Professional Documents
Culture Documents
تمهيد :
شهد المنجز الشعري في المشرق العربي وتحديدا في مرحلة العصر الحديث بروز العديد من
الحرك ات اإلبداعي ة ،وق د تغيت ه ذه األخ يرة بن اء مش هد ش عري ل ه مرجعيت ه ومنطلقات ه التأسيس ية
وخاص ياته األدبي ة المتمظه رة على ص عيد الخط اب الش عري ،ومن منطل ق تحقي بي ف إن أول تل ك
الحركات ظهورا ما أطلق عليه سمية الحركة الشعرية اإلحيائية ،وعليه ،ما اإلحيائية؟ من روادها؟
كيف ك انت الحرك ة الش عرية المش رقية قب ل العصر الح ديث؟ م ا هي أبرز مستويات اإلحي اء التي
مس ت الخط اب الش عري الح ديث؟ لإلجاب ة عن ه ذه األس ئلة ارتأين ا تق ديم ه ذه األوراق المتمح ورة
حول الحركة الشعرية اإلحيائية في المشرق العربي.
سبق العصر الحديث في المشرق العربي مرحلة عرفت بعصر االنحطاط أو عصر الضعف،
وتبدأ من وطأة العثمانيين أراضي الوطن العربي في المشرق ،ليمتد نفوذهم بها طيلة ثالثة قرون
حيث تم تس جيل دخ ول العثم انيين إلى مص ر س نة 1517م ،أم ا س وريا فس نة 1515م ،ثم الع راق،
وبالنسبة لشبه الجزيرة العربية فقد ألحقت بحماية السلطان العثماني ،عدا اليمن التي تمتعت بشيء
من االس تقالل النس بي .انتهجت الدول ة العثماني ة في أوط ان المش رق الع ربي سياس ة أطل ق عليه ا
سياس ة العثمن ة أو التترك ة ،ت رتب عنه ا ض عف وجم ود الحرك ة الش عرية ،وذل ك بس ب اس تخدام
التركي ة ب دل العربي ة في دواوين الدول ة العثماني ة ،فض ال عن توظي ف الحك ام العثم انيين في بالد
المشرق العربي وكان هؤالء الحكام ال يفهمون اللغة العربية فأفضى ذلك إلى إقصاء الشعراء من
بالطهم ،كما توقف الحكام عن تشجيعهم ،فانكفاء الشعراء على أنفسهم ومالوا إلى الحرف لكسب
قوتهم ،وه ذا ما انعكس بالسلب على الحركة الشعرية المش رقية بحيث تحول وجه الشعر العربي
ح تى "ك ان الش عراء قل ة ،وك انوا ش عراء ش عب ال ش عراء بالط أو دي وان ،ون در المج ددون منهم
وانحط الذوق األدبي".1
ومن أهم خصائص الخطاب الشعري المشرقي في عصر االنحطاط ،أن بات الشعر بعيدا عن
تصوير العواطف ،والخلجات النفسية ،ورصد أبرز المشاعر التي تنتاب الشاعر في موضوعه ،بل
من "العبث أن يبحث ش خص في ه ذه ال دورة ..عن ش اعر يق رأ ش عره ،ف يراه يع بر عن عاطف ة
أوشعور واضح مستقيم ،فقد تبلدت الخواطر" .2أما من جهة القوالب الشعرية ،فقد اقتصر الشعراء
على إنتاجية "مقطوعات وقصائد ال شعر فيها وال فن ،إنما هي ترديد وتكرار لبعض ما سمعوه،
يتناولون ه بم ا يس مونه تربيع ا أو تخميس ا أو تس بيعا أو تش طيرا ويس بغون علي ه أل وان الب ديع ال تي
حفظ وا منه ا أطراف ا" .3وإ ن جئن ا إلى رص د أب رز األغ راض الش عرية لعص ر االنحط اط ،فنج د "..
أغراضا غير جادة كالتهنئة بمولود أو العودة من السفر أو التهنئة بعيد الفطر أواألضحى أومدح
الوجه اء وش يوخ العش ائر أو الغ زل الس قيم ال ذي ال ينم عن عاطف ة وال عن وج دان ص ادق" ،4وفي
أض عف اإليم ان ف إن بعض ش عراء عص ر االنحط اط ق د اس تبد بهم "عمالن س يئان هم ا :الت واريخ،
وهي حساب بيت أو شطر بحساب الجمل ،بحيث يوافق هذا الحساب السنة التي مدح فيها المم دوح
أو ولد المولود أو أقيم العرس إلى غير ذلك ،ثم األلغاز :يلغز الشاعر ببيتين أوأكثر عن أي شيء"
.5ومن جهة البنية اللغوية للنسيج النصي فقد تأثرت بسياسة العثمنة الرامية إلى استخدام التركية
بدل العربية في دواوين الدولة ،فأضحت اللغة تشكو الركة والسخف والضعف ،وزاد من انحطاط
اللغة "طول الحقبة التي هيمن فيها العثمانيون على البالد العربية ،أضعف السليقة اللغوية الفصيحة
نظرا لتراجع مكانة العربية السياسية وعدم استخدامها في المؤسسات الرسمية والمراسالت" ،6فكان
من أهم نتائج سياسة التتركة على مستوى اللغة هو استعمال بعض من العامية التركية بدل اللغة
العربية الفصحى ،وبهذا تحول وجه الشعر العربي المشرقي فأصبح على حد وصف حفني داود:
"انتشار األلفاظ التركية في ثنايا اللغة العربية وال سيما العامية منها ،ولم يكن ذلك باألمر الغريب
في هذا العصر؛ ألن اللغة الرسمية في ذلك الوقت كانت التركية وقد انتشر كثير من ألفاظها في
أسماء الصناعات والحرف ومصطلحات الديوان والمصالح الحكومية مثل كنتبخانة ،وانتيسكخانة،
وأسماء األلقاب والرتب مثل حضرتلي ،ودولتلي ،وسعادتلي .7"..في حين هناك سمات أخرى على
صعيد البديع حتى أصبحت صناعة الشعر في عصر االنحطاط صناعة بديعية محضة ،مما قضى
"على كل أمل في ظهور ..شاعر ممتاز ،وأصبحنا نقرأ آثارا لقوم فال نجد إال أسجاعا" ،8بل ارتقى
الط رح بم رور الس نوات إلى تكل ف في الب ديع ،مم ا أدى إلى طب ع الخط اب الش عري بص فة ركاك ة
الديباجة والتكلف في الصناعة اللفظية التي نهضت على تكلف السجع والجناس ،..ومما ال مراء
فيه أن هؤالء "الشعراء كانوا يحتالون على ألوان البديع يملؤون بها شعرهم ،ولكنا نحس أن هذه
األلوان أصبحت باهتة في أيديهم إذ فقدت مقدرتها القديمة على التلوين والتعبير".9
التحديد الزمني للعصر الحديث – عندنا -يبدأ من حملة نابليون بونابرت على مصر وذلك
س نة 1798م ،ويمت د إلى غاي ة نهاي ة الح رب العالمي ة الثاني ة 1945م ،مش تمال ب ذلك على الق رن
التاس ع عش ر والنص ف األول من الق رن العش رين ،وعلى م دار ه ذه المرحل ة ب رز في المش رق
الع ربي ش عر نس ب إلى ه ذه المرحل ة ،ف أطلق علي ه س مية الش عر الح ديث ،مكتس با خص ائص ه ذه
المرحلة ،عارفا سلسلة من التطورات والتطويرات على مستوى الخطاب الشعري ،وما تم ذلك إال
بفعل النهضة التي جسدتها مجموعة من العوامل ،وقد تمثلت في حملة نابليون ،وإ صالحات محمد
علي ،والحمالت التبش يرية ،والمستش رقون ،وإ ص الحات الخ ديوي اس ماعيل .جن دت ه ذه العوام ل
مجموعة من اآلليات كالمدارس ،والصحف ،والمطابع ،والبعثات العلمية ،والطباعة ،..وغيره ا من
اآللي ات ال تي عملت على تفريش األرض ية اإلبداعي ة النطالق اإلنتاجي ة الشعرية الحديث ة من جديد
بعد عصر االنحطاط الذي مرت به األمة المشرقية*.
وحسب المعطى التحقيبي ،فإن أول حركة شعرية ظهرت بالمشرق العربي أطلق عليها سمية
الحركة الشعرية اإلحيائية ،عرفت هذه األخيرة من التسميات العديد والمختلف ،حيث يتولى العقاد
في مدونته الديوان تسميتها بالمذهب العتيق ،ونستند في إثبات ذلك على نصه الذي نقد فيه شعر
شوقي وأتباعه ،حيث يقول" :فإن أدب شوقي ووصفائه من أتباع المذهب العتيق" .10أما عبد المنعم
خفاجي ففي نص واحد استعمل أكثر من اسم للحركة الشعرية اإلحيائية حتى يمكننا القول بأن ذلك
كان نتيجة الضبابية المعرفية التي كان يشكو منها الدارس ،وقد انعكست في طرحه حيث يقول:
"جاء كتاب الديوان 1921م ثورة عاصفة على مدرسة المحافظين في الشعر وفي األدب من مثل
شوقي وحافظ والمنفلوطي ،ومن حيث كان المذهب الكالسيكي االتباعي هو السائد عند المحافظين
أو م ا نس ميهم ش عراء البعث" ،11لق د جم ع في نص واح د مس ميات :المح افظين ،والم ذهب
الكالسيكي ،واالتباعي ،والبعث ،ويقصد بهم حركة واحدة لها خطاب شعري محدد الخاصية .أما
الدس وقي فيس ميها المدرس ة التقليدي ة* ،في حين عب ده عب دوي يس ميها الكالس يكية الجدي دة وينس ب
إليه ا األص الة** ،في ال وقت ال ذي يخت ار في ه حف ني داود مس مى "حرك ة البعث األدبي" ،12وأخ يرا
محمد بنيس الذي أطلق عليها سمية التقليدية*** .وهكذا نصل إلى التأكيد على التنوع واالختالف
في تسمية أول حركة شعرية ظهرت بالمشرق العربي في العصر الحديث ،فدارت تلك المسميات
بين :االتباعي ة ،والبعثي ة ،والمحافظ ة ،والتقليدي ة ،والطالئعي ة ،والكالس يكية ،واالتباعي ة ،وأخ يرا
اإلحيائية وهو المصطلح الذي نتبناه و نستخدمه في محاضرتنا ،فما اإلحيائية؟
بعد مس اءلتنا لإلنتاجي ة الشعرية اإلحيائي ة الحديث ة يمكنن ا الق ول عنه ا بأنه ا اس تطاعت تخريج
خط اب ش عري تنص ل من مس وح خطاب ات عص ر الض عف ،في ال وقت ال ذي تمكنت في ه اإلحيائي ة
من مأسس ة أنموذجه ا الش عري وه و يحي األنم وذج ال تراثي على عدي د مس تويات ،تمثلت تل ك
المأسس ة في هيكل ة القص يدة ،واألغ راض الش عرية ومعانيه ا ،والص ورة الش عرية ،والبني ة اللغوي ة،
وأخيرا البنية الموسيقية ،والبداية التفصيلية ستكون مع:
اس ته ّل الش عراء اإلحي ائيون خطاب اتهم الش عرية بمق دمات ذات أنس اق مخصوص ة م ع اإلش ارة
إلى أن ه ذه األخ يرة ق د اختلفت من ش اعر إلى آخ ر ،فبعض هم ابت دأ قص يدته بالمقدم ة الطللي ة ،في
حين آخ رون اخت اروا بن اء القص يدة على المقدم ة الغزلي ة ،وفي ه ذه الص نيعة إحي اء لألنم وذج
ال تراثي وذل ك من خالل اقت داء الش عراء اإلحي ائيين بس نة الش عراء األولين ،وبي ان ذل ك ،مجم وع
الشواهد الشعرية التي نقرأها في دواوين اإلحيائيين كقصيدة شاعر النيل حافظ ابراهيم 1871م ـ
1932م* ،حيث نظمها الشاعر في مدح عبد الحليم عاصم باشا بمناسبة إسناد إمارة الحج إليه سنة
1313هـ ،إال أن حافظ قد بدأ قصيدته بمقدمة غزلية وما ذلك إال من باب إحياء هيكلة القصيدة
التراثية ،يقول شاعر النيل:
َحاِئـ ٌل لو ِشْئ َ
ت ل ْـم َي ُك ِن والو َس ِن
الج ْف ِن َ
َحا َل بين َ
س في َب َدنِي ِخـْل َ
ت َن َار الفُْر ِ َو َز ِف ٌير لَـو َع ِـل ْم َ
ت بِه
16
أم ِري وفي َز َمنِي ِح ْر ُ
ت في ْ َيا لَقـَْو ِمي ِّإنـي َر ُج ٌل
بع د ه ذه المقدم ة الغزلي ة ينتق ل الش اعر إلى الغ رض األس اس من القص يدة ،إن ه الم دح كم ا أش رنا
سابقا ،حيث يقول شاعر النيل:
17
ـير ُمْؤ تَ َم ِن َخـير وا ٍ الح ِّـج ْأن َ ِ
ق َخ َ َ ت لَهُ َيـا َأم َير َ
ومن أدلة بناء القصيدة على المقدمة الطللية نستشهد بأنموذج للشاعر محمود سامي البارودي
،1904 -1838ومما جاء فيه:
اغِلي
س َش ِ ِ
ََأراني بِهَا َما َكان ْ
باألم ِ الد َار َب ْع َد تَ َـرسُِّم
ت َّْأليا َعر ْف ُ
فَ ً
إن هذه القصيدة نظمت أساسا في غرض الشكوى حيث أظهر الشاعر تبرمه مما آل إليه حاله بعد
أن كان رجل رايات وباعث الخيل في الضحى يوم الكريهة ،حيث يقول :
شعرية ومعانيها:
-2األغراض ال ّ
نظم شعراء الحركة اإلحيائية الحديثة قصائدهم وفق األغراض الشعرية المعروفة ،فنجد ل ديهم
غ رض الم دح ،والفخ ر ،والهج اء ،والرث اء ،والغ زل ،والوص ف ،والزه د ،والحكم ة..،إلخ ،وق د
اختلفت نسبة كل غرض من شاعر إلى آخر وسبب ذلك مرده إلى احتكام إنتاجية الخطاب الشعري
في غرض معين إلى مجموع األسيقة المحيطة بالشاعر في العصر الحديث .وأول األغراض التي
سنتحدث عنها هو الغزل ،ونستشهد في هذا المقام بنموذج للشاعر العراقي الجواهري حيث نقرأ له
قصيدة "النشيد الخالد" وقد جاء فيها:
ف ِللطَّر ِ
ف ُم ْدِلًيا ِإ َذا َكان و ْحي الطَّر ِ
ـَأس َر ِار َقلـَْب ْيَنا فَ ْـَأي َن التََّب ُ
اع ُد بِ ْ ْ َ َ ُ ْ
وه ذا من روائ ع الج واهري في الغ زل وق د بن اه على مع اني ال وحي ب الطرف ،وتب ادل النظ رة وم ا
تخفي من أسرار ،فضال عن التعبير بالدموع بدل األقاويل ،وتليين الهوى للقلوب الجالمد وغيرها
من المعاني المستوحاة من المرجعية التراثية ،وااللتزام بإيرادها في الخطاب الشعري الحديث هو
ما جعلنا ننظر إليها من باب إحياء المعاني التي سنها األولون .نتوسع أكثر ولكن هذه المرة مع
شاعر من فلسطين ،إنه خليل السكاكيني وهو يصدح متغزال بسلطانة التي غدت زوجته فيما بعد:
ط ُعهُ
إلي فال َأ ْقـ َ
َأسْأتُـم َّ
َ ت ب ُك ْم َحْب َل ُو ِّدي فَ َم ْه َما
طُونِ ْ
.....
ب ِطيء ال َكو ِ
اك ِب ال ْ وليِلي َ
ط ِوي ُل َنـهَ ِاري ثَ ِـقي ٌل ْ
جعهُ
َأه ُ َ َ
لقد ساهم السكاكيني في محاضن بالد الشام في مأسسة الخطاب الشعري اإلحيائي المشرقي ضمن
م ا أنتج ه في ب اب الغ زل ،وه و يفع ل ذل ك ،فإن ه لم يختل ف عن ب اقي الش عراء اإلحي ائيين من حيث
الم ِّحب،
احتواء المعاني التراثية ،ومنها قطع المحبوب لحبل الوصل مع المحب ،وثقل الليل على ُ
الم ِحب..،إلخ.
والسهاد الذي أصاب ُ
أم ا بالنس بة لغ رض الوص ف فق د تع ددت الموص وفات في ش عر اإلحي ائيين واهت دوا في ذل ك
بسنن األولين من حيث تسليط الضوء على الظواهر الخارجية بالنسبة للموصوفات ،وكذا الدقة في
الوص ف ،ومن بين القص ائد ال تي نتح دث عنه ا في ه ذا الس ياق نص الب ارودي وه و في وص ف
الربيع ،و مما جاء فيه:
.....
اء تَ ْج ِري َب ْيَنهَا ْ
اَألنهَ ُار ض َر َ
َخ ْ َأح َس َن َجَّن ٍة
ت ْ فَِإ َذا َر َْأي َ
ت َر َْأي َ
ب ِم ْس ٌ
22
ض ُار
والبهَ ُار ُن َ
َ ط ُر ُدٌّر
والقَـ ْ والج َد ِاو ُل َجَّنةٌ
ك َ فَالتُْر ُ
وتبقى للمعارك نصيبها من الوصف ولكن هذه المرة شاهدنا استقيناه من ديوان أمير الشعراء أحمد
شوقي 1869م ـ 1932م حين وصف معركة للعثمانيين في وادي فرسال ،حيث يقول:
ب
ون ْرقُ ُ َّه ِل لُ ًّدا َي ْرقُُب َ
ون َ َعـلى الس ْ أع ِادَيا
و ِف ْـر َسا ُل ِإ ْذ َبـاتُو وبِتَْنا َ
ب ِ ِ َّ
ـاه ْـم لَْيلَـهُ َيـْل َع ُ
ـام فـَتَ ُ
وقَ َ اءهُ
ـام فَتَ َانا اللي َل َي ْحمي ل َو َ
وقَ َ
ِ ِ
ب َّه ِل َح ْي َر َ
ان ُم ْذن ُ قَطيعٌ بَِأ ْق َ
صى الس ْ ات َك ََّأنـهُم ود َرابِ َ
ـض ٌ ُأس ٌ َك َّ
ـَأنا ُ
23
ض َّ تَـر ُ ِ الخْي ِل َن ٍ
اع ُمَب ِّش ُر ص ِهي َل َ
َّب
ـح ًكا وهي ُنح ُ اه َّن فيهَا ُ َ َك َّ
ـأن َ
ومن الموصوفات الخيل وذلك مع الشاعر السوري محمد البزم ،وحسب دراسة خليل ابراهيم فإن
ه ذا الش اعر اإلحي ائي الح ديث "يع د..المث ال األول لش عر النهض ة في س وريا قبي ل الح رب العالمي ة
األولى ،فقد ولد عام 1887في دمشق ..وقد تعلق البزم بشعر المتنبي وحفظ منه الكثير ،..ولكن
نظم ه بين ع امي 1907و 1913ض اع أك ثره ،وم ا نعرف ه من ش عره أك ثره بع د ان دالع الح رب
،24" 1914ومن نماذج شعره التي نستشهد بها في هذا المقام أبيات في وصف الخيل حيث يقول
الشاعر:
25
ور َها َّت بِ َـن ْح ٍ َّت من َجُن ٍ
وب و َم ْغ ِرب
دب ُ
س ُ قَـبوالً فَالَ َهب ْ ـسائم َهب ْ
َن َ
أما بالنسبة لغرض الشكوى فإنه يتجلى في قصيدة الشاعر العراقي معروف الرصافي 1875
– 1945التي تحكي عن اغتراب الشاعر عن الوطن األم ،وقد نظمها سنة 1922م بعد نزوحه
من العراق إلى لبنان وعزمه على أن ال يعود إلى العراق ،يقول هذا الشاكي الثائر والمغترب:
.....
ظ ِمينِي
اء َد ْجلَتِهَا َي ْو ًما وتُـ ْ
ع ْن م ِ
َ َ ب َب ْـغ َد َاد تُ َـحلُِّئنِي
َأح َس ُ
ت ْ َما ُك ْـن َ
الغثَانِ ِ
ين ص ْه ِب َ ٍ لَو ُك ْن ُ ِ
ت م ْن َع َجم ُ ْ ـاع َح ِقي َه َك َذا ََأب َدا
ض َ تـا اهلل َما َ
26
وم تُـْؤ ِوينِي
الي ِ لَ َـع َّل بَِب ُير َ
وت َب ْع َد َ وت ُم ْـنتَ َسبِي
ألج َـعلَ ْن ِإلَى َب ْـي ُر َ
ْ
لقد حول الشاعر جسد القصيدة إلى مرتع لشكواه من العراق وكيف أبعدته عن مائها حتى بلغ بها
ذل ك ح د اإلقص اء إلى م واطن أخ رى ،حيث س جل الش اعر انتس ابه إلى ب يروت في حين أن وطن ه
األم هي العراق ،لقد ُه ِّمش الرصافي كثيرا وما ْانتُ ِ
صف له .وفي مصر نطالع قصيدة الرافعي وهو
يق دم ع بر نس يجها النص ي ش كواه من ظلم الخالئ ق وت ولي الص با وس فاهة الس فهاء علي ه ،يق ول
الرافعي:
ِ َّ ِ ِ ِ ِ
الح ِّ
ب تَْب َرى وس َـوى علتي م َن ُ َغ َير َقْلبِي ََأراهُ َي ْستَطيعُ َ
ص ْب َرا
...
ص ْخ َرا اَألر ِ الرو ِ
اس َي ِإِّني ِ
ض َ ألرى ظُْل َم ُك ْم َعلَى ْ
َ َوالـذي َأثْ َـق َل َّ َ
َّم ِت ْ
َأج َرا ـت فَِإ ِّني ر َْأي ُ ِ
ت في الص ْ َ َ َّمـ ال ي ُغر َّن م ْن يلُ ِ
ومـني الص ْ
َ َ َ َ ُ
وإ ذا توسعنا في دواوين أخرى من العصر الحديث فإننا نقرأ ألمير الشعراء أحمد شوقي مرثية في
سقوط الدولة العثمانية ،ومما جاء فيها:
اح
اإلصَب ِ
ْ ت ِع ْن َد تََبلُّ ِج
ود ِف َـن ْ
ُ ت في لَْي ِل ال ِّـزفَ ِ
اف بِثَْوبِه ُكـفَِّن ْ
اح
ون َو ِ
ك َت َعلَْي ِك َم َم ِال ٌ
وبـ َك ْ
َ وم َـنابِ ُر ِ ِ
َّت َعـلَْيك َمآذ ٌن َ
ضـج ْ
َ
اح ض ِ
الخالفَة َم ِ َأم َحا ِم ْن ْأر ِ اق وفَ ِار ُس ِ
والع َر ُ ـام تَ ْسَأ ُل َّ
َ والش ُ
28
اح
اَألن َو ِ يه مقَ ِ
اع َد ْ ِِ الجالِئل َمْأتَ ًما
فَـقَ َع ْد َن ف َ الج َمعُ َ
ك ُ ت لَ َ
وَأتـَ ْ
ومن األغراض التي نظم فيها اإلحيائيون نذكر الرثاء ،و هنا سنستشهد بقصيدة لحافظ ابراهيم
في رثاء مصطفى كامل و ذلك في الذكرى األربعين لوفاته ،و قد استهلها حافظ بقوله:
الخطَّ ِار
س بِالقََنا َ
ب الفَـو ِار ِ
لَـع َ َ
ِ ت
َأع َج َز ْ
اع فَ ْ
الي َر ِ ت َي ِـم ُين َ
ك بِ َ لَ ِعَب ْ
ض َم ِار ت ِفي ِ
الم ْ وَأن َ
اء ْ للعْلَيا ت ْـب ِغي َش َْأو َها
ض ُ
فَ َج َرى القَ َ ت َ َو َج َـر ْي َ
ان ِ
َأع َّـز ٍة ْ
َأخ َـي ِار الب ْـرلَ َم ِ ِ وم َشايِ ٍخ تب ِ ِ
فـي َ ـين ش َك َايتَنا َ
صْل َ َ َ
وو َ
َ
ض ِاري ف لَْي ِث َغ ٍ
اب َ ت َم َو ِاق َ
َك َان ْ ك المو ِاق ِ
ف َّإنهَا ِ ِ
َواق ًـعا َعـلَى تْل َ َ َ
30
ِم ْـن َع ْـز ِم ِه قَول الم ِر ِ
يب َح َذ ِار الو ِع ُ
يد وال ثََنى ِِ
ُ ْ لَ ْـم ُيـْلوه َع ْنهَا َ
أما بالنسبة لغرض المدح ،فإننا سنستغل الفرصة لننتقل إلى فلسطين حيث نطالع ما كتب من
قصائد في مدح الشدياق في العصر الحديث ،ومن ذلك القصيدة التي كتبها األديب البارع األنجب
يوسف أسعد أفندي ،حيث يقول:
الح ِاذقُ َ
ونا ـلم َي ْنظُ ْر ِس َو َ
اها َ فْ ط ٍر َج َـواِئ ُـبه َس َم ْ
ت في ُك ِّل قُ ْ
ض ِم َينا ِ ِ
ومـَ ْن لْل ُم ْذنبِ َ
ين َغ ًدا َ وب ْي ِت َربِّي سـُأ ْق ِسم ب ِ
ـالحط ِيم َ
َ ُ َ
31
والي ِق َينا َأصفَى الس ِ
َّر َيرةَ َ وقَ ْد ْ ض ُل
ب وفَ ْ ألح َـم َد فَ ِ
ـارس ََأد ٌ ْ
إن المع اني ال تي ب نيت عليه ا مدحي ة يوس ف أس عد أفن دي تس توحي أص ولها من األنم وذج ال تراثي،
حيث رك ز الش اعر على الص فات اإليجابي ة في المم دوح ومنه ا تفوق ه على الكت اب ،وه و إم ام
األذكياء ،بحر علم ،شمس هدى ..،إلخ ،مع التنويه ببعض الخصال المحمودة التي اتسم بها فارس
الشدياق فهو نقي السريرة ،وصافي اليقين ،ولم يفوت الشاعر ذكر أعمال الشدياق البارزة ومنها
جري دة الج وائب ال تي ك ان يص درها ،وق د ذاع ص يتها في مش ارق األرض و مغاربه ا ،فض ال عن
نظمه لدرر الشعر .وما زالت بنا القراءة متواصلة للمدحيات في الخطابات الشعرية الحديثة ولكن
هذه المرة مع الرافعي الذي ضم ديوانه عددا من قصائد المدح ،ومنها هذا األنموذج الذي نستشهد
به ،وقد نظمه الرافعي في مدح السلطان عبد الحميد في عيد جلوسه سنة 1901م:
يه َن ِ
النص ِر ِف ِ الخـالَفَ ِة َربُّهَا
ـاد بِ ِه روح ِ
ـص ُير َها ـاء لَهَا بِ َّ ْ
َو َج َ َأع َ ُ َ َ
...
32
ين َزِئ ُير َها يـر ِّد ُد ب ْـين َ ِ ِ ُأس ًدا َع َوابِ ًسا
الخافق َ َُ َ َ ض ْ اَألر َ
ألت َعلَْيهَا ْ
َم َ
لقد امتدح الرافعي في السلطان عبد الحميد عديد صفات إيجابية منها القوة التي تميز بها السلطان،
وتحقق النصر على يديه لدولته ،وتسخير نفسه إلغاثة دولته من كل مكروه وحمايتها ..إلخ.
اء َر ِحيال
العَي ُ
اء َك ال َّـد ُ
فَـ َك ََّأن َ ت ت ع ِن البِ ِ
الد تَ َشهَّ َد ْ لـما َر َحْل َ َ
34
يب َمثِيال ِ
ك ال ُيص ُ
ب لَ َع ْم ُر َ
ََأد ٌ اع ِإ َه َانةً
الو َد ِ
َْأو َس ْعتََنـا َي ْـو َم َ
ح تى الب ارودي ك ان مولع ا بالهج اء وق د س ار على س نة األولين في الفحش واإلق ذاع في مع اني
الهجاء ،حيث هجا شخصا ولم يحدد اسم المهجو ،يقول:
ك ِم ْن ِح ْزبِ ِه
فَـقَ ْد َكفَى ََّأن َ ان في ِف ْعِل ِه
ط َ ال تَ ْـبه ِت َّ
الش ْي َ َ
35
والنـ ْق َمةُ في قُْربِ ِه َّ
والش ُّـر ِّ والن ْع َمةُ في ُب ْع ِد ِه
ـالخ ْي ُر ِّ
فَ َ
لق د هت ك الب ارودي األس تار عن المهج و فخص ه بأس وأ األوص اف والنع وت ،ف المهجو من ح زب
الشيطان ،ومضاهاته الخنزير في الطبع ،كما أنه ال يخشى اهلل في الخلق ،..وبهذا يمكننا القول بأن
الهج اء ق د ورد على مع اني وغاي ات األولين من الش عراء ،وذل ك من حيث اإلفح اش في الهج اء
واإلقذاع في المعاني إلى حد الحط من قيمة المهجو وهذا الذي لم تتنازل عنه قصيدة البارودي.
إلى ج انب م ا س بق ذك ره من األغ راض الش عرية نص ل في ه ذه المحط ة إلى الح ديث عن
غرض الفخر ،فقد نظم فيه الشعراء اإلحيائيون ومن بينهم نذكر رائدا من رواد الحركة الشعرية
اإلحيائية في ُع َمان ،إنه الشاعر أبو مسلم البهالني (ت 1920م) حيث نستشهد له بأنموذج افتخر
فيه بترفعه عن الوقوف بأبواب أصحاب العطاء ،كما عول الشاعر على معنى االعتداد بالنفس من
حيث القناعة وصون العرض والترفع عن اللئام والطغاة ،وفي هذا يقول الشاعر:
بع د قراءتن ا للمنج ز الش عري اإلحي ائي يمكنن ا الق ول إن ه ؤالء الش عراء اإلحي ائيين ق د نظم وا
قصائدهم ضمن مجموع األغراض الشعرية التراثية ،وقد التزموا بسنن األولين من حيث المعاني
المخصوص ة بك ل غ رض ،وعلى ال رغم من اختالف نس بة النطم على األغ راض من ش اعر إلى
آخر إال أنه يمكننا القول بأن الشعراء اإلحيائيين قد أعادوا للقصيدة العربية الحديثة مجدها ومكانتها
التي كانت عليها في عصورها الزاهية ،بخالف ما كانت عليه الموضوعات الشعرية من سخف
في عصر االنحطاط .