Professional Documents
Culture Documents
تنبع أهمية توظيف األسطورة والرموز األسطورية في القصيدة الحديثة ،من كون الرمز يشكل صورة حسِّية ،مولدة للمعنى ومسكونةـ به .ويكشــف
استدعاءـ األسطورة أو الرمـز األسـطوري عن قيمـة الوظيفـة الدالليـة والجماليـة ،الـتي يحققهـا الرمـز في سـياق النص الشـعري ،سـواء جـاء هـذا
االستدعاء في جزء من القصيدة ،أو استغرقها كلها ،ألنه(عندما يتجاوز الشاعر مستوى مجرد ذكر األســطورة أو الرمــز األســطوري إلى مســتوى
االستلهام واالستحياء والتوظيف من خالل خلق سياق خاص يجسد تفاعل األسطورة مع التجربة الشعرية) ( )1ص 61لذلك فإن استخدام الرمز أو
مجموعةـ الرموزـ في القصيدة يجب أن يتم ،من خالل القدرة على تمثل أبعادها الداللية والتخييلية والجمالية ،وتحويلها إلى بــؤرة إشــعاعات إيحائيــة
.تغني القصيدة
إن أهمية األسطورة تنبع من حضورها في الثقافــة الجمعيـة،ـ ومن كونهــا تمثــل انعكاسـا لالشــعور الجمعي ممــا يجعــل اسـتدعاءها،ـ يســتدعي معهــا
فضاءها التخييلي والوجداني وداللتها الرمزية الموحية .إن استدعاء األسطورة وكثافتها الرمزية ،من خالل مستويات التناص وآلياته المختلفــة ،في
تجربة الشاعر درويش ،ينبع من طبيعة الرؤية التي تقدمها هذه التجربة ،على المستويين الفكري والجمالي .وإذا كــان الرمــز األســطوري الشــرقي
الذي ينتمي إلى حضارات المنطقة العربية القديمة يأتي في صدارة التراث األسـطوري ،الــذي يجـري اسـتدعاؤه في قصــائد الشــاعر ،فــإن الـتراث
األسطوري الغربي ،يأتي تاليا معبرا عن انفتاح القصيدة على الـتراث اإلنسـاني ،الـدال على تـداخل وتفاعـل هـذا المـوروثـ األسـطوري من خالل
.انتقالـــــــــــه من ثقافـــــــــــة إلى أخـــــــــــرى ،في رحلـــــــــــة الحضـــــــــــارات والثقافـــــــــــات اإلنســـــــــــانية عـــــــــــبر التـــــــــــاريخ
إن استخدام هذه الرموز في القصيدة يجب أن يكون نابعا من حاجة القصيدة إلى تلك الرموز،ـ وما تمتلكه هذه الرموز ،من مجــال درامي أســطوري
يتفاعل مع تجربة الشاعر المعاصرة،ـ ألن على هذا االستخدام أن يتجاوز ذكر الرمــز األســطوري ،أو الحكايــة األســطورية إلى(مســتوى االســتلهام
واالستيحاء والتوظيف من خالل خلق سياق خاص يجسد تفاعل األسطورة مــع التجربـة الشــعرية)( )2ص ،61مــا يجعـل هـذا التنـاص معهـاـ يعيــد
تشكيلها وتكثيف دالالتها الموحية ،وتطوير بعدها الدرامي ،بما يجعلها تتفاعل مع التجربة الشعرية للقصيدة ،ويع ِّمق اتصالها مع التجربة الوجودية
واإلنسانية بأبعادها الدراميةالمختلفة .وفي قراءة للتناص الشعري عند الشاعر مع هذا التراث األسطوري يظهر التعدد في آليات التنــاص ودرجاتــه
ومستوياته المختلفة ،فإلى جانب تناص الخفاء ،هناك تناص التجلي ...وإلى جانب استدعاء الشخصيات والرمــوز األســطورية ،هنــاك تقنيتــا القنــاع
.واالمتصــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاص والتــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــذويب
وتنتمي األساطير التي تتفاعل معها تجربة الشاعر وتستدعيها إلى أزمنة وحضارات مختلفة ،منها ما يعود إلى حضــارات وادي الرافــدين القديمــة،
والحضارة الفرعونية وحضارات الساحل السوري ،ومنها ما ينتمي إلى حضارات الرومان واإلغريــق ،مــا يشــي بتنــوع مصــادر هــذه األســاطير،
وتنوع موضوعاتها ودرجاتها بهدف التأكيد على وحـدة التجربـة اإلنسـاني وغناهـا ،إضـافة إلى تـداخل مسـتويات هـذه التجربـة من جهـة بأبعادهـا
الوجودية والداللية والتخييلية ،ومن جهة ثانية ويكشف عن حركة انتقال األسطورة في المكان والزمان أو التناص األسطوري المتجدد الذي كشفت
.عنـــــــــــــــه رحلـــــــــــــــة هـــــــــــــــذه األســـــــــــــــطورة من حضـــــــــــــــارة إلى أخـــــــــــــــرى ،ومن ثقافـــــــــــــــة إلى أخـــــــــــــــرى
إن قيمة توظيف األسطورة أو توظيف رموزهاـ وشخصياتها ال تتمثــل ،في بعــدها الــداللي الــذي تنطــوي عليــه ،وإنمــا تتجــاوزه إلى البعــد الجمــالي
المتأتي من حضورها في الالشعور الجمعي ،ومن الكثافة والتوتر الــدرامي اللــذين تمتلكهمــا،ـ والفضــاء التخــييلي الــذي تســتدعيه معهــا .وقــد تمثــل
حضور األسطورة في قصائد الشاعر في محورين اثنين ،فهي إما أن تكون محور النص وبؤرته،ـ وفي هذا المحور غالبا ما يكـون اسـم األسـطورة
مذكورا في عنوان القصيدة ،وإما أن يكون في جزء من األســطورة .وقــد يســتخدم الشــاعر الكثافــة التكراريــة الســم الشخصــية األســطورية،ـ أو يتم
استدعاء هذه األسطورة دون ذكر السم شخصياتها .ومن المالمح األخرى الستخدام األسطورة ،أو استدعاء أحد شخصـياتها أن القصـيدة قـد تكـون
حديثا عن األسطورة ،أو يكون الخطاب موجها إلى شخصية أو رمز يحيل عليها ،كما قد يكون المتكلم في القصيدة هــو الشخصــية األســطورية ،أو
.شخصــــــــــــــــــــــــــــــــية الــــــــــــــــــــــــــــــــراوي الــــــــــــــــــــــــــــــــتي هي شخصــــــــــــــــــــــــــــــــية الشــــــــــــــــــــــــــــــــاعر
1 / 4 – :اســـــــــــــــــــــــتدعاء الشخصـــــــــــــــــــــــية األســـــــــــــــــــــــطورية
قبل الحديث عن موضوعات التناص األسطوري وآلياته المستخدمة ،ال ب َّد من اإلشارة إلى أن األسماء األسطورية المستدعاة ،واألســاطير الــتي يتم
التناص معها ،تتركز على نوعين من األساطير ،هما نــوع دال على معــنى ،من معــاني التجربــة الوجوديــة اإلنســانية األساسـية ،يتمثــل في المــوت
والبحث عن الخلود لقهره ،والتحرر من قسوة ومرارة الشعور به ،ونوع يدل على تلك الثنائيــات المعــبرة عن العالقــة الدراميــة المتــوترة ،في تلــك
التجربة الوجودية ،كثنائيتي الحب والحرب والموت والخلود،ـ وتجدد الحياة وقيامتها،ـ عبر صعود رموزها من عــالم األمــوات الســفلي .وهنــا تــبرز
كثافة استخدام آلية استدعاء تلك الشخصيات األسطورية،ـ ورمزيتها الدالة على هذا المعــنى ،كرمــوزـ عشــتار وإنانــا وتمــوز .في هــذا المســتوى من
التناص يكون الخطاب حديثا عن تلك الشخصية ،أو يكون حديثا معها ،في حين يجمع تناص التألف الذي تظهر فيه جامعا بين الصفات القديمة لتلك
.الشخصيات األسطورية المستدعاة ،والصفات الجديدة الـتي تعـبر عن الواقـع المعاصـر ،أو تحمـل رؤيـة جديـدة ،يقـدمها النص لتلـك الشخصـيات
في القصائد التي تمثل الشخصية األسطورية المستدعاة محور القصــيدة يــبرز اســم الشخصــية في عنــوان القصــيدة ،مــا يــؤثر في أفــق التوقــع عنــد
القارئ ،ويجعل العنوان بمثابة مفتاح تأويلي يقوم بتعيين طبيعـة النص وتشـكيل بؤرتـه الدالليـة .ويـأتي في مقدمـة الرمـوز الـتي تسـتدعيها قصـائد
الشاعر رمزية شخصية أنات الكنعانية التي يعبر حضورها المكثف ،عن قضيتين هامتين ،أولهما أن هذه األسطورة تمثل جزءا من التراث الثقـافي
األقدم للمنطقة ،وللحضارات التي قامت فيها ،ولذلك فإن هذه اآللية من التناص ال تكتفي باستدعاء نصها األسطوري الغائب ،بــل تتجــاوز ذلــك إلى
استدعاء،ـ ذلك التاريخ الحضاري القديم الذي يدلل على عمق الوجود التاريخي للذات التي تتكلم في القصيدة ،وهي ذات الشاعر التي تجدد اتصــالها
وتفاعلها ،مع هذا الموروث الثري للـدفاع عن وجودهـا ،وتاريخهـا الحضـاري في وجـه محـاوالت المحتـل اإلسـرائيلي للقضـاء على هـذا الوجـود
وطمسه وتزييف حقيقته من جهة ،ومن جهة أخرى لتوظيــف البعــد الــدرامي الــذي تنطــوي عليــه حكايتهــا ،من خالل جدليــة العالقــة بين الثنائيــات
المولِّدة لذلك المجال الدرامي المتوتر ،لتلك الحكاية أو المعنى الرمزي للشخصية األسطورية التي يجري استدعاؤها ،كما في قصيدة أطوار أنــات،
:حيث تتحـــــد فيهـــــا ثنائيـــــة الرمـــــز والمعـــــنى الضـــــ ّدية ،الـــــتي يعـــــبر عنهـــــا الشـــــاعر من خالل اســـــتخدام الجنـــــاس النـــــاقص
وقصـــــــــــــــــــــــــــــــــيدتي زبـــــــــــــــــــــــــــــــــد اللهـــــــــــــــــــــــــــــــــاث وصـــــــــــــــــــــــــــــــــرخة الحيـــــــــــــــــــــــــــــــــوان
عنـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــد صـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــعوده العـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــالي
وعنــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــد هبوطــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه العــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاري
.أنــــــــــــــــــــــا أريــــــــــــــــــــــدكما معــــــــــــــــــــــا حبــــــــــــــــــــــا ،وحربــــــــــــــــــــــا يــــــــــــــــــــــا أنــــــــــــــــــــــات( )3ص 88
إن الشاعر في حديثه إلى أنات ينتقل من اإلجمال إلى التفصيل ،عندما يتحدث عن خوفـه من غيابهـا الطويـل ،بعـد نزولهـا إلى العـالم السـفلي ،كمـا
تقول األسطورة ألنه مع طول الغياب .قد تظهر الهات جديدة تمحو حضــورها ،في ذاكــرة النــاس الــذين يتكلم الشــاعر باســمهم،ـ مســتخدما الضــمير
الدال على جماعة المتكلمين والمتصل بالفعل .والخطاب يحمل معنى كنائيا ،يعبر من خالله عن محــاوالت اليهــودـ لخلــق أســاطيرهم الخاصــة ،من
أجل امتالك تاريخ حضاري ووجود مختلق وإلغاء الحضور القديم ،والعميــق للوجــود التــاريخي للحضــارة الكنعانيــة الــتي تمثــل بدايــة تــاريخ هــذه
األرض ،وهويتها الحضارية الدالة على الوجود القديم للشعب الفلسطيني على أرضه .يوظف الشاعر في استدعاء هذه الشخصــية المعــاني الدالليــة
لألسطورة للتعبير عن قضايا معاصرة مركبة،ـ منها ما يتصل بموضوع الوجود والصراع على هوية األرض وتاريخها ،ومنها ما يدل على هجــرة
األساطير وانتقالها من حضارة إلى أخرى ،ومن ثقافة إلى أخرى ،أو على معنى الخصب الذي تمثله باعتبارها األسطورة األولى التي تولَّدت عنهــا
أساطير الموت واالنبعاث ،في الحضارات البشرية التي تلتها .والشاعر يجعل من هذه الشخصية األسطورية التي يستدعيها محور القصــيدة ،ومنــذ
جملة البداية ،يكشف عن العالقة بين لغة الشعر ولغة األسطورة على مستوى الخيال ،والبنية المجازية والرمزية ،بوصف األســطورة مجــازا وعن
معنى أفول األسطورة ،من ثقافات اإلنسان المعاصر وحياته ما يجعل هذه الشخصية األسطورية ،تتوزع على جميع حركات القصــيدة ،وتســتغرقها
كاملة :
فيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا أنــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــات
ال تمكــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــثي في العــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــالم الســــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــفلي أكــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــثر
ربمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا هبطت الهــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــات جديــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدات علينــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا من غيابك
وامتثلنــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا للســــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــراب
فلـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــترجعي ولـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــترجعي أرض الحقيقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة والكناية
أرض كنعــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــان البداية
.أرض نهــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــديك المشــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاع
.وأرض فخــــــــــــــــــــــــذيك المشــــــــــــــــــــــــاع ،لكي تعــــــــــــــــــــــــود المعجــــــــــــــــــــــــزات إلى أريحــــــــــــــــــــــــا( )4ص89
وإذا كان الشاعر يستدعي تلك الشخصية باالسم الصريح ،فإنه في قصائد أخرى يستدعيها من خالل معناها الرمزي الذي يتمثل في رمزيــة القمــر،
باعتبار أن القمر كان يمثل في األسطورة القديمة آلهة األنوثة ،كما هو الحال في القصيدة التي تحمل عنوان (حليب أنانــا) رب الســماء والخصــوبة.
يحمل هذا العنوان داللة جزئية ،تدل على معنى الخصوبة واألمومة ،وجاء ذكر اسم الشخصــية األســطورية المســتدعاة في العنــوان ،بوصــف تلــك
الشخصية تشكل محور القصيدة التي تدور حولها ،إذ ان القصيدة التي تكون الشخصية المستدعاة محورهــا ،غالبــا مــا يتم ذكــر اســم الشخصــية في
العنوان .وتظهر الرؤية المعاصرة التي يقدمها الشاعر لتلك األسطورة في ذلك الحوار الذي يقيمه معه،ـ محاوال فيه أن ينهي الجــدل المســتمر حــول
ملكية تلك األساطير وتاريخها ،والثقافات التي أبدعتها كما يدل على ذلك المعنى الظاهر للقصيدة ،في حين أن معناها المضمر ،يــدل على الصــراع
الدائر حول ملكية األرض الـتي نشــأت فيهــا تلــك األســاطير ،وعلى عمــق الحضــور التــاريخي والحضــاري في الماضــي للشــعب الــذي أبــدع تلــك
األساطير .إن الصراع هنا يتم على المستوى الثقافي وفيه يحاول الشاعر أن يدافع عن وجوده وهويتــه وتاريخــه الحضــاري القــديم إزاء محــاوالت
الصهيونية السطو على هذا التراث ،وادعاء ملكيته لكي تمنح نفسها هوية حضارية ،وحضورا تاريخيا عريقا السـيما أنهـا تسـتند في دعاواهـا على
مقوالت ،ال تكتفي فيها بمصادرة الحاضر والمستقبل خدمة لمشروعهاـ االحتاللي في فلسطين ،بل تسعى لمصــادرة الماضــي وتزييــف حقيقتــه لمنح
نفسها وجودا وتراثا مختلقين .ويهيمن صوت الراوي على الخطاب مختصر هذا الجدل عبر تجريد تلك األســطورة ،من أقنعتهــا المزيفــة ،وتحريــر
ذاكرتها القديمة من إرث الماضي الدموي الثقيل ،ومنحها معاني جديدة للجمال والحب والفــرح والحيــاة .والشــاعر الــذي يريــد أن يعيــد لألســطورة
معانيها الكبيرة واألصيلة ،يريد من خالل هذه العودة ،أن يجرد تلك األسطورة من أقنعتها التي ألبسها إياها اليهود،ـ بعــد أن ادعــوا ملكيتهــا ،بعــد أن
جعلوا آلهتهم هي التي أبدعتها،ـ لكي يمنحوا وجودهم الحضاري القديم على هذه األرض بعدا عميقا .إن استدعاءـ تلك األساطير يهــدف إلى اســتعادة
تلك المعاني األصيلة لها ،وما تحمله من دالالت وجودية وروحية وجمالية سامية ،تكشف عن القيم الكبــيرة لتــك الحضــارة الكنعانيــة الــتي أبــدعتها
مخيلتها على خالف ما ألبسها إياه اليهود فيمـا بعـد ،وبـذلك فـإن تنـاص الشـاعر مـع تلـك األسـطورة ،ال يمثـل دفاعـا عن عمـق الوجـود التـاريخي
والحضاري لإلنسان الفلسطيني وحسب ،بل يشكل استعادة لدالالتها ومعانيها اإلنسانية الجميلة والكبيرة ،وتأكيدا على حضور تلـك العالقـة العميقـة
:والحيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة مــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع الجمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــال والحب والطبيعة
وإن كــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــان ال بــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــد من قمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــر فليكن عاليــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا ...عاليا
ومن صــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــنع بغــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــداد ال عربيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا وال فارســــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــيا
وال تدعيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه اآللهـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــات من حولنـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا ...وليكن خاليا
من الـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــذكريات وخمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــر الملـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوك القـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدامى
لنكمـــــــــــــــــــــــــــل هـــــــــــــــــــــــــــذا الزفـــــــــــــــــــــــــــاف المقـــــــــــــــــــــــــــدس ...نكملـــــــــــــــــــــــــــه يـــــــــــــــــــــــــــا ابنة
القمـــــــــــــــــــــــــــــــــر األبـــــــــــــــــــــــــــــــــديِّ هنـــــــــــــــــــــــــــــــــا في المكـــــــــــــــــــــــــــــــــان الـــــــــــــــــــــــــــــــــذي نزلته
.يـــــــــــــــــــــــــــداك على طـــــــــــــــــــــــــــرف األرض من شـــــــــــــــــــــــــــرفة الجنـــــــــــــــــــــــــــة اآلفلـــــــــــــــــــــــــــة()5ص56
إن قدم هذا الرمز،ـ يجعل رمزية أنات أكثر تجسيدا لمعاني التجربة التي يحاول الشاعر ،أن يعبر عنها من خالل استدعاء هذه الرموز،ـ وأســاطيرها
في قصائده المختلفة .وبدال من أن يكون حديث الشاعر في هذه القصائد حـديثا مـع تلـك الشخصـية األسـطورية ،يتخـذ خطـاب الشـاعر بعـدا آخـر،
يتوجه فيه إلى القارئ ،ألن(الشاعر ينطلق في تكوين قصيدة الشخصية من منظور الشـاعر الـدرامي الكـامن في الشـعر الغنـائي انطالقـا من رؤيـة
موضــوعية ،ومن دراميــة خارجيــة....ذلـكـ ألن الــذات انســانية ومبدعــه،ـ ليس هــو صــاحب الموقــف الــدرامي أو التجربــة ،وإنمــا الشخصــية الــتي
استدعاها،ـ لتكون موضوعاـ يتبصر فيه ،ويتأملـه ويبـني قصـيدته عليـه)( )6ص .43ويـأتي التوظيـف الجـزئي لبـؤرة التشـخيص الغنـائي الـدرامي
المتكرر في مجموعة من القصائد تعبـيرا عن المعــنى الرمــزي ،ودالالتــه الجماليــة الموحيــة ،الــتي تسـتدعيها طبيعــة التجربــة المقدمــة في قصــائد
الديوان ،حيث يشكل موضوع الحب ،والعالقة مع المرأة المحور األساس الذي تدور حوله قصائد الشاعر ،محاولــة أن تستحضــر معانيــه ،وأبعــاده
العميقة في الوجدان الجمعي ،والوجود اإلنساني منذ بدايات هذا الوجــود األولى .والشــاعر الــذي يسـتدعي تلــك المعــاني الرمزيــة بكثافــة واضــحة،
يسـتدعيها من خالل صـورتها الرمزيـة والمجازيـة الـتي اتخـذتها في األسـطورة القديمـة ،وأصـبحت مرتبطـة بهـا بفعـل تلـك الرؤيـة الشـعرية في
األسطورة التي وح َّد ت بين المرأة والقمر ،الحسي والخيالي(قمر أنثوي لملء الفراغ -قمر الديانات القديمة – قمر تعلقه أنات– القمر المحلق حــول
.صــــــــــــورته– إن مســــــــــــها قمــــــــــــر صــــــــــــاحت أنــــــــــــا القمــــــــــــر – يــــــــــــدلني قمــــــــــــر تألأل في يــــــــــــد امــــــــــــرأة)
تقوم بين الشعر واألسطورة قرابة المجاز والتخييل .ولعل شخصية أنات في األسطورة التي يستدعيها الشاعر،ـ تمثــل المعــاني الرمزيــة العاليــة لقيم
الجمال والخصب ،األمر الذي جعل الشعوب تختلف على ملكية هذه األسطورة وأصولها ،وتقدم لها أسماء مختلفة في حين تبقى حكايتهــا ودالالتهــا
متقاربة .وينبع المعنى األسـطوري الـدرامي لهـذه األســطورة من التـوتر القـائم بين ثنائيــة الداللــة ،أو جدليـة العالقــة بين بعـديها الرمـزيين ،الحب
والحرب اللذين تنطوي عليهما رمزية أنات ،مما يمنحها شاعرية المعنى المسـتمدة من جـدل العالقـة بين التجسـد والمـدلول والتخييـل .لكن خطـاب
العشق عند الشاعر يعود إلى صيغته السابقة التي يتحدث فيها عن تلـك الشخصـية ،بعـد أن كـان يتحـدث إليهـا كاشـفا عن معـاني تلـك العالقـة،ـ بين
الشعر واألسطورة والذات والموضوع ،باعتبار أن المــرأة تمثــل النبــع األول للتخييــل اإلنســاني ،وللغــة المجــاز األولى في األســطورة الـتي جعلت
:المــــــرأة تنطــــــوي في صــــــورتها ومعانيهــــــا ،على تلــــــك الثنائيــــــة الضــــــدِّية الــــــتي تمنحهــــــا ذلــــــك البعــــــد الــــــدرامي الغــــــريب
الشـــــــــــــــــــــــــــــــــــعر ســـــــــــــــــــــــــــــــــــلمنا إلى قمـــــــــــــــــــــــــــــــــــر تعلقـــــــــــــــــــــــــــــــــــه أنـــــــــــــــــــــــــــــــــــات
على حــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــديقتها
لعشــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاق بال أمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــل وتمضي
في بـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــراري نفســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــها امـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرأتين ال تتصـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــالحان
هنــــــــــــــــــــــــــــــــــــاك .امــــــــــــــــــــــــــــــــــــرأة تعيــــــــــــــــــــــــــــــــــــد المــــــــــــــــــــــــــــــــــــاء للينبــــــــــــــــــــــــــــــــــــوع
.وامــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرأة توقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــد النــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــار في الغابــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــات ( )7ص87
وفي تناص آخر مع األسطورة يستدعي شخصية أسطورية أخرى ،ترمز لدورة الطبيعة المتحولة مــع دورة الفصــول ،والشخصـية الـتي يسـتدعيها
الشاعر هي شخصية إله الخصب أدونيس ،في األسـطورة الكنعانيـة ،لكن الخطـاب في هـذه القصـيدة بـدال من أن يكـون حـديثا(منولوجـا) مـع تلـك
الشخصية األسطورية،ـ نجده يتجه من الراوي إلى القارئ ،فيكون حديثا عن تلك الشخصية ،ومعاني رمزيتها وليس حـديثا إليهـا .هنـا يظهـر معـنى
الحب متالزما مع معنى الفداء والموت الذي تتحدث عنه تلك األسطورة ،وتولِّد من خالله المعنى الــدرامي ،المتــوتر للحيــاة والوجــود ،عــبر ثنائيــة
الموت والحياة ،والحب والفداء المتمثل في العالقة بين الدال والمدلول في هذه الشخصية األسطورية ،وبين أبعـاد الـزمن الماضــي والحاضــر الـتي
:تأخذ مفردة الدم فيهما ،معنى مختلفا يعكس واقع التجربة ودالالتها مع التحول في مضمون األسطورة ،وتوظيف معانيها التاريخية واأليديولوجية
نــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــزف الحــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــبيب شــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــقائق النعمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــان
فاصـــــــــــــــــــفرت صـــــــــــــــــــخور الســـــــــــــــــــفح من وجـــــــــــــــــــع المخـــــــــــــــــــاض الصـــــــــــــــــــعب واحمـــــــــــــــــــرت
وســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــال المـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاء أحمر
في عـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــروق ربيعنا
أولى أغانينــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا دم الحب الــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــذي
ســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــفكته آلهة
.وآخرهــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا دم ســــــــــــــــــــــــــــــــــــــــفكته آلهــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة الحديــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــد ( )8ص 46
تأتي األسطورة اإلغريقية في المرتبة الثانية بعد األسطورة الشرقية من حيث استدعائها وتأتي أسماء بنلوبي وهيلين ونرســيس في طليعــة األســماء
األسطورية التي يجري استدعاؤها في قصائد الشاعر ،وغالبا ما يكون الحديث في القصيدة حديثا عن تلك الرموز وليس حــديثا موجهــا إليهــا ،كمــا
يكون الخطاب موجها إلى القارئ وليس إلى تلك الرموزـ حيث ينم استدعاء الشخصية من خالل الصفة أو المعنى الرمزي الذي تحملــه في الحكايــة
األسطورية،ـ ويمثل استدعاء شخصية بنلوبي في القصيدة جزءا من القصيدة حيث يأتي استدعاؤها من قبل شخصية الغـريب الـتي تتـولى الكالم في
:القصــــــيدة دون أن تــــــذكرها باالســــــم الصــــــريح ،وإنمــــــا من خالل صــــــفتها مــــــا يــــــدل على حضــــــورها الجــــــزئي في القصــــــيدة
من غـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــزلت قميص
الصـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوف وانتظـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرت أمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــام الـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــبيت
أولى بالحـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــديث عن المـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدى
وبخيبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة األمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــل :المحـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــارب لم يعـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــد .أو
.لن يعـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــود ( )9ص100
وإذا كان استدعاء بنلوبي يأتي في جزء من القصـيدة ،للداللـة على قــوة الصـبر واحتمــال الغيــاب والـزمن،ـ فـإن هيلين تســتغرق القصــيدة ،وتشــكل
المحور الذي تظل القصيدة تدور حول محورها .كما يكــون الخطــاب حــديثا عنهــا ،وحــديثا إليهــا عنــدما يتــولى الــراوي في القصــيدة الحــديث ،عن
شخصية الغريب بضمير الغائب ،حيث يتجسد جدل العالقة على مستوى الكينونة بين الغريب وهيلين ،وتظهر رمزيةـ المرأة باعتبارها تمثــل رمــز
الحياة والجمال ،الذي تجعله أحالمنا رمزا لصراع الحياة الدامي ،الذي يسم مراحل التاريخ المختلفة ،ألن كل طرف ي ّدعي أن حربه التي يخوضــها
ضد اآلخر هي حرب من أجل الحياة ،وبذلك تتكثف البؤرة الداللية لمعناه الرمزي،ـ وما تولِّده من توتر يحمله ترحل المعنى من الماضي ،الذي هــو
زمن األسطورة ،إلى الحاضر الذي هـو زمن التجربـة المعاصـرة ،الـتي يعـبر عنهـا الخطـاب في هـذه القصـيدة ،من خالل استحضـار هـذا الرمـز
:األســـــطوري باســـــمه الصـــــريح ،والحـــــديث عنـــــه وإليـــــه في اآلن ،وإن كـــــان الـــــراوي يكتفي بنقـــــل مـــــا يقولـــــه الغـــــريب لهيلين
ويقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــول الغـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــريب لهيلين :ينقصـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــني
نـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرجس كي أحـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ َّدق في المـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاء
مــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاءك في جســــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدي .حــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدقي أنت
هيلين في مـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاء أحالمنـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا ....تجـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدي الميـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــتين على
.ضـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــفتيك يغنـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــون الســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــمك ( )10ص127
ويأتي استدعاء شخصيتي جلجامش وأنكيدو األسطوريتين في جزء من القصيدة باعتبارهماـ يمثالن مع فكرة المــوت والبحث عن الخلــود المالزمــة
محورا مساعدا،ـ تحاول القصيدة في هذه األجزاء أن تعبر عنها .وفي هــذا التنــاص يتوجــه خطــاب الشــاعر إلى أنكيــدو ،في منولــوج يعــبر فيــه عن
نضوب الخيال الذي منه ولدت تلك األساطير البشرية بفعل التبدل الذي طال حيــاة اإلنســان المعاصــر وعالقتــه بالعــالم واألشــياء بعــد أن ســيطرت
العالقات المادية والنفعية وانتفت تلك الرؤية الشعرية واألسطورية التي كــانت تمنح الحيــاة معــنى من الســحر والغرابــة المثــيرة األمــر الــذي جعــل
:اإلنســـان عـــاجزا عن إبـــداع أســـاطيره الجديـــدة ،أو إغنـــاء تلـــك األســـاطير القديمـــة الـــتي كـــانت تغـــذي حيـــاة اإلنســـان ،وتـــثري وجـــوده
َّ
جـــــــــــــــــــــف فيهـــــــــــــــــــــا المـــــــــــــــــــــاء فاتســـــــــــــــــــــع الصـــــــــــــــــــــدى والقلب مهجـــــــــــــــــــــور كبـــــــــــــــــــــئر
الوحشـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ّي :أنكيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدو خيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــالي لم يعد
.يكفي ألكمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــل رحلــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــتي ( )11ص81
ويستدعي شخصية جلجامش في قصائد مختلفة ،يكون فيها الخطاب حديثا عنها ،أو يأتي على شكل منولوج معها .ويرتبــط اســتدعاؤه في جــزء من
القصيدة بفكرة الموت ،والحديث عن تجربة اإلنسان الخائبة في البحث عن الخلود ،والتحرر من شرط الموت الضاغط على وعيه .حيث يـأتي هــذا
االستدعاء من خالل صيغة السؤال التي ينطوي عليها خطاب الشاعر معـبرا عن تلـك الحـيرة والشـعور المريـر بقسـوة التجربـة الـتي تهجس بهـذا
:الـــــــــــــــــــــــــوعي العـــــــــــــــــــــــــابر للزمـــــــــــــــــــــــــان والحاضـــــــــــــــــــــــــر في تجليهـــــــــــــــــــــــــا الجمـــــــــــــــــــــــــالي
هــــــــــــــــل نســــــــــــــــتطيع تناســــــــــــــــخ اإلبــــــــــــــــداع من جلجــــــــــــــــامش المحــــــــــــــــروم من عشــــــــــــــــب الخلــــــــــــــــود
.ومن أثينــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا بعــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــد ذلــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــك؟ ( )12ص 429
كما يستدعي رمزية أنليل في تلك األسطورة ،ويكون صوت الشاعر هو المهيمن على الجزء الذي يستدعي فيـه تلــك الشخصـية ،من خالل الحــوار
الذي يجريه مع تلك الشخصية ،دون أن يذكرها باالسم الصريح ،إذ يكتفي بالدور الذي لعبته الحية مع جلجامش وجعلته يخسر عشبة الخلود عنــدما
:ســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرقتها الحيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة منـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه أثنـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاء نومه
ال تقتلينـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا مـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرة أخـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرى
وال تلــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدي األفــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاعي قــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرب دجلة
واتركينا
.نســـــــــــــري على غـــــــــــــزالن خصـــــــــــــرك ،فـــــــــــــرب خصـــــــــــــرك ،والهـــــــــــــواء هـــــــــــــو المقـــــــــــــام ( )13ص479
ويقوم الشاعر بقلب لمعنى األسطورة القديمة التي يســتدعيها والــتي تربــط بين ظــاهرة الــزالزل الــتي تصــيب األرض ،والثــور الــذي يحملهــا على
قرنيه ،ويقوم بنقلها من قرن إلى آخر عندما يتعب .وفي هـذا االسـتدعاء لتلـك األسـطورة ،يقـوم الشـاعر بنقـل المعـنى من األرض إلى المـرأة ،من
خالل التداخل في المعنى الرمزي بين األرض والمرأة .ولما كان هذا االستدعاء يتم في جزء من القصيدة ،فإن حديث الراوي/الشاعر يكــون حــديثا
عن األسطورة ،وعن المرأة في اآلن معا نظرا لتداخل المجال الداللي والرمزي بينهمــا بغيــة إثــراء المعــاني الــتي تمثلهــا المــرأة ،ومنحهــا صــفات
:متعاليــــــــــــــــة فــــــــــــــــوق واقعيــــــــــــــــة تجعــــــــــــــــل من صــــــــــــــــورتها أكــــــــــــــــثر دهشــــــــــــــــة وســــــــــــــــحرا وفتنة
ســـــــــــــــــــــيدة المـــــــــــــــــــــديح صـــــــــــــــــــــغيرة ،ال عمـــــــــــــــــــــر يخـــــــــــــــــــــدش وجههـــــــــــــــــــــا،ـ ال ثـــــــــــــــــــــور
يحملهــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا على قرنيه
.تحمــــــــــــــــــــــــــل نفســــــــــــــــــــــــــها في نفســــــــــــــــــــــــــها ،وتنــــــــــــــــــــــــــام في أحضــــــــــــــــــــــــــانها هي( )14ص396
2 / 4 – :قنـــــــــــــــــــــــــــــــاع األســـــــــــــــــــــــــــــــطورة
يستعير الشاعر في قصيدة القناع أكثر من قناع لشخصيات أسطورية ،وفي مقدمةـ تلك الشخصيات تأتي شخصية جلجامش في األســطورة البابليــة،
السيما في القصيدة/الديوان(جدارية محمود درويش) التي تستغرق تجربــة المــوت الــتي عاشــها الشــاعر بأبعادهـاـ الوجوديــة واإلنســانية والروحيــة
والثقافية حيث يستمد استخدام قناع هذه الشخصية قيمته الفنية والداللية ،من خالل البعد الدرامي المتوتر الذي تنطوي عليه األسطورة ،والـتي تلـبي
حاجة القصيدة أو التجربة التي تعبر عنها .فالشاعر في تكوين هذا القناع(ينطلق من منظور الشعر الغنائي الكامن في الشعر الــدرامي ..ومن رؤيــة
ذاتية ومن درامية داخلية -غنائية ذلك ألنه ينفتح في تجربة الرؤيا الداخلية المؤسسـة لقصـيدة القنـاع على الشخصـية باعتبارهـا موضـوعاـ خارجيـا
مفارقا .بل باعتبارها ذاته األخرى أو أناه المغاير الذي يتفاعل معه لينتج عبر هذا التفاعل قناعـه الخـاص) ( )15ص .43وفي ذلــك تتشــكل البـؤرة
الدينامية للتوتر الدرامي الذي يكشف عنه الحوار أو المنولوج الدرامي بين شخصية القناع ،وشخصية انكيـدو الـتي تسـتدعيها،ـ واسـتدعاء العنصـر
المفارق والتراجيدي في تلك األسطورة التي يحمل مستواها الظاهر شخصية القناع ،في حين يحمل باطنها شخصـية الشـاعر .ويقـوم االتصـال بين
الشخصيتين على مستوى المعنى المأساوي للشرط اإلنساني المتمثــل في تجربــة المــوت الــتي توحِّ د بين داللــة التجربــتين القاســيتين ،حيث يحضــر
البعدان الزمنيان الماضي والحاضر داخل القناع لكي يشكل البعد الدرامي والكثافة الرمزية،ـ لهذا التــداخل والتمــازج بين الشخصــيتين في أكـثر من
مقطع في تلك القصيدة/الديوان التي اختار الشاعر لها فنيا أن تظهر من خالل حوار درامي بين شخصية القناع ،والشخصــية األســطورية األخــرى
التي يستدعيها لمنح هذا التقنع درجة من الموضوعية والدرامية والرمزية التي تع ِّمق من إدراكنا لقسوة شرطنا المأساوي ،إذ يكشف الحــديث الــذي
تقدمه شخصية القناع إلى أنكيدو عن التداخل في الصورة والحالة والمصير الفاجع .ومما يزيد من التوتر أن الحوار يكشف االلتبــاس في الصــورة،
:ليس بين القنــــــاع والشــــــاعر ،بــــــل بين القنــــــاع والشخصــــــية األخــــــرى ،ممــــــا يــــــؤدي إلى ارتفــــــاع درجــــــة كثافــــــة القنــــــاع
هـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــات الــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدمع أنكيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدو وليبكي الميت فينا
ي من أنــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا؟ من ينــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــام اآلن
الح َّ
أنكيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدو؟ أنــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا أم أنت؟
ظلمتــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــك حين قــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاومت فيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــك الــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوحش
بـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــامرأة ســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــقتك حليبهـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا ،فأنست
واستســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلمت للبشـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــري
.أنكيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدو وترفَّق بي وعــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــد من حيث َّ
مت؟ ()16ص 83
ومن األقنعة األخرى التي يستعيرها الشاعر قناع أوديب في األسطورة اإلغريقية ،نظرا لما تنطوي عليه تلــك الشخصـية ،من كثافــة دراميــة تجلت
في المصـائر واألقـدار الـتي رسـمت مسـارات حياتهـا الـتي انتهت تلـك النهايـة الدراميـة المأسـاوية .والشـاعر في اسـتخدامه لـذلك القنـاع يمـارس
(التشخيص الدرامي المؤسس لقاعدة تبيِّن انحراف منظور القناع عن المنظور العام والتي تكشف عن خصوصيته وفرادته)( )17ص .54ويتجلى
البعد الدرامي الذي تنطوي عليه شخصية القناع من خالل الحموالت الفكرية والشعورية األصـيلة ،ومـا تولّــده من كثافـة رمزيــة وغنائيـة دراميـة،ـ
تظهر في ثنائية الشخصية العارفة ،بما أصبحت تمثله حياتها من حقائق مأساوية مفزعة بعد أن كانت في بداية القصــيدة تعلن تعاليهــا فــوق الحاجــة
إلى المعرفة ،بفعل الشعور بتفوق القوة التي يمتلكها ،بعدما استطاعت أن تحققه من انتصارات ،وأن تجسـده من قــوة خارقـة .إن أهميـة هــذا القنـاع
القديم تكمن في كونه(يقودنا إلى الماضي ليعمق إدراكنا بما ينطقه في الحاضر ،فإذا ع َّمق إدراكنا للحاضر ع َّمق من ثم إدراكنا للماضــي)( )18ص
124وكذلك بفعل الدراما الداخلية الغنائية ،التي تمتلكها هذه الشخصية في األسطورة ،التي يتعالق معها الشاعر ،باعتبارها شخصيته الثانيــة ،الــتي
:ينشــــــــــــــــــــــــــــــــــئ منهــــــــــــــــــــــــــــــــــا قناعــــــــــــــــــــــــــــــــــه في هــــــــــــــــــــــــــــــــــذه القصــــــــــــــــــــــــــــــــــيدة
لم ينج مـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــني طـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــائر أو ســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاحر أو امـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرأة
العـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرش خاتمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة المطـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاف وال ضـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــفاف
لقــــــــــــــــــــــــــــــــــوتي ومشــــــــــــــــــــــــــــــــــيئتي قــــــــــــــــــــــــــــــــــدر .صــــــــــــــــــــــــــــــــــنعت ألوهــــــــــــــــــــــــــــــــــتي
بيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدي وآلهــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة القطيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع مزيفــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه ص66
.............
أنــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا زوج أمي
وابنــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــتي أخــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــتي
.وتخـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــتي مثـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــل عرشـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي أوبئـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه ( )19ص70
وال يكتفي الشاعر باستدعاء شخصية أنانا في األســطورة ،بــل يرتــدي قناعهــا ويتكلم بصــوتها ،حيث ينفتح القنــاع على تجربــة جديــدة ،يعــبر عنهــا
جاعال من نفسه رمزا ،ومن القناع رامز له يمتلك قوة الحضور المغيبة لحضور الشاعر عن سطح القناع ،في الوقت الذي يكمن حضــوره في قــاع
القناع على ما بين السطح والقاع ،من عالقة تتشكل عبر(بؤرة التشخيص الغنائي الدرامي المزجي) المولدة للكثافة الرمزية والتوتر الشعري،ـ الذي
:تكشــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــف عنــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه الصــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــورة االســــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــتعارية
وتتبعــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــني دورة القمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــر األنثــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــو ّ
ي
فتمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرض جيتـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــارتي وتـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرا
.وتـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرا ( )20ص 64
3 / 4 – :آليــــــــــــــــــــــــة االمتصــــــــــــــــــــــــاص والتــــــــــــــــــــــــذويب
يتكثف استخدام آلية االمتصاص والتذويب في العالقة مع األسطورة بصورة عامة ،ومع أســطورة االنبعــاث والتجــدد والخصــب والمــوت بصــورة
خاصة .والشاعر في هذا المستوى يقوم بتذويب األسطورة ،ومحو حدودها وامتصاصها في قصائده مستفيدا ممــا تتمــيز بــه األســطورة في رؤيتهــا
إلى الطبيعة واألشياء من بنية استعارية ،تحاول من خاللها أنسنتها مستخدمةـ في ذلك التشخيص والتجسيد إلضفاء الروح عليها .وفي هـذه القصـائد
تختفي األسطورة ليظهر صوت الراوي /الشاعر ،بدال منها ،حيث يظهر توظيف الداللية الرمزية والبنيــة الشــعرية لألســطورة ،انطالقــا من رؤيــة
معاصرة ،يعبر من خاللها الشاعر عن العالقة الروحية مع الطبيعة واألرض ،باعتبارها تعكس العمق الــروحي والوجــداني لهــذه العالقــة األصــيلة
التي تمثل عالمة ثقافية بارزة من عالمات الموروث الثقافي األسطوري للمنطقة .إن الشاعر الذي يمتص ذلك الموروث األسطوري ،وما يستدعيه
من فضاء تخييلي ،ويكشف عنه من رؤية استعارية ال يسعى إلى توظيف جمالية تلك الصورة ،وما تختزنه من عمق رمزي مـوحي ،بـل يعـبر عن
االرتباط باألرض من خالل هذا العمق الروحي وتجلياته المجازية واالستعارية التي تدلل على العمق الثقافي والتاريخي للعالقــة مــع األرض الــتي
:يجــــــــــــــــري ســــــــــــــــرقتها وانتزاعهــــــــــــــــا منــــــــــــــــه ،تحت غطــــــــــــــــاء من ذرائــــــــــــــــع وادعــــــــــــــــاءات مزعومةـ
إن الطبيعــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة كلهــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا روح ،وإن األرض تبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدو من هنا
نــــــــــــــــــــــــــدبا لتلــــــــــــــــــــــــــك الرعشــــــــــــــــــــــــــة الكــــــــــــــــــــــــــبرى ،وخيــــــــــــــــــــــــــل الــــــــــــــــــــــــــريح مركبة
.لنـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا ( )21ص86
وتظهر آلية االمتصاص والتذويب للمورث األسطوري البابلي والكنعاني والفينيقي الخاص بأساطير الموت واالنبعاث والتجدد وقيامة الحياة .وبدال
من استدعاء الشخصيات األسطورية المعروفةـ في تلك األساطير التي استخدمت رمزيتها بكثافة في الشــعر العــربي المعاصــر ،يحــاول الشــاعر أن
يكون التناص ،من خالل هذه اآللية مــع المعــنى الرمــزي لتلــك األســاطير ،ومــا تــوحي بــه من معــان ودالالت ،يعــبر من خاللهــا عن موضــوعات
معاصرة ،ترتبط بموضوع األرض والعالقة الحيّة والمتجددة التي يظهر توحد اإلنســان الفلســطيني معهــا .ويســتخدم الشــاعر الصــورة االســتعارية
والتشبيه في هذا المستوى البالغي للنص ،حيث يظهر المعنى الرمزي الذي يوحِّ د بين المرأة ،بوصفها رمز الخصب والــوالدة والتجــدد واألرض،
،والشــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــجر الــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدال على القــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوة والخضــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرة الدائمة
مما يخلق مستوى من التراكب الداللي في القصيدة التي تنفنح على التجربة التي يريد الشاعر التعبــير عنهــا ،ويجعــل الرمــز منتجــا لفعلــه الرمــزي
:الــدال ،من خالل اســتخدام صــيغة الفعــل المضــارع الدالــة على االســتمرارية في الحركــة،ـ وال ُمشــكلِة لمشــهدية مولــد ٍة لمعانيهــا الحيــة والثرية
آذار طفــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــل الشــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــهور المــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدلل
آذار ينـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدف قطنـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا على شـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــجر
اللــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوز
آذار يــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــولم خبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــيزة لفنــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاء الكنيسة
آذار أرض لليــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــل الســــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــنونو والمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرأة
تســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــتعد لصـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرختها في الـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــبراري ...وتمتـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــد في
.شــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــجر الســــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــنديان ( )22ص20
لقد شكلت قضية األرض محور هذه الرؤية التي لم تتوقف عند حدود امتصــاص المعــاني الرمزيــة لنصــوص األســاطير القديمــة،ـ ومــا تختزنــه من
رؤية شعرية غنية ومن بعد درامي ،وإنما تجاوزت ذلك إلى إعادة توظيف تلك الرؤية االستعارية لألسطورة ،بما يمنح عالقة الشــاعر مــع األرض
على المستوى الوجودي والروحي والتاريخي دالالتها النابعة من عمق تلك العالقة ومن تجلياتها المتعــددة بمــا يمنح تلــك الهويــة قيمتهــا ومالمحهــا
التي تكتسبها من هذا العمق الوجودي والثقافي المترسخ في تاريخها البعيد ،وبما يجعل خطاب الشاعر بوصفه يمثل الضمير الحي لشعب يغتصــب
وجوده وتاريخه وأرضه تحت ذرائع ودعاوى تاريخية ودينية عنصرية تحاول تجديد سيرة الماضي الذي قام على أساسه الوجــود اليهــودي الغــابر
والذي تفضحه كتبهم عندما تروي وقائع من حدث من تدمير وبطش طال حتى الحيـوان .لـذلك فـإن توظيـف األسـطورة بعناصـرها المختلفــة تـأتي
محاولة لتأكيد هذا العمق الثقافي لوجود اإلنسان الفلسطيني على هذه األرض وما يحمله ذلك الوجود من غنى حضاري وإنساني تجسده وقــائع تلــك
.األســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــطورة ودالالتهـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا المعـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــبرة والموحية
المراجع :
.اإلبهــام في شــعر الحداثــة – د .عبــد الــرحمن القعــود – سلســلة عــالم المعرف ـةـ – المجلس الوطــني للعلــوم والثقافــة – العــدد – 279الكــويت 1-
- اإلبهـــــــــــــام في شـــــــــــــعر الحداثـــــــــــــة – د .عبـــــــــــــد الـــــــــــــرحمن القعـــــــــــــود ....المرجـــــــــــــع الســـــــــــــابق2.
- هي أغنيــــــــــــــة هي أغنيــــــــــــــة – محمــــــــــــــود درويش – منشــــــــــــــورات دار العــــــــــــــودة – بــــــــــــــيروت 1993.3
- أرى مـــــــــــــــا أريـــــــــــــــد – محمــــــــــــــــود درويش – منشــــــــــــــــورات دار الجديــــــــــــــــد – بـــــــــــــــيروت 1990.4
- ســـــــــــــرير الغريبـــــــــــــة – محمـــــــــــــود درويش – منشـــــــــــــورات ريـــــــــــــاض الـــــــــــــريس – بـــــــــــــيروت 1999.5
.قصــــيدة القنــــاع في الشــــعر العــــربي المعاصــــر – د .عبــــد الــــرحمن بسيســــو – المؤسســــة العربيــــة للدراســــات – بــــيروت 6- 1999
- ســـــــــــــــــــــــرير الغريبـــــــــــــــــــــــة – محمـــــــــــــــــــــــود درويش .....المرجـــــــــــــــــــــــع الســـــــــــــــــــــــابق7.
- ال تعتـــــــــــــذر عمــــــــــــا فعلت – محمـــــــــــــود درويش – ريـــــــــــــاض الــــــــــــريس للنشــــــــــــر – بــــــــــــيروت 2004.8
- 9 جداريــــــــــة محمــــــــــود درويش – محمــــــــــود درويش – منشــــــــــورات ريــــــــــاض الــــــــــريس بــــــــــيروت 2000
10- لمــــــــاذا تــــــــركت الحصــــــــان وحيــــــــدا – محمــــــــود درويش – منشــــــــورات ريــــــــاض الــــــــريس – بــــــــيروت 1995
- جداريــــــــــــــــــــة محمــــــــــــــــــــود درويش – محمــــــــــــــــــــود درويش.....ـ المرجــــــــــــــــــــع الســــــــــــــــــــابق11.
- أرى مـــــــــــــــــــــــا أريـــــــــــــــــــــــد – محمـــــــــــــــــــــــودـ درويش....ـ المرجـــــــــــــــــــــــع الســـــــــــــــــــــــابق12 .
- أرى مـــــــــــــــــــــــا أريـــــــــــــــــــــــد – محمـــــــــــــــــــــــودـ درويش .....المرجـــــــــــــــــــــــع الســـــــــــــــــــــــابق13.
- أرى مـــــــــــــــــــــــا أريـــــــــــــــــــــــد – محمـــــــــــــــــــــــودـ درويش .....المرجـــــــــــــــــــــــع الســـــــــــــــــــــــابق14.
- قصـــــــــيدة القنـــــــــاع في الشـــــــــعر العـــــــــربي المعاصـــــــــر – عبـــــــــد الـــــــــرحمن بسيســـــــــو ...المرجـــــــــع الســـــــــابق15.
- جداريـــــــــــــــــــــة محمـــــــــــــــــــــود درويش – محمـــــــــــــــــــــود درويش....ـ المرجـــــــــــــــــــــع الســـــــــــــــــــــابق16.
- قصـــــــــيدة القنـــــــــاع في الشـــــــــعر العـــــــــربي المعاصـــــــــر – عبـــــــــد الـــــــــرحمن بسيســـــــــو ...المرجـــــــــع الســـــــــابق17.
- قصـــــــــيدة القنـــــــــاع في الشـــــــــعر العـــــــــربي المعاصـــــــــر – عبـــــــــد الـــــــــرحمن بسيســـــــــو ...المرجـــــــــع الســـــــــابق18.
- هي أغنيــــــــــــــــــــــة هي أغنيــــــــــــــــــــــة – محمــــــــــــــــــــــود درويش ...المرجــــــــــــــــــــــع الســــــــــــــــــــــابق 19
- ســـــــــــــــــــــــرير الغـــــــــــــــــــــــريب – محمـــــــــــــــــــــــود درويش....ـ المرجـــــــــــــــــــــــع الســـــــــــــــــــــــابق20.
لماذا تركت الحصان وحيدا – محمود درويش....ـ المرجع السابق- 22.