Professional Documents
Culture Documents
مذكرة مقدمة الستكمال شهادة الماستر في اللغة العربية و آدابها تخصص أدب قديم
لجنة المناقشة:
إلى ذلك الشخص الذي يرقد في قبره و الذي تمنيت أن أراه يوما " أبي" رحمه هللا
إلى النور الذي يضيء حياتي ،و النبع الذي ارتوي منه حبا و حنانا ،إلى من
حصدت األشواك عن دربي لتمهد لي طريق العلم " أمي " أدامها هللا لي
إلى من تقاسموا معي الحياة بحلوها و مرها و عاشوا معي حياتي بكل تفاصيلها
أقدم إهداء خاص إلى براعم العائلة :نبراس ،رؤية ،سدرة ،يعقوب،اسماعيل.
ر.نبيلة
إهداء:
بسم هللا يحفظني ويرعاني.
أهدي ثمرة هدي إلى الذين منحوني الثقة بالنفس ،وعلموني الصبر و
المسؤولية وأن الحياة أولها كفاح و آخرها نجاح.
يا أمان األمس و الغد المشرق ،ونبع الحنان و العطاء ،يا عطر الحنان
" أبي الغالي" و" أمي الغالية "
إلى سندي و قوتي و مالذي بعد هللا ،الى من أثروني على أنفسهم ،إلى من
أظهروا لي جمال الحياة " إخوتي"
ط.خديجة
المقدمة
المقدمة
مقدمة:
عرفت الحياة الثقافية في العصر العباسي تطو ار و ازدها ار نتيجة توسع رقعة الدولة و
امتداد سلطانها خمسة قرون ونصف ،إضافة إلى تضافر جهود العرب و األعاجم معا في
اغتناء مظاهر هذه الحياة حيث كانت الثقافة من أقوى العوامل في حركة النهضة العباسية ،إذا
اتخذ الخلفاء يشجعون الحركة العلمية في مختلف نواحيها ،حتى أنهم أكرموا العلماء و األدباء و
جالسوهم و ولوهم المراكز العالية ،وقد أخذت هذه الحركة الثقافية العباسية تتسع من خالل
امتزاجها بالثقافات األجنبية األخرى.
و موضوع بحثنا يتمحور أساسا حول األثر الفارسي في شعر البحتري و الذي أثير حبل
حوله من قبل العديد من الدراسات المسبقة و هي مالمح حول الثقافة الفارسية في األدب
العباسي و تأثر العرب بالفرس ،وتأثر الفرس بالعرب ،وقد كان للشعراء الدور األهم في نقل
هذه الحركة عبر نطاق أوسع و نشر معالمها في العالم العربي عموما ،ومن أبرز هؤالء
الشعراء نجد ابن الرومي و الذي كان يتخذ األسلوب السهل منهجا .وأبي تمام و الذي كان
مولعا بغرائب األلفاظ و معانيها .باإلضافة إلى أبي الطيب المتنبي .و البحتري و موضوع بحثنا
األثر الفارسي في شعر البحتري في األلفاظ ،واستخدام المديح ،وكذلك في الحكمة و الصداقة و
الوصف ...فكيف تتجلى مظاهر التأثير الفارسي في الشعر العباسي ؟ و ما األثر الذي تركه
عند الشعراء العرب ؟
و سأحاول ف بحثي هذا التطرق إلى ذكر بعض مالمح الحضارة الفارسية و دراسة األثر
الفارسي في شعر البحتري كأنموذج.
5
المقدمة
أما المدخل فهو تمهيد لما تم التطرق له في الموضوع وتناولت فيه تاريخ الحضارة في
بالد الفرس.
و الفصل األول :تحدثت فيه عن شخصية البحتري و ثقافته وعصره ،وأهم عراء القرن الثالث
( ابن وردي ،و المتنبي ،و أبي تمام ).
أما الفصل الثاني :وفيه تطرقت ألهم تجليات وآثار الفرس في شعر البحتري في األلفاظ ،و
األغراض الشعرية ( المدح ،الرثاء ،الوصف ،الحكمة ،الصداقة ...الخ )
ووقع اختياري لهذا الموضوع لما يحمله من جوانب اجتماعية و ثقافية تأديبية تميز
العصر العباسي عن غيره من العصور ،وتجعله يحضا بمنزلة رفيعة حتى انه يسمى بالعصر
الذهبي.
أما عن الصعوبات التي واجهتها في بحثنا هذا ربما تتمثل في ضيق الوقت ألن الموضوع
يحتاج وقت كافي للتطرق في ثناياه.
و أخي ار نتوجه بجزيل الشكر لألستاذة المشرفة و التي ساهمت بإرشادنا و توجيهنا ،والى
لجنة المناقشة ،والتي تعمد إلى توجيه بعض االنتقادات و التساؤالت حول هذا الموضوع،
وتصحح بعض أخطائنا و لكم منا جزيل الشكر و التقدير.
6
المدخل
المدخل :من تاريخ الحضارة الفارسية
ينقسم المجتمع في العصر العباسي الى ثالث طبقات :الطبقة العليا و تتمثل في كل من
الخلفاء و الوزراء ،القادة و الوالة و األمراء و كبار التجار .أما الطبقة الوسطى و تشتمل على
رجال الجيش و التجار ،الفالحين وأصحاب الحرف الصغيرة .اذا كانت الطبقة العليا غارقة في
الترف و النعيم ،تجني اليهم أموال الخارج و الغنائم و واردات الدولة ،وقد قدرت األموال التي
تجى للدولة بعشرات الماليين التي كانت تفق على الجيش و الماجد و العمال و المستخدمينو
التي كانت ترسل الى بغداد يتصرف بها الخليفة و حاشيته و رجاله كما يشاؤون حتى نقلت لنا
مصادر أخبار تفوق التصور حول حجم اتفاق الخلفاء و الوزراء ،وقد بلغ ما أنفقه المتوكل
مستوى فاق انفاق الخلفاء اللذين سبقوه حيث أنفق في سنة خالفته ثمانين مليونا من الدنانير
حتى بنى ما يزيد على عشرين قص ار بعضها اشتهر حتى يومنا هذا و بلغ ما أنفقه على بناء
()1
تلك القصور مئتين و أربعة و سبعين مليونا من الدراهم و هي قصور ضخمة.
ويتكون المجتمع العربي من فئات ،باالضافة الى المسلمين هناك النصارى و اليهود و
الموس وقد صان القانون و الشرع أهم حقوقهم و عاشو عيشا هانئا ال يظلمون و ال يتجوز أحد
عليهم و يالقون المعاملة الحسنة بين المسلمين ،وكان الناس يأتون الى المسلمين و يأمنونهم
أكثر من بقية الملل و الديانات األخرى وكان بعهم في رجال الدولة وال سيما في مجال الترجمة
ومجال الطب .أما اليهود فانهم كانوا يمتهنون الحرف الرديئة و الحقيرة و الوضيعة بمعنى أن
االلتزام بالشريعة و مفكراتها كان متفاوت بدوره .فالمجتمع اعباسي أساسا مجتمع متدين غير أن
الحنات و مجالس السهر العامة و مناطق بيع المشروبات كان موجودا خصوصا في المدن
الكبرى حيث كان يختلط المسلمون بغير المسلمين .فلقد جمع المجتمع اعباسي أخالطا متباينة،
كالفرس و الروم و األتراك.
- 1ينظر :أمين ابو النيل ،العصر العباسي الثاني ،ط2007 ،1م ،الوراق للنشر و التوزيع ،ص.37
8
المدخل :من تاريخ الحضارة الفارسية
وكان الصراع العربي الفارسي محتما في العصر العباسي األول ،اال أن العرب احتفظوا
أنفسهم بالقيادة و التوجيه وزادم الفرس على هذه المكانة فكان منهم الوزراء و القادة و األمراء و
()1
الحام و لم يكن األتراك أقل نشاطا من العرب و الفرس.
أما أبناء الطبقة الوسطى فأغلبهم من الشعراء و منهم العلماء و المفسرون و متوسطوا
المهارة من الصناع و موظفوا الدواوين و الرؤساء الجدد الذين كانوا يتقاضون رواتب تكفي
حاجتهم دون زيادة مذكورة و لكنهم ال يعانون من الفقر و أبناء هذه الطبقة كانوا متوسطي
النفقات بحيث يكفي الواحد منهم أن يدفع ألف دينار ،ليشتري بها لنفسه و اذا ما اجتاز سبعمائة
دينار فانه يعد ميسور الحال و ال يعاني بل قد يعد صاحب مال.
أما الطبقة الفقيرة فانها غالبة على الشعب في العصر العباسي و تتألف من العمال و
الخدم و الحرفيين الصغار وال أتكلم على مستوى المعيشة الذي كانت تعي فيه هذه الطبقة من
واقع الثورة فان أتباعها من صغار العمال و العبيد الذين لم يكونوا يمتلكون أمام الواقع
االقتصادي على الواقع كله إلى حد كادوا يدمرون فيه الحياة السياسية و المدنية العباسية و
كان أفراد هذه الطبقة يعملون في المهن الوضيعة و الحقيرة ذات األجور الزهيدة التي يأبى أن
()2
يعمل فيها أبناء الطبقات األخرى.
- 1ينظر :أمين ابو النيل ،العصر العباسي الثاني ،ط2007 ،1م ،الوراق للنشر و التوزيع ،ص.37
9
المدخل :من تاريخ الحضارة الفارسية
ترجع صالت العرب بالفرس الى ما قبل اإلسالم فقد كان الحوار و االختالط يرجع سببا
توثيق الروابط السياسية و االقتصادية و لقد أقام األكاسرة إمارة الحيرة على حدود ممتلكاتهم
لحمايتها من عدوان القبائل العربية ،و لتامين تجارتهم داخل الجزيرة كما امتدت فتوحاتهم إلى
أطراف البالد العربية كاليمن و البحرين و كان من نتيجة هذا االختالط يوع كثير من األلفاظ
الفارسية في لغة العرب و آدابهم و كذلك العكس تأثر بعض الفرس باآلداب العربية.
حتى ليقال أن " :برهام وجدر" وهو فارسي قديم تعلم في الحيرة و أخذ الشعر عن
العرب و نظمه بالعربية فقد خضعت بالد الفرس للحكم اإلسالمي عند مجيء اإلسالم فهاجر
الفرس إلى البالد العربية و أتقن الكثير منهم اللغة العربية و علومها و آدابها فكانوا صلة بين
آداب الفرس و العرب عند قيام الدولة العباسية طورت العالقات وزاد االتصال بمساعدة الموالي
من الفرس و نقلت الخالفة إلى بغداد.
كما ظهر التغزل بالغلمان ألول مرة في تاريخ الشعر العربي والشك انه كان أثر من آثار
تلك العقاد المنحرفة التي نشأت في بالد فارس.
و الحقيقة أن أقوال غير العرب الذين اختلطوا بالعرب في العصر العباسي ظلوا متأثرين
بعقائد المجوس و أفكارهم هم الذين يقفون وراء هذا الفساد و شيوع اإلباحية التي شهدها العصر
العباسي و هناك بواعث أخرى كان لهما أثر فاعل في مجون الشعر و الشعراء نذكر منها:
- 1ينظر :أمين أبو النيل ،العصر العباسي األول ،ط2007 ،2م ،الوراق للنشر و التوزيع ،ص.52
10
المدخل :من تاريخ الحضارة الفارسية
إن األسباب التي نهضت بالشعر في العصر العباسي و تركت بصماتها واضحة والتي
كان أهمها عظيم األثر في اطالع الشعراء مثل :المفصليات للمفصل و األصمعيات
لألصمعي ،و الحماسات على رأسها حماسة أبي تمام و حماسة البحتري ،فقد جمع األقدمون
كل ما قيل من شعر عن اإلبل والطيور و أصناف الحيوانات و النبات وصنفوا كتابا في علوم
النحو و البالغة و قواعد التصريف و سعى الخلفاء إلى نقل حضارات األمم و فكرها بالترجمة
العربية و تبعه األزهري و ابن دريد و ابن منظور في مدارس معجمية قامت لتسهيل المهمة
()1
على الشعراء و األدب و خاصة معاجم القافية.
فاالختالط مع األمم األخرى أدى إلى التأثير و التأثر و تطور العالقات مما ساهم هذا
األخير في نمو مجموع من اتجاهات شعرية جديدة تحاول التطاول على البناء التقليدي كما أدى
بين إلى ظهور مجموعة من المفردات الفارسية في الشعر العباسي داللة على االمتزاج
()2
العنصر العربي و الفارسي.
جاء الفراهيدي بإضافة جديدة للمكتبة العربية هو علم موسيقى الشعر العربي أو ما نسميه
"تعلم العروض" لتقويم الشعر .
كانت الشروحات على دواوين فحول الشعراء بمثابة علوم تطبيقية لمتذوقي الشعر ،وليقفوا
على طرائق الشعر القديم و قسم علماء العصر العباسي األول الشعراء إلى طبقات و بينوا
فلسفة التقسيم مثلما فعل ابن سالم و ابن المعتز و ابن قتية في مصنفاتهم.
وجاء المعتزلة ليضيفوا إلى العربية علوم البالغة و قواعد البيان فصنفت الكتب في ذلك
وفي مقدماتها:
- 2محمد غنيمي هالل ،األدب المقارن ،دار النهضة ،مصر ،د ط1998 ،م ،ص. 21
11
المدخل :من تاريخ الحضارة الفارسية
البيان و التبيين للجاحظ ،وابن معتز في كتابه " البديع " مما يؤكد ن العربية بخصائصها
()1
و مفردات جالها معنى و مويقى و نحو و بيان كانت متوافرة بين أيدي الشعراء.
لكننا نقول أن هذه العوامل كانت أن تختفي في هذا العصر فان تلك الفتية التي عاشت
في حماية المنصور و الرشيد ذات الثراء العريض و السلطان الواسع و الحياة األدبية و مجالس
الخلفاء أضحت جزءا من التاريخ.
أما المنح و العطايا فال نجد لها أث ار ألن الخليفة مشغول بنفسه و عن االستمتاع بالشعر
و سماعه.
إال أن البعض يتساءل عن وجود شعراء أمثال :البحتري وابن الرومي وابن المعتز وغيرهم
()2
في مثل هذه الظروف الحالكة التي مرت بها.
- 1ينظر :أبو العباس عبد هللا ،ابن المعتز البديع ،مؤسسة الكتب الثقافية ،ط ،1د ت ،ص.73
12
المدخل :من تاريخ الحضارة الفارسية
انتشار األفكار و العادات األجنبية في المجتمع العباسي أدى الى التأثر و التأثير و
سيطرة العناصر غير العربية على شؤون الدولة في فترة طويلة مما أدى ذلك إلى ترويج و تفتح
آفاق الناس و الشعراء على حياة جديدة و ألوان من الحضارة لم يألفوها في عصورهم السابقة و
هذا التأثير األدبي و الشعري ط أر على البيئة و المجتمع و تطور فأصبح الشعراء هدفهم أن
يبعثوا في النفوس ما يرفعها إلى آفاق الحياة القوية أقل من ميلهم إلى ألباب الناس بمادة جديدة
لألدب بمعان و عبارات جميلة و دقيقة فلقد عاد األدب مرة أخرى إلى كشف ما يحيط باإلنسان
في حاضره و كان من الطبيعي أن تحتل المعاني مكانة كبيرة في شعر أقصى غايته البحث
عن كل ماهو جديد و قد ترتب عن هذا تيقظ حواس الشعراء و نفاذها إلى بواطئ األشياء
محاولين بذلك الكشف عن خصائصها و أسرارها الدقيقة و كانت و سيلتهم التصوير و هذا
()1
شيء جديد لم يألفه شعراء العرب األولين فقد كان الشعر عندهم فنا لغويا فقط.
إذ نجد أن عامة التجديد في األدب شعره و نثره في عصر نفوذ الخلفاء العباسيين معقودا
لواءهما بين المثقفين بالفارسية والعربية ،فعبد " الحميد الكاتب " و " ابن المقفع " هما أساسا
التجديد للمولدين في الشعر ،فالنتاج الذي يجيده العرب في الفارسية و الفرس في العربية مع
خير كبير في خدمة بالغات العرب و الفرس ميعا من معان و خياالت و أساليب ،لذا أحدثوا
آثا ار واسعة في ما يخص كل من الشعر و النثر على حد سواء فجددوا في المعاني و الخياالت
و األغراض و طرق األداء و األسلوب ،فبهذا تعددت األغراض و اتسع مجال التفكير و الخيال
()2
و ظهر التأنق في التعبير مع المحافظة على فصاحة اللغة العربية و األخذ بأساليبها.
- 1عثمان موافي ،التيارات األجنبية في الشعر العربي ،دار المعرفة الجامعية ،ط ،1دت ،ص.331
13
المدخل :من تاريخ الحضارة الفارسية
يقول الجاحظ" :عن موسى بن سيار وهو واحد من الذين أتقنوا الفارسية و العربية ،كان
()1
من أعاجيب الدنيا و كانت فصاحته بالفارسية في وزن فصاحته بالعربية"
ومثله كثير ممن أجادوا اللغتين وجمعوا بين الثاقفتين كابن المقفع وسهل بن هارون
وسواهم ممن كان لهم الفضل الكبير في رقة األساليب العربية واقتباس المحسنات البديعيبة
()2
واتساع الخيال واستحكام المعاني و االبداع والتجديد.
لم يشهد أي عصر من العصور التالية :الجاهلي ،عصر صدر االسالم ،العصر األموي
مجونا فاضحا مكشوفا مثلما شهد العصر العباسي ،فمجموعة من الشعراء المجان طالعونا وهم
يدوسون على الفضيلة التي صارعت على مذبح اللهو بشارين برد و أبي نواس وغيرهم ممن
خلع ثوب الوقار و العفة و الحياء .
ودقيقة األمر انا المجون في الشعر العباسي أصبح غرضا مستقال بذاته سجل الشع ارء
فيه كل ماتعارف عليه المجتمعالعباسي و ال سيما العناصر غير العربية ،كالفرس الذين خرجوا
على كل القيم و المثل العربية و االسالمية.
إن استقراء شعر الشعراء المجان في العصر العباسي كفيل بأن يقرر أن مجونهم لم يكن
ساذجا أو بسيطا ولم يكن صاد ار عن عاطفة إنسانية ،بل كان صاد ار عن عقيدة استمدت
أفكارها من وحي العقائد الغالية التي أباحت المحرمات و اتخذت من المجون وشرب الخمر
طريقا إلشاعة الفساد و إضعاف الوازع الديني في النفوس و بالتالي النيل من العروبة و
()3
اإلسالم.
،
- 1شوقي ضيف ،الفن و مذاهبه في الشعر العربي ،القاهرة ،دار المعارف ،ط1976 ،6م ،ص.176
- 3فوزي عيسى ،في الشعر العباي ،دار المعرفة الجامعية ،االسكندرية ،ط2008 ،1م ،ص.14
14
المدخل :من تاريخ الحضارة الفارسية
كانت للفرس حكم وأمثال و تصويرات بديعية وضع ذلك كله تحت أعين العرب و كانت
المعاني الفارسية ترشد العربي الى أمثل طرق التصوير فيقوم الشعراء بنظم ما شرب إليهم من
الصور الفارسية.
فلقد كان ألعتابي الشاعر لصلته بالثقافة الفارسية جيد المعاني ويقول أبو هالل العسكري
في رسالته » :التفضيل بين بالغتي العرب و العجم للفرس أشعار ال تنضبط كثيرا ،ولليونانيين
()1
أشعار دون الفرس «
هذا إلى ما جد من فنون أدبية بتأثير االمتزاج بين العرب و الفرس ،وانتشار الثقافة
الفارسية كاألدب القصصي و أدب الزهد و أدب المقامة ،وان كنا ال ننكر سرى إلى العربية من
()2
ضعف الملكات و االفتنان بالبديع.
أنشئ منصب الو ازرة و جعل في الغالب وفقا على االذكياء من الفارسيين .فلقد نشر
الوزراء و الكتاب الفرسنشر ثقافتهم و ىدابهم و التمكين لمعارفهمفي لبيئة العربية حتى صار
اإللمام بهذه الثقافة و التمكن لمعارفهم من تلك اآلداب مما يرفع قدر األديب و يجعله مرموق
المكانة .يقول عبد الحميد الكاتب من وصيته إلى الكتاب :واعرفوا أيام العرب و العجم و
أحاديثها وسيرها ،فإن ذلك معين لكم على ما تسعون إليه بهممكم
لقد كان التأثير الواضح المتزاج الثقافتين ،األلفاظ الفارسية التي عربت و نقلت إلى
العربية و خاصة نجدها في أسماء الحلويات ( كالبالوذة ،الكامخ ) ومن األشربة الجالب (ما
الورد) ومن النباتات ( التوت ،الحنبار) و ألفاظ العلوم مما نسمع ( الزئبق و المغناطيس و
()3
الزرنيخ ) و أكثر مما يغنينا أثر الثقافة الفارسية على األدب في العصر العباسي.
،
- 1أبو هالل العسكري ،الضاعتين ،بيروت ،لبنان ،دار الجيل ،د ط ،دت ،ص.213
- 3الجاحظ ،البيان والتبيين ،تح :عبد السالم هارون ،القاهرة ،مكتبة الخانجي ،ط ،2مجلدان ،ص.231
15
المدخل :من تاريخ الحضارة الفارسية
هنا نجد حماسة أبي تمام في باب الوصف عكس مايالحظ في شعر المدثين من االكثار
في الوصف حتي يخيل للمتصفح شعرهم أنهم وصفوا كل شيء وقعت عليه أعينهم ونفذت إلى
باطنه حواسهم و مشاعرهم على أن الوصف كان معروفا عند العرب و لكنهم كانوا يتناولون
على أن الوصف كانمعروفا عند العرب و لكنهم كانوا تناولون فيه ما يتصل بالبادية و الذي
استحدث في العصر العباسي ،فلقد تنوعت مصادر الثقافة و المعرفة أمام الشعراء فقدم لهم
علماء اللغة مادة وافرة ووجدوا أمامهم كثي ار من الدواوين لشعراء العصور التي سبقهم ال سيما
()1
الجاهلية.
16
الفصل األول
الفصل األول :الحياة األدبية للشاعر البحتري
" هو الوليد بن عبد هللا بن يحيى البحتري الطائي ،من يحتر بن عثود ثم من طئ .ويكن
أبا عيادة .وهو كما يقول أبو الفرج :شاعر فاضل حسن المذهب ،نقي الكالم مطبوع .كان
مشايخا رحمة هللا عليهم يختمون به الشعراء .وله تطرق حسن فاضل نقي في ضروب الشعر
سوى الهجاء فان بصناعته فيه نزرة وحيدة منه قليل .وكان ابنه الغوث يزعم ان السبب في قلة
بضاعته في هذا الفن أنه لما حضره الموت دعابة ،وقال له اجمع كل شئ قلته في وقت
فشقيت به غيضا .وكافأت به قبيا فعل بي ،وقد أيدي الناس من هجائه فاكثره ساقط ال يشاكل
طبعه و ال يليق بمذهبه .حيث تتبئر حالتها و قلة حطه في الهاء .وانبذلك البحر يتشبه بأبي
()1
تمام في عره و يحذوا مذهبه "
وشعر البحتري هو مصدر من مصادر البالغة الرئيسية يبعد القرآن الريم .والم االظ .و
هذا ماقاله الثعلبي عن شعر البحتري في صدقه و فنيته .حتى ان قورنبلغة القرآن الكريم ،غير
أن بني عصره تاثروا بشعره و بحضارته الفارسية .و بذلك قال عنه الثعالبي في كتابه " برد
األكباد في االعداد " أن أبو القاسم االسكاني قال " :استظهاري على البالغة ثالثة القرآن،
()2
وكالم الجاحظ ،وشعر البحتري "
و بناءا على هذا نستخلص أن الثعالبي تاثر تاث ار مباش ار لشعر البحتري و لغته في صدقه
و فنيته و اسلوبه حتى أنه قورن من حيث صدقه و فنيته بلغة القرآن الكريم فقيل عنه انه
مصدر من مصادر البالغة الرئيسية بعد لغة القرأن الكريم.
- 1محمد عبد المنعم خفاجي ،الحياة األدبية في العصر العباسي ،دار الوفاء للطباعة والنشر ،اإلسكندرية ،ط ،1ص.199
- 2وحيد صبحي كبابة ،األثر الفارسي في شعر البحتري ،مجلة ثقافتنا للدراسات و البحوث ،العدد 1432 ،26ه2011-م،
ص.199
18
الفصل األول :الحياة األدبية للشاعر البحتري
أما اذا ساقنا الحديث للقول في ثقافته فمن سوء حظه " أن المصادر كانت شحيحة في
الحديث عن ثقافته و مصادره ،غيرأن ديوانه من االشارات ما يؤطكد على اطالعه بعلوم عصره
( المتصلة بالدين ،و اللغة ،و التاريخ ) و حتى المتصلة بالفالسفة و المنطق و ما يعيننا هنا
هو ثقافته التاريخية و الفارسية .فقد أحاط الرجل بأخبار االمم العابرة ،وبخاصة جدوده في
اليمن و ماكان لهم من مجد شامخ .هذا فضال عن أخبار الفرس .و ملوكهم اللذين تربطهم
()1
بالفرس عالقات متبنية "
أي الديث عن ثقافة البحتري تحيلنا الى اطالعه على شتى علوم عصره المحتلفة و تخيره
لها في مجال الدين و المنطق و اللغة و التاريخ و غيرها .و كذلك احاطة باخبار و تاريخ
االمم السابقة مثل التاريخ الفارسي على سبيل الذكر.
أما علمه بتاريخ الفرس فدليله حديثه في سينيته على آل ساسان و قصورهم ومن ذلك
قوله في مدح الحسن بن سهل:
س َو َص ِ
غير بير ِمن ِ
فار ٍ ُك ِّل َك ٍ هرجا ِن َحّق ًا َعلى
لم َ
ِ ِ
إ َّن ل َ
()2
ِ
الخير َهل الُنهى َوأ ِ
َهل جان أ ِ
ِ لوك َذوي التي عيد ِ
آبائ َك الم ِ ُ
ُ
وهو في هذه األبيات يشيد بأصول ممدوحة الفارسية مذك ار بسالف مجد القدس و حضارتهم وال
عجب بتلك اإلشادة بعدما ذكرنا الصلة التي تربط الفرس بقوم الشاعر اليمانيين .تلك الصلة
التي يشير إليها بقوله:
نو ِر ُح ِ
مس الس َّ
حت َِب ُكمــــا ٍة َت َ اه
ــــدوا ُقــو ُ
لكنـــا َو َش ّ
أََّيدوا ُم َ
ِ ()3
عـــن َعلى الُن ِ
ــحور َو َدعس ط ٍ ط ِب َ َ وأَعانـــــوا على َك ِ
تـــائ ِب أَريــــا َ َ
يبين لنا الشاعر في هذه االبيات لل التي تربط الفرس ببالد اليمن من حيث الحضارة
وربط التاريخ و اللغة و غيرها ...ويذكر من وقائع التاريخ القديم مساعدة الفرس لقومه اليمانيين
في رد االحباس .ولعل هذه االشارة تفسر لنا سبب نزوع الشاعر نحو الفرس .وهذا النزوع تجال
في تشيعه من جهة.
هذا من مالمح منزعه الفارسي أيضا أنه في مقام المفاضلة بين األتراك و الفرس.الذي
يعلي من شان الفرس .ويجعلهم مقصده حين تواحمت عليه هموم الحياة وماالهموم اال ما يراه
من األتراك:
فاذا ماتسائلنا عن مصادر ثقافة الشاعر الفارسية هذه .فاننا نجدها في البيئة العاسية التي
قدر للبحتري أن يعيش فيها وهي بيئة غلب عليها الطابع الفارسي .ولكن ما ينير االستغراب
حقا هو» أن نرى شاع ار عربيا كالبحتري ينزع هذا المنزع الفارسي « وهو االمر الذي دفع
شوقي ضيف الة أن يتهمه بضعف احساساه بعروبته.
وبذلك فان مصادر ثقافة الشاعر هي ثقافة عباسية وهي بيئة غلب عليها الطابع الفارسي.
حيث كان الشاعر يرتبط بالفرس ارتباط وثيق في ثقافته و حضارته و تمسكه ببالد فارس .وهذا
ما يجعله ينتمي الى بالد فارس بالرغم من عروبته اي شاعر عربي.
- 1وحيد صبجي كبابة ،االثر الفارسي في شعر البحتري ،مجلة ثقافتنا الدراات و البحوث ،العدد 1432 ،26ه2011-م،
ص.199
20
الفصل األول :الحياة األدبية للشاعر البحتري
" و الواقع هو أن البحتري ذو نزعة عربية صريحة » فهواه يميل مع القادة العرب و
الطائيين بخاصة« و لطالما افتخر بالعرب و أشاد بفضائلهم .بل كثي ار ما تأخذه العصبة القبلية
إلى الفخر بأصله اليماني ...أو القادة و الرؤساء العرب.
و عليه فان اتهام البحتري في عروبته ال يخلو من التعسف .وهو الذي جاهر بالتفاخر
بقومه العرب ،وجزع حين أصابتهم النكبات .ولذلك كان البحتري عربي الهوى غير انه عندما
شعر في بغداد بسطوه الموالي قدمهم على العرب ،جل نجده يشيد بفضلهم على الدولة العباسية
.وهكذا أقام المعادلة بين الطرفين .فهو يمتدحهما كليهما وال يتفرع عن الشماتة بالفرس أو
()1
االستهانة بالعرب حين يستدعي األمر ذلك "
و هذا يقودنا للقول في عروبة البحتري و انتماءه إلى األمة العربية و تحيزه لها .ما ال
ينفي ارتباطه بالفرس و الحضارة الفارسية على حد السواء .وهذا ما يسوقنا لفصل في أن
لشاعر البحتري عربي األصل و المنبع ذو ثقافة و خصال فارسية .وذلك من خالل ارتباطه
الوثيق ببالد الفرس و حضارتهم بالرغم من انه شاعر عربي بدون أي منازع.
" كان العصر العباسي عربي الملك شكال فارسي الجوهر" وفي ذلك يقول الجاحظ دولة
بني عباس أعجمية خرسانية ،لهذا غلب الطابع الفارسي على الواقع في هذا العصر" .
يقول حامد عبد القادر " :يمتاز القرن األول من الخالفة العباسية الذي يسمى احيانا
(العصر الذهبي للخالفة العباسية) من الوجهة السياسية بالقوة لنفوذ الفرس و توليهم زمان الحكم
و في مقدمتهم البرامكة ومن الناحية الثقافية التفكيرية بانعقاد مجالس الحوار و المناقشة
والجدل بقصور الخالفة .
- 1وحيد صبحي كبابة ،األثر الفارسي في شعر البحتري ،مجلة ثقافتنا للدراسات و البحوث ،العدد ،2001l ،26ص.201
21
الفصل األول :الحياة األدبية للشاعر البحتري
و من الناحية الدينية بقوة سلطان الشيعة و تغلب مذهب المعتزلة اللذين كانوا يصفون
أنفسهم بأنهم أهل العدل و أهل التوحيد و يصفهم الفرنجة بأنهم أرباب التفكير الحرفي في
()1
اإلسالم".
و ما يمكن استخالصه حول العصر الذي عاش فيه البحتري أنه عربي الملك و فارسي
الجوهر .أي انه عربي األصل و المنبع .و فارسي الجوهر بارتباطه بالفرس و هذا ماال يمكن
تجاوزه أو نفيه فهي مسلمة ال يمكن نفيها أو تخطيها فأثر البحتري بارز في بالد الفرس.
أما إذا ذهبنا إلى مظاهر السيطرة الفارسية في العصر العباسي فيمكن إجمالها فيما يلي:
-1إنشاء وظيفة الوزير األول ،وقيام بيوت اإلذن ،ومصلحة البريد و استحداث وظيفة السياق،
و انتشار المنجمين .أضف إلى ذلك انتشار الغناء والقيان و شيوع الخمر و الغلمان.
-3ارتداء المالبس المزركشة في قصور الخالفة ،حيث كان المتوكل يرتدي المالبس الفارسية.
-6انتقال الجواري أو األميرات الفارسيات إلى البيت العربي و هجرة بعض األسرة الفارسية إلى
البالد العربية و ما يعني ذلك انتقال اللغة و العادات.
-8شيوع الترف و اللهو ،و تعدد األزياء و الفرس و األثاث واألحذية بأسمائها األعجمية.
22
الفصل األول :الحياة األدبية للشاعر البحتري
وهذا ان دل على شيء انما يدل على غلبة الطابع الفارسي على المجتمع اعربي في
العصر العباسي .غير أن سلطان الفرس لم يقتصر على ذلك ،اذ كانوا في طليعة المؤلفين و
الكتاب و الشعراء ومن يدرس تاريخ التدوين و التأليف في االسالم يجد أن معطم المبرزين في
هذا الميدان كانوا من الفرس اللذين اطلق عليهم اسم الموالي .وليس من يذكر فضل هؤالء حتى
في أشد العلوم و الفنون اتصاال باللغة العربية والقرآن و الحديث و الشريعة االسالمية .فمنهم
معظم أئمة اللغة و المفسرين و جامعي األحاديث و كثير من الفقهاء.
أي أن المجتمع العربي ذو طابع فارسي في العصر العباسي و ليس عجبا فقد كثر في
العصر العباسي أنباء الفرس العلماء بالعربية و الفارسية .وكان في العصر نفسه عر يعرفون
الفارسية و هؤالء كان لهم في الشعر و النثر أفار فارسية في قوالب عربية و هذا ما جعل
للعرب يختلطون بالفرس و يمتزجون بهم و يأخون منهم و عنهم وربما هذا مانالحظه عند
البحتري على وجه الخصوص.
وان مثلنا لهذه الطائفة نجد ( ابن المقفع ،وسهل بن هارون ،والفضل بن سهل ،وموسى
بن سيار األسطوري)...
كما كان للترجمة الدور الواسع في انتشار الثقافة الفارسية فقد مضى الشعراء منذ ظهور
كتابي األدب الكبير و األدب الصغير البن المقفع يتأثرون بما نقله فيهما من تجارب الفرس و
حكمهم وو صاياهم في الصداقة و المشورة و آداب السلوك و السياسة ...وهكذا اتسعت حركة
الترجمة في هذا العصر العباسي " .حتى ليكاد يظن االنسان انه لم يكن هناك أحد ال تتسع
قراءاته .فتشمل جميع مواد الثقافات المعروفة حينئذ من عربية و االمية وأجنبية من موارد شتى:
موارد هندية و فارسية ويونانية مع ماكان يداخل المعارف الهيلية من موارد شرقية فارسية و
()1
غير فارسية "
23
الفصل األول :الحياة األدبية للشاعر البحتري
وبهذا يكون للترجمة الدور األهم واألساسي في نقل و انتشار ضارة و ثقافة الفرس في
النطاق العربي عموما .وفي مختلف ماالت الحياة .وربما كان لكتابي األدب الكبير و اأدب
الصغير البن المقفع الدور األساسي لتتبع الحضارة الفارسية و التأثر بها .وذلك لما نقله ابن
المقفع من وقائع و تجارب الفرس في مختلف المجاالت .و هكذا اتسعت ظاهرة الترجمة في
العصر العباسي ،وبذلك سمي ها العصر بالعصر الذهبي بفعل عامل الترمة وماكان لها من
دور في نقل تجارب وحضارة الفرس عبر نطاق واسع.
" األمر نفسه نجده عند البحتري ،فهو على ارغم من عدم تعمقه في الفلسفة و لثقفات
االجنبية األخرى نجد في أشعاره آثار الثقافات األخرى التي عاصرته حتى ال نراه يشيد بالعلم و
المعرفة في بعض ممدوحيه بمن يدعوا هذه الدعوة أن يطلقها على نفسه و أن يأخذها بالعلم و
التثقيف .غير أنه يستوجب أن نميز بين األثر الفارسي العام و ثر األدب الفارسي في األدب
العربي غير مفسرين في ادعاء األثر الثاني ،فاالقع أن األدب الفاري في عصر اتصال الفرس
بالعرب لم يكن عظيم الخطر،واذي تجم الى اآلداب العربي من افارسية قليل مع كثرة ماترجم
()1
من اآلداب اليونانية "
و نستنتج في هذا الصدد أن الطابع الفارسي وان كان يغلب على بيئة البحتري مما سمح
له بانتقال األثر الفارسي و تفشيه في مجمل أشعاره اي ديوانه الشعري ،وقد كان لذلك صداه في
طبيعة تجليات الفاري في شعر البحتري.
وما يمكن استخالصه من كل هذا أن الطابع الفارسي الذي ان يغلب على بيئة البحتري
ساهم في تفشيه و انتشاره في ديوانه الشعري ،وتأثره تأثر واسع بثقافة و حضارة الفرس حتى أنه
تغنى بثقافة باد افرس في مجمل أعاره ،وربا ان هذا االمتزاج الثقافي ( العرب بالفرس) األثر
البالغ في نتشار الثقافة الفارسي عبر أوسع نطاق.
24
الفصل األول :الحياة األدبية للشاعر البحتري
-1-3مذهبه السياسي:
من الطبيعي أن يكون عباسيا وقد توهم األستاذ مرجيليوث في األبيات التالية:
يـعـ َة ِ
اإلسـالمِ ِ يع َة أَهلِها
مــيـن َوَد َ
المــســل َ
َو ُ الدنيا َو َض َ
ـيـعـ َة ُ
يـا َض َ
ُيــجــزي َعــلى األَّيــا ِم ِبـاألَّيـا ِم َعدائ ِه
هـذا ِابـن يـوسـف في ي َدي أ ِ
َ ُ ُ َ َ
()1
ُم َّــيةــُ َلو َر َعــت ِب ِــنـيـامِ
ــنــه أ َ
َع ُ نه َوَلم َت ُكن العّب ِ
اس َع ُ نـامـت َبنو َ
َ
ففي هات ه األبيات الشعرية الشاعر يتمنى عودة زمان حكم بني أمية ،وهو يذكر حادثة تعذيب
يوسف الثغري وهو بين اعدائه محاوال بذلك ان يحرك شعور قومه لتخليص الرجل من ايدي
العدو ،وفي هذه االبيات صيغة سياسية.
-4خصائصه الشعرية:
" كان البحتري شاع ار ملئ زمانه ،وملئ السمع و البصر ناهز الثمانين من العمر و
مافتئ بقول الشعر بدأه مادحا أصحاب البصل و الباذنجان منتهيا بمدح الخلفاء األمراء و
الوزراء و الكتاب ،معادما ستة من الخلفاء هم :المتوكل و المنعر و المعنز و المستعين،
()2
والمهتدي و المعتمد ،وظل يقول الشعر اكثر من ستين عاما "
وهذا ما يؤكد براعة الشاعر في العديد من االغراض الشعرية خاصة منها المدح وذلك من
خالل مدحه ألصحاب البصل و الباذنجان و كذا مدحه للخلفاء و االمراء والوزراء و غيرهم .وهو
ال يقف عند غرض المدح وفقط و انما طرق شعره جميع األغراض الشعرية المعروفة عند العرب
انذاك و تتمثل في المدح و االعتذار و الرثاء و الغزل و غيرها.
25
الفصل األول :الحياة األدبية للشاعر البحتري
و اتسمت أشعاره كذلك وبعد اجماع الشعراء على وصف شعره بسالسة العبارة و حسن
الديباجة وهناك بعض اآلراء من كبار القدامى في شعره:
يقول الثعالبي " :يضرب به المثل ألن اإلجماع واقع على أنه في الشعر أطبع المحدثين
والمولدين ،وإن في كالمه يجمع الجزالة والحالوة والفصاحة والسالسة ،ويقال أن شعره كتابة
()1
معقودة بالقوافي"
يقول ابن الرشيق" :وأما البحتري فكان أملح صنعة وأحسن مذهبا في الكالم يسلك فيه
()2
دماثة و سهولة مع إحكام الصنعة وقرب المأخذ ال يظهر عليه كلفة وال مشقة"
يقول ابن األثير وهو يصفه " :فإن مكانه من الشعراء ال يجهل وشعره هو السهل الممتنع
()3
الذي تراه كالشمس قريبا وضوؤها بعيدا مكانها".
ويذكر البقالني في (إعجازه) ويذكر تفضيله له بديباجة شعره على ابن الرومي وسواه،
()4
وتقدمه بحسن عبارته وسالسة كالمه وعذوبة ألفاظه وقلة تعقد قوله"
وهكذا ما يؤكد وصف بعض الشعراء لشعر البحتري وت تفضيله على شعر أبي تمام
فهو حسبهم أملح صفة و شعره السهل الممتنع و كذا تفضل شعره على ابن الرومي و سواه
فهؤالء الشعراء يفضلون شعر البحتري على شعر بقية الشعراء اآلخرين ويجعلون منه أحسن
صفة و احسن مذهب و قرب ا لماخذ بحيث ال يظهر عليه كلفة وال مشقة .و هذا ربما ما اتسم
به شعر البحتري عن غيره من بقية الشعراء.
ويقول الدكتور شوقي ضيف " :والبحتري إنا هو رمز لحركة التمسك بالصياغة العربية،
بل التمثل لها بحيث تجري في نفس الشاعر سليقة الشعر العربي بكل سماتها وشاراتها وبكل
معانيها وخواصها ،بحيث يفقه ذلك كله فقها تاما دقيقا ،بما أتيح لها عند العلماء وأصحاب
البالغة من مالحظات جمالية تنبع من الثقافة بالشعر السابق ،قديمة وحديثة ومن الذوق
()1
المصفى المتحضر ومن الشعور المرهف الرقيق "
فمن المؤكد من قول شوقي ضيف هو إرجاعه و تصريحه التام بعمود الشعر عند
البحتري و تمسكه به و بالصياغة العربية القديمة و هو بذلك شاعر متمسك بالصياغة العربية
القديمة للشعراء القدامى حيث تجري في نفس الشاعر سلقية الشعر العربي بكل سماتها و
معانيها و تراكيبها و يجعلها مسا ار ينحوه في نظم الشعر ،وربما هذا ما جعله شاعر مقلد
بالدرجة األولى عكس بقية الشعراء اآلخرين.
-5ميزته الفنية:
" يعد البحتري إماما لشعراء الوصف في العربية ،وهو يعيد إلى الخيال أكثر مما يعيد إلى
الفكر .ويركن إلى حسن الديباجة و اللفظ السهل و المعنى السريع الفهم مع غرام بالمحسنات
()2
البديعية بعيدا عن الغلو و اإلسراف فيه ،وتقع أوصافه في قصيدة المدح "
ويتفرع وصفه إلى فئتين جازرتين:
أ -وصف الطبيعة :استأثرت الطبيعة بوصف الربيع و المطر و الرياح و شقائق النعمان
و النسيم ،كما وصف بعض الحيوانات كالذئب و األسد والفرس وتمتاز أوصافه باألصالة بما
أضفناه عليها من فيض روحه الشعري و أدائه النقي المتقن
27
الفصل األول :الحياة األدبية للشاعر البحتري
ومن ذلك أبياته في وصف الربيع التي وردت في آخر مديحه في الهيثم بن عثمان
الغنوي:
أن َي َت َكّل َما
كاد ْ الح ِ
سن حّتى َ ض ِ
من ُ
َ احك ًا ختال َ
لق َي ُ
ط ُبيع ال ّ
الر ُ
اك ّ
أ َت َ
باألم ِ
س ُن َّو َما ِ وز في َغَل ِ
أوائ َل َوْرٍد ُك ّن ْ الد َجى
س ّ َوَقد َنّب َه الّن ْوُر ُ
ِ
بل ُم َكَّت َما َين ُّث َحديثاً َ
كان َق ُ فكأّن ُه
ُي َفّتُق َها َبْرُد الّن َدىَ ،
َعَلْي ِهَ ،ك َما َن َّشْر َت َو ْشياً ُمَن ْمَنما اس ُه و ِم ْن َشج ٍر رّد الر ِ
بيع لَب َ
َ َ ّ ُ َ
()1
كان ُم ْح ِرما ان َق ًذى لِْل َع ِ
ين ،إ ْذ َ َوَك َ فأب َدى لِْل ُعيو ِن َب َش َ
اشةً، أح َّلْ ،
َ
ونلتمس في هذا النص دقة التصوير و لطف المعاني للشاعر ووصفه للربيع بطريقة صريحة و
مباشرة ،وهو ذلك الوصف الدقيق الذي جعل له مكانة عالية في الساحة األدبية و الفنية و
كان بمثابة ميزة فنية جمالية يضيفها ألشعاره تميزه عن بقية الشعراء إلى جانب صنعته اللفظية.
ب -وصف العمران :أولع البحتري في وصف مشاهد الحضارة السيما وصف القصور
التي شادها المتوكل وكذلك وصف إيوان سكري ،وقد بلغ في وصفه مستوى رفيعا يكاد يكون
فيه منف ار وهو يجري في وصفه مع البديهية و الطبع دون تكلف مما يجعل ألفاظه و صوره و
معانيه تنساب بيسر و سهولة .ومن ذلك وصفه لبركة المتوكل ومنها قوله:
يلج الشاعر من خالل هذه األبيات الشعرية إلى وصفه لبركة المتوكل و توغله في
الوصف وهو بمثابة وصف حسي يصور لنا من خالله تلك البركة بصور رائعة و دقيقة و هو
ما يفعله الشاعر الذي يصف جمال الطبيعة و يضفي عليها صور و ألوان رائعة ،وهذه ميزة
الوصف ربما عند البحتري و التي تجعل من شعره دقيقا و سهال و يحمل جانب فني و جمالي
يميزه عن بقية األشعار .ومن هنا نستخلص نوعين من الوصف عند البحتري وهو الوصف
الحسي و الوصف الخيالي و الذي من خالله يعمد الشاعر إلى ما وراء الطبيعة و الخيال.
وفتح نطاق أوسع للخيال على عكس الوصف الحسي.
" كان البحتري شاع ار ملئ زمانه و ملئ السمع و البصر ناهز الثمانين من العمر وما
فتئ يقول الشعر .وطرق بذلك البحتري في أشعاره جميع األغراض الشعرية المعروفة عند
العرب و اجاد في المديح و االعتذار و الرثاء و الغزل و جدد في الوصف بانواعه و أصبح
رائدا له في العصر العباسي".
-1-6المديح :البحتري شاعر التكسب نظم أجمل مدائحه في عهد المتوكل وقد توسع
هو و أستاذه أبو تمام على عرش قصيدة المدح في القرن الثالث للهجري يروي ماحدث في
مجلس الخليفة المستعين .فيقول كنت من جلساء المستعين من الشعراء فقال لست أقبل اال ممن
قال مثل قول البحتري في المتوكل:
()1
في ُو ْس ِع ِه َل َس َعى إَلْي َك الِمْنَبُر َل ْو أن ُم ْشتا ًقا َت َكَّل َ
ف َف ْو َق ما
تظهر من خالل هذه األبيات نزعة الشاعر الفردية و ىثار عصره فهو بذلك يقيم لنا فوائد نفسية
و أدبية تظهر في شعره ،وهو يمدح المتوكل في شعره .ومعظم قصائده المدح عند البحتري
نجدها في مدحه للخليفة المتوكل وقصوره ...الخ
29
الفصل األول :الحياة األدبية للشاعر البحتري
وقد يلجأ الشاعر في مدحه ألحد العظماء و الخلفاء لغاية التكسب و المال .وقد يمدح
الخليفة وال يلجأ الى ان يهجوه اذا مات فوجد بذلك وسيلة للغنى و الثروة ومدائحه تتميز بنوع
من المالية و الرقة و السهولة في األسلوب بعيدا عن تكلف الفكرة و تعسف المعنى.
الزم ِ
ان ُم َش َّهُر ِ َفاْنعم ِبيو ِم ِ
الف ْط ِر َعْين ًا ،إّنه
َي ْوٌم أ َغُّر م َن ّ َ
()1
َْ َْ
ونلمح في هاته األبيات الشعرية أسلوب الشعار الوصف و السهل البعيد كل البعد عن
التكلف و الصعوبة يميل الى الوضوح و البديهية و هو يمدح المتوكل.
-2-6الوصف " :ان المتصفح لشعر البحتري من القراء و العارفين و الدارسين يجده ال
يخلو من ميزة الوصف و الذي يكاد يغلب على شعره و هو ذلك الوصف الذي يتميز بالدقة
حيث حبل له مقاما عاليا عند الشعراء على وجه الخصوص و الساحة األدبية و الفنية عموما
وو صفه نوعان الوصف الحسي و الوصف الخيالي.
أ -الوصف الحسي :يتناول المحسوات و يصدرها بصور رائعة و دقيقة وهو ما يفعله
الشاعر في أشعاره بغرض الدقة.
ب -الوصف الخيالي :و هو ذلك الوف الذي ينظر الى ماو ار المسوسات فاذا كان
الشاعرواسع الخيال ال يقف فقط عند الي يراه بل يتعداه و يفتح نطاق واسع في الخيال فيعل
()2
بذلكالمريات أساسا غير المرئيات"
وكثي ار ما نجد غرض الوصف في أشعار البحتري و هو ربما ميزة فنية خاصة تميز شعره
عن بقية األشعار األخرى حيث يصف بالدقة وساللة العبارة و الوضوح و البديهية و الوصف
عنده بنوعيه الوصف الحسي و الوصف الخيالي.
-3-6الغزل :شعره في الغزل كثير يأتي جيده في مقمات مدائحه ،وله غزل في المنكر
وال سيما في عالمة نسيم ،وقد أبدع في وصف و ذكر الطيف الخيال ،وأكثر منه في مقدمات
قصائده تقول في مقدمة قصيدته التي يمدح في المتوكل:
()1
ُخفر ِذماما
َلها عهدًا وَلم أ ِ
َ َ َوَقد َعلِ َمت ِبأَّني َلم أ َ
ُضِّيع
وهذه األبيات من الشعر يتغزل من خاللها الشاعر بعلوه التي تعرف إليها البحتري وهو في
حلب و التي شغفته حبا ،إال أنها تركته و أحبت صديقه و لكنه ظل يذكرها حتى أواخر حياته
و هو يصفها بأدق األوصاف و يصف طيفها حيث تعذر اللقاء بينهما ،فيذكر خيالها في
شعره .وربما ال تخلو هاته األبيات للبحتري من الوصف شيوعا بالغزل.
-4-6الرثاء :كان البحتري يستهدف اإلجادة في رثاء من كان فقدهم بدافع الوفاء و
الخلق الكريم ،وقد جاءت مرائية مطابقة لقريحته و مالئمة لشاعريته إحسانا و تجويدا و ربما
من أشهر مرائيه ما قاله في المتوكل و الفتح بن ناقان في قوله:
تيل في ِّ
الد ِ
ماء ُم َضَّر ِج َوَبْي َن َق ٍ َم َضى َج َع َفٌر َواْل َف ْت ُح َبْي َن ُم َو َّس ِد
التْر ِب ْأوسي ْ
وخزرجي َنوى مْن ُهما في ُّ َّه ِر َب ْع َد ما
صار َعَلى الد ْ أَأَ ْطُل ُب أَْن ً ا
()1
و الشاعر في هذين البيتين يرثي كل من المتوكل و الفت بن خاقان بين مدى حزنه عليهم و
هو يذكر أحداث مقتلهم.
وربما كان غرض الرثاء من أكثر األغراض الشعرية حضو ار في أشعاره إلى جانب المدح و
الوصف ،وهذا ما تبين في جل أشعاره.
-5-6العتاب و الهجاء " :طرق البحتري باب العتاب و الهجاء في سبيل التكسب لينله
ممدوحيه إلى تباطئهم في العطاء أو تقصيرهم فيه وقد أدى فيه من المهارة الشيء الكثير
وسياسة قرن فيها الرقة و اللطف إلى المؤاخذة و النعومة و خفة الروح إلى التأنيب و التهديد
في سهولة و حالوة.
و المستخلص من غرض العتاب انه طرق الباب بغرض التكسب إلى جانب غرض
المدح فالبحتري شاعر التكسب و المنفعة و استخدم هذين الغرضين ألجل المنفعة و التكسب.
ولكن ما قيل عن الهجاء أنه قليل في أشعاره و ال يميل له ميال كثي ار تميله لبقية األغراض
األخرى حتى انه أمر أنبه أجالغوث بإحراق ما قاله في الهجاء حيث أنه لم يتقن هذا الغرض
ولم يفلح فيه هذا إذا ما قورن ببقية األغراض األخرى األكثر شيوعا لديه.
وربما هذا ما تميز به شعر البحتري من أغراض في المدح و الوصف و الهجاء و الرثاء
و العتاب كان قد ميزه عن أشعار بقية الشعراء اآلخرين ،وجعل من شعره سلسال دقيق وبعيدا
عن الغموض و التكلف .كما تميز بصنعته اللفظية و تنميته اللفظي ة و ميل أسلوبه إلى
الوضوح و البداهة على عكس البعض.
32
الفصل األول :الحياة األدبية للشاعر البحتري
يعد البحتري مصو ار للمذهب القديم ،وقد عبر اآلمدي في كتابه الموازنة عن ذلك بقوله:
" أنه أعرابي الشعر مطبوع وعلى مذهب األوائل و مافارق عمود الشعر المعروف وقال أنه نشأ
()1
في البادية ،وهو ليس مثل أبي تمام نشأ في دمشق و عاش في المدن "
ويتضح لنا من خالل هذه المقولة هو ارتباط الشاعر الوثيق بمذهب األوائل و سيوله له
أي اتباعه لعمود الشعر وربما كان السبب في ذلك هو أنه شاعر مقلد بالدرجة االولى كما أنه
عاش و نشأ في البادية و أخذ ينظم شعره من خالل أشعار القدامى من قبله و يجعلها بمثابة
مسار يحفوه لنظم أشعاره.
اال أنه كما يرى شوقي ضيف ليس بدويا خالصا وال اعرابيا خالصا و انما هو بدوي
أعرابي يأخذ بحظ من الحضارة و ال يمكن أخراجه من دائرة العباسيين الى دائرة القداماء.
و هو يرى ان الشعر لمح لألشياء خاطف و االشارة عنها بيان بليغ وهو ال يعتمد في
شعره على فلسفة و ثقافة يعقدان في أدواته وكان يناهض شعراء عصره اللذين يذهبون غير
مذهبه و يقول:
دق ِه َك ِذُبه
عر يلغى عن ِص ِ
َ
ِ
في الش ِ ُ
فتمونا حدود م ِ
نط ِق ُكم ُ َ َ َكَّل ُ
ِ
ذر طُ ِّوَلت ُخ َ
طُبه يس ِب َ
اله ِ َوَل َ مح َتكفي ِإ َ
شارُت ُه عر َل ٌ
َوالش ُ
()2
وهنا يتضح لنا تمسك الشاعر بعمود الشعر ،وبسلوب الفة اللفظية للعراء القدامى فهو ينحوا
مناحهم الشعري ويؤكد هذا كل من اآلمدي و شوقي ضيف .لكن شوقي ضيف يؤكد ان
البحتري ليس بدويا خالصا وال أعرابيا خالصا وانما كليهما أي بدوي أعرابي .
- 1اآلمدي ،الموازنة بين شعر أبي تمام و البحتري ،الطبعة الثالثة( 1976 ،مجلدات) ،دار المعارف ،القاهرة ،ص.02
- 2البحتري الديوان ،دار صادر ،بيروت ،لبنان ،ط ،1م ،1ص.122
33
الفصل األول :الحياة األدبية للشاعر البحتري
ومن هنا لم يعن البحتري بتنسيق كاره و ترتيب معانيه ترتيبا منطقيا دقيقا وال لحن عنده
بوحدة لقصيدة أو تسلسل األفكار إذ يرى دائم خنادق و ممرات بين أبياته وه مالحظه النقاد من
أمثال البقالني و ابن رشيق القيرواني.
كما أنه استخدم التصوير و الجناس والطباق استخداما ساذجا ال تعقيد فيه ال مشقة.
و يتبين ذلك في وضوح إذا ما قارن بين أهم لون كان يستخدمه البحتري ،وهو الطباق.
يقول البحتري:
فيك ِك ُبر
َوِف َّي ُذ ٌّل َو َ جر صل َو ِم َ
نك َه ٌ َو ٌ ِمِّني
َ
وفي هذا األبيات يغرق البحتري بين شعره و شعر بقية الشعراء اآلخرين في تعقيدهم و صعوبة
أسلوبهم ،وميلهم للتكلف و التعقيد عكس البحتري الذي كان أسهل مخرجا منهم .وأبسط معاني
و ميله للوضوح و السالسة .في قوله:
وهذا طباق ساذج و ليس في تعقيد وال تركيب هو أشبه ما يكون بتداعي المعاني .فال خيال وال
()3
عمق وال فكرة ،وإنما وصل وهجر و دل و كبر ...الخ
34
الفصل األول :الحياة األدبية للشاعر البحتري
أ -اختيار الكلمات و ترتيبها :فقد كان يتبع األلفاظ و ينقدها ،وما يزال يتبعها و ينقدها حتى
يؤلف منها ألفاظا عذبة و جميلة .كأنها نساء حسان عليهن غالئل مصغات وقد تخلين
بأصناف الحلي.
ب -المشاكلة بين اللفظ و المعنى :فكان متمي از في فن الصوت وان استمر يستمده من القيثارة
القديمة .حتى يؤلف مها ألفاظا عذبة و جميلة
وكان يعرف في نفسه هذه الخاصة فيصبه الغرور على نحو ما مر بنا أنفا.
" وأيا كان األمر فالبحتري كان يعرف كيف يالءم بين ألفاظه وكيف يحكم قوافيه وقد أجاد في
استخدام فن الصوت و ما وقف عليه من أسرار في قصيدته السينية وفي قصائده األخرى .إذ
شاكل فيها بين الصوت و المعنى ومن ذلك قوله في وصف الذئب:
إذ استخدم أصوات خشنة (الضاد و القاف) في إيقاع يناسب صريف ينوب الذئب ولكنه ال
()1
يركز هذه المشاكلة في قصيدته كما ركزها في سينيته".
وهكذا كانت موسيقى البحتري من أروع ما في الشعر العربي من موسيقى حتى دعي قيمة
الشعراء إال أنه قد ينهل أحيانا عن مضمون عره الهتمامه الشديد الموسيقى ولهذا قال ابن
األثيم :أراد بحتري أن يشعر فغنى.
35
الفصل األول :الحياة األدبية للشاعر البحتري
وربما هذا ما عرف عن البحتري وهو عنايته بالتنميق اللفظي أي الصفة اللفظية و
الموسيقى الداخلية .ربما هذا ما جعل منه المعروف أحيانا عن مضمون شعره و انحنائه للفظ و
الموسيقى الداخلة على غرار المضمون .وكانت هذه خاصية الشعراء من قبله حيث كانوا
يعطون أهمية بالغة للفظ على حساب المعنى وكان البحتري يؤخذ عنهم الصفة و يسير وفق
عمود الشعر للشعراء حتى أنه صار يعنى باللفظ على حساب المعنى كباقي الشعراء من قبله.
" يعد هذا القرن (الثالث) من أزهى القرون التي ازدهر فيها الشعر العربي فقد أنجب هذا
القرن كوكبة من أبرز الشعراء العصر العباسي أمثال أبي تمام والبحتري وابن الرومي وأبو
الطيب المتنبي ،وبالرغم من الدراسات العديدة التي تناولت شعر هؤالء الشعراء فإن أشعارهم
مازالت بحاجة إلى قراءات أخرى .كما تنوعت واختلفت مصادر الثقافة والمعرفة أمام الشعراء،
فقدم لهم علماء اللغة مادة وافرة ووجدوا أمامهم كثي ار من الدواوين لشعر العصر الذي سبقتهم
()1
السيما ثقافة العصر مما كان األكبر في تطور الشعر وازدهاره .ونستهل حديثنا بالشاعر"
-1-8أبو تمام :هو حبيب بن أوس الطائي ،مولده ونشأته منبع تجربة منها يقال لها
جاسم .كان كما يقول أبو الفرج شاع ار مطبوعا ولطيف الفطنة دقيق المعاني غواصا على ما
يستصعب منها و يعسر متناوله على غيره وله مذهبه في المطابق و هو كالسابق إليه جميع
الشع ارء و إن كانوا قد فتحوه قبله فان له الفضل في أشياء متوسطة ورديئة رذيلة جدا .و في
عصرنا من يتعصب له فيفرط حتى يفضله على كل سالف و خالف .و ارحوا يعتمدون الرديء
من شعره فينشرونه ويستعملون المكابرة في ذلك ليقول الجاهل بهم أنهم لم يبلغوا علم هذا و
()2
تمييزه إال بأدب فاضل وعلم ثابت وهذا ما يتكسب به كثير من أهل هذا الدهر"
- 1محمد عبد المعم خفاجي ،الحياة األدبية في العر العباسي ،ط ،1دار الوفاء لطباعة والنشر ،ص.176
- 2المرجع نفسه ،ص.177-176
36
الفصل األول :الحياة األدبية للشاعر البحتري
فهو و إن أحب الفاضل لم يبغض الناقص وان هوى بقاء المتقدم لم يهوى موت الشأن و
اعتذاره و هذا ما وصف به نفسه في منحه الواثق حيث يقول:
َ
ِس ِ
مطان فيها الُلؤُل ُؤ المكنو ُن سان ِق َ
الد ٌة تك ِمن َنظ ِم اللِ ِ
جاء َ
َ
لسين
الت ُخصير َو َ
ُ الت
َجادها َ
َوأ َ ضرِمَّي ِة أُرِه َفت
الح َ
ذاء َ
ِ ِ
ُحذَيت ح َ
كات أ ِ
َهل األ ِ
َرض َوهي َسكو ُن َحَر ُ نسَّي ٌة و ِ
حشَّي ٌة َكثَُرت ِبها ِإ ِ
َ َ
سجها موضو ُن حلي ِ ينبوعها َخ ِضل وحلي َق ِ
الهد ِّي َوَن ُ َ
َ ُ َ ريضها
ٌ ََ ُ َ ُ
َ
ِس ِ
مطان فيها الُلؤُل ُؤ المكنو ُن سان ِق َ
الد ٌة تك ِمن َنظ ِم اللِ ِ
جاء َ
َ
فهو في هذه األبيات من الشعر يصف شعره بأنه أعر من شعر الشعراء في لفظه و معناه.
-مذهبه الشعري :يتفق القدماء والمحدثون على أن أبا تمام كان صاحب مذهب شعري عرف
به وقد أشار إلى ذلك أبو بكر الصولي فقال عنه هو رأس في شعر مبتدئ لمذهب سلكه كل
محسن بعده فلم يبلغه فيه ،حتى قيل مذهب الطائي وكل حاذق بعده ينسب اليه ويقتفي أثره،
ويفهم مما رواه اآلمدي أن مذهب أبا تمام يقوم على غموض المعاني ودقتها ،وكثرة ما يورد مما
يحتاج استنباط وشرح استخراج ،ويتفق المحدثون على طريقة مذهبه الشعري فيراه د.شوقي
ضيف أهم شاعر يمثل مذهب التصنيع في القرن الثالث الهجري ،فقد انتهج المذهب عنده إلى
الغاية التي يرنو اليها شعراء العصر العباسي من الزخرف والتنميق ،وقد شرح أبو تمام مذهبه
()2
الشعري وأبان عن طريقته التي سلكها في مواطن كثيرة.
فأبي تمام مثله مثل بقية شعراء العصر العباسي في التنميق و الصفة اللفظية ربما هذا ما
ميز شعرهم في تلك الفترة فقد عني الفترة باللفظ عناية كبيرة و األسلوب على وجه العموم.
وبذلك يراه شوقي ضيف أهم شاعر يمثل مذهب التصنع في القرن 3للهجري.
وجعل أبو تمام من الحياة مدرة و كذا من كتب األقدمين مدرسة أولى وكانت محفوظا ته
من الشعر القديم وافية فكان الحسن بن رجاء يقول » :ما رأيت أحدا قط اعلم بجيد الشعر قديمه
()1
و حديثه من أبي تمام «
وبهذا يصفه أعالم زمانه بأنه أشعر الشعراء و أشعر أهل زمانه إلى جانب البحتري .و
وضعوا كل من سار على نهجه و سلك مذهبه محسن الشعر و حاذق و هو أهم شاعر يمثل
مذهب التصنع في القرن الثالث هجري في الزخرف اللفظي و التنمق اللفظي .وقد شرح مذهبه
الشعري و أبان عن طريقته التي يسلكها في مواطن كثيرة من شعره و يصف قصائده بأنها "
ابنة الفكر" المهذب و ذلك في قوله:
فهو في هذه األبيات يمدح و يفتخر بأشعاره و قصائده عموما و يصف مذهبه و أسلوبه " بابنة
الفكر المهذب " أي أن ألفاظه ومعانيه و حتى أسلوبه تنبع من فكر راقي و أسلوب رفيع
مهذب جيد و لهذا يصفه الشع ارء بأن مذهبه أهم مذهب في التصنع في القرن الثالث الهجري.
- 1أبو بكر الصولي ،أخبار أبي تمام ،منشورات دار اآلفاق الجديدة ،ط1980 ،3م ،ص.271-270
- 2أبو بكر الصولي ،أخبار أبي تمام ،ص.271-270
38
الفصل األول :الحياة األدبية للشاعر البحتري
ى ست ٌ ِ ِ ِ
كروب
الم ُغيث بها ال َثر َ ُم َ كوب ديم ٌة َس َ
مح ُة القياد َس ُ َ
ديب
الج ُ
كان َ
الم ُ
حوها َ
َل َسعى َن َ قع ٌة ِِإلعظامِ ُنعمى
َلو َس َعت ُب َ
لوب َّ
الق ُ
قامت َفعاَنَقتها ُ
طيع َ
ُ طاب َفَلو َتس
ؤبوبها َو َ
َلذ ُش ُ
َفهي ماء يجري وماء ي ِ
ال َتهمي َوأُخرى َت ُ
ذوب َو َعز ٍ ليه َ ٌَ َ ٌ َ
ريب
الم ُ حل ِمنها َكما ِا َ
ست َسَّر ُ ال َم ُ أس ُه َواِ َ
ست َسَّر وض َر َ
الر ُ
ف ََك َش َ
()1
وهذه األبيات الشعرية يمدح فيها الشاعر عبد الملك الريان و الديمة هنا يقصد بها هطول
األمطار والخصب ،و الديمة تروي النور و قد تلت الديمة مكانة مرموقة في الشعر العربي
القديم وهو بذلك يشبه الملك الريان بهذه الديمة في الخصب و النماء .ويجعل لها مكانة مرموقة
في العصر العباسي أنذاك .و بها فهو يمدحه و يجعل منه رم از للخصب و النماء...الخ
-2-8ابن الرومي:
-حياته :ابن رومي شاعر مجيد وعلم من أعالم القريض في القرن الثالث هجري ،ويعد
في الطبقة الثالثة من شعراء المحدثين ،وهي الطبقة التي كانت من أبطالها أبو تمام و البحتري
وابن المعتز وورثت مجد الشعر بعد طبعة أبي نواس وكان لها منهجها األدبي الخاص ...الذي
يقوم على العناية بالصفة الشعرية وعلى توليد المعاني وعمق الخيال وولد أبو الحسن علي بن
العباس بن جريح الرومي عام 251من أبوين مختلفين األرومة فأمه تنحدر من عفر فارسي و
أبوه ينحدر من عفر رومي ،كان يحتفظ بشاعريته ويعتز بها طوال حياته وكان مولى لحفيد من
()2
أحفاده الخليفة المنصور.
39
الفصل األول :الحياة األدبية للشاعر البحتري
و أخذ يتزود بقسط من ثقافة عصره فلم يلبث إلى أن أحاط بكل ما يمكن أن يحتاط به
من علوم و آداب و نبع في الشعر و نظم الفريض .وطارت شهرته في سماء بغداد ولكن هذه
الشهرة لم تدفعه للغنى كان فقي ار يريد أن يعيش وجائعا يريد أن يأكل و ظمآن يريد أن يروى
وقصد شعره رحاالت الدولة في عصره مادحا فحرموه من العطاء فعاش بذلك ساخطا على
الحياة و األحياء.
و هذا البيت يدل على عدم استق ارره في حياته و عدم حصوله على الهدوء حيث كان يعيش
حياة الفقر و السخط و المذلة بالرغم من علو شأنه في الشعر و المدح وشتى العلوم و اآلداب
في تلك الفترة العباسية و نجد بذلك منحى أبي تمام و المتنبي و البحتري و غيرهم من شعراء
القرن الثالث.
وظل بذلك ابن الرومي ينهل من معين الثقافة العذب شابا و رجال و كهال تساعده على ذلك
ذاكرته القوية و ذهن راقي و عبقرية نادرة ،وأخذت شهرة ابن الرومي ذاكرة قوله تطغى على
جوانب شخصية األخرى و أصبح بذلك الشاعر المجيد و العبقري آنذاك في عصره.
-شاعريته و خصائصها :كان للشعر الرومي و أثر الوراثة و لحياة الشاعر و بؤسه و بيئته
و لمشاعره المرهفة ووجدانه رقيق كان لذلك كله أثره البعيد في شاعريته و فنه األدبي الذي كان
يصور ألوان هذه الحياة اجتمعت له خفة المالحظة و اإلحساس وعمق الشعور بالتناقضات في
نفسه و في زمنه وبذلك وائت في نفسه روح السخرية و أشاعت في فنه هذا للون اليد من ألوان
الشعر و الشعور وهو فن الهجاء الذي امتاز بها الشاعر و أجاده حتى أنه كان يهجوا من لم
يؤذه ،كما يقول معنيا من قصيدة طويلة:
40
الفصل األول :الحياة األدبية للشاعر البحتري
و في هذه األبيات دعوة صريحة للشاعر لحياة البؤس التي عاشها و هذه لكثير من األحبة و
األصحاب األثر الواضح في إجابته لفن الرثاء ومن أجود قصائده في الرثاء كانت في رثاء و
مطلعها:
وع ِد
اآلمال ما كان من ْ
ُ أخَل َف ِت
وْ وعيدها
لقد أْن َج َز ْت فيه المنايا َ
الل ْح ِد
ض َّم في َّ
المهد إذ ُ
عه َد ْ
س ْفلم يْن َ
المهد و َّ
الل ْحد ُلْبثُ ُه قل بين ْ
َلقد َّ
الجادي عن ُح ْمَرِة َ
الوْرِد ص ْفَرة
إلى ُ ف َّ
حتى أحاَله أَل َّح عليه َّ
الن ْز ُ
()2
ِّ
و الشاعر في هذه األبيات يرثي فيها موت ابنه محمد و يصف الوجع الي عاشه في تلك األيام
فهي أسوء أيام حياته حيث فقد ابنه وكان في مقتبل العمر .
41
الفصل األول :الحياة األدبية للشاعر البحتري
وكذا نجد حيمته في رثاء يحيى العلوي الذي قتل عام 255و جيمته في رثاء البقرة حيث
العربي. ضربها الزنج عام 257وهذا ما جعله من أعظم الوصافين في الشعر
والشاعر في هذه األبيات يضف ويمدح محبوبة وحيد و يصفها في أبهى صورها و مدى
تعلق الشاعر بها .وهذه القصيدة هي في الوصف كما في المدح والغزل.
و يمتاز ابن الرومي بتفضيله للمعنى على حساب اللفظ كم كان المتنبي ،فهو يطلب
صحة المعنى و ال يبالي حديث وقع في هجوته اللفظ و خشونته ،كما يقول ابن رشيق
القيرواني " كان بديع المعاني بعيدها كثير االختراع و التوليد فيها و االستفضاء لها ال يترك
فيها بقية لغيره و القدرة التامة في تشقيق المعاني و تفضيلها هي أخص خصائص شاعرية ابن
()2
الرومي "
ي قول ابن رشيق فيه " :إنه أكثر الشعراء اختراعا للمعاني أما أسلوبه جمع بين الحديث و
الرديء و روح الصفة ظاهرة فيه و إن كانت في شعره أقل منها في شعر ابن المعتز ولم يكن
الرومي يعنى بتهذيب المعاني في شعره ولو أسقط رديئة لكان في ذلك أجود الشعراء "
- 1ابن رشيق القيرواني ،العمدة في محاسن الشعر وآدابه و نقده ،ط ،4دار الجبل ،لبنان ،ص.38
- 2المرجع نفسه ،ص .39-38
42
الفصل األول :الحياة األدبية للشاعر البحتري
" وابن الرومي من الشعراء اللذين كثرت عنايتهم بالمعنى على حساب األلفاظ أمثال
المتنبي .فقلما تنهض ألفاظهم بأداء معانيهم وكان بذلك ال يعنى عناية كبيرة بانتقاء األلفاظ
بقدر عنايته بانسجام المعنى وكان يطل في أسلوبه في تناوله معنى وجل قصائده نجدها تمتاز
باالنسجام و الوحدة في تأليفها و كذا من شعراء الضفة اللفظية و التنميق اللفظي الى جانب
()1
أبي تمام وابن المعتز و غيرهم وقد اتصف هو اآلخر ببراعة التصوير الفني "
وما نالحظه في شعره هو طول النفس وكذا بديع المعاني و كثرة التحليل و التوليد و
االختراع فيها ،التنسيق و االستقصاء جزل األسلوب و متبني األداء ،ويعتبر شعره صورة
لثقافته الواسعة المتعددة األلوان ،وكذلك نلمح في هذه األبيات من الشعر صورة صادقة تعكس
لنا نفسية و شخصية ابن الرومي ألنه لم يكن يهذب و يجود في أشعاره كبقية الشعراء وبهذا
شعره صادق ونابع من تجربته الشخصية وحياة الشاعر .
فقراءة هذه األبيات من الشعر تعكس بالضرورة حياة ابن الرومي ونفسيته .
43
الفصل األول :الحياة األدبية للشاعر البحتري
"هو أبو طيب أحمد بن الحسين بن عبد الحمد الكندي الجعفي الكوفي المعروف بالمتنبي،
ولد أبو الطيب سنة (353ه 915-م) بالكوفة في محلة تسمى كندة فنسب إليها و ليس هو من
قبيلة كندة المشهورة بل هو حفصي القبيلة وقيل له المتنبي ألنه ادعى النبوة في بادية السمادة و
تبعه خلق كثير من بني كلب و غيرهم ،فخرج عليه لؤلؤ أمير حمص نائب األمراء األخشدية
فأسروه وفرق أصحابه و حبسه ،وعاش أبو الطيب في ضيق عيش إلى أن لحق باألمير سيف
الدولة ابن حمدان صاحب حلب سنة 948م ثم صار يمتدحه و يسير في صحبته وله في
مدحه القصائد العديدة .وكان لسيف الدولة مجلس يحضره العلماء فيتكلمون بحضرته فوقع مرة
بين أبي الطيب و ابن خلوية النحوي كالم فوثب ابن خلوية على المتنبي فضرب وجهه بمفتاح
كان معه فخرج دمه يسيل على ثيابه و لم ينتصر سيف الدولة ألبي الطيب فغضب و فارقه
()1
ودخل مصر "
-شعره" :صاغ أبو الطيب المتنبي شعره صياغة فنية تتجلى فيها روح القوة و الحياة
وقوة التعبير و سمة من سمات المتنبي نجدها في ألفاظه و أساليبه ،كما نجدها في معانيه وقد
أفاضت روح القوة في نفس الشاعر على شعره وفنه هذه السمة البارزة على أشعاره وكان يختار
من الصيغ اللفظية و المعنوية ما يوائم شعوره ويعبر عن عاطفته .وكان بذلك ينهج منهج
الفرزدق و أبي تمام في تخيرهم لأللفاظ و التراكيب التي تتماشى و عاطفتهم أي الحالة
الشعورية وبذلك ذهب نقاد عصر المتنبي يؤاخذونه على ما أسرف فيه من استكراه لفظ وتعقيد
معنى و خروجه عن قواعد اللغة أو عن الوزن الشعري المتعارف عليه و استعماله المفرط و
()2
إغراقه في المعاني و خروجه عن عمود الشعر أي النهج العربي المتعارف عليه" .
- 1محمد عبد المنعم خفاجي ،الحياة األدبية في العصر العباسي ،ط ،1دار الوفاء للطباعة و النشر ،االسكندرية ،دط ،دت،
ص.235
- 2المرجع نفسه ،ص.237-235
44
الفصل األول :الحياة األدبية للشاعر البحتري
"ربما هذا ما جعل النقاد و الشعراء آنذاك في عصره يأخذونه و ينتقدون أشعاره و السبب
الرئيسي في ذلك هو خروجه عن عمود الشعر و الوزن العربي المتعارف عليه فكان يبدع من
اللفظ و المعنى ما يتماشى مع عاطفته و شعوره ،وبذلك ال يتقيد بعمود الشعر عكس أبي تمام
وابن الرومي وغيرهم .وذلك كان يتلقى العتاب و النقد من الشعراء الذين أتوا قبله وحتى بعده
فقرر بذلك أن يسير وفق منهج خاص به يصفه بذاته وهذا ما أخذه عليه الثعالبي في اليتيمة
فقد الحظ شدة التفاوت في شعره وأنه يجمع بين البديع النادر و الضعيف الساقط و تعسفه في
اللغة و التراكيب غير أن هذه الحرية للمتنبي كشفت لنا عن نفسية الشاعر و آراءه آماله و
()1
أسلوبه وبذلك لم تستطع قيود البيان وكذا الشعر أن يحد من نازعته و تقييد حريته "
و المتنبي كغيره من بقية الشعراء اآلخرين في العصر العباسي الذين لم يخلوا جل
قصائدهم من استخدامهم لألغراض الشعرية المتعارف عليها في تلك الفترة من رثاء و هجاء و
مدح و فخر و غزل إال أنه استطاع بعد قربته الشعرية أن يجعل من هذه األعراض التقليدية
إطار و نسيج جديد في روحه و لهجته لخروجه عن عمود الشعر و النهج العربي القديم .
45
الفصل األول :الحياة األدبية للشاعر البحتري
و الشاعر في هذه األبيات يلقي اللوم و يعاتب سيف الدولة حيث أسره و أسر العديد من
أصحابه وشكل مصد ار للظلم و التعسف في تلك الفترة فنظم المتنبي هذا الشعر و هو يعاتبه
من خالله و يذكره بالظلم الذي حل بهم في فترة حكمه ،وذلك في قوله :
ِ ِ ِ
يوف َد ُم رت إَِليه َو ُ
الس ُ ظ َُوَقد َن َ غم َد ٌة
يوف الهند ُم َ
رت ُه َو ُس ُ
َقد ُز ُ
الجَل ُم
كافور َو َ
ُ َين الم ِ
حاج ُم يا أ َ َ الكَرُم
حو َك َ ِمن أََّي ِة ال ُ
طر ِق َيأتي َن َ
لب َفوَق ُه ُم
الك َ َف ُعِّرفوا ِب َك أ َّ
َن َ درُهم
اك َق َ
جاز األُلى َمَل َكت َكّف َ
َ
يست َلها َر ِح ُم
َم ٌة َل َ
قود ُه أ َ
َت ُ َقب ُح ِمن َف ٍ
حل َل ُه َذ َكر يء أ َ
ال َش َ
الق َزُم
َعب ُد َ ِ ُناس ِمن ُن ِ
فوس ِهمِ سادات ُك ِّل أ ٍ
مين األ ُ
المسل َ
ساد ُة ُ
َو َ ُ
ُم ُم ِ ِ ِ ِ
الدين أَن ُتحفوا َشو ِارَب ُكم
ُم ًة َضح َكت من َجهلها األ َ
يا أ َّ َغاي ُة
أ َ
الت َه ُم ِ
الناس َو ُ كوك أَال َفتى ِ ِ ِ
زول ُش ُ
َكيما َت ُ هام َته
يورُد الهند َّي َ
()1
ً
والشاعر في هذه األبيات يهجوا كافو ار و يلقبه بالكاذب و يلقبه بالعبد و القزيم وهو يقصد بها
رذائل الناس و سفلتهم في قوله :
الق َزُم
َعب ُد َ ِ ُناس ِمن ُن ِ
فوس ِهمِ سادات ُك ِّل أ ٍ
مين األ ُ
المسل َ
ساد ُة ُ
َو َ ُ
حين يقر بأن حكام المسلمين رذيلة وال يستحقون الحكم في ظلمهم و تعسفهم و افترائهم على
األبرياء .
- 1المتنبي أبو الطيب ،ديوانه ،شرح :عبد الرحمان البرفوفي ،بيروت ،دار الكتاب العربي ،ط1980 ،4م ،ص.94
46
الفصل األول :الحياة األدبية للشاعر البحتري
أما شعره الذي تضمن المدح نجد قصيدته في مدحه لسيف الدولة و مطلعها :
الم ِ
كارُم وَتأتي على َق ِ ِ
در الكرامِ َ َ َ العز ِائم
العزِم َتأتي َ در أ ِ
َهل َ َعلى َق ِ
و نالحظ في هذه األبيات مدح المتنبي لسيف الدولة بأنبل الخصال و يصفه بالكرم و
العدل و الصفاء عكس بقية الحكام و أنه فعل ما لم يستطيع بقية الحكام و أنه فعل ما لم
يستطيع بقية الحكام اآلخرون فعله .وتصدى للعدو كما لم يتصدى الحكام من قبله .ودافع بأشد
أنواع الدفاع عن رعيته والشاعر هنا يمدحه بذكر أهم خصاله حيث وصفه بالعزم و الكرم و
العظمة و القوام وغيرها من الصفات الحميدة وهي صفات ال يصف بها أي كان ووصف بها
سيف الدولة إلعجابه به وبحكمه وتسييره .
أما عن الرثاء فنجد هذه األبيات التي رثى فيها جدته بعد موتها قائال :
47
الفصل األول :الحياة األدبية للشاعر البحتري
الشاعر في هذه األبيات يرثي جدته أم أمه و يحن إليها شوقا لعدم رؤيته لها في أيامها
األخيرة ويتألم على موتها و مفارقتها و يذكر شدة حزنه عليها.
و لعل هذه البعض من النماذج الشعرية للمتنبي في أغراض مختلفة من مدح وهجاء ورثاء
وغيرها .فقد برع كغيره من الشعراء في تخير أهم األغراض الشعرية ونظم أشعاره من خاللها
وأسلوبه كما سبق و أن قلنا تحكمه لغة العاطفة و اإلحساس وأسلوبه يميل فيه إلى بعض
الغموض ال البديهية عكس البعض من الشعراء كما قال عنه الثعالبي " وقد شبه بعض الشعراء
شعره بشعر أبي تمام في الحكم واألمثال و كذلك تخيره للمعنى على حساب اللفظ مثل أبي تمام
،وقبل أن شعره امتداد لشعر أبي تمام و خصائصهم الفنية دليل على ذلك غير أن أبا الطيب
المتنبي و كما قلنا خرج عن النظام المتعارف عليه أي عمود الشعر و األساليب و التراكيب
التي عرف بها العرب قديما .
وقال في صلته بأبي تمام " :أوال ال يجوز لألديب أن يعرف شعر أبي تمام فهو أستاذ،
فكل من قال الشعر ويقول " ويقول ابن األثير " :إن أبا الطيب أراد أن يسلك مسلك أبي تمام
()1
فغفرت عنه خطاه ولم يعطى الشعر من قيادة ما أعطاه"
48
الفصل األول :الحياة األدبية للشاعر البحتري
-شهرته " :شهرة المتنبي األدبية الذائعة ترجع إلى خصائص فنه األدبي كما ترجع إلى عوامل
أخرى سياسية و اجتماعية و إلى حياة أبي الطيب المتنبي في قصور ملوك الشرق و أمرائه
الحمدانيين و األخشيدين و البوهيين وفي عواصم العالم اإلسالمي آنذاك حلب و دمشق و
مصر وبغداد و الكوفة و معرفته برجاالتها و زعماء النهضات الثقافية الفكرية و األدبية و
االجتماعية و السياسية مما ساهم في ذيوع شهرته في العالم اإلسالمي وهذا السمو بنفسه و
()1
بالفن الذي يؤدي رسالة كل ذلك كان من بين عوامل إذاعته شهرته الخالدة "
وربما كان هذا السبب وجيز في تأثر الشعراء و النقاد من بعده بأشعار و منهجه وأخذوا
لعل السبب الرئيسي النتشار و تداول مختلف الثقافات و اللغات بين األمم و انتشارها
عبر أوسع نطاق يكمن في عامل الترجمة ،ولتي بدورها لعبت دو ار هاما في نقل هذه الحضارات
و الثقافات من أمة ألخرى .وربما هذا ما أدى بالشعر العربي العباسي إلى التأثر بلغة الفر و
هذا ما يظهر جليا في أشعارهم .و يبدوا أن شيوع األلفاظ الفارسية في الشعر العربي العباسي
بات ضروري ،ومن أولويات الشعر العربي العباسي حيث ظهر بكثرة في أشعارهم .وبذلك أخذ
الشعراء يسعون في أشعارهم بعض األحيان األلفاظ الفارسية تلمحا و تطرقا .وبذلك نستهل ألهم
هذه التجليات الفارسية في الشعر العربي العباسي .وهذا ما يظهر لنا بكثرة في شعر البحتري.
-1في األلفاظ:
ربما كانت ألمم هذه التجليات الفارسية في الشعر العربي في األلفاظ أي التبادل اللغوي
بين هاتين األمتين .واستعارة اللغة و ألفاظها بلغة أخرى و عباراتها .ولعل اللغة العربية لم تتأثر
بأية لغة كانت قدر تأثرها بلغة الفر .وذلك للروابط التي كانت تربط األمة العربية عموما باألمة
الفارسية .حتى أن بعض علماء اللغة و الفقه كانت حين تستصعب عليهم بعض األلفاظ في
العربية عدوها فارسية األصل .كان بذلك الطابع الفارسي يضفي على الواقع السياسي و
االجتماعي و الثقافي في العراق .وبذلك تأثر البحتري بلغة الفرس و ثقافتهم و حياتهم بشكل
كبير " حتى أنه يمكننا إحصاء ما يقارب مائة لفظة دخيلة في أشعاره ،ومعظمها فارسي األصل
معرب مثل( :مهرج ،تفرنس ،تخرسن) وهي ألفاظ فارسية تقابلها في العربية (مهرجان ،الفرس،
()1
خرسان) "
- 1وحيد صبحي كبابة ،األثر الفارسي في شعر البحتري ،مجلة ثقافتنا للدراسات و البحوث ،العدد 2001 ،26م ،ص.132
51
الفصل الثاني :التجليات الفارسية في شعر البحتري
و التي ربما عمد البحتري إلى توظيفها في شعره بغرض النحت و النسبة و االشتقاق،
وتتمثل هذه األلفاظ في ( افرندا ،واسكذرا ،برجاس ،بالزاج ،وبيرندج ) وكل هذه األلفاظ إحالة
على توغل و تعمق البحتري في الحضارة الفارسية و ثقافتها و محاكاته لها .كما نلتمس أيضا
في أشعار البحتري ذكره لبعض األمكنة في بالد الفرس .وإنما كان لهذا سبب وجيز يكمن في
توغله و عمق تطلعه على الحضارة و الثقافة الفارسية و كذا التاريخ الفارسي عموما .ومن بين
هذه األمكنة يذكر لنا( آية ،وثاسان ،وثم) في قوله:
أواجزه من بعد فطرية تلحق لقاسين ليال دون دقاسان لم تكد
()1
على لجة طلحة نترقزق نوين مقاما بين قم و آية
وفي هذين البيتين من الشعر نجد أن البحتري ذكر بعض األماكن الفارسية وهي( :قاسان ،قم،
آية ،طلحية )...الخ .وفي أبيات أخرى يذكر بالد الفرس في قوله:
وحتى نجد في أسفاره ذكره لبعض أعالم القبائل و الجماعات الفارسية في قوله:
العَر ِب
الع ْج ِم و َ
َدَن ْت َم َسا َف ُة َبْي َن ُ الق وا ْق َتَرَب ْت
َخ ُاكَل ِت األ ْ
إ َذا َت َش َ
ِ ()4
لشعوب الق ِ
بائ ُل لِ ُ عرُفها َ َوَت ِ حين ُتثنى َتطول َلها األ ِ
َعاج ُم َ ُ
52
الفصل الثاني :التجليات الفارسية في شعر البحتري
وفي هذين البيتين نجد إقرار البحتري بالعالقة التي تربط العرب بالعجم و" كذلك ذكر
البحتري لبعض األماكن الفارسية في أشعاره كذكره لهذه األماكن ( آبة ) و (تاسان ) و ( قم )
()1
...الخ "
و تجدر اإلشارة هنا إلى أن » ما أخذته العربية من الفارسية يعد قليال جدا إذا ما قورن
بما أخذ الفرس عن العرب « ذلك أن اللغة العربية بعد اإلسالم كانت لغة قوية معمرة ذات كيان
متكامل و ذلك كان البد للبحتري أن يتأثر بلغة الفرس ،و هذا ما ظهر في جل أشعاره
فمعظمها فارسي معرب.
ومن بين هذه األلفاظ ( التباين ،الديباج ،و األساورة ،و أسكودرا ،و اإلفرند ،و البرجانص،
و الزيج ،و الطاسيج ،و الطومارد ،و الفيروزج ،و النرد ،و اليرندج ،وكسروي ،و هبرزي ،و
()2
الجلناز ،دستيجة و الدمقشن ...الخ)
وربما كانت هذه أمثلة عن بعض األلفاظ الفارسية المعربة التي نجدها في أشعار البحتري.
وهذه األلفاظ تتعلق بأسماء األلبسة و الحيوان و األلعاب .و األماكن و الجواهر و الزهر و
الخمرة و األلوان و الكتابة و التقسيمات اإلدارية و غيرها .وهي ألفاظ متصلة بالحضارة الجديدة
في العصر العباسي .ومعظم هذه األلفاظ معرب .يقول البحتري:
ِ وأَظهر ِإ ِ ِ
غمدا
السيف ُم َفرندًا م َن َ َ ََ َشُّد َم َ
هاب ًة يف َمسلو ًال أ َلس َُفَل َ
ُسك ِ
دار الك في أ ُُكتب ُه ِباله ِ ليل
صاعٌد َعن َق ٍ ِ أتيك
َ ُ َو َسَي َ
ِ
رجاس الملعو ِن في ُب ِ داه َوإَِّنما ِ
أرمي م َن َ أَدنو َوأُقصُر َعن َم ُ
عد َي ِبال از ِجأَم ص ِب َغت ب ِ سوَّد ٌة ِ
َ ُ جوه ُحساد َك ُم َ ُو ُ
()3
الك ِم ِي ُم َ
ظ َّهٌر ِبَيَر َ
ند ِج حت َ َت َ السو ِاد َكأََّن ُه َده ٍم صافي َ أَو أ َ
و كذا قوله:
الع ِ
رب العج ِم َواِ َ
نقادت َل ُهم َحفَل ُة ُ َعلى ُ يروز َبَّرزوا ف ِمن ِ
آل َف َ َل ُه َسَل ٌ
( )1
جد ًة َو ُحلوما
سان جوداً َوَن َ
َ يوث َبني سا
َنتم ُغ ُ
هل أ ُ
آل َس ٍ
َ
وقد تعمد أيضا البحتري لذكر بعض أسماء أعالم الفرس في أشعاره فنجده ينكر الشلغمان في
قوله:
صار أَباً لِسوَق ِة ما َدرايا
َف َ لوك
غان أَبا ُم ٍ لم ُالش َ
كان َ َو َ
ِ ى ()2
يصُر أَو كسر ِ ِ ِ
المنقول َق َ الص َفد َم َن َ آد ُه
ُم َح َّمَل ًة ما َلو َت َح َّم َل َ
ذكر البحتري في هذين البيتين الشلمغان و كسري وهم من أعالم الفرس الذين تحدث عن
أمجادهم و تاريخهم في بالد الفرس ،وكذا حديثه عن برهام جوره و برهام شوبين و نوبخت و
سيرين في قوله:
وفي مختلف هذه األبيات الشعرية للبحتري تظهر لنا عنايته البالغة بكل تاريخ األمة الفارسية و
حضارتها و ذكره ألسماء شخصيات عظماء الفرس و ملوكهم إنما راجع إلى تلك الصلة و
العالقة القديمة بينهم و بين اليمانيين إذ وقفوا إلى جانبهم و ساندوه في رد األحباش و صده.
54
الفصل الثاني :التجليات الفارسية في شعر البحتري
و نجد كذلك تأثر العرب بأعياد بالد فارس التقليدية (كالنيروز) و (المهرجان) و التي
تعود إلى العصر األموي حيث باتت من األعياد الرسمية في العصر العباسي ،إذ تحكي
األخبار دخول البحتري في عيد (النيروز) على المتوكل وهو يحتفل بهذا العيد في قوله:
يروز عَليك م ِ
عاد خل ِمن َع ٍ
َأبدًا َوَن ٍ َ َ ُ رورُه
يش َي ُكُّر ُس ُ ال َت ُ
()1
فهذا العيد من أكثر األعياد احتفاال عند الفرس ومعناه يوم جديد فالنيروز هنا كلمة فارسية
معربة و لم تستعمل إال في دولة بني العباس .أما المهرجان فقد ذكره البحتري لغرض المدح
فهو يمدح من خالله الحسن بن هل في قوله:
س َو َص ِ
غير بير ِمن ِ
فار ٍ ُك ِل َك ٍ هر ِ
جان َحقاً َعلى لم َ
ِ ِ
إ َّن ل َ
()2
ِ
الخير َهل الُنهى َوأ ِ
َهل جان أ ِ
ِ لوك َذوي التي عيد ِ
آبائ َك الم ِ ُ
ُ
و في هذه األبيات الشعرية يذكر لنا البحتري أعياد الفرس وهما عيدي المهرجان و النيروز ويقر
بأنهم من أكثر األعياد االحتفالية في بالد فارس و التي تمثل لمحة تاريخية عن حضارة بالد
فارس .فالمهرجان يحتفل به الفرس ويعني محبة الروح ونجد الشاعر هنا يقر بضرورة االحتفال
بهذا العيد لكل كبير و صغير حيث أن هذا العيد خفيضا للملوك و كبار الشخصيات ذوي
التجارة .والعودة إلى كل هذه األلفاظ ذوات األصل الفارسي تحيلنا بالضرورة إلى تعمق وتطلع
البحتري على ثقافة بالد فارس ،والتاريخ الفارسي عموما و تطلعه على حضارتهم هذا فضال
عن سعة معرفة بأخبارهم و تاريخهم وقوة الصلة بينهم و بين العرب و لهذا نجد البحتري كفيل
للحديث عن بالد فار و حضارتهم و تاريخهم فهو عاش اللحظة و كأنما نشأ في بالد فارس
رغم عروبته وربما هذا ما جعل أشعاره حافلة بألفاظ فارسية معربة.
55
الفصل الثاني :التجليات الفارسية في شعر البحتري
قد تطرق البحتري في شعره ميع األغراض المعروفة عند العرب ،وأجاد في المديح و
()1
االعتذار و الرثاء و الغزل و جدد في الوصف بأنواعه.
-1-2في المدح :مما ال شك فيه أن الشعر العباسي كان متمي از عن باقي األشعار
التي سبقته ممن حيث األغراض و المواضيع و طريقة البناء ،ولما أردنا التوسع في دراسة
األغراض أخذنا شعر البحتري كمثال لما وجدناه فيه من جمال و إبداع لغويين.
ومن أهم األغراض التي اخص بها الشعر العباسي هو :غرض المدح حيث سمي أيضا
في عهد المتوكل إلى أن معظم الشعراء آنذاك كانوا ()2
"بشاعر التكسب نظم أجمل مدائحه"
يطرقون أبواب الحلفاء بلساني حلو مادح رغبة في التقريب و المال .ومن ضمن القصائد التي
تحمل في طياتها مدحا محمال قصيدة موقف للصالحات.
حيث مدح فيها شاعرنا الخليفة المتوكل فقال :أنها جمع أمور الدين بعد زوالها ذلك الخليفة
الموفق للصالحات ميسر لهما و محب بين الجموع مؤمل مل و عزيمة شديدة ال يثن و ال
يعترض عليها في قوله:
الم َت َوِك ِل ِب ِ
القائمِ الم َ ِ ِ عد َت َزُّي ِل ِ ِ
ستخلف ُ ُ الدين َب َ ُمور
ُجم َعت أ ُ
- 1سامي يوسف أبو زيد ،األدب العباسي :النثر ،دار المسيرة ،ص.208
- 2المرجع نفسه ،ص.208
56
الفصل الثاني :التجليات الفارسية في شعر البحتري
و لنبرهن مقاصد الخلفاء من شعرهم عرضنا قصيدة أخرى يخص غرض المدح أيضا بعنوان
"خالفة مباركة"
حت ُّل روض ًا ِباأل ِ
َباط ِح م ِ
عشبا اه ِر م ِ رود مغا ًار ِبال َ ِ
ُ َوَي َ َ كثبا ظو ُ ُ َ
ذهبا ِ َي ِب ُّ ُقحواناً ُم َف َّضضاً ِ ِ
الماء ُم َ ص َو َحوذاناً َعلى ُيالع ُب فيه أ ُ
ع ِ
قائ ِل ِس ٍ ِ
رب أَو َتَقَّن َ
ص َر َبربا َ شاء غادى عاَن ًة أَو َعدا َعلىإذا َ
ال ُم َخ َّضبا
َعبيط ًا ُم َدم ًا أَو َرمي ً َي ُجُّر ِإلى أَشبالِ ِه ُك َّل ِ
شار ٍق
َخيبا ِإلى َتَل ٍ نص ِرف ِ
زيان أ َ ثن َخ َف أَو ُي َ بغ ظُلماً في َحريم َك َي َ َو َمن َي ِ
البيض ِم َ
قضبا ِ َل ُه ُمصلِت ًا َعضب ًا ِم َن فت ُه َيوم َت َنبري
َنص َ َ َش ِه ُ
دت َلَقد أ َ
كس َك َّذبا ِ ِ َصد َق ِم ُ َفَلم أََر ِضرغام ِ
عراك ًا ِإذا َ
الهي َاب ُة الن ُ نكما ين أ َ َ
باسل الو ِ
جه أَغَلبا القومِ يغشى ِ ِ ِه َز ٌبر َمشى َيبغي ِه َزبراً َوأَغَل ٌب
َ َ م َن َ َ
آك َلها أَمضى َجنان ًا َوأَش َغبا
َر َ ته َصوَل ٌة أ ََد َّل ِب َش ٍ
غب ُث َّم هاَل ُ
57
الفصل الثاني :التجليات الفارسية في شعر البحتري
هربا
نك َم َ َقد َم َلما َلم َي ِجد َع َ َوأ َ طمع ًا
فيك َم َ َحج َم َلما َلم َي ِجد َ
َفأ َ
نك ُمَن ِكبا وَلم ي ِ ِ حو َك ُمق ِبالً ِِ
حاد َع َنجه أَن َ َ ُ َفَلم ُيغنه أَن َكَّر َن َ
َوال َي ُد َك ِا َ
رتَّدت َوال َحُّد ُه َنبا زم َك ِان َثنى ِ
يف ال َع ُ الس َ
لت َعَليه َ َح َم َ
يف َم ِ بق لِلس ِ نت متى َتجمع يميَنيك َت ِ
هت ِك ال
ضربا ريب َة أَو ال ُت ِ َ َض َ َوُك َ َ
()1
َ َ َ
يصف البحتري لقاء ممدوحه (الفتح بن خلقان) بالليث وهو في حذره مرك از على نابه
ومخلبه متخذا من نهر النيزك الذي تحف به األشجار المسابلة الملتفة خفا له واصف المكان
الذي يتخده سكنا له هادنا بين األودية العالية حيث العشب والنور األبيض و الحوذان المتألأل
من رونقه ونضارته واصفا ذهابه و إيابه في طلب فرائسه ثم ينتقل بعده إلى الممدوح واصفا
صراعه مع األسد مفس ار سببه يبغي األسد وعدوانه ثم يجعل البحتري من (الفتح بن خلقان)
فرعا ما آخر يتناول فرعا ما تمثل الصورة الفنية في بانية البحتري لوحة متكاملة وتتجلى هذه
اللوحة في وصفه لمكان األسد ثم اتخذا األسد عريته في كهف آمن مطمئن بين أعالي األودية
و أشراف األرض.
لقد أضفى البحتري على ممدوحه (الفتح بن خلقان) محامدا ومثال أخالقية تعد منظومة
أخالقية كاملة فيصور كرمه وسعة نواله مشبها إياه بالسحاب المفترس في األفق والمطر الشديد
االنصباب معتمدا في أسلوبه على تكرار األلفاظ الدالة على وجود والكرم مكنيا و مشعي ار في
العارض أفضل حواشي برقه ويظهر حسن التقسيم بين الشجاعة والكرم أم تثبت للفتح الجود و
البأس و البطش والعبر على الشوائد والعناد الذي يجعل منه شخصا صعب االنقياد وكذلك
يسمه بالرزق والتواضع والحزم وتدبر األمور وتأملها.
باإلضافة لذلك فالبحتري يطالعنا بحسن التقسيم بين الشجاعة والكرم متوسال بأسلوب
الشرط ( إذا تلقى وأضعف العدى ،أنقاض غمر الربى )
58
الفصل الثاني :التجليات الفارسية في شعر البحتري
ويبلغ البحتري بممدوحه أقصى الحزم و اإلقدام و أقصى الكف و و اإلحجام ويبلغ به
أقصى الود والرحمة إذا ينطلق من الطباق اللفظي لتجاوزه صانعا منه أساسا لبنية فديه مترابطة
أم ينتقل البحتري لوصفه منازلة الفتح بن خلقان لألسد قائال:
و لم يقتصر البحتري على المدح فقط إذ تعدى إلى أغراض أخرى منها:
-2-2في الوصف :يعد البحتري إماما لشعراء الوصف في العربية وهو يعمد إلى الخيال
أكثر مما يعمد إلى الفكر ،ويركن إلى حسن الديباجة و اللقط السهل و المعنى السريع الفهم مع
و من أشهر قصائده الوصفية تلك ()2
غرام بالمحسنات البديعية بعيدا عن اللغو و اإلسراف فيه
المعنونة بعنوان قصيدة «أنطاكية«:
س َوإِخاللِ ِه َب ِنَّي ُة َر ِ
مس ِ رماز ِمن َع َد ِم األُن
الج َ َن ِ َف َكأ َّ
ِ
عد ُع ِ
رس َج َعَلت فيه َم َأتم ًا َب َ َن الَليالي اه َعلِ َ
مت أ َّ َلو َتر ُ
فيهم ِبَل ِ
بس يان ِ وهو ينبيك عن ع ِ
جائ ِب َق ٍ
الب ُ
شاب َ الي ُ ُ وم َ َ ُ َ َ َ
في ُخ ٍ ِ جال بين يد ِ
ِغماض َج ِ
رس ِ نهم َوإ
فوت م ُ يه الر ِ َ َ َ َ اك َِو ِعر ُ
()3
فهذه القصيدة التي تناولت وصفا إليوان كسرى هو األثر الباقي من أحد قصور األكاسرة
الواقع حاليا في منطقة للمدائن ببغداد و قد رسمت معركة أنطاكية التي دارت بين الفرس والروم
على جدرانه حيث وصف الشاعر المعركة وصفا مصو ار حتى يخال السامع لشعره انه كان
حاض ار فقد مخاطبا:
59
الفصل الثاني :التجليات الفارسية في شعر البحتري
لو رأيت اإليوان آنذاك علمت أنا ليالي الفتح جعلت فيه مأتما بعد عرس ،كذلك اثنى على
الفاتحين وعزيمتهم وقوتهم و بسالتهم أمام العدو ويظهر ذرك في قوله:
في ُخ ٍ ِ جال بين يد ِ
ِغماض َج ِ
رس ِ نهم َوإ
فوت م ُ يه الر ِ َ َ َ َ
اك َِو ِعر ُ
استأثرت الطبيعة بفؤاده فوصف الربيع والمطر و الرياح وشقائق النعمان والنسيم وتمتاز
أوصافه باألصالة بما أضفاه عليها من فيض روحه الشعري وأدائه النقي المتقن .و من أبياته
في وصف الربيع:
أن َي َت َكل َم كاد ْ الح ِ
سن حتى َ ض ِ
من ُ َ احك ًا ختال َ
لق َي ُبيع الط ُاك الر ُ َأت َ
باألم ِ
س ُن َّو َما ِ وز في َغَل ِ
أوائ َل َوْرٍد ُكن ْ س الد َجى َوَقد َنب َه الن ْوُر ُ
ِ
بل ُم َكَّت َما َين ُّث َحديثاً َ
كان َق ُ فكأن ُه
ُي َفتُق َها َبْرُد الن َدىَ ،
َعَلْي ِهَ ،ك َما َن َّشْر َت َو ْشي ًا ُمَن ْمَنما اس ُه و ِم ْن َشج ٍر رد الر ِ
بيع لَب َ
ُ َ َ َ
كان ُم ْح ِرما
ين ،إ ْذ َ ان َق ًذى لِْل َع ِ
َوَك َ اشةً،فأب َدى لِْل ُعيو ِن َب َش َ
أح َّلْ ،
َ
األحب ِةُ ،ن َّع َما
اس ِ جىء بأْن َف ِ
َي ُ يح ،حتى َح ِسْب ُت ُه سيم الر ِ َوَرق َن ُ
()1
أن َت َتَرنما األوَت َار ْ
َو َما َي ْمَن ُع ْ أنت ِخُّل َها، اح التي َ س الر َ َفما َيح ِب ُ
نالحظ في هذه األبيات صور الطبيعة و النيروز و مجالس الغناء فكلها في وصف الطبيعة و
ميزاتها ،وتحمل تأثي ار حضاريا فارسيا واضحا ويبدوا أن البحتري توغل في وصفه لصور
الطبيعة و ميزاتها و كان بذلك وصفه دقيقا .و يقول في أبيات وصف أخرى:
60
الفصل الثاني :التجليات الفارسية في شعر البحتري
تغريد
ُ قم ِرَّي ٌة لها
ها ُو ْ ظبي ٌة تسكن القلوب وترعا
ِ ()2 ِ
األوصال وهي ُتجيد من سكو ِن تتغنى كأنها ال ُت َغ ِني
َّ
في هذه األبيات الشعرية للبحتري والتي يتغزل فيها بحبيبته المغنية وحيد يستخدم في هاته
األبيات من شعر غرضين بارزين وهما الغزل وذلك من خالل تغزله بمفاتن حبيبته والوصف
من خال ل ذكره لخصال أوصاف معشوقته ( بدر ،طيبة ،تسكن القلوب ،فترعاه ،قمرية لها تغريد
...الخ ) واستخدم البحتري غرض الوصف لتدقيق صورة معشوقته وتقريبها للمتلقي وفي مطلع
البيت األول يبرز الشاعر تعلقه بمحبوبته وجذبها له في قوله:
61
الفصل الثاني :التجليات الفارسية في شعر البحتري
يصف في هذه األبيات من شعر القيان أي المغنيات والعازفات ويصفهم بأمهات ترضعن
أطفالهن بصوت من الرنيم و الهدهد و هذا الصوت الخافت الذي يستخدمانه للعزف على
األوتار و هو وصف دقيق يصدر لنا من خالل البحتري إلى القيان بنوع من الدقة و التصوير
الفني من خالل استخدامه لغرضي الوصف و الغزل.
ويقول أيضا في قصيدته ( شوق إليك تفيض من إال دمع ) واصف الشوق للمحبوب:
في هذه األبيات يصف البحتري مدى شوقه وولعه للمحبوب ،ويذكر أهم خصاله ليتحضر من
خاللها صورة محبوبه ،وفي هذه األبيات يتأثر البحتري بفقده ألحبائه و اشتياقه لهم في قوله:
ضيق ِم ُ
نه األَضُل ُع َو َجو ًى َعَل َ
يك َت ُ َدم ُع فيض ِم ُ
نه األ ُ ق ِإَل َ
يك َت ُ َشو ٌ
حيث يستهل البحتري قصيدته في قول " شوق إليك " للداللة على اشتياقه و عاطفته الجياشة
تجاه من يحب و أنه يتذكرهم من خالل ذكر أوصافهم و محاسنهم و أهم خصالهم.
62
الفصل الثاني :التجليات الفارسية في شعر البحتري
يصف لنا البحتري في هذه األبيات مظاهر الطبيعة في بيئته وصف نقيا ،و يصور لنا أهم
مظاهر الطبيعة لديه من انهار و جبال و أشجار و يصف لنا الربيع في أجمل صورة في قوله:
و يصف هنا الحسن وأنه من أحسن الفصول فيه ينبت الزرع و تلد خيرات عارمة من الطبيعة.
-3-2في الرثاء :كان البحتري يستهدف اإلجادة في رثاء من كان فقدهم بدافع الوفاء و
()1
الخلق الكريم و قد جاءت مراتبه مطابقة لقريحته و مالئمة لشاعريته إحسانا و تجويدا
نجد قصيدة " ومن نكد األيام "
يصري ِ ِ ِ ِ يصَر ُخَّل ٌة َوما ِخ ُ
ثل َق َ يصٌر م َ ل ُكل ُمح ٍب َق َ عد َق َلت ُتبكى َب َ
الم َد ِب ِر ِ ِ سطام َو ِز ِ َن َعم في ِا ِ
فر َعلى األَيامِ َوابن ُ َوَو ٍ ُسوةٌ
بر َج أ َ بن ُب َ
مهل وَلم ي َتَن َّ
ظ ِر َت َع َّج َل َلم ُي ِ َ َ وم ُه
َن َي َ َوَبَّر َح بي في ِز ِ
بر ٍج أ َّ
ِ الدنيا َح ِظي َو َمن َي ُفت
نه ُيع َذ ِر
حز ُ َحظي ًا ِم َن ُ
الدنيا َفَي ُ تاع ِم َن ُ
َم ٌ
()2
حيث مازح ابن سطام و رثى غالما مات له فقال له البحتري مخاطب ابن سطام ما حسبتك
تبكي بعد قيصر لكل محب قيصر مثل قيصري ،تعجل الموت خاطفا زبرج لم يمهله لخطة أو
ينتظر ،ثم مدح الغالم قائال " :مضيء حتى و مشتري"
كما تأثر العب و الفرس من ناحية األلفاظ و اللغة عموما نجدهم يتأثرون بهم أيضا من
ناحية اإلخوانيات و الحكمة و الصداقة ،لهذا كثر الحديث عن هذين الجانبين في كتب الفرس
المترجمة وكذلك فيكتب العرب وبما أن البحتري كان سيد التطلع بثقافتهم و حضارتهم نجده قد
أخذ عنهم في اإلخوانيات و الصداقة .ومن اخوانياته قوله عن أبا نهشل:
طوب ناز ِ
الت ال ُخ ِ كين لِ ِ
ست ٍُم َ هش ٍل ِنداء َغ ِ
ريب يا أَبا َن َ
ُ
ِ ()1
التثريب ـَل ِة َهذا الج ِ
فاء َو َ وم َعلى ُجمـ صا ِب ٍر ِم َ
نك ُك َّل َي ٍ
َ
و يعبر الشاعر في هذه األبيات الشعرية عن صداقته و شعوره بالود و المحبة آلبا نهشل
و هو يتوجه إليه بخطاب ،وكذا صديقه الذي يتذمر عن تغير سلوكياته تجاهه وأنه لم يعد ذلك
الصديق الذي عرفه في السابق و تحيلنا هذه األبيات من الشعر إلى جانب من األخوة و
الصداقة التي تختلج صدر الشاعر و تحمل في طياتها جنب من اإلحساس بالسوق و العاطفة
و الود و األخوة...الخ
أما حديثنا عن الصداقة فقد خص لها الشاعر ثالث مقطوعات يقول فيها:
الع ِ
تيق الص ِ ِ فت ُه ِب َص ٍ
ديق َ صار أَحظى م َن َ َ ديق ديق َعَر ُ
َكم َص ٍ
()3
ريق َخ َير َر ِ
فيق ط ِ عد ال َ
صار َب َ
َ ريق
ط ٍ قت ُه في َ
فيق را َف ُ
َوَر ٍ
ويقول أيضا:
ِ الروح ِمني َقد َت َخَّل َ
َولِذا ُسم َي ال َخ ُ
ليل َخليال ِ لت َمسَل َك
وإِذا ما َس َك ُّت ُك َ
نت ال َغليال نت َحديثي
قت ُك َ
ط َُفِإذا ما َن َ
()2
ففي هذه األبيات نالحظ جانب من االعتزاز و الفخر بالصديق عند البحتري و إعطائه منزلة
عالية و مكانة رفيعة و مرموقة في نفس الشاعر في قوله:
َوَلم َي ُك َعما رَابني ِب ُم ِ
فيق سوء ِفعلِ ِه
إذا ما َصديقي رَابني ُ
ِ
ير َص ِ
ديق َمخا َف َة أَن أَبقى ِب َغ ِ ريبني َشياء ِم ُ
نه َت ُ رت َعلى أ َ
َصَب ُ
()3
فالشاعر في هذين البيتين يعلي من منزلة الصديق و يرف مقامه و يقر بأنه في بعض األحيان
يتغاضى عن أخطائه و تصرفاته ،ومخافة منه أن يبقى بدون صديق وهذا إن دل على شيء
إنما يدل على مكانة الصديق و الرفيق عند البحتري ،وأنه يشعر بالفخر و االعتزاز بهم .وهذا
ما نالحظه عند قراءة هذه المقطوعات الشعرية للبحتري .وربما استقى هذه المكانة المرموقة من
الصداقة و األ خوة من الفرس في تخخيهم و مساندتهم لبعضهم البعض فهو يتأثر بهذا الجانب
من العاطفة و اإلحساس في شعره .و هنا يظهر تأثره بالفرس من حيث الصداقة و األخوة و
كذا األلفاظ أي اللغة.
ففي هذه األبيات الشعرية يتأثر البحتري بمرض و ابتالء رفيقه ويظهر مدى زنه و ألمه عليه
هذا ما الحظه في مطلع البيت األول حيث قال:
وهنا يتأثر البحتري بصديقه و يظهر مخثر الحزن و األلم عليه و هو يتألم من شدة مرضه و
هنا تظهر لنا نزعة البحتري األخوية النابعة من صدق العاطفة و اإلحساس بالصداقة و الود و
األخوة.
استقبل الفرس شعر البحتري نسخا و شرحا و تأثرا ،حيث ذهبت عناية بعضهم بالشاعر
إلى شرح ديوانه و اختياراته مثال أبو الخبري وهو أبو حكيم عبد هللا بن إبراهيم عبد هللا بن
حكيم الخبري نسبة إلى ( الخبر) من قرى شبراز بفارس و المتوفي ببغداد سنة (476ه) شرح
الحماسة و ديوان البحتري وعدة دواوين أخرى ،جاء في تلخيص ابن مكتوم وهو يترجم للخبري
انه شر الحماسة و دواوين البحتري و المتنبي .
يقول الدكتور أحمد الحوقي " :وقد حاكى الفرس العرب في بكاء اآلثار فالشاعر الحقاني
المتوفي في القرن الخامس هجري قصيدة وقف بإيوان كسرى و استلهمه الحكمة و الموعظة
وبكى مجد الفرس التأثر و ال عجب في اهتمام الفرس هذا بالشعر العربي عامة و بشعر
()1
البحتري خاصة.
- 1وحيد صبحي كبابة ،األثر الفارسي في شعر البحتري ،مجلة ثقافتنا للدراسات و البحوث ،العدد 2001 ،26م ،ص.138
67
الخاتمة
الخاتمة
خاتمة:
في ختام ما تم عرضه في هذه الدراسة علينا القول أن انتشار الثقافة الفارسية في العصر
العباسي لم تكن قاصرة على نشر األلفاظ الفارسية و تأثر العرب بها ،فقد انتشرت تلك األخيرة
انتشا ار عظيما في هذا العصر الذهبي نظ ار النتقال العديد من العلوم إلى اللغة العربية ،فنجد
مجموعة من الشعراء العرب يعجبون باللغة الفارسية و ينظمون شع ار عربيا متلبسا بمعاني
الفرس.
وقد تطرقت في هذا البحث إلى :المجتمع العباسي و الحياة االجتماعية في العصر
العباسي و أسباب نهضة الشعر و تأثير األفكار و العقائد في العصر العباسي.
-1مالمح التأثير الفارسي في شعر البحتري هو تغيير جوهري تأثيره تجاوز الشكل حيث:
-تميز شعره بجمالية اللفظ وحسن اختيار األلفاظ والتراكيب التي يسودها التعقيد و الغرابة،
-2تحدثت أيضا عن شخصية البحتري و ثقافته متناولة أهم مالمحه الخارجية و النفسية
-4تطرق البحتري في شعره جميع األغراض المعروفة عند العرب ،حيث أن األغراض الشعرية
في هذا العصر غالبا كانت امتداد لما عليه في العصور السابقة.
69
الخاتمة
69
قائمة المصادر المراجع
قائمة المصادروالمراجع
المصادر و المراجع:
المراجع:
-ابن رشيق القيرواني ،العمدة في محاسن الشعر و آدابه ونقده ،دار الجيل ،الطبعة الرابعة،
دون سنة.
-أبو بكر المولى ،أخبار أبي تمام ،منشورات دار اآلفاق الجديدة ،الطبعة الثالثة ،سنة .1980
-األمدي ،الموازنة بين شعر أبي تمام و البحتري ،دار المعارف ،القاهرة ،الطبعة الثالثة ،سنة
.1476
-أمين أبو ليل ،العصر العباسي الثاني ،دار الورق للنشر و التوزيع ،الطبعة ،1سنة .2007
-أنيس المقدسي ،أمراء الشعر في العصر العباسي ،دار العلم للماليين ،بيروت ،الطبعة
الثانية ،سنة .1991
-سامي يوسف أبو زيد ،األدب العباسي :النثر ،دار المسيرة للنشر و التوزيع و الطباعة،
الطبعة االولى ،دون سنة.
-شوقي ضيف ،الفن و مذاهبه في الشعر العربي ،دار المعارف ،القاهرة ،الطبعة األولى ،دون
سنة.
-محمد خفاجي ،الحياة األدبية في العصر العباسي ،دار الوفاء ،الطبعة األولى ،سنة .2004
-محمد عبد المنعم خفاجي ،اآلداب العربية في العصر العباسي األول ،دار اليل ،بيروت،
الطبعة األولى ،سنة .1991
-يوسف الشيخ محمد ،ديوان البحتري ،دار الكتب العلمية ،لبنان ،الجزء األول ،دون سنة.
الدوريات:
-األثر الفارسي في شعر البحتري ،وحيدة بحي كباته ،مجلة ثقافتنا للدراسات و البحوث ،العدد
،26سنة .2011
71
الموقع االلكترونية:
72
فهرس الموضوعات
فهرس الموضوعات
الموضوعات:
إهداء
مقدمة
مدخل 14......................................................................
-5ميزته الفنية27........................................................................
-1-2في المديح56...................................................................
خاتمة
فهرس الموضوعات