Professional Documents
Culture Documents
أنشطة اإلنتاج:
تعتبر القصة فنا من الفنون النثرٌة الحدٌثة التً ربطت جذورها باألدب العربً القدٌم وبنماذجه الحكابٌة ،وظهرت كفن قابم بذاته فً
األدب العربً فً أواخر القرن التاسع عشر وبداٌة القرن العشرٌن ،نتٌجة مجموعة من التحوالت االجتماعٌة والثقافٌة لعل من أبرزها
انتشار الترجمة والصحافة ،واالنفتاح على الثقافة الؽربٌة من خالل التأثر بأعمال رواد القصة القصٌرة فً الؽرب من أمثال إ"دؼار
أالن بو" "وهوفمان" ،وٌقوم هذا الفن الجدٌد على الحدث ،والشخصٌات ،والزمان ،والمكان ،والعقدة والحل والحبكة ،وٌتمٌز بقلة
الكم ووحدة االنطباع واللحظة الزمنٌة ،ومن رواده فً األدب العربًٌ :حٌى حقً ،ومحمود تٌمور ،وزكرٌاء تامر ،وعبد الكرٌم
ؼالب ،وأحمد بوزفور ،وٌعد صاحب النص ٌوسؾ إدرٌس من أبرز األسماء التً أبدعت فً فن القصة القصٌرة ،وله عدة مؤلفات
قصصٌة ك " قاع المدٌنة " و " آخر الدنٌا " .وانطالقا من بعض المؤشرات النصٌة كالعنوان " العودة " الذي ٌحٌل على الرجوع،
وبداٌة النص ونهاٌته نفترض أن النص قصة قصٌرة ستتحدث عن عودة البطل (السارد ) لقرٌته ومعانقته ألهله بعد مدة من
الفراق .فما أحداث القصة؟ وما الوسائل الفنية التي توسل بها الكاتب؟ وما المقصدية التي يرمي إليها الكاتب من خالل تأليفه لهذه
القصة؟
تدور أحداث القصة حول عودة البطل ( السارد ) إلى قرٌته ،لٌرتمً فً حضن عابلته الدافا باألحاسٌس الصادقة والجٌاشة
المفعمة بالحب والحنان والعطؾ ،الشًء الذي افتقده أثناء وجوده بالمدٌنة .كما ٌبرز السارد بعض ممٌزات قرٌته كالسكون والهدوء.
وتقوم القصة المدروسة على متوالٌات سردٌة تكشؾ التسلسل المنطقً لألحداث ،ونمثل لها على النحو اآلتً:
إحساس البطل بسعادة عارمة وهو ٌخترق قرٌته متوجها إلى بٌت أسرته.
ارتماء البطل فً حضن والدٌه وإخوته ،وتدفق مشاعر المحبة التً ال تضاهٌها أٌة أحاسٌس.
وفٌما ٌخص الخطاطة السردٌة ،فالمالحظ أن عناصر القصة مرتبطة فٌما بٌنها ارتباطا وثٌقا ،حٌث ال ٌمكن الفصل بٌنها ،وهكذا
جاءت القصة محبوكة ودقٌقة التصمٌم ،وٌمكن الوقوؾ على مراحل الخطاطة السردٌة فً هذه القصة على النحو اآلتً ،إذ تتجلى
وضعية البداية فً نزول البطل من القطار بعد وصوله إلى قرٌته ،وتأخذ األحداث إٌقاعا متصاعدا فً وضعية الوسط حٌث تتنامى
األحداث وتتطور انطالقا من مشاعر السعادة التً انتابت البطل وهو ٌعبر قرٌته متوجها إلى منزل أسرته لٌرتمً فً أحضان عابلته،
الشًء الذي جعله ٌحس بدؾء األسرة والقرٌة .أما وضعية النهاية تتجلى فً إحساس البطل بدؾء العابلة واالعتزاز باالنتماء إلٌها،
فهً أساس وجوده بعدما كان ٌعانً الضٌاع والؽربة فً المدٌنة .وٌتضح من خالل هذه المراحل أن هناك تسلسال منطقٌا بٌن سابر
األحداث ،حٌث ٌرتبط الحقها بسابقها ،وٌؤدي سابقها إلى الحقها فً تسلسل منطقً ،وقد أدت الخطاطة السردٌة دورا فً جعل أحداث
القصة مفهومة وقابلة للـتأوٌل ،وأما أثرها الجمالً فٌبدو فً إٌهام القارئ بواقعٌة األحداث والشخصٌات ،وكأن ما ٌحكٌه السارد قد
وقع بالفعل.
تقوم الشخصٌات بدور فاعل فً تحرٌك األحداث ،وتؤدي أدوارا مختلفة تسهم من خاللها فً التطور الدرامً للقصة سٌرا بها إلى
النهاٌة ،وٌمكن الوقوؾ فً القصة المدروسة على نوعٌن من الشخصٌات،فالشخصٌةالربٌسة تتمثل فً البطل ( السارد ) الهارب من
المدٌنة ،وهو إنسان ٌعانً نفسٌا جراء الؽربة والضٌاع والحرمان فً المدٌنة الشًء الذي دفعه إلى البحث عن حضن دافا ٌشعره
بإنسانٌته التابهة فً المدٌنة ،فوجد ضالته فً قرٌته وحضن إخوته ووالدٌه .أما الشخصٌات الثانوٌة تتجلى فً اإلخوة واألب واألم،
باعتبارهم مصدرا للحب وللمشاعر الجٌاشة بالنسبة للبطل ،كذلك سكان القرٌة شخصٌات ثانوٌة تمثل نمط عٌش ٌسوده الجمود
والثبات .وهناك قوى فاعلة ؼٌر آدمٌة تتجلى فً القرٌة باعتبارها محور رؼبة بالنسبة للبطل ،كما ٌمكن اعتبار المدٌنة وجوها المفعم
بالجمود وانعدام العالقات االنسانٌة قوة فاعلة أسهمت فً دفع البطل إلى البحث عن مالذ ٌجود علٌه بالمشاعر اإلنسانٌة النبٌلة المتمثلة
أساسا فً العطؾ والحب الذي وجده البطل فً عابلته وقرٌته.عموما أدت الشخصٌات بأنواعها دورا فً تحرٌك خٌوط األحداث
والسٌر بها إلى نقطة النهاٌة ،حٌث أدت عالقة االنسجام بٌن البطل بإخوته ووالدٌه من جهة ،وعالقته بقرٌته من جهة أخرى إلى
تناسل األحداث وتنامٌها وتطورها لتصل فً النهاٌة إلى أن كٌان ووجود البطل رهٌن بعابلته وقرٌته.
وٌعد الزمن عنصرا بالػ األهمٌة فً البناء القصصً إذ ٌمثل اإلطار الذي تقع فٌه األحداث وتتحرك فٌه الشخصٌات ،فبالنسبة
لإلطار الزمنً الذي وقعت فٌه القصة فقد ركز السارد على لحظة وصوله إلى القرٌة حٌث مصدر الطمأنٌنة واألصل والوجود
والهوٌة اإلنسانٌة التً كانت تابهة فً المدٌنة ،وقد تعددت األزمنة فً القصة من حٌث الطبٌعة فهناك حضور للزمن الفلكً حٌث أن
الوصول كان نهارا وهناك مؤشرات نصٌة تدل على ذلك " ودابما أصل بلدنا فً العصر " و " الشمس صفراء " ،إضافة إلى الزمن
النحوي الذي ٌتجلى فً زمن الحاضر ( هبطت – مشٌت ) ...الدال على وصول البطل إلى القرٌة ،أما أفعال المضارع ( ٌجٌب –
ٌرحب – ٌرمق )...لإلشارة إلى اختراق البطل للقرٌة ووصؾ أهلها أثناء توجهه نحو منزل أسرته ،أما فٌما ٌخص الزمن النفسً
الذي ٌكتسً أهمٌة فً األعمال اإلبداعٌة فٌحضر فً تٌمة الفراغ التً شعر بها البطل نتٌجة االؼتراب فً المدٌنة ،مما جعله ٌخوض
رحلة البحث عن وجوده اإلنسانً المسلوب فً قرٌته وبٌن أحضان عابلته .وٌأخذ الزمن فً أي محكً بعض المظاهر كالتلخٌص
والحذؾ ،لكون أن النص القصصً ٌتمٌز باالختزال والتكثٌؾ ،لذلك فالسارد ٌلخص أحداثا أو ٌقفز على بعضها ،ونمثل للحذؾ
بالقرٌنة النصٌة اآلتٌة " الٌوم لم أعد طفال ولم ٌعودوا شبابا " ...حٌث َت َّم السكوت عن مدة زمنٌة هً المدة التً انتقل فٌها البطل من
سن الطفولة إلى سن الشباب .أما بالنسبة للفضاء فٌعد المجال الذي تقع فٌه األحداث وتتحرك فٌه الشخصٌات ،وبالرجوع إلى النص
القصصً المدروس نالحظ أن أحداث القصة تقع فً القرٌة ،وهً فضاء مفتوح حٌث منزل البطل ( السارد ) ،إذ لعبا هاذٌن
الفضابٌٌن دورا محورٌا فً تنامً األحداث واتصال البطل بموضوعه المتمثل فً البحث عن حضن دافا ٌخلصه من االؼتراب الذي
عان منه أثناء وجوده فً المدٌنة.
وقد اعتمد الكاتب تقنٌات عدة فً معالجة موضوعه ،حٌث وظؾ السرد الذي هٌمن هٌمنة مطلقة لما له من دور فً نقل األحداث
والتعبٌر عن مواقؾ الشخصٌات وأفكارها وأحاسٌسها ،كما ٌحضر الوصؾ لتكسٌر رتابة السرد ،والذي ٌتجلى فً وصؾ األمكنة(
القرٌة ) واألشٌاء (القطار) والحالة النفسٌة للشخصٌات ( العابلة -البطل – سكان القرٌة) .أما الحوار فٌحضر بنوعه الداخلً المتمثل
فً حوار البطل مع ذاكرته المتعلقة بفضاء القرٌة وعابلته .انطالقا مما سبق ٌتبٌن لنا أن الكاتب نوع فً قصته بٌن السرد والوصؾ
والحوار ،وذلك بؽٌة خدمة المعنى وجعله واضحا فً ذهن القارئ ،إضافة إلى خلق نوع من التشوٌق واالبتعاد عن الرتابة التً
ٌفرضها توظٌؾ النسق الواحد.
وإذا عرجنا ناحٌة الرؤٌة السردٌة نجد الرؤٌة المهٌمنة هً الرؤٌة المصاحبة ( مع ) لكون السارد داخل حكابً مشارك فً األحداث،
مع هٌمنة واضحة لضمٌر المتكلم ( دابما أصل – مشٌت – هبطت – أندفع .)...
صور الكاتب المصري ٌوسؾ إدرٌس فً نصه القصصً الموسوم ب " العودة " حالة اجتماعٌة تتجلى فً االؼتراب وسلب
الهوٌة التً ٌفرضها واقع المدٌنة المادي الفاقد للقٌم اإلنسانٌة ،وفً نفس الوقت ٌدعو الكاتب بشكل ضمنً إلى الحفاظ على االنتماء
للمكان والمتجسد فً البادٌة التً تدل على األصل والهوٌة ،وكذلك االنتماء العابلً الذي ٌكسب الفرد وجوده وكٌانه وإنسانٌته من
خالل تدفق مشاعر الحب والعاطؾ بٌن األفراد .ولخدمة فكرته عمل الكاتب على صٌاؼة األحداث فً قالب قصصً دقٌق نوع فٌه
بٌن السرد والوصؾ والحوار الداخلً بؽٌة تحقٌق التشوٌق والتخلص من الرتابة التً ٌفرضها النسق الواحد ،زد على ذلك توظٌفه
للرؤٌة السردٌة مع لكون السارد مشارك فً األحداث بل بطل القصة ،ونخلص إلى إثبات الفرضٌة وانتماء النص إلى جنس القصة
القصٌرة ذات االتجاه الواقعً ،وفً اعتقادنا نحج الكاتب فً إٌصال فكرته حول ضرورة ارتباط األفراد بأصولهم المكانٌة والعابلٌة
الشً الذي ٌكسبهم كٌنونة إنسانٌة ،وقد أسعفه فً ذلك طبٌعة الجنس القصصً الذي ظهر نتٌجة حاجة اجتماعٌة بؽٌة إضاءة الواقع
من جوانب عدة وانتقاده من أجل إعادة البناء.