يمثل التناص الديني المرجعية الثقافية والمخزون الثر الذي يرجع إليه الشاعر ,
وتتعدد المرجعيات الثقافية للنص الديني قد يكون إسالمي أو مسيحي أو
يهودي .ويكون التناص الديني أما مباشر كاالقتباس اللفظي ,أو غير مباشر .كاالقتباس المعنوي إذ كان طبيعيا أن يرتد الشعراء إلى المصادر الدينية بوصفها مقوما الزمًا لمواجهة المحتل الذي يستند لوجوده لمبررات دينية .فقد حاول هؤالء نفي تلك المبررات عبر الثقافة الدينية ,هذا باإلضافة أن الموضوعات الدينية تغني الفكرة لما تمتاز به من الثراء في مدلوالتها الرامزة ( .)7فالكتب السماوية وغيرها من المصادر الدينية تعد من أهم روافد القصيدة الحديثة من ناحيتي الشكل والمضمون ,لما تمتاز به من خصوبة في هذين الجانبين .ودرويش شاعر استند إلى مصادر إلى جوانب متفرقة من تلك المصادر بحيث أثرت في شعره فنيًا .ومضمونًا ()8 وقد يستمد درويش بعض المعاني القرآنية أو التوراتية أو الشخصيات الدينية . :من ذلك قوله نحن الثاني ـــ األرض واألرض ـــ السماء وحولنا سور وسور ماذا وراء السور ؟ علم آدم األسماء كي يتفتح السر الكبير والسر رحلتنا إلى السراب .إنّ الناس طيرًا ال تطير()9 وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى : -;-يستمد درويش قوله تعالى )سورة البقرة -;-(31 :الْمَالئِكَةِ َفقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُالءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ويحاول االستفادة من هذا النص في إثبات الهوية ,واثبات الوجود عن طريق تسمية األشياء مرة أخرى ,عن طريق إعادة معارف اإلنسان الفلسطيني الجديد وإدراكه للواقع بعينه الباصرة وتسنين أهدافه وإدراكه لها .الشاعر هنا إعاد .تركيب اآلية بما يتناسب مع رؤيته هو وبما يتوافق مع تجربته وقد يعتمد على التراث المسيحي من ذلك قوله (( :ما دامت رحلتنا اقصر من خطبة الكاهن في كنيسة مهجورة ,في يوم أحد ,لم يسلم فيه أحد من غضب ـ)10 .اإللهة ؟ ))( في هذا النص أعاد صياغة النتاج المسيحي القولي من جديد وجعله ينبئ ,عن قصر رحلة اإلنسان الفلسطيني في هذه الحياة ,ألن اآللهة هي من تقرر حياته وذلك سرعان ما تقضي عليه .وهذه اآللهة هي اإلسرائيلي ,فالرحلة التي سلكها هو ــ ضمير الغائب الذي يتكئ عليه كثيرا في النص ــ والسبب الذي جعله يغيّب صوت المجموع هو طغيان العدو وقبضته على حياة الناس فمثلما هو مشاهد على الواقع جعله في النص .وترمز الرحلة إلى عذاب وآالم الشعب .الفلسطيني وتتنوع اإلشارات التناصية الدينية إلى ذكر بعض الرموز المقدسة في الديانات الكبرى قوله (( :وحياة تحيا على حصة العاشق من سخاء المودة بين المعشوق والعاشق .فال جنة معلنة بالحواس وبالحدس سوى العاشقة ,وال جحيم إال خيبة .العاشق )) ()11 لم يشر إلى قضية الجنة والجحيم ,وإنما يرى انفصام عرى العشاق هو الجحيم وسخاء المودة هو الجنة .وكأنما حياة الفلسطيني هي الجنة وموتهم وحصادهم المشاهد يوميا هو الجحيم .وهنا لم يستخدم درويش تناص مباشر ,وإنما غير .مباشر بإعادة صياغتها من جديد وليكن واحد من األصوات :وقد يستخدم من القص القرآني محاوالً أغناء تجربته وتكثيف الرؤية ليه يقول من أكون غدًا ؟ هل سأولد من ضلعك امرأة ال هموم لها غير زينة دنياك ,أم سوف أبكي هناك على .حجر كان يرشد غيمي إلى ماء بئرك()12 هذه التناصية تعطي داللة االلتحام واأللفة ,فكأنما الوالدة من الضلع تعبير عن قوة االلتحام بعيدًا عن التعددية التي تقسم المجتمع إلى طبقات ,هنا صورة .االلتحام الذي يتسم بها الشعب في مواجهة العدو القصيدة مجموعة من العناصر المترابطة والمتداخلة التي تصوغها بصيرة الشاعر وخبرته اتجاه حدث نفسي أو كوني ,اتجاه حدث ال تزال نفسه تنفعل .به ,مما يجعل اإلحساسات تتدفق في تلك النفس ()13 وكذلك إشارته إلى حقيقة النسوة الذين أيديهن عندما مر يوسف ,لكنه أعاد تشكيل القصة بصياغة وداللة أخرى .وصوت القصة ال زال في إيقاعه وحركيته الدرامية .يقول (( :وعلى سبابة يدك اليسرى ندبة أخرى .جلست وبنتًا صغيرة كيمامتين على حجرين في كرم زيتون .سأقاسمك هذه التفاحة ,قلت لها ,وأنت تنظر في عينيها وتمرر السكين الصدئة على إصبعك بدالً من التفاحة . ـ)14 .خافت من الدم وهربت وأنت تناديها :خذي التفاحة كلها))( :في النص ترد اإلشارة إلى قصة النسوة وامرأة العزيز (بوتيفار) .قوله تعالى سمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ -;- فَلَمَّا َ ِمنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَ ُقلْنَ حَاشَ )سورة يوسف -;- (31 :لِلَّهِ مَا هَٰ-;-ذَا َبشَرًا إِنْ َهٰ-;-ذَا إِلَّا َملَكٌ كَرِيمٌ اإلشارة التناصية التي وردت في النص وخصوصا في الجزء من المشهد التصويري لدخول النبي يوسف وقطع األيدي يعطي داللتين :األوّلى :اإلغفال الذي كان به .الثاني :اإلغفال المصحوب بالجمال فهو من شدة انبهاره بجمال الطفلة قطع يده ولم يقطع التفاحة .والندبة في اليد اليسرى تمثل دور الالوعي . .وهنا جزء من مراحل طفولة درويش وقد يعتمد على شخصيات أنبياء بني إسرائيل لتعزيز الفضاء الكوني للقصيدة وتوسيع مدركات القارئ ,فاالعتماد الدرويشي على هذه الشخصيات يعني استنطاقهم وتبرير األفعال التي يمارسها العدو .ومن ذلك عقده للحوار مع النبي :اإلسرائيلي حبقوق وبراءته وحزنه على ما يفعل بالشعب الفلسطيني كفى يا أبني ؟ على قلبي حكايتكم .على قلبي سكاكين ()15 الهوامش لسان العرب :ابن منظور ,دار صادر ,بيروت ( ,د ــــــ ت) :مادة 1- نصّ قضايا الحداثة عند عبد القاهر الجرجاني :محمد عبد المطلب ,الشركة 2- .المصرية العالمية ,الجيزة ,مصر 173 :1975 , علم النص :جوليا كريستيفيا ,ترجمة :فريد الزاهي ,مراجعة عبد الجليل 3- كاظم ,دار توبقال للنشر ,الدار البيضاء ,المغرب 79 :1991 , نظرية النص :روالن بارت ,ترجمة د_ محمد خير البقاعي ,مجلة العرب 4- والفكر العالمي ,بيروت 3/73 :1988 ,من هامش شعرية النص عند الجواهري :د -علي عي صالح ,دار الكتب العلمية ,بيروت 333 :2011 , مدخل لجامع النص :جيرار جينيت ,ترجمة :عبد الرحمن ايوب ,دار 5- الشؤون الثقافية ,بغداد ,دار توبقال المغرب 94: المقدمة :ابن خلدون ,دار الفكر ,بيروت ,لبنان ,ط6- 592: 1998 ,1 ينظر :الحركة الشعرية في فلسطين المحتلة منذ عام 1948حتى عام 7- ,1975دراسة نقدية ,138 ,137 :هامش التناص الديني والتاريخي في شعر محمود درويش :ابتسام موسى عبد الكريم أبو شرار ,رسالة ماجستير ,جامعة .الخليل 24 : 2007 , التناص الديني والتاريخي في شعر محمود درويش :ابتسام موسى عبد 8- الكريم أبو شرار ,رسالة ماجستير ,جامعة الخليل 24 : 2007 , اإلعمال الشعرية الكاملة :محمود درويش ,دار العودة ,بيروت ,لبنان ,ط 9- 2/454: 1994 ,1 في حضرة الغياب :محمود درويش ,دار الريس ,بيروت ,لبنان 10- , 11: 2006 م ــــ ن 11- 12: سرير الغربة :محمود درويش ,رياض الريس ,بيروت ,لبنان ,ط12- ,1 66 :1999 ينظر :في النقد االدبي :شوقي ضيف ,دار المعارف ,مصر 13- 153: في حضرة الغياب 14- 22: األعمال الشعرية الكاملة :محمود درويش ,دار العودة ,بيروت ,لبنان 15- , (د ــــ ط) ( ,د ـــــ ت) 1/152: