‫السنة الثالثة‪ :‬دراسات لغوية‬

‫المحاضرة ‪1‬‬

‫مدخل إلى األدب الجزائري القديم‬

‫قبل الوقوف على مفهوم األدب الجزائر وطرح بعض المفاهيم واإلشكاالت التي تعتريه‪،‬‬
‫وجدنا من الجدير بنا الوقوف على الخصائص التاريخية والجغرافية للمنطقة في القديم‪ ،‬والتي‬
‫الزالت محل نقاش لقلة وضياع كثير من المؤلفات‪.‬‬

‫ومهم ا يكن من أم ر ف إن األدب الجزائ ري أفرزت ه مراح ل تاريخي ة متعاقب ة تك ونت من‬
‫الجزائري المحلي واألمم المتعاقبة‪ ،‬وانصهرت كلها وتفاعلت عبر قرون واندمجت في األخير‬
‫لتق دم أدب ا جزائري ا عرب ا متم يزا بخصوص يته‪ ،‬أدب يخض ع لبيئت ه بك ل عناص رها ومجتمع ه‬
‫بعاداته وأفكار‪.‬‬

‫أصل السكان‪:‬‬

‫في القرن الثالث قبل الميالد وفد إلى شمال إفريقيا قبائل من جزيرة العرب من أبناء مازيغ‬
‫بن كنع ان ابن ح ام ابن ن وح علي ه الس الم‪ ،‬ثم ه اجرت إليه ا قبائ ل من فلس طين ق د ف رت من‬
‫يشوع بن نون‪ ،‬ومنها عرب يمانيون جاؤوا مع "افريقش أحد ملوك اليمن ومنهم قبيلتي كتامة‬
‫وقبيلة صنهاجة‪ ،‬ومنها أقوام أتت من األندلس مع قدوم اليونان إلى المنطقة‪ ،‬وكل هذه األقوام‬
‫واألجن اس ام تزجت بالس كان األص ليين مكون يين ع بر ق رون عنص ر ال بربر‪ ،‬وه و اس م أطلق ه‬
‫عليم اليونان ثم الرومان‪ ،‬كونهم أجانب عنهم وال يتكلمون لغتهم‪ ،‬والقبائل العربية التي عمرت‬
‫الجزائر تتفرع من ثالث قبائل كبيرة‪ :‬صنهاجة وكتامة وزناتة ‪.‬‬

‫وكانت لغتهم بسيطة ثم تطورت بمرور الزمن متأثرة بلغات األمم التي استوطنتهم (وكانت‬
‫ح روف اللغ ة البربري ة عب ارة عن رس وما‪ ،‬وك ان الخ ط ال بربري ي تركب من عش ر ح روف‬
‫يسمونها" تيفيناغ من وضع البشر‪ ،‬وهذا الخط على قول"فوكولد" يستحيل تدوين الكتب ب ه‪ ،‬ولم‬
‫يبقى له أي أثر في إفريقيا الشمالية سوى بالصحراء عند الطوارق‪ ،‬ويذهب بعض المؤرخين‬
‫إلى أن الخط البربري القول إن اللغة البربرية حديثة العهد حديث العهد يرجع اختراعه إلى‬
‫ماصينيصا في القرن الثالث قبل الميالد وضعه على نمط الحروف الهجائية الفينيقية) ‪ ،‬لشدة‬
‫تأثره بحضارتهم ورغبته في تطور شعبه بهم‪.‬‬

‫لقد قدم الفينيقيون إلى شمال إفريقيا بسبب التجارة واندمجوا مع سكان المنطقة بسهولة‪،‬‬
‫ألنهم لم يكون وا مس تعمرين كم ا ك انت روم ا‪ ،‬وق د أعجب بهم ماسينيسا موح د ال بربر بع د‬
‫قض ائه على س ((يفاكس‪ ،‬وتعلم الفينيقي ة وفتح م دارس ع دة لتعليم ش عبه وتط ويره‪ ،‬ح تى‬
‫صارت لغة يتكلم بها غالبية السكان البرابرة‬

‫وبمجيء الروم ان‪ -‬ال ذين ك ان لهم الوج ه االس تعماري‪ -‬إذ ض يقوا الخن اق على الس كان‬
‫وأهانوهم وسلبوا منهم األراضي الخصبة وثاروا ضدهم بزعامة يوغرطة الذي سرعان‬
‫ما قضت عليه روما‬

‫لق د ك ان للروم ان الحض ور الق وي سياس يا وثقافي ا وأدبي ا في ذل ك ال وقت‪ ،‬وح اولوا الت أثير‬
‫على األه الي بترس يخ حض ورهم وبث س لطتهم وتعميم لغتهم‪ ،‬وب رغم إع راض الس كان إال‬
‫أن ه ب رزت فئ ة أقبلت على لغتهم وثق افتهم ومنهم يوبا الث((((اني‪ ،‬وأس قف بون ا الق ديس‬
‫اوغس((تين‪ ،‬وأبط((ات راهب مدين ة ميل ة‪ ،‬وبوس((يديوس أس قف قالم ة وه و م ؤرخ الق ديس‬
‫أوغس تين وكلهم تعلم وا الالتيني ة وص بغوها بص بغة وطنهم وح افظوا في ذل ك على أص لهم‬
‫وهويتهم ‪ ،‬إلى جانب صاحب أول رواية في تاريخ اإلنسانية أبوليوس‪ ،‬وديوان األزاهير‬

‫لقد ُوجد األدب في الجزائر منذ القديم‪ ،‬ورافق التحوالت عبر التاريخ هذا يا يقره كثير‬
‫من الباحثين مقدمين في ذلك آراء ومستندين إلى جملة من المعطيات الثقافية والتاريخية‪،‬‬
‫وعليه كل أديب ولد في الجزائر أو مكث فيها واستوطنها طوال حياته أو توفي بها فهو‬
‫جزائري‪ ،‬بحكم ذلك التأثر والتشابك والمصاهرة واالندماج نتيجة طول المدة‪.‬‬

‫والسبب في ذلك يرجع لقلة المصادر عن األدب الجزائري إن لم نقل غيابها‪ ،‬ولكثرة ما‬
‫ضاع من تراثنا وإ هماله‪.‬‬

‫تعريف األدب الجزائري القديم‪:‬‬

‫ه و مجم وع األعم ال األدبي ة والنص وص ال تي كتبت من قب ل كت اب جزائ ريين‪ ،‬عاش وا في‬
‫الجزائ ر أو قض وا فيه ا حقب ة معين ة من حي اتهم أين تف اعلت مخيلتهم‪ ،‬والواق ع الجزائ ري‬
‫فعكسوا سيمات هذا المجتمع‪ ،‬من خالل موضوعات تعد من خصوصية الثقافة الجزائرية‬
‫القديمة‪ .‬والقديم‪ ‬مفهوم زمني بحت‪ ،‬وهو صفة متعلقة باألدب الجزائري في مرحلة بدأت‬
‫من تاريخ تأسيس الدولة الرستمية‪.‬‬

‫نشأت األدب الجزائري‪:‬‬

‫لق د أرخ عب د المل ك مرت اض في كتابه األدب الجزائ ري الق ديم‪ ،‬دراس ة في الج ذور‪ ،‬بداي ة‬
‫األدب الجزائري من تاريخ تأسيس الدولة الرستمية نسبة إلى مؤسسيها‪ ‬عبد الرحمن بن‪ ‬رس تم‬
‫زعيم الخ وارج اإلباض يي‪ ،‬وك انت عاص مة الرس تميين مدين ة تيه رت‪ ،‬والج دير بال ذكر أن‬
‫الدول ة الرس تمية تمث ل ص در اإلس الم ب الجزائر (الق رن الث اني هج ري‪/‬الث امن الميالدي)‬
‫ومؤسسها عبد الرحمن بن رستم ‪.‬‬

‫ومن الشخص يات الب ارزة‪ :‬اإلم ام أفلح بن عب د الوه اب بن عب د ال رحمن‪ ،‬ال ذي ت رك خطب ا‬
‫ورس ائل ذات ط ابع سياس ي دي ني‪ ،‬باإلض افة إلى مقتطف ات ش عرية‪ ،‬أب و س هل‪ ،‬ول ه مص نفات‬
‫احترقت في الفتن التي أصيبت بها تيهرت في أواخر الحكومة الرستمية‪ ،‬أبو الفضل أحمد بن‬
‫القاسم البزار‪ ،‬أحمد بن فتح التاهرتي انتقل إلى المغرب األقصى وكان أديبا وشاعرا‪ ،‬بك ر بن‬
‫حماد له ديوان شعري بعنوان "الدر الوقاد"‪ ،‬وتزعم الحركة الزهدية في األدب المغاربي‪.‬‬

‫فترة األغالبة‪:‬‬
‫اتخذ األغالبة "طبنة"‪ ،‬الواقعة وسط إقليم الزاب الجزائري عاصمة لحكمهم‪ .‬وأصبحت "طبنة"‬
‫قاعدة الجزائر الشرقية في الحركة العلمية واألدبية ومن األسماء البارزة على عهد األغالبة‬
‫محمد بن حسين الطبني‪ ،‬وظهر إسحاق الملشوني‪ ،‬نسبة إلى "ملشون"‪ ،‬وهي قرية من قرى‬
‫بس كرة؛ وأب و الفض ل عطي ة الطب ني؛ وأب و العب اس محم د البري دي‪ ،‬وه و أح د كت اب الدول ة‬
‫األغلبية‪.‬‬

‫الفترة الفاطمية‪(:‬‬
‫اتخذ الفاطميون من "المسيلة" عاصمة لهم‪ ،‬فقصدها أرباب الثقافة والفضل في ذلك يرجع إلى‬
‫مؤسس ها وواليه ا علي بن حم دون‪ ،‬يمث ل ه ذه الف ترة خ ير تمثي ل الش اعر الكب ير بن ه انئ‬
‫األندلسي الذي هاجر إلى المغرب وبالذات إلى منطقة الزاب‪.‬‬

‫الفترة الصنهاجية‪: ‬‬
‫ك ان زعيم الص نهاجيين بلقين بن زي ري بن من اد والي ا على الجزائ ر‪ ،‬واس تطاع أن يحق ق‬
‫للمغرب العربي ما لم يستطعه حكام المغرب قبله‪ ،‬وغدت الدولة الحمادية أول دولة بربرية‬
‫ب الجزائر اإلس المية‪ ،‬وك انت عاص متها القلع ة‪ .‬وك انت العربي ة هي اللس ان الرس مي للدول ة‬
‫الحمادية مع أن رؤساءها برابرة لكون العربية لغة القرآن والدين‪.‬‬

‫وقد ازدهر األدب في فترة الحماديين من حيث الكم‪ ،‬وأما من جهة الكيف فظل يتسم بسمات‬
‫المدرسة الشرقية‪ ،‬وإ ن كان قد ضاع نتاج هذه الفترة بسبب االضطرابات‪ ،‬إال أن هناك رج اال‬
‫جزائريين عاشوا في تونس وصل إلينا شيء من آثارهم األدبية ومن هؤالء‪:‬أبو الحسن علي‬
‫بن أبي الرج ال الش يباني‪ ،‬ابن رش يق الق يرواني ال ذي خل ف م ا يرب و على ثالثين كتاب ا‪ ،‬منه ا‬
‫"الش ذوذ في اللغ ة"‪ ،‬و"العم دة"‪ ،‬وه ذا األخ ير كت اب نق دي متص ل بقض ايا الش عر‪ ،‬عب د الك ريم‬
‫النهشلي وهو أستاذ الحسن بن رشيق القيرواني‪ ،‬ابن قاضي ميلة‪ :‬ابن الربيب‪ :‬كتب في النثر‬
‫والشعر‪ ،‬ورسالته عن ابن حزم األندلسي أكبر شاهد على تفوقه في النثر الفني‪ .‬كما تدل هذه‬
‫الرسالة على أن الجزائريين كانوا على بينة من أخبار الملوك واألمراء والكتاب والوزراء‪،‬‬
‫يوس ف أب و الفض ل بن النح وي وق د تفنن في ش عر التوس الت واالبته االت واش تهر بقص يدته‬
‫المعنونة بـ‪" :‬المنفرجة"‪ ،‬أبو عبد اهلل بن محرز بن محمد الوهراني صاحب "المنامات"‪.‬‬

‫الفترة الحفصية‪: ‬‬
‫من أبرز أدبائها محمد بن حسن القلعي‪ ،‬أحمد بن أبي القاسم الخلوف شاعر الحفصيين دون‬
‫منازع‪.‬‬

‫مع القرن السابع الهجري‪ ،‬بدأ األندلسيون في الهجرة إلى الجزائر‪ ،‬وكان حظ تلمسان من‬
‫المهاجرين األندلسيين أوفر من غيرها‪ ،‬فكثر النتاج األدبي‪ ،‬وازدهر فن التوشيح الذي تعود‬
‫أصوله في الجزائر إلى القرن الخامس هجري مع الشاعرين الكبيرين األريسي وابن فكون‪.‬‬
‫و في القرن السابع‪ ،‬اشتهر شمس الدين محمد بن عفيف التلمساني‬
 ‫فترة المرينيين‪:‬‬
‫ب رزت في ه ذه الف ترة أس ماء أدبي ة جدي دة كالملي اني‪ ،‬ومحم د ابن م رزق الخطيب‪ ،‬وأحم د بن‬
‫قنفد القسنطيني‪.‬‬

‫الفترة العثمانية(‪: ‬‬
‫لم يهتم األت راك ب األدب م ا جع ل الض عف ي دب في مفاص ل األدب على عه دهم‪ ،‬فغلب عليهم‬
‫ط ابع الجف اف‪ ،‬ولم يظه ر أدب اء حقيقي ون إال في الق رن الح ادي عش ر‪ ،‬ومنهم‪ :‬أحم د المق ري‬
‫الذي ولد في تلمسان وخلّ ف ثروة أدبية منها "أزهار الرياض" و"نفح الطي و"عبد الكريم بن‬
‫محمد الفكون‪ ،‬ومن مؤلفاته رسالة من نوع اإلخوانيات‪.‬‬

‫المراجع‪:‬‬

‫‪/‬رابح بون ار‪ ،‬المغ رب الع ربي تاريخ ه وثقافت ه‪ ،‬الش ركة الوطني ة للنش ر والتوزي ع‪ ،‬الجزائ ر‪،‬‬
‫‪.1986‬‬
‫‪/‬محمد الطمار‪ ،‬تاريخ األدب الجزائري‪ ،‬الشركة الوطنية للنشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر ‪.1981‬‬
‫‪/‬عبد الملك مرتاض‪ ،‬األدب الجزائري القديم‪ ،‬دراسة في الجذور‪ ،‬دار هومه‪.‬‬
‫‪ -‬عبد هللا حمادي‪ ،‬دراسات في األدب المغربي القديم‪ ،‬دار البعث‪ ،‬ط‪.1986 ،1‬‬