوحيد لخلص العالم‪.‬‬
‫فهناك فرق كبير بين إله يبحث عن من يخلصه ويعيد تجميع أشلئه‪ ،‬وبين إله يبذل‬
‫نفسه من أجل خلص غيره‪.‬‬
‫‪ -4‬أوزوريس كان هو إله الموت عند الفراعنة‪ ،‬بعكس المسيح فهو إله الحياة بالنسبة‬
‫للمسيحيين‪.‬‬
‫‪ -5‬وما ينطبق على ثالوث الغريق من عدم اتحاد وانفصال واختلف في الجوهر‬
‫والقدرة ينطبق تمادما على ثالوث الفراعنة‪.‬‬
‫إن تبنى مؤلف ع اززيل للنزعة الهيجلية من أنه ل يوجد في الوجود إل جوهر‬
‫واحد للشياء‪ ،‬يظهر هذا الجوهر بصور مختلفة‪ ،‬هي رؤية فلسفية قد عفا عليها‬
‫الزمن‪ ،‬وأول من نقد هذه الرؤيا هم أتباع وتلميذ هيجل نفسه منذ سنين عديدة‪ ،‬فهل‬
‫يريد الكاتب أن يعيد تاريخ النسانية إلى مبتداه؟‬

‫نفى عقيدة الرأي المستقيم‬


‫)الرثوذكسية(‬
‫يقول المؤلف على لسان بطل روايته هيبا فى صفحة )‪(15‬‬

‫يكمل‬
‫المؤلف هنا‬
‫مراوغاته‬
‫الفلسفية‬
‫بغرض هدم‬
‫العقيدة من جذورها وهو هنا وقد استلهم ما جاء بصدر سفر الجامعة )‪ً:1‬ا ‪(11 -1‬‬
‫يصدمنا بالحقيقة الفاجعة والتي فحواها بأنه ل وجود ل )البداية والنهاية رؤ ‪ً:22‬ا ‪( 13‬‬
‫إل في الخط المستقيم‪ ،‬وهى إشارة واضحة ل تحتاج إلى تأكيد إلى العقيدة الرثوذكسية‬
‫التي هي عقيدة الرأي المستقيم‪..‬‬
‫ولو توقف المؤلف عند هذا الحد لشكرناه وأثنينا عليه وأمتننا له‪ ،‬ولكنه يعود‬
‫لينقلب ويقر بأنه ل خطوط مستقيمة إل في أوهامنا‪ ،‬أو في الوريقات التي نسطر فيها‬
‫ما نتوهم‪ ..‬أي أن الرثوذكسية إوالهها ما هي إل محض وهم فى داخل أتباعها‪ .‬ثم‬
‫يستخدم منهج الجدل الوجودي في اللهوت والذي يرفض الميتافيزيقا لنها تتحدث عن‬
‫أشياء غريبة مثل البداية والنهاية للحقيقة )الحقيقة المطلقة أو ال(‪ ،‬ويرى أن كل‬
‫الحقائق دائرية ل بداية لها ول نهاية‪ ،‬ولكن الحقائق كلها متتابعات ومتداخلت ل‬
‫نهاية لها ول بداية‪ .‬وكان يمكننا أن نثبت له عكس ما ادعى عن طريق الستدلل‬
‫المنطقي والبرهان العقلي‪ ،‬ولكنه سحهل علينا المر وتناقض مع نفسه بأن ذيل المقطع‬
‫المشار إليه بعبارة )تمتلئ الحياة‪ ،‬بأن تكتمل دائرتها‪ ،‬فتفرغ عند انتهائنا بالموت‪،‬‬
‫لنعود إلى ما منه ابتدأنا(‪ ،‬فالعبارة تحمل كلمتي )انتهائنا( أي أن هناك نهايات‬
‫للشياء‪ ،‬و)ابتدأنا( أي أن هناك بدايات للشياء‪ .‬وبهذا يدحض المؤلف ما زعمه من‬
‫أن كل الحقائق دائرية ومتداخلة‪ ،‬بل أن هناك خطوط مستقيمة لها بداية ولها نهاية‪.‬‬
‫فل عجب إذن أن تكون عقيدتنا مستقيمة البداية والنهاية وأولها وآخرها وجميع حروفها‬
‫من اللف إلى الياء هو ال‪ ،‬ول مجال للدوائر والمتقاطعات إل في أوهام المؤلف وفى‬
‫الوريقات التي يسطر عليها ما يتوهمه‪.‬‬
‫وهنا نحب أن نؤكد على بعض النقاط‪ً:‬ا‬
‫هناك فارق كبير بين القول بأن الحقيقة تظل غريبة وخارجية عن النسان ما لم‬ ‫‪‬‬
‫يختبرها شخصديا وعقلديا‪ ،‬وبين القول بأن العقل يعتبر مصد دار للحقيقة اللهية‪.‬‬
‫إن العقل ل يستطيع أن يدرك الحقيقة اللهية‪ .‬فالحقيقة اللهية هي "السر الذي‬ ‫‪‬‬

‫كان مكتودما في الزمنة الزلية‪ ،‬ولكن ظهر الن وأعلم به جميع المم بالكتب النبوية‬
‫حسب أمر ال الزلي لطاعة اليمان‪ ،‬ل الحكيم وحده بيسوع المسيح له المجد إلى‬
‫البد" ) رو ‪ً:16‬ا ‪" ،( 26 ،25‬السر المكتوم منذ الدهور في ال خالق الجميع بيسوع‬
‫المسيح‪ ،‬لكي يعرف الن عند الرؤساء والسلطين في السموات بواسطة الكنيسة‬
‫بحكمه ال المتنوعة‪ ،‬حسب قصد الدهور الذي صنعه في المسيح يسوع ربنا" )أف ‪ً:3‬ا‬
‫‪.(11-9‬‬
‫ضا ل يمكن أن تكون مصد دار للحقيقة الخلصية التي أعلنها ال‬
‫العاطفة أي د‬ ‫‪‬‬
‫حسب إرادته‪ ،‬إذا لم يقبل العقل والضمير أولد النجيل كحقيقة ويستنيران به‪ .‬إن‬
‫الضمير بسبب مخالفة الناموس يولد فينا الحساس بالحاجة إلى الخلص الذي ل‬
‫يستطيع أن يحققه بنفسه‪ ،‬إواذا لم يستننر النسان بالحقيقة المعلنة‪ ،‬فإنه ل يستطيع أن‬
‫يعرفه‪ .‬إن الضمير يعرف الناموس ولكنه ل يعرف النعمة‪.‬‬
‫والضمير يستطيع أن يشهد لما أعلنه النجيل ولكنه من المستحيل عليه أن‬
‫يدرك من البداية مضمونه‪ .‬إن الضمير يمكنه أن يشهد على مخالفة قاعدة أخلقية أو‬
‫السير بموجبها‪ ،‬ولكنه ل يستطيع أن يدرك القضايا الخلصية الكبرى أي ما يتصل‬
‫بالمسيح وبالحياة الخرى‪ .‬ففي كل هذا ل يستطيع الضمير أن يبصرنا لن هذه‬
‫المور تقع في مجالت أعلى من مجاله‪ .‬فليس للضمير أن يرشدنا في غير المسائل‬
‫الدبية البسيطة إل بإعانة الوحي إوارشاد الروح القدس‪ ،‬لن غايته ليس أن يجعل‬
‫النسان فيلسودفا في المسائل الدبية أو يقوم مقام الوحي ويعلن الحقائق اللهية ويبين‬
‫له واجباته الدينية بالتفصيل‪ ،‬بل أن يرشده إلى التمييز بين الخير والشر في أحوال‬
‫لهوت إلى مصدرين‪ً:‬ا‬
‫بسيطة‪ .‬ويمكن لنا أن نقسم فهمنا ل ل‬
‫الطبيعي‪ً:‬ا وهو المستمد من الضمير والعقل وشهادة الطبيعة‪ ،‬وبه نستطيع أن نحصل‬
‫على معرفة ال ومحبته وعبادته‪ ،‬إل أنه غير كاف ليضاح جميع الحقائق الدينية‪،‬‬
‫وبيان إرادة ال الصالحة‪.‬‬
‫الفائق للطبيعة‪ً:‬ا وهو كلم الوحي الوارد في كل أسفار الكتاب المقدس الذي يعلمنا ما‬
‫ل يستطيع أن يعلمنا إياه النور الطبيعي من السرار الغامضة والحقائق الهامة‪.‬‬

‫يقول هيبا في صفحة )‪ً:(21‬ا‬


‫عند مطالعة الفقرة السابقة من الرواية يجد القارئ نفسه حائ دار لماذا أورد المؤلف‬
‫هذه الفقرة خاصة وأنه ما زال في المرحلة التمهيدية من الرواية وهى تفصيلة تشتت‬
‫ذهن القارئ وتصيبه بالملل وتقوض البناء الدرامي للرواية؟ ولماذا قانا بالذات؟ وهل‬
‫حدقا ل يوجد أي أثر للسيد المسيح فى قانا؟ ولماذا ذكر معجزة تحويل الماء إلى خمر؟‬
‫فهناك معجزة أخرى فى قانا‪ ،‬حيث جاء إليه خادم للملك من كفر ناحوم وطلب إليه أن‬
‫ينزل ويشفي ابنه لنه كان مشردفا على الموت‪ ،‬فقال له يسوع‪ً:‬ا "ابنك حي فآمن الرجل‬
‫بالكلمة التي قالها له يسوع إن ابنه حي وذهب وعلم في الطريق من عبيده أن ابنه قد‬
‫شفي في تلك الساعة التي قال له فيها يسوع إن ابنك حي" )انظر يو ‪ً:4‬ا ‪.(54-46‬‬
‫كما ذكر إنجيل يوحنا فى )يو ‪ً:21‬ا ‪ (2‬أن نثنائيل أحد الثني عشر تلميدذا كان من قانا‬
‫الجليل‪.‬‬
‫فقانا إذن مسمى أورده الكاتب فى روايته‪ ،‬ولكن هل الحقائق التي ذكرها حول قانا‬
‫صحيحة؟ وهل هناك دللت يريد الكاتب أن يشير إليها؟‬
‫للجابــة عــن التســاؤلت الســابقة ســوف نعيــد‬
‫قراءة الفقـرة الســابقة فــى ضــوء الحقــائق الــتي‬
‫سوف نسردها‪.‬‬
‫قانا‪ً:‬ا كلمة عبرية معناها‪ً:‬ا "قصب"‬
‫أي "غاب" وتقع على بعد نحو ثمانية أميال‬
‫إلى الشمال الشرقي من الناصرة‪ ،‬على‬
‫الطريق إلى طبرية‪ ،‬على الجانب الجنوبي‬
‫من سهل يسمى "سهل توران" بمجازاة‬
‫سلسلة من التلل‪ ،‬وبه نبع ماء جيد بعيددا‬
‫عن المستنقعات وغابات القصب التي يفترض أن المدينة أخذت اسمها منها‪.‬‬
‫أما الناصرة فهي قرية في ولية الجليل‪ ،‬وكانت موطن يوسف ومريم العذراء‬
‫والرب يسوع‪ .‬وكانت على الدوام قرية صغيرة منعزلة‪ ،‬بها كنيستان؛ كنيسة البشارة التى‬
‫بنيت فوق الموقع التقليدي لبيت مريم العذراء الموجود تحتها‪ ،‬وبالقرب منها كنيسة‬
‫القديس يوسف‪ ،‬والتى بنيت فوق مكان دكان يوسف النجار‪ .‬وعلى بعد قليل يوجد بئر‬
‫مريم العذراء‪ ،‬الذى ظل يمد القرية بالمياه منذ القرن الول إلى الن‪.‬‬
‫إذن فهناك فى الناصرة من الثار ما يدل على وجود السيد المسيح‪ ،‬والمؤلف‬
‫وهو المشتغل بالتاريخ والثار يعلم هذا جيددا‪ ،‬ولكن ماذا أراد المؤلف؟!!‬
‫يجيبنا المؤلف على تساؤلنا هذا فى بداية المقطع المذكور من الرواية حيث‬
‫يقول )كنت قد مررت فى تطوافى‪ ،‬بالمواضع التى عاش فيها تلميذ المسيح وانطلق‬
‫منها الرسل‪ .‬وقضيت شهودار أتتبع خطى يسوع الموصوفة بالكتب والناجيل(‪ .‬فالمؤلف‬
‫هنا ل يتتبع المسيح ولكن يتتبع المواضع التى عاش فيها تلميذ المسيح‪ ،‬وانطلق منها‬
‫الرسل‪ .‬أي أنه يتتبع انتشار الك ارزة فى العالم‪ ،‬والعبارة التالية تؤكد ذلك حيث يقول‪ً:‬ا‬
‫]أتتبع خطى يسوع الموصوفة بالكتب والناجيل[ أي أنه يتتبع تعاليم المسيح‪ ..‬فماذا‬
‫وجد المؤلف أثناء تتبعه لنتشار الك ارزة ببشارة المسيح؟ وجد الك ارزة مثل غابة وهو‬
‫معنى كلمة قانا‪ ،‬وقد صير الماء والذي يرمز إلى المسيح )أنا هو الماء الحي( إلى‬
‫خمر‪ ،‬أى إلى دعوة للتغيب وأصبح ل يوجد للمسيح أى أثر‪.‬‬

‫يقول هيبا فى صفحة )‪ً:(23‬ا‬

‫فى هذه الفقرة من الرواية يثير الكاتب قضيتين من أهم القضايا فى العقيدة‪ً:‬ا‬
‫القضية الولى إيمانية‪ ،‬والقضية الثانية لهوتية‪.‬‬
‫القضية الولى هي‪ً:‬ا هل النسان المؤمن سبب بركة للمكان )الكنيسة(‪ ،‬أم أن المكان‬
‫بما يحمله من قداسة هو سبب بركة للنسان؟ وهل البركة فينا أم فى الماكن؟‬
‫بدايدة؛ يجب علينا أن نقف على المعنى اللغوي للكلمة محل الجدل؛ أل وهى )البركة(‪،‬‬
‫فلقد جاء فى المعجم الوسيط أن "البركة" تعنى النمو والزيادة والسعادة فهل تحقق‬
‫الكنيسة هذه المعاني للنسان‪ ،‬أم أن النسان بما يحمله من قداسة يسبب المعاني‬
‫السابقة للكنيسة؟‬

‫الكنيسة سبب بركة للمؤمنين‬


‫إن حياة القداسة هي السلوك الطبيعي للمسيحيين )كونوا قديسين(‪ ،‬والنسان‬
‫المسيحي ل يستطيع أن يسلك فى القداسة منفرددا بعيددا عن بركة شركة الكنيسة‪ ،‬لنه‬
‫كما أوردنا سالدفا أن البركة هي النمو والزيادة والسعادة‪ ،‬والكنيسة تحقق هذه العناصر‬
‫الثلثة لبنائها‪ ،‬فالمؤمن المسيحي ينمو روحديا فى حياة القداسة عن طريق كل‬
‫الممارسات الروحية فى الكنيسة من ممارسة السرار والشتراك فى الصلوات‪ ،‬ويزداد‬
‫فى المعرفة عن طريق التعليم داخل الكنيسة‪ ،‬وذلك عن طريق التقليد والتسليم الذي‬
‫تتوارثه الكنيسة جيلد بعد جيل‪.‬‬
‫وهناك السعادة وهو مفهوم شائع داخل الكنيسة فى جميع خدماتها‪ ،‬فكل خدمة‬
‫داخل الكنيسة تؤدى إلى سعادة القائمين عليها‪ .‬فمن العبارات الشائعة داخل الكنيسة‬
‫حينما يقوم أحد الخدام بخدمة معينة يقول مثلد )هاخد بركة خدمة إخوة المسيح(‪ .‬إواذا‬
‫ما طلب أحد الباء عمل خدمة معينة من أحد الخدام؛ يرد عليه الخادم )ناخد بركة يا‬
‫أبونا(‪ ،‬بمعنى يسعدني أن أفعل هذا‪ ،‬أو هذا العمل يسبب لى السعادة‪ .‬ول يهم فى ذلك‬
‫أن يكون مبنى الكنيسة شامدخا؛ مثل كنيسة القيامة كما أورد المؤلف‪ ،‬أو متواضدعا‪.‬‬
‫فهناك كنائس تكاد تكون أكوادخا ولكنها سبب بركة لكل أبنائها‪.‬‬

‫النسان سبب بركة للكنيسة‬


‫يقول القديس باسيليوس الكبير فى رسالته إلى صديقه أيوستاثيوس فى سباستيا‪ً:‬ا‬
‫]أول شئ قد فعلته لصلح مساري القديم فى الحياة هو‪ً:‬ا إنني أختلط بالفقراء‪ ،‬وأمكث‬
‫أق أر فى الكتاب المقدس‪ .‬فكرت فى أن أفضل طريقة للبدء فى طريق الكمال هو أن‬
‫أعتني باحتياجات هؤلء الخوة والخوات المعدومين‪ ،‬أن أشترى أطعمة وأوزعها‬
‫عليهم‪ ،‬ونحيت جاندبا كل تعلقات هذا العالم ومشاكله بعيددا عن عقلي بالكلية‪ ،‬وبحثت‬
‫عن الذين يشاركونني هذا العمل ويسيرون معي فى هذا الطريق‪ ،‬حتى وجدت من‬
‫أبحر معه فى محيط هذا العالم‪.‬‬
‫وجدت كثيرين فى السكندرية ومصر وفلسطين وسوريا وميزوبوتاميا )ما بين‬
‫النهرين(‪ ،‬وتأثرت كثي دار بطريقة اعتدالهم فى الطعام‪ ،‬ومثابرتهم فى العمال‪ ،‬وطريقتهم‬
‫فى أن يقاوموا النوم بالصلة والتسبيح‪ .‬حدقا إنهم يبدون كأنهم قادرين على مقاومة أي‬
‫قوة فى الطبيعة‪ .‬ودائدما يعطون لرواحهم السهر بالكمال‪ ،‬حتى ولو كانوا يعانون من‬
‫الجوع والعطش والبرد والعرى‪ ،‬لم يستسلموا لهواء أجسادهم‪ ،‬أو حتى يعطوها أي‬
‫اهتمام‪ .‬وكأنهم يعيشون فى عالم آخر‪ .‬ويظهرون بأعمالهم أنهم حدقا غرباء عن هذه‬
‫الرض‪ ،‬وموطنهم الحقيقي هو المملكة السمائية‪ .‬حياة هؤلء الناس ملتني بالسعادة‬
‫والتعجب‪ ،‬لنهم أظهروا أنهم حاملين فى داخلهم جسد المسيح‪ .‬ولهذا قررت ‪-‬طالما أنا‬
‫أستطيع‪ -‬أن أحاول إتباع مثل حياتهم[‪.‬‬

‫هنا يوضح لنا القديس باسيليوس الكبير أن النسان الذي يعيش فى قداسة؛‬
‫يكون سبب سعادة وفرح لمن حوله‪ .‬فالكنيسة تفرح بقديسيها‪ ،‬ويكون هؤلء سبب بركة‬
‫للكنيسة‪ ،‬وغني عن الذكر كم يتكحرم الكنيسة قديسيها لنهم سبب بركة لها‪.‬‬
‫إذن فالنسان يمكن أن يكون سبب بركة للمكان‪ ،‬كما أن المكان يمل النسان‬
‫بركة‪ .‬والبركة ليست سر كامن فينا أو فى المكان‪ ،‬ولكنها محصلة تفاعل كل الشياء‬
‫مدعا‪ .‬النسان والمكان والروح القدس الذي هو منبع كل البركات‪.‬‬
‫أما القضية الثانية التى يثيرها المؤلف هنا هي ما هي ماهية ال؟‬

‫ماهية الله‬
‫هنا يبدأ الكاتب يكشر عن أنيابه ويكشف عن خفايا صدره ونواياه ومآربه‬
‫بالتشكيك صراحة في ألوهية السيد المسيح ويتساءل هل قام يسوع حدقا من الموات؟‬
‫وكيف له وهو الله أن يموت بأيدي البشر؟‪ ..‬هل النسان قادر على قتل الله‬
‫وتعذيبه‪ ،‬وتعليقه بالمسامير فوق الصليب؟ ونحن هنا سوف نزايد على الكاتب فنقول‬
‫وهل يمكن أن يكون الله طفلد ويكبر وينمو؟ وهل يعطش الله؟ ومن كان يدير العالم‬
‫وهذا الله في بطن العذراء وهى حبلى به؟ وأيضا من كان يدير العالم أثناء وجود هذا‬
‫الله في القبر؟ وكيف للله أن ييجحرب من الشيطان؟ كل هذه التساؤلت وغيرها ناتجة‬
‫عن عدم مقدرة الكثيرين عن استيعاب مفهوم التجسد‪..‬‬
‫وقبل أن نخوض في المر‪ ،‬علينا أن نؤكد على بعض النقاط وهى‪ً:‬ا‬
‫ل ينبغي علينا أن نقحيم السلوك اللهي بمفهومنا البشرى‪ ،‬فنحن ل نعلم الطبيعة‬ ‫‪‬‬
‫الكاملة التي تحكم سلوكيات وتصرفات ال‪ ،‬ولكننا فقط نعرف ما استعلن لنا منها‪ .‬فما‬
‫نراه إهانة‪ ،‬قد يراه ال غير ذلك‪ .‬فأفعال ال تتم من خلل منظومة ربانية ل يستعلن‬
‫منها إل ما نستطيع إدراكه‪ .‬أما باقي المنظومة فل نستطيع إدراكها لقصور عقلنا‬
‫البشرى عن استيعابها‪ .‬فيجب علينا أن ندرك دائدما أنه في أحيان كثيرة ما نراه فعلد‬
‫ل‪ ،‬قد يكون جزدء من هذا الفعل وليس كله‪ .‬يقول القديس كيرلس الكبير عمود‬
‫إلهديا كام د‬
‫الدين عن التجسد‪ً:‬ا "إننا ل نستطيع أن نعرف كيفية التحاد القنومى )التجسد( لنه‬
‫كما يصفه هو‪ً:‬ا‬
‫♦ فائق الوصف‪.‬‬
‫♦ سرى بصفة مطلقة‪.‬‬
‫♦ ل ينطق به‪.‬‬
‫♦ يفوق العقل‪.‬‬
‫♦ سرى وفائق العقل‪.‬‬

‫إن السلوك اللهي تجاه البشرية نابع من قصد ال في خلق البشرية‪ ،‬هذا القصد‬ ‫‪‬‬
‫لم يعلن عنه ولكنه معد بحسب التدبير‪.‬‬
‫إن وجود البشر فى الجسد هو عملية خلق وخروج كائن من آخر‪ .‬أما بالنسبة‬ ‫‪‬‬
‫ل فهي ليست كذلك‪ ،‬فالتجسد بالنسبة ل هو قدرة من قدراته‪ ،‬فهو قادر على التجسد‬
‫مثلما هو قادر على الخلق‪ .‬واستخدام ال لقدرة من قدراته؛ ل يعنى أن جوهر ال‬
‫تغير‪ ،‬فلماذا نتقبل حقيقة خلق ال للروح‪ ،‬مع أننا ل نعرف الكيفية التي يخلق ال بها‬
‫الروح‪ ،‬ولكننا نقر أن ال هو خالق ومعطى الحياة فهذه هي قدرته‪ ،‬ونعود ونرفض‬
‫قدرته على التجسد وينصر أن نعلم دقائق هذا المر؟‬
‫وعلى كلل فإن ال لم يتركنا في هذه الحيرة‪ ،‬وأفصح لنا عن الكثير عن قدرته‬
‫على التجسد فيما يخصنا‪ .‬فهو لجل خلص البشرية اختار أن يتجسد من عذراء‪،‬‬
‫وذلك بأنه اتخذ له طبيعة بشرية من هذه العذراء؛ واتحد بلهوته بهذه الطبيعة منذ‬
‫لحظة تكوينها‪ ،‬فهذه الطبيعة لم توجد منفردة على الطلق‪ .‬وهنا نؤكد على أن‬
‫اللهوت يمل الكون كله‪ ،‬وهو في نفس الوقت متحد بالطبيعة البشرية‪ ،‬ول يتأثر‬
‫اللهوت مطلدقا بما يقع على هذه الطبيعة‪ .‬ولكن هذه الطبيعة هي التي تنمو‪،‬‬
‫وتعطش‪ ،‬وتتألم‪ ،‬وتموت جسدديا ل روحديا‪ ..‬الخ‪ .‬كل هذا لكي يفتدى البشرية ويمحو‬
‫عار الخطية منها‪ .‬أما من ناحية هل النسان قادر على قتل الله؟ فمن يقتل؛ هو‬
‫الجسد المتحد باللهوت‪ ،‬أما اللهوت فل يمكن لمخلوق أن يمسه‪.‬‬
‫تحريف النجيل‬
‫يبــدو أن كنانــة المؤلــف قــد حــوت كــل الســهام الموجهــة ضــد المســيحية‪ .‬وهــا هــو‬
‫يطلق سهامه الواحد تلو الخر لعله يصيب بهـذه السـهام مـا لـم يسـتطع غيـره أن يصـيبه‬
‫أو يظن أنـه قــد تنجــح بعــض ســهامه فــي إصــابة أهـداف لــم تصـبها ســهادما أخـرى‪ ،‬ولكـن‬
‫هيهــات فســهامه قــد بــدت ضــعيفة ومقوضــة وقوســه قــد ارتخــى خيطــه‪ ،‬فكــل ســهامه ل‬
‫تنطل ــق إل تح ــت ق ــدميه‪ ،‬فح ــاول أن يج ــرب حظ ــه ه ــذه المـ ـرة رم ــي النجي ــل واليح ــاء‬
‫بتحريفــه‪ ،‬فلقــد جــاء فــي صــفحة )‪ (36‬فــي حــديث بيــن هيبــا ال ارهــب المتخيــل ونســطور‬
‫‪-‬وهو طبدعا حديث متخيل لم يقع بالفعل‬
‫هنا تبدو الدللة واضحة ل تحتاج إلـى اســتنباط‪ ،‬حيــث يــوحى المؤلـف بــأن كلم‬
‫السيد المسيح الصحيح موجود في الناجيل التي ذكرها وهى‪ً:‬ا )توما والمصريين ويهــوذا‬
‫وســفر الســفار(‪ .‬ويبــدو أنــه قــد نســى إنجيــل مريــم إوانجيــل برنابــا وأناجيــل الطفولــة‪ ،‬تلــك‬
‫الكتب حسب ما جاء على لسان نسطور كتـب تمنعهـا الكنيسـة‪ ،‬ويحـب نسـطور اقتنائهـا‬
‫ولنا هنا بعض الملحظات‪ً:‬ا‬
‫الذي منع هذه الكتب؛ هى الكنيسة لمر لم يذكره المؤلف‪.‬‬ ‫‪o‬‬
‫يريد المؤلف أن يوهم القارئ بأن هرطقة نسطور هي الرأي السليم والصحيح‪،‬‬ ‫‪o‬‬
‫لنه يعرف من الناجيل المذكورة كلم المسيح الحقيقي‪ .‬وأن محاربة الكنيسة لنسطور‬
‫لم تكن دفادعا عن اليمان‪ ،‬ولكن عقادبا له على كشف المستور في هذه الناجيل!!‬
‫إن كانت هذه الكتب هي الناجيل المحببة لنسطور‪ ،‬وهو المبجل حسب وصف‬ ‫‪o‬‬
‫المؤلف‪ .‬فلبد أن يكون النجيل المتداول في الكنيسة أبان زمن الرواية هو إنجيل‬
‫محرف ل يحتوى على الكلم الصحيح للسيد المسيح‪.‬‬
‫إننا هنا نريد أن نخبر المؤلف حقيقة‪ ،‬وهى‪ً:‬ا هناك الكثير من الناجيل‪ ،‬آخرها ما تم‬
‫اكتشافه في نجع حمادي‪ ،‬ول نعرف بأي أناجيل أخرى سوف تخبرنا بها اليام‪ .‬وليس‬
‫كل كتاب احتوى غلفه على كلمة إنجيل تأخذ به الكنيسة‪ .‬فكتاب الكنيسة المقدس؛ تم‬
‫جمعه وتدوينه والتأكد من مصادر هذا الجمع والتدوين‪ ،‬وهو غير قابل للضافة أو‬
‫الحذف‪ .‬كما أن الكنيسة لم تحرف النجيل؛ لنه ل توجد مصلحة لحد في تحريف‬
‫الكتاب المقدس‪ .‬وسوف نثبت هنا بالدليل القاطع والبرهان‪.‬‬

‫استحالة تحريف الكتاب المقدس‬


‫إن الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد هو نوحدةة واحدةة ل تنفصل ول تتجزأ‪.‬‬
‫فالكتاب المقدس في تناغم شديد ل يقدر على صنعه بشر يشهد بنفسه لنفسه‪ .‬فإن تم‬
‫حذف أو إضافة أي أجزاء منه أو إليه؛ لفظها الكتاب وشهد بها‪.‬‬
‫ومن يريد أن يحرف الكتاب المقدس‪ ،‬عليه أن يقوم بعمل كتاب جديد‪.‬‬
‫والناجيل المزعومة التي ذكرها المؤلف وغيرها الكثير‪ ،‬ليست من وحدة ول نسيج‬
‫الكتاب المقدس‪ ،‬ولذلك لفظها الكتاب ورفضتها الكنيسة‪ .‬فإن كانت هذه الناجيل‬
‫المزعومة بها من الحقائق الخفية التي اعتمد عليها نسطور في بدعته لكان قد ظهر‬
‫هذا في الرسائل المتبادلة بينه وبين القديس كيرلس الكبير‪ ،‬أو على القل كان قد أشار‬
‫نسطور إلى مرجعياته التي اعتمد عليها للتدليل على صحة ما احدعاه من هرطقة‪.‬‬
‫ولكن رسائل نسطور على قدر ما كان بها من خروج عن العقيدة‪ ،‬إل أنه لم يشر من‬
‫قريب أو من بعيد إلى هذه الناجيل المزأعومة‪ ،‬ولم يشكك أبيدا في صحة الكتاب‬
‫المقدس من قريب أو من بعيد‪ ،‬بل استخدم آيات الكتاب المقدس‪.‬‬
‫إن اتخاذ الهرطقات التي ظهرت في الكنيسة زريعة للتشكيك في صحة الكتاب‬
‫المقدس‪ ،‬باعتبار أن هؤلء الهراطقة أتوا ما أتوا من هرطقات لن لديهم صحيح الكتاب‬
‫المقدس هو عمل من ضروب الخيال‪ .‬فعلى مر عصور الكنيسة وما حفلت فيه بعض‬
‫هذه العصور من بدع وهرطقات؛ إل أنه ل يوجد من بين كل هراطقة الكنيسة من‬
‫ادعى بتحريف الكتاب‪ ،‬بل على العكس كانت كل حججهم مؤيدة بنص الكتاب‪ .‬هذه‬
‫الحجج التي قامت على أساس قصور في تفسير النص الكتابي أو فهم خاطئ لهذا‬
‫النص‪ .‬ولكننا هنا سوف نسير قددما مع المؤلف في ادعائه بتحريف الكتاب المقدس‪،‬‬
‫لنرى في النهاية إذا ما كان قد ححرف هذا الكتاب أم ل‪ .‬والسؤال الطبيعي الذي يقفز‬
‫أمامنا الن هو‪ً:‬ا من هم أصحاب المصلحة في تحريف الكتاب المقدس؟ وهذا السؤال‬
‫ل يحتاج إلى إجابة فإما أن يكون اليهود هم من حرفوا الكتاب أو يكون المسيحيون‬
‫أنفسهم هم من حرفوا الكتاب وسوف نناقش هذين الحتمالين‪.‬‬

‫هل حرف اليهود الكتاب المقدس ؟‬


‫إذا افترضنا جدلد أن اليهود قد قاموا‬
‫بتحريف النجيل فإنه من الطبيعي أن يقوموا‬
‫بأمرين مهمين وهما‪ً:‬ا‬
‫‪ ‬حذف كل النبوءات التي تتحدث عن السيد المسيح الذي صلبوه ولم يؤمنوا بمجيئه‬
‫)إلى خاصته جاء وخاصته لم تقبله( وذلك لنفى ألوهية المسيح‬
‫‪ ‬كانوا قد حذفوا كل اللعنات التي لعنهم ال بها‪.‬‬

‫ولكن النبوءات التي تتحدث عن السيد المسيح كما هي‪ ،‬واللعنات موجودة حتى الن‪،‬‬
‫إذن يستبعد أن اليهود قد قاموا بتحريف الكتاب‪.‬‬

‫هل حررف المسيحيون الكتاب المقدس؟‬


‫إن قيام المسيحيين بتحريف الكتاب المقدس أمر مستبعد ومستحيل وذلك‬
‫للسباب التية‪ً:‬ا‬
‫‪ ‬لو حرف المسيحيون الكتاب المقدس لعترض اليهود وهاجوا وكشفوا هذا‬
‫التحريف وفضحوه‪.‬‬
‫‪ ‬في الحقبة الزمنية التي تدور فيها أحداث الرواية؛ كان النجيل كان قد انتشر‬
‫منه نسخ عديدة في جميع أنحاء العالم‪ .‬ودليلنا على ذلك هو أن هيبا ييقر في‬
‫الرواية بأن الكتب المسموح بها موجودة في الكنيسة وفى كل مكان‪ .‬فكيف إذن‬
‫تم تجميع كل هذه النسخ وتحريفها مدعا؟ إوان كان المر كذلك‪ ،‬لماذا لم يشر‬
‫نسطور أو هيبا في الرواية أن أحدهما يحتفظ لديه ضمن ما يحتفظ من الكتب‬
‫المحرمة بنسخة من النجيل الذي لم يحرف؟‬
‫‪ ‬إن الرواية تتضمن بين أحداثها صراع الكنائس المختلفة عقائدديا ومنهجديا‪ ،‬فهل‬
‫اختلفت هذه الكنائس في العقيدة واتفقت على تحريف الكتاب المقدس؟‬
‫إذن ل اليهود حرفوا الكتاب‪ ،‬ول المسيحيون حرفوا الكتاب‪ ،‬ول يوجد أسادسا كتاب غير‬
‫الذي يتداول داخل الكنيسة‪ .‬ومن ثم يطيش هذا السهم الذي رمى به المؤلف الكنيسة‪..‬‬
‫فإلى سهام أخرى إذن‪.‬‬

‫معمودية الروح‬
‫جاء في الرواية في حديث للسقف تيودور )والذي حرمت الكنيسة تعاليمه( في‬
‫صفحة )‪ً:(29‬ا‬
‫ل يفوت‬
‫المؤلف‬
‫فرصة حتى‬
‫يهاجم كل‬
‫مفردات‬
‫العقيدة‪ ،‬وها‬
‫هو بدأ في الدخول على أسرار الكنيسة‪ ،‬وبدأها بأول السرار وهو سر المعمودية‪.‬‬
‫وليعلم القارئ أن هذه ليست إل بداية تمهيدية منه تجاه سر المعمودية تحديددا‪ .‬فسوف‬
‫يعود للسقاط على السر مرة أخرى‪ ،‬وبطريقة سافرة ومستفزة لحدقا‪ ،‬سوف نتعرض لها‬
‫في حينها‪.‬‬
‫ولكن لنبقى الن مع حديث السقف ديودور الذي تخيله المؤلف‪ ،‬والذي كان يتحدث‬
‫فيه السقف عن الخلص‪ ،‬إوان الخلص ل يكون إل عن طريق العماد‪ ،‬وليلحظ‬
‫القارئ أن المؤلف استخدم لفظة العماد وليس المعمودية مق دار بأن العماد هو قيامة‬
‫للروح من موت الجسد‪ ،‬أي أن العماد المزعوم خاص بالروح‪ ،‬فهو إذن عملية معنوية‬
‫وليس طقس مادي روحي‪ .‬وعندما يتطرق لذكر لفظ المعمودية؛ يقول اعرفوا بقلوبكم‬
‫)أي أرواحكم( سر المعمودية‪ ،‬ولنا هنا بعض التوضيحات‪ً:‬ا‬
‫على الرغم من إقرار المؤلف بأن المعمودية سر‪ ،‬إل إنه ل يتعرض لطقسية‬ ‫‪o‬‬
‫السر ول كيفية ممارسته‪.‬‬
‫يرى أن السر خاص بالروح وليس بالجسد‪.‬‬ ‫‪o‬‬
‫يرى أن السر يدرك )اعرفوا المعمودية بقلوبكم( ول يمنح أو يمارس‪.‬‬ ‫‪o‬‬
‫إن ما ذكره المؤلف عن المعمودية هو ما يعرف "بمعمودية الروح القدس" هكذا‬ ‫‪o‬‬
‫يسمونها الخمسينيون‪ ،‬وهكذا تنادي جماعة الكرزماتك‪ ،‬والذين يتبعون الخمسينيين دون‬
‫أن يعلنوا عن ذلك‪ ،‬حيث يدعون إن الروح القدس يحل على شخص ما فيمتلئ منه‪،‬‬
‫وهكذا يصير الشخص معمددا بالروح القدس‪ ،‬وهى عقيدة مرفوضة أرثوذكسديا‪.‬‬
‫ونحن هنا سوف ل ندخل في جدال حول هذا السر العظيم‪ ،‬ولكن وقد اعتنق المؤلف‬
‫روائديا فكر معمودية الروح القدس لزم علينا أن نجيبه بخطأ هذه العقيدة برد الشئ إلى‬
‫أصوله‪ .‬فالصل في المعمودية قول السيد المسيح "من آمن واعتمد خلص" )مر ‪ً:16‬ا‬
‫‪ (16‬وبالتدقيق في الية نجد أن‪ً:‬ا‬
‫السيد المسيح قال‪ً:‬ا "من آمن واعتمد" ولم يقل )من آمن ويعحمد(‪ ،‬أي أن‬ ‫‪o‬‬
‫المعمودية عمل يختار النسان القيام به إن كان راشددا‪ ،‬أو من يتولى أمره إن كان‬
‫ل‪ ،‬وليس عمل يمنح من الروح القدس على الرغم مما في السر من منح للروح‬
‫طف د‬
‫القدس يتم عن طريق الطقس‪ .‬فإن كان السر يمنح لشخاص دون غيرهم‪ ،‬فبالتالي من‬
‫لم يحصل على السر‪ ،‬سوف يدان أمام ال‪ ،‬فكيف يدينه ال إذن عن أمر استحال‬
‫عليه فعله؟‬
‫طاشت مرة أخرى سهام المؤلف‪..‬‬
‫أسرار الكنيسة السبعة‬
‫بعد أن شكك المؤلف في إله المسيحية وحاول التشكيك في كتابها المقدس‪ ،‬ها‬
‫هو يبدأ بالدخول على تفاصيل العقيدة‪ ،‬وأول ما قابله في هذه التفاصيل هي أسرار‬
‫الكنيسة السبعة‪ .‬فلماذا إذن ل يجرب حظه هذه المرة في مناقضة هذه السرار؟‬
‫حسدنا ليأت المؤلف بكل ما في جعبته من إبداعاته اليمرة‪ ،‬ويبقى علينا نحن أن‬
‫نوضح صحة ما نؤمن به وما نعتقد‪..‬‬
‫إن السر هو عمل مقدس به ينال المؤمن نعمة غير منظورة‪ .‬والسيد المسيح‬
‫تبارك وتمجد اسمه بما أنه هو مصدر كل النعم‪ ،‬ورئيس هذه الطبيعة‪ ،‬فإن له القدرة أن‬
‫يوصل تأثيرات النعمة الفائقة للطبيعة إلى تأثيرات طبيعية‪.‬‬
‫والسرار في كنيستنا عددها سبعة‪ً:‬ا المعمودية‪ ،‬المسحة‪ ،‬التوبة والعتراف‪،‬‬
‫الفخارستيا‪ ،‬مسحة المرضى‪ ،‬الزيجة‪ ،‬الكهنوت‪ .‬وهذا الرقم بل زيادة أو نقصان هو‬
‫اعتقاد كل الكنائس الرسولية منذ القرون الولى‪.‬‬
‫ولكي يتم السر فإنه يلزم له ثلثة شروط‪ً:‬ا مادة السر‪ ،‬طقس السر‪ ،‬خادم السر‬
‫وهو دائدما الكاهن‪ .‬وتعمل السرار جميعها بفعل الروح القدس فقط‪ ،‬فل يشترط لصحة‬
‫السر صلح الكاهن ول إيمان القابل‪ ،‬لن قوة السر بحسب النعمة التي يمنحها السر‬
‫تتوقف على إرادة الرب يسوع الذي هو نفسه متمم السر بوجود غير منظور‪.‬‬
‫هذا هو تعريف السرار وبيان كيفية عملها وفاعليتها‪ ،‬وهى من المور المقدسة‬
‫داخل الكنيسة‪ ،‬بل نستطيع أن نؤكد أن هذه السرار هي الكنيسة ذاتها فإن اختحلت هذه‬
‫السرار انتفت الكنيسة‪ ،‬فل يجوز إذن التهكم بها أو السقاط عليها‪ ،‬ولكن المؤلف وقد‬
‫استباح لنفسه رب هذه السرار‪ ،‬أفل يستبيح السرار؟!!‬

‫لنرى إذن ما أتاه المؤلف في ع اززيله بخصوص هذه السرار المقدسة‪.‬‬


‫سرالمعمودية‬
‫من المعروف أن المعمودية تتم بالتغطيس في جرن كبير داخل الكنيسة‪ ،‬يقول‬
‫المؤلف في صفحة ‪ 87‬بعدما مارس البطل مع أوكتافيا ما مارس من فنون الجنس‬
‫وذهبت به إلى الستحمام في الحمام الملحق خارج غرفتها‪.‬‬

‫إن المؤلف يتخذ من شخصية أوكتافيا رم داز لكنيسة السكندرية في ذلك الوقت‬
‫‪-‬سوف نوضح ذلك بالتفصيل لحدقا‪ -‬تلك الكنيسة التي أصابها الفساد‪ ،‬والتي‬
‫أصبحت تأوي داخلها إكليرودسا فاسددا )هيبا(‪ ،‬وأصبح إيمان هؤلء الكليروس الذين‬
‫تعمدهم به هذه الكنيسة هو محصلة فكر وسلوك منحرف‪..‬‬
‫رموز المعمودية واضحة عند المؤلف‪ً:‬ا الحوض )جرن المعمودية(‪ ،‬والزيت‬
‫العطري الفواح )الميرون(‪ ،‬والتغطيس )تناولت بكفيها من الماء وفركت شعر رأسي(‪،‬‬
‫أي أنه بكامله قد أصبح داخل الماء‪ ،‬ولكن هل هذه هي معموديتنا؟!! هل المعمودية‬
‫بدعة ابتدعتها الكنيسة؟! أم أن هذه المعمودية طقس احتفالى ل قداسة فيه؟!‬
‫إننا نؤمن حسب إيماننا الرثوذكسي السليم أن المعمودية سر مقدس تسحلمناه‬
‫من رب المجد يسوع المسيح نفسه‪ ،‬كما نؤمن بفاعلية هذا السر كما جاء في كتابنا‬
‫المقدس‪.‬‬
‫وبهذه المعمودية‪ً:‬ا‬
‫‪ (1‬يتم الخلص‪ً:‬ا مر ‪ً:16‬ا ‪ ،16‬تى ‪ً:3‬ا ‪1 ،5‬بط ‪ً:3‬ا ‪21 ،20‬‬
‫‪ (2‬ننال بها الميلد الثاني‪ً:‬ا يو ‪ً:3‬ا ‪ ،5-3‬تى ‪ً: 3‬ا ‪5‬‬
‫‪ ( 3‬ننال بها الغسل من الخطايا‪ً:‬ا أع ‪ً: 22‬ا‪16‬‬
‫‪ (4‬ننال بها مغفرة الخطايا‪ً:‬ا أع ‪ً:2‬ا ‪38‬‬
‫‪ (5‬هي موت مع المسيح وقيامة معه‪ً:‬ا رو ‪ً:6‬ا ‪ ،4‬كو ‪ً:2‬ا ‪12‬‬
‫‪ (6‬بها نلبس المسيح‪ً:‬ا غل ‪ً:3‬ا ‪27‬‬
‫‪ (7‬بها ننضم إلى عضوية الكنيسة‪ً:‬ا تك ‪ ،17‬كو ‪2‬‬
‫‪ (8‬هي أمر إلهي‪ً:‬ا مت ‪ً: 28‬ا ‪ ،19‬مر ‪ً: 16‬ا ‪16‬‬
‫فهل يجوز إذن التعرض لهذا السر العظيم وما يحمله من قداسة لكل مسيحيي العالم‬
‫بمثل هذه الرمزية والتشبيه؟‬

‫سر العتراف‬
‫هنا يحاول المؤلف كما حاول من قبل ولن يكف عن محاولته في الترويج إلى‬
‫كل متناقضات الرثوذكسية‪ ،‬فها هو بعد أن حاول فلسفة العقيدة ولم يفلح‪ ،‬بدأ يبحث‬
‫عن كل ما يخالف العقيدة ويتضاد معها سواء في طبيعة اليمان أو في مفهوم اليمان‬
‫نفسه‪ ،‬وهو ل ينحاز إلى فكر بحد ذاته‪ ،‬ولكنه يأخذ مقتطفات وأفكار من كل‬
‫التجاهات التي تتعارض مع المفهوم الرثوذكسي السليم‪.‬‬
‫فلماذا إذن ل يعرج على البروتستانت عله يجد عندهم ما يفيده في سعيه نحو‬
‫نقض العقيدة‪ ،‬فنجده قد راق له مفهوم البروتستانت لسر العتراف‪ .‬فلماذا ل يزج بهذا‬
‫المفهوم ضمن ما حشد من وسائل الهجوم على الرثوذكسية؟ نراه في صفحة ‪100‬‬
‫يورد على لسان هيبا الراهب المتخيل‪ً:‬ا‬

‫يغير المؤلف هنا من طريقة هجومه‪ ،‬فالمضمون ل خلف عليه وهو الهجوم على‬
‫العقيدة‪ .‬ولكنه يغير من شكل الهجوم هذه المرة‪ ،‬فبعد أن لجأ إلى التسفيه في رمزيته‬
‫لسر المعمودية دون أن يتعرض له صراحة نظ دار لفجاجة التناول‪ ،‬نجده هنا يتعرض‬
‫صراحة لسر العتراف‪ ،‬وظاهر التناول هنا يبدو رقيدقا وبديدعا‪ ،‬ولكن باطن هذا التناول‬
‫خبيدثا ومريدبا‪ .‬فهو يبدأ عبارته بكلمة العتراف دون أن تسبقها كلمة سر‪ ،‬وبذلك ينفى‬
‫عن سر العتراف عمل الروح القدس غير المنظور في هذا السر‪ ،‬ويلجأ بدهاء شديد‬
‫إلى توصيفه بلفظة كنسية أل وهى كلمة طقس )وتعنى ترتيب(‪.‬‬
‫اعتبر العتراف طقس وليس سر‪ ،‬فهو إذن ترتيب‪ ،‬مجرد ترتيب ليس إل‪ ،‬ل‬
‫توجد فيه أي جوانب فوقانية‪.‬‬
‫وكذلك لم يتعرض إلى الكهنوت الذي يتم من خلله ممارسة السر‪ ،‬ليتم بذلك‬
‫اختزال السر وتفريغه من محتواه ببلغة شديدة ودون إطالة‪.‬‬
‫والمؤلف هنا يتناقض مع نفسه بين ما يعلمه حقيقة عن طبيعة السر‪ ،‬وبين‬
‫رؤيته النافية لكونه سر‪ .‬ولنناقش هنا عبارتين وردتا في نفس السياق تظهران التناقض‬
‫الذي وقع فيه المؤلف وهما‪ً:‬ا‬
‫"العتراف طقس بديع‪ ،‬يطهرنا من خطايانا كلها" ولنا هنا أن نتساءل إن كان‬ ‫‪‬‬

‫العتراف مجرد طقس أي أنه ترتيب ليس أكثر أو أقل‪ ،‬فكيف إذن يطهرنا ترتيب أو‬
‫طقس من خطايانا كلها؟ إن التطهير من الخطايا يحتوى على مغفرة لهذه الخطايا‪.‬‬
‫ومن المسلمات والبديهيات أنه ل يقدر على غفران الخطايا إل ال‪ ،‬فإن كان ال غير‬
‫حاض دار فى العتراف‪ ،‬فكيف سننال مغفرة خطايانا‪ ،‬وكيف كما عحبر المؤلف يطهرنا‬
‫العتراف من خطايانا كلها؟ إذن لبد أن يكون ال حاض دار أثناء ممارسة الطقس‪ ،‬فإن‬
‫كان حضور ال غير منظور أو مرئي وبشكل سرائري‪ ،‬أل يتعين إذن وجود من له‬
‫سلطان وصلحيات النابة أو الوكالة عن ال في ممارسة السر؟ أليس الكاهن وكيل‬
‫سرائر ال المؤتمن على ممارسة تلك السرار؟ إذن يتعين وجود كاهن لكي يتمم هذا‬
‫السر‪.‬‬
‫أما العبارة الثانية هي قوله إن العتراف "يغسل قلوبنا بماء الرحمة الربانية‬ ‫‪‬‬

‫السارية في الكون" وهذه العبارة تأكيددا لما جاء في العبارة سابقتها مع اختلف‬
‫الصياغة‪.‬‬
‫إن العبارتين المشار إليهما هما المضمون الحقيقي لسر العتراف وهو ما يختزنه‬
‫المؤلف في باطنه ويعلمه جيددا‪ .‬فكان يمكن له أن يسير في هذا التجاه ولن يخل هذا‬
‫بسياق الحدث في الرواية أو يضعف من بنائيتها‪ .‬على العكس فإن هذا الخط سوف‬
‫يثرى الدراما في الرواية ويعطيها أبعاد أعمق من السطحية التي تناول بها المؤلف‬
‫مفرداته‪ .‬ولكن كما يقول معلمنا القديس بطرس الرسول‪ً:‬ا "كلب قد عاد إلى قيئه‪،‬‬
‫وخنزيرة مغتسلة إلى مراغة الحماة" )‪2‬بط ‪ً:2‬ا ‪ ،(22‬فيعود المؤلف هنا لينهل من قيئه‬
‫ليقرر هيبا أنه سوف يعترف إلى رقوته المزعومة‪ .‬أي أن هيبا هنا سوف يعترف إلى‬
‫نفسه بنفسه وعلى يد نفسه‪.‬‬
‫لقد قرر المؤلف أن يزايد على الجميع‪ ،‬فعلى الرغم من أن البروتستانت‬
‫يختلفون معنا في مفهوم العتراف إل أنهم يرون ‪-‬هذا مفهومهم‪ -‬أن العتراف يجب‬
‫أن يكون إلى ال مباشرة ولم يتبنوا فكرة إمكانية أن يعترف الشخص إلى نفسه‪ ،‬فإن‬
‫اعترف النسان إلى نفسه‪ ،‬فإن نفسه ‪-‬وهى في الصل المحرك على ارتكاب‬
‫الخطايا‪ -‬لن تلومه وتبكته على ما فعل‪ ،‬ولكن سوف تلجأ تلك النفس إلى إيجاد‬
‫مبررات لتلك الخطايا وتهوينها والحتماء بضعفها إلى غير ذلك من وسائل‪ .‬وبذلك‬
‫يستسهل النسان الخطية ويعتاد ارتيادها‪ .‬وتسحلمه نفسه من خطايا أصغر إلى خطايا‬
‫أكبر في سلسلة متوالية ل تنتهي إل بهلك تلك النفس البشرية‪ .‬فهل هكذا تكون قد‬
‫تطهرت النفس من خطاياها كلها كما زعم المؤلف؟! كيف تتطهر النفس من خطاياها‬
‫إن لم تجد من يبكتها عليها ويساعدها على التوبة عن تلك الخطايا؟!!‬
‫إن العتراف في حد ذاته إواقرار الخطية دون ندم على ذلك؛ ل يفيد في‬
‫خلص النسان‪ .‬فبدون التوبة ل يوجد خلص )لو ‪ً:13‬ا ‪ .(5 ،3‬والنسان منفرددا وهو‬
‫في حالة الخطية غير قادر على التوبة‪ ،‬فهو مثل المريض الذي يحتاج إلى طبيب‬
‫يصف له العلج‪ ،‬فهو ل يعرف علج نفسه‪ .‬كذلك النسان المحتاج إلى التوبة ل‬
‫يعرف علج نفسه روحديا‪ ،‬ولكنه يحتاج إلى الكاهن )الطبيب( لكي يصف له الدواء‪.‬‬
‫ويتوقف شفاء المريض على فاعلية الدواء وتنفيذ توصيات الطبيب‪ .‬ول يتوقف دور‬
‫الكاهن هنا على النصح والرشاد‪ ،‬ولكنه يتابع مع النسان مراحل توبته وجهاده‬
‫الروحي )أم ‪ً: 28‬ا ‪1 ،18‬يو ‪ً:1‬ا ‪.(9‬‬
‫سر‬

‫الفخارستيا‬
‫في وصف المؤلف لول لقاء بين هيبا وأوكتافيا يورد الفقرة التالية في صفحة‬
‫‪ً: 82‬ا‬
‫إن سر التناول المقدس هو من دعائم اليمان الرثوذكسي القويم‪ .‬فهذا السر قد‬
‫أسسه ربنا يسوع المسيح تبارك وتمجد اسمه فيما عرف اصطلدحا بالعشاء الخير‪،‬‬
‫وفيه أكل السيد المسيح مع تلميذه خبدزا‪ ،‬وشرب عصير الكرمة الممزوج بالماء معهم؛‬
‫مؤكددا أن هذا الخبز هو جسده الحقيقي‪ ،‬والكرمة هي دمه الحقيقي‪ ،‬مطالدبا تلميذه أن‬
‫يصنعوا هذا العشاء ويتناولوا منه دائدما لن هذا التناول‪ً:‬ا‬
‫يهب الحياة )يو ‪ً:6‬ا ‪.(41 ،33‬‬ ‫‪‬‬
‫خبز السماء الحي )يو ‪ً:6‬ا ‪.( 51‬‬ ‫‪‬‬
‫صا وغف اردنا وحياة أبدية )يو ‪ً:6‬ا ‪.(58 ،53‬‬
‫يعطى عنا خل د‬ ‫‪‬‬
‫به نثبت في المسيح )يو ‪ً:6‬ا ‪.(56‬‬ ‫‪‬‬
‫شرط لتبعية المسيح )يو ‪ً:6‬ا ‪.(69-66‬‬ ‫‪‬‬
‫ذكرى للم الرب وموته المحيى ومجيئه )‪ 1‬كو ‪ً:11‬ا ‪.(26‬‬ ‫‪‬‬
‫شركة في جسد المسيح )‪ 1‬كو ‪ً:16‬ا ‪.(10‬‬ ‫‪‬‬
‫فالسر إذن ليس بدعة ول وجهة نظر إيمانية للكنيسة يمكن الختلف معها أو‬
‫التفاق عليها‪ ،‬ولكنه أصل من أصول العقيدة مؤيد بنص الكتاب المقدس والتسليم‬
‫البائى الذي أخذناه نقديا من الباء الولين‪ .‬والحديث عن هذا السر يتم دائدما في إطار‬
‫القداسة والطهارة اللئقتين به‪ .‬وعلى الرغم من أننا نفهم أن اليحاءات الجنسية‬
‫والباحية الواردة هنا ل يقصدها المؤلف بظاهرها ولكن يقصد بها رصد واقع توهمه‬
‫عن علقة الكنيسة بالرهبنة أبان عصر البابا كيرلس الكبير عمود الدين‪ ،‬إل أننا ل‬
‫نستطيع أن نقبل أن ييهان وييمتهن السر العظيم ليتم ترميزه من خلل مقدمات علقة‬
‫جنسية أديا كان المقصود بها‪ .‬فرموز الفخارستيا شديدة الوضوح هنا وهى‪ً:‬ا‬
‫‪ ‬عبارة "اللقمة الخيرة" تدل على أن أوكتافيا تناول هيبا خبدزا‪ .‬فكلمة لقمة ل‬
‫تقترن إل بكلمة خبز أو كلمة عيش‪ ،‬والعبارة كلها إشارة إلى العشاء الخير‪.‬‬
‫عبارة "سأسقيك أطيب نبيذ" فالنبيذ ما هو إل عصير الكرمة والماء‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫عبارة "تسكب في روحي رشفات من نبيذها السماوي" دللة على تقديس هذا‬ ‫‪‬‬
‫النبيذ فهو ليس كأي نبيذ‪ ،‬ولكنه أتى من السماء‪ .‬وتسكب في روحي تدل على روحانية‬
‫ل‪ً:‬ا تسكب في داخلي‪ ،‬أو‬
‫هذا النبيذ‪ .‬فلو كان يقصد التأثير الفيزيقى للنبيذ لقال مث د‬
‫تسكب في جسدي‪ ..‬الخ‬
‫عبارة "لم أذق مثل هذا النبيذ‪ ،‬ولم أشرب بعد" هي إشارة إلى قول السيد‬ ‫‪‬‬
‫المسيح‪ً:‬ا "إني من الن ل أشرب من نتاج الكرمة" )مت ‪ً:26‬ا ‪.(29‬‬

‫كان يجب على المؤلف طالما قرر التعرض للسرار المقدسة أن ينتقى عباراته‬
‫وتعبيراته ورموزه إوايحاءاته ل أن يلجأ إلى مبتذل الكلم ووضيع الكناية‪ .‬فالصل فى‬
‫آداب الحديث أن "لكل مقام مقال"‪ ،‬ولكن المقال هنا لم يكن من مقام السر العظيم‪.‬‬
‫نحن نفهم جيددا أن المؤلف يتعمد إثارة أهل المسيحية سواء صراحة أو تلميدحا‪،‬‬
‫هذه الثارة التي سوف نبين أنها متعمدة ومقصودة ولم تأنت عفدوا‪ .‬فتلك الثارة هي جزء‬
‫من منظومة نرى أن المؤلف قد تورط فيها لثارة الفتنة‪ ،‬بدعوى حرية الرأي والبداع‪.‬‬
‫إننا على الرغم من أننا نؤكد أن الكنيسة تعيش أزهى عصورها الثقافية‪ ،‬فسوف‬
‫يذكر التاريخ عامة والكنسي خاصة أن عصر قداسة البابا شنودة الثالث هو أزهى‬
‫عصور الكنيسة ثقافة ومعرفة وتنويدرا‪ .‬ولكن هل يعنى قبولنا للرأي والرأي الخر أن‬
‫نقبل إهانة مقدساتنا؟! بالطبع ل‪ ،‬فلقد أدخل المؤلف نفسه في ما ل طاقة له به أل‬
‫وهو التجرؤ على تراث مار مرقص وأثناسيوس الرسولى وكيرلس الكبير‪ .‬فإن كان‬
‫هؤلء قد رحلوا عنا‪ ،‬ولكنهم خلفوا ورائهم خير خلف لخير سلف‪ ،‬سائرين على نهجهم‬
‫مقارعين الحجة بالحجة والبرهان بالبرهان‪.‬‬

‫سر الكهنوت‬
‫الكهنوت هو سر السرار داخل الكنيسة‪ ،‬فهو السر الذي تدور حوله كل‬
‫السرار وجوددا وعددما‪ .‬فإن صح هذا السر صحت بقيه السرار‪ ،‬إوان انتفى هذا السر‬
‫بطلت معه كل السرار‪ .‬لن الكهنوت هو أحد الشروط الثلثة المتممة لتفعيل أي سر‬
‫من السرار‪ ،‬فبدون الكهنوت ل أسرار ول كنيسة ول عقيدة‪ ،‬وتصبح المسيحية مسدخا‬
‫ل معنى لها‪.‬‬
‫فالكنيسة الرثوذكسية هي كنيسة الكهنوت‪ ،‬والكهنوت ليس نظام دنيوي ابتدعته‬
‫الكنيسة لكي تحكم قبضتها على أبنائها‪ ،‬ولكنه سلطان روحي رعوي رضائي وليس‬
‫قسري‪ .‬ولقد تسلمت الكنيسة الكهنوت من الباء الرسل والتلميذ‪ ،‬والذي أعطاه لهم‬
‫صا بهم‪ ،‬يشمل هذا السلطان التعليم‬
‫السيد المسيح مباشرة‪ ،‬معطديا لهم سلطادنا خا د‬
‫والتعميد )مت ‪ً:28‬ا ‪ ،20 ،19‬مر ‪ً:16‬ا ‪ ،16 ،15‬لو ‪ً:10‬ا ‪ ،16‬أع ‪ً:10‬ا ‪.( 42 ،41‬‬
‫والحل والربط )مت ‪ً:18‬ا ‪ ،18‬يو ‪ً:20‬ا ‪ .( 23 ،22‬وسلطان ممارسة الفخارستيا )لو‬
‫‪ً:22‬ا ‪1 ،19‬كو ‪ً:10‬ا ‪ .( 21-15‬وسلطان وضع اليد إواقامة الخدام )أع ‪ً:6‬ا ‪.( 6-3‬‬
‫وسلطان منح الروح القدس )أع ‪ً:8‬ا ‪.( 17 ،14‬‬
‫ولن ندخل في تفاصيل سر الكهنوت‪ ،‬ولكن ما يهمنا هنا التأكيد على طبيعة‬
‫هذا السلطان الروحاني المعطى بنعمة فوقانية‪ .‬فل يجوز إذن أن يترفع صاحب هذا‬
‫السلطان على ما لهذا السلطان من كرامة‪ .‬لن هذا ل يعد تواضدعا‪ ،‬ولكنه يعد امتهادنا‬
‫للسر العظيم‪ .‬وهو ما ل يليق بحامل سر الكهنوت‪ .‬وعندما ننادى الكاهن بكلمة‬
‫)أبونا( فنحن نخاطبه بما يليق بالكهنوت‪ ،‬فالبوة هنا ليست عائدة على الشخص‬
‫ولكنها إك اردما للسر الذي يحمله هذا الشخص‪ .‬ول يهم فى ذلك كون الكاهن أكبر سدنا‬
‫أو أصغر سدنا من المتعامل معه‪ ،‬كما يطيب لجميع المؤمنين التمتع بهذه البوة‬
‫الروحية عن طيب خاطر‪.‬‬
‫ولكن المؤلف يجنح بنا مرة أخرى ناحية البروتستانت‪ ،‬ولكن ما ل يعرفه‬
‫ضا قادتهم الروحيين‬
‫المؤلف أو يعرفه وغض النظر عنه؛ أن البروتستانت لديهم أي د‬
‫ويلقبونهم بألقاب احترام وتوقير مثل )جناب القس‪ ،‬الشيخ‪ ،‬والب( ولم نسمع أن منهم‬
‫من ينادى قس الكنيسة باسمه مجرددا من لقبه‪.‬‬
‫إذن لماذا لجأ الكاتب في صفحة ‪ 37‬في حوار بين هيبا ونسطور إلى هذه‬
‫التخريجة حيث جاء في الحوار‪ً:‬ا‬

‫إن الكاتب هنا يحاول أن يصدر للقارئ أن الكهنوت فكرة كانت مرفوضة من‬
‫نسطور‪ ،‬فكان الكاتب هنا نسطورديا أكثر مما كان نسطور عليه‪ .‬فنسطور كان قدسا ثم‬
‫أسقدفا للقسطنطينية‪ ،‬وكلها درجات ورتب كهنوتية‪ .‬فإن كان نسطور يرفض الكهنوت‪،‬‬
‫فلماذا لم ييثر على الكهنوت مثلما ثار على أشياء أخرى كثيرة؟ لدينا الكثير من رسائل‬
‫نسطور وآرائه الثابتة تاريخديا؛ والتي لم نجد فيها ما يشير إلى ما زعمه المؤلف من أن‬
‫نسطور كان ثائ دار على الكهنوت‪ ،‬بل أنه قد تج أر واستخدم سلطانه الكهنوتي في‬
‫إصدار حروم ضد البابا كيرلس الكبير عمود الدين‪ .‬فإن كان نسطور يتب أر من‬
‫الكهنوت فبأي سلطان أطلق حرومه؟ بل إن هذه الحروم تبين لنا مدى تمسك نسطور‬
‫بسلطانه الكهنوتي والكرامة التي تليق به‪ .‬فرفضه إذن أن يناديه هيبا "يا أبت" ل يتسق‬
‫مع ما عرفناه عن السلوكيات الشخصية لنسطور‪.‬‬
‫والسؤال الن‪ً:‬ا لماذا أورد المؤلف عبارته العتراضية هذه وأقحمها على سياق الحوار‬
‫بين نسطور وهيبا التخيلى؟ لم يتركنا المؤلف كثي دار في حيرتنا‪ ،‬بل أفصح سريدعا عن‬
‫مكنون نواياه الخبيثة في صفحة ‪ 146‬حيث يصف البابا كيرلس الكبير عمود الدين‬
‫كالتالي ‪ً:‬ا‬
‫هنا يتضح لنا الغرض من ادعاء المؤلف نفي نسطور للكهنوت‪ ،‬فنسطور هو‬
‫المتواضع‪ ،‬والذي يرى نفسه أدخا للجميع‪ ،‬بل أنه يرى أنه ليس إل خروف من الخراف‬
‫الضالة‪ .‬أما البابا كيرلس‪ ،‬فهو ممن متع نفسه بكل مظاهر الغنى والثراء ورفاهية العيش‬
‫والملبس ممسدكا بصولجانه )ول نعرف من أين أتى المؤلف بهذا الصولجان‪ ،‬فالسقف‬
‫يمسك في يمينه صليب وفى يساره عصا( ولم يذكر لنا على قدر ما أسهب في‬
‫الوصف أن البابا كيرلس كان يمسك صليدبا‪ ..‬حتى يصل إلى ذروة الوصف فنجد أن‬
‫البابا كيرلس قد تعالى على كل شئ حتى على المسيح نفسه الذي بدا مستسلدما لصلبه‬
‫في إشارة ل تخلو من اليحاء بأن البابا كيرلس قهر الجميع حتى المسيح نفسه وبدا‬
‫ممسدكا بأطراف السماوات والرض‪.‬‬
‫هنا يبدأ المؤلف في التمهيد لهجومه الضاري الذي سوف يشنه لحدقا على‬
‫البابا كيرلس وكنيسة السكندرية‪ .‬ويبدأ للتمهيد لما سوف يحدعيه من فساد للكنيسة‬
‫وأسقفها‪ ،‬وهو يصل هنا لفكرته حيث يرى أن الكهنوت وسلطانه )الذي فهمه خطأ‬
‫المؤلف( هو سبب هذا الفساد‪ ،‬وأن صراع كيرلس ونسطور صراع يمثل فيه نسطور‬
‫المقهورين )الخراف الضالة(‪ ،‬ويمثل فيه كيرلس السلطة الفاسدة )الصولجان(‪ ،‬وهو‬
‫المر الذي ليس له أي أساس من الصحة تاريخديا وعقائدديا‪ .‬وسوف نتناول هذا‬
‫الصراع بالتفصيل في حينه‪.‬‬

‫سر مسحة المرضى‬


‫يكمل المؤلف مشواره فى عملية التعويض الجبرية التي بدأها بين الشخصيات‬
‫والفكار‪ .‬ليتخذ من سر مسحة المرضى ذريعة للتدليل على ظلمية الكنيسة وعلى‬
‫رأسها البابا كيرلس الكبير عمود الدين‪ .‬وهو هنا يضرب عصفورين بحجر واحد‪ ،‬فهو‬
‫من جهة يدلل كذدبا على ما كانت تعيشه الكنيسة في هذا الوقت من جهل وظلم‪ ،‬وأن‬
‫أسرار الكنيسة ليست إل نودعا من التغيب تمارسه الكنيسة بشكل قهري على أبنائها‪.‬‬
‫فلقد جاء في صفحة ‪ 249‬في حديث متخيل بين هيبا الراهب الخيالي والبابا كيرلس‬
‫الكبير عمود الدين يقصه هيبا على نسطور ما نصه‪ً:‬ا‬

‫إن الكنيسة وقد استقر في عقيدتها أن سر مسحة المرضى من أسرار الكنيسة‬


‫المقدسة‪ ،‬فإن هذا ل ينفى إقرار الكنيسة بالعلم والمعرفة‪ .‬والطب من بين العلوم التي‬
‫تنهض بالنسانية عمودما‪ .‬فل يمكن للكنيسة أن تتجاهل الطب وأطباءه‪ .‬ولقد كان‬
‫معلمنا القديس لوقا البشير وهو من أوائل التلميذ الذين تبعوا رب المجد يسوع طبيدبا‪.‬‬
‫كما أن السيد المسيح لم يتجاهل الطب بل أقره في ممثل السامرى الصالح "فتقدم وضمد‬
‫جراحاته" )لو ‪ً:10‬ا ‪ .(34‬فكيف إذن يأتي في الكنيسة من ينادى بإقصاء الطب‬
‫والطباء؟‬
‫إن المؤلف قد أورد هذا الحديث المتخيل في سياق هجومه على الكنيسة‬
‫واتهامها بكل التهم الممكنة‪ ،‬والتي جادت عليه بها قريحته‪ ،‬ويظهر ذلك في حديث‬
‫ضا متخيل بين هيبا والسقف تيودور )إن الشخصية المعروفة تاريخديا بهذا السم‬
‫أي د‬
‫هى شخصية ثيئودور الموبسويستى )‪ (448-350‬ومن المعروف أنه هو أب ومعلم‬
‫نسطور( ولكن طبدعا شتان الفرق بين فكر تيودور التنويري وفكر كيرلس الظلمى!!!‬
‫)حسب ما أراد المؤلف أن يثبت(‪ ،‬فجاء في صفحة ‪178‬‬

‫وطبدعا النص هنا ل يحتاج إلى تعليق فالفرق واضح بين كنيسة ل تؤمن بالعلم وتحاربه‬
‫بإحلل عقيدتها بدلد منه‪ ،‬وبين كنيسة تشجع العلم والعلماء وتدفع ورائهم‪ ،‬فرق بين‬
‫كيرلس المتشدد وتيودور الذي يسعى وراء منفعة الناس‪.‬‬
‫وفى النهاية ل كيرلس ول تيودور قال ما ادعاه المؤلف‪ .‬ولم يعرف أحد منهم طيلة‬
‫حياته راهدبا اسمه هيبا‪ ،‬ولكنها سهام المؤلف المسمومة التي قرر أن يطلقها على‬
‫الكنيسة‪.‬‬

‫القداس ممل‬
‫إن القداس اللهي هو بمكانة القلب من العقيدة‪ ،‬فهو الذي يضخ اليمان في‬
‫طا وثيدقا‬
‫شرايين الكنيسة‪ ،‬وهو العقيدة الممارسة ببساطة‪ .‬فالقداس اللهي يرتبط ارتبا د‬
‫ومتلزدما بكل ممارساتنا الروحية داخل الكنيسة‪ .‬فهو الملزم للسرار‪ ،‬وهو مركز‬
‫صلواتنا‪ ،‬ففيه نطلب من أجل كل الشياء‪ً:‬ا الزروع‪ ،‬والنهار‪ ،‬والملوك والرؤساء‪،‬‬
‫والراقدين‪ .‬نتذكر فيه قديسينا وآباء الكنيسة‪ ،‬نتشفع بهم وبدرة الكنيسة غالية الثمن كلية‬
‫الطهر العذراء القديسة مريم‪ .‬نثبت فيه على إيماننا‪ ،‬نشترك مع الملئكة في التسبيح‪،‬‬
‫نسمو فوق الكون فيفرح الكون بنا‪ .‬فهو الميعاد الغير مسبق الذي يتقابل فيه المؤمن‬
‫مع المسيح أردسا‪ ،‬هو ميعاد ل ينتهي مع من ل يغلق بابه في وجه أي أحد لنه دعا‬
‫الكل إلى الدخول‪ .‬هو طقس الطقوس‪ ،‬وبالجملة والتفصيل فإن القداس اللهي هو‬
‫يعرس الكنيسة الذي ل ينفض‪.‬‬
‫هذا هو القداس اللهي بالنسبة لعوام المؤمنين‪ ،‬فما بالنا بالنسبة للرهبان هؤلء‬
‫الذين أشرق ال عليهم بنور خاص‪ ،‬الذين تركوا العالم وسكنوا البراري والمغاير وشقوق‬
‫الرض من أجل محبتهم للملك القدوس‪ .‬فلبد أن القداس اللهي يكتسب أهمية روحية‬
‫تكون في المقدمة عندهم‪.‬‬
‫وهنا ل يمكن أن نتصور أن هناك من يمل من القداس مهما طال وقته‪ ،‬بل‬
‫العكس هو الصحيح‪ ،‬فإن المؤمنين الحاضرين للقداس يتمنون لو لم ينفض هذا العرس‬
‫الروحاني‪ .‬ومن المؤكد أن المؤلف الع اززيلى قد واتته الفرصة لحضور قداس إلهي أو‬
‫أكثر‪ ،‬وعاين بنفسه جمهرة المؤمنين حول هذا القداس‪ ،‬ولكن بالتأكيد لم تسرى في‬
‫داخله نفس المشاعر التي كانت تسرى في جموع الحضور‪ ،‬فمن الطبيعي إذن أن‬
‫يصيب المؤلف الملل‪ .‬إن القداس اللهي هو خبز البنين الذي ل يعرف الخرون أن‬
‫يتذوقوه ليعرفوا ما أطيب الرب‪ .‬هو الدر الذي ل يلقى للخنازير‪ ،‬فمن أين واتت المؤلف‬
‫الجرأة حتى يتخيل أن راهدبا يمكن أن يقول ما قاله هيبا في صفحة ‪ً:173‬ا‬
‫الرواية وشخصياتها والدللت‬
‫ينبغي علينا قبل الشروع في مناقشة الصراع المقحم على تاريخ الكنيسة والذي‬
‫حاول فيه المؤلف لوي وكسر ذراع الحقيقة‪ ،‬التعرف على الرواية أدبديا وفهم دللت‬
‫ورموز الشخصيات والحداث حتى نتمكن من الوقوف على حقيقة مرامي الكاتب‬
‫وأهدافه‪ .‬فهل حدقا ما أتاه المؤلف‪ ،‬ل يتعدى كونه إبداع أدبي ورؤية فنية في إطار‬
‫ثقافي بحت ل أهدف من أمامه أو خلفه؟‬
‫وللجابة على هذا السؤال سوف نقوم هنا ولضرورة البحث بتقييم الرواية أدبديا‬
‫فى حدود ما يفيد‪ ،‬لنعرف إذا ما كانت إبداع أدبي يحتاج إلى سقف عالي من الحرية‬
‫من عدمه؟‬

‫الرقوق تزوير للعقيدة وتاريخ الكنيسة‬


‫في مقدمة المؤلف احدعى أنه اكتشف بعض الرقوق الموجودة في صندوق‬
‫خشبي وقام باستخراجها‪ ،‬ومعالجتها كيميائديا مترجدما إياها من السريانية إلى العربية‪.‬‬
‫كما احدعى أنه وجد على هذه الرقوق هوامش وحواشي لراهب عربي كتبها بالعربية‪ ،‬وما‬
‫هو إل مترجم لهذه الرقوق قد أمضى الليالي الطوال في ترجمة هذه الرقوق‪ ،‬والتي‬
‫راجع ترجمتها كبير الرهبان بدير السريان بقبرص‪ .‬كما أنه يزعم أنه قد تحقق تاريخديا‬
‫من كل الحداث المدونة في رقوقه‪ .‬وهو ما يؤكد التوثيق التاريخي لكل ما سوف يورد‬
‫الكاتب من أحداث فيما بعد‪ .‬وبالطبع صدق القارئ كل الحداث التي جاءت بالرواية‬
‫على اعتبار أنها ترجمة وثائق ومخطوطات‪ .‬وما أكد هذا العتقاد عند الجميع‪ ،‬إن‬
‫الكاتب يعمل في مجال المخطوطات والوثائق التاريخية‪ ،‬فهو إذن المحترف بهذا‬
‫المجال ويفترض أنه مصدر ثقة من هذه الناحية‪ ،‬ولكن هل هذه هي فعلد الحقيقة ؟!!‬
‫بالطبع لم تكن هذه هي الحقيقة‪ .‬فالرقوق المزعومة لم يجدها المؤلف في‬
‫صندوق خشبي ولكنه وجدها في صندوقه الدماغي‪ .‬الرقوق ما هي إل محض خيال‬
‫بحت اختلق في ذهن المؤلف‪ ،‬ووجد فيه ضللته المنشودة التي سوف تغطى جريمته‬
‫التي بيت النية وعقد العزم عليها بتزوير تاريخ كنيسة بل وعقيدة وشعب بأكمله‪ ،‬ليحول‬
‫الحق إلى باطل والباطل إلى حق‪ ،‬بدعوى أن كل ما يأتيه في هذا الصدد مدون ومثبت‬
‫لديه تاريخديا بالرقوق والوثائق والمخطوطات‪.‬‬
‫فهل تزأوير التاريخ يقع تحت سقف حرية البداعا؟ وهل من حق أي كائن من‬
‫كان أن يعبث بالتاريخ ويعيد صياغته حسب هواه‪ ،‬ويوهم العامة بصحة ما أتاه؟ هل‬
‫يجوزأ التجرؤ على المقدس الديني والساءة إليه بدعوى أن الكاتب يناقش هذا من‬
‫منظور أدبي ل علقة للدين ورجاله به؟‬
‫إننا هنا ل نفتري على الكاتب فلقد أقر حقيقة وهمية الرقوق في أكثر من‬
‫مناسبة عندما قوبلت روايته بغضب جماهيري من جموع القباط في الداخل والخارج‪.‬‬
‫ويبقى لدينا هنا الكثير من التساؤلت التي تقفز أمامنا ومنها‪ً:‬ا‬
‫لماذا أقدم المؤلف على تزوير تاريخ الكنيسة؟ ولماذا استباح لنفسه كل مقدسات‬
‫الكنيسة ورموزها؟ وهل تتوقف إساءته هذه عند درجة السرد الذي قام به أم أنه اتخذ‬
‫الرواية وأحداثها رموداز إواسقاطات لما ل يستطيع أن يجاهر به؟ هل فعلد المسيحية‬
‫وعقيدتها الرثوذكسية هما المقصودتان في هذه الرواية‪ ،‬أم أنهم الحائط المائل الذي‬
‫اتكأ عليه المؤلف لمهاجمة ديانة أخرى يراق دمه إذا ما أقدم على المساس بها؟ كل‬
‫هذا وغيره سوف نتعرض له بالتفصيل في بحثنا القادم‪ ،‬وقبل أن نشرع في ذلك علينا‬
‫أن نسال أنفسنا سؤالد وهو‪ً:‬ا هل فعلد أتى المؤلف بعمل إبداعي على المستوى الدبي؟‬

‫الرواية في الميزان الدبي‬


‫يصعب علينا بداية تصنيف رواية المؤلف فنديا‪ ،‬أو القول إنها تنتمي إلى مدرسة‬
‫أدبية بعينها‪ ،‬أو حتى اعتبارها تنتمي إلى عالم الرواية من الساس‪ ،‬فلقد سيطرت على‬
‫المؤلف فكرة ترميز الحداث والشخصيات والسقاط عليها‪ ،‬فلجأ إلى عملية تعويض‬
‫جبرية بين الشخصيات والحداث من جهة‪ ،‬وبين السقاطات والرموز من جهة أخرى‪،‬‬
‫مما أضر ببنائية الرواية‪ .‬فجاءت عبارة عن مجموعة من المقالت أو السكتشات‬
‫الدبية الضعيفة‪ .‬فلم يستطع المؤلف السيطرة على شخصيات الرواية‪ ،‬فل توجد‬
‫شخصية ممتدة في الرواية إل شخصية هيبا أما بقية الشخصيات يخلقها المؤلف‬
‫ويسقط عليها‪ ،‬وسرعان ما يتخلص منها‪ .‬فهيباتيا قتلت ومعها أوكتافيا‪ ،‬وتيودور مات‪،‬‬
‫وكيرلس اختفى درامديا‪ ،‬ولجأ الكاتب للسرد عنه وعن نسطور‪ ،‬ومرتا وخالتها رحلتا‪ .‬فل‬
‫يوجد شخصيات إذن في الرواية‪ ،‬وبالتالي ل يوجد صراع بين هذه الشخصيات يدفع‬
‫إلى تطور الحداث‪ .‬فالرواية في مجملها رتيبة ومملة‪ ،‬وهو ما أدركه المؤلف‪ .‬فكان‬
‫لبد له من كسر حدة قتامة السرد‪ ،‬فلجأ إلى الجنس لعله يجد سبيلد من خلل هذا‬
‫الجنس للتواصل العضوي بين الشخصيات والقارئ‪ .‬ولكنه جاء مبالدغا وحاددا ومباش دار‬
‫بفجاجة‪ ،‬فجاءت ع اززيله عبارة عن منظومة من الهلع والفزع الجنسي والتي ل تصلح‬
‫لشئ إل أن يقرأها المراهقين ويمارسون عليها عادتهم الشبابية‪.‬‬
‫لقد حاول المؤلف ارتداء عباءة الدب الوجودي بتكسير وتحطيم التابوهات‬
‫"ترى هل طرد ال آدم من الجنة لنه عصى المر‪ .‬أم لنه حين عرف سر أنوثة‬
‫حواء‪ ،‬أدرك رجولته واختلفه عن ال‪ ،‬مع أنه خلقه على صورته!"‪" ،‬أحسست براحة‬
‫مفاجئة حين انتزعت الصليب من عنقي وتركته يسقط على الرض"‪" ،‬هل يعرف هذا‬
‫الحمار أن للكون ردبا"‪ ،‬وتبنى فكرة الحرية الجنسية‪" ،‬يختار الرجال من النساء‪ ،‬والنساء‬
‫من الرجال‪ ،‬ما يناسب الواحد منهم للعيش حيدنا فى محبة مع الخر‪ ،‬ثم يتركه إذا‬
‫شاء‪ ،‬ويأنس لغيره إذا أراد‪ ،‬ويصير نسلهم منسودبا لهم جميدعا"‪ ،‬كل ذلك دون تبنى‬
‫قضية معينة أو منهج جديد يحاول الدفع وراءه‪ ،‬فأخذ من المدرسة الوجودية الشكل‬
‫فقط‪ ،‬وخلت الرواية من المضمون الوجودي وغير الوجودي‪ .‬والدعوى بأن المؤلف‬
‫ينادى بحرية النسان في روايته‪ ،‬دعوى ليس لها أي أسانيد في الرواية‪ .‬ولكنه فقط‬
‫يحاول الهروب من المأزق الذي وضع نفسه فيه‪.‬‬
‫لقد جاءت شخصيات المؤلف بدون أبعاد حقيقية‪ ،‬فجاء الجدل والحوار بين‬
‫الشخصيات هدشا وضعيدفا مما أرهق المؤلف في صياغة هذه الحوارات القليلة‬
‫والقصيرة‪ .‬وتورط المؤلف في السرد عن شخصياته مما أدى إلى عدم الترابط بين‬
‫الحدث والشخصيات والحوار‪ .‬وغلبت على الشخصيات مشاعر المؤلف الخاصة‬
‫لتعويض الوهن والهتراء في تكوين هذه الشخصيات‪ ،‬وبدت الجمل طويلة وكان‬
‫أسلوب السرد التسجيلي هو سيد الموقف‪.‬‬
‫أما بالنسبة للفكار فهي جامدة ول تتطور لعدم نضوج السياق ووضوحه‪،‬‬
‫وتداخلت الفكار وغلبت الصراعات النفسية للشخصيات وطغت على الفكار‪ ،‬فل‬
‫توجد في الرواية فكرة متميزة مما أعطى انطبادعا بعدم التخلق والتمحور في بعد واضح‬
‫المعالم‪.‬‬
‫لقد حاول المؤلف استخدام أسلوب الفصل إوايجاد معادل موضوعي‪ ،‬فلم يفلح‬
‫في ذلك‪ ،‬نظ دار للضطراب الدرامي داخل الرواية‪ .‬وظهرت عند المؤلف طلسم‬
‫درامية‪ً:‬ا فمثلد الحارس عند منزل السيد الصقلي وخروفه‪ ،‬والذي يتكرر ظهوره ثلث‬
‫مرات في الرواية‪ .‬ل نعلم لماذا يظهر! ول يوجد مبرر لختفائه‪ .‬فهو في النهاية رمز‬
‫سوف نشرحه بالتفصيل‪ ..‬وكذلك السيد الصقلي الذي أقحم على الحدث‪ .‬كذلك طرد‬
‫أوكتافيا لهيبا بعد أن عرفت أنه راهب‪ ،‬وهو الذي أذاقها من فنون الحب والعشق ما لم‬
‫تنعم به طيلة حياتها‪ ،‬وهو أي هيبا كانت تنتظره سنتين‪ .‬كل هذا أدى إلى تعثر الحدث‬
‫عند المؤلف وعدم نموه في إطار حبكة بعينها المر الذي أربك الكاتب وأدى إلى‬
‫حيرته في تلفيق نهاية رمزية كانت مفاجأة بكل المقاييس‪.‬‬
‫هذا هو ما أتاه الكاتب من إبداع‪ ،‬مجموعة من الفكار المشوشة والمتداخلة‬
‫التي ل هدف لها من خلل بنائية ضعيفة وأسلوب ركيك ممل في غالبه‪ .‬فهل هذا هو‬
‫ما تطلب من المؤلف الحتيال على التاريخ وتزويره!!‬
‫هذا عن ظاهر الرواية‪ ،‬أما باطنها فهي مجموعة الدللت والرموز التي‬
‫أسقطها المؤلف بدهاء وخبث شديدين على الحدث والشخصيات والتي كونت في‬
‫مجملها شفرة داخل الرواية يتطلب فكها إواعادة قراءة الرواية مرة أخرى في ضوء فك‬
‫هذه الشفرة‪..‬‬
‫فإلى شفرة المؤلف‪..‬‬

‫شفرة زيدان‬
‫علينا عند قراءة رواية ع اززيل أل نتعامل مع الشخصيات والحداث بالشكل‬
‫السطحي الذي أظهره المؤلف‪ ،‬ولكن علينا المعان في الدللت التي يريد المؤلف أن‬
‫يوصلها للقارئ‪ ،‬كما أنه ينبغي علينا أل نغفل الرموز ‪-‬وهى كثيرة‪ -‬داخل الرواية‪،‬‬
‫بعضها صريح ول يحتاج إلى تفسير‪ ،‬والبعض الخر مستتر‪ .‬فبالنسبة للشخصيات‬
‫جاءت كما يلي‪ً:‬ا‬
‫هيبا‬
‫الراهب هيبا السمالوطى؛ هو الشخصية التي اختلقها الكاتب ليجعل منه‬
‫الشخصية المحورية داخل الرواية‪ ،‬وهيبا ليست شخصية بحد ذاتها لها أبعادها‬
‫وصراعاتها وتركيباتها الخاصة‪ ،‬ولكنها هي الشخصية التي خرجت من الرقوق‬
‫المزعومة ودونتها‪ .‬فهيبا تارة هو راوي الحداث‪ ،‬وتارة أخرى هو الشاهد عليها‪ ،‬وتارة‬
‫ثالثة هو الشخصية التي يسقط عليها المؤلف‪ .‬فهو الرهبنة أحيادنا‪ ،‬والشعب القبطي‬
‫أحيادنا أخرى‪ ،‬وهو الكنيسة وهو العقيدة والهرطقة والوثنية والتنويرية‪ .‬بل أحيانا هو‬
‫السيد المسيح بذاته‪ .‬هو الشئ ونقيضه‪ .‬الفكرة وعكسها‪ .‬الرؤية وضدها‪ .‬وأخي دار هو‬
‫التاريخ المزور الذي يحاول الكاتب أن يلوى به ذراع الحقيقة‪ .‬كل هذه الشياء أجمع؛‬
‫هي هيبا الراهب‪ .‬أو السقاطات التي أراد الكاتب أن يقحمها على الرواية بدون مبرر‬
‫أو وجهة نظر حقيقية‪.‬‬
‫فهيبا وهو الراهب المشكوك في معموديته‪ ،‬والذي ل يعرف إذا ما كانت أمه قد‬
‫عمدته وهو صغي دار من عدمه‪ ،‬مشكوك في جذوره وفى هويته‪ ،‬فهو تارة من أخميم‬
‫وتارة من سمالوط‪ .‬المهم أنه ينتمي إلى الجنوب‪ ،‬كما أن هويته الدينية مختلطة‬
‫الجذور؛ فأبيه وثنى وأمه مسيحية‪.‬‬

‫نفى الهوية المسيحية لمصر‬


‫إن هيبا مرحلديا يمثل الهوية الثقافية والدينية المصرية‪ ،‬فالمعروف والمتداول‬
‫تاريخديا إن مصر كانت في هذه الحقبة الزمنية دولة مسيحية‪ ،‬كان جميع أهلها يعتنقون‬
‫المسيحية الرثوذكسية‪ ،‬ول مجال للشك في مذهبية العقيدة هنا‪ ،‬لن المسيحية كانت‬
‫في بداياتها أي أنها كانت تمر بمرحلة الصالة العقائدية‪ ،‬فلم تكن قد تفرعت بعد‪.‬‬
‫ضا عن العقيدة المسيحية؛ إنها عقيدة محبة وتسامح‬
‫ومن المعروف والمتداول أي د‬
‫مطلق‪ .‬فهي ليست عقيدة أرضية‪ ،‬ول تبغي يملدكا عالمديا "مملكتي ليست من هذا‬
‫العالم"‪ ،‬كما أنها ل تسعى إلى الثأر والنتقام "من لطمك على خدك اليمن فحول له‬
‫الخر"‪ .‬ولكن الكاتب هنا راق له أن يلصق بالعقيدة كل أعمال العنف والممارسات‬
‫الرهابية في هذا الوقت‪ ،‬فهيبا يقتل أبوه الوثني على أيدي المسيحيين‪ ،‬وتزوجت أمه‬
‫المسيحية ‪-‬ويبدو أنها كانت مرغمة‪ -‬من مسيحي خشن الطباع‪ .‬ويكمل هيبا أساطيره‬
‫عن قتل المسيحيين للوثنيين‪ ،‬وتحويل معابدهم إلى كنائس وأديرة‪ .‬فهل حدقا كانت‬
‫المسيحية عقيدة مدمرة لكل من حولها وكل من يتعامل أو يحتك أو يتماس معها؟!! إن‬
‫هذا ما أراده الكاتب للمسيحية والرثوذكسية المصرية تحديددا‪.‬‬
‫ولكن هل ما أتاه الكاتب كان حقيقديا‪ ،‬أم إنه خياله السودوى هو الذي اختلق كل‬
‫هذا؟ هل حدقا هذا هو تاريخ المسيحية كما يزوور في ع اززيل؟ وهل كانت المسيحية‬
‫العقيدة الغيبية التي فرضها كهنتها إذعادنا على المصريين؟ أم كانت هي المخلص‬
‫الديني والوطني لهم فالتفوا حولها؟ كل هذه السئلة وغيرها يجرنا إلى طبيعة العلقة‬
‫بين المسيحية وخاصة الرثوذكسية بالخر‪..‬‬

‫المسيحية المصرية الرثوذكسية ومفهوم الخر‪ -‬تأسيس لهوتي‬


‫في البدء كانت المحبة‬
‫إن نقطة النطلق الساسية في المسيحية هي "المحبة"‪ ،‬والمحبة التي نقصــدها‬
‫هنا هي محبة البذل والتضحية‪ ،‬وهى تلك المحبة الــتي ل تنتظــر مقابــل )كــو ‪ً:10‬اـ ‪(24‬‬
‫ويســمى هــذا الحــب ‪ Agape‬تمي داز عــن حــب اليــروس ‪ Eros‬ح ب الــذات‪ ،‬والحــب‬
‫العاطفي أي الفيليا ‪.Philia‬‬
‫الحب في نظر المسيحية لم يعــد مجــرد هــوى عنيــف يتخــذ مــن الخــر واســطة أو‬
‫وسيلة لزيادة إحساسه بالحياة أو تحقيق أمله في السعادة‪ ،‬بل أصــبح اتجادهــا غيرديــا نحــو‬
‫الخــر‪ ،‬لكــي يعمــل علــى خــدمته وتحقيــق الســعادة لــه‪ ،‬ويشــترك معــه فــي تثــبيت دعــائم‬
‫ملكوت ال‪.‬‬
‫إن المحبـ ــة المسـ ــيحية تتجـ ــاوز الحـ ــب المتمركـ ــز حـ ــول الـ ــذات بحسـ ــب الفكـ ــر‬
‫اليونــاني‪ ،‬فهــي تلقائيــة غيــر مشــروطة‪ ،‬فضـلد عــن أنهــا غيريــة إيثاريــة‪ ،‬وفــى هــذا يقــول‬
‫الــدكتور زكريــا إبراهيــم‪ً:‬ا ]إن المحبــة المســيحية‪ ،‬غيــر مســببة‪ ،‬أو غيــر محــددة بب ـواعث‪،‬‬
‫وهى إبداعية خلقة[ )مشكلة الحب‪ ،‬سلسلة مشكلت فلســفية رقــم )‪ (5‬مكتبــة مصــر ص ‪ ،(185‬وينطلق‬
‫هذا الحب من الحياة اللهية‪ ،‬حيث تستمد قوتها مـن الـ وتهــب نفســها للخريــن‪ ،‬بغـض‬
‫النظر هل هم أخيار أم أشرار‪.‬‬
‫وتأتى أهمية المحبة في المسيحية‪ ،‬من كونها ركدنا جوهرديا فيها بسبب أن ال ذاته‬
‫محبة )‪1‬يو ‪ً:4‬ا ‪ .(8‬أي إن ال في المسيحية هو الله المحب‪ ،‬ومتى ارتبطت الصفة‬
‫)المحبة( بالمطلق )ال( اكتسبت طبيعة إطلقية متى ارتبطت بال المطلق الكامل‪.‬‬
‫فالمحبة اللهية هي محبه ل حدود لها‪ ،‬ول سقف لها‪ ،‬أي أنها مطلقة في فعلها‬
‫وتجلياتها‪ .‬لقد تجلى فعل المحبة في خلق الكون حيث يتم تحويل الخراب والخواء‬
‫والفوضى والظلمة في الكون ليصبح هذا كله امتلدء متناسدقا منتظدما خاضدعا للقانون‪،‬‬
‫هكذا يذكرنا الكتاب المقدس في الصحاح الول من سفر التكوين‪.‬‬
‫إذن وبحسب وليم سليمان قلدة‪ً:‬ا ]كل نوع من المادة الجامدة أو النبات أو الحيوان‬
‫)المسيحية والسلم في مصر‪ ،‬سينا للنشر ‪1993‬م‪ ،‬ص ‪.(29‬‬ ‫خلق كجنسه[‬
‫ولكن ماذا عن النسان‬
‫هذا السؤال ينقلنا إلى الحديث عن العلقة بين ال والنسان والتي سوف تلقى‬
‫كثي دار من الضوء على العلقة بالخر‪ ،‬والمفهوم المؤسس لها‪ ،‬والسلوك المترتب على‬
‫ذلك‪ .‬فالنسان مختلف تمادما من حيث جنسه‪ ،‬وأصله‪ ،‬وطبيعته‪ .‬ولقد وضع قداسة‬
‫البابا شنودة الثالث في كتابه )النسان الروحي( عدددا من العناصر عن خلق النسان‬
‫وذلك كما يلي‪ً:‬ا )النسان الروحي ط ‪(18-6 ،2001 ،3‬‬
‫لقد خلق النسان على صورة ال في الطهارة والبر‪.‬‬
‫كذلك خلق النسان على صورة ال في القداسة‪.‬‬
‫أيضا خلق النسان على صورة ال في الكمال‪.‬‬
‫وقد خلق النسان على صورة ال في السلطة‪.‬‬
‫كما خلق النسان على صورة ال في القوة‪.‬‬
‫فالنسان إذن بحسب نيافة النبا موسى أسقف الشباب‪ً:‬ا ]هو صورة لصل‪ .‬فالنسان‬
‫مخلوق على صورة ال ومثاله في الحرية والقداسة والبر والنطق والعقل والخلود‪ ،‬وهو‬
‫يستمد كل هذه المقومات من خالقه وليس من ذاته‪ .‬فال خلق النسان من فرط حبه‬
‫خلق أبناء وبنات ليسعدوا معه على الرض وفى السماء‪ ،‬بشرط أن يختار النسان‬
‫مصيره بحرية كاملة[‪) .‬أثناسيوس الرسولى )دراسة مبسطه لكتاباته( أسقفيه الشباب‬
‫‪1986‬م(‪ .‬وعليه فإن العلقة بين ال والنسان أشبه بالعلقة بين الب الحنون‬
‫المحب بالبن المحبوب‪ ،‬فالعلقة مؤسسة على المحبة وليس على العبودية‪ .‬وفى هذا‬
‫يقول القديس أثناسيوس الرسولى‪ً:‬ا ]إن الطبيعة العاقلة للنفس تختلف عن المخلوقات‬
‫)الرسالة إلى الوثنيين‪،‬‬ ‫غير العاقلة‪ .‬فالنسان هو وحده الذي يفكر فيما هو خارج عن نفسه[‬
‫ويستطرد في هذا المجال القديس مقاريوس الكبير‬ ‫تعريب حافظ داود‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪ 2‬ص ‪.(93‬‬

‫حيث يفرق بين النسان وبقية الكائنات في عظته الخامسة عشر فيقول‪ً:‬ا ]لن النسان‬
‫له قيمة عظمى‪ ،‬تأمل ما أعظم السماوات والرض والشمس والقمر ‪-‬ومع ذلك لم يشأ‬
‫ال أن يستريح فيهم‪ ،‬بل في النسان فقط‪ .‬ولذلك تفوق فصيلة النسان عن سائر‬
‫المخلوقات‪ ...‬لنه قال نصنع النسان على شبهنا ومثالنا‪ ،‬قال )ذلك( في حق جوهر‬
‫النسان العقلي‪ ..‬وأما المخلوقات المتطورة فإنها مربوطة بنوع طبيعة ل يتغير‪ ..‬ول‬
‫هي يمكنها التغيير عن خلقتها الصلية وليس لها إرادة لذلك‪ .‬وأما أنت أيها النسان‬
‫فإنك خلقت على شبه ال ومثاله‪ ،‬فإنه كما أن ال له قوة سيادة يفعل ما يشاء‪ ..‬كذلك‬
‫)العظات‪ ،‬كنيسة مار جرجس إسبورتنج‪ ،1976 ،‬ص ‪.(114‬‬ ‫فأنت مخير‪[..‬‬
‫ويعكس النص السابق ما يلي‪ً:‬ا‬
‫تميز خلقة النسان‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫تنوع وتعدد الطبيعة النسانية‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫حرية الرادة النسانية في التمثل بال أو النفصال عنه‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫فلقد حظى النسان بذروة ما صنع ال‪ ،‬وعليه ترتيب الكثير من المسئوليات‬
‫طا بالصل ولم يفعل الشر فيبتعد عن ال‬
‫تجاه الطبيعة والنسانية‪ .‬هذا إذا ما ظل مرتب د‬
‫بفعل الواقع ‪ /‬السياق الذي يعيش فيه‪.‬‬
‫لقد صار النسان مكلدفا من ال الخالق المطلق الكامل بحماية وتجميل وفعل‬
‫كل ما هو مفيد بالنسبة للواقع الذي يعيش فيه وما يضمه من الخرين‪ ،‬بحسبان أن‬
‫ذلك إعمال لوصية ال واستكمال ما غرسه في خليقته الكون والبشر‪ ،‬من إبداع إلهي‬
‫مطلق‪ ،‬فيرد بذلك الجميل أو الصنيع الذي عمله ال‪ .‬كل ذلك في إطار علقة محبة‬
‫جدلية بين الخالق والمخلوق‪ ،‬بين الب وابنه‪ ،‬والتي لبد وأن تكون لها تجلياتها في‬
‫علقة النسان بالخرين‪.‬‬
‫فواقع المر ل يمكن أن يقول أحد )إنى أحب –أغابي‪ -‬ال(‪ ،‬أي الحب الباذل‬
‫والمضحى؛ وهو يبغض أخاه فهو في هذه الحالة كاذدبا‪ ...‬لن من ل يحب أخاه الذي‬
‫يبصره‪ ،‬كيف يحب ال الذي لم يبصره‪ ،‬ولنا هذه الوصية منه أن من يحب ال؛ يحب‬
‫ضا )‪1‬يو ‪ً:4‬ا ‪.(21 ،20‬‬
‫أخاه أي د‬
‫خلصة القول‪ً:‬ا لقد يخلق النسان من نقبل ال على أساس المحبة‪ ،‬ومن هذه الرضية‬
‫ننطلق في تعاملنا مع الخرين‪ .‬المحبة الباذلة )أغابي( هي معيار إلى أي حد )الذات‬
‫النسانية( قد قدرت ما فعله ال نحوها‪ ،‬وهى في الوقت نفسه تستعيد )الذات( ذلك في‬
‫علقتها مع )الخر(‪ .‬وعليه فإن محبة النسان لخيه النسان تتجاوز المشاعر‬
‫المؤقتة والمتقلبة‪ .‬إنها راسخة لن مصدرها ال من جهة كما إن ال نفسه ‪-‬ول شك‪-‬‬
‫يحب )الخر( كما يحبني من جهة أخرى‪.‬‬
‫إن العلقة الروحية الوثيقة بين ال والنسان تتجدد مادديا من خلل حركة‬
‫النسان ونزوعه نحو الخر من خلل )إطعام الجائع‪ ،‬رواء العطشان‪ ،‬إوايواء الغريب‪،‬‬
‫وتقديم الكسوة للعريان‪ ،‬وتقديم العون للمريض والمحبوس‪) (..‬مت ‪ً:25‬ا ‪ .(31‬ومن‬
‫يفعل ذلك كأنه يقدم هذه المتقدمات ل نفسه‪ ،‬وهكذا يكون إرضاء ال‪.‬‬

‫"المسيحية المصرية الرثوذكسية ومفهوم الخر" تأسيس‬


‫تاريخي‬
‫)مرقس الرسول‪ً:‬ا القديس والشهيد‪ ،‬ط ‪ 3‬مايو‬ ‫يقول قداسة البابا المعلم النبا شنودة الثالث‬
‫]عندما جاءت المسيحية إلى مصر على يد القديس مرقص الرسول في‬ ‫‪1985‬م ص ‪(55‬‬

‫عام ‪60‬م‪ ،‬وتأسست الكنيسة المصرية‪ ،‬والتي يعرفت تاريخديا باسم كنيسة السكندرية‪،‬‬
‫حيث انطلقت منها المسيحية إلى كل ربوع مصر[‪ ،‬لم تقدم المسيحية منطدقا فلسفديا كما‬
‫هو الشأن في الفلسفة والدين اليونانيين‪ ،‬أو على نحو ما كان في اليهودية السكندرية‪.‬‬
‫بل قدمت اليمان بالله الحي وبالنسان متحددا به في علقة حميمة حية‪.‬‬
‫ضا لما كان متعاردفا عليه في مصر القديمة حيث يصل‬
‫فلقد مثلت المسيحية نقي د‬
‫الربط بين النسبي والمطلق إلى حد تأليه الحاكم –فرعون‪ -‬ولهذا فإن العمل الول لي‬
‫حاكم ربط شخصه وأسرته بالله‪ .‬وفى هذا السياق جاءت المسيحية إلى مصر التي‬
‫كانت ولية رومانية‪ ،‬والغلبية الساحقة من أهلها هم الفلحون والصناع والحرفيون‪،‬‬
‫كي يوفروا للدولة إنتاج عملهم‪ .‬تلك الدولة التي كانت ذات طبيعة عقائدية دينية‪،‬‬
‫فالملك سليل الله‪ ،‬وهو نفسه إله تجب له الطاعة والعبادة‪..‬‬
‫ضا‪ ،‬حيث‬
‫ولم يكن انقسام المجتمع عنصرديا وطبقديا فحسب بل كان دينديا أي د‬
‫كانت هناك ديانة شعبية في مواجهة ديانة أرستقراطية عقيدة إيزيس وأوزوريس مقابل‬
‫عقيدة سيرابيس‪ .‬ولم يدع الرومان الذين حكموا مصر وسيلة إل ابتكروها لستغلل‬
‫موارد البلد إلى أقصى حد ممكن‪ ،‬وبخاصة الدين‪ ،‬وبهذا صار الدين وسيلة للقهر‬
‫والستعباد؛ المر الذي أصبغ عليه طابدعا سياسديا‪ ،‬وبات القهر السياسي والجتماعى‬
‫حاف داز للمقاومة الشعبية والتمرد‪ ،‬حيث كانت البلد تتردى فى هاوية الحروب الهلينية‪.‬‬
‫لذلك فإن المسيحية عندما ظهرت أصبحت دافدعا للتفاف المصريين حولها‬
‫‪-‬بحسب سيدة إسماعيل الكاشف‪) -‬وجد المليين من المصريين المضطهدين في‬
‫)مصر في فجر السلم )من‬ ‫المسيحية ضالتهم‪ ،‬وفى الكنيسة التي تأسست المدافع عنهم(‪.‬‬
‫الفتح العربي إلى قيام الدولة الطولونية( سلسله تاريخ المصريين رقم )‪ ،(82‬الهيئة المصرية العامة للكتاب ط ‪2‬‬
‫‪1994‬م ص ‪.(3‬‬

‫وفى محاولة مبدعة لتفسير ذلك وفهم الظواهر من داخلها‪ ،‬يذكر المؤرخ الكبير‬
‫محمد شفيق غربال في كتابه العبقري )تكوين المصريين( ما يلي‪ً:‬ا‬
‫طا من ط ارزين‬
‫]لقد جاء القديس مرقص ‪-‬أول من نشر المسيحية فى مصر‪ -‬ليجد خلي د‬
‫مختلفين )البيئة الحضارية(‪ ،‬و)بيئة اليمان المصري الخالص(‪..‬‬

‫٭فبالنسبة للولى‪) :‬البيئة الحضارية(‬


‫فلقد كان سكان المدن من الذين يتكلمون اليونانية وبخاصة في السكندرية‪،‬‬
‫وهم الغريق والمصريون المشبهون بالغريق واليهود‪ .‬وهؤلء جميدعا تأثروا بالمؤثرات‬
‫الدينية والثقافية السائدة في المدن الهللينية في القرن الول‪ ..‬ولقد كان القوم في تلك‬
‫الونة ينشئون تلك الوحدة التي كانت لمراء يستمدون وجودهم من وراء مختلف اللهة‬
‫وعبادتهم‪..‬‬
‫لقد احتوت الديانة المسيحية الوافدة الجديدة بالضافة إلى شخصية السيد‬
‫المسيح على شيئين حيويين خلت منهما الديانة الهللينية‪ .‬ففي تلك الديانة‪ ،‬بوجه عام‪،‬‬
‫لم يكن يؤمن بعقيدة الخلود في عالم آخر إل قلة من الخيار المحسنين أو جماعة من‬
‫المطلعين على أسرار بعض الديانات ذات الطقوس السرية التي تعلق بها الناس‬
‫آنذاك‪ .‬أي لم تكن عقيدة النسانية عامة‪ ،‬ولم يكن حب النسانية أساس أي عقيدة‬
‫هلينية‪ .‬كما لم تحمل واحدة منها رسالة إلى البائس والمسكين والخاطئ والمسئ‪ .‬وقد‬
‫كان مذهب الرواقيين أقرب المذاهب إلى المثل العلى النساني‪ ،‬ولكننا ل نجده يفسح‬
‫مجالد للمحبة‪ ،‬ولذا لم يكن للعاملين المرهقين المثقلين إل أن يضعوا الرجاء في شئ‬
‫آخر لم تستطع العقائد الهللينية أن تقدمه إليهم‪.‬‬

‫٭أما بالنسبة للبيئة الثانية‪ً:‬ا )اليمان المصري الخالص( والرجاء المصري‬


‫الصميم‪ ،‬فتختلف كل الختلف عن البيئة الحضارية التي وضعتها‪ ،‬فقد كان شغلها‬
‫الشاغل إقامة الشعائر التي تطلبتها عبادة أوزوريس‪ ،‬وتقوم تلك العقيدة على توجيه‬
‫)محمد شفيق غربال‪ ،‬تكوين‬ ‫اليمان وتوجيه الطقوس للحصول على البعث عند الموت‪.‬‬
‫مصر‪ ،‬و ازرة الرشاد القومي‪ ،‬مكتبة النهضة المصرية‪ ،‬القاهرة ‪1957‬م‪ ،‬ص ‪.(72-69‬‬
‫لقد كان النفتاح على الجميع من دون وضع حواجز من أي نوع‪ ،‬طبقية كانت أو‬
‫ضا بين الحاكم والمحكومين‬
‫سياسية أو ثقافية‪ ،‬سمة المسيحية الوليدة‪ .‬ولم تمحيز أي د‬
‫مثلما كان يحدث من قبل‪ .‬إنها أسست على أرض الواقع لمبدأ حب النسانية‪ ،‬لذا‬
‫كانت نقطة تحول حقيقي في الواقع المصري‪ .‬لقد كانت الديانة الجديدة رم داز للخلص‬
‫اليماني والوطني على حد سواء‪.‬‬
‫ومرة أخرى نعود إلى الدكتور محمد شفيق غربال حيث يقول‪ً:‬ا )كان من عظمة‬
‫المسيحية إنها لم تجتذب الطبقة الوسطى الدنيا والطبقة الوسطى العليا فحسب‪ ،‬بل إنها‬
‫ضا عامة الشعب في الحضر وفى الريف بح اررة إوايمان(‪ .‬لقد‬
‫العقيدة التي اعتنقها أي د‬
‫أدى تحول المصريين إلى المسيحية بشكل جماعي إلى تكحون جماعة مسيحية كانت‬
‫هي حجر الزاوية في تأسيس الكنيسة القبطية الرثوذكسية والتي باتت مرادفة لمصر‪،‬‬
‫صا وقد احتضنت المضطهدين والكادحين‪ ،‬بل عملت على )النزوع دائدما على‬
‫خصو د‬
‫)مرجع سبق ذكره ص ‪.(27‬‬ ‫الستقلل عن المبراطورية الرومانية(‬
‫مدرسة السكندرية اللهوتية‪ :‬جدل )الحياة والمعرفة( ينتج وعييا‬
‫)بالذات والخر(‬
‫أدى انتشار المسيحية في مصر وبخاصة على المستوى القاعدي إلى ضرورة‬
‫أن يوضع التعليم المسيحي على أسس منهجية لعطاء هؤلء المنضمين للمسيحية ما‬
‫يؤهلهم لهوتديا وفكرديا ووجدانديا لهذا النضمام‪ ،‬كذلك تزويد الراغبين منهم بما يريدونه‬
‫من دراسات عليا والتعمق في فهم الفلسفة واللهوت‪ .‬وعليه تأسست مدرسة السكندرية‬
‫اللهوتية‪.‬‬
‫وفى هذا المقام يمكن رصد ثلث مميزات تميزت بها المدرسة في سياق‬
‫التعامل مع الفكار والمذاهب والديان الخرى‪ ،‬وذلك كما يلي ‪ً:‬ا‬
‫‪ (1‬قدرتها على التعامل مع التجاهات الفكرية السائدة والعقائد المنتشرة من دون تكفير‬
‫)سمير مرقس‪ ،‬الخر‪..‬‬ ‫أو تحريم‪ ،‬وتحديددا‪ً:‬ا الفكر اليوناني ‪ -‬الغريقى‪ ،‬واليهودي والوثني‬
‫الحوار‪ ..‬المواطنة الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬مكتبة الشروق الدولية‪2006 ،‬م‪ ،‬ص ‪.(36-22‬‬

‫صا من حق( بحسب‬


‫‪ (2‬قدرت أن كل ما سبق من عقائد ومذاهب وأفكار يحمل )بصي د‬
‫القمص تادرس يعقوب ملطى ‪ -‬إوان على المسيحية أن تتعامل مع كل الفكار بالحوار‬
‫والتفاعل‪ ،‬فهذه الفكار اعتمدت على العقل البشرى وحده‪ ،‬فحملت )جاندبا من الحق(‬
‫)آباء مدرسة السكندرية الولون‪ ،‬سلسلة أقوال‬ ‫ولكن العقل من صنع ال وعليه يجب احترام ذلك‪.‬‬
‫الباء وكتاباتهم‪1980 ،‬م ص ‪.(14‬‬

‫‪ (3‬فتحت المدرسة أبوابها أمام الجميع ليلتحق بها أناس من ديانات مختلفة وثقافات‬
‫متباينة‪ ،‬وذو مراكز اجتماعية مختلفة وأفكار متفاوتة‪ ،‬وكان التعليم ل يميز بين‬
‫الطبقات‪ ،‬وساوت بين السادة والعبيد من الناحية العلمية‪.‬‬
‫لقد استطاعت المدرسة أن تؤسس بشكل منهجي بالتعامل مع الخر المختلف‬
‫من أن تضع قاعدة أساسية تربط بين )المعرفة والحياة( حيث تتيح للمعرفة النظرية أن‬
‫تختبر على أرض الواقع‪ ،‬وعليه ومع آباء وعمداء هذه المدرسة قاعدة مفادها أنه ل‬
‫حياة بدون معرفة وما من معرفة حقيقية بدون حياة حقة‪ ،‬فالمعرفة بالخر )إنسانديا‬
‫وفكرديا( تحتاج إلى قدر من التعايش والنفتاح‪ ،‬ومن ثم يكون من نتاج ذلك معرفة‬
‫قائمة على الخبرة‪ .‬إنه )جدل الحياة والمعرفة(‪.‬‬
‫إن جدل الحياة والمعرفة ينتج وعديا بالذات وبالخر‪ ،‬ول يستقيم هذا الوعي إذا‬
‫اكتفى بالذات بدون الخر‪ .‬فالوعي في المسيحية ليس وعديا نظرديا‪ ،‬إوانما هو الوعي‬
‫الذي يكتسب من خلل الخبرة الحية‪ .‬فالحياة النسانية ل تستقيم بدون الوعي‪ ،‬والوعي‬
‫بغير الختبار الحي يجعل النسان منفصلد عن واقعه ومعتزلد لمن حوله‪ .‬وعليه أن‬
‫يكون الوعي المتبلور من جدل الحياة والمعرفة‪ ،‬هو وعى لقدرة الذات على التعامل مع‬
‫السياق الذي يدور فيه واكتشاف عناصره ومكوناته‪ ،‬أي الخر بالمعنى الواسع لمفهوم‬
‫الخر‪ .‬فالقدرة على الخروج من دائرة الذات إلى ما هو خارجها تعنى ثقة بالذات من‬
‫جانب‪ ،‬وقدرتها على أن تمتحن بما تملك من رؤى وأفكار من جانب آخر‪.‬‬
‫إن الخر يتم إدراكه من خلل انفتاح الذات واختبار رؤاها وتصوراتها وأفكارها‪.‬‬
‫لذا يقول القديس أنطونيوس )مؤسس الرهبنة القبطية(‪ً:‬ا‬
‫)يا أحبائي بالرب‪ ..‬أعرفوا نفوسكم‪ ،‬لن الذين يعرفون نفوسهم يعرفون‬
‫)رسائل القديس أنطونيوس )ترجمة‬ ‫زمانهم(‪) ،‬الذين يعرفون زمانهم يستطيعون أن يبقوا ثابتين(‪.‬‬
‫د‪ .‬نصحي عبد الشهيد ‪ -‬سلسلة نصوص آبائية رقم ‪ ،72‬مؤسسة القديس أنطونيوس‪ ،‬المركز الرثوذكسي‬
‫للدراسات البائية ‪2004‬م ص ‪.(33‬‬

‫إواذا كانت مدرسة السكندرية اللهوتية قد قامت بترسيخ المبادئ الساسية من‬
‫خلل منظومتها التعليمية‪ ،‬والتي ساهمت في تكوين رؤية فكرية متكاملة جعلت‬
‫البعض يقول‪ً:‬ا‬
‫‪ -‬كان لمدرسة السكندرية اللهوتية‪) ..‬أثرها الفحعال في الحياة الكنسية في كل‬
‫جوانبها‪ ،‬كما كانت المدرسة جزدءا ل يتج أز من الحياة الكنسية‪ .‬لقد كشفت المدرسة عن‬
‫اتساع الفكر المسيحي بوجه عام(‪ .‬وهو ما جعلها قادرة على النفتاح على الجميع‬
‫فحملت )سمة التعدد والتنوع(‪ ،‬مقدمة مبدأد راسدخا أخذ به الفكر المسيحي ورجالته بعد‬
‫ذلك‪ ،‬حيث أدت دور )الجسر( بين الكنيسة والعالم )المجتمع وما يحمل من تنويعات‬
‫)القمص تادرس يعقوب ملطى م‪.‬س‪.‬ذ‪ ،‬ص ‪(15‬‬ ‫بشرية(‪.‬‬
‫‪ -‬لقد نجحت مدرسة السكندرية اللهوتية في تحقيق )أول محاولة منهجية للتوافق‬
‫بين اليمان واستنباطات الفكر البشرى( بغير خصومة‪ ،‬كذلك بين العقل واليمان‪،‬‬
‫والحياة والمعرفة‪ ،‬وبين إدراك الذات وفهم الخر‪ ،‬وهى أمور )لم تتم في القدس ول في‬
‫أثينا إوانما تمت في مصر(‪.‬‬
‫إن ما أنجز في مدرسة السكندرية اللهوتية على المستوى الفكري‪ ،‬كان له‬
‫تجسداته العملية من خلل الممارسات الروحية الطقسية للكنيسة‪ ،‬حيث عبرت عنه من‬
‫خلل صلواتها اليومية فنجد العالم والطبيعة والمجتمع )والخر بغير تخصيص(‬
‫حاض دار في هذه الصلوات‪.‬‬
‫وبالرغم من أن الكنيسة كيان ذو طبيعة دينية‪ ،‬فإنه ليس كيادنا منغلدقا على‬
‫نفسه‪ ،‬إوانما هو منفتح على ما حوله بما يضم من عناصر مادية وبشرية‪ .‬فالكنيسة‬
‫بوصفها )جماعة المؤمنين( تقدم النموذج العملي الذي تطالب به الفراد في النفتاح‬
‫على العالم والمجتمع والخر من دون تحديد هويتهم‪.‬‬
‫هذا هو تاريخ بدايات الرثوذكسية في مصر التي لم تسعى إلى إرغام الناس‬
‫صا وف اردار من عقائد لم تكن تتوافق معهم روحديا‬
‫على اعتناقها‪ ،‬بل سعى لها الجميع خل د‬
‫وحياتديا‪ .‬المسيحية التي تتجلى ذاتها في الخر‪ ،‬فل يعقل أن تنفى الخر وتصادره لن‬
‫هذا سوف ينسحب عليها في النهاية‪ .‬لو كانت المسيحية دخلت إلى مصر عن طريق‬
‫العنف والرغام لما بقيت إلى اليوم وما ازدهرت رغم ما كانت تعانيه فيما بعد من‬
‫اضطهاد‪ .‬فهل يعقل أن يتحمل الناس الضطهاد من أجل عقيدة أرغموا على‬
‫اعتناقها؟!‬
‫لقد صاحب دخول المسيحية إلى مصر إنشاء مدرسة لهوتية كما أوضحنا‪،‬‬
‫تلك المدرسة التي فسرت للجميع وشرحت لهم ما هي المسيحية‪ .‬فكان اعتناق‬
‫المصريين للديانة اقتنادعا وليس إرغادما‪ .‬المسيحية هي العقيدة الوحيدة التي آمن بها‬
‫المصريون عن وعى ودراية‪ ،‬عبدوا إله يعرفون ماهيته وليس مورودثا ل يعلمون عنه‬
‫شئ أكثر من أنهم وجدوا آباءهم يعبدون هذا الموروث فعبدوه لنه كان هو الله المتاح‬
‫في هذا الوقت‪ .‬وهذا ل ينفى أنهم رغم عبادة هذه اللهة كانوا يسعون لمعرفة الله‬
‫الحقيقي الذى كانوا يحسون بوجوده ولم يدركوه؛ وما أدركوه حتى سعوا إليه وارتموا في‬
‫أحضان كنيسته التي كانت وما زالت وستظل هي الم الحانية على الجميع؛ فلم تكن‬
‫إذن المسيحية بحاجة إلى العنف لكي تنتشر‪.‬‬
‫تحويل المعابد إلى كنائس‬
‫إن ما ذكره المؤلف من أن المسيحيون قاموا بتشويه المعابد الوثنية وتحويل‬
‫الكثير منها إلى كنائس بعد أن طردوا وقتلوا رهبان وكهنة هذه المعابد‪ ،‬هو قول عاري‬
‫من الصحة تمادما وهذا يرجع إلى عدة أسباب هي‪ً:‬ا‬
‫إن الحقيقة في هذا الموضوع هو أنه عندما انتشرت المسيحية في مصر‬ ‫‪‬‬
‫وازدهرت ثقافتها وفنونها‪ ،‬خلت تلك المعابد من أهلها وساكنيها ومرتاديها‪ ،‬نظ دار‬
‫لتحولهم إلى المسيحية‪ .‬فأصبحت هذه المعابد خاوية على عروشها‪ .‬فطلب البابا‬
‫ثاؤفيلس من المبراطور الستفادة من تلك المعابد الخربة وتحويلها إلى كنائس فسمح‬
‫له المبراطور‪ ،‬أما المعابد التي كانت تمارس طقوسها فلم يمسها أحد‪.‬‬
‫لو كان المسيحيون وهم في ذلك الوقت أغلبية السكان وأصحاب السلطان لجأوا‬ ‫‪‬‬
‫إلى احتلل هذه المعابد عن طريق العنف؛ لما بقى أي أثر لتلك المعابد‪ .‬ولكن على‬
‫الرغم من اندثار هذه الديانات إل أنه حتى اليوم نجد وخاصة في جنوب البلد الكثير‬
‫من آثار المعابد الفرعونية‪ ،‬فلماذا إذن لم يحتل المسيحيون هذه المعابد؟!‪.‬‬
‫لو لجأ المسيحيون إلى إحراق المعابد الفرعونية وتشويهها؛ لما بقى منها أي‬ ‫‪‬‬
‫أثر اليوم‪ .‬ولكن ها هي الثار الفرعونية بضخامتها وجمالها باقية حتى اليوم وبكثرة‪،‬‬
‫فمن المعروف أن ثلثي آثار العالم موجود في مصر‪.‬‬
‫إن محاولة الترويج لفكرة أن المسيحية عقيدة همجية جاءت إلى مصر‬
‫وانتشرت بالعنف‪ ،‬ليس لها أي أساس من الصحة‪ ،‬فالمسيحية جاءت على دماء حاملها‬
‫)مرقس الرسول( ولم تأنت على أسنة الرماح والسيوف‪ .‬فمن أين لها إذن القوة التي‬
‫تمارس بها ما ادعاه المؤلف من عنف؟ لقد كانت قوة المسيحية في محبتها المطلقة‬
‫تلك المحبة التي احتوت الجميع فاستتر بها الكل ‪.‬‬
‫نعود إلى ما أتاه المؤلف ورواه في سرد ممل على لسان الراهب هيبا الذي‬
‫ترهب في صحراء دماغ المؤلف‪ ،‬فبعد أن ترك بلدته في جنوب الوادي هردبا دخل إلى‬
‫السكندرية‪ ،‬وما أدراك ما إسكندرية‪ ،‬حيث يمارس فيها المسيحيون كل أنواع الويل‬
‫والثبور وعظائم المور‪ .‬فهيبا هنا هو العقيدة التي نشأت على أنقاض الوثنية‪ ،‬تلك‬
‫الوثنية التي تزاوجت مع المسيحية )هيبا أبيه وثنى وأمه مسيحية( لتخرج لنا الرهبنة‬
‫الرثوذكسية كشكل جديد لمضمون وثنى‪ ،‬ليقتحم السكندرية عاصمة الثقافة والتنوير‬
‫والفلسفة في ذلك الوقت لتأتى هذه العقيدة على الخضر واليابس في هذه المدينة‪،‬‬
‫وذلك بزعامة البابا كيرلس الكبير عمود الدين‪ ،‬وعن غير دراية أو وعى بكينونة ومكانة‬
‫الرجل الكبير في الكنيسة‪ ،‬استحلى المؤلف سيرته العطرة ليشن هجودما ضارديا عليه‬
‫بدون أي مبررات حقيقية تؤكد ما ادعاه سوى خياله المدون على رقوق أوهامه‪ .‬فهل ما‬
‫وجده هيبا في السكندرية هو الحقيقة التاريخية؟ أم أن هناك أبعاد أخرى يرمى إليها‬
‫المؤلف من وراء تغيير وجه الحقيقة؟‬

‫عمود الدين المفترى عليه‬


‫لقد شحوه المؤلف الصورة الحقيقية للبابا كيرلس الكبير عمود الدين‪ ،‬والذي يبدو‬
‫من ألقابه التي أصبغتها عليه الكنيسة مدى ما يتمتع به الرجل من علو المقام ورفعة‬
‫المكانة في تاريخ الكنيسة‪ ،‬وسوف نورد هنا أهم ما جاء من افتراءات بالرواية‬
‫بخصوص هذه الشخصية العظيمة ونقوم بتفنيده إنصادفا للتاريخ وللحقيقة‪.‬‬

‫في حوار بين هيبا وأوكتافيا في صفحة ‪ 112‬جاء ما نصه‪:‬‬


‫)المسيحيون يذهبون إلى كنيسة القمحة لسماع خطبة رئيسهم الحالي‪ ،‬والذي‬
‫خلف خاله ثيوفيلوس في قيادة تلك الكنيسة التي أظلمت العالم!‪ ....‬عجلت اللهة‬
‫بنهاية أيامه السوداء‪ ،‬لقد جعل المدينة‪ ،‬كئيبة كالخرائب‪ ،‬منذ تولى أمرهم(‪.‬‬

‫وفى وصف للبابا كيرلس جاء في صفحة ‪:146‬‬


‫)نظرت إلى الثوب الممزق في تمثال يسوع‪ ،‬ثم إلى الرداء الموشى للسقف!‬
‫ملبس يسوع أسمال بالية ممزقة عن صدره ومعظم أعضائه‪ ،‬وملبس السقف محلة‬
‫بخيوط ذهبية تغطيه كله‪ ،‬وبالكاد تظهر وجهه‪ .‬يد يسوع فارغة من حطام الدنيا‪ ،‬وفى‬
‫يد السقف صولجان أظنه من شدة بريقه‪ ،‬مصنودعا من الذهب الخالص‪ .‬فوق رأس‬
‫يسوع أشواك تاج اللم‪ ،‬وعلى رأس السقف تاج السقفية الذهبي البراق‪ ..‬بدا لي‬
‫يسوع مستسلدما وهو يقبل تضحيته بنفسه على صليب الفداء‪ ،‬وبدا لي كيرلس مقبلد‬
‫على المساك بأطراف السماوات والرض(‪.‬‬

‫وفى عظة متخيلة للبابا كيرلس الكبير جاء في صفحة ‪:147‬‬


‫)أبدأ بهذا‪ ،‬لذكركم بأننا نعيش في زمن الفتن‪ ،‬ومن ثم فنحن في زمن الجهاد‪.‬‬
‫لقد أنشر نور المسيح حتى يكاد اليوم يغطى الرض‪ ،‬ويبدد ظلمها الذي طال زمانه‪..‬‬
‫غير أن الظلمات ما زالت تعشش هنا وهناك‪ ،‬وتطل على أرض ال بوجه الفتن‬
‫والهرطقيات التي تنحز في قلوب الناس‪ ..‬ولن يهدأ جهادنا لها ما دمنا أحياء‪ ..‬لقد‬
‫وهبنا أنفسنا لربنا يسوع المسيح‪ ،‬فلنكن جنود الحق الذين ل يرضون إل بأكاليل النصرة‬
‫السماوية‪ ،‬ولنكن مخلصين لدين المخلص‪ ،‬حتى نلحق بالشهداء والقديسين الذين عبروا‬
‫الدنيا ليلحقوا بالمجد السماوي والحياة البدية(‪.‬‬

‫ويكمل في صفحة ‪:151‬‬


‫)أخذ السقف يعيد الصلة‪ ،‬حتى أخذ الناس النشيج‪ ...‬ثم صار صوته نارديا‬
‫متأجدجا وهو يقول لهم‪ً:‬ا يا أبناء ال‪ ،‬يا أحباء يسوع الحي‪ ،‬إن مدينتكم هذه‪ ،‬هي مدينة‬
‫الرب العظمى‪ .‬فيها استقر مرقس الرسول‪ ،‬وعلى أرضها عاش الباء‪ ،‬وسالت دماء‬
‫الشهداء‪ ،‬وقامت دعائم الديانة‪ .‬ولقد طهرناها من اليهود‪ ،‬المطرودين‪ .‬أعاننا الرب‬
‫على طردهم وتطهير المدينة منهم‪ ،‬ولكن أذيال الوثنيين النجاس‪ ،‬ما زالت تثير غبار‬
‫الفتن في ديارنا‪ .‬إنهم يعيثون حولنا فساددا وهرطقة‪ ،‬يخوضون في أسرار كنيستنا‬
‫مستهزئين‪ ،‬ويسخرون مما ل يعرفون‪ ...‬طهروا أرضكم من دنس أهل الوثان‪ .‬اقطعوا‬
‫ألسنة الناطقين بالشر‪ .‬إلقوهم في معاصيهم في البحر‪ ،‬واغسلوا الثام الجسيمة‪ .‬اتبعوا‬
‫كلمات المخحلص‪ ،‬كلمات الحق‪ ،‬كلمات الرب‪ .‬واعلموا أن ربنا المسيح يسوع‪ ،‬كان‬
‫يحدثنا نحن أبناءه في كل زمان‪ ،‬لما قال‪ً:‬ا ما جئت للقى في الرض سلدما بل سيدفا(‪.‬‬
‫وفى حديث لم يحدث لهيبا مع البابا كيرلس الكبير حول نظرة البابا كيرلس للطب‬
‫والعلم يقول البابا في صفحة ‪:250 ،249‬‬
‫)إن ربنا يسوع المسيح‪ ،‬أيها الراهب‪ ،‬هو بحر الطب‪ .‬فتعلم منه‪ ،‬ومن سير‬
‫القديسين والشهداء واغترف البركات بيد تقواك إواخلصك‪ ..‬لتقترب من سبل الرب‬
‫وطرق الخلص‪ .‬إن كنت تريد تاريدخا؟ فإليك التوراة وسفر الملوك‪ .‬أو تريد بلغة؟‬
‫فإليك سفر النبياء‪ .‬أو تريد شعدرا؟ فإليك المزامير‪ .‬إوان أردت الفلك والقانون والخلق‪،‬‬
‫فإليك قانون الرب المجيد‪ .‬قم الن أيها الراهب لتلحق بالصلة لعلك تحظى بنظرة‬
‫عناية من ربنا المسيح الحي(‪.‬‬

‫هنا يكشف المؤلف النقاب عن دناءة مآربه فلقد اتخذ من البابا كيرلس الكبير‬
‫رم داز يهاجم به المسيحية والكنيسة‪ ،‬وليس المقصود هنا الكنيسة والعقيدة في تلك الفترة‬
‫ولكن المقصود هنا هي الكنيسة في كل زمان ومكان‪ .‬والمقصود بالعقيدة هي‬
‫المسيحية في الماضي والحاضر والمستقبل‪ .‬والبابا هو كل باباوات السكندرية من‬
‫مار مرقس حتى الن‪ ،‬هذا ما قصده المؤلف ليسقط به علينا ما زعمه في الرواية حيث‬
‫يقول‪ً:‬ا )واعلموا أن ربنا المسيح يسوعا‪ ،‬كان يحدثنا نحن أبناءه في كل زأمان (‪ ،‬لم‬
‫يعد إذن مجالد للقول إن القضية قضية رواية أو إبداع أو إعادة قراءة التاريخ ولكنها‬
‫قضية مهاجمة ديانة وعقيدة‪ .‬وغنى عن القول أن ما جاء به المؤلف هنا ل يليق‪ ،‬كما‬
‫أنه يستفز مشاعر جميع المسيحيين‪ ،‬ولذلك سوف نناقش وجهة النظر التي أراد أن‬
‫يلصقها الكاتب بالكنيسة في كل زمان‪ ،‬ثم نتبع هذا بالتعريف بتحليل لشخصية البابا‬
‫كيرلس الكبير عمود الدين‪.‬‬

‫فا‬
‫ما‪ ..‬بل سي ي‬
‫ما جئت للقى سل ي‬
‫إن أهم ما يطالعنا هنا هو تفسير المؤلف المغلوط ليات الكتاب المقدس‪ ،‬هذا‬
‫الفهم الذي بنى عليه وجهة نظره في العقيدة‪ ،‬فلقد فحسر قول المسيح "ما جئت للقى‬
‫سلدما بل سيدفا" بطريق الخطأ‪ ،‬حيث فهم كلمة "سيف" إنها دعوة صريحة لنشر الدعوة‬
‫بالسيف والعنف‪ ،‬وبالطبع فإن هذا المعنى لم يكن مقصوددا إطلقا‪ .‬إذن فماذا كان‬
‫يعنى السيد المسيح له المجد بكلمه "سيدفا"؟ لقد أجاب قداسة البابا شنودة الثالث – أدام‬
‫الرب حياة قداسته‪ -‬على هذا السؤال منذ أكثر من عشرين عادما حينما وجهه له‬
‫الكاتب الكبير الستاذ توفيق الحكيم في رسالة موجهة لقداسته عبر إحدى مقالت‬
‫الحكيم في جريدة الهرام الصادرة بتاريخ ‪ 2/12/1985‬حيث قال قداسته )ينبغي أن‬
‫أقول إن النجيل يحوى الكثير من الرمز‪ ،‬ومن المجاز‪ ،‬ومن الستعارات والكنايات‪،‬‬
‫من الساليب الدبية المعروفة‪ .‬وقول السيد المسيح )ما جئت للقى سلدما بل سيدفا(‬
‫بعد الشارة إلى آلمه مباشرة )لو ‪ً:12‬ا ‪ ،( 51‬إنه جاء ينشر عبادة ال في العالم كله‪،‬‬
‫بكل وثنيته‪ .‬ولذلك قال لتلميذه‪ً:‬ا "اذهبوا إلى العالم أجمع‪ ،‬واكرزوا بالنجيل للخليقة‬
‫كلها" )مر ‪ً:16‬ا ‪.(16‬‬
‫يضاف إلى هذا‪ً:‬ا المبادئ الروحية الجديدة التي جاء بها السيد المسيح‪ .‬وهى‬
‫تختلف عن سلوكيات وطقوس العبادات القديمة‪ .‬وكان أول من انقسم على المسيح‪ ،‬ثم‬
‫على تلميذه‪ً:‬ا اليهود وقادتهم‪ .‬ليس بسبب المسيح‪ ،‬إنما بسبب تمسك اليهود بملك‬
‫أرضى‪ ،‬وبسبب تفسيرهم الحرفي للكتاب‪...‬‬
‫وتضايق منه اليهود‪ ،‬لنه كان يبشر المم الخرى باليمان‪ ،‬وهم يريدون أن‬
‫يكونوا وحدهم شعب ال المختار‪ .‬لذلك لما قال بولس الرسول إن السيد المسيح أرسله‬
‫لهداية المم‪ ،‬صرخ اليهود طالبين قتله )أع ‪ً: 22‬ا ‪ (21،22‬بل إن القديس بولس لما‬
‫تحدث عن القيامة‪ ،‬حدث انشقاق وانقسام بين طائفتين من اليهود هما الفريسيين‬
‫والصدوقيين‪ ،‬لن الصدوقيين كانوا ل يؤمنون بالقيامة ول بالروح )أع ‪ً: 23‬ا ‪.(9 ،6‬‬
‫وانقسم اليهود على المسيح‪ ،‬لنهم كانوا يريدون ملدكا أرضديا ينقذهم من حكم الرومان‪.‬‬
‫أما هو فقال لهم‪ً:‬ا "مملكتي ليست من هذا العالم" )يو ‪ً:18‬ا ‪ .(36‬فلم يعجبهم حديثه‬
‫عن ملكوت السموات ول قوله "أعطوا ما لقيصر لقيصر" )مت ‪ً:22‬ا ‪ .(21‬وهكذا قام‬
‫ضد المسيح كهنة اليهود وشيوخهم والكتبة والفريسيون والصدوقيين‪ .‬أكان يمكن‬
‫للمسيح أن يمنع هذا النقسام‪ ،‬بأن يجامل اليهود في عقيدتهم عن الشعب المختار‪،‬‬
‫ورفضهم ليمان المم الخرى‪ .‬ورغبتهم في الملك الرضي‪ ،‬وحرفيتهم في تفسير‬
‫وصايا ال؟ أم كان لبد أن ينشر الحق‪ .‬ول يبالى بالنقسام؟‪.‬‬
‫كذلك واجه السيد المسيح العبادات القديمة بكل تعددها وتعدد آلهتها‪ً:‬ا آلهة‬
‫الرومان الكثيرة تحت قيادة جوبتر‪ ،‬واللهة اليونانية الكثيرة تحت قيادة زيوس‪ ،‬واللهة‬
‫المصرية الكثيرة تحت قيادة رع وأمون‪ ،‬وباقي العبادات وكذلك الفلسفات الوثنية‬
‫المتعددة‪ .‬وكان لبد من صراع بين عبادة ال والعبادات الخرى‪.‬‬
‫أكان المسيح يترك رسالته ول ينادى بها خودفا من النقسام‪ ،‬وتاردكا الوثنيين في‬
‫عبادة الصنام‪ ،‬لكي يحيا في سلم معهم؟!‬
‫أم كان لبد أن ينادى لهم باليمان السليم‪ ،‬ول خوف من النقسام‪ ،‬لنه ظاهرة‬
‫طبيعية‪ ،‬فطبيعي أن ينقسم الكفر على اليمان‪ .‬وطبيعي أن النور ل يتحد مع الظلمة‪.‬‬
‫لم يكن النقسام صاد دار من السيد المسيح‪ ،‬بل كان صاد دار من رفض الوثنية لليمان‬
‫الذي نادى به السيد المسيح‪ ،‬وهكذا أنذر السيد المسيح تلميذه بأن انقسادما لبد‬
‫)سنوات مع‬ ‫سيحدث‪ .‬إوانهم في حملهم رسالته‪ ،‬ل يدعوهم إلى الرفاهية بل إلى النقسام(‬
‫أسئلة الناس‪ ،‬ط ‪ ،2‬النبا رويس‪2003 ،‬م‪ ،‬ص ‪.(150 - 148‬‬

‫السيف هنا إذن مقصود به النقسامات والمواجهات التي سوف تقابل تلميذ‬
‫المسيح عند حملهم رسالته‪ ،‬والتبشير والك ارزة بدعوته‪ ،‬ولم يكن المقصود بالسيف هو‬
‫العنف المسلح أو انتشار المسيحية بحد السيف‪ ،‬وهو الفهم الخاطئ الذي أراد المؤلف‬
‫أن يؤسس به للمسيحية في مصر‪ .‬ونعود لقداسة البابا حيث يقول )لقد وقف السيف‬
‫ضد المسيحية‪ .‬لم يكن منها‪ .‬إنما عليها‪ .‬فعندما رفع بطرس سيفه ليدافع عن المسيح‬
‫ل‪ً:‬ا "أردد سيفك إلى غمده‪ .‬لن كل الذين يأخذون‬
‫وقت القبض عليه‪ ،‬انتهره ومنعه قائ د‬
‫بالسيف‪ ،‬بالسيف يهلكون" )مت ‪ً: 26‬ا ‪ (52‬وكانت نتيجة السيف الذي تحمله‬
‫المسيحيون‪ ،‬ونتيجة انقسام الوثنيين واليهود عليهم‪ ،‬مجموعة ضخمة من الشهداء(‪.‬‬
‫إذن فلقد انتهر السيد المسيح بطرس لنه رفع سيفه‪ ،‬فلو كان قول المسيح‪ً:‬ا "ما‬
‫جئت للقى سلدما بل سيدفا" المقصود منه الجهاد المسلح كما ذكر الكاتب‪ ،‬لكان السيد‬
‫ضا استنفر باقي التلميذ الذين كانوا‬
‫المسيح شحجع بطرس على هذا الفعل‪ ،‬ولكان أي د‬
‫موجودين لحظة القبض عليه وشحذ هممهم في التصدي بالسيف للذين أرادوا القبض‬
‫على السيد المسيح‪.‬‬

‫الجهاد فى المفهوم المسيحى‬


‫نأتي إلى ثاني التهامات التي أراد المؤلف أن يلصقها بالمسيحية؛ أل وهى‬
‫الجهاد المسلح حيث أورد على لسان عمود الدين في عظته المتخيلة عبارة‪ً:‬ا "فنحن في‬
‫زأمن الجهاد" وواضح هنا تصدير مفهوم غير مسيحي عن الجهاد‪ .‬فالمسيحية ل‬
‫تعرف الجهاد الرضي أي الجهاد الدنيوي‪ ،‬ولكن يبدو أن الكاتب حاول اصطياد‬
‫بعض اللفاظ التي تعطى من ضمن معانيها معاني للعنف والرهاب مثل كلمتي‬
‫"سيف"‪ ،‬و"جهاد"‪ .‬ونحن ل ننكر الجهاد بل أننا نستطيع أن نقول إن جهادنا الروحي‬
‫على الرض هو قصة العمر كله‪ .‬فيقول قداسة البابا المعلم النبا شنودة الثالث عن‬
‫الجهاد الروحي في مفهومه المسيحي الرثوذكسي )إنها حرب قائمة دائمة‪ ،‬تستمر‬
‫معك طول الحياة‪ ..‬هذه الحرب يتحدث عنها القديس بولس الرسول فيقول‪" :‬إن‬
‫مصارعتنا ليست مع لحم ودم بل مع‪ ...‬أجناد الشر الروحية" )أف ‪ .(12 : 6‬وقال‬
‫لنا عن هذه الحرب‪" :‬من أجل ذلك البسوا سلحا ال الكامل‪ ،‬لكي تقدروا أن تقاوموا‬
‫في اليوم الشرير‪ ،‬وبعد أن تتمموا كل شئ أن تثبتوا" )أف ‪.(13 : 6‬‬
‫وما أجمل تلخيص الرسول لمور الحرب هنا‪ :‬حرب‪ .‬سلحا‪ .‬مقاومة‪ .‬تتمموا‬
‫كل شئ‪ .‬تثبتوا‪ ..‬ونحتاج في هذه الحرب إلى إطفاء جميع سهام الشرير الملتهبة‬
‫)أف ‪ .(16 : 6‬والقديس بطرس الرسول يقول عن هذه الحرب‪" :‬اصحوا واسهروا‪،‬‬
‫سا من يبتلعه هو‪ .‬فقاوموه راسخين في‬
‫لن إبليس خصمكم كأسد زأائر‪ ،‬يجول ملتم ي‬
‫اليمان" )‪ 1‬بط ‪ .(9 ،8 : 5‬إذن هو يكلم مؤمنين ومحاربين‪ ،‬ويحتاجون إلى صحو‬
‫وسهر‪ ،‬ومقاومة لعدو شديد‪ .‬والقديس بولس يريد أن نقاوم حتى الدم‪ ،‬مجاهدين‬
‫)بدعة الخلص في لحظة‪ ،‬ط ‪ ،4‬النبا رويس‪2002 ،‬م‪ ،‬ص ‪.(82‬‬ ‫ضد الخطية )عب ‪.(4 : 12‬‬

‫يتضح من التفسير السابق لقداسة البابا المفهوم الراسخ لمعنى الجهاد الروحي‬
‫في العقيدة‪ ،‬فتأسيدسا على ما سبق تكون عناصر الجهاد في المسيحية كالتالي‪ً:‬ا‬
‫الجهاد معنوي وليس مادي‪ ،‬فهو جهاد روحي‪ ،‬وليس جهاد مسلح‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫العدو المعلن والمستهدف هو إبليس وكل جنوده‪ ،‬ول نستهدف في جهادنا أي‬ ‫‪‬‬
‫قوات دنيوية‪ ،‬لننا ليس لنا أعداء دنيويين‪ ،‬لننا كما سبق وأوضحنا نحب الجميع في‬
‫الذي أحب الجميع‪ ،‬ومحبتنا هنا مطلقة "أحبوا أعداءكم باركوا لعنيكم" )مت ‪ً:5‬ا ‪.(44‬‬
‫سلحنا في هذه الحرب ليس السيف ولكنه "سلح ال الكامل"‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫ولقد استقر هذا المفهوم في قوانين الكنيسة‪ ،‬فحسب المستشار عوني برسوم‪ً:‬ا‬
‫)محاربات المسيحي المنشودة هي ضد شهوة البطن ‪ -‬الزنا ‪ -‬الجشع ‪ -‬الغضب ‪-‬‬
‫الكآبة ‪ -‬وصغر النفس ‪ -‬والمجد الباطل – والكبرياء( من أجل حرية أولد ال‪ .‬إن‬
‫هذه النوعية من الخطايا هي التي تخلع حلة الحرية عن النسان الحر المنطلق الذي‬
‫يعلو بذاته عن كل الشهوات التي يتذلل من أجلها للناس‪ ...‬وملكوت ال هو ملكوت‬
‫أحرار وليس ملكودتا للعبيد أي عبيد أجسادهم‪ .‬وأعمال الجسد ظاهرة التي هي زنى‪،‬‬
‫عهارة ونجاسة‪ ،‬دعارة‪ ،‬عبادة أوثان‪ ،‬سحر‪ ،‬عداوة‪ ،‬خصام‪ ،‬غيرة‪ ،‬سخط‪ ،‬شقاق‪،‬‬
‫بدعة‪ ،‬حسد‪ ،‬قتل‪ ،‬سكر‪ ،‬بطر‪ ،‬إوان الذين يفعلون مثل هذه ل يرثون ملكوت ال )غل‬
‫)التقنين‬ ‫‪ً: 5‬ا ‪ .(21 ،19‬الحرب ضد كل هذا يكسب النسان الحرية التي لولد ال‪.‬‬
‫الكنسي‪ ،‬مطابع مكتب العمال الفنية‪1994 ،‬م‪ ،‬ص ‪.(267 ،266‬‬

‫ولكن قد يتساءل سائل إن كان المر هكذا والمسيحية المصرية ليست كما أورد‬
‫المؤلف عقيدة سيف ورمح وجهاد‪ ،‬إوان كان ما ذكره ليس إل تزوي دار للتاريخ‪ ،‬وروايته‬
‫في مجملها ليست العمل البداعي الخارق‪ ،‬فما هي إذن مرامي المؤلف من وراء كل‬
‫هذا؟‬
‫إن القراءة المتأنية لما أورده الكاتب في روايته سوف تجيبنا بوضوح وصراحة عن هذا‬
‫التساؤل‪.‬‬
‫هولوكست جديدة ومغازلة الصهيونية‬

‫يصور الكاتب في روايته اليهود على إنهم سكان البلد الصليين‪ ،‬فالمسيحية‬
‫هي العقيدة التي أتت إلى مصر وانتشرت بالعنف وحد السيف‪ ،‬وسط سكان البلد‬
‫الصليين من الوثنيين واليهود‪ ،‬ومع تصاعد قوة وسلطة وبطش الكنيسة قام أسقفها‬
‫بطرد اليهود وحرق منازلهم "ولقد طهرناها من اليهود‪ ،‬المطرودين‪ .‬أعاننا الرب على‬
‫طردهم وتطهير المدينة منهم"‪ ،‬هنا يقدم المؤلف هديته غالية الثمن للصهيونية‪ ،‬فها‬
‫هي محرقة جديدة لليهود على غرار ما حدث لهم في ألمانيا على يد النازي هتلر‪،‬‬
‫والتي قام بها المسيحيون المصريون انتقادما من اليهود لصلب إلههم‪ ،‬وليعطى‬
‫ض لهم‪ ،‬وهم الذين بنوا‬
‫للصهاينة الدليل التاريخي على ما يدعونه من أن مصر أر ة‬
‫الهرامات وشيدوا تلك الحضارة‪ ،‬ليتلقى هذا مع ما يعتقدون دينديا من أن أرض‬
‫الميعاد هي من النيل للفرات‪ .‬فل عجب إذن أن يطالب اليهود بحقهم في أرضهم التي‬
‫يريد المؤلف أن يعطيها لهم هدية على طبق من الفضة‪ .‬ونحن هنا ل نفتري على‬
‫الكاتب أو نحمل الرواية فوق ما تحتمل‪ ،‬لن هذا التجاه واضح عند المؤلف في أكثر‬
‫من مكان‪..‬‬
‫ففي صفحة ‪ 154‬يقول هيبا واصدفا هيباتيا "إنها مصداق لمعنى اسمها هيباتيا‬
‫في اللغة اليونانية‪ً:‬ا السامية‪ ....‬فلتتخذني ابدنا لها أو أدخا أصغر أو يأتي يوم وتحبني"‬
‫هكذا إذن بدا المؤلف مولدعا بالسامية متغزلد فيها‪ ،‬ولم يقدر على إخفاء أحاسيسه‬
‫ومشاعره تجاه السامية والصهيونية‪..‬‬

‫استعداء المجتمع الدولي على مصر‬


‫إن ادعاء المؤلف أن اليهود هم سكان مصر الصليين‪ ،‬والذين تم تطهيرهم‬
‫عرقديا على يد الكنيسة‪ ،‬يمكن أن يتخذ ذريعة دولية لمطالبة مصر بتعويضات عن‬
‫محرقة اليهود على أيدي ثاؤفيلوس وكيرلس‪ ،‬فهم في النهاية مصريون‪ .‬كذلك يمكن أن‬
‫يتخذ هذا ذريعة لتقسيم مصر على غرار ما حدث في العراق والسودان؛ لنصحو فجأة‬
‫يودما نجد اليهود يطالبون بسيناء وشرق الوادي‪ ،‬ويتم تدويل المر لتقف أمريكا سنددا‬
‫لليهود وباقي السيناريو معروف‪ ،‬فلقد شهد شاهد من أهلها‪.‬‬

‫قا كيرلس هو المقصود؟‬ ‫هل ح ي‬


‫هل حدقا البابا كيرلس الكبير هو المقصود هنا أم أن المؤلف قد اتخذ منه رم داز‬
‫ليسقط ما يريد أن يسقطه على واقع نحياه؟ فلقد تسرع المؤلف في نسج خياله ليجئ‬
‫مليدئا بالخطاء التي كشفت نوازعه الخبيثة فهو يقول‪ً:‬ا "نظرت إلى الثوب الممزأق في‬
‫تمثال يسوع" ونحن نقول له نتحداك أن تأتى في كنائسنا بأي تمثال‪ ،‬فكنيستنا تمنع‬
‫وجود التماثيل بين جدرانها‪ .‬فالموجود عندنا فقط هي اليقونات‪ ،‬وهى عبارة عن صور‬
‫رمزية للقديسين‪ ،‬أو تصوير لمواقف كتابية معينة مثل هروب العائلة المقدسة‪ ،‬ومزود‬
‫البقر الذي ولد فيه المسيح‪ ...‬الخ فمن أين إذن أتى بالتمثال المزعوم؟!!‬
‫أما عن وصفه لملبس البابا فمن أي مصادر تاريخية استقى معلوماته عن‬
‫الزى الباباوى في هذه الفترة‪ ،‬وهل كانت صناعة النسيج قد تقدمت إلى هذا الحد؟!‬
‫الموجود من آثار قبطية لملبس باباوات السكندرية عبارة عن ملبس كهنوتية غاية‬
‫في التواضع‪ .‬ولكن المقصود هنا هو من عاصرهم المؤلف من باباوات ورأى ملبسهم‪،‬‬
‫هؤلء الباباوات الذين قد تبدو ملبسهم غالية الثمن وهى على عكس هذا تمادما‪ ،‬يتم‬
‫تصنيعها داخل الديرة بخامات بسيطة‪ ،‬ولكن الحرفة في صناعتها هي ما تظهرها‬
‫بمظهر الثراء‪ .‬إن ملبس البابا يتصنع داخل الديرة ولم نسمع يودما ما أن أحد‬
‫الباباوات قد ارتدى ملبس من تصميم أحد بيوت الزياء الشهيرة‪ .‬إن البابا على الرغم‬
‫من علو وسمو مكانته الرفيعة داخل الكنيسة إل أنه ل يتخلى عن نسكه الرهبانى‪،‬‬
‫وهناك عبارة شهيرة بين العامة يصفون بها عيشة البابا فيقولون‪ً:‬ا )إنه يعيش بيننا‬
‫بلقمته وجلبيته(‪ .‬فل نعلم عن أي صولجان يتكلم الكاتب؟ فهل يريد المؤلف أن‬
‫يرتدى البابا أثمال بالية ممزقة؟! هل هذه الملبس تليق بالبابا؟ لماذا كل هذا الحقد‬
‫على شخص اختار أن يعتزل الحياة ومتعها ول ينعم من هذه الحياة إل بصليب ثقيل‬
‫اختار ال أن يحمله على عاتقه طوال حياته أل وهو صليب الرعاية والخدمة‪ ،‬هذا هو‬
‫صولجان البابا المستتر الذي يحمله ولم يره المؤلف‪.‬‬

‫ونأتي إلى بيت القصيد‪ ،‬البابا كيرلس الكبير عمود الدين الذي لم يدخر المؤلف‬
‫أي شئ من الرذائل إل ونعته بها فهو المتخلف الذي يرفض العلم والمعرفة‪ ،‬وهو‬
‫التغيبى الذي يأمر هيبا بالصلة ويظل هو مكانه ليغترف من البركات بدلد من‬
‫انشغاله بالطب والبحث العلمي‪ ،‬كذلك فهو المدمر الذي ححرض الشعب على اليهود‪،‬‬
‫والمتعجرف والمتسلط والذي يرفض الخر‪ ،‬وهو الرهابي الذي يدعو إلى الجهاد‬
‫المسلح‪ .‬فهل كان البابا كيرلس هكذا؟ بالطبع ل‪ ،‬لن هذا الرجل يعتبر من فلسفة‬
‫الكنيسة القلئل الذين كانت لهم منهجية فلسفية استطاع أن يوصلها إلى العامة بكل‬
‫بساطة مترفدعا عن تعالى الفلسفة‪.‬‬

‫المنهج الفلسفي لعمود الدين‬


‫لقد استعان البابا كيرلس عمود الــدين بالتفســير المعرفــي لخلــق نظــام فلســفي قـائم‬
‫على النظر العقلـي المسـتوحى مـن النـص النجيلـي‪ ،‬مسـتوعدبا ضـرورة انفتـاح المسـيحية‬
‫وهــى فــي بــداياتها‪ ،‬ومحــاورة المــم القاصــية‪ ،‬بــالرفق والتــدرج والتــأني فــي التفســير‪ ،‬بعيـددا‬
‫عــن القصــاء واللغــاء والســتعلء‪" ،‬وحيييث أنييه كييان ميين الضييروري أن تكييون هنيياك‬
‫طلعهييم علييى كتييب ثيئييودور وديييودور الييتي كتييب‬
‫براهين مضادة حاضرة أمامهم بعد إ ل‬
‫ضيا مين‬
‫فيها ليس عن تجسد البن الوحيد‪ ،‬بل بيالحرى ضيد التجسيد‪ .‬فقيد اخيترت بع ي‬
‫الفصييول‪ ،‬وبالسييلوب المقبييول سييوف أقيياومهم‪ ،‬كاشيييفا أن تعيياليمهم كييانت ميين كييل‬
‫الوجوه مليئة بكل ما هو بغيض" )رسالة القديس كيرلس رقم ‪ 69‬لكاكيوس أسقف ميليتين(‪.‬‬
‫وممــا يعــد علمــة بــارزة فــي البنيــة الفكريــة لعمــود الــدين‪ ،‬أنــه انطلــق فــي وضــع‬
‫أسـس نظريتـه الفلسـفية المعرفيـة مـن منطلـق معرفـي مفتـوح علـى تقـويم جهـود المقاربـات‬
‫الفلسفية السابقة‪ ،‬والتي كانت سائدة في زمانه‪ ،‬ولم يقف عند حدود الســتهلك العلمــي‪،‬‬
‫إوانما تجاوز هذا الطار من التبعية الفكرية المنغلقة إلى أفق معرفي رحيب‪.‬‬
‫ولع ــل م ــن خصوص ــية ه ــذا الفيلس ــوف الف ــذ أن ــه س ــلك مس ــلدكا علمدي ــا يق ــوم عل ــى‬
‫المح ــاورة عل ــى الرغ ــم م ــن البع ــد الجغ ارف ــي لمح ــاوريه‪ ،‬وص ــعوبة التص ــالت ف ــي ه ــذا‬
‫الـوقت‪ ،‬فهـو ل يعتمــد علـى النقــل والتسـليم الرســولى ووضـعهما فــي معطيــات ثابتـة غيـر‬
‫قابلــة للنقــاش‪ ،‬ذلــك أن المصــادر الثقافيــة الــتي شــكلت مرجعيــة عمــود الــدين تشــهد علــى‬
‫خصوصية طريقته في محاورته غيره محاورة تستند في جوهرها إلى ثلثة محاور هي‪ً:‬ا‬
‫‪ -1‬النفتاح على النتاج المعرفي الفلسفي النساني‪.‬‬
‫‪ -2‬فحص الدوات المعرفية لهذا النتاج‪.‬‬
‫‪ -3‬فحص الدوات المنهجية لهذا النتاج‪.‬‬

‫ويبقـ ــى السـ ـ ـؤال هنـ ــا هـ ــل تعامـ ــل عمـ ــود الـ ــدين مـ ــع الـ ــتراث النسـ ــاني تعـ ــاملد‬
‫موضوعديا؟ وهل وقف عنـد آراء البـاء الوليـن مــن أت اربـه موقــف الناقــل المنبهــر؟ أم أنــه‬
‫تجاوز حدود الظاهر إلى بواطن المور وخفاياها؟‬
‫إوانصــادفا منــا لــتراث البابــا كيرلــس الكــبير عمــود الــدين وتنــوعه وخصــوبته ‪-‬علــى‬
‫الرغــم مــن قلــة الموجــود منــه تحــت أيــدينا‪ -‬فــي مقابــل مــا أتــاه مؤلــف ع اززيــل مــن افــتراء‬
‫وظيلــم علــى هــذا القــديس مــن نعتــه بأشــد صــفات القهــر والصــلف والعنــف والتنــدر عليــه‬
‫بالجهل وعدم المعرفة‪ ،‬وجدنا أنه من الضروري هنا تبين حقيقة المسلك الحقيقي والفكــر‬
‫المعرفــي الفلســفي لحـ ـواراته الحضــارية والــتي أسســت لنــا النظـ ـرة الفلســفية القائمــة علــى‬
‫نصــوص إنجيليــة‪ ،‬لنــرى إن كــانت تتفــق هــذه التركيبــة الفريــدة مــع مــا ألصــقه الكــاتب بهــا‬
‫من تهم من محض الخيـال مـن عـدمه‪ .‬وحيـث أن المتجمـع لـدينا مـن تـراث عمـود الـدين‬
‫في مجمله خطابات صـادرة منــه إواليــه لــذلك سـوف يكـون بحثنـا فـي هـذا الشـأن حـول مــا‬
‫سوف نطلق عليه اصطلدحا ومجا داز "الخطاب الكيرلسى" حـتى نكــون بــذلك ننـاقش فكـر‬
‫القديس وليس شخصه الذي سنفرد له مجالد آخر‪.‬‬

‫فيلسوف الجوهر‬
‫إن النظـ ـ ـرة الفاحصـ ــة للخطـ ــاب الكيرلسـ ــى والـ ــتي ترغـ ــب فـ ــي اسـ ــتجلء حقيقـ ــة‬
‫المحــاورات داخــل تلــك الخطابــات تلحــظ التكـرار الــدائم لكلمــتي "جوهر" و"طبيعة" عنــد‬
‫عمود الدين واستخدامهما فـي سـياقات مختلفــة للتــدليل علـى وجهــات نظـر معينــة‪ ،‬وذلـك‬
‫بهدف السعي إلى تقصي الحقيقة والبحث المتواصل لبلوغ الغامض أو المستتر "نعترف‬
‫أن ربنيا يسييوعا المسييح اب ن الي الوحييد هيو إليه كاميل إوانسيان كاميل ذو نفيس عاقلية‬
‫وجسد‪ ،‬وهو مولود من الب قبل كل الدهور بحسب لهوته‪ ،‬وأنه هو نفسه في اليام‬
‫الخيييرة‪ ،‬ميين أجلنييا وميين أجييل خلصيينا وولييدد ميين مريييم العييذراء بحسييب ناسييوته‪ ،‬وهييو‬
‫نفسييه ميين الجييوهر نفسييه الييذي للب )أو مييع الب(‪ ،‬حسييب لهييوته‪ ،‬وميين الجييوهر‬
‫)الرسالة ‪ 39‬من رسائل القديس إلى يوحنا النطاكي(‪.‬‬ ‫نفسه الذي لنا )أو معنا( بحسب ناسوته"‬
‫ولك ــن يحل ــو للبع ــض الق ــول ب ــأن تكـ ـرار الكلم ــتين يض ــعف م ــن مش ــروع الق ــديس‬
‫الفلســفي لن هــذا التكـرار دليــل هــوس معرفــي عنــد القــديس‪ ،‬ولكــن هــذا القــول يخلــو مــن‬
‫الموضوعية وينظر نظرة سطحية لفلسفة القديس‪ ،‬فتكرار كلمتي طبيعة وجوهر همــا فــي‬
‫هذا الـوقت مـا كـان يتـم عليهمـا الجـدل الـديني والختلف فـي تعريفهمـا وتفسـيرهما فنجـد‬
‫أن سياق تلك الكلمات يأتي لعدة أسباب‪ً:‬ا‬
‫شدة الطلب في تعريف المعنى الصطلحى للكلمتين‪ ،‬حيث لــم تكــن العقيــدة قــد‬ ‫‪‬‬

‫تبلــورت بعــد‪ ،‬وخرجــت معظــم الهرطقــات بســبب هــذا الخلف "فييإن رؤسيياء المتوحييدين‬
‫)الرسـالة رقــم ‪ 71‬إلــى المــبراطور‬ ‫الشرقيين طلبوا منى شرحا معنى قانون اليمان وقد تم ذلك"‬
‫ثيئودوسيوس(‪.‬‬

‫التــأني والتلطــف فــي البحــث‪ ،‬وذلــك بهــدف الوصــول الــدقيق للمفهــوم اللهــوتي‬ ‫‪‬‬
‫الصحيح‪.‬‬
‫التقليــب‪ ،‬حيــث نجــد أن القــديس قــد تنــاول المصــطلحين بطــرق تفســير متعــددة‬ ‫‪‬‬
‫ومختلفــة ليصــل فــي كــل م ـرة إلــى تعريــف ثــابت لــم يتغيــر علــى الرغــم مــن تعــدد طــرق‬
‫الوصول إلى ذلك‪.‬‬

‫عمود الدين والفلسفات السابقة‬


‫أول ما واجه القديس في بداية تخليقه لفلسفته الخاصة‪ ،‬هو التيارات الفلسفية‬
‫التي كانت سائدة في المجتمع الهلينى وسيطرة الفكر الرسطي على معظم تلك‬
‫التيارات وهو المر الذي اصطدم به عمود الدين‪ ،‬فلم يلجأ إلى نفي هذه الفلسفات‬
‫إواقصائها‪ ،‬بل أقام الدليل على نقض هذه الفلسفات من خلل مشروعية الفحص‬
‫العقلي للعقيدة‪ ،‬حيث إنه‪ً:‬ا‬
‫‪ -‬لم يتوقف عند حدود العقل بوصفه القدرة الدراكية والستيعابية للنسان‪ ،‬إوانما توغل‬
‫في الفكر النساني مقلدبا لوجه المعرفة العلمية‪ ،‬ومحاودار لصحابها وفق ما تطلبته‬
‫شروط البرهان والستدلل‪ ،‬واستثمر ذلك لخلق نظام معرفي لهوتي‪.‬‬
‫"لذلك يقال إنه هو نفسه قد عانى الموت لجلنا‪ .‬لنه فيما يخص طبيعة الكلمة‪،‬‬
‫فهو لم يختبر الموت‪ ،‬لنه يكون من الجنون أن يقول أحد أو يفكر هكذا‪ ،‬ولكن‪،‬‬
‫ضا إنه قام‪،‬‬
‫ضا بقيامة جسده‪ ،‬يقال أي ي‬
‫كما قلت‪ ،‬فإن جسده ذاق الموت‪ .‬وهكذا أي ي‬
‫)الرسالة رقم ‪ 4‬إلى‬ ‫ليس كما لو كان قد تعرض للفساد‪ ،‬حاشا‪ ،‬بل أن جسده قام ثانية"‪.‬‬
‫نسطور(‪.‬‬

‫‪ -‬الجمع بين المتقابلت من الراء‪ ،‬وفحص الحتمالت المختلفة‪ ،‬واختبارها على‬


‫أساس هذا التقابل والختلف‪ ،‬والذي رآه القديس عاملد مهدما في ترشيد الفكر للوصول‬
‫إلى الحق‪.‬‬
‫"لن اللهي غير قابل لللم لأنه غير مادي‪ .‬لكن حيث أن جسده الخاص الذي ولد‪،‬‬
‫ضا قد عانى هذه المور لجلنا‪ .‬فغير‬
‫عانى هذه المور‪ ،‬فإنه يقال إنه هو نفسه أي ي‬
‫)الرسالة رقم ‪ 4‬إلى نسطور(‪.‬‬ ‫القابل لللم كان في الجسد الذي تألم"‪.‬‬

‫مقاصأد المعاينة المعرفية عند عمود الدين‬


‫يعتبر البابا كيرلس عمود الدين هو أول من استطاع التوصل إلى منهجية‬
‫علمية متقدمة قام من خللها بإقامة دعائم بناء فلسفي على أساس لهوتي‪ ،‬ويعتبر‬
‫مختلدفا ومتمي داز في عصره‪ ،‬حيث سيطرت التراكيب الفلسفية على الحياة الثقافية‬
‫عمودما‪ ،‬فانقسم اللهوتيون إلى قسمين‪ ،‬أولهما حاول تعميد الفلسفة‪ ،‬أي أنهم حاولوا‬
‫تطويع العقيدة إلى نظريات فلسفية كانت سائدة‪ ،‬مثل الغنوسيين‪ .‬المر الذي أدى بهم‬
‫في النهاية إلى اليبعد عن أساس العقيدة والشطط اللهوتي في التفسير‪ .‬وكان على أثر‬
‫ذلك أن تبنى قسم آخر من اللهوتيين نفي الفلسفة وأقصائها عن التفاسير اللهوتية‪.‬‬
‫وقد يظن البعض أن عمود الدين من أنصار التجاه الثاني وهذا غير صحيح‪ ،‬حيث‬
‫إن القديس أقام أسس المعاينة اللهوتية للعقيدة على ثلثة محاور هي‪ً:‬ا‬

‫‪ (1‬مفهوم استعانة المتأخر بالمتقدم‬


‫لقد كانت البداية هي جرأة القديس في نقض التراث الرسطي‪ ،‬فالمعاينة العلمية‬
‫التي أرسى قواعدها عمود الدين كانت غنية بالحالت والشارات المرجعية المتعلقة‬
‫بالتراث الرسطي‪ ،‬حيث عاب على من يتخذون هذا المنهج أسادسا لتفسيراتهم‬
‫اللهوتية بأنهم مستهلكين لهذا التراث‪ ،‬حيث إنه رأى أن السبيل الحق للمعرفة‬
‫الصحيحة لمفهوم الطبيعة والجوهر تحديددا ل تعنى إطلدقا اجترار الفلسفات السابقة‪،‬‬
‫إوانما تخطى هذه الفلسفات المألوفة والموروثة بعد فحصها للخروج بالضافة النوعية‪.‬‬
‫صا‬
‫كما أنه استعان في ذلك بمن سبقوه من الباء‪ ،‬ولم يكن ناقلد منبه دار بل فاح د‬
‫طا‪.‬‬
‫مستنب د‬
‫"إننا نتبع عقيدة البيياء القديسييين ميين كييل وجييه‪ ،‬وخاصيية أبينييا المبييارك والمجيييد جيييدا‬
‫أثناسيوس‪ ،‬طالبين باجتهاد أن ل نبتعد عنه في أي شئ على الطلق" )الرسالة رقــم ‪39‬‬

‫مــن القــديس كيرلــس إلــى يوحنــا النطــاكي(‪" ،‬إن كنا نلتزأم بتعاليم الباء القديسين‪ ،‬وكنييا جييادين‬
‫في اعتبارهم ذوى قيمة عظيمة‪ ،‬ونمتحن أنفسنا "هل نحيين فييى اليمييان" )انظيير ‪2‬كييو‬
‫‪:13‬يي ‪ (5‬كما هو مكتوب في الكتب‪ ،‬فسوف نشكل أفكارنا حسييينا جيييدا لتطييابق آ ارئهييم‬
‫)الرسالة رقم ‪ 4‬إلى نسطور(‪.‬‬ ‫المستقيمة وأحكامهم التي بل لوم‪".‬‬
‫‪ (2‬اكتمال المعرفة من خلل التراكم‬
‫العلمي‬
‫وقد سلك القديس هنا مسلك الطريق البرهانى لمفهومه الفلسفي وفق ألية التدرج‬
‫والترتيب‪ ،‬وذلك من خلل منهجية إذا ما عرضت على العقول تلقتها بالقبول‪ ،‬ولم‬
‫يعتمد على الدفع الفلسفي للمفهوم والذي كان ممكن أن يصطدم بالمتلقي‪.‬‬
‫وحد لنفسه أقنومييا جسيدا محييا بنفس عاقليية‪ ،‬صييار إنسيياينا بطريقيية‬
‫"إن الكلمة حينما ّ‬
‫ل توصف ول تدرك‪ .‬وهو قد دعى ابن النسييان ليييس بحسييب الرغبيية فقييط ول بحسييب‬
‫صا فقط‪ .‬ونحن نقول إنه على الرغم أن الطبيعيييتين‬
‫الرادة الصالحة‪ ،‬ول باتخاذه شخ ي‬
‫اللتين اجتمعتا ميعا فى وحدة حقيقييية مختلفتييان‪ ،‬فهنيياك مسيييح واحييد وابيين واحييد ميين‬
‫الاثنييين‪ .‬إن اختلف الطبييائع لييم يتلشييى بسييبب التحيياد‪ ،‬بييل بييالحري فييإن اللهييوت‬
‫والناسيوت كونييا لنيا ريبيا واحيييدا يسييوعا المسييح وابينييا واحييدا بواسييطة هيذا التحياد اليذي‬
‫)الرسالة رقم ‪ 4‬إلى نسطور(‪.‬‬ ‫يفوق الفهم والوصف‪".‬‬

‫‪ (3‬القرار بقصور الجهد البشرى في‬


‫الوصأول إلى المعرفة المطلقة‬
‫يصل هنا عمود الدين إلى ذروة مقاصده حيث إنه يرى النظر في كتب المنطق‬
‫والفلسفات القديمة يفقد مشروعيته طالما توصلنا إلى إدراك جوهر الحقيقة‪ ،‬حتى إذا ما‬
‫كنا نختلف في تعريفنا لهذا الجوهر مع آخرين‪ ،‬فاختلف اللهوتيين على تفسير‬
‫جوهر ال ل يعنى بالضرورة اختلف ال على نفسه‪ .‬إوانما تختلف الطرق التي تؤدي‬
‫إليه‪ ،‬ولكن يبقى ال في نفسه واحد غير مختلف على نفسه‪.‬‬
‫"إن أولئك الذين يتخيلون أن مجرد ظل تغيير يمكن أن يحدث فيما يخص الطبيعة‬
‫اللهية للكلمة‪ ،‬هم مختلين في عقولهم‪ .‬لنه يبقى كما هو دائيما‪ ،‬وهو ل يتغير‪ ،‬بل‬
‫)الرسالة رقم ‪ 39‬من القديس كيرلس إلى يوحنا‬ ‫بالحرى فهو لن يتغير ولن يكون قابلي للتحول"‪.‬‬
‫النطاكي(‪.‬‬
‫ولعل ما له دللة هنا في هذا الصدد هو الصرامة العقائدية للبابا ثيئوفيلوس خال عمود‬
‫الدين والتي كان لها أثرها في تشكيل وعيه وتعلقه بسياق الصلح العقلني الذي قام‬
‫به الهراطقة‪.‬‬
‫يبقى إذن السؤال‪ ،‬هل كان البابا كيرلس يفرض آراءه عنوة وبالقوة؟ والجابة بالطبع ل‬
‫وذلك لعدة أسباب منها‪ً:‬ا‬
‫سوف نفترض جدلد بأنه كان يحكم السيطرة على السكندرية وكان الجميع‬ ‫‪‬‬
‫يعتنقون أفكاره وفلسفته خودفا‪ ،‬ولكن هل كان يخاف منه الساقفة في المجامع وهم‬
‫المساوون له كهنوتديا‪ ،‬بل إن هناك من كان يتمتع بالنفوذ السياسي أكثر منه؟ فكيف‬
‫إذن كان يخرج دائدما منتص دار في المجامع مؤميددا من الجميع‪ ،‬أليس لنه يملك قوة‬
‫الحجة والمنطق والبرهان لسلمة عقيدته؟‬
‫إن البابا كيرلس لم يكن ذا منصب سياسي ول كان قائددا عسكرديا يأتمر بأمره‬ ‫‪‬‬
‫ربوات من الجنود حتى يخاف منه شعبه‪ ،‬ولكن قداسة وطهارة ونقاء عقيدة الفيلسوف‬
‫القديس هي التي جعلت الجميع يلتفون حوله‪.‬‬

‫إن الواقع الذي كان عليه البابا كيرلس الكبير عمود الدين والذي توجد تحت‬
‫أيدينا روافده يقر بأن القديس كان فيلسودفا لهوتديا بكل ما تحمله الكلمة من معاني‪ ،‬من‬
‫خصوصية النتماء الفكري والروحي والعقائدي‪ ،‬حيث استعان بالفحص المعرفي في‬
‫تشييد نظام فلسفي قائم على النظر العقلي المستوحى من العقيدة الرثوذكسية‪ ،‬يحدوه‬
‫في ذلك اتباع أساليب الحوار والنقاش بالرفق والتدرج والتأني في المحاورة والمناظرة‪،‬‬
‫بعيددا عن القصاء واللغاء والستعلء‪.‬‬

‫وما زلنا مع هيبا ورحلة هيامه داخل السكندرية وهو هنا –فى رأي الكاتب‪-‬‬
‫الرهبنة المسيحية والتي كانت منابعها في الجنوب ونزحت إلى السكندرية‪ ،‬والتي تم‬
‫توظيفها أسوأ توظيف من خلل الكنيسة الرثوذكسية‪ ،‬فعن علقة الرهبنة بالكنيسة‬
‫تدور العلقة بين أوكتافيا وهيبا‪.‬‬
‫أوكتافيا‬
‫سوف نتوقف طويلد أمام شخصية أوكتافيا‪ ،‬فهي قمة براعة المؤلف في الرمزية‬
‫والسقاط على الشخصيات ول تخلو كلمة في علقة هيبا وأوكتافيا من رمز أو إيحاء‪،‬‬
‫ولكننا هنا سوف نكتفي بأهم ما أراد المؤلف أن يصدره للقارئ من خلل تلك العلقة‪.‬‬

‫دللة السم‬
‫لقد اختار المؤلف اسم أوكتافيا بعناية شديدة حتى يكون السم منفرددا له دللته‬
‫الخاصة‪ .‬وقد استعان ببعض الرموز الواردة في سفر الرؤيا ليستخدمها في هذا‬
‫السياق‪ ،‬فأوكتافيا تعنى "الثامنة" والرقم ثمانية له رمزية خاصة في سفر الرؤيا‪ ،‬فالعدد‬
‫سبعة يشير إلى الكمال‪ ،‬والعدد ستة يشير إلى النقصان عن الكمال لذلك فهو رمز‬
‫الشيطان‪ ،‬أما الرقم ثمانية فهو الرقم الذي يعلو الكمال لذلك فهو رمز السيد المسيح‪.‬‬
‫إوان كان ثمانية تعنى المسيح فالثامنة تعنى المسيحية‪ ،‬إذن فأوكتافيا هنا هي‬
‫المسيحية‪ .‬وتاريخديا هي كما أورد المؤلف الزوجة الولى لمارك أنطونيو القائد‬
‫الروماني الذي تزوج من كليوباترا‪ .‬ولنلحظ هنا دللة اسم مارك أنطونيو‪ ،‬فمارك هو‬
‫مرقص )كاروز المسيحية( وأنطونيو هو أنطونيوس )مؤسس الرهبنة في مصر والعالم(‬
‫إذن فأوكتافيا هي المسيحية المقترنة بمرقص وأنطونيوس أي أنها المسيحية المصرية‪.‬‬

‫وثنية الكنيسة‬
‫تحفل العلقة بين هيبا وأوكتافيا بالكثير من مواقف الزنا )ممارسة الجنس(‬
‫ونحن هنا نترفع عن سرد تفاصيل لكل المواقف‪ ،‬فالذى يهمنا هنا دللة هذه المواقف‬
‫وليس تفاصيلها‪ ..‬هناك علقة زنا مصحوبة دائدما بموائد الكل والطعام‪ ،‬والزنا والكل‬
‫هما من العلمات التي استخدمت كثي دار في الكتاب المقدس للدللة على الوثنية )ح‬
‫‪ً: 16‬ا ‪ 15‬ـ ‪ 22 ،16‬ـ ‪) (23‬هو ‪ً: 1‬ا ‪ً: 4 ،2‬ا ‪ ،(19 ،11‬وهى البيضاء والتي ترتدي‬
‫الملبس البيضاء‪ ،‬واللون البيض يرمز إلى القديم اليام )دا ‪ً: 7‬ا ‪) ،(9‬رؤ ‪ً: 1‬ا ‪(14‬‬
‫أي أنها هي الكنيسة العتيقة‪ ،‬والتي شبهها هيبا بخيط بخور‪ ،‬والبخور يرمز إلى الصلة‬
‫طا أي بدأ في الخفوت‪ .‬فالكنيسة العتيقة قد‬
‫)خر ‪ً: 30‬ا ‪ 34‬ـ ‪ (36‬التي أصبحت خي د‬
‫تخلت عن صلواتها أي إيمانها واقترنت بالوثنية‪ .‬ويؤكد ذلك المؤلف بعد أن تلقت‬
‫أوكتافيا مع هيبا على شاطئ البحر وأكلت وزنت معه في شق صخري أخذته إلى‬
‫بيتها‪ .‬والبيت ما هو إل رمزية أخرى للكنيسة واضحة وصريحة‪ ،‬فحارس المنزل يجلس‬
‫خارجه ومعه خروفه‪ .‬وغرفة حارس المنزل خارج مبنى البيت الذي تسكن فيه أوكتافيا‪.‬‬
‫والدللة هنا ل تحتاج إلى شرح‪ ،‬فمن المعروف أن بيت السقف كان في الصل عبارة‬
‫عن غرفة خارج مبنى الكنيسة‪ ،‬فالسقف هو حارس الكنيسة‪ ،‬والقيم على إيمانها‪.‬‬
‫والخروف هو رمز السيد المسيح في سفر الرؤيا )رؤ ‪ً: 5‬ا ‪ ،(6‬والرمزية هنا مقصودة‬
‫ولم تأنت مصادفة‪ .‬فالطبيعي أن يكون الحارس بصحبته كلب وهو المتعارف عليه‪ .‬ولم‬
‫نسمع في يوم من اليام أن الحارس يصطحب معه خروف‪ ،‬فالخروف في حاجة إلى‬
‫من يحميه‪ ،‬فكيف يقوم إذن بالحراسة‪ ،‬كما أن هذا الخروف تم ذكره ثلث مرات في‬
‫الرواية‪ ،‬كان فيها ينظر إلى هيبا نظرات لم ينظرها الحارس له‪.‬‬
‫أما داخل القصر )الكنيسة رمدزا( فنجد في بهو القصر صورة كبيرة لكلب‬
‫وبجواره إناء من اللبن المسكوب‪ ،‬وهى دللة أخرى على أن الكنيسة طرحت إيمانها‬
‫)اللبن المسكوب( للكلب )الوثنيين( في إشارة واضحة لقول السيد المسيح )ليس‬
‫حسدنا أن يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلب( )مت ‪ً: 15‬ا ‪ (26‬وهذا الكلب هو الكلب‬
‫الميت للسيد الصقلي التاجر الثرى قد رسمت لوحته بقطع من الفسيفساء والتي تدل‬
‫على أن هذه الوثنية في هذا الوقت قد تقسمت إلى قطع صغيرة وماتت‪ ،‬والسيد‬
‫الصقلي هو صاحب المنزل‪ ،‬فالكنيسة إذن قد طردت إلهها وحارسها خاردجا‪ ،‬أي تخلت‬
‫عن رسوليتها والتصقت بالوثنية ورأس المال )تجارك كانوا عظماء( )رؤ ‪ً:18‬ا ‪.(23‬‬
‫ومنزل أوكتافيا من الداخل هو الرسم التخطيطي للكنيسة‪ ،‬فالبهو المرسوم فيه‬
‫صورة الكلب‪ ،‬ثم هناك سلم طويل إلى الطابق العلى‪ ،‬وهذا السلم هو رمز للكهنوت‬
‫بدرجاته المختلفة حيث إن كل درجة في هذا السلم لها شكل مختلف عن الدرجة‬
‫الخرى‪ ،‬هذا السلم يؤدى إلى غرفة أوكتافيا‪ ،‬والتي ترمز إلى هيكل الكنيسة حيث‬
‫المنضدة الرخامية الطويلة التي تحملها أعمدة على شكل نساء عاريات في إيحاء‬
‫لوثنية المذبح‪ ،‬وغرفة أوكتافيا تطل على البحر‪ ،‬والبحر هو مصدر للشر ورمز لحالة‬
‫الرتباك التي كانت تحيط بالكنيسة )رؤ ‪ً: 19‬ا ‪ (15‬حيث يصف هيبا البحر والسماء‬
‫نائمة فوقه؛ حيث السماء هي عرش ال‪ ،‬وكأن ال قد نام عن شر الكنيسة وتركها تفعل‬
‫ما بدا لها‪.‬‬
‫وفى السفل من المنزل توجد حجرة السيد الصقلي حيث يوجد بها الكرسي‬
‫الخشبي الكبير‪ ،‬وهو رمز لكرسي البابوية والذي بدا شاغ دار وأصبح يقبع داخل خدر‬
‫الوثنية )غرفة السيد الصقلي(‪ .‬وبجانب هذا الكرسي يوجد تابوت في إشارة إلى تابوت‬
‫العهد أو اليهودية‪ ،‬ولكنه تابوت فارغ‪ .‬أي إنه شكل فقط بدون مضمون‪ ،‬فالكنيسة‬
‫ق بها إل ممارستها الوثنية‪ ،‬وبقايا الديانة اليهودية‪.‬‬
‫أصبحت ل راعى لها ولم يب م‬
‫وأوكتافيا في حوزتها مفاتيح المنزل تلك المفاتيح التي ترمز للسلطان والقوة‪ ،‬لم‬
‫يفت المؤلف إكمال رمزيته بالحمام المجاور لغرفة أوكتافيا‪ ،‬والذي يوجد بداخله حوض‬
‫رخامي يرمز طبدعا إلى المعمودية والتي تقع خارج مبنى الكنيسة )غرفة أوكتافيا(‪،‬‬
‫والحوض الرخامي له أربعة أرجل وهى البشائر الربعة حيث أن هذه الرجل منقوشة‬
‫أي مكتوبة‪ ،‬والماء بداخل الحوض كان فاتدرا‪ ،‬دليلد على ضعف إيمان الكنيسة‬
‫مستوحديا ما جاء بسفر الرؤيا "لنك فات دار ولست بارددا ول حادرا" )رؤ ‪ً: 3‬ا ‪ .(17‬وهذه‬
‫الحالة من الفتور الروحي صورها المؤلف بعدة صور‪ً:‬ا فنجد أوكتافيا تخاطب هيبا بعد‬
‫أن أخرجته من البحر قائلة‪ً:‬ا )جسمك مبلول بماء البحر‪ ...‬يابس كشجر الخريف‪ ..‬كم‬
‫أحب يبوسة هذا الشجر( والجسم اليابس هنا يرمز إلى حالة الجدب الروحي التي‬
‫كانت عليها الرهبنة والتي يرمز إليها هيبا‪.‬‬
‫كذلك الحال نجد بعض العبارات التي تشير صراحة إلى يبعد الكنيسة والرهبنة‬
‫)أوكتافيا وهيبا( عن المسيح‪ ،‬حيث تقول أوكتافيا لهيبا وهم على شاطئ البحر‬
‫)الشمس غابت يا حبيبي( كذلك قول هيبا )وفى الصباح أزعجتنا الشمس(‪) ،‬أغطى‬
‫عيني بكفي من قوة شمس الظهيرة( ومن المعروف أن السيد المسيح له المجد هو‬
‫شمس البر )رؤ ‪ً: 1‬ا ‪ .(16‬وتأخذ علقة هيبا وأوكتافيا في النمو وهى العلقة القائمة‬
‫على الوثنية والتي أراد الكاتب أن يصف بها حال الكنيسة والرهبنة في السكندرية فهو‬
‫يرى أن السبب في الهرطقات والبدع التي ظهرت في الكنيسة كانت بسبب توغل‬
‫الرهبان في الكنيسة إوامساكهم بمقاليد المور‪ ،‬المر الذي صرف الكنيسة والرهبان عن‬
‫العقيدة ودبت في الكنيسة الروح الوثنية القديمة‪ ،‬وهذا ما يظهره لنا المؤلف فيما حدث‬
‫بين هيبا وأوكتافيا في القبو‪.‬‬

‫القبو أساس الكنيسة الذى انشق‬


‫لطالما مارست أوكتافيا الجنس مع هيبا وكانت هي دائدما البادئة والمباغتة‪ ،‬في‬
‫إشارة من المؤلف أن الكنيسة في البداية كانت تحكم قبضتها على الرهبان‪ ،‬ولكن ما‬
‫أن تغلغل الرهبان في داخل الكنيسة حتى انقلب المر‪ .‬فأوكتافيا كانت دائدما هي التي‬
‫تعتلى هيبا أي أن لها اليد العلى‪ .‬ولكن في القبو تغير المر وباغتها هو وبدت‬
‫مستسلمة‪ ،‬ولكن ما هو القبو وما هي دللته هنا؟‬
‫إن القبو كما يصفه المؤلف هو طابدقا فسيدحا مرتفع الحوائط يقوم تحت الرض‬
‫على صفوف من أعمدة رخامية قوية‪ ،‬فالقبو يعنى أساس الكنيسة والعمدة الرخامية‬
‫هم آباء الكنيسة وأساقفتها‪ ،‬كل صف منها موصول بجدار من الطوب‪ ،‬أي أن آباء‬
‫الكنيسة قد تشيعوا إلى فرق ترمز إليها الجدران التي تصل العمدة ببعضها‪ ،‬وكل‬
‫جدار من هذه الجدران عليه من الناحيتين أرفف ثلثة‪ ،‬والرفف الثلثة تدل على‬
‫الثالوث المقدس ووجود هذه الرفف على الناحيتين يعنى أن كل فرقة من الفرق‬
‫المذكورة تختلف فيما بينها على جوهر الثالوث‪ ،‬وفوق هذه الرفف مجموعة من الجرار‬
‫ل يمكن حصرها‪ ،‬وهذه الجرار ما هي إل مجموعات كثيرة ولكنها صغيرة من‬
‫الهرطقات‪ .‬هذا هو إذن الحال في أساس الكنيسة‪..‬‬
‫وتنزل أوكتافيا مع هيبا إلى القبو للبحث عن زجاجة نبيذ معتقة‪ ،‬وهى ترمز إلى‬
‫البدعة التي اكتمل نموها‪ ،‬وقبل أن يشربان منها‪ ،‬يقرر هيبا أن يباغت أوكتافيا ويبدأ‬
‫هو فيما اعتادوا عليه في وضع كان فيه هو العلى‪ ،‬إشارة إلى سيطرة الرهبان على‬
‫الكنيسة‪ ،‬لتطلب أوكتافيا من هيبا أثناء الممارسة أن يشقها إلى نصفين في إيحاء لما‬
‫هو جارى بين نسطور وكيرلس الكبير‪ .‬هذا هو ما أراده الكاتب من وراء خلقه المشوه‬
‫لشخصية أوكتافيا‪ ،‬متهدما الرهبنة والحركة الديرية في مصر بأنها وراء كل النشقاقات‬
‫التي حدثت في الكنيسة‪.‬‬
‫وعجيب المر هو النهاية التي اختارها المؤلف لوكتافيا‪ ،‬فلقد ماتت على أيدي‬
‫الكنيسة أثناء محاولتها إنقاذ هيباتيا ‪-‬التي سوف نتحدث عنها بالتفصيل‪ -‬أي أن‬
‫الرهبان قد قتلوا الكنيسة ولم يعد لها وجود‪ ،‬فهل حدقا انتهت الكنيسة؟‬

‫إننا ل نعرف سر العداء الذي يكنه المؤلف للحركة الديرية والرهبانية في‬
‫مصر‪ ،‬فأوكتافيا إوان كانت أكبر تلميحاته عدائية للرهبان في الرواية‪ ،‬إل أنه لم يخفى‬
‫هذا صراحة‪ ،‬ففي حديث لهيبا مع أحد الرهبان رأى المؤلف أن الرهبنة هي هروب من‬
‫الفشل في الحياة‪ ،‬حيث يقول هيبا عن هذا الراهب‪ً:‬ا‬
‫"أخبرني أن أصله من البلدة التي اسمها دمياط‪ ،‬إوانه أحب فتاة هناك وهام بها‪ ،‬ولكنهم‬
‫أجبروها‪ ،‬فتزوجت غيره‪ ،‬فاختار لنفسه حياة الرهبنة‪ ..‬جرى ذلك معه‪ ،‬حين كان في‬
‫العشرين من عمره‪ ..‬وقال أنه لو عادت إليه محبوبته اليوم فسوف يرجع عن حياة‬
‫الرهبنة"‬

‫كما أنه يرى إن الرهبنة بدعة‪ ،‬فتقول إحدى شخصيات الرواية مخاطبة هيبا‪ً:‬ا‬
‫"أنتم المصريين ابتدعتم الرهبنة الديرية إحياء لتقاليد كانت عندكم منذ القدم"‬

‫كما أنه يرى أن رهبنة النساء بدعة فيقول‪ً:‬ا‬


‫"هذه بدعة ابتدعوها على غير أساس‪ ،‬الرهبنة طهر وصفاء وهجران للدنيا الفانية‪،‬‬
‫ومن أهم علماتها العزوف عن النساء‪ .‬فكيف يمكن ذلك للمرأة؟ ألم ترى قول متى‬
‫الرسول في إنجيله عن يسوع المسيح‪ً:‬ا من استطاع أن يحتمل عدم الزواج فليحتمل!‬
‫وقول بولس الرسول في رسالته الولى إلى أهل كورنثوس‪ً:‬ا "حسن للرجل أل يمس‬
‫امرأة"‪.‬‬

‫الرهبنة هى أصأل قصد الله فى خلقه‬


‫يعتقد الكثيرون أن الرهبنة ما هى إل نظام وأسلوب حياة‪ ،‬الغرض منه كبت‬
‫الشهوات الجنسية‪ ،‬والحقيقة فإن هذه النظرة السطحية للرهبنة تقزمها وتفرغها من‬
‫ل؛ فاذهب وبع أملكك‬
‫محتواها‪ .‬فالرهبنة هى الفقر الختيارى "إن أردت أن تكون كام د‬
‫وتعال اتبعني" )مت ‪ً:19‬ا ‪ .(21‬يقول القديس باسيليوس الكبير فى رسالته الخامسة‬
‫المعنونة بي تعاليم روحية نسكية‪) :‬الساس الول للذين يرغبون ويبتغون حياة‬
‫الرهبنة؛ هو أنهم ل يمتلكون شييئا‪ ،‬وبعد ذلك يبحثون عن حياة العزألة‪ ،‬مرتدين‬
‫طا‪ ..،‬لبد أن يبتعدوا عن الكل الكثير والشرب الكثير‪ ،‬وبعيدين عن‬
‫سا بسي ي‬
‫لبا ي‬
‫التجارة‪ ،‬محاربين لهدف واحد هو أن يقهروا عدوهم بإضعاف جسدهم ومسكنة‬
‫روحهم‪ ،‬حاملين وصايا ال معترفين أمامه أنهم ل شئ(‪ .‬والفقر هنا ليس بمعنى عدم‬
‫الغنى أو الثراء فقط‪ ،‬ولكنه افتقار إلى كل جاه العالم ومتعه ومغرياته‪ ،‬فهذا هو شق‬
‫الرهبنة الول‪ .‬أما الشق الثانى فهو تبعية المسيح‪ ،‬تلك التبعية التى تتطلب أن يكون‬
‫النسان متفردغا لها ليس لديه أي ارتباطات دنيوية‪ ،‬فإما أن يتبع النسان العالم‪ ،‬أو‬
‫يتبع المسيح‪ .‬وفى تبعيته المسيح تتلشى كل المتع والشهوات‪ ،‬فليس هناك أمتع ول‬
‫أحلى من العشرة مع المسيح والتي ل تضاهيها أية متعة )ذوقوا وانظروا ما أطيب‬
‫الرب(‪ ،‬فالعفة الجسدية وقهر الشهوات ليست هي الهدف في الرهبنة فالهدف أولد‬
‫وأخي دار هو المسيح‪ ،‬أما كل ما سبق ذكره فهو تبعية ونتائج لهذه العشرة‪.‬‬
‫ـ من‬ ‫)إن قمع النفس ل يعنى العفة‪ ،‬ولكن العفة تنتج منه‪ ،‬وهى نعمة ال‬
‫رساله القديس باسيليوس الكبير الى أوربيكيوس الراهب(‪ .‬فالمسيح هو الذي يطهر القلب والفكر‬
‫وهما نبع كل شهوة‪) .‬إن قطعة الخشب التي احترقت وأكلتها النيران تفنى تمايما‪،‬‬
‫ضا قلب النسان يتطهر بخوف ال‪ ،‬وبذلك تفنى الشهوات من الجسد ـ القديس‬ ‫وهكذا أي ي‬
‫مكاريوس الكبير(‬
‫ولكن هل الرهبنة هي اختراع مصري كما جاء في الرواية إحيادء لتقاليد فرعونية‬
‫قديمة؟! إن التفكير في أن الرهبنة بدعة أو اختراع هو درب من دروب الجهل بهذه‬
‫الهبة الثمينة التي ل تعطى لي إنسان )للذين أعطيت لهم(‪ ،‬فالرهبنة ترجع أصولها‬
‫إلى بداية الخليقة‪ ،‬فلقد ولدت الرهبنة مع خلق ال لدم‪ ،‬لن الرهبنة ما هي إل محاولة‬
‫محاكاة النموذج الول للنسان )آدم وحواء( في طهارته ونقاوته‪ .‬فآدم وحواء كانا‬
‫عريانين في الجنة ول يشعرون بعريهم‪ ،‬ولم تتحرك فيهم أية شهوة‪ ،‬فالرهبنة إذن ليست‬
‫فكرة جديدة أو بدعة كما يزعم المؤلف‪ ،‬ولكنها قديمة جددا؛ عمرها من عمر النسان‪.‬‬
‫وهى الشكل الذي أراده ال للنسان‪.‬‬
‫أما عن رهبنة النساء‪ ،‬فال خلق آدم وحواء على نفس النقاء والطهارة‪ ،‬لم يخلق‬
‫آدم طاه دار وحواء ليست كذلك‪ ،‬فالرجل والمرأة متساويان في بحثهم عن الوصول إلى‬
‫أصل خلق ال في ذات كل منهم‪ ،‬أما ما ورد من نصوص محرفة بشأن نجاسة المرأة‬
‫وعدم طهارتها في ما ليس له صلة بموضوع الرهبنة‪ ،‬فإن ذلك كان يبغى من ورائه‬
‫المؤلف قصد آخر‪.‬‬

‫هل المسيحية عقيدة ذكورية؟‬


‫هنا يحاول المؤلف أن يلصق تهمة وضيعة أخرى بالمسيحية‪ ،‬وهى أن‬
‫المسيحية تنظر إلى المرأة على أنها كيان غير طاهر ونقى‪ ،‬أي إن المسيحية ديانة‬
‫ذكورية‪.‬‬
‫إن هذا التهام ل ينبغي الرد عليه‪ ،‬لنه ل توجد عقيدة سواء كانت سمائية أو‬
‫وثنية كرمت المرأة ورفعت من شأنها أكثر من المسيحية‪ ،‬فيكفينا هذا ويكفى كل نساء‬
‫العالم فخ دار أن ال حينما تجسد‪ ،‬أخذ ناسوته من امرأة‪ ،‬وهى سيدتنا وملكتنا كلنا العذراء‬
‫مريم والتي تلقبها الكنيسة ضمن ألقابها الكثيرة بكلية الطهر‪ .‬والمسيحية تنظر للمرأة‬
‫كما تنظر للرجل‪ ،‬لها في الكنيسة كل الحقوق‪ ،‬وتقوم بكل الخدمات بدون اسثناء‪ ،‬فهي‬
‫الخادمة‪ ،‬والمكرسة‪ ،‬والراهبة‪ ،‬والشماسة‪ .‬تقف جندبا إلى جنب مساوية للرجل في كل‬
‫شئ‪ .‬والستثناء الوحيد هو عدم السماح للمرأة بممارسة الكهنوت‪ ..‬وذلك ليس تحي داز‬
‫ولكن لعدم ملئمة طبيعة المرأة الفسيولوجية لممارسة هذا السرالمقدس والذى يستلزم‬
‫الطهارة الجسدية لحامله وهو ما ينتفى وطبيعة المرأة الجسدية فى بعض الوقات‪.‬‬

‫أوكتافيا‪ ..‬العلمانية المحترقة‬


‫بعد أن تطرد أوكتافيا هيبا من بيتها لنها اكتشفت أنه راهب قبطي‪ ،‬في فعل‬
‫درامي منفصل عن رمزية المؤلف حتى يستطيع استدعاء هذه الشخصية مرة أخرى إذا‬
‫أراد فل تنتهي الشخصية عند هذا الحد؛ يخرج هيبا من قصر أوكتافيا تائدها هائدما ناددما‬
‫على ما فعله مع أوكتافيا بإخبارها حقيقته التي كان يريد أن يخفيها لتستمر العلقة بينه‬
‫وبين أوكتافيا‪ .‬فيذهب إلى المغارة الصخرية التي تقابل فيها مع أوكتافيا أول مرة‪،‬‬
‫لتجتاحه الهواجس‪ ،‬فتارة يقرر أنه سوف يتعبد في تلك المغارة حتى ينعم ال عليه‬
‫بالقداسة‪ ،‬فينتشر صيته‪ ،‬ويأتيه الناس من كل حدب وصوب تبردكا والتمادسا لكراماته‪،‬‬
‫ضا للتبرك به‪ ،‬ولكنه يعدل عن‬
‫وتخيل له أحلم اليقظة أنه يمكن أن تأتيه أوكتافيا أي د‬
‫ضا بعد أن تذكر عاقبة‬
‫هذه الفكرة ويقرر أن يخصى نفسه‪ ،‬ثم يعدل عن هذه الفكرة أي د‬
‫أوريجين )أوريجانوس( والذي أتى نفس الفعل الذي يفكر فيه‪ ،‬متذك دار عاقبته بعد أن‬
‫حرمه البابا ديمتريوس الكرام‪ ،‬ومات محرودما‪ ،‬وما أن يداهمه الجوع والعطش حتى‬
‫يهيم في المدينة يبحث عن كنيسة تقبله فل يجد‪ .‬هنا يصف المؤلف حال الرهبنة‪ً:‬ا فهو‬
‫يرى أن الفكر الرهبانى إبان تلك الفترة لم يكن منظدما‪ ،‬بل أن الرهبان لم يكونوا في‬
‫كامل حياتهم النسكية‪ ،‬ولكنهم ترهبوا لغراض معينة‪ ،‬فمنهم من ترهب هردبا من فشله‪،‬‬
‫ومنهم من ترهب طمدعا في أن تعلو مكانته وينتشر صيته في القداسة‪ ،‬ومنهم من فهم‬
‫الرهبنة خطأ ويمارسها هكذا على علتها مثل أوريجانوس الذي خصى نفسه‪ .‬ولقد سبق‬
‫وبيننا ماهية الرهبنة وطبيعة حال الرهبنة في السكندرية في تلك الفترة التي ازدهرت‬
‫فيها روحديا ودينديا‪ ،‬وأثرت الحياة في المدينة في كل جوانبها‪ .‬ولكن كان لبد أن‬
‫نتعرض للحدث حتى ل يتشتت منا القارئ وتبدو هناك حلقات مفقودة في بحثنا‪..‬‬
‫وهكذا يتذكر هيبا أنه في يوم الحد موعد محاضرة هيباتيا فيذهب إلى هناك‪،‬‬
‫ل‪.‬‬
‫ليصف رفاهية وأرستقراطية الحاضرين‪ ،‬ومدى روعة وجمال هيباتيا جملة وتفصي د‬
‫وما يهمنا هنا هو الشارة إلى أن هيباتيا فعلد كانت شخصية حقيقية موجودة في هذه‬
‫الفترة‪ ،‬ولكن المؤلف استحضرها من التاريخ وتحايل عليها روائديا حتى يستنطقها بما‬
‫يتواكب مع شفرته الكبيرة والطويلة التي أتاها في الرواية‪ ،‬فكان الهدف من إدخال‬
‫هيباتيا في التوليفة الزيدانية غرضين هما‪ً:‬ا‬
‫ترميز الشخصية بما يتوافق مع فكر المؤلف الذي أراده‪ ،‬فهو هنا‬ ‫الغرض الول‪:‬‬
‫يرمز لهيباتيا بالعلمانية المطلقة التي تتبنى نفي الدين عن الحياة النسانية‪ ،‬والتي ل‬
‫تؤمن بدين معين‪ ،‬ول تؤمن بسيطرة الدين على الفراد‪ ،‬بل إنها تحارب وجود الدين في‬
‫الساس‪ ،‬والتي كانت في أواخر أيامها‪ ،‬وبيان كيف كانت هذه العلمانية مزدهرة )يظهر‬
‫ذلك من وصف هيباتيا( وكان مريديها من علية القوم حتى أن الراهب )هيبا( حاول‬
‫اللتصاق بها وتبنى فكرها )تمنى هيبا أن تتخذه هيباتيا تلميدذا أو أدخا لها(‪.‬‬
‫ثم يشير إلى أن هذه العلمانية قد أفرخت علمانيتها الجزئية‪ ،‬حيث إن هذا الفرع من‬
‫العلمانية يتبنى فصل الدين عن الحياة المدنية من دون نفيه أو محاربته‪ ،‬ويظهر هذا‬
‫بوضوح في شخصية "سينيسوس القورينائى" والذي تتلمذ على أيدي هيباتيا والذي‬
‫تعتبره زميلد لها والذي تتهمه هيباتيا مازحة بأنه سوف يترك الفلسفة ويؤمن بنقيضها‬
‫)في إشارة إلى المسيحية( فينفى الرجل ذلك مق دار أن إيمانه بالمسيحية ل يعنى تركه‬
‫للفلسفة‪ ،‬ثم يشير المؤلف بعد ذلك في تقرير مستتر إلى توغل العلمانية الجزئية إلى‬
‫المسيحية‪ ،‬وذلك حين يؤكد هيبا في تدوينه أن الرجل "سينيسوس القورينائى" قد صار‬
‫واحددا من كبار رجال الكنيسة بل أنه أصبح أسقدفا على إحدى المدن الخمس الغربية‬
‫)ليبيا(‪.‬‬

‫موقف الكنيسة من العلمانية‬


‫يجب هنا أن ننظر إلى العلمانية نظرة مزدوجة‪ ،‬أولد كموقف من الحياة بمعنى‬
‫هل يجوز نفي الدين ومصادرته إواقصائه فى حياة النسان المسيحى بما يحمله الدين‬
‫من قيم أخلقية إوانسانية سواء كان هذا فى الجانب العام أو الجانب الخاص؟ وهل‬
‫يمكن لنا أن نقوم بإحلل القيم المادية والتى تقوم على مبدأي اللذة والمنفعة لتحل محل‬
‫القيم الروحية والتى نجملها كلها فى المحبة؟ هل اللذة والمنفعة هما بديلي المحبة‬
‫المطلقة؟ وهل حدقا إن المسيحية ديانة صعبة الممارسة وغير قابلة للتطبيق وهو ما‬
‫عبر عنه نيتشة بقوله )إن آخر مسيحى هو من صلب على الصليب(؟‪.‬‬
‫إن النسان المسيحى ل يعرف أن يعيش حياته بدون التمسك بعقيدته على‬
‫المستوى الروحى والمستوى الحياتى‪ ،‬فالمسيحى هو النجيل المعاش أى التطبيق الحى‬
‫للنص النجيلى‪ ،‬ونحن دائدما نتغنى مع داود النبى قائلين )من لى فى السماء‪ ،‬ومعك‬
‫ل أريد شيدئا على الرض(‪ .‬والمسيحية ل تعرف إل المحبة الباذلة نفسها من أجل‬
‫الخرين‪ ،‬ول تعنى إطلقا بتحقيق اللذة من وراء المنفعة من الخرين‪.‬‬
‫وقد يقول قائل إن المسيحية عقيدة إغراب عن العالم وهى ل تعى بمتعه ولذاته‪،‬‬
‫فهي عقيدة انعزالية تعى بمجموعة من المثل والقيم المطلقة صعبة التنفيذ‪ .‬وعلى الرغم‬
‫من إننا ل ننكر غربتنا في هذا العالم إل أن هذا ل يعنى النعزالية أو صعوبة تطبيق‬
‫قيم العقيدة‪ .‬ولقد كان لنا في السيد المسيح له المجد القدوة والمثل في ذلك‪ ،‬فعلى الرغم‬
‫من تفرد شخص المسيح كإله متجسد‪ ،‬إل أن ذلك كان ل يمنع أن يمارس المسيح )في‬
‫جانبه النساني بدون فصله عن اتحاده اللهوتي( حياة إنسانية طبيعية جددا ‪-‬بغير‬
‫خطية طبدعا‪ ،‬وكانت سلوكياته بسيطة‪ ،‬بل إنه لم ينعزل عن العالم بل كان متفاعلد مع‬
‫كل مفردات الحياة‪ ،‬فنحن إذن ل تعوزنا العلمانية ل بشموليتها ول بجزئيتها‪.‬‬
‫أما النظرة الخرى للعلمانية فسوف تتم على أساس إنها منهج سياسي‪ ،‬فنحن‬
‫نرى أن النظام المثالي السياسي هو النظام الذي يتمتع فيه كل المواطنين بكل الحقوق‬
‫ويلتزموا بكل اللتزامات‪ ،‬ل تفرقة بين فرد وآخر‪ ،‬وفى هذا ل يهم المنهج السياسي‬
‫المتبع‪ .‬كان هذا فيما يتعلق بالجانب الرمزي من هيباتيا الفيلسوفة الوثنية‪.‬‬

‫الثاني‪ً:‬ا الذي استحضر من أجله المؤلف شخصية هيباتيا‪ ،‬فهو لكي‬ ‫أما الغرض‬
‫يلصق مقتلها ومصرعها على أيدي مجموعة من شعب السكندرية بالبابا كيرلس‬
‫الكبير عمود الدين‪ ،‬وذلك بدعوى وثنيتها ونشرها لتعاليم تتهكم على تعاليم المسيحية‪.‬‬
‫والمر هنا ل يخلو من المغالطة التاريخية وتسويف الحقيقة‪.‬‬
‫ومن الطبيعي هنا أن ندافع عن عمود الدين ضد اتهامه بهذه التهمة‪ ،‬ولكن لن‬
‫يكون دفاعنا عنه تعصدبا وتحيدزا‪ ،‬ولكنه دفاع مبني على استقراء الحقيقة التاريخية‪،‬‬
‫ولعلنا هنا قبل أن نقر بأن عمود الدين لم يرتكب الجريمة من عدمه‪ ،‬علينا أولد أن‬
‫نبحث في الدوافع وراء قتل هيباتيا‪ ،‬وهل كان عند البابا كيرلس دوافع تبرر قتل هيباتيا؟‬
‫وسوف نلخص ردنا هنا في النقاط التالية‪ً:‬ا‬

‫‪ -‬كما بيحنا سابدقا فإن فلسفة البابا كيرلس في التعامل مع الخر كانت من خلل‬
‫الجدال والحوار‪ ،‬ولم يلجأ إلى العنف لنه منطقديا ل يملك أدوات العنف بصرف النظر‬
‫عن المستقر العقيدى بداخله والذي يحرم استخدام العنف أديا كانت السباب‪ ،‬فلو كان‬
‫ل‪ ،‬أو أرسل من يقتله‪،‬‬
‫وارددا لديه استخدام العنف‪ ،‬لذكر لنا التاريخ إنه قتل نسطور مث د‬
‫أو على القل تورط في محاوله قتله‪ ،‬ولكن شيدئا من هذا لم يرد تاريخديا‪ ،‬ولدينا هنا‬
‫حادثة‪.‬‬
‫‪ -‬إن كان الشئ بالشئ يذكر؛ فلدينا واقعة هنا ثابتة تاريخديا وهى عن ثلثة رجال قد‬
‫ارتكبوا آثادما‪ ،‬ووصل هذا إلى مسامع القديس بل إنهم راحوا يتندرون عليه عند نسطور‬
‫والذي استخدمهم ‪-‬الخير‪ -‬في الوشاية ضد القديس‪ ،‬فماذا فعل معهم إذن؟ يقول‬
‫القديس في رسالته الرابعة إلى نسطور‪ً:‬ا " لقد سمعت أن بعض الرجال يثرثرون‬
‫بخصوص ردى على تقواك‪ ،‬ويرددون ذلك كثييار خاصة وهم يترقبون اجتماعات‬
‫ضا بكلمات‬
‫مجامع الحكام‪ .‬وربما لأنهم يفكرون فى وخزأ أذنيك‪ ،‬لذلك ينطقون أي ي‬
‫طائشة‪ .‬وهم يفعلون هذا مع أن أحيدا لم يسئ إليهم‪ ،‬بل نالوا توبييخا طفييفا‪ :‬أحدهم‬
‫العمى والفقراء‪ ،‬والثانى بسبب أنه يشهر السيف فى وجه‬
‫بسبب أنه كان يسئ إلى و‬
‫أمه‪ ،‬والثالث بسبب أنه كان يسرق أموال شخص آخر بمساعدة جارية"‪ .‬التوبيخ‬
‫الطفيف‪ ..‬هذا كل ما فعله القديس مع هؤلء على الرغم من بشاعة جرائمهم وتجرؤهم‬
‫عليه‪ ،‬فلماذا إذن لم يقتلهم‪ ،‬أو يجلدهم‪ ،‬أو مارس ضدهم أي نوع من أنواع العنف؟ إن‬
‫جسارة أسلوب القديس في رسائله في الدفاع عن اليمان تبين مدى قوة القديس‪ ،‬المر‬
‫الذي ينسحب عند البعض على كل أفعاله‪ ،‬لم يكن عمود الدين يستطيع أن يكون فات دار‬
‫في مواجهة الهراطقة‪ ،‬ولكنه كان متسامدحا جددا مع من يسيئون إليه‪.‬‬

‫‪ -‬من هي هيباتيا حتى يهتم عمود الدين بتصفيتها‪ ،‬فهي ل تعدو كونها امرأة يتجمع‬
‫حولها فلول من وثنية قاربت على النقراض‪ ،‬وبمنظور عقلي هي ل تشكل أي خطر‬
‫على الكنيسة لن معظم المسيحيون في ذلك الوقت كانوا من المتحولين من الوثنية‪،‬‬
‫فهي إذن تتبنى عقيدة نبذها الجميع وانصرفوا عنها‪.‬‬
‫‪ -‬هيباتيا كانت ترتبط بحاكم المدينة بعلقة خاصة‪ ،‬فليس من الحكمة أن يقتلها‬
‫القديس ويغضب الحاكم‪ ،‬في وقت كانت تموج فيه المدينة بصراعات كثيرة بين الحاكم‬
‫ممثل الدولة الرومانية والكنيسة بسبب كثرة فرض الضرائب والزيادة المستمرة في حصة‬
‫القمح المطلوب من الكنيسة توريدها إلى المبراطور‪.‬‬
‫‪ -‬إن كان القديس بكل هذا العنف المنظم‪ ،‬فهو الذي يملك تجيش الشعب في لحظات‪،‬‬
‫وقتل وتصفية معارضيه والتخلص منهم‪ ،‬وهو ما يعنى ضمدنا ضعف الحاكم وتخاذله‬
‫أمام جبروت القديس‪ ،‬فلماذا إذن لم يستغل حالة الضيق والضجر التي أصابت الشعب‬
‫من جراء الستبداد الروماني وقام بالتحريض على ثورة أو مهبة شعبية منقلدبا على حكم‬
‫الرومان ونصب نفسه حاكدما للمدينة؟‬

‫إن كل الدلئل تشير إلى براءة القديس من دم هيباتيا‪ ،‬كما أن المبررات التي‬
‫صاغها المؤلف في هذا السياق ل تتوافق تاريخديا مع منطق الحداث‪.‬‬

‫ونكمل مع هيبا الذي يكمل رحلته داخل رقوقه المبتدعة‪ ،‬حتى يقابل فجأة‬
‫خمسة من أبناء بلدته وقد انخرطوا في سلك الرهبنة‪ ،‬ليدخل الكنيسة المرقسية‪ ،‬لتمر‬
‫اليام رتيبة‪ ،‬حتى يأتي ذلك اليوم الذي يؤجج فيه السقف كيرلس حماس الشعب ضد‬
‫هيباتيا‪ ،‬فيخرج الشعب عن بكرة أبيه ليقوموا بقتل هيباتيا وسحلها وحرقها في شوارع‬
‫السكندرية‪ ،‬لتظهر فجأة أوكتافيا تحاول إنقاذها فتلقى نفس المصير معها‪ ،‬في إشارة‬
‫إلى أن الكنيسة قد ماتت في علمانيتها )هيباتيا( ووثنيتها )أوكتافيا(‪ ،‬وأصبحت الهمجية‬
‫وشريعة الغاب هما اللتين تسيطران على الكنيسة‪.‬‬
‫ول أجد هنا تعليق على ما ورد في هذا الجزء من الرواية أفضل مما كتب أبو‬
‫سيف يوسف في دراسة استطلعية عن تاريخ القباط في مصر حيث يتحدث عن‬
‫الحركة الديرية في القرن الخامس فيقول‪ً:‬ا )إن تعاليم الرهبان ونظمهم الديرية هي‬
‫التي تمثل السهام الحقيقي الذي قدمته المسيحية المصرية ‪-‬في ذلك الوقت‪ -‬إلى‬
‫العالم‪ .‬فقد تغلغلت وتركت أثايار ملموسة في الفكر والممارسات الدينية في المشرق‬
‫وفى بلد أوربا مثل أيرلندا وسويس ار وفرنسا ‪ ..‬وقد اهتموا بإدخال الفلسفة والمنطق‬
‫والعلوم الطبيعية والرياضية والنسانية في مدرستهم اللهوتية‪ .‬ونشأ في مصر أدب‬
‫قبطي وافر ذو طابع إنجيلي ولهوتي وطقسي ولكنه في القليل النادر علماني‪ ..‬وقد‬
‫وجدت برديات قبطية في بعض العلوم التطبيقية مثل الكيمياء والطب والعقاقير‬
‫الطبية‪ ..‬وقد ظهر فن قبطي تأكدت سماته مع بدايات القرن الرابع‪ ،‬وأخذ الفنانون‬
‫القبط في البتعاد عن المؤثرات الرومانية في الفن‪ ،‬ومارسوا أسلوبهم في فنون‬
‫الحفر على الخشب والنسيج ورسوم الفريسكو ‪-‬الرسم الحصى على الجدران‬
‫والسقوف‪ -‬وكان لهذه الفنون بالضافة إلى فن صناعة اليقونات الفضل في ظهور‬
‫فن قبطي مميزأ عن الفن البيزأنطي‪ ..‬وكثرت الداب ول سيما في الديرة( )القباط‬
‫والقومية العربية‪ ،‬دراسة استطلعية‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪2006 ،‬م‪ ،‬ص ‪(40 - 37‬‬
‫هذا هو ما ذكره التاريخ والبرديات عن النهضة التي صنعها الرهبان والقباط وسقط‬
‫عمددا من رقوق المؤلف‪.‬‬
‫وهكذا يسرد لنا هيبا يوم مصرع هيباتيا وأوكتافيا بوحشية أسطورية ارتكبها أقباط‬
‫ورهبان خياله‪ ،‬لتكون تلك هي الصدمة التي غيرت مساره من العيش في السكندرية‬
‫إلى النزوح إلى أورشليم باحدثا عن أصل الديانة‪ ،‬وطبدعا ل يفوت المؤلف في هذا‬
‫الصدد أن يقحم بعض رموزه في سياق روائي ل يحتمل ذلك‪ ،‬فنجد هيبا يتمرد على كل‬
‫شئ في السكندرية‪.‬‬

‫ضا وخلع رداء الرهبنة‬


‫طرح الصليب أر ي‬
‫يبدأ هيبا وهو هنا التيار العلماني الجزئي الذي أخذ في التوغل إلى داخل‬
‫الرهبنة التي يمثلها هيبا ‪-‬على حد ما زعم المؤلف‪ -‬فكما أسلفنا‪ ،‬فإن هيباتيا كانت‬
‫ترمز إلى العلمانية الشاملة‪ ،‬وبعد أن لقت مصرعها وتخليددا لذكراها وحدبا في سيرتها‪،‬‬
‫يتخذ هيبا اسمه المشتق من نصف اسمها‪ ،‬فهيبا إذن أصبح جزدءا من هيباتيا أي أنه‬
‫يتبنى العلمانية ولكن ليس بشكلها المطلق‪ ،‬ولكن بالشكل الذي يفصل الدين عن‬
‫الحياة‪ ،‬ويظهر هذا في تخلصه من كل مظاهر ورموز العقيدة‪ ،‬ففي غمرة أحداث مقتل‬
‫ضا‪،‬‬
‫هيباتيا يتمرد هيبا على شكله الديني‪ ،‬بأن يقطع صليبه المعلق في رقبته ويلقيه أر د‬
‫ليشعر بالراحة التي لم يشعر بها من قبل‪ ،‬وكأن الصليب الذي كان معلدقا في رقبته‬
‫يخنق كل تطلعاته وأحلمه‪.‬‬
‫ضا له رمزيته‪ ،‬حيث أن الواقفين معه كانوا ثلثة أراد من‬
‫ووصف المشهد هنا أي د‬
‫خللهم المؤلف المناخ النمطي للتركيبة البشرية في السكندرية كما تخيلها‪ ،‬هم امرأة‬
‫سوداء وهى تشير هنا إلى مدى الوحشية التي كانت تنهجها الكنيسة‪ ،‬وصبى يافع‬
‫يرمز إلى مستقبل الكنيسة‪ ،‬وراهب يمثل أصولية الديانة‪ ،‬حيث تباينت ردود أفعال‬
‫الثلثة عندما ألقى هيبا صليبه على الرض‪ ،‬فالمرأة أجهشت أي استنكرت‪ ،‬والراهب‬
‫أخذ الصليب من على الرض في إيحاء لستم اررية التيار الصولي الرثوذكسي‬
‫المتطرف في السكندرية‪ ،‬والصبي اليافع تراجع إلى الوراء خطوتين‪ ،‬أي أن مستقبل‬
‫الكنيسة يتراجع إلى الوراء ول يتقدم إلى المام وقد يصل هذا التراجع إلى ما قبل‬
‫المسيحية‪ ،‬فمستقبل الكنيسة هنا سائ دار مرة أخرى نحو الوثنية‪.‬‬

‫عنصرية المؤلف‬
‫ل نعرف لماذا كل تلك الكراهية للصليب تحديددا؟! فالمؤلف يصول ويجول في‬
‫الرواية وينحرف بأحداثها كما يحلو له‪ ،‬وبين الحين والحين يعود إلى الصليب مسفدها‬
‫إياه‪ ،‬مزدرديا به‪ ،‬محتق دار له‪ .‬ونحن هنا لسنا بصدد الحديث عما إذا كان المؤلف قد‬
‫نجح في توظيف الصليب كرمز داخل الرواية من عدمه‪ ،‬ول نتحدث أيضا عن رمزية‬
‫الصليب أو أبعاده الروائية‪ ،‬ولكننا هنا نتساءل أل كان يمكن للمؤلف أن يحيك رموزه‬
‫‪-‬وهو المبدع الذي يملك فنون القلم‪ -‬بعيددا عن رمز مقدس يجله ويحترمه المليين في‬
‫العالم كله؟ أل كان يستطيع أن يفعل ذلك دون إثارة مشاعر كل المسيحيين الذين‬
‫يبجلون ويجلون الصليب والذي هو علمة فخر لهم كما يقول بولس الرسول )حاشا لي‬
‫أن أفتخر إل بصليب ربنا يسوع المسيح( أم أنه قصد أن يحول افتخارنا إلى عار؟ إن‬
‫ما أتاه المؤلف بحق الصليب وهو الرمز والشعار للمسيحية يدل على ما يبطنه المؤلف‬
‫من كراهية وحقد وغل نحو الصليب وأهله‪ ،‬فهو يريد أن يطرح المسيحية وأتباعها‬
‫ضا‪ ،‬في حين أنه يحاول تقديم نفسه إلى القارئ والمثقف المصري على أنه من يدافع‬
‫أر د‬
‫عن الخر والمقلب في التاريخ للبحث عن جذور العنف وادعاء محاربة هذا العنف‪.‬‬
‫أي عنف يمكن أن يكون أكثر من استباحة مقدسات الخر إوايلمه في عقيدته إوايذاء‬
‫مشاعره بتزوير التاريخ وما يحتاجه هذا التزوير من رقوق؟‬
‫ما المطلوب منا هنا إذن حتى نكون على مستوى الرتقاء الذي بلغه المؤلف‬
‫في احترام الخر؟ هل مطلوب منا أن نوافقه على ما أتاه بحق صليبنا‪ ،‬ونشكره ونقدم‬
‫له مشاعر العرفان بالجميل لنه جعل أحد شخوص روايته )الراهب( يأخذ الصليب من‬
‫على الرض وينقذ الصليب من أن توطئه القدام؟ سوف يظل الصليب هو الفخر‬
‫والفرحا وعلمة النصرة للمليين سواء رضي المؤلف أم أبى‪.‬‬

‫وهكذا يكمل هيبا رحلة هيامه في خيال المؤلف إلى أن يصل إلى أورشليم‬
‫ويتقابل مع تيودور ونسطور ‪-‬سوف نمر هنا على نسطور مرور الكرام لنفرد له لحدقا‬
‫مساحة كبيرة نبين فيها حقيقة الصراع بينه وبين القديس كيرلس الكبير عمود الدين‪-‬‬
‫ليعجب هيبا بهما ويضعهما في مصاف الملئكة والقديسين‪ ،‬فيصف نسطور بأنه‬
‫المصدق لكلم ال‪ ،‬والروح اليسوعي الخالص‪ ،‬والذي يسبح في خفوت أثناء سيره‪،‬‬
‫وهنا يحاول الكاتب تقديم كنيسة القسطنطينية على أنها المعاكس الموضوعي لكنيسة‬
‫السكندرية‪ ،‬فكل ما اتهم به المؤلف كيرلس وكنيسته يورد عكسه مع تيودور ونسطور‪،‬‬
‫فكيرلس ل يؤمن بالطب‪ ،‬وتيودور ما أن عرف أن هيبا مهتم بالطب حتى وعده بأنه‬
‫سوف يأمر يكحتاب المطرانية في إيبارشيته بنسخ كتب مشاهير الطب ليهديها له لمنفعة‬
‫الناس‪ ،‬وهكذا الكثير من المواقف‪.‬‬

‫نسطورييا أكثر من نسطور‬


‫إن المؤلف هنا كان نسطورديا أكثر من نسطور‪ ،‬فمن المعروف أن نسطور قبل‬
‫‪-‬وان كنا ل نوافق على‬
‫أن يقع في الهرطقة كان يجاهد ضد الريوسيين وهرطقتهم إ‬
‫أسلوبه في المواجهة‪ -‬ولكن المؤلف لم تعجبه هذه الحقيقة التاريخية الثابتة وحيث إنه‬
‫يعبث برقوقه كيفما يحلو له فقد قرر أن يكون نسطور متعاطدفا مع أريوس وليس‬
‫محاردبا له!!! فيقول نسطور عن أريوس‪ً:‬ا "إن أريوس كان رجلد مفعدما بالمحبة‬
‫والصدق والبركة‪ .‬إن وقائع حياته وتبتله وزهده‪ ،‬كلها تؤكد ذلك‪ ،‬أما أقواله فلست أرى‬
‫فيها إل محاولة لتخليص ديانتنا من اعتقادات المصريين فى آلهتهم" وللحق فإن‬
‫المؤلف قد برع هنا في التلفيق مستغلد عدم دراية أغلبية القراء سواء مسيحيين أو غير‬
‫ضا متفدقا‬
‫مسيحيين بالحقيقة‪ ،‬فهكذا إذن كان نسطور متعاطدفا مع أريوس غير معار د‬
‫معه في الرأي‪ .‬إذن لماذا يعزل نسطور؟ بالطبع ل توجد في الرواية غير كنيسة‬
‫السكندرية وآبائها‪ ،‬ول مانع من اتهامها بالتآمر على أريوس‪ ،‬فيقول نسطور في‬
‫الرواية مكملد حديثه السابق عن أريوس‪ً:‬ا "اكتوى بنيران السكندرية‪ ..‬ولما دعاه‬
‫المبراطور من منفاه الطويل بأرض القوط‪ ،‬ليوفق قس دار بينه وبين أسقف السكندرية‪،‬‬
‫كى يضمن هدوء الحال ويرعى المدينة العظمى‪ ،‬تم اغتياله بالسم"‪ ..‬هذا ما أبدعه‬
‫الكاتب ‪-‬وهو رائد أدب تزوير التاريخ في مصر‪ -‬من قلب للموازين والحقائق‪ ،‬إذن ما‬
‫هي الحقيقة‪ ،‬وهل كان هناك صراع بين الريوسيين ونسطور؟ وهل حدقا كان نسطور‬
‫مقتندعا بعقيدة أريوس؟ هذا ما سوف يجيبنا عليه التاريخ‪ ..‬يقول النبا إيسوذوروس عن‬
‫نسطور‪ً:‬ا "ولما استحوذ على المنصب ورقى إلى هذا المنصب الرفيع‪ ،‬وعظم شأنه‬
‫سلك الكبرياء والعظمة كل مسلك وأعجب بذاته‪ ..‬ففور تولي نسطور منصب أسقف‬
‫القسطنطينية ‪ 10‬أبريل‪ /‬نيسان ‪428‬م أظهر غيرة شديدة فى مواجهة أي هرطقة‪،‬‬
‫أظهر إعجادبا عظيدما بعمل الوعظ‪ ،‬حتى إنه قال فى عظته الولى موجدها كلماته‬
‫بلدا بدون هرطقة‪ ،‬أمنحك السماء‬
‫للمبراطور على مسمع من الجمهور‪ً:‬ا "هبني د‬
‫بديلد‪ .‬استأصل أيها المبراطور الهراطقة‪ ،‬وأنا أستأصل معك جنود الفرس وأملكك‬
‫فوق ذلك جنة الخلد‪ ..‬وبعد ذلك بأيام قليلة اندفع نسطور فى سبيل اليمان القويم فقام‬
‫بحملة مسعورة ضد الحزاب والمذاهب والشيع والهرطقات الدينية‪ .‬وكان أول هجومه‬
‫جماعة الريوسيين‪ .‬فاستصدر أم دار بإغلق كنيسة الريوسيين في القسطنطينية في‬
‫السبوع الول من رئاسته‪ ،‬وفي الثلثين من آيار صدرت أوامر إمبراطورية تستأصل‬
‫الهرطقة في جميع مظاهرها وأنواعها‪ ،‬وصمم على حرم الريوسيين من الكنيسة‬
‫الصغيرة التى كانوا ل يزالون يمتلكونها فى القسطنطينية والتى كانت قد أقفلت‪ ،‬فأمر‬
‫باقتياد شعبها الريوسيين ليشعلوا النار فيها بأنفسهم‪ ،‬والتى بسببها نال نسطور من‬
‫الهراطقة ومن كثير من الرثوذكس لقب "حارق متعمد"‪..‬‬
‫وينوفذت هذه الوامر بحزم‪ ،‬فأغلقت كنائس هؤلء المبتدعين‪ .‬وأدى إغلقها إلى‬
‫استعمال العنف في بعض الحيان إوالى خسائر في الرواح‪ .‬وقام بالعديد من حملت‬
‫الهدم والحرق فى سبيل تحقيق هدفه‪ .‬كما قام بحرب شعواء ضد بعض العادات‬
‫والتقاليد المعروفة والمقبولة في المدينة‪ .‬مثل المسارح والغناء والرقص والملهي‪.‬‬
‫)الخريدة النفيسة في تاريخ الكنيسة ج ‪ 1‬ص ‪" 483‬عن المؤرخ الكاثوليكى هيفلى"(‪.‬‬

‫هذه هي الحقيقة التاريخية في علقة نسطور بأريوس والريوسيين‪ ،‬فلو كان‬


‫نسطور على قناعة بأن هناك مؤامرة قد حيكت ضد أريوس في السكندرية والتي على‬
‫أثرها تمت تصفيته جسدديا بمعرفة أسقفها‪ ،‬فإنصافا لريوس كان على نسطور أن‬
‫يعتني بأتباع أريوس ول يقوم بملحقتهم وحرق كنائسهم واستعمال العنف الذي وصل‬
‫أحيادنا إلى حد القتل‪.‬‬
‫يتضح لنا في ضوء ما أوردناه وهو الثابت تاريخديا‪ ،‬أن نسطور كان عنيدفا‪،‬‬
‫يصل عنفه في بعض الحيان إلى الرهاب الغير مبرر‪ ،‬حتى ولو كان ذلك حماية‬
‫للعقيدة‪ ،‬وشتان الفرق بين القديس كيرلس الكبير ونسطور في التعامل مع الخر‪،‬‬
‫فالول يعتمد في مواجهة البدع والهرطقات على أسلوب الحوار القائم على فلسفته‬
‫الخاصة والتي أسسها على قوة الحجة وثبات البرهان‪ ،‬فهو إذن ليس بحاجة إلى‬
‫العنف‪ ،‬لن ما يتبناه من أفكار هو صحيح العقيدة‪ ،‬وهو القادر دائدما على إثبات وجهة‬
‫نظره‪ ،‬أما الخير فواضح أنه كان يتمتع بحماية إمبراطورية خاصة‪ ،‬حيث إنه هو‬
‫القادر على استصدار الق اررات المبراطورية‪ ،‬وهو المخصص له قوة عسكرية تساعده‬
‫في تتبع مخالفيه والقضاء عليهم وعلى كنائسهم‪.‬‬
‫يلفت النظر عبارة ل يمكن القفز عليها وتخطيها جاءت في مقولة النبا‬
‫إيسيذوروس الواردة قبلد وهى )وصمم على حرم الريوسيين من الكنيسة الصغيرة التي‬
‫كانوا ل يزالون يمتلكونها في القسطنطينية والتي كانت قد أقفلت‪ ،‬فأمر باقتياد شعبها‬
‫الريوسيين ليشعلوا النار فيها بأنفسهم( حيث إنها عبارة تحمل كل معاني القسوة في‬
‫مواجهة الخر‪ ،‬فالريوسيين ل ذنب لهم‪ ،‬فهؤلء من البسطاء الذين تم التغرير بهم‬
‫إواقناعهم بما يخالف صحيح العقيدة‪ ،‬ولكن هذا هو المستقر في وجدانهم على الرغم‬
‫من عدم صحته‪ ،‬والكنيسة بالنسبة للجميع هي البيت والملذ والقداسة‪ ،‬فالكنيسة أي‬
‫كانت عقيدتها تتمتع إذن بحب خاص لدى أتباعها‪ ،‬وهى الم بالنسبة للجميع‪ ،‬فأي‬
‫صا تحت ضغط القوة على حرق أمهم‪ ،‬أليس بالحرى‬
‫قهر هذا الذي يجبر أشخا د‬
‫محاورة هؤلء إواقناعهم للتخلي عما هم عليه من هرطقة ل يعلمون أنها كذلك‪،‬‬
‫فبالمقارنة بكنيسة السكندرية‪ ،‬لم يحرق آباء السكندرية معابد الوثنية‪ ،‬ولكنهم بشروا‬
‫الجميع باليمان الصحيح‪ ،‬فتحولت المعابد الوثنية إلى كنائس يمجد فيها اسم ال عملد‬
‫بقول الكتاب‪ً:‬ا )من الكل خرج أكلد ومن الجافي حلوة(‪.‬‬

‫الذهاب إلى أنطاكية‬


‫لم يستقر المقام بهيبا طويلد في أورشليم‪ ،‬فلقد طلب منه نسطور أن ينتقل إلى‬
‫القامة في دير تابع لكنيسة أنطاكية‪ ،‬والذي سيكون هناك أفضل حالد من أورشليم‬
‫فيوافق هيبا ويذهب إلى الدير‪ ،‬وما أن تطأ قدميه الدير‪ ،‬وتستقر به المور‪ ،‬حتى‬
‫يؤسس غرفة قديمة يتخذها مكتبه يتردد عليها المرضى من الدير والقرى التي حوله‪.‬‬
‫ويصف المؤلف الدير بالسماء كما أن رهبانه أكثر بشاشة من الرهبان‬
‫السكندريين‪ ،‬الذين شحب لونهم من كثرة الصوام‪ ،‬إذن فالعقيدة هناك شكلها أفضل‬
‫كما أن رهبانها ل يميلون للجدل حول اللهوت‪ ،‬أي أن تلك الكنيسة ليست أصولية‬
‫المنبت بعكس السكندرية التي ل يكل ول يمل رهبانها عن الجدل حول اللهوت إواثارة‬
‫المشاكل حوله‪ .‬أما عن هيبا فتبدو ملمحه العلمانية واضحة جددا‪ ،‬ففي حديث مع‬
‫طا مع‬
‫نفسه يقر بأنه )طبيب وشاعر يلبس ملبس الرهبان( أي أنه قد أصبح متور د‬
‫الرهبنة التي دخلها وقطع فيها الشوط الكبير ولم يعد يستطيع التراجع‪ .‬ويشير هيبا إلى‬
‫رحيل تيودور عن عمر يناهز السابعة والسبعون‪ ،‬ول نعرف من أين أتى هيبا بعمر‬
‫تيودور على وجه التحديد‪ ،‬لكن المهم هنا هو أن المؤلف قد عاد إلى رمزيته‪ ،‬فكما‬
‫ذكرنا أن الرقم سبعة في سفر الرؤيا يعنى الكمال‪ ،‬أي أن تيودور كان فائق الكمال‬
‫وبرحيله رحل الكمال عن الكنيسة‪.‬‬

‫مارتا وخالتها العجوزأ‬


‫يظن المتابع للرواية إلى هذا الحد أن المؤلف سوف يبدأ ينتصر لنسطور‬
‫وكنيسته وعقيدته‪ ،‬ولكن موقف المؤلف من نسطور لم يكن مختلدفا كثي دار عن موقفه من‬
‫كيرلس وكنيسة السكندرية وأرثوذكسيتها‪ .‬فهيبا بعد أن هدأت روحه واستقرت في الدير‬
‫الجديد وبدأ يمارس حياته بين تأليف القصائد الشعرية‪ ،‬وممارسة علج المرضى‪ ،‬تهب‬
‫عليه عاصفة جديدة‪ ،‬فبدون مبرر يقرر رئيس الدير تكوين فريق تراتيل في كنيسة‬
‫الدير ويعهد بتدريبه إلى هيبا‪ ،‬ليتكون الفريق من مجموعة من الطفال الصغار‪ .‬وليجد‬
‫هيبا أن المغنية التي سوف يصاحبها هذا الكورال من الطفال هي شابة صغيرة‪ ..‬إنها‬
‫مارتا‪ ،‬والترتيل هنا دللة على أن الكنيسة في أنطاكية بدأت تتبنى مجموعة من‬
‫الهرطقات‪ ،‬يمثلها الطفال الصغار )تعادل الجرار الموضوعة على الرفف في قبو‬
‫منزل أوكتافيا(‪ ،‬أما مارتا فهي الهرطقة الكبيرة التي اكتملت )تعادل زجاجة النبيذ‬
‫المعتقة فى قبو منزل أوكتافيا(‪ ،‬فها هي مرتا وخالتها العجوز قد جاءتا من أنطاكية‬
‫للعيش في الكوخ المهجور الموجود خارج الدير بعد ما ضاقت بهم سبل العيش هناك‪،‬‬
‫بعد أن توسط لهم أحد أقربائهم لدى رئيس الدير‪ ،‬وقريبهم هذا هو كاهن القرية‪.‬‬

‫السيدة غير العذراء‬


‫تلك هي البداية التي انطلق منها المؤلف في إسقاطاته على الشخصيات في‬
‫الجزء التالي من الرواية‪ ،‬فمرتا تعنى السيدة وهى الفتاة التي أتت إلى الدير عن طريق‬
‫أحد الكهنة‪ ،‬فمرتا هنا تحمل دللة النسطورية حيث إن النسطورية بدأت بعظة ألقاها‬
‫قس القسطنطينية أنسطاسيوس عن التشكيك في السيدة العذراء مريم وأنها ليست أم‬
‫الله فهي سيدة مثل أي سيدة‪ .‬ومارتا غير عذراء كما أخبرت هيبا فيما بعد‪ ،‬فتكون‬
‫مرتا إذن السيدة غير العذراء‪ ،‬والتي يسقط عليها هنا المؤلف البدعة النسطورية والتي‬
‫تتبنى وجة نظر مخالفة في السيدة العذراء مريم أم الله‪ ،‬أما خالتها ما هي إل إشارة‬
‫إلى الفكر الكنسي السائد والذي بدأ يكبر ويشيخ ويقف حائلد ضد تطلعات مرتا‪،‬‬
‫فالمؤلف يخبرنا على لسان كاهن القرية أن )الفتاة وخالتها من أهل المسيح(‪ ،‬ومرتا‬
‫هذه كما يصفها هيبا رائعة الجمال في العشرين من عمرها أي أنها البدعة حديثة‬
‫العهد‪ ،‬كذلك فإن رداءها محتشم وذو وقار‪ ،‬إيماء إلى أن الرهبنة هي التي تتبنى‬
‫البدعة‪ ،‬لما للرهبنة من حشمة ووقار‪ ،‬وما أن يرى هيبا مرتا حتى تثير في داخله كل‬
‫نزعاته البشرية‪ ،‬والجنسية والعاطفية‪.‬‬

‫أما خالة مرتا فهي الفكر السائد في العالم في وقتها‪ ،‬والذي رأى المؤلف أن هذا‬
‫الفكر قد شاخ‪ ،‬ويحتاج إلى التجديد والعلج‪ ،‬فخالة مرتا تذهب إلى هيبا )بدللته(‬
‫تشكو من صدرها ومن سعال بدأ يصيبها‪ ،‬والسعال هنا رمز لن آراء الكنيسة أصبحت‬
‫قبيحة الصوت ومزعجة‪ ،‬والخالة تحمى وجودها في المنطقة بعلقتها بالدير إواعداد‬
‫الطعام للحامية الرومانية التي تحمى الدير‪ .‬أي أن الفكر الكنسي العام والعتيق بدأ‬
‫يتقوى بالحركة الديرية وموالة المبراطور الروماني‪ .‬إل أن الحارس الروماني وكلبه‬
‫)المعادل لحارس قصر أوكتافيا وخروفه‪ ،‬فالحارس هنا علماني‪ ،‬أما الحارس هناك‬
‫ديني( نائم دائدما وغافل عما يحدث في المنطقة‪.‬‬
‫الكوخ والفرن‬
‫إن الكوخ الذي أوت إليه مارتا وخالتها هو رمز لكل الفلسفات القديمة المهجورة‪،‬‬
‫فالمؤلف يرى أن اندلع النشقاقات في الكنيسة كان بسبب دخول التفسير الفلسفي‬
‫الذي يعتمد على قوالب قديمة في اللهوت‪ ،‬وهو ما عرف فيما بعد باللهوت‬
‫الوجودي‪ ،‬أما الفرن فهو ردود أفعال المجتمع الدولي )المسيحي حينذاك( تجاه البدعة‬
‫النسطورية‪ ،‬فخالة مرتا هي دائدما التي تشعل الفرن‪ ،‬فيعلو دخانه ويخفت مع الصراع‬
‫الدائم بين نسطور والكنيسة في العالم‪.‬‬
‫إن علقة هيبا ومارتا وخالتها تعكس الصراع الدائر في ذلك الوقت بين‬
‫الكنائس‪ ،‬فهيبا وقد اشتد ولعه بمارتا نشأت بينهم علقة حميمة أثناء التدريب على‬
‫التراتيل‪ ،‬وكان صوت مارتا جميلد في دللة على قوة نسطور في الخطابة والتحدث‬
‫وقد اشتهر بذلك في إشارة إلى أن النسطورية قد توافقت مع الفكر الرهبانى المهرطق‬
‫في السكندرية‪ ،‬المتوافق مع الفلسفات القديمة ‪-‬الكوخ المهجور‪) -‬وهو ما يفسر لنا‬
‫هنا لماذا جعل المؤلف نسطور متعاطدفا مع أريوس على عكس الحقيقة(‪ .‬أما خالة‬
‫مرتا فعملت على إشعال الفرن إوابعاد مرتا عن المنطقة بأن تعمل مغنية في حانات‬
‫حلب للرجال العرب )ليلحظ القارئ عبارة الرجال العرب والتي تكررت أكثر من مرة(‬
‫أي أن الكنيسة العجوز حاولت التخلص من البدعة وتصديرها بعيددا عنها‪ .‬والسؤال‬
‫الن وهو بيت القصيد عند المؤلف‪ ،‬بعد أن تخلصت الكنيسة من البدعة‪ ،‬فهل هناك‬
‫من تبنى تلك البدعة؟‬

‫بيت القصيد فى الرواية‬


‫لم يبخل المؤلف علينا بالجابة على سؤالنا المطروح‪ ،‬بل أنه أجاب وبوضوح‬
‫واستفاضة‪ ،‬وقبل أن نورد إجابة المؤلف عن السؤال المطروح علينا‪ ،‬من خلل ما‬
‫قدمناه لفك شفرته‪ ،‬نود أن نلفت النتباه إلى بعض النقاط التى سوف تساعدنا على‬
‫معرفة غرض الكاتب من روايته وهى‪ً:‬ا‬
‫‪ -‬يرى الكاتب أن الرثوذكسية عقيدة إرهابية انتشرت بحد السيف وعلى أسنة الرماح‪،‬‬
‫على يد طائفة همجية من الرهبان التى استغلت المناخ السياسى فى هذا الوقت‪،‬‬
‫واستقوت بالدين لفرض سيطرتها الدينية والمدنية على الشعب‪ ،‬وأنها ما هى إل تجميع‬
‫لعقائد وثنية قديمة تم صياغتها فى قالب جديد‪ ،‬وذلك عكس ما هو ثابت تاريخديا وقد‬
‫أوردناه فى حينه‪.‬‬
‫‪ -‬ل تختلف رؤية الكاتب للنسطورية كثيدرا‪ ،‬فهي الفكرة التي استفادت من الخلف‬
‫الدينى فى السكندرية )الريوسية( وقامت بدمج هذه الهرطقات بما تيسر لها من‬
‫فلسفات قديمة‪ ،‬وعقائد وثنية‪.‬‬
‫‪ -‬إذا سحلمنا بأن ما أتاه المؤلف من تزوير للتاريخ والحقيقة والعقيدة هو فى إطار حرية‬
‫البداع الدبى‪ ،‬فما الموضوع الذى يريد أن يطرحه علينا المؤلف للنقاش؟‬
‫‪ -‬الموضوع ببساطة كما يحاول الكاتب إيهامنا هو المناداة بحرية النسان وتخلصه‬
‫من أى قيود وتكسير وتحطيم كل القيود التي تقيد تلك الحرية بما في ذلك العقيدة‬
‫الدينية‪ .‬ولكن تناول هذه القضية فى إطار مسيحى لو فعله مؤلف مسيحى لوافقناه‪،‬‬
‫لننا يمكن أن نعتبر أن العقيدة بالنسبة له تمثل مشكلة ما ويطرح معاناته أو معاناة‬
‫غيره من المشتركين معه فى المشكلة للنقاش‪ ،‬فهو هنا يناقش مشكلة خاصة به أو هو‬
‫جزء منها أو طرف فيها‪ .‬ولكن المؤلف وهو ل يدين بالمسيحية‪ ،‬فالمشكلة حتى إن‬
‫وجدت‪ ،‬ليست ذات معنى أو قيمة بالنسبه له‪ .‬كما أنه لم يفووض رئيدسا لرابطة‬
‫المعذبين من الرثوذكسية‪ ،‬إوالى هذا الحد قد يكون حديثنا منطقديا‪ .‬ولكن ما ذكرناه‬
‫ليس هو إل نصف الحقيقة والتى حدقا ل تعنى الكاتب فى شئ‪ .‬أما نصف الحقيقة‬
‫الخر سوف يفك لنا طلسم تساؤلتنا ليفصح الكاتب عن مشكلته الحقيقية والتى سوف‬
‫نرى أنه قد ناقشها بعنف وبضراوة‪ .‬فمشكلته ليست مع بشر أو عقيدة ولكن مشكلته مع‬
‫ال أردسا‪.‬‬

‫خمس مصاطب‬
‫نعود إلى الرواية وأشخاصها بما يحملون من رموز وتداعيات وقد قاربت الرواية‬
‫على النتهاء وتصاعدت فيها الرموز إلى عنان السماء‪ ،‬فها هو هيبا وقد تصارح هو‬
‫ومارتا بحبهما‪ ،‬فى إشارة الى اكتمال الهرطقة ونضوجها وتجمع كل عناصرها‪ ،‬من‬
‫فلسفات قديمة‪ ،‬وبدع سكندرية‪ ،‬وشطط رهباني‪ ،‬واقتباس من عقائد وثنية‪ ،‬فها هى إذن‬
‫قد تمت المنظومة‪ ،‬لنجد هيبا قد ذهب إلى مارتا عند الكوخ‪ ،‬واقترح على رئيس الدير‬
‫زراعة الرض المحيطة للكوخ بالعشاب والنباتات الطبية‪ ،‬ويأخذ معه شمادسا ليساعده‬
‫على ذلك‪ ،‬ويطلب هيبا وهو مع مارتا فى الرض التى حول الكوخ من الشماس البحث‬
‫عن أرض صالحة للزراعة‪ .‬فوقف الشماس عند بقعة بأعلى الكوخ مستوية‬
‫كالمصطبة‪ ،‬وصاح بما معناه أنها تصلح للزراعة‪ .‬فيقول هيبا‪ ،‬إننا نحتاج إلى خمسة‬
‫مواضع بمثل مساحتها‪ ،‬لتتم تسوية الرض بعد ذلك لتصبح على خمسة مصاطب‪،‬‬
‫ليقوموا بزرع الشتلت عند حواف المصاطب الخمس‪ .‬والمعنى هنا ل يحتاج إلى‬
‫تفسير‪ ،‬باختصار شديد )وتحفظ مما أراده المؤلف(‪ ،‬فإن منظومة البدع والهرطقات‬
‫ضا خصبة لظهور عقيدة جديدة بنيت‬
‫والنشقاقات التى ظهرت فى الكنيسة كانت أر د‬
‫على خمس مصاطب‪ ،‬وفى نهاية مفتعلة للحداث ترحل مارتا وخالتها إلى حلب لتغنى‬
‫للرجال العرب فى إشارة إلى أن العقيدة الجديدة المشار إليها أخذت منظومة البدع كلها‬
‫ونبذت الرهبنة وظهرت عند العرب‪.‬‬

‫إلى هنا ونتوقف عن فك شفرة زيدان لن الباقى على الرغم من قلته إل أنه‬
‫مثير‪ ،‬ولكن يستطيع المطالع لع اززيل أن يفهم الباقى فى ضوء ما قمنا بفكه من رموز‬
‫لشفرة زيدان‪.‬‬
‫ويهمنا فى هذا الصدد أن نوضح أننا لم نقم بالتعرض لكل رموز الرواية‪ ،‬لما‬
‫فيها من تجريح واستعداء لمشاعر أخوة نعتز بمشاركتهم لنا هذا الوطن‪ ،‬فحدبا لهم‬
‫ضا أنها‬
‫واحت اردما للجميع لم نتعرض لبعض الرموز الفجة فى الرواية‪ ،‬والتى رأينا أي د‬
‫ليست بالمفيدة أو المؤثرة في بحثنا هذا‪ .‬فيكفى أن الهرطقات جاءت في واحد وثلثين‬
‫ردقا‪ ،‬فيها رق ناقص )السابع( فيصبح عدد رقوقها ثلثين ردقا‪ ،‬أي أن الرواية عبارة عن‬
‫كتاب يجمع هرطقات الكنيسة في ثلثين جزدءا‪.‬‬

‫عداوة الله‬
‫تمتلئ ع اززيل فى الكثير من مواضعها بالتهكم على ال عز وجل‪ ،‬والسخرية‬
‫منه‪ ،‬والملحوظة الغريبة هنا‪ ،‬أن المؤلف يتحدث عن آلهة كثيرة‪ ،‬منها الوثنية ومنها‬
‫الدينية‪ ،‬ولكن عند التهكم والسخرية يذكر لفظ ال فى المطلق‪ ،‬من دون أن ينسبه إلى‬
‫ديانة معينة أو طائفة أو ملة‪ ،‬فهناك عداوة واضحة من المؤلف للذات العليا‪ ،‬عداء‬
‫غير مبرر‪ ،‬وغير مفسر‪ ،‬ولكنه عداء لمجرد العداء‪.‬‬
‫كما أننا فى الرواية لم نجد أية إشارة أو إيماءة نستدل بها عن قناعات المؤلف‬
‫الدينية‪ ،‬وسوف نورد هنا بعض العبارات التى جاءت فى رواية المؤلف والتى تؤكد‬
‫مصداقية بحثنا هذا‪ً:‬ا‬
‫‪ -‬ترى هل طرد ال آدم من الجنة لنه عصى المر‪ ،‬أم لنه حين عرف سر أنوثة‬
‫حواء‪ ،‬أدرك رجولته واختلفه عن ال‪ ،‬مع أنه خلقه على صورته؟ )صفحة ‪.(90‬‬
‫‪ -‬كان ال والملئكة والشيطان يشاهدون ما يجرى ول يفعلون شئ )صفحة ‪.(159‬‬
‫‪ -‬ترى هل يحلم الرب؟ من يدرى‪ ،‬فقد يكون هذا الكون بكل ما فيه حلم واحد من‬
‫أحلمه )صفحه ‪.(230‬‬

‫نحن ل نفتش فى قناعات المؤلف الدينية‪ ،‬ول نفتش عن مكنونات صدره‪ ،‬وهو‬
‫حر كل الحرية فى علقته مع ال فهى علقة خصوصية وشخصية‪ ،‬ونحن لسنا ضد‬
‫أو مع أى اعتقاد دينى للمؤلف‪ ،‬فكل إنسان يشكل وجدانه حسب توازناته النفسية‪،‬‬
‫ولكن يبقى سؤالنا الذى طرحناه فى مقدمة بحثنا‪ ،‬هل يحق للمؤلف التهجم على‬
‫المقدس الدينى بحجة حرية البداعا؟!!‬
‫إن المزأور الذى يقوم بتزأييف النقود وتقليدها هو بالمقياس التشكيلى مبدعا‪ ،‬ويمكن‬
‫أن يبرر إبداعه بأنه يرى مثلي أنه ليس من حق الدولة أن تتحكم فى منظومة توزأيع‬
‫الدخل على الفراد بمفردها‪ ،‬فهو إذن مبدعا وله مبرراته الخاصة ولكن المجتمع يجرم‬
‫فعله‪ ،‬لنه أضر بمجتمع بأسره‪.‬‬
‫البدايات‬
‫انتصا دار للحقيقة إوانصادفا للتاريخ سوف نورد في هذا الجزء من بحثنا هذا حقيقة‬
‫الصراع النسطورى منذ بداياته‪ ،‬ولكى يقف القارئ على الحقيقة كان لبد لنا أولد من‬
‫التعريف بعناصر الصراع أل وهما البابا كيرلس الكبير عمود الدين ونسطور‪ ،‬موضحين‬
‫تعاليم كل منهما‪ ،‬وكيف أن نسطور قد انحرف عن اليمان الرثوذكسى السليم بينما بقى‬
‫البابا كيرلس الكبير عموددا شامدخا راسدخا يحمل العقيدة المسلمة إليه مدافدعا مستميدتا في‬
‫الدفاع عنها‪.‬‬

‫البابا كيرلس البطريرك ‪ 24‬عمود الدين‬


‫كان هذا القديس ابن أخت البابا ثاوفيلس البطريرك الـ ‪ ،23‬وتربى عند خاله في‬
‫مدرسة السكندرية‪ ،‬وتثقف بعلومها اللهوتية والفلسفية اللزمة للدفاع عن الدين‬
‫المسيحى واليمان الرثوذكسى القويم‪ .‬وبعد أن نال القسط الوافر من هذه العلوم‪ ،‬أرسله‬
‫خاله إلى دير القديس مقار في البرية‪ ،‬فتتلمذ هناك على يد شيخ فاضل اسمه‬
‫صرابامون‪ ،‬وق أر له سائر الكتب الكنسية‪ ،‬وأقوال الباء الطهار‪ ،‬وروض عقله بممارسة‬
‫أعمال التقوى والفضيلة مدة من الزمان‪.‬‬
‫ثم بعد أن قضى في البرية خمس سنوات‪ ،‬أرسله البابا ثاوفيلس إلى الب سرابيون‬
‫السقف الفاضل‪ ،‬فازادد حكمة وعلدما وتدرب على التقوى والفضيلة‪ ،‬وبعد ذلك أعاده‬
‫كثيرا‪ ،‬ورسمه شمادسا‪ ،‬وعينه واعظدا في الكنيسة‬
‫السقف إلى السكندرية‪ ،‬ففرح به خاله د‬
‫كاتبا له‪ .‬فكان إذا وعظ كيرلس‪ ،‬تملك قلوب سامعيه ببلغته‬
‫الكاتدرائية وجعله د‬
‫وفصاحته وقوة تأثيره‪ ،‬ومنذ ذلك الحين اشتهر بكثرة علمه وعظم تقواه وقوة تأثيره في‬
‫تعليمه‪.‬‬
‫ولما تنيح خاله البابا ثاوفيلس في ‪ 18‬بابة سنة ‪ 128‬ش )‪ 15‬أكتوبر سنة‬
‫‪412‬م(‪ ،‬أجلسوا هذا الب موضعه في ‪ 20‬بابة سنة ‪128‬ش )‪ 17‬أكتوبر سنة‬
‫‪412‬م(‪ ،‬فاستضاءت الكنيسة بعلومه‪ ،‬ووجه عنايته لمناهضة العبادة الوثنية‪ ،‬والدفاع‬
‫عن الدين المسيحى‪ .‬وبدأ يرد على مفتريات المبراطور يوليانوس الكافر في مصنفاته‬
‫العشرة‪ ،‬التى كانت موضع فخر الشباب الوثنيين‪ ،‬بزعم أنها هدمت أركان الدين‬
‫المسيحى‪ .‬فقام البابا كيرلس بتفنيدها بأدلته الساطعة وبراهينه القاطعة وأقواله المقنعة‪،‬‬
‫وطفق يقاوم أصحاب البدع حتى تمكن من قفل كنائسهم‪ ،‬ثم أمر بطرد اليهود من‬
‫السكندرية‪ ،‬فقام قتال وشغب بين اليهود والنصارى‪ .‬ونتج عن ذلك اتساع النزاع بين‬
‫الوالى وهذا القديس العظيم‪ ،‬الذى قضت عليه شدة تمسكه بالداب المسيحية وتعاليمها‪،‬‬
‫أن يقوم بنفسه بطلب الصلح مع الوالى الذى رفض قبول الصلح‪ .‬ولذلك طال النزاع‬
‫زمانا‪.‬‬
‫بينهما د‬
‫ولما ظهرت بدعة نسطور بطريرك القسطنطينية‪ ،‬الذى تولى الكرسى في سنة‬
‫‪428‬م‪ ،‬في أيام المبراطور ثيودوسيوس الثانى‪ ،‬والذى أنكر أن العذراء هى والدة الله‪.‬‬
‫اجتمع لجله مجمع مسكونى مكون من مائتى أسقف بمدينة أفسس‪ ،‬في عهد‬
‫المبراطور ثيودوسيوس الثانى الشهير بالصغير‪ ،‬فرأس القديس كيرلس بابا السكندرية‬
‫هذا المجمع‪ ،‬وكان كيرلس قد راسل نسطور وشرح له شردحا لهوتديا وافديا فيما يخص‬
‫تجسد الكلمة‪ ،‬وكتب حينئذ الاثنى عشر فصلد عن اليمان المستقيم‪ ،‬مفنددا ضلل‬
‫نسطور‪ .‬وقد خالفه في ذلك يوحنا بطريرك إنطاكية‪ ،‬وبعض الساقفة الشرقيين‬
‫منتصرين لنسطور‪ ،‬ولكنهم عادوا إلى الوفاق بعد ذلك‪ ،‬وانتصر كيرلس على خصوم‬
‫مثبتا فيها "أن ال الكلمة طبيعة‬
‫كثيرا من المقالت والرسائل القيمة د‬
‫الكنيسة‪ .‬وقد وضع د‬
‫واحدة ومشيئة واحدة وأقنوم واحد متجسد‪ ".‬وحرم كل من يفرق المسيح‪ ،‬أو يخرج عن‬
‫هذا ال أرى‪ .‬ونفى المبراطور نسطور في سنة ‪435‬م إلى البلد المصرية‪ ،‬وأقام في‬
‫أخميم حتى توفى في سنة ‪440‬م‪.‬‬

‫ومن أعمال البابا كيرلس الخالدة‪ ،‬شرح السفار المقدسة‪ .‬ولما أكمل سعيه مرض قليلد‬
‫وتنيح بسلم‪ ،‬بعد أن أقام على الكرسى السكندرى إحدى وثلثين سنة وثمانية شهور‬
‫وعشرة أيام‪.‬‬

‫نسطور ميلده ونشأته‬


‫في خريف سنة ‪ 425‬توفى أتيكوس أسقف القسطنطينية وبهذا شغر الكرسى‬
‫القسطنطينى‪ .‬فرشح بعض الكليروس كةل من بروكلوس سكرتير أتيكوس وفيليبوس‬
‫أحد كهنة العاصمة الذى يعنر م‬
‫ف بشغفه بالثار وباهتمامه بتاريخ المسيحية‪ .‬ولكن‬
‫الشعب آثر سيسينيوس أحد كهنة الضواحي الذي اشتهر بمحبة المسيح وبتواضعه‬
‫وزهده وعطفه على الفقراء‪ .‬فتم انتخابه في الثامن والعشرين من شباط سنة ‪ .426‬ثم‬
‫اختار ال له ما عنده فاصطفاه لجواره في ليلة عيد الميلد سنة ‪ .427‬وعاد كلل من‬
‫بروكلوس وفيليبوس إلى سابق نشاطهما‪ .‬ولكن المبراطور ثيودوسيوس الثاني آثر‬
‫الخروج من هذا الخلف المحلى باختيار أحد الذين ل يعرفهم كل الفريقين واختيار‬
‫خلف للسقف المتنيح سينسينيوس من خارج العاصمة فاتجهت أنظاره نحو أنطاكية‪،‬‬
‫نحو الراهب نسطوريوس رئيس أحد أديارها الذي كان قد اشتهر بفضله وفصاحته‪.‬‬
‫لم يستطع المؤرخون التفاق على أصله أو مكان وزمان ميلده‪ ،‬ولكن يؤرخ‬
‫ذلك بالربع الخير من القرن الرابع‪ ،‬وهناك من يظن أنه سوري أو فارسي‪ ،‬وأما بعض‬
‫النساطرة فيظنون أنه من أصل يوناني‪.‬‬
‫ويقول النبا إيسوذورس )في كتاب الخريدة النفيسة في تاريخ الكنيسة ‪ -‬ج ‪ - 1‬ص‬
‫‪ً: (483‬ا "ولد نسطوريوس في الربع الخير من القرن الرابع الذى من مرعش )وهى‬
‫مدينة جرمانيقية‪ ،‬وهى الن مرعش بشمال سوريا( من أبوين سوريين وفارسيين‪ ،‬وهو‬
‫ابن عم ثيودوريطس المؤرخ أسقف قورش‪ ،‬ترهبن في دير مار إبروبيوس بجوار‬
‫أنطاكية ‪) Euprepius‬أنطاكية تقع في شمال غرب سوريا على ضفاف نهر‬
‫العاصي قرب مصبه("‪ ..‬درس اليونانية ومبادئ العلوم في مرعش ثم انتقل إلى‬
‫أنطاكية وهناك تشبع بمبادئ مدرسة أنطاكية اللهوتية‪ ،‬وتتلمذ على يد الفيلسوف‬
‫العظيم ثيودوروس الموبسيوستي وكذلك أخذ العلوم الدينية ‪.‬‬
‫وفي أنطاكية‪ ،‬قدم نذر الرهبنة في دير ‪ Euprepius‬إبريبيوس في ضواحي‬
‫أنطاكية‪ .‬ثم سيم كاهدنا على مذابح كنيسة أنطاكية وكيحلف بتفسير السفار المقدسة‬
‫لتفوقه في اللغة والسلوب‪.‬‬
‫من هناك عحين شمادسا ثم قسيدسا في كاتدرائية أنطاكيا‪ .‬ككاهن‪ ،‬وعظ كثي دار وبقبول‬
‫ضا بسمعة كونه ناسدكا صاردما وكثي دار ما أظهر حمادسا عظيدما‪..‬‬
‫ملحوظ‪ ،‬مع تمتعه أي د‬
‫ورغبة في مدح الجموع له خاصة في عظاته‪ .‬وسرعان ما حصل على شهرة واسعة‬
‫كواعظ قدير‪ ،‬كما كان يتسم بروح الحماس المشتعلة ضد كل الهرطقات‪ ،‬وجمال‬
‫صوته‪ .‬وسمع به من في القسطنطينية فوقع اختيار السلطات على نسطوريوس‪ ،‬فقام‬
‫إلى القسطنطينية في أوائل سنة ‪ .428‬وهذا ما دفع به في عام ‪428‬م لينتقل إلى‬
‫القسطنطينية ليشغل منصب رئيس أساقفتها لن المبراطور ثيودوسيوس الثاني قرر‬
‫أجنبيا للجلوس على كرسي القسطنطينية التي كانت تعد بحق وقتها روما‬
‫د‬ ‫أن يختار‬
‫الجديدة‪ .‬وكان الجميع ينتظرون في القسطنطينية منه أن يكون استمراردا ليوحنا فم‬
‫الذهب‪ ،‬واسترجاع لموقفه العظيم في مواجهة الريوسية والنوفاتية‪.‬‬

‫نسطور رئيس أساقفة القسطنطينية‬


‫فور تولي نسطور منصب أسقف القسطنطينية في ‪ 10‬أبريل‪ /‬نيسان ‪428‬م‬
‫أظهر غيرة شديدة في مواجهة أي هرطقة‪ ،‬أظهر إعجادبا عظيدما بعمل الوعظ‪ ،‬حتى‬
‫أنه قال في عظته الولى موجدها كلماته للمبراطور على مسمع من الجمهور‪ً:‬ا "هبني‬
‫بديل‪ .‬استأصل أيها المبراطور الهراطقة‪ ،‬وأنا‬
‫د‬ ‫بلدا بدون هرطقة‪ ،‬أمنحك السماء‬
‫د‬
‫أستأصل معك جنود الفرس وأملكك فوق ذلك السماء"‪.‬‬
‫وبعد ذلك بأيام قليلة اندفع نسطوريوس في سبيل اليمان القويم فقام بحملة مسعورة‬
‫ضد الحزاب والمذاهب والشيع والهرطقات الدينية‪ .‬وكان أول هجومه جماعة‬
‫الريوسيين‪ .‬فاستصدر أم دار بإغلق كنيسة الريوسيين في القسطنطينية في السبوع‬
‫الول من رئاسته‪.‬‬
‫وفي الثلثين من آيار صدرت أوامر إمبراطورية تستأصل الهرطقة في جميع مظاهرها‬
‫وأنواعها‪ ،‬فشملت في حكمها‪ً:‬ا‬
‫الريوسيين والمقدونيين والبوليناريين والنوفاتيين والفنوميين والفالنتينيين والمونتانيين‬
‫والمركيونيين والبوربوريين والمصحلين والفخيتيين والدوناتيين والبولسيين والمركلوسيين‬
‫والمانويين والمكدونيين والربعت عشرية وغيرهم‪.‬‬
‫صمم على حرم الريوسيين من الكنيسة الصغيرة التى كانوا ل يزالون يمتلكونها في‬
‫القسطنطينية والتى كانت قد أقفلت‪ ،‬فأمر باقتياد شعبها الريوسيين ليشعلوا النار فيها‬
‫بأنفسهم‪ ،‬والتى بسببها نال نسطور من الهراطقة ومن كثير من الرثوذكس لقب "حارق‬
‫متعمد"‪.‬‬
‫وينوفذت هذه الوامر بحزم‪ ،‬فأغلقت كنائس هؤلء المبتدعين وأدى إغلقها إلى استعمال‬
‫العنف في بعض الحيان إوالى خسائر في الرواح‪.‬‬
‫وقام بالعديد من حملت الهدم والحرق في سبيل تحقيق هدفه‪.‬‬
‫كما قام بحرب شعواء ضد بعض العادات والتقاليد المعروفة والمقبولة في المدينة‪ .‬مثل‬
‫المسارح والغناء والرقص والملهي‪.‬‬
‫أيضا تطرف الرهبان والإكليروس‪.‬‬
‫د‬ ‫كما هاجم‬

‫بداية البدعة النسطورية‬


‫وفي رسالة‪ ..‬ليوحنا أسقف أنطاكية‪ ،‬يؤكد نسطور أنه في وقت‬
‫ما )متضادين( موجودين‬ ‫وصأوله إلى القسطنطينية وجد خصو ي‬
‫قب أحد أطرافهم القديسة العذراء بلقب "والدة‬ ‫فع ي‬
‫ل‪ .‬ل ر‬
‫الله" وآخر بأنها مجرد "والدة إنسان"‪ .‬وحتى يتم التوسط‬
‫دا أن‬ ‫بينهما قال إنه اقترح عبارة "والدة المسيح" معتق ي‬
‫كل الطرفين سوف يرضى به؛ من ناحية أخرى فإن سقراط يقص أن‬
‫"الكاهن أنسطاسيوس صديق نسطور‪ ،‬الذى أحضره معه إلى القسطنطينية قد حوذر‬
‫سامعيه يودما ما‪ ،‬في عظة أنه ل يجب أن يطلق أحد على مريم لقب والدة الله (‬
‫ثيئوطوكوس( لن مريم كانت إنسانة وال ل يمكن أن يولد من إنسان"‪ .‬لقد تدخل‬
‫نسطور في النزاع القائم وأراد التوفيق فسقط في هرطقة ولما كان تعبير والدة الله‬
‫تعبي دار مقبولد شعبديا لتكريم السيدة العذراء فهى أم المخلص‪ ،‬فهذا الهجوم على المعتقد‬
‫القديم والمصطلح الكنسى المقبول حتى ذلك الوقت‪ ،‬قد سبب هيادجا عظيدما واضط اردبا‬
‫وسط العامة من الشعب الذين يحبون العذراء ويتشفعون بها والكليروس‪ .‬وتقحدم‬
‫نسطور نفسه ودافع عن خطاب صديقه في عدة عظات‪ .‬واتفق أحد الطراف‬
‫)المتضادة( معه‪ ،‬وعارضه الكثرية العظمى من الشعب والكليروس بما فيهم الساقفة‬
‫حيث إنه لم يذهب معه من أساقفته إل ‪ 16‬أسقفاد إلى مجمع أفسس‪ ...‬ولكن يؤكد‬
‫المؤرخون أن نسطور مع صديقه أنسطاسيوس كانا أول من أثار هذه البدعة‪ .‬فبعض‬
‫من عظاته التى ل زالت محفوظة جزئديا هى كافية لتأكيد الخط الهرطوقى الذى تمادى‬
‫فيه‪ ،‬فقد بدأ بالقول إن مريم لم تلد إلدها ومن ثم بنى على هذا الهراء نظرياته الخرى‬
‫عن المسيح ذاته وعلقة الكلمة بالجسد في السيد المسيح‪ .‬ففي خطبته الولى هتف‬
‫بعاطفة "إنهم يسألون إن كان من الممكن أن تدعى مريم والدة الله‪ ،‬لكن هل ل أم‬
‫إدذا؟ في هذه الحالة يجب أن نعذر الوثنية التى تكلمت عن أمهات لللهة‪ ،‬لكن بولس‬
‫لم يكن كاذدبا حينما قال عن لهوت المسيح )عب‪ً:7‬ا ‪ (3‬أنه بل أب‪ ،‬بل أم‪ ،‬بل‬
‫نسب‪ .‬ل يا أصدقائى لم تحمل مريم ال‪ ..‬المخلوق لم يحمل الخالق إنما حملت‬
‫النسان الذى هو أداة اللهوت‪ .‬لم يضع الروح القدس الكلمة‪ ،‬لكنه أمد له من العذراء‬
‫المطوبة‪ ،‬بهيكل حتى يمكنه سكناه‪ ..‬أنا أكورم هذه اليحلة التى استفاد منها من أجل ذاك‬
‫الذى احتجب في داخلها ولم ينفصل عنها‪ ..‬أنا أفورق الطبائع وأووحد التوقير‪ .‬تب و‬
‫صر‬
‫في معنى هذا الكلم‪ .‬فإن ذاك الذى تشحكل في رحم مريم لم يكن ال نفسه لكن ال‬
‫اتخذه‪ ..‬وبسبب ذاك الذى اتومخمذ فإن اليمتومخذ أي د‬
‫ضا يدعى ال‪".‬‬
‫أما خطبته الثانية فتبدأ بتعبير لذع ضد أسلفه‪ ،‬كما لو أنه لم يكن لديهم‬
‫الوقت لقيادة الناس نحو معرفة أعمق بال‪ .‬ومن هنا يتحول ثانية إلى موضوعه‬
‫الرئيسى أن المسيح له طبيعة مزدوجة وكرامة مووحدة‪ .‬فيقول‪ً:‬ا "حينما تتكلم‬
‫السفار المقدسة عن ميلد المسيح أو موته فهى ل‬
‫دا بل المسيح أو يسوع أو الرب‪ ...‬مريم‬ ‫تدعوه الله أب ي‬
‫ذا يمكن أن تدعى )خريستوطوكوس( والدة المسيح‬ ‫إ ي‬
‫وحملت ابن الله بقدر ما حملت النسان‪ ،‬الذى بسبب‬
‫اتحاده )يقصد اتحاد في الكرامة وليس في الطبيعة كما‬
‫سبق أن ذكر في خطابه الول( بابن الله )بالمعنى‬
‫الخاص( يمكن أن يدعى ابن الله )بالمعنى الوسع(‪ .‬وبنفس‬
‫الطريقة يمكن أن يقال أن ابن الله مات وليس أن‬
‫الله مات‪ ..‬إذن فلنحفظ اتصال الطبيعتين الغير مختلط‬
‫ولنعترف بالله في النسان وبسبب هذا الاتصال اللهى‬
‫نوقر ونكررم النسان المعبود مع الله الكلى القدرة‪".‬‬
‫فقط‬ ‫في خطابه الثالث يقول‪ً:‬ا "إن الريوسيين يضعون اللوغإوس‬
‫تحت الب لكن هؤلء الناس )الذين يعللمون‬
‫بالثيئوطوكوس ويتكلمون عن ميلد الله( يضعونه تحت‬
‫كدين أنه أحدث منها‪ ،‬ومعطين اللهوت‬ ‫ضا‪ ،‬مؤ ر‬‫مريم أي ي‬
‫ذا لم يكن ذاك الذى‬ ‫ما زمنية كأصأل له‪ .‬إ ي‬ ‫خالق الكل‪ ،‬أ ي‬
‫ذا لم تكن هى أم‬ ‫حملته إنساينا إنما الله الكلمة‪ ،‬إ ي‬
‫ذاك الذى ولد‪ ،‬لنه كيف تكون هى أم ذاك الذى له‬
‫طبيعة مختلفة عنها؟ لكن إن كانت تدعى أمه‪ ،‬إ ي‬
‫ذا فإن‬
‫ذاك الذى ولد ليس ذو طبيعة إلهية‪ ،‬لكنه إنسان حيث‬
‫أن كل أم تحمل من له نفس جوهرها )مادتها(‪ .‬لم‬
‫ذا من مريم‪ ،‬لكنه سكن في ذاك‬ ‫يولد الله الكلمة إ ي‬
‫الذى ولد من مريم‪".‬‬
‫من السهل أن نرى أن نسطور قد تبحنى وجهة نظر معلمه ثيئودور‬
‫الموبسويستى‪ ..‬وقد أنذره كثير من كهنته بالانسحاب من شركته ووعظوا ضده‪ .‬وصرخ‬
‫الشعب "لدينا إمبراطودرا‪ ،‬لكن ليس لدينا أسقدفا"‪ .‬والبعض ومنهم علمانيين تكحلموا ضده‬
‫علدنا حينما كان يعظ‪ ،‬وبالخص شخص باسم يوسابيوس وهو بل شك نفس الذى‬
‫صار فيما بعد أسقف دورليم‪ ،‬والذى على الرغم من كونه علمانديا في ذلك الوقت‪ ،‬إل‬
‫أنه كان أول من كانت له نظرة ثاقبة وعارض الهرطقة الجديدة‪ .‬لهذا السبب استعمل‬
‫نسطور له ولخرين لقب "الرجال البؤساء"‪ .‬استدعى الشرطة ضدهم‪ ،‬وتم جلدهم‬
‫وسجنهم‪ ،‬وهؤلء الخرون هم بالتحديد بعض الرهبان‪ ،‬الذين وصل إلينا في أيامنا هذه‬
‫)المتكلم هنا هو المؤرخ هيفيلى( اتهامهم الموجه للمبراطور ضد نسطور‪.‬‬
‫وفدقا لهذا التقييم للمر‪ ،‬فإن نسطور لم يجد النزاع قائدما بالفعل في القسطنطينية‪،‬‬
‫ولكنه؛ ولقد كان ‪-‬لكن بطريقة أكثر حذدرا‪ -‬أن دخل بروكلوس أسقف سيزيكوس ضمن‬
‫القائمة‪ .‬كان فيما سبق‪ ،‬كاهدنا على القسطنطينية‪ ،‬وعين بواسطة البطريرك سيسنيوس‬
‫أسقدفا لسيزيكوس‪ .‬لكن سكان تلك المدينة لم يقبلوه‪ ،‬ولذلك استمر يعيش في‬
‫القسطنطينية‪ .‬فبدعوة من نسطور للوعظ في أحد أعياد العذراء عام ‪ 429‬استغل‬
‫الفرصة ليصف‪ ،‬في حضوره‪ ،‬الكرامة والوقار الذى لمريم كوالدة الله في كثير من‬
‫العبارات البليغة والمأخوذة من الكتاب المقدس‪ ،‬وليدافع عن العبارة الموضوعة‬
‫للمساءلة في أسلوب ماهر‪.‬‬

‫عظات نسطور التى أظهر فيها هرطقته‬


‫وجد نسطور أنه من اللزم إلقاء عظة ثانية للتو حتى يححذر‪ ،‬كما قال‪ ،‬من‬
‫كانوا حاضرين ضد تقديم الكرام الزائد لمريم‪ ،‬وضد الرأى الذى يقول أن كلمة ال‬
‫)اللوغوس( يمكن أن يولد مرتين )مرة أزلديا من الب والمرة الثانية من مريم(‪ .‬فقال‬
‫)نسطور( إن ذاك الذى يقول ببساطة إن ال مولود من مريم يجعل من العقيدة‬
‫المسيحية سخرة للوثنيين‪ ،‬لن الوثنيين سوف يجاوبون "ل أستطيع أن أعبد إلدها يولد‬
‫ويموت ويدفن"‪ ...‬هل أقيم الكلمة من الموات؟ إواذا كان معطى الحياة )اللوغوس( قد‬
‫مات‪ ،‬من يمكنه أن يعطى الحياة إدذا؟ إن سر اللوهة يجب أن يعحبر عنه بالسلوب‬
‫التالى‪ً:‬ا "إن الكلمة الذى سكن في هيكل شوكله )كوونه( الروح القدس هو شئ والهيكل‬
‫نفسه المختلف عن ال الساكن فيه هو آخر"‪ .‬في خطاب آخر ألقى بعد ذلك ضد‬
‫بروكلوس؛ شرح أنه يستطيع أن يسمح بتعبير ثيئوطوكوس إذا فهم بالصواب‪ ،‬ولكنه‬
‫أجبر على معارضته لن كلد من الريوسيين والبوليناريين حموا أنفسهم وراءه‪ .‬إن لم‬
‫يتم التمييز بين الطبيعتين بما يكفي‪ ،‬فإن أريوسديا قد يأخذ كل نصوص السفار هذه‬
‫التى تشير إلى الضعة والمذلة التى كانت للمسيح كإنسان‪ ،‬مثل عدم معرفته وغيره‪،‬‬
‫ويحوله إلى طبيعته اللهية ليثبت بها نظريته في أن البن أقل من الب‪.‬‬
‫علوة على ذلك فإن نسطور ينسب لولئك الذين يستخدمون لقب ثيؤطوكوس الرأى‬
‫بأن اللهوت‪ ،‬من وجهة نظرهم‪ ،‬بدأ أولد خلل مريم‪ ،‬وهذا بالطبع لم يؤكده أحد‪ ،‬وأنه‬
‫تجندبا لهذا الرأى يقترح بدلد من عبارة "ال ولد من مريم" أن يسمح بعبارة "ال مر من‬
‫خلل مريم"‪.‬‬
‫هناك مقتطفات لعظة أخرى موجهة كليةد ضد تبادل الخواص )أى تبادل اللقاب‬
‫اللهية والنسانية للسيد المسيح في مقابل خواصه النسانية واللهية( وبالتحديد ضد‬
‫عبارة "تأحلم الكلمة"‪ ،‬ولكن يبقى خطابه الرابع ضد بروكلوس هو الكثر أهمية ويحوى‬
‫الكلمات التالية‪ً:‬ا "إنهم يدعون اللهوت معطى الحياة قابلد للموت‪ ،‬ويتجاسرون على‬
‫إنزال اللوغوس إلى مستوى خرافات المسرح‪ ،‬كما لو كان )كطفل( ملفودفا بخرق ثم بعد‬
‫ذلك يموت‪ ..‬لم يقتل بيلطس اللهوت ‪-‬إنما يحلة اللهوت‪ .‬ولم يكن اللوغوس هو‬
‫الذى يلف بثوب كحتانى بواسطة يوسف الرامى‪ ...‬لم يمت واهب الحياة لنه من الذى‬
‫سوف يقيمه إدذا إذا مات‪ ..‬ولكى يصنع مرضاة البشر اتخذ المسيح شخص الطبيعة‬
‫الخاطئة )البشرية(‪ ..‬أنا أعبد هذا النسان )الرجل( مع اللهوت ومثل آلت صلح‬
‫الرب‪ ..‬والثوب الرجوانى الحى الذى للملك‪ ...‬ذاك الذى تشوكل في رحم مريم ليس ال‬
‫ن‬
‫نفسه‪ ..‬لكن لن ال سكن في ذاك الذى اتخذه‪ ،‬إدذا فإن هذا الذى ا تخمذ أي د‬
‫ضا يدعى ال‬
‫بسبب ذاك الذى اتخذه‪ .‬ليس ال هو الذى تألم لكن ال اتصل بالجسد المصلوب‪...‬‬
‫لذلك سوف ندعو العذراء القديسة ثيئوذوخوس)وعاء ال( وليس )ثيئوطوكوس والدة‬
‫الله(‪ ،‬لن ال الب وحده هو الثيئوطوكوس‪ ،‬ولكننا سوف نوحقر هذه الطبيعة التى‬
‫هى يحلة ال مع ذاك الذى استخدم هذه اليحلة‪ ،‬سوف نفحرق الطبائع ونوححد الكرامة‪،‬‬
‫سوف نعترف بشخص مزدوج ونعبده كواحد"‪.‬‬
‫من كل ما تقدم نرى أن نسطور‪ ...‬بدلد من أن يوححد الطبيعة البشرية بالشخص‬
‫اللهى‪ ،‬هو دائدما يفترض وحدة الشخص النسانى مع اللهوت‪ ...‬لم يستطع أن‬
‫يسمو إلى الفكرة المجردة‪ ،‬أو يفكر في الطبيعة البشرية بدون شخصية‪ ،‬ول اكتسب‬
‫فكرة الوحدة التى للطبيعة البشرية مع الشخص اللهى‪ .‬لذلك فإنه يقول حتدما إن‬
‫المسيح اتخذ شخص البشرية الخاطئة‪ ،‬ويستطيع أن يووحد اللهوت بالناسوت في‬
‫صا كما هو مبوين في كل الصور‬
‫المسيح خارجديا فقط‪ ،‬لنه يعتبر الناسوت شخ د‬
‫والتشبيهات التى يستخدمها‪ .‬إن اللهوت يسكن فقط في الناسوت كما يقول‪ ،‬فالناسوت‬
‫هو مجرد هيكل وحلة للهوت‪ ،‬أما اللهوت فلم يولد من مريم في نفس الوقت مع‬
‫الناسوت‪ ،‬ولكنه محر فقط خلل مريم‪ .‬واللهوت لم يتألم مع الناسوت‪ ،‬ولكنه بقى غير‬
‫متألم في النسان الذى يقاسى اللم‪ ،‬وهذا ل يكون مستطادعا إل إذا كان للطبيعة‬
‫البشرية مرك داز وشخصية خاصة تملكها‪ .‬أما إذا كان الشخصى في المسيح هو‬
‫اللهوت‪ ،‬واللهوت فقط )بمعنى أن شخص المسيح هو نفس شخص كلمة ال(‪ ،‬إدذا‪،‬‬
‫ضا يكون قد دخل في آلمه‪ ،‬والطبيعة البشرية ل‬
‫إذا تألم المسيح يجب أن اللهوت أي د‬
‫ضا )إذا كان‬
‫يمكن أن تتألم وحدها‪ ،‬لنه ل يكون لها كيان شخصى خاص‪ .‬هكذا أي د‬
‫الشخصى في المسيح هو اللهوت‪ ،‬واللهوت فقط( فإن شخص واحد فقط هو الذى‬
‫يمكن أن يولد من مريم‪ ،‬ولن الشخصى في المسيح هو اللهوت فقط )في هذه‬
‫الحالة(‪ ،‬يجب أن يكون هذا قد اشترك في الميلد رغم أنه في ذاته هو غير قابل‬
‫للميلد واللم‪.‬‬

‫كتابات نسطور المتأخرة‬

‫نسب البعض كتاب "بازار هيراقليدس"‪ Bazar of Heracleides‬إلى‬


‫نسطور باعتبار أنه كتبه في منفاه باسم مستعار‪ .‬وقد حاول في هذا الكتاب ‪-‬كما‬
‫يبدو‪ -‬تبرئة نفسه‪ .‬ولكنه ‪-‬على العكس‪ -‬أحكد هرطقته المعروفة في اعتقاده بأن‬
‫شخص يسوع المسيح ليس هو نفسه شخص ابن ال الكلمة‪ .‬أى العتقاد باتحاد‬
‫شخصين اتحاددا خارجديا فقط في الصورة‪ .‬وهذا يهدم كل عقيدة الفداء لن ال الكلمة ل‬
‫يكون هو هو نفسه الفادى المصلوب مخحلص العالم‪ ،‬ول يصير لكلمات يوحنا النجيلى‬
‫ك يكتل ممذن ييذؤنمين بننه مبذل‬
‫ب اللوهي اذلمعالممم محوتى مبمذمل اذبمنهي اذلمونحيمد نلمكذي لم ميذهنل م‬
‫الخالدة "مهمكمذا أممح و‬
‫تميكوين لمهي اذلمحمياةي الممبندويةي" )يو‪ً:3‬ا ‪ (16‬أى معنى‪ .‬بل كيف يتحقق قول الرب بفم نبيه‬
‫و‬
‫ب مولمذيمس مغذينري يممخل ة‬
‫ص" )أش‪ً: 43‬ا‪.(11‬‬ ‫أشعياء "أممنا أممنا الور ت‬

‫وفيما يلى النصوص التى نسبت إلى نسطور في الكتاب المذكور "بازار هيراقليدس "‬
‫‪ً:Bazar of Heracleides‬ا‬

‫‪ -1‬هما شخصان‪ً:‬ا ‪ Two prosopa‬شخص ذاك الذى ألمبس وشخص )الخر(‬


‫الذى لمنبس‪.‬‬
‫‪ -2‬لذلك فإن صورة ال هى التعبير التام عن ال النسان‪ .‬فصورة ال المفهومة من‬
‫يمكن أن نظن أنها الشخص اللهى‪ .‬ال سكن في المسيح وكشف ذاته‬ ‫هذا المنطلق‬
‫للبشر من خلله‪ .‬مع أن الشخصان ‪ Two prosopa‬هما في الحقيقة صورة واحدة‬
‫ل‪.‬‬
‫‪ -3‬يجب أل ننسى أن الطبيعتين يستلزمان أقنومين وشخصين ‪Two persons‬‬
‫)‪ (prosopons‬متحدين فيه بقرض بسيط )‪ (simple loan‬وتبادل‪.‬‬

‫النسطورية أو تعاليم نسطوريوس بطريرك القسطنطينية‬


‫ولكن يقول النبا إيسوذوروس في الخريدة النفيسة في تاريخ الكنيسة ج ‪ 1‬ص‬
‫‪ً:483‬ا "ولما استحوذ على المنصب ورقى إلى هذا المنصب الرفيع‪ ،‬وعظم شأنه سلك‬
‫الكبرياء والعظمة كل مسلك وأعجب بذاته وكان يودما ما يعظ في الكنيسة فوجه خطادبا‬
‫بلدا بدون هرطقة‪ ،‬أمنحك‬
‫نحو المبراطور ثيودوسيوس الثاني وقال له‪ً:‬ا "هبني د‬
‫بديل‪ .‬استأصل أيها المبراطور الهراطقة‪ ،‬وأنا أستأصل معك جنود الفرس‬
‫د‬ ‫السماء‬
‫وأملكك فوق ذلك السماء‪ ...‬فلم يلبث مدة حتى سقط في الهرطقة مجددفا على الكلمة‬
‫المتجسد فميز الله على حدة والنسان على الخرى‪ ،‬وفصل المسيح إلى طبيعتين‬
‫وأقنومين‪ ،‬واستنتج من هذه المقدمات أمرين أحدهما أن العذراء لم تلد سوى النسان‬
‫ولذلك ل يجب أن تلقب بأم الله‪ ،‬والثانى أن الله لم يولد ولم يتألم ولذلك ل ينبغى أن‬
‫يقال إن الله مات"‪.‬‬

‫إنكاره كون السيدة العذراء والدة الله‬


‫وابتدأ فيها بإنكار كون السيدة العذراء والدة الله إذ قال‪ً:‬ا "إني أعترف موقدنا أن‬
‫كلمة ال هو قبل كل الدهور إل أني أنكر على القائل بأن مريم والدة الله فذلك عين‬
‫البطلن لنها كانت امرأة والحال أنه من المستحيل أن يولد ال من امرأة‪ ،‬ول أنكر أنها‬
‫أم السيد المسيح إل أن المومة من حيث الناسوت"‪ ،‬وهو بذلك قوسم السيد المسيح إلى‬
‫شخصين )طبيعتين( معتقددا أن الطبيعة اللهية لم تتحد بالنسان الكامل إوانما ساعدته‬
‫في حياته فقط ‪.‬‬
‫وهذا التفكير قد جرأه على أن يلغى من ترنيمة الثلثة تقديسات الكنسية العبارة‬
‫الخيرة‪ ،‬ومن المعروف في التقليد الكنسي أن الثلثة تقديسات هى التى تمحجد الملئكة‬
‫الرب الله في ملكوت السموات بترتيل ترنيمة الثلثة تقديسات‪ً:‬ا "قيتدوةس قيتدوةس قيتدوةس‬
‫ض" )أش ‪ً:6‬ا ‪ (3‬وقيل إنها تسبحة قديمة ترجع إلى‬ ‫ب اذليجينوند‪ .‬ممذجيدهي نمذليء يكول المذر ن‬
‫مر ت‬
‫عصر الرسل‪ .‬قيل إنه نظمها يوسف الرامي ونيقوديموس عند تطييب جسد السيد‬
‫المسيح إذ ظهر لهما ملك يسبح المصلوب عند دفنه‪.‬‬
‫قدوس ال‪ ،‬قدوس القوى‪ ،‬قدوس الحي الذي ل يموت‪ ،‬الذي ولد من العذراء‪.‬‬
‫ويؤكد النبا إيسوذوروس إلغاء نسطور عبارة "الذي ولد من العذراء" من الثلثة‬
‫تقديسات فيقول‪ً:‬ا "قرأت ذلك في كتاب قديم موجود الن في البطريركية مكتوب عليه‬
‫كعبة أمانة آبائنا السريان كان موجود عند السعيد الذكر عريان بك تادرس"‪.‬‬

‫بداية الانشقاق في القسطنطينية‬


‫كان الشقاق ل يزال مستحكدما في العاصمة بين أتباع أريوس وأتباع‬
‫أبوليناريوس‪ .‬وكان من الطبيعي أن يشترك في الجدل بين هذين المعسكرين بعض‬
‫الكهنة والشمامسة الرثوذكسيين‪ .‬ويستدل مما جاء في بعض المراجع الولية‪ ،‬أن‬
‫كاهنا أنطاكديا من ناحية نسطوريوس يدعى أنستاسيوس تدخل في الجدل القائم وقال‬
‫د‬
‫إن مريم بشر وكبشر ل يمكنها أن تلد إلدها ولذا فإنه ل يجوز القول عنها إنها والدة‬
‫الله ‪ Theotokos.‬وتضيف هذه المراجع نفسها أن نسطوريوس أبى أن يلوم‬
‫أنستاسيوس وأنه تحاشى هو بدوره استعمال التعبير "والدة الله"‪ .‬وجاء في مخلفات‬
‫المجمع المسكوني الثالث أن دوروثيوس أسقف مركيانوبوليس حرم استعمال‬
‫الصطلح "والدة الله" وأن نسطوريوس سكت عن هذا التحريم ولم يقطع دوروثيوس‬
‫من الشركة‪.‬‬

‫المرجع التاريخى لتعبير أم الله‬

‫والصطلح ‪-‬اليمان بـ‪" -‬والدة ال" قديم العهد فيما يظهر‪ .‬فالبابا ألكسندروس‬
‫السكندري استعمله بدون تكلف‪ ،‬وغريغوريوس النزينزي لعن من ل يعتبر مريم أم ال‪.‬‬
‫ورأى نسطوريوس أن هذا الصطلح لم يرد في السفار المقدسة وأن الباء لم‬
‫يستعملوه في نيقية‪ .‬وذكر القول النيقاوي "ابن ال تجسد من الروح القدس ومريم‬
‫العذراء" فرأى في هذا اعت اردفا بطبيعتين‪ ،‬طبيعة ابن ال المساوي للب في الجوهر‬
‫طا بين‬
‫وطبيعة النسان المولود من العذراء‪ .‬فرأى في الصطلح "والدة الله" خل د‬
‫اللهوت والناسوت‪ .‬واقترح القول "والدة المسيح"‪.‬‬
‫اللهوت والناسوت‪ً:‬ا عولمت الكنيسة منذ البدء أن مخلصنا الوحيد إله كامل إوانسان‬
‫كامل رب واحد لمجد ال الب‪ .‬فقام أريوس وأنكر على الكنيسة العتقاد بطبيعة‬
‫فعقد المجمع المسكوني الول وحكمت الكنيسة عليه وعلى‬
‫لهوت الكلمة المتأنس‪ ،‬ي‬
‫تعليمه وقررت حقيقة كمال لهوت المخلص‪ .‬ثم قام أبوليناريوس وقال بنقص في‬
‫طبيعة المسيح البشرية‪ ،‬فعولم أن اللهوت في المسيح قام مقام العقل في النسان؛‬
‫فعقدت الكنيسة المجمع المسكوني الثاني وحكمت على أبوليناريوس وقررت حقيقة‬
‫كمال ناسوت المخلص‪.‬‬
‫ولما لم تقم الكنيسة بتحديد هذا الفرق بعبارات مضبوطة تشير فيها إلى وجه‬
‫العلقة بين الطبيعتين اللهية والبشرية‪ ،‬ووجه الاتحاد بين اللهوت والناسوت في‬
‫المسيح‪ .‬فأدى هذا إلى تفاوت في فهم التعبير ونشأ عنه اختلف في التعليم وخصام‬
‫ونزاع أفضى فيما بعد إلى النشقاق النسطوري والوطاخي‪.‬‬

‫النسطورية أو تعاليم نسطوريوس بطريرك القسطنطينية التى حرمها‬


‫المجمع المسكونى فى أفسس ‪431‬م‬
‫‪ -1‬رفض عقيدة الاتحاد حسب الطبيعة "كاتا فيزين" أي رفض الاتحاد بين اللهوت‬
‫والناسوت ‪.‬‬
‫‪ -2‬اعتبار أن العلقة بين اللهوت والناسوت هي اتصال ‪ Conjoining‬وليس‬
‫اتحاد‪. Union‬‬
‫‪ -3‬اعتبار أن الكلمة ابن ال‪ ،‬وأن يسوع هو ابن العذراء مريم‪ .‬والتعليم بابنين‬
‫وأقنومين )ابن ال–ابن النسان(‪.‬‬
‫‪ -4‬اعتبار أن الإنسان يسوع مختار من الكلمة وقد أنعم عليه ال الكلمة بكرامته‬
‫وألقابه ولذلك نعبده معه بعبادة واحدة‪.‬‬
‫‪ -5‬يرفض تسمية السيدة العذراء والدة الله ويسميها "أم المسيح"‪ ....‬يرفض‬
‫"ثيئوطوكوس" وينادي بـ "خرستوطوكوس" )والدة المسيح النسان(‪ .‬ويقصد بالمسيح‬
‫الثاني وليس المسيح الول لنه يعلم بمسيحين‪.‬‬
‫‪ -6‬إن ال ليس هو الفادي‪ً:‬ا وبالتالي يفقد الفداء قيمته وفاعليته ول محدوديته !!‬
‫وعن هذا نقول إنه إذا لم يكن يسوع المسيح هو هو نفسه ال الكلمة فما قيمة صلب‬
‫يسوع المسيح؟‬
‫لقد قال القديس بولس الرسول إن‪ً:‬ا "مييسوعي اذلممنسييح يهمو يهمو أمذمساد مواذلميذومم م إوناملى الممبند" )عب‬
‫و‬
‫ص" )أش‪ً: 43‬ا‬ ‫ب مولمذيمس مغذينري يممخل ة‬ ‫‪ً: 13‬ا ‪ ،(8‬وقال الرب في سفر إشعياء "أممنا أممنا الور ت‬
‫‪.(11‬‬
‫‪ -7‬رفض التحاد القنومي )‪ً:(Hypostatic Union‬ا‬
‫ذلك لن نسطور قد جعل في المسيح أقنومين منفصلين ومتمايزين فكما أنه رفض‬
‫الوحدة بحسب الطبيعة هكذا رفض الوحدة بحسب القنوم‪ ،‬واعتبر أن الكلمة قد اتخذ‬
‫صا من البشر واتصل به في وحدة خارجية بحسب الشخص الخارجي أو الهيئة‪،‬‬
‫شخ د‬
‫التي هي في نظره صورة ال التي اتحدت بصورة النسان يسوع المسيح الذي سكن فيه‬
‫الكلمة ووحده بكرامته وأسبغ عليه بألقابه‪.‬‬
‫وتعليم القديس كيرلس يقول إنه ل يوجد شخص بشري اتحد به أقنوم الكلمة‪ ،‬وإن‬
‫كلمة ال بحسب ألوهيته هو غير متألم ولكن ابن ال تألم بالجسد أو حسب الجسد‪.‬‬
‫جاء بشخصه أي أن آلم الجسد هي آلمه هو‪ .‬وهكذا نسب إلى شخصه اللم‬
‫والموت‪.‬‬
‫دخوله إلى المجد معناه أن يتمجد جسده بمجد اللهوت‪.‬‬
‫السيد المسيح أخفى مجده إلى القيامة ومن بعدها الصعود‪.‬‬
‫وهكذا يدخل المسيح من مجد إلى مجد‪.‬‬
‫قال القديس أثناسيوس في رسالته إلى إبكتيتوس‪ً:‬ا "يا للعجب أن كلمة ال‬
‫المتجسد هو في آن واحد متألم وغير قابل لللم"‪ .‬وقال أيضدا في نفس الرسالة‪ً:‬ا "لقد‬
‫جاء الكلمة في شخصه الخاص"‪ ،‬وقال في الفصل التاسع من كتاب تجسد الكلمة‪ً:‬ا "إن‬
‫كلمة ال إذ لم يكن قادردا أن يموت أخذ جسددا قابلد للموت‪ ،‬لكي باتحاده بالكلمة الذي‬
‫هو فوق الكل يصير جدي دار أن يموت نيابة عن الكل"‪.‬‬
‫بالتحاد بكلمة ال غير المحدود صار الجسد المحدود يموت نيابة عن الكل‪ ...‬نقل‬
‫كلمة ال إليه )أي إلى الجسد( الجدارة أو الاستحقاق‪ .‬وما يخص الجسد ننسبه إلى‬
‫كلمة ال مثل الميلد واللم‪ .‬إننا ننسب غير المحدودية إلى الذبيحة على الصليب‪،‬‬
‫لن الاستحقاقات الدبية للكلمة تخص هذه الذبيحة‪ .‬الطبيعة الواحدة المتجسدة ل‬
‫الكلمة تجمع خصائص الطبيعتين بغير امتزاج ولم تنهدم خصائص الطبيعتين بسبب‬
‫التحاد ولكن كل هذه الخصائص تنسب إلى كلمة ال المتجسد الواحد لسبب اتحاد‬
‫الطبيعتين‪.‬‬
‫إنه اتحاد يفوق الوصف والدراك ولكنه اتحاد حقيقي ل يمكن أن ينفصل‪.‬‬
‫وفي القسمة السريانية نقول‪ً:‬ا }لهوته لم ينفصل قط ل عن جسده ول عن نفسه هكذا‬
‫نؤمن وهكذا نعترف وهكذا نصدق‪ ..‬واحد هو عمانوئيل إلهنا وغير منقسم من بعد‬
‫التحاد‪ ،‬وغير منفصل إلى طبيعتين{‪.‬‬
‫بعض من تعاليم نسطور‬
‫رفض التحاد بين الطبائع‪.‬‬
‫ال منزه عن التجسد‪.‬‬
‫ال منزه عن التصال والتحاد بالمادة‪.‬‬
‫اللهوت يتصل بالروح الإنسانية كوسيط وليس بالجسد الإنساني للمسيح‪.‬‬
‫اللهوت اتصل بروح المسيح لذلك فالتصال بالجسد هو اتصال بوسيط‪.‬‬
‫الفصل بين الطبيعتين وتوحيد الكرامة‪.‬‬
‫الإنسان وال يعبدا معا لن ال الكلمة أعطى للمسيح النسان ألقابه‪.‬‬
‫قديسا‪ ،‬فقد اختاره وأنعم عليه بألقابه‬
‫كلمة ال إذ علم بسابق علمه أن يسوع سوف يكون د‬
‫اللهية‪ ،‬موحددا إياه معه في الكرامة‪ .‬وأنه قد رافقه في البطن‪ ،‬وفي الميلد والصلب‬
‫وقواه ثم أقامه من الموات‪ ،‬أي أن المسيح الكلمة يرافق المسيح النسان‪.‬‬
‫ومن الواضح من القوال التي ذكرها القديس كيرلس عن نسطور أن نسطور قد عحلم‬
‫بابنين ومسيحين الواحد منهما ال والكلمة والخر إنسان‪ ،‬وقد نتج عن الهرطقة‬
‫النسطورية أمران خطيران‪ً:‬ا‬
‫أولي‪ً:‬ا إنزال يسوع الناصري إلى مرتبة نبي أو إنسان قديس حل عليه أقنوم الكلمة بعد‬
‫أن اختاره بسابق علمه وقحواه‪ .‬وقد رفض القديس كيرلس هذا التعليم الذي ظهر أثره‬
‫جليا بعد ذلك في القرن السابع الميلدي‪.‬‬
‫د‬
‫ثانييا‪ً:‬ا الشرك بال في العبادة بأن ييعبد إنسان مع ال بعبادة واحدة نتيجة أن ال قد‬
‫أعطى هذا النسان كرامة مساوية لكرامة ال‪ ،‬وهذا قد فتح الطريق لرفض المسيحية‬
‫بعد ذلك‪.‬‬
‫عند جماعات كبيرة من الناس قينبل المر الول باعتباره شيء ممكن ويرنفض المر‬
‫الثاني باعتباره نشرك بال وكفر‪ ،‬وبهذا قدم نسطور أسوأ صورة للمسيحية تؤدي إلى‬
‫رفض ما فيها من حق وقبول ما هو ليس فيها في آن واحد‪.‬‬
‫لذلك فإن نسطور قدم المسيحية بصورة يسهل مهاجمتها ورفضها‪.‬‬
‫وبناء على التعليم النسطوري يترتب أنه لما فارق الروح الجسد على الصليب‪ ،‬أي فارق‬
‫نهائيا‪.‬‬
‫اللهوت المتصل بالروح الجسد‪ ،‬أصبح جسددا غير متصل باللهوت د‬
‫تاما في حال موت السيد المسيح‪.‬‬
‫فصل د‬
‫د‬ ‫صل اللهوت عن الجسد‬
‫فف م‬
‫ضا‪.‬‬
‫لم يكتف بفصل الطبائع من جهة التحاد بل فصل التصال أي د‬
‫هذه هى البدعة )الهرطقة( النسطورية التي حرمها المجمع المسكوني في أفسس‬
‫‪ 431‬م‪:‬‬

‫رؤية موجزأة لفكر نسطور العقائدي‬


‫ثمة إشكاليتان أساسيتان في فكر نسطور اللهوتي‪ ،‬وسوف نتعرض لهما بصورة‬
‫موجزة‪ً:‬ا‬

‫موقف نسطور من مفهوم والدة الله ‪theotokos‬‬


‫من الواضح أن نسطور لم يكن هو –ول حتى صديقه أناستاسيوس– أول من‬
‫واجه هذا التعبير‪ ،‬إذ قد تعرض له ديودوروس الطرسوسي وثيودوروس الموبسيوستي‬
‫قليل من معلمه ديودوروس– تبعدا لمدرسة‬
‫وكلهما رفضه – إوان كان ثيودوروس أقل د‬
‫أنطاكية في تصورها الكريستولوجي كما أسلفنا القول‪.‬‬
‫وفي رأي نسطور فإن كلمة "ثيوطوكوس" لم تميز بدرجة كافية بين الناسوت‬
‫واللهوت في المسيح‪ .‬ولقد قال في خطبته الولى‪ً:‬ا "إنهم يسألون إن كان من الممكن‬
‫أن تدعى مريم والدة الله‪ .‬لكن هل ل أم إذاد؟ وفي هذه الحالة يجب أن نعذر الوثنية‬
‫التي تكلمت عن أمهات لللهة‪ .‬لكن بولس عندها يكون كاذباد لما قال عن لهوت‬
‫المسيح )عب ‪ً:7‬ا ‪ (3‬أنه بل أب‪ ،‬بل أم‪ ،‬بل نسب‪ .‬ل يا أعزائي لم تحمل مريم ال‪..‬‬
‫المخلوق لم يحمل الخالق إنما حملت النسان الذي هو أداة اللهوت‪ .‬لم يضع الروح‬
‫القدس الكلمة‪ ،‬لكنه أمد له من العذراء المطوبة هيكلد حتى يمكنه سكناه‪ ..‬أنا أكرم‬
‫هذه الحلة التي استفاد منها من أجل ذلك الذي احتجب في داخلها ولم ينفصل عنها‪..‬‬
‫أنا أفرق الطبائع وأوحد الكرامة‪ .‬تبصر في معنى هذا الكلم‪ .‬إن ذاك الذي تشكل في‬
‫د‬
‫أيضا‬ ‫خذ‬
‫الممت م‬
‫رحم مريم لم يكن ال نفسه لكن ال اتخذه‪ ..‬وبسبب ذاك الذي اتخذ فإن ي‬
‫يدعى ال‪".‬‬

‫فكرة التحاد بين شخصين في المسيح‬


‫هناك من يرى أن مشكلة نسطور الرئيسية هي في أنه آمن بأن ثمة شخصين‬
‫مستقلين في المسيح وأن ما حدث هو اتحاد خارجي فقط في الصورة‪ ،‬مثلما قال بذلك‬
‫ديودوروس الطرسوسي‪ .‬وربما يظهر ذلك بوضوح من الفقرة المقتبسة فيما يتعلق‬
‫بالميلد من العذراء مريم في الفكرة السابقة‪ .‬وفي خطبة أخرى نقلت عنه قال فيها‪ً:‬ا‬
‫"إنهم يدعون اللهوت معطي الحياة قابلد للموت‪ ،‬ويتجاسرون على إنزال اللوجوس‬
‫إلى مستوى الخرافات المسرح‪ ،‬كما لو كان )كطفل( ملفوفاد بخرق ثم بعد ذلك يموت‪..‬‬
‫لم يقتل بيلطس اللهوت –بل حلة اللهوت‪ .‬ولم يكن اللوجوس هو الذي لف بثوب‬
‫كتاني بواسطة يوسف الرامي‪ ..‬لم يمت واهب الحياة لنه من الذي سوف يقيمه إذا‬
‫مات‪ ..‬ولكي يصنع مرضاة البشر اتخذ المسيح شخص الطبيعة البشرية‪ ..‬أنا أعبد‬
‫هذا النسان مع اللهوت ومثل آلت صلح الرب‪ ..‬والثوب الحي الذي للملك‪.‬‬

‫بداية وصأراع ونصرة مجمع أفسس‬


‫الدعوة لنعقاد المجمع‬
‫لم تمر مدة طويلة على بداية الصراع النسطورى حتى تم اقتراح عقد مجمع‬
‫ضا نسطور‪ .‬ففي‬
‫مسكوني لتسويته‪ ،‬وقد طلب ذلك بوضوح كل من الرثوذكس وأي د‬
‫ضا في خطاب‬
‫خطاب نسطور الثالث إلى البابا كليستين ذكر هذا المر‪ ،‬وكذلك أي د‬
‫رهبان القسطنطينية إلى المبراطور الذى ذكروا فيه شكواهم من سوء معاملة نسطور‬
‫ضا على رغبة ملحة في طلب هذا العلج الكنسى‪ .‬وصل المبراطور‬
‫لهم‪ ،‬واحتوى أي د‬
‫ثيئودوسيوس الثانى إلى القسطنطينية يوم ‪ 19‬نوفمبر عام ‪430‬م‪ ،‬قبل بضعة أيام من‬
‫ضا أى فالنتينيان الثالث‪،‬‬
‫حرومات كيرلس‪ ،‬وأصدر منشودار عليه اسم زميله الغربى أي د‬
‫وموجه لجميع المطارنة فيه يدعوهم لجتماع مسكونى في أفسس في عيد الخمسين من‬
‫السنة التالية وأضاف بأن على كل منهم أن يحضر معه من وليته بعض الساقفة‬
‫المساعدين‪ ،‬وأن كل من يصل متأخ دار سيكون مسئولد مسئولية جسيمة أمام ال‬
‫والمبراطور‪...‬‬
‫كيرلــس مــن جــانبه وجــد أنــه مــن الضــرورى أن يســأل البابــا كليســتين عمــا إذا كــان‬
‫ينبغــى أن ييســمح لنســطور بالحضــور إلــى المجمــع المقــترح كعضــو‪ ،‬أم أن الحكــم الــذى‬
‫صدر ضده بالعزل‪ ،‬بعد انقضاء الفترة الزمنية المسموح بها للتخلى علدنا عــن معتقــده‪ ،‬مــا‬
‫زال تأثيره قائدما‪ .‬هذا الخطاب مفقـود حالديـا‪ ،‬ولكـن لـدينا رد البابـا كليسـتين بتاريـخ ‪ 7‬مـايو‬
‫عام ‪431‬م‪ ،‬الذى يعطى برهادنــا جميلد علـى ميـوله لمحبــة السـلم‪ ،‬وفيـه يقــول بـأن الـ ل‬
‫يشاء موت الخاطئ ولكن رجوعه‪ ،‬وبأن كيرلس ينبغى أن يعمل كل ما في وسعه لعــادة‬
‫سلم الكنيسة وكســب نسـطور للحقيقـة‪ .‬إواذا كــان نسـطور قـد عقــد العـزم ضـد ذلـك‪ ،‬عليـه‬
‫أن يحصـ ــد مـ ــا قـ ــد زرعـ ــه بمسـ ــاعدة إبليـ ــس‪ .‬وفـ ــي خطـ ــاب ثـ ــانل مـ ــوجه إلـ ــى المـ ــبراطور‬
‫ثيئودوسيوس في ‪ 15‬مـايو عـام ‪431‬م‪ ،‬يقـول البابــا كليسـتين إنـه لــن يتمكــن مــن حضــور‬
‫المجمع شخصديا ولكن سيحضره بواسـطة منـدوبيه‪ .‬ول ينبغـى أن يسـمح المـبراطور بـأى‬
‫ابتداعات أو تعكير لسلم الكنيسة‪ ،‬وبأنه ينبغى أن ينظر إلى مصــالح اليمــان أكــثر مــن‬
‫مص ــالح الدول ــة‪ ،‬وإل ــى س ــلم الكنيس ــة ك ــأهم م ــن س ــلم الم ــم )ال ــدول(‪ .‬وفيم ــا يخت ــص‬
‫بمندوبيه في المجمع‪ ،‬فقد عحين البابا أسقفين هما أركـاديوس وبروجيكتـوس ومعهمـا القـس‬
‫ضا أن يأخذوا جانب كيرلس بالكامل‪ ...‬بعد انتهــاء المجمــع ينبغــى‬
‫فيليبس وأعطاهم تفوي د‬
‫عم ــل تقيي ــم‪ ،‬إذا انتص ــر اليم ــان الق ــديم وذه ــب كيرل ــس للم ــبراطور ف ــي القس ــطنطينية‪،‬‬
‫ضا إلى هناك ويسحلموا للمير الموجزات البابويــة‪ .‬ولكــن إذا لــم يتــم‬ ‫ينبغى أن يذهبوا هم أي د‬
‫التوصــل إلــى قـرار نســلمى‪ ،‬كــان ل ازدمــا عليهــم أن يقــرروا مــع كيرلــس مــا ينبغــى عملــه‪ .‬هــذا‬
‫الخطــاب البــابوى الــذى كــان عليهــم عرضــه أمــام المجمــع بتاريــخ ‪ 8‬مــايو عــام ‪431‬م‪،‬‬
‫يشرح أولد ببلغة مهمـة السـاقفة فـي أن يصـونوا اليمـان الصـحيح‪ ،‬ثـم فـي الختـام يكمـل‬
‫قائلد‪ً:‬ا "على المنـدوبين أن يحضــروا فــي جلسـات المجمــع ويطبقـوا مـا قــرره البابــا منـذ مــدة‬
‫طويلــة فيمــا يختــص بنســطور‪ ،‬لنــه ل يشــك بــأن الســاقفة المجتمعيــن ســيوافقون علــى‬
‫ذلك"‪.‬‬
‫كما لم يستطع البابا كليستين‪ ،‬هكذا لم يستطع أى من الباطرة الحضور شخصديا‬
‫إلى أفسس‪ ،‬لذلك عحين ثيئودوسيوس الثانى‪ ،‬باسمه الخاص وباسم زميله فالنتينيان‬
‫الثالث‪ ،‬الكونت كانديدان قائد الحرس الشخصي للبلط كحامي للمجمع‪ .‬وفي المرسوم‬
‫الذى وجهه إلى المجمع عن هذا الموضوع‪ ،‬يقول إن كانديدان لن يشارك بطريقة مباشرة‬
‫صا ل‬
‫في المناقشات على النقاط المتصارع عليها في اليمان؛ فليس من اللئق أن شخ د‬
‫ينتمى إلى عداد الساقفة أن يورط نفسه في فحص وتقرير خلفات لهوتية‪ .‬على‬
‫العكس من ذلك‪ ،‬كان على كانديديان أن ينقل من المدينة الرهبان والعلمانيين الذين أتوا‬
‫إلى أفسس أو ينبغى أن يأتوا فيما بعد من قبل حب الستطلع‪ ،‬حتى ل تعم الفوضى‬
‫والبلبلة بسبب هؤلء الذين لم تكن هناك حاجة إليهم في فحص العقائد المقدسة‪ .‬وكان‬
‫ضا أن يراقب حتى ل تؤدى المناقشات بين أعضاء المجمع إلى منازعات عنيفة‬
‫عليه أي د‬
‫ضا كان عليه أن يرى أن كل بيان‬
‫تعوق الفحص الصحيح للحقيقة؛ وعلى النقيض أي د‬
‫ينبغى أن ييسمع بعناية‪ ،‬وأن كل واحد يقدم رأيه أو اعتراضاته بدون أى معوقات‪ ،‬حتى‬
‫يمكن الوصول في النهاية إلى قرار يتخذ بالجماع بسلم بواسطة المجمع المقدس‪.‬‬
‫وفوق كل هذا‪ ،‬كان على كانديديان أن ينتبه بأل يحاول أحد أعضاء المجمع الرجوع‬
‫إلى بلده أو إلى المحكمة أو إلى أى مكان آخر قبل ختام محضر الجلسة‪ .‬بالضافة‬
‫إلى ذلك كان عليه أل يسمح بعرض أى خلف آخر أمام المجمع للحكم فيه قبل تسوية‬
‫النقطة الساسية للعقيدة‪ .‬علوة على ذلك فقد أعطى المبراطور تعليمات بأل ييسمح‬
‫بتوجيه أى اتهامات مدنية ضد أى عضو في المجمع‪ ،‬سواء أمام المجمع نفسه أو أمام‬
‫محكمة العدل في أفسس؛ ولكن أثناء هذا الوقت فقط تكون المحكمة العليا في‬
‫القسطنطينية هى المحكمة المسئولة عن مثل هذه الحالت‪ .‬وأخي دار فإن كوندتا إمبراطورديا‬
‫آخر هو إرينيئوس سوف يأتى إلى أفسس ولكن فقط لمرافقة صديقه ومحبوب ال‬
‫السقف نسطور‪ ،‬ولذلك ل ينبغى له أن يشارك في جلسات المجمع ول في مهمة‬
‫كانديديان‪.‬‬
‫وطبدقا للوامر المبراطورية‪ ،‬كان يجب أن يبدأ المجمع في عيد الخمسين الموافق‬
‫‪ 7‬يونيو من عام ‪431‬م وكان نسطور مع أساقفته الستة عشر بين الوائل الذين وصلوا‬
‫أفسس‪ .‬وكما لو كان ذاهدبا إلى معركة‪ ،‬كان يرافقه عدددا كبي دار من الرجال المسلحين‪.‬‬
‫بعد ذلك بوقت قصير‪ ،‬أربعة أو خمسة أيام قبل عيد الخمسين‪ ،‬وصل كيرلس ومعه‬
‫خمسون أسقدفا‪ ،‬ونصفهم تقريدبا لهم حق التصويت؛ ل يزال هناك خطابين قصيرين‬
‫كتبهم إلى كنيسته‪ ،‬واحد منهم كتبه في الرحلة إلى رودس‪ ،‬والخر كتبه بعد وصوله‬
‫أفسس مباشرة‪ .‬يقول في الخطاب الخير بالتحديد إنه ينتظر الفتتاح الفعلى للمجمع‬
‫بلهفة‪ .‬وبعد عيد الخمسين ببضعة أيام‪ ،‬وصل جوفينال أسقف أورشليم وفلفيان أسقف‬
‫ضا قد جمع حوله‬
‫تسالونيكى مع أساقفتهم؛ ورئيس الساقفة ممنون أسقف أفسس‪ ،‬هو أي د‬
‫أربعين أسقفدا مساعددا واثنى عشر أسقدفا من بامفيليا‪ .‬وبينما كانوا في انتظار وصول‬
‫الخرين‪ ،‬دارت مناقشة أولية مستفيضة عن نقطة النقاش‪ ،‬وقد حاول كيرلس بصفة‬
‫خاصة أن يحاصر نسطور بواسطة أدلة قاطعة وأن يكسب أصدقاء للعقيدة السليمة‪.‬‬
‫ل‪ً:‬ا "لن أدعو أبددا‬
‫وحدث في ذلك الوقت أن سمح نسطور لنفسه أن يصرخ بتعجب قائ د‬
‫طفلد عمره شهرين أو ثلثة ال‪ ،‬ولن تكون لى صلة بكم مرة أخرى"‪ .‬وفي نفس الوقت‬
‫أظهر بوضوح طبيعة هرطقته‪ ،‬المعروفة إلى يومنا هذا‪ ،‬وقد حاول بطرق شتى أن‬
‫ضا أظهر عناده الذى لم يترك أى أمل في إذعانه لقرار المجمع‪.‬‬
‫يخفيها‪ ،‬وأي د‬

‫الجلسة الولى ‪ 22‬يونيو ‪ – 431‬الرئاسة‬


‫وعدد الحاضرين‬
‫كان ينتظر وصول أحد البطاركة وهو بالتحديد يوحنا النطاكى‪ .‬وقد قال إن‬
‫أساقفته لن يتمكنوا من ترك إيبارشياتهم قبل أحد التجديد ثم إنهم محتاجون إلى اثنى‬
‫عشر يودما للسفر إلى أنطاكية إوالى تسعة وثلثين يودما منها إلى أفسس وبالتالى لن‬
‫يتمكنوا من الوصول إل بعد مضى بضعة أيام بعد عيد الخمسين‪ .‬وأخي دار بحلول عيد‬
‫الخمسين وصل يوحنا في منطقة بالقرب من أفسس وأرسل إلى كيرلس خطادبا‪ ،‬ما زال‬
‫موجوددا‪ ،‬مملودءا وددا‪ ،‬وبحين له أن طول الطريق ونفوق عدد من الخيل قد عطل الرحلة‪،‬‬
‫ولكن على الرغم من ذلك هو قريب من المكان وسيحضر إلى أفسس في خلل خمسة‬
‫أو ستة أيام‪ .‬وبالرغم من ذلك فقد انتظروا ستة عشر يودما ثم جاء اثنين من مطارنة‬
‫بطريركية أنطاكية‪ً:‬ا هما ألكسندر أسقف أباميا وألكسندر أسقف هيرابوليس وأوضحوا‬
‫م اردار بأن يوحنا قد طلب منهم أن يقولوا إنهم ل ينبغى أن يؤجلوا افتتاح المجمع بسببه‪،‬‬
‫ولكن في حالة ضرورة تأخره أكثر من ذلك‪ ،‬عليهم أن يفعلوا ما يجب عمله‪ .‬وعندئذ‬
‫استنتجوا من ذلك أن البطريرك يوحنا كان ينوى أن يتجنب حضوره شخصديا وقت إدانة‬
‫كاهنه السابق وصديقه نسطور‪ .‬هنا قرر كيرلس وأصدقاؤه افتتاح المجمع فودار‬
‫واجتمعوا من أجل هذا الغرض يوم ‪ 28‬من الشهر القبطى بؤونه )‪ 22‬يونيو( عام‬
‫‪431‬م‪ ،‬في كاتدرائية أفسس‪ ،‬التى كانت مناسبة جددا لمثل هذا الجتماع‪ ،‬وكانت مدشنة‬
‫على اسم والدة الله‪ .‬في اليوم السابق‪ ،‬يكلف عدد من الساقفة بالذهاب إلى نسطور‬
‫ل‪ً:‬ا‬
‫ودعوته لحضور الجلسة‪ ،‬ليعرض تصريحاته ومعتقداته‪ .‬في أول المر أجاب قائ د‬
‫"سآخذ ذلك في العتبار"‪ .‬مع ذلك‪ ،‬عندما أرسل المجمع مندودبا آخر يوم ‪ 22‬يونيو‪،‬‬
‫طا بجنود منعوا الساقفة‬
‫يوم الفتتاح‪ ،‬إلى منزله بأمر من كانديديان‪ ،‬وجدوه محا د‬
‫بتهديدات بالضرب من الدخول‪ ،‬وأرسل نسطور لهم قائلد بأنه "سيحضر بمجرد أن‬
‫يجتمع جميع الساقفة"‪ .‬ولمرة ثالثة أرسل المجمع بعض الساقفة إليه‪ ،‬ولكنهم لم يتلقوا‬
‫رددا بل يعوملوا بإهانة من الجنود الحراس الموجودين داخل المنزل وخارجه‪ .‬وقبل هذه‬
‫الحداث أرسل ‪ 68‬أسقدفا من آسيا من بينهم بصفة خاصة ثيئودوريت أسقف قورش‬
‫وألكسندر أسقف أباميا وألكسندر أسقف هيرابوليس خطادبا إلى كيرلس وجوفينال يقولون‬
‫فيه إنهم سيكونون سعداء لتأجيل افتتاح المجمع لحين وصول أساقفة أنطاكية‪ .‬ورغم‬
‫ذلك فقد حضر في ذلك الحين المندوب المبراطورى كانديديان بنفسه إلى مكان‬
‫الجتماع من أجل قراءة المراسيم المبراطورية ومن أجل الحتجاج على افتتاح المجمع‬
‫الفورى‪ .‬وقد تم تجاهل طلبه بالنتظار أربعة أيام أخرى‪ ،‬وبدأت الجلسة الولى المهيبة‬
‫ضا يمثل بابا روما‪ ،‬كما تنص دقائق الجلسة بوضوح‪.‬‬
‫تحت رئاسة كيرلس الذى كان أي د‬
‫وحضر من البداية ما ل يقل عن ‪ 160‬أسقفدا‪ ،‬وعندما قدمت )في الجلسة الولى( وثيقة‬
‫العزل للتوقيع‪ ،‬زاد عددهم إلى ‪ .198‬وقد انحاز للمجمع عشرون أسقدفا آسيوديا من‬
‫الثمانية والستين‪ ،‬كما يتضح من مقارنة السماء مع توقيعات المراسيم المجمعية‪ .‬كان‬
‫أول شئ تم عمله في المجمع هو قراءة الخطاب المبراطورى الخاص بدعوة جميع‬
‫المطارنة‪ ،‬وقد اقترح ذلك القس بطرس السكندرى‪ ،‬الذى كان يعمل كموثق عام أثناء كل‬
‫المجمع‪ ،‬وخارجديا كان يشرف على ترتيبات العمل‪ .‬هنا أشار ممنون أسقف أفسس بأنه‬
‫قد مضت ستة عشر يودما على المدة المحددة للفتتاح؛ وشرح كيرلس بأنه حتى طبدقا‬
‫لمر المبراطور الواضح؛ كان عليهم أن يبدأوا الجلسات بدون تأخير احت اردما لليمان‪.‬‬
‫وعند ذلك‪ ،‬أشاروا إلى الدعوة الولى التى أرسلت إلى نسطور في اليوم السابق‪ ،‬ثم إلى‬
‫الوفدين الثانى والثالث اللذين تم إرسالهما له وسبق الشارة إليهما‪ .‬وتقارير الساقفة‬
‫الموفودين الذين رجعوا والتى تم استلمها‪ .‬وحيث أن نسطور قرر تجنب الظهور‪،‬‬
‫واصلوا بناء على اقتراح جوفينال دراسة موضوع العقيدة وبدأوا بقراءة قانون اليمان‬
‫النيقاوى‪ .‬ثم ق أروا رسالة كيرلس الثانية إلى نسطور التى شرح فيها عقيدة التحاد‬
‫القنومى للهوت والناسوت في المسيح‪ .‬ورددا على سؤال من كيرلس عما إذا كانت‬
‫رسالته هذه متوافقة مع محتويات قانون اليمان النيقاوى‪ ،‬أجاب جميع الساقفة‬
‫الموجودين بالإيجاب إواجماعديا وعلى قدر كبير بمديح كيرلس‪ ،‬ومن ضمنهم ‪126‬‬
‫أسقدفا أجابوا بعبارات قصيرة ما زالت محفوظة )تشرح تصويتهم(‪ .‬ثم جاء دور قراءة‬
‫الخطاب الذى أرسله نسطور رددا على خطاب كيرلس الذى سبق ذكره‪ ...‬وبعد أن أعلن‬
‫أربعة وثلثون أسقدفا بأصوات مؤكدة عدم توافق )خطاب نسطور( مع قانون اليمان‬
‫النيقاوى‪ ،‬صرخ جميع الساقفة مدعا‪ً:‬ا "إذا لم يحرم أى شخص نسطور فليكن هو نفسه‬
‫محرودما‪ ،‬إن اليمان الصحيح يحرمه والمجمع المقدس يحرمه‪ .‬إواذا كان لى شخص‬
‫شركة مع نسطور فليكن محرودما‪ .‬نحن جميدعا نحرم رسائل وعقائد نسطور‪ ،‬نحن جميدعا‬
‫ينحرم نسطور الهرطوقى وأتباعه وعقيدته المضادة للتقوى‪ ،‬نحن جميدعا نحرم نسطور‬
‫غير التقى الخ‪"..‬‬
‫بعد ذلك تم قراءة وثيقتين أخريين وهما تحديددا خطاب كليستين والمجمع‬
‫الرومانى‪ ،‬وخطاب كيرلس السكندرى إلى نسطور؛ وتم سؤال الربعة من الكليروس‬
‫الذين أرسلهم كيرلس ليسلموا هذه الوثيقة إلى نسطور عن نتيجة مهمتهم‪ .‬وقد أجابوا بأن‬
‫نسطور لم يعطهم رددا على الطلق‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فمن أجل التأكد من أنه ما زال مصممدا‬
‫على خطئه‪ ،‬تم سؤال أسقفين‪ً:‬ا ثيئودوتس أسقف أنقرة ‪ Ancyra‬وأكاكيوس أسقف‬
‫ميليتين إذ كانت تربطهم بنسطور صداقة شخصية‪ ،‬وكانوا خلل الثلثة أيام الماضية‬
‫في مناقشات اعتيادية معه‪ ،‬محاولين أن يحولوه عن خطئه‪ ..‬لكنهم أعلنوا للسف أن‬
‫جميع مجهوداتهم معه كانت سدى‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬بناء على اقتراح مقدم من فلفيان أسقف فيلبى ومن أجل تقديم النقطة‬
‫العقائدية موضوع النقاش لدراسة شاملة‪ ،‬وفي ضوء أدلة الباء‪ ،‬تم قراءة عدددا من‬
‫كتابات آباء الكنيسة‪ ،‬التى تم التعبير فيها عن اليمان القديم بخصوص اتحاد اللهوت‬
‫والناسوت في المسيح‪ .‬كانت تلك بيانات لراء بطرس أسقف السكندرية‪ ،‬والقديس‬
‫أثناسيوس‪ ،‬والبابا يوليوس الول‪ ،‬والبابا فيليكس الول‪ ،‬وثيئوفيلوس رئيس أساقفة‬
‫السكندرية‪ ،‬وكبريان‪ ،‬وأمبروسيوس‪ ،‬وغريغوريوس النيازيانزى‪ ،‬وباسيليوس الكبير‪،‬‬
‫وغريغوريوس النيصى‪ ،‬وأتيكوس أسقف القسطنطينية‪ ،‬وأمفيلوكيوس أسقف إيقونية‪ .‬كل‬
‫علم به‬
‫أولئك الرؤساء الوائل لم يعلموا أى شئ عن فصل اللهوت من الناسوت الذى و‬
‫علموا بالتجسد الحقيقى للوغوس‪ .‬فقد قال الشهيد‬
‫نسطور‪ ،‬ولكن على العكس من ذلك ح‬
‫المبجل بطرس أسقف السكندرية‪ً:‬ا "إن ال الكلمة )اللوغوس( صار جسددا‪ ،‬ويولد من‬
‫رحم العذراء"؛ أما أثناسيوس فقد كان يستخدم تك اردار وبدون تردد تعبير والدة الله‬
‫المرفوض )أو غير المقبول( من نسطور‪ ،‬ويقول‪ً:‬ا "حيث إن الجسد يولد من )حاملة(‬
‫والدة الله‪ ،‬لذلك فإننا نقول إنه )أى اللوغوس( كان هو نفسه مولوددا من مريم‪ ".‬وفي‬
‫فقرة أخرى يلوم أثناسيوس بشدة هؤلء الذين هم )مثل نسطور تمادما( يقولون‪ً:‬ا "المسيح‬
‫المتألم والمصلوب ليس هو ال اللوغوس"؛ ويقول )أثناسيوس( "ممذن الذى يفرق بين‬
‫المسيح واللوغوس ول يعترف ول يوافق أن اللوغوس بما أنه أخذ جسددا من مريم قد صار‬
‫إنسادنا؟" وفي فقرة أخرى ييعلم أثناسيوس أن‪ً:‬ا "اللوغوس صار إنسادنا في الحقيقة وبكل‬
‫معنى الكلمة )وليس بالتبنى والتصال الخارجى( إوال لما كان فادينا"‪ .‬وبالاتفاق مع‬
‫ذلك قال البابا يوليوس‪ً:‬ا "ل يوجد ابنين‪ ،‬واحد حقيقى لبس إنسادنا وآخر لبسه‬
‫ال‪ ،‬ولكن إله وحيد الجنس في السماء‪ ،‬إواله وحيد الجنس على الرض"‪.‬‬
‫وحتى البابا فيليكس الول الذى عاش قبل نسطور بأكثر من قرن ونصف‬
‫القرن‪ ،‬رفض هذا الخطأ عندما كتب‪ً:‬ا "نحن نؤمن بربنا يسوع المسيح‪ ،‬الذى‬
‫يولد من العذراء مريم‪ ،‬وأنه البن الزلى وكلمة ال وليس إنسادنا لبسه ال‪،‬‬
‫مختلدفا عن هذا )الكلمة(‪ .‬لن ابن ال لم يلبس إنسادنا حتى أن ذاك كان‬
‫ل‪ ،‬آخدذا‬
‫مختلدفا عنه‪ ،‬ولكنه هو الله الكامل كان في نفس الوقت إنسادنا كام د‬
‫جسددا من العذراء‪ ".‬كانت هناك فقرات لكبريانوس إوامبروسيوس لكنها كانت أقل‬
‫إثارة للنتباه؛ أما غريغوريوس النيازيانزى فقد كان واضدحا جددا إذ قال‪ً:‬ا "نحن ل نفصل‬
‫النسان عن اللهوت‪ ،‬ولكن نعلن أن الاثنين هما واحد ونفس الشئ‪ ،‬الذى في البداية لم‬
‫يكن إنسادنا‪ ،‬ولكن إلدها‪ ،‬وابن ال الوحيد‪ ،‬قبل كل الدهور وبدون الطبيعة المادية‪ ،‬ولكن‬
‫في نهاية الزمنة لمنبس إنسادنا من أجل خلصنا‪ .‬نحن نعترف بأنه واحد ونفس الشئ‪،‬‬
‫إلهى وأرضى‪ ،‬مرئى وغير مرئى‪ ،‬الخ‪ .‬في نفس الوقت لكى من خلل النسان‬
‫الكامل‪ ،‬الذى هو في نفس الوقت إله‪ ،‬تعاد خلقة النسان الكامل الذى سقط في‬
‫الخطية‪ ".‬كما أن السبع حرومات التى يلحقها غريغوريوس النيازيانزى بهذه الفقرة‪ ،‬هى‬
‫جميعها ضد النسطورية وأولها يحنرم من ل يلقبون مريم والدة الله‪ ،‬والرابعة تحرم من‬
‫يقولون إنه يوجد ابنين‪ ،‬واحد أزلى من الب والثانى من مريم‪ .‬بالضافة إلى ذلك فإن‬
‫الفقرة المختارة من باسيليوس تعطى الحساس كما لو كانت يكتبت بالشارة إلى نسطور؛‬
‫ضب‪ ،‬بدون أن يكون قابلد لللم )في ذاته(‬
‫لنها تقول‪ً:‬ا "الله الذى ل ييقاس ول ين ي‬
‫بلباسه الجسد حارب الموت لكى بآلمه هو نفسه ينجينا من مسئولية اللم"‪ .‬وبنفس‬
‫ضا غريغوريوس النيصى‪ ،‬وأتيكوس أسقف القسطنطينية‪ ،‬وأمفيلوكيوس‬
‫النهج يتكلم أي د‬
‫ت"‪.‬‬
‫أسقف إيقونية وثيئوفيلوس أسقف أنطاكية‪ً:‬ا "أن ال يولد وما م‬
‫ضد هذه الفقرات البائية‪ ،‬تمت بعد ذلك قراءة عشرين فقرة من كتابات نسطور‪،‬‬
‫بعضها طويل والبعض الخر قصير‪ ،‬عبرت عن آرائه الساسية‪ ،‬والتى قدمناها بعاليه‪،‬‬
‫في قطع متفرقة‪.‬‬
‫وآخر وثيقة تم استخراجها في هذه الجلسة الولى كانت خطاب كابريلوس‬
‫‪ Capreolus‬رئيس أساقفة قرطاجنة ‪ Carthage‬وفيها يسألهم العذر لعدم تمكنه من‬
‫الحضور بنفسه أو إرسال أى أسقف من مساعديه بسبب الحرب في أفريقيا‪ .‬بجانب‬
‫ذلك‪ ،‬قال إنه لم يستلم خطاب دعوة المبراطور حتى عيد القيامة عام ‪431‬م‪ ،‬أى وصل‬
‫متأخ دار جددا‪ ...‬ولذلك أرسل رئيس الساقفة شماسه بيسول وطلب من المجمع أن ل‬
‫يحتمل بدع في أى موضوع يخص الدين‪ .‬وفي ذلك لم يشر بجلء إلى نسطور‪ ،‬ولكنه‬
‫بوضوح يشير إلى أنه يحسب معتقدات نسطور بين البدع غير المقبولة‪ .‬وبعد أن وافق‬
‫المجمع على خطاب السقف الفريقى هذا بدأ بإدانة نسطور ونص الحكم كما يلى‪ً:‬ا‬
‫"بالضافة إلى أشياء أخرى كثيرة فإن نسطور غير التقى لم يطع استدعاءنا ولم يقبل‬
‫الساقفة القديسين الذين أرسلناهم إليه‪ ،‬وقد كنا مضطرين إلى اختبار معتقداته الثيمة‬
‫)غير التقية(‪ ،‬واكتشفنا أنه قد كتب ونشر عقائد ل توافق اليمان الصحيح في خطاباته‬
‫ضا في محاضراته التى ألقاها في هذه المدينة‪ ،‬والتى ثبتت عليه‪ .‬ونحن‬
‫ومقالته وأي د‬
‫مدفوعون بالقوانين الكنسية ووفدقا لخطاب أبينا القديس وشريكنا في الخدمة كليستين‪،‬‬
‫أسقف روما‪ ،‬لقد وصلنا بدموع كثيرة إلى هذا الحكم المؤسف ضده وهو أن ربنا يسوع‬
‫المسيح الذى جدف عليه‪ ،‬قرر بواسطة المجمع المقدس أن يكون نسطور مفصولد من‬
‫كرامة السقفية ومن كل شركة كهنوتية"‪.‬‬
‫وكما أشرنا فيما سبق أن هذا الحكم كان قد وقع عليه في البداية الـ ‪ 198‬أسقدفا‬
‫الحاضرون‪ ،‬ثم بعد ذلك اتحخذ آخرون هذا الجانب حتى بلغ عدد الذين وقعوا مائتى‬
‫أسقف‪.‬‬
‫قد استمرت الجلسة من الصباح الباكر وحتى الليل‪ ،‬وانتظر شعب أفسس اليوم‬
‫كله ليسمع القرار‪ .‬وعندما عرف ذلك أخي دار كان هذا سبدبا لفرح عظيم؛ امتدحوا المجمع‬
‫ضا‬
‫ورافقوا العضاء وبصفة خاصة كيرلس بالمشاعل حتى منازلهم‪ .‬وكانت المدينة أي د‬
‫مضيئة في أماكن كثيرة‪ .‬وكتب كيرلس ذلك بفرح في أحد خطاباته الثلثة التى أرسلها‬
‫في ذلك الوقت إلى أعضاء كنيسته في السكندرية إوالى رهبان مصر‪.‬‬
‫في اليوم التالى تم إرسال الحكم الذى صدر إلى نسطور نفسه في مرسوم مقتضب‬
‫جددا‪ .‬ويدعى في العنوان بيهوذا جديد‪ ،‬وكتب في النص بطريقة موجزة‪ً:‬ا "ينبغى عليه أن‬
‫يعرف بأنه بسبب معتقداته التى ل توافق اليمان الصحيح وعصيانه للقوانين الكنسية‬
‫)لنه لم يظهر استجابة لدعوة المثول أمام المجمع(‪ ،‬قد تم عزله بواسطة المجمع‬
‫المقدس في يوم ‪ 22‬يونيو طبدقا للقوانين الكنسية وتم طرده من جسد الكهنوت"‪.‬‬
‫وفي خطابين قصيرين آخرين بنفس التاريخ‪ ،‬واحد لجميع الشعب‪ ،‬والثانى لكهنة‬
‫القسطنطينية‪ ،‬أعلن المجمع ما تم عمله واستلزم أن يقوم المجمع بالمحافظة على‬
‫ممتلكات كنيسة القسطنطينية‪ ،‬حتى يمكن أن ييعطى حسادبا لمن‪ ،‬حسب إرادة ال إواشارة‬
‫المبراطور سوف يصير أسقدفا لتلك المدينة‪.‬‬
‫وكرئيس للمجمع‪ ،‬كتب كيرلس بإسهاب إلى أصدقائه وممثليه في القسطنطينية‪،‬‬
‫والرشيمندريت دلماتيوس وعدد من الساقفة والكهنة المصريين‪ ،‬وقص عليهم كل ما‬
‫جرى في الجلسة‪ ،‬بددءا من دعوة نسطور للمثول أمام المجمع إلى عزله‪ ،‬مع طلبه بأن‬
‫ينتبهوا حتى ل تنتشر إشاعات كاذبة في الخارج‪ .‬وقد يعرف أن الكونت كانديديان قد‬
‫أرسل بالفعل بعض المعلومات الزائفة )إلى المبراطور(؛ بينما لم يكن المجمع قد أكمل‬
‫بعد تقريره الكامل إلى المبراطور )مع القرار(‪.‬‬

‫المعارضة أى مجمع أساقفة أنطاكية‬


‫ضـا كـان الســبب فــي‬
‫فــي الواقـع لــم يفعــل كانديـديان مــا قـد ســبق ذكـره فقـط‪ ،‬ولكنــه أي د‬
‫تمزيــق اللوحــات الــتى كــان ســوف ينشــر عليهــا الحكــم ضــد نســطور‪ ،‬كمــا فــرض الصــمت‬
‫علــى المنــادون الــذين يعلنــون ذلــك فــي المدينــة‪ .‬فــي نفــس الــوقت نشــر مرســودما يعلــن فيــه‬
‫غضــبه الشــديد علــى مــا تــم‪ ،‬وأعلــن أن أى جــزء تــم إنجــازه قبــل وصــول يوحنــا النطــاكى‬
‫ضــا‪ ،‬يعتــبر لغديــا وبــاطلد بجملتــه‪ .‬وفــي خطــاب منفصــل ناشــد‬
‫والســاقفة اللتينييــن أي د‬
‫هــؤلء الســاقفة الــذين لــم يشــاركوا فــي الجلســة الولــى‪ ،‬أل يصــيروا م ـوالين للخريــن بــل‬
‫ضــا لــم يكــف عــن تقــديم الشــكاوى‪،‬‬
‫ينتظروا افتتــاح المجمـع المسـكونى‪ .‬كمـا أن نســطور أي د‬
‫ف ــوجه خطادب ــا إل ــى الب ــاطرة ف ــودار ح ــتى قب ــل وص ــول يوحن ــا النط ــاكى‪ ،‬يع ــرض في ــه أن‬
‫المصريين والسيويين‪ ،‬بنـاءدا علـى رغبتهـم الخاصـة‪ ،‬قـد قاموا بعقـد جلسـة مخـالفين بـذلك‬
‫المر المبراطورى‪ ،‬الذى طالب بمفاوضـات عامــة تضـم الجميـع‪ .‬وبالضــافة إلــى ذلــك‪،‬‬
‫فقد أثير شـعب أفسـس علـى الخـص‪ ،‬بواسـطة ممنـون أسـقفهم الـذى أضـلهم إلـى ارتكـاب‬
‫كـ ــل أن ـ ـواع العنـ ــف ضـ ــد نسـ ــطور وأصـ ــدقائه‪ .‬فقـ ــد دخل ـ ـوا إلـ ــى منـ ــازلهم عنـ ــوة‪ ،‬وشـ ــتتوا‬
‫ضا‪ .‬ولذلك قرروا أن يلجأوا إلى كنيســة القــديس‬
‫اجتماعاتهم هناك‪ ،‬بل هددوهم بالموت أي د‬
‫يوحنا أو إلى مذبح شهيد‪ ،‬ليعقدوا جلساتهم هناك؛ ولكن ممنون أغلــق جميــع البـواب فــي‬
‫وج ــوههم‪ .‬ل ــذلك التمسـ ـوا م ــن الم ــبراطور إم ــا أن يس ــمح له ــم ب ــالعودة إل ــى أوط ــانهم مـ ـرة‬
‫أخــرى‪ ،‬أو أن يقــوم بحمــايتهم فــي أفســس‪ ،‬ثــم يعمــل علــى عقــد مجمــع حقيقــى )أصــلى(‬
‫يحضـره أســاقفة فقــط‪ ،‬ليــس رهبــان أو إكليـروس‪ ،‬إنمــا الســاقفة الــذين تمــت دعــوتهم فقــط‪.‬‬
‫ويكفــي لهــذا الغــرض أســقفان مثقفــان مــن كــل وليــة مــع المطـران‪ .‬وقـوـع نســطور علــى هــذه‬
‫الوثيقــة مــع عش ـرة أســاقفة آخريــن هــم‪ً:‬ا فريــتيلس أســقف هراقليــا فــي ت ـراس‪ ،‬وهيلديــوس‬
‫أسـقف طرسـوس‪ ،‬وديكسـيانوس أسـقف سـلوكية‪ ،‬وهيمريــوس أسـقف نيكوميـديا‪ ،‬وألكسـندر‬
‫أســقف أباميــا‪ ،‬إوافــثيريوس أســقف تيانــا‪ ،‬وباســيليوس أســقف تيســالى‪ ،‬ومكســيموس أســقف‬
‫أنـا ازربس‪ ،‬وألكسـندر أسـقف هي اربـوليس‪ ،‬ودوروثيئـوس أسـقف ماركيـانوبوليس فـي ميزيـا‪.‬‬
‫ومن أجل الحفاظ على الرأى العام إلــى جـانب المجمـع فـي أفســس‪ ،‬تــم إلقـاء عظــات ضـد‬
‫هرطقــة نســطور‪ ،‬بواســطة كيرلــس وريجينــوس رئيــس أســاقفة قونســتانتيا )ســلميس( فــي‬
‫ضــا بصــفة متكــررة بواســطة ثيئــودوتس أســقف أنقـ ـرة‪ ،‬عندئــذ أرســل أعضــاء‬
‫قــبرص‪ ،‬وأي د‬
‫المجمــع إلــى البــاطرة تقريرهــم بالكامــل )الــذى ســبق الحــديث عنــه(‪ ،‬حيــث شــرحوا ‪-‬فــي‬
‫المكانة الولى‪ -‬سبب تفكيرهم في إنه لم يكن من الصواب النتظار لمدة أطول قبل بدء‬
‫الجلسة الولى‪ .‬هذا لـم يكـن فقـط لن سـتة عشـر يودمـا قـد مـرت علـى التاريـخ الـذى حـدده‬
‫ضــا لن كــثي دار مــن الســاقفة قــد أصــابتهم أمـراض فــي‬
‫البــاطرة لفتتــاح المجمــع‪ ،‬ولكــن أي د‬
‫أفسس‪ ،‬بـل أن بعضـهم قـد لقـى حتفـه‪ ،‬وقـد كـان كبـار السـن مـن السـاقفة علـى الخص‪،‬‬
‫يتوقــون إلــى العــودة إلــى أوطــانهم‪ .‬كمــا أن يوحنــا النطــاكى كــان قــد طلــب منهــم بواســطة‬
‫ألكسندر أسقف أباميا وألكسندر أسقف هيرابوليس أن يبـدأوا فـودرا‪ .‬وهكـذا فعلـى الرغـم مـن‬
‫رفــض نســطور للحضــور‪ ،‬إل إنــه قــد تــم افتتــاح المجمــع يــوم ‪ 22‬يونيــو‪ ،‬وعنــد الفتتــاح‬
‫يوضــع النجيــل المقــدس ‪-‬كممثــل للمســيح‪ -‬علــى العــرش الموضــوع فــي الوســط‪ .‬علوة‬
‫على ذلـك فإن كـل مـا حـدث فـي الجلسـة الولـى تـم إبلغـه ووصـفه بدقـة وبالتحديـد للبابـا‬
‫كليستين‪ ،‬الذى كان قد نطق بنفــس الحكــم ضــد نســطور‪ .‬وأخيـ دار التمسـوا مــن البــاطرة أن‬
‫يعملوا على محو الهرطقـة مـن جميـع الكنــائس وحـرق كتـب نسـطور‪ .‬كمـا أرفقـت قـ اررات‬
‫المجمع التى تم تجهيزها‪.‬‬
‫بعد انقضاء بضعة أيام‪ ،‬وفي يوم ‪ 26‬أو ‪ 27‬يونيو‪ ،‬وصل يوحنا النطـاكى أخيـ دار‬
‫ضا لمقـابلته علـى الفـور‪ .‬كـان الوفـد مكودنــا مـن عـدد‬
‫إلى أفسس‪ ،‬فأرسل المجمع وفددا مفو د‬
‫مــن الســاقفة والكليــروس‪ ،‬وذلــك للتعــبير عــن الحــترام اللئــق لــه‪ ،‬وفــي نفــس الــوقت‬
‫لبلغه بعـزل نسـطور حـتى ل يـدخل فـي أيـة مناقشـات معـه‪ .‬لكـن الجنـود الـذين أحاطوا‬
‫برئيــس الســاقفة يوحنــا منعـوا الوفــد المفــوض مــن التحــدث إليــه فــي الطريــق؛ وبالتــالى فقــد‬
‫رافقــه الوفــد إلــى مقــر إقــامته‪ ،‬حيــث اضــطروا إلــى النتظــار عــدة ســاعات‪ ،‬تعرضـوا فيهــا‬
‫لهانـات الجنــود‪ .‬وأخيـدرا‪ ،‬بعــد أن أبلغــوه بمــا عهـد إليهـم إبلغـه‪ ،‬اقتيـدوا إلــى منــازلهم بعــد‬
‫ضـ ـربوا‪ .‬وقـ ــد اقـ ــترح الكـ ــونت إيرنيئـ ــوس‪ ،‬صـ ــديق نسـ ــطور‪ ،‬هـ ــذه‬
‫أن أسـ ــيئت معـ ــاملتهم و ي‬
‫المعاملــة ووافــق عليهــا‪ .‬أبلــغ المبعوثــون المجمــع فــودار بمــا حــدث وأظهــروا الجــروح الــتى‬
‫طا شديددا ضد يوحنــا النطــاكى‪ .‬ووفقدــا لبيــان ممنــون‪ ،‬فقــد‬
‫أصابتهم‪ ،‬المر الذى أثار سخ د‬
‫تم النطق بالحرم ضد يوحنا النطاكى لهذا الســبب‪ ،‬ولكننــا ســوف نــرى أن ذلــك لــم يحــدث‬
‫إل فيما بعد‪ ،‬فمن الواضح أن ممنون في روايته القصيرة جددا قد تغاضــى عــن جزئيــة مــن‬
‫الحــداث‪ ،‬أل وهــى دع ــوة يوحنــا ثلث مـ ـرات‪ .‬ف ــي ه ــذه الثنــاء‪ ،‬تم ــادى كانديــديان ف ــي‬
‫مقــاومته لعضــاء المجمــع‪ ،‬مســبدبا لهــم ضــيدقا إواهانــات بواســطة جنــوده‪ ،‬كمــا أنــه أوقــف‬
‫إمدادهم بالغذاء‪ ،‬بينما أمحد نسطور بحـرس شخصـى دائـم مـن الفلحيـن المسـلحين‪ .‬وبعـد‬
‫وصول يوحنـا النطـاكى مباشـردة‪ ،‬بينمـا كـان ل يـزال يممغمبـ دار مـن الرحلـة‪ ،‬وفـي الـوقت الـذى‬
‫ســمح فيــه للموفــودين مــن أعضــاء المجمــع أن يكونـوا فــي انتظــاره‪ ،‬عقــد فــي منزلــه مجمدعــا‬
‫ص الكــونت كانديــديان أولد كيــف عقــد كيرلــس وأصــدقاؤه جلســة منــذ‬
‫مــع أتبــاعه‪ ،‬فيــه قـ ـ و‬
‫خمســة أيــام‪ ،‬علــى الرغــم مــن كــل التحــذيرات‪ ،‬وفــي تعــارض مــع الم ارســيم المبراطوريــة‪،‬‬
‫وتنازعوا مع الكونت على أحقيته في الحضور‪ ،‬وطــردوا الســاقفة الــذين أرســلهم نســطور‪،‬‬
‫ولــم يبــالوا بخطابــات الخريــن‪ .‬وقبــل أن يســتكمل حــديثه‪ ،‬طلــب يوحنــا النطــاكى أن ييقـ أر‬
‫مرســوم المــبراطور الخــاص بالــدعوة‪ ،‬وعنــد ذلــك اســتمر كانديــديان فــي عرضــه لمــا تــم‪،‬‬
‫وفي الرد على سؤال آخر وجهــه يوحنــا‪ ،‬أعلــن كانديــديان أن نســطور قــد تمـت إدانتـه دون‬
‫أن ييســمع منـه‪ .‬فوجــد يوحنـا أن هــذا يتمشـى تمادمـا مــع ميـل المجمــع‪ ،‬حيــث إنهـم بـدلد مــن‬
‫اســتقباله هــو ورفقــائه بطريقــة وديــة‪ ،‬هــاجموهم بعنــف )هكــذا وصــف مــا حــدث(‪ ،‬ولكــن‬
‫المجمـ ــع المقـ ــدس الـ ــذى كـ ــان منعق ـ ـددا فـ ــي ذلـ ــك الحيـ ــن‪ ،‬سـ ــوف يقـ ــرر مـ ــا هـ ــو مناسـ ــب‬
‫بخصوصــهم‪ .‬وهــذا المجمــع الــذى يتكلــم عنــه يوحنــا بكلمــات طنانــة‪ ،‬كــان عــدده ثلثــة‬
‫وأربعين عضدوا فقط بما فيهم شخصه‪ ،‬بينما الجانب الخر كان يزيد على المائتين‪.‬‬
‫ثــم طــرح يوحنــا س ـؤالد عمــا ســوف يتقــرر بشــأن كيرلــس وأتبــاعه‪ .‬وتقــدم كــثير مــن‬
‫صـ ـوا كيــف كــان كيرلــس‬
‫الســاقفة الــذين لــم يتــم ذكرهــم بوضــوح علــى إنهــم نســاطرة‪ ،‬ليق ح‬
‫وممنون أسقف أفسس‪ ،‬منذ البداية يسيئون معاملة النساطرة‪ ،‬فلم يسمحوا لهم بــدخول أيــة‬
‫كنيســة‪ ،‬وحــتى فــي يــوم عيــد الخمســين لــم يســمحوا لهــم بإقامــة الخدمــة‪ .‬علوة علــى ذلــك‪،‬‬
‫فق ــد أرس ــل ممن ــون بع ــض الكليـ ـروس الت ــابعين ل ــه إل ــى من ــازل الس ــاقفة حي ــث أمروه ــم‬
‫بتهديدات أن يشاركوه في مجمعـه‪ .‬وبهـذه الطريقـة تسـبب هـو وكيرلـس فـي بلبلـة كـل شـئ‬
‫حـتى ل يتــم فحـص هرطقــاتهم‪ .‬وكـانت هرطقــات مثـل الريوســية والبوليناريـة والفنوميــة‬
‫واردة بالتأكيد في خطاب كيرلس الخيـر )إلــى نســطور مــع الحرومـات(‪ .‬لــذلك فقـد كــانت‬
‫مهمـ ــة يوحنـ ــا هـ ــى أن يهتـ ــم بـ ــالمر حـ ــتى تتـ ــم معاقبـ ــة رؤوس هـ ــذه الهرطقـ ــات )كيرلـ ــس‬
‫وممنــون( بطريقــة مناســبة‪ ،‬مــن أجــل هــذه الض ـرار الخطي ـرة‪ ،‬وأن الســاقفة الــذين ضــلوا‬
‫بسببهم ينبغى أن تفرض عليهم عقوبات كنسية‪.‬‬
‫بخصـ ــوص هـ ــذه التهامـ ــات الوقحـ ــة والزائفـ ــة السـ ــابق ذكرهـ ــا قـ ــال يوحنـ ــا بوداعـ ــة‬
‫مصطنعة‪ً:‬ا "إنه كان يتمنى بالتأكيد أن ل يضطر لطرد أى شخص من الكنيسة يكون قد‬
‫نــال الكهنــوت المقــدس‪ ،‬ولكــن العضــاء المريضــة ينبغــى قطعهــا دون شــك‪ ،‬لكــى يينقمــذ‬
‫الجســد كلــه‪ ،‬ومــن أجــل هــذا الســبب يســتحق كــل مــن كيرلــس وممنــون أن ييعــزل‪ ،‬لنهمــا‬
‫تســببا فــي الفوضــى وتص ـرفا ضــد أوامــر البــاطرة‪ ،‬كمــا أنهمــا كانــا مــدانين بالهرطقــة فــي‬
‫الفصول )الحروم( السابق ذكرها‪ .‬وجميع الذين ضلوا بسببهما ينبغى قطعهم من الشــركة‬
‫حتى يعترفوا بخطئهم وييحورموا حـروم كيرلـس الهرطوقيـة‪ ،‬ويتمسـكوا بشـدة بقـانون اليمـان‬
‫النيقاوى‪ ،‬دون أية إضافات غريبة‪ ،‬وينضموا إلى مجمع يوحنا"‪.‬‬
‫وقد وافق الجتماع )مجمع النطاكيين( على هذا القتراح‪ ،‬ثــم أعلــن يوحنــا‬
‫الحكــم بالطريقــة التاليــة‪ً:‬ا "يعلــن المجمــع المقــدس المجتمــع فــي أفســس‪ ،‬بنعمــة الـ‬
‫وأمــر البــاطرة التقيــاء‪ً:‬ا لقــد كنــا نتمنــى بحــق أن نتمكــن مــن عقــد مجمـ ـع فــي‬
‫سلم‪ ،‬ولكن لنكم عقدتم اجتمادعا منفصلد له ميل هرطوقى وقح وعنيد‪ ،‬بالرغم‬
‫من أننا كنا في منطقــة مجـاورة‪ ،‬وملتـم المدينــة والمجمــع المقـدس بالبلبلــة‪ ،‬لكــى‬
‫تمنعـوا فحــص هرطقــاتكم البوليناريــة والريوســية والفنوميــة‪ ،‬ولــم تنتظــروا وصــول‬
‫ضــا تغاضــيتم عــن تحــذيرات ونصــائح‬ ‫الســاقفة القديســين مــن جميــع المنــاطق‪ ،‬وأي د‬
‫كانديــديان‪ ،‬لــذلك اعلــم يــا كيرلــس الســكندرى وأنــت يــا ممنــون أســقف هــذا البلــد‪،‬‬
‫بأنكمــا معــزولن ومطــرودان مــن جميــع الوظــائف الكهنوتيــة‪ ،‬لنكمــا أصــل لكــل‬
‫البلبلة‪ ..‬الــخ‪ .‬ويــا أيهــا الخـرون الــذين وافقتموهمــا فلتكونـوا مقطـوعين مـن الشـركة‬
‫حتى تدركوا خطأكم وتنصلحوا وتقبلوا من جديد اليمـان النيقـاوى )كمـا لـو كـانوا‬
‫هـم الـذين سـلموه!( بـدون أيـة إضـافات غريبـة وتحرمـوا حـروم كيرلـس الهرطوقيـة‪،‬‬
‫وفــي كــل شــئ أن تــذعنوا لوامــر البــاطرة‪ ،‬الــذين يطلبــون تبصـ دار مســالدما وأكــثر‬
‫دقة للعقيدة‪".‬‬
‫لقد ووقع علـى هـذا المرســوم الثلثــة والربعــون عضـدوا أعضـاء المجمـع )النطـاكى(‬
‫جميدعا‪.‬‬
‫ثــم قــام المجمــع النطــاكى بواســطة خطابــات تعــبر عــن وجــه نظــر واحــدة‪ ،‬بــإبلغ‬
‫المـ ــبراطور ونسـ ــاء الس ـ ـرة المالكـ ــة )زوجـ ــة وأخـ ــت المـ ــبراطور ثيئودوسـ ــيوس الثـ ــانى(‬
‫والكهنــة‪ ،‬ومجلــس الشــيوخ‪ ،‬وشــعب القســطنطينية بكــل مــا حــدث‪ ،‬وبعــد ذلــك بفــترة وجيـزة‪،‬‬
‫ط ــالبوا أعض ــاء المجم ــع الص ــلى مـ ـرة أخ ــرى تحريردي ــا‪ ،‬أل يؤجلـ ـوا التوب ــة والرج ــوع‪ ،‬وأن‬
‫يفصـلوا أنفسـهم عـن كيرلـس وممنــون‪ ،‬الـخ‪ ،...‬إوال سـوف يضـطرون فـي القريـب العاجـل‬
‫أن يندبوا حماقتهم‪.‬‬
‫وفــي مســاء يــوم الســبت طلــب المجمــع مــن الكــونت كانديــديان أن يتحـوذر لئل يقــوم‬
‫كيرلـ ــس أو ممنـ ــون أو أى ش ــخص مـ ــن أتباعهمـ ــا )الـ ــذين يقطعـ ـوا مـ ــن الشـ ــركة( بالخدمـ ــة‬
‫المقدسة يوم الحد‪ .‬وقد تمنى كانديديان في ذلك الوقت أل يرأس أى عضو من الطرفين‬
‫صلة القداس‪ ،‬إنما فقط كهنة المدينة؛ ولكن ممنــون أعلــن أنــه لــن يستســلم بــأى حــال مــن‬
‫الحـوال ليوحنــا ومجمعــه‪ ،‬أمــا كيرلــس وأتبــاعه فقــد قــاموا بالخدمــة المقدســة‪ .‬وقــد أحبطــت‬
‫جميــع مجهــودات يوحنــا لتعييــن أســقف ‪-‬بــالقوة الجبريــة فــي أفســس‪ -‬بــدلد مــن ممنــون‪،‬‬
‫بسبب معارضة سكان المدينة الرثوذكس‪.‬‬
‫والمفترض عمودما‪ ،‬هو أن يكون كانديديان قد سبق المجمع الشرعى بإرسال‬
‫معلوماته‪ ،‬ولم يسـمح لتقريرهـم أن يصـل إلـى القسـطنطينية‪ .‬ولكـن الوضـع لـم يكـن هكـذا‪،‬‬
‫لننا نلحظ في خطاب (ل يزال باقديا) موجه إلــى المجمــع مــن دلمــاتيوس ورهبــان آخريـن‬
‫وكهنة القسطنطينية أن المبراطور نفسه قــد أرسـل إليهـم الخطابـات الــتى وجههــا المجمــع‬
‫ضـا قـد اسـتلم التقريـر الـذى‬
‫إليهم بعد عزل نسطور مباشرة‪ ،‬وبالتالى لبد وأن يكون هـو أي د‬
‫تم إرساله إليه‪ .‬ويؤكد دلماتيوس في نفس الوقت أن الشعب قد وافق على عــزل نســطور‪،‬‬
‫وأن المبراطور قد عحبر عن المر بطريقة لطيفة جددا‪ ،‬موق دار المجمع‪ .‬من هـذا نــدرك أنــه‬
‫)المبراطور( لم يكن إلى ذلك الحين‪ ،‬قد تسلم تقرير كانديديان‪ .‬بعد وصول هــذا التقريــر‬
‫حــدث فجــأة تغييــر عنيــف‪ .‬فقــد أرســل المــبراطور ثيئودوســيوس الحــاكم بلديــوس إلــى‬
‫أفسس بخطاب موضدحا‪ً:‬ا "إنه علم من كانديديان أن بعض الساقفة قد عقدوا جلسة دون‬
‫انتظار يوحنــا النطــاكى‪ .‬بالضـافة إلــى ذلــك‪ ،‬فـإنه حــتى السـاقفة الـذين كـانوا موجــودين‬
‫فــي أفســس‪ ،‬لــم يشــاركوا كلهــم فــي هــذه الجلســة‪ ،‬والــذين عقــدوا الجلســة لــم يناقشـوا العقيــدة‬
‫بالطريقة المنصوص عليها‪ ،‬ولكن بروح تحزبية‪ .‬ولذلك أعلن بأن كل مـا تــم عملـه يعتـبر‬
‫صــا مــن القصــر‪ ،‬لكــى بالشــتراك مــع‬
‫لغديــا‪ ،‬وقــال إنــه ســوف يرســل موظفدــا رســمديا خا د‬
‫كانديــديان يســتطيع أن يفحــص مــا حــدث‪ ،‬ويمنــع أى شــغب فــي المســتقبل‪ .‬وفــي الــوقت‬
‫الحالى‪ ،‬وحتى يناقش المجمـع العقيـدة‪ ،‬فـإنه ل يسـمح لى أسـقف بمغـادرة مدينـة أفسـس‪،‬‬
‫إما للذهاب إلى البلط المبراطورى أو للرجوع إلى بلدته‪ .‬وينبغى أن ينفذ هذا المر إلى‬
‫ضا‪ ،‬بأل يسمحوا لى أسقف قد يعود من أفسس إلــى وطنــه‪ ،‬أن‬
‫الحكام في كل القاليم أي د‬
‫يظل فيه‪ .‬إن المبراطور ليس لــه دور فــي صــالح أى شـخص‪ ،‬وبالتــالى ليــس فــي صــالح‬
‫نســطور‪ ،‬بــل فقــط لصــالح الحــق والعقيــدة"‪ .‬ويحمــل هــذا الخطــاب تاريــخ ‪ 29‬يونيــو ولكــن‬
‫حيث إن رد كيرلس الــذى ســلمه إلـى بلديـوس قـد يكتــب يــوم ‪ 1‬يوليـو‪ ،‬فلبــد أن بلديــوس‬
‫يكــون قــد وصــل إلــى أفســس قبــل نهايــة يونيــو‪ ،‬وهــذا التاريــخ لبــد وأن يكــون قــد يكتــب عــن‬
‫طريــق الخطــأ بواســطة الكــاتب‪ .‬فقــد وجــد مكتودبــا علــى هــامش نــص هــذا الخطــاب كلمــة‬
‫‪ dekatriw/n‬ب ــدلد م ــن ‪ triw/n kalandw/n‬أى ‪ 19‬يوني ــو ولي ــس ‪،29‬‬
‫ووافق كثير من المثقفين علـى هـذا القــتراح‪ ،‬ولكــن تيلمــونت قــد لفـت النظـر‪ ،‬وهـو محــق‪،‬‬
‫لحقيقـ ــة أن جلسـ ــة المجمـ ــع الولـ ــى وعـ ــزل نسـ ــطور الـ ــتى يـ ــذكرها المـ ــبراطور فـ ــي هـ ــذا‬
‫الخطاب‪ ،‬لم تتم حتى يوم ‪ 22‬يونيو‪.‬‬
‫فــرح يوحنــا وأتبــاعه بــالطبع جـددا بهــذا الخطــاب المــبراطورى‪ ،‬وظنـوا أن العــالم كلــه‬
‫ســعيد‪ ،‬بــأن يكــون خاضـ ـدعا لمثــل هــؤلء الحكــام‪ ،‬كمــا جــاء فــي ردهــم‪ .‬ثــم استرســلوا فــي‬
‫الحـديث عـن السـبب الـذى اضـطرهم لعــزل كيرلــس والخريـن‪ ،‬ولــم يخجلـوا مـن الزعـم بـأن‬
‫ســببهم الرئيســى فــي ذلــك هــو أن هــؤلء تجـ أروا وهــاجموا أســقف المدينــة المبراطوريــة ولــم‬
‫يــذعنوا لوامــر المــبراطور‪ .‬وبالنســبة لمجمعهــم فهــم يــدعونه مجمدعــا مقددســا‪ ،‬ويتضــرعون‬
‫أن يعطــى المــبراطور أمـ ـ دار بــأنه أثنــاء الفحــص المنتظــر للعقيــدة‪ ،‬علــى كــل مطـ ـران أن‬
‫يصطحب معـه أسـقفين فقـط‪ ،‬لكـى يصـعق العـدد الكـبير لسـاقفة مصـر وآسـيا الصـغرى‪،‬‬
‫الــذين يظنــون إنهــم لــن يســتطيعوا أن يتكلمـوا عنهــم بــازدراء كــا ل‬
‫ف‪ .‬وقــالوا إنهــم تمنـوا‪ ،‬بعــد‬
‫قراءة خطاب المبراطور‪ ،‬أن يقيموا صــلة شــكر فــي كنيســة القــديس يوحنــا‪ ،‬ولكــن النــاس‬
‫أغلقـوا البـواب فــي وجــوههم‪ ،‬وقــادوهم إلــى منــازلهم بــالقوة‪ .‬وكــان ممنــون هــو مصــدر كــل‬
‫هذا ولذلك ينبغى أن يقوم المبراطور بطرده من المدينة‪.‬‬
‫مــن المحتمــل أن الحادثــة الــتى يشــيرون إليهــا قــد حــدثت عنــد محاولــة تعييــن أســقف‬
‫ضا يذكر أن شغدبا قد نشأ بهذه المناسبة‪.‬‬
‫آخر لفسس‪ ،‬بما أن ممنون أي د‬
‫وفي خطـاب ثـالن إلـى المـبراطور‪ ،‬طـالبوا أن يينقـل المجمـع إلـى مكـان آخـر‪ ،‬أقـرب‬
‫إلى البلط‪ ،‬حيث يمكن أن ييدان كيرلس وأتباعه من كتاباته الخاصة‪.‬‬

‫خطــاب الرثــوذكس‪ :‬جلســتهم الثانيــة ‪10‬‬


‫يوليو عام ‪431‬‬
‫مــن ناحيـلة أخــرى‪ ،‬وجــه كيرلــس ومجمعــه خطادبــا إلــى البــاطرة بواســطة بلديــوس‬
‫بتاريــخ ‪ 1‬يوليــو عــام ‪431‬م‪ ،‬موض ـدحا أن كــل مــا هــو ضــرورى بشــأن موضــوع نســطور‬
‫وهرطقته قد تم ذكره في تقارير ودقائق الجلسة الولى‪ ،‬التى سبق إرسالها‪ .‬ولكن الكونت‬
‫ضــل صــداقة نســطور علــى التقــوى‪ ،‬ولــذلك فقــد شــغل آذان البــاطرة‪ ،‬وزودهــم‬
‫كانديــديان ف ح‬
‫بتقارير من جانب واحد‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإنه يبدو مـن قـ اررات ودقـائق الجلسـات أنهــم تصــرفوا‬
‫ض ــد نس ــطور دون أى محاب ــاة‪ ،‬وقـ ــد ناقشـ ـوا الموضـ ــوع كلـ ــه بعنايـ ــة‪ .‬ل ــذلك ل ينبغ ــى أن‬
‫يص ـغى البــاطرة إلــى يوحنــا النطــاكى‪ ،‬الــذى اهتــم بصــديقه أكــثر مــن اليمــان‪ ،‬وســمح‬
‫للمجمــع أن ينتظــر مــدة ‪ 21‬يودمــا‪ ،‬وفــور وصــوله أعلــن أنــه منحــاز لنســطور‪ ،‬وذلــك‪ ،‬إمــا‬
‫بسبب الصداقة أو لنه كان مشاردكا له في خطئــه‪ .‬وحيــث أن كانديــديان قــد منــع المجمــع‬
‫مـن إرسـال تقريــر دقيــق عـن الحـداث إلـى المـبراطور‪ ،‬يمكــن إذن أن يــدعوه المـبراطور‬
‫إلى المثول أمامه هو وخمسة من أعضاء المجمــع‪ ،‬لكــى يحصــل منهــم علــى فهــم المــور‬
‫مشــافهة‪ .‬وبالضــافة إلــى ذلــك‪ ،‬فــإن العديــد مــن الســاقفة الــذين كــانوا حــتى ذلــك الحيــن‬
‫منحازين إلى جانب نسطور‪ ،‬قد تبصروا في المر بطريقة أفضل في عهد قريب ورجع ـوا‬
‫إلى المجمع‪ ،‬حـتى أنــه لــم يبــق مــع نسـطور ويوحنـا الن سـوى حـوالى ‪ 37‬أســقدفا‪ .‬وهــؤلء‬
‫اســتمروا فــي الغــالب‪ ،‬إمــا خوفدــا مــن العقــاب بســبب الســاءات الــتى ارتكبوهــا‪ ،‬أو بســبب‬
‫كونهم هراطقة أى بيلجيين‪ .‬وقد كان السقف كليستين أسقف رومــا وكــل أســقفية أفريقيــا‬
‫منحـ ــازين للمجمـ ــع وضـ ــد المجمـ ــع النطـ ــاكى‪ ،‬بـ ــالرغم مـ ــن عـ ــدم حضـ ــورهم شخصـ ـ ـديا‪.‬‬
‫بالضـافة إلـى ذلـك‪ ،‬ذكـر باختصـار أعمـال العنـف الـتى سـمح إيرينيئـوس لنفسـه أن يقـوم‬
‫بها ضد أعضاء المجمع‪ ،‬كما أعلن كيرلــس أن هنــاك أكــثر مــن ‪ 200‬أســقدفا فــي صــفهم‪،‬‬
‫ولكن كان من المستحيل تقديم تقرير وافي بسبب رجوع بلديوس السريع‪.‬‬
‫بعد حوالى ثمانية أيام ‪-‬وفــي ‪ 10‬يوليــو‪ -‬رتـب كيرلـس الجلســة الثانيـة للمجمـع فـي‬
‫مق ــر أس ــقفية ممن ــون‪ ...‬وك ــان ع ــدد الحاضـ ـرين ه ــو نف ــس ع ــدد ال ــذين حض ــروا الجلس ــة‬
‫الولى‪ .‬وقد أعلن السبب في انعقاد هذه الجلسة الثانية بوصــول المنــدوبين الــذين أرســلهم‬
‫البابا كليستين إلى المجمع وهم الأســقف أركــاديوس والأســقف بروجيكتــوس والقــس فيليــب‪،‬‬
‫الذين كان عليهم أن يوصلوا خطاب البابا الذى سبق ذكره‪ .‬تمت قـراءة هـذا الخطـاب أولد‬
‫بــالنص اللتينــى الصــلى‪ ،‬ثــم فــي ترجمتــه باللغــة اليونانيــة‪ ،‬وقــد تضــمن أســلوب إط ـراء‬
‫شــديد للمجمــع وحــث علــى أل يتســاهلوا مــع أى عقائــد خاطئــة تخــص شــخص المســيح؛‬
‫وأنهــم ينبغــى أن يجعلـ ـوا فكــر القــديس يوحنــا البشــير‪ ،‬الــذى يكـ ـورم رفــاته فــي أفســس‪ ،‬هــو‬
‫فكرهم الخاص؛ وأن يناضـلوا مـن أجـل اليمـان الصـحيح‪ ،‬ويصـونوا سـلم الكنيسـة‪ .‬وفـي‬
‫الخت ــام ق ــال الباب ــا إن ــه أرس ــل ثلث ــة من ــدوبين لحض ــور الجلس ــات وتنفي ــذ م ــا ق ــرره بش ــأن‬
‫نسطور‪ ،‬إوانه ل يشك في أن الساقفة المجتمعين سوف يوافقـون علـى نفـس الشـئ‪ .‬ومـع‬
‫أن الطلــب البــابوى تــم التعــبير عنــه بقــوة فــي العبــارة الخيـرة‪ ،‬فقــد ابتهــج أعضــاء المجمــع‬
‫بخطــاب البابــا كلــه وقــالوا‪ً:‬ا "إن هــذا هــو الحكــم الصــحيح؛ شــك دار لكليســتين بــولس الجديــد‪،‬‬
‫ولكيرلس بولس الجديد‪ ،‬ولكليستين حارس اليمان"‪.‬‬
‫ثــم وجــه المنــدوب البــابوى بروجيكتــوس النتبــاه إلــى محتويــات الخطــاب البــابوى‪،‬‬
‫صــا إلــى النقطــة الخاصــة بــأن الحكــم الــذى أصــدره البابــا ينبغــى أن يينفوــذ مــن أجــل‬
‫وخصو د‬
‫منفعــة الكنيســة الجامعــة‪ ،‬ووفقدــا لقــانون اليمــان الجــامع؛ أى أن جميــع الســاقفة يجــب أن‬
‫يقبلـوا الحكــم البــابوى ويرتقـوا بــه ليصــير حكــم الكنيســة كلهــا‪ .‬وفــي هــذا المــر‪ ،‬وفقدــا لـرأى‬
‫البابا‪ ،‬ليس على المجمع أن يفحص ما إذا كان تعليم نسـطور خاطدئـا بعـد؛ فقـد تـم تسـوية‬
‫ذلــك بواســطة الحكــم الرومــانى‪ ،‬لكــن علــى المجمــع فقــط أن يؤكــد ذلــك بالموافقـ ـة‪ .‬لكــن‬
‫صــا جديـددا‬
‫المجمــع المقــدس عملديــا كــان قــد اتخــذ فــي جلســته الولــى أرديــا مختلفدــا‪ ،‬فقــدم فح د‬
‫بشــأن أرثوذكســية نســطور؛ ومــع ذلــك فقــد أعلنـوا المـوالة لـرأى البابــا الن إمــا عــن طريــق‬
‫الصــمت أو بـالتعبير الواضــح‪ ،‬بينمــا أعلــن فيرمــوس رئيــس أســاقفة قيصـرية كبادوكيــة أن‬
‫"خطـ ــاب الكرسـ ــى الرسـ ــولى السـ ــابق لكيرلـ ــس‪ ،‬قـ ــد احتـ ــوى علـ ــى الحكـ ــم والتـ ــوجيه بشـ ــأن‬
‫موضوع نسطور‪"...‬‬
‫شكر أحد مندوبى البابا المجمع على ذلك‪ ،‬وهو القس فيليب الـذى كـان بــارداز أكــثر‬
‫م ــن زملئ ــه‪ ...‬وطل ــب أن تع ــرض عليه ــم القـ ـ اررات ال ــتى اتخ ــذها المجم ــع ح ــتى ال ــوقت‬
‫الحاضـر‪ ،‬ليتـم تصـديقها بواسـطة المنـدوبين طبقدـا لمـا كلفهـم بـه البابـا‪ .‬وقـد تمـت الموافقـة‬
‫على ذلك‪ ،‬ثم انتهت الجلسة‪.‬‬

‫جلسة أفسس الثالثة – ‪ 11‬يوليو عام ‪431‬‬


‫– خطابان مجمعيان‬
‫عقدت الجلسة الثالثة في اليوم التالى‪ ،‬أى في الحادى عشر مـن شـهر يوليـو‪ ،‬وفـي‬
‫ضا‪ .‬أعلن مندوبو البابا أنهم في هـذه الثنــاء قـد قـ أروا دقـائق وقـ اررات‬ ‫مقر إقامة ممنون أي د‬
‫الجلســة الولــى الــتى تســلموها‪ ،‬ووجــدوا أن الحكــم قــانونى وطبقدــا للقــانون الكنســى؛ إوانمــا‬
‫ضا قـراءة دقــائق وقـ اررات تلــك الجلســة الن‬
‫امتثالد لما كلفهم به البابا‪ ،‬عليهم أن يطلبوا أي د‬
‫مرة أخرى في حضورهم‪ ،‬المر الذى تم للتو‪.‬‬
‫نطــق مفوضــو البابــا وعلــى أرســهم القــس فيليــب بحــرم نســطور مــن الشــركة وعزلــه‪،‬‬
‫وأشــار كيرلــس الســكندرى إلــى أنهــم تكلم ـوا كمنــدوبين عــن البابــا ومجمــع أســاقفة الغــرب‪،‬‬
‫ويمكنهم الن أن يوقعـوا علــى قـ اررات جلسـات المجمـع الثلث الــتى تــم عقـدها‪ ،‬وقــد نفــذوا‬
‫ذلك فودرا‪.‬‬
‫وقـو ــع جميـ ــع السـ ــاقفة الحاضـ ــرون بعـ ــد ذلـ ــك علـ ــى خطـ ــاب مجمعـ ــى مـ ــوجه إلـ ــى‬
‫صــا بهــم فــي رومــا‪،‬‬
‫البــاطرة‪ ،‬ذكــر فيــه فــي أول المــر‪ ،‬كيــف عقــد الغربيــون مجمدعــا خا د‬
‫رفضوا فيه عقيدة نسطور‪ ،‬حتى قبل افتتاح مجمــع أفســس‪ .‬وقــد ذكــر ذلــك البابــا كليســتين‬
‫فــي خطــابه‪ ،‬والن وصــل ثلثــة منــدوبون مرســلين مــن طرفــه وأكــدوا حكــم مجمــع أفســس‬
‫على نسطور‪ .‬وهكذا فإن كل المسيحية باستثناء أصدقاء قليلين لنسطور قــد نطقـوا بيحكــم‬
‫مووحد‪ ،‬وبالتالى على المبراطور أن يعين أســقدفا جديـددا لكنيســة القســطنطينية؛ وأن ييســمح‬
‫لعضــاء المجمــع بــالعودة إل ــى أوط ــانهم‪ ،‬حيــث أن القامــة الطويل ــة ف ــي الخــارج كــانت‬
‫منهكـة جـددا لكـثير منهـم‪ ،‬حـتى أن البعـض مـرض والبعـض الخـر لقـى حتفـه‪ .‬وفـي نفـس‬
‫الوقت‪ ،‬في خطاب ثان للكهنة والعلمانيين في القسطنطينية أعرب المجمــع عــن أملــه فــي‬
‫أن يوج ــد ف ــي القري ــب العاج ــل أس ــقف مس ــتحق للمدين ــة المبراطوري ــة‪ .‬وقو ــع كيرل ــس ف ــي‬
‫المكانـة الولـى ثـم تله القـس فيليــب مــن رومــا‪ ،‬ثـم جوفينــال أســقف أورشــليم ثـم المنــدوبان‬
‫الخران‪.‬‬

‫جلسة أفسس الرابعة ‪16‬يوليو عام ‪431‬‬


‫بعد ذلك بخمسة أيام‪ ،‬وفي اليوم السادس عشر مـن شـهر يوليـو‪ ،‬تـم انعقـاد الجلسـة‬
‫الرابعــة‪ ،‬مـرة أخــرى فــي كنيســة القديســة مريــم الكــبرى‪ ،‬وقــد كــانت لكيرلــس المكانــة الولــى‬
‫دائدمــا‪ ...‬يليــه منــدوبو البابــا الثلث )القــس هــو الخيــر هــذه المـرة( ثــم جوفينــال والبــاقون‪.‬‬
‫ضا مجمع‬ ‫قدم كيرلس وممنون مذكرة سردا فيها باختصار تاريخ كل من هذا المجمع‪ ،‬وأي د‬
‫أنطاكية المعــارض‪ ،‬وأنكـروا علــى الخيــر سـلطة إدانتهمــا‪ ،‬وختمـوا بطلــب أن يمثيـل يوحنـا‬
‫النطـ ــاكى ورفقـ ــاؤه أمـ ــام المجمـ ــع‪ ،‬ويسـ ــتدعون للمحاسـ ــبة‪ .‬ثـ ــم تـ ــم إرسـ ــال ثلثـ ــة أسـ ــاقفة‬
‫طــا‬
‫للبطريــرك يوحنــا لســتدعائه فــودرا؛ لكنــه لــم يســمح لهــم بالــدخول‪ ،‬وقــد وجــدوا منزلــه محا د‬
‫بعـ ــدد كـ ــبير مـ ــن الرجـ ــال المسـ ــلحين‪ ،‬تفوه ـ ـوا بتعليقـ ــات مهينـ ــة ضـ ــد المجمـ ــع واليمـ ــان‬
‫الرثوذكسى وهددوا المندوبين‪.‬‬
‫عنــدما رجــع المنــدوبون وأبلغ ـوا المــر للمجمــع‪ ،‬قــدم كيرلــس اقت اردحــا بــأنه حيــث أن ـه‬
‫يتضح أن يوحنا له ضمير شرير‪ ،‬وهذا هو السبب في عدم حضوره‪ ،‬فــإن المجمــع ينبغــى‬
‫أن يعلن أن الحكم الذى أصدره هو ضد كيرلس وممنون يعتبر لغديــا‪ ،‬وعليهــم أن ينطقـوا‬
‫بعقوبــة مناســبة ضــده‪ .‬عنــد ذلــك علوــق جوفينــال أســقف أورشــليم أن يوحنــا كــان يجــب أن‬
‫يكــون حاضـ دار‪ ...‬كمــا اقــترح جوفينــال بــأن البطريــرك يوحنــا يجــب أن ييســتدعى مـرة ثانيــة‬
‫بواسطة منـدوبين آخريـن‪ .‬قيبـل هـذا القـتراح وتـم إرسـال ثلثـة أسـاقفة مـرة أخـرى‪ .‬لكـن لـم‬
‫ض ــا بال ــدخول‪ ،‬وأبلغه ــم أن ــه ل ــن ي ــدخل ف ــي مناقش ــات م ــع رج ــال‬
‫يس ــمح يوحن ــا له ــؤلء أي د‬
‫معزولين ومقطوعين من الشركة‪.‬‬
‫وبنــاء علــى الرغبــة والقــتراح المتكــرر لكيرلــس وممنــون‪ ،‬أعلــن المجمــع فــي ذلــك‬
‫الــوقت مــا يلــى‪ً:‬ا إن الحكــم الــذى أصــدره يوحنــا ورفقــاؤه ضــد كيرلــس وممنــون غيــر قـانونى‬
‫وباطل بجملتـه‪ .‬ومــن جهـة أخــرى يجـب عليــه هــو نفسـه أن يسـتدعى للمـرة الثالثـة للمثـول‬
‫أمام المجمع المقدس‪ .‬ويجب تبليغ الباطرة بكل ما حدث‪.‬‬
‫جلسة أفسس الخامسة ‪ 17‬يوليو عام ‪431‬‬
‫وخطابين مجمعيين‬
‫اجتمع الساقفة في اليوم التالى مباشرة للجلسة الخامسة‪ .‬أبلغ كيرلس المجمع بــأن‬
‫يوحنا وأصدقاءه نشروا علنيـة‪ ،‬وألصـقوا لوحـة وقحـة مملـوءة حماقـدة‪ ،‬تحتـوى علـى حكـم‬
‫عزلــه هــو )كيرلــس( وممنــون‪ ،‬وتتهمهمــا بالريوســية والبوليناريــة والفنوميــة‪ .‬هــذه التهــم‬
‫بجملته ــا ل أس ــاس له ــا م ــن الص ــحة‪ .‬لن ــه ه ــو وممن ــون ق ــد حرم ــا ك ــل ه ــذه الهرطق ــات‬
‫وغيرهــا‪ ،‬مــع نســطور الهرطــوقى الجديــد وأتبــاعه‪ .‬فعلــى المجمــع الن أن يســتدعى يوحنــا‬
‫وأصدقاءه للمرة الثالثة حتى يمكنهـم إمـا أن يثبتـوا اتهامــاتهم )ضـد كيرلـس وممنــون( علدنـا‬
‫أو أن يــدانوا هــم أنفســهم‪ ،‬خاصــة وأنهــم قــد أبلغـ ـوا البــاطرة تقــارير زائفــة‪ .‬مـ ـرة أخــرى تــم‬
‫إرســال ثلثــة أســاقفة مــع موثـوـق إلــى يوحنــا حــتى يســتدعوه للم ـرة الثالثــة تحــت تهديــد حــاد‬
‫بعقاب كنسى قانونى في حالة عدم حضوره‪ .‬وقد وصل المنـدوبون إلـى منزلـه‪ ،‬لكنـه بـدلد‬
‫مــن أن يســتقبلهم بنفســه أخــذ رئيــس شمامســته تعليمــات بــأن يســلمهم وثيقــة مــع الكلمــات‬
‫التاليــة‪ً:‬ا "المجمــع المقــدس )أى مجمــع أســاقفة أنطاكيــة( يرســل هــذه لكــم‪ ".‬لــم تكــن هــذه‬
‫الوثيقــة إل قـرار عــزل كيرلــس وممنــون الــذى ســبق الشــارة إليــه‪ ،‬فرفــض منــدوبو المجمــع‬
‫استلمها‪ .‬أبلغ رئيس الشمامسة سيده بذلك‪ ،‬ثم عاد للتو بالوثيقة معلدنــا أن قـ اررات مجمــع‬
‫النطـ ــاكيين قـ ــد بلغـ ــت المـ ــبراطور بالفعـ ــل‪ ،‬وعليهـ ــم أن ينتظـ ــروا أحكادمـ ــا أخـ ــرى لسـ ــير‬
‫الجـراءات‪ .‬وعنــدما كــان المنــدوبون علــى وشــك أن يبلغـوا تكليــف مجمعهــم شــفاهة‪ ،‬قفــز‬
‫ضــا لــن أسـتمع لى رســالة‬
‫ل‪ً:‬ا "إنكم لم تستلموا الوثيقة‪ ،‬وأنــا أي د‬
‫رئيس الشمامسة بسرعة قائ د‬
‫من رسائل مجمعكم"‪ .‬لكن كان للمندوبين فرصة أن يطلعوا بعض كهنة يوحنـا النطـاكى‬
‫بمحتويــات الرســالة حــتى تصــل إليــه بواســطتهم‪ .‬وعليــه‪ ،‬فقــد أعلــن أعضــاء المجمــع أن‬
‫لديهم سبدبا معقولد لمواصلة إجراءاتهم ضد يوحنا ورفقائه بطريقــة صــارمة‪ ،‬ولكنهــم فضــلوا‬
‫اللطــف و)ليــس العــزل‪ ،‬إنمــا فقــط( القطــع مــن الشــركة واليقــاف عــن كــل الختصاصــات‬
‫الروحيــة حــتى يعــترفوا بــإثمهم‪ .‬أمــا إذا لــم يفعل ـوا ذلــك فــي القريــب العاجــل‪ ،‬حينئــذ ســوف‬
‫يعلــن الحكــم القــانونى الصــارم ضــدهم‪ .‬وفــي نفــس الــوقت مــن الــبين أن كــل ق ارراتهــم ضــد‬
‫ل‪ .‬وأخي دار كان ل ازدما أن تبلغ ق اررات هــذه الجلســة إلــى‬
‫كيرلس وممنون باطلة جملةد وتفصي د‬
‫الباطرة‪.‬‬
‫صــا يوحنــا النطــاكى‪،‬‬
‫ذكــر المجمــع جميــع الــذين تمــت معــاقبتهم وتهديــدهم‪ ،‬خصو د‬
‫ويوحنــا أســقف دمشــق‪ ،‬وألكســندر أســقف أباميــا‪ ،‬وديكســيانوس أســقف ســلوكيه‪ ،‬وألكســندر‬
‫أسقف هيرابوليس‪ ،‬وهيميريوس أسقف نيكوميديا‪ ،‬وفريتيلس أســقف هراقليــا‪ ،‬وهيلديــوس‬
‫أســقف طرســوس‪ ،‬وماكســيميان أســقف أنــا ازربوس‪ ،‬ودوروثيئــوس أســقف ماركيــانوبوليس‪،‬‬
‫وبط ـ ــرس أس ـ ــقف تراجانوب ـ ــل‪ ،‬وب ـ ــولس أس ـ ــقف إمس ـ ــا‪ ،‬وبوليكروني ـ ــوس أس ـ ــقف هراقلي ـ ــا‪،‬‬
‫ويوثيروس أســقف تيانــا‪ ،‬وميليــتيوس أســقف قيصـرية الجديــدة‪ ،‬وثيــودوريت أســقف قــورش‪،‬‬
‫وأبرينجيـ ــوس أسـ ــقف خـ ــالكيس‪ ،‬ومكـ ــاريوس أسـ ــقف لدوكيـ ــة الكـ ــبرى‪ ،‬وزوسـ ــيس أسـ ــقف‬
‫إس ــبونتيس‪ ،‬وسالوس ــتيوس أس ــقف كوريك ــوس‪ ،‬وهزيكي ــوس أس ــقف كاس ــتابل‪ ،‬وف ــالنتيوس‬
‫أسـ ـ ـ ــقف موتلوباكـ ـ ـ ــا )مـ ـ ـ ــالوس(‪ ،‬وأوستاسـ ـ ـ ــيوس أسـ ـ ـ ــقف بارناسـ ـ ـ ــوس‪ ،‬وفيليـ ـ ـ ــب أسـ ـ ـ ــقف‬
‫ثيودوس ــيانوبوليس‪ ،‬وداني ــال‪ ،‬ويولي ــان‪ ،‬وكيرل ــس‪ ،‬وأوليم ــبيوس‪ ،‬ودي ــوجنيس‪ ،‬وبلدي ــوس‬
‫)هؤلء بدون أسـماء لمــاكن(‪ ،‬وثيوفــانيس أســقف فيلدلفيــا‪ ،‬وت ارجــانوس أســقف أوغســطا‪،‬‬
‫وأوريليــوس أســقف إيرينوبــوليس‪ ،‬وموســيئوس أســقف أركــاديوبوليس‪ ،‬وهيلديــوس أســقف‬
‫بتوليمــاس‪ .‬كــانوا جميدعــا خمســة وثلثيـن أســقدفا‪ ،‬وبمقارنــة أســمائهم مــع الثلثــة والربعيــن‬
‫الذين وقعوا قرار الجلسة الولى لمجمع أساقفة أنطاكية‪ ،‬يتبين أن هذا الفريــق بالتأكيــد قــد‬
‫كسب أتبادعا قليلين‪ ،‬ولكنهم فقـدوا عـدددا أكـبر‪ ،‬وهـذه الحقيقـة قـد سـبق وأكـدها كيرلـس كمـا‬
‫علمنا‪.‬‬
‫أبلغ المجمع فودار كل من الباطرة والبابا بما حـدث‪) ،‬ول ازلـت تلـك الوثـائق القيمـة‬
‫موجــودة(‪ .‬فــي الخطــاب المــوجه إلــى البــاطرة‪ ،‬يذكــر أن المجمــع قــد عــزل نســطور ولكــن‬
‫أصــدقاؤه قــد كســبوا يوحنــا النطــاكى لصــفهم وأنهــم متحــدون معــه‪ ،‬علــى الرغــم مــن أن‬
‫عــددهم كــان ثلثي ـن )يــذكر الخطــاب إلــى البابــا كليســتين أنهــم "ح ـوالى ثلثــون"(‪ .‬هــؤلء‬
‫عقدوا مجمدعا زائدفا )غير شــرعى(‪ ،‬بينمــا طـالب البــاطرة بوضــوح بعقـد مجمــع واحـد فقـط‪،‬‬
‫وبأن يكون مجمدعا عادما‪ .‬من بين أعضــاء هــذا المجمـع غيـر الشـرعى كـان كــثيرون ممــن‬
‫لم يطهـروا أنفسـهم بعـد مـن آثامهم الـتى كـانوا متهميـن بهـا‪ ،‬وحـتى يوحنـا النطـاكى نفسـه‬
‫ك ــان متخوفد ــا م ــن أن يس ــتدعى لتق ــديم حس ــاب ع ــن غي ــابه الطوي ــل ع ــن المجم ــع‪ .‬وه ــذا‬
‫المجم ــع غي ــر الش ــرعى‪ ،‬بل م ارع ــاة لى نظ ــام لقواع ــد إجـ ـراءات النعق ــاد‪ ،‬وف ــي غي ــاب‬
‫المتهميــن‪ ،‬وبــدون اســتدعاء‪ ،‬قــد أعلــن بطريقــة غيــر قانونيــة وغيــر عادلــة بجملتهــا‪ ،‬عــزل‬
‫كيرلس وممنـون‪ ،‬وقـد سـعى لخـداع البـاطرة بواسـطة ممثليـن زائفيـن‪ .‬أمـا المجمـع الوحيـد‬
‫والحقيقى فقد استدعى يوحنا النطاكى ورفقاءه ثلث مرات‪ ،‬ليقدموا شكواهم ضد كيرلــس‬
‫وممنــون‪ .‬لكنهــم لــم يحضــروا وبالتــالى فقــد أعلــن بطلن ق ارراتهــم ضــد كيرلــس وممنــون‬
‫وبــذلك وقع ـوا تحــت حكــم القطــع مــن الشــركة حــتى ينصــلح أمرهــم‪ .‬والبــاطرة بالتأكيــد ل‬
‫يجب أن يعتبروا مجمع الخطاة هذا مجمدعا‪ .‬وحتى في مجمع نيقية فإن ثمة جماعة قليلة‬
‫قد فصـلت نفسـها عـن مجمـع ال ـ ‪ 318‬أسـقدفا‪ ،‬فلـم يعتـبرهم قسـطنطين الكـبير مجمدعـا‪ .‬بـل‬
‫علــى العكــس مــن ذلــك‪ ،‬فــإنه قــد تمــت معــاقبتهم‪ .‬ســيكون منافديــا للعقــل بأقصــى درجــة أن‬
‫صــا يجعلــون مــن أنفســهم معارضــين لمجمــع يضــم ‪ 210‬أســقدفا مقددســا‪ ،‬تتحــد‬
‫ثلثيــن شخ د‬
‫معهم جميع أسقفيات الغرب‪ .‬بالضافة إلى ذلك فإنه من بيــن هــؤلء الثلثيــن كــثير ممــن‬
‫تم عزلهم من قبل‪ ،‬من البيلجيين والنساطرة‪ .‬لــذلك يجــب علــى البــاطرة التأييــد والموافقــة‬
‫على ما قرره المجمع المسكونى والمقدس ضد نسطور وعقيدته الكافرة‪.‬‬
‫ل ي ـزال خطــاب المجمــع إلــى البابــا كليســتين هــو الكمــل فهــو يحتــوى علــى تاريــخ‬
‫كامــل لمجمــع أفســس بــددءا مــن مرســوم الــدعوى المــبراطورى لنعقــاد المجمــع إلــى نتائــج‬
‫الجلسة الخامسة‪ ،‬مع الشارة إلى أن المجمـع قـد أعلــن أن كيرلـس وممنــون أبريـاء تمادمـا‪،‬‬
‫وأنهم يحتفظون بشركة قوية معهم‪ .‬هنــاك مـا هــو أكـثر أهميـة وهـو أنــه فــي مجمـع أفســس‬
‫)رغم أننا ل نعلم في أية جلسة(؛ تمت قراءة الق اررات الغربية بخصوص إدانة الــبيلجيين‬
‫والكيلسـتيين وأتبـاعهم يوليـانوس وبيرسـيديوس وفلـورس ومارسـيلينيوس وأورينـتيوس الـخ‪..‬‬
‫والموافقة على الحكم البابوى عليهم بالجماع‪.‬‬
‫ضــا ضــد يوحنــا النطــاكى‪ ،‬ول ازلــت‬
‫وكمــا علـوم كيرلــس ضــد نســطور‪ ،‬هكــذا فعــل أي د‬
‫هناك عظة جميلة وقوية جددا باقية له ضمن هــذه العظــات‪ .‬إوان كــان بهــا بعــض تعــبيرات‬
‫قوية‪ ،...‬إل أنها معتدلة بالمقارنة بما سمح يوحنا لنفسه أن يقوله ضد كيرلس‪.‬‬

‫جلســة أفســس السادســة ‪ 22 -‬يوليــو عــام‬


‫‪431‬‬
‫في يوم ‪ 22‬يوليو عقدت الجلسة السادسة فـي منـزل ممنـون‪ ،‬وبهـذه المناسـبة تمـت‬
‫ل‪ ،‬ثم مرة أخرى جميــع تلـك الفقـرات مــن أقـوال البـاء الــتى‬
‫قراءة قانون اليمان النيقاوى أو د‬
‫عرضــت عنــد إدانــة نســطور فــي الجلســة الولــى‪ .‬وذلــك ليــبرهنوا علــى أن النســاطرة لــم‬
‫يفهموا أو لم يشرحوا بطريقة صحيحة النص النيقاوى )قانون اليمان(‪.‬‬
‫ثم قدم كاريسيوس‪ ،‬وهو كاهن من كنيسة فيلدلفيا‪ ،‬معلومات تفيد بــأن كـاهنين مــن‬
‫القســطنطينية همــا أناستاســيوس وفوتيــوس‪ ،‬قــد أرســل أحــد الشــخاص اســمه يــاكوبوس‬
‫بخطابــات مقدمــة إلــى أســاقفة ليــديا‪ ،‬ومــدحوا فيهــا أرثوذكســيته‪ .‬يــاكوبوس هــذا جــاء إلــى‬
‫فيلدلفيــا وللحــال ضــلل بعــض الكليــروس‪ ،‬واســتمالهم ليوقوع ـوا علــى قــانون إيمــان آخــر‬
‫نسطورى بدلد من قـانون اليمـان النيقـاوى‪ .‬والن كــثير مــن الربعتعشـرية فـي ليــديا أرادوا‬
‫ضــا بــالتوقيع علــى قــانون إيمــان‬
‫أن يرجع ـوا م ـرة أخــرى إلــى الكنيســة‪ ،‬لكــن تــم إغ ارؤهــم أي د‬
‫هرط ــوقى ب ــدلد م ــن النيق ــاوى‪ .‬وبس ــبب معارض ــة كاريس ــيوس ل ــذلك‪ ،‬أعل ــن البع ــض أن ــه‬
‫هرطوقى‪ ،‬فتم قطعه من الشركة‪ ،‬لكنه كان أرثوذكسديا صميدما‪ ،‬ويســتطيع أن يــبرهن علــى‬
‫ذلك بقانون اليمان الخاص به‪ ،‬والذى عرضه أمــامهم‪ .‬هـذا كـان متوافقدــا كليـةد مـع قـانون‬
‫اليمان النيقاوى القسطنطينى من حيث المعنى‪ ،‬وعلى وجه التقريب مطابدقا له من حيــث‬
‫ضــا قــانون اليمــان المزيــف هــذا موضــع التســاؤل‪ ،‬وليــس هنــاك شــك‬
‫اللفــاظ‪ .‬كمــا قــدم أي د‬
‫مــن أنـ ـه قــد كتــب بلغــة طنانــة وحمــاس ظــاهرى للرثوذكســية‪ ،‬لكنــه احتــوى علــى خطــأ‬
‫نسطور الساسى‪ ،‬وهو تقسيم المسيح إلى لوغوس ورجل اتخذه‪ .‬لــم يؤلــف نســطور نفســه‬
‫هذا القانون‪ ،‬إنمـا ألفـه ثيئـودور الموبسويسـتى‪ ،‬وتـم نشـره بواسـطة نسـاطرة‪ ،‬والنسـخة الـتى‬
‫قــدمها كاريســيوس وقعهــا عــدد كــبير مــن الربعتعشـرية الســابقين وبعــض مــن النوفــاتيين‪،‬‬
‫وأغلبهم علمانيون من فئـات مختلفـة‪ .‬وكـان بينهـم كـاهن أربعتعشـرى اسـمه باتريشـيوس‪،‬‬
‫ل يعرف الكتابة‪.‬‬
‫أعطى المجمع الن أمدرا‪ ،‬تحت طائلة القطع والعزل‪ ،‬بأنه ل يجــب اســتخدام قــانون‬
‫إيمان آخر غير قانون اليمان النيقاوى‪ ،‬وعلى الخص ليس ما قدمه كاريسيوس‪ ،‬وتمت‬
‫قراءة الفقرات الشهيرة التى يقرأت في الجلسة الولى من كتابات نسطور مرة أخــرى‪ ،‬وبعــد‬
‫ذلك ووقع جميع الموجودين وعلى رأسهم كيرلس على الق اررات ودقائق الجلسات‪.‬‬

‫جلسة أفسس السابعة ‪ -‬منشور وقوانين‬


‫هنــاك شــك بخصــوص ميعــاد انعقــاد الجلســة الســابعة والخيـ ـرة‪ ،‬فــالق اررات ودقــائق‬
‫الجلسات تحددت بتاريخ ‪ 31‬أغسطس‪ ،‬ولكن جارنيه ومن بعده عدد كـبير مـن الدارسـين‬
‫المتميزيــن‪ ،‬افترض ـوا وجــود خطــأ مــن الكــاتب فــي هــذه النقطــة‪ ،‬وقــالوا إنــه يــوم ‪ 31‬يوليــو‬
‫وليس أغسطس‪ ،‬لن المنــدوب المــبراطورى الجديــد يوحنــا‪ ،‬وصــل إلــى أفســس فــي اليــام‬
‫الولى من شهر أغسطس‪ ،‬ولم تعقد أية جلسات أخرى بعد وصوله‪ .‬عقدت هــذه الجلســة‬
‫ضا في كنيسة العذراء مريم‪ ،‬وبدأت بقراءة عريضة يمقدمة من ريجينوس رئيس‬
‫السابعة أي د‬
‫أســاقفة قوســتنتيا فــي قــبرص وموقعــة منــه ومــن أســقفين آخريــن مــن قــبرص همــا زينــون‬
‫وأوغريس‪ .‬كان بطريرك أنطاكية قد ادعى لبعض الوقت أن له حق الرئاسة على أساقفة‬
‫قبرص وبصفة خاصة حق السيامة‪ ..‬الخ‪ .‬وعندما يترك كرسى مطران هذه الجزيرة خالديــا‬
‫مـ ـرة ثاني ــة بم ــوت ترويل ــوس ف ــي وق ــت ال ــدعوى إل ــى انعق ــاد مجم ــع أفس ــس‪ ،‬ف ــإن ال ــدوق‬
‫ديونيسيوس ‪-‬حاكم أنطاكية‪ -‬وبناء على طلب البطريـرك النطــاكى‪ ،‬منــع اختيـار رئيــس‬
‫الســاقفة الجديــد قبــل أن يحــدد المجمــع حــل الخلف‪ .‬إواذا ‪-‬علــى عكــس توقعــاته‪ -‬تــم‬
‫اختيــار الســقف فيجــب عليــه أن يحضــر مجمــع أفســس‪ .‬وكــانت رســالتا الحــاكم فــي هــذا‬
‫الصـ ــدد‪ ،‬والموجهتـ ــان إلـ ــى رئيـ ــس قـ ــبرص وكهنـ ــة قوسـ ــتنتيا‪ ،‬مرفقـ ــتين بـ ــالطلب‪ ،‬وتمـ ــت‬
‫قراءتهما في نفس الوقت‪ .‬لكــن أسـاقفة قـبرص لــم يعطـوا أى اعتبــار لهــذا المنــع‪ ،‬واختــاروا‬
‫رئي ــس الس ــاقفة ريجين ــوس وق ــد ت ــم ذكـ ـره )حس ــب ع ــادتهم( ف ــي مجمعه ــم المك ــانى‪ ،‬لن‬
‫ادعـ ــاءات النطـ ــاكيين‪ ،‬كمـ ــا أوضـ ــحوا فـ ــي أفسـ ــس‪) ،‬كـ ــانت تخـ ــالف الق ـ ـوانين الرسـ ــولية‬
‫وتعريفات مجمع نيقية المقدس(‪ .‬بالرجوع إلى قوانين نيقيــة‪ ،‬وضــع القــانون رقــم ‪ 4‬نصــب‬
‫أعينهم بوضوح‪ ،‬وهو ينص على ما يلى‪ً:‬ا "يعحين السقف بواسطة جميع أسـاقفة المكـان"‪.‬‬
‫بناء على طلـب القبرصـيين‪ ،‬علحـق كـثيرون‪ً:‬ا "إنــه ل‬
‫وفي المناقشة التى دارت في أفسس‪ ،‬د‬
‫ينبغى أن ننسى أن مجمع نيقية قد حفظ كرامته لكل كنيسة‪ ،‬ويجب أن نتذكر ذلك بصفة‬
‫خاصــة فــي أنطاكيـة"‪ .‬وأشـار المتكلمـون هنــا إلـى قـانون نيقيـة السـادس فـأرادوا أن يقولـوا‪ً:‬ا‬
‫"إن هــذا القــانون أكــد للك ارســى البطريركيــة العظمــى ومــن بينهــا كرســى أنطاكيــة‪ ،‬حقوقهــا‬
‫القديمة‪ .‬لذلك ينبغى أن يصاغ السؤال على النحو التــالى‪ً:‬ا كيــف كــان الحــال فــي الزمنــة‬
‫القديمـ ــة؟ هـ ــل كـ ــان السـ ــاقفة النطـ ــاكيون يملكـ ــون ويمارسـ ــون حـ ــق سـ ــيامة السـ ــاقفة‬
‫القبرصــيين فــي الزمنــة الولــى أم ل؟" عنــد ذلــك طلــب المجمــع مــن الســاقفة القبرصــيين‬
‫أن يثبت ـوا أن أنطاكيــة لــم يكــن لهــا مثــل هــذا الحــق عليهــم‪ ،‬وقــد أكــد أحــدهم وهــو بالتحديــد‬
‫زينون أن رئيس الساقفة المتنيح تريلوس أسقف قبرص وكل أســلفه حــتى زمــان الرســل‪،‬‬
‫كــانت تتــم ســيامتهم بواســطة أســاقفة دولتهــم وليــس أســقف أنطاكيــة أب ـددا‪ .‬وهنــا اســتخلص‬
‫المجمــع الق ـرار التــالى‪ً:‬ا "إن كنــائس قــبرص يجــب أن يتأكــد لهــا اســتقللها وحقهــا فــي أن‬
‫تختــار وتكــرس أســاقفتها‪ .‬وأن تتجــدد بصــفة عامــة حريــات جميــع القــاليم الكنســية‪ .‬وأن‬
‫جميع التدخلت في أقاليم أخرى محظورة"‪.‬‬
‫ضـ ــا منشـ ــودار إلـ ــى جميـ ــع السـ ــاقفة والكهنـ ــة‬
‫وفـ ــي نفـ ــس الجلسـ ــة أرسـ ــل المجمـ ــع أي د‬
‫والعلم ــانيين بش ــأن النط ــق بقط ــع يوحن ــا النط ــاكى م ــن الش ــركة وتجمي ــد جمي ــع س ــلطاته‬
‫الروحيــة هــو وأتبــاعه الــذين يذكــرت أســماؤهم‪ .‬وقــد أرفقـ ـوا القـ ـوانين التاليــة بهــذا العلن‬
‫العام‪ً:‬ا‬
‫قانون ‪ً: 1‬ا إذا فصل أحد المطارنة نفسه عن هذا المجمع المسكونى المقدس وانضم إلى‬
‫مجمـ ــع المرتـ ــدين أو سـ ــوف ينضـ ــم إليهـ ــم فيمـ ــا بعـ ــد‪ ،‬أو إذا كـ ــان متفقدـ ــا مـ ــع الكلسـ ــتيين‬
‫)الــبيلجيين( أو ســوف يتفــق معهــم فيمــا بعــد‪ ،‬فــإنه لــن تكــون لــه رئاســة بعــد علــى أســاقفة‬
‫مقاطعته‪ ،‬كما أن المجمع يبعـده ويــوقفه عـن كـل شـركة فـي الكنيسـة‪ .‬كما أنهـا مهمـة كـل‬
‫أساقفة المقاطعات )اليبارشـيات( أنفسـهم والمطارنـة المجـاورين الرثـوذكس أن يلحظـوا‬
‫تنفيذ عزله الكامل من أسقفيته‪.‬‬
‫قانون ‪ً: 2‬ا إذا تخلى أحد أسـاقفة المقاطعـات عـن المجمـع المقـدس وتمـادى فـي الرتـداد‬
‫ع ــن العقي ــدة‪ ،‬أو ح ــاول إيج ــاد ط ــرق لخ ــداع المجم ــع أو إذا تح ــول وانض ــم إل ــى جماع ــة‬
‫وقـع علـى عـزل نسـطور‪ ،‬فـإن هـذا السـقف تبدعـا لحكـم المجمـع‬
‫المرتدين بعد أن يكون قـد و‬
‫المقدس يعتبر منفصلد بالكلية عن الكهنوت ومجرددا من رتبته‪.‬‬
‫قانون ‪ً: 3‬ا إذا أوقف أحد الكهنة عن ممارسة كهنوته بواسطة نسطور أو أحد أتباعه في‬
‫أية مدينة أو قرية بسبب استقامة آرائه‪ ،‬فإننا نحكم أنه من الصحة والستقامة عودته إلى‬
‫رتبته‪ .‬وكقاعدة عامة‪ ،‬فإننا نرسم أن رجال الكليروس الذين يتفقون مع المجمع‬
‫الرثوذكسى والمسكونى ل يجب عليهم بأى حال أن يخضعوا لساقفة قد ارتدوا أو‬
‫سوف يرتدون عن العقيدة‪.‬‬
‫قانون ‪ً: 4‬ا إذا ارتد أحد الكهنة )رجال الإكليروس( وانحاز إلى آراء نسطور أو كلستيوس‬
‫في السر أو على المل فإن المجمع المقدس يرى أنه من الحسن والمستقيم أن يتم عزله‪.‬‬
‫قانون ‪ً: 5‬ا أولئك الذين تمت إدانتهم بواسطة المجمع المقدس أو بواسطة أساقفتهم‬
‫لفعال ملومة‪ ،‬وأولئك الذين يسعى أو سيسعى نسطور وأتباعه لعادتهم إلى الشركة أو‬
‫إلى رتبتهم )منافديا بذلك القوانين في عدم المبالة التى يتصف بها( فإننا نحكم أن هؤلء‬
‫الشخاص يجب أل يستفيدوا من ذلك بل أن يظلوا معزولين‪.‬‬
‫قانون ‪ً: 6‬ا وبالمثل‪ ،‬إذا بأى حال أراد أحد أن يضع جاندبا ما تم في كل قضية في مجمع‬
‫أفسس المقدس‪ ،‬فإن المجمع قرر أنه إن كان هؤلء من الساقفة أو الكهنة يتم عزلهم‬
‫بالكلية من رتبتهم‪ ،‬إوان كانوا من العلمانيين يتم حرمهم من الشركة‪.‬‬
‫قانون ‪ً: 7‬ا بعد قراءة قانون اليمان الذى سنه الباء الثلثمائة والثمانية عشر القديسين‬
‫في نيقية والقانون المغاير الكفرى لثيؤدور الموبسويستى والذى قدمه كاريسيوس كاهن‬
‫فيلدلفيا لمجمع أفسس‪ ،‬قرر المجمع أنه ل يسمح لحد بإخراج أو نشر أو تأليف إيمان‬
‫آخر غير ذاك الذى وضعه بالروح القدس الباء القديسون الذين اجتمعوا في نيقية‪.‬‬
‫أمــا بخصــوص مــن يجــرؤ علــى تــأليف إيمــان آخــر وعرضــه أو تقــديمه لمــن قــد‬
‫يريد أن يدخل إلى معرفـة اليمـان )مـن اليونـانيين أو اليهـود أو مـن الهراطقـة(‪،‬‬
‫أو كاهدنـ ــا فـ ــإنه يعـ ــزل‪ ،‬السـ ــقف يجـ ــرد مـ ــن‬ ‫فـ ــإن هـ ــذا النسـ ــان إن كـ ــان أسـ ــقدفا‬
‫كـان علمانديـا فإنه يحـرم مـن الشـركة‪ .‬وعلـى‬ ‫السقفية والكاهن من الكهنوت‪ ،‬إوان‬
‫نفــس المنـوال إن وجــد أن أحــد الســاقفة أو الكهنــة أو العلمــانيين يقبــل أو يعلــم‬
‫بالعقائــد المتضــمنة فــي نــص كاريســيوس بخصــوص تجســد ابــن ال ـ الوحيــد‪ ،‬أو‬
‫يقبل ويعلم بالعقائد الكفرية والمضلة الخاصة بنسطور والتى تتصل بهذا النص‪،‬‬
‫دعهم يقعون تحت حكــم هــذا المجمــع المقــدس المســكونى‪ً:‬ا إن كــان أســقدفا يفصــل‬
‫ضا من الكهنوت‪ ،‬إوان كان علمانديـا‬ ‫من السقفية ويعزل إوان كان كاهدنا يعزل أي د‬
‫يحرم من الشركة كما قلنا من قبل‪.‬‬
‫قانون ‪ً: 8‬ا بلغ إلينا بواسطة ريجينوس السقف المتدين والزميل ومن معه من أساقفة‬
‫مقاطعة قبرص التقياء ‪-‬زينون وأوغريس‪ -‬ابتدادعا يخالف النظام الكنسى وقوانين‬
‫الآباء القديسين وهجوم على حرية الجميع‪ .‬والمرض الذى يصيب الجميع يحتاج إلى‬
‫علج سريع‪ ،‬لنه قد يسبب ألدما عظيدما‪ .‬لذلك‪ ،‬فإنه إن لم يكن هناك تقليد قديم يجعل‬
‫أسقف مدينة النطاكيين يقوم بالسيامات في قبرص )وقد علمنا يقينية ذلك بتقارير‬
‫تحريرية وشفوية(‪ ،‬فإن الرجال الموقرين جددا رؤساء الكنائس المقدسة في قبرص الذين‬
‫لجأوا إلى المجمع المقدس‪ ،‬سوف يقومون بسيامة أساقفتهم الموقرين جددا دون مضايقة‬
‫أو تعرض للعنف وفدقا لقوانين الباء القديسين واستخدامها القديم‪.‬‬
‫نفس المـر سـوف ي ارعـى فـي بـاقى اليبارشـيات وفـي كـل مكـان مـن المقاطعـات حـتى ل‬
‫يأخذ أى أسقف محبوب لدى ال مقاطعة أخرى لم تكن في زمن سابق ومن البداية تحــت‬
‫سـيطرته أو ســيطرة مــن ســبقوه‪ .‬إواذا أخــذ أحـد أيــة مقاطعـة بــالقوة ووضـعها تحـت ســيطرته‬
‫دعــه يعيــدها حــتى ل نتعــدى قـوانين البــاء وحــتى ل يــدخل تعظــم الســلطة العالميــة تحــت‬
‫مظهــر العمــال المقدســة‪ .‬وبــدون أن نــدرى نفقــد قليلد قليلد الحريــة الــتى وهبــت لنــا بــدم‬
‫المسيح يسـوع ربنـا الـذى حـرر كـل البشـر‪ .‬لـذلك بـدا للمجمـع المس ـكونى المق ـدس أنـه مـن‬
‫الصالح والمستقيم أن الحقوق المكتسبة لكل مقاطعة من البدء والمؤسسة وفدقا للســتخدام‬
‫القديم منذ زمن بعيد يجب أن تصان سليمة وغير منثلمة‪.‬‬
‫كل مطران له الحرية في أخذ نسخة من أعمال المجمع كضمان له‪.‬‬
‫إذا أخــرج أحــد يسـونة تخــالف مــا تــم تعريفــه الن فــإن المجمــع المقــدس يعلــن بصــوت واحــد‬
‫عدم جدواه‪.‬‬

‫أعمـــال بامفيليـــة‪ ،‬والمصـــلين ‪ ،‬وتـــراس‪،‬‬


‫وكرسى أورشليم‬
‫أخذ مجمع أفسس في العتبار عدة مواضيع خاصة أخرى‪ ،‬وهــذا مــا تــبينه الوثــائق‬
‫المختلفــة الــتى تــم حفظهــا‪ ،‬ولكننــا فقــط ل نعــرف إلــى أيــة جلســة ترجــع‪ .‬علــى رأس هــذه‬
‫الوثـ ــائق هنـ ــاك خطـ ــاب إلـ ــى المجمـ ــع المكـ ــانى فـ ــي بامفيلي ـ ـة وفيـ ــه إشـ ــارة إلـ ــى السـ ــقف‬
‫أوستاثيوس وهـذا الرجــل )غيـر مؤكـد إن كـان مطـران بامفيليــا أم أســقف أتاليــا( قـد اســتقال‬
‫لنه لم يستطع أن يحكـم إيبارشـيته بطريقـة صـائبة ويصـحح مسـار معارضـيه‪ .‬وقـد تعيـن‬
‫صــا يــدعى ثيــودوروس بــدلد منــه بواســطة بــاقى أســاقفة الوليــة‪ ،‬بالتفــاق مــع خلفــه‬
‫شخ د‬
‫أوســتاثيوس‪ ،‬الــذى تقــدم بالتمــاس إلــى المجمــع طالدبــا أن يســمح لــه بالحتفــاظ بلقــب ورتبــة‬
‫أسقف‪ ،‬وقد منحه المجمع ذلــك فــي حــدود أل يقــوم بأيــة ســيامات‪ ،‬وأل يقــوم بالخدمــة بنــاءد‬
‫على سلطته الخاصة دون موافقة السقف‪.‬‬
‫أمــا الوثيقــة الثانيــة فهــى مرســوم خــاص بالمصــلين أو الوخيطيــن‪ .‬فقــد قــدم أســاقفة‬
‫بامفيليـ ـة وليكاؤنيــة الــذين كــانت إيبارشــياتهم هــى مــوطن هــذه الهرطقــات‪ ،‬هــذا المرســوم‬
‫بخصوصهم‪ ،‬وقد تبناه مجمع القسطنطينية تحت رئاسة الســقف سيســينيوس‪ ،‬وأكــده هــذا‬
‫المجمــع‪ ،‬بالضــافة إلــى مــا تــم عملــه فــي الســكندرية بخصــوص هــذا المــر‪ .‬وفقدــا لهــذا‬
‫المرســوم‪ ،‬فــإن الكهنــة الــذين كــانوا إلــى هــذا الــوقت مصــلين ولكنهــم الن يحرمــون هــذه‬
‫الهرطقة‪ ،‬فإنهم يستمرون في الكهنوت‪ ،‬والعلمانيون يسمح لهم بالشركة‪ .‬لكــن إذا امتنعـوا‬
‫عن حرم خطئهم السابق‪ ،‬في هذه الحالة يفقد الكهنة وظيفتهم وكرامتهم وشــركة الكنيســة‪،‬‬
‫ويتم حرم العلمانيين‪ .‬بالضـافة إلـى ذلـك‪ ،‬فـإن الـذين تـم إثبـات كـونهم مصـلين )حـتى إذا‬
‫تابوا( ل ييسمح لهم )بالتواجد( بأى أديرة حتى ل يتــم نشــر هـذه العقيــدة بعــد )لن موطنهـا‬
‫هـ ــو الديـ ـ ـرة(‪ .‬وأخيـ ـ ـ دار تـ ــم إعلن الحـ ــرم علـ ــى أيـ ــة كتابـ ــات خاصـ ــة بهـ ــذه الهرطقـ ــات‪،‬‬
‫ونسكياتها‪.‬‬
‫بالنسـ ــبة للمرسـ ــوم الثـ ــالث فهـ ــو لسـ ــقفين مـ ــن ثراكيـ ــا وهمـ ــا إفبريـ ــبيوس أسـ ــقف بيـ ـ از‬
‫وكيرلــس أســقف كــولى طالبــا فيــه بالحمايــة ضــد مطرانهمــا فريــتيلس مط ـران هيراكليــا‪،‬‬
‫الــذى انحــاز ليوحنــا النطــاكى‪ ،‬كمــا طالبــا فــي نفــس الــوقت‪ ،‬بالتصــديق علــى الممارســة‬
‫السابقة بشغل أسقفيتين في نفس الوقت‪ .‬وقد منحهما المجمع مطلبيهما‪.‬‬
‫ضا من خطاب البابا لون الكـبير‪ ،‬أن السـقف جوفينـال أسـقف‬
‫وأخي دار نحن نعلم أي د‬
‫أورشــليم ســعى فــي مجمــع أفســس‪ ،‬ضــمن أشــياء أخــرى بطريقــة غيــر أمينــة وبتقــديم وثــائق‬
‫زائفــة‪ ،‬إلــى التحــرر مــن الســلطة البطريركيــة لســقف أنطاكيــة‪ ،‬وكســب الرئاســة الكنســية‬
‫لكرســيه علــى فلســطين‪ ،‬لكــن كيرلــس الســكندرى رغــم وحــدته عــن كثــب مــع جوفينــال فيمــا‬
‫يخــص النقطــة الرئيســية‪ ،‬وهــى النضــال ضــد نســطور والنطــاكيين‪ ،‬إل أنــه عــارض هــذه‬
‫المكيدة بجدية ثم أبلغ البابا بذلك‪.‬‬

‫الطرفــان يحتكمــان إلــى المــبراطور فــي‬


‫أفسس‬
‫كما رأينا‪ ،‬فقد صمم أعضاء المجمع م اردار وتك اردار وفـي كــل جلسـة‪ ،‬علــى أن يرسـلوا‬
‫المحاضــر إلــى المــبراطور‪ ،‬ولكنهــم اشــتكوا‪ ،‬حــتى فــي الــوقت الــذى وصــل فيــه بلديــوس‬
‫إلى أفسس‪ ،‬من أن الكونت كانديديان لم يسمح لتقاريرهم بالوصول إلى المبراطور‪ .‬كما‬
‫قــام النســاطرة بأعمــال عنــف أكــثر إس ـ اردفا فــي هــذا الصــدد فــي القســطنطينية نفســها‪ .‬فقــد‬
‫احتلوا الطرقـات العامـة والبوابــات‪ ،‬وقــاموا بزيــارات لجميــع السـفن حـتى يمنعـوا أى اتصــال‬
‫بيــن المجمــع والعاصــمة‪ .‬وبــالرغم مــن ذلــك‪ ،‬فقــد نجــح أحــد المتســولون أخيـ دار فــي تهريــب‬
‫خطاب من كيرلـس إلـى السـاقفة والرهبـان فـي القسـطنطينية‪ ،‬هـذا الخطـاب مفقـود حالديـا‪،‬‬
‫وكان قد تم إخفاؤه في عصا مفرغة من الداخل‪ ،‬وفيه يصف كيرلـس اضـطهاد كانديـديان‬
‫والشـرقيين )النطــاكيين( للمجمــع‪ ،‬ويطلــب أن يســمح لهــم بإرســال أســاقفة كمنــدوبين إلــى‬
‫القسـ ــطنطينية‪ .‬وقـ ــد تـ ــأثر رهبـ ــان القسـ ــطنطينية جـ ـددا مـ ــع رؤسـ ــاء أديرتهـ ــم وعلـ ــى أرسـ ــهم‬
‫دلمــاتيوس بهــذه الرســالة‪ ،‬وســاروا وهــم يرتلــون تراتيــل ومزاميــر حــتى وصــلوا أمــام المقــر‬
‫المــبراطورى‪ .‬كــان دلمــاتيوس قــد قضــى ‪ 48‬ســنة فــي الــدير‪ ،‬وكــان يتمتــع بســمعة حســنة‬
‫لورعه‪ ،‬ولم يكن ممكدنا بأى حال إقناعه بترك ديره‪ ،‬ولكنه الن يؤمن أنه مدعو بنداء مــن‬
‫الســماء لنقــاذ الكنيســة‪ ،‬وقــد كــان لظهــوره المفــاجئ عظيــم الثــر‪ .‬فقــد ســمح المــبراطور‬
‫بــدخول رؤســاء الديـرة إلــى مســكنه والمثــول أمــامه بينمــا ظــل الرهبــان والشــعب منتظريــن‪،‬‬
‫ف ــي ه ــذه الثن ــاء ك ــانوا يرتل ــون تراتي ــل مقدس ــة أم ــام البـ ـواب‪ .‬ق ــام رؤس ــاء الديـ ـرة بتلوة‬
‫الرسالة التى تسلموها من أفسس على مسامع المبراطور‪ ،‬ودارت المحادثة التالية‪ ..‬قال‬
‫المبراطور‪ً:‬ا "إذا كان المر كذلك‪ ،‬ينبغى أن يحضر بعض الساقفة )من المجمــع( إلـوى‬
‫ويعرضوا قضيتهم"‪ .‬أجاب دلمــاتيوس‪ً:‬ا "ل يجـرؤ أى منهــم أن يحضـر إلـى هنـا"‪ .‬وأجـاب‬
‫ل‪ً:‬ا "ل يمنعهــم أحــد"‪ .‬دلمــاتيوس‪ً:‬ا "نعــم‪ ،‬هــم ممنوعــون‪ ،‬بينمــا‬
‫المــبراطور علــى ذلــك قــائ د‬
‫الكــثير مــن أتبــاع نســطور يحضــرون ويــذهبون دون أدنــى موانــع‪ ،‬ولكــن ل يجــرؤ أحــد أن‬
‫ييعورف جللتكم بما يفعله المجمع"‪ .‬وأضاف‪ً:‬ا "هل تفضل النصات لعدد ‪ 6000‬أسقف‬
‫)جميــع العــالم المســيحى الرثوذكســى( أم لشــخص غيــر تقــى )نســطور(؟" حينئــذ ســمح‬
‫الم ــبراطور لمبع ــوثى المجم ــع أن يحض ــروا إل ــى القس ــطنطينية‪ ،‬وف ــي الخت ــام طل ــب م ــن‬
‫رؤســاء الديـ ـرة أن يصــلوا إلــى الـ ـ مــن أجلــه‪ .‬بعــد أن خــرج رؤســاء الديـ ـرة مــن القصــر‬
‫المــبراطورى مــع الرهبــان والشــعب ذهبـ ـوا إلــى كنيســة القــديس موكيــوس الشــهيد‪ ،‬حيــث‬
‫صــعد دلمــاتيوس إلــى النبــل وقــدم تقريـ دار عمــا حــدث‪ ،‬وعنــدئذ صــاح جميـ ــع الحاضــرون‬
‫"محروم نسطور"‪ .‬ثم انتهـز المجمـع الذن المـبراطورى‪ ،‬حـتى قبـل وصـوله إلـى أفسـس‪،‬‬
‫وأرســلوا كــل مــن الســقف ثيوبيمبتــوس ‪ Theopemptus‬أسقف كاباســوس ‪Cabasus‬‬
‫والسقف دانيال أسقف دارنيس ‪) Darnis‬كلهما مصريان( إلى القسطنطينية‪ ،‬برسالة‬
‫شكر موجهة إلى دلماتيوس‪.‬‬
‫وجد يوحنا والشرقيون التابعون له أنه من الضرورى اســتخدام تــأثيرهم علــى البلط‪،‬‬
‫ولكــن مــن أجــل طاعــة أوامــر المــبراطور‪ ،‬كمــا قــالوا‪ ،‬فــإنهم لــن يفعلـ ـوا مثــل المصـ ـريين‬
‫ويرسلوا أساقفة‪ ،‬بل إنهم يطلبون من الكونت إيرينيئوس‪ ،‬وهو الصديق الغيور لنســطور‪،‬‬
‫أن يذهب نيابة عنهـم إلـى القسـطنطينية‪ .‬وهـذا كــان مسـتعددا لـذلك‪ ،‬فأخــذ معـه رســالة مـن‬
‫المنشقين‪ ،‬فيها عورفوا المبراطور كيف لـم ييسـمح لهـم بإقامـة شـعائر الخدمـة المقدسـة فـي‬
‫أفسس‪ ،‬وكيف أنه بعد مدة قصيرة من وصول بلديوس‪ ،‬عندما أرادوا أن يــدخلوا الكنيســة‬
‫ليشكروا ال على الرسالة التى تســلموها مــن المــبراطور‪ ،‬أســيئت معــاملتهم‪ ،‬وكيــف ســمح‬
‫كيرل ــس وأتبـ ــاعه لنفس ــهم بالقيـ ــام بك ــل أنـ ـواع أعم ــال العنـ ــف‪ .‬وهكـ ــذا ينبغ ــى أن يسـ ــتمع‬
‫المــبراطور إلــى إيرينيئــوس الــذى قــام بتســليم عــدة مقترحــات مــن جــانبهم‪ ،‬بقصــد وضــع‬
‫نهاية للشر‪.‬‬
‫وحيث إنـه لـم يـرد فـي هـذه الرسـالة أن المجمـع قـد أعلـن بالفعـل أحكادمـا بـالقطع مـن‬
‫الشركة واليقاف ضد المنشقين‪ ،‬فيبدو أنه قد تم إعداد ذلــك قبــل جلســات المجمــع الرابعــة‬
‫والخامسة )‪ 16‬و ‪ 17‬يوليـو( حـتى أن إيرينيئـوس لبـد أن يكـون قـد غـادر بالفعـل حـوالى‬
‫منتصف شهر يوليو‪.‬‬
‫لك ــن بع ــد أن نط ــق المجم ــع ف ــي ه ــاتين الجلس ــتين ب ــالحكم عل ــى يوحن ــا النط ــاكى‬
‫ضــا للمــبراطور‪ ،‬وتـم إرســاله خلـف إيرينيئــوس‪،‬‬
‫وأتبـاعه‪ ،‬للحــال أعـد هـؤلء تقريـ دار بهــذا أي د‬
‫الــذى كــان قــد غــادر بالفعــل‪ ،‬حــتى يتمكــن مــن تســليمه للمــبراطور فــي نفــس الــوقت‪ .‬فــي‬
‫هــذا التقريــر يحــاولون أن يــبرهنوا للمــبراطور أن حكمهــم علــى كيرلــس وممنــون قــانونى‪،‬‬
‫ومـن جهـة أخـرى أن حكـم المجمـع عليهـم أحمـق وعقيـم‪ ،‬ويشـتكون مـرة أخـرى مـن الظلـم‪،‬‬
‫ويطلبون أن يتم اســتدعاءهم للجتمـاع فــي القسـطنطينية أو نيقوميـديا )فــي مجمـع جديــد(‬
‫مــن أجــل فحــص أدق‪ .‬ولكــن يجــب إعطــاء المــر )كمــا اقــترحوا مــن قبــل( بــأنه ل يجــوز‬
‫لى مطران أن يحضر معه أكثر من أسقفين لهذا المجمع‪ .‬وأخي دار طلبوا من المــبراطور‬
‫أن يعطــى تعليمــاته بــأن كــل شــخص عليــه أن يوقوــع علــى قــانون اليمــان النيقــاوى‪ ،‬الــذى‬
‫يضعونه هم أنفسهم في رأس هذه الرســالة‪ ،‬وبــأل يضــيف أى شــخص شــيدئا جديـددا عليــه‪،‬‬
‫وأل يــدعو أحــد المســيح مجــرد إنســان )مثــل نســطور( وأل ييعلــن أحــد أن لهــوت المســيح‬
‫قابــل لللــم )ذكــرت هــذه النقطــة ليلم كيرلــس( لن كل التعــبيرين يعتــب ار تجــاديف‪ .‬وفــي‬
‫نفــس الــوقت قــام المنشــقون بتــوجيه خطابــات لبعــض كبــار رجــال الدولــة‪ ،‬ليعرضـوا عليهــم‬
‫حالتهم المحزنة في أفسس‪ ،‬وسوء المعاملة التى لقوهــا‪ ،‬ويلتمســون منهـم المسـاعدة علـى‬
‫اســتدعائهم للجتمــاع فــي القســطنطينية‪ ،‬ونيــل موافقــة المــبراطور لنعقــاد مجمــع جديــد‪.‬‬
‫ينتمــى خطــاب ثيئــودوريت أســقف قــورش إلــى أنــدرياس أســقف ساموســاط إلــى هــذه الحقبــة‬
‫)هــذا الخطــاب موجــود الن باللغــة اللتينيــة فقــط(‪ ،‬وفيــه يهنئــه علــى المــرض الــذى منعــه‬
‫عن الحضور إلى أفسس‪ ،‬حيث كان سوف يضطر إلى معاينـة حزنهـم وبؤسـهم‪ .‬ويقـول‪ً:‬ا‬
‫ظــا ضــد الــ‪ ،‬والجــزء العظــم مــن شــعب الـ ينحــازون إلــى صــفه‪،‬‬
‫إن المصــرى يهيــج غي د‬
‫كالمصـريين والفلســطينيين والــذين مــن بنتــس وآســيا والغــرب‪ .‬وقــد قــام الرجــال المعزولــون‬
‫)كيرل ــس وآخ ــرون( بالخدم ــة المقدس ــة‪ ،‬بينم ــا ال ــذين عزل ــوهم ك ــانوا ين ــدبون ف ــي المن ــزل‪.‬‬
‫وأضاف أنه لم يؤلف أى كاتب كوميديا قصــة مضــحكة كهــذه‪ ،‬ول كــاتب مأسـاة مثــل هــذه‬
‫المسرحية المحزنة‪.‬‬
‫وصل مبعوثو المجمـع الحقيقـى إلـى القسـطنطينية قبــل إيرينيئـوس بثلثــة أيــام‪ ،‬كمـا‬
‫قص هو‪ ،‬وبعرضهم للوضاع الحقيقية‪ ،‬أوثروا بقوة علــى كــثير مــن ذوى المكانــة الرفيعــة‪،‬‬
‫مــن رجــال الدولــة والضــباط‪ ،‬حــتى أنهــم أدركـوا أن حكــم المجمــع ضــد نســطور كــان حكدمــا‬
‫عــادلد تمادمــا‪ .‬وقــد تبنــى هــذا الـ ـرأى بصــفة خاصــة اليــاور سكولســتيكوس‪ ،‬خاصــة لن‬
‫نســطور كــان قــد عــارض فــي أفســس عبــارة "والــدة اللــه"‪ .‬وبعــد وصــول إيرينيئــوس تمــت‬
‫عدة مقابلت ومناقشات بين أتباع الطرفين‪ ،‬واتفقوا على أن إيرينيئوس ومندوبى المجمع‬
‫عليهم أن يمثلوا مدعا بحضور كبار رجــال الدولــة أمــام المــبراطور‪ .‬وأعلــن إيرينيئــوس أنــه‬
‫لــم يكــن يســتطيع الوصــول إلــى القصــر بــدون مواجهــة خطــر إلقــائه فــي البحــر )إلــى هــذه‬
‫الدرجــة العظمــى كــان غضــب النــاس ضــد النســاطرة(‪ ،‬ولكنــه يفتخــر بنجــاحه فــي إقنــاع‬
‫المــبراطور بــأن المجمــع غيــر عــادل‪ ،‬وتصـ ـرفاته فوضــوية )لعــدم انتظــار النطــاكيين(‬
‫وب ــأنه أقن ــع الم ــبراطور أن يع ــتزم عل ــى ع ــزل كيرل ــس‪ ،‬ويعل ــن أن م ــا ت ــم عمل ــه بواس ــطة‬
‫الغلبية في أفسس غير قانونى‪ .‬وبعد ذلك بفـترة قصـيرة‪ ،‬قـال إن يوحنـا الطـبيب سـكرتير‬
‫كيرلــس وصــل إلــى أورشــليم وحطــم مــا بنــاه إيرينيئــوس وكســب مـرة أخــرى كــثير مــن كبــار‬
‫الدولة إلى صفه‪ .‬والن ينصح أحد الطراف المبراطور بأنه يجب أن يؤكـد علـى العـزل‬
‫الـذى تـم مـن قبـل الطرفيـن‪ ،‬وبالتـالى‪ ،‬ذاك الصـادر ضـد نسـطور مـن ناحيـة‪ ،‬ومـن ناحيـة‬
‫أخرى الصادر ضد كل من كيرلس وممنون‪ .‬ونصح طرف آخر على النقيض مــن ذلــك‪،‬‬
‫بــأن المــبراطور يجــب أل يوافــق علــى أى ق ـرار بــالعزل‪ ،‬ولكــن بــالحرى أن يــدعو أكــثر‬
‫الس ــاقفة تفوقد ــا إل ــى الجتم ــاع مدع ــا لفح ــص م ــا ق ــد ت ــم‪ .‬نص ــيحة ثالث ــة ك ــانت أن يرس ــل‬
‫المــبراطور مفوضــين إلــى أفســس‪ ،‬ليتمكن ـوا مــن إعــادة الســلم م ـرة أخــرى‪ .‬هــذا القــتراح‬
‫الخيــر كــان أقلهــم قبــولد بالنســبة إلــى إيرينيئــوس‪ ،‬حيــث إنــه جــاء مــن طــرف كــان معــالد‬
‫لنسطور‪.‬‬
‫قرار المبراطور واعتقــال كيرلــس وممنــون‬
‫ونسطور وحزن المجمع‬
‫ووحــد المــبراطور القــتراحين الول والثــانى‪ ،‬فأكــد عــزل كــل مــن نســطور وكيرلــس‬
‫وممنــون‪ ،‬وفــي نفــس الــوقت أرســل يوحنــا وهــو أحــد كبــار رجــال الدولــة الرســميين )أميــن‬
‫خ ازنـة الدولــة( إلـى أفسـس‪ ،‬لنشـر الحكـم ولتوحيـد السـاقفة المفـترقين‪ .‬تـم تــوجيه المرســوم‬
‫الذى أعلن فيه هـذا القـرار إلـى جميـع رؤســاء السـاقفة والسـاقفة البـارزين الــذين كــانوا قـد‬
‫استلموا دعاوى خاصة إلى مجمع أفسس‪...‬‬
‫ل يجب أن نتعجب من أن المبراطور قد نطق بالحكم بعزل القديس كيرلــس‪ ،‬لنــه‬
‫هــو نفســه كــان عــديم البصــيرة والفهــم اللزم للمســائل اللهوتيــة‪ ،‬إوال لمــا كــان قــد وضــع‬
‫نسطور تحت ظل حمـايته فـي أول المـر‪ ،‬ثـم فـي فـترة لحقـة‪ ،‬أوطـاخى المضـاد لـه‪ .‬أمـا‬
‫النطـ ــاكيون‪ ،‬وحـ ــتى المحـ ــافظين منهـ ــم وذوى المكانـ ــة الرفيعـ ــة مثـ ــل ثيئـ ــودوريت أسـ ــقف‬
‫قــورش‪ ،‬فقــد عملـوا كــل مــا بوســعهم لتهــام عقيــدة كيرلــس بالبوليناريــة‪ ،‬وتصـرفاته بــالظلم‬
‫والنفعالية‪ .‬فقالوا‪ً:‬ا "مثــل خــاله ثيؤفيلــوس الــذى اضــطهد القــديس يوحنــا ذهــبى الفــم بســبب‬
‫يبغضه الشخصى‪ ،‬هكذا يفعل كيرلس ضد نسطور‪ .‬فهو يختمــه بســمة الهرطقــة مــن أجــل‬
‫أن يحطمه‪".‬‬
‫وسادت مثل هذه التهامات‪ ،‬إلى حد ما‪ ،‬حتى بين لهوتيي الرثوذكس‪ ،‬كمــا نــرى‬
‫من رسائل الب القديس ايسذوروس ‪ Isidore‬أسقف بلوسيوم )بجوار السكندرية( إلى‬
‫القديس كيرلس‪ ،‬حيث يذكر بوضــوح أن هـذه الشـكاوى نشـأت عـن الجـانب النطـاكى فـي‬
‫أفسس‪ .‬فل عجـب إذا كـان المـبراطور ثيئودوسـيوس الثـانى الـذى لـم يتمتـع بعقليـة جبارة‬
‫قــد اقتيــد إلــى الخطــأ‪ ،‬خاصــة وأن مبعــوثه كانديــديان‪ ،‬كــان متفقدــا تمادمــا مــع النطــاكيين‪.‬‬
‫وم ــع ذل ــك ف ــإن مرس ــومه ك ــان ل ــه ج ــانب أك ــثر ش ــمولد يس ــتحق الهتم ــام‪ .‬فبع ــد الطريق ــة‬
‫الدبلوماسـ ــية المـ ــاكرة‪ ،‬تـ ــم تجاهـ ــل الوضـ ــع الحقيقـ ــى للمـ ــور‪ ،‬أل وهـ ــو الوجـ ــود الفعلـ ــى‬
‫لمجمعيــن متعارضــين فــي أفســس‪ .‬فقــد عــرض المــر بطريقــة تــوحى بــأن جميــع الســاقفة‬
‫الموجــودين فــي أفســس متحــدون فــي مجمــع واحــد‪ ،‬وقــد عزلـ ـوا نســطور مــن جــانب ومــن‬
‫جانب آخر عزلوا كيرلس وممنون‪ ،‬كما لو كانوا متفقين على اليمـان الرثوذكسـى‪ ،‬حـتى‬
‫أنــه ل يوجــد شــئ آخــر ينبغــى عملــه‪ ،‬إل تهدئــة العــداوة القليلــة الــتى ل ازلــت قائمــة‪ ،‬ثــم‬
‫يفــترقوا بعــد ذلــك فــي ســلم‪ .‬ومــن أجــل بلــوغ هــذا الســلم‪ ،‬قــام المــبراطور بنفســه بح ـث‬
‫المجمــع علــى ذلــك‪ ،‬كمــا أرســل فــي الــوقت نفســه رســالة إلــى المجمــع بنفــس الغــرض‪ ،‬مــن‬
‫السقف أكاكيوس أسقف بيرويا )حالديا حلب( في سوريا‪ ،‬البالغ من العمر أكثر من مائــة‬
‫ســنة‪ ،‬وهــو رجــل لــه مكــانته الرفيعــة‪ ،‬وحيــث إنــه لــم يتمكــن مــن الحضــور شخصـديا‪ ،‬ولكنــه‬
‫أراد أن يرسل مشورته ورأيه‪.‬‬
‫اتجه المبعــوث الجديــد يوحنـا إلـى أفسـس بهـذه الرسـالة مـن المـبراطور‪ ،‬وتلــك الــتى‬
‫مــن الســقف أكــاكيوس وقــد وصــل هنــاك فــي أوائــل شــهر أغســطس‪ .‬كمــا تتفــق جميــع‬
‫الراء‪ .‬وقــد كــانت هنــاك مخــاوف عظمــى مــن أن قضــية الرثوذكســية فــي خطــر‪ ،‬ولكــن‬
‫كيرلس سعى إلى إخماد هذه الفكرة بواسطة عظة ألقاها‪ ،‬غالدبا أمام أساقفة المجمع‪ ،‬فيهــا‬
‫أشــار إلــى أن الضــطهادات والمضــايقات دائدمــا تســاهم فــي خيــر )صــالح( البـرار‪ .‬وفــي‬
‫نهاية هذه العظة‪ ،‬كتبت ملحظــة بــأنه ألقاهــا قبــل القبــض عليــه‪ ،‬الــذى تــم بــأمر المبعــوث‬
‫ل‪ً:‬ا "إنـه‬
‫الجديد الكونت يوحنا‪ ،‬الـذى أبلـغ المـبراطور بخصـوص إجراءاتـه فـي أفسـس قائ د‬
‫بعد وصوله إلى أفسس مباشرة‪ ،‬قام بتحية الساقفة الذين قابلهم من الطرفين‪ ،‬وأعلن لهــم‬
‫ضــا‪) ،‬لــم يحضــر كــل مــن كيرلــس وممنــون بصــفة خاصــة(‪ ،‬بــأنهم ينبغــى أن‬
‫وللغــائبين أي د‬
‫يجتمعوا جميدعا مدعا في اليوم التالى في مقر إقامته‪ .‬وفي نفس الــوقت قــرر الــترتيب الــذى‬
‫ينبغــى أن يــدخلوا بــه‪ ،‬حــتى ل تحــدث ص ـراعات فــي اجتمــاع الطرفيــن مدعــا‪ .‬وقــد حضــر‬
‫نسطور ويوحنا النطاكى في الصـباح بـاك دار جـددا‪ ،‬فـي الفجـر‪ ،‬وبعـد مضـى بعـض الـوقت‬
‫حضــر كيرلــس والســاقفة الخــرون‪ ،‬ممنــون فقــط هــو الــذى لــم يحضــر‪ .‬وقــد طــالب أتبــاع‬
‫كيرلس مباشرة باستبعاد نسطور لنه معزول بالفعل‪ ،‬ولذلك ل ينبغى أن تتم قـراءة رســالة‬
‫المـبراطور المقدســة فــي حضـوره هـو والشـرقيين )النطــاكيين(‪ .‬وفــي نفـس الـوقت طــالب‬
‫ضــا‪ ،‬وحــدثت‬
‫النطــاكيون بنفــس الشــئ بالنســبة لكيرلــس وممنــون‪ ،‬اللــذين تــم عزلهمــا أي د‬
‫مناقشة طويلة وعنيفة بخصوص هذا المر‪ .‬وبعد انقضاء جزء كبير من اليوم علــى هــذا‬
‫الحــال‪ ،‬نجــح الكــونت بواســطة القنــاع تــارة وبالضــغط تــارة أخــرى‪ ،‬كمــا أقــر هــو نفســه‬
‫بوض ــوح‪ ،‬ب ــالرغم م ــن معارض ــة ط ــرف كيرل ــس‪ ،‬ف ــي قـ ـراءة الرس ــالة المبراطوري ــة‪ ،‬دون‬
‫حضــور كيرلــس ونســطور‪ ،‬والرســالة لــم تكــن فــي الواقــع موجهــة إليهمــا‪ .‬وهكــذا تــم إعلن‬
‫عزل كيرلس ونسطور وممنون‪ ،‬ووافق النطاكيون على ذلك‪ ،‬وصدقوا عليه‪ ،‬بينما أعلــن‬
‫الخرون أن عزل كيرلس وممنون غير شرعى‪ .‬ومن أجــل منــع حــدوث إثــارة أكــبر‪ ،‬تعهــد‬
‫الكــونت كانديــديان بــالتحفظ علــى نســطور )وقــد كــان مســجودنا فــي ذلــك الــوقت(‪ ،‬وســلم‬
‫كيرلس إلى يد الكونت يعقوب ‪ ، Jacobus‬كما أرسل ضباط مع كبير شمامسة أفســس‪،‬‬
‫إلــى ممنــون الغــائب‪ ،‬ليعلنـوا لــه أمــر عزلــه‪ .‬بعــد ذلــك تــوجه يوحنــا إلــى الكنيســة ليصــلى‪،‬‬
‫وعنــدما علــم بــأن ممنــون مــا زال فــي مقــر اليبارشــية‪ ،‬اســتدعاه فــودار للمثــول أمــامه‪ .‬ورددا‬
‫ف‪ ،‬حـتى‬ ‫علـى مسـاءلته عـن سـبب عـدم حضـوره فـي الصـباح‪ ،‬قـدم ممنـون عـذ ار غيـر كـا ل‬
‫د‬
‫أنـه بعـد ذلـك مباشـرة وبمـوافقته‪ ،‬ذهـب إلـى مقـر الكـونت‪ ،‬وهنـاك تـم اعتقـاله وتسـليمه إلـى‬
‫يعقـوب‪ .‬وأخيـ دار بـذل يوحنـا جهـوددا مضـنية لحض السـاقفة علـى السـلم والتحـاد‪ ،‬وظـل‬
‫يعمل ذلك ثم يخبر الباطرة بكل شئ له أهمية يجب أن يتم‪.‬‬
‫مــن رســالتين موجهــتين بنــبرة النص ـرة مــن النطــاكيين إلــى أتبــاعهم نعلــم أنــه قــد تــم‬
‫فص ــل كيرل ــس وممن ــون ع ــن بعض ــهما البع ــض ف ــي حب ــس مش ــدد‪ ،‬وأنهم ــا كان ــا م ارق ــبين‬
‫بواسطة كثير مــن الجنــود‪ .‬ومـع ذلــك‪ ،‬فقــد ناشـد المجمــع الرثوذكســى فــي رسـالة واضــحة‬
‫إلى الباطرة )في الشرق والغرب( معلدنا أن المرسوم الصادر من الكونت يوحنا قد تسبب‬
‫في اضطراب عميـق‪ ،‬وبرهـن علـى أن خيانـة وزيفدـا قـد أضـلت آذان البـاطرة‪ ،‬اللـذين كانا‬
‫س ــابدقا مح ــبين جـ ـددا للح ــق‪ .‬فق ــد ع ــرض الم ــر ف ــي المرس ــوم الم ــبراطورى كم ــا ل ــو ك ــان‬
‫المجم ــع نفس ــه ه ــو ال ــذى نط ــق ب ــالحكم بع ــزل كيرل ــس وممن ــون‪ ،‬ولك ــن ل ــم يك ــن المجم ــع‬
‫المسكونى‪ ،‬الذى كان متحددا مع الكرسى الرومانى والرسولى ومع كل الغرب وكل أفريقيا‬
‫والليركــوم ‪ Illyricum‬ه و الــذى فعــل ذلــك‪ ،‬ولكــن علــى النقيــض‪ ،‬فالكــل معجــب بهــذين‬
‫الســقفين بســبب غيرتهمــا علــى اليمــان الرثوذكســى‪ ،‬ويؤمنــون أنهمــا أمــام النــاس وأمــام‬
‫الس ــيد المس ــيح‪ ،‬مس ــتحقان لكالي ــل كريم ــة‪ .‬أم ــا نس ــطور‪ ،‬فه ــو فق ــط المن ــادى بالهرطق ــة‬
‫الجديــدة الخاصــة بعب ـادة النســان‪ ،‬وهــو الــذى عزلــه المجمــع‪ ،‬وأنهــم قــد أعلم ـوا البــاطرة‬
‫ضـا يمكـن تفسـير حـدوثه فقـط‬
‫بذلك من قبـل‪ .‬علوة علـى ذلـك‪ ،‬فقـد تـألموا كـثي دار ‪-‬وهـذا أي د‬
‫ضــا الكيلســتيين )الــبيلجيين(‪،‬‬
‫أنــه كــان نتيجــة لخــداع‪ -‬أن يوحنــا النطــاكى وأتبــاعه‪ ،‬وأي د‬
‫بــالرغم مــن أنهــم مــدانون بواســطة المجمــع المســكونى‪ ،‬قــد حســبوا ضــمن أســاقفة المجمــع‪،‬‬
‫وأن المرسوم المـبراطورى كـان موجهدـا إليهـم‪ ،‬مثلهـم فـي ذلـك مثـل بـاقى أسـاقفة المجمـع‪.‬‬
‫ثـم تـم عمـل تقريـر مختصـر عـن مسـلك النطـاكيين‪ ،‬وتاريـخ انفصـالهم عـن المجمـع‪ ،‬مـع‬
‫ملحظة أنه ل يمكن قبولهم في شركة الكنيسة‪ ،‬لنهـم لـم يوقعـوا علـى عـزل نسـطور‪ ،‬بـل‬
‫ضـا بسـبب وقـاحتهم تجاه رؤسـاء المجمـع )مـن خلل حكمهـم‬
‫اتفقوا معه بكل وضـوح‪ ،‬وأي د‬
‫ضــد كيرلــس وممنــون(‪ ،‬فــإنهم بــذلك انتهكـ ـوا القـ ـوانين‪ ،‬كمــا أنهــم تجـ ـ أروا وكــذبوا وضــللوا‬
‫البـ ــاطرة‪ .‬لـ ــذلك تضـ ــرع المجمـ ــع أن يعيـ ــد البـ ــاطرة كـ ــل مـ ــن كيرلـ ــس وممنـ ــون‪ ،‬ويعمل‬
‫)إمــبراطور الشــرق إوامــبراطور الغــرب( علــى الحفــاظ علــى اليمــان بثبــات‪ ،‬هــذا اليمــان‬
‫المــوروث عــن آبائهمــا‪ ،‬والــذى كــان منقودشــا فــي قلبيهمــا بــالروح القــدس‪ ،‬والمتضــمن فــي‬
‫بيانات المجمع الصادرة ضد نسطور‪ .‬أما إذا كانا يريدان أن يعرفا ما حدث بين المجمــع‬
‫والنطــاكيين بدقــة‪ ،‬فيمكنهمــا إرســال مبعــوثين موثــوق فيهــم‪ .‬والمعنــى الخــاص بالجملــة‬
‫الخي ـرة ســوف يقــدم فــي نصــه اليونــانى كمــا هــو‪ ،‬لنــه وفقدــا لوجهــة نظــر تيلمــونت الــتى‬
‫تســتحق اللتفــات تــترجم‪ً:‬ا "إذا أراد البــاطرة أن يعرف ـوا ذلــك بطريقــة أكــثر دقــة‪ ،‬عليهــم أن‬
‫يــأمروا المجمــع المقــدس بإرســال مبعــوثين موثــوق فيهــم )إلــى القســطنطينية("‪ .‬وهــذا الظــن‬
‫تؤيــده العتبــارات التاليــة‪ً:‬ا )أ( ليــس إرســال مبعــوث إمــبراطورى جديــد إلــى أفســس‪ ،‬إنمــا‬
‫إرســال مبعــوثين مــن المجمــع إلــى القســطنطينية فقــط هــو الــذى يمكــن أن يكــون مفيـ ـددا‪،‬‬
‫وبالتالى هو ما يرغب فيــه المجمــع )ب( لقــد أقــر المــبراطور بالفعــل إرســال مبعــوثين مــن‬
‫المجمــع بعــد ذلــك )ج( وأن المجمــع فــي رســالته اللحقــة‪ ،‬أكــد بوضــوح أن البــاطرة قــد‬
‫استجابا لمطالبهم وسمحا بإرسال مندوبين‪.‬‬
‫بخصوص هذا القتراح الذى قدمه المجمع إلى الباطرة‪ ،‬قام كيرلس بتوجيه رسالة‬
‫م ــن س ــجنه إل ــى الكهن ــة والش ــعب ف ــي القس ــطنطينية‪ ،‬وفيه ــا يؤك ــد أن الك ــونت يوحن ــا )أو‬
‫المرسوم المبراطورى( لم يقـم بعـرض القضـية بطريقـة صـحيحة‪ ،‬فقـد نسـب عـزل كيرلـس‬
‫وممنــون إلــى المجمــع كــذدبا‪ .‬ولهــذا الســبب كــان ل ازدمــا عليهــم أن يرســلوا تقريـ دار جديـددا إلــى‬
‫الم ــبراطور‪ .‬لق ــد ب ــذل المبع ــوث الم ــبراطورى جه ــوددا مض ــنية م ــن أج ــل أن يووح ــد بي ــن‬
‫المجمــع وبيــن يوحنــا النطــاكى وأتبــاعه‪ ،‬لكــن هــذا لــم يكــن ممكدنــا حــتى يلغــى النطــاكيون‬
‫ق ارراتهم غير القانونية‪ ،‬ويتقدموا إلى المجمع كمتوسلين ويحورموا عقيدة نسطور تحريرديا‪.‬‬
‫وحتى يمكن الوصول إلى ذلك بطريقـة أخـرى‪ ،‬طلـب الكـونت مـن المجمـع اعت ارفدـا مكتودبـا‬
‫باليمان‪ ،‬لكى يجعل النطاكيين يوقعون عليه‪ ،‬ثم يعلن‪ً:‬ا "لقـد أعـدت وحـدة المنفصـلين"‪.‬‬
‫لكن المجمع لـم يوافـق علـى ذلـك‪ ،‬وقـالوا إنهـم موجـودون فـي هـذا المكـان ل ليعطـوا تقريـ دار‬
‫بخصـوص إيمــانهم‪ ،‬إنمــا ليعـززوا اليمـان المتأرجـح‪ ،‬وأن المــبراطور ل يحتـاج أن يتعلـم‬
‫إيمانهم الن لول مرة‪ ،‬لنه معروف لديه منذ معموديته‪.‬‬
‫وأضاف كيرلس أن النطاكيين ل يتفقون مــع بعضــهم البعــض فيمــا إذا كــانت مريــم‬
‫تلقــب "والــدة اللــه" أم ل‪ ،‬فــالبعض منهــم يفضــلون أن تقطــع أيــاديهم علــى أن يقــروا هــذا‬
‫صـا رؤسـاء الديـرة‪ ،‬حـتى ل يتمكـن‬
‫التعـبير‪ .‬وقـد عـورف كـل ذلـك للقسـطنطينيين‪ ،‬وخصو د‬
‫الكونت يوحنا عند رجوعه‪ ،‬من أن يحمل معلومـات زائفـة‪ ،‬يضـلل النـاس بهـا‪ .‬فينبغـى أن‬
‫ضــا فــي بــذل الجهــود لصــالح المجمــع‪ ،‬لنــه كــان هنــاك بعــض‬
‫يســتمر القســطنطينيون أي د‬
‫الســاقفة فــي أفســس‪ ،‬هــو ل يعرفهــم شخصـديا‪ ،‬لكنهــم كــانوا مســتعدين أن يــذهبوا معــه إلــى‬
‫المنفــى أو حــتى إلــى المــوت‪ .‬وقــد كــان هــو نفســه مراقدبــا بواســطة جنــود كــانوا ينــامون أمــام‬
‫بــابه‪ ،‬وكــان كــل المجمــع فــي حالــة إنهــاك شــديد‪ ،‬وقــد تــوفى عــدد مــن أعضــائه‪ ،‬وآخــرون‬
‫كانوا في حالة فقر شديد حتى أنهم اضطروا لبيع ممتلكاتهم ليحصلوا بمشقة علـى مـا هـو‬
‫ضرورى للبقاء‪.‬‬
‫تـ ــم ت ــوجيه رس ــالة أخـ ــرى بواس ــطة أعضـ ــاء مجمـ ــع أفس ــس إل ــى الس ــاقفة والش ــعب‬
‫الحاضر في القسطنطينية‪ ،‬يقولون فيها إن أفسس تشبه سجن‪ ،‬تم حبسهم فيه لمـدة ثلثـة‬
‫أشــهر )إذن لبــد أن تكــون الرســالة قــد يكتبــت فــي نهايــة شــهر أغســطس أو بدايــة شــهر‬
‫سبتمبر(‪ ،‬حتى أنهم لم يتمكنوا مــن إرســال رســول بــالبر أو بــالبحر إلــى البلط أو إلــى أى‬
‫مكان آخر‪ ،‬وكلما غامروا بذلك‪ ،‬يتعرض حاملو الرسائل أنفسهم إلى مخــاطر ل تحصــى‬
‫على حياتهم‪ ،‬لذلك كانوا مضـطرين إلـى إخفـاء أنفسـهم بـأنواع كـثيرة مـن التنكـر‪ .‬والسـبب‬
‫في هذه الرقابة الصارمة نشأ نتيجة للتقارير الزائفة التى تم إرسالها من الجهــات المختلفــة‬
‫إلـ ــى البـ ــاطرة‪ .‬فـ ــالبعض يتهمـ ــونهم )أسـ ــاقفة المجمـ ــع( بـ ــأنهم سـ ــبب النقسـ ــام‪ ،‬وآخـ ــرون‬
‫يقولون إن المجمع نفسه هو الذى عزل كيرلس وممنون‪ ،‬وآخرون قد يؤكدون أن المجمع‬
‫كان مستعددا أن يصل إلى اتحاد ودي مع المجمع ال ازئــف المنشــق الخــاص بالنطــاكيين‪.‬‬
‫ومن أجل منع كشف هذه الكـاذيب‪ ،‬كـان المجمــع يمراقدبــا بشـدة‪ ،‬واســتمرت الحــرب بعنــف‬
‫ضــده‪ .‬فيجــب علــى كهنــة القســطنطينية إذن أن يطرح ـوا أنفســهم تحــت أقــدام المــبراطور‬
‫ويعرفـ ــوه بكـ ــل شـ ــئ‪ .‬بـ ــاقى محتويـ ــات الرسـ ــالة الخـ ــرى تحـ ــوى المـ ــادة الـ ــتى كـ ــان علـ ــى‬
‫القسطنطينيين أن يوصــلوها للمــبراطور‪ً:‬ا إن المجمــع لــم يقــم أبـددا بعــزل كيرلــس وممنــون‪،‬‬
‫ولكنــه يــوقر كليهمــا بــأعلى درجــات التكريــم‪ ،‬ولــن ينفصــل أبـددا عــن الشــركة معهمــا‪ ،‬ومــن‬
‫ناحيــة أخــرى‪ ،‬فــإنه لــن تكــون لــه شــركة مــع المجمــع النطــاكى المنشــق‪ ،‬لنفــس الســباب‬
‫التى حددها المجمع بالفعل في رسالته إلى المبراطور‪ ،‬والـتى يكررونهـا الن‪ ،‬لنهــم فــي‬
‫حالــة الحصــار هــذه الــتى هــم معرضــون لهــا‪ ،‬لبــد أن يشــكحوا فيمــا إذا كــانت الرســالة قــد‬
‫وص ــلت إل ــى الم ــبراطور أم ل‪ .‬وف ــي الخت ــام‪ ،‬التم ــس المجم ــع م ــن كهن ــة القس ــطنطينية‬
‫التوســل إلــى المــبراطور باســم كــل أعضــاء المجمــع‪ ،‬مــن أجــل إعــادة كيرلــس وممنــون‪،‬‬
‫وتحرير أساقفة المجمع من ســجنهم‪ ،‬وأن يعطـوا الذن إمــا أن يعــودوا إلــى أوطــانهم أو أن‬
‫يمثلوا أمامه‪ ،‬حتى ل يفنوا جميعهم بالمرض أو بالسى‪.‬‬
‫ومن أجل أن تكـون الرســالة أكــثر إيجــا داز لـم يوقوـع عليهــا جميــع أسـاقفة المجمـع إنمـا‬
‫الرؤساء فقط ‪-‬إن كان كيرلس وممنون أو جوفينال ومطران آخر‪ -‬هذا أمــر غيــر مؤكــد‪.‬‬
‫وقد أضيف فــي ملحـق "إننــا ينذبـح هنـا مــن الحـ اررة‪ ،‬وييــدفن شـخص كـل يــوم تقريدبـا‪ .‬جميــع‬
‫خدامنا أنهكوا ولبـد مـن رجـوعهم إلـى بيـوتهم‪ .‬اذهبـوا إدذا إلـى المـبراطور واعرضـوا عليـه‬
‫أسى المجمع‪ .‬وأخي دار تأكــدوا أنـه مهمــا كـان الســتخفاف بموتنـا‪ ،‬فمــن جهـة الســيد المســيح‬
‫لن يحدث أى شئ غير ما قد قررناه‪".‬‬
‫يبـ ـ ــدو أن هـ ـ ــذه الرسـ ـ ــالة قـ ـ ــاطعت تلـ ـ ــك الـ ـ ــتى أرسـ ـ ــلها السـ ـ ــاقفة الحاضـ ـ ــرون فـ ـ ــي‬
‫القسطنطينية إلى المجمع بتاريخ ‪ 13‬أغسطس‪ .‬وقد عـبروا فيهـا عـن تعـاطفهم الحـى مـع‬
‫أحـ ـزان أعض ــاء المجم ــع‪ ،‬وأك ــدوا له ــم أنه ــم يش ــعرون ب ــاللتزام بالحض ــور شخصـ ـديا إل ــى‬
‫أفســس‪ ،‬ولكــن الطريــق بــالبحر والــبر مغلــق أمــامهم‪ .‬ومــع ذلــك فــإنهم يعملــون مــن أجــل‬
‫المجمـ ــع فـ ــي القسـ ــطنطينية‪ ،‬ويشـ ــعلون حمـ ــاس الكـ ــثيرين‪ ،‬ويقـ ــودون عقـ ــول النـ ــاس إلـ ــى‬
‫النحياز له‪ .‬ولذلك طلبـوا مـن المجمـع أن يعرفهــم مــا الـذى يجـب عليهــم عملــه‪ ،‬وعمــا إذا‬
‫كان ينبغى عليهم الحضور إلى أفسس من أجل مشاركتهم في صراعهم وآلمهم‪.‬‬
‫أما أسماء هؤلء الساقفة فقد تم التعرف عليها من الرد الذى أرسله المجمــع إليهــم‪،‬‬
‫وهم افلليـوس‪ ،‬افريخيـوس‪ ،‬وأكـاكيوس‪ ،‬وكريسـافيوس‪ ،‬وارميـا‪ ،‬وثيئـودول‪ ،‬وأشـعياء‪ .‬وقـد‬
‫عورفه ــم أعض ــاء المجم ــع بفرحته ــم الش ــديدة له ــذا التع ــاطف‪ ،‬وعرف ــوهم مـ ـرة أخ ــرى بتق ــدم‬
‫الح ــداث وب ــأحوالهم الخاص ــة‪ ،‬وطلبـ ـوا م ــن الس ــاقفة أن يبقـ ـوا ف ــي القس ــطنطينية‪ ،‬ح ــتى‬
‫ييعورف ـوا المــبراطور بحالــة المجمــع مــن ناحيــة‪ ،‬ومــن ناحيــة أخــرى أن يعرف ـوا المجمــع بمــا‬
‫يحدث في القسطنطينية‪ .‬ولنه كانت هناك مخاوف مـن أن الســاقفة لــم يخــبروا بالرسـائل‬
‫السـ ــابقة‪ ،‬لـ ــذلك أرفقـ ــت نسـ ــخ منهـ ــا‪ ،‬وفـ ــي نفـ ــس الـ ــوقت أرفـ ــق تقريـ ــر آخـ ــر مـ ــوجه إلـ ــى‬
‫المــبراطور‪ .‬والن يســتطيع الســاقفة‪ ،‬فــي حالــة مــا إذا كــان البــاطرة قــد اســتلما التقريــر‬
‫الســابق‪ ،‬أن يــذوكروهما بــه‪ ،‬إوان لــم يكــن فســوف يعــرف البــاطرة مــن الســاقفة مــا أخف ـى‬
‫عنهما بالخداع‪.‬‬
‫ف ــي ه ــذه الرس ــالة الثاني ــة ترج ــى أعض ــاء المجم ــع بلجاج ــة أن يتح ــرروا أخيـ ـ دار م ــن‬
‫أحزانه ــم‪ ،‬وأن يع ــاد إليه ــم رؤس ــاؤهم كيرل ــس وممن ــون‪ ،‬وق ــد ع ــززوا مناش ــدتهم ه ــذه بس ــرد‬
‫صل عن الطريقة والسلوب التى بها انفصل النطاكيون عــن بــاقى الســاقفة‪،‬‬
‫قصير ويمف و‬
‫وكيــف اتحــد الــذين لهــم الراء النســطورية مــع يوحنــا النطــاكى‪ .‬وفــي نفــس الــوقت‪ ،‬قــرب‬
‫نهايــة الخطــاب‪ ،‬كــانت هنــاك ملحظــة حقيقيــة‪ً:‬ا إنــه إذا أكــد البــاطرة عــزل نســطور كمــا‬
‫حــدث بالفعــل‪ ،‬ســوف يكــون ذلــك بالتأكيــد متضــاردبا وغيــر منســجم مــع م ـوافقتهم علــى مــا‬
‫يفعله أصدقاء نسطور‪ ،‬من أجل النتقام له‪ .‬وقــد وقـوـع علــى هــذه الرســالة جوفينــال أســقف‬
‫أورشليم‪ ،‬الذى كان هو رئيس المجمع منذ أن تم حبس كيرلس‪.‬‬
‫آخــر وثيقــة تــم إرســالها مــن جــانب الرثــوذكس فــي أفســس هــى رســالة قصــيرة مــن‬
‫كيرلس إلـى السـاقفة الثلثـة ثيئوبمبتــوس‪ ،‬وبوتــامون‪ ،‬ودانيـال الــذين أرســلهم المجمــع فــي‬
‫مرحلــة ســابقة‪ ،‬إلــى القســطنطينية‪ .‬فــي هــذه الرســالة يقــول إن عــدددا مــن التهــم الزائفــة قــد‬
‫يوجهت إليه‪ ،‬بأنه قد أحضر معه خدادما ونسادء من الديرة‪ ،‬وبأن نسطور قد تم عزله فقــط‬
‫بواسطة خداعه )كيرلس(‪ ،‬وليس بإرادة المجمع‪ .‬ولكن السـبح ل فقـد تـبين للكـونت يوحنـا‬
‫زيــف هــذه التهامــات‪ ،‬وأدان الــذين اتهمــوه بهــا‪ .‬وبالضــافة إلــى ذلــك‪ ،‬وكنتيجــة للمرســوم‬
‫المــبراطورى‪ ،‬كــان ل يـزال معتقلد ول يعــرف إلــى أى شــئ يقــوده هــذا‪ ،‬ولكــن كــان ينبغــى‬
‫عليــه أن يشــكر الـ ـ لنــه اســتحق أن ييوضــع فــي سلســل مــن أجــل اســمه‪ .‬أمــا أعضــاء‬
‫المجمع فمن جانبهم لم يسمحوا لنفسهم بأى حـال مـن الحـوال أن يضـلوا بـأن تكـون لهـم‬
‫شــركة مــع النطــاكيين‪ ،‬وأعلنـوا أنهــم لــن يفعلـوا ذلــك حــتى يســحب هــؤلء ق ارراتهــم الوقحــة‬
‫ضــد رؤســاء المجمــع‪ ،‬ويعــترفوا باليمــان الصــحيح‪ ،‬لنهــم كــانوا مــا ازل ـوا نســاطرة وكــانت‬
‫هذه هى نقطة التحول في المناقشة كلها‪.‬‬
‫وفي نفس الوقت‪ ،‬أرسل كهنة القسطنطينية مذكرة إلى المبراطور ثيئودوسيوس‬
‫الصغير بالنيابة عن مجمع أفسس موجهة إليه إوالى زميله في المبراطورية‪ ،‬وقد وضعوا‬
‫في بدايتها قبل كل شئ القول أنه يجب أن يطاع ال أكثر من الحكام‪ ،‬ولذلك فقد صار‬
‫من الواجب أن تقال كلمة صريحة‪ .‬ثم أعلنوا أن عزل كل من كيرلس وممنون بواسطة‬
‫النطاكيين ليس شرعديا بالكلية‪ ،‬وأنهم يلتمسون من الباطرة إعادة السقفين المستحقين‬
‫وتأييد القوانين التى صاغتها الغلبية في أفسس )مقابل النطاكيين(‪ .‬فإن كان كيرلس‬
‫قائد )كاثيجيتيس( المجمع عليه أن يتحمل أى شئ ضد ما هو حق‪ ،‬فإن هذا يؤثر‬
‫على كل المجمع الذى اتفق معه‪ ،‬وينبغى معاقبة كل الساقفة بنفس الطريقة التى‬
‫عوقب بها كل من كيرلس وممنون‪ .‬لكن الباطرة محبى ال يجب أن يفكروا في أن‬
‫الكنيسة التى أعزوها كالمربية ل يجب أن تتمزق‪ ،‬وأن قرن الستشهاد ل يجب أن‬
‫يتجدد‪.‬‬
‫ضا ينتمى خطاب دلماتيوس القصير الموجه إلى المجمع‬ ‫إلى هذه الحقبة أي د‬
‫)والذى سبق ذكره(‪ ،‬حيث يعلن استلمه للخطابات التى وجهت إليه‪ ،‬ويعبر عن أسفه‬
‫بخصوص وفاة بعض أعضاء المجمع‪ ،‬ويؤكد لهم أنه كما كان )في الماضى( إوالى‬
‫الن فهو يتمم رغبات المجمع‪ .‬كما تم إرسال خطاب آخر من أليبيوس أحد كهنة كنيسة‬
‫الرسل في القسطنطينية إلى كيرلس‪ ،‬فيه يهنئه على آلمه ويقارنه بأثناسيوس‪ .‬أما‬
‫كيرلس نفسه فقد طوع وقت الفراغ الذى فرضه عليه الحبس في صياغة شرح أوضح‬
‫لحروماته الاثنى عشر التى كثي دار ما هوجمت‪.‬‬

‫قانون الأنطاكيين وخطاباتهم المتتالية‬


‫من ناحية أخرى‪ ،‬فقد بذل النطاكيون كل ما في وسعهم من جهد لكسب‬
‫المبراطور إلى جانبهم‪ .‬فقد أرسلوا إليه بواسطة الكونت يوحنا وثيقة ل زالت باقية‬
‫ظم فوق كل قياس‪ ،‬المرسوم المبراطورى‬ ‫باللغة اللتينية فقط‪ ،‬هى خطاب مهذب‪ ،‬يع و‬
‫ي‬
‫الذى صدر أخي دار )الخاص بعزل كيرلس الخ‪ ،(.‬لنه سالم العالم كله‪ ،‬الذى تسبب ذلك‬
‫المصرى )كيرلس( في بلبلته بحسب عادته‪ .‬وبعد وصول هذا المرسوم تعجلوا على‬
‫التو‪ ،‬في إدانة عروض كيرلس )حروماته( غير المطابقة )المضادة( للبشائر وغير‬
‫الرسولية‪ ،‬حيث تج أر كيرلس إلى النطق بحروم ضد كل قديسى الماضى‪ ،‬وكسب‬
‫لحرومه بالخداع موافقة المجمع‪ ،‬فقط عن طريق إساءة استخدام جهل البعض ومرض‬
‫البعض الخر‪ ،‬علوة على عناده ودهائه‪ .‬فكما كتب الب القديس أكاكيوس أسقف‬
‫برويا للمجمع أنها حرومات أبولينارية‪ ،‬وأكاكيوس هو السقف الذى بلغ من العمر مائة‬
‫وعشر سنة وعرف البولينارية جيددا‪ ،‬هكذا فإنهم يلتمسون مع الكونت يوحنا من‬
‫الساقفة الذين ضللهم كيرلس والذين وقعوا على هذه العروض )الحرومات( أن يعلنوا‬
‫الن نفس الخطأ‪ ،‬وأن يوقعوا على النص النيقاوى مع النطاكيين‪ .‬لكن أولئك قد رفضوا‬
‫ذلك‪ ،‬فبقى لهم )النطاكيين( ببساطة أن يعترفوا من جانبهم باليمان الصحيح ويرفضوا‬
‫الحرومات الخاطئة في لئحة مكتوبة‪ .‬فإن القانون النيقاوى ل يحتاج إلى أية إضافات‪،‬‬
‫لكن‪ ،‬حيث أن الباطرة طلبا إيضادحا بخصوص القديسة العذراء والدة الله‪ ،‬كما أوعز‬
‫بذلك الكونت يوحنا‪ ،‬فإنهم رغم أن هذه المور تتجاوز قدرات البشر‪ ،‬إل أنهم مع‬
‫التضرع إلى المعونة اللهية‪ ،‬ومن أجل دحض أعدائهم سوف يعبرون عن إيمانهم‪ً:‬ا‬
‫"نحن نعترف بأن ربنا يسوع المسيح ابن ال الوحيد الجنس‪ ،‬هو إله حقيقى إوانسان‬
‫حقيقى‪ ،‬من روح عاقلة وجسد‪ .‬وأنه ولد قبل كل الزمان من الب بحسب لهوته‪ ،‬وفي‬
‫آخر اليام من أجلنا ومن أجل خلصنا ولد من العذراء بحسب ناسوته‪ ،‬من جوهر واحد‬
‫مع الب فيما يخص لهوته‪ ،‬ومن جوهر واحد معنا فيما يخص ناسوته‪ .‬لن الطبيعتين‬
‫اتحدتا مدعا ولذلك فإننا نعترف بمسيح واحد‪ ،‬ورب واحد‪ ،‬وابن واحد‪ .‬وفدقا لهذا التحاد‬
‫ضا أن العذراء القديسة هى والدة الله لن ال‬
‫المنزه عن الختلط نحن نعترف أي د‬
‫الكلمة تأنس‪ ،‬وبالتجسد منذ أن حبل به وحد الخيمة )الناسوت( التى اتخذها منها‬
‫)العذراء( بنفسه"‪ .‬وأنهم يضيفون طلدبا إلى المبراطور‪ ،‬أنه بحسب عادته‪ ،‬سوف يضع‬
‫الديانة المهددة بواسطة الحروم المصرية تحت ظل حمايته‪ ،‬وسوف يطلب من كل‬
‫الساقفة رفض حروم كيرلس وقبول القانون النيقاوى الثابت )غير المتغير(‪ ،‬لنه بدون‬
‫رفض هذه الحروم ليس هناك احتمال لوجود السلم في الكنيسة‪.‬‬
‫أساء هذا الخطاب إلى كيرلس واتهمه بالبولينارية رغم نقاوته منها‪ ،‬كما أنه من‬
‫ناحية أخرى‪ ،‬أضعف لوم كيرلس وأصدقائه من أن النطاكيين نساطرة في مفاهيمهم‪،‬‬
‫لن النص الذى صاغوه يحمل مفهودما أرثوذكسديا دقيدقا‪ ،‬وبالتالى فقد وافق عليه كيرلس‬
‫نفسه‪ .‬لكن النطاكيون أخفوا في هذا الخطاب حقيقة أنه لم يوافق كل أعضاء فريقهم‬
‫على هذا الشكل لليمان‪ ،‬كما نعلم من خطاب السقف ألكسندر أسقف هيرابوليس‪،‬‬
‫الذى يصف نفسه بأنه بالتأكيد لنسطور‪ ،‬وأنه ضد )ثيئوطوكوس( وهذا النص الخاص‬
‫بالنطاكيين‪ ،‬ويتهم النص النطاكى بالبهتان والخبث‪ ،‬لنه على الرغم من أن‬
‫المبراطور لم يطلب هذا اليضاح‪ ،‬فإن هذا النص يخون النسطورية المستقيمة‪.‬‬
‫نحن نرى إذن أن كيرلس يمكنه بعدل أن يتهم على القل بعض النطاكيين‬
‫بالنسطورية‪ ،‬وأن تأكيده الذى أكده من قبل‪ ،‬من أن الخلف بخصوص الثيئوطوكوس‬
‫ظهر بين النطاكيين أنفسهم‪ ،‬كان يتفق مع الحق بالصواب‪.‬‬
‫يشير النطاكيون في هذا الخطاب الذى ذكرناه أنه قد تم توجيهه إلى الباطرة‪،‬‬
‫في وثيقة أصدروها بعد وصول الكونت يوحنا‪ ،‬فيها يجددون القانون النيقاوى من‬
‫جانب‪ ،‬ومن جانب آخر يرفضون حروم كيرلس الاثنى عشر بإعلن مكتوب‪ .‬هذا‬
‫المستند ل زال باقديا في وثيقة نسبت عن طريق الخطأ إلى حقبة زمنية أسبق‪ ،‬ولكنها‬
‫بالتأكيد ل يمكن أن تكون قد صدرت قبل وصول الكونت يوحنا لنها تتكلم عن ثلثة‬
‫مراسيم موجهة من المبراطور إلى المجمع‪ .‬هذه هى اليضاحات المجمعية التى تم‬
‫ذكرها سابدقا والتى ووقع عليها يوحنا النطاكى وكل أتباعه‪.‬‬
‫في ذلك الوقت تم إرسال خطاب ثالث من المجمع النطاكى في أفسس إلى‬
‫الكهنة والرهبان والشعب النطاكى‪ ،‬حيث يقصون بمدح كبير في أنفسهم‪ ،‬كل ما تم‬
‫عمله حتى الوقت الحاضر‪ ،‬ثم يعقبون بأن كيرلس وممنون حتى في حبسهما المغلق‪،‬‬
‫لم يصل إلى فكر أفضل‪ ،‬وأنهما ل زال يلقيان الجميع في البلبلة بصورة واضحة‪ ،‬نتيجة‬
‫ليأسهما‪ .‬حيث قال إنهما لم يضطربا بخصوص الحرم من الشركة الذى تم نطقه‪،‬‬
‫إوانهما استم ار في مهامهما الروحية‪ .‬وبالتالى‪ ،‬فإنه وفدقا للقوانين الكنسية )قانون ‪4‬‬
‫لمجمع أنطاكية ‪ ،(341‬ل يمكن إرجاعهما‪ ،‬ولنهما يعرفان ذلك جيددا‪ ،‬فإنهما يسعيان‬
‫إلى أن يجعل الضطراب يستمر في الكنيسة‪ .‬ثم يضيفون أنه قد يكون لهم رجاء صالح‬
‫في أنطاكية‪ ،‬وهم يشكرون ال على ما تم عمله‪ ،‬ويتضرعون من أجل الزلة‪ ،‬ويلقون‬
‫عظات ضد العقيدة الكافرة التى لكيرلس‪ ،‬ويقودون للقضاء كل من يحاول نشرها بأية‬
‫طريقة‪.‬‬
‫في نفس الوقت التجأ المجمع الزائف إلى السقف المسن أكاكيوس أسقف بيرويا‬
‫وأكدوا له حماسهم ضد البولينارية‪ ،‬وأعلنوا أنه حتى في الوقت الحاضر فإن الذين‬
‫ضلوا بسبب كيرلس سوف ل يطيعون المر المبراطورى أو سوف يرفضون هذه‬
‫الحروم الزائفة‪ .‬وقد أصدر النطاكيون بصعوبة تفنيددا كاملد لهذه الحروم )الخاصة‬
‫بكيرلس(‪ ،‬ودعوا خصومهم إلى مناظرة عليها؛ هؤلء الخصوم )الموالون لكيرلس( لم‬
‫يحضروا بل استمروا يبلبلون كل شئ‪ ،‬وكانوا يرسلون إلى كل المدن والقاليم رسائل‬
‫كاذبة مليئة بالتهامات ضد النطاكيين‪ .‬لكنهم لم يستطيعوا تضليل أحد سوى البسطاء‪،‬‬
‫لن الجميع كانوا يعرفون أن ما يصدر عن رجال مخلوعين ليس له سلطة على‬
‫الطلق‪ .‬وسيظلوا مخلوعين للبد‪ ،‬لنهم حتى بعد حرمهم من الشركة كانوا يتممون‬
‫مهامهم الروحية‪ .‬وقد كان حبس كيرلس وممنون حبدسا دقيدقا مراقدبا بواسطة جنود ليلد‬
‫ونهادرا‪ .‬وأكاكيوس يشكر ال ويتضرع من أجل النطاكيين كما يتضرع من أجل من زلوا‬
‫حتى يعودوا إلى اليمان القديم‪.‬‬
‫المبراطور يجمع إليه مندوبين من الطرفين‬
‫كانت لجهود دلماتيوس والساقفة الموجودين في القسطنطينية نتائجها المرجوة‪،‬‬
‫وقد علق الساقفة في خطابهم إلى مجمع أفسس الذى سبق ذكره‪ ،‬أنه قد شاع عن‬
‫المبراطور أنه قد اقتنى نظرة أكثر صددقا للقضية‪ ،‬أما كيف جاء هذا التغيير التدريجى‬
‫فهذا غير معروف‪ ،‬لكننا نعرف فقط أن ثيئودوسيوس قد عزم الن على أن يذعن‬
‫لمطلب المجمع‪ ،‬ويستمع بنفسه إلى مندوبين من الطرفين‪ .‬يظن بارونيوس أن هزيمة‬
‫الجنرال أسبار في حربه ضد الوندال في أفريقيا هو الذى صدم المبراطور وغويره‪ ،‬لكن‬
‫تلمونت يشير إلى ما هو ضد ذلك‪ ،‬وهو محق‪ ،‬لنه من جانب‪ ،‬فإن المبراطور‬
‫ثيئودوسيوس كان قد اتخذ الخطوات الخاطئة السابقة لمجرد الجهل‪ ،‬وليس نتيجة لمشيئة‬
‫شريرة‪ ،‬وبالتالى فإنه لم يكن يعتبر أن سوء الحظ هذا هو عقوبة من ال‪ .‬ومن جانب‬
‫آخر فإن هذه الواقعة الحربية الفاشلة لم تحدث قبل أغسطس ‪431‬م‪ ،‬وبالتالى فإن‬
‫النتيجة لم تكن قد عرفت بعد في القسطنطينية‪.‬‬
‫إن المرسوم الذى جمع المبراطور بواسطته ثمانية ممثلين لكل من الطرفين‬
‫للمثول أمامه‪ ،‬ليس باقديا إلى الوقت الحاضر‪ ،‬لكننا نتعرف عليه من نتائجه فقط ومن‬
‫كتابات الطرفين‪ .‬فقد عورف الكونت يوحنا كل الطرفين به وأسرع الطرفان في انتخاب‬
‫إوارسال أعضاءهم المفوضين‪ .‬من جانب المجمع تم انتخاب الكاهن الرومانى والنائب‬
‫ضا نائب باباوى( وجوفينال )أسقف أورشليم(‬
‫الباباوى فيليب والسقف أركاديوس )أي د‬
‫وفلفيان )أسقف فيلبى( وفيرمس )أسقف قيصرية كبادوكيا( وثيؤدوتس )أسقف انقرا(‬
‫وأكاكيوس )أسقف مليتين( ويوبيتوس )أسقف بتولمايس في أفريقيا(‪ .‬أما كيرلس فقد كان‬
‫يسره أن يكون ضمن هؤلء المندوبين‪ ،‬لكنه كان مضط دار هو وممنون إلى البقاء في‬
‫عهد بالتمثيل إلى كل من يوحنا النطاكى ويوحنا‬
‫الحبس‪ .‬من الجانب النطاكى ي‬
‫الدمشقى وهيمريوس النيقوميدى وباولس أسقف اميصا ومكاريوس أسقف لودكية‬
‫وابرنجويس أسقف خالكيس وثيئودوريث أسقف قورش وهيلديوس أسقف بتلتمايس )في‬
‫فينيقية(‪.‬‬
‫نص التفويض الذى عهد به المجمع الرثوذكسى إلى ممثليه هو كالتى )مع‬
‫بعض التصرف في الترجمة(‪ً:‬ا "حيث أن الباطرة محبى ال قد أعطونا الذن باسم‬
‫العالم كله‪ ،‬الذى يمثله المجمع‪ ،‬وهو يناضل من أجل اليمان الصحيح‪ ،‬بإرسال سفارة‬
‫إلى القسطنطينية لصالح الرثوذكسية والساقفة القديسين كيرلس وممنون‪ ،‬فقد اخترناكم‬
‫لهذا الغرض ونعطيكم التوجيهات التالية‪ً:‬ا قبل كل شئ يجب أل توافقوا على أية شركة‬
‫مع يوحنا النطاكى ومجمعه المارد )المرتد( لنهم رفضوا أن يشتركوا معنا في إبعاد‬
‫نسطور‪ ،‬لنهم كانوا عملءه حتى وقت مغادرتكم‪ ،‬ولنهم تج أروا على إدانة كيرلس‬
‫وممنون وفي هذا مخالفة لجميع القوانين‪ ،‬ولكن بالخص لنهم إلى اليوم يدافعون عن‬
‫عقائد نسطور‪ ،‬علوة على ذلك فإن كثير منهم بيلجيون ولهذا السبب تم عزلهم‪.‬‬
‫وأخي دار لنهم لم يرتعدوا من الفتراء على أعضاء مجمع العالم كله بأنهم هراطقة‪ .‬أما إذا‬
‫طلب المبراطور ذلك على عجل )ولننا يجب أن نطيعه دائدما حينما يكون في إمكاننا(‬
‫فسوف تهبون النطاكيين الشركة بشرط توقيعهم على عزل نسطور‪ ،‬وطلب غفران‬
‫المجمع تحريرديا‪ .‬وبخصوص كيرلس وممنون‪ ،‬في الدرجة الولى‪ ،‬أن يقوموا بحرم‬
‫الهرطقات الخاصة بنسطور ورفض أتباعه‪ ،‬واتخاذ تحركات مشتركة مع المجمع لعادة‬
‫كيرلس وممنون‪ .‬علوة على ذلك‪ ،‬يجب أن تكونوا على اتصال بالمجمع في كل نقطة‪،‬‬
‫حيث إن العودة الكاملة للسلم مع النطاكيين تحتاج إلى موافقة المجمع‪ .‬ويجب أل‬
‫تسمحوا بالشركة للنطاكيين حتى يعود إلى المجمع رؤساؤه )كيرلس وممنون("‪ .‬وقع‬
‫على هذه الوثيقة برينيانوس أسقف برجة الذى قد يكون هو أكبر المطارنة سدنا في ذلك‬
‫الوقت )كما كان جوفينال وسط الممثلين( لذلك رأس المجمع‪.‬‬
‫وقد ائتمن أعضاء المجمع مندوبيهم بتوصيل الخطاب التالى للباطرة‪ ،‬قالوا‪ً:‬ا‬
‫"إنهما قد استجابا أخي دار لتضرعات المجمع وسمحا أن ينقل إليهما المر بإرسال ممثلين‬
‫عن طريق الكونت يوحنا‪ .‬وقد شكرهما أعضاء المجمع على ذلك وأرسلوا أركاديوس‬
‫إلخ‪) .‬الكاهن الرومانى فيليب يدعى هنا( كممثلين لهم‪ ،‬إوانهم يترجون المبراطور من‬
‫جانبهم من أجل قبول خوير وسماع متفضل‪ .‬وفي نفس الوقت يذكرون في هذا الخطاب‬
‫المر الذى يثقل عليهم كثيدرا‪ .‬ثم يقصون كيف استدعى نسطور إلى المحاكمة بعد‬
‫فوات المدة المحددة بستة عشر يودما‪ ،‬ولم يحضر‪ ،‬وكيف سلك يوحنا النطاكى وأتباعه‪،‬‬
‫وكيف عزلوا كيرلس وممنون‪ ،‬وكيف خدعوا المبراطور بدهاء‪ ،‬وما تم عمله من جانب‬
‫المجمع‪ .‬وأنهم الن بواسطة خطابهم وممثليهم يقوبلون ركب الباطرة ويتضرعون أن‬
‫يبطل الحكم الذى صدر ضد كيرلس وممنون بواسطة الخداع‪ ،‬وأن يعاد إلى المجمع‬
‫رؤساؤه‪ ،‬لنهما ذوى إيمان قويم‪ ،‬وقد شاركهما المجمع كله في إيمانهما كما أعلنوا‬
‫كتابدة‪ .‬وفي هذين الرأسين يعتبر كل المجمع أنفسهم سجناء وهم الن يطالبون الباطرة‬
‫بإطلقهما من القيود"‪.‬‬
‫ضا في أن يعهدوا لممثليهم الذين سبق ذكرهم‪ ،‬بتفويض‬
‫لم يفشل النطاكيون أي د‬
‫مكتوب ينعكف فقط على عبارات عامة خاصة بالحقوق والواجبات لمن يتم انتخابهم‪،‬‬
‫ويشترط التصديق على كل إجراءات المجمع النطاكى‪ .‬إن ما سوف يرضى الكل‪ ،‬هو‬
‫رفض الحرومات الهرطوقية الخاصة بكيرلس فقط‪ .‬وقد وقع كل الأنطاكيين وعلى رأسهم‬
‫ألكسندر أسقف هيرابوليس ودوروثيئوس أسقف ماركينوبوليس على هذا التفويض‪.‬‬

‫اجتماع ممثلى الطرفين في خلقيدونية‬


‫من خطاب قصير من المندوبين النطاكيين إلى المجمع النطاكى بتاريخ‬
‫‪11‬سبتمبر ‪431‬م نعرف أن المبراطور ثيئودوسيوس كان قد غوير خطته في غضون‬
‫ذلك‪ ،‬فلم يسمح لى من الطرفين بالدخول إلى القسطنطينية‪ ،‬لكنه أمرهم بالتوجه إلى‬
‫خلقيدونية )التى تقابل القسطنطينية ويفصلها عنها مضيق البوسفور( وانتظاره هناك‪.‬‬
‫كان في رأى النطاكيين‪ ،‬أن الضطرابات التى حدثت وسط الرهبان هى التى حثت‬
‫المبراطور على اتخاذ هذه الخطوة‪ .‬وفي نفس الوقت نعرف من هذا الخطاب أنه قد تم‬
‫إخطار نسطور‪ ،‬قبل ذلك التاريخ بثمانية أيام‪ ،‬بترك أفسس والعودة إلى الدير الذى كان‬
‫راهدبا فيه من قبل‪ .‬وقد اعترض المندوبون النطاكيون على هذه الخطوة‪ ،‬لنها كانت‬
‫تبدو مؤيدة للحكم غير العادل الصادر ضد نسطور‪ .‬وقد أعلنوا بعد ذلك استعدادهم‬
‫للنضال في سبيل اليمان حتى الدم‪ ،‬وعلقوا بأنهم يتوقعون مجيئ المبراطور في هذا‬
‫اليوم‪ ،‬وهو الحادى عشر من شهر سبتمبر‪ .‬أخي دار استودعوا أنفسهم إلى تضرعات‬
‫أصدقائهم‪ ،‬الذين يتمنون لهم التمسك باليمان‪ .‬ويختمون بأن هيمريوس )أسقف‬
‫نيقوميديا وأحد الممثلين النطاكيين الذى مرض في الطريق( لم يصل بعد‪.‬‬
‫بلغ إلى مسامعنا أن نسطور تلقى إنذا دار بترك أفسس في غضون مغادرة مندوبى‬
‫الطرفين ووصولهم إلى خلقيدونية‪ .‬ول زال المنشور الذى أعلن له فيه ذلك موجوددا‪ ،‬إوان‬
‫لم يكن كله‪ ،‬وهو في الغالب مرسل من أنتيوكوس والى البريتورين لكن وفدقا للتقليد‬
‫المعتاد فقد صدر باسم كل الحكام‪ .‬هو إنذار قصير ولطيف لكنه محدد‪ ،‬وينص على‬
‫أنه بناء على رغبة نسطور نفسه في مغادرة أفسس والعودة إلى ديره السابق‪ ،‬فقد أمد‬
‫بحراسة لخدمته خلل الرحلة‪ .‬وقد يسمح له باختيار الطريق بنفسه‪ ،‬إن كان بالبر أو‬
‫بالبحر‪ ،‬لكن كان على هؤلء القائمين على خدمته أن يوصلوه إلى ديره )دير القديس في‬
‫أنطاكيا(‪ .‬وفي الختام يتمنون له كل ما هو جيد وصالح لمستقبله‪ ،‬وأضيف أنه بحكمته‬
‫ل يمكن أن يعتاز إلى الراحة‪.‬‬
‫أجاب نسطور بأنه "استلم خطاب الوالى ومنه علم بأمر المبراطور أنه يجب‬
‫عليه من الن فصاعددا أن يعيش في الدير‪ .‬وقد قبل ذلك بشكر‪ ،‬لنه من وجهة نظره‬
‫ليس هناك شئ أكرم من أن ينفى من أجل الدين‪ .‬وهو يطلب فقط أن يستخدم الوالى‬
‫سعيه لدى المبراطور بأن يتم نشر المرسوم المبراطورى في كل الكنائس من أجل أن‬
‫ترفض عقيدة كيرلس الزائفة لمنع أذى البسطاء"‪.‬‬
‫إذا عدنا مرة أخرى إلى مندوبى الفريقين ومجهوداتهم‪ ،‬يجب علينا أولد أن نرثى‬
‫المنية العظيمة للمصادر الصلية للمعلومات‪ ،‬خاصة وأنه ليست هناك وثيقة أصلية‬
‫واحدة باقية لممثلى الرثوذكس‪ ،‬فمن كل هذا الطرف لم يصل إلينا إل تقرير واحد‬
‫مختصر معاصر لما تم‪ .‬وحتى الوثائق الصادرة عن النطاكيين والمبراطور فهى‬
‫ناقصة بدرجة ل تمكننا من فهم الجراءات التى تمت في خلقيدونية بتفاصيل كافية‪.‬‬
‫سوف نجترئ بوضع القليل الذى نعرفه في الترتيب الزمنى التالى‪ .‬في المكانة الولى‬
‫نذكر التقرير القصير المذكور أعله الذى أرسله مندوبو النطاكيين لمن مثلوهم‪ ،‬فيه‬
‫يعلنون وصول المبراطور في الحادى عشر من شهر سبتمبر عام ‪431‬م‪ .‬ثم بعد ذلك‬
‫ببضعة أيام أرسلوا خطادبا قصي دار لصدقائهم في أفسس‪ ،‬وفيه أعطوهم تقري دار عن‬
‫الجراءات الولى التى تمت في خلقيدونية بحضور المبراطور‪ .‬ويعبرون عن ملء‬
‫الفرح لن المبراطور قبل طلبهم بلطف‪ ،‬إوانهم انتصروا على خصومهم‪ ،‬وكان لهذا‬
‫انطبادعا سيدئا‪ .‬فمن حين لخر عرض أولئك الخصوم اسم كيرلسهم والتمسوا أن يسمح‬
‫له بالحضور ليتولى قضيته بنفسه‪ .‬لكنهم لم ينالوا مطلبهم‪ ،‬بل كان هناك تصميم على‬
‫وجوب مراعاة اليمان وتأكيد عقيدة الباء القديسين‪ .‬وأما النطاكيون فقد قاوموا‬
‫)عارضوا( أكاكيوس أسقف مليتين صديق كيرلس‪ ،‬لنه أوكد أن اللهوت قابل لللم‪.‬‬
‫عند هذا التجديف تكدر المبراطور جددا حتى أنه حرك رداءه القرمزى‪ ،‬واتفق معه في‬
‫ذلك كل الشيوخ المجتمعين‪ .‬وفي النهاية أمر المبراطور أن يقودم له كل الطرفين تقري دار‬
‫مكتودبا عن إيمانهم‪ ،‬وقد أجابوا بأنهم لن يستطيعوا أن يقودموا أى إيضاح آخر غير إيمان‬
‫ضا المبراطور كثيدرا‪ .‬وقد خرجت كل القسطنطينية إليهم‬
‫نيقية‪ ،‬وقد أرضى هذا أي د‬
‫تترجاهم أن يناضلوا بشجاعة في سبيل اليمان‪ .‬وفي الختام ضموا نسختين لليمان‬
‫المعلن في نيقية‪ ،‬معينين للمبراطور حتى يوقع عليهما أعضاء المجمع النطاكى‬
‫بأيديهم‪.‬‬
‫فرح النطاكيون في أفسس فردحا عظيدما بهذا‪ ،‬وللحال أعادوا الوثيقتين وعليهما‬
‫توقيعاتهم‪ ،‬مؤكدين لممثليهم في ردهم‪ ،‬أن يفضلوا الموت على قبول أى حرم هرطوقى‬
‫خاص بكيرلس‪ .‬إوان كانت هذه الحروم هرطوقية‪ ،‬فبالتالى تكون أحكام العزل التى نطق‬
‫بها أتباع هذه الحروم لغية وغير معمول بها )هم يشيرون بالتحديد إلى الحروم التى‬
‫صدرت ضد نسطور كما هو مبين في الخطاب التالى(‪ .‬وقد استأمنوا المبعوثين أن‬
‫ينالوا من المبراطور رفض الفصلين الخاصين بحروم كيرلس وأحكام العزل‪ ،‬وأرسلوا‬
‫إليهم نسخة من شرح الحروم التى وضعها كيرلس حديدثا‪ ،‬حتى يمكنهم بأكثر سهولة أن‬
‫يبينوا كفره‪.‬‬
‫وقع على هذه الوثيقة اثنان وأربعون تابدعا للجانب النطاكى وعلى رأسهم‬
‫ترانكيلينوس النطاكى في بيسيدية وفي نفس الوقت أرسلوا خطادبا إلى المبراطور‬
‫يشكرونه فيه على استقباله الحسن لممثليهم ويمجدون حماسه لليمان ويتشفعون في‬
‫نسطور دون ذكر اسمه بطريقة مباشرة‪ ،‬ويقولون أن عزله بواسطة الجانب الهرطوقى‬
‫الذى لكيرلس هو باطل‪ .‬في حقبة سابقة‪ ،‬حينما نطق المبراطور بالحكم بعزل نسطور‬
‫وفي نفس الوقت بعزل كيرلس وممنون احتفظوا بصمت الجبناء‪ ،‬بل مدحوا حكمة‬
‫المبراطور‪ ،‬وفصلوا أنفسهم بالكلية عن نسطور‪ ،‬مما جعل أحد أصدقائهم وهو ألكسندر‬
‫أسقف هيرابوليس يؤنبهم على فعلهم هذا‪ .‬والن على النقيض‪ ،‬يبدو أن الساعة قد‬
‫حانت لكى يزاح القناع عن وجوههم‪ ،‬ومرة أخرى ينحازون إلى نسطور‪ .‬لكنهم خدعوا‬
‫أنفسهم وآمالهم الدموية لم تصل إلى تمامها بأى حال‪.‬‬
‫كانت هناك أربع جلسات أخرى في خلقيدونية بعد هذه الجلسة الولى‪ ،‬أو‬
‫مجموعة من المفاوضات التى تمت في حضور المبراطور‪ ،‬لكن لم تحفظ لها أى‬
‫تفاصيل‪ .‬ليس هناك سوى قصاصات قليلة قصيرة لثيئودوريت تحتوى على هجوم‬
‫عنيف ضد آراء أتباع كيرلس وهى خاصة بالكلمات التى ألقاها خلل هذه المفاوضات‪.‬‬
‫كل الوثائق الخرى الموجودة لحقة لهذه الجلسة‪ ،‬وعلى الخص خطاب من ممثلى‬
‫النطاكيين إلى روفس رئيس أساقفة تسالونيكى‪ ،‬حث فيه يوليان أسقف سارديكا وعضو‬
‫المجمع النطاكى تحريرديا بأل يسمح بأية إضافة إلى قانون اليمان النيقاوى ول بأن‬
‫يحذف منه شئ‪ .‬وقد مدحه المندوبون على ذلك‪ ،‬وتكلموا ثانية عن أبولينارية كيرلس‪،‬‬
‫وعن نضالهم من أجل اليمان النيقاوى‪ ،‬وعن عزل كيرلس وممنون‪ ،‬واستحالة عودتهما‬
‫)لنهما استم ار في ممارسة مهامهما الروحية(‪ ،‬وعن عناد فريق كيرلس‪ .‬وكان‬
‫المبراطور قد أنذر مبعوثى هذا الفريق في خمس جلسات إما أن يرفضوا فصول‬
‫)حروم( كيرلس لنها مضادة لليمان أو أن يثبتوا مطابقتها لعقيدة الباء القديسين في‬
‫مناظرة‪ .‬وقد جمع النطاكيون لنفسهم براهين كاملة ضد هذه العقائد‪ ،‬مع دلئل من‬
‫باسيليوس أسقف قيصرية وأثناسيوس ودماسوس أسقف روما وأمبروسيوس أسقف‬
‫ميلن‪ ،‬وأعطوا البعض منها )لكن ل تتضمن فقرات آبائية( لمصلحة روفوس‪ ،‬ليثبتوا‬
‫أن كيرلس كان أريوسديا وأفنومديا‪ .‬كان لدى الكثير من الساقفة الشرقيين واللتينيين‬
‫نفس النظرة بالكلية‪ .‬وفي هذا كتب السقف مارتين أسقف ميلن إليهم‪ ،‬وأرسل كتاب‬
‫القديس أمبروسيوس الذى يعولم بعكس هذه الفصول )الحروم( الهرطوقية‪ .‬وعلوة على‬
‫ذلك‪ ،‬فقد قالوا إن كيرلس وممنون لم يزيفا اليمان فقط بل انتهكا كل الشرائع القانونية‪،‬‬
‫وقبل هراطقة مثل البلجيين والمصلين في الشركة حتى يضاعفا عدد أتباعهما‪ .‬فقد‬
‫ظنا أنه بواسطة الرجال وصرف المال الكثير يمكنهما تحطيم إيمان الباء‪ .‬فيجب على‬
‫ظا من أن تكون له شركة معهما وأن يعلن في كل مكان أن‬
‫روفوس أن يكون يق د‬
‫فصولهما )حرومهما( أبولينارية‪ .‬ختادما‪ ،‬أرسلت نسخة من هذا الخطاب إلى المبراطور‬
‫وعرضت أمامه وفيها ينطقون باليمان النيقاوى ويقاومون حروم كيرلس‪.‬‬
‫المبراطور يقرر لصالح الرثوذكس ويجمع‬
‫ممثليهم إلى القسطنطينية‬
‫اضطربت طموحات النطاكيين بصورة أكبر حينما كتب ثيئودوريت من‬
‫خلقيدونية إلى ألكسندر أسقف هيرابوليس ما يلى‪ً:‬ا لم يتركوا أى نوع من التصادق أو‬
‫اللحاح أو الحث أو اللباقة إل واستخدموه مع المبراطور ومجلس شيوخه حتى ييقبل‬
‫القانون النيقاوى وحده وتيرفض الهرطقة الحديثة‪ .‬لكن إلى يومنا الحاضر ليس لهم أى‬
‫تأثير‪ ،‬رغم أنهم أقسموا للمبراطور أنه من المستحيل بالنسبة إليهم أن يتفقوا مع كيرلس‬
‫وممنون‪ .‬فكلما سعوا أكثر إلى الحديث عن نسطور بحماس إلى المبراطور ومجلس‬
‫الشيوخ‪ ،‬كلما كانوا يتهمون أكثر بأنهم يحيدون عن تصميمهم الول‪ ،‬فالعداوة ضده‬
‫كانت عظيمة جددا‪ ،‬وقد أعلن المبراطور بقرار أنه ليس لحد أن يجترئ بالتكلم معه‬
‫عن هذا الرجل مرة أخرى‪ .‬لكن طالما هم هنا فإنهم سوف يشغلون أنفسهم بهذا الب‬
‫نسطور‪ ،‬في اقتناع أنه قد أسئ إليه‪ .‬من نواحل أخرى فإنهم عمودما يتمنون أن ينطلقوا‬
‫من هذا المكان‪ ،‬لنه ليس هناك أمل بعد في أى نجاح‪ ،‬حيث إن الحكام )الضباط‬
‫وموظفي البلط المبراطورى الرسميين الذين عليهم أن يحكموا بين الفريقين( يسهل‬
‫نيلهم بواسطة الذهب )المال(‪ ،‬وهم متمسكون بأن اللهوت والناسوت يكوونان طبيعة‬
‫واحدة‪ .‬لكن على النقيض من ذلك‪ ،‬فإن شعب القسطنطينية سلكوا بصورة تدعو‬
‫للعجاب‪ ،‬فكثي دار ما خرجوا لملقاة المندوبين النطاكيين‪ .‬لذلك بدأ المندوبون في إلقاء‬
‫خطب لهم وعمل اجتماعات للعبادة العامة معهم في المبراطورية العظمى‪ .‬أما رجال‬
‫الكليروس والرهبان فقد كانوا يعادونهم‪ ،‬وفي إحدى المرات ألقوا عليهم الحجارة عند‬
‫عودتهم من أحد الجتماعات حتى أن العديد منهم جرحوا‪ .‬وقد علم المبراطور بذلك‪،‬‬
‫وحينما قابل ثيئودوريت قال له‪ً:‬ا أنتم تجتمعون بصفة غير شرعية‪ .‬لكن ثيئودوريت أعلن‬
‫بصراحة كم هو غير عادل أن المحرومين )جماعة كيرلس( يسمح لهم بإقامة الخدمات‬
‫في الكنائس‪ ،‬بينما تغلق الكنائس في وجوههم )كان الشعب والكليروس وأسقف‬
‫خلقيدونية من الرثوذكس(‪ .‬وقال إن المبراطور يجب عليه أن يعمل كما عمل الكونت‬
‫يوحنا في أفسس‪ ،‬ويمنع إقامة شعائر الخدمة اللهية عن الطرفين على السواء‪ .‬أجاب‬
‫ل‪ً:‬ا أنا ل أستطيع أن أصدر مثل هذا المر لسقف خلقيدونية‪ ،‬لكن‬
‫المبراطور قائ د‬
‫بالنسبة للمستقبل أنا ل أمنع اجتماعات النطاكيين )بدون الإفخارستيا(‪ .‬كانت‬
‫الجتماعات إلى هذا الوقت متكررة بكثرة‪ ،‬لكنهم هم أنفسهم كانوا دائدما في خطر بسبب‬
‫الرهبان والكليروس‪ ،‬وكان عليهم من جانب أن يحتملوا أعمال العنف‪ ،‬ومن جانب آخر‬
‫أن يحتملوا فتور المبراطور تجاههم‪.‬‬
‫لم يمر وقت طويل حتى اختبروا ما هو أسوأ من ذلك‪ .‬ففي يأس من إمكانية‬
‫الوصول إلى اتفاق‪ ،‬عاد المبراطور فجأة من خلقيدونية إلى القسطنطينية دون أن‬
‫يجرؤ ممثلو النطاكيين على أن يتبعوه‪ ،‬بينما أمر المبراطور الجانب الرثوذكسى أن‬
‫يتبعه ليقوموا بسيامة أسقف آخر للقسطنطينية بدلد من نسطور المعزول‪ .‬اضطرب‬
‫النطاكيون‪ ،‬الذين كانوا يتوقعون جلسات أخرى‪ ،‬اضط اردبا عظيدما لهذا‪ ،‬لكنهم لن يفقدوا‬
‫بعد المل في النصرة على خصومهم في المناقشة‪ ،‬ولذلك أرسلوا مذكرة فودار خلف‬
‫المبراطور‪ ،‬الصل اليونانى لها مفقود لكن هناك ترجمتين لتينيتين قديمتين لها‪،‬‬
‫متباينتين عن بعضهما البعض وفي مواضع كثيرة فاسدتين‪ .‬لكن على العموم‪ ،‬فإن‬
‫النص الخاص برسائل إيرينيئوس أقل في فساده عن الخر حتى إننا سوف نلتزم به في‬
‫الجزء الكبر من هذا العمل‪.‬‬
‫تبـ ــدأ الوثيقـ ــة بمهاجمـ ــة عنيفـ ــة ضـ ــد كيرلـ ــس وأتبـ ــاعه‪ ،‬وتتهمـ ــه بالهرطقـ ــة‪،‬‬
‫وتنسب إليـه )كمـا فعـل نسـطور مـن قبـل( إتاحـة الفرصـة لكـل البلبلـة عـن عمـد‪،‬‬
‫وتض ــليل الخري ــن بك ــل أنـ ـواع الوع ــود‪ ،‬ح ــتى يه ــرب م ــن العقوب ــة الناتج ــة ع ــن‬
‫أخط ــائه الخاص ــة‪ .‬هن ــا‪ ،‬أض ــيف التأكي ــد ب ــأنه ك ــم ك ــانت رغب ــة النط ــاكيين ف ــي‬
‫اللــتزام بالصــمت‪ ،‬لكــن كــم كــانت ضــمائرهم تطــالبهم‪ ،‬لن المــر يخــص تحطيــم‬
‫اليمــان‪ ،‬أن يقــدموا التماســهم إلــى المــبراطور لنــه حــامى العــالم بعــد الــ‪ .‬إنهــم‬
‫يطـ ــالبونه إذن بـ ــال الـ ــذى يـ ــرى الكـ ــل‪ ،‬وبالمسـ ــيح الـ ــذى سـ ــيدين الكـ ــل‪ ،‬وبـ ــالروح‬
‫القــدس الــذى يحكــم الكــل خلل نعمتــه‪ ،‬وبالملئكــة الــذين يحمــونه‪ ،‬حــتى ينتقــم‬
‫لليمـ ــان الـ ــذى ييهـ ــاجم الن‪ ،‬أن يـ ــأمر بإلغـ ــاء فصـ ــول كيرلـ ــس الهرطوقيـ ــة‪ ،‬وأن‬
‫يعطى تعليماته بـأن كــل مـن وقوـع عليهـا‪ ،‬ودأب علـى النـزاع‪ ،‬رغـم العفـو المقـدم‬
‫بواســطة النطــاكيين‪ ،‬عليــه أن يحضــر الن )إلــى منــاظرة جديــدة عــن الخلف‬
‫اللهوتى في حضور المبراطور(‪ ،‬وتتــم معــاقبته بحكــم المــبراطور وفقدــا للقـوانين‬
‫الكنسية‪ .‬والمبراطور ليس لديه أفضل من هذا ليقـدمه للمسـيح تعـبي دار عـن شـكره‬
‫لنه هو الذى وهبه انتصارات كثيرة على الفرس والبربر‪ .‬علوة على ذلــك‪ ،‬فقــد‬
‫ك ــان م ــن اللزم أن م ــا يت ــم ف ــي الجلس ــات )خلف ــات ممثل ــى الطرفي ــن( يع ــرض‬
‫تحريرديـا فــي حضـور المـبراطور‪ .‬والمــبراطور عليـه حينئـذ أن يقـرر مـا إذا كـان‬
‫هـ ــؤلء الـ ــذين أخمـ ــدوا اليمـ ــان الصـ ــحيح‪ ،‬ول يسـ ــاندون عقائـ ــدهم أو يناقشـ ــوها‪،‬‬
‫جديرين بأن يلوقبوا معلميـن‪ .‬فقـد تـآمروا فيمـا بينهـم‪ ،‬وعمـدوا إلـى إعطـاء أولويـات‬
‫كنس ــية )لتب ــاعهم( وم ارت ــب لع ــدم التق ــوى )الكف ــر(‪ ،‬وبط ــرق مختلف ــة أن يحطمـ ـوا‬
‫النظ ـ ــام الق ـ ــانونى الكنس ـ ــى‪ ،‬إن ل ـ ــم يمن ـ ــع الم ـ ــبراطور ذل ـ ــك‪ .‬كل‪ ،‬س ـ ــوف ي ـ ــرى‬
‫المــبراطور الن‪ ،‬حينمــا يحطمــون اليمــان بالمســيح‪ ،‬أنهــم ســوف ينشــرون غنــائم‬
‫النص ـرة كمرتبــات للغــدر والخيانــة‪ .‬كــان جوفينــال أســقف أورشــليم متهدمــا بالتعــدى‬
‫)لكنهـ ــم توخ ـ ـوا الصـ ــمت بخصـ ــوص هـ ــذا الموضـ ــوع مـ ــن قبـ ــل(‪ ،‬وكـ ــانت خطتـ ــه‬
‫بخصـ ــوص فينيقيـ ــة والعربيـ ــة معروفـ ــة لهـ ــم‪ .‬فـ ــي معارضـ ــة لهـ ــذه الجهـ ــود وضـ ــعوا‬
‫آمالهم على حكم ال وتقــوى المــبراطور‪ ،‬ولكنهــم فــي الــوقت الحاضــر‪ ،‬قبــل كــل‬
‫شئ‪ ،‬وبصفة مطلقة‪ ،‬يقـدمون التمادسـا لصـالح نقـاوة اليمـان‪ ،‬إن هـذا الـذى كـان‬
‫ل ــه ه ــذا المج ــد من ــذ قس ــطنطين‪ ،‬وتح ــت س ــلطان الم ــبراطور الح ــالى امت ــد إل ــى‬
‫ف ــارس‪ ،‬ل يجـ ــب أن يظلـ ــم فـ ــي قص ــر الم ــبراطور نفسـ ــه‪ .‬إذا ك ــان لنسـ ــان أن‬
‫يجترئ بأن يكون غير مكترث بخصوص الدين‪ ،‬فهم يـأملون أن يكـون هـذا أى‬
‫إنســان ســوى المــبراطور‪ ،‬الــذى عهــد ال ـ إليــه بالســلطة علــى العــالم كلــه‪ .‬كــانوا‬
‫مســتعدين لتبــاع ق ار ارتــه لن الـ ـ ســوف يعطيــه اســتنارة حــتى يمكنــه أن يفهــم‬
‫الموض ـ ــوع المطـ ــروح بالكامـ ــل )ف ـ ــي المنـ ــاظرة المفترضـ ــة(‪ .‬أم ـ ــا إذا كـ ــانت ه ـ ــذه‬
‫المناظرة مستحيلة فليسمح لهم المبراطور إدذا بــالعودة إلــى إيبارشــياتهم‪ .‬بعــد ذلــك‬
‫بفــترة قصــيرة وجه ـوا مــذكرة ثانيــة إلــى المــبراطور‪ ،‬قــدموا فيهــا تقري ـ دار مــن وجهــة‬
‫نظرهــم‪ ،‬عــن كــل مــا يخــص مجمــع أفســس واجتمــاع المنــدوبين فــي خلقيدونيــة‪.‬‬
‫ويقولــون فيهــا إن الطــرف المضــاد لــم يــدخل فــي أيــة مــداولت معهــم بخصــوص‬
‫حروم كيرلس‪ .‬وقد يسمح لهذا الطرف‪ ،‬رغم إص ارره على الهرطقة‪ ،‬بالــدخول إلــى‬
‫الكنيسة في خلقيدونية إواقامة الشعائر اللهية‪ ،‬بينما النطاكيون قــد أجــبروا علــى‬
‫ض ــا‪ .‬وق ــد‬
‫ع ــدم الش ــركة ف ــي السـ ـرار المقدس ــة لم ــدة طويل ــة ف ــي أفس ــس وهن ــا أي د‬
‫تحمل ـوا الكــثير إلــى جــانب ذلــك‪ ،‬حــتى أنهــم قــذفوا بالحجــارة مــن بعــض الخــدام‬
‫الــذين تزي ـوا بــزى الرهبــان‪ .‬وقــد وعــدهم المــبراطور بجلســة أخــرى )واحــدة(‪ ،‬لكنــه‬
‫ترك القسطنطينية‪ ،‬وأمر الطرف المضاد رغم أنه محروم من الشركة‪ ،‬أن يتبعــه‬
‫إلـ ـ ــى القسـ ـ ــطنطينية‪ ،‬ليحتفلـ ـ ـوا بشـ ـ ــعائر الخدمـ ـ ــة اللهيـ ـ ــة وسـ ـ ــيامة أسـ ـ ــقف جديـ ـ ــد‬
‫للقس ــطنطينية‪ .‬م ــن ج ــانب آخ ــر‪ ،‬ف ــإن ممثل ــى النط ــاكيين‪ ،‬ل ــم يج ــرؤوا ل عل ــى‬
‫الذهاب إلى القسطنطينية ول على العودة إلى أوطانهم‪ .‬كان أساقفة بنتــس وأســيا‬
‫وتـراس إواليريكــوم وحــتى إيطاليــا متفقــون معهــم‪ ،‬ولــن يوافقـوا علــى تعــاليم كيرلــس‪،‬‬
‫ونقلوا إلى المبراطور نص لمبروسيوس يناقض الهرطقة الجديــدة‪ .‬ختادمــا‪ ،‬فــإنهم‬
‫يتضرعون أل يسمح لى أســقف بالســيامة علــى القســطنطينية قبــل الوصــول إلــى‬
‫قرار بخصوص اليمان الصحيح‪.‬‬
‫رد المبراطور في مرسوم قصير موجه إلى كل مجمع أفسس ‪-‬أى إلى كل‬
‫الطرفين مدعا‪ -‬فيه يرثى استمرار الخلف )النزاع( ويأمر كل أعضاء المجمع بالعودة‬
‫من أفسس إلى أوطانهم‪ ،‬وأن يشغلوا كراسى أسقفياتهم مرة أخرى‪ .‬ويبقى كيرلس وممنون‬
‫فقط في العزل‪.‬‬
‫وجه ممثلو النطاكيين الن مذكرتهم الثالثة إلى المبراطور‪ً:‬ا لم يتوقعوا هذه‬
‫النتيجة‪ ،‬لكن جرحهم حياؤهم‪ ،‬فقد حجزوا في خلقيدونية لمدة طويلة والن يرسلون إلى‬
‫أوطانهم‪ ،‬بينما أولئك الذين تسببوا في البلبلة والنقسام في الكنيسة يمارسون مهامهم‬
‫الروحية‪ ،‬ويحتفلون بالخدمة اللهية‪ ،‬ويقومون بسيامات‪ ،‬وينفقون مال الفقراء على‬
‫الجنود‪ .‬لكن ثيئودوسيوس ليس إمبراطور هؤلء فقط‪ ،‬إنما هو إمبراطور الجانب‬
‫طا من إمبراطوريته‪ .‬عليه أل يزدرى باليمان‬
‫ضا‪ ،‬والشرق ليس جزدءا بسي د‬
‫النطاكى أي د‬
‫الذى تعمد فيه‪ ،‬والذى استنزف كثيراد من الشهداء‪ ،‬والذى به انتصر على البربر‪ ،‬والذى‬
‫يحتاجه الن جددا في حربه في أفريقيا‪ .‬فسوف يحميه ال إذا حمى اليمان ولم يسمح‬
‫لجسد الكنيسة أن يتمزق‪ .‬علوة على ذلك‪ ،‬فإنهم يؤكدون للمبراطور أن فريق كيرلس‬
‫يكرر نفس أخطاء أبوليناريوس وأريوس إوافنوميوس ويتممون المهام الروحية بطريقة‬
‫غير مصورح بها‪ .‬من جانب آخر‪ ،‬فإن أغلب الناس‪ ،‬كان ل يزال لهم اليمان الصحيح‪،‬‬
‫وكانوا غيورين على اليمان‪ .‬فإن كان المبراطور‪ ،‬على الرغم من المناشدة‪ ،‬لن يقبل‬
‫اليمان الصحيح‪ ،‬إذن سوف ينفضون غبار أرجلهم صارخين مع بولس "نحن أبرياء‬
‫من دمكم"‪.‬‬

‫مجمع أفسس ينفض‬


‫لم يعط هذا الخطاب انطبادعا يفوق مجهوداتهم السابقة‪ .‬لكن على النقيض‪ ،‬فإن‬
‫المبراطور وضع نفسه بأكثر تأكيد عن ذى قبل مع الطرف الرثوذكسى‪ .‬وبعدما ساموا‬
‫أسقدفا للقسطنطينية بحسب أوامره‪ ،‬وهو مكسيميان الكاهن في هذه الكنيسة‪ ،‬فقد أصدر‬
‫مرسودما إلى مجمع أفسس‪ ،‬تحت عنوان يفهم منه أنه ل يظن أن هناك طرفين بعد‪ ،‬كما‬
‫كان يحدث من قبل‪ ،‬إنما فقط جماعة الرثوذكس‪ .‬لكنه لم يعالج حتى هذا المر‬
‫بطريقة ودية‪ ،‬كما أنه لم يخف تكدره بسبب إجهاض خطته للوحدة‪ .‬فيقول‪ً:‬ا "حيث إنه لم‬
‫يمكن استمالتكم للتحاد مع النطاكيين‪ ،‬وبالضافة إلى ذلك‪ ،‬ل تشتركون في أية‬
‫مناقشة على نقاط الختلف معهم‪ ،‬فإننى آمر الساقفة الشرقيين بالعودة إلى كنائسهم‪،‬‬
‫ضا إلى السكندرية )إلى إيبارشيته( ويبقى‬
‫وأن ينفمض مجمع أفسس‪ .‬ويعود كيرلس أي د‬
‫ممنون أسقدفا لفسس‪ .‬وفي نفس الوقت‪ ،‬نعرفكم أنه طالما نحن على قيد الحياة‪ ،‬فإننا‬
‫لن ندين الشرقيين )النطاكيين( لنهم لم يفوندوا في حضورنا‪ ،‬ول أحد ينازعهم‪ .‬بل إذا‬
‫رغبتم في سلم الكنيسة )مع الشرقيين = النطاكيين(‪ ،‬أى إذا وصلتم إلى تفاهم معهم‬
‫في أفسس‪ ،‬دعونى أعلم ذلك على الفور‪ ،‬أما إن لم تصلوا إلى أى تفاهم فعليكم أن‬
‫تفكروا في العودة إلى أوطانكم‪ .‬نحن ل نلم )لن الوحدة لم تنجز( لكن ال يعلم من‬
‫الذى يجب أن يشارك في اللوم"‪.‬‬
‫طر فيها بأنه قد‬
‫هناك إضافة إلى هذا المرسوم المبراطورى في السينوديكون ينخ م‬
‫تم إطلق كيرلس من الحبس‪ ،‬حتى قبل وصول هذا المرسوم‪ ،‬وأنه انطلق في طريق‬
‫العودة إلى السكندرية‪ .‬من القتباس السابق الوحيد لتبادل المعلومات بين الجانب‬
‫الرثوذكسى‪ ،‬نعلم أن كيرلس وصل إلى السكندرية في ‪ 30‬أكتوبر عام ‪431‬م واستقبل‬
‫ضا بعد ذلك بفترة وجيزة‪ ،‬بخطاب ودى من‬
‫بفرح عظيم‪ .‬بالضافة إلى ذلك‪ ،‬فقد فرح أي د‬
‫أسقف القسطنطينية الجديد‪.‬‬
‫أما مندوبو النطاكيين فيبدو أنهم لم يكونوا في عجلة للعودة من خلقيدونية إلى‬
‫أوطانهم مثلما كان كيرلس‪ .‬فعلى القل بعد إطلق سراح كيرلس وممنون وبعد ظهور‬
‫المرسوم المبراطورى الذى فض المجمع‪ ،‬جهزوا بيادنا جديددا ‪-‬وهو البيان الثالث‬
‫والخير‪ -‬لصدقائهم‪ ،‬وفيه يشيرون إلى كل ما حدث‪ ،‬ويعدون ببذل مجهودات أكثر‬
‫من أجل نسطور‪ ،‬إذا كان هذا المر ل زال ممكدنا‪ .‬وقالوا إنه حتى الن كل المساعى‬
‫التى يبذلونها ظلت بل نتيجة‪ ،‬لن الجميع هنا لديهم تأثير سيئ لمجرد ذكر اسم‬
‫نسطور‪ .‬وفي نفس الوقت ذكروا كيف أنهم قدموا طلبات متكررة إلى المبراطور‬
‫ليصرفهم وكل المجمع من أفسس‪ ،‬بسبب أن الطرف الموالى لكيرلس سعى لصيد‬
‫الجميع بالعنف والمداهنة والرشوة‪ .‬والبقاء لمدة أطول هناك هو بل جدوى‪ ،‬حيث أن‬
‫كيرلس )الطرف الموالى لكيرلس( يرفض بحزم أية مفاوضة‪ .‬وأخيدرا‪ ،‬وبعد تحذيرات‬
‫متكررة‪ ،‬صاغ المبراطور القرار بأنه يجب على الجميع أن يعودوا إلى أوطانهم‪ ،‬على‬
‫أن يسترد كل من كيرلس وممنون وقاره‪ .‬والن يستطيع كيرلس أن يتصيد الجميع‬
‫بواسطة هداياه‪ ،‬فيعود المخطئ إلى إيبارشيته‪ ،‬والبار يحبس في قلية‪.‬‬
‫قبل مغادرتهم لخلقيدونية مباشرة ألقى النطاكيون خطدبا للنساطرة الوافدين إليهم‬
‫من القسطنطينية‪ .‬هناك قصاصات لثنين منها‪ .‬الخطاب الول هو لثيئودوريت أسقف‬
‫قورش فيه يشكو من أنهم‪ ،‬أى النطاكيين‪ ،‬قد منعوا من الذهاب إلى القسطنطينية بسبب‬
‫ضا عن ذلك فإن أورشليم السمائية تنتظرهم‪ .‬وكان سامعوه‬
‫ثباتهم في المسيح‪ ،‬لكن عو د‬
‫قد عبروا من القسطنطينية فوق أمواج رعب بحر مرمرة )في خلقيدونية ينفتح مضيق‬
‫البوسفور على بحر مرمرة( ليسمعوا صوته‪ ،‬لنهم يؤمنون أنهم يرون فيه انعكادسا‬
‫لصوت راعيهم )نسطور(‪ .‬ثم تغالى في مديح نسطور‪ ،‬وأنزل الويلت على مضطهديه‪.‬‬
‫واستمر يتحدث بحزن يحرك العاطفة عن عبارة الرثوذكس أن "ال تألم" حيث وضعهم‬
‫في مكانة أقل من الوثنيين‪.‬‬
‫بعد ثيئودوريت تولى يوحنا بطريرك أنطاكية الحديث ولدينا قصاصة لخطابه هذا‪،‬‬
‫وفيه يحيى سامعيه‪ ،‬وفي نفس الوقت يودعهم ويحثهم على الثبات في اليمان‪ ،‬ويؤكد‬
‫لهم أنهم قد تحولوا من مجرد مؤمنين إلى معترفين‪ .‬ويجب أل يسمحوا لنفسهم فيما بعد‬
‫بأن يضلوا بفكرة أن ال قابل لللم‪ ،‬لن الطبيعتين )في المسيح( اتحدتا ولكنهما لم‬
‫يختلطا‪ .‬يجب عليهم أن يتمسكوا بذلك وال سوف يكون معهم‪.‬‬

‫وشاية عن كيرلس وبلخريا‬


‫لقد رأينا كيف أن النطاكيين اتهموا كيرلس وأصدقاؤه م اردار وتك اردار بأنهم تسببوا في‬
‫تحول وجهات النظر بصورة فائقة وفي سلوك رجال البلط‪ ،‬بواسطة الرشوة‪ .‬أهم وثيقة‬
‫في هذا الموضوع هى خطاب من الكهل أكاكيوس أسقف بيرويا‪ ،‬الذى سمعنا عنه من‬
‫قبل‪ ،‬إلى ألكسندر أسقف هيرابوليس‪ ،‬الذى يعلن أنه سمع من يوحنا النطاكى‬
‫وثيئودوريت وغيرهم أن المبراطور كان منحا داز إلى النطاكيين بالكلية في أول المر‪،‬‬
‫لكن كيرلس رشى خصى المبراطور سكولستيكوس ذو التأثير وآخرين كثيرين‪ .‬وقد‬
‫اكتشف المبراطور ضمن أمتعة سكولستيكوس بعد موته‪ ،‬دليلد مكتودبا‪ ،‬بأنه استلم‬
‫جنيهات ذهب كثيرة من كيرلس‪ .‬وقد رتب لهذه المدفوعات بولس ‪ Paul‬ابن أخو‬
‫كيرلس وضابط في القسطنطينية‪ .‬لذلك صودق المبراطور على عزل كيرلس وممنون‪،‬‬
‫لكن كيرلس هرب من السجن في أفسس‪ ،‬واضطر رهبان القسطنطينية المبراطور إلى‬
‫فض المجمع وتتميم رغباتهم )وكان من ضمنها إطلق سراح كيرلس(‪.‬‬
‫هذا التقرير يثير لول وهلة شكودكا متعددة‪ ،‬فأكاكيوس يعلن أن المر وصل إلى‬
‫مسمعه كمجرد أقوال )شائعات(‪ ،‬وأن الذين أوصلوها إليه يمكن أن يكونوا قد سمعوها‬
‫من آخرين )لنهم بالتأكيد لم يجرؤوا على القدوم إلى القسطنطينية(‪ .‬ونحن نعرف أن‬
‫سكولستيكوس كان في فترة سابقة عميلد لنسطور‪ ،‬ولكنه مال إلى الجانب الخر بعد‬
‫ذلك‪ ،‬وبالتالى كان من الطبيعى أن يصير هو المتحدث الرسمى لهذا الطرف لدى‬
‫ضا أن نقول إنه بعد ختام المفاوضات في خلقيدونية‪،‬‬
‫المبراطور‪ .‬ومن الصحيح أي د‬
‫أعاد ثيئودوسيوس‪ ،‬في أول المر‪ ،‬التأكيد على عزل كيرلس وممنون‪ ،‬لكن ل يعقل أنه‬
‫إذا كان قد اكتشف الرشوة وبالتالى جدد قرار العزل ضد كيرلس وممنون‪ ،‬أن يأمر‬
‫بإطلق سراحهما‪ ،‬ويعطيهما حرية كاملة‪ ،‬ويعيدهما إلى كرسييهما مرة أخرى‪ ،‬بعد ذلك‬
‫مباشرة‪ .‬هنا علينا أن نضيف أنه من غير المعقول أن ممثلى النطاكيين في كل فترة‬
‫تواجدهم في خلقيدونية وفي أكثر مكان مجاور للقسطنطينية أل يلفظوا ببنت شفة‬
‫بخصوص هذا الكتشاف الذى حدث بموت سكولستيكوس‪ ،‬رغم أن المر لبد أنه تم‬
‫قبل مغادرتهم لخلقيدونية‪ .‬وكم كانت ستكون فرحتهم بهذا المر إن كانوا قد علموه‪ .‬إلى‬
‫جانب ذلك‪ ،‬ليس من الممكن أن يكون كيرلس قاد دار وراغدبا في الهرب من سجنه‬
‫بأفسس‪ .‬إوان كان قد عمل ذلك بالفعل‪ ،‬ليس من الممكن أن يرسل المبراطور خلفه‬
‫مرسودما يهبه الحرية الكاملة‪ ،‬بدلد من أن يوقع عليه العقوبة‪ .‬وأخيدرا‪ ،‬لم يكن‬
‫سكولستيكوس إنما أخت المبراطور بلخيريا‪ ،‬كما تقص هى‪ ،‬هى التى كانت نشطة‬
‫بالدرجة الولى ضد نسطور‪ ،‬لنه قد وشى بها بطريقة مزيفة بواسطة أتباعه‪ .‬وقد‬
‫اتهمها نسطور مرة بأنها على علقة غير شرعية مع أخيها كما يقولون ولذلك كانت‬
‫تكرهه بشدة‪.‬‬
‫لن ننكر بصورة مباشرة أن يكون كيرلس قد أعطــى هــدايا لسكولســتيكوس وغيـره فــي ذلــك‬
‫الــوقت‪ ،‬لنــه أعطــى هــدايا بعــد ذلــك للمــبراطورة بلخيريــا وغيرهــا مــن الشخصــيات ذوى‬
‫المكانة الرفيعة‪ ،‬كما يقـول رئيـس شمامسـته السـكرتير إبيفـانيوس‪ .‬لكـن ل يجـب أن نحكـم‬
‫على ذلك بحسب تقاليدنا وظروفنا‪ ،‬إنما بحسب تقاليــد وظـروف الشــرق‪ ،‬الــتى وفقدــا لهــا ل‬
‫يسمح لحد بالتقرب إلى العلى بدون هدية‪ ،‬مهما كانت قضيته عادلة‪ .‬إن تقــديم الهديــة‬
‫هــو شــئ عــام بصــفة مطلقــة فــي الشــرق‪ ،‬لكــن هــذه الهــدايا ليســت رشــاوى علــى الطلق‪،‬‬
‫فــالكثير منهــا ببســاطة هــو مجــرد توصــيات تقليديــة لقضــايا هــى فــي حــد ذاتهــا عادلــة‪.‬‬
‫بالشــارة إلــى هــذا التقليــد الشـ ـرقى فــإن لهــوتيى البروتســتانت الــذين عملـ ـوا فــي القرنيــن‬
‫السادس عشــر والســابع عشـر علـى الوصــول إلـى الوحـدة مــع اليونـانيين لـم يـترددوا لحظــة‬
‫في إرضاء ومصالحة رؤساء الكنيسة وذوى المكانة عنـد اليونـانيين بالهـدايا‪ .‬فـالمر إذن‬
‫يمك ــن أن يص ــاغ لص ــالح كيرل ــس‪ .‬عل ــى أى الحـ ـوال‪ ،‬فق ــد ح ــاول فق ــط كس ــب أص ــدقاء‬
‫وحافظين لليمان القديم‪ ،‬الذى ينتمى إليه أولئك الــذين وجهــت إليهــم الهــدايا‪ ،‬بينمــا هـؤلء‬
‫اللهوتي ـ ـون البروتسـ ــتانت سـ ــعوا إلـ ــى أن يـ ــترك إكليـ ــروس اليونـ ــان مهـ ــامهم الـ ــتى نـ ــذروا‬
‫إتمامها‪.‬‬
‫يثير المؤلف بين سطور روايته العديد من متناقضات العقيدة الرثوذكسية‪ ،‬والتى‬
‫قمنا بالرد على بعضها بحكم السياق‪ ،‬وارتباطها ببعض رموز شفرة المؤلف‪ ،‬ورأينا فصل‬
‫بعضها والرد عليه فى جزء منفصل‪ ،‬حتى ل تتداخل عناصر البحث مع بعضها‬
‫البعض‪ ،‬والحقيقة هنا أن المؤلف لم يترك أى نقض وجه للمسيحية منذ بدأتها إل وأورده‬
‫أو ألمح إليه‪ ،‬وكأنه وضع على عاتقه هدم العقيدة أو لعله تخيل ذلك‪ ،‬ويتضح لهاثه فى‬
‫البحث عن أى معاول تساعده فيما رمى إليه‪ ،‬وأخذ يطلق سهامه فى جميع التجاهات‬
‫على كل تفصيلت العقيدة‪ ،‬فلم تسلم أى تفصيلة من يده‪ ،‬بداية من تاريخ الكنيسة الذى‬
‫صلب العقيدة )التجسد والثالوث‪،‬‬
‫حاول تزويره برقوقه المزعومة‪ ،‬مرودار بالطقس‪ ،‬و ي‬
‫الصلب‪ ،‬الفداء‪ ..‬إلخ( عاردجا على الهرطقات والهراطقة‪ ،‬محاولد منطقة آرائهم‪ ،‬منتهديا‬
‫بالخالق تبارك وتمجد اسمه‪ ،‬كل ذلك من خلل بوهيمية براجماتية وشيفونية لم يستطع‬
‫إخفاءها أو مداراتها‪ ،‬مدعديا على الكنيسة ابتداع كل ذلك من خلل ميكافيلية مفتعلة‪..‬‬
‫ق الكثير مما دسه المؤلف فى روايته والذى سوف نجمله فيما يلى‪ً:‬ا‬
‫عمودما لم يب م‬

‫هرطقة أريوس‬
‫ل نعرف سر تعاطف المؤلف مع كل ما هو ضد العقيدة الرثوذكسية‪ ،‬ولماذا يلجأ‬
‫عند تقصى الحقائق إلى تبنى وجه النظر المضادة للعقيدة حتى لو كانت وجه نظر‬
‫ضعيفة أو غير حقيقية؟! أل ينم هذا عن وجود عداء دفين لتلك الديانة لدى المؤلف الذى‬
‫لم تأته الشجاعة لكي يجهر بهذا صراحة فلجأ إلى جمع ما يمكن أن يشوه صورة تلك‬
‫العقيدة النقية تشفديا‪ .‬فها هو ذا يرى في ذئاب العقيدة حملدنا وديعة‪ ،‬ويرى في حراسها‬
‫أسوددا ضارية متوحشة تجول تلتمس من تلتهمه‪ ،‬فها هو يتغزل في أريوس في صفحة‬
‫‪ 53،54‬كما يلى‪ً:‬ا‬
‫ل نعرف من أي كتب التاريخ استقى المؤلف معلوماته عن أريوس‪ ،‬فأريوس هو‬
‫عكس ما ذكر الكاتب تمادما‪ .‬فلقد حاول أريوس خلط المسيحية بالوثنية‪ ،‬ليخرج علينا‬
‫بديانة هلمية ل هى مسيحية ول هى وثنية‪ ،‬كما أن العقيدة بعيدة كل البعد عن ثالوث‬
‫الفراعنة وقد ذكرنا هذا في جزء سابق‪ ،‬وعلى كلل سوف نوضح ما ذهب إليه أريوس من‬
‫شطط في العقيدة أدى به إلى الخروج عن صحيح اليمان المستقيم‪ ،‬ليخرج لنا بهرطقة‬
‫بعيدة كل البعد عن روح النص النجيلى‪ ،‬وسوف نورد صحيح العقيدة عند القديس‬
‫أثناسيوس والذي استقر في وجدان الكنيسة وعقلها لنبين مدى النحراف العقائدي الذى‬
‫أصاب تعاليم أريوس‪.‬‬

‫عندما أصبح النبا بطرس البابا السابع عشر‪ ،‬وقد أصدر البطريرك ق اردار بأن‬
‫جميع الذين أجبروا لكي يدعوا للوثان وكانوا ضعفوا وأفقدهم العذاب الشديد شعورهم‬
‫إواحساسهم وأنكروا السيد المسيح؛ وأصدر أم دار بقبولهم رعايا في الكنيسة مرة أخرى بدون‬
‫فحص أو قصاص أو عقاب بدني أو روحي‪ .‬وبناء على قرار البطريرك بقبول التائبين‬
‫ومن المعتقد أن أريوس بخر للوثان فذهب أريوس إلى البطريرك وأعلن خضوعه وندمه‬
‫فقبله ورسمه شمادسا‪ ،‬ورقى لوظيفة واعظ لفصاحته وقدرته على الخطابة‪ ،‬وكان أريوس‬
‫يمزج أقواله بأقوال الفلسفة ولكن لم يكن هذا هو الخط الكنسي البسيط الذى اتبعته‬
‫كنيسة السكندرية في تعليمها‪ .‬وكان أريوس قد بدأ في بدعة جديدة في المسيحية فجرده‬
‫البطريرك البابا بطرس من وظيفته وأصدر قراردا بحرمانه من الوعظ وحرمه‪ .‬ومما يذكره‬
‫المؤرخون أنه عندما جاء وقت استشهاده أرسل أريوس وجهاء مدينة السكندرية للبابا‬
‫بطرس في السجن ليحله ولكنه أعلن أنه رأى رؤيا أن أريوس مزق ثوب الرب )أى‬
‫كنيسته( وزاده في الحرم‪ .‬ولكن للسف عندما جاء البابا أرشيلوس حله وسامه كاهدنا‬
‫وسلمه كنيسة بوكاليا‪ ،‬وهى كنيسة السكندرية الرئيسية في ذلك الوقت‪ ،‬مما أعطاه شهرة‬
‫خاصة لنه عنده موهبة الوعظ والخطابة‪ .‬وكان مزهودا بنفسه متفاخ دار‬
‫د‬ ‫وجمع التباع‬
‫بقدراته النسانية ولم يطوعها في وداعة القديسين فغلب تكبر عقله اليمان‪ ،‬وعندما أراد‬
‫أن يبشر الوثنيين سقط في هرطقته‪ ،‬وجاء فكره اللهوتي حصيلة فكر فلسفي لهوتي‬
‫عقلني‪ .‬كان أريوس ذو موهبة في الخطابة فصيدحا بليغدا قادردا على توصيل أفكاره‬
‫بسلسة بين العامة والمفكرين ونشر أريوس أفكاره عن المسيح مستغلد مركزه كشماس‬
‫وواعظ في السكندرية‪ ،‬ولم تكن فكرته عن المسيح من بنات أفكاره ولكنها كانت في‬
‫الصل نقلها من الفيلسوف اليهودي فيلون في نظريته عن اللوغس )الكلمة ‪،(Logos‬‬
‫وكانت فكرته تتلخص في‪ً:‬ا‬

‫إن الكلمة كائن متوسط يعبر الهوة التى ل تعبر بين إيلوهيم والعالم‪ ..‬خلق إيلوهيم الكلمة‬
‫ليخلق به العالم والمادة‪.‬‬

‫إوايلوهيم الله الحقيقي في نظر فيلون عال عن المادة ول يمكن أن يتصل بها مباشرة من‬
‫غير وسيط‪ ..‬هذا الوسيط هو المسيح الكلمة ‪.‬‬

‫ضا بأفلوطين في نظريته في‬


‫ولم يكن فيلون هو فقط الذى تأثر به أريوس ولكنه تأثر أي د‬
‫النوس ‪ Nous‬أى العقل ومركز الكلمة المتوسط بين الله أو "الواحد" وبين العالم ‪.‬‬

‫وفي الحقيقة إن أريوس لم يأنت فك دار جديددا ولكن استهواه الفكر الفلسفي اليهودي‬
‫الصل الناتج من فكر فيلون اليهودي عن اللوغس‪ ،‬والفكر الوثني القادم من أفلوطين في‬
‫"النوس" ومزج هاتين النظريتين وألبسهما لبادسا مسيحديا باستغلل آيات من النجيل لتأييد‬
‫فكره بنصوص من الكتاب المقدس‪ ،‬واعتقد أنها ساندت رأيه‪ .‬وكان تعليق البابا‬
‫أثناسيوس عن آراء أريوس‪ً:‬ا "إنها آراء وثنية"‪ ،‬ولما انحرف أريوس عن الفكر المسيحي‬
‫المستقيم بالتأويل‪ ،‬اعتبرت المسيحية الرثوذكسية تفكيره كف دار وزندقة‪ ،‬واشتعلت نار‬
‫الخلف وتأججت نار الفرقة عندما قال أريوس عن المسيح كلمة الله‪ً:‬ا "إنه خالق‬
‫ومخلوق‪ ..‬خالق الكون‪ ..‬ومخلوق من الله"‪ ،‬وقالت الكنيسة‪ً:‬ا "إن المسيح مولود‪..‬‬
‫غير مخلوق‪ ،‬وهو كائن بأقنومه الزلي قبل أن يولد من العذراء مريم بل قبل الدهور‪..‬‬
‫ومنذ الزل‪ ..‬وهو من ذات جوهر الب‪ ،‬ومن طبيعته‪ ،‬وأنه لم تمر لحظة من الزمان‬
‫كان الب موجوددا من دون اللوغوس )الكلمة(‪ ،‬وهو المسيح قبل التجسد"‪.‬‬
‫كان أريوس يقول بأحن الكلمة ليس بإله‪ ،‬بل بما أنه "مولود" من ال الب فهو ل‬
‫ييشاركه طبيعته‪ ،‬بل تقوم بينهما علقة "تبحني"‪ ،‬فالكلمة إدذا ليس بأزلحي بل هو مجرد خليقة‬
‫ثانوحية أو خاضعة‪.‬‬

‫يحنرمم أريوس وأنصاره في المجمع المسكونى النيقاو ح‬


‫ي الحول عام ‪ 325‬وعلى إثره ينفمي‪..‬‬
‫ولقد نادى أريوس بإمكانية التغيير الخلقي عند المسيح‪ ،‬وأنه لهذا كان الكلمة قابلاد‬
‫للنمو أو التطور الخلقي‪ ،‬وأنه عندما كان يفعل الخير كان يصنعه بإرادة حرة كان يمكنها‬
‫ضا أن تختار فعل الشر‪ ،‬وعلى ذلك يكون الخلص الذى صنعه المسيح عملد قام به‬
‫أي د‬
‫صا‬
‫صا بفعل إرادته الحرة‪ ،‬ومن ثم فل تكون كفارته خل د‬
‫كائن محدود‪ ،‬أقام ذاته مخل د‬
‫للجنس البشرى كله إل من قبيل إظهار إمكانية كسب الخلص‪ ،‬وليست هناك نفس‬
‫بشرية واحدة يمكن أن تكون بريئة كل البراءة من وصمة الضعف البشرى‪ ...‬لقد علم‬
‫أريوس بأنه كان في المسيح إمكانية لختيار الخير أو الشر‪ ،‬وحرية الختيار تقوم في‬
‫العقل أو الروح أو النفس النسانية الناطقة العاقلة‪ ،‬النفس النسانية الناطقة العاقلة هى‬
‫العنصر الهام المسيطر على الطبيعة البشرية المفروض فيها بالضرورة القدرة على عمل‬
‫الشر وبفضلها يكون النمو في الخير أو الشر ممكدنا وزيادة على ذلك فإن هذه النفس هى‬
‫التى بها يتميز شخص عن غيره‪ ،‬فهي مقر أو مركز قوة تقرير المصير وهى القوة التى‬
‫تتميز بها الشخصية الحقيقية لكل إنسان والتي تتكون بها شخصيته المستقلة عن كل‬
‫إنسان آخر‪.‬‬
‫حاول أريوس تفسير اليمان المسيحي بطريقة يمكن لمن لهم الفكر الوثني وخاصة‬
‫الفلسفة منهم أن يفهم اليمان المسيحي فمزج بين الله المسيحي وآلهة الوثن حتى‬
‫يتقبلوه‪ ،‬فسقط في هوة الهرطقة وبعد عن المسيحية تمادما‪ ،‬وجاء تفسيره خالديا من المفاهيم‬
‫المسيحية الساسية ومن الحكم السليم والنظرة الصائبة‪ .‬وعقيدته تدور حول النقاط‬
‫التالية‪ً:‬ا‬

‫‪ 1‬ـ الوحداني ـ ـ ـ ـ ــة‪:‬‬

‫انحصر اهتمامه في تأكيد الوحدانية‪ ،‬والساس الول هو في بساطة "الفردية" الذى هو‬
‫الله الذى يعتقد فيه‪ ،‬وهو في نظره الواحد‪ ،‬المطلق‪ ،‬الغامض‪ ،‬البعيد‪ ،‬غير المعروف‪،‬‬
‫الذى ل يدرك‪ ،‬ول يمكن اللتقاء به‪ ،‬مخفى في سر أزلي‪ ،‬منفصل عن البشر بهــوة غير‬
‫محدودة‪ ،‬هكذا فهم الوحدانية بطريقة عددية‪ ،‬غير قادر على إدراك "وحــدة" الثالوث‬
‫القدوس في الجــوهر‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ لكي يـخــلق الله المسكونة‪:‬‬

‫أوجد اللوغوس قبل الزمن من العدم‪ ،‬كأداة للخلقة‪ ،‬لهذا فهو ليس بالحق الله بالطبيعة‪،‬‬
‫إنما هو ابن الله بمعنى أخلقي‪ ،‬إنه كائن وسيط بين الله والعالم‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ الروح القدس هو أول خلئاق اللوغوس‪:‬‬

‫فهو إله أقل من اللوغوس‪ .‬بهذا الفكر عزل أريوس الله عن البشرية‪ ،‬وقدم إلهه إلى‬
‫البشرية كأنه كائن جامد‪ ،‬فألغى أنشودة الحب اللهي والتضحية والفداء في المسيحية‬
‫وأفسد سر الخلص‪ ،‬متجاهلد النبوات ومنك دار تجديد طبيعتنا وبنوتنا ل فى ابنه‪ .‬وهنا‬
‫يتضح كل تعليم هرطقة "التبني ‪ "Adoptionism‬عن المسيح‪ .‬النتيجة الولى لهذا‬
‫ضا عن‬
‫التعليم‪ً:‬ا هو أن اليمان بالثالوث يتلشى ويذوب‪ ..‬بالطبع تحدث أريوس أي د‬
‫الثالوث إل أنه اعتبره أنه قد صدر متأخ دار ولم يكن أصلديا وأزلديا‪ .‬لنه وفقدا لتعليمه فإن‬
‫الب وحده كان إلدها أزلديا‪ .‬أما النتيجة الثانية‪ً:‬ا فهي أن الحياة الجديدة للنسان التى‬
‫صيغت كنتيجة لتأنس الكلمة‪ ،‬تكون فقط نتيجة سمو روحي وأخلقي‪ ..‬ففيما يتعلق‬
‫بأريوس فالموقف يظهر ركود أفكاره التى ولو إنها كانت حادة؛ إل إنها خالية من الحركة‬
‫والعمق‪ .‬ونتيجة لتعاليم أريوس بقوله إن كلمة ال مخلوق وقوله عن المسيح إنه إنسان‬
‫مؤله بسبب كمال روحي وخلقي‪ ،‬هذه التعاليم نجم عنها نزاع شديد زعزع أركان الكنيسة‬
‫والدولة الرومانية‪ ..‬إن البدعة الريوسية لم يتم تنظيمها بطريقة سرية مثل غيرها من‬
‫البدع والهرطقات‪ .‬بل دخل في صفوفها رجال رسميون في الكنيسة وفي الدولة‪ .‬وهددت‬
‫بالستيلء على التنظيم الكنسي بأكمله‪ ..‬وقد استمرت المصالحة السياسية التى تبعت‬
‫ذلك حتى موت أريوس وقسطنطين بدون أن تكون على حساب ق اررات مجمع نيقية –‬
‫وذلك عن طريق تفسيرهم المتباين والمؤول بطريقة يشوبها اللتباس‪ ..‬إل أن تعاليمهم لم‬
‫تأت بنتائج‪ .‬وذلك لن زعماء الرثوذكسية لم يقبلوا أريوس في الكنيسة بسبب اعترافاته‬
‫ن‬
‫ضا‬
‫المشتبه فيها‪ ..‬حدقا إنه أثناء هذه الفترة لوحظ تقدم ملحوظ في الحركة التى قادت أي د‬
‫إلى تفوق طفيف للريوسية‪ .‬وفي الواقع إن الريوسيين ‪-‬بواسطة سلسلة المجامع التى‬
‫أشرفوا عليها بأنفسهم– نجحوا في تنحية وإبعاد الرؤساء من خصومهم باتهامات باطلة‬
‫واهية‪ .‬وهؤلء الرؤساء هم أوستاتيوس النطاكي عام‪330‬م‪ .‬أثناسيوس الإسكندرى عام‬
‫‪335‬م‪ ،‬وماركيلوس الأنقيرى عام ‪336‬م‪.‬‬

‫الفرق الريوسية‬
‫كان البناء الريوسى في عهد قسطنديوس على القل‪ ،‬يبدو عظيدما في الظاهر‪..‬‬
‫إل أنه كان من البدء عملد مزعزدعا‪ .‬وذلك ليس فقط لنه حصل على قوته من عناصر‬
‫ضا لن اتجاهه اللهوتي لم يكن متحددا‪ ..‬فإن جميع الريوسيين‬
‫كنسية منشقة‪ ،‬ولكن أي د‬
‫رفضوا اصطلحات مجمع نيقية‪ ..‬لذا فإن الخلفات فيما بينهم انكشفت وتحددت عند‬
‫كثيرين منهم عن طريق موقفهم من اصطلحات هذا المجمع‪ .‬ولقد استخدم آباء مجمع‬
‫نيقية في قانون اليمان اصطلح "هومو أوسيوس" أى "الواحد في الجوهر مع‪ ..‬أو‬
‫المساوي في الجوهر لـ‪ ."..‬وأرادوا أن يثبتوا بهذا الصطلح أن البن مع الب هما‬
‫واحد‪ .‬وأن هذا الجوهر هو كيان أساسي واحد‪ .‬لذا أوضح آباء نيقية وحدة تشابه هذين‬
‫الصطلحين لنهم كانوا يخشون لو أنهم اعترفوا باثنين هيبوستاسيس )أى قوامين(‪ ،‬أن‬
‫يتهموا بأنهم يقبلون العتراف بجوهرين‪.‬‬

‫‪ 1‬ـ الريوسيون المعتدلون‬

‫كان الريوسيون المعتدلون )‪ (Semi – Arians‬أوريجانيين قدامى وكان يتزعمهم‬


‫أسقف قيصرية أوسابيوس‪ ،‬وهم الذين قبلوا بتعاطف عن رضى تعليدما واحددا يرتكز على‬
‫النظرية الوريجانية الخاصة بخضوع البن‪ ،‬هؤلء أصروا على التمييز المشدد بين الب‬
‫والبن‪ ..‬ورفضوا اصطلح مجمع نيقية واعتبروه سابيلي‪ .‬ولنه لم يرد بين نصوص‬
‫النجيل‪ ..‬إل أنهم كانوا على استعداد لقبول معنى "التساوي في الجوهر‪Omooucios‬‬
‫" لكن بتعبير مخالف‪ ..‬لهذا تمسكوا بالتعبير "مماثل للب في كل شئ"‪ ،‬وبعد موت‬
‫أوسابيوس قام باسيليوس أسقف أنقي ار وجورجيوس اللوديكى بتنظيمهم‪ .‬وتميزوا بوضوح‬
‫أكثر من الريوسيين الخرين‪ .‬وذلك في مجمع ميديولنوس عام ‪355‬م‪ .‬حيث أنهم قبلوا‬
‫"تماثل الجوهر" أو التشابه في الجوهر "هومى أوسيوس" المر الذى من أجله أطلق‬
‫عليهم اسم "هومى أوسيين" وكانوا يختلفون عن القائلين "بالتساوي في الجوهر" أى‬
‫ل‪ ،‬ولذلك أطلق على النزاع بينهم أنه نزاع على ل شئ‪.‬‬
‫"الهوموأوسيين" قلي د‬

‫‪2‬ـ الريوسيون المتشددون‬

‫هؤلء كانوا على عكس المعتدلين‪ .‬وهؤلء المتشددون كانوا قد نشأوا عن‬
‫اللوكيانيين الذين قبلوا تعليم "بدعة التبني"‪ ..‬وكان يرأسهم في البدء أوسابيوس‬
‫النيقوميدى‪ .‬وفيما بعد أوسابيوس القسطنطينى‪ .‬وهذا الفريق تشدد في الفصل بين الب‬
‫والبن بدرجة أكبر‪ ..‬وإن كانوا أحيادنا يخفون أراءهم لسباب تنظيمية‪ .‬إل أنهم كانوا‬
‫متشددين‪ ..‬وبعد موت أوسابيوس هذا في عام ‪ .341‬برز بين صفوفهم "إيتيوس"‬
‫الأنطاكى الذى اندفع إلى تعليم أريوس بطريقة أشد تطردفا من أجل تكوين فريق أريوسى‬
‫جديد‪ .‬وهذا الفريق الجديد تشكل بطريقة أكثر تنسيدقا على يد تلميذه "يونوميوس"‬
‫والمنتمين إلى هذا الفريق وضعوا مناهجدا وأساليبدا متكاملة‪ ..‬وتدخلوا بفكرهم ليفحصوا‬
‫ضا‪ ..‬وزعموا أن جوهر ال هو في عدم الولدة‪ .‬أما‬‫جوهر كل الكائنات‪ ،‬بما فيها ال أي د‬
‫جوهر البن فهو في كونه مولود‪ ..‬ومن ثم فإن جوهري الب والبن ليسا فقط لم يكونا‬
‫شبيهين بل نقيضين تمادما‪ ..‬ولكي يؤكدوا تمييزهم ل الب بفرادة خاصة وحده‪ ،‬اعتادوا‬
‫أن يمارسوا المعمودية بغطسة واحدة فقط بدلد من ثلث غطسات‪.‬‬
‫بسبب التباين بينهم‪ ،‬تشكل فريق ثالث بإيحاء من المبراطور قسطنديوس‪ ..‬هو‬
‫فريق "الأوميويين" أى )الشبيهين( وهؤلء استخدموا الصطلح "أوميوس "‪ OMIOS‬أى‬
‫شبيه أو مثيل(‪ ،‬إل أنهم لم يكن لهم لهوتهم الخاص‪ ..‬بل –بحسب الظروف– كانوا‬
‫ينحازون لفريق أو لآخر‪ .‬وقد أدى ذلك إلى إضفاء تفسيرين على كلمة "أوميوس "‬
‫‪ OMIOS‬فصار من الممكن أن تعنى إما "تشابه الجوهر" أو "تشابه المشيئة"‪ ..‬واتخذ‬
‫مشايعو هذا الفريق لزعامتهم أساقفة الحدود الشمالية أمثال أورساكيوس السنجدونى‪،‬‬
‫وأولتتاس المورصى‪ ...‬وكذلك أكاكيوس القيصري‪ ،‬وهؤلء فرضوا وجهات نظرهم في‬
‫المجمع الذى انعقد في سرميوس عام ‪359‬م‪.‬‬
‫مواجهة الريوسية‬
‫هز الريوسيون أرجاء الكنيسة بسبب الطريقة التى ظهروا بها‪ ،‬حيث إنهم –على‬
‫وجه الخصوص– نشروا وفرضوا أفكارهم بكل ضرب من ضروب البدع الغريبة على‬
‫ذلك العصر‪ .‬فهم لم يستعينوا فقط بالحاديث الدينية‪ ،‬وتحرير الرسائل اللهوتية ونشر‬
‫عقائدهم على هيئة أفكار منتظمة قانونية‪ ،‬كما تأمر بذلك "أحكام الرسل"‪ ،‬بل كما سبق‬
‫ضا‪ ،‬فإنهم استخدموا كذلك أشعارهم الغنائية التى كانوا يتغنون بها في كل‬
‫أن قيل أي د‬
‫مناسبة‪ ..‬أما سلحهم الكثر مضاء وصلبة‪ ،‬فكان استغللهم للقوى السياسية التى‬
‫أقحموها للتدخل –لول مرة– في شئون الكنيسة الداخلية‪ ،‬وهكذا أبعدوا خصومهم بوسائل‬
‫عنيفة‪ ..‬وأرغموا أثناسيوس على أن يبارح كرسيه خمس مرات‪ ..‬وفي مرتين منها أقاموا‬
‫أساقفتهم على هذا الكرسي‪ ..‬وكان تفوقهم الساحق أكثر ثبادتا واستقروا في أنطاكيا‪ ،‬بعد‬
‫عزل السقف أوستاتيوس عام ‪330‬م‪ ..‬وفي عام ‪ 360‬أقاموا هناك صديقهم ميليتيوس‬
‫الذى ما لبث أن أعرب في الحال عن اتجاهه إلى قانون إيمان نيقية‪ ،‬أما في أسيا فكان‬
‫نفوذهم أقل‪ ،‬ولو أن موقفهم هناك كان أكثر هدوءدا‪ ،‬المر الذى لجله كان موقف‬
‫الرثوذكسيين مردنا‪ ..‬وفي القسطنطينية –على مدى أربعين سنة– خلف أربعة أساقفة‬
‫أريوسيين الواحد الخر‪ ..‬وهكذا عندما صار غريغوريوس الثيئولوغوس أسقدفا‬
‫للقسطنطينية استقر في بيت صغير للصلة)‪ ، (Chapel‬لن الريوسيين كانوا قد‬
‫استولوا على جميع الكنائس‪ ،‬ولكن غريغوريوس خلص القسطنطينية منهم‪ .‬وفي الغرب‬
‫حصلوا على نجاح محدود حيث استولوا فقط على بعض مراكز هامة قليلة مثل‬
‫المديولنيين وذلك لعدة سنوات قليلة فقط‪ ..‬إل أنهم لم يتمكنوا من الوصول إلى كرسي‬
‫أسقفية روما‪.‬‬
‫ل‪ً:‬ا مجموعة القادة الول‪ً:‬ا ألكسندروس‬
‫إن مسئولية الدفاع عن العقيدة كان لها أو د‬
‫السكندري‪ .‬وأوستاتيوس النطاكى‪ ،‬وهوسيوس القرطبي‪ .‬ثم بعد ذلك بقليل وقع عبء‬
‫الدفاع عن عقيدة نيقية على أكتاف القديس أثناسيوس الكبير الذى أدار النضال طيلة‬
‫ضا من الباء الكبادوكيين العظام‪ً:‬ا باسيليوس أسقف‬
‫خمسين عادما تقريدبا‪ ..‬معضددا أي د‬
‫قيصرية وغريغوريوس الثيئولوغوس‪ ،‬إن هؤلء اللهوتيين –باستنادهم على حجج‬
‫وبراهين من الكتاب المقدس والتقاليد الشرعية الصحيحة– قاموا بتجريد لهوت أريوس‬
‫من غطائه المتستر بالكتاب المقدس‪ .‬وكشفوا أن الريوسية إنما هى دراسة فلسفية جافة‬
‫وعميقة تظهر ال بدون حياة أو حركة‪ ..‬كشف أثناسيوس الكبير أن تعاليم أريوس أدت‬
‫إلى أمرين غير لئقين‪ً:‬ا‬

‫أولهما‪:‬‬
‫إنه أذاب التعليم بالثالوث القدوس ولشاه‪ ،‬وفتح الطريق أمام العتقاد بتعدد اللهة‪ ،‬إذ أنه‬
‫سمح بعبادة المخلوق‪.‬‬

‫وثانيهما‪:‬‬
‫إنه قلب "بناء الخلص" كلية‪ .‬فإن المخلص الذى أخذ على عاتقه خلص البشرية يلزم‬
‫أن يكون هو نفسه حاصلد على ملء اللهوت )المقالة الولى ضد الريوسيين فقرة‬
‫‪ ،(39‬وعلى الرغم من صرامته وحزمه لم يكن أثناسيوس متصلدبا بل كان يعرف كيف‬
‫يتدبر المر بتفهم وتسامح‪ ..‬وعندما تخلص من الضغط السياسي الخطير عرض‬
‫المشكلة بحذر ويقظة أكثر‪.‬‬
‫لم يستخدم البابا أثناسيوس أسلوب الفلسفة كما استخدمها أريوس الهرطوقى‪ ،‬ولكنه ركز‬
‫على اليمان معتمددا على الوحي اللهي‪ .‬وشرح أن الرب تحدث إلى البشرية في العهد‬
‫القديم خلل أنبيائه‪ ،‬أما في العهد الجديد فجاء إلينا بإرساله كلمته لكي تتحدد طبيعتنا‬
‫فيه‪.‬‬

‫الفكر الرثوذكسي للبابا أثناسيوس عن الثال ـ ــوث القدوس‬


‫من أقوال القديس البابا أثناسيوس الرسولى‪ً:‬ا ]إذن يوجد ثالوث‪ ،‬كام ــل ‪perfect‬‬
‫نعترف أن اللهوت في الب والبن والروح القدس‪ ،‬ليس فيه شئ غريب أو خارجي‬
‫يلتحم به‪ ،‬ول يتكون من واحد يخلق وآخر مخلوق‪ ،‬بل هو خالق‪ ،‬ثابت‪ ،‬غير منظور‬
‫بطبيعته‪ ،‬قوته للعمل واحدة‪ ،‬الب يفعل كل شئ خلل البن )الكلمة( بالروح القدس‪،‬‬
‫هكذا تبقى وحدة الثالوث محفوظة‪ ،‬هكذا يكرز بالله الواحد في الكنيسة‪" ،‬على الكل‬
‫وبالكل وفي الكل" )أف ‪ً:4‬ا ‪ (6‬إنه ثالوث ليس فقط في السم وبالكلم بل بالحق‬
‫والواقع[‪ .‬وكان البابا أثناسيوس كثي دار ما يسرد مثلد على العلقة بين القانيم الثلثة‬
‫ووحدتها وهو المثل المشهور لدى مدرسة السكندرية عن النور الصادر من الشمس‪،‬‬
‫فيظهر أن الولدة عند الله تختلف عن الولدة البشرية‪ .‬لن الله غير منظور‪.‬‬

‫الفكر الرثوذكسي للبابا أثناسيوس عن اللوغوس )الكلمة(‬


‫والخلصا‬
‫ينحصر فكر أثناسيوس عن اللوغوس في فكرة الخلص فيؤكد بح اررة أن الله‬
‫وحده يقدر أن يخلص الجنس الساقط )الهتمام السوتيريولوجى(‪.‬‬

‫‪ 1‬ـ ما كنا نخلص لو لم يصر الله إنسادنا‪ ،‬فإن النسان في حاجة إلى الخالق ليخلص‬
‫طبيعته الساقطة ويردها إلى أصلها‪ ،‬واهدبا إياها صورته‪ ،‬ومصلدحا إياها من الفساد إلى‬
‫عدم فساد‪ ،‬فيه تغلب البشرية الموت وتعاد خلقتها‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ لما كان ابن الله واحددا مع الب في الجوهر‪ ،‬فقد قدم نفسه ذبيحة قادرة على إيفاء‬
‫دين خطايانا وتحقيق العدالة والرحمة اللهية في نفس الوقت‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ إنه الله الغالب الشيطان ليس لجل نفسه فقط إوانما لجلنا جميدعا‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ بكونه الله الحق أعاد لنا كرامتنا‪ ،‬واهدبا إيانا البنوة للب فيه بالروح القدس‪.‬‬

‫‪ 5‬ـ التجسد قدمنا للله‪ ،‬كلمة الله المتجسد يعلن الب لنا‪ ،‬والب يجذبنا نحو البن‬
‫)انظر يو ‪ً: 17‬ا ‪ 27‬؛ ‪ً: 6‬ا ‪.(44‬‬

‫الفكر الرثوذكسي للبابا أثناسيوس عن السيد المسيح‬


‫‪Christology‬‬
‫‪ 1‬ـ يقول البابا أثناسيوس‪ً:‬ا إن تجسد المسيح وموته ليس عا دار للله بل هما لمجده‪ ،‬وسبدبا‬
‫لنعبده‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ أما عن "وح ــدة طبيعة المسيح" فقد ذكرها في عبارات متناهية الدقة فقال‪ً:‬ا ]بكونه ابن‬
‫ضا في نفس الوقت "بك دار بين إخوة كثيرين" لذلك لم يكن ابن الله قبل‬
‫الله بحق صار أي د‬
‫إبراهيم غيره بعد إبراهيم‪ ،‬ول وجد واحد أقام لعازر وآخر سأل عنه‪ ،‬إنما هو بعينه الذى‬
‫كإنسان قال‪ً:‬ا "أي ــن وضعتم لعازر؟!!" وبكونه الرب الله أقامه‪ ،‬هو بنفسه بكونه إنسادنا‬
‫كإنسان تفل وبكونه إلدها كابن للله فتح عيني المولود أعمى‪ ،‬وبينما ‪-‬كما يقول بطرس‪-‬‬
‫)‪ 1‬بط ‪ً: 4‬ا ‪ (1‬تألم بالجسد فبكونه الله فتح القبر وأقام الموتى[‪.‬‬

‫ل‪ً:‬ا وقال البابا أثناسيوس‪ً:‬ا ]لم يأخذ المخلص جسددا بدون نفس ول‬
‫‪ 3‬ـ أخذ ناسوتدا كام د‬
‫بدون حواس أو عقل‪ ،‬فإنه لم يكن ممكدنا عندما صار الرب إنسادنا لجلنا‪ ،‬أن يكون جسده‬
‫ضا مع الجسد[‪.‬‬
‫صا بالنفس أي د‬
‫بل عقل‪ ،‬إوال ما كان الخلص الذى قدمه الكلمة نفسه خا د‬
‫‪ 4‬ـ اللوغوس )الكلمة( ليس أداة خارجية لتحقيق الخلقة‪ ،‬فإن الله ليس في عوز إلى أداة‬
‫للخلق أو حتى للخلص‪ ،‬اللوغوس هو واحد مع الب في الجوهر‪] .‬فلو أن الجـوهر‬
‫اللهي غير مثمر بل عقيم كما يقولون‪ ،‬يكون كنور ل يضئ‪ ،‬وكينبوع جاف‪ ،‬أما‬
‫يخجلون من هذا القول عن طاقته العاملة؟؟!![‪.‬‬

‫الفكر الرثوذكسي للبابا أثناسيوس عن الروح القدس‬


‫الروح القدس في الفكر الريوسى هو مخلوق وأقل من اللوغوس‪ ،‬فقام البابا‬
‫أثناسيوس بكتابة أربع رسائل عن الروح القدس رددا على معتقدات الريوسيين الخاطئة‪،‬‬
‫وقد أرسل هذه الرسائل إلى السقف سيرابيون‪ ،‬وقد أوضح فيها أن لهوت الروح القدس‬
‫كلهوت المسيح‪ ،‬إوانه لو كان مخلودقا ما كنا ننال شركة مع الرب فيه‪ً:‬ا‬

‫‪ 1‬ـ يقول البابا أثناسيوس‪ً:‬ا ]بشركة الروح صرنا "شركاء طبيعته اللهية" )‪ 2‬بط ‪ً:1‬ا ‪.[(4‬‬

‫‪ 2‬ـ يحدد البابا أثناسيوس أن الروح القدس منبثق من الب‪.‬‬


‫‪ 3‬ـ يعلن البابا أثناسيوس عمل الروح القدس في حياتنا‪ ،‬إنه يهبنا التقديس الحقيقي‪ ،‬فبه‬
‫نتقبل المسحة والختم لنكون شركاء المسيح‪ ،‬شركاء الطبيعة اللهية‪ ،‬خلل المعمودية‬
‫والمسحة ننعم بالعضوية في الكنيسة به‪ ..‬الروح القدس هو الذى يعين الساقفة ليرعوا‬
‫قطيع الرب‪.‬‬

‫مقتل جورجيوس الكبادوكى‬


‫في مغالطة تاريخية يذكر لنا الكاتب إن شعب السكندرية قد خرج على أسقفه‬
‫جورجيوس الكبادوكى وقتله حيث جاء في صفحة ‪ 185 ، 184‬من الرواية‪ً:‬ا‬

‫وهذا عكس الحقيقة تمادما فلقد جاء في )‪A DICTIONARY OF CHRISTIAN‬‬


‫‪ (BIOGRAPHY: page 406‬عن جورجيوس الكبادوكى )تم تعيينه بواسطة أساقفة‬
‫أريوسيين في أنطاكيا في بداية عام ‪- 340‬وليس ‪ 339‬كما ييذكر في فهرس العياد‬
‫ضا في الحتفالت المكرسة في عام ‪ 341‬كما يقول سقراط )‬
‫‪ Festal Index‬وليس أي د‬
‫‪ -(ii. 20‬ليخلف أثناسيوس على كرسي السكندرية‪ .‬كتلميذ في مدارس السكندرية نال‬
‫لطدفا من أثناسيوس )‪ .(Greg. Naz. Ora. xxi. 15‬وقد وصل في ‪ 23‬مارس )‪cf.‬‬
‫‪ (.Fest. Ind‬حينما كان أثناسيوس مختفديا‪ .‬فيستنتج من تعيين غريغوريوس أنه كان‬
‫أريوسديا‪ .‬ويقول أثناسيوس‪ ،‬في رسالة دورية له في ذلك الحين‪ ،‬أن تعاطف غريغوريوس‬
‫صا باسم‬
‫مع الهرطقة يؤكد من حقيقة أن مؤيديها فقط هم الذين طالبوا به‪ ،‬وأنه عحين شخ د‬
‫أمون سكرتي دار له هذا كان محرودما لمدة طويلة بواسطة السقف )البابا( ألكسندروس‬
‫بسبب عدم تقواه )‪ .(Encycl. c. 7‬ويقول لنا أثناسيوس إنه في يوم الجمعة العظيمة عند‬
‫دخول غريغوريوس إلى الكنيسة أظهر الشعب استياءه‪ ،‬مما جعل غريغوريوس يجبر‬
‫الحاكم فيلجريوس أن يجلد ‪ 34‬عذراء وسيدة متزوجة ورجال لهم مكانتهم علنديا وأن‬
‫يسجنهم‪ .‬وبعد أن هرب أثناسيوس من روما‪ ،‬صار غريغوريوس أكثر عندفا )‪Athan.‬‬
‫‪ .(Hist. Ar. 13‬فنسمع عنه أنه "يضطهد المدينة" في ‪ (.Fest. Ind) 341‬وبعد ذلك‬
‫تمت سيامة أكسينتوس الريوسى الذى صار أسقدفا لميلن فيما بعد قدسا بواسطته )‬
‫‪ .(Hilar. In Aux. 8‬وبنهاية عام ‪ 343‬في مجمع سارديكا يحكم عليه بأنه لم يكن أسقدفا‬
‫في نظر الكنيسة )‪ .(Hist. Ar. 17‬ومات ليس مقتولد كما يقول ثيئودوريت )‪ (ii. 4‬الذى‬
‫يخلط بينه وبين جرجس‪ ،‬لكنه مات بعد مرض طويل )‪ (.Fest. Ind‬دام حوالي عشر‬
‫سنوات بعد كشف المؤامرة الريوسية ضد السقف يوفرات أى فبراير ‪ .345‬هذا التاريخ‬
‫استنتج من أثناسيوس )‪ (Hist. Ar. 21‬وهو يفضل عما ذكر في فهرس أعياد يونيو ‪26‬‬
‫عام ‪.(346‬‬

‫إذن فجورجيوس الكبادوكى لم ييقتل كما ادعى مؤلف ع اززيل ولكنه مات أثر مرض‬
‫طويل‪.‬‬

‫حرم أوريجانوس‬
‫يتناول المؤلف قضية حرم أوريجانوس ويعزى هذا إلى تعسف البابا ديمتريوس‬
‫الكرام ضده ليلوى ذراع الحقيقة حيث لم يقص ما فعله أوريجانوس وجعل البابا ديمتريوس‬
‫الكرام يحرمه من شركة الكنيسة فيقول في صفحة ‪ً:252‬ا‬
‫ولكى نعرف أولد من هو أوريجانوس‪ ،‬إليكم القصة التالية من كتاب بستان الرهبان‪ً:‬ا‬

‫‪ +‬من سيرة القديس أبيفانيوس )بستان الرهبان‪ -‬لجنة التحرير والنشر – بنى‬
‫سويف ‪ -‬الطبعة الثانية ‪ -‬ص ‪ً:(336‬ا‬

‫]ظهر في أيام أبيفانيوس بقبرص شاب دعي الفيلسوف فجادله علماء كثيرون‪،‬‬
‫فكان يفحمهم مقنعدا إياهم بأقواله‪ ،‬وكان يأتيه كهنة كثيرون وأساقفة فيقنعهم بإقناعات‪،‬‬
‫فتكاسل الكثرون عن مجادلته‪ ،‬وتراجعوا عن مفاوضته وذاع صيته حتى وصل خبره‬
‫إلى بافوس‪ ،‬حيث تحدثوا بحكمته وقوة منطقه ومقدرته على الجدال حتى ضل بسببه‬
‫الكثيرون‪ ،‬فلما أرى السقف أبيفانيوس ذلك حزن متفكردا في نفسه ثم قال‪ً:‬ا ومن يكون‬
‫هذا الشاب المفتخر بعلوم كذبة أمام إيمان السيد المسيح؟ وأنه تسلح بالإيمان‪ ،‬وأمر بأن‬
‫يحضروه إليه‪ ،‬فمضوا وقالوا له‪ً:‬ا السقف أبيفانيوس يستدعيك‪ .‬فقام وجاء إليه‪ ،‬فلما‬
‫حضر عنده لم يتكلم معه‪ ،‬بل انتصب للصلة أولد‪ ،‬فلما بدأ السقف بصلته أخذت‬
‫كثيرا‪ ،‬فلما شعر الب بقوة الصلة‪،‬‬
‫الشاب رعدة‪ ،‬وصر على أسنانه‪ ،‬فتعجب الكل لذلك د‬
‫حل أسره يارب‬
‫شف هذا الشقي العليل من هذا المرض‪ ،‬ن‬
‫قائل‪ً:‬ا "يارب ا ن‬
‫بدأ يطلب إلى ال د‬
‫وأظهر الشيطان المستتر فيه واعتق جبلتك منه"‪ ،‬عند ذلك صر بأسنانه وأزبد‪،‬‬
‫قائل‪ً:‬ا‬
‫واحمرت عيناه وصرخ بصوت عظيم د‬

‫"أأنت يا أبيفانيوس تخرجني من مسكني؟"‪.‬‬

‫فقال له‪ً:‬ا "الرب يسوع المسيح يخرجك من جبلته"‪.‬‬

‫قال له الشيطان‪ً:‬ا "إنك لم تعرفني من أنا"‪.‬‬

‫فقال له السقف‪ً:‬ا "ومن أنت"‪.‬‬

‫قال‪ً:‬ا "أنا هو الذي تكلمت في ذاك المدعو }أوريجانوس{"‪.‬‬


‫قال له السقف‪ً:‬ا "إن كنت أنت الذي تتكلم‪ ،‬فقل لنا بدء الكتاب الذي صنفه ذلك الشقي"‬
‫فبدأ إبليس يشرح بدء الكتاب‪.‬‬

‫فقال له القديس‪" :‬بالحق أنت هو المصنف لهذه الشرور العظيمة"‪.‬‬

‫ولم يحتمل الب أن يسمع أكثر‪ ،‬فقال له‪ً:‬ا اصمت يا ابن جهنم‪ ،‬أنا آمرك باسم الرب‬
‫يسوع المسيح أن تخرج عنه ول تؤذيه‪.‬‬

‫فصرعه على الرض وخرج منه‪ .‬فلما أفاق ورجع إلى نفسه‪ ،‬سألوه‪ً:‬ا من أين كانت لك‬
‫القدرة على ذلك المنطق العظيم والنحو والفلسفة؟‬

‫فقال‪ً:‬ا "لست أعلم ما تقولونه‪ ،‬ول كيف كنت أتكلم‪ ،‬ول كيف أتيت إلى هنا!"‪ ..‬فعجب‬
‫الحاضرون وخافوا من ضربات العدو‪[.‬‬

‫ولبد لنا أن نقف على حقيقة الخلف بين أوريجانوس والبابا ديمتريوس الكرام حتى‬
‫نستطيع أن نعرف إذا ما كان أوريجانوس قد استحق عقوبته أم أن البابا قد تعسف‬
‫ضده‪ ..‬فقد جاء في كتاب "الخريدة النفيسة فى تاريخ الكنيسة" )للقمص عطا ال‬
‫أرسانيوس المحرقى – ج ‪ (1‬ما يلى‪ً:‬ا ]وقد بنى مجمع ديمتريوس حكمه وحرمه على هذه‬
‫السباب التى قيل إنه وجدها فى مصنفاته‪ ،‬وهى‪ً:‬ا‬

‫ل‪ً:‬ا إن النفس خلقت قبل أجسادها ويحبست فيها لمعا ل‬


‫ص ارتكبتها‪.‬‬ ‫أو د‬ ‫‪‬‬

‫ثانديا‪ً:‬ا إن البن مخلوق وغريب عن جوهر الب‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫ثالدثا‪ً:‬ا إن نفس المسيح وجدت واتحدت فى الطبع اللهى قبل زمان التجسد‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫رابدعا‪ً:‬ا إن المسيح أخذ جسددا بل نفس ثم تركه بعد الصلب‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫خامدسا‪ً:‬ا إن عذاب البشر محدود‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫ساددسا‪ً:‬ا إن الشياطين سيخلصون‪.‬‬ ‫‪‬‬


‫سابدعا‪ً:‬ا إنه قصر قول السيد "‪ ...‬خصيان خصوا أنفسهم لجل ملكوت ال" )مت‬ ‫‪‬‬
‫‪ً:19‬ا ‪ (12‬وخصى نفسه‪[.‬‬

‫وفى محاضرة لقداسة البابا شنودة الثالث ‪-‬أطال الرب حياة قداسته‪ -‬فى الكلية‬
‫الكليريكية بتاريخ ‪ 1987 /12 /15‬قال ما يلى‪ً:‬ا‬

‫]أوريجانوس له أخطاء بسببها حرمه البابا ديمتريوس‪ ،‬وهو عندما حرمه عقد مجمدعا‬
‫حرمه به‪ ،‬وكان من قبل قد أرسله إلى بلد العرب إوالى أخائية وعند رجوعه منها أعطاه‬
‫ألكسندروس أسقف أورشليم درجة كهنوت؛ واعتبرت هذه غلطة أخرى أنه قمنبل الكهنوت‬
‫من غير أسقفه‪.‬‬

‫البعض قالوا إن القديس ديمتريوس كان يحسده على شهرته وعلمه ولهذا حرمه‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫هذا الكلم ييمرد عليه بعدة نقاط‪ً:‬ا‬
‫القديس ديمتريوس هو أحد قديسى الكنيسة وييذكر فى مجمع القداس ونأخذ النحل‬ ‫*‬

‫من فمه‪ ،‬وله معجزة معروفة‪ ..‬فليس من المعقول أن ننسب لمثل هذا القديس‬
‫مسألة الحسد‪ ،‬وهو الذى عينه أستادذا للكليريكية‪ ...‬فهو كان قديدسا‪ ،‬كما أن‬
‫الحكم على مشاعر القلوب ليست من اختصاصاتنا‪.‬‬
‫البابا ديمتريوس لم يحرمه وحده بل بمجمع‪ .‬كما أن قديسين كثيرين آخرين‬ ‫*‬

‫ضا قديسون بعد نياحة البابا‬


‫هاجموا أوريجانوس وهرطقاته؛ بل أنه قد حرمه أي د‬
‫ديمتريوس حتى القرن الرابع والخامس‪) .‬كما سنرى(‬
‫توجد اتهامات لهوتية معينة موجهة نحوه‪ ،‬أى ناحية موضوعية‪ .‬فهو له‬ ‫*‬

‫أخطاء خاصة بالملئكة – بالرواح – بالنفس النسانية – نفس السيد المسيح‬


‫ضا‪.‬‬
‫– القيامة ‪ -‬وفى التفسير أي د‬
‫وأهم هذه الخطاء‪:‬‬

‫صا بالفلطونية والفلطونية الحديثة‪.‬‬


‫تأثر بالفلسفة اليونانية وخصو د‬ ‫‪.1‬‬
‫ل‪ً:‬ا‬
‫الطريقة الرمزية ومبالغته فيها‪ ..‬فمث د‬ ‫‪.2‬‬
‫خطية آدم قال عنها إنها خطية زنا!! وأورد أسبادبا لذلك منها أن الشجرة فى‬
‫وسط الجنة‪ ،‬إوانه بعد أن أكل منها عرف إنه عريان‪...‬‬

‫وللرد على ذلك )انظر كتاب سنوات مع أسئلة الناس لقداسة البابا المجلد الول ص ‪(54‬‬

‫ضا بإمكانية خلص الشرار بعد موتهم‪.‬‬


‫عحلم بخلص الشياطين وأي د‬ ‫‪.3‬‬

‫}وفى ذلك قال‪ً:‬ا‬


‫]فى الواقع‪ ،‬أعتقد أن صلح ال من خلل مسيحه سوف يصالح كل خليقته‬ ‫‪‬‬
‫ويأتى بها إلى نهاية واحدة‪ ،‬لن كل أعداءه سوف ييقهرون ويخضعون له‪[.‬‬
‫]هذه الخليقة الملئكية التى انتزعت من حالتها الصلية المباركة‪ ،‬لم تنتزع‬ ‫‪‬‬
‫بصفة نهائية‪ ،‬بل أنهم وضعوا تحت تلك القوانين المباركة والملئكية التى‬
‫وصفتها‪ ،‬وباستفادتهم من هذه المساعدة الملئكية‪ ،‬وتنفيذ هذه المبادئ من‬
‫الممكن أن يشفوا أنفسهم ويعودوا إلى تلك الحالة من السعادة‪[.‬‬
‫]وعموماد ‪-‬وكما هو حال أى من هذه القوات التى تعمل تحت توجيه‬ ‫‪‬‬
‫الشيطان وتطيع أوامره الشريرة‪ -‬فسوف يتحولون إلى البر )الحق( فى العالم‬
‫القادم )عالم المستقبل(‪[.‬‬
‫)‪{(A DICTIONARY of EARLY CHRISTIAN BELIEFS p.490‬‬

‫عحلم بأن الرواح مخلوقة‪ ،‬وخلقت قبل الجساد ثم انحدرت من عالمها‬ ‫‪.4‬‬

‫العلوى واتحدت بالجساد‪) ..‬هذا كلم أفلطون(‪.‬‬


‫وللرد على ذلك نقول‪ً:‬ا لو كانت النفس مخلوقة ونزلت واتحدت بالجساد‪ ،‬فهى إدذا لم‬
‫تشترك فى خطية آدم وحواء‪ ،‬ويكون النسان يولد من طبيعتين‪ً:‬ا جسد من آدم وحواء‪،‬‬
‫ونفس من العالم الخر لها طبيعة أخرى لنها ليست من آدم وحواء‪.‬‬
‫نادى بتقمص الرواح‪.‬‬ ‫‪.5‬‬

‫قال إن فدية المسيح قدمت للشيطان على اعتبار أن الناس كانوا فى أسر‬ ‫‪.6‬‬

‫الشيطان والذى يخرجهم من السر يقدم الفدية للشيطان!!‬


‫قال إنه فى القيامة ل يقوم الجسد الترابى إوانما ال سيونجد جسددا جديددا يتحد‬ ‫‪.7‬‬

‫مع الرواح‪.‬‬
‫ضا بالمثل‬
‫والرد‪ً:‬ا إن هذا يعنى أن الجسد القديم ليس هو الذى سيعذب بل الجديد وأي د‬
‫المكافأة‪.‬‬

‫قال إن البرار سيتحولون إلى شكل نجوم‪ ،‬وحجته فى ذلك فهمه الخاطئ‬ ‫‪.8‬‬
‫للية‪ً:‬ا "نجم يمتاز عن نجم"‪.‬‬
‫قال إن ال خلق عوالم أخرى قبل عالمنا وبعد عالمنا‪[.‬‬ ‫‪.9‬‬

‫وكذلك ساويرس بن المقفع‪ً:‬ا )تاريخ البطاركة – ساويرس ابن المقفع ‪ 1999 -‬م –‬
‫ج ‪ -1‬ص ‪ ،(15 -14‬يصف إدانة أوريجانوس فيقول‪ً:‬ا ]أوريجانوس وضع كتبدا كثيرة‬
‫فيها تجديف كثير منه‪ً:‬ا‬

‫الآب خلق البن‪ ،‬وأن البن خلق الروح القدس‪ ..‬ولم يقل أن الب والبن والروح‬ ‫‪‬‬

‫القدس إله واحد‪[.‬‬

‫وجـ ــاء فـ ــى كتـ ــاب )قصـ ــة الكنيسـ ــة القبطيـ ــة ‪ -‬إيريـ ــس حـ ــبيب المصـ ــرى ‪ -‬ج ‪- 1‬‬
‫صفحة ‪ً:(60‬ا‬

‫]كانت ثقة أوريجانوس بالمحبة اللهية تامة إلى حد جعله يؤمن بأنه فى النهايــة – بعــد أن‬
‫يجتــذب الب الســماوى جميــع خلئقــه إليــه سيصــفح عــن الشــيطان نفســه ويســمح لــه بــأن‬
‫يمشى من جديد فى فردوس النعيم بين الشاروبيم والسرافيم[‪.‬‬

‫وأما ما قاله أوريجانوس بعد أن ضحى للوثان حين ألقى فى سجن كريه‪ ،‬فإنه‬
‫نطق بهذا الرثاء على نفسه حين نجا من السجن‪ ،‬وهو‪ً:‬ا‬

‫)أيها البرج الشامخ كيف سقطت إلى الحضيض بغتة‪ ،‬أيها الشجرة الغضة كيف يبست‬
‫على الفور‪ .‬أيها النور المتوقد كيف أظلمت وشيدكا‪ .‬أيها الينبوع الجارى كيف نضبت‪.‬‬
‫ويلى فإنى كنت مشتملد بمواهب ونعم وقد عريت منها الن جميدعا‪ .‬فرقوا لحالى يا‬
‫أحبائى فإنى قد رذلت لنى دست خاتم إقرارى واتحدت مع الشيطان‪ .‬اشفقوا علوى يا‬
‫خلنى فإنى قد طرحت من أمام وجه ال‪(...‬‬

‫بطلن كهنوته واعتباره ل يصلح للتعليم‬


‫زاد أوريجانوس على كل الخطاء اللهوتية التى ذكرناها‪ ،‬أنه خصى نفسه‪..‬‬

‫فقد جاء فى الكتاب السادس ليوسابيوس القيصري‪ ،‬الفصل الثامن‪ ،‬تحت عنوان‬
‫جرأة أوريجانوس‪ً:‬ا‬

‫‪ - 1‬وحدث أنه بينما كان أوريجانوس يقوم بتعليم اليمان في مدينة السكندرية أتى‬
‫عملد يدل على عقل لم ينضج بعد وتفكير صبياني‪.‬‬

‫‪ - 2‬فلقد أخذ أوريجانوس كلمات النجيل‪ً:‬ا "يوجد خصيان خصوا أنفسهم لجل ملكوت‬
‫السموات" بالمعنى الحرفي‪ ،‬وذهب في فهم معناها إلى أقصى حدود الكلمات‪ ،‬وكان‬
‫هدفه أن يتمم كلمات المخلص‪ ،‬وفي نفس الوقت يقطع كل فرصة قد يتخذها غير‬
‫المؤمنون لساءة الظن )فقد كان يلتقي بالرجال والنساء عندما كان يدرس اللهيات وكان‬
‫صغي دار في السن شادبا يافدعا( فنفذ عملديا كلمة المخلص‪ ،‬وقد ظن أن ما فعله لن يعرف‬
‫ويشتهر بين الكثيرين من معارفه وأصدقائه‪ ،‬ولكنه كان من المستحيل إخفاء عمل كهذا‬
‫بالرغم مما بذله من جهد وتعامل شخصي لبقاء ما فعله س دار مخفديا‪.‬‬

‫‪ - 3‬ولما علم بالمر ديمتريوس )البابا القبطي( الذى كان يرأس اليبارشية‪ ،‬كتب إلى‬
‫الساقفة في العالم واصدفا تصرف أوريجانوس بأنه في غاية الطيش‪ ،‬ولكن أسقفي‬
‫قيصرية وأورشليم ‪-‬اللذين كانا من أشهر أساقفة اليهودية– اعتبرا أوريجانوس خليدقا‬
‫بأعظم درجات الكرام‪ ،‬فرسماه قدسا‪.‬‬

‫وعلى هذا ل تصح رسامة أوريجانوس كاهدنا وذلك لن‪ً:‬ا‬

‫أ ‪ -‬أوريجانوس مقنبل السيامة من أسقف غير أسقفه وبدون أذنه‪.‬‬


‫ب ‪ -‬أوريجانوس خصى نفسه‪ ،‬المر الذى يحرمه من نوال درجة كهنوتية‪.‬‬

‫وجـ ــاء فـ ــى كتـ ــاب )قصـ ــة الكنيسـ ــة القبطيـ ــة ‪ -‬إيريـ ــس حـ ــبيب المصـ ــرى ‪ -‬ج ‪- 1‬‬
‫صفحة ‪ً:(50‬ا‬

‫]وحـ ــدث حـ ـوالى سـ ــنة ‪216‬م أن أذن البابـ ــا ديمـ ــتريوس لوريجـ ــانوس بالـ ــذهاب إلـ ــى‬
‫أخائية ليعلم أهلها فذهب وقام بالمهمة التى عهدت إليه خير قيام‪ .‬ومر بفلسطين وهو فى‬
‫طريق العودة إلى وطنــه فوضـع عليــه اليــد ألكســندروس أسـقف أورشـليم وتيئوسـتيت أسـقف‬
‫فيســارية الكبــادوك وكرســوه أســقفدا‪ .‬وقــد أثــار هــذا العمــل غضــب البابــا ديمــتريوس فجمــع‬
‫مجمعه وأصدر حرمــه علـى أوريجـانوس لسـببين أولهمـا أن أوريجـانوس اقـترف ذندبـا يحــول‬
‫بين ــه وبي ــن الك ارم ــة الكهنوتي ــة‪ ،‬وه ــذا ال ــذنب ه ــو أن ــه خص ــى نفس ــه‪ ،‬وثانيهم ــا أن رس ــامة‬
‫الساقفة والكهنة المصريين من حق البابا السكندرى وحده‪[.‬‬

‫وذكر كتاب )تاريخ الكنيسة القبطية – القس منسى يوحنا – صفحة ‪ً:(51‬ا‬

‫]لما رجع أوريجانوس إلى السكندرية بعد رســامته وجـد مركـزه قـد ســقط فحصــل بينــه‬
‫وبيـ ــن البطري ـ ــرك نـ ـ ـزاع عقـ ــد بس ـ ــببه مجمدعـ ــا بالس ـ ــكندرية سـ ــنة ‪231‬م حكـ ــم في ـ ــه بنفـ ــى‬
‫أوريجــانوس وبحرمــه لنــه رســم مــن أســقفين غيــر تــابعين للكـ ـ ارزة المرقســية ولنــه خصــى‬
‫نفسـ ــه‪ ...‬وعقيييد مجميييع آخييير فيييى السيييكندرية وفحيييص كتييياب المبيييادئ )مييين تيييأليف‬
‫أوريجانوس( وحكم بأنه هرطوقى وحرم مؤلفه‪[.‬‬

‫المجامع التي أدانته‬


‫ذكر القمص تادرس يعقوب ملطي )فى كتاب "نظرة شاملة لعلم الباترولوجي" –‬
‫الطبعة الولى ‪ - 2008‬صفحة ‪ (75 – 72‬ما يلى‪ً:‬ا‬
‫‪] .1‬عقد البابا ديمتريوس )‪232-188‬م( مجمدعا قطع فيه أوريجانوس من شركة الكنيسة‬
‫في السكندرية‪.‬‬
‫‪ .2‬مجمدعا ثانديا في ‪231‬م جورده من الكهنوت‪.‬‬
‫‪ .3‬بعد نياحة البابا ديمتريوس في ‪232‬م‪ ،‬عاد أوريجانوس إلى السكندرية ولكن البابا‬
‫ياروكلس ‪ -‬الذي خلف البابا ديمتريوس وكان سابدقا مؤيددا لوريجانوس وأحد‬
‫تلمذته ‪ -‬أكد الحرم الذي أصدره مسملفه البابا ديمتريوس‪.‬‬
‫‪ .4‬مجمدعا آخر في السكندرية في ‪400‬م أدان الوريجانية‪ ،‬وقد طرد البابا ثيئوفيلس‬
‫البطريرك الـ ‪ 23‬الرهبان الوريجانيين المعروفين بالخوة الطوال‪ .‬ويحرمت أخطاء‬
‫أوريجانوس التي تشمل الوجود السابق للنفوس قبل تجحسدها‪ ،‬وتناسخ الرواح‪،‬‬
‫ضا‪.‬‬
‫وطبيعة الجسد المقام‪ ،‬والخلص الشامل حتى للشيطان أي د‬
‫‪ .5‬في ‪400‬م أدان أنسطاسيوس أسقف روما أوريجانوس‪ً:‬ا "إننا نوصي إن كل ما يكتب‬
‫في اليام السالفة بواسطة أوريجانوس وكان فيه ما يخالف إيماننا هو مرفوض ويمدان‬
‫منا"‪.‬‬
‫‪ .6‬عقد القديس إبيفانيوس مجمدعا في ‪402‬م في قبرص حرم فيه أوريجانوس وتعاليمه‪.‬‬
‫‪ .7‬في ‪450‬م أدان أفرام النطاكي الوريجانية في مجمع محلي‪.‬‬
‫‪ .8‬في ‪543‬م أصدر المبراطور يوستينيان منشودار لهوتديا يحوي مقتطفات من كتاب‬
‫لوريجانوس "المباديء" مع عشر حرومات‪.‬‬
‫‪ .9‬يأعيدت هذه الحروم مرة أخرى في ‪553‬م في مجمع القسطنطينية الثاني حيث يأدرج‬
‫أوريجانوس ضمن قائمة الهراطقة القدامى‪ .‬وهكذا صار واضدحا أن بعض العقائد‬
‫التي حرمتها الكنيسة )والتي تخص الخرويات‪ ،‬الكونيات‪ ،‬البشريات( هي حقيقة‬
‫يتنسب لوريجانوس مما جاء في كتاب "المباديء"‪.‬‬

‫آباء القرن الرابع الذين كانوا ضد أوريجانوس‪:‬‬

‫ميثوديوس الوليمبي )تنيح ‪311‬م(‪ً:‬ا رفض معظم تعاليم أوريجانوس خاصة مفهومه‬ ‫‪‬‬

‫عن الوجود السابق للنسان والصفة المؤقتة للجسد‪.‬‬


‫القديس إبيفانيوس أسقف سلميس )حوالي ‪310‬م ‪403-‬م(‪ً:‬ا أدرج الوريجانية‬ ‫‪‬‬

‫ضمن العديد من الهرطقات شملها كتابه "الهرطقات"‪.‬‬


‫القديس جيروم‪ً:‬ا هاجم عقائد أوريجانوس بخصوص قيامة الجسد‪ ،‬حالة النفوس‪ ،‬توبة‬ ‫‪‬‬

‫ضا القديس جيروم "يأدين أوريجانوس بواسطة بطريركه‬


‫الشيطان‪ ،‬والثالوث‪ .‬وكتب أي د‬
‫البابا ديمتريوس‪ ،‬وأكدت روما إدانته"‪ .‬وفي وصف القديس جيروم للضطراب الذي‬
‫حدث في أورشليم في ‪394‬م‪ ،‬قال إن القديس إبيفانيوس دخل كنيسة القبر والقيامة‬
‫مع يوحنا أسقف أورشليم الذي وقف أمام الجموع المحتشدة في الكنيسة وأدان أولئك‬
‫الذين ينادون بخلع الصفات البشرية على ال‪ .‬وبعد أن أنهى خطابه‪ ،‬خاطب القديس‬
‫ل‪ً:‬ا‬
‫إبيفانيوس الجمع قائ د‬
‫كل ما قاله أخي في السقفية ولكن ابني من حيث اليعمر‪ ،‬ضد هرطقة الذين‬
‫ضا أضم صوتي‬
‫ينادون بنسب الصفات البشرية إلى ال‪ ،‬هو حق وحسن وأنا أي د‬
‫ضا كما أدونا هذه الهرطقة لبد أن‬
‫إليه في إدانة هذه الهرطقة‪ .‬ولكن من العدل أي د‬
‫ندين العقائد المنحرفة التي لوريجانوس‪.‬‬

‫الذين قاوموا أوريجانوس‪:‬‬

‫البابا ديمتريوس بابا السكندرية الثاني عشر‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫البابا ثيئوفيلس بابا السكندرية الثالث والعشرون خلل قضية الرهبان الوريجانيين‬ ‫‪‬‬

‫المعروفين بالخوة الطوال‪.‬‬


‫البابا بطرس خاتم الشهداء كتب ضد أوريجانوس‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫القديس إبيفانيوس أسقف سلميس )في نهاية القرن الرابع وبداية القرن الخامس(‬ ‫‪‬‬

‫نجح في إقناع القديس جيروم ولكن فشل في إقناع يوحنا أسقف أورشليم‪.‬‬
‫القديس جيروم‪ً:‬ا خلفه مع يوحنا )كتادبا ضد يوحنا أسقف أورشليم( ومع روفينوس‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫ميثوديوس )أسقف أوليمبيا‪-‬كيليكية( في بداية القرن الرابع‪ ،‬وكتب كتادبا ضد‬ ‫‪‬‬

‫أوريجانوس‪.‬‬
‫القديس أغسطينوس في القرن الخامس[‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫فلم يكن حرمان أوريجانوس إذن تعسدفا من البابا ديمتريوس الكرام‪ ،‬ولكن كان نتيجة‬
‫لخطائه اللهوتية‪ ،‬ولسلوكيات إيمانية خاطئة نتيجة فهم مغلوط ليات الكتاب المقدس‪،‬‬
‫وكذلك لم يكن أوريجانوس مستضعدفا بل كان معانددا لسقفه دون وجه حق‪ ،‬كذلك فإنه‬
‫إوان كان يملك من العلم الكثير إل أنه لم يستغل هذا في نفع الكنيسة‪ ،‬ولكنه علم بما‬
‫يخالف اليمان الرثوذكسي السليم‪.‬‬

‫فماذا كان يريد المؤلف إذن من البابا ديمتريوس الكرام حتى ل يتهمه بأنه أذاق‬
‫أوريجانوس المرين؟ هل كان المطلوب من البابا أن يجارى أوريجانوس فيما ذهب إليه‬
‫من سلوكيات خاطئة؟ أم ترى أنه كان على البابا أن يرفض ما استقر عليه إيمان الكنيسة‬
‫وعولم به الباء‪ ،‬ويعلم بما جاء به أوريجانوس؟!!‬

‫محاولة إلصاق الغنوسية بأصل العقيدة‬


‫فى إشارة واضحة ومتعمدة لجأ الكاتب إلى ذكر الفيلسوف أفلوطين على لسان‬
‫تيودور‪ ،‬موضدحا إعجاب تيودور بفلسفة أفلوطين‪ ،‬وكتابه التاسوعات‪ ،‬فيقول تيودور فى‬
‫صفحة ‪ 34‬من رواية ع اززيل‪ً:‬ا‬

‫كما لجأ المؤلف إلى ذكر اسم الفيلسوف سيشرون على لسان رئيس الدير‬
‫النطاكى‪ ،‬فيقول فى صفحة ‪ً:204‬ا‬
‫ونود هنا لفت النتباه إلى أن هناك رابط مشترك بين كل من سيشرون‪ ،‬وأفلوطين‪،‬‬
‫وهيباشيا )هيباتيا(‪ ،‬فسيشرون )‪ 43 – 106‬ق ‪ .‬م( يعتبر هو رائد ما يسمى بالمدرسة‬
‫الفلطونية الجديدة‪ ،‬تلك المدرسة التى أخذت فلسفة أفلطون ومزجتها بكتابات أرسطو‪،‬‬
‫والتى لم تتبلور فى زمن سيشرون‪ ،‬إلى أن جاء أفلوطين )‪ 270 – 205‬م( والذى يقال‬
‫إنه كان من مصر العليا‪ ،‬وأسس هذه المدرسة والتى استمرت مدة من الزمن إلى أن أغلق‬
‫المبراطور جوستنيان مدرسة أفلطون سنة ‪ 529‬م‪ ،‬حيث كان هذا مؤش دار لنتهاء‬
‫عصر الفلطونية‪ ،‬والفلطونية الجديدة على وجه التحديد‪ ،‬وقد كانت هذه المدرسة‬
‫وفلسفتها من أشد المتعصبين ضد المسيحية‪ ،‬ونذكر منهم‪ً:‬ا فورفوريوس )‪– 234‬‬
‫‪ (305‬والذى كان عددوا لدوددا للمسيحية حيث هاجم الديانة فى كتابه )ضد المسيحيين(‬
‫ضا فى كتبته‪ .‬وكذلك أبرقلس )‪410‬‬
‫والذى شكك فيه فى زمن كتابة النجيل‪ ،‬وشكك أي د‬
‫– ‪ (485‬والذى هاجم المسيحية فى كتابيه )مبادئ اللهوت( و )لهوت أفلطون(‪،‬‬
‫وكان من أشهر تابعى هذه المدرسة المبراطور جوليان المرتد‪ ،‬حيث إن هذه المدرسة‬
‫كانت تروج لفكرة تعدد اللهة‪ .‬كذلك هيباتيا كانت من أساتذة مدرسة السكندرية‬
‫الفلطونية الجديدة‪ ،‬والتى كانت تحذو حذو زملئها فورفوريوس وأبرقلس فى مهاجمة‬
‫المسيحية والحط من شأنها‪ .‬على أننا هنا سوف ل نناقش اتجاهات المدرسة وفلسفتها‬
‫ويكتابها‪ ،‬فهذا ليس مجاله بحثنا‪ ،‬ولكن ما سوف نتوقف عنده هو كتاب التاسوعات‬
‫لفلوطين‪ ،‬والذى يعتبر المصدر الرئيسى للمنهج الفلسفى لهذا الفيلسوف‪.‬‬
‫إن خلصة تعاليم أفلوطين فى كتاب )التاسوعات( هو أن يهدى الناس )أولئك‬
‫القلئل القادرين على هدايته( بحيث يرتدون إلى الشعور باتحادهم آخر المر بالمصدر‬
‫الذى صدروا وصدرت كل الشياء عنه‪ ،‬أل وهو )الواحد( أو )الخير(‪ ،‬الذى عندما‬
‫منحهم الوجود منحهم كذلك العودة إليه‪ ،‬إوان بلوغ ذلك ليحتاج إلى النقاء الخلقى‬
‫الكامل إوالى أقصى درجات المجاهدة العقلية‪ ،‬فالتحاد الصوفى )الصوفى من صوفيا‬
‫"الحكمة"‪ ،‬وليس من الصوفية( عند أفلوطين يتطلب أسادسا أخلقديا شديد الصلبة‪،‬‬
‫وتمريدنا طويلد للعقل قبلما يمكنه بلوغ ذلك التحاد‪ .‬ومع ذلك فإن الرجل الحكيم الذى‬
‫يكون المر ممكدنا له‪ ،‬عندما يبلغ ذلك التحاد إنما يجاوز بذلك أعلى حدود الفاعلية‬
‫العقلية‪ ،‬لكن أفلوطين يجنح دائدما إلى التجاوز عن هذا المبدأ‪ ،‬حيث يرى أن )الواحد( أو‬
‫)الخير( هو المصدر أو المبدأ الول للوجود‪ ،‬وهو فوق كل تعيين أو تحديد وبالتالى فهو‬
‫فوق كل وصف أو تعريف‪ ،‬لنه أكثر ل لنه أقل من أية فكرة نكونها عنه‪ ،‬وليس هو‬
‫بالبعيد عنا بل هو حاضر للكل تبدعا لمقدرتهم على تقبله‪ ،‬وعن الواحد أو الخير تتدرج‬
‫الحقيقة فى سلسلة من المراحل التى تسير سي دار مطرددا نحو زيادة التكثر والتعيين‬
‫والتفريق‪ ،‬إوان صدورها عن الواحد لهو صدور حر بالمعنى الذى تكون فيه تلقائية وغير‬
‫مجبرة إلى أقصى الحدود‪ ،‬ثم هو صدور ضرورى بمعنى أنه ليس من المتصور أل تكون‬
‫قد حدثت‪ ،‬كما أن مراحل الحقيقة كلها أزلية‪ ،‬وحتى المرحلة السفلى أو الخيرة ‪-‬العالم‬
‫الطبيعى‪ ،‬والواحد هو الوجود وهو مصدر كل الوجود بل هو فوق الوجود‪ ،‬والوجود عند‬
‫أفلوطين هو جملة الموجودات أو مجموعها‪ ،‬وهو الذى ينشأ عن )الواحد( أو )العقل‬
‫المتناهى( وفى هذا يكون الفكر ومضمونه شيدئا واحددا‪ ،‬وهو يتبنى الفكرة الرواقية القائلة‬
‫بدورات العالم المتتالية والتى تكرر نفسها إلى ما ل نهاية تك اردار يشمل كل التفصيلت‪.‬‬

‫هذا هو باختصار ما علم به أفلوطين فى كتابه التاسوعات‪ ،‬ونحن هنا ل يهمنا‬


‫أفلوطين ول تاسوعاته‪ ،‬ولكن ما يهمنا هو ما أشار إليه الكاتب فى روايته من انتشار فكر‬
‫المدرسة الفلطونية الجديدة فى جميع البقاع المسيحية‪ ،‬ففى كنيسة السكندرية انتشرت‬
‫الفلطونية الجديدة عن طريق هيباتيا‪ ،‬وفى أورشليم يلمح إلى اعتناق تيودور لفكر‬
‫أفلوطين‪ ،‬لنصل إلى كنيسة أنطاكية لنجد رئيس الدير متعاطدفا مع سيشرون‪.‬‬
‫أفـلوطين والمسيحية‬
‫يخالف الكاتب الحقائق التاريخية والزمنية فى استدلله بأن العقيدة والرهبنة‪،‬‬
‫مأخوذة من عند أفلوطين‪ ،‬لن هذا غير حقيقى‪ ،‬فأفلوطين جاء بعد ظهور وانتشار‬
‫صلب المسيح بأكثر من مائتى سنة‪ ،‬فكيف إذن تأخذ‬
‫المسيحية وذيوع سيطها‪ ،‬بعد أن ي‬
‫العقيدة روحها من عند أفلوطين؟! إن العكس هو الصحيح‪ ،‬فلقد تأثر أفلوطين بالمسيحية‬
‫وهذا واضح جددا فى فكره‪ ،‬ولكنه قام بعمل صياغة عقلية وثنية لعقيدة التجسد تقبل تعدد‬
‫اللهة‪ .‬إن أفكار أفلوطين هى اللبنة الولى التى بنيت عليها الغنوسية‪ ،‬والتى نشب‬
‫خلدفا بين قادتها وأفلوطين‪ ،‬بسبب إعادة بناء منهجه‪ ،‬ولكن على أساس من التشاؤم‬
‫والكآبة‪ ،‬وفيما يلى سوف نورد أهم ما جاء بالفكر الغنوسى مقارنة مع فكر أفلوطين‬
‫والفكر الرثوذكسى وخاصة فيما يتعلق بالكلمة )‪). logos‬‬

‫الغنوسية والرثوذكسية‬
‫يخطئ من يظن أن الغنوسية هى مذهب أو عقيدة محددة الثوابت‪ ،‬فالغنوسية‬
‫مجموعة من الفلسفات تم توفيقها وتلفيقها مدعا بدمج بعض أو كل الكتاب المقدس لتكون‬
‫اللة التى يمكن لها صناعة أى هرطقة قد تبتلى بها الكنيسة بين الحين والخر‪ ،‬ول نبالغ‬
‫إذا قلنا إن مجمل الهرطقات التى شهدتها الكنيسة حتى يومنا هذا هى بالصل صناعة‬
‫غنوسية بداية من أريوس ونسطور مرودار بالبروتستانتية ونهاية بمجيئي اليوم السابع‬
‫)الدفنتست( ونبيتهم المزعومة‪ ،‬وحتى ل ييفهم خطأ مما أتاه مؤلف ع اززيل من أن‬
‫الكنيسة تتبنى الفكر الغنوسى‪ ،‬كان علينا تفنيد ذلك الدعاء‪ .‬وحيث إن فلسفة‬
‫الغنوسيين يختلفون فيما بينهم‪ ،‬فلقد رأينا أن نأخذ القاسم المشترك العظم لديهم جميدعا‬
‫والذى يكاد يتفقون على مضمونه‪ ،‬والذى بدروه يمكننا من فهم مصطلح )الكلمة( عندهم‬
‫وبيان مدى تأثرهم بالمدرسة الفلطونية الجديدة‪ ،‬وبعده كل البعد عن الرثوذكسية عقيدة‬
‫الرأى المستقيم‪.‬‬

‫ظا على معظم مضمونه‬


‫لقد أعاد الغنوسيون صياغة منهج أفلوطين‪ ،‬ليخرج محاف د‬
‫مع تغيير بعض المصطلحات إواعطائها أبعاددا مسيحية طفيفة‪ ،‬وكان جل اهتمامهم على‬
‫تخريج معنى جديد لـ )الكلمة( يتوافق مع روح الفلسفة‪ ،‬وليعطى تفسي دار عقلنديا على‬
‫حسب ما زعموا‪ ،‬يقبل تفسيره العقل‪ ،‬فيما عرف لديهم بنظرية الكوزموس‪.‬‬

‫فقاموا باستبدال الواحد أو الخير بـ )الله المتعالى( ‪-‬لحظ أن هيبا فى بداية تدوينه كتب‬
‫باسم الله المتعالى‪ -‬أو )الب( أو )‪ ) nous‬وهو الله المستتر أو المحتجب من وراء‬
‫السموات والذى خلق مجموعة من الكائنات الفوق كونية تسمى )أيونات( تلك اليونات‬
‫تخضع إلى ترتيبة إلهية تسمى الملء العلى أو الكمال‪ ،‬آخر هذه الترتيبة الكائن‬
‫السامى اللوهية )‪ -Sophia‬أو الحكمة أو الكلمة أو الـ ‪ (logos‬والتى ل تعرف شيدئا‬
‫عن الله السمى المتعالى عن الوجود‪ ،‬وكرغبة طائشة من صوفيا‪ ،‬فقد حاولت معرفة‬
‫الله السمى‪ ،‬والذى لم يقبل ذلك ولم يرتضيه فعاقبها بتنزيل درجتها اللهية‪ ،‬لتصبح‬
‫مخلوق نصف إلهي جاهل مسئول عن تكوين الكون أو العالم المادي عرف باسم الباري‬
‫أو )‪ (demiurge‬هذا "الديميورغس" كان هو الخالق لعالم يحاكي عالم الملء العلى‬
‫معد من الزل ولكن "الديميورغس" يجهل ذلك ويعلن نفسه الله الوحد فى العالم‪ ،‬فال‬
‫فى الكتب اليهودية ليس هو الله السمى المتعالى ولكنه "الديميورغس"‪.‬‬

‫هذا هو صلب لهوت الغنوسيين ويتضح مدى التشابه الشديد بينه وبين ما جاء‬
‫بتاسوعات أفلوطين‪ ،‬وهو بالطبع لهوت يختلف عن لهوت الكنيسة الرثوذكسية‪،‬‬
‫خاصة فيما يتعلق بأقنوم البن أو الكلمة‪ ،‬وذلك من عدة نواحى‪ً:‬ا‬

‫‪ -1‬الرثوذكسية تؤمن بأن ال مثلث القانيم هو إله واحد آب وابن وروح قدس بغير‬
‫امتزاج ول اختلط ول تغيير‪.‬‬

‫‪ -2‬إن القانيم الثلثة وبدون انفصال تتمايز فيما بينها وظيفديا‪.‬‬

‫‪ -3‬إن المسيح ل ييحسب ضمن المخلوقات‪.‬‬

‫‪ -4‬المسيح لم يوجد فقط وجوددا سابدقا ولكنه من نفس جوهر ال‪.‬‬

‫‪ -5‬إن الرثوذكسية ل تفصل بين المسيح وبين ال‪.‬‬

‫‪ -6‬المسيح هو صورة ال‪ ،‬بكر كل خليقة‪ ،‬خالق وحافظ وغاية كل الشياء‪.‬‬


‫‪ -7‬المسيح كائن فوق كل الرواح السماوية‪ ،‬سواء كخالق لها أو كرئيس لها‪.‬‬

‫‪ -8‬المسيح يمتلك كل الملء‪.‬‬

‫شهود يهوه‬
‫من الفكار التى حاول المؤلف أن يلصقها بالمسيحية هى أن أصل الديانة هو‬
‫اليهودية‪ ،‬ويجب على النسان المسيحى حتى يكون على دراية بالديانة الصحيحة أن‬
‫يتعلم أولد اليهودية‪ ،‬حيث يقول فى صفحة ‪ً:169‬ا‬

‫إن المقولة الواردة هى ليحاء إلى بدعة شهود يهوه‪ ،‬حيث إنهم ينادون بنفس ما‬
‫يزعم المؤلف‪ ،‬من أن اليهودية هى أصل الديانة‪ ،‬وهم يحدعون إنهم مسيحيون ولكنهم‬
‫ليسوا كذلك فهم يحاولون الندساس بين المسيحيين وكأنهم مسيحيون‪ ،‬ولكنهم فى‬
‫الحقيقة أقرب إلى الديانة اليهودية منهم إلى المسيحية‪ ،‬حيث يشتركون مع اليهود فى‬
‫أشياء كثيرة ويخالفون تعاليم الكنيسة فى أشياء أخرى‪ ،‬سوف نجمل هذه وتلك فيما يلى‪ً:‬ا‬

‫ينكرون الدينونة البدية للشرار‪ ،‬وهذه العقيـدة سـوف تــدفع النـاس إلـى السـتخفاف‬ ‫‪‬‬

‫بالخطيـ ــة‪ ،‬وعـ ــدم الجهـ ــاد الروحـ ــى؛ فهـ ــولء الش ـ ـرار يقـ ــول عنهـ ــم السـ ــيد المسـ ــيح‬
‫"فيمضي هؤلء إلى عذاب أبدي والبرار إلى حياة أبدية" )مت‪ً:25‬ا ‪.(46‬‬
‫الروح النسانية تموت مع الجسد؛ بعكس ما أكده السيد المسيح "أنا إله إبراهيم إوالــه‬ ‫‪‬‬

‫إسحق إواله يعقوب‪ ،‬ليس ال إله أموات بل إله أحياء" )مت‪ً:22‬ا ‪.(32‬‬
‫‪ ‬ينكرون إلوهية السيد المسيح‪ ،‬ويستخدمون آيات يفسرونها خطأ من حيث إلــوهيته؛‬
‫ولكنها قيلت من حيث تجسد المسيح إوانسانيته إواخلء ذاته‪.‬‬
‫ينكــرون أقنوميــة إوالوهيــة الــروح القــدس‪ ،‬حيــث يعتــبرون الــروح القــدس مجــرد قــوة أو‬ ‫‪‬‬

‫طاقــة صـادرة مـن الـ؛ وذلــك علـى عكـس كـل نصــوص الكتـاب المقـدس الــتى تؤكــد‬
‫ألوهية الروح القدس حيث يقول عنه السيد المسـيح "روح الحــق الـذي مـن عنـد الب‬
‫ينبثق" )يو‪ً:15‬ا ‪.(26‬‬
‫يعتقــدون أن الملئكــة يــتزوجون البشــر‪ ،‬علــى عكــس مــا قــاله الســيد المســيح عــن‬ ‫‪‬‬
‫الملئكة "ل يزوجون ول يتزوجون" )مت ‪ً:22‬ا ‪.(30‬‬

‫يعتــبرون أن الحكومــات مــن الشــيطان‪ ،‬ويححرمــون تحيــة معلمــم الدولــة ويعتــبرون ذلــك‬ ‫‪‬‬
‫وثنية؛ مع أن المعملم ل يينسب له لهوت ول ربوبية‪.‬‬

‫يعتبرون تكريم اليقونات والصليب‪ ،‬والقداس اللهى عبادة وثنيــة؛ والجــدير بالــذكر‬ ‫‪‬‬
‫هنا أن اليقونات لها فائـدة فـى التعليــم داخـل الكنيســة‪ ،‬وتكريــم اليقونــات هـو تكريــم‬
‫للقديســين وطلــب لشــفاعاتهم التوســلية‪ ،‬وليــس هــو عبــادة علــى الطلق‪ ،‬أمــا عــن‬
‫الصــليب فنحــن ل نتعبــد لــه ولكنــه رمــز قــوة وبركــة وافتخــار‪ ،‬فيقــول معلمنــا القــديس‬
‫بولس الرسول "وأما من جهتي فحاشا لي أن أفتخر إل بصـليب ربنـا يسـوع المسـيح"‬
‫)غل ‪ً:6‬اـ ‪ .(14‬أما عن القداس اللهى‪ ،‬فيقول القديس بـولس الرسـول "لنـا مذبـح ل‬
‫سلطان للذين يخدمون المسكن أن يأكلوا منه" )عب ‪ً:13‬ا ‪.(10‬‬

‫يححرمون نقل الدم والعضاء‪ ،‬من فكرة أن أكل الدم محرم‪ ..‬ولكــن هنــاك فــرق بيــن‬ ‫‪‬‬
‫شخص يأكل لحدما بدمه‪ ،‬وشخص آخر يينقل إليه الدم لينقذ حيــاته‪ ،‬مــاذا إذن قــولهم‬
‫فى دم الم الذى يسرى فـى عـروق الجنيـن لحيـن ولدتـه منهـا وقطـع الحبـل السـرى؟‬
‫ضا‪ ،‬وبذلك يححرمون الزواج إوانجاب الطفال؟!!‬
‫هل يححرمون هذا أي د‬
‫يعتق ــدون اعتق ــادات خاطئ ــة بخص ــوص قيام ــة الس ــيد المس ــيح‪ ،‬حي ــث يعتق ــدون أن‬ ‫‪‬‬
‫صــلب بــه‪ ،‬ولكنــه قــام‬
‫الســيد المســيح لمــا قــام مــن المـ ـوات‪ ،‬لــم يقــم بجســده الــذى ي‬
‫كمخلــوق روحــى‪ ،‬ال ـ خلــق لــه رودحــا جدي ـددا وجس ـددا جدي ـددا‪ ،‬أمــا الــروح القديمــة فقــد‬
‫مــاتت مــع الجســد‪ ،‬ويعتقــدون أن الجســد الــذى صــلب بــه قــد تحــول إلــى غــازات‪ ،‬أو‬
‫يكـون الـ قـد أخفـاه فـى مكــان مـا كتــذكار لعمـل الفـداء‪ ،‬ويـبررون كلمهـم بـأن هيئــة‬
‫السـيد المسـيح قـد تغيـرت بعـد القيامـة‪ .‬ولكـن كلم النجيـل يثبـت عكـس هـذا‪ ،‬وهـذه‬
‫هى الدلة‪ً:‬ا‬

‫‪ ‬فى ظهور السيد المسيح لتلميذه بعد القيامة "أراهم يــديه وجنبــه" )يــو ‪ً:20‬ا‬
‫‪ (20‬ليبصروا آثار المسامير والحربة‪.‬‬

‫‪ ‬قال لهم "انظروا يدي ورجلي إني أنا هو جسوني وانظروا‪ ،‬فإن الــروح ليــس‬
‫له لحم وعظام كما ترون لي" )لو ‪ً:24‬ا ‪.(39‬‬

‫‪ ‬فى حديثه لتوما‪ً:‬ا "هات إصبعك إلى هنا وأبصر يدي‪ ،‬وهات يدك وضعها‬
‫في جنبي ول تكن غير مؤملن بل مؤمدنا" )يو ‪ً:20‬ا ‪.(27‬‬

‫‪ ‬تحديــد موعــد مجيــئ الــرب ثاني ـدة‪ ،‬لقــد حــددوا ســنة ‪1914‬م موع ـددا لمجيــئ الــرب‪،‬‬
‫وأتت السنة ولم يأنت المسيح‪.‬‬

‫‪ ‬يشتركون مع اليهود فى العقائد التالية‪ً:‬ا‬

‫‪ o‬تقديس يوم السبت‪.‬‬

‫‪ o‬عدم إيمانهم بالقيامة‪.‬‬

‫‪ o‬إنكار إلوهية المسيح‪.‬‬

‫خلصا غير المؤمنين‬


‫مــن ضــمن مــا حــاول الترويــج لــه المؤلــف فــى الروايــة فك ـرة خلص الــوثنيين غيــر‬
‫المؤمنين‪ ،‬ففى صفحتى ‪ 97 ،69‬يقول‪ً:‬ا‬
‫وهذه الفكرة نابعة من الكنيسـة الكاثوليكيـة تـم إطلقهـا فـى المجمـع الفاتيكـانى الثـانى‬
‫فـى الدسـتور العقائـدى سـنة ‪ 1964‬والـذى نـص علـى ذلـك فـى أكـثر مـن فصـل وأكـثر مـن‬
‫بند نقتبس منها ما يلى‪ً:‬ا‬

‫‪ -‬الفصل الثانى بند رقم )‪" (16‬أما الذين لم يقبلوا النجيل بعد‪ ،‬فإنهم يمتون بصلة‬
‫لشعب ا فى نواحى شتى‪ ..‬الذين يلتمسون الله المجهول من خلل الظلل‬
‫والصور ‪-‬يقصد الصنام واللهة الوثنية‪ -‬فال عينه ليس ببعيد عنهم لنه‬
‫سا وكل شئ‪ ،‬وبوصفه المخلص يريد أن جميع الناس‬ ‫يعطى الجميع حياة ونف س‬
‫يخلصون"‪.‬‬

‫‪ -‬وفــى البنــد رقــم )‪ (2‬والــذى تعــرض للديــان الهندوســية والبوذيــة مــع مديــح غريــب لهــذه‬
‫العبادات‪ ،‬فينص البند على‪ً:‬ا "يوجد عند مختلف الشعوب‪ ،‬منذ القدم وحتى فى‬
‫عصرنا الحاضر‪ ،‬إدراك ما لقوة خفية ماثلة فى مجرى الشياء وفى أحداث‬
‫الحياة البشرية"‪.‬‬

‫ونحن نقول‪ ،‬إن تعاليم المجمع الفاتيكانى بهذا الخصوص تعتـبر أكـبر ضـربة تـوجه‬
‫إلــى اليمــان المســيحى إوالــى الهتمــام بــالك ارزة بمــوت المســيح وقيــامته والتعــب مــن أجــل‬
‫التبش ــير بإنجي ــل المس ــيح‪ ،‬فع ــن مص ــير ال ــذين ل يطيع ــون النجي ــل يق ــول معلمن ــا ب ــولس‬
‫الرسـ ــول‪ً:‬ا "إذ هـ ــو عـ ــادل عنـ ــد ال ـ ـ أن الـ ــذين يضـ ــايقونكم يجـ ــازيهم ضـ ــيدقا إوايـ ــاكم الـ ــذين‬
‫تتضايقون راحة معنا عند استعلن الرب يسوع من السماء مع ملئكة قوته فــي نــار لهيــب‬
‫معطديــا نقمــة للــذين ل يعرفــون الــ‪ ،‬والــذين ل يطيعــون إنجيــل ربنــا يســوع المســيح‪ .‬الــذين‬
‫ســيعاقبون بهلك أبــدي مــن وجــه الــرب ومــن مجــد قــوته‪ .‬مــتى جــاء ليتمجــد فــي قديســيه‬
‫ويتعجب منه في جميع المؤمنين" )‪2‬تس‪ً:1‬ا ‪.(10 -6‬‬
‫إذن ل مج ــال للق ــول ب ــأن ه ــؤلء ال ــوثنيين ل ــم تص ــلهم الكـ ـ ارزة باليم ــان كم ــا يحت ــج‬
‫الكاثوليك‪ ،‬فعبادة الوثان هى خطية فى حــد ذاتهـا حــتى قبـل الكـ ارزة بالنجيــل‪ ،‬لن بــولس‬
‫الرسول قال "أنهم بل عذر" )رو‪ً:1‬ا ‪.(20‬‬
‫الغنياء ودخول الملكوت‬
‫يســخر المؤلــف مــن قــول الــرب "مــرور جمــل مــن ثقــب إبـرة أيســر مــن أن يــدخل غنــي‬
‫إلى ملكوت ال" )مر‪ً:10‬ا ‪ (25‬حيث يتعجب هيبا فى صفحة ‪ 166‬فيقول‪ً:‬ا‬

‫فه ــل يعن ــى ق ــول المؤل ــف أن المس ــيحية تقض ــى بهلك الغني ــاء‪ ،‬وع ــدم دخ ــولهم ملك ــوت‬
‫السموات؟! وسوف نحيل المؤلـف هنـا إلــى قداســة البابـا المعلــم البابـا شــنودة الثـالث‪ ،‬حيـث‬
‫يقول قداسته‪ً:‬ا‬

‫]ليس كل الغنياء‪ ،‬فهناك أغنياء أبرار وقديسون‪ .‬لقد قال الرب هذه العبققارة تعليسقققا‬
‫على تصرف الشاب الغنى‪ ،‬الذى عاقه المال عن أن يتبع الرب‪ ،‬ومضى حزيسنا لنه‬
‫ل‪،‬‬‫كان ذا أموال كثيرة‪ .‬والرب لم يقل إن دخول الغنياء إلى الملكوت أمسرا مسققتحي س‬
‫وإنما أمسرا عسيسرا‪ ،‬ولم يذكر الرب كل الغنياء إنما قال "ما أعسر دخول المتكليققن‬
‫على الموال إلى ملكوت ا" )مر‪ .(24 :10‬إسذا هنا عيب معين‪ ،‬وهو التكال على‬
‫المال‪ ،‬وليس على ا‪ .‬ويتطور المققر مققن التكققال علققى المققال‪ ،‬إلققى محبققة المققال‬
‫سا ل‪ .‬وهكذا قال الرب "ل يقدر أحد أن يخدم سققيدين‪...‬‬ ‫وعبادته‪ ،‬بحيث يصير مناف س‬
‫سققا لقق‬ ‫ل تقدرون أن تخدموا ا والمال" )مت ‪:6‬قق ‪ ،(24‬فالذين يجعلون المال مناف س‬
‫فى قلوبهم‪ ،‬يصعب دخولهم ملكوت السموات‪[.‬‬
‫)سنوات مع أسئلة الناس‪ ،2003 ،‬النبا رويس‪ ،‬ص ‪.(74‬‬

‫إدانة يوحنا فم الذهب‬


‫ولكى نقف على حقيقة هذه الموضوع فلنق أر ما ورد تحت عنوان البابا ثيئوفيلس‬
‫فى كتاب )قصة الكنيسة القبطية ‪ -‬إيريس حبيب المصرى ‪ -‬ج ‪ - 1‬صفحة ‪- 354‬‬
‫‪ ،(360‬كتبت‪ً:‬ا‬

‫]كان من آثار الغيرة المضطرمة فى فؤاد النبا ثيئوفيلس أن اتسع نطاق المسيحية فى‬
‫طا من الرجال من‬
‫القطار المصرية‪ .‬وقد هيأت العناية اللهية لهذا البابا العظيم ره د‬
‫أبرزهم إيسيذوروس الذى تنسك فى وادى النطرون مدى سنوات عديدة ثم غادر البرية‬
‫ليشرف على إدارة المستشفى التابع لكنيسة السكندرية‪.‬‬

‫إوالى جانب إيسيذوروس كان يوجد أربعة من الرهبان معروفون فى التاريخ باسم‬
‫"الخوة الطوال" نظ دار لطول قامتهم‪ ..‬وكان النبا ثيئوفيلس يقدر هؤلء الخوة حق قدرهم‬
‫فرفع أحدهم إلى كرامة السقفية على كرسى هرموبوليس )المنيا(‪ .‬وقد أراد البابا‬
‫السكندرى أن يسند رتبة السقفية إلى أحد الخوة الثلثة الباقين فاعتذر محتدجا بعدم‬
‫أهليته لهذه الكرامة السامية‪ .‬وكان هؤلء الخوة يستظهرون الكتب المقدسة ويداومون‬
‫على مطالعة ما ألفه الكتاب المسيحيون كأوريجانوس وديديموس وبيريوس‪.‬‬

‫وكان هؤلء الرهبان الخمسة ومعهم جميع رهبان وادى النطرون معجبين‬
‫العجاب كله بأوريجانوس‪ .‬وقد بلغ إعجابهم به حددا جعلهم يفسرون تعاليمه الرمزية‬
‫تفسي دار حرفديا )هذا أثار قلق البابا ثيئوفيلس على اليمان لعلمه بأخطاء أوريجانوس‬
‫العقائدية واللهوتية(‪ .‬فانتهز فرصة الرسالة الفصحية وهاجمهم فيها ناسدبا إليهم التهمة‬
‫الوريجانية التى عدها بدعة فى المسيحية‪ .‬فعز عليهم أن يعد البابا السكندرى كلمة‬
‫"أوريجانية" بدعة بدلد من أن يعدها رمز فخار للمسيحية‪ ،‬واحتجوا عليه احتجادجا شديددا‪.‬‬
‫فلما أعرض عن الصغاء إليهم قصدوا إلى القسطنطينية لرفع شكواهم ضد باباهم إلى‬
‫يوحنا ذهبى الفم أسقف القسطنطينية‪.‬‬
‫سا‬
‫)لو كان هؤلء الخمسة رهباينا حقيقيين لخضعوا لبابا السكندرية‪ ،‬ولو كانوا أنا ي‬
‫روحيين سليمي اليمان لدركوا من ذواتهم أخطاء أوريجانوس‪ ،‬ولما اقتنعوا به ودافعوا‬
‫عنه إلى حد تحدي باباهم بل إواثارة الثورة ضده وبلبلة الكنيسة واليمان(‪.‬‬

‫ثم لما وصل إيسيذوروس والخوة الطوال إلى القسطنطينية ورفعوا شكواهم إلى‬
‫أسقفها ذهبى الفم أكرم مثواهم وكتب إلى النبا ثيئوفيلس خطادبا دافع فيه عنهم وعن‬
‫أوريجانوس‪ .‬فبعث البابا السكندرى إلى ذهبى الفم برسالة اتهمه فيها بعمله على تحريض‬
‫رهبان مصر على التمرد عليه[ وهذا حق وعدل‪.‬‬

‫]وفى تلك الفترة مات المبراطور ثيؤدوسيوس الكبير وخلفه ابنه أركاديوس على‬
‫عرش القسطنطينية‪ .‬فعرض ذهبى الفم موضوع الخلف بينه وبين النبا ثيئوفيلس على‬
‫المبراطور الجديد‪ ،‬فأمر بعقد مجمع فى القسطنطينية للنظر فى هذا الخلف‪ ،‬وبعث‬
‫برسالة إلى البابا السكندرى يستدعيه فيها للحضور إلى القسطنطينية ليؤدى حسادبا عما‬
‫كتبه فى رسالته إلى أسقف هذه العاصمة‪ .‬فلبى هذا البابا الدعوة المبراطورية ورحل إلى‬
‫القسطنطينية‪ .‬غير أنه فى أثناء تلك الفترة هاجم ذهبى الفم المبراطورة أودوكسيا‬
‫لغطرستها واستهتارها فشبهها بإيزابل ملكة إسرائيل‪ .‬فاستثارت كلماته غضب المبراطورة‬
‫وعولت على النتقام منه‪ .‬ولما وصل البابا ثيئوفيلس إلى القسطنطينية كانت كل هذه‬
‫الحوادث قد أحالته من متهم إلى قا ض‬
‫ض – وبدلد من أن يطالبه المبراطور أركاديوس‬
‫بتأدية الحساب عما قاله طلب إليه أن يرأس مجمدعا للنظر فى التهم الموجهة إلى ذهبى‬
‫الفم‪ .‬وانعقد المجمع )عام ‪ (403‬فى بلدة اسمها البلوطة تقع خارج القسطنطينية وكان‬
‫بين الساقفة الذين حضروا هذا المجمع أبيفانيوس أسقف سلميس بقبرص‪.‬‬

‫ويقول المؤرخ هيفلى إن السقف بولس الهرقلى هو الذى رأس هذا المجمع وليس البابا‬
‫ثيئوفيلس‪ ،‬وأنه طلب من كل عضو أن يبدى رأيه؛ ومن السقف جيمناسيوس‬
‫‪ Gymnasius‬الذى صحوت أولد وحتى ثيئوفيلس الذى كان الخير‪ ،‬قرروا بالجماع‬
‫عزل –وليس حرم‪ -‬ذهبى الفم‪.‬‬
‫)‪(.Hefele C.J. A History of the councils of the church, vol. II, p. 437‬‬
‫على أن الشعب القسطنطينى ما كاد أن يسمع نبأ هذا الحكم حتى ثارت ثائرته‬
‫وأعلن غضبه جهادرا‪ .‬فصدر المر المبراطورى بإعادة ذهبى الفم[‪.‬‬

‫هذه الوقائع التاريخية تثبت أن ذهبى الفم هو الذى شكا ثيئوفيلس بغير وجه حق‬
‫صا ليحكم عليه‪ ،‬لكن الظروف السياسية هى التى غيرت الموقف‪ .‬ورغم أن‬
‫وذهب خصي د‬
‫البابا ثيئوفيلس كان ذاهدبا كمهتم أمام ذهبى الفم الذى شكاه‪ ،‬إل أنه كان آخر المصوتين‬
‫فى الحكم عليه‪.‬‬

‫]وبعد عدة أشهر عاود ذهبى الفم مهاجمة المبراطورة أودوكسيا لمسلكها الغشوم‪.‬‬
‫فغضبت عليه ثانية ورأت أن تعقد مجمدعا من جديد لمحاكمته‪ .‬ولكنها فى هذه المرة‬
‫أخفقت فى إقناعا النبا ثيئوفيلس بالحضور ليجدد حكمه على ذهبى الفم‪ .‬إل أنها‬
‫صممت على عقد المجمع لنها أصرت فى هذه المرة على نفى أسقف القسطنطينية‪ .‬فلم‬
‫تتراجع بإزأاء رفض النبا ثيئوفيلس وبادرت إلى جمع أساقفة الكرسى القسطنطيني‪.‬‬
‫فاجتمعوا وأصدروا الحكم بنفى ذهبى الفم – وقد تم تنفيذ الحكم فيه هذه المرة لن غضب‬
‫المبراطورة كان قد بلغ منتهاه‪.‬‬

‫وقد انتهت حياة البابا ثيئوفيلس فى سكينة وهدوء‪ .‬ثم انطفأت تدريجديا انطفاء‬
‫الشموع الموقدة التى تظل مضيئة إلى أن تذوب وتتلشى‪ .‬وبينما كان يعالج سكرات‬
‫الموت ردد هذه العبارة "ما أسعدك يا أرسانيوس فقد وضعت هذه الساعة نصب عينيك‬
‫دوادما"‪.‬‬

‫وقــد أبــدى هــذا البابــا الســكندرى الجليــل أســفه فــى هــذه الســاعة الرهيبــة لمــا أصــاب‬
‫ذهبى الفم من م اررة النفى‪ .‬وقد احترمت الكنيسة هذا التقليد فنظمت فى صفوف القديسين‬
‫كلد مــن الحــبرين ثيئــوفيلس الســكندرى وذهــبى الفــم القســطنطينى‪ .‬وفــى هــذا المعنــى قــال‬
‫الســقف أفــتيميوس صــيفى‪ً:‬ا "إن النبــا ثيئــوفيلس مــات قديدســا والكنيســة الجامعــة تعــده بيــن‬
‫معلميها‪[.‬‬

‫وذكــر القمــص أنجيلــوس المحرقــى أميــن مكتبــة البطريركيــة فــى مقــال ترجــم عــن‬
‫القبطيــة )‪ً:(1995‬ا إن البابا ثيئوفيلس وهو على فييراش مرضييه أوصييى القييديس كيرلييس‬
‫الكبير ‪-‬الذى كان سيخلفه‪ -‬بقبييول ذهييبى الفييم فييى الشييركة‪ ،‬وكنيسيية السييكندرية منييذ‬
‫ذلك الحين إوالى يومنا هذا تذكر اسم القيديس يوحنيا ذهيبى الفيم فيى تحلييل الخيدام وفيى‬
‫مجمع القديسين بالقداس اللهى‪ ،‬بل وتعيد له الكنيسة القبطية فى اليوم السابع عشيير‬
‫من شهر هاتور وسيرة حياته مذكورة فى كتاب السنكسار للكنيسة القبطيية )سيير حي اة‬
‫قديسى الكنيسة(‪.‬‬

‫صناعة القداسة‬
‫يتندر المؤلف على لسان بطل روايته هيبا‪ ،‬في لحظة انهيار فيقول في صفحة‬
‫‪ 128‬ما يلي‪ً:‬ا‬

‫من الواضح هنا أن المؤلف يعلم تمادما ماهية القديسين في العقيدة‪ ،‬لذلك فهو‬
‫يحاول تقزيم وتسفيه المعتقد حتى يخلص إلى معنى هزلي يصوره على أنه هو الحقيقة‬
‫المخبأة التي ل يعلمها المسيحيون‪ .‬فهو هنا يرى أن هناك صناعة للقداسة داخل العقيدة‪،‬‬
‫صا في تكتم وسرية‪ ،‬وعزلهم‬
‫حيث أن الكنيسة تعد البعض من رهبانها وآبائها إعداددا خا د‬
‫عن المجتمع حتى إذا ما آن الوان‪ ،‬دفعت الكنيسة بهؤلء إلى شعبها مقدمة إياهم على‬
‫أنهم قديسين وأصحاب بركات‪.‬‬
‫إن ما ذهب إليه المؤلف لهو فرط خيال منحرف عن الواقع‪ ،‬فموضوع القداسة‬
‫طا‬
‫والقديسين تدقق فيه الكنيسة أشد التدقيق‪ ،‬ول تعترف بقداسة أي من قديسيها اعتبا د‬
‫ولكنها تدقق في المر وتمحص‪ ،‬من شهود عيان للقديس محل الفحص‪ ،‬ودراسة سيرته‬
‫الذاتية‪ ،‬وأعماله‪ ،‬إوايمانه‪ ..‬الخ‪ ،‬حتى إذا ما ثبت أن هذا القديس قد أعطى مواهب‬
‫فوقانية ربانية غير عادية‪ ،‬تركت كل هذا تحت الفحص والختبار ول تعترف بقداسة‬
‫قديسيها قبل مرور خمسين عادما على رحيلهم‪ ،‬ثم أن الشعب المسيحي ليس بالشعب‬
‫الجاهل ول المنقاد‪ ،‬ولكنه الشعب الواعي والمدرك‪ ،‬ول يصدق هذا الشعب أية حقائق إل‬
‫بعد اختبارها‪ ،‬فلو كان في المر صناعة تحترفها الكنيسة في صناعة القديسين لعترض‬
‫الشعب على ذلك وكان أول المعترضين‪.‬‬

‫التشكيك في المعجزات‬
‫يخلط المؤلف بين القديسين الذين لم تمر أجسادهم فساددا‪ ،‬وبين الموات التي تم‬
‫تحنيطها وتحتفظ بمظهرها الخارجي‪ ،‬فيقول في صفحة ‪ً:191‬ا‬

‫ونحن هنا لسنا بحاجة إلى الرد على المؤلف فيما أتاه في هذا الصدد‪ ،‬فعدم فساد‬
‫أجساد القديسين ليس مقولة كما أدعى‪ ،‬ولكنها حقيقة واقعة وملموسة في الكثير من‬
‫الديرة والكنائس‪ ،‬فليست هي بالحقيقة التي تحتاج إلى التدليل على صحتها‪ .‬أما الخلط‬
‫بين عدم فساد أجساد القديسين وبين تحنيط المومياوات‪ ،‬فإن هذا يعد خلط للمور‪،‬‬
‫فالدود ل يفرق بين هذا وذاك‪ ،‬ولكن الدود يمنعه ال عن أجساد القديسين تكريدما لهم‪،‬‬
‫دون أي تدخل بشرى في تحصين الجسد ضد الفساد‪ ،‬فالتحصين هنا إلهي‪ ،‬بعكس‬
‫المومياوات‪ ،‬فإن الدود ل يقترب منها بفعل المواد الكثيرة التي توضع على الميت‪ ،‬وكذلك‬
‫طريقة اللف والحفظ للجسد التي كانت غاية في التعقيد‪ ،‬فالتحصين هنا بشرى ويحافظ‬
‫فقط على شكل الجسد من الخارج بعد تفريغ أحشائه‪ ،‬أما ال فيحفظ أجساد قديسيه كاملة‬
‫ودون أي تدخل بشرى ودون الحاجة إلى طرق معقدة في حفظ الجسد‪.‬‬

‫العذراء مريم أم الله سواء شاء المؤلف أم أبى‬


‫لم يستثنى المؤلف شيدئا داخل العقيدة‪ ،‬حتى العذراء القديسة مريم‪ ،‬ادعى أنها مجرد‬
‫وعاء كما أنها ليست أم الله مرودجا بذلك لراء البروتستانت والنساطرة في هذا الشأن‪،‬‬
‫والكنيسة القبطية الرثوذكسية تؤمن بأن العذراء القديسة مريم هى والدة الله‪ ،‬وأنه عند‬
‫تجسده المبارك اتخذ منها ناسوته وهى كلية الطهر وواجبة التكريم‪ .‬وقد أوضحنا ضمن‬
‫الخلفات بين القديس كيرلس ونسطور هذه النقطة بالتفصيل رددا على ما ادعاه المؤلف‪.‬‬

‫كنيسة روما ليست أم الكنائاس‬


‫في حوار لهيبا مع نسطور )متخميل( يقول نسطور فيه صفحة ‪ً:195‬ا‬

‫للسف فإن هذا المفهوم ليس مفهوم المؤلف فقط‪ ،‬في أن جميع الكنائس يجب أن‬
‫تبنى أو تقام على إيمان القديس بطرس الرسول‪ ،‬والقديس بطرس له من الكرام في قلب‬
‫الكنيسة القبطية الرثوذكسية مكانة تعلو وتسمو وترتفع كأحد الثنى عشر الذين اختارهم‬
‫رب المجد يسوع المسيح تبارك وتمجد اسمه‪ ،‬إل أن الصل والساس الذي تقوم عليه‬
‫العقيدة هو اليمان بالمسيح‪ ،‬والمقولة التي ذكرها الكاتب لم يكن سياقها كما أورد‪،‬‬
‫ونوضح هنا حقيقة الموقف بين القديس بطرس والسيد المسيح‪ ،‬فالكلمة الرامية "كيفا" أو‬
‫"صفا" تعنى حجر‪ ،‬كما أن الكلمة الرامية "شوعو" تعنى صخرة‪ ،‬فكان حديث السيد‬
‫المسيح للقديس بطرس الرسول هكذا‪ً:‬ا‬

‫كان السيد المسيح يقول بالرامية للقديس بطرس أنت "كيفا" أي الحجر‪ ،‬وعلى )شوعو(‬
‫أي هذه الصخرة وهو يعنى بذلك نفسه أبنى كنيستي‪ ،‬أي على صخرة اليمان بالمسيح‬
‫صذخمرلة يرونحويلة متابنمعتننهذم‬
‫تبنى الكنيسة‪ ،‬وطبدعا فإن السيد المسيح هو الصخرة واليمان "‪ ...‬م‬
‫صذخمرةي مكامننت اذلممنسيمح" )‪1‬كو‪ً: 10‬ا ‪ ،(4‬ونصحح هنا للمؤلف‪ ،‬فإن كل كنيسة بنيت أو‬ ‫موال و‬
‫سوف تبنى فهي لبد وأن تقوم على اليمان بالمسيح لنه هو الصخرة والساس وليس‬
‫على رسولية القديس بطرس الرسول الذي نقدسه ونحبه ونكرمه‪.‬‬
‫لماذا عزازيل‬
‫ها وقد فرغنا من فك شفرة المؤلف وأعدنا قراءتها في ضوء ما توصلنا إلى حله من‬
‫تلك الرموز قدر ما استطعنا‪ ،‬والسؤال الذي يقفز أمامنا الن‪ ،‬لماذا ع اززيل؟ ولماذا هذه‬
‫تحمل تساؤلت عديدة على مستويات كثيرة‪ ،‬فهدف المؤلف إوان كان واضدحا بعض الشئ‬
‫طا‪ ،‬أو صراحة‪ ،‬فما‬
‫إل أنه علينا أل نتوقف عما أفصح عنه المؤلف سواء رمدزا‪ ،‬أو إسقا د‬
‫بين السطور يحمل لنا في طياته الكثير والكثير مما خفي وأظن أنه كان أعظم‪ ،‬ولسنا هنا‬
‫متحاملين على المؤلف ول نبغى نفيه أو مصادرته ولكننا حدقا نريد أن نقف على كل‬
‫مآربه التي أوضحناها والتي سوف نوضحها‪ ،‬كما إننا سوف لن نلقى عليه تهدما بعينها‬
‫نتهمه بها‪ ،‬فليس هذا مقصدنا‪ ،‬كما إننا نترفع عن ذلك ونربو عنه‪ ،‬فالقضية أعمق‬
‫وأخطر من هذا بكثير‪ ،‬ول نبالغ إذا قلنا إنها في بعض جوانبها تحمل خط دار على المن‬
‫القومي‪ ،‬ونحن هنا ل نملك إل أن ندق أجراس الخطر وننبه ونحذر‪ ،‬قبل أن يقع ما ل‬
‫يحمد عقباه‪ ،‬وحتى ل نطيل سوف نحاول أن نحصر كل البعاد التي رأينا أنها تتمحور‬
‫صا‬
‫حول الرواية‪ ،‬أو لنكون أكثر وضودحا كل البعاد التي تتمحور حول الكاتب شخ د‬
‫وفكدرا‪ ،‬وكما ادعى‪ ،‬إبدادعا‪.‬‬

‫هل حيقا إبداعا؟‬


‫نعود إلى سؤالنا الذي طرحنا في استهلل بحثنا هذا وهو‪ً:‬ا هل ما أتى به المؤلف‬
‫يندرج تحت بند البداع الفكري والفني؟ وهل هذا البداع استدعى فيما استدعى أن يرتفع‬
‫الكاتب بسقف حريته ليستبيح المقدس والمحرم؟ وهل من حق كائن ألي كان أن يسخر من‬
‫عقائد الخر ويقوم بتسفيه كل مقدساته تحت أي مسمى من المسميات حتى لو كان هذا‬
‫بغرض البداع وحرية الفكر؟ والسؤال الكثر أهمية هنا هو‪ً:‬ا هل دور المثقف في‬
‫المجتمع هو تحطيم كل الثوابت مستخددما في ذلك كل ما لديه من ثقافة ومعلومات‬
‫وأساليب نقاشية وحوارية وبراعة في تغيير وجه الحقيقة؟ إوالى أي مدى يكون من حق‬
‫المثقف أو المبدع فرض قناعاته على المجتمع رغدما عن أنف شرائح كبيرة في المجتمع؟‬
‫أل يعد هذا إرهادبا فكرديا وبلطجة ثقافية؟ وهل حالة البداع التي يعيشها المثقف أو المبدع‬
‫تغيبه عن الوعي المجتمعي بحيث ل يدرى ماذا يفعل؟ هل يمكن أن تكون لحظة البداع‬
‫والتنوير مرتبطة بحالة من اللوعي والتغيب؟ كل هذه السئلة وغيرها الكثير سوف‬
‫نحاول القتراب منها‪ ،‬لن رواية ع اززيل إوان كانت هي الوقح إل أنها ليست الولى ول‬
‫الخيرة‪ ،‬فلقد سبقها الكثير‪ ،‬وسوف يسير على دربها الكثير‪.‬‬

‫معنى البداعا‬
‫ل يوجد في الواقع ما يمكن أن نسميه أو نطلق عليه البداع في الفراغ‪ ،‬فالبداع ل‬
‫يكون إبدادعا إل إذا كان له متلقين يشهدون له إنه إبداع‪ ،‬فكل مبدع أو مفكر إذن قبل‬
‫البدء في مشروعه الثقافي يفكر جيددا في الشريحة المجتمعية التي سوف يخاطبها من‬
‫خلل إبداعه هذا‪ ،‬وعلى هذا فهو كمثقف يجب أن يكون داردسا وواعديا ومحللد لطبيعة‬
‫المتلقي‪ ،‬والذوق العام وثوابت ومتغيرات هذا المجتمع‪ ،‬حتى إذا ما أبدع لقى إبداعه هذا‬
‫استحسادنا‪ ،‬ونحن هنا ل نحاول أن نكون منغلقين على أنفسنا بالدعاء بأن كل إبداع‬
‫يجب أن يكون متوافدقا شكلديا مع المجتمع‪ ،‬ولكن يجب أن يتم تقبل مضمونه‪ ،‬فالبداع‬
‫يمكن أن يكون صاددما مكاشدفا بغية التوغل إلى منابع مشكلة ما أو قضية ما وكشف‬
‫عورها بغية التوصل إلى حلها‪ ،‬وفي هذا يكون المبدع متوافدقا مع المجتمع‪ ،‬والذي هو‬
‫عموم الناس وليس قادة الرأي فيه الذين قد يضلون ويهلكون شعودبا بأكملها لن هؤلء‬
‫غالدبا ما يسعون إلى تحقيق مصالحهم وليس حل مشكلت المجتمع‪ ،‬وحال أن يكون‬
‫المبدع صاددما لقادة الرأي فإن هذا ل يعنى بالضرورة الصدام مع المجتمع‪ ،‬ولكنه يعنى‬
‫الصدام مع مصالح القوياء في المجتمع‪ ،‬وهنا ل ضير بل لعله يكون خي ادر هذا النوع من‬
‫‪-‬وان كان هذا غير مطلوب من المبدع‬
‫الصدام‪ ،‬الذي يمكن أن يفرز ما يمكن أن يفيد إ‬
‫ولكن يمكن أن يحدث‪ -‬أو يحرك ساكدنا‪ ،‬أو على القل يخلق مع غيره اتجاه في الفكر‪،‬‬
‫يمكن أن يتواصل معه هذا ويقف ضده ذاك في إطار حراك ثقافي وفكري‪ ،‬بل لعله في‬
‫غالب المر يكون سياسي‪ .‬ولكن أن يدرك المبدع ماهية المتلقي الذي يخاطبه‪ ،‬ثم‬
‫يسعى إلى الصدام البحت مع هذا المتلقي سواء كان جموع الناس أو قادة الرأي فيهم‬
‫ويكون ذلك لمجرد الصدام‪ ،‬فإن المر هنا ينطوي على مؤامرة فكرية يبغى من ورائها‬
‫المبدع تحقيق مصلحة شخصية بعيددا عن أي احترام أو اعتبار لثوابت المجتمع‪ ،‬ومما ل‬
‫شك فيه فإن مصر من المجتمعات المتدينة بطبيعتها‪ ،‬تلك المجتمعات التي غالدبا ما‬
‫تكون مجتمعات أخلقية محافظة لحد كبير‪ ،‬وهذا هو الطابع الظاهر للمجتمع الذي‬
‫بالقطع ل يعنى أنه يعكس باطن المجتمع‪ ،‬ولكنه مجتمع التناقضات‪ ،‬الذي يفعل الشئ‬
‫في العلن وضده في الخفاء‪ ،‬ومثل هذه المجتمعات تكون من أخطر المجتمعات ثقافديا‪،‬‬
‫فهي تقبل ما ترفضه وترفض ما تقبله‪ ،‬ولكن السمة الغالبة تكون التمسك المتشدد‬
‫بمنظومة القيم والخلقيات‪ ،‬وما يزيد المر سودءا هو أن يكون هذا المجتمع يموج بالمية‬
‫الكتابية والثقافية ويكون مفكريه من أنصاف المثقفين والمدعين‪ ،‬وهنا تسود ثقافة‬
‫التابوهات والتي يمنع القتراب منها أو مناقشتها‪ ،‬إل أن هذه التابوهات غالدبا ما تكون‬
‫عنصر جذب للمبدع‪ ،‬لن البداع ينطوي على خيال والتابوهات هي قمة الخيال‪ ،‬فتكون‬
‫العلقة بين المبدع والتابو الديني مثل علقة الفراشة من النار‪ ،‬فالنار دائدما وأبددا تجذب‬
‫إليها الفراشات‪ ،‬والفراشات تسعى دائدما إلى النار‪ ،‬ولكن إن اقتربت الفراشة من النار أزيد‬
‫من حد معين‪ ،‬أحرقتها تلك النار؛ أما ع اززيل فلم تقترب من النار بل أرادت أن تشكل‬
‫النار وتلعب بها فكانت قاب قوسين أو أدنى من أن تحترق وتحرق الجميع بما طيرته من‬
‫نيران‪ ،‬لول حكمة الحكماء‪ .‬وهنا يجب أن أتوقف توقف اعتراضى عند موقف الكنيسة‪،‬‬
‫فما أن صدرت ع اززيل وما تحويه من حقائق ملفقة وتزوير للتاريخ والتي أوغلت صدور‬
‫كل من قرأها من المسيحيين‪ ،‬حتى طالب جموع القباط بنفيها ومصادرتها أسوة بغيرها‬
‫من روايات تجرأت على مقدسات دينية أخرى‪ ،‬متوعدين بالويل والثبور وعظائم المور‬
‫لمؤلفها‪ ،‬ولكن آباء الكنيسة وعلى رأسهم قداسة البابا شنودة الثالث رفضوا هذا الموقف‬
‫وقال قداسة البابا يجب أن يواجه الفكر بالفكر‪ ،‬وترك الحرية للجميع في إبداء الراء بكل‬
‫الوسائل الممكنة دون قيد أو شرط في حدود اللياقة وما تقتضيه أساليب الحوار والجدل‬
‫الراقي‪ ،‬فهل رد فعل جموع المسيحيين كان مستغردبا على المؤلف أو غير وارد عنده؟‬
‫كيف قحيم المسيحيين إذن؟ هل هم أصلف أصحاب الجلد السميك الذين سوف يهللون‬
‫للمؤلف ويقدمون له آيات الشكر والعرفان على ما قام به من سب لديانتهم وتسفيه للههم‬
‫وتحقير لكل مقدساتهم؟!! لقد بيحنا وبالدلة والبراهين التي ل تقبل الشك مدى ما قام به‬
‫طا لعقائدها‪ ،‬وفي النهاية ليس لديه أي‬
‫المؤلف من تزوير لتاريخ الكنيسة مقددما فهدما مغلو د‬
‫طرح يطرحه أو حاول أن يدلى بدلوه في إشكالية ما‪ ،‬فهو صدام لمجرد الصدام وتزوير‬
‫لمجرد التزوير‪ .‬وعلمات الستفهام التي تقفز من الرواية ل حصر لها وجميعها مقترنة‬
‫بعلمات تعجب فعلى سبيل المثال‪ً:‬ا لماذا يناقش المؤلف قضية تجسد وصلب المسيح‪،‬‬
‫وهل هو إله أم غير ذلك؟ فأياد كانت الجوبة التي سوف يحاول الحصول عليها لن تمثل‬
‫أية أهمية بالنسبة له‪ ،‬فالمسيحية بالنسبة له مثل اللحوم في عالم النباتيين‪ ،‬غير ذات‬
‫صلب أم لم يصلب‪ ،‬كان إلدها أم كان‬
‫معنى أو أهمية‪ ،‬فسواء تجسد المسيح أو لم يتجسد‪ ،‬ي‬
‫إنسادنا‪ ،‬كل هذا يستوي عند المؤلف لنها ليست قناعاته أو صراعاته الدينية التي يبحث‬
‫لها عن حلول‪ ،‬فهو له قناعاته الدينية التي تخرج عن دائرة المسيحية‪ ،‬فهو المسلم‬
‫المتصوف أو المهتم جددا بالتصوف بشكل أكاديمي )وأظنها صراعاته التي حاول أن‬
‫يلقى بها على المسيحية(‪ ،‬فالمسيحية إذن خارج نطاق الهتمام بالنسبة له‪ ،‬كما إنه ل‬
‫يتبنى مذهدبا مسيحديا معيدنا‪ ،‬أو ينتمي إلى طائفة مسيحية‪ ،‬يحاول إن يروج لفكارهم‪ ،‬كما‬
‫إنه لم يتعاطف مع أي من الشخصيات المتصارعة في روايته بل أدانهم جمعديا‪ ،‬فهو‬
‫حتى لم يتعاطف مع أي من شخصياته‪ ،‬وهو ما يعنى إنها عقيدة هزلية لم يتفق عليها‬
‫أتباعها‪ ،‬ول يجوز التعاطف مع أي منهم أو تبنى مواقفه‪ ،‬فالجميع إما ماتوا أو هربوا أو‬
‫ذهبوا إلى حيث ل رجعة‪ ،‬والمنتصر الوحيد هو ع اززيل‪.‬‬

‫البداعا بين الوعي والتغيب‬


‫أجدني محاص دار رغم أنفي في محاولة استنباط الحالة البداعية التي سيطرت على‬
‫الكاتب أثناء تدوينه رقوقه‪ ،‬وأنا هنا ل أفتش في صدر الرجل‪ ،‬ولكنى أحاول الوصول إلى‬
‫فك طلسمه الوجدانية‪ ،‬فالكاتب ليس بالقصاص أو الروائي المحترف‪ ،‬فالرواية هي ثاني‬
‫إبداعاته الدبية‪ ،‬فما زال يغلب عليه طابع الهواة في استعراض كل المهارات الروائية‬
‫سواء كان لهذا ضرورة بنائية أم ل‪ ،‬ومن المعروف أن البداع هو وليد معاناة الكاتب‬
‫وصراعاته الفكرية‪ ،‬فلماذا إذن اختار تيمته الروائية بعيددا عن معاناته وصراعاته فافتقد‬
‫للصدق في سرد الوقائع ففقد التواصل مع قارئه؟‬

‫قد تكون التيمة حدقا ليست من اهتمامات المؤلف ولكنها قد تتماس مع صراعاته‬
‫وأفكاره‪ ،‬ويزداد هذا الحتمال إذا ما عرفنا ولع المؤلف بالصوفية‪ ،‬والصوفية عمودما ل‬
‫تتماس فقط مع الرهبنة‪ ،‬بل لعلها تتقاطع معها في الكثير‪ ،‬فهل هيبا هذا هو النموذج‬
‫الصوفي الذي أراده المؤلف؟ أو قد يكون ذلك الهيبا هو المؤلف ذاته؟!‬

‫هيبا الصوفي الرثوذكسي‬


‫بعد قراءة الرواية فإن الملحظ على شخصية الراهب هيبا أنه لم يكن في أي مرحلة‬
‫من مراحل الرواية يمارس رهبانيته كما هو متعارف عليه في الدب الرهبانى‪ ،‬ولم يحاول‬
‫المؤلف حتى أن يربط بينه وبين آباء الرهبنة أو بينه وبين البرية أو بينه وبين حياة‬
‫التقشف‪ ،‬فلم نره مثلد مماردسا لقانون رهباني فرضه على نفسه أو فرضه عليه أب‬
‫اعترافه‪ ،‬ولم يذكر لنا المؤلف أي شئ عن جهاده الروحي‪ ..‬الخ‪ ،‬فهيبا لم يكن راهدبا بقدر‬
‫ما كان متصودفا‪ ،‬فإذا ما خلع ملبسه الرهبانية وقلنسوته ولبس خرقه الصوفية‪ ،‬كان هو‬
‫الشبلى أو الحسين بن منصور )الحلج(‪ ،‬والذي أرى أن المؤلف كان مولدعا به لحد‬
‫كبير‪ ،‬فلقد لجأ المؤلف إلى قسمة الحلج على شخصيتي هيبا ونسطور‪ ،‬فمن المعروف‬
‫أن الحلج كان له صدماته الكثيرة وهو ما ألبسه المؤلف إلى نسطور‪ ،‬كما أن الحلج‬
‫كان عابددا متصودفا ناسدكا غير تقليدي‪ ،‬فهو لم يعتزل الناس ولكنه كان محتدكا بهم وهذا‬
‫البعد هو ما ألبسه المؤلف إلى هيبا‪ ،‬وليتخذ بعد ذلك من رموز النجيل ما أسلفناه من‬
‫دللت‪ ،‬لتكتمل عنده المنظومة‪ ،‬فهو يقدم نموذجه الذي أراده في الصوفية‪ ،‬ويستخدم‬
‫هذا النموذج فيما أراده من هجوم على المسيحية‪ ،‬ليظهر ذلك واضدحا في نهاية الرواية‬
‫كما ذكرنا من قبل‪.‬‬

‫إن هيبا هو النموذج الذي يريده المؤلف بل يبحث عنه فهو النموذج الذي يجمع بين‬
‫الصوفية والعلمانية‪ ،‬النموذج الذي يفعل كل شئ وأي شئ ليحقق لذاته ومتعته‬
‫الشخصية‪ ،‬وكانت المعضلة أمام المؤلف هي التناقض والتضاد‪ ،‬فكيف يمارس النموذج‬
‫الصوفية وفي نفس الوقت يمارس المجون‪ ،‬هذه كانت إشكالية المؤلف الساسية‪ ،‬والتي‬
‫حسمها في آخر الرواية بتدخل ع اززيل‪ ،‬والذي أبدى استعداده لتحمل كل تبعات ما هو‬
‫ل‪.‬‬
‫سئ وردئ من أفعال هيبا‪ ،‬ليحقق هيبا التوازن النفسي‪ ،‬سواء كان ع اززيل واقدعا أم خيا د‬
‫إن الترويج لمثل هذا النموذج لهو أمر في منتهى الخطورة لن هذا النموذج قد استباح‬
‫واستحل كل المحرمات بدون استثناء وهو في هذا ل يلوم نفسه ول يحسب نفسه واقدعا في‬
‫دائرة الحرام أو الممنوع سواء كان هذا دينديا أو عرفديا‪ ،‬فلقد تخطى هيبا النموذج كل‬
‫الخطوط الحياتية الحمراء‪ ،‬وقام بتكسير كل المحددات‪ ،‬مستمتدعا بالشئ ونقيضه‪،‬‬
‫بالحلل والحرام‪.‬‬

‫كان من الممكن للمؤلف )رغم اختلفنا معه( أن يخلق نموذجه الذي يرمى إليه دون‬
‫التعرض لدين بذاته أو عقيدة بعينها‪ ،‬ولكن كل الرغبات المحرمة اجتمعت واختمرت وتم‬
‫تفعيلها في وجدان المؤلف‪ ،‬من نموذج فوضوي‪ ،‬وتاريخ مزور‪ ،‬وعقيدة أهلها طيبون ل‬
‫يبيحون دماء من يحتقر دينهم‪ ،‬وسوف يصب كل هذا في مغازلة تيار صهيوني يريد‬
‫المؤلف مزاوجته‪ ،‬فكانت ع اززيل‪.‬‬

‫البعد السياسي‬
‫قد يتساءل سائل‪ ،‬ما هو البعد السياسي في رواية تناقش الرهبنة وتاريخ الصراعات‬
‫المسيحية‪ ،‬وهل يمكن لكاتب أن يزج بالسياسة في رواية مثل هذه؟ والجابة طبدعا‬
‫باليجاب‪ ،‬فالديب العالمي نجيب محفوظ‪ ،‬كان البعض ينظر إلى رواياته على إنها نوع‬
‫من الهزل بل إن هناك من ذهب إلى اتهام محفوظ‪ ،‬أنه رائد أدب )الهلس(‪ ،‬وهو الفهم‬
‫الخاطئ لفكر الديب العالمي والذي أدى بأصحابه إلى الشروع في محاولة اغتيال‬
‫محفوظ‪ ،‬في حين أن كل روايات الديب العالمي كانت تحتوى على بعد سياسي واضح‬
‫ل يخلو من الرموز والدللت‪ ،‬وهذا ما حاول المؤلف أن يفتعله هنا‪ ،‬فخرجت لنا أكذوبته‬
‫الع اززيلية‪ ،‬فكما بيحنا سالدفا فإن المؤلف أخذ على عاتقه ضمن ما أخذ مغازلة بعض‬
‫التيارات السياسية العالمية‪ ،‬والتي لها مد كبير في العالم تديره من خلل لوبي نشط‬
‫ومنتشر‪ ،‬أل وهى الصهيونية‪.‬‬

‫المسيح المخلص‬
‫يقدم زيدان نفسه إلى المجتمع الدولي على إنه الديب الوجودي‪ ،‬والذي يقف على‬
‫الحياد من كل الديان‪ ،‬بل على الحياد من ال نفسه‪ ،‬هذا الحياد الذي ما لبث المؤلف‬
‫وانقلب عليه‪ ،‬ليقدم لنا منظومة عدائية لكل ما هو ديني‪ ،‬بل نستطيع أن نذهب أبعد من‬
‫ذلك لنقول‪ ،‬إنه قد أخذ موقف العداء من كل ما هو أخلقي‪ ،‬فيكفي أنه يرى أن الرجال‬
‫والنساء يجب أن يتعايشوا بدون قيود‪ ،‬فكل رجل له كل النساء‪ ،‬وكل امرأة من حقها كل‬
‫الرجال‪ ،‬ويبقى الشرط الوحيد الذي يراه ضرورديا لقامة العلقة هو الرضاء والقبول من‬
‫الطرفين‪ ،‬ول مانع إذن لديه من أن تكون المرأة لعشرات الرجال في وقت واحد‪ ،‬وكذلك‬
‫الحال مع الرجل‪ ،‬ليجد نفسه في النهاية أمام مشكلة نسب الطفال ثمار هذا العبث‬
‫الخلقي‪ ،‬فيرى الحل في أن يكون نسب الطفال للمجتمع كله‪) .‬ع اززيل صفحة‬
‫‪ ،(125، 124‬وتخيلوا معنا أن يكون الطفل له كل الرجال آباء‪ ،‬والب يكون له كل‬
‫أطفال المجتمع أبناء‪ ،‬إن المؤلف يحاول هنا أن يركب صهوة جواد المنادين بحقوق‬
‫المرأة‪ ،‬وطبدعا مما ل شك فيه إننا لسنا ضد تلك الحقوق‪ ،‬وقد بيحنا أن المسيحية تساوي‬
‫بين الرجل والمرأة في كل الحقوق‪ ،‬ولكن هناك من ل يرون حقودقا للمرأة إل حرية الجنس‪،‬‬
‫وكأن هذه المرأة أصبحت اللة الجنسية الصاخبة التي أزعجت العالم كله‪ ،‬فيحاول‬
‫المدعين إيجاد حل يهدئ من صخب هذه اللة‪ ،‬أي امتهان هذا للنسانية عمودما وليس‬
‫صا للمرأة من شهواتها؟ أم أن ما تخيله هو ما تربو‬
‫المرأة فقط؟! هل يقدم زيدان نفسه مخل د‬
‫إليه نفسه؟ لن نقول إن كل الديان ترفض ما أتى به زيدان لنه يرفض كل الديان‪،‬‬
‫ونؤكد؛ كل الديان لنه يرفض وجود ال أردسا‪ ،‬فل توجد أي مجتمعات سواء كانت راقية‬
‫أو غير راقية‪ ،‬متحضرة أم نامية يمكن أن تتبنى هذا الفكر الفوضوي المدمر الذي ينادي‬
‫به المؤلف‪ ،‬فأشد المجتمعات تحردار ل يوجد بها هذا النظام الهمجي‪.‬‬

‫إن الشيوعية الجنسية فكرة انقرضت مع بدايتها‪ ،‬ولم تستمر‪ ،‬فالشيوعية كلها‬
‫تهاوت وآلت إلى عدم‪ .‬فها هو إذن يغازل دعاة الحقوقية النسائية‪ ،‬تلك الجماعات التي‬
‫ل تنشط إل في مجتمعات العالم الثالث‪ ،‬فالعالم المتحضر قد اكتشف زيف مثل تلك‬
‫الحركات‪ ،‬وصرف النظر عنها‪ ،‬وتستخدمها الن الصهيونية في خدمة أغراضها الدنيئة‪.‬‬
‫إن الصهيونية لن تكف أبددا عن التطلع إلى مناطق بعينها وعلى رأسها مصر‪،‬‬
‫وحربنا معها لم تنتنه ولكنها غيرت من أساليب الحروب‪ ،‬إن الصهيونية تدرك أن تماسك‬
‫مجتمعاتنا سببه الول والمباشر منظومة القيم والخلقيات‪ ،‬فإذا تهاوت هذه المنظومة‬
‫هوى المجتمع كله إلى أسفل السافلين‪ ،‬وبين وقت وآخر ترسل إلينا هذه الصهيونية‬
‫زبائنها يحملون في جعبتهم الجديد والمدمر دائدما الذي تم تغليفه بأوراق الرقى والتحضر‪،‬‬
‫فل مانع من الحرية الجنسية ول مانع للبحث عن منابع وهمية لرهاب صنع في‬
‫الصهيونية‪ ،‬وهما العاملن اللذان تنشط بهما إسرائيل بين الحين والخر‪ ،‬وها هو مؤلفنا‬
‫الهمام يتبنى كل ما يريد آلهته اليهود من أفكار‪ ،‬فالرجل لم يبخل عليهم في شئ‪ ،‬فإن‬
‫كانوا يريدون حرية جنسية‪ ،‬فها هو يقدم لهم الباحية الجنسية الكثر وطأة وتدميدرا‪ ،‬إوان‬
‫كانوا يبحثون عن منابع الرهاب فها هو الرجل مشكودار قد قام بتزوير التاريخ في رقوقه‬
‫ليقدم لهم منابدعا بديلة لرهابهم الزاعمين البحث عنه‪ ،‬إواذا كانوا يريدون التذرع بذريعة‬
‫يتواجدون من خللها في مصر فإنه يهديهم رقوقه التي تثبت أنهم من أصحاب الرض‬
‫الصليين‪ ،‬إوان كانوا يريدون انتقادما من عدوهم التقليدي في المنطقة )مصر( فها هي‬
‫هولوكست ومحرقة جديدة يقدمها لهم على طبق من فضة‪.‬‬

‫قد يقول البعض إننا نبنى قصودار على رمال فالرقوق ليست حقيقية‪ ،‬وعدم وجودها‬
‫يهدم كل ما ذهبنا إليه‪ ،‬فهذا ما هو إل خيال مؤلف ل يجوز الحتجاج به في أية قضية‪،‬‬
‫ونرد ونقول‪ً:‬ا ماذا لو تمسكت إسرائيل بما جاء في الرقوق وطالبت بحقها في الرض‪،‬‬
‫وطالبت بتعويضات عن المذابح التي ارتكبها المصريون في حقهم في عهد كيرلس‬
‫الكبير‪ ،‬وادعت إسرائيل أن هذه الرقوق فعلد حقيقية‪ ،‬خاصة أن مكتشفها يعمل بمجال‬
‫ضا أن هذه‬
‫المخطوطات التاريخية وهو ما يعطى هذه الرقوق مصداقية‪ ،‬وادعت أي د‬
‫الرقوق تم إتلفها إواخفائها بمعرفة السلطة في مصر‪ ،‬واتخذت الرواية سنددا تاريخديا لها‪،‬‬
‫خاصة أن المؤلف لم ينشر من قريب أو من بعيد لوهمية الرقوق‪ ،‬وما هو الحال إذا ما‬
‫خرج علينا أحد الصهاينة مدعديا أنه قد اكتشف رقودقا أخرى دحونها الراهب هيبا وهو في‬
‫أورشليم تحوى ضمن ما تحوى أن مصر كلها كانت يهودية في تلك الفترة وأن المذابح‬
‫التي تمت لليهود فيها أشمل وأوسع مما جاء به زيدان؟ ولكن لماذا يفعل زيدان كل هذا‪،‬‬
‫هل هو فعلد موالى للصهيونية؟‬

‫دعوة للتطبيع مع إسرائيل‬


‫ونحن هنا ل نستطيع أن نجزم بذلك ولكن على أقل تقدير فهو متعاطف معها إلى‬
‫حد كبير‪ ،‬بل الكثر من ذلك هو أنه يتهكم على بعض مواقف الكنيسة المعاصرة‪ ،‬إوال‬
‫لماذا ذهب بهيبا إلى أورشليم؟ ولماذا وصف لنا جو الحجيج إلى كنيسة القيامة؟ ولماذا‬
‫أسهب في الوصف والتمعن في كل ما هو في أورشليم )القدس( وكأنها الجنة الموعودة؟!‬
‫لم يحاول المؤلف مثلد )والرواية تزوير في تزوير وتلفيق في تلفيق( أن يبتدع لنا مشهددا‬
‫واحددا يستدعيه من العهد القديم والممتلئ بغلظة اليهود ويربطه بالحداث‪ ،‬بالطبع ل‬
‫يستطيع إوال غضب عليه من يريد التقرب إليهم‪ ،‬فلبد أن تكون أورشليم هي الجنة‬
‫الموعودة‪ ،‬حتى يهيج مشاعر القباط على زيارتها‪ ،‬ولعله يفلح في تحريض البعض في‬
‫شق عصا الطاعة على أبيهم البطريرك‪ ،‬فيذهبون دون إرادته لزيارة أورشليم‪ ،‬أو يفعلها‬
‫بعض المارقين عن الكنيسة كما فعل هيبا‪ ،‬لفدتا نظرهم إلى أن أصل الديانة هناك‪ .‬لماذا‬
‫ذكر زيدان أن هناك راهدبا عربديا قد وجد الرقوق بعد حوالي ألف سنة‪ ،‬لماذا لم ينزد المدة‬
‫إلى ألف وخمسمائة سنة‪ ،‬ويصف لنا كيف وجد هذا الراهب العربي الرقوق في هذا‬
‫الزمان‪ ،‬وما هو حال أورشليم )القدس( وفي أيدي من أصبحت؟ ولماذا لم يذكر لنا حتى‬
‫ولو الشئ اليسير من بحر البقر وصب ار وشاتيل ودير ياسين وعناقيد الغضب؟ لماذا رأى‬
‫كل شئ جميل في أورشليم؟ ولماذا‪..‬؟ ولماذا‪..‬؟ وألف لماذا‪.‬‬
‫المراجع‬
‫ــ الكتاب المقدس‪ :‬دار الكتاب المقدس في الشرق الوسط‪،‬‬
‫‪ 2005‬م‪.‬‬

‫ــ البابا شنودة الثالث‪ :‬سنوات مع أسئلة الناس‪ ،‬النبا رويس‪ ،‬ط‬
‫‪ ،2‬مايو ‪ ،2003‬القاهرة‪.‬‬

‫ــ البابا شنودة الثالث‪ :‬تأملت في أمثال السيد المسيح‪ ،‬النبا‬


‫رويس‪ ،‬ط ‪ ،1‬نوفمبر ‪ ،2001‬القاهرة‪.‬‬

‫ــ البابا شنودة الثالث‪ :‬الكهنوت جـ ‪ ،1‬النبا رويس‪ ،‬ط ‪،7‬‬


‫سبتمبر ‪ ،2004‬القاهرة‪.‬‬

‫ــ البابا شنودة الثالث‪ :‬اللهوت المقارن جـ ‪،1‬النبا رويس‪ ،‬ط‬


‫‪ ،4‬أبريل ‪ ،1995‬القاهرة‪.‬‬

‫ــ البابا شنودة الثالث‪ :‬الروح القدس وعمله فينا‪ ،‬النبا رويس‪،‬‬
‫ط ‪ ،4‬مايو ‪ ،2000‬القاهرة‪.‬‬

‫ــ البابا شنودة الثالث‪ :‬حياة التوبة والنقاوة‪ ،‬النبا رويس‪ ،‬ط ‪،4‬‬
‫‪ ،1988‬القاهرة‪.‬‬

‫ــ البابا شنودة الثالث‪ :‬بدع حديثة‪ ،‬النبا رويس‪ ،‬ط ‪ ،2‬مارس‬
‫‪ ،2007‬القاهرة‪.‬‬

‫ــ البابا شنودة الثالث‪ :‬النسان الروحي‪ ،‬النبا رويس‪ ،‬ط ‪،3‬‬
‫‪.2001‬‬

‫ــ البابا شنودة الثالث‪ :‬بدعة الخلص في لحظة‪ ،‬النبا رويس‪ ،‬ط‬
‫‪ ،4‬نوفمبر ‪ ،2002‬القاهرة‪.‬‬
‫ــ البابا شنودة الثالث‪ :‬مرقس الرسول‪ :‬القديس والشهيد‪ ،‬ط‬
‫‪ ،3‬مايو ‪ ،1985‬ص ‪.55‬‬

‫ــ البابا شنودة الثالث‪ :‬محاضرات فى الكلية الكليريكية ‪.1987‬‬

‫ــ النبا بيشوى المطران‪ :‬تحليل لغة النجيل للقديس متى في‬
‫أصأولها اليونانية‪ ،‬النبا رويس‪ ،‬ط ‪2000 ،1‬م‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫ــ النبا بيشوى المطران‪ :‬المجمع المسكونى الثالث في أفسس‪،‬‬


‫بريما جرافيك‪ ،‬ط ‪ 2005 ،1‬م‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫ــ النبا بيشوى المطران‪ :‬المجامع والحوارات المسكونية‪،‬‬


‫أسقفية التعليم والمعاهد الدينية‪ ،‬ط ‪ 2004 ،3‬م‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫ــ النبا بيشوى المطران‪ :‬الحوارات المسكونية‪ ،‬أسقفية التعليم‬


‫والمعاهد الدينية‪ ،‬ط ‪ 2006 ،20‬م‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫ــ النبا بيشوى المطران‪ :‬المسيح مشتهى الجيال‪ ،‬بريما‬


‫جرافيك‪ ،‬ط ‪ ،2‬يناير ‪ 2007‬م‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫ــ النبا بيشوى المطران‪ :‬العقيدة المسيحية الرثوذكسية‪ ،‬دار‬


‫نوبار للطباعة‪ ،‬ط ‪ ،1‬أكتوبر ‪ 2004‬م‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫ــ النبا بيشوى المطران‪ :‬عقيدة الكفارة والفداء‪ ،‬بريما جرافيك‪،‬‬


‫ط ‪ ،2‬أغإسطس ‪2002‬م‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫ــ النبا بيشوى المطران‪ :‬سلسلة محاضرات تثبيت اليمان‪ ،‬دار‬


‫أنطون‪ ،‬اسطوانات مدمجة‪.‬‬

‫ــ النبا بيشوى المطران‪ :‬الكنيسة وماذا تكون‪ ،‬دار أنطون‪،‬‬


‫‪ 2005‬م‪ ،‬سوهاج‪.‬‬
‫ــ النبا بيشوى المطران‪ :‬تجسد البن الوحيد‪ ،‬بريما جرافيك‪ ،‬ط‬
‫‪ ،1‬يناير ‪ ،2004‬القاهرة‪.‬‬

‫ــ دكتور موريس تاوضروس‪ :‬علم اللهوت العقيدى‪ ،‬أسقفية‬


‫الشباب‪ ،‬ط ‪ ،1‬يوليو ‪1994‬م‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫ــ الدكتور موريس تاوضروس‪ :‬مفهوم التبرير‪ ،‬دار أنطون‪ ،‬ط‬


‫‪ ،3‬مايو ‪ 2005‬م‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫ــ الدكتور موريس تاوضروس‪ :‬الفكر اللهوتي عند القديس‬


‫بولس الرسول‪ ،‬جــ ‪ ،1‬دار أنطون‪ ،‬ط ‪ ،1‬مارس ‪ 2005‬م‪،‬‬
‫القاهرة‪.‬‬

‫ــ الدكتور زكريا إبراهيم‪ :‬مشكلة الحب‪ ،‬سلسلة مشكلت‬


‫فلسفية رقم )‪ ،(5‬مكتبة مصر‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫ــ وليم سليمان قـلدة‪ :‬المسيحية والسلم في مصر‪ ،‬سينا للنشر‪،‬‬


‫‪1993‬م‪.‬‬

‫ــ النبا موسى‪ :‬أثناسيوس الرسولى )دراسة مبسطة لكتاباته(‬


‫أسقفية الشباب ‪1986‬م‪.‬‬

‫ــ القديس أثناسيوس الرسولى‪ :‬الرسالة إلى الوثنيين‪ ،‬تعريب‬


‫حافظ داود‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪. 2‬‬

‫العظات‪ ،‬كنيسة مار جرجس‬ ‫ــ القديس مقـاريوس الكبير‪:‬‬


‫إسبورتنج‪.1976 ،‬‬

‫مصر في فجر السلم )من الفتح‬ ‫ــ سيدة إسماعيل الكاشف‪:‬‬


‫العربي إلى قيام الدولة الطولونية( سلسلة تاريخ المصريين رقم )‬
‫‪ ،(82‬الهيئة المصرية العامة للكتاب ط ‪1994 2‬م‪.‬‬
‫ــ محمد شفيق غربال‪ :‬تكوين مصر‪ ،‬وزارة الرشاد القومي‪ ،‬مكتبة‬
‫النهضة المصرية‪ ،‬القاهرة ‪1957‬م‪.‬‬

‫ــ سمير مرقس‪ :‬الخر‪ ..‬الحوار‪ ..‬المواطنة ‪ -‬الهيئة المصرية‬


‫العامة للكتاب‪ ،‬مكتبة الشروق الدولية‪2006 ،‬م‪.‬‬

‫ــ القمص تادرس يعقوب ملطي‪ :‬آباء مدرسة السكندرية‬


‫الولون‪ ،‬سلسلة أقوال الباء وكتاباتهم‪1980 ،‬م‪.‬‬

‫ــ القمص تادرس يعقوب ملطي‪ :‬نظرة شاملة لعلم‬


‫الباترولوجى‪2008 ،‬م‪.‬‬

‫ــ رسائال القديس أنطونيوس‪ :‬ترجمة د‪ .‬نصحي عبد الشهيد‪،‬‬


‫سلسلة نصوص آبائية رقم ‪ ،72‬مؤسسة القديس أنطونيوس‪،‬‬
‫المركز الرثوذكسي للدراسات البائية ‪2004‬م‪.‬‬

‫التقنين الكنسي‪ ،‬مطابع مكتب‬ ‫ــ المستشار عوني برسوم‪:‬‬


‫العمال الفنية‪1994 ،‬م‪.‬‬

‫ــ رسائال القديس باسيليوس الكبير ‪.‬‬

‫لجنة التحرير والنشر ‪ ،‬بنى سويف‪ ،‬الطبعة‬ ‫ــ بستان الرهبان‪:‬‬


‫الثانية‪.‬‬

‫قصة الكنيسة القبطية‪،‬ج‬ ‫ــ الدكتورة إيريس حبيب المصرى‪:‬‬


‫‪.1‬‬

‫تاريخ الكنيسة القبطية‪.‬‬ ‫ــ القس منسى يوحنا‪:‬‬


‫ دراسة‬،‫القباط والقومية العربية‬ :‫ــ أبو سيف يوسف‬
.‫م‬2006 ،‫ الهيئة المصرية العامة للكتاب‬،‫استطلعية‬

.‫ الخريدة النفيسة في تاريخ الكنيسة‬:‫ــ النبا إيسيذوروس‬

‫ الموسوعة الفلسفية‬:‫ــ دكتور ذكى نجيب محمود وآخرون‬


.‫ القاهرة‬،‫م‬1982 ،‫ مكتبة النجلو المصرية‬،‫المختصرة‬

،‫ مؤسسة فرانكلين‬،‫ الموسوعة الثقافية‬:‫ــ دكتور حسين سعيد‬


.‫ القاهرة‬،‫م‬1972

2008 ،1 ‫ ط‬،‫ دار الشروق‬،‫ عزازيل‬:‫ــ دكتور يوسف زيدان‬


.‫ القاهرة‬،‫م‬

Cf. Hefele, C.J., quoting Socrat. Hist. Eccl. vii. 29 -


- A Dictionary of Early Christian Beliefs - p.490
- LH 193 (Bazar of Heraclides), quoted by Bernard Dupay,
OP , "The Christology of Nestorius", Syriac Dialogue, Pro
Oriente, OP. Cit., P.113.
- Rowan greer, "The Image of God and the Prosopic Union
in Nestorius" , Bazar of Heraclides in Lux in Lumine,
Essays to honor W. Norman Pittenger, edited by R.A.
Morris Jr. New York 1966,

St. Gregory of Nazianza, Ep. to Cledonius the Priest -


Against Apollinarius, N. & P.N. Fathers , Vol. VII

Hefele, C.J., A History of the Councils of the Church, Vol -


III, p. 5 - AMS Press 1972, reprinted from the edition of
.1883 Edinburgh
Hefele, C.J., A History of the Councils of the Church, vol. -
.II, p. 437

You might also like