You are on page 1of 2

‫مهارة كتابة إنشاء أدبي حول نص نثري إبداعي ( القصة القصيرة )‪.

‬‬
‫أنشطة اإلنتاج‪:‬‬

‫نص االنطالق‪ " :‬العودة " ليوسف إدريس‪ :‬ص ‪.193‬‬

‫تعتبر القصة فنا من الفنون النثرٌة الحدٌثة التً ربطت جذورها باألدب العربً القدٌم وبنماذجه الحكابٌة‪ ،‬وظهرت كفن قابم بذاته فً‬
‫األدب العربً فً أواخر القرن التاسع عشر وبداٌة القرن العشرٌن‪ ،‬نتٌجة مجموعة من التحوالت االجتماعٌة والثقافٌة لعل من أبرزها‬
‫انتشار الترجمة والصحافة‪ ،‬واالنفتاح على الثقافة الؽربٌة من خالل التأثر بأعمال رواد القصة القصٌرة فً الؽرب من أمثال إ"دؼار‬
‫أالن بو" "وهوفمان" ‪ ،‬وٌقوم هذا الفن الجدٌد على الحدث‪ ،‬والشخصٌات‪ ،‬والزمان‪ ،‬والمكان‪ ،‬والعقدة والحل والحبكة‪ ،‬وٌتمٌز بقلة‬
‫الكم ووحدة االنطباع واللحظة الزمنٌة‪ ،‬ومن رواده فً األدب العربً‪ٌ :‬حٌى حقً‪ ،‬ومحمود تٌمور‪ ،‬وزكرٌاء تامر‪ ،‬وعبد الكرٌم‬
‫ؼالب‪ ،‬وأحمد بوزفور‪ ،‬وٌعد صاحب النص ٌوسؾ إدرٌس من أبرز األسماء التً أبدعت فً فن القصة القصٌرة‪ ،‬وله عدة مؤلفات‬
‫قصصٌة ك " قاع المدٌنة " و " آخر الدنٌا "‪ .‬وانطالقا من بعض المؤشرات النصٌة كالعنوان " العودة " الذي ٌحٌل على الرجوع‪،‬‬
‫وبداٌة النص ونهاٌته نفترض أن النص قصة قصٌرة ستتحدث عن عودة البطل (السارد ) لقرٌته ومعانقته ألهله بعد مدة من‬
‫الفراق‪ .‬فما أحداث القصة؟ وما الوسائل الفنية التي توسل بها الكاتب؟ وما المقصدية التي يرمي إليها الكاتب من خالل تأليفه لهذه‬
‫القصة؟‬

‫تدور أحداث القصة حول عودة البطل ( السارد ) إلى قرٌته‪ ،‬لٌرتمً فً حضن عابلته الدافا باألحاسٌس الصادقة والجٌاشة‬
‫المفعمة بالحب والحنان والعطؾ‪ ،‬الشًء الذي افتقده أثناء وجوده بالمدٌنة‪ .‬كما ٌبرز السارد بعض ممٌزات قرٌته كالسكون والهدوء‪.‬‬

‫وتقوم القصة المدروسة على متوالٌات سردٌة تكشؾ التسلسل المنطقً لألحداث‪ ،‬ونمثل لها على النحو اآلتً‪:‬‬

‫نزول البطل من القطار بعد وصوله إلى قرٌته‪.‬‬

‫إحساس البطل بسعادة عارمة وهو ٌخترق قرٌته متوجها إلى بٌت أسرته‪.‬‬

‫ارتماء البطل فً حضن والدٌه وإخوته‪ ،‬وتدفق مشاعر المحبة التً ال تضاهٌها أٌة أحاسٌس‪.‬‬

‫إحساس البطل باالنتماء وبهوٌته الضابعة فً جو المدٌنة‪.‬‬

‫وفٌما ٌخص الخطاطة السردٌة‪ ،‬فالمالحظ أن عناصر القصة مرتبطة فٌما بٌنها ارتباطا وثٌقا‪ ،‬حٌث ال ٌمكن الفصل بٌنها‪ ،‬وهكذا‬
‫جاءت القصة محبوكة ودقٌقة التصمٌم‪ ،‬وٌمكن الوقوؾ على مراحل الخطاطة السردٌة فً هذه القصة على النحو اآلتً‪ ،‬إذ تتجلى‬
‫وضعية البداية فً نزول البطل من القطار بعد وصوله إلى قرٌته‪ ،‬وتأخذ األحداث إٌقاعا متصاعدا فً وضعية الوسط حٌث تتنامى‬
‫األحداث وتتطور انطالقا من مشاعر السعادة التً انتابت البطل وهو ٌعبر قرٌته متوجها إلى منزل أسرته لٌرتمً فً أحضان عابلته‪،‬‬
‫الشًء الذي جعله ٌحس بدؾء األسرة والقرٌة‪ .‬أما وضعية النهاية تتجلى فً إحساس البطل بدؾء العابلة واالعتزاز باالنتماء إلٌها‪،‬‬
‫فهً أساس وجوده بعدما كان ٌعانً الضٌاع والؽربة فً المدٌنة‪ .‬وٌتضح من خالل هذه المراحل أن هناك تسلسال منطقٌا بٌن سابر‬
‫األحداث‪ ،‬حٌث ٌرتبط الحقها بسابقها‪ ،‬وٌؤدي سابقها إلى الحقها فً تسلسل منطقً‪ ،‬وقد أدت الخطاطة السردٌة دورا فً جعل أحداث‬
‫القصة مفهومة وقابلة للـتأوٌل‪ ،‬وأما أثرها الجمالً فٌبدو فً إٌهام القارئ بواقعٌة األحداث والشخصٌات‪ ،‬وكأن ما ٌحكٌه السارد قد‬
‫وقع بالفعل‪.‬‬

‫تقوم الشخصٌات بدور فاعل فً تحرٌك األحداث‪ ،‬وتؤدي أدوارا مختلفة تسهم من خاللها فً التطور الدرامً للقصة سٌرا بها إلى‬
‫النهاٌة‪ ،‬وٌمكن الوقوؾ فً القصة المدروسة على نوعٌن من الشخصٌات‪،‬فالشخصٌةالربٌسة تتمثل فً البطل ( السارد ) الهارب من‬
‫المدٌنة‪ ،‬وهو إنسان ٌعانً نفسٌا جراء الؽربة والضٌاع والحرمان فً المدٌنة الشًء الذي دفعه إلى البحث عن حضن دافا ٌشعره‬
‫بإنسانٌته التابهة فً المدٌنة‪ ،‬فوجد ضالته فً قرٌته وحضن إخوته ووالدٌه‪ .‬أما الشخصٌات الثانوٌة تتجلى فً اإلخوة واألب واألم‪،‬‬
‫باعتبارهم مصدرا للحب وللمشاعر الجٌاشة بالنسبة للبطل‪ ،‬كذلك سكان القرٌة شخصٌات ثانوٌة تمثل نمط عٌش ٌسوده الجمود‬
‫والثبات‪ .‬وهناك قوى فاعلة ؼٌر آدمٌة تتجلى فً القرٌة باعتبارها محور رؼبة بالنسبة للبطل‪ ،‬كما ٌمكن اعتبار المدٌنة وجوها المفعم‬
‫بالجمود وانعدام العالقات االنسانٌة قوة فاعلة أسهمت فً دفع البطل إلى البحث عن مالذ ٌجود علٌه بالمشاعر اإلنسانٌة النبٌلة المتمثلة‬
‫أساسا فً العطؾ والحب الذي وجده البطل فً عابلته وقرٌته‪.‬عموما أدت الشخصٌات بأنواعها دورا فً تحرٌك خٌوط األحداث‬
‫والسٌر بها إلى نقطة النهاٌة‪ ،‬حٌث أدت عالقة االنسجام بٌن البطل بإخوته ووالدٌه من جهة‪ ،‬وعالقته بقرٌته من جهة أخرى إلى‬
‫تناسل األحداث وتنامٌها وتطورها لتصل فً النهاٌة إلى أن كٌان ووجود البطل رهٌن بعابلته وقرٌته‪.‬‬

‫وٌعد الزمن عنصرا بالػ األهمٌة فً البناء القصصً إذ ٌمثل اإلطار الذي تقع فٌه األحداث وتتحرك فٌه الشخصٌات‪ ،‬فبالنسبة‬
‫لإلطار الزمنً الذي وقعت فٌه القصة فقد ركز السارد على لحظة وصوله إلى القرٌة حٌث مصدر الطمأنٌنة واألصل والوجود‬
‫والهوٌة اإلنسانٌة التً كانت تابهة فً المدٌنة‪ ،‬وقد تعددت األزمنة فً القصة من حٌث الطبٌعة فهناك حضور للزمن الفلكً حٌث أن‬
‫الوصول كان نهارا وهناك مؤشرات نصٌة تدل على ذلك " ودابما أصل بلدنا فً العصر " و " الشمس صفراء "‪ ،‬إضافة إلى الزمن‬
‫النحوي الذي ٌتجلى فً زمن الحاضر ( هبطت – مشٌت ‪ ) ...‬الدال على وصول البطل إلى القرٌة‪ ،‬أما أفعال المضارع ( ٌجٌب –‬
‫ٌرحب – ٌرمق ‪ )...‬لإلشارة إلى اختراق البطل للقرٌة ووصؾ أهلها أثناء توجهه نحو منزل أسرته‪ ،‬أما فٌما ٌخص الزمن النفسً‬
‫الذي ٌكتسً أهمٌة فً األعمال اإلبداعٌة فٌحضر فً تٌمة الفراغ التً شعر بها البطل نتٌجة االؼتراب فً المدٌنة‪ ،‬مما جعله ٌخوض‬
‫رحلة البحث عن وجوده اإلنسانً المسلوب فً قرٌته وبٌن أحضان عابلته‪ .‬وٌأخذ الزمن فً أي محكً بعض المظاهر كالتلخٌص‬
‫والحذؾ‪ ،‬لكون أن النص القصصً ٌتمٌز باالختزال والتكثٌؾ‪ ،‬لذلك فالسارد ٌلخص أحداثا أو ٌقفز على بعضها‪ ،‬ونمثل للحذؾ‬
‫بالقرٌنة النصٌة اآلتٌة " الٌوم لم أعد طفال ولم ٌعودوا شبابا‪ " ...‬حٌث َت َّم السكوت عن مدة زمنٌة هً المدة التً انتقل فٌها البطل من‬
‫سن الطفولة إلى سن الشباب‪ .‬أما بالنسبة للفضاء فٌعد المجال الذي تقع فٌه األحداث وتتحرك فٌه الشخصٌات‪ ،‬وبالرجوع إلى النص‬
‫القصصً المدروس نالحظ أن أحداث القصة تقع فً القرٌة‪ ،‬وهً فضاء مفتوح حٌث منزل البطل ( السارد )‪ ،‬إذ لعبا هاذٌن‬
‫الفضابٌٌن دورا محورٌا فً تنامً األحداث واتصال البطل بموضوعه المتمثل فً البحث عن حضن دافا ٌخلصه من االؼتراب الذي‬
‫عان منه أثناء وجوده فً المدٌنة‪.‬‬

‫وقد اعتمد الكاتب تقنٌات عدة فً معالجة موضوعه‪ ،‬حٌث وظؾ السرد الذي هٌمن هٌمنة مطلقة لما له من دور فً نقل األحداث‬
‫والتعبٌر عن مواقؾ الشخصٌات وأفكارها وأحاسٌسها‪ ،‬كما ٌحضر الوصؾ لتكسٌر رتابة السرد‪ ،‬والذي ٌتجلى فً وصؾ األمكنة(‬
‫القرٌة ) واألشٌاء (القطار) والحالة النفسٌة للشخصٌات ( العابلة ‪ -‬البطل – سكان القرٌة)‪ .‬أما الحوار فٌحضر بنوعه الداخلً المتمثل‬
‫فً حوار البطل مع ذاكرته المتعلقة بفضاء القرٌة وعابلته‪ .‬انطالقا مما سبق ٌتبٌن لنا أن الكاتب نوع فً قصته بٌن السرد والوصؾ‬
‫والحوار‪ ،‬وذلك بؽٌة خدمة المعنى وجعله واضحا فً ذهن القارئ‪ ،‬إضافة إلى خلق نوع من التشوٌق واالبتعاد عن الرتابة التً‬
‫ٌفرضها توظٌؾ النسق الواحد‪.‬‬

‫وإذا عرجنا ناحٌة الرؤٌة السردٌة نجد الرؤٌة المهٌمنة هً الرؤٌة المصاحبة ( مع ) لكون السارد داخل حكابً مشارك فً األحداث‪،‬‬
‫مع هٌمنة واضحة لضمٌر المتكلم ( دابما أصل – مشٌت – هبطت – أندفع ‪.)...‬‬

‫صور الكاتب المصري ٌوسؾ إدرٌس فً نصه القصصً الموسوم ب " العودة " حالة اجتماعٌة تتجلى فً االؼتراب وسلب‬
‫الهوٌة التً ٌفرضها واقع المدٌنة المادي الفاقد للقٌم اإلنسانٌة‪ ،‬وفً نفس الوقت ٌدعو الكاتب بشكل ضمنً إلى الحفاظ على االنتماء‬
‫للمكان والمتجسد فً البادٌة التً تدل على األصل والهوٌة‪ ،‬وكذلك االنتماء العابلً الذي ٌكسب الفرد وجوده وكٌانه وإنسانٌته من‬
‫خالل تدفق مشاعر الحب والعاطؾ بٌن األفراد‪ .‬ولخدمة فكرته عمل الكاتب على صٌاؼة األحداث فً قالب قصصً دقٌق نوع فٌه‬
‫بٌن السرد والوصؾ والحوار الداخلً بؽٌة تحقٌق التشوٌق والتخلص من الرتابة التً ٌفرضها النسق الواحد‪ ،‬زد على ذلك توظٌفه‬
‫للرؤٌة السردٌة مع لكون السارد مشارك فً األحداث بل بطل القصة‪ ،‬ونخلص إلى إثبات الفرضٌة وانتماء النص إلى جنس القصة‬
‫القصٌرة ذات االتجاه الواقعً‪ ،‬وفً اعتقادنا نحج الكاتب فً إٌصال فكرته حول ضرورة ارتباط األفراد بأصولهم المكانٌة والعابلٌة‬
‫الشً الذي ٌكسبهم كٌنونة إنسانٌة‪ ،‬وقد أسعفه فً ذلك طبٌعة الجنس القصصً الذي ظهر نتٌجة حاجة اجتماعٌة بؽٌة إضاءة الواقع‬
‫من جوانب عدة وانتقاده من أجل إعادة البناء‪.‬‬

You might also like