You are on page 1of 79

‫الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية‬

‫و ازرة التعليم العالي والبحث العلمي‬

‫جامعة عباس لغرور‪ -‬خنشلة –‬

‫قسم‪ :‬اللغة و األدب العربي‬ ‫كلية‪ :‬اآلداب و اللغات‬

‫عنوان المذكرة ‪:‬‬

‫األثر الفارتسي في شعر البحتري‬

‫مذكرة مقدمة الستكمال شهادة الماستر في اللغة العربية و آدابها تخصص أدب قديم‬

‫إشراف األتستاة ‪:‬‬ ‫إعداد الطالبتين‪:‬‬

‫‪ -‬إملولي حكيمة‬ ‫‪ -‬ريش نبيلة‬


‫‪ -‬طكوش خديجة‬

‫لجنة المناقشة‪:‬‬

‫الصفة‬ ‫الجامعة األصلية‬ ‫الرتبة‬ ‫االتسم و اللقب‬


‫رئيسا‬ ‫جامعة عباس لغرور خنشلة‬ ‫أستاذ محاضر ‪ -‬ب ‪-‬‬ ‫عبادلية عائشة‬
‫مشرفا‬ ‫جامعة عباس لغرور خنشلة‬ ‫أستاذ محاضر ‪ -‬ب ‪-‬‬ ‫إملولي حكيمة‬
‫ممتحنا‬ ‫جامعة عباس لغرور خنشلة‬ ‫أستاذ محاضر ‪ -‬ب ‪-‬‬ ‫حجازي كريمة‬

‫الموتسم الجامعي‪2021-2020 :‬م‬


‫كلمة شكر وعرفان‪:‬‬
‫الحمد هلل رب العالمين والصالة والسالم على اشرف‬

‫األنبياء والمرسلين نبينا محمد و على أهله وصحبه‬

‫أجمعين‪ .‬أما بعد‪:‬‬

‫فإننا نشكر هللا وافر الشكر أن وفقنا و أعاننا على‬

‫إتمام هذه المذكرة ثم نوجه آيات الشكر و العرفان‬

‫بالجميل إلى األستاذة "املولي حكيمة" المشرفة على‬

‫المذكرة وكان لسمو خلقها وأسلوبها المميز اكبر األثر‬

‫في المساعدة على إتمام هذا العمل‪.‬‬

‫كذا نود أن اشكر كل من األساتذة الذين كانوا معنا‬

‫في مسار الدراسة متمنين لهم التوفيق‪.‬‬

‫وأخي ار دعوانا أن الحمد هلل رب العالمين‬


‫إهداء‪:‬‬
‫ليس إهداء من أجل العمل بل إهداء من اجل العمر‪.‬‬

‫إلى ذلك الشخص الذي يرقد في قبره و الذي تمنيت أن أراه يوما " أبي" رحمه هللا‬

‫إلى النور الذي يضيء حياتي‪ ،‬و النبع الذي ارتوي منه حبا و حنانا‪ ،‬إلى من‬
‫حصدت األشواك عن دربي لتمهد لي طريق العلم " أمي " أدامها هللا لي‬

‫إلى من تقاسموا معي الحياة بحلوها و مرها و عاشوا معي حياتي بكل تفاصيلها‬

‫إخوتي‪ :‬حمودي‪ ،‬سفيان‪ ،‬حواس‪ ،‬بلقاسم‪.‬‬

‫أخواتي‪ :‬سعيدة‪ ،‬سمية‪ ،‬شهرة‪ ،‬وليمة‪ ،‬صحرة‪ ،‬أسماء‪ ،‬سماح‪.‬‬

‫أقدم إهداء خاص إلى براعم العائلة‪ :‬نبراس‪ ،‬رؤية‪ ،‬سدرة‪ ،‬يعقوب‪،‬اسماعيل‪.‬‬

‫إلى أحبتي من تقاسمت معهم دفء الصداقة والوفاء صديقاتي‪:‬‬

‫أمال‪ ،‬آسيا‪ ،‬هدى‪ ،‬ريان‪.‬‬

‫إلى زوجي عبد هللا – األستاذ زوبير‪ -‬حفظه هللا‬

‫ر‪.‬نبيلة‬
‫إهداء‪:‬‬
‫بسم هللا يحفظني ويرعاني‪.‬‬

‫أهدي ثمرة هدي إلى الذين منحوني الثقة بالنفس‪ ،‬وعلموني الصبر و‬
‫المسؤولية وأن الحياة أولها كفاح و آخرها نجاح‪.‬‬

‫يا أمان األمس و الغد المشرق‪ ،‬ونبع الحنان و العطاء‪ ،‬يا عطر الحنان‬
‫" أبي الغالي" و" أمي الغالية "‬

‫إلى سندي و قوتي و مالذي بعد هللا‪ ،‬الى من أثروني على أنفسهم‪ ،‬إلى من‬
‫أظهروا لي جمال الحياة " إخوتي"‬

‫و الى كل من ساهم في إعداد هذا البحث من قريب و بعيد دون استثناء‪.‬‬

‫ط‪.‬خديجة‬
‫المقدمة‬
‫المقدمة‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫عرفت الحياة الثقافية في العصر العباسي تطو ار و ازدها ار نتيجة توسع رقعة الدولة و‬
‫امتداد سلطانها خمسة قرون ونصف‪ ،‬إضافة إلى تضافر جهود العرب و األعاجم معا في‬
‫اغتناء مظاهر هذه الحياة حيث كانت الثقافة من أقوى العوامل في حركة النهضة العباسية‪ ،‬إذا‬
‫اتخذ الخلفاء يشجعون الحركة العلمية في مختلف نواحيها‪ ،‬حتى أنهم أكرموا العلماء و األدباء و‬
‫جالسوهم و ولوهم المراكز العالية‪ ،‬وقد أخذت هذه الحركة الثقافية العباسية تتسع من خالل‬
‫امتزاجها بالثقافات األجنبية األخرى‪.‬‬

‫و موضوع بحثنا يتمحور أساسا حول األثر الفارسي في شعر البحتري و الذي أثير حبل‬
‫حوله من قبل العديد من الدراسات المسبقة و هي مالمح حول الثقافة الفارسية في األدب‬
‫العباسي و تأثر العرب بالفرس‪ ،‬وتأثر الفرس بالعرب‪ ،‬وقد كان للشعراء الدور األهم في نقل‬
‫هذه الحركة عبر نطاق أوسع و نشر معالمها في العالم العربي عموما‪ ،‬ومن أبرز هؤالء‬
‫الشعراء نجد ابن الرومي و الذي كان يتخذ األسلوب السهل منهجا‪ .‬وأبي تمام و الذي كان‬
‫مولعا بغرائب األلفاظ و معانيها‪ .‬باإلضافة إلى أبي الطيب المتنبي‪ .‬و البحتري و موضوع بحثنا‬
‫األثر الفارسي في شعر البحتري في األلفاظ‪ ،‬واستخدام المديح‪ ،‬وكذلك في الحكمة و الصداقة و‬
‫الوصف‪ ...‬فكيف تتجلى مظاهر التأثير الفارسي في الشعر العباسي ؟ و ما األثر الذي تركه‬
‫عند الشعراء العرب ؟‬

‫و سأحاول ف بحثي هذا التطرق إلى ذكر بعض مالمح الحضارة الفارسية و دراسة األثر‬
‫الفارسي في شعر البحتري كأنموذج‪.‬‬

‫وقد اعتمدت في تنظيم خطة بحثي على ما يلي‪:‬‬

‫مقدمة‪ ،‬مدخل للموضوع‪ ،‬جانب نظري‪ ،‬والجانب التطبيقي و خاتمة‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫المقدمة‬

‫أما المدخل فهو تمهيد لما تم التطرق له في الموضوع وتناولت فيه تاريخ الحضارة في‬
‫بالد الفرس‪.‬‬

‫و الفصل األول‪ :‬تحدثت فيه عن شخصية البحتري و ثقافته وعصره‪ ،‬وأهم عراء القرن الثالث‬
‫( ابن وردي‪ ،‬و المتنبي‪ ،‬و أبي تمام )‪.‬‬

‫أما الفصل الثاني‪ :‬وفيه تطرقت ألهم تجليات وآثار الفرس في شعر البحتري في األلفاظ‪ ،‬و‬
‫األغراض الشعرية ( المدح‪ ،‬الرثاء‪ ،‬الوصف‪ ،‬الحكمة‪ ،‬الصداقة‪ ...‬الخ )‬

‫ووقع اختياري لهذا الموضوع لما يحمله من جوانب اجتماعية و ثقافية تأديبية تميز‬
‫العصر العباسي عن غيره من العصور‪ ،‬وتجعله يحضا بمنزلة رفيعة حتى انه يسمى بالعصر‬
‫الذهبي‪.‬‬

‫وقد اعتمدت على مجموعة من المصادر و المراجع أهمها‪:‬‬

‫‪ -‬الحياة األدبية في العصر العباسي‪ ،‬العصر العباسي األول و الثاني ‪ ...‬الخ‬

‫أما عن الصعوبات التي واجهتها في بحثنا هذا ربما تتمثل في ضيق الوقت ألن الموضوع‬
‫يحتاج وقت كافي للتطرق في ثناياه‪.‬‬

‫و أخي ار نتوجه بجزيل الشكر لألستاذة المشرفة و التي ساهمت بإرشادنا و توجيهنا‪ ،‬والى‬
‫لجنة المناقشة‪ ،‬والتي تعمد إلى توجيه بعض االنتقادات و التساؤالت حول هذا الموضوع‪،‬‬
‫وتصحح بعض أخطائنا و لكم منا جزيل الشكر و التقدير‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫المدخل‬
‫المدخل‪ :‬من تاريخ الحضارة الفارسية‬

‫‪ -1‬المجتمع العباسي ‪:‬‬

‫ينقسم المجتمع في العصر العباسي الى ثالث طبقات‪ :‬الطبقة العليا و تتمثل في كل من‬
‫الخلفاء و الوزراء‪ ،‬القادة و الوالة و األمراء و كبار التجار‪ .‬أما الطبقة الوسطى و تشتمل على‬
‫رجال الجيش و التجار‪ ،‬الفالحين وأصحاب الحرف الصغيرة‪ .‬اذا كانت الطبقة العليا غارقة في‬
‫الترف و النعيم‪ ،‬تجني اليهم أموال الخارج و الغنائم و واردات الدولة‪ ،‬وقد قدرت األموال التي‬
‫تجى للدولة بعشرات الماليين التي كانت تفق على الجيش و الماجد و العمال و المستخدمينو‬
‫التي كانت ترسل الى بغداد يتصرف بها الخليفة و حاشيته و رجاله كما يشاؤون حتى نقلت لنا‬
‫مصادر أخبار تفوق التصور حول حجم اتفاق الخلفاء و الوزراء‪ ،‬وقد بلغ ما أنفقه المتوكل‬
‫مستوى فاق انفاق الخلفاء اللذين سبقوه حيث أنفق في سنة خالفته ثمانين مليونا من الدنانير‬
‫حتى بنى ما يزيد على عشرين قص ار بعضها اشتهر حتى يومنا هذا و بلغ ما أنفقه على بناء‬
‫(‪)1‬‬
‫تلك القصور مئتين و أربعة و سبعين مليونا من الدراهم و هي قصور ضخمة‪.‬‬

‫ويتكون المجتمع العربي من فئات‪ ،‬باالضافة الى المسلمين هناك النصارى و اليهود و‬
‫الموس وقد صان القانون و الشرع أهم حقوقهم و عاشو عيشا هانئا ال يظلمون و ال يتجوز أحد‬
‫عليهم و يالقون المعاملة الحسنة بين المسلمين ‪ ،‬وكان الناس يأتون الى المسلمين و يأمنونهم‬
‫أكثر من بقية الملل و الديانات األخرى وكان بعهم في رجال الدولة وال سيما في مجال الترجمة‬
‫ومجال الطب‪ .‬أما اليهود فانهم كانوا يمتهنون الحرف الرديئة و الحقيرة و الوضيعة بمعنى أن‬
‫االلتزام بالشريعة و مفكراتها كان متفاوت بدوره‪ .‬فالمجتمع اعباسي أساسا مجتمع متدين غير أن‬
‫الحنات و مجالس السهر العامة و مناطق بيع المشروبات كان موجودا خصوصا في المدن‬
‫الكبرى حيث كان يختلط المسلمون بغير المسلمين‪ .‬فلقد جمع المجتمع اعباسي أخالطا متباينة‪،‬‬
‫كالفرس و الروم و األتراك‪.‬‬

‫‪ - 1‬ينظر‪ :‬أمين ابو النيل‪ ،‬العصر العباسي الثاني‪ ،‬ط‪2007 ،1‬م‪ ،‬الوراق للنشر و التوزيع‪ ،‬ص‪.37‬‬

‫‪8‬‬
‫المدخل‪ :‬من تاريخ الحضارة الفارسية‬

‫وكان الصراع العربي الفارسي محتما في العصر العباسي األول‪ ،‬اال أن العرب احتفظوا‬
‫أنفسهم بالقيادة و التوجيه وزادم الفرس على هذه المكانة فكان منهم الوزراء و القادة و األمراء و‬
‫(‪)1‬‬
‫الحام و لم يكن األتراك أقل نشاطا من العرب و الفرس‪.‬‬

‫أما أبناء الطبقة الوسطى فأغلبهم من الشعراء و منهم العلماء و المفسرون و متوسطوا‬
‫المهارة من الصناع و موظفوا الدواوين و الرؤساء الجدد الذين كانوا يتقاضون رواتب تكفي‬
‫حاجتهم دون زيادة مذكورة و لكنهم ال يعانون من الفقر و أبناء هذه الطبقة كانوا متوسطي‬
‫النفقات بحيث يكفي الواحد منهم أن يدفع ألف دينار‪ ،‬ليشتري بها لنفسه و اذا ما اجتاز سبعمائة‬
‫دينار فانه يعد ميسور الحال و ال يعاني بل قد يعد صاحب مال‪.‬‬

‫أما الطبقة الفقيرة فانها غالبة على الشعب في العصر العباسي و تتألف من العمال و‬
‫الخدم و الحرفيين الصغار وال أتكلم على مستوى المعيشة الذي كانت تعي فيه هذه الطبقة من‬
‫واقع الثورة فان أتباعها من صغار العمال و العبيد الذين لم يكونوا يمتلكون أمام الواقع‬
‫االقتصادي على الواقع كله إلى حد كادوا يدمرون فيه الحياة السياسية و المدنية العباسية و‬
‫كان أفراد هذه الطبقة يعملون في المهن الوضيعة و الحقيرة ذات األجور الزهيدة التي يأبى أن‬
‫(‪)2‬‬
‫يعمل فيها أبناء الطبقات األخرى‪.‬‬

‫‪ - 1‬ينظر‪ :‬أمين ابو النيل‪ ،‬العصر العباسي الثاني‪ ،‬ط‪2007 ،1‬م‪ ،‬الوراق للنشر و التوزيع‪ ،‬ص‪.37‬‬

‫‪ - 2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.39-38‬‬

‫‪9‬‬
‫المدخل‪ :‬من تاريخ الحضارة الفارسية‬

‫‪ -2‬مظاهر تأثر العرب بالفرس‪:‬‬

‫ترجع صالت العرب بالفرس الى ما قبل اإلسالم فقد كان الحوار و االختالط يرجع سببا‬
‫توثيق الروابط السياسية و االقتصادية و لقد أقام األكاسرة إمارة الحيرة على حدود ممتلكاتهم‬
‫لحمايتها من عدوان القبائل العربية‪ ،‬و لتامين تجارتهم داخل الجزيرة كما امتدت فتوحاتهم إلى‬
‫أطراف البالد العربية كاليمن و البحرين و كان من نتيجة هذا االختالط يوع كثير من األلفاظ‬
‫الفارسية في لغة العرب و آدابهم و كذلك العكس تأثر بعض الفرس باآلداب العربية‪.‬‬

‫حتى ليقال أن‪ " :‬برهام وجدر" وهو فارسي قديم تعلم في الحيرة و أخذ الشعر عن‬
‫العرب و نظمه بالعربية فقد خضعت بالد الفرس للحكم اإلسالمي عند مجيء اإلسالم فهاجر‬
‫الفرس إلى البالد العربية و أتقن الكثير منهم اللغة العربية و علومها و آدابها فكانوا صلة بين‬
‫آداب الفرس و العرب عند قيام الدولة العباسية طورت العالقات وزاد االتصال بمساعدة الموالي‬
‫من الفرس و نقلت الخالفة إلى بغداد‪.‬‬

‫كما ظهر التغزل بالغلمان ألول مرة في تاريخ الشعر العربي والشك انه كان أثر من آثار‬
‫تلك العقاد المنحرفة التي نشأت في بالد فارس‪.‬‬

‫و الحقيقة أن أقوال غير العرب الذين اختلطوا بالعرب في العصر العباسي ظلوا متأثرين‬
‫بعقائد المجوس و أفكارهم هم الذين يقفون وراء هذا الفساد و شيوع اإلباحية التي شهدها العصر‬
‫العباسي و هناك بواعث أخرى كان لهما أثر فاعل في مجون الشعر و الشعراء نذكر منها‪:‬‬

‫الباعث الحضري‪ ،‬الباعث االجتماعي‪ ،‬الباعث الفكري و العقائدي‪.‬‬

‫‪ - 1‬ينظر‪ :‬أمين أبو النيل‪ ،‬العصر العباسي األول‪ ،‬ط‪2007 ،2‬م‪ ،‬الوراق للنشر و التوزيع‪ ،‬ص‪.52‬‬

‫‪ - 2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.15-14‬‬

‫‪10‬‬
‫المدخل‪ :‬من تاريخ الحضارة الفارسية‬

‫‪ -3‬أسباب نهضة الشعر في العصر العباسي‪:‬‬

‫إن األسباب التي نهضت بالشعر في العصر العباسي و تركت بصماتها واضحة والتي‬
‫كان أهمها عظيم األثر في اطالع الشعراء مثل‪ :‬المفصليات للمفصل و األصمعيات‬
‫لألصمعي‪ ،‬و الحماسات على رأسها حماسة أبي تمام و حماسة البحتري‪ ،‬فقد جمع األقدمون‬
‫كل ما قيل من شعر عن اإلبل والطيور و أصناف الحيوانات و النبات وصنفوا كتابا في علوم‬
‫النحو و البالغة و قواعد التصريف و سعى الخلفاء إلى نقل حضارات األمم و فكرها بالترجمة‬
‫العربية و تبعه األزهري و ابن دريد و ابن منظور في مدارس معجمية قامت لتسهيل المهمة‬
‫(‪)1‬‬
‫على الشعراء و األدب و خاصة معاجم القافية‪.‬‬

‫فاالختالط مع األمم األخرى أدى إلى التأثير و التأثر و تطور العالقات مما ساهم هذا‬
‫األخير في نمو مجموع من اتجاهات شعرية جديدة تحاول التطاول على البناء التقليدي كما أدى‬
‫بين‬ ‫إلى ظهور مجموعة من المفردات الفارسية في الشعر العباسي داللة على االمتزاج‬
‫(‪)2‬‬
‫العنصر العربي و الفارسي‪.‬‬

‫جاء الفراهيدي بإضافة جديدة للمكتبة العربية هو علم موسيقى الشعر العربي أو ما نسميه‬
‫"تعلم العروض" لتقويم الشعر ‪.‬‬

‫كانت الشروحات على دواوين فحول الشعراء بمثابة علوم تطبيقية لمتذوقي الشعر‪ ،‬وليقفوا‬
‫على طرائق الشعر القديم و قسم علماء العصر العباسي األول الشعراء إلى طبقات و بينوا‬
‫فلسفة التقسيم مثلما فعل ابن سالم و ابن المعتز و ابن قتية في مصنفاتهم‪.‬‬

‫وجاء المعتزلة ليضيفوا إلى العربية علوم البالغة و قواعد البيان فصنفت الكتب في ذلك‬
‫وفي مقدماتها‪:‬‬

‫‪ - 1‬أمين أبو النيل‪ ،‬العصر العباسي الثاني‪ ،‬ص‪.87‬‬

‫‪ - 2‬محمد غنيمي هالل‪ ،‬األدب المقارن‪ ،‬دار النهضة‪ ،‬مصر‪ ،‬د ط‪1998 ،‬م‪ ،‬ص‪. 21‬‬
‫‪11‬‬
‫المدخل‪ :‬من تاريخ الحضارة الفارسية‬

‫البيان و التبيين للجاحظ‪ ،‬وابن معتز في كتابه " البديع " مما يؤكد ن العربية بخصائصها‬
‫(‪)1‬‬
‫و مفردات جالها معنى و مويقى و نحو و بيان كانت متوافرة بين أيدي الشعراء‪.‬‬

‫و ال ننسى أن حضارة العصر األول قامت ألسباب عدة أهمها‪:‬‬

‫‪ -‬النهضة الحضارية التي شملت العصر بجوانبها كافة‪.‬‬


‫‪ -‬عظم هيبة الخلفاء و قوة شخصيتهم قوة توحي الى الشعراء بالجليل من المعاني و النيل من‬
‫االفكار‪.‬‬
‫‪ -‬المنح العطايا التي فاقت العصر‪.‬‬
‫‪ -‬االحساس بالعزة و الكرامة لعصر كانت مقاليد األمور فيه بيد الخلفاء‪.‬‬
‫‪ -‬ظهور المدرس الفكري و األحزاب السياسية و شيوع المجون و الزندقة ما أشعل روح‬
‫المنافسة ين الشعراء الرضاء ممدوحيهم‪.‬‬

‫لكننا نقول أن هذه العوامل كانت أن تختفي في هذا العصر فان تلك الفتية التي عاشت‬
‫في حماية المنصور و الرشيد ذات الثراء العريض و السلطان الواسع و الحياة األدبية و مجالس‬
‫الخلفاء أضحت جزءا من التاريخ‪.‬‬

‫أما المنح و العطايا فال نجد لها أث ار ألن الخليفة مشغول بنفسه و عن االستمتاع بالشعر‬
‫و سماعه‪.‬‬

‫إال أن البعض يتساءل عن وجود شعراء أمثال‪ :‬البحتري وابن الرومي وابن المعتز وغيرهم‬
‫(‪)2‬‬
‫في مثل هذه الظروف الحالكة التي مرت بها‪.‬‬

‫‪ - 1‬ينظر‪ :‬أبو العباس عبد هللا‪ ،‬ابن المعتز البديع‪ ،‬مؤسسة الكتب الثقافية‪ ،‬ط‪ ،1‬د ت‪ ،‬ص‪.73‬‬

‫‪ - 2‬ينظر‪ :‬أمين أبو النيل‪ ،‬العصر العباسي الثاني‪ ،‬ص‪.69-67‬‬

‫‪12‬‬
‫المدخل‪ :‬من تاريخ الحضارة الفارسية‬

‫‪ -4‬انتشار العادات في العصر العباسي‪:‬‬

‫انتشار األفكار و العادات األجنبية في المجتمع العباسي أدى الى التأثر و التأثير و‬
‫سيطرة العناصر غير العربية على شؤون الدولة في فترة طويلة مما أدى ذلك إلى ترويج و تفتح‬
‫آفاق الناس و الشعراء على حياة جديدة و ألوان من الحضارة لم يألفوها في عصورهم السابقة و‬
‫هذا التأثير األدبي و الشعري ط أر على البيئة و المجتمع و تطور فأصبح الشعراء هدفهم أن‬
‫يبعثوا في النفوس ما يرفعها إلى آفاق الحياة القوية أقل من ميلهم إلى ألباب الناس بمادة جديدة‬
‫لألدب بمعان و عبارات جميلة و دقيقة فلقد عاد األدب مرة أخرى إلى كشف ما يحيط باإلنسان‬
‫في حاضره و كان من الطبيعي أن تحتل المعاني مكانة كبيرة في شعر أقصى غايته البحث‬
‫عن كل ماهو جديد و قد ترتب عن هذا تيقظ حواس الشعراء و نفاذها إلى بواطئ األشياء‬
‫محاولين بذلك الكشف عن خصائصها و أسرارها الدقيقة و كانت و سيلتهم التصوير و هذا‬
‫(‪)1‬‬
‫شيء جديد لم يألفه شعراء العرب األولين فقد كان الشعر عندهم فنا لغويا فقط‪.‬‬

‫إذ نجد أن عامة التجديد في األدب شعره و نثره في عصر نفوذ الخلفاء العباسيين معقودا‬
‫لواءهما بين المثقفين بالفارسية والعربية‪ ،‬فعبد " الحميد الكاتب " و " ابن المقفع " هما أساسا‬
‫التجديد للمولدين في الشعر‪ ،‬فالنتاج الذي يجيده العرب في الفارسية و الفرس في العربية مع‬
‫خير كبير في خدمة بالغات العرب و الفرس ميعا من معان و خياالت و أساليب‪ ،‬لذا أحدثوا‬
‫آثا ار واسعة في ما يخص كل من الشعر و النثر على حد سواء فجددوا في المعاني و الخياالت‬
‫و األغراض و طرق األداء و األسلوب‪ ،‬فبهذا تعددت األغراض و اتسع مجال التفكير و الخيال‬
‫(‪)2‬‬
‫و ظهر التأنق في التعبير مع المحافظة على فصاحة اللغة العربية و األخذ بأساليبها‪.‬‬

‫‪ - 1‬عثمان موافي‪ ،‬التيارات األجنبية في الشعر العربي‪ ،‬دار المعرفة الجامعية‪ ،‬ط‪ ،1‬دت‪ ،‬ص‪.331‬‬

‫‪ - 2‬ينظر‪ :‬أمين أبو النيل‪ ،‬العصر العباسي األول‪ ،‬ص‪.53‬‬

‫‪13‬‬
‫المدخل‪ :‬من تاريخ الحضارة الفارسية‬

‫يقول الجاحظ‪" :‬عن موسى بن سيار وهو واحد من الذين أتقنوا الفارسية و العربية‪ ،‬كان‬
‫(‪)1‬‬
‫من أعاجيب الدنيا و كانت فصاحته بالفارسية في وزن فصاحته بالعربية"‬

‫ومثله كثير ممن أجادوا اللغتين وجمعوا بين الثاقفتين كابن المقفع وسهل بن هارون‬
‫وسواهم ممن كان لهم الفضل الكبير في رقة األساليب العربية واقتباس المحسنات البديعيبة‬
‫(‪)2‬‬
‫واتساع الخيال واستحكام المعاني و االبداع والتجديد‪.‬‬

‫‪ -5‬تأثير األفكار والعقائد في الشعر العباسي‪:‬‬

‫لم يشهد أي عصر من العصور التالية ‪ :‬الجاهلي‪ ،‬عصر صدر االسالم‪ ،‬العصر األموي‬
‫مجونا فاضحا مكشوفا مثلما شهد العصر العباسي‪ ،‬فمجموعة من الشعراء المجان طالعونا وهم‬
‫يدوسون على الفضيلة التي صارعت على مذبح اللهو بشارين برد و أبي نواس وغيرهم ممن‬
‫خلع ثوب الوقار و العفة و الحياء ‪.‬‬

‫ودقيقة األمر انا المجون في الشعر العباسي أصبح غرضا مستقال بذاته سجل الشع ارء‬
‫فيه كل ماتعارف عليه المجتمعالعباسي و ال سيما العناصر غير العربية‪ ،‬كالفرس الذين خرجوا‬
‫على كل القيم و المثل العربية و االسالمية‪.‬‬

‫إن استقراء شعر الشعراء المجان في العصر العباسي كفيل بأن يقرر أن مجونهم لم يكن‬
‫ساذجا أو بسيطا ولم يكن صاد ار عن عاطفة إنسانية‪ ،‬بل كان صاد ار عن عقيدة استمدت‬
‫أفكارها من وحي العقائد الغالية التي أباحت المحرمات و اتخذت من المجون وشرب الخمر‬
‫طريقا إلشاعة الفساد و إضعاف الوازع الديني في النفوس و بالتالي النيل من العروبة و‬
‫(‪)3‬‬
‫اإلسالم‪.‬‬
‫‪،‬‬

‫‪ - 1‬شوقي ضيف‪ ،‬الفن و مذاهبه في الشعر العربي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬ط‪1976 ،6‬م‪ ،‬ص‪.176‬‬

‫‪ - 2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.176‬‬

‫‪ - 3‬فوزي عيسى‪ ،‬في الشعر العباي‪ ،‬دار المعرفة الجامعية‪ ،‬االسكندرية‪ ،‬ط‪2008 ،1‬م‪ ،‬ص‪.14‬‬
‫‪14‬‬
‫المدخل‪ :‬من تاريخ الحضارة الفارسية‬

‫كانت للفرس حكم وأمثال و تصويرات بديعية وضع ذلك كله تحت أعين العرب و كانت‬
‫المعاني الفارسية ترشد العربي الى أمثل طرق التصوير فيقوم الشعراء بنظم ما شرب إليهم من‬
‫الصور الفارسية‪.‬‬

‫فلقد كان ألعتابي الشاعر لصلته بالثقافة الفارسية جيد المعاني ويقول أبو هالل العسكري‬
‫في رسالته‪ » :‬التفضيل بين بالغتي العرب و العجم للفرس أشعار ال تنضبط كثيرا‪ ،‬ولليونانيين‬
‫(‪)1‬‬
‫أشعار دون الفرس «‬

‫هذا إلى ما جد من فنون أدبية بتأثير االمتزاج بين العرب و الفرس‪ ،‬وانتشار الثقافة‬
‫الفارسية كاألدب القصصي و أدب الزهد و أدب المقامة‪ ،‬وان كنا ال ننكر سرى إلى العربية من‬
‫(‪)2‬‬
‫ضعف الملكات و االفتنان بالبديع‪.‬‬

‫أنشئ منصب الو ازرة و جعل في الغالب وفقا على االذكياء من الفارسيين‪ .‬فلقد نشر‬
‫الوزراء و الكتاب الفرسنشر ثقافتهم و ىدابهم و التمكين لمعارفهمفي لبيئة العربية حتى صار‬
‫اإللمام بهذه الثقافة و التمكن لمعارفهم من تلك اآلداب مما يرفع قدر األديب و يجعله مرموق‬
‫المكانة‪ .‬يقول عبد الحميد الكاتب من وصيته إلى الكتاب‪ :‬واعرفوا أيام العرب و العجم و‬
‫أحاديثها وسيرها‪ ،‬فإن ذلك معين لكم على ما تسعون إليه بهممكم‬

‫لقد كان التأثير الواضح المتزاج الثقافتين‪ ،‬األلفاظ الفارسية التي عربت و نقلت إلى‬
‫العربية و خاصة نجدها في أسماء الحلويات ( كالبالوذة‪ ،‬الكامخ ) ومن األشربة الجالب (ما‬
‫الورد) ومن النباتات ( التوت‪ ،‬الحنبار) و ألفاظ العلوم مما نسمع ( الزئبق و المغناطيس و‬
‫(‪)3‬‬
‫الزرنيخ ) و أكثر مما يغنينا أثر الثقافة الفارسية على األدب في العصر العباسي‪.‬‬
‫‪،‬‬

‫‪ - 1‬أبو هالل العسكري‪ ،‬الضاعتين‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬د ط‪ ،‬دت‪ ،‬ص‪.213‬‬

‫‪ - 2‬أمين أبو النيل‪ ،‬العصر العباسي األول‪ ،‬ص‪.53‬‬

‫‪ - 3‬الجاحظ‪ ،‬البيان والتبيين‪ ،‬تح‪ :‬عبد السالم هارون‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مكتبة الخانجي‪ ،‬ط‪ ،2‬مجلدان‪ ،‬ص‪.231‬‬

‫‪15‬‬
‫المدخل‪ :‬من تاريخ الحضارة الفارسية‬

‫هنا نجد حماسة أبي تمام في باب الوصف عكس مايالحظ في شعر المدثين من االكثار‬
‫في الوصف حتي يخيل للمتصفح شعرهم أنهم وصفوا كل شيء وقعت عليه أعينهم ونفذت إلى‬
‫باطنه حواسهم و مشاعرهم على أن الوصف كان معروفا عند العرب و لكنهم كانوا يتناولون‬
‫على أن الوصف كانمعروفا عند العرب و لكنهم كانوا تناولون فيه ما يتصل بالبادية و الذي‬
‫استحدث في العصر العباسي‪ ،‬فلقد تنوعت مصادر الثقافة و المعرفة أمام الشعراء فقدم لهم‬
‫علماء اللغة مادة وافرة ووجدوا أمامهم كثي ار من الدواوين لشعراء العصور التي سبقهم ال سيما‬
‫(‪)1‬‬
‫الجاهلية‪.‬‬

‫‪ - 1‬عبد الحميد الكاتب‪ ،‬أدب الكاتب‪ ،‬ص‪.112‬‬

‫‪16‬‬
‫الفصل األول‬
‫الفصل األول‪ :‬الحياة األدبية للشاعر البحتري‬

‫‪ -1‬شخصية الشاعر ( البحتري) ‪:‬‬

‫" هو الوليد بن عبد هللا بن يحيى البحتري الطائي‪ ،‬من يحتر بن عثود ثم من طئ‪ .‬ويكن‬
‫أبا عيادة‪ .‬وهو كما يقول أبو الفرج‪ :‬شاعر فاضل حسن المذهب‪ ،‬نقي الكالم مطبوع‪ .‬كان‬
‫مشايخا رحمة هللا عليهم يختمون به الشعراء‪ .‬وله تطرق حسن فاضل نقي في ضروب الشعر‬
‫سوى الهجاء فان بصناعته فيه نزرة وحيدة منه قليل‪ .‬وكان ابنه الغوث يزعم ان السبب في قلة‬
‫بضاعته في هذا الفن أنه لما حضره الموت دعابة‪ ،‬وقال له اجمع كل شئ قلته في وقت‬
‫فشقيت به غيضا‪ .‬وكافأت به قبيا فعل بي‪ ،‬وقد أيدي الناس من هجائه فاكثره ساقط ال يشاكل‬
‫طبعه و ال يليق بمذهبه‪ .‬حيث تتبئر حالتها و قلة حطه في الهاء‪ .‬وانبذلك البحر يتشبه بأبي‬
‫(‪)1‬‬
‫تمام في عره و يحذوا مذهبه "‬

‫وشعر البحتري هو مصدر من مصادر البالغة الرئيسية يبعد القرآن الريم‪ .‬والم االظ‪ .‬و‬
‫هذا ماقاله الثعلبي عن شعر البحتري في صدقه و فنيته‪ .‬حتى ان قورنبلغة القرآن الكريم‪ ،‬غير‬
‫أن بني عصره تاثروا بشعره و بحضارته الفارسية‪ .‬و بذلك قال عنه الثعالبي في كتابه " برد‬
‫األكباد في االعداد " أن أبو القاسم االسكاني قال‪ " :‬استظهاري على البالغة ثالثة القرآن‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وكالم الجاحظ‪ ،‬وشعر البحتري "‬

‫و بناءا على هذا نستخلص أن الثعالبي تاثر تاث ار مباش ار لشعر البحتري و لغته في صدقه‬
‫و فنيته و اسلوبه حتى أنه قورن من حيث صدقه و فنيته بلغة القرآن الكريم فقيل عنه انه‬
‫مصدر من مصادر البالغة الرئيسية بعد لغة القرأن الكريم‪.‬‬

‫‪ - 1‬محمد عبد المنعم خفاجي‪ ،‬الحياة األدبية في العصر العباسي‪ ،‬دار الوفاء للطباعة والنشر‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬ط‪ ،1‬ص‪.199‬‬
‫‪ - 2‬وحيد صبحي كبابة‪ ،‬األثر الفارسي في شعر البحتري‪ ،‬مجلة ثقافتنا للدراسات و البحوث‪ ،‬العدد ‪1432 ،26‬ه‪2011-‬م‪،‬‬
‫ص‪.199‬‬

‫‪18‬‬
‫الفصل األول‪ :‬الحياة األدبية للشاعر البحتري‬

‫أما اذا ساقنا الحديث للقول في ثقافته فمن سوء حظه " أن المصادر كانت شحيحة في‬
‫الحديث عن ثقافته و مصادره‪ ،‬غيرأن ديوانه من االشارات ما يؤطكد على اطالعه بعلوم عصره‬
‫( المتصلة بالدين‪ ،‬و اللغة‪ ،‬و التاريخ ) و حتى المتصلة بالفالسفة و المنطق و ما يعيننا هنا‬
‫هو ثقافته التاريخية و الفارسية‪ .‬فقد أحاط الرجل بأخبار االمم العابرة‪ ،‬وبخاصة جدوده في‬
‫اليمن و ماكان لهم من مجد شامخ‪ .‬هذا فضال عن أخبار الفرس‪ .‬و ملوكهم اللذين تربطهم‬
‫(‪)1‬‬
‫بالفرس عالقات متبنية "‬

‫أي الديث عن ثقافة البحتري تحيلنا الى اطالعه على شتى علوم عصره المحتلفة و تخيره‬
‫لها في مجال الدين و المنطق و اللغة و التاريخ و غيرها‪ .‬و كذلك احاطة باخبار و تاريخ‬
‫االمم السابقة مثل التاريخ الفارسي على سبيل الذكر‪.‬‬

‫أما علمه بتاريخ الفرس فدليله حديثه في سينيته على آل ساسان و قصورهم ومن ذلك‬
‫قوله في مدح الحسن بن سهل‪:‬‬

‫س َو َص ِ‬
‫غير‬ ‫بير ِمن ِ‬
‫فار ٍ‬ ‫ُك ِّل َك ٍ‬ ‫هرجا ِن َحّق ًا َعلى‬
‫لم َ‬
‫ِ ِ‬
‫إ َّن ل َ‬
‫(‪)2‬‬
‫ِ‬
‫الخير‬ ‫َهل الُنهى َوأ ِ‬
‫َهل‬ ‫جان أ ِ‬
‫ِ‬ ‫لوك َذوي التي‬ ‫عيد ِ‬
‫آبائ َك الم ِ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬

‫وهو في هذه األبيات يشيد بأصول ممدوحة الفارسية مذك ار بسالف مجد القدس و حضارتهم وال‬
‫عجب بتلك اإلشادة بعدما ذكرنا الصلة التي تربط الفرس بقوم الشاعر اليمانيين‪ .‬تلك الصلة‬
‫التي يشير إليها بقوله‪:‬‬

‫نو ِر ُح ِ‬
‫مس‬ ‫الس َّ‬
‫حت َ‬‫ِب ُكمــــا ٍة َت َ‬ ‫اه‬
‫ــــدوا ُقــو ُ‬
‫لكنـــا َو َش ّ‬
‫أََّيدوا ُم َ‬
‫ِ (‪)3‬‬
‫عـــن َعلى الُن ِ‬
‫ــحور َو َدعس‬ ‫ط ٍ‬ ‫ط ِب َ‬ ‫َ‬ ‫وأَعانـــــوا على َك ِ‬
‫تـــائ ِب أَريــــا‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫‪ - 1‬وحيد صبحي كبابة‪ ،‬األثر الفارسي في شعر البحتري‪ ،‬ص ‪.122‬‬


‫‪ - 2‬البحتري الديوان‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،1‬م‪ ،1‬ص‪.138‬‬
‫‪ - 3‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.138‬‬
‫‪19‬‬
‫الفصل األول‪ :‬الحياة األدبية للشاعر البحتري‬

‫يبين لنا الشاعر في هذه االبيات لل التي تربط الفرس ببالد اليمن من حيث الحضارة‬
‫وربط التاريخ و اللغة و غيرها‪ ...‬ويذكر من وقائع التاريخ القديم مساعدة الفرس لقومه اليمانيين‬
‫في رد االحباس‪ .‬ولعل هذه االشارة تفسر لنا سبب نزوع الشاعر نحو الفرس‪ .‬وهذا النزوع تجال‬
‫في تشيعه من جهة‪.‬‬

‫هذا من مالمح منزعه الفارسي أيضا أنه في مقام المفاضلة بين األتراك و الفرس‪.‬الذي‬
‫يعلي من شان الفرس‪ .‬ويجعلهم مقصده حين تواحمت عليه هموم الحياة وماالهموم اال ما يراه‬
‫من األتراك‪:‬‬

‫المدائن َعْن ِسي‬


‫ِ‬ ‫ـت إلى ْأب ِ‬
‫يض‬ ‫ُ‬ ‫فوج ْهـ‬
‫الهموم َّ‬
‫ُ‬ ‫َح َضَر ْت َر ْحلِي‬
‫َ‬
‫ساسان َدْر ِ‬
‫س‬ ‫لِ َم َح ٍّل من آل‬ ‫وآسى‬ ‫ِ‬ ‫َأت َّ‬
‫َ‬ ‫الحظُوظ َ‬
‫سلى عن ُ‬
‫وتْن ِسي‬ ‫وَلَق ْد ُت ْذ ِكُر‬ ‫وب َّ‬ ‫ِ‬
‫الخطوب ُ‬ ‫الت َوالي‬ ‫ط ُ‬ ‫َذ َّكَرْتن ُ‬
‫يهم ال ُخ ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫ُ‬
‫وهذا يعني ان نزوع الشاعر الفارسي‪ ،‬انما كان شكال من أشكال التمرد على واقعه‪ .‬واقع‬
‫سيعرات االتراك على الخالفة في عهد الحكم العربي الفارسي‪.‬‬

‫فاذا ماتسائلنا عن مصادر ثقافة الشاعر الفارسية هذه‪ .‬فاننا نجدها في البيئة العاسية التي‬
‫قدر للبحتري أن يعيش فيها وهي بيئة غلب عليها الطابع الفارسي‪ .‬ولكن ما ينير االستغراب‬
‫حقا هو» أن نرى شاع ار عربيا كالبحتري ينزع هذا المنزع الفارسي « وهو االمر الذي دفع‬
‫شوقي ضيف الة أن يتهمه بضعف احساساه بعروبته‪.‬‬

‫وبذلك فان مصادر ثقافة الشاعر هي ثقافة عباسية وهي بيئة غلب عليها الطابع الفارسي‪.‬‬
‫حيث كان الشاعر يرتبط بالفرس ارتباط وثيق في ثقافته و حضارته و تمسكه ببالد فارس‪ .‬وهذا‬
‫ما يجعله ينتمي الى بالد فارس بالرغم من عروبته اي شاعر عربي‪.‬‬

‫‪ - 1‬وحيد صبجي كبابة‪ ،‬االثر الفارسي في شعر البحتري‪ ،‬مجلة ثقافتنا الدراات و البحوث‪ ،‬العدد ‪1432 ،26‬ه‪2011-‬م‪،‬‬
‫ص‪.199‬‬

‫‪20‬‬
‫الفصل األول‪ :‬الحياة األدبية للشاعر البحتري‬

‫" و الواقع هو أن البحتري ذو نزعة عربية صريحة » فهواه يميل مع القادة العرب و‬
‫الطائيين بخاصة« و لطالما افتخر بالعرب و أشاد بفضائلهم‪ .‬بل كثي ار ما تأخذه العصبة القبلية‬
‫إلى الفخر بأصله اليماني‪ ...‬أو القادة و الرؤساء العرب‪.‬‬

‫و عليه فان اتهام البحتري في عروبته ال يخلو من التعسف‪ .‬وهو الذي جاهر بالتفاخر‬
‫بقومه العرب‪ ،‬وجزع حين أصابتهم النكبات‪ .‬ولذلك كان البحتري عربي الهوى غير انه عندما‬
‫شعر في بغداد بسطوه الموالي قدمهم على العرب‪ ،‬جل نجده يشيد بفضلهم على الدولة العباسية‬
‫‪ .‬وهكذا أقام المعادلة بين الطرفين‪ .‬فهو يمتدحهما كليهما وال يتفرع عن الشماتة بالفرس أو‬
‫(‪)1‬‬
‫االستهانة بالعرب حين يستدعي األمر ذلك "‬

‫و هذا يقودنا للقول في عروبة البحتري و انتماءه إلى األمة العربية و تحيزه لها‪ .‬ما ال‬
‫ينفي ارتباطه بالفرس و الحضارة الفارسية على حد السواء‪ .‬وهذا ما يسوقنا لفصل في أن‬
‫لشاعر البحتري عربي األصل و المنبع ذو ثقافة و خصال فارسية‪ .‬وذلك من خالل ارتباطه‬
‫الوثيق ببالد الفرس و حضارتهم بالرغم من انه شاعر عربي بدون أي منازع‪.‬‬

‫‪ -2‬عصر البحتري ‪:‬‬

‫" كان العصر العباسي عربي الملك شكال فارسي الجوهر" وفي ذلك يقول الجاحظ دولة‬
‫بني عباس أعجمية خرسانية‪ ،‬لهذا غلب الطابع الفارسي على الواقع في هذا العصر" ‪.‬‬

‫يقول حامد عبد القادر‪ " :‬يمتاز القرن األول من الخالفة العباسية الذي يسمى احيانا‬
‫(العصر الذهبي للخالفة العباسية) من الوجهة السياسية بالقوة لنفوذ الفرس و توليهم زمان الحكم‬
‫و في مقدمتهم البرامكة ومن الناحية الثقافية التفكيرية بانعقاد مجالس الحوار و المناقشة‬
‫والجدل بقصور الخالفة ‪.‬‬

‫‪ - 1‬وحيد صبحي كبابة‪ ،‬األثر الفارسي في شعر البحتري‪ ،‬مجلة ثقافتنا للدراسات و البحوث‪ ،‬العدد ‪ ،2001l ،26‬ص‪.201‬‬

‫‪21‬‬
‫الفصل األول‪ :‬الحياة األدبية للشاعر البحتري‬

‫و من الناحية الدينية بقوة سلطان الشيعة و تغلب مذهب المعتزلة اللذين كانوا يصفون‬
‫أنفسهم بأنهم أهل العدل و أهل التوحيد و يصفهم الفرنجة بأنهم أرباب التفكير الحرفي في‬
‫(‪)1‬‬
‫اإلسالم‪".‬‬

‫و ما يمكن استخالصه حول العصر الذي عاش فيه البحتري أنه عربي الملك و فارسي‬
‫الجوهر‪ .‬أي انه عربي األصل و المنبع‪ .‬و فارسي الجوهر بارتباطه بالفرس و هذا ماال يمكن‬
‫تجاوزه أو نفيه فهي مسلمة ال يمكن نفيها أو تخطيها فأثر البحتري بارز في بالد الفرس‪.‬‬

‫أما إذا ذهبنا إلى مظاهر السيطرة الفارسية في العصر العباسي فيمكن إجمالها فيما يلي‪:‬‬

‫‪ -1‬إنشاء وظيفة الوزير األول‪ ،‬وقيام بيوت اإلذن‪ ،‬ومصلحة البريد و استحداث وظيفة السياق‪،‬‬
‫و انتشار المنجمين‪ .‬أضف إلى ذلك انتشار الغناء والقيان و شيوع الخمر و الغلمان‪.‬‬

‫‪ -2‬االحتفال باألعياد الفارسية الفيروز و المهرجان‪.‬‬

‫‪ -3‬ارتداء المالبس المزركشة في قصور الخالفة‪ ،‬حيث كان المتوكل يرتدي المالبس الفارسية‪.‬‬

‫‪ -4‬تسمية قصور المتوكل بأسماء فارسية‪ .‬الجو سق و السباح والصباح‪.‬‬

‫‪ -5‬تسمية المدن بأسماء فارسية مثل‪ :‬بغداد والبصرة و األنفار‪.‬‬

‫‪ -6‬انتقال الجواري أو األميرات الفارسيات إلى البيت العربي و هجرة بعض األسرة الفارسية إلى‬
‫البالد العربية و ما يعني ذلك انتقال اللغة و العادات‪.‬‬

‫‪ -8‬شيوع الترف و اللهو ‪ ،‬و تعدد األزياء و الفرس و األثاث واألحذية بأسمائها األعجمية‪.‬‬

‫‪ -9‬انتشار الزندقة و الشعوبية وبعض العادات المنكرة‪.‬‬

‫‪ - 1‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.122‬‬


‫‪ - 2‬المرجع نفسه‪ ،‬صفحة نفسها‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫الفصل األول‪ :‬الحياة األدبية للشاعر البحتري‬

‫وهذا ان دل على شيء انما يدل على غلبة الطابع الفارسي على المجتمع اعربي في‬
‫العصر العباسي‪ .‬غير أن سلطان الفرس لم يقتصر على ذلك‪ ،‬اذ كانوا في طليعة المؤلفين و‬
‫الكتاب و الشعراء ومن يدرس تاريخ التدوين و التأليف في االسالم يجد أن معطم المبرزين في‬
‫هذا الميدان كانوا من الفرس اللذين اطلق عليهم اسم الموالي‪ .‬وليس من يذكر فضل هؤالء حتى‬
‫في أشد العلوم و الفنون اتصاال باللغة العربية والقرآن و الحديث و الشريعة االسالمية‪ .‬فمنهم‬
‫معظم أئمة اللغة و المفسرين و جامعي األحاديث و كثير من الفقهاء‪.‬‬

‫أي أن المجتمع العربي ذو طابع فارسي في العصر العباسي و ليس عجبا فقد كثر في‬
‫العصر العباسي أنباء الفرس العلماء بالعربية و الفارسية‪ .‬وكان في العصر نفسه عر يعرفون‬
‫الفارسية و هؤالء كان لهم في الشعر و النثر أفار فارسية في قوالب عربية و هذا ما جعل‬
‫للعرب يختلطون بالفرس و يمتزجون بهم و يأخون منهم و عنهم وربما هذا مانالحظه عند‬
‫البحتري على وجه الخصوص‪.‬‬

‫وان مثلنا لهذه الطائفة نجد ( ابن المقفع‪ ،‬وسهل بن هارون‪ ،‬والفضل بن سهل‪ ،‬وموسى‬
‫بن سيار األسطوري‪)...‬‬

‫كما كان للترجمة الدور الواسع في انتشار الثقافة الفارسية فقد مضى الشعراء منذ ظهور‬
‫كتابي األدب الكبير و األدب الصغير البن المقفع يتأثرون بما نقله فيهما من تجارب الفرس و‬
‫حكمهم وو صاياهم في الصداقة و المشورة و آداب السلوك و السياسة‪ ...‬وهكذا اتسعت حركة‬
‫الترجمة في هذا العصر العباسي‪ " .‬حتى ليكاد يظن االنسان انه لم يكن هناك أحد ال تتسع‬
‫قراءاته‪ .‬فتشمل جميع مواد الثقافات المعروفة حينئذ من عربية و االمية وأجنبية من موارد شتى‪:‬‬
‫موارد هندية و فارسية ويونانية مع ماكان يداخل المعارف الهيلية من موارد شرقية فارسية و‬
‫(‪)1‬‬
‫غير فارسية "‬

‫‪ - 1‬وحيد صبحي كبابة‪ ،‬األثر الفارسي في شعر البحتري‪ ،‬ص‪.123‬‬

‫‪23‬‬
‫الفصل األول‪ :‬الحياة األدبية للشاعر البحتري‬

‫وبهذا يكون للترجمة الدور األهم واألساسي في نقل و انتشار ضارة و ثقافة الفرس في‬
‫النطاق العربي عموما‪ .‬وفي مختلف ماالت الحياة‪ .‬وربما كان لكتابي األدب الكبير و اأدب‬
‫الصغير البن المقفع الدور األساسي لتتبع الحضارة الفارسية و التأثر بها‪ .‬وذلك لما نقله ابن‬
‫المقفع من وقائع و تجارب الفرس في مختلف المجاالت‪ .‬و هكذا اتسعت ظاهرة الترجمة في‬
‫العصر العباسي‪ ،‬وبذلك سمي ها العصر بالعصر الذهبي بفعل عامل الترمة وماكان لها من‬
‫دور في نقل تجارب وحضارة الفرس عبر نطاق واسع‪.‬‬

‫" األمر نفسه نجده عند البحتري‪ ،‬فهو على ارغم من عدم تعمقه في الفلسفة و لثقفات‬
‫االجنبية األخرى نجد في أشعاره آثار الثقافات األخرى التي عاصرته حتى ال نراه يشيد بالعلم و‬
‫المعرفة في بعض ممدوحيه بمن يدعوا هذه الدعوة أن يطلقها على نفسه و أن يأخذها بالعلم و‬
‫التثقيف‪ .‬غير أنه يستوجب أن نميز بين األثر الفارسي العام و ثر األدب الفارسي في األدب‬
‫العربي غير مفسرين في ادعاء األثر الثاني‪ ،‬فاالقع أن األدب الفاري في عصر اتصال الفرس‬
‫بالعرب لم يكن عظيم الخطر‪،‬واذي تجم الى اآلداب العربي من افارسية قليل مع كثرة ماترجم‬
‫(‪)1‬‬
‫من اآلداب اليونانية "‬

‫و نستنتج في هذا الصدد أن الطابع الفارسي وان كان يغلب على بيئة البحتري مما سمح‬
‫له بانتقال األثر الفارسي و تفشيه في مجمل أشعاره اي ديوانه الشعري‪ ،‬وقد كان لذلك صداه في‬
‫طبيعة تجليات الفاري في شعر البحتري‪.‬‬

‫وما يمكن استخالصه من كل هذا أن الطابع الفارسي الذي ان يغلب على بيئة البحتري‬
‫ساهم في تفشيه و انتشاره في ديوانه الشعري‪ ،‬وتأثره تأثر واسع بثقافة و حضارة الفرس حتى أنه‬
‫تغنى بثقافة باد افرس في مجمل أعاره‪ ،‬وربا ان هذا االمتزاج الثقافي ( العرب بالفرس) األثر‬
‫البالغ في نتشار الثقافة الفارسي عبر أوسع نطاق‪.‬‬

‫‪ - 1‬وحيد صبحي كبابة‪ ،‬األثر الفارسي في شعر البحتري‪ ،‬ص‪.123‬‬

‫‪24‬‬
‫الفصل األول‪ :‬الحياة األدبية للشاعر البحتري‬

‫‪ -3‬مذهبه الشعري ‪:‬‬

‫‪ -1-3‬مذهبه السياسي‪:‬‬

‫من الطبيعي أن يكون عباسيا وقد توهم األستاذ مرجيليوث في األبيات التالية‪:‬‬

‫يـعـ َة ِ‬
‫اإلسـالمِ‬ ‫ِ‬ ‫يع َة أَهلِها‬
‫مــيـن َوَد َ‬
‫المــســل َ‬
‫َو ُ‬ ‫الدنيا َو َض َ‬
‫ـيـعـ َة ُ‬
‫يـا َض َ‬
‫ُيــجــزي َعــلى األَّيــا ِم ِبـاألَّيـا ِم‬ ‫َعدائ ِه‬
‫هـذا ِابـن يـوسـف في ي َدي أ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ ُ َ‬ ‫َ‬
‫(‪)1‬‬
‫ُم َّــيةــُ َلو َر َعــت ِب ِــنـيـامِ‬
‫ــنــه أ َ‬
‫َع ُ‬ ‫نه َوَلم َت ُكن‬ ‫العّب ِ‬
‫اس َع ُ‬ ‫نـامـت َبنو َ‬
‫َ‬

‫ففي هات ه األبيات الشعرية الشاعر يتمنى عودة زمان حكم بني أمية‪ ،‬وهو يذكر حادثة تعذيب‬
‫يوسف الثغري وهو بين اعدائه محاوال بذلك ان يحرك شعور قومه لتخليص الرجل من ايدي‬
‫العدو‪ ،‬وفي هذه االبيات صيغة سياسية‪.‬‬

‫‪ -4‬خصائصه الشعرية‪:‬‬

‫" كان البحتري شاع ار ملئ زمانه‪ ،‬وملئ السمع و البصر ناهز الثمانين من العمر و‬
‫مافتئ بقول الشعر بدأه مادحا أصحاب البصل و الباذنجان منتهيا بمدح الخلفاء األمراء و‬
‫الوزراء و الكتاب‪ ،‬معادما ستة من الخلفاء هم‪ :‬المتوكل و المنعر و المعنز و المستعين‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫والمهتدي و المعتمد‪ ،‬وظل يقول الشعر اكثر من ستين عاما "‬

‫وهذا ما يؤكد براعة الشاعر في العديد من االغراض الشعرية خاصة منها المدح وذلك من‬
‫خالل مدحه ألصحاب البصل و الباذنجان و كذا مدحه للخلفاء و االمراء والوزراء و غيرهم‪ .‬وهو‬
‫ال يقف عند غرض المدح وفقط و انما طرق شعره جميع األغراض الشعرية المعروفة عند العرب‬
‫انذاك و تتمثل في المدح و االعتذار و الرثاء و الغزل و غيرها‪.‬‬

‫‪ - 1‬البحتري الديوان‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،1‬م‪ ،1‬ص‪.182‬‬


‫‪ - 2‬سامي يوسف أبو زيد‪ ،‬األدب العباسي الشعر‪ ،‬دار السيرة للنشر والتوزيع و الطباعة‪ ،‬ط‪ ،1‬ص‪.208‬‬

‫‪25‬‬
‫الفصل األول‪ :‬الحياة األدبية للشاعر البحتري‬

‫و اتسمت أشعاره كذلك وبعد اجماع الشعراء على وصف شعره بسالسة العبارة و حسن‬
‫الديباجة وهناك بعض اآلراء من كبار القدامى في شعره‪:‬‬

‫يقول الثعالبي‪ " :‬يضرب به المثل ألن اإلجماع واقع على أنه في الشعر أطبع المحدثين‬
‫والمولدين‪ ،‬وإن في كالمه يجمع الجزالة والحالوة والفصاحة والسالسة‪ ،‬ويقال أن شعره كتابة‬
‫(‪)1‬‬
‫معقودة بالقوافي"‬

‫يقول ابن الرشيق‪" :‬وأما البحتري فكان أملح صنعة وأحسن مذهبا في الكالم يسلك فيه‬
‫(‪)2‬‬
‫دماثة و سهولة مع إحكام الصنعة وقرب المأخذ ال يظهر عليه كلفة وال مشقة"‬

‫يقول ابن األثير وهو يصفه‪ " :‬فإن مكانه من الشعراء ال يجهل وشعره هو السهل الممتنع‬
‫(‪)3‬‬
‫الذي تراه كالشمس قريبا وضوؤها بعيدا مكانها‪".‬‬

‫ويذكر البقالني في (إعجازه) ويذكر تفضيله له بديباجة شعره على ابن الرومي وسواه‪،‬‬
‫(‪)4‬‬
‫وتقدمه بحسن عبارته وسالسة كالمه وعذوبة ألفاظه وقلة تعقد قوله"‬

‫وهكذا ما يؤكد وصف بعض الشعراء لشعر البحتري وت تفضيله على شعر أبي تمام‬
‫فهو حسبهم أملح صفة و شعره السهل الممتنع و كذا تفضل شعره على ابن الرومي و سواه‬
‫فهؤالء الشعراء يفضلون شعر البحتري على شعر بقية الشعراء اآلخرين ويجعلون منه أحسن‬
‫صفة و احسن مذهب و قرب ا لماخذ بحيث ال يظهر عليه كلفة وال مشقة‪ .‬و هذا ربما ما اتسم‬
‫به شعر البحتري عن غيره من بقية الشعراء‪.‬‬

‫‪ - 1‬أنيس المقدسي‪ ،‬أمراء الشعر العربي في العصر العباسي‪ ،‬ص ‪.243-242‬‬


‫‪ - 2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.243-242‬‬
‫‪ - 3‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.245‬‬
‫‪ - 4‬أنيس المقدسي‪ ،‬أمراء الشعر العربي في العصر العباسي‪ ،‬ص‪.245‬‬
‫‪26‬‬
‫الفصل األول‪ :‬الحياة األدبية للشاعر البحتري‬

‫ويقول الدكتور شوقي ضيف‪ " :‬والبحتري إنا هو رمز لحركة التمسك بالصياغة العربية‪،‬‬
‫بل التمثل لها بحيث تجري في نفس الشاعر سليقة الشعر العربي بكل سماتها وشاراتها وبكل‬
‫معانيها وخواصها‪ ،‬بحيث يفقه ذلك كله فقها تاما دقيقا‪ ،‬بما أتيح لها عند العلماء وأصحاب‬
‫البالغة من مالحظات جمالية تنبع من الثقافة بالشعر السابق‪ ،‬قديمة وحديثة ومن الذوق‬
‫(‪)1‬‬
‫المصفى المتحضر ومن الشعور المرهف الرقيق "‬
‫فمن المؤكد من قول شوقي ضيف هو إرجاعه و تصريحه التام بعمود الشعر عند‬
‫البحتري و تمسكه به و بالصياغة العربية القديمة و هو بذلك شاعر متمسك بالصياغة العربية‬
‫القديمة للشعراء القدامى حيث تجري في نفس الشاعر سلقية الشعر العربي بكل سماتها و‬
‫معانيها و تراكيبها و يجعلها مسا ار ينحوه في نظم الشعر ‪ ،‬وربما هذا ما جعله شاعر مقلد‬
‫بالدرجة األولى عكس بقية الشعراء اآلخرين‪.‬‬

‫‪ -5‬ميزته الفنية‪:‬‬
‫" يعد البحتري إماما لشعراء الوصف في العربية‪ ،‬وهو يعيد إلى الخيال أكثر مما يعيد إلى‬
‫الفكر‪ .‬ويركن إلى حسن الديباجة و اللفظ السهل و المعنى السريع الفهم مع غرام بالمحسنات‬
‫(‪)2‬‬
‫البديعية بعيدا عن الغلو و اإلسراف فيه‪ ،‬وتقع أوصافه في قصيدة المدح "‬
‫ويتفرع وصفه إلى فئتين جازرتين‪:‬‬
‫أ‪ -‬وصف الطبيعة‪ :‬استأثرت الطبيعة بوصف الربيع و المطر و الرياح و شقائق النعمان‬
‫و النسيم‪ ،‬كما وصف بعض الحيوانات كالذئب و األسد والفرس وتمتاز أوصافه باألصالة بما‬
‫أضفناه عليها من فيض روحه الشعري و أدائه النقي المتقن‬

‫‪ - 1‬أنيس المقدسي‪ ،‬أمراء الشعر العربي في العصر العباسي‪ ،‬ص ‪.243-241‬‬


‫‪ - 2‬يوسف أبو زيد‪ ،‬األدب العباسي الشعر‪ ،‬دار السيرة للنشر والتوزيع و الطباعة‪ ،‬ط‪ ،1‬ص‪.208‬‬

‫‪27‬‬
‫الفصل األول‪ :‬الحياة األدبية للشاعر البحتري‬

‫ومن ذلك أبياته في وصف الربيع التي وردت في آخر مديحه في الهيثم بن عثمان‬
‫الغنوي‪:‬‬
‫أن َي َت َكّل َما‬
‫كاد ْ‬ ‫الح ِ‬
‫سن حّتى َ‬ ‫ض ِ‬
‫من ُ‬
‫َ‬ ‫احك ًا‬ ‫ختال َ‬
‫لق َي ُ‬
‫ط ُ‬‫بيع ال ّ‬
‫الر ُ‬
‫اك ّ‬
‫أ َت َ‬
‫باألم ِ‬
‫س ُن َّو َما‬ ‫ِ‬ ‫وز في َغَل ِ‬
‫أوائ َل َوْرٍد ُك ّن ْ‬ ‫الد َجى‬
‫س ّ‬ ‫َوَقد َنّب َه الّن ْوُر ُ‬
‫ِ‬
‫بل ُم َكَّت َما‬ ‫َين ُّث َحديثاً َ‬
‫كان َق ُ‬ ‫فكأّن ُه‬
‫ُي َفّتُق َها َبْرُد الّن َدى‪َ ،‬‬
‫َعَلْي ِه‪َ ،‬ك َما َن َّشْر َت َو ْشياً ُمَن ْمَنما‬ ‫اس ُه‬ ‫و ِم ْن َشج ٍر رّد الر ِ‬
‫بيع لَب َ‬
‫َ َ ّ ُ‬ ‫َ‬
‫(‪)1‬‬
‫كان ُم ْح ِرما‬ ‫ان َق ًذى لِْل َع ِ‬
‫ين‪ ،‬إ ْذ َ‬ ‫َوَك َ‬ ‫فأب َدى لِْل ُعيو ِن َب َش َ‬
‫اشةً‪،‬‬ ‫أح َّل‪ْ ،‬‬
‫َ‬
‫ونلتمس في هذا النص دقة التصوير و لطف المعاني للشاعر ووصفه للربيع بطريقة صريحة و‬
‫مباشرة ‪ ،‬وهو ذلك الوصف الدقيق الذي جعل له مكانة عالية في الساحة األدبية و الفنية و‬
‫كان بمثابة ميزة فنية جمالية يضيفها ألشعاره تميزه عن بقية الشعراء إلى جانب صنعته اللفظية‪.‬‬

‫ب‪ -‬وصف العمران‪ :‬أولع البحتري في وصف مشاهد الحضارة السيما وصف القصور‬
‫التي شادها المتوكل وكذلك وصف إيوان سكري‪ ،‬وقد بلغ في وصفه مستوى رفيعا يكاد يكون‬
‫فيه منف ار وهو يجري في وصفه مع البديهية و الطبع دون تكلف مما يجعل ألفاظه و صوره و‬
‫معانيه تنساب بيسر و سهولة ‪ .‬ومن ذلك وصفه لبركة المتوكل ومنها قوله‪:‬‬

‫واآلنسات إذا الحت مغانيها‬ ‫يا من رأى البركة الحسناء رؤيتها‬

‫كالخيل خارجة من حبل مجريها‬ ‫تنصب فيها وفود الماء معجلة‬

‫من السبائك تجري في مجاريها‬ ‫كأنما الفضة البيضاء سائلة‬


‫(‪)2‬‬
‫مثل الجواشن مصقوال حواشيها‬ ‫إذا علتها الصبا أبدت لها حبكا‬

‫‪ - 1‬البحتري الديوان‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،1‬م‪ ،1‬ص‪.135‬‬


‫‪ - 2‬البحتري الديوان‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،1‬م‪ ،1‬ص‪.135‬‬
‫‪28‬‬
‫الفصل األول‪ :‬الحياة األدبية للشاعر البحتري‬

‫يلج الشاعر من خالل هذه األبيات الشعرية إلى وصفه لبركة المتوكل و توغله في‬
‫الوصف وهو بمثابة وصف حسي يصور لنا من خالله تلك البركة بصور رائعة و دقيقة و هو‬
‫ما يفعله الشاعر الذي يصف جمال الطبيعة و يضفي عليها صور و ألوان رائعة‪ ،‬وهذه ميزة‬
‫الوصف ربما عند البحتري و التي تجعل من شعره دقيقا و سهال و يحمل جانب فني و جمالي‬
‫يميزه عن بقية األشعار ‪ .‬ومن هنا نستخلص نوعين من الوصف عند البحتري وهو الوصف‬
‫الحسي و الوصف الخيالي و الذي من خالله يعمد الشاعر إلى ما وراء الطبيعة و الخيال‪.‬‬
‫وفتح نطاق أوسع للخيال على عكس الوصف الحسي‪.‬‬

‫‪ -6‬موضوعاته وصنعته الشعرية ‪:‬‬

‫" كان البحتري شاع ار ملئ زمانه و ملئ السمع و البصر ناهز الثمانين من العمر وما‬
‫فتئ يقول الشعر‪ .‬وطرق بذلك البحتري في أشعاره جميع األغراض الشعرية المعروفة عند‬
‫العرب و اجاد في المديح و االعتذار و الرثاء و الغزل و جدد في الوصف بانواعه و أصبح‬
‫رائدا له في العصر العباسي‪".‬‬

‫‪ -1-6‬المديح‪ :‬البحتري شاعر التكسب نظم أجمل مدائحه في عهد المتوكل وقد توسع‬
‫هو و أستاذه أبو تمام على عرش قصيدة المدح في القرن الثالث للهجري يروي ماحدث في‬
‫مجلس الخليفة المستعين‪ .‬فيقول كنت من جلساء المستعين من الشعراء فقال لست أقبل اال ممن‬
‫قال مثل قول البحتري في المتوكل‪:‬‬

‫(‪)1‬‬
‫في ُو ْس ِع ِه َل َس َعى إَلْي َك الِمْنَبُر‬ ‫َل ْو أن ُم ْشتا ًقا َت َكَّل َ‬
‫ف َف ْو َق ما‬

‫تظهر من خالل هذه األبيات نزعة الشاعر الفردية و ىثار عصره فهو بذلك يقيم لنا فوائد نفسية‬
‫و أدبية تظهر في شعره‪ ،‬وهو يمدح المتوكل في شعره‪ .‬ومعظم قصائده المدح عند البحتري‬
‫نجدها في مدحه للخليفة المتوكل وقصوره‪ ...‬الخ‬

‫‪ - 1‬يوسف أبو زيد‪ ،‬األدب العباسي الشعر‪ ،‬ص‪.209‬‬

‫‪29‬‬
‫الفصل األول‪ :‬الحياة األدبية للشاعر البحتري‬

‫وقد يلجأ الشاعر في مدحه ألحد العظماء و الخلفاء لغاية التكسب و المال‪ .‬وقد يمدح‬
‫الخليفة وال يلجأ الى ان يهجوه اذا مات فوجد بذلك وسيلة للغنى و الثروة ومدائحه تتميز بنوع‬
‫من المالية و الرقة و السهولة في األسلوب بعيدا عن تكلف الفكرة و تعسف المعنى‪.‬‬

‫يقول وهو يمدح المتوكل‪:‬‬

‫الر ِضّي ِة ُت ْف ِطر‬ ‫و ِ‬


‫بسّنة هللا ّ‬
‫َ ُ‬ ‫أفض ُل َص ِائم‬
‫أنت َ‬ ‫ِبال ِبّر ُ‬
‫ص ْم َت‪ ،‬و َ‬

‫الزم ِ‬
‫ان ُم َش َّهُر‬ ‫ِ‬ ‫َفاْنعم ِبيو ِم ِ‬
‫الف ْط ِر َعْين ًا‪ ،‬إّنه‬
‫َي ْوٌم أ َغُّر م َن ّ َ‬
‫(‪)1‬‬
‫َْ َْ‬

‫ونلمح في هاته األبيات الشعرية أسلوب الشعار الوصف و السهل البعيد كل البعد عن‬
‫التكلف و الصعوبة يميل الى الوضوح و البديهية و هو يمدح المتوكل‪.‬‬

‫‪ -2-6‬الوصف‪ " :‬ان المتصفح لشعر البحتري من القراء و العارفين و الدارسين يجده ال‬
‫يخلو من ميزة الوصف و الذي يكاد يغلب على شعره و هو ذلك الوصف الذي يتميز بالدقة‬
‫حيث حبل له مقاما عاليا عند الشعراء على وجه الخصوص و الساحة األدبية و الفنية عموما‬
‫وو صفه نوعان الوصف الحسي و الوصف الخيالي‪.‬‬

‫أ‪ -‬الوصف الحسي‪ :‬يتناول المحسوات و يصدرها بصور رائعة و دقيقة وهو ما يفعله‬
‫الشاعر في أشعاره بغرض الدقة‪.‬‬

‫ب‪ -‬الوصف الخيالي‪ :‬و هو ذلك الوف الذي ينظر الى ماو ار المسوسات فاذا كان‬
‫الشاعرواسع الخيال ال يقف فقط عند الي يراه بل يتعداه و يفتح نطاق واسع في الخيال فيعل‬
‫(‪)2‬‬
‫بذلكالمريات أساسا غير المرئيات"‬

‫‪ - 1‬البحتري الديوان‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،1‬م‪ ،1‬ص‪.135‬‬


‫‪ - 2‬يوسف أبو زيد‪ ،‬األدب العباسي الشعر‪ ،‬ص‪.209‬‬
‫‪30‬‬
‫الفصل األول‪ :‬الحياة األدبية للشاعر البحتري‬

‫وكثي ار ما نجد غرض الوصف في أشعار البحتري و هو ربما ميزة فنية خاصة تميز شعره‬
‫عن بقية األشعار األخرى حيث يصف بالدقة وساللة العبارة و الوضوح و البديهية و الوصف‬
‫عنده بنوعيه الوصف الحسي و الوصف الخيالي‪.‬‬

‫‪ -3-6‬الغزل‪ :‬شعره في الغزل كثير يأتي جيده في مقمات مدائحه‪ ،‬وله غزل في المنكر‬
‫وال سيما في عالمة نسيم‪ ،‬وقد أبدع في وصف و ذكر الطيف الخيال‪ ،‬وأكثر منه في مقدمات‬
‫قصائده تقول في مقدمة قصيدته التي يمدح في المتوكل‪:‬‬

‫السالما‬ ‫ِ‬ ‫عد ُق ِ‬


‫كب ُيَبّل ُغها َ‬
‫َف َهل َر ٌ‬ ‫رب‬ ‫دار َع َلوَة َب َ‬
‫ناءت ُ‬
‫َت َ‬

‫عتادنا ِإّال لِماما‬


‫َفما َي ُ‬ ‫َو َجَّد َد َ‬
‫طي ُفها َلوماً َو َعتباً‬

‫المداما‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫َوُرَّب َت َليَل ٍة َقد ِب ُّت أُسقى‬


‫ب َعيَنيها َوَكفيها ُ‬

‫يناه َض ّم ًا َواِ ِلتزاما‬


‫َوأَفَن ُ‬
‫طعنا الَليل َلثم ًا واِ ِ‬
‫عتناق ًا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َق َ‬

‫(‪)1‬‬
‫ُخفر ِذماما‬
‫َلها عهدًا وَلم أ ِ‬
‫َ َ‬ ‫َوَقد َعلِ َمت ِبأَّني َلم أ َ‬
‫ُضِّيع‬

‫وهذه األبيات من الشعر يتغزل من خاللها الشاعر بعلوه التي تعرف إليها البحتري وهو في‬
‫حلب و التي شغفته حبا‪ ،‬إال أنها تركته و أحبت صديقه و لكنه ظل يذكرها حتى أواخر حياته‬
‫و هو يصفها بأدق األوصاف و يصف طيفها حيث تعذر اللقاء بينهما ‪ ،‬فيذكر خيالها في‬
‫شعره‪ .‬وربما ال تخلو هاته األبيات للبحتري من الوصف شيوعا بالغزل‪.‬‬

‫‪ -4-6‬الرثاء‪ :‬كان البحتري يستهدف اإلجادة في رثاء من كان فقدهم بدافع الوفاء و‬
‫الخلق الكريم‪ ،‬وقد جاءت مرائية مطابقة لقريحته و مالئمة لشاعريته إحسانا و تجويدا و ربما‬
‫من أشهر مرائيه ما قاله في المتوكل و الفتح بن ناقان في قوله‪:‬‬

‫‪ - 1‬البحتري الديوان‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،1‬م‪ ،1‬ص‪.195‬‬


‫‪31‬‬
‫الفصل األول‪ :‬الحياة األدبية للشاعر البحتري‬

‫تيل في ِّ‬
‫الد ِ‬
‫ماء ُم َضَّر ِج‬ ‫َوَبْي َن َق ٍ‬ ‫َم َضى َج َع َفٌر َواْل َف ْت ُح َبْي َن ُم َو َّس ِد‬

‫التْر ِب ْأوسي ْ‬
‫وخزرجي‬ ‫َنوى مْن ُهما في ُّ‬ ‫َّه ِر َب ْع َد ما‬
‫صار َعَلى الد ْ‬ ‫أَأَ ْطُل ُب أَْن ً ا‬
‫(‪)1‬‬

‫و الشاعر في هذين البيتين يرثي كل من المتوكل و الفت بن خاقان بين مدى حزنه عليهم و‬
‫هو يذكر أحداث مقتلهم‪.‬‬

‫وربما كان غرض الرثاء من أكثر األغراض الشعرية حضو ار في أشعاره إلى جانب المدح و‬
‫الوصف‪ ،‬وهذا ما تبين في جل أشعاره‪.‬‬

‫‪ -5-6‬العتاب و الهجاء‪ " :‬طرق البحتري باب العتاب و الهجاء في سبيل التكسب لينله‬
‫ممدوحيه إلى تباطئهم في العطاء أو تقصيرهم فيه وقد أدى فيه من المهارة الشيء الكثير‬
‫وسياسة قرن فيها الرقة و اللطف إلى المؤاخذة و النعومة و خفة الروح إلى التأنيب و التهديد‬
‫في سهولة و حالوة‪.‬‬

‫و المستخلص من غرض العتاب انه طرق الباب بغرض التكسب إلى جانب غرض‬
‫المدح فالبحتري شاعر التكسب و المنفعة و استخدم هذين الغرضين ألجل المنفعة و التكسب‪.‬‬
‫ولكن ما قيل عن الهجاء أنه قليل في أشعاره و ال يميل له ميال كثي ار تميله لبقية األغراض‬
‫األخرى حتى انه أمر أنبه أجالغوث بإحراق ما قاله في الهجاء حيث أنه لم يتقن هذا الغرض‬
‫ولم يفلح فيه هذا إذا ما قورن ببقية األغراض األخرى األكثر شيوعا لديه‪.‬‬

‫وربما هذا ما تميز به شعر البحتري من أغراض في المدح و الوصف و الهجاء و الرثاء‬
‫و العتاب كان قد ميزه عن أشعار بقية الشعراء اآلخرين‪ ،‬وجعل من شعره سلسال دقيق وبعيدا‬
‫عن الغموض و التكلف‪ .‬كما تميز بصنعته اللفظية و تنميته اللفظي ة و ميل أسلوبه إلى‬
‫الوضوح و البداهة على عكس البعض‪.‬‬

‫‪ - 1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.195‬‬

‫‪32‬‬
‫الفصل األول‪ :‬الحياة األدبية للشاعر البحتري‬

‫‪ -7‬صفة البحتري ‪:‬‬

‫يعد البحتري مصو ار للمذهب القديم‪ ،‬وقد عبر اآلمدي في كتابه الموازنة عن ذلك بقوله‪:‬‬
‫" أنه أعرابي الشعر مطبوع وعلى مذهب األوائل و مافارق عمود الشعر المعروف وقال أنه نشأ‬
‫(‪)1‬‬
‫في البادية‪ ،‬وهو ليس مثل أبي تمام نشأ في دمشق و عاش في المدن "‬

‫ويتضح لنا من خالل هذه المقولة هو ارتباط الشاعر الوثيق بمذهب األوائل و سيوله له‬
‫أي اتباعه لعمود الشعر وربما كان السبب في ذلك هو أنه شاعر مقلد بالدرجة االولى كما أنه‬
‫عاش و نشأ في البادية و أخذ ينظم شعره من خالل أشعار القدامى من قبله و يجعلها بمثابة‬
‫مسار يحفوه لنظم أشعاره‪.‬‬

‫اال أنه كما يرى شوقي ضيف ليس بدويا خالصا وال اعرابيا خالصا و انما هو بدوي‬
‫أعرابي يأخذ بحظ من الحضارة و ال يمكن أخراجه من دائرة العباسيين الى دائرة القداماء‪.‬‬

‫و هو يرى ان الشعر لمح لألشياء خاطف و االشارة عنها بيان بليغ وهو ال يعتمد في‬
‫شعره على فلسفة و ثقافة يعقدان في أدواته وكان يناهض شعراء عصره اللذين يذهبون غير‬
‫مذهبه و يقول‪:‬‬

‫دق ِه َك ِذُبه‬
‫عر يلغى عن ِص ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫في الش ِ ُ‬
‫فتمونا حدود م ِ‬
‫نط ِق ُكم‬ ‫ُ َ َ‬ ‫َكَّل ُ‬

‫ِ‬
‫ذر طُ ِّوَلت ُخ َ‬
‫طُبه‬ ‫يس ِب َ‬
‫اله ِ‬ ‫َوَل َ‬ ‫مح َتكفي ِإ َ‬
‫شارُت ُه‬ ‫عر َل ٌ‬
‫َوالش ُ‬
‫(‪)2‬‬

‫وهنا يتضح لنا تمسك الشاعر بعمود الشعر‪ ،‬وبسلوب الفة اللفظية للعراء القدامى فهو ينحوا‬
‫مناحهم الشعري ويؤكد هذا كل من اآلمدي و شوقي ضيف‪ .‬لكن شوقي ضيف يؤكد ان‬
‫البحتري ليس بدويا خالصا وال أعرابيا خالصا وانما كليهما أي بدوي أعرابي ‪.‬‬

‫‪ - 1‬اآلمدي‪ ،‬الموازنة بين شعر أبي تمام و البحتري‪ ،‬الطبعة الثالثة‪( 1976 ،‬مجلدات)‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ص‪.02‬‬
‫‪ - 2‬البحتري الديوان‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،1‬م‪ ،1‬ص‪.122‬‬

‫‪33‬‬
‫الفصل األول‪ :‬الحياة األدبية للشاعر البحتري‬

‫ومن هنا لم يعن البحتري بتنسيق كاره و ترتيب معانيه ترتيبا منطقيا دقيقا وال لحن عنده‬
‫بوحدة لقصيدة أو تسلسل األفكار إذ يرى دائم خنادق و ممرات بين أبياته وه مالحظه النقاد من‬
‫أمثال البقالني و ابن رشيق القيرواني‪.‬‬

‫كما أنه استخدم التصوير و الجناس والطباق استخداما ساذجا ال تعقيد فيه ال مشقة‪.‬‬
‫و يتبين ذلك في وضوح إذا ما قارن بين أهم لون كان يستخدمه البحتري‪ ،‬وهو الطباق‪.‬‬

‫يقول البحتري‪:‬‬

‫فيك ِك ُبر‬
‫َوِف َّي ُذ ٌّل َو َ‬ ‫جر‬ ‫صل َو ِم َ‬
‫نك َه ٌ‬ ‫َو ٌ‬ ‫ِمِّني‬
‫َ‬

‫هل َعلى ُخَّل ٍة َوَو ُ‬


‫عر‬ ‫َس ٌ‬ ‫اء ِإذا َ‬
‫التَقينا‬ ‫َوما َسو ٌ‬

‫َنت ُحُّر‬ ‫َف ِص ُ‬


‫رت َعبدًا َوأ َ‬ ‫بد‬
‫َنت َع ٌ‬
‫نت ُحّ ًار َوأ َ‬
‫َقد ُك ُ‬
‫(‪)1‬‬

‫وفي هذا األبيات يغرق البحتري بين شعره و شعر بقية الشعراء اآلخرين في تعقيدهم و صعوبة‬
‫أسلوبهم‪ ،‬وميلهم للتكلف و التعقيد عكس البحتري الذي كان أسهل مخرجا منهم‪ .‬وأبسط معاني‬
‫و ميله للوضوح و السالسة‪ .‬في قوله‪:‬‬

‫هل َعلى ُخَّل ٍة َوَو ُ‬


‫عر‬ ‫َس ٌ‬ ‫اء ِإذا َ‬
‫التَقينا‬ ‫َوما َسو ٌ‬
‫(‪)2‬‬

‫وهذا طباق ساذج و ليس في تعقيد وال تركيب هو أشبه ما يكون بتداعي المعاني‪ .‬فال خيال وال‬
‫(‪)3‬‬
‫عمق وال فكرة‪ ،‬وإنما وصل وهجر و دل و كبر‪ ...‬الخ‬

‫‪ - 1‬البحتري الديوان‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،1‬م‪ ،1‬ص‪.196‬‬

‫‪ -2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.196‬‬


‫‪ - 3‬شوقي ضيف‪ ،‬الفن و مذاهبه في الشعر العربي‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ ،6‬ص‪.194‬‬

‫‪34‬‬
‫الفصل األول‪ :‬الحياة األدبية للشاعر البحتري‬

‫وتقوم شاعريته على الموسيقى الداخلية التي تتمثل في جانبين‪:‬‬

‫أ‪ -‬اختيار الكلمات و ترتيبها‪ :‬فقد كان يتبع األلفاظ و ينقدها‪ ،‬وما يزال يتبعها و ينقدها حتى‬
‫يؤلف منها ألفاظا عذبة و جميلة‪ .‬كأنها نساء حسان عليهن غالئل مصغات وقد تخلين‬
‫بأصناف الحلي‪.‬‬

‫ب‪ -‬المشاكلة بين اللفظ و المعنى‪ :‬فكان متمي از في فن الصوت وان استمر يستمده من القيثارة‬
‫القديمة‪ .‬حتى يؤلف مها ألفاظا عذبة و جميلة‬

‫وكان يعرف في نفسه هذه الخاصة فيصبه الغرور على نحو ما مر بنا أنفا‪.‬‬

‫" وأيا كان األمر فالبحتري كان يعرف كيف يالءم بين ألفاظه وكيف يحكم قوافيه وقد أجاد في‬
‫استخدام فن الصوت و ما وقف عليه من أسرار في قصيدته السينية وفي قصائده األخرى‪ .‬إذ‬
‫شاكل فيها بين الصوت و المعنى ومن ذلك قوله في وصف الذئب‪:‬‬

‫البْرُد‬ ‫المْقُر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُيَق ْض ِق ُ‬


‫عد ُه َ‬
‫ور‪ْ ،‬أر َ‬ ‫َكَق ْضَق َضة َ‬ ‫الردى‪،‬‬
‫أسرتها ّ‬
‫ال‪ ،‬في ّ‬
‫ع ْص ً‬
‫ض ُ‬

‫إذ استخدم أصوات خشنة (الضاد و القاف) في إيقاع يناسب صريف ينوب الذئب ولكنه ال‬
‫(‪)1‬‬
‫يركز هذه المشاكلة في قصيدته كما ركزها في سينيته‪".‬‬

‫وهكذا كانت موسيقى البحتري من أروع ما في الشعر العربي من موسيقى حتى دعي قيمة‬
‫الشعراء إال أنه قد ينهل أحيانا عن مضمون عره الهتمامه الشديد الموسيقى ولهذا قال ابن‬
‫األثيم‪ :‬أراد بحتري أن يشعر فغنى‪.‬‬

‫‪ - 1‬يوسف أبو زيد‪ ،‬األدب العباسي الشعر‪ ،‬ص‪.214‬‬

‫‪35‬‬
‫الفصل األول‪ :‬الحياة األدبية للشاعر البحتري‬

‫وربما هذا ما عرف عن البحتري وهو عنايته بالتنميق اللفظي أي الصفة اللفظية و‬
‫الموسيقى الداخلية‪ .‬ربما هذا ما جعل منه المعروف أحيانا عن مضمون شعره و انحنائه للفظ و‬
‫الموسيقى الداخلة على غرار المضمون‪ .‬وكانت هذه خاصية الشعراء من قبله حيث كانوا‬
‫يعطون أهمية بالغة للفظ على حساب المعنى وكان البحتري يؤخذ عنهم الصفة و يسير وفق‬
‫عمود الشعر للشعراء حتى أنه صار يعنى باللفظ على حساب المعنى كباقي الشعراء من قبله‪.‬‬

‫‪ -8‬شعراء القرن الثالث ‪:‬‬

‫" يعد هذا القرن (الثالث) من أزهى القرون التي ازدهر فيها الشعر العربي فقد أنجب هذا‬
‫القرن كوكبة من أبرز الشعراء العصر العباسي أمثال أبي تمام والبحتري وابن الرومي وأبو‬
‫الطيب المتنبي‪ ،‬وبالرغم من الدراسات العديدة التي تناولت شعر هؤالء الشعراء فإن أشعارهم‬
‫مازالت بحاجة إلى قراءات أخرى‪ .‬كما تنوعت واختلفت مصادر الثقافة والمعرفة أمام الشعراء‪،‬‬
‫فقدم لهم علماء اللغة مادة وافرة ووجدوا أمامهم كثي ار من الدواوين لشعر العصر الذي سبقتهم‬
‫(‪)1‬‬
‫السيما ثقافة العصر مما كان األكبر في تطور الشعر وازدهاره‪ .‬ونستهل حديثنا بالشاعر"‬

‫‪ -1-8‬أبو تمام‪ :‬هو حبيب بن أوس الطائي‪ ،‬مولده ونشأته منبع تجربة منها يقال لها‬
‫جاسم‪ .‬كان كما يقول أبو الفرج شاع ار مطبوعا ولطيف الفطنة دقيق المعاني غواصا على ما‬
‫يستصعب منها و يعسر متناوله على غيره وله مذهبه في المطابق و هو كالسابق إليه جميع‬
‫الشع ارء و إن كانوا قد فتحوه قبله فان له الفضل في أشياء متوسطة ورديئة رذيلة جدا‪ .‬و في‬
‫عصرنا من يتعصب له فيفرط حتى يفضله على كل سالف و خالف‪ .‬و ارحوا يعتمدون الرديء‬
‫من شعره فينشرونه ويستعملون المكابرة في ذلك ليقول الجاهل بهم أنهم لم يبلغوا علم هذا و‬
‫(‪)2‬‬
‫تمييزه إال بأدب فاضل وعلم ثابت وهذا ما يتكسب به كثير من أهل هذا الدهر"‬

‫‪ - 1‬محمد عبد المعم خفاجي‪ ،‬الحياة األدبية في العر العباسي‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الوفاء لطباعة والنشر‪ ،‬ص‪.176‬‬
‫‪ - 2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.177-176‬‬

‫‪36‬‬
‫الفصل األول‪ :‬الحياة األدبية للشاعر البحتري‬

‫فهو و إن أحب الفاضل لم يبغض الناقص وان هوى بقاء المتقدم لم يهوى موت الشأن و‬
‫اعتذاره و هذا ما وصف به نفسه في منحه الواثق حيث يقول‪:‬‬

‫َ‬
‫ِس ِ‬
‫مطان فيها الُلؤُل ُؤ المكنو ُن‬ ‫سان ِق َ‬
‫الد ٌة‬ ‫تك ِمن َنظ ِم اللِ ِ‬
‫جاء َ‬
‫َ‬
‫لسين‬
‫الت ُ‬‫خصير َو َ‬
‫ُ‬ ‫الت‬
‫َجادها َ‬
‫َوأ َ‬ ‫ضرِمَّي ِة أُرِه َفت‬
‫الح َ‬
‫ذاء َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُحذَيت ح َ‬
‫كات أ ِ‬
‫َهل األ ِ‬
‫َرض َوهي َسكو ُن‬ ‫َحَر ُ‬ ‫نسَّي ٌة و ِ‬
‫حشَّي ٌة َكثَُرت ِبها‬ ‫ِإ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سجها موضو ُن‬ ‫حلي ِ‬ ‫ينبوعها َخ ِضل وحلي َق ِ‬
‫الهد ِّي َوَن ُ َ‬
‫َ ُ َ‬ ‫ريضها‬
‫ٌ ََ ُ‬ ‫َ ُ‬

‫ُن َّصت َوَل ِك َّن َ‬


‫القوافي عو ُن‬ ‫َبكار إِذ‬
‫هي أ ٌ‬ ‫أَ ّما َ‬
‫المعاني ف‬
‫(‪)1‬‬
‫َ َ‬
‫الشاعر في هذه األبيات الشعرية يمدح ألشعاره و يصف أاله بقالدة من اللؤلؤ المكنون في‬
‫قوله‪:‬‬

‫َ‬
‫ِس ِ‬
‫مطان فيها الُلؤُل ُؤ المكنو ُن‬ ‫سان ِق َ‬
‫الد ٌة‬ ‫تك ِمن َنظ ِم اللِ ِ‬
‫جاء َ‬
‫َ‬
‫فهو في هذه األبيات من الشعر يصف شعره بأنه أعر من شعر الشعراء في لفظه و معناه‪.‬‬

‫‪ -‬مذهبه الشعري‪ :‬يتفق القدماء والمحدثون على أن أبا تمام كان صاحب مذهب شعري عرف‬
‫به وقد أشار إلى ذلك أبو بكر الصولي فقال عنه هو رأس في شعر مبتدئ لمذهب سلكه كل‬
‫محسن بعده فلم يبلغه فيه‪ ،‬حتى قيل مذهب الطائي وكل حاذق بعده ينسب اليه ويقتفي أثره‪،‬‬
‫ويفهم مما رواه اآلمدي أن مذهب أبا تمام يقوم على غموض المعاني ودقتها‪ ،‬وكثرة ما يورد مما‬
‫يحتاج استنباط وشرح استخراج‪ ،‬ويتفق المحدثون على طريقة مذهبه الشعري فيراه د‪.‬شوقي‬
‫ضيف أهم شاعر يمثل مذهب التصنيع في القرن الثالث الهجري‪ ،‬فقد انتهج المذهب عنده إلى‬
‫الغاية التي يرنو اليها شعراء العصر العباسي من الزخرف والتنميق‪ ،‬وقد شرح أبو تمام مذهبه‬
‫(‪)2‬‬
‫الشعري وأبان عن طريقته التي سلكها في مواطن كثيرة‪.‬‬

‫‪ - 1‬محمد عبد المعم خفاجي‪ ،‬الحياة األدبية في العر العباسي‪ ،‬ص‪.138‬‬


‫‪ - 2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.139-138‬‬
‫‪37‬‬
‫الفصل األول‪ :‬الحياة األدبية للشاعر البحتري‬

‫فأبي تمام مثله مثل بقية شعراء العصر العباسي في التنميق و الصفة اللفظية ربما هذا ما‬
‫ميز شعرهم في تلك الفترة فقد عني الفترة باللفظ عناية كبيرة و األسلوب على وجه العموم‪.‬‬
‫وبذلك يراه شوقي ضيف أهم شاعر يمثل مذهب التصنع في القرن ‪ 3‬للهجري‪.‬‬

‫وجعل أبو تمام من الحياة مدرة و كذا من كتب األقدمين مدرسة أولى وكانت محفوظا ته‬
‫من الشعر القديم وافية فكان الحسن بن رجاء يقول‪ » :‬ما رأيت أحدا قط اعلم بجيد الشعر قديمه‬
‫(‪)1‬‬
‫و حديثه من أبي تمام «‬

‫وبهذا يصفه أعالم زمانه بأنه أشعر الشعراء و أشعر أهل زمانه إلى جانب البحتري‪ .‬و‬
‫وضعوا كل من سار على نهجه و سلك مذهبه محسن الشعر و حاذق و هو أهم شاعر يمثل‬
‫مذهب التصنع في القرن الثالث هجري في الزخرف اللفظي و التنمق اللفظي‪ .‬وقد شرح مذهبه‬
‫الشعري و أبان عن طريقته التي يسلكها في مواطن كثيرة من شعره و يصف قصائده بأنها "‬
‫ابنة الفكر" المهذب و ذلك في قوله‪:‬‬

‫ِ‬ ‫الليل أسود رْق ِ‬


‫َّ‬ ‫الم َه َّذ ِب في ُّ‬ ‫ِ‬
‫الجلباب‬ ‫عة‬ ‫ُُ‬ ‫و ُ‬ ‫الد َجى‬ ‫ُخ ْذ َها ْابَنةَ الف ْك ِر ُ‬
‫َسالَ ِب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫في السْلمِ و ِه َي َكث َيرةُ األ ْ‬ ‫الحياة وتنثني‬ ‫ِبك ًرا ُت ِّ‬
‫ور ُث في‬
‫(‪)2‬‬ ‫ِ‬
‫شباب‬ ‫األيامِ ُح ْس َن‬
‫وتقاد ُم َّ‬
‫ُ‬ ‫اللَيالِي َّ‬
‫جد ًة‬ ‫يد َها مُّر َّ‬
‫يز ُ َ‬ ‫َو ِ‬

‫فهو في هذه األبيات يمدح و يفتخر بأشعاره و قصائده عموما و يصف مذهبه و أسلوبه " بابنة‬
‫الفكر المهذب " أي أن ألفاظه ومعانيه و حتى أسلوبه تنبع من فكر راقي و أسلوب رفيع‬
‫مهذب جيد و لهذا يصفه الشع ارء بأن مذهبه أهم مذهب في التصنع في القرن الثالث الهجري‪.‬‬

‫‪ - 1‬أبو بكر الصولي‪ ،‬أخبار أبي تمام‪ ،‬منشورات دار اآلفاق الجديدة‪ ،‬ط‪1980 ،3‬م‪ ،‬ص‪.271-270‬‬
‫‪ - 2‬أبو بكر الصولي‪ ،‬أخبار أبي تمام ‪ ،‬ص‪.271-270‬‬
‫‪38‬‬
‫الفصل األول‪ :‬الحياة األدبية للشاعر البحتري‬

‫‪ -‬مختارات من شعره‪ :‬قوله في مدح محمد بن عبد الملك الريان‪:‬‬

‫ى‬ ‫ست ٌ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫كروب‬
‫الم ُ‬‫غيث بها ال َثر َ‬ ‫ُم َ‬ ‫كوب‬ ‫ديم ٌة َس َ‬
‫مح ُة القياد َس ُ‬ ‫َ‬
‫ديب‬
‫الج ُ‬
‫كان َ‬
‫الم ُ‬
‫حوها َ‬
‫َل َسعى َن َ‬ ‫قع ٌة ِِإلعظامِ ُنعمى‬
‫َلو َس َعت ُب َ‬
‫لوب‬ ‫َّ‬
‫الق ُ‬
‫قامت َفعاَنَقتها ُ‬
‫طيع َ‬
‫ُ‬ ‫طاب َفَلو َتس‬
‫ؤبوبها َو َ‬
‫َلذ ُش ُ‬
‫َفهي ماء يجري وماء ي ِ‬
‫ال َتهمي َوأُخرى َت ُ‬
‫ذوب‬ ‫َو َعز ٍ‬ ‫ليه‬ ‫َ ٌَ‬ ‫َ ٌ َ‬
‫ريب‬
‫الم ُ‬ ‫حل ِمنها َكما ِا َ‬
‫ست َسَّر ُ‬ ‫ال َم ُ‬ ‫أس ُه َواِ َ‬
‫ست َسَّر‬ ‫وض َر َ‬
‫الر ُ‬
‫ف َ‬‫َك َش َ‬
‫(‪)1‬‬

‫وهذه األبيات الشعرية يمدح فيها الشاعر عبد الملك الريان و الديمة هنا يقصد بها هطول‬
‫األمطار والخصب‪ ،‬و الديمة تروي النور و قد تلت الديمة مكانة مرموقة في الشعر العربي‬
‫القديم وهو بذلك يشبه الملك الريان بهذه الديمة في الخصب و النماء‪ .‬ويجعل لها مكانة مرموقة‬
‫في العصر العباسي أنذاك‪ .‬و بها فهو يمدحه و يجعل منه رم از للخصب و النماء‪...‬الخ‬

‫‪ -2-8‬ابن الرومي‪:‬‬

‫‪ -‬حياته‪ :‬ابن رومي شاعر مجيد وعلم من أعالم القريض في القرن الثالث هجري‪ ،‬ويعد‬
‫في الطبقة الثالثة من شعراء المحدثين‪ ،‬وهي الطبقة التي كانت من أبطالها أبو تمام و البحتري‬
‫وابن المعتز وورثت مجد الشعر بعد طبعة أبي نواس وكان لها منهجها األدبي الخاص‪ ...‬الذي‬
‫يقوم على العناية بالصفة الشعرية وعلى توليد المعاني وعمق الخيال وولد أبو الحسن علي بن‬
‫العباس بن جريح الرومي عام ‪ 251‬من أبوين مختلفين األرومة فأمه تنحدر من عفر فارسي و‬
‫أبوه ينحدر من عفر رومي‪ ،‬كان يحتفظ بشاعريته ويعتز بها طوال حياته وكان مولى لحفيد من‬
‫(‪)2‬‬
‫أحفاده الخليفة المنصور‪.‬‬

‫‪ - 1‬فوزي عيسى‪ ،‬في الشعر العباسي‪ ،‬ص‪.30-24‬‬


‫‪ - 2‬محمد عبد المنعم خفاجي‪ ،‬الحياة األدبية في العصر العباسي‪ ،‬ط‪ ،1‬االسكندرية‪ ،‬دار الوفاء للطباعة و النشر‪ ،‬ص‪.122‬‬

‫‪39‬‬
‫الفصل األول‪ :‬الحياة األدبية للشاعر البحتري‬

‫و أخذ يتزود بقسط من ثقافة عصره فلم يلبث إلى أن أحاط بكل ما يمكن أن يحتاط به‬
‫من علوم و آداب و نبع في الشعر و نظم الفريض‪ .‬وطارت شهرته في سماء بغداد ولكن هذه‬
‫الشهرة لم تدفعه للغنى كان فقي ار يريد أن يعيش وجائعا يريد أن يأكل و ظمآن يريد أن يروى‬
‫وقصد شعره رحاالت الدولة في عصره مادحا فحرموه من العطاء فعاش بذلك ساخطا على‬
‫الحياة و األحياء‪.‬‬

‫(‪)1‬‬ ‫ظمئى بال رٍّي وال ِ‬


‫بلل‬ ‫عودي َ‬ ‫مغصوب وفي زمني‬
‫ٌ‬ ‫في دولتي أنا‬
‫َ‬

‫و هذا البيت يدل على عدم استق ارره في حياته و عدم حصوله على الهدوء حيث كان يعيش‬
‫حياة الفقر و السخط و المذلة بالرغم من علو شأنه في الشعر و المدح وشتى العلوم و اآلداب‬
‫في تلك الفترة العباسية و نجد بذلك منحى أبي تمام و المتنبي و البحتري و غيرهم من شعراء‬
‫القرن الثالث‪.‬‬

‫وظل بذلك ابن الرومي ينهل من معين الثقافة العذب شابا و رجال و كهال تساعده على ذلك‬
‫ذاكرته القوية و ذهن راقي و عبقرية نادرة‪ ،‬وأخذت شهرة ابن الرومي ذاكرة قوله تطغى على‬
‫جوانب شخصية األخرى و أصبح بذلك الشاعر المجيد و العبقري آنذاك في عصره‪.‬‬

‫‪ -‬شاعريته و خصائصها‪ :‬كان للشعر الرومي و أثر الوراثة و لحياة الشاعر و بؤسه و بيئته‬
‫و لمشاعره المرهفة ووجدانه رقيق كان لذلك كله أثره البعيد في شاعريته و فنه األدبي الذي كان‬
‫يصور ألوان هذه الحياة اجتمعت له خفة المالحظة و اإلحساس وعمق الشعور بالتناقضات في‬
‫نفسه و في زمنه وبذلك وائت في نفسه روح السخرية و أشاعت في فنه هذا للون اليد من ألوان‬
‫الشعر و الشعور وهو فن الهجاء الذي امتاز بها الشاعر و أجاده حتى أنه كان يهجوا من لم‬
‫يؤذه‪ ،‬كما يقول معنيا من قصيدة طويلة‪:‬‬

‫‪ - 1‬محمد عبد المنعم خفاجي‪ ،‬الحياة األدبية في العصر العباسي ‪ ،‬ص‪.122‬‬

‫‪40‬‬
‫الفصل األول‪ :‬الحياة األدبية للشاعر البحتري‬

‫فإنها نعم ٌة من النعمِ‬ ‫عدم ُت ُفرَق َت ُه‬


‫سمع ال ْ‬
‫وم ٍ‬‫ُ‬
‫السدمِ‬
‫رس الهموم و َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وع ُ‬
‫َق ْصف ُ‬ ‫اللذاذات وال‬ ‫مأتم‬
‫مجلسه ُ‬
‫أشرب كأسي ممزوج ًة بدمي‬ ‫كأنني طول ما أ ِ‬
‫ُشاه ُد ُه‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫(‪)1‬‬
‫تنادموا كأسهم على ندمِ‬ ‫دعوُه آون ًة‬
‫إذا الندامى ْ‬

‫و في هذه األبيات دعوة صريحة للشاعر لحياة البؤس التي عاشها و هذه لكثير من األحبة و‬
‫األصحاب األثر الواضح في إجابته لفن الرثاء ومن أجود قصائده في الرثاء كانت في رثاء و‬
‫مطلعها‪:‬‬

‫ظيرك ُما عندي‬


‫فجودا فقد ْأوَدى َن ُ‬
‫ُ‬ ‫يشفي وإن كان ال ُي ْجدي‬
‫بكاؤكما ْ‬
‫ُ‬
‫القلوب على َع ْم ِد‬
‫الق ْو ِم َحَّبات ُ‬
‫من َ‬ ‫ورْمَيها‬
‫َّللا المنايا َ‬
‫قاتل َّ ُ‬
‫أال َ‬
‫العْق ِد‬
‫ط َة ِ‬
‫اختار َواس َ‬
‫كيف ْ‬
‫هللف َ‬ ‫صبَيتي‬
‫ط ْ‬
‫ِ‬
‫الموت ْأو َس َ‬ ‫ام‬ ‫َّ ِ‬
‫َت َوخى ح َم ُ‬
‫الر ِ‬
‫شد‬ ‫وآَن ْس ُت من أ ْفعاله آي َة ُّ‬ ‫الخيَر من َل َم َح ِات ِه‬
‫شم ُت ْ‬
‫حين ْ‬
‫على َ‬
‫بعيدًا على ُقْرب قريب ًا على ُب ْع ِد‬ ‫فأضحى َم َزُارُه‬
‫َ‬ ‫الرَدى عِّني‬
‫اه َّ‬
‫ط َو ُ‬
‫َ‬

‫وع ِد‬
‫اآلمال ما كان من ْ‬
‫ُ‬ ‫أخَل َف ِت‬
‫وْ‬ ‫وعيدها‬
‫لقد أْن َج َز ْت فيه المنايا َ‬
‫الل ْح ِد‬
‫ض َّم في َّ‬
‫المهد إذ ُ‬
‫عه َد ْ‬
‫س ْ‬‫فلم يْن َ‬
‫المهد و َّ‬
‫الل ْحد ُلْبثُ ُه‬ ‫قل بين ْ‬
‫َلقد َّ‬

‫الجادي عن ُح ْمَرِة َ‬
‫الوْرِد‬ ‫ص ْفَرة‬
‫إلى ُ‬ ‫ف َّ‬
‫حتى أحاَله‬ ‫أَل َّح عليه َّ‬
‫الن ْز ُ‬
‫(‪)2‬‬
‫ِّ‬

‫و الشاعر في هذه األبيات يرثي فيها موت ابنه محمد و يصف الوجع الي عاشه في تلك األيام‬
‫فهي أسوء أيام حياته حيث فقد ابنه وكان في مقتبل العمر ‪.‬‬

‫‪ - 1‬البحتري الديوان‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،1‬م‪ ،1‬ص‪.170‬‬


‫‪ - 2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.170‬‬

‫‪41‬‬
‫الفصل األول‪ :‬الحياة األدبية للشاعر البحتري‬

‫وكذا نجد حيمته في رثاء يحيى العلوي الذي قتل عام ‪ 255‬و جيمته في رثاء البقرة حيث‬
‫العربي‪.‬‬ ‫ضربها الزنج عام ‪ 257‬وهذا ما جعله من أعظم الوصافين في الشعر‬

‫ويقول في وصفه لوحيد المغنية ‪:‬‬


‫َف ُفؤادي بها ُم َعَّن ًى َع ِم ُ‬
‫يد‬ ‫يا َخ ِليَل َّي َتَّي َم ْتني َو ُ‬
‫حيد‬

‫يد‬ ‫الظبي مقلتان ِ‬


‫وج ُ‬ ‫ومن َّ‬ ‫غاد ٌة زانها من ال ُغ ْصن َقٌّد‬
‫ُ‬
‫ريد‬
‫الت ْو ُ‬ ‫دي ِن ذاك َّ‬
‫السو ُاد و َّ‬ ‫ْ‬ ‫وزهاها من َفْرِعها ومن الخد‬

‫يد‬ ‫خد ما َشاَنه ْ ِ‬


‫فوق ٍّ‬
‫تخد ُ‬ ‫ُ‬ ‫وحيد‬
‫ناره من ٍ‬
‫الحس ُن َ‬
‫ْ‬ ‫أوقد‬

‫جهيد‬ ‫وهي للعاشقين ُج ْهٌد‬ ‫وسالم‬ ‫َفهي برٌد ِّ‬


‫بخدها‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫َْ ْ‬
‫حديد‬
‫وه َي ُ‬
‫القلوب ْ‬ ‫ذيب‬ ‫لم َت ِضْر َق ُّ‬
‫وت ُ‬ ‫ماء‬
‫وهو ٌ‬
‫ط وجهها ْ‬
‫(‪)1‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬

‫والشاعر في هذه األبيات يضف ويمدح محبوبة وحيد و يصفها في أبهى صورها و مدى‬
‫تعلق الشاعر بها‪ .‬وهذه القصيدة هي في الوصف كما في المدح والغزل‪.‬‬
‫و يمتاز ابن الرومي بتفضيله للمعنى على حساب اللفظ كم كان المتنبي‪ ،‬فهو يطلب‬
‫صحة المعنى و ال يبالي حديث وقع في هجوته اللفظ و خشونته‪ ،‬كما يقول ابن رشيق‬
‫القيرواني " كان بديع المعاني بعيدها كثير االختراع و التوليد فيها و االستفضاء لها ال يترك‬
‫فيها بقية لغيره و القدرة التامة في تشقيق المعاني و تفضيلها هي أخص خصائص شاعرية ابن‬
‫(‪)2‬‬
‫الرومي "‬
‫ي قول ابن رشيق فيه ‪ " :‬إنه أكثر الشعراء اختراعا للمعاني أما أسلوبه جمع بين الحديث و‬
‫الرديء و روح الصفة ظاهرة فيه و إن كانت في شعره أقل منها في شعر ابن المعتز ولم يكن‬
‫الرومي يعنى بتهذيب المعاني في شعره ولو أسقط رديئة لكان في ذلك أجود الشعراء "‬

‫‪ - 1‬ابن رشيق القيرواني‪ ،‬العمدة في محاسن الشعر وآدابه و نقده‪ ،‬ط‪ ،4‬دار الجبل‪ ،‬لبنان‪ ،‬ص‪.38‬‬
‫‪ - 2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.39-38‬‬

‫‪42‬‬
‫الفصل األول‪ :‬الحياة األدبية للشاعر البحتري‬

‫" وابن الرومي من الشعراء اللذين كثرت عنايتهم بالمعنى على حساب األلفاظ أمثال‬
‫المتنبي‪ .‬فقلما تنهض ألفاظهم بأداء معانيهم وكان بذلك ال يعنى عناية كبيرة بانتقاء األلفاظ‬
‫بقدر عنايته بانسجام المعنى وكان يطل في أسلوبه في تناوله معنى وجل قصائده نجدها تمتاز‬
‫باالنسجام و الوحدة في تأليفها و كذا من شعراء الضفة اللفظية و التنميق اللفظي الى جانب‬
‫(‪)1‬‬
‫أبي تمام وابن المعتز و غيرهم وقد اتصف هو اآلخر ببراعة التصوير الفني "‬

‫ويقول في أحد قصائده رأيه في شعره قائال ‪:‬‬

‫الشجر‬ ‫أما ترى كيف ُرِّكب‬ ‫قوال لمن عاب شعر ِ‬


‫مادحه‬
‫ُ‬
‫يابس والشوك بينه الثمر‬ ‫ُرِّكب فيه اللحاء والخشب ال‬

‫رب األرباب ال البشر‬


‫يخلق ُّ‬ ‫وكان أولى بأن يه ّذب م‬
‫(‪)2‬‬
‫قصر في الشعر إنه بشر‬ ‫فليع ُذر الناس من أساء ومن‬

‫وما نالحظه في شعره هو طول النفس وكذا بديع المعاني و كثرة التحليل و التوليد و‬
‫االختراع فيها ‪ ،‬التنسيق و االستقصاء جزل األسلوب و متبني األداء‪ ،‬ويعتبر شعره صورة‬
‫لثقافته الواسعة المتعددة األلوان‪ ،‬وكذلك نلمح في هذه األبيات من الشعر صورة صادقة تعكس‬
‫لنا نفسية و شخصية ابن الرومي ألنه لم يكن يهذب و يجود في أشعاره كبقية الشعراء وبهذا‬
‫شعره صادق ونابع من تجربته الشخصية وحياة الشاعر ‪.‬‬

‫فقراءة هذه األبيات من الشعر تعكس بالضرورة حياة ابن الرومي ونفسيته ‪.‬‬

‫‪ - 1‬محمد عبد المنعم خفاجي‪ ،‬الحياة األدبية في العصر العباسي‪ ،‬ص‪.235‬‬


‫‪ - 2‬البحتري الديوان‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،1‬م‪ ،1‬ص‪.197‬‬

‫‪43‬‬
‫الفصل األول‪ :‬الحياة األدبية للشاعر البحتري‬

‫‪ -3-8‬أبو الطيب المتنبي ‪:‬‬

‫"هو أبو طيب أحمد بن الحسين بن عبد الحمد الكندي الجعفي الكوفي المعروف بالمتنبي‪،‬‬
‫ولد أبو الطيب سنة (‪353‬ه‪ 915-‬م) بالكوفة في محلة تسمى كندة فنسب إليها و ليس هو من‬
‫قبيلة كندة المشهورة بل هو حفصي القبيلة وقيل له المتنبي ألنه ادعى النبوة في بادية السمادة و‬
‫تبعه خلق كثير من بني كلب و غيرهم‪ ،‬فخرج عليه لؤلؤ أمير حمص نائب األمراء األخشدية‬
‫فأسروه وفرق أصحابه و حبسه‪ ،‬وعاش أبو الطيب في ضيق عيش إلى أن لحق باألمير سيف‬
‫الدولة ابن حمدان صاحب حلب سنة ‪948‬م ثم صار يمتدحه و يسير في صحبته وله في‬
‫مدحه القصائد العديدة‪ .‬وكان لسيف الدولة مجلس يحضره العلماء فيتكلمون بحضرته فوقع مرة‬
‫بين أبي الطيب و ابن خلوية النحوي كالم فوثب ابن خلوية على المتنبي فضرب وجهه بمفتاح‬
‫كان معه فخرج دمه يسيل على ثيابه و لم ينتصر سيف الدولة ألبي الطيب فغضب و فارقه‬
‫(‪)1‬‬
‫ودخل مصر "‬

‫‪ -‬شعره‪" :‬صاغ أبو الطيب المتنبي شعره صياغة فنية تتجلى فيها روح القوة و الحياة‬
‫وقوة التعبير و سمة من سمات المتنبي نجدها في ألفاظه و أساليبه‪ ،‬كما نجدها في معانيه وقد‬
‫أفاضت روح القوة في نفس الشاعر على شعره وفنه هذه السمة البارزة على أشعاره وكان يختار‬
‫من الصيغ اللفظية و المعنوية ما يوائم شعوره ويعبر عن عاطفته‪ .‬وكان بذلك ينهج منهج‬
‫الفرزدق و أبي تمام في تخيرهم لأللفاظ و التراكيب التي تتماشى و عاطفتهم أي الحالة‬
‫الشعورية وبذلك ذهب نقاد عصر المتنبي يؤاخذونه على ما أسرف فيه من استكراه لفظ وتعقيد‬
‫معنى و خروجه عن قواعد اللغة أو عن الوزن الشعري المتعارف عليه و استعماله المفرط و‬
‫(‪)2‬‬
‫إغراقه في المعاني و خروجه عن عمود الشعر أي النهج العربي المتعارف عليه‪" .‬‬

‫‪ - 1‬محمد عبد المنعم خفاجي‪ ،‬الحياة األدبية في العصر العباسي‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الوفاء للطباعة و النشر‪ ،‬االسكندرية‪ ،‬دط‪ ،‬دت‪،‬‬
‫ص‪.235‬‬
‫‪ - 2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.237-235‬‬

‫‪44‬‬
‫الفصل األول‪ :‬الحياة األدبية للشاعر البحتري‬

‫"ربما هذا ما جعل النقاد و الشعراء آنذاك في عصره يأخذونه و ينتقدون أشعاره و السبب‬
‫الرئيسي في ذلك هو خروجه عن عمود الشعر و الوزن العربي المتعارف عليه فكان يبدع من‬
‫اللفظ و المعنى ما يتماشى مع عاطفته و شعوره‪ ،‬وبذلك ال يتقيد بعمود الشعر عكس أبي تمام‬
‫وابن الرومي وغيرهم‪ .‬وذلك كان يتلقى العتاب و النقد من الشعراء الذين أتوا قبله وحتى بعده‬
‫فقرر بذلك أن يسير وفق منهج خاص به يصفه بذاته وهذا ما أخذه عليه الثعالبي في اليتيمة‬
‫فقد الحظ شدة التفاوت في شعره وأنه يجمع بين البديع النادر و الضعيف الساقط و تعسفه في‬
‫اللغة و التراكيب غير أن هذه الحرية للمتنبي كشفت لنا عن نفسية الشاعر و آراءه آماله و‬
‫(‪)1‬‬
‫أسلوبه وبذلك لم تستطع قيود البيان وكذا الشعر أن يحد من نازعته و تقييد حريته "‬

‫و المتنبي كغيره من بقية الشعراء اآلخرين في العصر العباسي الذين لم يخلوا جل‬
‫قصائدهم من استخدامهم لألغراض الشعرية المتعارف عليها في تلك الفترة من رثاء و هجاء و‬
‫مدح و فخر و غزل إال أنه استطاع بعد قربته الشعرية أن يجعل من هذه األعراض التقليدية‬
‫إطار و نسيج جديد في روحه و لهجته لخروجه عن عمود الشعر و النهج العربي القديم ‪.‬‬

‫قال وهو يعاتب سيف الدولة ‪:‬‬

‫َو َمن ِب ِجسمي َوحالي ِع َ‬


‫ند ُه َسَق ُم‬ ‫لباه ِم َّمن َق ُلب ُه َش ِب ُم‬
‫احَّر َق ُ‬
‫وَ‬
‫ُم ُم‬ ‫ِ‬ ‫وَتَّدعي ح َّب س ِ‬ ‫ُحّب ًا َقد َبرى َج َسد‬ ‫ُكِّت ُم‬
‫الدوَلة األ َ‬
‫يف َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫مالي أ َ‬
‫قت ِس ُم‬
‫الح ِّب َن َ‬
‫در ُ‬ ‫يت أَّنا ِبَق ِ‬
‫َفَل َ‬ ‫جم ُعنا ُح ٌّب لِ ُغَّرِت ِه‬ ‫ِإن َ‬
‫كان َي َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫يوف َد ُم‬
‫الس ُ‬ ‫رت ِإَليه َو ُ‬‫ظ ُ‬‫َوَقد َن َ‬ ‫غم َد ٌة‬
‫يوف الهند ُم َ‬
‫رت ُه َو ُس ُ‬
‫َقد ُز ُ‬
‫كان أَحس َن مافي األَحس ِن ِ‬ ‫لق ِ‬
‫َّللا ُكّلِ ِهمِ‬
‫الشَي ُم‬ ‫َو َ َ‬ ‫َحس َن َخ ِ َ‬
‫كان أ َ‬
‫َف َ‬
‫(‪)2‬‬
‫َ‬

‫‪ - 1‬يوسف أبو زيد‪ ،‬األدب العباسي الشعر‪ ،‬ص‪.208‬‬


‫‪ - 2‬البحتري الديوان‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،1‬م‪ ،1‬ص‪.230‬‬

‫‪45‬‬
‫الفصل األول‪ :‬الحياة األدبية للشاعر البحتري‬

‫و الشاعر في هذه األبيات يلقي اللوم و يعاتب سيف الدولة حيث أسره و أسر العديد من‬
‫أصحابه وشكل مصد ار للظلم و التعسف في تلك الفترة فنظم المتنبي هذا الشعر و هو يعاتبه‬
‫من خالله و يذكره بالظلم الذي حل بهم في فترة حكمه‪ ،‬وذلك في قوله ‪:‬‬

‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫يوف َد ُم‬ ‫رت إَِليه َو ُ‬
‫الس ُ‬ ‫ظ ُ‬‫َوَقد َن َ‬ ‫غم َد ٌة‬
‫يوف الهند ُم َ‬
‫رت ُه َو ُس ُ‬
‫َقد ُز ُ‬

‫وقال كذلك وهو يهجو كافو ار اإلخشيدي ‪:‬‬

‫الجَل ُم‬
‫كافور َو َ‬
‫ُ‬ ‫َين الم ِ‬
‫حاج ُم يا‬ ‫أ َ َ‬ ‫الكَرُم‬
‫حو َك َ‬ ‫ِمن أََّي ِة ال ُ‬
‫طر ِق َيأتي َن َ‬
‫لب َفوَق ُه ُم‬
‫الك َ‬ ‫َف ُعِّرفوا ِب َك أ َّ‬
‫َن َ‬ ‫درُهم‬
‫اك َق َ‬
‫جاز األُلى َمَل َكت َكّف َ‬
‫َ‬
‫يست َلها َر ِح ُم‬
‫َم ٌة َل َ‬
‫قود ُه أ َ‬
‫َت ُ‬ ‫َقب ُح ِمن َف ٍ‬
‫حل َل ُه َذ َكر‬ ‫يء أ َ‬
‫ال َش َ‬
‫الق َزُم‬
‫َعب ُد َ‬ ‫ِ‬ ‫ُناس ِمن ُن ِ‬
‫فوس ِهمِ‬ ‫سادات ُك ِّل أ ٍ‬
‫مين األ ُ‬
‫المسل َ‬
‫ساد ُة ُ‬
‫َو َ‬ ‫ُ‬
‫ُم ُم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الدين أَن ُتحفوا َشو ِارَب ُكم‬
‫ُم ًة َضح َكت من َجهلها األ َ‬
‫يا أ َّ‬ ‫َغاي ُة‬
‫أ َ‬
‫الت َه ُم‬ ‫ِ‬
‫الناس َو ُ‬ ‫كوك‬ ‫أَال َفتى ِ ِ ِ‬
‫زول ُش ُ‬
‫َكيما َت ُ‬ ‫هام َته‬
‫يورُد الهند َّي َ‬
‫(‪)1‬‬
‫ً‬
‫والشاعر في هذه األبيات يهجوا كافو ار و يلقبه بالكاذب و يلقبه بالعبد و القزيم وهو يقصد بها‬
‫رذائل الناس و سفلتهم في قوله ‪:‬‬

‫الق َزُم‬
‫َعب ُد َ‬ ‫ِ‬ ‫ُناس ِمن ُن ِ‬
‫فوس ِهمِ‬ ‫سادات ُك ِّل أ ٍ‬
‫مين األ ُ‬
‫المسل َ‬
‫ساد ُة ُ‬
‫َو َ‬ ‫ُ‬

‫حين يقر بأن حكام المسلمين رذيلة وال يستحقون الحكم في ظلمهم و تعسفهم و افترائهم على‬
‫األبرياء ‪.‬‬

‫‪ - 1‬المتنبي أبو الطيب‪ ،‬ديوانه‪ ،‬شرح‪ :‬عبد الرحمان البرفوفي‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬ط‪1980 ،4‬م‪ ،‬ص‪.94‬‬

‫‪46‬‬
‫الفصل األول‪ :‬الحياة األدبية للشاعر البحتري‬

‫أما شعره الذي تضمن المدح نجد قصيدته في مدحه لسيف الدولة و مطلعها ‪:‬‬

‫الم ِ‬
‫كارُم‬ ‫وَتأتي على َق ِ ِ‬
‫در الكرامِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫العز ِائم‬
‫العزِم َتأتي َ‬ ‫در أ ِ‬
‫َهل َ‬ ‫َعلى َق ِ‬

‫ين العظي ِم الع ِ‬ ‫ين الص ِ ِ‬


‫ظائ ُم‬ ‫َ‬ ‫َوَتص ُغُر في َع ِ َ‬ ‫غاره‬
‫غير ص ُ‬ ‫َوَتعظُ ُم في َع ِ َ‬
‫ِ‬
‫يوش ال َخ ِ‬
‫ضارُم‬ ‫الج ُ‬
‫نه ُ‬‫َوَقد َع َج َزت َع ُ‬ ‫يش َه َّم ُه‬
‫الج َ‬
‫الدوَلة َ‬
‫يف َ‬
‫ف َس ُ‬ ‫ُي َكّلِ ُ‬
‫الضر ِ‬ ‫وَذلِك ماال َتَّد ِ‬ ‫فس ِه‬
‫اغ ُم‬ ‫عيه َ‬ ‫َ َ‬ ‫الناس ما ِع َ‬
‫ند َن ِ‬ ‫ِ‬ ‫َوَيطلِ ُب ِع َ‬
‫ند‬
‫(‪)1‬‬ ‫ُنسور المال أَحدا ُثها و الَق ِ‬
‫شاع ُم‬ ‫الح ُه‬ ‫ِ‬ ‫طِ‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ير ُعم ًار س ُ‬ ‫ُي َفّدي أ ََت ُّم ال َ‬

‫و نالحظ في هذه األبيات مدح المتنبي لسيف الدولة بأنبل الخصال و يصفه بالكرم و‬
‫العدل و الصفاء عكس بقية الحكام و أنه فعل ما لم يستطيع بقية الحكام و أنه فعل ما لم‬
‫يستطيع بقية الحكام اآلخرون فعله‪ .‬وتصدى للعدو كما لم يتصدى الحكام من قبله‪ .‬ودافع بأشد‬
‫أنواع الدفاع عن رعيته والشاعر هنا يمدحه بذكر أهم خصاله حيث وصفه بالعزم و الكرم و‬
‫العظمة و القوام وغيرها من الصفات الحميدة وهي صفات ال يصف بها أي كان ووصف بها‬
‫سيف الدولة إلعجابه به وبحكمه وتسييره ‪.‬‬

‫أما عن الرثاء فنجد هذه األبيات التي رثى فيها جدته بعد موتها قائال ‪:‬‬

‫طشها َجهالً َوال َكُّفها ِحلما‬


‫َفما َب ُ‬ ‫أَال ال أَرى األ َ‬
‫َحداث َحمدًا َوال َذ ّما‬

‫عود َكما أُبدي َوُيكري َكما أَرمى‬


‫َي ُ‬ ‫كان ال َفتى م ِ‬
‫رج ُع ال َفتى‬ ‫ِإلى ِم ِ‬
‫ثل ما َ‬
‫َ‬
‫لح ِقها َوصما‬
‫ير م ِ‬ ‫ِ ق‬ ‫فجوع ٍة ِب َحبي ِبها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َقتيَلة َشو ٍ َغ ِ ُ‬ ‫َّللا من َم َ‬
‫َلك َ ُ‬
‫ض ّما‬‫اب َوما َ‬ ‫َوأَهوى لِ َمثواها ُ‬
‫التر َ‬ ‫أس َّالتي َش ِرَبت ِبها‬
‫الك ِ‬ ‫أِ‬
‫َح ُّن ِإلى َ‬
‫(‪)2‬‬
‫صاح ِب ِه ِقدما‬
‫ِ‬ ‫كل‬ ‫ِ‬
‫ذاق كالنا ثُ َ‬
‫َو َ‬
‫يت عَليها خي َف ًة في ح ِ‬
‫ياتها‬ ‫َ‬ ‫َب َك ُ َ‬

‫‪ - 1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.94‬‬


‫‪ - 2‬المتنبي أبو الطيب‪ ،‬ديوانه‪ ،‬ص‪.94‬‬

‫‪47‬‬
‫الفصل األول‪ :‬الحياة األدبية للشاعر البحتري‬

‫الشاعر في هذه األبيات يرثي جدته أم أمه و يحن إليها شوقا لعدم رؤيته لها في أيامها‬
‫األخيرة ويتألم على موتها و مفارقتها و يذكر شدة حزنه عليها‪.‬‬

‫و لعل هذه البعض من النماذج الشعرية للمتنبي في أغراض مختلفة من مدح وهجاء ورثاء‬
‫وغيرها‪ .‬فقد برع كغيره من الشعراء في تخير أهم األغراض الشعرية ونظم أشعاره من خاللها‬
‫وأسلوبه كما سبق و أن قلنا تحكمه لغة العاطفة و اإلحساس وأسلوبه يميل فيه إلى بعض‬
‫الغموض ال البديهية عكس البعض من الشعراء كما قال عنه الثعالبي " وقد شبه بعض الشعراء‬
‫شعره بشعر أبي تمام في الحكم واألمثال و كذلك تخيره للمعنى على حساب اللفظ مثل أبي تمام‬
‫‪ ،‬وقبل أن شعره امتداد لشعر أبي تمام و خصائصهم الفنية دليل على ذلك غير أن أبا الطيب‬
‫المتنبي و كما قلنا خرج عن النظام المتعارف عليه أي عمود الشعر و األساليب و التراكيب‬
‫التي عرف بها العرب قديما ‪.‬‬

‫وقال في صلته بأبي تمام‪ " :‬أوال ال يجوز لألديب أن يعرف شعر أبي تمام فهو أستاذ‪،‬‬
‫فكل من قال الشعر ويقول " ويقول ابن األثير‪ " :‬إن أبا الطيب أراد أن يسلك مسلك أبي تمام‬
‫(‪)1‬‬
‫فغفرت عنه خطاه ولم يعطى الشعر من قيادة ما أعطاه"‬

‫‪ - 1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.94‬‬

‫‪48‬‬
‫الفصل األول‪ :‬الحياة األدبية للشاعر البحتري‬

‫‪ -‬شهرته‪ " :‬شهرة المتنبي األدبية الذائعة ترجع إلى خصائص فنه األدبي كما ترجع إلى عوامل‬
‫أخرى سياسية و اجتماعية و إلى حياة أبي الطيب المتنبي في قصور ملوك الشرق و أمرائه‬
‫الحمدانيين و األخشيدين و البوهيين وفي عواصم العالم اإلسالمي آنذاك حلب و دمشق و‬
‫مصر وبغداد و الكوفة و معرفته برجاالتها و زعماء النهضات الثقافية الفكرية و األدبية و‬
‫االجتماعية و السياسية مما ساهم في ذيوع شهرته في العالم اإلسالمي وهذا السمو بنفسه و‬
‫(‪)1‬‬
‫بالفن الذي يؤدي رسالة كل ذلك كان من بين عوامل إذاعته شهرته الخالدة "‬

‫وربما كان هذا السبب وجيز في تأثر الشعراء و النقاد من بعده بأشعار و منهجه وأخذوا‬

‫‪ - 1‬محمد عبد المنعم خفاجي‪ ،‬الحياة األدبية في العصر العباسي‪ ،‬ص‪.239‬‬


‫‪49‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التجليات الفارسية في شعر البحتري‬

‫لعل السبب الرئيسي النتشار و تداول مختلف الثقافات و اللغات بين األمم و انتشارها‬
‫عبر أوسع نطاق يكمن في عامل الترجمة‪ ،‬ولتي بدورها لعبت دو ار هاما في نقل هذه الحضارات‬
‫و الثقافات من أمة ألخرى‪ .‬وربما هذا ما أدى بالشعر العربي العباسي إلى التأثر بلغة الفر و‬
‫هذا ما يظهر جليا في أشعارهم‪ .‬و يبدوا أن شيوع األلفاظ الفارسية في الشعر العربي العباسي‬
‫بات ضروري‪ ،‬ومن أولويات الشعر العربي العباسي حيث ظهر بكثرة في أشعارهم‪ .‬وبذلك أخذ‬
‫الشعراء يسعون في أشعارهم بعض األحيان األلفاظ الفارسية تلمحا و تطرقا‪ .‬وبذلك نستهل ألهم‬
‫هذه التجليات الفارسية في الشعر العربي العباسي‪ .‬وهذا ما يظهر لنا بكثرة في شعر البحتري‪.‬‬

‫‪ -1‬في األلفاظ‪:‬‬

‫ربما كانت ألمم هذه التجليات الفارسية في الشعر العربي في األلفاظ أي التبادل اللغوي‬
‫بين هاتين األمتين‪ .‬واستعارة اللغة و ألفاظها بلغة أخرى و عباراتها‪ .‬ولعل اللغة العربية لم تتأثر‬
‫بأية لغة كانت قدر تأثرها بلغة الفر‪ .‬وذلك للروابط التي كانت تربط األمة العربية عموما باألمة‬
‫الفارسية‪ .‬حتى أن بعض علماء اللغة و الفقه كانت حين تستصعب عليهم بعض األلفاظ في‬
‫العربية عدوها فارسية األصل‪ .‬كان بذلك الطابع الفارسي يضفي على الواقع السياسي و‬
‫االجتماعي و الثقافي في العراق‪ .‬وبذلك تأثر البحتري بلغة الفرس و ثقافتهم و حياتهم بشكل‬
‫كبير " حتى أنه يمكننا إحصاء ما يقارب مائة لفظة دخيلة في أشعاره‪ ،‬ومعظمها فارسي األصل‬
‫معرب مثل‪( :‬مهرج‪ ،‬تفرنس‪ ،‬تخرسن) وهي ألفاظ فارسية تقابلها في العربية (مهرجان‪ ،‬الفرس‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫خرسان) "‬

‫‪ - 1‬وحيد صبحي كبابة‪ ،‬األثر الفارسي في شعر البحتري‪ ،‬مجلة ثقافتنا للدراسات و البحوث‪ ،‬العدد ‪2001 ،26‬م‪ ،‬ص‪.132‬‬

‫‪51‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التجليات الفارسية في شعر البحتري‬

‫و التي ربما عمد البحتري إلى توظيفها في شعره بغرض النحت و النسبة و االشتقاق‪،‬‬
‫وتتمثل هذه األلفاظ في ( افرندا‪ ،‬واسكذرا‪ ،‬برجاس‪ ،‬بالزاج‪ ،‬وبيرندج ) وكل هذه األلفاظ إحالة‬
‫على توغل و تعمق البحتري في الحضارة الفارسية و ثقافتها و محاكاته لها‪ .‬كما نلتمس أيضا‬
‫في أشعار البحتري ذكره لبعض األمكنة في بالد الفرس‪ .‬وإنما كان لهذا سبب وجيز يكمن في‬
‫توغله و عمق تطلعه على الحضارة و الثقافة الفارسية و كذا التاريخ الفارسي عموما‪ .‬ومن بين‬
‫هذه األمكنة يذكر لنا( آية‪ ،‬وثاسان‪ ،‬وثم) في قوله‪:‬‬
‫أواجزه من بعد فطرية تلحق‬ ‫لقاسين ليال دون دقاسان لم تكد‬
‫(‪)1‬‬
‫على لجة طلحة نترقزق‬ ‫نوين مقاما بين قم و آية‬

‫وفي هذين البيتين من الشعر نجد أن البحتري ذكر بعض األماكن الفارسية وهي‪( :‬قاسان‪ ،‬قم‪،‬‬
‫آية‪ ،‬طلحية‪ )...‬الخ‪ .‬وفي أبيات أخرى يذكر بالد الفرس في قوله‪:‬‬

‫الح َس ِب‬ ‫طِي ٍئ في ِ‬


‫البيت ذي َ‬
‫َ‬ ‫نت ِمن َ‬
‫َوُك ُ‬ ‫ؤد ِدها‬ ‫س في ب ِ‬
‫يت ُس ُ‬ ‫َ‬ ‫كان ِمن ِ‬
‫فار ٍ‬ ‫ِإن َ‬
‫لق َوفي أ ََد ِب‬ ‫سيب ِ‬
‫ين في ُخ ٍ‬ ‫َفَلم ي ِضرنا َتنائي الم ِ‬
‫نصَب ِ‬
‫ُرحنا َن َ‬ ‫ين َوَقد‬
‫( ‪)2‬‬
‫َ‬ ‫َ‬

‫وذكره كذلك لبيت األعاجم الفارسي في قوله‪:‬‬

‫فت َخر المر ِازب ِة ِ‬


‫العظامِ‬ ‫يت األ ِ‬
‫َو ُم َ ُ َ َ‬ ‫يث ُيبنى‬
‫َعاجمِ َح ُ‬ ‫َل ُكم َب ُ‬
‫(‪)3‬‬

‫وحتى نجد في أسفاره ذكره لبعض أعالم القبائل و الجماعات الفارسية في قوله‪:‬‬

‫العَر ِب‬
‫الع ْج ِم و َ‬
‫َدَن ْت َم َسا َف ُة َبْي َن ُ‬ ‫الق وا ْق َتَرَب ْت‬
‫َخ ُ‬‫اكَل ِت األ ْ‬
‫إ َذا َت َش َ‬
‫ِ (‪)4‬‬
‫لشعوب‬ ‫الق ِ‬
‫بائ ُل لِ ُ‬ ‫عرُفها َ‬ ‫َوَت ِ‬ ‫حين ُتثنى‬ ‫َتطول َلها األ ِ‬
‫َعاج ُم َ‬ ‫ُ‬

‫‪ - 1‬البحتري‪ ،‬الديوان‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،1‬م‪ ،1‬ص‪.135‬‬


‫‪ - 2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.132-131‬‬
‫‪ - 3‬البحتري‪ ،‬الديوان‪ ،‬ص‪.132-131‬‬
‫‪ - 4‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.133-132‬‬

‫‪52‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التجليات الفارسية في شعر البحتري‬

‫وفي هذين البيتين نجد إقرار البحتري بالعالقة التي تربط العرب بالعجم و" كذلك ذكر‬
‫البحتري لبعض األماكن الفارسية في أشعاره كذكره لهذه األماكن ( آبة ) و (تاسان ) و ( قم )‬
‫(‪)1‬‬
‫‪ ...‬الخ "‬

‫و تجدر اإلشارة هنا إلى أن » ما أخذته العربية من الفارسية يعد قليال جدا إذا ما قورن‬
‫بما أخذ الفرس عن العرب « ذلك أن اللغة العربية بعد اإلسالم كانت لغة قوية معمرة ذات كيان‬
‫متكامل و ذلك كان البد للبحتري أن يتأثر بلغة الفرس‪ ،‬و هذا ما ظهر في جل أشعاره‬
‫فمعظمها فارسي معرب‪.‬‬
‫ومن بين هذه األلفاظ ( التباين‪ ،‬الديباج‪ ،‬و األساورة‪ ،‬و أسكودرا‪ ،‬و اإلفرند‪ ،‬و البرجانص‪،‬‬
‫و الزيج‪ ،‬و الطاسيج‪ ،‬و الطومارد‪ ،‬و الفيروزج‪ ،‬و النرد‪ ،‬و اليرندج‪ ،‬وكسروي‪ ،‬و هبرزي‪ ،‬و‬
‫(‪)2‬‬
‫الجلناز‪ ،‬دستيجة و الدمقشن‪ ...‬الخ)‬

‫وربما كانت هذه أمثلة عن بعض األلفاظ الفارسية المعربة التي نجدها في أشعار البحتري‪.‬‬
‫وهذه األلفاظ تتعلق بأسماء األلبسة و الحيوان و األلعاب‪ .‬و األماكن و الجواهر و الزهر و‬
‫الخمرة و األلوان و الكتابة و التقسيمات اإلدارية و غيرها‪ .‬وهي ألفاظ متصلة بالحضارة الجديدة‬
‫في العصر العباسي ‪ .‬ومعظم هذه األلفاظ معرب‪ .‬يقول البحتري‪:‬‬

‫ِ‬ ‫وأَظهر ِإ ِ ِ‬
‫غمدا‬
‫السيف ُم َ‬‫فرندًا م َن َ‬ ‫َ ََ‬ ‫َشُّد َم َ‬
‫هاب ًة‬ ‫يف َمسلو ًال أ َ‬‫لس ُ‬‫َفَل َ‬
‫ُسك ِ‬
‫دار‬ ‫الك في أ ُ‬‫ُكتب ُه ِباله ِ‬ ‫ليل‬
‫صاعٌد َعن َق ٍ‬ ‫ِ‬ ‫أتيك‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َو َسَي َ‬
‫ِ‬
‫رجاس‬ ‫الملعو ِن في ُب‬ ‫ِ‬ ‫داه َوإَِّنما‬ ‫ِ‬
‫أرمي م َن َ‬ ‫أَدنو َوأُقصُر َعن َم ُ‬
‫عد َي ِبال از ِج‬‫أَم ص ِب َغت ب ِ‬ ‫سوَّد ٌة‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫جوه ُحساد َك ُم َ‬ ‫ُو ُ‬
‫(‪)3‬‬
‫الك ِم ِي ُم َ‬
‫ظ َّهٌر ِبَيَر َ‬
‫ند ِج‬ ‫حت َ‬ ‫َت َ‬ ‫السو ِاد َكأََّن ُه‬ ‫َده ٍم صافي َ‬ ‫أَو أ َ‬

‫‪ - 1‬وحيد صبحي كبابة‪ ،‬األثر الفارسي في شعر البحتري‪.132-131 ،‬‬


‫‪ - 2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.132-131‬‬
‫‪ - 3‬البحتري‪ ،‬الديوان‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،1‬م‪ ،1‬ص‪.135‬‬
‫‪53‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التجليات الفارسية في شعر البحتري‬

‫وهذه األبيات الشعرية تحفل باأللفاظ الفارسية المعربة‪.‬‬

‫و كذا قوله‪:‬‬

‫الع ِ‬
‫رب‬ ‫العج ِم َواِ َ‬
‫نقادت َل ُهم َحفَل ُة ُ‬ ‫َعلى ُ‬ ‫يروز َبَّرزوا‬ ‫ف ِمن ِ‬
‫آل َف َ‬ ‫َل ُه َسَل ٌ‬
‫( ‪)1‬‬
‫جد ًة َو ُحلوما‬
‫سان جوداً َوَن َ‬
‫َ‬ ‫يوث َبني سا‬
‫َنتم ُغ ُ‬
‫هل أ ُ‬
‫آل َس ٍ‬
‫َ‬

‫وقد تعمد أيضا البحتري لذكر بعض أسماء أعالم الفرس في أشعاره فنجده ينكر الشلغمان في‬
‫قوله‪:‬‬
‫صار أَباً لِسوَق ِة ما َدرايا‬
‫َف َ‬ ‫لوك‬
‫غان أَبا ُم ٍ‬ ‫لم ُ‬‫الش َ‬
‫كان َ‬ ‫َو َ‬
‫ِ ى (‪)2‬‬
‫يصُر أَو كسر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المنقول َق َ‬ ‫الص َفد َ‬‫م َن َ‬ ‫آد ُه‬
‫ُم َح َّمَل ًة ما َلو َت َح َّم َل َ‬
‫ذكر البحتري في هذين البيتين الشلمغان و كسري وهم من أعالم الفرس الذين تحدث عن‬
‫أمجادهم و تاريخهم في بالد الفرس‪ ،‬وكذا حديثه عن برهام جوره و برهام شوبين و نوبخت و‬
‫سيرين في قوله‪:‬‬

‫جور َوال َبهرامِ شو ِ‬


‫بين‬ ‫َبهرامِ ٍ‬ ‫َبوك إِلى‬ ‫فخَر َّن َفَلم ُي َ‬
‫نسب أ َ‬ ‫ال َت َ‬
‫َوال َتَبَّل َج َعن ِكسرى َوسيرين‬
‫ِ (‪)3‬‬
‫طاف ِب ِه‬
‫خت َ‬‫وب ُ‬
‫جان َوال َن ُ‬
‫وش ُ‬‫ال الَن َ‬

‫وفي مختلف هذه األبيات الشعرية للبحتري تظهر لنا عنايته البالغة بكل تاريخ األمة الفارسية و‬
‫حضارتها و ذكره ألسماء شخصيات عظماء الفرس و ملوكهم إنما راجع إلى تلك الصلة و‬
‫العالقة القديمة بينهم و بين اليمانيين إذ وقفوا إلى جانبهم و ساندوه في رد األحباش و صده‪.‬‬

‫‪ - 1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.131‬‬


‫‪ - 2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.135‬‬
‫‪ - 3‬البحتري‪ ،‬الديوان ‪ ،‬ص‪.135‬‬

‫‪54‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التجليات الفارسية في شعر البحتري‬

‫و نجد كذلك تأثر العرب بأعياد بالد فارس التقليدية (كالنيروز) و (المهرجان) و التي‬
‫تعود إلى العصر األموي حيث باتت من األعياد الرسمية في العصر العباسي‪ ،‬إذ تحكي‬
‫األخبار دخول البحتري في عيد (النيروز) على المتوكل وهو يحتفل بهذا العيد في قوله‪:‬‬

‫يروز عَليك م ِ‬
‫عاد‬ ‫خل ِمن َع ٍ‬
‫َأبدًا َوَن ٍ َ َ ُ‬ ‫رورُه‬
‫يش َي ُكُّر ُس ُ‬ ‫ال َت ُ‬
‫(‪)1‬‬

‫فهذا العيد من أكثر األعياد احتفاال عند الفرس ومعناه يوم جديد فالنيروز هنا كلمة فارسية‬
‫معربة و لم تستعمل إال في دولة بني العباس‪ .‬أما المهرجان فقد ذكره البحتري لغرض المدح‬
‫فهو يمدح من خالله الحسن بن هل في قوله‪:‬‬

‫س َو َص ِ‬
‫غير‬ ‫بير ِمن ِ‬
‫فار ٍ‬ ‫ُك ِل َك ٍ‬ ‫هر ِ‬
‫جان َحقاً َعلى‬ ‫لم َ‬
‫ِ ِ‬
‫إ َّن ل َ‬
‫(‪)2‬‬
‫ِ‬
‫الخير‬ ‫َهل الُنهى َوأ ِ‬
‫َهل‬ ‫جان أ ِ‬
‫ِ‬ ‫لوك َذوي التي‬ ‫عيد ِ‬
‫آبائ َك الم ِ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬

‫و في هذه األبيات الشعرية يذكر لنا البحتري أعياد الفرس وهما عيدي المهرجان و النيروز ويقر‬
‫بأنهم من أكثر األعياد االحتفالية في بالد فارس و التي تمثل لمحة تاريخية عن حضارة بالد‬
‫فارس‪ .‬فالمهرجان يحتفل به الفرس ويعني محبة الروح ونجد الشاعر هنا يقر بضرورة االحتفال‬
‫بهذا العيد لكل كبير و صغير حيث أن هذا العيد خفيضا للملوك و كبار الشخصيات ذوي‬
‫التجارة‪ .‬والعودة إلى كل هذه األلفاظ ذوات األصل الفارسي تحيلنا بالضرورة إلى تعمق وتطلع‬
‫البحتري على ثقافة بالد فارس‪ ،‬والتاريخ الفارسي عموما و تطلعه على حضارتهم هذا فضال‬
‫عن سعة معرفة بأخبارهم و تاريخهم وقوة الصلة بينهم و بين العرب و لهذا نجد البحتري كفيل‬
‫للحديث عن بالد فار و حضارتهم و تاريخهم فهو عاش اللحظة و كأنما نشأ في بالد فارس‬
‫رغم عروبته وربما هذا ما جعل أشعاره حافلة بألفاظ فارسية معربة‪.‬‬

‫‪ - 1‬وحيد صبحي كبابة‪ ،‬األثر الفارسي في شعر البحتري‪.132-131 ،‬‬


‫‪ - 2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.132-131‬‬

‫‪55‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التجليات الفارسية في شعر البحتري‬

‫‪ -2‬في األغراض الشعرية و معانيه‪:‬‬

‫قد تطرق البحتري في شعره ميع األغراض المعروفة عند العرب‪ ،‬وأجاد في المديح و‬
‫(‪)1‬‬
‫االعتذار و الرثاء و الغزل و جدد في الوصف بأنواعه‪.‬‬

‫‪ -1-2‬في المدح‪ :‬مما ال شك فيه أن الشعر العباسي كان متمي از عن باقي األشعار‬
‫التي سبقته ممن حيث األغراض و المواضيع و طريقة البناء‪ ،‬ولما أردنا التوسع في دراسة‬
‫األغراض أخذنا شعر البحتري كمثال لما وجدناه فيه من جمال و إبداع لغويين‪.‬‬

‫ومن أهم األغراض التي اخص بها الشعر العباسي هو‪ :‬غرض المدح حيث سمي أيضا‬
‫في عهد المتوكل إلى أن معظم الشعراء آنذاك كانوا‬ ‫(‪)2‬‬
‫"بشاعر التكسب نظم أجمل مدائحه"‬
‫يطرقون أبواب الحلفاء بلساني حلو مادح رغبة في التقريب و المال‪ .‬ومن ضمن القصائد التي‬
‫تحمل في طياتها مدحا محمال قصيدة موقف للصالحات‪.‬‬

‫الم َت َوِك ِل‬ ‫ِب ِ‬


‫القائمِ الم َ ِ ِ‬ ‫عد َت َزُّي ِل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ستخلف ُ‬ ‫ُ‬ ‫الدين َب َ‬ ‫ُمور‬
‫ُجم َعت أ ُ‬
‫حين ُم َؤ َّم ِل‬ ‫ِ‬ ‫ِبموَّف ٍق لِلصالِ ِ‬
‫َو ُم َحَّب ٍب في الصال َ‬ ‫حات ُمَي َّس ٍر‬ ‫َُ‬
‫الع َّذ ِل‬ ‫ثن عزم َته ِ‬ ‫َمرِه‬ ‫ِ ِ‬
‫اض ُ‬ ‫اعتر ُ‬ ‫َلم َي ِ َ َ ُ‬ ‫زيم َة أ ِ‬ ‫َمل ٌك إذا أَمضى َع َ‬
‫شيج ال ُذَّب ِل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شرِفَّية َو َ‬
‫الو ِ‬ ‫الم َ‬
‫ب َ‬ ‫س َفوَقها‬ ‫َب َكَرت ِج ُ‬
‫ياد َك َوال َفو ِار ُ‬
‫(‪)2‬‬
‫وس َغ َير ُم َع َّج ِل‬
‫رد ِ‬ ‫في جَّن ِة ِ‬
‫الف َ‬ ‫زيت أَعلى ُر َتب ٍة َمأموَل ٍة‬
‫َو ُج َ‬
‫َ‬

‫حيث مدح فيها شاعرنا الخليفة المتوكل فقال‪ :‬أنها جمع أمور الدين بعد زوالها ذلك الخليفة‬
‫الموفق للصالحات ميسر لهما و محب بين الجموع مؤمل مل و عزيمة شديدة ال يثن و ال‬
‫يعترض عليها في قوله‪:‬‬
‫الم َت َوِك ِل‬ ‫ِب ِ‬
‫القائمِ الم َ ِ ِ‬ ‫عد َت َزُّي ِل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ستخلف ُ‬ ‫ُ‬ ‫الدين َب َ‬ ‫ُمور‬
‫ُجم َعت أ ُ‬

‫‪ - 1‬سامي يوسف أبو زيد‪ ،‬األدب العباسي‪ :‬النثر‪ ،‬دار المسيرة‪ ،‬ص‪.208‬‬
‫‪ - 2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.208‬‬

‫‪56‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التجليات الفارسية في شعر البحتري‬

‫حين ُم َؤ َّم ِل‬‫ِ‬ ‫ِبموَّف ٍق لِلصالِ ِ‬


‫َو ُم َحَّب ٍب في الصال َ‬ ‫حات ُمَي َّس ٍر‬ ‫َُ‬
‫َّ ِ (‪)1‬‬ ‫ثن عزم َته ِ‬ ‫َمرِه‬ ‫ِ ِ‬
‫العذل‪.‬‬‫اض ُ‬ ‫اعتر ُ‬ ‫َلم َي ِ َ َ ُ‬ ‫زيم َة أ ِ‬‫َمل ٌك إذا أَمضى َع َ‬
‫و هذا مظهر في وصفه للجياد على مشارف الشام في قوله‪:‬‬

‫شيج ال ُذَّب ِل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫شرِفَّية َو َ‬
‫الو ِ‬ ‫الم َ‬
‫ب َ‬ ‫س َفوَقها‬ ‫َب َكَرت ِج ُ‬
‫ياد َك َوال َفو ِار ُ‬
‫(‪)2‬‬

‫و ذكر أيضا مدحا آخر بصورة دعاء فقال‪:‬‬

‫َطو ِل‬ ‫ِ‬ ‫الع ِز ِم َ‬


‫في ِ‬ ‫َعياد َمسروراً ِبها‬
‫البقاء األ َ‬ ‫نك َوفي َ‬ ‫دامت َل َك األ ُ‬‫َ‬
‫ِ (‪)3‬‬ ‫رد ِ‬
‫وس َغ َير ُم َع َّجل‬ ‫في جَّن ِة ِ‬
‫الف َ‬ ‫زيت أَعلى ُر َتب ٍة َمأموَل ٍة‬
‫َو ُج َ‬
‫َ‬

‫و لنبرهن مقاصد الخلفاء من شعرهم عرضنا قصيدة أخرى يخص غرض المدح أيضا بعنوان‬
‫"خالفة مباركة"‬
‫حت ُّل روض ًا ِباأل ِ‬
‫َباط ِح م ِ‬
‫عشبا‬ ‫اه ِر م ِ‬ ‫رود مغا ًار ِبال َ ِ‬
‫ُ‬ ‫َوَي َ َ‬ ‫كثبا‬ ‫ظو ُ‬ ‫ُ َ‬
‫ذهبا‬ ‫ِ‬ ‫َي ِب ُّ‬ ‫ُقحواناً ُم َف َّضضاً‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الماء ُم َ‬ ‫ص َو َحوذاناً َعلى‬ ‫ُيالع ُب فيه أ ُ‬
‫ع ِ‬
‫قائ ِل ِس ٍ‬ ‫ِ‬
‫رب أَو َتَقَّن َ‬
‫ص َر َبربا‬ ‫َ‬ ‫شاء غادى عاَن ًة أَو َعدا َعلى‬‫إذا َ‬
‫ال ُم َخ َّضبا‬
‫َعبيط ًا ُم َدم ًا أَو َرمي ً‬ ‫َي ُجُّر ِإلى أَشبالِ ِه ُك َّل ِ‬
‫شار ٍق‬
‫َخيبا‬ ‫ِإلى َتَل ٍ‬ ‫نص ِرف‬ ‫ِ‬
‫زيان أ َ‬ ‫ثن َخ َ‬‫ف أَو ُي َ‬ ‫بغ ظُلماً في َحريم َك َي َ‬ ‫َو َمن َي ِ‬

‫البيض ِم َ‬
‫قضبا‬ ‫ِ‬ ‫َل ُه ُمصلِت ًا َعضب ًا ِم َن‬ ‫فت ُه َيوم َت َنبري‬
‫َنص َ َ‬ ‫َش ِه ُ‬
‫دت َلَقد أ َ‬
‫كس َك َّذبا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َصد َق ِم ُ‬ ‫َفَلم أََر ِضرغام ِ‬
‫عراك ًا ِإذا َ‬
‫الهي َاب ُة الن ُ‬ ‫نكما‬ ‫ين أ َ‬ ‫َ‬
‫باسل الو ِ‬
‫جه أَغَلبا‬ ‫القومِ يغشى ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِه َز ٌبر َمشى َيبغي ِه َزبراً َوأَغَل ٌب‬
‫َ َ‬ ‫م َن َ َ‬
‫آك َلها أَمضى َجنان ًا َوأَش َغبا‬
‫َر َ‬ ‫ته َصوَل ٌة‬ ‫أ ََد َّل ِب َش ٍ‬
‫غب ُث َّم هاَل ُ‬

‫‪ - 1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.131‬‬


‫‪ - 2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.135‬‬
‫‪ - 3‬سامي يوسف أبو زيد‪ ،‬األدب العباسي‪ :‬النثر‪ ،‬ص‪.135‬‬

‫‪57‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التجليات الفارسية في شعر البحتري‬

‫هربا‬
‫نك َم َ‬ ‫َقد َم َلما َلم َي ِجد َع َ‬ ‫َوأ َ‬ ‫طمع ًا‬
‫فيك َم َ‬ ‫َحج َم َلما َلم َي ِجد َ‬
‫َفأ َ‬
‫نك ُمَن ِكبا‬ ‫وَلم ي ِ ِ‬ ‫حو َك ُمق ِبالً‬ ‫ِِ‬
‫حاد َع َ‬‫نجه أَن َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َفَلم ُيغنه أَن َكَّر َن َ‬
‫َوال َي ُد َك ِا َ‬
‫رتَّدت َوال َحُّد ُه َنبا‬ ‫زم َك ِان َثنى‬ ‫ِ‬
‫يف ال َع ُ‬ ‫الس َ‬
‫لت َعَليه َ‬ ‫َح َم َ‬
‫يف َم ِ‬ ‫بق لِلس ِ‬ ‫نت متى َتجمع يميَنيك َت ِ‬
‫هت ِك ال‬
‫ضربا‬ ‫ريب َة أَو ال ُت ِ َ‬ ‫َض َ‬ ‫َوُك َ َ‬
‫(‪)1‬‬
‫َ‬ ‫َ َ‬

‫يصف البحتري لقاء ممدوحه (الفتح بن خلقان) بالليث وهو في حذره مرك از على نابه‬
‫ومخلبه متخذا من نهر النيزك الذي تحف به األشجار المسابلة الملتفة خفا له واصف المكان‬
‫الذي يتخده سكنا له هادنا بين األودية العالية حيث العشب والنور األبيض و الحوذان المتألأل‬
‫من رونقه ونضارته واصفا ذهابه و إيابه في طلب فرائسه ثم ينتقل بعده إلى الممدوح واصفا‬
‫صراعه مع األسد مفس ار سببه يبغي األسد وعدوانه ثم يجعل البحتري من (الفتح بن خلقان)‬
‫فرعا ما آخر يتناول فرعا ما تمثل الصورة الفنية في بانية البحتري لوحة متكاملة وتتجلى هذه‬
‫اللوحة في وصفه لمكان األسد ثم اتخذا األسد عريته في كهف آمن مطمئن بين أعالي األودية‬
‫و أشراف األرض‪.‬‬

‫لقد أضفى البحتري على ممدوحه (الفتح بن خلقان) محامدا ومثال أخالقية تعد منظومة‬
‫أخالقية كاملة فيصور كرمه وسعة نواله مشبها إياه بالسحاب المفترس في األفق والمطر الشديد‬
‫االنصباب معتمدا في أسلوبه على تكرار األلفاظ الدالة على وجود والكرم مكنيا و مشعي ار في‬
‫العارض أفضل حواشي برقه ويظهر حسن التقسيم بين الشجاعة والكرم أم تثبت للفتح الجود و‬
‫البأس و البطش والعبر على الشوائد والعناد الذي يجعل منه شخصا صعب االنقياد وكذلك‬
‫يسمه بالرزق والتواضع والحزم وتدبر األمور وتأملها‪.‬‬

‫باإلضافة لذلك فالبحتري يطالعنا بحسن التقسيم بين الشجاعة والكرم متوسال بأسلوب‬
‫الشرط ( إذا تلقى وأضعف العدى‪ ،‬أنقاض غمر الربى )‬

‫‪ - 1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.131‬‬

‫‪58‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التجليات الفارسية في شعر البحتري‬

‫ويبلغ البحتري بممدوحه أقصى الحزم و اإلقدام و أقصى الكف و و اإلحجام ويبلغ به‬
‫أقصى الود والرحمة إذا ينطلق من الطباق اللفظي لتجاوزه صانعا منه أساسا لبنية فديه مترابطة‬
‫أم ينتقل البحتري لوصفه منازلة الفتح بن خلقان لألسد قائال‪:‬‬

‫يح ِد ُد ناباً لِلِ ِ‬


‫قاء َو َمخَلبا‬ ‫يث م ِ‬
‫خدٌر‬ ‫يث َوالَل ُ ُ‬
‫قيت الَل َ‬
‫َغدا َة َل َ‬
‫(‪)1‬‬
‫َُ‬

‫و لم يقتصر البحتري على المدح فقط إذ تعدى إلى أغراض أخرى منها‪:‬‬

‫‪ -2-2‬في الوصف‪ :‬يعد البحتري إماما لشعراء الوصف في العربية وهو يعمد إلى الخيال‬
‫أكثر مما يعمد إلى الفكر‪ ،‬ويركن إلى حسن الديباجة و اللقط السهل و المعنى السريع الفهم مع‬
‫و من أشهر قصائده الوصفية تلك‬ ‫(‪)2‬‬
‫غرام بالمحسنات البديعية بعيدا عن اللغو و اإلسراف فيه‬
‫المعنونة بعنوان قصيدة «أنطاكية«‪:‬‬

‫س َوإِخاللِ ِه َب ِنَّي ُة َر ِ‬
‫مس‬ ‫ِ‬ ‫رماز ِمن َع َد ِم األُن‬
‫الج َ‬ ‫َن ِ‬ ‫َف َكأ َّ‬
‫ِ‬
‫عد ُع ِ‬
‫رس‬ ‫َج َعَلت فيه َم َأتم ًا َب َ‬ ‫َن الَليالي‬ ‫اه َعلِ َ‬
‫مت أ َّ‬ ‫َلو َتر ُ‬
‫فيهم ِبَل ِ‬
‫بس‬ ‫يان ِ‬ ‫وهو ينبيك عن ع ِ‬
‫جائ ِب َق ٍ‬
‫الب ُ‬
‫شاب َ‬ ‫الي ُ‬ ‫ُ‬ ‫وم‬ ‫َ َ ُ َ َ َ‬
‫في ُخ ٍ ِ‬ ‫جال بين يد ِ‬
‫ِغماض َج ِ‬
‫رس‬ ‫ِ‬ ‫نهم َوإ‬
‫فوت م ُ‬ ‫يه‬ ‫الر ِ َ َ َ َ‬ ‫اك ِ‬‫َو ِعر ُ‬
‫(‪)3‬‬

‫فهذه القصيدة التي تناولت وصفا إليوان كسرى هو األثر الباقي من أحد قصور األكاسرة‬
‫الواقع حاليا في منطقة للمدائن ببغداد و قد رسمت معركة أنطاكية التي دارت بين الفرس والروم‬
‫على جدرانه حيث وصف الشاعر المعركة وصفا مصو ار حتى يخال السامع لشعره انه كان‬
‫حاض ار فقد مخاطبا‪:‬‬

‫‪ - 1‬البحتري‪ ،‬الديوان‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،1‬م‪ ،1‬ص‪.235‬‬


‫‪ - 2‬سامي يوسف أبو زيد‪ ،‬األدب العباسي‪ :‬النثر‪ ،‬دار المسيرة‪ ،‬ص‪.209‬‬
‫‪ - 3‬البحتري‪ ،‬الديوان‪ ،‬ص‪.196‬‬

‫‪59‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التجليات الفارسية في شعر البحتري‬

‫لو رأيت اإليوان آنذاك علمت أنا ليالي الفتح جعلت فيه مأتما بعد عرس‪ ،‬كذلك اثنى على‬
‫الفاتحين وعزيمتهم وقوتهم و بسالتهم أمام العدو ويظهر ذرك في قوله‪:‬‬
‫في ُخ ٍ ِ‬ ‫جال بين يد ِ‬
‫ِغماض َج ِ‬
‫رس‬ ‫ِ‬ ‫نهم َوإ‬
‫فوت م ُ‬ ‫يه‬ ‫الر ِ َ َ َ َ‬
‫اك ِ‬‫َو ِعر ُ‬

‫كذلك نتعدى إلى وصف آخر وهو وصف الطبيعة‪:‬‬

‫استأثرت الطبيعة بفؤاده فوصف الربيع والمطر و الرياح وشقائق النعمان والنسيم وتمتاز‬
‫أوصافه باألصالة بما أضفاه عليها من فيض روحه الشعري وأدائه النقي المتقن‪ .‬و من أبياته‬
‫في وصف الربيع‪:‬‬
‫أن َي َت َكل َم‬ ‫كاد ْ‬ ‫الح ِ‬
‫سن حتى َ‬ ‫ض ِ‬
‫من ُ‬ ‫َ‬ ‫احك ًا‬ ‫ختال َ‬
‫لق َي ُ‬‫بيع الط ُ‬‫اك الر ُ‬ ‫َأت َ‬
‫باألم ِ‬
‫س ُن َّو َما‬ ‫ِ‬ ‫وز في َغَل ِ‬
‫أوائ َل َوْرٍد ُكن ْ‬ ‫س الد َجى‬ ‫َوَقد َنب َه الن ْوُر ُ‬
‫ِ‬
‫بل ُم َكَّت َما‬ ‫َين ُّث َحديثاً َ‬
‫كان َق ُ‬ ‫فكأن ُه‬
‫ُي َفتُق َها َبْرُد الن َدى‪َ ،‬‬
‫َعَلْي ِه‪َ ،‬ك َما َن َّشْر َت َو ْشي ًا ُمَن ْمَنما‬ ‫اس ُه‬ ‫و ِم ْن َشج ٍر رد الر ِ‬
‫بيع لَب َ‬
‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫كان ُم ْح ِرما‬
‫ين‪ ،‬إ ْذ َ‬ ‫ان َق ًذى لِْل َع ِ‬
‫َوَك َ‬ ‫اشةً‪،‬‬‫فأب َدى لِْل ُعيو ِن َب َش َ‬
‫أح َّل‪ْ ،‬‬
‫َ‬
‫األحب ِة‪ُ ،‬ن َّع َما‬
‫اس ِ‬ ‫جىء بأْن َف ِ‬
‫َي ُ‬ ‫يح‪ ،‬حتى َح ِسْب ُت ُه‬ ‫سيم الر ِ‬ ‫َوَرق َن ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫أن َت َتَرنما‬ ‫األوَت َار ْ‬
‫َو َما َي ْمَن ُع ْ‬ ‫أنت ِخُّل َها‪،‬‬ ‫اح التي َ‬ ‫س الر َ‬ ‫َفما َيح ِب ُ‬

‫نالحظ في هذه األبيات صور الطبيعة و النيروز و مجالس الغناء فكلها في وصف الطبيعة و‬
‫ميزاتها‪ ،‬وتحمل تأثي ار حضاريا فارسيا واضحا ويبدوا أن البحتري توغل في وصفه لصور‬
‫الطبيعة و ميزاتها و كان بذلك وصفه دقيقا‪ .‬و يقول في أبيات وصف أخرى‪:‬‬

‫المنا ِم َقليلِ ِه‬


‫زر َ‬
‫على ِ‬
‫عاش ٍق َن ِ‬ ‫َ‬ ‫ود ِبطولِ ِه‬
‫يل ِإال أَن َيع َ‬
‫أَبى الَل ُ‬
‫َدم ٌع ال َتر َعوي لِ َعذولِ ِه‬
‫َل ُه أ ُ‬
‫ِ‬
‫ِإذا ما َن ُ‬
‫هاه العاذلو َن َت َ‬
‫تاب َعت‬
‫َفُيقلِ َع أَو َيشفي َجو ًى ِمن َغليلِ ِه‬ ‫موع ُه‬ ‫اب ِ‬
‫الدار َيثني ُد َ‬
‫ِِ‬
‫َل َع َّل اقتر َ‬

‫‪ - 1‬البحتري‪ ،‬الديوان‪ ،‬ص‪.122‬‬

‫‪60‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التجليات الفارسية في شعر البحتري‬

‫المال َو ُسهوِل ِه‬ ‫ِن‬ ‫ِبنا الب َ ِ‬


‫عد من َحز َ‬ ‫ُ‬ ‫طُّيها‬
‫المطايا َو َ‬
‫وخيد َ‬
‫ال َت ُ‬
‫َوماز َ‬
‫ِ ِ (‪)1‬‬
‫مائ ِه َوَنخيله‬
‫الدجى عن ِ‬
‫َ‬ ‫جوف ُ‬
‫ُس ُ‬ ‫اق َوُك ِش َفت‬ ‫ِإلى أَن بدا صحن ِ‬
‫العر ِ‬ ‫َ َ ُ‬

‫يقول أيضا في وصف وحيد المغنية‪:‬‬

‫َف ُفؤادي بها ُم َعَّن ًى َع ِم ُ‬


‫يد‬ ‫يا َخلِيَل َّي َتَّي َم ْتني َو ُ‬
‫حيد‬
‫يد‬ ‫الظبي مقلتان ِ‬
‫وج ُ‬ ‫ومن َّ‬ ‫غادةٌ زانها من الغُ ْصن َقد‬
‫ُ‬
‫ريد‬
‫الت ْو ُ‬ ‫دي ِن ذاك َّ‬
‫السو ُاد و َّ‬ ‫ْ‬ ‫وزهاها من َفْرِعها ومن الخد‬
‫يد‬ ‫خد ما َشاَنه ْ ِ‬ ‫فوق ٍ‬
‫تخد ُ‬ ‫ُ‬ ‫وحيد‬
‫ناره من ٍ‬ ‫الحس ُن َ‬
‫ْ‬ ‫أوقد‬
‫جهيد‬ ‫وهي للعاشقين ُج ْهٌد‬ ‫وسالم‬ ‫َفهي برٌد ِ‬
‫بخدها‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫َْ ْ‬
‫وشديد‬
‫ُ‬ ‫أمران َهِي ٌن‬
‫قلت ْ‬ ‫رير بحسنها قال ِص ْفها‬
‫و َغ ٍ‬
‫التحديد‬ ‫سر‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ويع ُ‬ ‫ياء طُراً ْ‬ ‫األش‬
‫يسهل القول إنها أحسن ْ‬
‫يستفيد‬
‫ُ‬ ‫وبد ٍر من ُنورها‬
‫س ْ‬ ‫ٍ‬ ‫المنيرْين من شم‬
‫َ‬ ‫شمس َد ْج ٍن ِكال‬
‫ُ‬
‫وسعيد‬
‫ُ‬ ‫َف َشقي بحسنها‬ ‫تتجلى للناظرين إليها‬ ‫َّ‬

‫تغريد‬
‫ُ‬ ‫قم ِرَّي ٌة لها‬
‫ها ُو ْ‬ ‫ظبي ٌة تسكن القلوب وترعا‬
‫ِ (‪)2‬‬ ‫ِ‬
‫األوصال وهي ُتجيد‬ ‫من سكو ِن‬ ‫تتغنى كأنها ال ُت َغ ِني‬
‫َّ‬

‫في هذه األبيات الشعرية للبحتري والتي يتغزل فيها بحبيبته المغنية وحيد يستخدم في هاته‬
‫األبيات من شعر غرضين بارزين وهما الغزل وذلك من خالل تغزله بمفاتن حبيبته والوصف‬
‫من خال ل ذكره لخصال أوصاف معشوقته ( بدر‪ ،‬طيبة‪ ،‬تسكن القلوب‪ ،‬فترعاه‪ ،‬قمرية لها تغريد‬
‫‪...‬الخ ) واستخدم البحتري غرض الوصف لتدقيق صورة معشوقته وتقريبها للمتلقي وفي مطلع‬
‫البيت األول يبرز الشاعر تعلقه بمحبوبته وجذبها له في قوله‪:‬‬

‫َف ُفؤادي بها ُم َعَّن ًى َع ِم ُ‬


‫يد‬ ‫يا َخلِيَل َّي َتَّي َم ْتني َو ُ‬
‫حيد‬

‫‪ - 1‬البحتري‪ ،‬الديوان‪ ،‬ص‪.122‬‬

‫‪61‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التجليات الفارسية في شعر البحتري‬

‫وكذلك نجده يصف لنا القيان ( المغنيات و العازفات) فيقول‪:‬‬


‫عاطفات على بنيها حواني‬
‫ٌ‬ ‫أمهات‬
‫ٌ‬ ‫وقيان كأنها‬
‫ٍ‬
‫مرضعات ولسن ذات َل ِ‬
‫بان‬ ‫ٌ‬ ‫الت وما حملن جنين ًا‬ ‫طف ٌ‬‫م ِ‬
‫ُ‬
‫الرمان‬ ‫ِ‬
‫كأحسن َّ‬ ‫ناهدات‬
‫ٍ‬ ‫لقمات أطفاَل ُه ُّن ثُ ِدَّياً‬
‫ُم ٌ‬
‫صفر من ِدَّرِة األلبان‬ ‫وهي ٌ‬ ‫حافالت‬
‫ٌ‬ ‫مات كأنها‬
‫مفع ٍ‬
‫َ‬
‫عود و ِم ْزَه ٍر وِكر ِ‬
‫ان‬ ‫بين ٍ‬ ‫بأسماء َّ‬
‫شتى‬ ‫َ‬ ‫طفل ُيدعى‬
‫كل ٍ‬‫ُّ‬

‫يصف في هذه األبيات من شعر القيان أي المغنيات والعازفات ويصفهم بأمهات ترضعن‬
‫أطفالهن بصوت من الرنيم و الهدهد و هذا الصوت الخافت الذي يستخدمانه للعزف على‬
‫األوتار و هو وصف دقيق يصدر لنا من خالل البحتري إلى القيان بنوع من الدقة و التصوير‬
‫الفني من خالل استخدامه لغرضي الوصف و الغزل‪.‬‬

‫ويقول أيضا في قصيدته ( شوق إليك تفيض من إال دمع ) واصف الشوق للمحبوب‪:‬‬

‫نه األَضُل ُع‬‫ضيق ِم ُ‬


‫يك َت ُ‬ ‫َو َجو ًى َعَل َ‬ ‫َدم ُع‬
‫نه األ ُ‬‫فيض ِم ُ‬
‫يك َت ُ‬ ‫ق ِإَل َ‬ ‫َشو ٌ‬
‫ِ‬ ‫َق ُدمت َوَت ِ‬
‫رج ُع ُه السنو َن َفَي َ‬
‫رج ُع‬ ‫َ‬ ‫َو َهو ًى ُت َج ِد ُد ُه الَليالي ُكَّلما‬
‫الركاب و ِ‬ ‫ِ‬
‫توض ُع‬ ‫ق َت ُخ ُّب ِبه ِ ُ َ‬ ‫َخر ٌ‬ ‫جيج َودوَن ُهم‬ ‫ِإني َوما َق َص َد َ‬
‫الح ُ‬
‫ِإن كان أَقصى ِ ِ‬ ‫الوِد َغ َير ُمَقَّل ِل‬
‫الود ِع َ‬
‫ند ِك َين َف ُع‬ ‫َ‬ ‫ُصفيك أَقصى ِ‬
‫َ‬ ‫أ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َجم ُع‬
‫بان َوصُلك أ َ‬ ‫دود َو َ‬
‫الص ُ‬
‫منك ُ‬ ‫اه َوإِن َبدا‬ ‫َحس َن َمن أَر ُ‬
‫َوأَراك أ َ‬

‫في هذه األبيات يصف البحتري مدى شوقه وولعه للمحبوب‪ ،‬ويذكر أهم خصاله ليتحضر من‬
‫خاللها صورة محبوبه‪ ،‬وفي هذه األبيات يتأثر البحتري بفقده ألحبائه و اشتياقه لهم في قوله‪:‬‬

‫ضيق ِم ُ‬
‫نه األَضُل ُع‬ ‫َو َجو ًى َعَل َ‬
‫يك َت ُ‬ ‫َدم ُع‬ ‫فيض ِم ُ‬
‫نه األ ُ‬ ‫ق ِإَل َ‬
‫يك َت ُ‬ ‫َشو ٌ‬

‫حيث يستهل البحتري قصيدته في قول " شوق إليك " للداللة على اشتياقه و عاطفته الجياشة‬
‫تجاه من يحب و أنه يتذكرهم من خالل ذكر أوصافهم و محاسنهم و أهم خصالهم‪.‬‬
‫‪62‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التجليات الفارسية في شعر البحتري‬

‫ويقول في الوصف أيضا‪:‬‬


‫َرأى شيم ًة ِمن ِِ‬
‫جاره َف َت َعَّلما‬ ‫َ‬ ‫عادات ِه َغ َير أََّن ُه‬
‫ِ‬ ‫َوَلم َي ُك ِمن‬
‫َتَب َّس َم ِمن َشرِق ِي ِه َف َتَب َّسما‬ ‫آم ُّي َبل َفتى‬ ‫الش ِ‬ ‫وض َ‬ ‫الر ُ‬‫َوما َن َّوَر َ‬
‫ً‬
‫كاد أَن َي َت َكَّلما‬
‫سن َحتى َ‬ ‫الح ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫م َن ُ‬ ‫ضاحك ًا‬ ‫ختال‬
‫لق َي ُ‬ ‫ط ُ‬‫بيع ال َ‬
‫الر ُ‬
‫َتاك َ‬ ‫أ َ‬
‫َمس ُن َّوما‬ ‫أَو ِائ َل َو ٍ‬
‫رد ُك َّن ِباأل ِ‬ ‫الدجى‬ ‫س ُ‬ ‫وروز في َغَل ِ‬ ‫َوَقد َنَّب َه الَن ُ‬

‫يصف لنا البحتري في هذه األبيات مظاهر الطبيعة في بيئته وصف نقيا‪ ،‬و يصور لنا أهم‬
‫مظاهر الطبيعة لديه من انهار و جبال و أشجار و يصف لنا الربيع في أجمل صورة في قوله‪:‬‬

‫كاد أَن َي َت َكَّلما‬ ‫الح ِ‬


‫سن َحتى َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫م َن ُ‬ ‫ضاحك ًا‬ ‫ختال‬
‫لق َي ُ‬
‫ط ُ‬‫بيع ال َ‬
‫الر ُ‬
‫َتاك َ‬
‫أ َ‬

‫و يصف هنا الحسن وأنه من أحسن الفصول فيه ينبت الزرع و تلد خيرات عارمة من الطبيعة‪.‬‬

‫‪ -3-2‬في الرثاء‪ :‬كان البحتري يستهدف اإلجادة في رثاء من كان فقدهم بدافع الوفاء و‬
‫(‪)1‬‬
‫الخلق الكريم و قد جاءت مراتبه مطابقة لقريحته و مالئمة لشاعريته إحسانا و تجويدا‬
‫نجد قصيدة " ومن نكد األيام "‬
‫يصري‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫يصَر ُخَّل ٌة‬ ‫َوما ِخ ُ‬
‫ثل َق َ‬ ‫يصٌر م َ‬ ‫ل ُكل ُمح ٍب َق َ‬ ‫عد َق َ‬‫لت ُتبكى َب َ‬
‫الم َد ِب ِر‬ ‫ِ ِ‬ ‫سطام َو ِز ِ‬ ‫َن َعم في ِا ِ‬
‫فر َعلى األَيامِ َوابن ُ‬ ‫َوَو ٍ‬ ‫ُسوةٌ‬
‫بر َج أ َ‬ ‫بن ُب َ‬
‫مهل وَلم ي َتَن َّ‬
‫ظ ِر‬ ‫َت َع َّج َل َلم ُي ِ َ َ‬ ‫وم ُه‬
‫َن َي َ‬ ‫َوَبَّر َح بي في ِز ِ‬
‫بر ٍج أ َّ‬
‫ِ‬ ‫الدنيا َح ِظي َو َمن َي ُفت‬
‫نه ُيع َذ ِر‬
‫حز ُ‬ ‫َحظي ًا ِم َن ُ‬
‫الدنيا َفَي ُ‬ ‫تاع ِم َن ُ‬
‫َم ٌ‬
‫(‪)2‬‬

‫حيث مازح ابن سطام و رثى غالما مات له فقال له البحتري مخاطب ابن سطام ما حسبتك‬
‫تبكي بعد قيصر لكل محب قيصر مثل قيصري‪ ،‬تعجل الموت خاطفا زبرج لم يمهله لخطة أو‬
‫ينتظر‪ ،‬ثم مدح الغالم قائال‪ " :‬مضيء حتى و مشتري"‬

‫‪ - 1‬سامي يوسف أبو زيد‪ ،‬األدب العباسي‪ ،‬ص‪.211‬‬


‫‪ - 2‬البحتري‪ ،‬الديوان‪ ،‬ص‪.235‬‬
‫‪63‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التجليات الفارسية في شعر البحتري‬

‫‪ -3‬في الحكمة و الصداقة‪:‬‬

‫كما تأثر العب و الفرس من ناحية األلفاظ و اللغة عموما نجدهم يتأثرون بهم أيضا من‬
‫ناحية اإلخوانيات و الحكمة و الصداقة‪ ،‬لهذا كثر الحديث عن هذين الجانبين في كتب الفرس‬
‫المترجمة وكذلك فيكتب العرب وبما أن البحتري كان سيد التطلع بثقافتهم و حضارتهم نجده قد‬
‫أخذ عنهم في اإلخوانيات و الصداقة‪ .‬ومن اخوانياته قوله عن أبا نهشل‪:‬‬

‫طوب‬ ‫ناز ِ‬
‫الت ال ُخ ِ‬ ‫كين لِ ِ‬
‫ست ٍ‬‫ُم َ‬ ‫هش ٍل ِنداء َغ ِ‬
‫ريب‬ ‫يا أَبا َن َ‬
‫ُ‬
‫ِ (‪)1‬‬
‫التثريب‬ ‫ـَل ِة َهذا الج ِ‬
‫فاء َو َ‬ ‫وم َعلى ُجمـ‬ ‫صا ِب ٍر ِم َ‬
‫نك ُك َّل َي ٍ‬
‫َ‬

‫و كذلك توجيهه خطاب لصديقة تغير تعامله معه يقول‪:‬‬


‫رحيب‬
‫الت ُ‬‫أهيل َو َ‬
‫الت ُ‬
‫ذاك َ‬‫َين َ‬‫أ َ‬ ‫جيب‬
‫فيك َع ُ‬
‫َمر َ‬
‫عيد َواأل ُ‬
‫يا َس ٌ‬
‫ليب‬
‫الق ُ‬
‫غور َ‬‫ُّد َوغارا َكما َي ُ‬ ‫الو‬
‫شاش ُة َو ُ‬
‫الب َ‬
‫َن َضَبت َبيَننا َ‬
‫(‪)2‬‬

‫و يعبر الشاعر في هذه األبيات الشعرية عن صداقته و شعوره بالود و المحبة آلبا نهشل‬
‫و هو يتوجه إليه بخطاب‪ ،‬وكذا صديقه الذي يتذمر عن تغير سلوكياته تجاهه وأنه لم يعد ذلك‬
‫الصديق الذي عرفه في السابق و تحيلنا هذه األبيات من الشعر إلى جانب من األخوة و‬
‫الصداقة التي تختلج صدر الشاعر و تحمل في طياتها جنب من اإلحساس بالسوق و العاطفة‬
‫و الود و األخوة‪...‬الخ‬

‫أما حديثنا عن الصداقة فقد خص لها الشاعر ثالث مقطوعات يقول فيها‪:‬‬
‫الع ِ‬
‫تيق‬ ‫الص ِ‬ ‫ِ‬ ‫فت ُه ِب َص ٍ‬
‫ديق َ‬ ‫صار أَحظى م َن َ‬ ‫َ‬ ‫ديق‬ ‫ديق َعَر ُ‬
‫َكم َص ٍ‬
‫(‪)3‬‬
‫ريق َخ َير َر ِ‬
‫فيق‬ ‫ط ِ‬ ‫عد ال َ‬
‫صار َب َ‬
‫َ‬ ‫ريق‬
‫ط ٍ‬ ‫قت ُه في َ‬
‫فيق را َف ُ‬
‫َوَر ٍ‬

‫‪ - 1‬البحتري‪ ،‬الديوان‪ ،‬ص‪.315‬‬


‫‪ - 2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.316‬‬
‫‪ - 3‬البحتري‪ ،‬الديوان‪ ،‬ص‪.315‬‬
‫‪64‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التجليات الفارسية في شعر البحتري‬

‫ويقول في بيت آخر‪:‬‬


‫َوَلم َي ُك َعما رَابني بِ ُم ِ‬
‫فيق‬ ‫سوء ِفعلِ ِه‬
‫إذا ما َصديقي رَابني ُ‬
‫ِ‬
‫ير َص ِ‬
‫ديق‬ ‫َمخا َف َة أَن أَبقى ِب َغ ِ‬ ‫ريبني‬ ‫َشياء ِم ُ‬
‫نه َت ُ‬ ‫رت َعلى أ َ‬
‫َصَب ُ‬
‫(‪)1‬‬

‫ويقول أيضا‪:‬‬
‫ِ‬ ‫الروح ِمني‬ ‫َقد َت َخَّل َ‬
‫َولِذا ُسم َي ال َخ ُ‬
‫ليل َخليال‬ ‫ِ‬ ‫لت َمسَل َك‬

‫وإِذا ما َس َك ُّت ُك َ‬
‫نت ال َغليال‬ ‫نت َحديثي‬
‫قت ُك َ‬
‫ط ُ‬‫َفِإذا ما َن َ‬
‫(‪)2‬‬

‫ففي هذه األبيات نالحظ جانب من االعتزاز و الفخر بالصديق عند البحتري و إعطائه منزلة‬
‫عالية و مكانة رفيعة و مرموقة في نفس الشاعر في قوله‪:‬‬
‫َوَلم َي ُك َعما رَابني ِب ُم ِ‬
‫فيق‬ ‫سوء ِفعلِ ِه‬
‫إذا ما َصديقي رَابني ُ‬
‫ِ‬
‫ير َص ِ‬
‫ديق‬ ‫َمخا َف َة أَن أَبقى ِب َغ ِ‬ ‫ريبني‬ ‫َشياء ِم ُ‬
‫نه َت ُ‬ ‫رت َعلى أ َ‬
‫َصَب ُ‬
‫(‪)3‬‬

‫فالشاعر في هذين البيتين يعلي من منزلة الصديق و يرف مقامه و يقر بأنه في بعض األحيان‬
‫يتغاضى عن أخطائه و تصرفاته ‪ ،‬ومخافة منه أن يبقى بدون صديق وهذا إن دل على شيء‬
‫إنما يدل على مكانة الصديق و الرفيق عند البحتري‪ ،‬وأنه يشعر بالفخر و االعتزاز بهم‪ .‬وهذا‬
‫ما نالحظه عند قراءة هذه المقطوعات الشعرية للبحتري‪ .‬وربما استقى هذه المكانة المرموقة من‬
‫الصداقة و األ خوة من الفرس في تخخيهم و مساندتهم لبعضهم البعض فهو يتأثر بهذا الجانب‬
‫من العاطفة و اإلحساس في شعره‪ .‬و هنا يظهر تأثره بالفرس من حيث الصداقة و األخوة و‬
‫كذا األلفاظ أي اللغة‪.‬‬

‫‪ - 1‬البحتري‪ ،‬الديوان‪ ،‬ص‪.317‬‬


‫‪ - 2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.317‬‬
‫‪ - 3‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.318‬‬
‫‪65‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التجليات الفارسية في شعر البحتري‬

‫و كذا نجده يتألم لمرض صديقه و يتأثر من خالله في قوله‪:‬‬


‫يت سكباً ِمن ُدموعي َعلى س ِ‬
‫كب‬ ‫الص ِب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َجر ُ َ‬
‫َفأ َ‬ ‫كرَة الهائمِ َ‬‫رت َوصيفاً ذ َ‬
‫َذ َك ُ‬
‫فيع َو ِمن ُق ِ‬
‫رب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫روف الَليالي من َش ٍ‬
‫ص ُ‬ ‫ُ‬ ‫المنى َو ُمديَلتي‬
‫فيك ُ‬‫أَصاد َقتي َ‬
‫َفال أََربي ِمنها َق َض ُ‬
‫يت َوال َنحبي‬ ‫نهما‬ ‫الدنيا وَلم أ َ ِ‬
‫ُشف م ُ‬ ‫ذه ِب ُ َ‬ ‫َمتى َت َ‬
‫(‪)1‬‬

‫ففي هذه األبيات الشعرية يتأثر البحتري بمرض و ابتالء رفيقه ويظهر مدى زنه و ألمه عليه‬
‫هذا ما الحظه في مطلع البيت األول حيث قال‪:‬‬

‫يت سكب ًا ِمن ُدموعي َعلى س ِ‬


‫كب‬ ‫الص ِب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َجر ُ َ‬
‫َفأ َ‬ ‫كرَة الهائمِ َ‬
‫رت َوصيفاً ذ َ‬
‫َذ َك ُ‬

‫وهنا يتأثر البحتري بصديقه و يظهر مخثر الحزن و األلم عليه و هو يتألم من شدة مرضه و‬
‫هنا تظهر لنا نزعة البحتري األخوية النابعة من صدق العاطفة و اإلحساس بالصداقة و الود و‬
‫األخوة‪.‬‬

‫‪ - 1‬البحتري‪ ،‬الديوان‪ ،‬ص‪.312‬‬


‫‪66‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التجليات الفارسية في شعر البحتري‬

‫‪ -4‬البحتري في بالد فارس‪:‬‬

‫استقبل الفرس شعر البحتري نسخا و شرحا و تأثرا‪ ،‬حيث ذهبت عناية بعضهم بالشاعر‬
‫إلى شرح ديوانه و اختياراته مثال أبو الخبري وهو أبو حكيم عبد هللا بن إبراهيم عبد هللا بن‬
‫حكيم الخبري نسبة إلى ( الخبر) من قرى شبراز بفارس و المتوفي ببغداد سنة (‪476‬ه) شرح‬
‫الحماسة و ديوان البحتري وعدة دواوين أخرى‪ ،‬جاء في تلخيص ابن مكتوم وهو يترجم للخبري‬
‫انه شر الحماسة و دواوين البحتري و المتنبي ‪.‬‬

‫يقول الدكتور أحمد الحوقي‪ " :‬وقد حاكى الفرس العرب في بكاء اآلثار فالشاعر الحقاني‬
‫المتوفي في القرن الخامس هجري قصيدة وقف بإيوان كسرى و استلهمه الحكمة و الموعظة‬
‫وبكى مجد الفرس التأثر و ال عجب في اهتمام الفرس هذا بالشعر العربي عامة و بشعر‬
‫(‪)1‬‬
‫البحتري خاصة‪.‬‬

‫‪ - 1‬وحيد صبحي كبابة‪ ،‬األثر الفارسي في شعر البحتري‪ ،‬مجلة ثقافتنا للدراسات و البحوث‪ ،‬العدد ‪2001 ،26‬م‪ ،‬ص‪.138‬‬

‫‪67‬‬
‫الخاتمة‬
‫الخاتمة‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫في ختام ما تم عرضه في هذه الدراسة علينا القول أن انتشار الثقافة الفارسية في العصر‬
‫العباسي لم تكن قاصرة على نشر األلفاظ الفارسية و تأثر العرب بها‪ ،‬فقد انتشرت تلك األخيرة‬
‫انتشا ار عظيما في هذا العصر الذهبي نظ ار النتقال العديد من العلوم إلى اللغة العربية‪ ،‬فنجد‬
‫مجموعة من الشعراء العرب يعجبون باللغة الفارسية و ينظمون شع ار عربيا متلبسا بمعاني‬
‫الفرس‪.‬‬

‫وقد تطرقت في هذا البحث إلى‪ :‬المجتمع العباسي و الحياة االجتماعية في العصر‬
‫العباسي و أسباب نهضة الشعر و تأثير األفكار و العقائد في العصر العباسي‪.‬‬

‫و يمكننا االستطالع على أهم النتائج المتوصل إليها‪:‬‬

‫‪ -1‬مالمح التأثير الفارسي في شعر البحتري هو تغيير جوهري تأثيره تجاوز الشكل حيث‪:‬‬

‫‪ -‬أكثر من تقليد األلفاظ مع التحديد في المعاني و الدالالت‪.‬‬

‫‪ -‬تميز شعره بجمالية اللفظ وحسن اختيار األلفاظ والتراكيب التي يسودها التعقيد و الغرابة‪،‬‬

‫موافقة للمعنى تشتد في موقع الشدة وتلين في موقع اللين‪.‬‬

‫‪ -2‬تحدثت أيضا عن شخصية البحتري و ثقافته متناولة أهم مالمحه الخارجية و النفسية‬

‫‪ -3‬كما تناولت اهتمام الفرس بشعر البحتري‪.‬‬

‫‪ -4‬تطرق البحتري في شعره جميع األغراض المعروفة عند العرب‪ ،‬حيث أن األغراض الشعرية‬

‫في هذا العصر غالبا كانت امتداد لما عليه في العصور السابقة‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫الخاتمة‬

‫‪ -5‬تأثرات اللغوية و اللفظية و الشكلية في بناء القصيدة العربية في شعر البحتري‪.‬‬

‫‪ -6‬كذلك جدد في الوصف بأنواعه و أصبح رائدا للوصف في العصر العباسي‪.‬‬

‫‪ -7‬استعارة اللغة و ألفاظها بلغة أخرى و‬

‫‪ -8‬الطابع الفارسي يضفي على الواقع السياسي و االجتماعي و الثقافي‪.‬‬

‫‪ -9‬تأثر البحتري بلغة الفرس و ثقافتهم و حياتهم بشكل كبير‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫قائمة المصادر المراجع‬
‫قائمة المصادروالمراجع‬

‫المصادر و المراجع‪:‬‬

‫المراجع‪:‬‬

‫‪ -‬ابن رشيق القيرواني‪ ،‬العمدة في محاسن الشعر و آدابه ونقده‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬الطبعة الرابعة‪،‬‬
‫دون سنة‪.‬‬
‫‪ -‬أبو بكر المولى‪ ،‬أخبار أبي تمام‪ ،‬منشورات دار اآلفاق الجديدة‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬سنة ‪.1980‬‬
‫‪ -‬األمدي‪ ،‬الموازنة بين شعر أبي تمام و البحتري‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬سنة‬
‫‪.1476‬‬
‫‪ -‬أمين أبو ليل‪ ،‬العصر العباسي الثاني‪ ،‬دار الورق للنشر و التوزيع‪ ،‬الطبعة ‪ ،1‬سنة ‪.2007‬‬
‫‪ -‬أنيس المقدسي‪ ،‬أمراء الشعر في العصر العباسي‪ ،‬دار العلم للماليين‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية‪ ،‬سنة ‪.1991‬‬
‫‪ -‬سامي يوسف أبو زيد‪ ،‬األدب العباسي‪ :‬النثر‪ ،‬دار المسيرة للنشر و التوزيع و الطباعة‪،‬‬
‫الطبعة االولى‪ ،‬دون سنة‪.‬‬
‫‪ -‬شوقي ضيف‪ ،‬الفن و مذاهبه في الشعر العربي‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دون‬
‫سنة‪.‬‬
‫‪ -‬محمد خفاجي‪ ،‬الحياة األدبية في العصر العباسي‪ ،‬دار الوفاء‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬سنة ‪.2004‬‬
‫‪ -‬محمد عبد المنعم خفاجي‪ ،‬اآلداب العربية في العصر العباسي األول‪ ،‬دار اليل‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪ ،‬سنة ‪.1991‬‬
‫‪ -‬يوسف الشيخ محمد‪ ،‬ديوان البحتري‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬لبنان‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬دون سنة‪.‬‬

‫الدوريات‪:‬‬

‫‪ -‬األثر الفارسي في شعر البحتري‪ ،‬وحيدة بحي كباته‪ ،‬مجلة ثقافتنا للدراسات و البحوث‪ ،‬العدد‬
‫‪ ،26‬سنة ‪.2011‬‬

‫‪71‬‬
‫الموقع االلكترونية‪:‬‬

‫‪ -‬مظاهر الحياة االجتماعية و الثقافية في العصر العباسي‪.www.startimes.com ،‬‬

‫‪72‬‬
‫فهرس الموضوعات‬
‫فهرس الموضوعات‬

‫الموضوعات‪:‬‬

‫كلمة شكر و عرفان‬

‫إهداء‬

‫مقدمة‬

‫مدخل ‪14......................................................................‬‬

‫الفصل األول‪ :‬الحياة األدبية للشاعر البحتري‪17.................................‬‬

‫‪ -1‬شخصية الشاعر‪18.................................................. .................‬‬

‫‪ -2‬عصر البحتري‪21........................................................ ............‬‬

‫‪ -3‬مذهبه الشعري‪25 .................................................. ..................‬‬

‫‪ -4‬خصائصه الشعرية‪25 ................................................................‬‬

‫‪ -5‬ميزته الفنية‪27........................................................................‬‬

‫‪ -6‬موضوعاته و صنعته الشعرية‪29 .....................................................‬‬

‫‪ -7‬صفة البحتري‪33 .....................................................................‬‬

‫‪ -8‬شعراء القرن الثالث‪36 ................................................... .............‬‬

‫أبو تمام ‪36 ..........................................................................‬‬

‫ابن الرومي‪39 ........................................................................‬‬

‫أبو الطيب المتنبي‪44 .................................................................‬‬


‫فهرس الموضوعات‬

‫الفصل الثاني‪ :‬التجليات الفارسية في شعر البحتري ‪50 ...........................‬‬

‫‪ -1‬في األلفاظ‪51 .........................................................................‬‬

‫‪ -2‬في األغراض الشعرية و معانيه‪56 .....................................................‬‬

‫‪ -1-2‬في المديح‪56...................................................................‬‬

‫‪ -2-2‬في الوصف‪59 ..................................................... ............‬‬

‫‪ -3-2‬في الرثاء‪63 ....................................................... .............‬‬

‫‪ -3‬في الحكمة و الصداقة‪64 .............................................................‬‬

‫‪ -4‬البحتري في بالد فارس‪67 .............................................................‬‬

‫خاتمة‬

‫قائمة المصادر والمراجع‬

‫فهرس الموضوعات‬

You might also like