You are on page 1of 15

‫شعري في المشرق ‪1‬‬

‫اإلحياء ال ّ‬ ‫المحاضرة األولى‬

‫تمهيد ‪:‬‬

‫شهد المنجز الشعري في المشرق العربي وتحديدا في مرحلة العصر الحديث بروز العديد من‬
‫الحرك ات اإلبداعي ة‪ ،‬وق د تغيت ه ذه األخ يرة بن اء مش هد ش عري ل ه مرجعيت ه ومنطلقات ه التأسيس ية‬
‫وخاص ياته األدبي ة المتمظه رة على ص عيد الخط اب الش عري‪ ،‬ومن منطل ق تحقي بي ف إن أول تل ك‬
‫الحركات ظهورا ما أطلق عليه سمية الحركة الشعرية اإلحيائية‪ ،‬وعليه‪ ،‬ما اإلحيائية؟ من روادها؟‬
‫كيف ك انت الحرك ة الش عرية المش رقية قب ل العصر الح ديث؟ م ا هي أبرز مستويات اإلحي اء التي‬
‫مس ت الخط اب الش عري الح ديث؟ لإلجاب ة عن ه ذه األس ئلة ارتأين ا تق ديم ه ذه األوراق المتمح ورة‬
‫حول الحركة الشعرية اإلحيائية في المشرق العربي‪.‬‬

‫عرية في عصر االنحطاط ‪:‬‬


‫ش ّ‬ ‫ّأوال‪ -‬الحركة ال ّ‬

‫سبق العصر الحديث في المشرق العربي مرحلة عرفت بعصر االنحطاط أو عصر الضعف‪،‬‬
‫وتبدأ من وطأة العثمانيين أراضي الوطن العربي في المشرق‪ ،‬ليمتد نفوذهم بها طيلة ثالثة قرون‬
‫حيث تم تس جيل دخ ول العثم انيين إلى مص ر س نة ‪1517‬م‪ ،‬أم ا س وريا فس نة ‪1515‬م‪ ،‬ثم الع راق‪،‬‬
‫وبالنسبة لشبه الجزيرة العربية فقد ألحقت بحماية السلطان العثماني‪ ،‬عدا اليمن التي تمتعت بشيء‬
‫من االس تقالل النس بي‪ .‬انتهجت الدول ة العثماني ة في أوط ان المش رق الع ربي سياس ة أطل ق عليه ا‬
‫سياس ة العثمن ة أو التترك ة‪ ،‬ت رتب عنه ا ض عف وجم ود الحرك ة الش عرية‪ ،‬وذل ك بس ب اس تخدام‬
‫التركي ة ب دل العربي ة في دواوين الدول ة العثماني ة‪ ،‬فض ال عن توظي ف الحك ام العثم انيين في بالد‬
‫المشرق العربي وكان هؤالء الحكام ال يفهمون اللغة العربية فأفضى ذلك إلى إقصاء الشعراء من‬
‫بالطهم‪ ،‬كما توقف الحكام عن تشجيعهم‪ ،‬فانكفاء الشعراء على أنفسهم ومالوا إلى الحرف لكسب‬
‫قوتهم‪ ،‬وه ذا ما انعكس بالسلب على الحركة الشعرية المش رقية بحيث تحول وجه الشعر العربي‬
‫ح تى "ك ان الش عراء قل ة‪ ،‬وك انوا ش عراء ش عب ال ش عراء بالط أو دي وان‪ ،‬ون در المج ددون منهم‬
‫وانحط الذوق األدبي"‪.1‬‬

‫ومن أهم خصائص الخطاب الشعري المشرقي في عصر االنحطاط‪ ،‬أن بات الشعر بعيدا عن‬
‫تصوير العواطف‪ ،‬والخلجات النفسية‪ ،‬ورصد أبرز المشاعر التي تنتاب الشاعر في موضوعه‪ ،‬بل‬
‫من "العبث أن يبحث ش خص في ه ذه ال دورة‪ ..‬عن ش اعر يق رأ ش عره‪ ،‬ف يراه يع بر عن عاطف ة‬
‫أوشعور واضح مستقيم‪ ،‬فقد تبلدت الخواطر"‪ .2‬أما من جهة القوالب الشعرية‪ ،‬فقد اقتصر الشعراء‬
‫على إنتاجية "مقطوعات وقصائد ال شعر فيها وال فن‪ ،‬إنما هي ترديد وتكرار لبعض ما سمعوه‪،‬‬
‫يتناولون ه بم ا يس مونه تربيع ا أو تخميس ا أو تس بيعا أو تش طيرا ويس بغون علي ه أل وان الب ديع ال تي‬
‫حفظ وا منه ا أطراف ا"‪ .3‬وإ ن جئن ا إلى رص د أب رز األغ راض الش عرية لعص ر االنحط اط‪ ،‬فنج د "‪..‬‬
‫أغراضا غير جادة كالتهنئة بمولود أو العودة من السفر أو التهنئة بعيد الفطر أواألضحى أومدح‬
‫الوجه اء وش يوخ العش ائر أو الغ زل الس قيم ال ذي ال ينم عن عاطف ة وال عن وج دان ص ادق" ‪ ،4‬وفي‬
‫أض عف اإليم ان ف إن بعض ش عراء عص ر االنحط اط ق د اس تبد بهم "عمالن س يئان هم ا‪ :‬الت واريخ‪،‬‬
‫وهي حساب بيت أو شطر بحساب الجمل‪ ،‬بحيث يوافق هذا الحساب السنة التي مدح فيها المم دوح‬
‫أو ولد المولود أو أقيم العرس إلى غير ذلك‪ ،‬ثم األلغاز‪ :‬يلغز الشاعر ببيتين أوأكثر عن أي شيء"‬
‫‪ .5‬ومن جهة البنية اللغوية للنسيج النصي فقد تأثرت بسياسة العثمنة الرامية إلى استخدام التركية‬
‫بدل العربية في دواوين الدولة‪ ،‬فأضحت اللغة تشكو الركة والسخف والضعف‪ ،‬وزاد من انحطاط‬
‫اللغة "طول الحقبة التي هيمن فيها العثمانيون على البالد العربية‪ ،‬أضعف السليقة اللغوية الفصيحة‬
‫نظرا لتراجع مكانة العربية السياسية وعدم استخدامها في المؤسسات الرسمية والمراسالت" ‪ ،6‬فكان‬
‫من أهم نتائج سياسة التتركة على مستوى اللغة هو استعمال بعض من العامية التركية بدل اللغة‬
‫العربية الفصحى‪ ،‬وبهذا تحول وجه الشعر العربي المشرقي فأصبح على حد وصف حفني داود‪:‬‬
‫"انتشار األلفاظ التركية في ثنايا اللغة العربية وال سيما العامية منها‪ ،‬ولم يكن ذلك باألمر الغريب‬
‫في هذا العصر؛ ألن اللغة الرسمية في ذلك الوقت كانت التركية وقد انتشر كثير من ألفاظها في‬
‫أسماء الصناعات والحرف ومصطلحات الديوان والمصالح الحكومية مثل كنتبخانة‪ ،‬وانتيسكخانة‪،‬‬
‫وأسماء األلقاب والرتب مثل حضرتلي‪ ،‬ودولتلي‪ ،‬وسعادتلي‪ .7"..‬في حين هناك سمات أخرى على‬
‫صعيد البديع حتى أصبحت صناعة الشعر في عصر االنحطاط صناعة بديعية محضة‪ ،‬مما قضى‬
‫"على كل أمل في ظهور‪ ..‬شاعر ممتاز‪ ،‬وأصبحنا نقرأ آثارا لقوم فال نجد إال أسجاعا" ‪ ،8‬بل ارتقى‬
‫الط رح بم رور الس نوات إلى تكل ف في الب ديع‪ ،‬مم ا أدى إلى طب ع الخط اب الش عري بص فة ركاك ة‬
‫الديباجة والتكلف في الصناعة اللفظية التي نهضت على تكلف السجع والجناس ‪ ،..‬ومما ال مراء‬
‫فيه أن هؤالء "الشعراء كانوا يحتالون على ألوان البديع يملؤون بها شعرهم‪ ،‬ولكنا نحس أن هذه‬
‫األلوان أصبحت باهتة في أيديهم إذ فقدت مقدرتها القديمة على التلوين والتعبير"‪.9‬‬

‫ثانيا‪ -‬تحديدات ّأو ّلية‪:‬‬

‫التحديد الزمني للعصر الحديث – عندنا ‪ -‬يبدأ من حملة نابليون بونابرت على مصر وذلك‬
‫س نة ‪1798‬م‪ ،‬ويمت د إلى غاي ة نهاي ة الح رب العالمي ة الثاني ة ‪1945‬م‪ ،‬مش تمال ب ذلك على الق رن‬
‫التاس ع عش ر والنص ف األول من الق رن العش رين‪ ،‬وعلى م دار ه ذه المرحل ة ب رز في المش رق‬
‫الع ربي ش عر نس ب إلى ه ذه المرحل ة‪ ،‬ف أطلق علي ه س مية الش عر الح ديث‪ ،‬مكتس با خص ائص ه ذه‬
‫المرحلة‪ ،‬عارفا سلسلة من التطورات والتطويرات على مستوى الخطاب الشعري‪ ،‬وما تم ذلك إال‬
‫بفعل النهضة التي جسدتها مجموعة من العوامل‪ ،‬وقد تمثلت في حملة نابليون‪ ،‬وإ صالحات محمد‬
‫علي‪ ،‬والحمالت التبش يرية‪ ،‬والمستش رقون‪ ،‬وإ ص الحات الخ ديوي اس ماعيل‪ .‬جن دت ه ذه العوام ل‬
‫مجموعة من اآلليات كالمدارس‪ ،‬والصحف‪ ،‬والمطابع‪ ،‬والبعثات العلمية‪ ،‬والطباعة‪ ،..‬وغيره ا من‬
‫اآللي ات ال تي عملت على تفريش األرض ية اإلبداعي ة النطالق اإلنتاجي ة الشعرية الحديث ة من جديد‬
‫بعد عصر االنحطاط الذي مرت به األمة المشرقية*‪.‬‬

‫وحسب المعطى التحقيبي‪ ،‬فإن أول حركة شعرية ظهرت بالمشرق العربي أطلق عليها سمية‬
‫الحركة الشعرية اإلحيائية‪ ،‬عرفت هذه األخيرة من التسميات العديد والمختلف‪ ،‬حيث يتولى العقاد‬
‫في مدونته الديوان تسميتها بالمذهب العتيق‪ ،‬ونستند في إثبات ذلك على نصه الذي نقد فيه شعر‬
‫شوقي وأتباعه‪ ،‬حيث يقول‪" :‬فإن أدب شوقي ووصفائه من أتباع المذهب العتيق"‪ .10‬أما عبد المنعم‬
‫خفاجي ففي نص واحد استعمل أكثر من اسم للحركة الشعرية اإلحيائية حتى يمكننا القول بأن ذلك‬
‫كان نتيجة الضبابية المعرفية التي كان يشكو منها الدارس‪ ،‬وقد انعكست في طرحه حيث يقول‪:‬‬
‫"جاء كتاب الديوان ‪1921‬م ثورة عاصفة على مدرسة المحافظين في الشعر وفي األدب من مثل‬
‫شوقي وحافظ والمنفلوطي‪ ،‬ومن حيث كان المذهب الكالسيكي االتباعي هو السائد عند المحافظين‬
‫أو م ا نس ميهم ش عراء البعث"‪ ،11‬لق د جم ع في نص واح د مس ميات‪ :‬المح افظين‪ ،‬والم ذهب‬
‫الكالسيكي‪ ،‬واالتباعي‪ ،‬والبعث ‪ ،‬ويقصد بهم حركة واحدة لها خطاب شعري محدد الخاصية‪ .‬أما‬
‫الدس وقي فيس ميها المدرس ة التقليدي ة*‪ ،‬في حين عب ده عب دوي يس ميها الكالس يكية الجدي دة وينس ب‬
‫إليه ا األص الة**‪ ،‬في ال وقت ال ذي يخت ار في ه حف ني داود مس مى "حرك ة البعث األدبي" ‪ ،12‬وأخ يرا‬
‫محمد بنيس الذي أطلق عليها سمية التقليدية***‪ .‬وهكذا نصل إلى التأكيد على التنوع واالختالف‬
‫في تسمية أول حركة شعرية ظهرت بالمشرق العربي في العصر الحديث‪ ،‬فدارت تلك المسميات‬
‫بين‪ :‬االتباعي ة‪ ،‬والبعثي ة‪ ،‬والمحافظ ة‪ ،‬والتقليدي ة‪ ،‬والطالئعي ة‪ ،‬والكالس يكية‪ ،‬واالتباعي ة‪ ،‬وأخ يرا‬
‫اإلحيائية وهو المصطلح الذي نتبناه و نستخدمه في محاضرتنا‪ ،‬فما اإلحيائية؟‬

‫حس َنت ح ال‬ ‫"أحَي ا الق وم‪ُ :‬‬


‫اإلحيائي ة لغ ة وحس ب م ا ج اء في لس ان الع رب البن منظ ور‪ ،‬من ْ‬
‫وَأحَي ْيَن ا األرض‪ :‬وج دناها حي ة‬
‫مخص َبة‪ْ ،..‬‬ ‫ِ‬ ‫مواش يهم ف إن أردت أنفس هم قلت َحُي وا‪ .‬وأرض َّ‬
‫حيةٌ‪:‬‬
‫فأحي ْيتُه ا أي‬ ‫ِ‬
‫ب‪ .‬وأتيت األرض َ‬ ‫ص ُ‬‫النب ات غض ة‪ .‬وأحي ا الق وم أي ص اروا في الحي ا‪ ،‬وه و من الخ ْ‬
‫وجدتها خصبة‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ِ ْ :‬‬
‫ت‪ ..‬وإ حياؤها مباشرتها بتأثير شيء‬ ‫ُأحيَِيت األرض إذا ْ‬
‫اس تُ ْخ ِر َج ْ‬
‫ٍ‬
‫إحاطة أو زرع أو عمارة ونحو ذلك تشبيها بإحياء الميِّت"‪.14‬‬ ‫فيها من‬

‫أحي ْيتُها‪ ،‬اإلحياء‪ ،‬ومنها ننطلق في‬


‫َأحَي ْيَنا‪َ ،‬‬
‫أحَيا‪ْ ،‬‬
‫الدوال األساس التي نبني عليها الطرح قائمة على ْ‬
‫التأسيس للداللة المركز لمصطلح اإلحيائية وذلك حسب تقديمات العصر الحديث‪ ،‬وأول ما نتحدث‬
‫عنه أن جميع تلك الدوال استعملت في لغة العرب للداللة على النقلة من حالة إلى حالة‪ ،‬من حالة‬
‫السلب إلى حالة اإليجاب‪ ،‬من األسوأ إلى األحسن‪ ،‬وعليه‪ ،‬النقلة من الجدب إلى اإلخصاب‪ .‬وإ ن‬
‫الذي يستفاده من تلك الداللة اللغوية‪ ،‬أن النسيج الشعري كان في عصر االنحطاط بادي الضعف‪،‬‬
‫ش ديد اله زال‪ ،‬ركي ك العب ارة‪ ،‬جس د بال روح‪ ،‬لف ظ بال مع نى‪ ،‬يش كو التكل ف في الص نعة اللفظي ة‪،‬‬
‫ركيك الديباجة حتى صبغ الخطاب الشعري لمرحلة ما قبليات العصر الحديث بالعقم‪ ،‬والجمود‪،‬‬
‫والضعف‪ ،..‬وغيرها من أوصاف الجدب التي مست القصيدة المشرقية في عصر االنحطاط‪ ،‬فعمد‬
‫الش عراء إلى الش عر في العص ر الح ديث وباش روه بت أثير ش يء في ه من إحاط ة‪ ،‬وعناي ة‪ ،‬وتق ويم‪،‬‬
‫وتس ديد‪ ،‬وتوجي ه تش بيها بإحي اء األرض فحس نت ح ال النس يج الش عري ح تى أخص بت القص يدة‬
‫الش عرية الحديث ة وع ادت غض ة طري ة كم ا ك انت علي ه في س الف عه دها‪ ،‬أعي د إليه ا رونقه ا‪،‬‬
‫وماؤها‪ ،‬ونضجها‪ ،‬وفاعليتها بمجموع خاصياتها الداللية واألدبية‪ ،‬وبهذه الصنيعة تمكن الشعراء‬
‫على ص عيد التلقي من إحي اء األذن الموس يقية‪ ،‬كم ا أمن وا ال ذوق األدبي الرفي ع بع د أن طمس ت‬
‫معالم ه في عص ر الض عف‪ ،‬ومن هن ا يك ون مص طلح اإلحي اء – حس ب طرحن ا ‪ -‬أنس ب لجه ود‬
‫ه ؤالء الش عراء في العص ر الح ديث‪ ،‬لتكتس ي ه ذه الحرك ة س ميتها فك انت ب ذلك الحرك ة الش عرية‬
‫اإلحيائية‪.‬‬
‫إن إع ادة بن اء مش هد ش عري ح ديث ال ب د ل ه من مرجعي ة يتكئ عليه ا‪ ،‬فاخت ار الش عراء‬
‫اإلحي ائيون الخط اب الش عري ال تراثي ليم دوا مع ه وش ائج االتص ال واالمت داد الموس ع م ع مجم وع‬
‫خاص يات ذل ك الخط اب ال تراثي‪ ،‬وعلى ص عيد عدي د مس تويات‪ ،‬وبه ذا تح ول الخط اب ال تراثي‬
‫بخاصياته مرجعية يعود إليها الشعراء اإلحيائيون ليستلهموا منها صورة األنموذج الشعري الراقي‬
‫لبناء قصائدهم الحدثية كما تمثلته عصور االزدهار من الجاهلية إلى العصر العباسي‪ ،‬و بيان ما‬
‫ذكر‪ ،‬ما يثبته محمد بنيس في دراسته وهو يتطرق إلى الحديث عن منطق برنامج التقليدية‪ ،‬حيث‬
‫يشهد بأن "البرنامج الشعري للتقليدية هو العودة الخالصة إلى الماضي"‪.15‬‬

‫شعري اإلحيائي المشرقي في العصر الحديث ‪:‬‬


‫ثالثا‪ -‬الخطاب ال ّ‬

‫بعد مس اءلتنا لإلنتاجي ة الشعرية اإلحيائي ة الحديث ة يمكنن ا الق ول عنه ا بأنه ا اس تطاعت تخريج‬
‫خط اب ش عري تنص ل من مس وح خطاب ات عص ر الض عف‪ ،‬في ال وقت ال ذي تمكنت في ه اإلحيائي ة‬
‫من مأسس ة أنموذجه ا الش عري وه و يحي األنم وذج ال تراثي على عدي د مس تويات‪ ،‬تمثلت تل ك‬
‫المأسس ة في هيكل ة القص يدة‪ ،‬واألغ راض الش عرية ومعانيه ا‪ ،‬والص ورة الش عرية‪ ،‬والبني ة اللغوي ة‪،‬‬
‫وأخيرا البنية الموسيقية‪ ،‬والبداية التفصيلية ستكون مع‪:‬‬

‫‪1‬ـ هيكلة القصيدة الحديثة ‪:‬‬

‫اس ته ّل الش عراء اإلحي ائيون خطاب اتهم الش عرية بمق دمات ذات أنس اق مخصوص ة م ع اإلش ارة‬
‫إلى أن ه ذه األخ يرة ق د اختلفت من ش اعر إلى آخ ر‪ ،‬فبعض هم ابت دأ قص يدته بالمقدم ة الطللي ة‪ ،‬في‬
‫حين آخ رون اخت اروا بن اء القص يدة على المقدم ة الغزلي ة‪ ،‬وفي ه ذه الص نيعة إحي اء لألنم وذج‬
‫ال تراثي وذل ك من خالل اقت داء الش عراء اإلحي ائيين بس نة الش عراء األولين‪ ،‬وبي ان ذل ك‪ ،‬مجم وع‬
‫الشواهد الشعرية التي نقرأها في دواوين اإلحيائيين كقصيدة شاعر النيل حافظ ابراهيم ‪1871‬م ـ‬
‫‪1932‬م*‪ ،‬حيث نظمها الشاعر في مدح عبد الحليم عاصم باشا بمناسبة إسناد إمارة الحج إليه سنة‬
‫‪ 1313‬هـ‪ ،‬إال أن حافظ قد بدأ قصيدته بمقدمة غزلية وما ذلك إال من باب إحياء هيكلة القصيدة‬
‫التراثية‪ ،‬يقول شاعر النيل‪:‬‬
‫َحاِئـ ٌل لو ِشْئ َ‬
‫ت ل ْـم َي ُك ِن‬ ‫والو َس ِن‬
‫الج ْف ِن َ‬
‫َحا َل بين َ‬

‫ومـ ْفتَتَ ِن‬


‫ق ُ‬‫ـين ُم ْشتَـا ٍ‬
‫َب َ‬ ‫َّام تَ ْق ِذ ُ‬
‫ف بِي‬ ‫َأنـا واألي ُ‬

‫الو َه ِن‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِلي فُ ـ ٌ ِ‬


‫َأضلُعـي من شـدة َ‬ ‫اد فيك تُْنك ُرهُ‬ ‫َؤ‬

‫س في َب َدنِي‬ ‫ِخـْل َ‬
‫ت َن َار الفُْر ِ‬ ‫َو َز ِف ٌير لَـو َع ِـل ْم َ‬
‫ت بِه‬

‫‪16‬‬
‫أم ِري وفي َز َمنِي‬ ‫ِح ْر ُ‬
‫ت في ْ‬ ‫َيا لَقـَْو ِمي ِّإنـي َر ُج ٌل‬

‫بع د ه ذه المقدم ة الغزلي ة ينتق ل الش اعر إلى الغ رض األس اس من القص يدة‪ ،‬إن ه الم دح كم ا أش رنا‬
‫سابقا ‪ ،‬حيث يقول شاعر النيل‪:‬‬

‫‪17‬‬
‫ـير ُمْؤ تَ َم ِن‬ ‫َخـير وا ٍ‬ ‫الح ِّـج ْأن َ‬ ‫ِ‬
‫ق َخ َ‬ ‫َ‬ ‫ت لَهُ‬ ‫َيـا َأم َير َ‬

‫ومن أدلة بناء القصيدة على المقدمة الطللية نستشهد بأنموذج للشاعر محمود سامي البارودي‬
‫‪ ،1904 -1838‬ومما جاء فيه‪:‬‬

‫يانا ِل َساِئ ِل‬


‫وِإ ْن ِهي ْلم ْتر ِج ْع َب ً‬ ‫المَن ِاز ِل‬
‫اء َر ْس َم َ‬
‫أس َم َ‬
‫َأالَ َح ِّي من ْ‬

‫الح َو ِاف ِل‬ ‫الغ ِ‬


‫يوم َ‬ ‫يب ُ‬ ‫علَيها َ ِ‬
‫أهاض ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ت‬ ‫الر ِ‬
‫وام ُس والتَقَ ْ‬ ‫ـالء تَ َعفَّتَها َّ‬
‫َخ ٌ‬

‫اغِلي‬
‫س َش ِ‬ ‫ِ‬
‫ََأراني بِهَا َما َكان ْ‬
‫باألم ِ‬ ‫الد َار َب ْع َد تَ َـرسُِّم‬
‫ت َّ‬‫ْأليا َعر ْف ُ‬
‫فَ ً‬

‫العقَاِئ ِل‬ ‫غنت وهي مْأوى ِ‬


‫للح َس ِ‬ ‫ت وهي مرعى للظِّ ِ‬
‫ان َ‬ ‫ًَ‬ ‫الما‬
‫ط َ‬ ‫باء و َ‬ ‫َْ ً‬ ‫َغ َد ْ‬
‫‪18‬‬
‫الر َساِئ ِل‬ ‫طالَ ٍل َك ْ‬
‫ـوح ِي َّ‬ ‫َم َع ِار ُ‬
‫فأْ‬ ‫أهِلهَا‬ ‫بعد تَ ْـزَي ِ‬
‫ال ْ‬ ‫ِ‬
‫َفلْل َع ْي ِن منها ْ‬

‫إن هذه القصيدة نظمت أساسا في غرض الشكوى حيث أظهر الشاعر تبرمه مما آل إليه حاله بعد‬
‫أن كان رجل رايات وباعث الخيل في الضحى يوم الكريهة‪ ،‬حيث يقول ‪:‬‬

‫المَن ِاز ِل‬ ‫ِ‬ ‫ع بِ ِ‬ ‫أعقـِْد مع الفَ ْج ِر َر َايةً‬ ‫َكـ ِّ‬


‫اسمي لل َكم ِّي ُ‬
‫ولم ُْأد َ ْ‬ ‫ـَأني لم ْ‬
‫‪19‬‬ ‫وب لل َك ِريـه ِة ب ِ‬
‫ـاس ِل‬ ‫بِـ ُك ِّل ر ُك ٍ‬ ‫ُّحى‬ ‫يل ِ‬ ‫ولم َْأب َع ِث َ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫المغ َيرة في الض َ‬
‫الخ َ ُ‬ ‫ْ‬

‫شعرية ومعانيها‪:‬‬
‫‪ -2‬األغراض ال ّ‬

‫نظم شعراء الحركة اإلحيائية الحديثة قصائدهم وفق األغراض الشعرية المعروفة‪ ،‬فنجد ل ديهم‬
‫غ رض الم دح‪ ،‬والفخ ر‪ ،‬والهج اء‪ ،‬والرث اء‪ ،‬والغ زل‪ ،‬والوص ف‪ ،‬والزه د‪ ،‬والحكم ة‪..،‬إلخ‪ ،‬وق د‬
‫اختلفت نسبة كل غرض من شاعر إلى آخر وسبب ذلك مرده إلى احتكام إنتاجية الخطاب الشعري‬
‫في غرض معين إلى مجموع األسيقة المحيطة بالشاعر في العصر الحديث‪ .‬وأول األغراض التي‬
‫سنتحدث عنها هو الغزل‪ ،‬ونستشهد في هذا المقام بنموذج للشاعر العراقي الجواهري حيث نقرأ له‬
‫قصيدة "النشيد الخالد" وقد جاء فيها‪:‬‬

‫يل الهَ َوى وال ُك ُّل ِم ْنهُ َّن َش ِار ُد‬


‫َدِل َ‬ ‫ط ْر ِف ِك وا ْقتَفَ ْ‬
‫ت‬ ‫ت ُم ْه َجتي في ِإثْ ِر َ‬
‫َم َش ْ‬

‫وب ِم ْن ِك وهي َجالَ ِم ُد‬


‫ت ُقلُ ٌ‬
‫والََن ْ‬ ‫يك وهـي ع ِ‬
‫ـصَّيةٌ‬ ‫َ‬
‫ت ُنفُوس ِف ِ‬
‫ٌ‬ ‫َأج َاب ْ‬
‫َ‬

‫ف ِللطَّر ِ‬
‫ف ُم ْدِلًيا‬ ‫ِإ َذا َكان و ْحي الطَّر ِ‬
‫ـَأس َر ِار َقلـَْب ْيَنا فَ ْـَأي َن التََّب ُ‬
‫اع ُد‬ ‫بِ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ُ ْ‬

‫اظ ِرين المقَ ِ‬


‫للن ِ‬ ‫ِإ َذا َك ُـر َم ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫اص ُد‬ ‫َ َ‬ ‫ت َّ‬ ‫ب ِر َيبةٌ‬
‫ـح ِّ‬ ‫َخليلي َما بِ َ‬
‫ـالع ْي ِن في ال ُ‬

‫الد ُموعُ فَ َخ ِال ُد‬


‫َأما ال ِـذي تُ ْـمِلي ُّ‬
‫َو َّ‬ ‫ُّب َيـ ْفَنى َن ِش ُ‬
‫يد َهـا‬ ‫َأه ِل الح ِّ‬
‫َأقَ ِاوي ُل ْ‬

‫ور القَالَِئ ُد‬ ‫ين بِ ِه الهَ َـوى‬ ‫َّ‬ ‫وما ِّ‬


‫الش ْع ُر ِإال َما َي ِز ُ‬
‫‪20‬‬
‫الن ُح ِ‬
‫ط ُل ُّ‬ ‫َك َما ِز َين ْ‬
‫ت ُع َ‬ ‫َ‬

‫وه ذا من روائ ع الج واهري في الغ زل وق د بن اه على مع اني ال وحي ب الطرف‪ ،‬وتب ادل النظ رة وم ا‬
‫تخفي من أسرار‪ ،‬فضال عن التعبير بالدموع بدل األقاويل‪ ،‬وتليين الهوى للقلوب الجالمد وغيرها‬
‫من المعاني المستوحاة من المرجعية التراثية‪ ،‬وااللتزام بإيرادها في الخطاب الشعري الحديث هو‬
‫ما جعلنا ننظر إليها من باب إحياء المعاني التي سنها األولون‪ .‬نتوسع أكثر ولكن هذه المرة مع‬
‫شاعر من فلسطين‪ ،‬إنه خليل السكاكيني وهو يصدح متغزال بسلطانة التي غدت زوجته فيما بعد‪:‬‬

‫ِ‬ ‫وإ ْن َه ِ‬ ‫و َه ْـب ُ ِ‬


‫ان عْن َد ُكم َموض ُعهُ‬
‫َ‬ ‫ت فُـَؤ ادي فَال ُْأر ِج ُعهُ‬ ‫َ‬

‫ط ُعهُ‬
‫إلي فال َأ ْقـ َ‬
‫َأسْأتُـم َّ‬
‫َ‬ ‫ت ب ُك ْم َحْب َل ُو ِّدي فَ َم ْه َما‬
‫طُ‬‫ونِ ْ‬

‫فَـما ِلي َأراهُ َعفَّ ْ‬


‫ت َْأرُبعهُ‬ ‫َعهـِْد ُ‬
‫ت ِو َداد ُكـم ال َي ُحو ُل‬

‫‪.....‬‬

‫ب ِطيء ال َكو ِ‬
‫اك ِب ال ْ‬ ‫وليِلي َ‬
‫ط ِوي ُل‬ ‫َنـهَ ِاري ثَ ِـقي ٌل ْ‬
‫جعهُ‬
‫َأه ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫وعمـَّا تُ ِـكُّنون َأستَ ِْ‬ ‫ـامر ب ْدر السَّم ِ‬


‫ـيت ِ‬
‫طل ُعهُ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫اء‬ ‫َ‬ ‫ُأس ُ َ َ‬ ‫َأبِ ُ َ‬
‫‪21‬‬ ‫ِ‬ ‫رار ِه‬
‫بأس ِ‬ ‫ِ‬
‫َوال َن َـبٌأ م ْـن ُكم ْ‬
‫َأس َـم ُعهُ‬ ‫الب ْد ُر ُيـوحي ْ‬
‫فَـال َ‬

‫لقد ساهم السكاكيني في محاضن بالد الشام في مأسسة الخطاب الشعري اإلحيائي المشرقي ضمن‬
‫م ا أنتج ه في ب اب الغ زل‪ ،‬وه و يفع ل ذل ك‪ ،‬فإن ه لم يختل ف عن ب اقي الش عراء اإلحي ائيين من حيث‬
‫الم ِّحب‪،‬‬
‫احتواء المعاني التراثية‪ ،‬ومنها قطع المحبوب لحبل الوصل مع المحب‪ ،‬وثقل الليل على ُ‬
‫الم ِحب‪..،‬إلخ‪.‬‬
‫والسهاد الذي أصاب ُ‬

‫أم ا بالنس بة لغ رض الوص ف فق د تع ددت الموص وفات في ش عر اإلحي ائيين واهت دوا في ذل ك‬
‫بسنن األولين من حيث تسليط الضوء على الظواهر الخارجية بالنسبة للموصوفات‪ ،‬وكذا الدقة في‬
‫الوص ف‪ ،‬ومن بين القص ائد ال تي نتح دث عنه ا في ه ذا الس ياق نص الب ارودي وه و في وص ف‬
‫الربيع‪ ،‬و مما جاء فيه‪:‬‬

‫ت بِـلُ َغاتِهَا اَأل ْ‬


‫طَي ُار‬ ‫وتَـ َكلَّ َم ْ‬ ‫الن َـدى وتََنفَّ َس ُ‬
‫الن َّو ُار‬ ‫ف َّ‬‫َر َّ‬

‫‪.....‬‬
‫اء تَ ْج ِري َب ْيَنهَا ْ‬
‫اَألنهَ ُار‬ ‫ض َر َ‬
‫َخ ْ‬ ‫َأح َس َن َجَّن ٍة‬
‫ت ْ‬ ‫فَِإ َذا َر َْأي َ‬
‫ت َر َْأي َ‬

‫ِ‬ ‫ور في َع َذَباتِهَا‬


‫فار‬
‫الص ُ‬
‫َ‬ ‫الع ْن َد ُل‬
‫يح فيها َ‬
‫ويص ُ‬‫َ‬ ‫صفُ ُ‬ ‫َيتََرَّن ُم ُ‬
‫الع ْ‬

‫ب ِم ْس ٌ‬
‫‪22‬‬
‫ض ُار‬
‫والبهَ ُار ُن َ‬
‫َ‬ ‫ط ُر ُدٌّر‬
‫والقَـ ْ‬ ‫والج َد ِاو ُل َجَّنةٌ‬
‫ك َ‬ ‫فَالتُْر ُ‬

‫وتبقى للمعارك نصيبها من الوصف ولكن هذه المرة شاهدنا استقيناه من ديوان أمير الشعراء أحمد‬
‫شوقي ‪1869‬م ـ ‪1932‬م حين وصف معركة للعثمانيين في وادي فرسال‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫ب‬
‫ون ْرقُ ُ‬ ‫َّه ِل لُ ًّدا َي ْرقُُب َ‬
‫ون َ‬ ‫َعـلى الس ْ‬ ‫أع ِادَيا‬
‫و ِف ْـر َسا ُل ِإ ْذ َبـاتُو وبِتَْنا َ‬

‫ب‬ ‫ِ ِ‬ ‫َّ‬
‫ـاه ْـم لَْيلَـهُ َيـْل َع ُ‬
‫ـام فـَتَ ُ‬
‫وقَ َ‬ ‫اءهُ‬
‫ـام فَتَ َانا اللي َل َي ْحمي ل َو َ‬
‫وقَ َ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب‬ ‫َّه ِل َح ْي َر َ‬
‫ان ُم ْذن ُ‬ ‫قَطيعٌ بَِأ ْق َ‬
‫صى الس ْ‬ ‫ات َك ََّأنـهُم‬ ‫ود َرابِ َ‬
‫ـض ٌ‬ ‫ُأس ٌ‬ ‫َك َّ‬
‫ـَأنا ُ‬

‫ضى في ُد َجى اللَّ ِ‬


‫يل ُش َّز ُ‬
‫ب‬ ‫ِ‬
‫َن َواشز فَ ْو َ‬ ‫َّه ِل َْأيُن ُ‬
‫ق‬ ‫َك ََّأنا ِخيام الج ِ ِ‬
‫يش في الس ْ‬ ‫ُ َ‬

‫َّ‬ ‫ـَأن القََنا ُدون ِ‬


‫الخ ِ‬
‫ب‬
‫ويس َك ُ‬
‫ْ‬ ‫َج َـد ِاول ُي ْـج ِريهَا الظ ُ‬
‫الم‬ ‫يام َن ِ‬
‫وازال‬ ‫َ‬ ‫َك َّ‬

‫‪23‬‬
‫ض َّ‬ ‫تَـر ُ ِ‬ ‫الخْي ِل َن ٍ‬
‫اع ُمَب ِّش ُر‬ ‫ص ِهي َل َ‬
‫َّب‬
‫ـح ًكا وهي ُنح ُ‬ ‫اه َّن فيهَا ُ‬ ‫َ‬ ‫َك َّ‬
‫ـأن َ‬

‫ومن الموصوفات الخيل وذلك مع الشاعر السوري محمد البزم‪ ،‬وحسب دراسة خليل ابراهيم فإن‬
‫ه ذا الش اعر اإلحي ائي الح ديث "يع د‪..‬المث ال األول لش عر النهض ة في س وريا قبي ل الح رب العالمي ة‬
‫األولى‪ ،‬فقد ولد عام ‪ 1887‬في دمشق‪ ..‬وقد تعلق البزم بشعر المتنبي وحفظ منه الكثير‪ ،..‬ولكن‬
‫نظم ه بين ع امي ‪ 1907‬و‪ 1913‬ض اع أك ثره‪ ،‬وم ا نعرف ه من ش عره أك ثره بع د ان دالع الح رب‬
‫‪ ،24" 1914‬ومن نماذج شعره التي نستشهد بها في هذا المقام أبيات في وصف الخيل حيث يقول‬
‫الشاعر‪:‬‬

‫ور َها‬ ‫ض َّ ِ‬‫امى إلى ْأر ِ‬ ‫َج َزى اهللُ ُك َّل َ‬


‫الخ ِ‬
‫ص ُد ُ‬
‫الشام ُ‬ ‫تََر َ‬ ‫ت‬
‫ير َخ ْيالً تَتَ َاب َع ْ‬

‫الج ِـز َيرة ُن ُ‬


‫ـور َها‬ ‫فـي ج ِ‬
‫ـور َ‬ ‫تُِق ُّل ِر َجاالً من ُسالَلَ ِة َي ْع ُرب فَ ِجلِّ ُ‬
‫ق‬
‫دور َها‬ ‫ِ‬ ‫لَها ِهمم في َه ِ‬ ‫ـوارق ِمن َن ْـح ِو ِ‬
‫الح َج ِاز تَآلفَ ْ‬ ‫َب ِ‬
‫الم ْجد ُ‬
‫ـامة َ‬
‫َ‬ ‫ٌَ‬ ‫ت‬

‫‪25‬‬
‫ور َها‬ ‫َّت بِ َـن ْح ٍ‬ ‫َّت من َجُن ٍ‬
‫وب و َم ْغ ِرب‬
‫دب ُ‬
‫س ُ‬ ‫قَـبوالً فَالَ َهب ْ‬ ‫ـسائم َهب ْ‬
‫َن َ‬

‫أما بالنسبة لغرض الشكوى فإنه يتجلى في قصيدة الشاعر العراقي معروف الرصافي ‪1875‬‬
‫– ‪ 1945‬التي تحكي عن اغتراب الشاعر عن الوطن األم‪ ،‬وقد نظمها سنة ‪1922‬م بعد نزوحه‬
‫من العراق إلى لبنان وعزمه على أن ال يعود إلى العراق‪ ،‬يقول هذا الشاكي الثائر والمغترب‪:‬‬

‫وها وتُ ْـبِلينِي‬


‫واد ِث َْأبلُ َ‬
‫ِم ْث َل الح ِ‬
‫َ‬ ‫صينِي‬
‫واطن ُْأدنِيها وتُـ ْق ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫الم ُ‬
‫ِ‬
‫هـي َ‬

‫يه ُيـ ْش ِكينِي‬


‫ف ح ًّرا ِف ِ‬ ‫ِ‬
‫ُأصاد ُ ُ‬
‫َأما َ‬
‫َ‬
‫طا َل َش ْكو ِ‬
‫اي م ْن َد ْه ٍر ُأ َكابِ ُدهُ‬
‫َ َ‬ ‫قَ ْـد َ‬

‫‪.....‬‬

‫ظ ِمينِي‬
‫اء َد ْجلَتِهَا َي ْو ًما وتُـ ْ‬
‫ع ْن م ِ‬
‫َ َ‬ ‫ب َب ْـغ َد َاد تُ َـحلُِّئنِي‬
‫َأح َس ُ‬
‫ت ْ‬ ‫َما ُك ْـن َ‬

‫الغثَانِ ِ‬
‫ين‬ ‫ص ْه ِب َ‬ ‫ٍ‬ ‫لَو ُك ْن ُ ِ‬
‫ت م ْن َع َجم ُ‬ ‫ْ‬ ‫ـاع َح ِقي َه َك َذا ََأب َدا‬
‫ض َ‬ ‫تـا اهلل َما َ‬
‫‪26‬‬
‫وم تُـْؤ ِوينِي‬
‫الي ِ‬ ‫لَ َـع َّل بَِب ُير َ‬
‫وت َب ْع َد َ‬ ‫وت ُم ْـنتَ َسبِي‬
‫ألج َـعلَ ْن ِإلَى َب ْـي ُر َ‬
‫ْ‬

‫لقد حول الشاعر جسد القصيدة إلى مرتع لشكواه من العراق وكيف أبعدته عن مائها حتى بلغ بها‬
‫ذل ك ح د اإلقص اء إلى م واطن أخ رى‪ ،‬حيث س جل الش اعر انتس ابه إلى ب يروت في حين أن وطن ه‬
‫األم هي العراق‪ ،‬لقد ُه ِّمش الرصافي كثيرا وما ْانتُ ِ‬
‫صف له‪ .‬وفي مصر نطالع قصيدة الرافعي وهو‬
‫يق دم ع بر نس يجها النص ي ش كواه من ظلم الخالئ ق وت ولي الص با وس فاهة الس فهاء علي ه‪ ،‬يق ول‬
‫الرافعي‪:‬‬

‫ِ َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الح ِّ‬
‫ب تَْب َرى‬ ‫وس َـوى علتي م َن ُ‬ ‫َغ َير َقْلبِي ََأراهُ َي ْستَطيعُ َ‬
‫ص ْب َرا‬

‫َكـبِ ٌد ِم ْن لَـو َع ِة َّ‬


‫الش ْو ِ‬
‫ق َح َّرى‬ ‫ق بين ج ْنبِي ِإالَّ‬
‫ْ‬ ‫ََأنـا لَ ْم َي ْـب َ َ ْ َ َ‬

‫‪...‬‬
‫ص ْخ َرا‬ ‫اَألر ِ‬ ‫الرو ِ‬
‫اس َي ِإِّني‬ ‫ِ‬
‫ض َ‬ ‫ألرى ظُْل َم ُك ْم َعلَى ْ‬
‫َ‬ ‫َوالـذي َأثْ َـق َل َّ َ‬

‫َّم ِت ْ‬
‫َأج َرا‬ ‫ـت فَِإ ِّني ر َْأي ُ ِ‬
‫ت في الص ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّمـ‬ ‫ال ي ُغر َّن م ْن يلُ ِ‬
‫ومـني الص ْ‬
‫َ َ َ َ ُ‬

‫اهةَ ُعـ ْذ َرا‬ ‫ِ‬ ‫ال ِم ْن َك ِـري ٍـم س ِـف ٍ‬


‫يموا لَـهُ السَّـفَ َ‬
‫فَـأق ُ‬ ‫يه‬ ‫َ‬ ‫َوِإ َذا قَ َ‬
‫‪27‬‬
‫ْأخ ُذ ُع ْم َرا‬
‫ِّبا َوَي ُ‬ ‫ِم ْـن َز َم ِ‬
‫ان الصَ‬ ‫ان ُي ْـر ِجعُ َي ْو ًما‬ ‫ت َهـ َذا َّ‬
‫الز َم َ‬ ‫لَْي َ‬

‫وإ ذا توسعنا في دواوين أخرى من العصر الحديث فإننا نقرأ ألمير الشعراء أحمد شوقي مرثية في‬
‫سقوط الدولة العثمانية‪ ،‬ومما جاء فيها‪:‬‬

‫يت َب ْي َن َم َع ِالِم األ ْف َر ِ‬


‫اح‬ ‫ون ِـع ِ‬
‫ُ‬ ‫اح‬ ‫الع ْر ِ‬
‫س َر ْج َع ُن َو ِ‬ ‫ت َِ‬
‫َأغاني ُ‬ ‫اد ْ‬
‫َع َ‬

‫اح‬
‫اإلصَب ِ‬
‫ْ‬ ‫ت ِع ْن َد تََبلُّ ِج‬
‫ود ِف َـن ْ‬
‫ُ‬ ‫ت في لَْي ِل ال ِّـزفَ ِ‬
‫اف بِثَْوبِه‬ ‫ُكـفَِّن ْ‬

‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫اح ٍك‬


‫ت ِم ْن َهـلَ ٍع بِع ْبر ِة ض ِ‬
‫اح‬
‫ص ِ‬ ‫في ُك ِّل َناحَية َ‬
‫وس ْك َر ِة َ‬ ‫ََ َ‬ ‫ِّع ْ‬
‫ُشـي َ‬

‫اح‬
‫ون َو ِ‬
‫ك َ‬‫ت َعلَْي ِك َم َم ِال ٌ‬
‫وبـ َك ْ‬
‫َ‬ ‫وم َـنابِ ُر‬ ‫ِ ِ‬
‫َّت َعـلَْيك َمآذ ٌن َ‬
‫ضـج ْ‬
‫َ‬

‫تَ ْـب ِكي َعـلَْي ِك بِ َد ْم ٍع َسح ِ‬


‫َّاح‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال ِه ْـن ُد َوالهَـةٌ ومـ ْ‬
‫ص ُر َح ِز َينةٌ‬

‫اح‬ ‫ض ِ‬
‫الخالفَة َم ِ‬ ‫َأم َحا ِم ْن ْأر ِ‬ ‫اق وفَ ِار ُس‬ ‫ِ‬
‫والع َر ُ‬ ‫ـام تَ ْسَأ ُل‬ ‫َّ‬
‫َ‬ ‫والش ُ‬
‫‪28‬‬
‫اح‬
‫اَألن َو ِ‬ ‫يه مقَ ِ‬
‫اع َد ْ‬ ‫ِِ‬ ‫الجالِئل َمْأتَ ًما‬
‫فَـقَ َع ْد َن ف َ‬ ‫الج َمعُ َ‬
‫ك ُ‬ ‫ت لَ َ‬
‫وَأتـَ ْ‬

‫ومن األغراض التي نظم فيها اإلحيائيون نذكر الرثاء‪ ،‬و هنا سنستشهد بقصيدة لحافظ ابراهيم‬
‫في رثاء مصطفى كامل و ذلك في الذكرى األربعين لوفاته‪ ،‬و قد استهلها حافظ بقوله‪:‬‬

‫ت َْأنثُُر َب ْيَنهُم َأ ْش َع ِاري‬


‫وَأتَْي ُ‬ ‫ك َن َو ِادي ْ‬
‫اَألز َه ِار‬ ‫َنثُُروا َعلَْي َ‬
‫‪29‬‬
‫ش َم َذلَّ ٍة َوِإ َس ِار‬
‫ش َعْي ُ‬
‫والع ْي ُ‬
‫َ‬ ‫ص ٍد‬
‫مر َ‬ ‫والح ِادثَ ُ‬
‫ات بِ ْ‬ ‫اد ْرتََنا َ‬
‫َغ َ‬
‫بعد هذه األبيات االستهاللية يشرع حافظ داخل النسيج الشعري في عملية احتواء معاني الرثاء‪،‬‬
‫الم ْرثَى‪:‬‬
‫وذلك من خالل تسليط الضوء على أبرز األعمال اإليجابية التي أنجزها ُ‬

‫الخطَّ ِار‬
‫س بِالقََنا َ‬
‫ب الفَـو ِار ِ‬
‫لَـع َ َ‬
‫ِ‬ ‫ت‬
‫َأع َج َز ْ‬
‫اع فَ ْ‬
‫الي َر ِ‬ ‫ت َي ِـم ُين َ‬
‫ك بِ َ‬ ‫لَ ِعَب ْ‬

‫ض َم ِار‬ ‫ت ِفي ِ‬
‫الم ْ‬ ‫وَأن َ‬
‫اء ْ‬ ‫للعْلَيا ت ْـب ِغي َش َْأو َها‬
‫ض ُ‬
‫فَ َج َرى القَ َ‬ ‫ت َ‬ ‫َو َج َـر ْي َ‬

‫ان ِ‬
‫َأع َّـز ٍة ْ‬
‫َأخ َـي ِار‬ ‫الب ْـرلَ َم ِ‬ ‫ِ‬ ‫وم َشايِ ٍخ‬ ‫تب ِ ِ‬
‫فـي َ‬ ‫ـين ش َك َايتَنا َ‬
‫صْل َ َ َ‬
‫وو َ‬
‫َ‬

‫ض ِاري‬ ‫ف لَْي ِث َغ ٍ‬
‫اب َ‬ ‫ت َم َو ِاق َ‬
‫َك َان ْ‬ ‫ك المو ِاق ِ‬
‫ف َّإنهَا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َواق ًـعا َعـلَى تْل َ َ َ‬
‫‪30‬‬
‫ِم ْـن َع ْـز ِم ِه قَول الم ِر ِ‬
‫يب َح َذ ِار‬ ‫الو ِع ُ‬
‫يد وال ثََنى‬ ‫ِِ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫لَ ْـم ُيـْلوه َع ْنهَا َ‬

‫أما بالنسبة لغرض المدح‪ ،‬فإننا سنستغل الفرصة لننتقل إلى فلسطين حيث نطالع ما كتب من‬
‫قصائد في مدح الشدياق في العصر الحديث‪ ،‬ومن ذلك القصيدة التي كتبها األديب البارع األنجب‬
‫يوسف أسعد أفندي‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫اق ُك َّل ال َكاتِبِ َينا‬


‫ِإلـى َم ْن فَ َ‬ ‫ـالم اهلل ُي ْـز ِجي ُك َّل َو ْق ٍت‬
‫َس ُ‬

‫س ُه ًدى ِلقَ ْوٍم َع ِار ِف َينا‬


‫و َش ْم ِ‬ ‫وب ْـح ُر ِعـْلٍم‬ ‫ِ ِ‬
‫ـام األ ْذكَياء َ‬
‫َم ُ‬
‫ِإ‬

‫أح ًدا قَ ِر َينا‬


‫ت تََرى له َ‬
‫ـس َ‬
‫ولَ ْ‬ ‫فَـلَْي َس ِل َغ ْي ِـره ُد َرٌر بِ َـن ْ‬
‫ظٍم‬

‫الح ِاذقُ َ‬
‫ونا‬ ‫ـلم َي ْنظُ ْر ِس َو َ‬
‫اها َ‬ ‫فْ‬ ‫ط ٍر‬ ‫َج َـواِئ ُـبه َس َم ْ‬
‫ت في ُك ِّل قُ ْ‬

‫ولـَو َبـلَ ُغوا ُألُوفًا أو مِِئ َينا‬ ‫ط ِف ُنور َه ِذي ُّ‬


‫الش ُم ِ‬
‫وس قَ ْو ٌم‬ ‫َُأي ْ ُئ‬

‫ض ِم َينا‬ ‫ِ ِ‬
‫ومـَ ْن لْل ُم ْذنبِ َ‬
‫ين َغ ًدا َ‬ ‫وب ْي ِت َربِّي‬ ‫سـُأ ْق ِسم ب ِ‬
‫ـالحط ِيم َ‬
‫َ ُ َ‬
‫‪31‬‬
‫والي ِق َينا‬ ‫َأصفَى الس ِ‬
‫َّر َيرةَ َ‬ ‫وقَ ْد ْ‬ ‫ض ُل‬
‫ب وفَ ْ‬ ‫ألح َـم َد فَ ِ‬
‫ـارس ََأد ٌ‬ ‫ْ‬

‫إن المع اني ال تي ب نيت عليه ا مدحي ة يوس ف أس عد أفن دي تس توحي أص ولها من األنم وذج ال تراثي‪،‬‬
‫حيث رك ز الش اعر على الص فات اإليجابي ة في المم دوح ومنه ا تفوق ه على الكت اب‪ ،‬وه و إم ام‬
‫األذكياء‪ ،‬بحر علم‪ ،‬شمس هدى‪ ..،‬إلخ‪ ،‬مع التنويه ببعض الخصال المحمودة التي اتسم بها فارس‬
‫الشدياق فهو نقي السريرة‪ ،‬وصافي اليقين‪ ،‬ولم يفوت الشاعر ذكر أعمال الشدياق البارزة ومنها‬
‫جري دة الج وائب ال تي ك ان يص درها‪ ،‬وق د ذاع ص يتها في مش ارق األرض و مغاربه ا‪ ،‬فض ال عن‬
‫نظمه لدرر الشعر‪ .‬وما زالت بنا القراءة متواصلة للمدحيات في الخطابات الشعرية الحديثة ولكن‬
‫هذه المرة مع الرافعي الذي ضم ديوانه عددا من قصائد المدح‪ ،‬ومنها هذا األنموذج الذي نستشهد‬
‫به‪ ،‬وقد نظمه الرافعي في مدح السلطان عبد الحميد في عيد جلوسه سنة ‪1901‬م‪:‬‬

‫ور َها‬ ‫ص ِ‬ ‫ط ِ‬ ‫ت بِ ْ‬ ‫اك ِ‬


‫الح َمى َه ْل قََّبلَتْ َ‬
‫ون ُخ ُم ُ‬ ‫الغ ُ‬
‫اف ُ‬ ‫َأع َ‬ ‫فَ َمالَ ْ‬ ‫ور َها‬
‫ك ثُ ُغ ُ‬ ‫ََأر َ‬

‫ور َها‬ ‫الحلَ ِّي ِإ ْذ الَ َعَبتْهَا ُ‬


‫ص ُد ُ‬ ‫َرنِين ُ‬ ‫الح َم ِام َك ََّأنهُ‬
‫ت ِإلَى َس ْج ِع َ‬
‫َو َح َّـن ْ‬

‫يه َن ِ‬
‫النص ِر ِف ِ‬ ‫الخـالَفَ ِة َربُّهَا‬
‫ـاد بِ ِه روح ِ‬
‫ـص ُير َها‬ ‫ـاء لَهَا بِ َّ ْ‬
‫َو َج َ‬ ‫َأع َ ُ َ‬ ‫َ‬

‫الح ِم ِيد ُي ِـج ُير َها‬ ‫فَـهَ َّ‬


‫ب لَهَا َع ْـب ُد َ‬ ‫وبهُ‬ ‫و َج َار َعلَْيهَا َّ‬
‫الد ْه ُر َش ْعثًا ُخطُ ُ‬ ‫َ‬

‫‪...‬‬

‫‪32‬‬
‫ين َزِئ ُير َها‬ ‫يـر ِّد ُد ب ْـين َ ِ ِ‬ ‫ُأس ًدا َع َوابِ ًسا‬
‫الخافق َ‬ ‫َُ َ َ‬ ‫ض ْ‬ ‫اَألر َ‬
‫ألت َعلَْيهَا ْ‬
‫َم َ‬

‫لقد امتدح الرافعي في السلطان عبد الحميد عديد صفات إيجابية منها القوة التي تميز بها السلطان‪،‬‬
‫وتحقق النصر على يديه لدولته‪ ،‬وتسخير نفسه إلغاثة دولته من كل مكروه وحمايتها‪ ..‬إلخ‪.‬‬

‫أم ا عن غ رض الهج اء فق د لم ع في ه ع دد ال ب أس ب ه من الش عراء ومن بين الهج ائين أم ير‬


‫الشعراء أحمد شوقي وتحديدا قصيدته التي هجا فيها اللورد كرومر‪ ،‬ومناسبة القصيدة أنه "حدث‬
‫أن نق ل الل ورد كروم ر من مص ر في س نة ‪ 1907‬ف أقيم ل ه حف ل وداع وك ان األم ير حس ين كام ل‬
‫حاض را‪ ،‬وخطب كروم ر ون دد باس ماعيل وعص ره وذم المص ريين وحم ل علهيم؛ ألنهم لم يق دروا‬
‫منن االحتالل االنجل يزي وال م ا ط وقهم ب ه"‪ .33‬لق د أدرك ش وقي أن كروم ر يهين في خطاب ه‬
‫الخ ديوي اس ماعيل‪ ،‬ف راح الش اعر ي رد بغض بة على الل ورد ض من قص يدة لملمته ا مع اني الهج اء‬
‫استللنا منها هذه األبيات من ديوان شوقي‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫وس النِيال‬ ‫َأم َْأن َ ِ‬
‫ت ف ْر َع ْو ُن َي ُس ُ‬ ‫ْ‬
‫ََّأيـام ُكم َأم عـه ُـد اسم ِ‬
‫اعيال‬ ‫ُ ْ ْ َ ْ َْ‬

‫ال َساِئـال ََأب ًـدا وال َم ْسُئوال‬ ‫َأم ِر ِه‬


‫ص َر بِ ْ‬
‫اكم ِفي َأر ِ ِ‬
‫ضم ْ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫َْأم َح ٌ‬

‫القلُ ِ‬ ‫اب بِب ِ‬ ‫يـا َم ِال ًكـا ِر َّ‬


‫وب َسبِيال‬ ‫َهال اتَّ َخ ْذ َ‬
‫ت إلى ُ‬ ‫ْأسه‬ ‫الرقَ ِ َ‬
‫ق ِّ‬

‫اء َر ِحيال‬
‫العَي ُ‬
‫اء َ‬‫ك ال َّـد ُ‬
‫فَـ َك ََّأن َ‬ ‫ت‬ ‫ت ع ِن البِ ِ‬
‫الد تَ َشهَّ َد ْ‬ ‫لـما َر َحْل َ َ‬
‫‪34‬‬
‫يب َمثِيال‬ ‫ِ‬
‫ك ال ُيص ُ‬
‫ب لَ َع ْم ُر َ‬
‫ََأد ٌ‬ ‫اع ِإ َه َانةً‬
‫الو َد ِ‬
‫َْأو َس ْعتََنـا َي ْـو َم َ‬

‫ح تى الب ارودي ك ان مولع ا بالهج اء وق د س ار على س نة األولين في الفحش واإلق ذاع في مع اني‬
‫الهجاء‪ ،‬حيث هجا شخصا ولم يحدد اسم المهجو‪ ،‬يقول‪:‬‬

‫ك ِم ْن ِح ْزبِ ِه‬
‫فَـقَ ْد َكفَى ََّأن َ‬ ‫ان في ِف ْعِل ِه‬
‫ط َ‬ ‫ال تَ ْـبه ِت َّ‬
‫الش ْي َ‬ ‫َ‬

‫ك ِفي َك ْسبِ ِه‬


‫ط ْب ًعا ِم ْن َ‬
‫َأخ ُّس َ‬
‫َ‬ ‫الخ ْن ِز ُير في َن ْو ِع ِه‬
‫اخسْأ فَما ِ‬
‫فَ ْ َ َ‬

‫الناس ِإلى سب ِ‬ ‫لَو لَ ْم تَ ُك ْن ِفي َّ‬


‫الد ْه ِر ُم ْستَ ْو ِز ًرا‬
‫ِّه‬ ‫َ‬ ‫ع َّ ُ‬‫ـار َ‬
‫َما َس َ‬

‫َأم َن على َج ْنبِ ِه‬


‫ما َنـام من ِ‬
‫َ َ‬ ‫الو َرى‬
‫ك الذي لوال ُخ ُمو ُل َ‬
‫َذا َ‬

‫اف اهللَ ِم ْـن َذ ْنبِ ِه‬


‫وال َي َـخ ُ‬ ‫ـالن ِ ِ‬
‫اس َأفَـاعيلَهُ‬ ‫َيـ ْف َع ُل بِ َّ‬

‫‪35‬‬
‫والنـ ْق َمةُ في قُْربِ ِه‬ ‫َّ‬
‫والش ُّـر ِّ‬ ‫والن ْع َمةُ في ُب ْع ِد ِه‬
‫ـالخ ْي ُر ِّ‬
‫فَ َ‬

‫لق د هت ك الب ارودي األس تار عن المهج و فخص ه بأس وأ األوص اف والنع وت‪ ،‬ف المهجو من ح زب‬
‫الشيطان‪ ،‬ومضاهاته الخنزير في الطبع‪ ،‬كما أنه ال يخشى اهلل في الخلق‪ ،..‬وبهذا يمكننا القول بأن‬
‫الهج اء ق د ورد على مع اني وغاي ات األولين من الش عراء‪ ،‬وذل ك من حيث اإلفح اش في الهج اء‬
‫واإلقذاع في المعاني إلى حد الحط من قيمة المهجو وهذا الذي لم تتنازل عنه قصيدة البارودي‪.‬‬

‫إلى ج انب م ا س بق ذك ره من األغ راض الش عرية نص ل في ه ذه المحط ة إلى الح ديث عن‬
‫غرض الفخر‪ ،‬فقد نظم فيه الشعراء اإلحيائيون ومن بينهم نذكر رائدا من رواد الحركة الشعرية‬
‫اإلحيائية في ُع َمان‪ ،‬إنه الشاعر أبو مسلم البهالني (ت ‪ 1920‬م) حيث نستشهد له بأنموذج افتخر‬
‫فيه بترفعه عن الوقوف بأبواب أصحاب العطاء‪ ،‬كما عول الشاعر على معنى االعتداد بالنفس من‬
‫حيث القناعة وصون العرض والترفع عن اللئام والطغاة‪ ،‬وفي هذا يقول الشاعر‪:‬‬

‫ِ‬ ‫بِما ي ِط ُ ِ‬ ‫صـ ْف َحتِي ُم ْقتَنِ ًعا‬


‫الح َسى‬
‫يق م ْن ُعالَالَت َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ـون َ‬ ‫ِإِّني ُ‬
‫َأص ُ‬

‫َع ْن َم ْش َر ٍب َأ ْش َرُبهُ َعلَى القَ َذى‬ ‫َْأنبـو والهـرب ُأو ِاري س ِ‬


‫اعًيا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬

‫الو َكى‬ ‫ِّ‬ ‫ْ َّ ِ ِ‬ ‫وي ْحتَ ِمي‬ ‫ي ْـح ِمي ال َك ِر ِ‬


‫أن َي ُـرد اآلح َن م ْن ُكل َ‬ ‫ضهُ َ‬
‫يم ع ْر َ‬
‫َ‬ ‫َ‬

‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫يس َم ْو ِق ِفي‬


‫َكي ال تََرى َع ْي ُن َخ ِس ٍ‬
‫بِ َـبابِـه ُم ْـنتَظ ًرا م ْـنهُ َ‬
‫الج َدا‬ ‫ْ‬
‫ط ِغيها ِ‬ ‫ُّ‬ ‫ام ِرٍئ‬ ‫ِ‬
‫الغَنى‬ ‫وي ْ َ‬‫ـس ُفلُهَـا اللْؤ ُم ُ‬
‫َي ْ‬ ‫ط ِوي َيدي َي َد ْ‬
‫ت ال تَ ْ‬
‫آلَْي ُ‬

‫ِإ ْن َكان ب ْين اللُّ ِم و ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬


‫َما َس َّـرنِي م َن الث َراء َو ْف ُرهُ‬
‫‪36‬‬
‫الح ْر ِ‬
‫ص َن َما‬ ‫َ َ َ ْؤ‬

‫بع د قراءتن ا للمنج ز الش عري اإلحي ائي يمكنن ا الق ول إن ه ؤالء الش عراء اإلحي ائيين ق د نظم وا‬
‫قصائدهم ضمن مجموع األغراض الشعرية التراثية‪ ،‬وقد التزموا بسنن األولين من حيث المعاني‬
‫المخصوص ة بك ل غ رض‪ ،‬وعلى ال رغم من اختالف نس بة النطم على األغ راض من ش اعر إلى‬
‫آخر إال أنه يمكننا القول بأن الشعراء اإلحيائيين قد أعادوا للقصيدة العربية الحديثة مجدها ومكانتها‬
‫التي كانت عليها في عصورها الزاهية‪ ،‬بخالف ما كانت عليه الموضوعات الشعرية من سخف‬
‫في عصر االنحطاط ‪.‬‬

‫األستاذ ‪:‬موسى مبرك‬

You might also like