You are on page 1of 17

‫المحاضرة الخامسة‬

‫اآلداب الشرقية القديمة‬

‫‪ -1‬األدب الهندي‬

‫ال نظن أننا نغايل عندما نقول أن مصطلح اآلداب الغربية مصطلح حاضر يف أذهان طلبتنا‬
‫راسخ يف معارفهم يف حني أن مصطلح اآلداب الشرقية ال يكاد جيد له مكانا عندهم‪ ،‬و األكيد أن‬
‫مناهجنا و الربامج املقرتحة تقف وراء هذا اخللل من خالل الرتكيز الكامل على آداب بالغرب و‬
‫كل ما يتعلق هبا من دراسات و ما يأيت منها من مناهج و نظريات على حساب الشرق بالرغم ما‬
‫لآلداب الشرقية من مكانة رفيعة يعرتف هبا الغربيون أنفسهم قبل غريهم‪ ،‬ويكفي دليال على ذلك‬
‫انبهار هيجل الكبري بالعامل الشرقي ‪ ،‬إىل احلد الذي جعله يقول يف كتابه " العامل الشرقي" ‪:‬أن يف‬
‫آسيا أشرق ضوء الروح و من مث بدأ التاريخ الكلي‬

‫عامل كهذا‪ ،‬ال شك أنه قادر على إنتاج أدب راق يعكس صورة اإلنسان الشرقي و عاداته و‬
‫تقالي ده‪ ،‬و نظم ه و قوانين ه و أخالق ه‪ ،‬و ك ل م ا يتعل ق حبيات ه ‪.‬و ال ذي نعني ه ب األدب الش رقي يف‬
‫كالمن ا الي وم ه و أدب ال دول األس يويه العريق ة منه ا خاص ة ك أدب اهلن د و الص ني و الياب ان و‬
‫الفرس‪...‬‬

‫و لك ل أم ة من ه ذه األمم قيمته ا و حض ارهتا املوغل ة يف الت اريخ و جلميعه ا آداب و ثقاف ات‬
‫عريق ة هلا خصوص يتها ‪ ،‬و ال ذي ال ش ك في ه ف ان اآلداب الش رقية القدمية مجيعه ا تش رتك يف أهنا‬
‫انتقلت شفاهة من جيل إىل جيل قبل أن تصل إلينا كما هي مدونة اليوم كما أهنا ‪ -‬أعين اآلداب‬
‫الش رقية – قائم ة يف األس اس على ثالث ة أعم دة رئيس ية متيزه ا هي ‪ :‬الظ اهرة الديني ة ‪ ،‬حض ور‬
‫األسطورة ‪ ،‬و اجلنوح إىل اخليال ‪ .‬و على كل فإننا يف هذه العجالة سنقف يف البداية عند األدب‬
‫اهلن دي لنفتح معكم ‪ -‬طلبتن ا ‪ -‬باب ا من خالل ه ميكنكم التع رف و ل و باختص ار على ت اريخ ه ذا‬
‫األدب و فنونه و بعض أعالمه رغبة يف توسيع املعارف و تنويع الثقافة ‪.‬‬

‫نعين باألدب اهلندي ذلك األدب الذي أبدعته قرائح األدباء اهلنود ليعربوا به عن مكنونات‬
‫أنفس هم و ينش روا أفك ارهم و يص وروا حي اهتم و األكي د أن األدب اهلن دي ‪ -‬كغ ريه من آداب‬
‫األمم األخرى ‪ -‬مل خيلق من عدم و مل يولد راشدا فقد خضع لسنن الطبيعة و نواميس احلياة ‪...‬‬
‫فقد مر هو اآلخر كما يرى الدارسون و املهتمون باآلداب القدمية مبجموعة من املراحل‬
‫ميكن تلخيصها كما يلي‪:‬‬

‫المرحلة األولى ‪:‬‬

‫كغريه من اآلداب القدمية ارتبط األدب اهلندي القدمي بالشفوية من جهة و الظاهرة‬
‫الدينية اليت سيطرت على تفك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــري اإلنسان القدمي من جهة أخرى يقول جبور عبد النور يف هذا‬
‫الص دد ‪ ":‬أس وة بع دد كب ري من اآلداب القدمية األخ رى أول م ا ظه ر يف األدب اهلن دي نص وص‬
‫مرتبطة بشؤون العقيدة الدينية و الشعائر العائدة إليها و كانت يف معظمها شفوية متنقلة مساعا من‬
‫جيل إىل جيل مث منتهية بعد التبديل و التعديل إىل الظهور يف صفحات مكتوبة "‬

‫أهم م ا مييز ه ذه املرحل ة و جيب أن نق ف عن ده كت اب " الفي دا " و ه و كت اب دي ين‬


‫هندوسي مقدس كتب كما يرى بعض الدارسني على مدى مئات السنني من ‪ 500-2500‬قبل‬
‫امليالد‪ .‬يقع هذا الكتاب يف مثان مئة جملد و يضم أناشيد و تراتيل وضعت خصيصا لتحفظ و ترتل‬
‫يف املناسبات ‪ .‬و الفيدا كلمة تعين املعرفة هبذا اإلطالق ما يعين أن هذا الكتاب يتضمن كل ما‬
‫يهم اإلنس ان اهلن دي يف حيات ه يف مجي ع نواحيه ا الديني ة و الفكري ة و األخالقي ة و االجتماعي ة و‬
‫الفلسفية ‪...‬و األكيد أن كتابا هبذا احلجم و هذا التنوع ال ميكن أن نزعم أو نقتنع انه من تأليف‬
‫رجل واحد بل هو نتاج جملهود جمموعة من املؤلفني و على مدى أجيال متعاقبة و األكيد أن ما هو‬
‫متاح بني أيدي الدارسني اليوم ال ميثل إال جزءا من الكتاب باعتبار أن القسم األكرب منه قد ضاع‬
‫مثلما ضاعت مؤلفات األمم القدمية األخرى‪.‬‬

‫المرحلة الثانية‪:‬‬

‫ميثل هذه املرحلة األدب اهلندي املكتوب باللغة السنسكريتية القدمية اليت تعترب أم اللغات اهلندية‬
‫املختلفة و األدب اهلندي يف هذه املرحلة بقي مرتبطا بالظاهرة الدينية إذ ظهرت جمموعة من الكتب ذات‬
‫الصبغة الدينية يأيت على رأسها " الربامهانا "‬

‫و الربامهانا كتاب يرتبط ارتباطا وثيقا بالفيدا إذ ألف خصيصا لشرح و تفسري ما جاء يف كتاب‬
‫الفي دا من التيم ات و املواض يع ال يت يب دو ان ه بط ول ال زمن أص بحت مستعص ية على الفهم و االس تيعاب‪،‬‬
‫خاصة على العامة من الناس كما تضمن هذا الكتاب العديد من األساطري كأسطورة الطوفان إضافة إىل‬
‫كثري من اآلراء الفلسفية و احلكم وقد متيز الربامهانا بطابعه الرمزي الشيء الذي لفت إليه انتباه الدارسني‬
‫فانكبوا عليه بدراسات دينية و فلسفية عميقة ‪.‬‬

‫المرحلة الثالثة‪:‬‬

‫تع ود ه ذه املرحل ة للق رن الس ادس قب ل امليالد متيزت بوض ح أض خم و أش هر ملحم تني يف األدب‬
‫اهلندي و حىت العاملي أعين املها هبارتا و الرامايانا و قد تلتهما العديد من املؤلفات و اليت متيزت مجيعها‬
‫بس يطرة ال روح الديني ة باعتباره ا ترك ز احلديث عن متجي د اآلهلة و تع رض األس اطري املتعلق ة باألرب اب و‬
‫الطق وس املتعلق ة بعبادهتا و يب دو أن مؤلف ات ه ذه املرحل ة عرض ت مادهتا بأس اليب عذب ة و أفك ار ماتع ة‬
‫أضفت عليها مجاال و سحرا شد إليها األدباء و الدارسني فاقبلوا عليها و تعلقوا هبا سواء القدماء منهم أو‬
‫احملدثون‬

‫المرحلة الرابعة‪:‬‬

‫تبدأ هذه املرحلة يف القرن الثاين قبل امليالد مرحلة تراجعت فيها سيطرة الروح الدينية فقد جنح الكتاب‬
‫اهلنود يف هذه املرحلة اىل االهتمام و احلديث عن األمور الدنيوية دون اختفاء تام ألمور العقيدة و الدين و‬
‫مرد ذلك يعود إىل طبيعة احلكم الذي كان بيد ملوك "غوبا " الذين شجعوا النشاط الفين و األديب إال أن‬
‫اللغة اهلندية السنسكريتية يف هذه املرحلة مالت إىل التصنع و االستعارات املوغلة يف الغموض و كثر فيها‬
‫الرم ز اىل احلد ال ذي أص بح من العس ري الوق وف على املع اين و املقاص د عن دما أص بح األدب املكت وب هبا‬
‫عب ارة عن رم وز و طالس م حتت اج إىل معني لفكه ا و فهم مض امينها ففق د ب ذلك األدب ص لته بالعام ة و‬
‫أصبح خاصا بأهل العلم و االختصاص و رجال الدين ومن أشهر أدباء هذه املرحلة " كاليداسا " الش اعر‬
‫امللحمي و املسرحي الذي كتب بالسنسكريتية و متيز برفعة أسلوبه و تنوع إنتاجه من ذلك راغوفامسا و‬
‫مغادوتا و رقصة الفصول اليت وصف فيها الفصول الستة يف السنة اهلندية ‪.‬‬

‫ابرز فنون االدب الهندي‪:‬‬

‫يف األدب اهلندي كما يف غريه ال بد من فنون و قوالب يصب فيها األديب إبداعه ‪ ،‬فنون ال‬
‫شك أنه يشرتك فيها مع غريه من اآلداب القومية األخرى وان بدا كل أدب فيها مبا مييز شخصيته اخلاصة‬
‫به و لعل من أبرز الفنون اليت جيب الوقوف عندها يف األدب اهلندي‬
‫فن احلكاية األسطورية و اخليالية‪ ،‬الفن األصيل الذي الزم األدب اهلندي منذ عهد الشفوية وقد‬ ‫‪-1‬‬
‫متيز بصبغته الشعبية و يبدو ان تركيز اهلنود على هذا الفن كان كبريا إذ اختذوا منه وسيلة لتثقيف‬
‫الناشئة و غرس املبادئ السامية األفكار املستنرية و األخالق الرفيعة فيهم من أمثلة ذلك " بنج‬
‫تناترا " الكتاب الذي تقله إىل العربية ابن املقفع حتت عنوان " كليلة و دمنة" و من أمثلة ذلك‬
‫أيض ا املص نف املع روف ب " الكتب اخلمس ة " ال ذي يص ور حي اة خمتل ف املن اطق اهلندي ة وق د‬
‫عاجلت قصصه قضايا العامة و كتبت بأسلوب ممتع متخذة من احليوانات أبطاال بدالالت و‬
‫رموز مقصودة و عادة ما تتخلل سردها أبيات من الشعر ونظرا ملا اتصفت به هذه احلكايات من‬
‫جاذبي ة لقرائه ا فق د القت رواج ا كب ريا بني الق راء عن د مجي ع األمم خاص ة عن دما ت رمجت إىل‬
‫العديد من لغات العامل‪.‬‬
‫فن الرواية و نعين هبا احلكايات الطويلة اليت تصور واقع حياة الناس و تعاجل مهومهم اليومية من‬ ‫‪-2‬‬
‫أش هرها ‪ " :‬حكاي ات الفتي ان العش رة " ال يت تتمث ل أج داثها يف أن ك ل واح د من ه ؤالء الفتي ة‬
‫يذكر مغامراته يف أثناء محلة عسكرية و " تاريخ حرصا " اليت ألفها الشاعر " بانا " لالمرباطور "‬
‫" حرصا "حيث جمده و وصف احلياة يف بالطه و أبرز بطوالته يف محالته ضد أعدائه و بالنظر إىل‬
‫طبيعة األحداث يف الروايتني ال خيفى ما من روح ملحمية فيهما ‪.‬‬
‫فن املسرح مل خيض األدباء اهلنود يف هذين الفنني فحسب بل أبدعوا كذلك يف الفن املسرحي و‬ ‫‪-3‬‬
‫أتقنوه منذ القدم و عاجلوا به قضاياهم و ما يهم حياهتم أو حياة اخلاصة منهم و أحيانا تعرضوا‬
‫من خالل ه إىل بعض املوضوع ـ ـ ـــات اخليالي ة و امللحمي ة من أش هر املس رحيات و أمتعه ا مس رحية‬
‫"شكونتاال " للشاعر " كاليداسا ث اليت تصور عاطفة احلب و العالقات اإلنسانية من خالل ما‬
‫حدث بني امللك " دوسنتا "و ابنة إحدى احلوريات الفتاة " شكونتاال " ‪ ،‬حيث وقع يف غرامها‬
‫و تزوجها سرا و أعطاها بعد فراقه عنها خامتا غري أن أحد النساك اعترب هذه العالقة خطيئة ونقم‬
‫عليه فأفقده ذاكرته و أضاعت الفتاة اخلامت و مل تستطع إثبات عالقتها به و مرت السنون على‬
‫هذه احلال حىت عثر امللك على اخلامت فاستعاد ذاكرته و ذات يوم صادف شابا يشبهه و اكتشف‬
‫انه ابنه من" شكونتاال "و سعيا إلرجاعها‪..‬‬

‫من الناحية الفنية اعتمد " كاليداسا " الشعر و النثر و الغناء و جعل النبالء يتحدثون باللغة السنسكريتية‬
‫بينما عامة الناس و النساء و األطفال يتحدثون خمتلف اللهجات الشعبية اهلندية من هنا بدأت تظهر إىل‬
‫الوجود اللغات املنبثقة عن اللغة األم و اليت انتشرت يف خمتلف مناطق شبه القارة اهلندية خاصة تلك اليت‬
‫اختذهتا الديانة البوذية يف التبشري بدعوهتا و اليت أصبحت بعد ذلك لغات رمسية و تعد بالعشرات كالبالية‬
‫التامولية الكنارية الكردية و البنغالية اليت كتب هبا حديثا الشاعر طاغور بل أن األدب البنغايل سيطر على‬
‫مجيع ما سواه من اآلداب اهلندية األخرى بعد أن تأثر بالتيارات الغربية احلديثة ‪.‬‬
‫المحاضرة السادسة‬

‫‪-2‬األدب الفارسي‬

‫ال خيتلف اثنان يف أن األدب الفارسي هو أقرب اآلداب إىل األدب العريب و أكثرها تأثريا و‬
‫تأثرا به و الذي نعنيه باألدب الفارسي ما أنتجته أمة الفرس و تركته من آثار إبداعية على مر التاريخ و‬
‫اليت ميكن تصنيفها ضمن دائرة األدب‪ ،‬و األمة الفارسية أمة قدمية عريقة يف القدم ‪ ،‬هلا تارخيها و حضارهتا‬
‫و ثقافتها املمتدة يف أعماق التاريخ البشري‪ ،‬و مع ذلك فإنه ال يعرف اليوم عن األدب الفارسي القدمي إال‬
‫النزر اليسري الذي ال يتعدى بعض املنقوشات اليت تعود إىل عهد امللوك األخيميني الذين أنشأوا إمرباطورية‬
‫فارس و حكموا يف الفرتة املمتدة بني ‪ 550/330‬قبل امليالد ‪.‬‬

‫تعترب اللغة الزندية أقدم اللغات يف بالد الفرس و مل يصلنا من النصوص املكتوبة هبا إال بعض اآلثار‬
‫أمهها " األفاستا "‬

‫" األفاستا "هو الكتاب املقدس عند إتباع الديانة الزرداشتية نسبة إىل زرداشت املؤسس األول هلذه‬
‫الديان ة و الزرداش تية هي ديان ة إيراني ة قدمية‪ ،‬متث ل ال دين الرمسي لإلمرباطوري ة األمخيني ة ‪ .‬يض م كت اب‬
‫األفاستا جمموعة من األناشيد و التعاليم يعتربه الدارسون لآلداب القدمية موسوعة متثل أقدم وثيقة تربز‬
‫حضارة و ثقافة الفرس و علومهم و دياناهتم و تارخيهم و قوانينهم و طبيعة حياهتم من حيث أخالقهم و‬
‫عاداهتم و تقاليدهم ‪...‬انه حبق أحد املصادر املكتوبة يف تاريخ الفرس إن مل نقل البشرية مجعاء‪.‬‬

‫األكيد أن هذا الكتاب كغريه من كتب األمم القدمية تناقلته األجيال شفاهة عرب مئات السنني‬
‫قبل تدوينه ‪ ،‬ما جيعلنا على يقني أن هذا الكتاب قد تعرض إىل احلذف و الزيادة و التغيري إال أن ذلك مل‬
‫يفقده قيمته العظيمة عند الفرس و عند غريهم ‪ .‬و ما يؤكد هذه القيمة هو اهتمام الدارسني و املؤرخني‬
‫و علم اء األدي ان ب ه‪ ،‬س واء الق دماء منهم أو احملدثني من ه ريودوت ( ‪425/ 484‬ق م ) إىل أرس طو(‬
‫‪427/347‬ق م ) و من غويت ( ‪ 1749/1832‬م )إىل نيتشه ( ‪1844/1900‬م )‬

‫وقد ظهر بعد هذا الكتاب كتاب الزند الذي يعترب تفسريا ملا جاء فيه عسري التعابري و عمق األفكار‪ ،‬ما‬
‫يعين أن مستوى األفاستا كان أعظم من أن يتيسر للجميع فهم و استيعاب ما فيه ‪ .‬و أما األدب املكتوب‬
‫باللغ ة الفهلوي ة قب ل الفتح اإلس المي فق د ك ان يف معظم ه ال خيرج عن القض ايا ذات الص لة بالظ اهرة‬
‫الدينية ‪.‬أو التاريـ ـ ـ ـ ـ ـ ـــخ و سري امللـ ـ ـ ـ ـ ـــوك من ذلك "خ ـ ـ ـــداي نامـ ـ ـــه " أي كتاب امللوك إضافة إىل " هزار‬
‫أفسانة " الذي يرى الدارسون انه األصل لكتاب ألف ليلة و ليلة ‪.‬‬
‫بعد الفتح اإلسالمي كان للدين اجلديد و الذين محلوه ليبشروا به‪ ،‬تأثري عميق يف بالد الفرس يف‬
‫مجيع النواحي ‪ ،‬فقد تأثرت اللغة الفارسية باللغة العربية تأثرا كبريا فقد اعتماد احلرف العريب يف كتابتها و‬
‫استعارت كما هائال من ألفاظها و حىت بعض تراكيبها‪ ،‬كما تأثر الناطقون هبا بالدين اإلسالمي و ببعض‬
‫عادات و تقاليد الفاحتني‪.‬‬

‫و اللغ ة الفارس ية احلديث ة لغ ة تطورت عن اللغ ة اهلندي ة و ت أثرت باللغ ات الغربي ة م ا جيعله ا لغ ة‬
‫هندية أوروبية البنية مكتوبة باحلرف العريب و لعل هذا ما يؤكد ما ذهب إليه بعض الدارسني أن األدب‬
‫الفارسي تالقت فيه جمهودات أمم خمتلفة و شاركت فيه شعوب كثرية من عرقيات و أجناس خمتلفة إال‬
‫انه و احلق يقال بقي حمافظا على فارسيته من خالل احلفاظ على خصائصه اليت متيزه عن غريه و اليت ميكن‬
‫إمجاهلا فيما يلي ‪:‬‬

‫سيطرة الروح الدينية و امللحمية‬ ‫‪-‬‬


‫السعي إلحياء القومية الفارسية‬ ‫‪-‬‬
‫الزخرفة اللفظية‬ ‫‪-‬‬
‫ارتباطه بالبالط‬ ‫‪-‬‬
‫س يطرة الش عر من خالل احلض ور الق وي للمالحم و الغنائي ات و األخالقي ات و الص وفيات و‬ ‫‪-‬‬
‫الشعر عند الفرس شديد الشبه بالشعر العريب من حيث اعتماد البيت املكون من صدر و عجز و‬
‫املتكون من تفعيالت من مناذجه‪:‬‬
‫املثنوي‪ :‬يروج كثريا يف املطوالت الصوفية و يف املالحم‬ ‫‪-‬‬
‫الرتجيع ‪ :‬مقطعات أبياهتا موحدة القافية‬ ‫‪-‬‬
‫الرباعي ‪ :‬منظوم من أربعة اشطر يتميز بكثافة املضمون و إجياز العبارة اعتمد خاصة يف التصوف‬ ‫‪-‬‬
‫و األخالق و الومضات العاطفية‬
‫الدوبيت‪ :‬الكلمة مكونة دو اثنان بالفارسية ‪ +‬بيت كلمة عربية و نفسه القالب الشعري الذي‬ ‫‪-‬‬
‫دخل الشعر العريب و هو من الرباعيات و على العموم فان الشعر الفارسي يف جممله شبيه مبا هو‬
‫عند العرب يعاجل خمتلف أغراض الشعر عندنا‪.‬‬
‫عصور األدب الفارسي‪:‬‬

‫خيص ه ذا التقس يم ف رتة م ا بع د الفتح اإلس المي حيث س يطرت اللغ ة الفارس ية احلديث ة بع د ح وايل‬
‫قرنني من الزمن و يكاد االتفاق يكون تاما بني مؤرخي األدب حول تقسيم تاريخ األدب الفارسي‬
‫اىل مخسة عصور ‪.‬‬

‫عصر اخللفاء ة املمالك احمللية ‪:‬‬

‫يغطي ه ذا العص ر الق رنني التاس ع و العاش ر امليالديني في ه متكنت اللغ ة الفارس ية احلديث ة من‬
‫فرض نفسها على احلياة األدبية و الرمسية وقد تأثرت هذه اللغة كما قلنا باللغة العربية فاقتبست منها‬
‫األلفاظ و التعابري و املصطلحات وقد سعى األدباء و الشعراء الفرس يف هذه املرحلة من تارخيهم إىل‬
‫إحياء القومية الفارسية و من أشهر رجاالت هذه املرحلة املسعودي ( ‪ 896/957‬م) الذي وضع‬
‫النص األول للش اهنامة معتم دا على كت اب املل وك املكت وب باللغ ة الفهلوي ة كم ا اش تهر يف الش عر‬
‫الرودكي ( ‪ 940/ 858‬م ) امللقب عندهم بأيب الشعر الفارسي و هو من نظم كليلة و دمنة شعرا‬
‫يضاف إىل الشخصيتني علي البلعمي (ت ‪ 975‬م) الذي ترجم تفسري القرآن للطربي‪.‬‬

‫عصر السالجقة‬

‫ميت د ه ذا العص ر من الق رن احلادي عش ر إىل الق رن الث الث عش ر امليالدي في ه ارتقى األدب‬
‫الفارسي إىل مرتبة أعلى شأنا و ظهر فيه بشكل واضح امليل حنو التصوف و اعتماد الشعر التعليمي‬
‫ال ذي اختذه الش عراء وس يلة للتوجي ه ال ديين و ق د اش تهر يف ه ذا العص ر العدي د من الشخص يات يف‬
‫خمتلف امليادين منهم بابا طاهر املعروف بالعريان ( ‪ 947/1032‬م ) الشاعر الذي ألف رباعيات يف‬
‫املتصوف دعا من خالهلا إىل اعتزال اخللق و البعد عن زخرف احلياة و التقشف يف العيش‪.‬‬

‫كم ا اش تهر الرحال ة ناص ر خس رو ( ‪ 1004/1088‬م ) برحلت ه "س فر نام ه " ال يت قادت ه إىل البل د‬
‫العربية و كذاك سطع جنم الفردوسي ( ‪ 932/1020‬م ) الذي أمت الشاهنامة ‪ .‬وال ميكن أن نتجاوز‬
‫هذا العصر دون أن نذكر ابن مدينة نيسابور عمر اخليام ( ‪ 1122 /1050‬م ) الشاعر و العامل و‬
‫الفيلسوف صاحب الرباعيات‪.‬‬

‫عصر املغول‬
‫حيدد الدارسون و املهتمون بتاريخ األدب الفارسي فرتة هذا العصر بني القرنني الثالث عشر و‬
‫اخلامس عشر ميالدي و يعتربونه ازهي مراحل هذا األدب بل يصفونه بالعصر الذهيب نظرا ملا شهده‬
‫األدب الفارسي من تطور خاصة الشعر الصويف الذي كان ردة فعل على أوضاع سياسية و اجتماعية‬
‫و دينية و من أشهر شخص يات هذا العصر اجلويين ساحب كتاب جهانشكا و كذلك العطار (ت‬
‫‪ )1230‬و سعدي الشريازي ( ‪ 1292 /1193‬م) الشاعر و املتصوف الذي متيز بأسلوبه السلس‬
‫الواضح و بقيمه األخالقية اليت جعلت منه أكثر شعراء الفرس شهرة و قربا من النفوس‪.‬‬

‫عصر االستقالل‪:‬‬

‫يغطي ه ذه العص ر الف رتة املمت دة من الق رن الس ادس عش ر إىل هناي ة الق رن التاس ع عش ر يف ه ذه‬
‫املرحلة بدأ األدب الصويف يتجه حنو الضعف إذ أصابه ما ألصاب األدب العريب و مع ذلك تألقت فيه‬
‫بعض األمساء ك اهلاليل ( ت‪ ) 1533‬ال ذي وض ع جمموع ات ش عرية ص وفية و الرحال ة أمني ال رازي‬
‫اجلغرايف الذي ألف العديد من املؤلفات أشهرها " هفت إقليم " أي األقاليم السبعة و هي موسوعة‬
‫ضمنها العديد من املعارف اجلغرافية‬

‫العصر احلديث ‪:‬‬

‫متيز ه ذا العص ر بانفت اح األدب الفارس ي على األدب الغ ريب فتس ربت ل ه النظري ات‬
‫الغربي ة املتنوع ة و أث رت في ه ت أثريا واض حا إىل احلد ال ذي فق د بعض مالحمه األص يلة و املالح ظ أن‬
‫الش عر يف ه ذا العص ر تراج ع و فس ح اجملال أم ام الن ثر و مل جند إال القل ة من الش عراء ال ذين ميكن أن‬
‫يكونوا جنوما منهم الشاعر نيما يوشيج ( ‪ 1897/1959‬م ) الذي تأثر بالتيارات احلديثة و متكن‬
‫من جماراهتا لكنه بقي حمافظا على أصالته و أما يف ميدان النثر فقد اكتسحت الرواية الساحة األدبية‬
‫الفارسية خاصة الرواية الرومنسية اليت اشتهر فيها كتاب أبدعوا يف كتابتها منهم صادق هدايت(ت‬
‫‪ )1951‬مؤلف " البومة العمياء " و مجال زاده ( ‪ )1997 /1892‬الروائي املعارض الذي ألف‬
‫"ذات يوم " يف العام ‪ 1916‬و "بيت اجملانني " ‪1942‬‬
‫المحاضرة السابعة‬

‫األدب األفريقي‬

‫إشكالية المصطلح‬

‫يف البداي ة ال ب د من االع رتاف أن ه ليس من الس هل احلديث عن األدب اإلف ريقي و اخلوض يف قض اياه‬
‫نظرا لقلة املراجع و الدراسات املنجزة حول هذا األدب يف رفوف املكتبة العربية و إن وجدت فكثري منها مكتوب‬
‫بلغات غري اللغة العربية ما جيعل التعامل معها صعبا حيتاج إىل إتقان تلك اللغات‪.‬‬

‫إن املنطق يفرض علينا أن نبدأ حديثنا عن األدب اإلفريقي انطالقا من املصطلح ذاته نظرا حلداثته و نظرا‬
‫ملا يثريه من تساؤالت إذ املعلوم أن هذا املصطلح مل يكن للدارسني سابق معرفة به قدميا باعتبار أن ظهوره كان مع‬
‫بروز حركات التحرر احلديثة يف القارة اإلفريقية و نيل بعض بلدان القارة استقالهلا‪.‬‬

‫األكي د أن ه ذا املص طلح مص طلح خاليف تع ددت حول ه وجه ات نظ ر املهتمني بدراس ة األدب اإلف ريقي و تارخيه‬
‫س واء من املس تفرقني أو من أبن اء الق ارة ذاهتا‪ ،‬م ا يع ين أن مص طلح األدب اإلف ريقي يط رح إش كالية على مس توى‬
‫حتديده هلذا األدب أو داللته عليه فهل نعين باألدب اإلفريقي األدب الزجني؟ أم نعين به األدب الذي أنتجته قرائح‬
‫أبناء إفريقيا ؟‬

‫هن اك من الدارس ني و هم األغلبي ة الس احقة من املس تفرقني خاص ة ي رون أن األدب اإلف ريقي يقص د ب ه‬
‫أدب جنوب القارة أو الصحراء الكربى أو أفريقيا السوداء أو أدب الزنوج فهم يزعمون أن إفريقيا قارة تقسمها‬
‫الصحراء الكربى إىل قسمني خمتلفني كل االختالف‪ :‬قسم يقع مشاهلا يسمونه إفريقيا العربية اإلسالمية و آخر يقع‬
‫جنوهبا يس مونه الص حراء أو إفريقي ا الس وداء‪ ،‬يق ول املستش رق االجنل يزي "جريال د م ور "‪ " :‬أن أفريقي ا الش مالية‬
‫منطقة أدبية منفصلة متام االنفصال عن أفريقيا الصحراء أو السوداء " ‪ .‬و يقرتب من هذا الرأي املستفرق األملاين‬
‫"يان هاينزيان" الذي يرى أن إفريقيا مصطلح جغرايف ال ثقايف و مثة منطقتان ثقافيتان خمتلفتان لكل منهما تاريخ‬
‫خمتلف و تقاليد خمتلفة فمن ناحية يوجد مشال إفريقيا و من جهة أخرى يوجد ما يسمى إفريقيا اجلنوبية أو الزجنية‬
‫أو السوداء أو غري اإلسالمية "‬

‫املتمعن يف هذا التقسيم يالحظ بوضوح أنه تقسيم سياسي استعماري نابع من نظرة غري بريئة تسيطر عليها‬
‫أفكار مسبقة راسخة يف أذهاهنم منذ تفكريهم يف استعمار القارة ‪ .‬وهذا التقسيم يف الواقع ال يستقيم العتبارات‬
‫أمهها ‪:‬‬
‫أن االتص ال و التواص ل بني مشال الق ارة و جنوهبا أم ر واق ع ال ينك ره أح د م ا يع ين أن الت أثري و الت أثر و‬ ‫‪-‬‬
‫على مجي ع املس تويات أم ر واق ع أيض ا فق د ك ان بني ش عوب املنطق تني مجي ع أن واع العالق ات على امت داد‬
‫آالف الس نني خاص ة يف اجلانب ال ديين بفض ل انتش ار اإلس الم عن طري ق الط رق الديني ة خاص ة الطريق ة‬
‫التيجانية اليت يعد أتباعها باآلالف يف خمتلف الدول كمايل و النيجر و السنغال ‪..‬‬
‫أن أصحاب البشرة السوداء كثري منهم ينتسبون إىل دول الشمال اإلفريقي و قد امتزجوا برببر و عرب‬ ‫‪-‬‬
‫ه ذه املنطق ة ‪.‬و الكث ري من الزن وج يع دون ج زءا من الثقاف ة اإلس المية ب ل أن نس بة كب رية من األفارق ة‬
‫يعتنقون اإلسالم و ميكن اإلشارة هنا إىل الشاعر الصومايل حممد عبد اهلل حسن الذي نظم ملحمة حتت‬
‫عنوان " امللحمة احملمدية " باللغة السواحلية وتقع يف ‪25150‬بيتا تناول فيها سرية حممد صلى اهلل عليه و‬
‫سلم‬

‫و العجيب أن بعض األفارقة هرولوا وراء هذه النظرة الغربية كما هو احلال مع الكاتب اجلنوب إفريقي ازكيال‬
‫‪ hizikial‬مفاليلي الذي يقول‪ ":‬أن الشمال العريب املسلم ال عالقة من الناحية الثقافية باإلنسان اإلفريقي" كالم‬
‫كهذا مل جيد قبوال عند البعض اآلخر إذ أن هناك من األفارقة من يرى غري ذلك كالنيجريي كريستوفر أوكيدجو‬
‫الذي يرى أن األدب اإلفريقي هو ببساطة األدب املوجود يف أفريقيا و إن كان هذا الكالم مقبوال من منطلق عدم‬
‫التقسيم إال أنه يطرح سؤاال هاما هو ما مصري األدب املوجود يف إفريقيا و هو ليس من تأليف أبنائها ؟‬

‫و يقرتب من هذا الرأي رأي تشينو أتشييب أحد النقاد و رواد الرواية يف نيجرييا الذي قال ‪ :‬أنا ال أرى األدب‬
‫اإلفريقي كوحدة واحدة و إمنا أراه جمموعة من الوحدات املرتبطة تعين يف احلقيقة اجملموع الكلي لآلداب القومي ة و‬
‫العرقية يف إفريقيا‪.‬‬

‫بع د ه ذا الع رض لبعض اآلراء يف حتدي د مفه وم األدب اإلف ريقي ميكننا الق ول على اإلمجال أن أحسن م ا ميكن أن‬
‫نعرف به هذا األدب ما قاله "مباي لوبشري" عندما عرب عن نظرته بقوله‪ :‬هو األدب الوليد يف البيئة اإلفريقية و‬
‫ال ذي ج ادت ب ه ق رائح أبن اء ه ذه الق ارة أنفس هم مع ربا عن مش اعرهم و انفع االهتم م ؤثرا يف الق ارئ و الس امع‬
‫بأسلوب رفيع بغض النظر عن الزمان و املكان‪.‬‬

‫إن الواجب يف رض علين ا ان نعام ل األدب االف ريقي و ننظ ر إلي ه بنفس املنظار ال ذي ننظ ر ب ه إىل اآلداب األخرى‬
‫فنق ر مبص طلح األدب االف ريقي بنفس املدلول الع ام ال ذي يش ري إلي ه األدب األورويب مثال و نق ر يف نفس ال وقت‬
‫بوجود آداب افريقية سنغايل نيجريي مايل أوغندي‪ ....‬متاما كقوانا آداب أوروبية اجنليزي فرنسي ايطايل‪.....‬‬

‫نشأة األدب اإلفريقي‪:‬‬


‫مرحلة الشفوية‪:‬‬ ‫‪-1‬‬

‫كانت بداية األدب اإلفريقي بداية شفهية يف أحضان حضارة افريقية متميزة عن غريها من احلضارات‬
‫يعتربه ا الدارس ون ‪.‬أق دم حض ارة على وج ه األرض يع ود تارخيه ا كم ا ي زعم بعض الب احثني يف علم اإلنس ان إىل‬
‫سبعة ماليني سنة‪.‬‬

‫األكيد أن لألفارقة تراثا ثقافيا يصور حياهتم و يعرب عن ثق افتهم و مييز شخص يتهم لكن لألسف مل يصل‬
‫إلينا إال جزء بسيط منه و لعل السبب يف ذلك يعود إىل عدم التدوين من جهة و إىل اإلمهال و االنشغال باحلروب‬
‫الداخلي ة و اخلارجي ة من جه ة أخ رى يض اف إىل ذل ك أن كث ريا من اللغ ات احمللي ة ال يت ك انت وس يلة لرواي ة ه ذا‬
‫الرتاث هي يف الغالب غري مكتوبة ‪ .‬و عليه فقد سيطرت املشافهة على التواصل بني األفارقة حيث تناقلوا األخبار‬
‫و األش عار و األس اطري و اخلراف ات و احلكاي ات بينهم من جي ل إىل جي ل و من قبيل ة إىل قبيل ة عن طري ق الرواي ة ‪.‬‬
‫اليت يقوم هبا راو يتميز بفصاحة اللسان و بالغة الكالم و قوة احلفظ ‪.‬‬

‫و احلقيقة اليت يقرها املهتم ون البحث يف األدب اإلفريقي الق دمي أن ما وص ل إلينا مما كان يروي يدور يف‬
‫معظمه حول بعض األشعار الشعبية و اخلرافات و األساطري و احلكايات اليت يسيطر عليها اخليال ‪ ،‬و قد كان لكل‬
‫قبيلة من القبائل اإلفريقية نظرة و اعتقاد خاص ‪ ،‬فقبيلة الكونغو مثال تعتقد أن القوة احلقيقة يف الوجود هي املوت‬
‫قبل اإلله أما قبائل زامبيا فيعتقدون أن اإلله ييأس أمام قوة اإلنسان و أما شعب اإليبو يف دلتا النيجر فيعتقد أن‬
‫اآلهلة تسمح لإلنسان اختيار قدره قبل ميالده‪ .‬إضافة إىل ذلك انتشرت القصص الشعبية اليت تتميز بسطوة اخليال‬
‫على أحداثها و سيطرة احليوانات املاكرة على أبطاهلا ‪،‬كاألرنب الربي و العنكبوت و السلحفاة و هي احليوانات‬
‫احملتال ة ال يت تتم يز ب ذكاء و ده اء و يف الع ادة تواج ه أع داء هم أعظم منه ا ‪ ،‬ف العنكبوت يف قصص هم شخص ية‬
‫أس طورية و ع دو ل دود إلل ه الس ماء دائم ا م ا يس رق قصص ه و خيدع ه‪ .‬يف ه ذه القص ص ع ادة م ا يبعث الراوي ة‬
‫عاطفة االنبهار و املتعة و الضحك يف السامعني فعلى سبيل املثال يروى أن السلحفاة سرقت احلكمة من اآلهلة و‬
‫عندما ح اولت اهلروب اعرتض تها ش جرة ألهنا ك انت ق د علقت الس لة يف رقبته ا و عن دما ح اولت نزعه ا تناثرت‬
‫احلكمة يف العامل‪...‬و يف أثناء هذه القصص و احلكايات و األساطري يكثر الراوي من ضرب األمثال فاملثل عندهم‬
‫كم ا يقول ون ه و ‪ :‬إدام الكالم و زيت النخي ل و ه ذا ي دل على حكم ة ال راوي واهلدف التعليمي و الت وجيهي و‬
‫الرتبوي املراد من ذلك‬

‫مرحلة الكتابة‪:‬‬ ‫‪-2‬‬


‫احلديث عن األدب اإلف ريقي املكت وب يض عنا ه و اآلخ ر أم ام إش كالية اللغ ة ال يت يكتب هبا من حيث‬
‫طبيعتها و قيمتها و مدى انتشارها و نسبة الناطقني هبا و املتعاملني هبا و لتكون الصورة واضحة فإنه ال بد من‬
‫اإلشارة و لو بإجياز إىل اللغات اإلفريقية اليت يعتمدها األدباء األفارقة وسيلة للتعبري عن مشاعرهم و إيصال‬
‫أفك ارهم و نق ل ص ورة حي اهتم و ثقاف اهتم ‪...‬يؤك د الدارس ون املش تغلون على البحث يف اللغ ات أن إفريقي ا‬
‫مثقلة مبئات اللغات احمللية اليت تصل إىل جدود ‪1500‬لغة أو هلجة جتمعها عشر جمموعات هي الكردفانية و‬
‫البمبارا و السواحلية و احلوصة و اجلعزية و االمهرية و التيغرية و التغرانية االمازيغية و العربية يضاف إىل هذا‬
‫اللغات الوافدة مع الدول املستعمرة ‪.‬‬

‫وض ع كه ذا جيعلن ا نتس اءل كم من أدب ميكن أن جند يف إفريقي ا خاص ة عن دما نعلم أن الدول ة الواح دة‬
‫ميكن أن جند فيها عدد اللغات بعدد القبائل اليت تنتمي إليها و من هنا يطرح السؤال األهم أي لغة هي األحق‬
‫و األنسب لألدب اإلفريقي ؟ وجاءت اإلجابة من تيارين خمتلفني ‪:‬‬

‫األول‪ :‬يرى أصحاب هذا التيار ان على األديب أن يوظف اللغة الوافدة للتعبري عن جتربته و يقدمون لذلك‬
‫تربيرات أمهها ‪:‬‬

‫أن ليس هناك لغة حملية جتمع كل شرائح اجملتمع حىت يف البلد الواحد و استعمال لغة قبيلة دون أحرى‬ ‫‪-1‬‬
‫قد خيلق صراعا و عداوة بني أبناء البلد الواحد ‪.‬‬
‫أن اعتم اد لغ ة حملي ة ي ؤدي إىل تقوق ع األدب يف نط اق ض يق مما حيرم ه من اخلروج إىل اإلقليمي ة و‬ ‫‪-2‬‬
‫العاملية‬
‫يزعم ون أن على األديب اإلف ريقي أن يع رف بقض يته و قض ايا قارت ه و يكش ف م ا يعاني ه من قه ر و‬ ‫‪-3‬‬
‫بالتايل ال بد أن يستعمل لغة ميكنه من خالهلا التواصل مع العامل اخلارجي و لن تكون تلك اللغة إال‬
‫لغة أوروبية استعمارية و هبذه النظرة يبدو ان هؤالء استلموا لألمر الواقع عندما يتحدثون عن عدد‬
‫املتحدثني باالجنليزية من األفارقة الذي يفوق مئة مليون نسمة و الفرنسية يفوق مخسني مليون نسمة‬
‫و الربتغالية يفوق عشرين مليون بسمة‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬يرى أصاب هذا التيار أن دور األديب هو خدمة قومه و التعبري حاهلم عن آالمهم و آماهلم من خالل‬
‫معاجلة قضاياهم و التفاعل معهم و بالتايل عليه أن خياطبهم بلغتهم اليت يفهموهنا و يشعرون بالفخر باالنتماء‬
‫إليها فالتشجري يبدأ من عقر الدار كما يقول املثل اإلفريقي و عليه فإن قيمة األديب تكمن يف استخدام لغة‬
‫اتصال مع العامة ال مع اخلاصة و يؤكد أصحاب هذا التيار‪:‬‬
‫أن استعمال لغة املستعمر الوافدة يؤدي يف النهاية إىل اندثار اللغة احمللية و ضياع مقوم من مقومات‬ ‫‪-1‬‬
‫الشخصية‬
‫أن على األديب اإلف ريقي أن يك ون أك ثر انفتاح ا على قارت ه و يس عى إىل توظي ف اللغ ات االهريقي ة‬ ‫‪-2‬‬
‫األكثر انتشارا كالسواحلية اليت يتحدث هبا عشرات املاليني من األفارقة‪.‬‬
‫أن اس تعمال اللغ ات احمللي ة خيدمها من حيث أن ه يبعث فيه ا احلي اة و ش يئا فش يئا و جبه ود علمائه ا و‬ ‫‪-3‬‬
‫املبدعني هبا خترج العاملية و تفرض نفسها‪.‬‬

‫و من أب رز املؤي دين هلذا ال رأي و املدافعني عن ه ب ل املناض ل من أجل ه الس نغايل األديب ال رئيس "ليوبول د‬
‫س يدار" س نغور (‪ ) 1906/2001‬ال ذي ق ال ‪:‬ليس هن اك حض ارة ب دون أدب يع رب عن القيم و ب دون أدب‬
‫مكتوب ليس هناك حضارة تذهب أبعد من أبسط معرفة خلصائص الشعوب مكن كيف لنا أن نفهم أدبا حمليا يف‬
‫لغة غري لغة البلد ؟ أين ميكن لنا أن جند تعبريا أكثر أصالة عن هذه احلضارة إن مل يكن يف اللغات و اآلداب احمللية‬
‫هلذا البلد‪.‬‬
‫المحاضرة الثامنة‬

‫فنون اإلبداع في األدب اإلفريقي‬

‫الشعر ‪:‬‬

‫رغم التخل ف و رغم االس تعمار من غ ري املعق ول أن تك ون ق ارة حبجم أفريقي ا عقيم ا ال تنجب شخص يات‬
‫بارزة يف مجيع امليادين يشهد هلا العامل و يؤرخ هلا التاريخ و الذي يهمنا هنا األدباء و الشعراء و األكيد أن بداية‬
‫حديثنا ستكون من الشعر باعتباره يسبق النثر عند مجيع األمم و الشعر يف إفريقيا ميكن تقسيمه إىل أربعة أنواع ‪:‬‬
‫الشعيب الفولكلوري املكتوب اللغة احمللية و املكتوب باللغة الوافدة وقد كان للشعر مكانة مرموقة عند األفارقة‬
‫تق ول املس تفرقة آن تيب ل ‪ :‬ل ة س ألت بني الش كرية أو بني قبائ ل الس ودان األخ رى أو ح ىت خ ارج الس ودان‪..‬ه ل‬
‫عندكم شاعر ؟ لظهر شاعر يف زمن أقل بكثري مما يستغرقه زمن العثور على شاعر يف بريطانيا‪.‬فليس غريبا إذا أن‬
‫يكون الشعراء بعدد ال حيصى خاصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـــة شعراء الشعـ ـ ـ ـ ـ ـــر الشعيب و سنح ـــاول يف هذه العجالة أن نقف عند بعض‬
‫النماذج لشعراء كتبوا باللغة احمللية من ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـــؤالء ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـــاعر جن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـــوب أفريقي كان يوقع أشعاره املكتوبة بلغة‬
‫الزوسا ب"اهلارب من األمة " يقول‪:‬‬

‫يظنالبعض حىت اآلن أننا لن نتكلم أبدا‬

‫فقد مزقوا أعماق أعماق وجودي‬

‫و مسؤوليات اسريت و ثرواهتا‬

‫ما زالت ترحل معي إىل القرب‬

‫ألجل ماذا هذا اإلجنيل؟‬

‫ما اخلالص؟‬

‫و يقول مقايي (ت ‪ )1945‬و بنفس اللغة ‪:‬‬

‫أنت بريطانيا الراغدة‬


‫أيهما جيب أن حنب‬

‫أرسلت لنا احلقيقة و أنكرت علينا احلقيقة‬

‫أرسلت لنا احلياة و سلبت منا احلياة‬

‫أرسلت لنا النور ز ها حنن جنلس يف الظالم‬

‫و األكي د أن أهم م ا نالحظ ه على ه ذين النم وذجني الط ابع احلزين و حض ور ال دين اض افة إىل البس اطة ال يت متيز‬
‫الشعر اإلفريقي بصفة عامة ‪.‬‬

‫املسرح‪:‬‬

‫لالفارق ة مس رحهم و كغ ريهم من األمم ف إن الب دايات األوىل هلذا الفن ارتبطت ب الطقوس الديني ة املتمثل ة يف تل ك‬
‫احلرك ات و املس احيق و املالبس ال يت اش تهرت هبا القبائ ل اإلفريقي ة ق دميا و م ا زالت بعض ها إىل الي وم متارس ها و‬
‫ق دميا كتب ابن بطوط ة ملمح ا إىل وج ود م ا مبكن اعتب اره إرهاص ات مس رحية مساها األض حوكة و قص د هبا م ا‬
‫حض ره يف جملس س لطان م ايل من جلس ات حيض ر فيه ا م داحون و جمموع ة ش باب يقوم ون حبرك ات متثيلي ة أم ام‬
‫احلاضرين من جلساء السلطان ‪.‬‬

‫و لقد كان للمسرح االفريقي وظيفة اجتماعية بالدرجة األوىل يلخصها املهتمون بدراسة املسرح االفريقي يف‬
‫ثالث وظائف رئيسية ‪:‬‬

‫املسرح مرآة للحياة املتصلة بالطبيعة‬ ‫‪-‬‬


‫املسرح أداة للمحافظة على تقاليد اجلماعة‬ ‫‪-‬‬
‫املسرح أداة للتعليم و التثقيف‬ ‫‪-‬‬

‫و املسرح اإلفريقي يف عمومه يستقي مادته من الواقع و ينطلق فيها من األساطري اليت يوظفها توظيفا رمزيا و‬
‫م ع ه ذا املس رح التقلي دي ظه ر مس رح من افس أع ين ب ه م ا ميكن أن نس ميه مبس رح اإلرس اليات تل ك املس رحيات‬
‫املسيحية الوافدة وع االستعمار عن طريق اإلرساليات التبشريية اليت قادها املبشرون الذين سعوا إىل طمس معامل‬
‫املسرح اإلفريقي الشعيب متحججني بأنه مسرح و ثين و احلقيقة أهنم يريدون إبعاد األهايل عما يربطهم بثقافتهم‬
‫من أجل التمكني للمسيحية من جهة و نشر اللغات األوروبية زن جهة أخرى ‪.‬‬
‫أم ا بع د اس تقالل ال دول اإلفريقي ة فظه ر مس رح خيدم القض ايا الوطني ة هلذه ال دول من مناذج دلك م ا قدم ه‬
‫املسرحي الغ اين " دانغ و "كم مسرحيات أش هرها مس رحية " املرأة املثالية "ال يت امت دحها النق اد و اعتربوه ا من‬
‫أنض ج املس رحيات اإلفريقي ة احلديث ة تص ور ه ذه املس رحية الص راع بني إفريقي ا و أوروب ا و تق وم أح داثها على‬
‫أسطورة شعب آكان يف غانا خالصتها أن اإلله خلق ثالثة أنواع من النساء كل نوع ينتمي إىل مرحلة تارخيية ‪:‬‬
‫القدمي ‪/‬االستعمار ‪ /‬االستقالل حيث بدت إفريقيا يف مواجهة أوروبا منتصرا يف النهاية لوطنه‪.‬‬

‫الرواية القصة‪:‬‬

‫يتفق النقاد و الدارسون سواء على أن هذين الفنني بشكلهما احلايل و مبقوماهتما كما حيددها النقاد اليوم دخلتا إىل‬
‫إفريقيا يف العصر احلديث من خالل االحتكاك املباشر بالثقافة و احلضارة األوروبية الناتج عن احلمالت التبشريية و‬
‫االستعمارية و هذا ما يقر به الناقد "دارثوين " الذي يقول ‪ :‬إن الرواية يف إفريقيا هي الشكل الفين األديب الوحيد‬
‫الذي دخل عن طريق االستعارة اخلالصة و هذا الكالم ‪ -‬بالرغم من بعض التحفظ عليه من بعض األفارقة الذين‬
‫يقولون أن الرواية ال ميكن أن تكون غريبة كل الغرابة على شعوب ميتلكون تراثا ضخما مليئا بالسري و احلكايات‬
‫– إال أنه حيمل يف طياته اعرتافا يكاد يكون صرحيا بوجود فنون أدبية إفريقية خبصائص و مميزات افريقية ‪ .‬املهم أن‬
‫األدباء األفارقة استطاعوا أن يقتحموا هذا الفن و يبدعوا فيه بلغاهتم احمللية قبل اللغات االستعمارية الوافدة ما يدل‬
‫أن اللغات احمللية املكتوبة كالتونغا والزوسا و الشونا هي لغات مرنة ميكنها ان تنتج الفن القصصي و الروائي رغم‬
‫ما يتطلبه هذا الفن من تقنيات ‪.‬‬

‫من النم اذج الروائي ة الروائي ة ال يت يتح دث عنه ا النق اد م ا كتب ه ال روائي "توم اس موفول و"( ‪ )1876/1948‬بلغ ة‬
‫السوتو من روايات بدا يف أغلبها كثري امليل إىل االجتاه الديين نظرا لنشأته الدينية أحضان أسرة متكونة من أبوين‬
‫مس يحيني وتعت رب رواي ة " مس افر من الش رق " ب اكورة أعمال ه من أش هر روايات ه ‪ ،‬ت دور أح داث ه ذه الرواي ة يف‬
‫ليسوتو بطلها شاب يعيش يف بيئة بسيطة ضاقت به احلياة فارحتل شرقا و غربا حبثا عن الراحة و الطمأنينة و املعرفة‬
‫اليت وجدها عندما اهتدى إىل نور املسيحية بعد كثري من الشقاء ة التأمل‪.‬‬

‫يف األخري ميكننا القول أن القارة اإلفريقية أجنبت لنا العديد من األدباء الذين تعدت شهرهتم إفريقيا و داع صيتهم‬
‫خارجها كما أن بعض الدول اإلفريقية املستقلة حديثا تبذل الكثري من اجلهود لتدوين اللغات احمللية و تعليمها و‬
‫اعطاء فرصة الكتابة هبا‪.‬لكن رغم ذلك فإن الطريق ما زال طويال أمام األدب اإلفريقي‪.‬‬

You might also like