Professional Documents
Culture Documents
التناص في شعر محمود درويش بين النقد والهجوم
التناص في شعر محمود درويش بين النقد والهجوم
والهجوم
األحد 2014/11/16
ShareWhatsAppTwitterFacebook
خطاب الحب في نصوص محمود درويش تعبير عن الجانب اإلنساني األعمق في الذات
أثيرت في اآلونة األخيرة قضية هامة تتعلق بموضوع التناص في شGGعر محمGGود درويش ،وهي قضGGية
.على وجاهتها نقديا ،لم تخل عند البعض من محاولة للنيل من تجربة الشاعر الكبيرة
قبل طرح قضية التنGGاص ،أثGيرت قضGية التطGGبيع مGع العGدو المحتGل ،من قبGل بعض خصGوم الشGGاعر
األيديولوجيين ،وهي قضية تتصل بموضوع التنGGاص من أحGGد جوانبهGGا ،وقGد جGGاءت ردا على التحGGول
”.الذي شهدته تجربته بدءا من ديوانه “لماذا تركت الحصان وحيدا
منتقGGدو درويش رأوا في انفتGGاح الشGGاعر على الجGGانب اإلنسGGاني في القضGGية الفلسGGطينية ،واسGGتخدامه
للتناص الديني اليهودي ،ومحاولة الحوار مع اإلسرائيلي على أرضية ما هو إنسGGاني ،محاولGGة للتطGGبيع
.مع العدو اإلسرائيلي
أصحاب هذا النقGGد كGGانوا ينطلقGGون من موقGGف سياسGGي -أيGGديولوجي يحGGاكمون نصGGوص الشGGاعر على
أساسها ،وهو نقد يأتي من خارج Gالنص مسGGتخدما معGGاييره الخاصGGة ،الGGتي ليسGGت أدبيGGة في تقGGييم هGGذه
التجربة .المفارقة أن ما استخدموه حجة على الشاعر ،كان الجGGانب األهم في أعمالGGه األخGGيرة ،والGGدال
.على قدرة الشاعر على تعميق تجربته وإغنائها
الخطاب Gاأليديولوجي يصادر الجمGGالي GلصGGالح السياسGGي ،ويجعGGل النص ذا داللGGة أحاديGGة ،تGGرتهن إلى
الفكرة الواحدة ،وهو مGGا تجGGاوزه درويش في قصGGائد أعمالGGه األخGGيرة ،بGGدءا من ديGGوان “لمGGاذا تGGركت
.الحصان وحيدا” ،وحتى آخر ديوان صدر له قبل رحيله
خطاب الحب
خطاب الحب في نصوص الشاعر تعبير عن الجانب اإلنساني األعمق في الذات ،وهو ما نجده واضحا
عند اآلخGر/المGرأة اإلسGرائيلية ،عنGدما يحررهGا من التعصGب األعمى ،لألوهGام األيديولوجيGة-الدينيGة
الصهيونية ،التي كانت سببا في مأساة شعبه ،ويجعلها تنفتح على سؤال الذات والهويGGة المختلقGGة ،الGGذي
يكشGGف عن مGGدى ضGGياعها وغربتهGGا وبالتGGالي عن انكشGGاف األوهGGام الصGGهيونية المضGGللة لآلخGGر في
:مشروعها االحتاللي
ليس هذا طريقي إلى أرض حريتي/ليس هذا طريقي إلى جسدي/وأنا لن أكون” أنا” مرتين/وقد ح ّ Gل (
أمس محل غدي/وانقسمت إلى امرأتين/فال أنا شرقية/وال أنا غربية/وال أنا زيتونة ضللت آيتين/لنGGذهب
إذا/.ال حلول جماعية لهواجس شخصية/لم يكن كافيا أن نكون معا لنكون معا/كان ينقصنا حاضر لنرى
).أين نحن
رهان الشاعر هنا على خطاب الحب في هذه العالقة ،هو رهان على اإلنساني ،وتقديم نموذج آخر عن
الشخصية الفلسطينية كشخصية إنسانية ،تؤمن بالسالم والحب ،وهي ال تGGؤمن بGGالحرب والقتGGل وحGGده،
.بل تسعى إلى السالم عندما يعيد لها حقها Gفي الحياة والوجود واألرض
الجانب اآلخر من المسألة ،والمتعلق بالتناص مع التراث الGديني اليهGودي ،فليس ثمGة عGداء بيننGا وبين
اليهودية كدين ،إال عندما يجري توظيفه لخدمة المشروع االحتاللي ،وتبرير اغتصGGاب حقGGوق الشGGعب
الفلسطيني .وال ننسى أن القGGرآن يحفGGل بالعديGGد من القصGGص الGGديني اليهGGودي ،فGGأين المشGGكلة في هGGذا
!التناص معه
للقضية وجهان
حفلت نصوص درويش في أعمالGGه األخGGيرة بGGالكثير من التنGGاص الGGديني اليهGGودي ،وقGGد يكGGون ديGGوان
الجدارية هو من أكثر أعمGGال الشGGاعر ،الGGتي أقGGامت تناصGGها مGع هGذا الGGتراث ،حGGتى وصGGل في بعض
األحيان إلى إعادة كتابة تلك النصوص وفق ما تمليه حاجة الكتابة العروضية للقصيدة .في هذا السGGياق
يمكن للدارس لمسGGتويات التنGGاص عنGGد درويش ،أن يمGيز بين نGوعين من التنGGاص مGGع الGGتراث الGGديني
اليهGGودي ،همGGا التنGGاص الظGGاهر ،الGGذي يسGGتخدم الشGGاعر فيGGه التضGGمين ،بعGGد أن يضGGعه بين عالمGGات
التضمين المعروفة ،كما في قوله( :تنبت الكلمGGات كاألعشGGاب من فم أشGGعيا/النبGGويِّ “ :إن لم تؤمنGGوا لن
.تأمنوا”)
لكن الشاعر في بعض التناصات األخرى ،ال يستخدم تلGGك العالمGGات الدالGGة ،مكتفيGGا فيمGGا يبGGدو بGGذاكرة
القارئ ،وقدرته على معرفة مصدره ،مكتفيا بالتعالق بين نصGGه ،والنص الGGتراثي ،كمGGا في قولGGه (وأنGGا
وإن كنت األخير/،وجدت ما يكفي من الكلمات/..كل قصيدة رسGGم) .هGGذه الفاتحGGة للقصGGيدة ،تحيGGل على
بيت مشهور من قصيدة للمتنبي ،يمتGGدح بهGGا نفسGGه وشGGعره (إني وإن كنت األخGGير زمانGGه /آلت بمGGا لم
تستطعه األوائل) .لكن الشاعر في السطر الثاني يشير بطريقة غير مباشرة إلى عملية التناص (وجGGدت
ما يكفي من الكلمات) إال أنه في السGGطر الثGGالث ،يحGGاول أن يقيم التمGGايز بين النصGGين ،النص الشGGعري
.القديم ،ونصه ،عندما يقول (كل قصيدة رسم)
يستحضر درويش في نص الجدارية نصوصا من سفر الجامعة ،ونشيد
األناشيد بصورة شبه تامة ،إال من بعض التعديل
ليس دفاعا
هذه القراءة في نص درويش ليست دفاعا عن التعالق ،الذي يقيمه نص الشاعر مع النصوص األخGGرى
دينيGGة كGGانت أم شGGعرية ،فهي تركGGز على النص والسGGياق ،دون أن تغفGGل طبيعGGة التعGGالق بين هGGذه
.النصوص ،كما سنجد ذلك بصورة أكبر وأوسع في قصيدته الطويلة (الجدارية)
قبل الوقوف على بعض تلك النماذج في نص الشاعر والنص التGGوراتي ،ال بGGد من اإلشGGارة إلى طبيعGGة
هذا التناص الذي تتقاطع فيه ومعه رؤية الشاعر الوجودية وتجربته مع الموت ،كما عاشGGها عنGGد كتابGGة
تلك القصيدة ،مع الكثافة الغنائية الحزينة ،والحسGGية ،الGGتي تتضGGمنها تلGGك المقGGاطع من مزامGGير داوود،
والتي أراد درويش من خاللها أن يستثمر تلك الكثافة بدالالتها العميقGGة في قصGGيدته ،حيث يجعGGل منهGGا
قصيدة متعددة األصوات ،تكثّف وتستحضر معها وعي اإلنساني الوجGGودي وعالقتGGه بGGالزمن والحيGGاة،
مع العلم أن الشاعر في سياق القصيدة يطرح في نهاية المقاطع ،الGGتي يتنGGاص فيهGGا مGGع نشGGيد األناشGGيد
والجامعة سؤاله الموجع ،عن عالقة الشاعر بميراثه بعد الموت ،كمGGا يستحضGGر في هGذا السGGياق نشGGيد
األناشيد وسفر الجامعة ،كاشفا من خالل صيغة السGGؤال التاليGGة ،عن معGGنى عالقGGة التنGGاص بين نصGGه،
.وتلك النصوص (هل يضيء الذهب/ظلمتي الشاسعة/أم نشيد األناشيد/والجامعة)
كذلك يطرح الشاعر قبل هذه التناصات سؤاله االستنكاري (من أنا؟/أنشيد األناشيد/أم حكمة الجامعGGة؟/
وكالنا أنا/..وأنا شاعر/وملGGك) .في جGGواب الشGGاعر محاولGGة إللغGGاء المسGGافة بينهمGGا على مسGGتوى هGGذه
الرؤيGGة ،ومGGا تبطنGGه من معGGنى شGGعري ووجGGودي في آن معGGا .لGGذلك لم يحGGاول الشGGاعر أن يضGGع تلGGك
.المقاطع بين مجموعة أهلة ،تشير إلى هذا التضمين ،الذي يعتبر درجة من درجات التناص
بين نصين
يستحضر درويش في نص الجدارية نصوصا من سفر الجامعة ،ونشيد األناشيد بصورة شبه تامGGة ،إال
من بعض التعديل ،الذي تقتضيه ضرورات استقامة الوزن في هذه القصيدة ،كما في هذا المقطع ،الذي
يحيل على سفر الجامعة( :6 G /5 Gباطل ،باطل األباطيل ..باطل/كل شGGيء على البسGGيطة زائGGل/.الريGGاح
.شمالية /والرياح جنوبية /تشرق الشمس من ذاتها/تغرب الشمس في ذاتها /ال جديد إذا)
النص الذي يستدعيه درويش هنا ،هGGو(الشGGمس تشGGرق والشGGمس تغGGرب ،وتسGGرع إلى موضGGعها حيث
تشرق .الريح تذهب جنوبا وتدور شماال) .ويظهر االسGGتدعاء في نص تGGال ،مGGأخوذ من سGGفر الجامعGGة
.أيضا (للوالدة وقت/وللموت وقت/وللصمت وقت/وللحرب وقت/وللصلح وقت/وللوقت وقت)
حفلت نصوص درويش في أعمالGGه األخGGيرة بGGالكثير من التنGGاص الGGديني اليهGGودي ،وقGGد يكGGون ديGGوان
الجدارية هو من أكثر أعمال الشاعر ،التي أقامت تناصها مع هذا التراث
أما النص التوراتي الذي يستدعيه فهو سفر الجامعة( 2/3 Gللغرس وقت ولقلع الغرس وقت .للقتGGل وقت
.وللشفاء وقت .للهدم وقت وللبناء وقت .للبكاء وقت وللضحك وقت…)
ويظهر نص نشيد األناشيد كما الحظنا في بداية تناصه مع النص التوراتي كفاتحGGة ،ثم يتكGGرر ظهGGوره
في بداية المقطع التالي ،الذي يستحضر فيGه العديGد من األرقGام المGأخوذة من النص التGوراتي ،والدالGة
على ما كان يتمتع به النبي داوود من عظمة ،لم تنفعه عند موته .هنا يقيم الشاعر تناصه( تماهيGGه) مGGع
هذه الشخصية عندما يستخدم ياء المتكلم في حديثه عن معنى العدم ،الذي يمثله وجود اإلنسان على هذه
األرض (باطل ،باطل األباطيل… باطGGلْ /كGGل شGيء على البسGيطة زائGل 1400 /مركبGGة /و12 000
فرس /تحمل اسمي المذهب من/زمن نحو آخر) ثم يختمها بهذه الحكمة (فما أورشGGليم ومGGا العGGرش؟/ال
.شيء يبقى على حاله)
يستخدم الشاعر في هذا المقطع تقنية القناع ،وهي آلية من آليات التناص الظاهر ،الGGتي يسGGعى الشGGاعر
من خاللها إلى تحقيق الكثافة الرمزية ،والموضوعية ،الGGتي تحGGرر تجربGGة الشGGاعر من بعGGدها الGGذاتي،
وتمنحها هذا الطابع الجدلي ،في العالقة بين أنGا الGذات ،وأنGGا الرمGز الGذي يسGتدعيه (النGبي داوود) من
.خالل مزاميره
كالم أخير
الموقف من هذه التجربة التي يقدمها درويش هنا ،تخضع لطبيعة االستقبال عند المتلقي ،والكيفيGة الGتي
تقرأ بها هذه التناصات .عGGدم تعليGGق الشGGاعر قبGGل رحيلGGه على مGGا قGGدم من نقGد بخصGوص ذلGGك ،يمكن
اعتباره داللة على رغبته في أن يترك هGGذه التجربGGة لحكم المتلقي الGGذي هGGو ليس متمGGاثال ،ألن عمليGGة
.التلقي تختلف باختالف طبيعة المتلقي وخلفيته الثقافية
كل هذا ال يلغي قدرة الشاعر على نجاحGGه في دمج تلGGك النصGGوص في بنيGGة نصGGه ،مGGا أكسGGب تجربتGGه
بعدها الوجودي الغنائي الحزين وكثافتها الحسية النابعة من تعدد األصGGوات وحGGواره معهGGا داخGGل هGGذه
.القصيدة ،على خالف ما نجده عنده ،في تلك التناصات التي وضعها بين أهلة