Professional Documents
Culture Documents
-الفصل األول-
• الوزن
المعاني مطروحة في الطريق يعرفها العجمي والعربي والقروي والبدوي وإنما
الشأن في إقامة الوزن كما يقول الجاحظ.
الخليل نظر في الشعر العربي فالحظ أن الجاهلين استخدموا خمسة عشر بحراً ،
على تفاوت ،ثم جاء األخفش استدرك عليه وزنا ً آخر هو (المتدارك) .
ظهر الشعراء المولدون (من أصول غير عربية) ،وقد كانت ثقافتهم اللغوية
ضعيفة ،والقافية تحتاج إلى ذخيرة لغوية من األلفاظ التي تجري على نسق واحد،
رأوا أن وحدة القافية تشكل قيداً ثقيالً عليهم يحرمهم من االنطالق بالخيال
واألفكار.
وكان لشيوع الغناء في القرن الثاني أثر بالغ في انصراف الشعراء عن األوزان
الطويلة المعقدة إلى األوزان الخفيفة الرشيقة التي تالئم الغناء في المجالس
والمنتديات ،وأحدث المغنون زحافات وعلالً كثيرة تناسب الغناء (يطيلون
الحروف ،ويمدون بعضها ،ويسكنون أخرى) ونحو ذلك ..
الوزن
•
ومن األوزان القصيرة التي شاعت في هذا العصر :مجزوء الرجز ،ومجزوء
الكامل ،ومجزوء المنسرح ،والهجز ،والمضارع والمجتث والخبب (حاول بعض
الدارسين ربط البحر بالموضوع ،فهذه الموضوعات تصلح للدندنة والترويح).
البحر المنسرح فيه رقة وقد استعمله المولدون كما في قول أبي العتاهية في مدح
الرشيد :
هللا بيني وبين موالتي أبدت لي الصد والمالالت
وكقصيدة الخريمي في أحداث بغداد.
الوزن
•
كذلك استحدثوا أوزانا ً قديمة كانت نادرة في الشعر الجاهلي والشعر اإلسالمي
مثال :المقتضب والمضارع ليس لهما أصل في الشعر القديم ،وقد نظم فيهما أبو
نواس ،مقتضب :
حامل الهوى تعب يستخفه الطرب
المضارع :قول أبي العتاهية :
أيا عتب ما يضر ك أن تطلقي صفادي
• المواليا :جارية البرمكي .ذكر ذلك المقري
• وكان أبو العتاهية أكثر الشعراء خروجا ً على األوزان التقليدية ،يقول ابن قتيبة
سهولة الشعر عليه ربما قال شعراً موزونا ً يخرج به عن عنه " :كان لسرعته و ُ
أعاريض الشعر وأوزان العرب".
ويذكر ابنه محمد أن أباه سئل عن العروض ،فقال :أنا أكبر من العروض.
• ومن المجددين في األوزان :سلم الخاسر :الذي مدح الهادي بقصيدة كل سطر
على وزن مستفعلن واحدة ولم يسمع قبله الشعر على جزء جزء :
موسى المطر غيث بكر ثم انهمر ألوى المرر
كم اعتسر وكم قدر ثم غفر عدل اليسر
•
ومن األوزان القصيرة التي شاعت في هذا العصر :مجزوء الرجز ،ومجزوء
الكامل ،ومجزوء المنسرح ،والهجز ،والمضارع والمجتث والخبب (حاول بعض
الدارسين ربط البحر بالموضوع ،فهذه الموضوعات تصلح للدندنة والترويح).
البحر المنسرح فيه رقة وقد استعمله المولدون كما في قول أبي العتاهية في مدح
الرشيد :
هللا بيني وبين موالتي أبدت لي الصد والمالالت
وكقصيدة الخريمي في أحداث بغداد.
القافية
• يرى بعض العلماء أن في استخدام هذه المخمسات والمسمطات دليالً على عجز
الشاعر وقلة قوافيه كما يذكر ابن رشيق (وما نسب إلى امرئ القيس ليس
بصحيح له).
ويرجح يوهان فك أن بشاراً قد حاول نظم المزدوج والموشح وأن نشأة الدوبيت
أو الرباعي كانت في العصر العباسي (تتحد مصارعه في القافية ما عدا المصراع
الثالث)
ربابة ربة البيت تصب الخل في الزيت
لها عشر دجاجات وديك حسن الصوت
• كذلك من التجديد :التصريع داخل البيت :كما في قصيدة حماد الراوية :
خالف الحلول بتلك الطلول وسحب الذيول بذاك المقام
وقول أبي الشيص :
أحم الجناح شديد الصياح يُب ّكي بعين ال تهمالن
• وعلى هذا يمكن أن يقال أن شعراء العصر العباسي كانت لهم محاوالت تجديدية
في األوزان والقوافي وأنهم توسعوا في استخدام األوزان القصيرة وأباحوا
ألنفسهم تجزئة األوزان الطويلة وابتكروا أوزانا ً جديدة لم ينظم فيها القدماء،
وابتكروا أوزانا ً لم يعرفها العرب ولم يثبتها الخليل في عروضه
بشار
– الفصل الثالث ,المحاضرة السابعة
•
نتحدث عن شاعر تكاد تجمع المصادر القديمة على أنه رأس جماعة البديع.
فالجاحظ يقول عنه ( :إن بشاراً رأس أصحاب البديع وأن العتابي والنمري ومسلم
وأضرابهم هم أتباعه وتالمذته).
يقول عنه صاحب "زهر اآلداب" :كان بشار أرق المحدثين ديباجة كالم.
وسمي أبو المحدثين ألنه فتق لهم أكمام المعاني ونهج لهم سبيل البديع فاتبعوه.
واألصمعي يراه أشعر من مروان ،ألن مروان سلك طريقا ً سلكه كثير غيره وشركه
فيه معاصروه ،أما بشار فقد سلك طريقا ً لم يسلك وأحسن وتفرد.
إنه بشار بن برد بن يرجوخ ،وجده من فارس ممن سباهم المهلب بن أبي صفرة
سنة 80-هـ -ووهبه المرأة من بني عقيل فولد بشار على الرق وأصبح من
موالي بني ُعقيل.
قيصر خالي إذا عددت يوما ًنسبي
• وهناك أربعة أمور أثرت بشكل مباشر على طبيعته النفسية والشعرية :
-1أنه ولد أعمى -2 .أنه من أصل فارسي .
-3أنه مولى ،قنا ً ابن قن.
-4أنه نشأ في أسرة فقيرة ومختلفة عن المجتمع حيث كان أبوه طيانا ً.
كل ذلك ولد عنده نوعا ً من المرارة ،فأصبح يزدري الناس ويكثر من هجوهم فكان
أول غرض ينظم فيه هو الهجاء حتى شكاه الناس إلى أبيه فقال (:ليس على
األعمى حرج).
• اتجه إلى مربد البصرة وإلى حلقات العلم والشعر وحضر حلقات المتكلمين
وبخاصة مجالس واصل بن عطاء فأخذ شيئا ً من الفلسفة والمنطق.
شاع عنه إلحاد عقائدي تمثل في إشادته بعبادة النار وأنها أفضل من الطين:
األرض مظلمة والنار مشرقة والنار معبودة منذ كانت النار
وفضل إبليس المخلوق من نار على آدم المخلوق من طين ،وتذكر المصادر أنه
أخذ في إظهار زندقته.
• بعد أن مات المنصور وخلفه المهدي وفد على المهدي ولقي عنده حظوة وأصبح
من س ّم اره وممن يحضرون مجالسه ،وعندما رآه المهدي يفحش في شعره وكان
المهدي ال يجامل في الدين فأمره بالكف عن ذلك وأبعده عن القصر ،وفي حملة
المهدي على الزنادقة ،قتل خلقا ً كثيراً ،فالزم بشار البصرة وأخذ يرثى أصدقاءه
ثم هجا المهدي هجاء مقذعاً ،بعد ذلك يشهد الشهود أن بشاراً زنديقا ً فيضرب
بالسياط حتى الموت.
األغراض الشعرية
• الهجـاء :نعود لذكر تلك العوامل التي انطوت عليها نفسه وجعلته يحس بمرارة
ألجلها سخط الناس وازدراهم -1 :العمى -2 ،األعجمية -3 ،كونه مولى-4 ،
فقيراً بائسا ً.
فالهجاء ينفس عما بداخله من آالم ومآسي لذلك اصطدم مع كثير من الشعراء (في
شبابه هجا جريراً ليرد عليه فيشتهر) وخاصة مع حماد عجرد حيث دارت بينهما
معارك هجائية عنيفة استخدما فيها كل أنواع القذف والسباب ،وألنه كان شعوبيا ً
فقد هجا العرب ،وفخر بأمجاد قومه الفرس.
• المديح :من األغراض التي سار فيها على النهج القديم حيث حاول أن يقلدهم في
المعاني واألخيلة حتى إنه نظم بعض مدائحه على غرار أراجيز رؤبة فأكثر من
الغريب والوحشي .
ويصرح بأنه في بعض قصائده يريد أن يبنيها أعرابية وحشية والمعاني تكاد
تكون نفسها ،والكرم ،والمروءة ،الشجاعة ،والنجدة ،لكن هذا ال يعني أنه لم
يجدد ،فقد أدخل في قصيدته معاني جديدة وصوراً جديدة ألهمها عقله الذكي
وذوقه الحضري:
إذا كنت في كل األمور معاتبــا ً صديقك لم تلق الذي ال تعاتبــه
فعش واحد أو صل أخــاك فإنـه مقارف ذنب مــرة ومجانبـه
إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه
• المراثي :لم يؤثر له مراث كثيرة ألنه كان يكثر من اللهو ،لكن عندما يصيبه
الموت كان يهز نفسه هزاً ،فعندما مات ابنه محمد قال :
أصيب بن ّي حين أورق غصنه وألقى عل ّي اله َم ك ّل قريب
كذلك نراه يحزن حزنا ً عميقا ً على أصدقائه الزنادقة الذين فتك بهم المهدي ،وقد
ذكر أبو الفرج ميميته التي رثا بها خمسة من أصدقائه مليئة بالحزن واألسى :
كيف يصفو لي النعيم وحيداً واألخالء في المقابر هام
ولعل أشهر فنونه الفخر والهجاء والغزل والمجون.
• األغراض الشعرية
من الظواهر في شعره النزعة الواضحة والقوية نحو الصنعة الشعرية سواء في
اللفظ أو المعنى ،فاللفظ مثل قوله :
فخمة فعمة بَرود الثنايا صعلة الجيد غادة غيداء
لكن إنما استحق أن يكون رأس المحدثين بما أحدثه من الصنعة الشعرية المعنوية
أو في الصورة الشعرية حيث كانت ريشة فنان تبدع في تفاصيلها عن طريق
التجسيم والتجسيد واستقصاء عناصر الصورة :تجسم الهم :
فكأن الهم شخص ماثل كلما أبصره النوم نفر
يصور السهاد واألرق فيقول :
جفت عيني عن التغميض حتى كأن جفونها عنها قصار
المحاضرة الثامنة أبو العتاهية
•
هو إسماعيل بن القاسم بن سويد ،ولد في حدود سنة 130هـ ،أمه وأبوه من
الموالي ،قال له المهدي يوما ً عندما سمعه يتغنى بعتبة :إنك إنسان معتّه ،فأصبح
لقبا ً له وغلب عليه أبو العتاهية.
تدفق الشعر على لسانه وهو ال يزال شاباً ،فاشتهر أمره بالكوفة فخالط المجان من
الشعراء أمثال ابن إياس ووالبة بن الحباب ،ولما كانت الكوفة موئالً للعلماء
والشعراء والمتكلمين وأصحاب المذاهب ،أتيح ألبي العتاهية أن يتقن العربية
ويطلع على المذاهب والنحل ،ويحضر حلقات العلم واألدب
• لكن هناك منعطفات في حياة أبي العتاهية يمكن أن تسجل على النحو التالي :
-1توثق الصلة بينه وبين المغني الذي اشتهر فيما بعد "إبراهيم الموصلي" ،
حيث أصبح إبراهيم من المقربين لدى المهدي وهو الذي قدم أبا العتاهية للمهدي
فأعجب به الخليفة فأوسع له في مجالسه واستمع لمدائحه ومنحه الجوائز
والعطايا ،فأصبح أبو العتاهية من المقدمين على كثير من الشعراء.
-2تعلقه بعتبة جارية من جواري قصر المهدي وإغراقه في نظم الغزل فيها
وعندما علم المهدي سجنه وأمر بضربه مائة سوط وبسببها قال المهدي إنك
إنسان معته .بعدها خرج أبو العتاهية مع أصحاب اللهو في دور القيان والمجانة .
• -3مالزمته للخليفة الهادي – بعد موت المهدي – في السفر والحضر وحصده
لجوائزه التي تبلغ أحيانا ً أكثر من مائة ألف درهم .كذلك مدحه لكثير من وزرائه
وقادته.
-4تحول حياته في عهد الرشيد من حياة لهو ومجون إلى حياة زهد وتقشف
فأكثر من شعر الزهد وذكر الموت والفناء والثواب والعقاب وذكر الفضائل
واألخالق .
• زهـده :اختلط الموقف على كثير من الدارسين لشعره في الزهد ،هل هو حقيقة أم
مزيف أم مزيج من المعتقدات أم ماذا ! فهو يستقي في زهده كثيراً من آيات الذكر
الحكيم وأحاديث الرسول وكالم الوعاظ ،وأحيانا ً تراه يهتم بمعتقدات المانوية مثل
بيان أصل جنس الشر وأصل جنس الخير ،وأحيانا ً يمزج بين المانوية واإلسالم
فيدعو إلى الزهد ويشح شحا ً شديداً بما في يده ويلح في استجداء الخلفاء
والوزراء ،ويذكر الموت والفناء وال يذكر الجنة والنار
• والحقيقة أن هناك مجموعة من العوامل وراء زهده وتحوله من حياة اللهو
والمجون إلى حياة اإليمان والتقوى ذكر بعضها محمد خلف هللا ،وشوقي ضيف،
وبروكلمان ،أنيس المقدسي .ومنـها :
-1اتصاله بحركة الزهد والتصوف في ذلك الوقت ومنهم ( :رابعة العدوية،
وإبراهيم بن أدهم ،وشفيق البلخي ،والفضيل بن عياض).
-2إحساسه بضعة أصله ونقصه وشدة فقره كانت من الدوافع القوية في تزهده.
• -3تأثره بتيار الثقافات المتعددة والمنتشرة في القرن الثاني ،خير ما يصور ذلك
قصيدته (ذات األمثال).
-4فشله في حبّه لعتبة حيث أصبح الحرمان سببا ً في النكسة.
-5الشعور باإلثم ومن ثم محاولة تطهير النفس من أدران اللهو والمجون.
احتقار الدنيا وزخارفها وترسيخ فكرة الموت والفناء.
• يتميز شعره بمميزات عدة أهمها " أنه ال يتمسك باألسلوب القديم الذي يتسم
بالجزالة والقوة بل يميل إلى اللين والخفة ويختار األلفاظ العذبة السهلة كما في
قوله :
أتتـه الخالفة مناقـدة إليه تجـرر أذيالهـا
فلم تك تصلح إال لـه ولم يك يصلح إال لهـا
ولو رامها أحد غيـره لزلزلت األرض زلزالها
ولو لم تطعه بنات القلوب لما قبل هللا أعمالهــا
• المدح :كان يمدح بالتقوى واالنصراف عن الدنيا وملذاتها ،وقد مدح الخلفاء
والوزراء أمثال المهدي والهادي والرشيد ،وكان يمدح الرشيد بالشجاعة والقوة
والحكمة.
• الهجـاء :حظه منه قليل لكنه مجيد له وقد هجا والبة حتى اضطره إلى الفرار كما
سعدى النائحة وقد وصفه بقلة العقل وقلةهجا عبد هللا بن معن مولى محبوبته ُ
الشجاعة وانعدام الرجولة .كما هجا سلم الخاسر ،وهجاءه محكم حتى إن كثيراً
منه ذهب مذهب األمثال كقوله :
متى يظفر الغادي إليك بحاجة ونصفك محجوب ونصفك نائم
الحرص أعناق الرجــال
ُ س ْلم بن عمـر ٍو أذل
تعالى هللا يا َ
• الرثـاء : له مرا ٍ
ث كثيرة أشهرها مراثيه في صديقه علي بن ثابت الزنديق الذي
بكاه بكاء حار وصور حرقته ولوعته عليه.
• الزهـد : أشهر أغراضه ،حيث ظل أكثر من ثالثين عاما ً يذكر الموت والفناء
ويتحدث عن القبور والحساب والعذاب ،وقد تحول إلى واعظ يعظ الناس
وينذرهملزهـد أهوال اآلخرة مستمداً بعض نصائحه من القرآن والحديث ووعظ
الوعاظ وقصصهم ،كما شاع في زهدياته األدعية واالبتهاالت والمناجاة ونشر
كثيراً من الحكم والنصائح واألمثال كالذي نراه في قصيدته "ذات األمثال".
• الرثاء:
ومن ناحية الموضوع واألسلوب فقد أضاف المحدثون من فكرهم الخصب
وتأمالتهم في حقائق الموت والحياة وسنن الوجود والفناء ،ما جعل الرثاء يتجدد
في أسلوبه ومعانيه فاستنبطوا المعاني النادرة واألفكار الطريفة وصوروا أحزانهم
بطريقة تدل على ثراء الفكر العباسي وقدرته على تمثيل أحزانه وتفجعاته
وحسراته.
المحاضرة التاسعة ابن الرومي
•
نستغرب كثيراً عندما نجد صاحب األغاني أبا الفرج األصفهاني وكذلك ياقوت
الحموي في (معجم األدباء) ،واألنباري ال يذكرون ابن الرومي ،حتى ابن النديم
صاحب "الفهرست" لم يخصه إال بكلمة قصيرة أشار فيها إلى أن ديوانه غير
مرتب حتى جمعه الصولي ورتبه على الحروف.
لكن في العصر الحديث ينال ابن الرومي حظوة كبيرة لدى عدد من األدباء والنقاد
ودارسي األدب العباسي ،ولعل من أشهر من كتب عنه العقاد وطه حسين وشوقي
ضيف وأنيس المقدسي ،وعبد الحميد جيده ،وإيليا الحاوي ،والمستشرق روفون
جست والمازني ،والكيالني وغيرهم كثير.
• وتعتبر دراسة العقاد البن الرومي من أوفى وأحسن ما كتب عنه.
ولد ابن الرومي ،علي بن العباس بن جريج في بغداد عام 221هـ ،ويبدو من أسم
جده أنه كان رومي األصل ،ويظهر من اسم أبيه أنه كان مسلما ً غير أن المشهور
أن أمه كانت من أصل فارسي.
• شعره
سيبيذكر صاحب الفهرست أن شعره على غير الحروف من رواية علي بن الم ّ
صديق ابن الرومي مباشرة ،وديوانه من أكبر الدواوين وأضخمها ،ووجد من
ديوانه ثالث نسخ مخطوطة انتشر منها مجموعة من الطبعات ،ويضم شعر ابن
الرومي جميع فنون الشعر التي نظم فيها الشعراء العرب :
المديح
•
أ) المديح :يعتبر هذا الفن وسيلة وتسلية للمعيشة عنده ،وقد دون له مدائح غاية
في الطول يصل بعضها إلى أكثر من ثالثمائة بيت ،وهو عادة ما يستهل مدائحه
بمقدمات طويلة تحتوي على النسيب وذكر النساء ثم البكاء على الشباب ثم يذكر
بعض الموضوعات األخرى الشائعة في العصر العباسي ثم يدلف إلى المدح الذي
يكون فيه عادة بعض المبالغة والتملق في الثناء على الممدوح ،وتنتهي المديحة
عنده بالسؤال والشكوى من الزمان وأهواله.
الهجاء
• ب) الهجاء :هو ميدانه الذي برز فيه ،يقول ابن رشيق :غلب عليه الهجاء حتى
شهر به فصار يقال "أهجى من ابن الرومي" ،وله قطع في الهجاء تشتمل على
مئات األبيات ،وال يفوقها إال المدح ،ويمكن أن تقسم إلى هجاء معتدل وهجاء
مقذع ،ففي القسم األول :نجده يسخر من بعض األفراد فيذكر بعض العيوب
واألخطاء ،ويسخر أحيانا ً من العيون والذقون ويصف بالحقارة والبخل والجبن
وغير ذلك في سخرية الذعة وفكاهة نادرة.
القسم الثاني :قصائد طويلة تشتمل على هجاء عنيف ويقصد بها أولئك الذين
هاجموه أو سخروا منه وأغلبهم شعراء منافسون له .فيسبهم بأمور شائنة تتصل
بالعرض والنسب والشرف.
الوصف
•
ج) الوصف اشتهر ابن الرومي أيضا ً بأوصافه وله قصائد وصفية خالصة يصف
فهيا الطبيعة ،يصف البساتين والسحاب والنباتات وله قصائد مفاخرة بين
النرجس والورد ويفضل النرجس ،وقد أظهر ابن الرومي في وصفه قوة مالحظة
بارعة بحيث أعطى أوصافه خصائص األحياء ،وقد اشتهر بحبه للطبيعة ومدح
من أجلها.
الرثاء
•
د) الرثاء أما مراثيه فقليلة وليست ذات أهمية ما عدا مرثيته الشهيرة التي يبكي
فيها على ابنه محمد أوسط أبنائه ،وقد أفردت واعتبرت من أحسن المراثي
وأشهرها في الشعر العربي :
توخى حمام الموت أوسط صبيتي فلله كيف اختار واسطة العقد
ث في ابنه هبة هللا الذي مات في ريعان الشباب ،ورثى زوجته التي كما وله مرا ٍ
يفهم من شعره أنها ماتت فتية شابة.
• عقليته ونفسيته وأثرهما في شعره
يقول المعري عنه أن أدبه أكثر من عقله وقد تناوله في رسالة الغفران وانتقده في
تطيره ،ومعروف عن أنه كثير التشاؤم ،فهو يتشاءم من األلفاظ ومن الحوادث
ومن األشخاص واأللوان ،حتى سخر منه األدباء والعقالء ،يقول ابن رشيق :كان
ابن الرومي كثير التطير وربما أقام مدة طويلة ال يتصرف تطيراً بما يرى أو
يسمع.
يقول ابن الرومي :الطيرة عنوان الحدثان ،وله فيها شعر كثير ،كذلك كان شديد
االنفعال ،عصبي المزاج وهذا يفسر مبالغته في الهجاء واإلقذاع في طعن
اآلخرين .
• لغتـه :
ألفاظه موجزة ومحكمة وأسلوبه سهل يشبّهه بعضهم باألسلوب األدبي الحديث
لذلك ال يحتاج شعره غالبا ً إلى شرح لكن هذا ال يعني خلو شعره تماما ً من األلفاظ
الغريبة أو األلفاظ الفارسية التي ربما كانت دارجة تلك األيام .وربما كان معظم
النقد الموجه إلى لغته منصبا ً على األخطاء النحوية ،وقد كان بينه وبين األخفش
خصومة.
• الخصائص الفنية في شعره
-1طول النفس في قصائده فهو ينشئ المطوالت التي تتجاوز المئة والمئتين بيت
في سبك جيد ومعاني متنوعة ،غير أن التطويل أحيانا ً يفسد الشعر ،وقد م ّل
القدماء من مطوالته وأحس بذلك واعتذر عنه في بعض قصائده.
-2استقصاء المعنى المطروق في القصيدة بحيث ال يتركه حتى يستوفيه إلى
آخره فهو كما يقول ابن رشيق يأخذ المعنى الواحد يولّده ويقلبه ظهراً لبطن
ويصرفه في كل وجه حتى يميته.
• الخصائص الفنية في شعره
-3إجادته لفن التصوير والتشبيه بحيث يتبع الشيء الموصوف ويكرر تشبيهه
في كثير من قصائده بصور مختلفة مستخدما ً فن التشخيص والتجسيم في كثير من
بدائعه.
-4وجود نوع من الحوار الداخلي في بعض قصائده مما يمثل العنصر القصصي
الدرامي،فهو كثيراً ما كان يصور المعاني أشخاصا ً يتحدث إليهم ويتحدثون إليه.
ومثال ذلك قصيدته في عتاب صديقه أبي القاسم الشطرنجي حيث صور خصاله
السيئة أشخاصا ً وأجرى بينه وبينها حواراً تمثيليا ً يبدأ بقلت وقلن .وربما يرجع
هذا إلى ثقافته اليونانية :
قلت أعجب بكن من كاسفات كاشفات غواشي الظلمـاء
قلـن أعجـب بمهت ٍد يتمنى أنه لم يزل على عميــاء
• أقوال النقاد فيه
يقول المرزباني :أشعر أهل زمانه بعد البحتري ،وأكثرهم شعراً وأحسنهم أوصافا ً
وأبلغهم هجاء.
يقول ابن رشيق :ابن الرومي أولى الناس باسم شاعر لكثرة اختراعه وحسن
افتنانه وقد غلب عليه الهجاء.
يقول الصفدي :كان شاعراً فحالً بعيد الغوص على المعاني.
المتنبي درس شعره ،وقد ذكره العكبري في شرحه لشعر المتنبي أكثر من أربعين
مرة مستشهداً باألبيات التي استوحاها المتنبي منه .
• والنقاد الغربيون يفضلونه على البُحتري ألنهم يرونه أكثر إخالصا ً لنفسه
وشعره ،فهو صادق الشعور عميق اإلحساس كما في مرثيته البنه محمد
المحاضرة العاشرة أبو تمام
• أوالً :فخره بنسبه وتركيزه في أشعاره على الفخر بقبيلته طيء ومدحه للطائيين
والفخر بهم ،فهو وإن اختلف المؤرخون في نسبه إال أنه يرجع أصله إلى قبيلة
طيء القحطانية التي هاجرت من اليمن واستقرت في أرض الحجاز ثم انتشرت
إلى بالد الشام وما ذكره طه حسين بأنه طائي بالوالء منقول عن المستشرقين ،
وقد رفضه عدد من األدباء والنقاد وعلى رأسهم شوقي ضيف ومحمد نجيب
البهبيتي ،واستدلوا على ذلك بكثرة افتخاره بطيء وتغنيه بأمجاد الطائيين
ومآثرهم وشيوع لهجة طيء في شعره.
رحالته
•
ثانيـا ً :رحالته :فقد كان يقول إن موطنه ظهور المطايا كناية عن كثرة أسفاره
وتنقالته ،ومن المعلوم أنه نشأ في دمشق ثم انتقل إلى حمص حيث بدأ حياته
الشعرية هناك في مدح أسرة بني عبد الكريم الطائية ثم رحل إلى مصر واتصل
بعياش بن لهيعة والتقى هناك بالشاعر يوسف السراج ،وبعد أن ساءت العالقة
بينه وبين عياش عاد إلى الشام ومدح طائفة من الناس من أبرزهم المأمون ،
وأبو المغيث الرافقي ،ومحمد بن حسان الضبي والحسن بن سهل.
رحالته
•
ثانيـا ً :رحالته :وبعد موت المأمون اتجه إلى خراسان ليمدح عبد هللا بن طاهر،
وهناك اتصل بالقادة المقيمين في ثغور المسلمين أمثال محمد بن حميد الطوسي،
ومحمد بن يوسف الثغري ،وأبي دلف العجلي ،ثم عاد إلى بغداد وخرج مع
المعتصم إلى عمورية ثم وافته المنية في الموصل سنة 132هـ.
تجدر اإلشارة إلى أن هذه التنقالت كان الهدف من ورائها البحث عن الشهرة
ونشر الشعر عن طريق مدح الخلفاء والوزراء والبحث عن حظوة في بالط
الخالفة وكان الهدف كذلك هو السيطرة على الساحة الشعرية في مختلف األقطار
والواليات التابعة للدولة العباسية.
ثقافته
•
ثـالثـا ً :ثقافته :ثقافته المتنوعة والمتعددة التي أثرت في شعره بشكل مباشر حتى
عدها بعضهم أغزر من شاعريته .حفظ القرآن وهو صغير ،واجتهد في تحصيل
الثقافات والمعارف التي كان يموج بها ذلك العصر فاطلع على الشعر القديم
وتمرس بالشعر الحديث واعتنى بالثقافات الفلسفية والمذهبية.
• الخصائص العامة لمذهبه الشعري :
أ) مخالفته لعمود الشعر العربي على حد قول اآلمدي ،فشعره ال يشبه أشعار
األوائل وال على طريقتهم ،لما فيه من االستعارات البعيدة والمعاني المولدة
والتكلف والتصنع.
ب) اإلفراط في البديع باستخدام الجناس والطباق والتورية وغيرها من المحسنات
البديعة.
ج) مزج األلوان البديعية بالثقافات الفلسفية ،ومحاولة الجمع بين المتناقضات
والمتضادات.
• أثر شعره في األدب والنقد من بعده :
حيث تأثر بمذهبه الشعري عدد منهم مناصروه وخالفه آخرون فطعنوا في شعره
وخاصموه مما أدى إلى نشوب حركة نقدية واسعة ظهرت آثارها بشكل واضح
عند كل من الصولي واآلمدي وابن األعرابي والجرجاني وابن المعتز ودعبل
الخزاعي.
المحاضرة الـ11 البحتري
•
إذا كان أبو تمام يمثل المذهب الجديد في الشعر العباسي ،فإن البحتري يمثل
المذهب التقليدي ،ويعد عند النقاد والباحثين رأس مدرسة المحافظين في الشعر
العباسي ،فأبو تمام يمثل الخروج على عمود الشعر والثورة عليه ،والبحتري
يمثل المحافظة عليه والتمسك به.
• والمراد بعمود الشعر – في عبارة موجزة – تلك التقاليد الفنية التي ورثها
الشعراء المحدثون من الشعر القديم ،أو تلك المجموعة من األصول الفنية التي
كان الشعراء القدماء يقيمون شعرهم على أساسها.
مولده ونشأته
•
البحتري شاعر عربي طائي ،ال يشك أحد في صحة عروبته ،فهو أبو عبادة
الوليد بن عبد هللا ينتهي نسبه إلى بحتر أحد بطون طيئ.
ولد البحتري في البادية ونشأ بها ،وليس من شك في أن نشأته المبكرة بين البدو
في هذه البادية كان لها أثر واضح في اتجاهاته الفنية ،ولعلها كانت أحد العوامل
التي اتجهت به إلى الحرص على أساليب العرب ،والمحافظة على مذاهبهم الفنية
التقليدية ،أو -بعبارة أخرى – على (( عمود الشعر )).
حياته
•
وأهم حدث مر بالبحتري في هذه الفترة األولى من حياته اتصاله بأبي تمام ،
وكناقد وفد إليه ليعرض عليه شعره ،فأنشده قصيدته التي مطلعها :
أفاق صب من هوى فأفيقا أم خان عهدا أم أطاع شفيق
• وأعجب أبو تمام بهذه القصيدة ،فلما انفض مجلسه دعاه إليه وقال له :أنت أشعر
من أنشدني ،وقد عاصر البحتري سبعة من الخلفاء العباسيين :الواثق والمتوكل
والمنتصر والمستعين والمعتز والمهتدي والمعتمد.
حياته
•
وتبلغ مدائح البحتري في المتوكل وحده ثالثين قصيدة ،ولما قتل المتوكل نظم
قصيدته المشهورة التي رثى بها المتوكل :
محل على القاطول أخلق داثره وعادت صروف الدهر جيشا يغاوره
• وفي أواخر خالفة المعتمد عاد البحتري عودته األخيرة إلى منبج حتى أدركته
منيته وهو شيخ في حدود الثمانين من عمره.
حياته
•
نستطيع أن نقسمها إلى ثالث مراحل :
المرحلة الشامية األولى التي تبدأ منذ والدته في منبج ،وتستمر قرابة خمسة
وعشرين عاما ،وأهم حدث مر به فيها هو اتصاله بأبي تمام.
ثم المرحلة العراقية التي تبدأ منذ رحيله عن الشام إلى بغداد ،وتستمر قرابة
خمسين سنة أشد فترة في حياة البحتري الفنية ازدهارا وخصبا وعطاء ،ونظم
فيها أكبر موسوعة من شعره.
ثم المرحلة الشامية الثانية التي شهدت البحتري شيخا ولم تستمر هذه المرحلة
أكثر من خمس سنوات لم تكن بذات قيمة من الناحية الفنية.
ثقافته
•
فالبحتري إذن شاعر قليل الحظ من الثقافة العقلية واألجنبية ،ولكنه وافر الحظ
من الثقافة العربية القديمة .وساعده على ذلك نشأته األولى في البادية التي
أتاحت له االتصال القريب بلغة البدو وتقاليدهم وتراثهم الفني والفكري.
مذهبه الشعري
•
األمر الذي الشك في أن اتصال البحتري بأبي تمام وصله بشئ من الثقافات العقلية
واألجنبية التي كان أبو تمام على صلة وثيقة واسعة بها ،كما أن اتصاله بالحياة
المتحضرة في العراق وفارس وصله بالحضارة الحديثة ،ولعل هذا هو الذي دفع
صاحب األغاني إلى القول بأن البحتري (( كان يتشبه بأبي تمام )) .
ولكن هذا – في حقيقة أمره – غير صحيح ،ألن مذهب البحتري الفني يختلف
تمام االختالف عن مذهب أبي تمام ،فالبحتري كما يصفه االمدى (( أعرابي الشعر
مطبوع على مذهب األوائل ،وما فارق عمود الشعر المعروف )).
شعره
نالحظ أن استخدام البديع عنده يختلف عن استخدامه عند أبي تمام من ناحيتين ،
فهو – من ناحية – لم يفرط فيه إفراط أبي تمام ،ولم يبالغ في استخدامه ،وهو –
من ناحية أخرى – لم يعقد فيه ،ولم يتعمق في أغواره كما كان يفعل أبو تمام.
فاالستعارة عند البحتري تختلف تمام االختالف عن االستعارة عند أبي تمام ،فهي
ليست أكثر من تلك الصورة المألوفه التي نعرفها في الشعر العربي القديم ،والتي
تعتمد أوال وقبل كل شئ على التشبيه .والجناس عند البحتري ال ينتشر انتشاره عند
أبي تمام ،وال يختلط أو يمتزج بعنصر التصوير الذي كان أبو تمام يعتمد عليه
اعتمادا كبيرا .
شعره
أما اللون البديعي الوحيد الذي أفرط فيه البحتري إفراطا غير عادي فهو الطباق ،مع
ذلك – لم يصل إلى ذلك البدع الرائع الغريب الذي وصلت إليه (( نوافر األضداد ))
عند أبي تمام ،وإنما هو طباق ساذج بسيط ال يعدو وضع لفظه في مقابل لفظة.
ولعل هذا هو الذي جعل الدكتور شوقي ضيف يطلق عليه (( طباق الذاكرة )) .وهو
طباق نستطيع أن نرى صورة منه في هذه األبيات :
منى وصل ومنك هجــر وفي ذل وفيك كــــــــبر
وما سواء إذا التقينــــــا سهل على خلة ووعــر
قد كنت حرا وأنت عبـد فصرت عبدا وأنت حر
أنت نعيمي وأنت بؤسي وقد يسوء الذي يســــر
شعره
•
نالحظ أن شيئا من المنطق ينقص البحتري في شعره ،فال تظهر فيه تلك الروابط
العقلية الدقيقة بين األفكار التي تظهر بوضوح في شعر أبي تمام ،وذلك الن
البحتري كان يؤمن بان الشعر ال يمكن أن يكون صناعة عقلية تقوم على
المزاوجة بين العقل والشعور أو االمتزاج بين الفن والثقافة كما كان عند أبي تمام
،وهو يصرح بمذهبه الفني في هذه األبيات المشهورة التي يقول فيها مدافعا
عنه .
كلفتمونا حدود منطـــقكم والشعر يغنى عن صدقه كذبه
ولم يكن ذو القروح يلهج بالمنطق وما نوعه وما سببه
والشعر لمح تكفي إشارته وليس بالهذر طولت خطبــــه
شعره
•
ومعنى هذه الفكرة في ضوء مذهب البحتري أن الشعر ال يقوم على أساس عقلي ،
وال يخضع لمقاييس المنطق.
ولعل هذا هو الذي دفع بروكلمان إلى القول بان البحتري اقل فطنة من المتنبي ،
ولكنه أكثر شاعرية من أبي تمام .
ولعل شيئا من ذلك هو الذي جعل أبا العالء يطلق على شعره (( عبث الوليد ))
مستغال اسمه في هذه التورية الجميلة .
فالبحتري في كل شعره حريص أشد الحرص على اختيار ألفاظه وانتقائها بحيث
تتالءم مع الموضوع الذي ينظم فيه ،مع جنوح واضح إلى اللفظ القريب إلى الفهم
،البعيد عن األغراب والتعقيد
المحاضرة الـ12 المتنبى
المتنبي شاعر القرن الرابع غير منازع ،بل هو – عند كثير من الباحثين – أكبر
شاعر أنجبته العربية في تاريخها األدبي الطويل.
ولد المتنبي بالكوفة في سنة 303للهجرة ،ويكتنف الغموض أسرته وأصله ،
ويختلف الرواة في نسبه ،إنه أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد ،ولكنهم
يتفقون على أنه عربي ينتهي نسبه من جهة أبيه إلى قبيلة جعفى اليمنية ،ومن جهة
أمه إلى قبيلة همدان اليمنية أيضا ،وقضى المتنبي فترة طفولته في الكوفة ،فتعلم
فيها القرآن ،ودرس شيئا ً من علوم اللغة واألدب ،وروى نصوصا من الشعر
العربي ،هذا إلى جانب ما كان يتعلمه فيها من أصول الدين اإلسالمي ،وبدأ ينظم
الشعر وهو صبي صغير فيها ،وهم يذكرون أن أول شعر قاله هذان البيتان :
• بأبي من وددته فافترقنا وقضى هللا بعد ذاك اجتماعا
فافترقنا حوالً فلما التقينا كان تسليمه على وداعــا
حياته
•
ويروي الرواة له مقطوعات أخرى نظمها في صباه نراه في بعضها يتغزل ،وفي
بعضها يهجو ويتهكم ،وفي بعضها يمدح ،وفي بعضها يفتخر ،ومن بين هذه
المقطوعات المبكرة تلك المقطوعة التي تعكس ذلك الطموح البعيد ،بل الغرور
الذي ال حد له :
• أي محل ارتقـى أي عظيم أتقــى
وكل ما خلق هللا وما لم يخـــلق
محتقر في همتي كشعرة في مفرقي
حياته
وفكر في أن يتخذ من شعره وسيلة للعيش ،فأخذ يتصل ببعض الرؤساء يمدحهم
ليستعين بما يهدونه إليه من عطاء على حياته .حاول أن يجرب حظه مع سيف
الدولة فمدحه بقصيدته التي مطلعها :
• ذكر الصبا ومراتع اآلرام جلبت حمامى قبل وقت حمامى
• وكان ذلك في سنة ، 231وهنا خطرت في ذهن المتنبي فكرة :لماذا ال يكون ملكا ً
أو أميراً ؟ ومضى يصور طموحه ورغبته في المغامرة التي تصل به إلى الملك
والسلطان أو تنتهي به إلى الموت والهالك :
• أفكر في معاقرة المنــايا وقود الخيل مشرفة الهوادي
زعيم للقنا الخطى عزمي بسفك دم الحواضر والبوادي
رحالته
ومضى يجاهر به ويعلنه على الناس ،حتى وصل به األمر إلى درجة التهديد •
بالثورة والخروج على السلطان ،وتحدى الملوك واألمراء والحكام جميعا :
أيملك الملك واألسياف ظامئــة والطير جائعة لحم على وضم •
من لو رآني ما ًء مات من ظمـأ ولو مثلت له في النوم لم ينم
فألقى لؤلؤ الغورى والى اإلخشديين على حمص القبض عليه وألقى به في غياهب •
السجن ،وكان ذلك في أواخر سنة ، 321وتكثر الروايات واألخبار عن السبب أو
األسباب التي ألقت بالمتنبي في السجن ،فجماعة يرون أن المتنبي أدعى النبوة
وجماعة يرون أن المتنبي بعد أن فكر في الثورة فتصدى له لؤلؤ ثم القي به في
السجن وخرج المتنبي من السجن ،واستقرت به الحياة في أنطاكية ،وسيطر على
نفسه إحساس بالسخط والتشاؤم:
ودهر ناسه ناس صغــار وإن كانت لهم جثث ضخام •
وما أنا منهم بالعيش فيهم ولكن معدن الذهب الرغام
رحالته
واستطاع المتنبي أن يصل إلى سيف الدولة الحمداني في سنة 337حين قدم سيف
الدولة إلى أنطاكية بعد انتصاره على الروم فمدحه بقصيدة الميمية :
• وفاؤكم كالربع أشجاه طاسمه بأن تسعدا والدمع أشفاه ساجمه
• وتوطدت الصلة بينهما ،وظل المتنبي في بالط سيف الدولة زهاء تسع سنين حتى
فارقه في سنة .345وكانت آخر قصيدة أنشدها له في حلب هيه ميمية :
• عقبى اليمين على عقبى الوغى ندم ماذا يزيدك في إقدامك القسم
مع سيف الدولة
•
والواقع أن المتنبي قال في سيف الدولة شعراً كثيراً ويحفظ لنا ديوانه أكثر من
ثمانين قصيدة ومقطوعة قالها فيه ،حتى ليوشك أن يؤلف شعره فيه ديوانا
مستقال .السبب في هذا يرجع إلى أن المتنبي وجد في سيف الدولة – وهو األمير
العربي –المثل الذي كان يفتقده في غيره من األمراء األعاجم الذين اتصل بهم من
قبل ومدحهم ،وكان سيف الدولة نفسه مثقفا ثقافة واسعة ،ومن هنا كانت
مجالسه تحفل دائما بالعلماء واألدباء والكتاب والشعراء والفالسفة والفقهاء
واللغويين .ولهذا كان المتنبي حريصا دائما على أن يقدم لهذا األمير المثقف
ولهذه البيئة المثقفة أجود ما يمكن أن يقدمه من شعر ،ويرى الدكتور طه حسين
أن شعر المتنبي في سيف الدولة من أجمل الشعر العربي كله وأروعه وأحقه
بالبقاء.
مع سيف الدولة
•
والرواة يذكرون أن سيف الدولة كان يعطي المتنبي كل سنة ثالثة آالف دينار
طوال المدة التي قضاها معه .ولكن الذي حدث هو أن هذه الصلة بين الشاعر
واألمير قد انقطعت وانتهى األمر إلى فرار المتنبي من حلب ومن سيف الدولة.
أسباب فراقه لسيف الدولة
األسباب التي أدت إلى هذه القطيعة:
من الممكن أن نرد هذه األسباب إلى شئ أساسي في شخصية المتنبي ،فقد كان المتنبي
مغرورا اشد الغرور ،متعاليا على غيره من الشعراء محتقرا لهم.
• خليلي إني ال أرى غير شاعر فكم منهم الدعوى ومنى القصائد
فال تعجبا أن السيوف كثيـرة ولكن سيف الدولة اليوم واحــد
• ويقول مرة غيرهما:
وما الدهر أال من رواة قصــائدي إذا قلت شعرا أصبح الدهر منشدا
فسار به من ال يسير مشمـــ را وغنى به من ال يغني مغـــــردا
اجزني إذا أنشدت شعرا فإنــما بشعري أتاك المادحون مــرددا
ودع كل صوت غير صوتي فإنني أنا الطائر المحكى واآلخر الصدى
• وبدأت الدسائس تحاك حول المتنبي ،وكان أشد الماكرين بالمتنبي الكائدين له
شخصان من أسرة سيف الدولة هما أبو فراس الحمداني ،وأبو العشائر الحمداني ابنا
عمه.
مفارقته لسيف الدولة
•
حتى إذا ما كانت سنة 345دارت مناقشة حادة في مجلس سيف الدولة بين
المتنبي واحد العلماء المتصلين به وهو ابن خالويه النحوي ،فقد خطأ ابن خالويه
المتنبي من الناحية النحوية وغضب المتنبي لذلك ،ورد على ابن خالويه ردا
غليظا فغضب ابن خالويه واخرج من كمه مفتاحا من حديد ،وضرب به وجه
المتنبي فشجه وسال دمه.
وكان المتنبي يتوقع أن يغضب سيف الدولة له وينصره ،فلم يفعل شيئا ً ولم
يغضب لما حدث ،وخرج المتنبي من عند سيف الدولة ويدخل المتنبي مصر سنة
346بعد أن فارق سيف الدولة بشهور قليلة ،وهو يمنى نفسه بأنه سوف ينال
من كافور ما لم ينله من سيف الدولة ،إنه ال يريد من كافور ماال وإنما يريد أن
يوليه أمر والية من الواليات ليصبح أميرا عليها.
مدحه لكافور
ومدح المتنبي كافورا بثماني قصائد أنشده أوالها في جمادي اآلخرة من سنة 346
وهي يائيته:
كفى بك دا ًء أن ترى الموت شافيا وحسب المنايا أن يكن امانيا
وأنشده آخرها في شوال 349وهي بائيته:
منى كن لي أن البياض خصاب فيخفى بتبييض القرون شباب
إن شعر المتنبي في كافور لم يكن كله مدحا خالصا ،ولكنه ينحل إلى ثالثة
موضوعات :حديث للمتنبي عن نفسه وعن آماله ،وحنين إلى أيامه السالفة ،ومدح
لكافور .وانتهى المتنبي بعد طول االنتظار إلى اليأس من كافور ،وضاقت نفسهأ وبدأ
يرى فيه عبدا زنجيا حقيراً ،وبدأ يهجوه سرا ،وودع كافورا بقصيدة هجاء رائعة :
• عيد بأية حال عدت ياعيد بما مضى أم ألمر فيك تجديد
أما األحبة فالبيدا دونهم فليت دونك بيدا دونها بيد
وفاته
في سنة 352توفيت أخت سيف الدولة (( خولة )) فبعث إليه المتنبي بقصيدته
البائية في رثائها:
• طوى الجزيرة حتى جاءني خبر فزعت فيه بآمالي إلى الكــذب
حتى إذا لم يدع لي صدقه أمال شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي
• وأخذ المتنبي طريقه إلى بغداد وليس معه إال ابنه وغلمانه .وفي الطريق قريبا من
دير عاقول في الجانب الغربي من سواد بغداد تلقاه فاتك االسدي خال ضبه
القرمطي الذي هجاه المتنبي من قبل في الكوفة ،ومعه جماعه من األعراب كانوا
يتربصون له في الطريق ،فكان بينهم شئ من قتال انتهى بمصرع المتنبي
ومصرع ابنه وغلمانه جميعا ،ونهب ما كان معهم من متاع وكتب ومال .وكان
ذلك في أواخر رمضان من سنة .354
آراء القدماء فيه
•
المتنبي عند أكثر القدماء والمحدثين شاعر العربية األكبر ،وفي رأي أبي العالء
هو أشعر المحدثين .ومع ذلك فهنالك من يختلفون حوله ،ومن نصبوا من أنفسهم
خصوما له ،وقد دفع هذا أحد كبار النقاد العرب ،وهو القاضي عبد العزيز
الجرجاني ،إلى تأليف كتابه (( الوساطة بين المتنبي وخصومه )) الذي حاول فيه
أن يقف موقف القاضي العادل بين أنصاره وخصومه .وقد سجل الجرجاني معركة
القدماء حوله بالتفصيل في كتابه (( الوساطة )) فعرض حجج الفريقين :أنصاره
وخصومه ،وكذلك المعركة عند الثعالبي في (( يتيمة الدهر ))
آراء القدماء فيه
• ووراء الجرجاني والثعالبي وأمثالهما ،فريقان من النقاد :متعصب عليه ومتعصب
له ،ففي كفة االتهام نرى أمثال (( المنصف للسارق والمسروق من المتنبي ))
البن وكيع ،و ((اإلبانة عن سرقات المتنبي )) للعميدي ،و (( الرسالة الموضحة
في مساوئ المتنبي )) للحاتمي ،و (( الكشف عن مساوئ شعر المتنبي ))
للصاحب بن عباد .وفي كفة الدفاع نرى أمثال (( الفسر )) و (( معاني أبيات
المتنبي )) البن جنى أهم المعجبين به في عصره وأكثرهم تعصبا له ،وأشدهم
إثارة لخصومه الذين شغلوا بالرد عليه من أمثال ابن فورجة الذي ألف كتابين
سمى أحدهما (( التجني على ابن جنى )) وسمى اآلخر (( الفتح على أبي الفتح ))
،وأبي حيان التوحيدي الذي ألف (( الرد على ابن جنى في شعر المتنبي ))
والشريف المرتضى الذي ألف (( كتاب تتبع أبيات المعاني للمتنبي التي تكلم عليها
ابن جنى )).
آراء القدماء فيه
•
وأهم ما أخذه عليه القدماء خروجه على النحو واللغة والوزن في بعض أبياته ،
والتعقيد المعنوي بسبب بعد استعارته تارة ،وغموض معانيه والتناقض واإلحالة
فيها تارة أخرى ،والتعقيد اللفظي نتيجة لغرابة لغته وتنافر كلماته ،والخروج
بالشعر من طريق الشعر إلى طريق الفلسفة ،ثم التفاوت في مستواه الفني ،
وأخيراً مسألة السرقات.
آراء القدماء والمحدثين
•
وأما المحدثون فقد ذهب الدكتور طه حسين في كتابه (( مع المتنبي )) إلى أن فن
المتنبي يختلف باختالف أطوار حياته ،فخير شعره في سيف الدولة ،أما شعره
في مصر فمدحه لكافور بعضه جيد وبعضه متوسط ،وأما هجاؤه له فقد وفق إلى
اإلجادة فيه ،أما أجمل ما قاله المتنبي في مصر فهو (( ذلك الغناء الحزين الذي
صور فيه آماله الضائعة وآالمه وغربته )).
آراء المحدثين
•
وأما األستاذ العقاد فالمتنبي عنده فخر العرب ،وشاعر التجارب والحكم ،
والشاعر العظيم القليل النظير .وهو إلى جانب ذلك فنان ولكنه ال يدخل عالم الفن
من باب الجمال ،وإنما من باب القوة.
وأما األستاذ المازني ففي مقاالته التي كتبها في (( حصاد الهشيم ))ال يبدي
إعجابه بالمتنبي .فهو ليس أحب الشعراء إليه ،وال أعزهم عليه .فيأتي في شعره
بالثقيل الجافي أو بالضعيف المهلهل.
آراء المحدثين
•
أما الدكتور عبد الوهاب عزام فهو متعصب للمتنبي تعصبا ً واضحا ً ،وهو يعني في
كتابه (( ذكرى أبي الطيب بعد ألف عام )) بمناقشة كل ما هوجم به ودفعه عنه ،
فيرد اإلغراب في شعره إلى قلة مباالته بالناس وإعجابه بنفسه ،وينكر اتهامه
بالخطأ المعنوي ،ويرى أنها دعوى بال دليل ،ويعد خروجه إلى طريق الفلسفة
من حسناته.
والدكتور شوقي ضيف من المعجبين أيضا بالمتنبي ،وهو في كتابه (( الفن
ومذاهبه في الشعر العربي )) يسلكه في مذهب التصنع ،ويرى أنه استطاع (( أن
يحلق في أسمى أفق للشعر العربي )) ،وأن يخفي بمهارته حقيقة فنه وصناعته ،
وأعانه على ذلك أنه (( كان صاحب صوت ضخم ال يرتفع به حتى يحدث جلبة
شديدة )).
عقليته
•
أن أهمية المتنبي في تاريخ الشعر العربي ترجع إلى أنه استطاع أن يحرره من
قيود الصنعة البديعية والزخارف اللفظية التي كبله بها شعراء مدرسة البديع ،
وأن يعود به على أصالته التي كان عليها في عصور ازدهاره وإلى أن يعبر تعبيراً
حراً عن نفس صاحبه وعقله ال تقيده قيود الصنعة الثقيلة التي تحد حركته ،كان
المتنبي طبعة جديدة تختلف عن الشعراء في جانب من أهم الجوانب التي تميزه
من بينهم ،وهو ذلك (( العنصر العقلي )) الذي جعله قاعدة أساسية يقوم عليها
بناؤه الفني ،وبقدر ما تخفف المتنبي في شعره من أثقال الزينة اللفظية ،وحرره
من قيود الزخرف البديعي ،بقدر ما أثقله باألفكار العقلية البعيدة ،والتراكيب التي
كان في كثير من األحيان يحرص على أن يبنيها بناء منطقيا ً أرسطيا ً .
ثقافته
•
كان المتنبي واسع االطالع على ثقافات عصره ،شديد االتصال بها ،حتى ليخيل
لمن يقرأ شعره أنه لم يكد يترك جانبا من جوانب المعرفة في عصره إال اتصل به
واستغله في شعره .ولم تقف صلة المتنبي عند الثقافات العقلية ،وإنما امتدت
لتصل أسبابه بالثقافات اللغوية والنحوية واألدبية اتصاالً وثيقا ً .وذكروا أنه واسع
االطالع على كتب اللغة والنحو ودواوين الشعر ،واسع العلم بأسرار اللغة
وغريبها ولهجاتها ،ومذاهب النحاة وشواهدهم ،ومذاهب الشعراء واتجاهاتهم
الفنية .مما أمده برصيد لغوي وفني ثري راح ينفق منه بغير حساب ،ويتصرف
في ثقة بل في جرأة.
ثقافته
•
لقد استطاع المتنبي أن يجمع بين البداوة والحضارة ،ويتداخل فيه الموروث
العربي بأصالته وعراقته ،والوافد األجنبي بطرافته وجدته ،وأيضا بتعقيداته
الفلسفية وتشكيالته العقلية وأقيسته المنطقية.
شعره
•
بدأ خطواته الفنية األولى على درب أبي تمام الذي كان معجبا به إعجابا شديداً ،
أخذ يصدر عن نفسه في أصالة طبيعية حطمت المذاهب الفنية التي جنح إليها
الشعراء السابقون عليه ،متخذاً له مذهبا خاصا به يقوم على أساس تحرير الشعر
العربي من القيود ،ووضع نهاية لقضية الصراع بين القديم والجديد التي شغلت
القرن الثالث ،واستهلكت جهود نقاده المحافظين والمجددين على السواء ،
وظهرت على األفق خصومة جديدة حول األصالة والشاعرية :طائفة المعجبين به
المتعصبين له المؤمنين بأصالته وشاعريته ،وطائفة الرافضين له ،المتحاملين
عليه.
شعره
•
وشادن روح من يهواه في يــده سيف الصدود على أعلى مقلده
ما اهتز منه على غصن ليبتــره إال اتقاه بترس من تجـــلده
ذم الزمان إليه من أحبتـــــه ما ذم من بدره في حمد أحمـده
شمس إذا الشمس القته على فرس تردد النور فيها من تــردده
إن يقبح الحسن إال عند طلعتــه والعبد يقبح إال عند سيــده
• ففي هذه األبيات يحاول تقليد أستاذه الكبير فنرى صبغ التشخيص ،ونرى صبغ
الطباق ،ونرى مراعاة النظير ،ونرى محاولة لالقتراب من قمة أبي تمام ،ثم
يتقدم المتنبي خطوات في طريقه الفني ،ويبدأ في التخلص من متابعة أبي تمام
في دروبه البديعية ،ويبدأ في العمل على تحقيق رسالته الفنية في (( تحرير
الشعر )) والخروج به من إسار البديع على عالم فسيح ينطلق فيه كيف يشاء.
شعره
•
تقوم نظرية المتنبي في الشعر على أساسين :العودة بأسلوبه إلى أصالته األولى
التي أصلتها له عبقريات رواده ،ثم تحريره من قيود المدرسة البديعية التي أثقلت
كواهله وقيدت حركته ولننظر في هذه األبيات:
• ال افتخار إال لمن ال يضــام مدرك أو محارب ال ينـــام
ليس عزما ما مرض المرء فيه ليس هما ما عاق عنه الظالم
واحتمال األذى ورؤية جانـيه غذاء تضوي به األجســـام
كل حلم أتى بغير اقتـــدار حجة ال جئ إليها اللئـــام
من يهن يسهل الهوان علـيه ما لجرح بميت إيـــــالم
شعره
•
ومع استقرار حياة المتنبي في ظالل سيف الدولة ،ومع اتصاله بالنشاط العقلي
الخصب ،وظهرت الحكم الناضجة التي استمدها المتنبي من ثقافته الفلسفية
وأيضا من تجربته العريضة في الحياة ،وظهرت أيضا صور من التعقيد المعنوي
واللفظي ،ولننظر في هذه األبيات لنرى كيف أخذ العنصر العقلي يفرض نفسه
على شعره:
• أنت يافوق أن تعزى عن الـ أحباب فوق الذي يعزيك عقال
وبألفاظك اهتدى فإذا عــزا ك قال الذي له قلت قبـــال
لك إلف يجره وإذا مــــا كرم األصل كان لإللف أصال
شعره
• مضى المتنبي في قصيدته يعزف هذا اللحن الفلسفي العميق ،استطاع المتنبي أن
يتحول بهذا الموقف إلى تأمالت عقلية هادئة تحاول أن تفلسف قضية الحياة
والموت ،وعلى امتداد الطريق الفني الذي سلكه المتنبي وظل شعره محتفظا بذلك
المزاج الغريب من انفعاالت البدوي الحادة العنيفة وعقالنية الحضري المثقف
الواسع األفق ،مع تفاوت في (( عملية المزج بين العناصر )) يرجع إلى ظروف
حياته وما تتركه من آثار على نفسيته في ضوء هذه النظرية ،نظرية (( التفاوت
في مزج العناصر ))
شعره
•
نستطيع أن نوزع شعر المتنبي في مجموعتين فنيتين :مجموعة ترتفع فيها نسبة
العناصر البدوية بما تحمله معها من ارتفاع الصوت االنفعالي ،ومجموعة ترتفع
فيها نسبة العناصر األجنبية بما تحمله معها من ارتفاع صوت العقل ،ومن اليسير
أن نجد تفسيراً له ،إذا وضعنا في حسابنا أمرين :تكوين المتنبي الثقافي من ناحية
،والذين كان يتجه إليهم بشعره من ناحية أخرى.
شعره
•
تبدأ القصيدة بذلك اللون من الغزل الذي عرف به المتنبي ،وتدور األبيات األولى
التسعة عشر منها في جو بدوي خالص.
• من الجآذر في زى االعـاريب حمر الحلي والمطايا والجاليـب
إن كنت تسال شكا في معارفهـا فمن بالك بتسهيد وتعذيـــب
ال تجزني بضنى بي بعدها بقـر تجزى دموعي مسكوبا ً بمسكوب
سوائر ربما سارت هوادجهــا منيعة بين مطعون ومضـروب
نجيع من الفرسان مصبوبٍ وربما وخدت أيدي المطى بهـا على
كم زورة لك في األعراب خافي ٍة أ دهى وقد رقدوا من زورة الذيب
أزورهم وسواد الليل يشفع لـي وأنثى وبياض الصبح يغرى بـي
شعره
•
ثم ينتقل بعد هذه المقدمة الطويلة إلى مدح كافور ،فيمدحه بتلك الصفات التقليدية
المألوفة في المدح العربي القديم :الحكمة والتجربة والحلم والشجاعة والكرم ،أما
القصيدة األخرى فمع أنها تبدأ البداية التقليدية بمقدمة غزلية نرى فيها اإلبل
والظعائن والهوادج فإننا نحس أن جواً حضريا ينتشر بينها.
• با ٍد هواك صبرت أم لم تصبـرا وبكاك إن لم يجر دمعك أو جـرى
كم غر صبرك وابتسامك صاحبا لم ا رآه وفي الحشا ماال يـــرى
أمر الفؤاد لسانه وجفونــــه فكتمنه وكفى بجسمك مخبـــرا
تعس المهارى غير مهرى غـدا بمصور لبس الحرير مصــوراً
شعره
•
استطاع المتنبي أن يضع نهاية لتلك الخصومة بين القديم والجديد ،وأن يشغل
عصره بقضيته هو أو بمذهبه الفني الذي فرض نفسه على المجتمع األدبي في
القرن الرابع الذي يعد بحق عصر المتنبي دون منازع.
المحاضرة الـ13 أبو العالء المعري-
•
يعد أبو العالء أهم شاعر عرفته العربية في القرن الخامس الهجري ،بل هو -
عند بعض المحدثين -أهم شاعر عرفه الشعر العربي على امتداد تاريخه الطويل.
وهو -على كل حال – خاتمة أجيال العمالقة الذين شهدهم الشعر العربي في رحلته
الطويلة منذ أن بدأها رواده األوائل من أعماق الجزيرة العربية في العصر
الجاهلي.
أبو العالء المعري
•
قضية أبي العالء في النقد العربي لم تكن قضية األصالة الشعرية واختالف النقاد
حولها كما كان الموقف مع المتنبي ،وإنما كانت قضية جديدة ظهرت إرهاصاتها
المبكرة عند أبي تمام ،وازدادت ظهورا عند المتنبي ،ثم فرضت نفسها في قوة
واستعالء عند أبي العالء وهي قضية تطويع الشعر للفلسفة.
مولده ونشأته
ولد أبو العالء أحمد بن عبد هللا بن سليمان سنة 363للهجرة في بلدة قريبة من حلب
اسمها معرة النعمان ،واليها نسب فعرف بالمعري ،ولقب بابي العالء ،ولم يكد يبلغ
الرابعة من عمره حتى أصيب برمض الجدري فذهب ببصره ،وأبو العالء المعري
عربي خالص العروبة ،ينتهي نسبة إلى قبيلة عربية قديمة كانت تنزل في الشام ،
هي قبيلة تنوخ اليمنية ،وكانت أسرته على قدر كبير من الثقافة الدينية مما أتاح له
أن يتصل بالجو العلمي ،وان يكون والده هو أستاذه األول الذي تلقى على يديه العلم
والى جانب والده طائفة من العلماء الذين كانوا موجودين في بلدته اخذ عنهم كثيراً
من العلوم العربية.
ثقافته
•
وقرأ شعر المتنبي على ابن سعد النحوي ،كما قرأ أيضا على أصحاب ابن خالويه
اللغوي الكبير ،اندفع نحو الفلسفة يدرسها ويتعمق فيها ،وفي رأي القفطي أن
هذه المرحلة التي شغل نفسه فيها بدراسة الديانات وأقوال الفالسفة هي التي
أثارت في عقله تلك الشكوك العقلية التي تنتشر في شعره ،واتسعت دائرة ثقافاته
حتى أوشكت أن تضم كل ما كان يعرفه عصره من علوم لغوية ودينيه وفلسفية ،
وأيضا من تراث عربي قديم .لزم بيته واعتزل حياة الناس ،وسمى نفسه رهين
المحبسين :حبس نفسه في بيته ،وحبس بصره عن النظر ،وان يكن في بعض
شعره يصرح بأنه رهين ثالثة سجون:
• أراني في الثالثة من سجوني فال تسال عن الخبر النبيــــــث
لفقد ناظري ولزوم بيتـــــــي وكون النفس في الجسم الخبيث
آثاره
فرض على نفسه أسلوبا خاصا في الحياة يخضع لمجموعة من األفكار الفلسفية ،
وانقطع في بيته عن الحياة واألحياء إال عن كتبه التي عكف عليها ،وتالميذه الذين
كانوا يلتفون حوله ،وفي هذه العزلة أيضا ألف كتبه الكثيرة وأشهرها رسالة
الغفران ،والفصول والغايات ،وشروحه على دواوين الشعراء الثالثة الكبار أبي
تمام والبحتري والمتنبي التي سماها (( ذكرى حبيب )) و (( عبث الوليد )) و
(( معجز احمد )) ،كما نظم أيضا ديوانه المشهور (( اللزوميات )) الذي سجل في
فلسفته في الحياة والموت ،كما جمع شعره الذي نظمه في المرحلة السابقة من
حياته وسماه (( سقط الزند )) ثم عكف على شرحه في كتاب سماه (( التنوير )).
ديوانه سقط الزند :المديح
مرت حياة أبي العالء الفنية بمرحلتين اختلف فيهما شعره اختالفا كبيرا :مرحلة ما
قبل العزلة ويمثلها ديوانه (( سقط الزند )) ،ومرحلة ما بعد العزلة ويمثلها ديوانه
(( اللزوميات )).
في (( سقط الزند )) يدور في دائرة الموضوعات التقليدية التي نعرفها في الشعر
العربي ،ففيه مدح ورثاء ووصف وشكوى من الزمان ويشغل المدح القسم األكبر
منه ففيه أربع وثالثون قصيدة في المدح ،منها تسع عشرة موجهة إلى أشخاص
معروفين أشار إليهم في مقدماتها ،وخمس عشرة لم يشر إلى أصحابها وهي ظاهرة
تبدو غريبة على أبي العالء الذي لم يعرف عنه انه كان يتكسب بشعره ،ويعلل
العلماء ذلك بان هذا المدح كان على سبيل المران على قول الشعر والتدريب عليه ،
ولكننا -مع ذلك – نرى بعض مدائحه موجهة إلى بعض أصدقائه ردا على قصائدهم
التي كانوا يوجهونها إليه فهي – من هذه الناحية – تدخل في باب االخوانيات.
الهجاء
وظاهرة أخرى تلفت النظر ،وهي اختفاء الهجاء منه ،وتعليل هذه الظاهرة أيسر
من الظاهرة السابقة ،فقد كانت نفسية أبي العالء من الصفاء ما جعله ينأى بنفسه
عن أن يقف من احد موقف حقد أو كراهية ،أو لعله اسقط ما قد يكون نظمه من
هجاء في صدر حياته.
الرثاء
وأما الرثاء فقليل في هذا الديوان ،فليس فيه منه سوى ثماني قصائد ،منها
قصيدتان في رثاء أمه ،وواحدة في رثاء أبيه ،وأخرى في شخص مجهول ،
واألربع الباقية في بعض اإلشراف أو العلماء الذين كان يعرفهم.
ولعل قصيدته الدالية التي رثى بها أبا حمزة الفقيه هي أروع قصائد الرثاء في
الديوان .وتعليل هذا يسير ،فهذه القصيدة من نتاج مرحلة ما بعد العزلة التي تمثل
نضج وينظر إليها نظرة شاملة يحاول من ورائها أن يستشف أسرار الكون.
• غير مجد في ملتي واعتقادي نوح ٍ
باك وال ترنم شـــــاد
وشبيه صوت النعي إذا قيس بصوت البشير في كل ناد
أبكت تلكم الحمامة أم غنــت عـلى فرع غصنها المياد؟
• وعلى المستوى الفني تقف قصيدة الرثاء األخرى:
• أحسن بالواجد من وجده صبر يعيد النار في زنده ففي هذه القصيدة تختفي النغمة
الحزينة الباكية التي كانت تظهر من حين إلى حين ،لتظهر بدال منها نغمة فلسفية
توشك أن تسيطر عليها من بدايتها إلى نهايتها ،وكأنما تحولت من قصيدة رثاء
إلى قصيدة في فلسفة الموت والحياة.
في هذه القصيدة تحولت أحزان أبي العالء إلى تأمالت فلسفية تأخذ في قسم كبير
منها شكل الحكم التي يركز فيها ما انتهى إليه من آراء في الحياة والموت من
خالل تجربته التي عاشها :
• يا دهر يا منجز ايعـــــاده ومخلف المأمول من وعده
أي جديد لك لم تبـــــــــله وأي أقرانك لم تــــــــرده
تستأسر العقبان في جوها وتنزل األعصم من فــنده
الفخر
•
أما الفخر فهو على قلته في الديوان حيث لم يتجاوز ست قصائد ،فإننا نحس في
ثناياه أنغام المتنبي الصاخبة بكل ما فيها من غرور وتعال ومبالغة في اإلحساس
بالذات على نحو ما نرى في هذه األبيات:
• ولو مال السهى عينيه مــنى ابر على مدى زحل وزادا
أفل نوائب األيام وحــــــدي إذا جمعت كتائبها احتشادا
وكم من طالب أمدى سيلقى دوين مكاني السبع الشـداد
وكم عين تؤمل أن ترانـــي فتفقد عند رؤيتها الســوادا
الوصف
الوصف في هذا الديوان لونا آخر من هذه المحاوالت لتقليد الشعراء والمران على
قول الشعر ،ومع ذلك ففي القصائد القليلة وصف أبو العالء الليل والصبح والظالم
والصحراء والنجوم والقمر ،وقد الحق بدواوينه قسما خاصا لوصف الدروع سماه
(( الدرعيات )):
رب ليل كأنه الصبح في الحسن وان كان اسود الطيلســان
قد ركضنا فيه إلى اللهو لمــــــا وقف النجم وقفة الحيـران
كم أردنا ذاك الزمان بمــــــــدح فشغلنا بذم هذا الزمـــــان
اللزوميات
•
وأما اللزوميات فهي ديوانه الذي نظمه بعد العزلة وهي الوثيقة الدقيقة التي
سجلت في صدق وأمانة نظريته الفلسفية .واللزوميات – باتفاق الباحثين جميعا –
شيء جديد في الشعر العربي سواء في مضمونه أو في شكله لم يسبقه إليه شاعر
من قبل ويلتزم شكال ثابتا ،مما أتاح لصاحبه أن يطلق عليه اسما يدل عليه
فالثقافات العقلية لم تكن في هذا الديوان عنصرا وافدا كما كانت في شعر أبي تمام
والمتنبي ،وإنما كانت مقوما أساسيا من مقوماته ،وقاعدة أساسية قام عليها
بناؤه الفني .وهذا هو الفرق الجوهري بينه وبينهم.
فلسفته
•
تدور اللزوميات حول فلسفة أبي العالء في الحياة وما بعد الحياة ،الحياة
اإلنسانية موقف اإلنسان منها ومصيره بعدها ،وهي بهذا تدور في مجالين من
مجاالت البحث الفلسفي :المجال األخالقي الذي يتصل بسلوك اإلنسان في الحياة ،
والمجال الميتافيزيقي الذي يتصل بمصير اإلنسان بعد الحياة .وزع الدكتور طه
حسين في كتابه (( تجديد ذكرى أبي العالء )) فلسفته على أربع اتجاهات :فلسفة
طبيعية ،وفلسفة رياضية ،وفلسفة إلهية ،وفلسفة عملية.
• تقوم الفلسفة عند أبي العالء على قاعدة من الشك ،الشك في كل شيء إال في
هللا والعقل:
حقيقتين ال مجال للشك فيهما :
• كذب الناس ال إمام سوى العقل مشيرا في صبحه والمساء
أيها الغر قد خصصت بعقــــــــل فاسألنه فكل عقل نبــــــــــي
• تدور فلسفة أبي العالء األخالقية حول محورين :المجتمع الذي يعيش فيه ،
والناس الذين يعيشون في هذا المجتمع .وهو يقف من هذين الجانبين موقف الناقد
االجتماعي الدقيق المالحظة ،النافذ النظرة ،القادر على لمح العيوب والنقائص
في مجاالت الحياة االجتماعية المختلفة التي يتحرك فيها الناس.
• أرى دنياك خالطها قذاها راعيت أن يهذبها مصفى
النقد االجتماعي
•
وينتشر النقد االجتماعي في اللزوميات فال يكاد يخلو موضع فيه من هذه النظرة
اليائسة المتشائمة التي يبدو أبو العالء من خاللها تارة رفيقا بالناس مشفقا عليهم
،وتارة أخرى عنيفا بهم ساخطا عليهم.
• وهم البهام قصيرة أعمارهـــم ويؤملون أطاول اآلمــال
لم تلق إال جاهال متعاقـــــــــال متجمال منهم بغير جمال
مثل البهائم أبهمت عن رشدها إال احتمال ثقائل األحمـال
• سجـــــــــــــايا كلها غدر وخبث توارثها أناس عن أنـــــاس
وكل حـــــــــــــي بها ظــــــــالم وما بها اظلم من ناسهــــــا
النقد االجتماعي في شعره
•
وعيوب المجتمع ونقائصه أصناف شتى تقاسمها البشر فيما بينهم ،فرجال
السياسة ظالمون ال يعطون شعوبهم حقوقها.
ظلموا الرعية واستجازوا كيدها فعدوا مصالحها وهم أجراؤها •
واألغنياء بخالء مغتصبون لحقوق الفقراء. •
وفي المعاشر من لو جاز من ذهب طودا لضن بإعطاء المثاقيل •
ورجال الدين مراؤون منافقون. •
كذب يقال على المنابر دائما ً أفال يميد لما يقال المنبر •
النقد االجتماعي
•
والمنجمون كذابون محتالون.
سالت منجمها عن الطفل الذي في المهد كم هو عائش من دهره •
فأجابها مائة ليأخذ درهمـــــــا واتى الحمام وليدها في شهـــــره
والعلماء ال حاجة بالمجتمع إليهم. •
إذا كان علم الناس ليس بنافع وال دافع فالخسر للعلماء •
واألدباء والشعراء كذابون مزيفون. •
وما أدب األقوام في كل بلدة إلى المين إال معشر أدبـــــــاء •
وما شعراؤكم إال ذئـــــــاب تلصص في المدائح والسباب
نقد الحياة
أما المجال اآلخر الذي دارت فيه فلسفة أبي العالء هو المجال الميتافيزيقي فهو يدور
هللا والقدر والمصير.
حول ثالثة محاور أساسية :
وعلى امتداد ديوانه الكبير (( اللزوميات )) يتردد اإليمان الصادق بذات هللا وصفاته
وال يقبل أي اتهام له بالشك أو اإلنكار.
• وهللا حق وابن ادم جاهــــــــل من شانه التفريط والتكذيــب
وهللا حق وان ما جت ظنونكم وان اوجب شيء أن تراعوه
والحياة في رأي أبي العالء قدر مقدور قضاه هللا علينا ،وال يد لنا فيه ،وال حيلة •
لنا معه ،وال نملك له تغييرا أو تبديال .وتتردد هذه األفكار في اللزوميات بثورة
واسعة ،وال يفتأ أبو العالء يبدئ فيها ويعيد وال يمل من تكرارها وتقليبها على
شتى وجوهها.
ما باختياري ميالدي وال هرمي وال حياتي ،فهل من بعد تخيير؟ •
والخير والشر في فلسفة أبي العالء يعيشان معا في هذه الحياة ممتزجين ال •
انفصال بينهما.
والخير والشر ممزوجان ما افترقا فكل شهد عليه الصاب مذرور •
• مشكلة المصير هي نهاية المطاف في فلسفة أبي العالء الميتافيزيقية ،وهي تمثل
قمة الحيرة التي فرضت نفسها على كثير من جوانب فلسفته ،فما بعد الموت أمر
غيبي فوق مستوى العقل والروح شيء مجهول ال نعرف عنه وال عن مصيره
شيئا.
• أن تسال العقل ال يوجدك من خبر عن األوائل إال أنهم هلكوا
أما الحقيقة فهي أنى ذاهــــــــــب وهللا يعلم بالذي انا القـــى
فلسفته
وتتردد في شعره أبيات يتحدث فيها عن اليوم اآلخر وكأنه أمر مفروغ منه ال مجال
للجدل فيه أو االختالف حوله ،فيذكر الجنة والنار والجزاء والثواب والعقاب دون أن
تثير في نفسه أي شك.
• خاب الذي سار في دنياه مرتحال وليس في كفه من دينه طرف
ال خير للمرء إال حي آخرة يبقى عليه فذاك العز والشرف
• وتتردد في لزومياته دعوة عريضة إلى هذا المذهب النباتي الذي اخذ نفسه به
والذي يرى بعض القدماء انه أخذه عن البراهمة الهنود.
• فال تأكلن ما اخرج البحر ظالما وال تبغ قوتا من غريض الذبائح
وال بيض امات أرادت صريحة ألطفالها دون الغواني الصــرائح
شعره في سقط الزند
بعد ديوان (( سقط الزند )) من الناحية الفنية امتدادا لمذهب المتنبي الذي كان أبو
العالء مفتونا به في صدر حياته الفنية فتنة شديدة .ولم يختلف عنه إال بمقدار ما
اختلفت بينهما هذه الظروف.
تدور موضوعات (( سقط الزند )) في الدائرة التقليدية التي دار فيها الشعر العربي
القديم ،ولم يضف أبو العالء إليها جديدا إال ما كان من (( الدرعيات )) التي تعد
موضوعا جديدا في هذا الشعر وتنهج قصائد الديوان كلها المنهج التقليدي للقصيدة
العربية ،فتبدأ بمقدمات طللية أو غزلية أو وصف الشيب والشباب أو الطيف أو
رحلة الظعائن ،وفي بعض القصائد نراه يبدأ بالفخر بنفسه ،وأحيانا نراه يبدأ
بمجموعة من الحكم تشغل المقدمة كلها ،وأكثر ما يكون ذلك في قصائد الرثاء ،
وفي قصائد أخرى نراه يبدأ بموضوعها مباشرة دون تمهيد له
وربما كانت اشد هذه المقدمات توهجا في ديوانه مقدمة قصيدته العينية التي قالها
في وداع بغداد قبل رحيله عنها :
بنى من الغربان ليس على شرع يخبرنا أن الشعوب إلى صــدع
أصدقه في مرية وقد امتـــــــرت صحابة موسى بعد آياته التسع
• وعلى هذا المستوى من الروعة واإلبداع والطرافة تقف مقدمتان أخريات :مقدمة
تائيته التي نظمها في أواخر أيامه ببغداد ،ومقدمة طائيته التي نظمها بعد عودته
إلى المعرة.
• هات الحديث عن الزوراء أو هيتا وموقد النار ال تكرى بتكريتا
ويقول في األخرى:
• بنازلة سقط العقيق بمثلـــــها دعا ادمع الكندى في الدمن السقط
تجل عن الرهط االمائي غادة لها عقيل في ممالكها رهــــــــــــط
وبناء القصيدة العقلي في (( سقط الزند )) اعتمد على الثقافات العقلية ولكنه لم •
يستطع إن يتحرر من أغالل البديع وصنعته الزخرفية.
بنيت على االيطاء سالمة من الـ قواء واألكفاء واإلصراف •
ما زاغ بيتكم الرفيع وإنمـــــــــا بالوجد أدركه خفى زحاف
وفي غير قليل من قصائده نراه يتعمد البديع تعمدا ،ويتكلف ألوانه تكلفا فيه كثير •
من اإللحاح والمبالغة واإلفراط.
يبعن تراث آباء كـــــــرام ويشرين الحجول أو الحجاال •
يغالين المدارع والمدارى ويرخصن المناصل والنصاال
ومع الجناس يظهر الطباق. •
رجوت لهم أن يقربوا فتباعدوا وان ال يشطوا بالمزار فقد شطــوا •
يمانون أحيانا شآمون تـــــارة يعالون عن غور العراق لينحطوا
وظاهرة أخيرة تلفت النظر في هذا الديوان وهي (( لزوم ماال يلزم )) ،حيث نراه •
في بعض قصائده يلتزم بعض الحروف قبل حرف الروى في أبياتها كلها ،نراها
في قصيدته:
ذلت لما تصنع أيامنا نفوسنا تلك األبيات
فقد التزم في أبياتها جميعا ً الياء المشددة الممدودة قبل حرف الروي. •
شعره في اللزوميات
•
واللزوميات ديوان ضخم ،يعد من أضخم دواوين الشعر العربي ،إذ يبلغ عدد
قصائده ومقطوعاته ألفا وخمسمائة واثنتين وتسعين قصيدة تقع في نحو أحد
عشر الف بيت من الشعر .ولكن أكثره مقطوعات قصيرة تتراوح بين البيتين
والستة ،وطائفة منه قصائد طويلة يرتفع بعضها إلى حوالي مائة بيت .التزم أبو
العالء في هذا الديوان ثالث لوازم ثابتة فرضها على شعره مع أنها مما ال يجب
التزامه في الشعر.
اللزوميات
التزم أن يرتب قصائده ومقطوعاته على ترتيب البحور العروضية كما رتبها الخليل ،
من حيث أوزانها األصلية ،ومن حيث تشكيالتها الموسيقية المختلفة.
والتزم أن يرتب قوافيها على ترتيب حروف المعجم جميعا ،ولم يكتف بهذا ،وإنما
التزم مع كل حرف أن ينظم على حركاته الثالث :الضمة والفتحة والكسرة ،ثم يأتي
بعد ذلك السكون ،فيبدأ بالحرف مضموما ً ثم مفتوحا ً ثم مكسوراً ثم ساكنا ً ثم ينتقل
إلى الحرف الذي يليه ملتزما نفس الترتيب.
والتزم قبل كل حرف من حروف الروى حرفا آخر أو أكثر من الحروف الهجائية ،
ولم نعرف شاعراً قبل أبي العالء التزم قبل حروف الروى أكثر من حرف واحد.
• يا أمة في التراب هامدةً تجاوز هللا عن سرائركم
ياليتكم لم تطوا إماءكم وال دنوتم إلى حرائركم
إن استرحتم مما نكابده فنحن من بعد جرائركم
ولكن هذا ليس كل شيء التزامه أبو العالء في لزومياته هنالك لوازم أخرى تتصل
ببنائها الداخلي فرضها على نفسه ،وأهم هذه اللوازم التي تتصل بالبناء الداخلي
للزوميات ثالث :اللوازم اللغوية ،واللوازم الثقافية ،واللوازم البديعية.
واألمثلة على ذلك كثيرة ومن أمثلة الصورة األولى قوله:
• عفوك للعالم ال تخليـــن حنظبةً منه وال عنظبــــه
ال ظبة الصارم باشرتها فيك وال زرت بحجى ظبه
• ومثله أيضا ً من لزومية أخرى:
فكوارب وزوارع وكوافر وحواصد وجوامع ودوائس
• وأما في مجال التالعب اللفظي بمصطلحات الثقافات فاألمثلة أكثر من أن تحصى ،
على نحو ما نرى في هذه األبيات المتفرقة:
• أنا صائم طول الحياة وإنمــــــا فطرى الحمام ويم ذاك أعيـــــــــــد
إذا غدوت من األوطان مرتحال فضاه في البين حذف الواو من يعد
وفر هذا الفتى مديد بسيـــــــط وافر كامل خفيف طويـــــــــــــــــل
اللزوميات •
وإلى جانب هذه اللوازم العقلية واللغوية مجموعة من اللوازم البديعية ،ولكن أهم
لونين انتشرا بصورة واسعة الجناس والطباق.
أال إنما الدنيا نحوس ألهلها فما في زمان أنت فيه سعود •
يتراءى الجناس في اللزوميات بجمع درجاته في صورة معقدة بالغة التعقيد تصل •
أحيانا إلى درجة التكلف الثقيل والتصنع المتعمد.
تبعت تبعا ،وفي القصر غالت قيصراً ،وانتحت لكسرى بكسر •
وطوت طيئا ،وآدت إيـــــــــاد وأصابت ملوك قسر بقســـــــر
• أبو العالء شاعر وفيلسوف معا ،أو هو فيلسوف الشعر العربي الذي استطاع
بعبقريته أن يطوع الشعر العربي للفلسفة ،وأن يثبت قدرته على التعبير عن أدق
اآلراء الفلسفية وأعمقها واستطاع أن يقدم ديوانا في الشعر الفلسفي ظل على
امتداد القرون المتطاولة يحتل قمة شامخة متميزة بين قمم الشعر العربي.
-الفصل الرابع النثر األدبي
•
اهتم القدماء في المقابل بالنثر ،على أنه وجد قبل الشعر ،وأنه أغزر منه مادة،
وأن الرواة يحفظونه .كما اهتموا بالمفاضلة بينه وبين الشعر ،ابن رشيق مثالً
يفضل الشعر ،للوزن والقافية ،وألنه ينشد قائماً ،غير أن هناك من يرى أن الشعر
أقدم من النثر وهذا في جميع األمم قديمها وحديثها أو على األقل ظهرا معا ً ،
فاألمم تعبر عن شعورها وتتغنى به قبل أن تعرف النثر بسنوات طوال ،بل األمم
البدائة والبدوية تعرف الشعر وهي تجهل النثر.
في العصر الجاهلي
•
الجاهليون :لهم نثر قليل يتمثل في بعض الخطب ،وسجع الكهان ،والحكم
والوصايا وغيرها ،ومن األدباء من يذهب إلى أن هذا النثر منسوب لشعوبيه
والقصص (والتكثر في الرواية) والعصبية الدينية أثر في ذلك ،ومنهم طه
حسين .
في العصر اإلسالمي
في العصر اإلسالمي :كان لنزول القرآن وطريقة أسلوبه وألفاظه ومعانيه أثر بارز
في نثر هذا العصر ،وأصبح للخطابة والكتابة دوافع وأغراض متنوعة ونشأ في هذا
العصر ما يسمى بالدواوين وكان الكتاب يكتبون الرسائل الديوانية واألخوانية ،بل إن
األحاديث النبوية وكتب الرسول ومراسالته تعد من النصوص النثرية المتميزة
بخصائص معينة ،وكذلك رسائل الخلفاء ومكاتباتهم ،وفي عصر بني أمية تطورت
الخطابة ،الدينية ،والسياسية ،واالجتماعية ،كخطب زياد ،والحجاج ،وغيرهما
والكتابة بعد تعريب و تطورت الدواوين وفي هذا العصر برز عبد الحميد الكاتب الذي
وضع أساس المنهج الكتابي والذي يعد نقطة تحول في الكتابة الفنية ،إذ يقال بدئت
الكتابة بعبدالحميد وانتهت بابن العميد.
في العصر العباسي
في العصر العباسي :تطورت الكتابة الفنية فأصبحت أكثر عمقا ً واتساعا ًوتميزت
بتنوع الموضوعات وتعدد األساليب واعتنى أصحابها بالناحية الفنية والزينة
اللفظية ،التي تحقق اإلمتاع إلى جانب الغرض األساس.
صفات الكتابة في العصر العباسي
• -2يتكلف البديع أحياناً ،كقوله " :وصل كتابك فصادفني قريب العهد بانطالق ،من
عنت الفراق ،وأوقفني مستريح األعضاء والجوانح من جوى االشتياق ،فإن الدهر
جرى على حكمه المألوف في تحويل األحوال ،ومضى على رسمه المعروف في
تبديل األشكال.
آراء النقاد فيه
• -3يتغارب في إشاراته التاريخية واللغوية والعلمية .ومن هذا النمط رسالة قال
فيها " :كتابي جعلني هللا فداك وأنا في ك ّد وتعب منذ فارقت شعبان ،وفي جهد
ونصب من أشهر رمضان ،وفي العذاب األدنى دون العذاب األكبر من ألم الجوع
ووقع الصوم".
مزاياه اإلنشائية
•
-1أهم مزاياها اإلنشائية :
-2عدم التقيد بالسجع مع شيوعه فيها.
-3ميله فيها إلى الترادف واالطناب كقوله " :فقد يغرب العقل ثم يؤوب ،ويعزب
اللب ثم يثوب ،ويذهب الحزم ثم يعود ،ويفسد العزم ثم يصلح".
-4لهجته الخطابية البليغة كقوله سائالً " :كيف وجدت ما زلت عنه ،وكيف تجد ما
صرت إليه ،ألم تكن من األول في ظل ظليل ونسيم عليل".
-5طالوتها وقصر فقراتها.
المحاضرة الـ19 المقامات
• إن أول من فتح باب عمل المقامات عالّمة الدهر وإمام األدب البديع الهمذاني فعمل
مقاماته المشهورة المنسوبة إليه وهي في غاية البالغة وعلو الرتبة في الصنعة.
ثم تاله اإلمام أبو القاسم محمد قاسم الحريري.
بديع الزمان الهمذاني
• أبو الفضل أحمد بن الحسين ،نشأ في همذان ودرس على أبي الحسين أحمد بن
فارس اللغوي المشهور وعيسى بن هشام اإلخباري وغيرهما.
ترك موطنه قاصداً الصاحب بن عباد وبقي عنده زمنا ً يتزود من ثماره.
ق في بالد خراسان
قال الثعالبي " :وتصرفت به أحوال جميلة وأسفار كثيرة ،ولم يب َ
وسجستان وغزنه بلدة إال وحلّها وجنى وجبى ثمرتها ،واستفاد من خيرها
سم".وميرها ،ففاز برغائب النعم ؛ وحصل على غرائب القِ َ
ثم القى عصاه بهراة .وفي سنة 398هـ لبّى نداء ربه وهو في األربعين من عمره
وكان قد بلغ أوج شهرته األدبية.
ثقافته
• وكان في البديع على ما يظهر مرارة لسان شديدة على من ينقم عليهم كما في
كتاب بعث به إلى ابن ميكال رئيس نيسابور .ومثل هذا الكالم الالذع كثير في
رسائله .بل قد يبلغ به إلى درجة عدم الصفح عند المقدرة كقوله " :وردت رقعتك
التعزز ،ومددت إليها يد التق ّزز ،وجمعت عنها ذيل
ّ أطال هللا بقاءك فأعرتها طرف
وخطبت من مودتي ما لم
َ التح ّرز فلم تن َد على كبدي ،ولم تحظ بناظري ويدي،
أجدك لها كفواً ،وطلبت من عشرتي ما لم أرك لها رضا ً".
مقاماته
•
قال أبو إسحاق الحصري يصف البديع ومقاماته ":وهذا اسم (أي البديع) وافق
مسماه ،ولفظ طابق معناه .كالمه ُغض الماكسر ،أني ُ
ق الجواهر ،يكاد الهوا ُء
يسرقه لطفا ً ،والهوى يعشقهُ ظرفا ً".
على أن ما وصلنا من مقاماته األربعمائة ال يتجاوز اإلحدى والخمسين .والذي
يطالعها يرى في بطلها أبي الفتح ما يراه عادة في أبطال المقامات األخرى ،من
جشع وتحيل مقرونين بذكاء واختبار واسع .وهي تتناول المواضيع األدبية
واللغوية والكالمية واألخبار.
خصائص مقاماته