You are on page 1of 522

‫الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية‬

‫وزارة التعليم العالي والبحث العلمي‬


‫جامعة اإلخوة م توري قس طي ة‬
‫قسم اآلداب واللغة العربية‬ ‫كلية اآلداب واللغات‬
‫رقم التسجيل ‪..............‬‬
‫الرقم التسلسلي‪.............‬‬

‫موقف الصحابة والتابعين من الشعر والشعراء‬


‫حتى القرن الثاني الهجري‬

‫بحث مقدم ل يل درجة دكتورا العلوم في األدب العربي‬


‫(شعبة األدب القديم)‬
‫إشراف األستاذ الدكتور‬ ‫انجـ ـاز الب ـ ـ ـ ـ ـاحث‬
‫دياب قديد‬ ‫امحمد بارش‬
‫أعضاء لج ة الم اقشة‬
‫رئي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسا‬ ‫جامعة اإلخوة م توري قس طي ـ ـة‬ ‫األستاذ الدكتور ‪ :‬نوار بوحالسة‬
‫مشرفا ومقررا‬ ‫جامعة اإلخوة م توري قس طي ـ ـ ـة‬ ‫األستاذ الدكتور ‪ :‬دياب قديد‬
‫عضوا م اقشا‬ ‫جامعة األمير عبد القادر قس طي ـ ـ ـة‬ ‫األستاذ الدكتور ‪ :‬رابح دوب‬ ‫ا‬
‫عضوا م اقشا‬ ‫جامعة العربي بن امهيدي أم البواقي‬ ‫األستاذ الدكتور ‪ :‬العلمي المكي‬
‫عضوا م اقشا‬ ‫جامعة األمير عبد القادر قس طي ـ ـ ـة‬ ‫األستاذة الدكتورة‪ :‬زي ب بوصبيعة‬
‫عضوا م اقشا‬ ‫جامعة اإلخوة م ت ـ ـ ـوري قس طي ـ ـة‬ ‫الدكتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور ‪ :‬م صف شلي‬

‫الس ة الجامعية‪1438 -1437 :‬هـ ‪2017-2016 /‬م‬


‫اإلهداء‬

‫الحمد والشكر هلل الذي مدني بإرادة قوية وأعان ي على إتمام هذا البحث ‪.‬‬

‫إلى والدي الشيخ لخضر بن الدراجي – رحمهما اهلل –‬

‫الذي كان محبا للعلم والعلماء‪.‬‬

‫وإلى والدتي خديجة بن فاضل رحمها اهلل‪.‬‬

‫وإلى هاجيرة‪ ،‬عاتيقة‪ ،‬الوازنة‪ ،‬فاطمة‪ ،‬زبيدة‪ ،‬أشرف الدين‪ ،‬شهاب الدين‪ ،‬أنس‪ ،‬وفوزي‪،‬‬

‫على سؤالهم كثيرا عن األطروحة ‪ ،‬وتعلقهم بإتمام هذا البحث حتى رأى ال ور‪.‬‬

‫وإلى شيخي الفاضل البار األستاذ الدكتور عبد اهلل حمادي الذي أشرف على هذا البحث‪.‬‬

‫وإلى األستاذ الدكتور المحترم دياب قديد المشرف على هذا البحث‪.‬‬

‫وإلى أعضاء لج ة الم اقشة على قراءتهم لهذ األطروحة‪.‬‬

‫إليهم جميعا أهدي ثمرة هذا الجهد العلمي الذي صبرت عليه كثيرا‪.‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫‌‬

‫المقدمـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫‌‌‌‌‌‌‌‬
‫‌‬
‫‌‬

‫‌أ‬
‫المقدمـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬
‫يعد الشعر من القضايا الكربى ال حصل حوله جدل بني القدماء واحملدثني‪ ،‬إذ شكل اختالفات‬
‫كبرية‪ ،‬بني الدارسني من حيث إن الشعر مرتبط با انب الفين فقط‪ ،‬ويرى بعضهم أنه ذو عالقة متي ة‬
‫با وانب األخالقية والعقائدية ‪ ،‬وهو ما جعل العرب بعد البعثة احملمدية يف إشكال معريف وفين من‬
‫خالل دعوهتم إ جعل الشعر مرتبطا باألساس باملتعة الف ية فقط‪ ،‬لكن اإلسالم نظر عكس ذلك ‪،‬‬
‫وعليه ا هت مواقف القرآن العظيم والس ة ال بوية إ توجيه الشعراء إ استخدام الفن الشعري م طلقا‬
‫أساسيا يف تعزيز األخالق والدعوة اإلسالمية ‪ ،‬ومن هذا األساس سار الصحابة على هذا امل وال‬
‫متخذين من الرسول‪ ‬قدوة هلم يف عد الشعر وسيلة للب اء وليس للهدم‪ ،‬ولكن يف عصر التابعني أث اء‬
‫حكم الدولة األموية تغريت بعض املعطيات الفكرية واألخالقية والسياسية‪ ،‬وبدأ الشعر يعود إ سابق‬
‫عهد "ا اهلية"من حيث ال ظرة الف ية ال تشكل م ها الشعراء من خالل الوقوف على بعض‬
‫القضايا‪ ،‬ح ولو تعارضت مع ال ظرة اإلسالمية‪ ،‬وظهرت ال زعة السياسية مسيطرة على بعض الشعراء‬
‫من خالل تب يهم ملواقف سياسية‪ ،‬سواء أكانت مطابقة للحكم األموي أو الفة له ‪.‬‬
‫ويعد موضوع "‌موقف‌الصحابة‌والتابعين‌من‌الشعر‌والشعراء‌حتى‌القرن‌الثاني‌الهجري"‬
‫ا زء الثاين املكمل للمشروع "موقف‌اإلسالم‌من‌الشعر‌والشعراء‌"‌والذي أ زت م ه ا زء األول‬
‫املوسوم ب ـ ـ ـ ـ "موقف اإلسالم من الشعر والشعراء دراسة كرونولوجية ح القرن الثامن اهلجري" يف رسالة‬
‫املاجستري؛ حيث اقتصر البحث فيها على مصدرين أساسيني‪ ،‬مها‪ :‬الكتاب والس ة ‪ .‬ويف ضوئهما‬
‫درست " موقف القرآن العظيم وموقف الرسول‪‬من الشعر والشعراء " ‪ ،‬هلذا يعترب موضوع "‌موقف‌‬
‫الصحابة ‌والتابعين ‌من ‌الشعر ‌والشعراء ‌حتى ‌القرن ‌الثاني ‌الهجري " مكمال للمشروع ومتمما‬
‫للجث‪‌،‬وهو ‌ من املواضيع األدبية ذات الصلة بال قد األديب العريب القدمي‪ ،‬كما أنه موضوع ذو شقني‪:‬‬
‫األول‪ :‬خاص مبوقف الصحابة‪ ،‬والثاين‪ :‬خاص مبوقف التابعني من الشعر والشعراء‪ ،‬وكل ما كتب مما‬
‫يتصل به بسبب كان كتابة جزئية يف بعض املراجع‪ ،‬وميزة هذا البحث هي توظيف مصطلحني هامني‪،‬‬
‫مها‪ :‬مصطلح الصحابة‪ ،‬ومصطلح التابعني‪ ،‬ومجع بي هما يف وظيفتني‪ ،‬مها‪ :‬الشعر وال قد‪ ،‬يف دراسة‬
‫متسلسلة تكشف عن تتابع العالقة ال مع بي هما يف دراسة نقدية مل يسبق هلا ‪.‬‬
‫وقد مجع هذا البحث ضمن مصطلح الصحابة‪ ،‬الصحابة ا لفاء‪ ،‬والصحابة غري ا لفاء‪،‬‬
‫والصحابة الشعراء‪.‬‬
‫كما مجع ضمن مصطلح التابعني‪ ،‬التابعني ا لفاء والتابعني العلماء ‪ ،‬والتابعني األدباء ال قاد ‪.‬‬

‫‌ب‬
‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء ح القرن الثاين اهلجري‬ ‫املقدمة‬

‫وضم إليهم التابعيات األديبات ال اقدات ‪ ،‬والتابعني ال حاة‪ ،‬والتابعني الشعراء‪.‬‬


‫و اول هذا البحث أن يكشف عن الصورة الصحيحة لتصور الصحابة والتابعني ودورهم‪ ،‬يف‬
‫ا انب الشعري أو ال قدي ‪.‬‬
‫كما يسعى هذا البحث إ ا مع بني عصرين متداخلني‪ ،‬ومها‪ :‬عصر الصحابة وعصر التابعني‪،‬‬
‫وهذا التداخل هو الذي أعطى نكهة وجاذبية خاصة يف تتبع مسار الصحابة ا لفاء والشعراء وال قاد‪،‬‬
‫والتابعني ا لفاء والشعراء وال قاد بصورة فردية‪ ،‬مع كون أن الصحابة والتابعني ميثالن جيلني تلفني ‪.‬‬
‫ويعود‌سبب‌اختياري‌لموضوع " موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء " لألسباب اآلتية‪:‬‬
‫لكونه مل مسألة نقدية ذات أمهية بالغة يف تاريخ ال قد العريب‪ ،‬وهي تؤدي دورا أساسيا يف تطور‬
‫تاريخ ا ركة ال قدية العربية‪ ،‬كما أهنا تدخل يف الرتاث العريب اإلسالمي‪ ،‬باإلضافة إ كوهنا موضوعا‬
‫حيويا‌مثريا لل قاش باستمرار ‪.‬‬
‫‌‌‌أما‌الدراسات‌السابقة‌هلذا املوضوع‪ ،‬فقد متحورت حول العودة إ أهم املتون األدبية وال قدية‪،‬‬
‫ال جاء ذكرها ع د موقف الصحابة من الشعر والشعراء‪ ،‬ومن بي ها ‪:‬‬
‫‪" -1‬اإلسالم والشعر" ‪ :‬ىي ا بوري ‪ 1383،‬ه ‪1964‬م‪.‬‬
‫‪" -2‬اإلسالم والشعر "‪ :‬سامي مكي العاين ‪1403 /‬ه ‪1983‬م‪.‬‬
‫‪" -3‬اإلسالم والشعر " ‪ :‬فايز ترحيين‪1990 ،‬م ‪.‬‬
‫‪ " -4‬الشعر يف صدر اإلسالم والعصر األموي " ‪ :‬مد مصطفى هدارة ‪1995 ،‬م ‪.‬‬
‫‪" -5‬األدب اإلسالمي يف عهد ال بوة وخالفة الراشدين " نايف معروف ‪1418،‬ه ‪1998‬م ‪.‬‬
‫وتبقى هذ البحوث جزئية رغم ما طرحته من رؤى نقدية ‪ ،‬مل ط باملوضوع ‪ ،‬إحاطة شاملة ‪،‬‬
‫ويعود ذلك إ هدف كل باحث ‪.‬‬
‫ولعل أهم هذ املصادر ال عاد إليها هؤالء الباحثون هي مصادر ال قد ‪ ،‬و"سرية ال يب‪ " ‬البن‬
‫هشام ‪ ،‬إال أهنا مل تص مبوقف الصحابة بشكل كبري‪ ،‬بل جاءت عبارة عن بعض اإلشارات‬
‫واللمحات ‪ ،‬وهو ما جعل التوجه إ البحث والدراسة إ موقف الصحابة بشكل مستفيض ودقيق‬
‫عن كل اآلراء واملواقف املختلفة حول الشعر والشعراء أمرا يف غاية األمهية ؛ ذلك أن مصطلح التابعني‬
‫حول الشعر والشعراء مل يرد ذكر يف أدبيات الدراسات السابقة ‪.‬‬

‫‌ج‬
‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء ح القرن الثاين اهلجري‬ ‫املقدمة‬

‫‌‌‌‌‌ ‌ويسعى ‌هذا ‌البحث ‌إ ‌الوقوف ع د ال صوص الشعرية وال قدية األو ‪ ،‬ال تعكس موقف‬
‫الصحابة من الشعر والشعراء ‪ ،‬وانطالقا من ال تيجة ال أحدثها القرآن العظيم؛ حيث أعاد ترتيب‬
‫مصادر الثقافة العربية‪ ،‬فبعد ما كان الشعر املصدر األول واألساسي للثقافة ع د العرب‪ ،‬أصبح الشعر‬
‫املصدر الثالث للثقافة العربية اإلسالمية بعد القرآن العظيم والس ة ال بوية ‪.‬‬
‫وهكذا د أن القرآن العظيم مل يلغ الشعر ومل يهمشه‪ ،‬بل كانت الع اية به شديدة من طرف‬
‫الصحابة ا لفاء وغري ا لفاء‪ ،‬وعلى هذا األساس فإنه من الواضح أن موقف الصحابة من الشعر‬
‫والشعراء‪ ،‬هو موقف ي طلق أساسا من موقف القرآن العظيم وم هجه وما س ه الرسول‪ ‬من توجيهات‬
‫للشعر‪ ،‬و إدراكه للرؤية ا ديدة للحياة من م ظور فكري ديين جديد‪ ،‬تلف كليا عن م هج‬
‫العرب قبل اإلسالم يف رؤيتهم للفن وا ياة‪ ،‬ومن ه ا ظهر املوقف ا ديد لإلسالم يف رؤيته للشعر يف‬
‫مفهومه ووظيفته‪ ،‬فخط بذ لك م هجا فكريا ا الشعر ا ذ الصحابة موقفا يف رؤيتهم يف ديد‬
‫ا ركة الشعرية وال قدية‪.‬‬
‫وهكذا أضفى الصحابة الشعراء من خالل احرتافيتهم للشعر وموقفهم الفين ا ديد صبغة جديدة‬
‫على الشعر‪ ،‬الذي أصبح ملتزما بقضايا دعوة الدين ا ديد‪ ،‬يطرحها لل قاش وا دل يف قصائد شعرية‪،‬‬
‫ألن القرآن العظيم أعطى دفعا قويا‪ ،‬وبعدا جديدا لقضايا عديدة يف موضوع املعاين املطروحة‪ ،‬ودفع‬
‫بالشعراء إ توظيف معاين جديدة مبتكرة‪ ،‬أعطت للشعر صورة جديدة‪ ،‬واستمر هذا املوقف أكثر من‬
‫أن قامت الدولة األموية بقيادة معاوية بن أيب سفيان‬ ‫مخسني س ة ميثله جيل الصحابة‪ ،‬إ‬
‫عد‬ ‫(ت‪60‬ه‪680‬م) الذي ا رف عن امل هج الذي أرسا الرسول ‪ ‬سياسة ونظام حكم‪ ،‬وثبّ َ‬
‫ت بَ َ‬
‫الصاحبة قاعدته القائمة على نظام الشورى‪ ،‬إ ال ظام امللكي‪ ،‬وفرض والت سياسية كربى نقلت‬
‫املسلمني الصحابة والتابعني من عصر إ عصر ‪.‬‬
‫أما عن موقف التابعني من الشعر والشعراء فقد لى بعد ا صار م عصر الصحابة من ا ياة‬
‫السياسية‪ ،‬وظهرت بوادر عصر التابعني الشعراء‪،‬الذي ظهرت بدايات مدرسته الشعرية يف العهد األموي‬
‫الذي عرف كيف يُسخر الشعر و لب الشعراء املادحني إ قصر بالشام‪ ،‬وقصور والته وأمرائه وقادته‬
‫العسكريني‪ ،‬وتغيري رى وظيفة الشعر تغيريا كبريا يتماشى مع التحوالت السياسية الكربى‪ ،‬وهبذا دفعت‬
‫السياسة األموية يل كامل من التابعني الشباب إ امليل إ سياسة بين أمية برؤية جديدة خضعت‬

‫‌د‬
‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء ح القرن الثاين اهلجري‬ ‫املقدمة‬

‫لصراعات ومواقف حزبية‪ ،‬وحروب دموية‪ ،‬تصدع من خالهلا م ظور موقف الصحابة ا لفاء والشعراء‬
‫والعلماء للحياة والفن الشعري ونقد ‪ ،‬و لى هبذا موقف التابعني من الشعر والشعراء الذي خضع بقوة‬
‫اإلغراء والتهديد‪ ،‬إ االنسالخ من ماضيه القريب‪ ،‬فأصبح يعرب عن رؤية جديدة للحياة‪ ،‬ذات نزعة‬
‫ف ية انطلقت من نزعة سياسية إلحياء مآثر األجداد ا اهليني وأ ادهم ‪ ،‬ومن إثـارة للعصبية القبلية‬
‫والفنت واالقتتال واالنقسام‪ ،‬فتغري بذلك مفهوم القصيدة اإلسالمية‪.‬‬
‫وقد‌اعتمدت‌في‌هذا‌البحث‌على‌مصادر‌ومراجع‌مت وعة‌ وأوهلا القرآن العظيم‪ ،‬كما استع ت‬
‫بأهم مصادر السرية‪ " :‬سرية ال يب " البن إسحاق(ت‪151‬ه) ‪ ،‬و"سرية ال يب ‪ "‬البن هشام‬
‫(ت‪213‬ه)‪ ،‬و" أنساب األشراف " للبالذري (ت‪279‬ه)‪ ،‬و" تاريخ الطربي " البن جرير الطربي‬
‫(ت‪310‬ه) ‪ .‬باإلضافة إ دواوين الشعراء‪ ،‬كتب التاريخ األديب ومصادر ال قد‪" ،‬مجهرة أشعار العرب‬
‫" للقرشي (ت‪170‬ه) ‪ ،‬و" طبقات فحول الشعراء " البن سالم (ت‪231‬ه)‪ ،‬و" الشعر والشعراء "‬
‫البن قتيبة ( ‪276‬ه)‪ ،‬و" العقد الفريد " البن عبد ربه (ت‪329‬ه) ‪ ،‬و" مروج الذهب ومعادن‬
‫ا وهر" للمسعودي (ت ‪346‬ه‪957‬م)‪ ،‬و" املوشح " للمرزباين (‪384‬ه)‪ ،‬و" العمدة " البن رشيق‬
‫(ت ‪465‬ه)‪ ،‬فهذ املصادر أنارت ما كان غامضا‪ ،‬ومن املراجع ال اعتمدت عليها ‪ ،‬تلك ال‬
‫ت اولت ا ديث عن ال قد وعن العصور والبيئات الشعرية‪ ،‬فأفادتين كثريا مبادهتا العلمية‪ ،‬مؤلف‪ :‬طه‬
‫حسني "يف األدب ا اهلي" ‪ ،‬ومؤلفات شوقي ضيف‪" ،‬التطور والتجديد يف الشعر األموي "‪،‬‬
‫و"الشعر والغ اء يف املدي ة ومكة لعصر بين أمية "‪ ،‬ومؤلف يوسف خليف "يف الشعر األموي دراسة يف‬
‫البيئات "‪ ،‬و" اإلسالم والشعر " ليحىي ا بوري‪ ،‬و" الشعر يف صدر اإلسالم والعصر األموي" حملمد‬
‫مصطفى هدارة‪ ،‬و" الشعرية العربية بني اإلتباع واالبتداع " لعبد اهلل امادي‪ ،‬و"موسوعة آثار الصحابة "‬
‫أليب عبد اهلل سيد كسروي بن حسني ‪ ،‬وقد أمدتين هذ الكتب كثريا مبادهتا‪ ،‬وكانت دليال يف ال‬
‫اختصاصها‪ ،‬وعونا مبا دعمت به حجج وقضايا هذا البحث‪ ،‬سواء من ال احية التار ية أو األدبية أو‬
‫ال قدية‪.‬‬
‫ولقد‌استدعى‌انجاز‌البحث‌في‌هذا‌الموضوع‌االعتماد‌على امل هج التار ي يف تقصي ا قائق‬
‫العلمية الدقيقة‪ ،‬متتبعا وجهات نظر الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ‪ ،‬كما استفدت من امل هج‬
‫الفين يف استجالء القضايا ال قدية ال وردت يف ث ايا آرائهم ومواقفهم األدبية املختلفة‪.‬‬

‫‌ه‬
‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء ح القرن الثاين اهلجري‬ ‫املقدمة‬

‫انطالقا من هذا فقد قسمت أطروح إ ثالثة أبواب ومقدمة وخامتة ‪.‬‬
‫ت اولت يف‌الباب‌األول‌‪ :‬موقف الصحابة من الشعر والشعراء ‪ .‬وقد قسمته إ ثالثة فصول ‪.‬‬
‫إذ خصصت الفصل‌األول‪ :‬للحديث عن موقف الصحابة ا لفاء من الشعر والشعراء ‪ ،‬وت اولت فيه‬
‫مفهوم الصحايب اصطالحا (الزمان واملكان) ‪ ،‬مث دثت عن زمان وقوع الصحبة ومكاهنا‪ ،‬وبي ت م زلة‬
‫الصحابة يف القرآن والس ة ويف اللغة واألدب وأثرهم يف ا ركة ال قدية يف عصرهم ‪.‬‬
‫‌‌‌مث دثت فيه عن مفهوم الشعر ع د الصحابة‪ ،‬مع اإلشارة إ نظرة العرب ا اهليني للشعر‪ ،‬مث بعد‬
‫ذلك بي ت مفهوم الشعر ع د الصحابة‪ :‬السيدة عائشة‪ ،‬وعبد اهلل بن رواحة‪ ،‬وعمر بن ا طاب‪ ،‬وعبد‬
‫اهلل بن عباس‪ ،‬وعلي ابن أيب طالب ‪.‬‬
‫كما وضحت موقف الصحابة ا لفاء من الشعر والشعراء‪ :‬أبو بكر الصديق ‪ ،‬وعمر بن ا طاب ‪،‬‬
‫وعثمان بن عفان ‪ ،‬وعلي بن أيب طالب – رصي اهلل ع هم أمجعني‪.-‬‬
‫أما‌الفصل‌الثاني‪‌:‬فقد تعرضت فيه لشعر الصحابة بني البعد الفكري والفين ‪.‬‬
‫‌وت اولت يف‌الفصل‌الثالث‪ :‬شعر الصحابة يف امليزان األخالقي والفين‪.‬‬
‫‌‌‌‌‌وأما ‌الباب‌الثاني‪‌ :‬فقد اشتمل على موقف التابعني من الشعر والشعراء‪ .‬وقد قسمته إ ثالثة‬
‫فصول‪.‬‬
‫فجاء الفصل‌األ ‌ول مرتبطا مبفهوم التابعني اصطالحا‪ ،‬ومفهومهم للشعر ‪ ،‬باإلضافة إ توضيح‬
‫موقف التابعني ا لفاء من الشعر والشعراء ‪.‬‬
‫أما‌الفصل‌الثاني ‪ :‬فقد وضحت فيه موقف التابعني العلماء من الشعر والشعراء ‪ ،‬شريح القاضي‪،‬‬
‫وسعيد بن املسيب ‪ ،‬وعبيد اهلل بن عبد اهلل بن عتبة ‪ ،‬و مد بن سريين ‪ ،‬وعروة بن أذي ة ‪.‬‬
‫مث تعرضت يف الفصل‌الثالث‪ :‬لشعر التابعني يف امليزان األخالقي والفين‪ ،‬وبي ت فيه‪ :‬أثر املوروث‬
‫اإلسالمي يف شعر التابعني ‪ ،‬مث أثر ا اهلية يف شعر التابعني مضمونا وف ا‪.‬‬
‫مث جاء الباب‌الثالث‌‪‌:‬بع وان املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء ‪.‬‬
‫وقد قسمته إ ثالثة فصول ‪.‬‬
‫ت اولت يف الفصل‌األول ‪ :‬ا ديث عن املرتكزات ال قدية ع د الصحابة ا لفاء يف نقد الشعر‬
‫والشعراء ‪.‬‬

‫‌و‬
‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء ح القرن الثاين اهلجري‬ ‫املقدمة‬

‫واتبعته بالفصل‌الثاني ‪ :‬الذي أوقفته للحديث عن املرتكزات ال قدية ع د الصحابة غري ا لفاء يف نقد‬
‫الشعر والشعراء ‪ ،‬ع د ‪ :‬معاوية بن أيب سفيان ‪ ،‬وعبد اهلل بن عباس ‪ ،‬وعبد اهلل بن عمر ‪.‬‬
‫كما وقفت ع د تبيان املرتكزات ال قدية ع د الصحابة الشعراء يف نقد الشعر والشعراء‪ ،‬ع د عثمان‬
‫ابن مظعون ‪ ،‬وحسان بن ثابت ‪ ،‬ولبيد بن ربيعة العامري ‪.‬‬
‫‌‌‌‌أما ‌الفصل‌الثالث ‌ ‪ :‬فقد ت اولت فيه أسس التجديد ال قدي ع د التابعني ‪ ،‬فتحدثت فيه عن‬
‫التجديد ال قدي يف الس التابعني ا لفاء ‪ ،‬فتحدثت عن الس كل من ‪ :‬عبد امللك بن مروان ‪،‬‬
‫والوليد بن عبد امللك ‪ ،‬ومسلمة ‪ ،‬وسليمان ‪ ،‬وعمر بن عبد العزيز ‪ ،‬مث انتقلت للحديث عن التجديد‬
‫ال قدي يف الس التابعني العلماء الفقهاء ‪ ،‬فتحدثت فيه عن لس سعيد بن املسيب ‪ ،‬مث وضحت‬
‫التجديد ال قدي يف الس التابعني ال قاد ‪ ،‬وذكرت لس ابن أيب عتيق ‪ ،‬دون أن أغفل التجديد‬
‫ال قدي يف الس التابعيات ال اقدات‪ :‬السيدة سكي ة ب ت ا سني‪ ،‬والسيدة عقيلة ب ت عقيل‪ ،‬مث بعد‬
‫ذلك دثت عن التجديد ال قدي يف الس التابعني ال حاة ‪ ،‬واتبعته بتبيان التجديد ال قدي يف الس‬
‫ال حاة البن أيب إسحق ا ضرمي‪ ،‬ويف الس التابعني الشعراء‪ :‬ا طيئة‪ ،‬وكثَـ ِري عزة‪ ،‬والفرزدق‪ ،‬وجرير‪،‬‬
‫ونصيب‪ ،‬والكميت بن زيد ‪ ،‬مرتبا حديثي يف كل هذا ترتيبا كرونولوجيا ‪.‬‬
‫مث جاءت الخاتمة تتو ا لل تائج املتوصل إليها يف هذا البحث ‪.‬‬
‫‌‌‌‌‌وأخيرا ‌؛ فإنين ال أزعم هلذا البحث الكمال‪ ،‬أو السالمة من املآخذ ‪ ،‬ويكفيين أنين قد بذلت‬
‫أقصى جهدي وطاق ‪ ،‬وحاولت قدر استطاع أن أمل بأطرافه ‪ .‬فإن ك ت موفقا فهذا هديف‪ ،‬وإن مل‬
‫يكن ذلك فيكفي أين اجتهدت وقدمت ما أرا األفضل ‪.‬‬
‫كما اليقوتين أن أقدم الشكر ا زيل إ األستاذ الدكتور دياب قديد الذي قبل اإلشراف على‬
‫هذا البحث من جديد بكل تواضع‪ ،‬وتفضل بقراءته ‪ ،‬وتكرم بإبداء مالحظاته القيمة ‪ ،‬الفكرية واألدبية‬
‫وال قدية ‪ ،‬واللغوية ‪ ،‬وتوجيهاته السديدة ‪ ،‬فجزا اهلل عين كل خري‪.‬‬
‫هذا وإن ك ت قد وفقت يف ثي فبفضل اهلل عز وجل‪ ،‬وإن أخفقت فمين‪ ،‬وما توفيقي إال باهلل‪.‬‬

‫‌ز‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫الب ـ ـ ـ ـاب األول‬


‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬

‫‪8‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫الفصـل األول‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬
‫أوال‪ :‬مفهوم الصحابي اصطالحا ( الزمان و المكان )‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬مفهوم الشعر لدى الصحابة ‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬موقف الصحابة الخلفاء من الشعر والشعراء ‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫أوال ‪ :‬مفهوم الصحابي اصطالحا ( الزمان و المكان ) ‪:‬‬

‫‪10‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫مفهوم الصحابي اصطالحا (الزمان و المكان) ‪:‬‬


‫إذا أردنا أن نستهل ث ا عن موقف الصحابة من الشعر والشعراء ‪ ،‬فالبد من ا ديث عن مفهوم‬
‫الصحا ؛ ليكون مفتاحا ملعرفة شخصية الصحابة الدي ية والفكرية والسياسية وآدبية ‪ ،‬ودورهم‬
‫ا ركة الشعرية وال قدية عصرهم‪ ،‬باعتبارهم عربا عرفوا الشعر والشعراء ‪ ،‬وجرى الشعر على ألستتهم‬
‫قبل معرفتهم لإلسالم ‪.‬‬
‫مفهوم الصحابي اصطالحا ‪:‬‬
‫أما " الصحا " االصطالح‪ ،‬فقد اختلف أهل العلم ذلك‪ ،‬والتعريفات ال عرف هبا‬
‫"الصحا " كثرية ‪ ،‬وقد اهتم هبا علماء ا ديث ‪ ،‬وآصوليني‪ ،‬فكان مجهرة احملدثني يتوسعون مفهوم‬
‫الصحا اصطالحا ح عدوا من رأى الرسول رؤية هو من الصحابة‪ ،‬بي ما آصوليون يضيقون‬
‫مفهومه ‪ ،‬قال ابن الصالح ‪ » :‬فاملعروف من طريق أهل ا ديث ‪ :‬أن كل مسلم رأى رسول اهلل ‪‬‬
‫فهو من الصحابة«‪.1‬‬
‫صحيحه‪ » :‬من صحب ال يب ‪ ،‬أو رآ من املسلمني‪ ،‬فهو من أصحابه « ‪.2‬‬ ‫وقال البخاري‬
‫إطالق الصحبة ‪.‬‬ ‫وداللة آراء علماء ا ديث كما هو واضح ت ص على أن رد الرؤية كاف‬
‫وأما عن رأي آصوليني مفه ـوم الصحا ‪ ،‬فقد قال ابن الصالح‪ » :‬وبلغ ا عن أ مظفر‬
‫السمعاين املرزوي أنه قال‪ :‬أصحاب ا ديث يطلقون اسم الصحابة على كـ ـ ـ ـ ـل من روى ع ه ح ـديثا أو‬
‫كلمة ‪ ،‬ويتوسعون ح يعدون من رآ رؤية من الصحابة ‪ ،‬وهذا لشرف م زلة ال يب ‪ ،‬أعطوا كل من‬
‫رآ حكم الصحبة ‪.‬‬
‫وذكر‪ :‬أن اسم الصحا من حيث اللغة والظاهر‪ ،‬يقع على من طالت صحبته لل يب ‪ ،‬وكثرت‬
‫السته له على طريق التبع له وآخذ ع ه‪ .‬قال‪ :‬وهذا طريق آصوليني«‪.3‬‬
‫وهذا املفهوم كما نالحظ يوضح صورة ا دل بني علماء ا ديث وآصوليني حول مفهوم‬

‫علوم ا ديث ‪ ،‬اعت به وعلق عليه ‪ :‬إمساعيل زرمان ‪،‬‬ ‫‪ -1‬ابن الصالح أبو عمرو عثمان بن عبد الرمحن الشهر زوري ‪ :‬مقدمة ابن الصالح‬
‫ط‪ ،1‬بريوت ‪ ،‬لب ان ‪ ،‬مؤسسة الرسالة ناشرون ‪1425 ،‬هـ ‪2004‬م ‪ ،‬ص‪.173‬‬
‫‪ -2‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص‪. 73‬‬
‫‪ -ϯ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص‪.173‬‬

‫‪11‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫مفهومه ح يعدون من رأى الرسول مرة واحدة فهو من‬ ‫الصحا ‪ ،‬فعلماء ا ديث ‪ ،‬يتوسعون‬
‫الصحابة‪ ،‬بي ما آصوليون ضيقوا مفهوم الصحا واشرتطوا طول الزمن الصحبة للرسول‪ " ،‬وكثرت‬
‫السته له على طريق التبع له وآخذ ع ه "‪ .‬و هذا الرأي تضييق ملفهوم الصحبة كما هو واضح‪،‬‬
‫ولكن مهما كان أمر ا دل واالختالف مفهوم الصحا بني العلماء ‪ ،‬فإن أهم وأو ما عرف به‬
‫الصحا ‪ ،‬ما قاله ابن حجر العسقالين(ت‪852‬هـ‪1449‬مـ) اإلصابة‪ » :‬إن الصحا ‪ :‬من لقي‬
‫ال يب ‪ ‬مؤم ا به ومات على اإلسالم «‪.1‬‬
‫وقد شرح التعريف فقال‪ » :‬فيدخل فيمن لقيه من طالت السته له أو قصرت‪ ،‬ومن روى ع ه‬
‫أومل يرو‪ ،‬ومن غزا معه أو مل يغز‪ ،‬ومن رآ رؤية‪ ،‬ولو مل السه‪ ،‬ومن مل ير لعارض كالعمى‪.‬‬
‫و رج بقيد" اإلميان " من لقيه كافرا‪ ،‬ولو أسلم بعد ذلك‪ ،‬إذا مل تمع به مرة أخرى‪.‬‬
‫وقول ا‪" :‬به" رج من لقيه مؤم ا بغري كمن لقيه من مؤم أهل الكتاب قبل البعثة ‪ ،‬وهل يدخل من‬
‫لقيه م هم وآمن بأنه سيبعث ‪ ،‬أو ال يدخل ؟ ل احتمال ‪ ،‬ومن هؤالء ريا الراهب ونظراؤ ‪.‬‬
‫ويدخل قول ا‪" :‬مؤم ا به" كل مكلف من ا ن واإلنس‪ ...‬وخرج بقول ا‪" :‬ومات على‬
‫اإلسالم" من لقيه مؤم ا مث ارتد ومات على ردته والعياذ باهلل‪ .‬وقد وجد من ذلك عدد يسري‪ ،‬كعبيد اهلل‬
‫بن جحش الذي كان زوج أم حبيبة‪ ،‬فإنه أسلم معها‪ ،‬وهاجر إ ا بشة فت صر هو ومات على‬
‫نصرانيته‪ ،‬وكعبد اهلل بن خطل الذي قتل وهو متعلق بأستار الكعبة‪ ،‬وكربيعة بن أمية بن خلف‪.‬‬
‫ويدخل فيه من ارتد وعاد إ اإلسالم قبل أن ميوت ‪ ،‬سواء اجتمع به ‪ ،‬مرة أخرى‪ ،‬أم ال‪...‬‬
‫كآشعث بن قيس‪ ،‬وهو ممن ارتد وعاد إ اإلسالم خالفة أ بكر‪.‬‬
‫وهذا التعريف مب على آصح املختار ع د احملققني‪ ،‬كالبخاري‪ ،‬وشيخه أمحد بن ح بل‪ ،‬ومن‬
‫تبعهما‪ ،‬ووراء ذلك أقوال أخرى شاذة تقول‪ :‬كقول من قال‪ :‬ال يعد صحابيا إال من وصف بأحد‬
‫أوصاف أربعة ‪ :‬من طالت السته‪ ،‬أو حفظت روايته ‪ ،‬أو ضبط أنه غزا معه ‪ ،‬أو استشهد بني يديه‪،‬‬
‫كذا من اشرتط صحة الصحبة بلوغ ا لم أو اجملالسة ولو قصرت ‪.‬‬
‫وأطلق مجاعة أن من رأى ال يب‪-‬صلى اهلل عليه وآله وسلم‪ -‬فهو صحا ‪ ،‬وهو مول على من‬

‫متييز الصحابة ‪ ،‬ط‪ ،1‬مكتبة الكليات آزهرية ‪ ،‬د‪ .‬ت ‪،‬‬ ‫‪ -1‬شهاب الدين أ الفضل أمحد بن علي املعروف بابن حجر العسقالين ‪ :‬اإلصابة‬
‫ص ‪. ϭϱϴ‬‬

‫‪12‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫بلغ سن التمييز‪ ،‬إذ من مل مييز ال تصح نسبة الرؤية إليه‪ ،‬نعم يصدق أن ال يب– صلى اهلل عليه وآله‬
‫وسلم‪ -‬رآ ‪ ،‬فيكون صحابيا من هذ ا يثية‪ ،‬ومن حيث الرواية يكون تابعيا‪ ،‬وهل يدخل من رآ ميتا‬
‫قبل أن يدفن‪ ،‬كما وقع ذلك ٓ ذؤيب اهلذ الشاعر؟ إن صح ل نظر‪ ،‬والراجح عدم الدخول «‪.1‬‬
‫طريق معرفة صحبة الصحابي للرسول ‪:‬‬
‫يؤكد علماء ا ديث بأن معرفة صحبة الصحا للرسول ‪ ،‬تعرف بأحد آدلة اآلتية‪ « :‬تارة‬
‫بالتواتر‪ ،‬وتارة بأخبار مستفيضة وتارة بشهادة غري من الصحابة له ‪ ،‬وتارة بروايته عن ال يب ‪ ،‬مساعا‬
‫أو مشاهدة ‪ ،‬مع املعاصرة «‪.2‬‬
‫آخر‬ ‫أما شرط املعاصرة فيعترب بعدم مضي مائة س ة وعشرين س ة من هجرة ال يب ‪ ،‬لقوله‬
‫عمر ٓصحابه ‪ » :‬أرأيتكم ليلتكم هذ ؟ فإن على رأس مائة س ة م ها ال يبقى على وجه آرض ممن‬
‫هو اليوم عليها أحد «‪.3‬‬
‫زمان ومكان وقوع الصحبة ‪:‬‬
‫كانت مكة مهبط الرسالة اإلسالمية ‪ ،‬وفيها كانت إرهاصات الوحي آو ‪ ،‬وفيها بدأ تبليغ‬
‫الدعوة ‪ ،‬وفيها اكتملت ‪ ،‬وفيها وقعت الصحبة ٓوائل املسلمني ‪ ،‬وذلك أن » قوما أسلموا مبكة أول‬
‫املبعث ‪ ،‬وهم سباق املسلمني مثل‪:‬خد ة ب ت خويلد وعلي بن أ طالب وأبو بكر الصديق وزيد بن‬
‫حارثة ‪ ،‬وبقية العشرة ‪ ،‬وأصحاب دار ال دوة بعد إسالم عمر ين ا طاب ‪ ،‬والذين هاجروا إ‬
‫مكة «‪.4‬‬ ‫ا بشة فكانت صحبتهم للرسول‪،‬‬
‫وملا كان الرسول »يعرض نفسه على العرب كما كان يفعل كل موسم‪ ،‬فبي ما هو ع د العقبة لقي‬

‫‪ -ϭ‬العسقالين ‪ :‬اإلصابة متييز الصحابة ‪ ،‬ص ص ‪.158 - 159‬‬


‫‪ -Ϯ‬ا افظ بن كثري ‪ :‬الباعث ا ثيث شرح اختصار علوم ا ديث ‪ ،‬قيق ‪ :‬أمحد مد شاكر ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬لب ان ‪ ،‬مؤسسة التاريخ العر للطباعة‬
‫وال شر والتوزيع ‪ ،‬د ‪ .‬ت ‪ .‬ص‪.141‬‬
‫‪ -3‬مسلم بن ا جاج ‪ :‬صحيح مسلم ‪ ،‬كتاب فضائل الصحابة ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬دار إحياء الرتاث العر ‪ ،‬د ‪ .‬ت ‪ ،‬رقم ا ديث ‪ ، Ϯϱϯϳ‬ج‪،ϭϲ‬‬
‫ص ‪. ϴϵ‬‬
‫كتاب فضائل الصحابة ‪ ،‬مؤسسة قرطبة ‪1412 ،‬ه ‪1991‬م ‪ ،‬ج‪ ،16‬باب‬ ‫جاج ‪ :‬صحيح مسلم بشرح ال ووي ‪،‬‬ ‫‪ -‬وي ظر ‪ :‬مسلم بن ا‬
‫‪ ، ϱϯ‬ص‪.ϭϯϰ‬‬
‫فضل الصحابة‪ ،‬سوسة‪ ،‬تونس‪ ،‬دار املعارف للطباعة وال شر‪1989 ،‬م‪ ،‬ص ص‪.16-15‬‬ ‫‪ -ϰ‬يوسف بن إمساعيل ال بهاين‪ :‬آساليب البديعية‬

‫‪13‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫رهطا من ا زرج‪...‬وكانوا ستة نفر«‪ ،1‬وأصحاب العقبة آو من العام املقبل وكانوا اث عشر رجال ‪.2‬‬
‫وأصحاب العقبة الثانية وكانوا ثالثة وسبعني رجال وامرأتني من آنصار م هم‪ :‬الرباء بن معرور‪ ،‬وعبد‬
‫اهلل بن عمرو بن حرام‪ ،‬وسعد بن عبادة (ت‪ 14‬هـ‪635‬م)‪ ،‬وسعد بن الربيع‪ ،‬وعبد اهلل بن رواحة‬
‫الشاعر (ت‪8‬هـ‪629‬م)‪ ،‬وكعب بن مالك الشاعر (ت ‪50‬هـ) ‪.3‬‬
‫وأما الذين أسلموا باملدي ة قبل وع د هجرة الرسول‪15( ،‬أو‪ 16‬أوت" متوز" ‪622‬م) وقعت‬
‫هلم الصحبة باملدي ة‪ ،‬حسان بن ثابت (ت‪54‬هـ‪674‬م) وغري ممن أسلم معه‪ ،‬والذين هاجروا بعد‬
‫ا ديبية وقبل فتح مكة الس ة الثام ة خالد بن الوليد (ت‪21‬هـ‪642‬م)‪ ،‬وعمرو بن العاص (ت‬
‫‪43‬ه ‪664‬م)‪ ،‬وعثمان بن طلحة ‪ 4‬فكانت صحبتهم باملدي ة؛ حيث أسلموا يوم الفتح مبكة س ة‬
‫حجة الوداع‬ ‫مثان (‪8‬هـ)‪ ،‬وهم خلق كثري‪ ،‬ومن بي هم صبيا أدركوا ال يب‪ ،‬ورأو يوم الفتح وبعد‬
‫عام الوفود س ة تسع (‪9‬هـ) هجرية‪ ،‬وممن قدم‬ ‫كالسائب بن يزيد‪.5‬وكانت صحبة آعراب باملدي ة‬
‫على الرسول‪ ‬الوفد التميمي وفيهم من الشعراء‪ :‬آقرع بن حابس (ت ‪31‬هـ‪651‬م) ‪ ،‬والزبرقان‬
‫ابن بدر‪ ،‬وعمرو بن آهتم‪ ،‬وا اجب بن يزيد ‪ ،‬وعباس بن مدراس (ت‪18‬هـ و‪ 639‬م)‪.6‬‬
‫وقدم عليه وفد طيء فيهم الشاعر زيد ا يل بن املهلهل الطائي وكان سيدهم‪ ،7‬وقدم عليه فروة‬
‫أناس من ب زبيد‪ ،9‬وقدم‬ ‫ابن مسيك أملرادي الشاعر‪ ،8‬وقدم عليه الشاعر عمرو بن معدي كرب‬
‫وفد ب‬ ‫عليه وفد مهدان م هم مالك بن منط ‪ ،10‬و» أدرك لبيد اإلسالم وقدم على رسول اهلل‪‬‬

‫‪ -1‬ا أبو مد عبد امللك بن هشام ‪ :‬سرية ال يب ‪ ،‬راجع أصوهلا و ضبط غريبها وعلق حواشيها ووضع فهارسها ‪ :‬مد ي الدين عبد ا ميد ‪،‬‬
‫دار الفكر للطباعة وال شر والتوزيع ‪1401،‬ه‪1981‬م ‪ ،‬ج‪ ،Ϯ‬ص‪.ϯϴ‬‬
‫‪ -Ϯ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص ‪. 39‬‬
‫‪ -3‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج ‪ ، Ϯ‬ص ‪ ϰϳ‬وما بعدها ‪.‬‬
‫‪ -ϰ‬يوسف بن إمساعيل ال بهاين ‪ :‬آساليب البديعية فضل الصحابة ‪ ،‬ص ‪. 16‬‬
‫‪ -5‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪.16‬‬
‫‪ -6‬ابن هشام ‪ :‬سرية ال يب‪ ،‬ج ‪ ،ϰ‬ص ‪ ϮϮϮ‬وما بعدها ‪.‬‬
‫‪ -ϳ‬مد بن عبد اهلل بن ىي بن سيد ال اس ‪ :‬السرية ال بوية املسمى عيون آثر ف ون املغازي والشمائل والسري ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬مكتبة القدس للطبع‬
‫وال شر والتوزيع ‪1406 ،‬هـ ‪1986‬م ‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص ‪. 289‬‬
‫‪ -8‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص ‪.291‬‬
‫‪ -9‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪. 299‬‬
‫‪ -10‬املصدر نفسه ‪، ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪. 299‬‬

‫‪14‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫حياته ‪ ،‬وكانت صحبته‬ ‫كالب فأسلموا ورجعوا إ بالدهم »‪ .1‬واستقبل لبيد عهدا جديدا‬
‫للرسول‪ ‬باملدي ة‪.‬‬
‫وروى ابن الصالح (ت‪643‬هـ‪1245‬م) » عن أ زرعة الرازي‪ :‬أنه سئل عن عدة من روى عن‬
‫ال يب‪ ‬فقال‪ :‬ومن يضبط هذا ؟ شهد مع ال يب‪ ‬حجة الوداع أربعون ألفا‪ ،‬وشهد معه تبوك سبعون‬
‫ألفا‪...‬قيل له‪ :‬أليس يقال‪:‬حديث ال يب ‪‬أربعة أالف حديث؟ قال‪ :‬ومن قال هذا قلقة اهلل أنيابه؟‪،‬‬
‫هذا قول الزنادقة ومن صي حديث رسول اهلل‪ ،‬قبض رسول اهلل عن مئة ألف وأربعة عشر ألف من‬
‫الصحابة‪ ،‬ممن روى ع ه ومسع م ه‪ ،‬فقيل له‪ :‬يا أبا زرعة‪ :‬هؤالء أين كانوا‪ ،‬وأين مسعوا م ه؟ قال‪ :‬أهل‬
‫املدي ة وأهل مكة‪ ،‬وما بي هما وآعراب‪ ،‬ومن شهد معه حجة الوداع كل رآ ومسع م ه بعرفة »‪.2‬‬
‫وعلى هذا آساس يتضح ل ا أن زمان حدوث الصحبة فهو زمن الرسول‪ ،‬ومدته ثالثة‬
‫وعشرون س ة من أول املبعث مبكة إ وفاته ‪ ،‬حيث كان الصحابة يتوافدون عليه إلعالن إسالمهم‬
‫أزم ة متفاوتة ‪ ،‬و آماكن ال وطئتها قدمه‪.‬‬
‫م زلة الصحابة في القرآن والس ة وفي اللغة واألدب وأثرهم في الحركة ال قدية في عصرهم‪:‬‬
‫يعد الصحابة ‪-‬رضي اهلل ع هم‪ -‬كلهم عدوال ‪ ،‬وذلك ٓن للصحابة » خصيصة‪ ،‬وهي‪ :‬أن ال‬
‫يسأل عن عدالة أحد م هم‪ ،‬بل ذلك أمر مفروغ م ه لكوهنم على اإلطالق معدولني ب صوص الكتاب‬
‫والس ة ‪ ،‬وإمجاع من يعتد به اإلمجاع من آمة »‪.3‬‬
‫كتابه إال وأث عليهم وأجزل آجر واملثوبة هلم‪،‬‬ ‫وهلذا » د أن الصحابة مل يذكر اهلل تعا‬
‫ومل يفرق بني فرد وفرد‪ ،‬وال بني طائفة وطائفة»‪ .4‬وقد ورد ذكرهم كثري من اآليات م ها قوله تعا ‪:‬‬
‫‪฀฀ ฀฀ ฀ ฀ ฀‬‬ ‫ﭐﭐ‬

‫‪ -1‬أبو مد عبد اهلل بن مسلم بن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء‪ ،‬قدم له‪ :‬حسن متيم ‪ ،‬راجعه وأعد فهارسه‪ :‬مد عبد امل عم العريان ‪ ،‬ط‪ ، 3‬بريوت ‪،‬‬
‫لب ان ‪ ،‬دار إحياء العلوم ‪1407 ،‬هـ ‪1987‬م‪ ،‬ص ‪. 171‬‬
‫‪ -‬وي ظر‪ :‬لبيد بن ربيعة ‪ :‬الديوان‪ ،‬شرحه وضبط نصوصه وقدم له ‪ :‬عمر فاروق الطباع ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬بريوت ‪ ،‬لب ان ‪ ،‬شركة دار آرقم بن أ آرقم‬
‫للطباعة وال شر والتوزيع ‪1417 ،‬هـ‪1997‬م ‪ ،‬ص‪. 8‬‬
‫‪ -2‬ابن الصالح ‪ :‬مقدمة ابن الصالح علوم ا ديث ‪ ،‬ص ‪. 176‬‬
‫‪ -3‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 174‬‬
‫‪ -4‬أبو ا سن عبد الباقي بن نافع بن مرزوق البغدادي ‪ :‬معجم الصحابة ‪ ،‬حققه وخرج حديثه ‪ :‬أمحد فتحي عبد الرمحن ‪ ،‬ط‪ ،1‬بريوت ‪ ،‬لب ان ‪،‬‬
‫م شورات علي بيوض ‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪1426 ،‬هـ ‪2005‬م ‪ ،‬مج ‪ ،1‬ص‪.4‬‬

‫‪15‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫‪฀฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀‬‬ ‫‪฀ ฀‬‬


‫‪[ ฀‬سورة التوبة‪.]100‬‬
‫وقال فيهم رسول اهلل‪(» :‬اهلل اهلل أصحا ال تتخذوهم غرضا بعدي‪ ،‬فمن أحبهم فبحيب‬
‫أحبهم‪ ،‬ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم‪ ،‬ومن آذاهم فقد آذاين‪ ،‬ومن آذاين فقد أذى اهلل تعا ‪ ،‬ومن‬
‫أذى اهلل تعا يوشك أن يؤخذ ) »‪.1‬‬
‫وقد عرف أهل العلم قدر الصحابة‪ ،‬فقال ا وي (ت ‪ 478‬هـ‪1058‬م)‪ » :‬ولعل السبب‬
‫قبوهلم من غري ث عن أحواهلم‪ ،‬والسبب الذي أتاح اهلل اإلمجاع ٓجله‪ ،‬أن الصحابة هم نقلة‬
‫روايتهم‪ ،‬ال صرت الشريعة على عصر الرسول ‪ ،‬وملا اسرتسلت على‬ ‫الشريعة‪ ،‬ولو ثبت توقف‬
‫سائر آعصار »‪.2‬‬
‫وهكذا يتجلى أن " الصحا "أو"الصحابة"مصطلح أطلقه الرسول‪ ،‬بصيغة" أصحا "على‬
‫ا يل آول من املسلمني الذين عاصرو زمانا ومكانا فرأو ‪ » ،‬وعرفوا من أحواله ما جعلهم يهرعون‬
‫إليه ويضعون مقاليدهم بني يديه ي غمسون فيضه الذي هبر م هم آبصار وأزال ع هم آكدار‬
‫وصريهم أهال جملالسته و ادثته ومرافقته »‪ .3‬واشرتكوا معه غزواته وصلواته‪ ،‬وحفظوا أحاديثه ونقلوها‪،‬‬
‫وحفظوا القرآن العظيم كما مسعو م ه‪ ،‬وخالطو » ح آثرو على أنفسهم وأمواهلم وأزواجهم وذريا‬
‫هتم‪ ،‬وبلغ من بتهم له إيثارهم املوت سبيله أن هان عليهم اقتحام امل ية كراهة أن يرو موقف‬
‫مؤذي أو كريه ي قص من قدر »‪ .4‬فاحتلوا بذلك مكانة اجتماعية ودي ية ولغوية وأدبية خاصة‪ ،‬بعد‬
‫تلك املكانة ال احتلوها القرآن العظيم‪ ،‬والس ة ال بوية‪ ،‬وهلذا » ال خالف أخد الدين والعقيدة‬
‫عن الصحابة‪-‬رضوان اهلل عليهم‪ ،-‬وأمر اللغة أسهل من أمر الدين والعقيدة‪ ،‬فإن ك ا نأخذ دي ا ع هم‬
‫فمن باب أو أن نأخذ اللغة عمن عايش م هم املقاييس الزمانية واملكانية ال حددها ال حاة‪،‬‬
‫خصوصا وأن م هم ا طباء املفوهني والشعراء البارزين‪ ،‬والفصحاء الذين ال يبارون ويكفي أن أبا‬

‫‪ -1‬عالء الدين علي املتقي بن حسام الدين اهل دي ‪ :‬ك ز العمال س ن آقوال وآفعال ‪ ،‬ضبطه وفسر غربيه ‪ :‬بكر محاين ‪ ،‬صححه ووضع‬
‫فهارسه ‪ :‬صفوت السقاء ‪ ،‬د ‪ .‬م ‪ ،‬مؤسسة الرسالة ‪1413 ،‬هـ‪1992‬م ‪ ،‬ج‪ ،11‬ص‪ .532‬رقم ا ديث‪.32483‬‬
‫‪ -2‬ا وي ‪ :‬الربهان أصول الفقه ‪ ،‬قيق ‪ :‬صالح مد عويضة ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬دالر الكتب العلمية ‪1408 ،‬هـ‪1997‬م ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪. 242‬‬
‫‪ -3‬ا بن مرزوق ‪ :‬معجم الصحابة ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪. 3‬‬
‫‪ -4‬املصدر نفسه ‪،‬ج‪ ،1‬ص‪. 3‬‬

‫‪16‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫آسود الدؤ مل يضع علم ال حو– على الصحيح‪ -‬إال بأمر من سيدنا علي‪ ،‬وتذكر ل ا الروايات‬
‫ذلك أن أبا آسود كان يعرض على سيدنا علي فيبدي رأيه فيه‪ ،‬ويوجهه إ آفضل وآحسن »‪.1‬‬
‫أما مكانتهم من ال احية آدبية فقد »كثر عدد الشعراء كثرة مفرطة‪ ،‬ح بلغ ثالمثائة شاعر من‬
‫الصحابة وحدهم‪ ،‬م هم ثالثة وعشرون من الصحابيات الشواعر«‪.2‬غري » أن كثريا من هؤالء‬
‫الصحابة‪،‬مل يكونوا شعراء باملع الدقيق للكلمة‪ ،‬بل كانوا مجاعة من املؤم ني مأل اإلسالم قلوهبم‪،‬فقالوا‬
‫متجيد أبياتا أو مقطوعات قصرية هي– أغلب آحيان– قليلة ا ظ من ا مال « ‪.3‬‬
‫والفخر لكل الصحابة الشعراء الذين كان هلم الفضل نقل الشعر العر من عصر إ عصر‪،‬‬
‫ومن جيل إ جيل ومن حضارة إ حضارة‪ ،‬صورتيه ا اهلية واإلسالمية‪ ،‬ويكفي أن حسان بن‬
‫ثابت وعبد اهلل بن رواحة وكعب بن مالك وال ابغة ا عدي‪ ،‬وغريهم من الشعراء الذين مسع هلم‬
‫الرسول‪ ،‬وشهد هلم بالشاعرية‪ ،‬فآزرو ودافعوا ع ه‪ ،‬ومدحو ورثوا شهداء املسلمني‪ ،‬وهجوا مشركي‬
‫قريش وردوا على شعرائها‪ ،‬وناصروا اإلسالم واملسلمني‪ ،‬فكان شعرهم وثيقة تار ية لألحداث الزمانية‬
‫واملكانية ال أهلمتهم وأهلبت شعرهم‪ ،‬وأرخ لكل هذا علماء السري وآدب ونقاد ‪.‬‬

‫‪ -ϭ‬رمضان مخيس القسطاوي ‪ :‬الشواهد ال حوية شعر الصحابة (دراسة و قيق) ‪ ،‬البحرية ‪ ،‬دار شريف لل شر والتوزيع ‪ϮϬϬϰ ،‬م ‪ ،‬ص ‪. ϮϮϭ‬‬
‫‪ -Ϯ‬وهب رومية ‪ :‬ب ية القصيدة العربية ح هناية العصر آموي(قصيدة املدح أمنوذجا) ‪ ،‬ط‪ ، ϭ‬دمشق ‪ ،‬دار الطباعة وال شر والتوزيع ‪ϭϰϭϴ ،‬هـ‬
‫‪ϭϵϵϮ‬م ‪ ،‬ص ‪.Ϯϭϭ‬‬
‫‪ -ϯ‬الرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪.ϮϭϮ‬‬

‫‪17‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫ثانيا‪ :‬مفهوم الشعر لدى الصحابة ‪.‬‬

‫مفهوم الشعر لدى الصحابة ‪:‬‬

‫‪18‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫مصادر ومراجع الشعر العر ا اهلي ونقد ‪ ،‬تأكد ل ا عدم‬ ‫ع د تتبع ا لْثار آدبية وال قدية‬
‫العثور على مفهوم واضح للشعر العر ع د ا اهليني‪ٓ ،‬ن الذي كان يهم العرب هو قول الشعر‬
‫وروايته واملفاخرة به بالدرجة آو ‪ ،‬بدون ديد ملاهيته‪.‬‬
‫و عصر صدر اإلسالم‪ ،‬ملا نزل القرآن العظيم بأسلوب جديد ‪ ،‬ولغة جديدة وضحت شريعته ‪،‬‬
‫وأذاب أسلوبه لغة العرب مجيعا ‪ ،‬و اوز أسلوب الشعراء العرب ‪ ،‬وهبر خطباءهم وفصحاءهم‬
‫ببيانه‪ ،‬ع دئذ تغريت ال ظرة إ الشعر ‪ ،‬فأصبح له م طلق وهدف يريد الوصول إليه ‪.‬‬
‫ومن خالل التوجيه ال بوي والراشدي للشعر والشعراء ‪ ،‬ندرك قيمة وأمهية اهلزة آدبية وال قدية‬
‫ال وعية ‪ ،‬ال أحدثها اإلسالم تغيري رى الشعر العر ‪ ،‬وتوضيح وظيفته وأهدافه وغاياته ‪.‬‬
‫وعلى هذا آساس ميكن طرح السؤال اآليت‪ :‬هل استطاع املسلمون آوائل‪ ،‬والصحابة – ديدا ‪،-‬‬
‫الذين حفظوا الشعر العر وروو ‪ ،‬وحفظوا القرآن العظيم‪ ،‬والس ة ال بوية ونقلوهم إ التابعني‪ ،‬أن‬
‫يبلوروا رؤية ف ية ونقدية جديدتني‪ ،‬حددوا من خالهلما مفهومهم للشعر؟ أم أهنم ساروا ركب فهم‬
‫العرب ا اهليون للشعر ؟ ‪.‬‬
‫رؤية العرب لمفهوم الشعر ‪:‬‬
‫أما من حيث فهم العرب ا اهليني للشعر وتصورهم له ‪ ،‬فقد » فهمت العرب قدميا الشعر‪ -‬ومل‬
‫تكن تفل بفن احتفاهلا به‪ -‬فهما مقرونا بوجود قوة غيبية ‪ ،‬هي مصدر اإلهلام والعبقرية ‪ ،‬فتحدثت‬
‫عن شياطني الشعر والشعراء ‪،‬فكأن الشعر‪ -‬أو الفن‪ -‬هبة من هذ القوة الغيبية ‪ ،‬وهو فهم يقرتب من‬
‫فهم " أفالطون " من حيث مصدر الفن‪ ،‬فإذا كان هذا الفن قد هبط من السماء على اإلنسان حني‬
‫ألقى به اإلله "بروميثوس" ع د" أفالطون " فإنه هبة من هذ الشياطني تلقي به على ألس ة الشعراء ع د‬
‫العرب‪ ،‬فكالمها‪ " -‬العرب وأفالطون "‪ -‬يرى أن مصدر الفن قوة غيبية غريبة عن اإلنسان وم فصلة‬
‫ع ه‪ ،‬وإن كان أفالطون يسمي هذ القوة " اإلله أو السماء " وكانت العرب تسميها " الشياطني "‪،‬‬
‫ولكن السفسطائيني أكدوا أن اإلنسان هو مصدر الف ون مجيعا‪ ،‬أي إن الفن ظاهرة إنسانية ال ترجع‬
‫مصدرها إ أصل إهلي‪ ،‬وبذا أصبح ا مال قيمة متغرية بتغري ال اس والزمان واملكان‪ ،‬وأكد " أرسطو "‬

‫‪19‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫أن الفن من ص ع اإلنسان‪ ،‬وأناط به مهمة تصحيح الطبيعة وتقوميها وإكماهلا « ‪.1‬‬
‫ويبدو جليا من خالل اعتقاد العرب بفكرة " شياطني " الشعر والشعراء ‪ ،‬أن حال معاناة الشاعر‬
‫ا اهلي » يكت فها الغموض وهي مليئة بآسرار مما جعل العرب يطوهنا باالعتقادات ا رافية« ‪.2‬‬
‫هذ ا رافات ال أكدها ال قاد ‪ ،‬فقرنوا بني الشعراء والشياطني‪ ،‬ناسبني لكل شاعر شيطانا‪ » ،‬فهم‬
‫يزعمون أن مع كل فحل من الشعراء شيطانا يقول ذلك الفحل على لسانه الشعر «‪.3‬‬
‫وقد ذكر القرشي (ت ‪171‬هـ) مقدمة " مجهرة أشعار العرب "حديثا عن " شياطني الشعراء "‬
‫فذكر أمساء لشياطني الشعر‪ ،‬وذكر أمساء لشعراء ا ن وحدد أن "مدرك بن واغم " صاحب الكميت ‪،‬‬
‫و" مسحل السكران " صاحب آعشى‪ » ،4‬أما الفظ فصاحب امرئ القيس ‪ ،‬وأما هبيد فصاحب‬
‫عبيد بن آبرص وبشر‪ ،‬وأما هاذر فصاحب زياد الذبياين «‪ .5‬ومن شعراء ا ن الصالدم وواغم‪،6‬‬
‫والسفاح بن الرقراق ا ‪ ،7‬ومن شياطني الشعر اهلوبر واهلوجل وهياب‪.8‬‬
‫وقد أقر الشياطني بفضلهم على الشعراء ‪ ،‬كقول الفظ بن الحظ شيطان امرئ القيس‪ » :‬أنا واهلل‬
‫م حته ما أعجبك م ه «‪. 9‬‬
‫وأرجع توفيق الزيدي‪ :‬أن ارتباط اإلبداع الشعري ع د الشعراء ا اهلني بالشياطني‪ ،‬يعود إ اعتقاد‬
‫فكري عر ساد العصر ا اهلي » مؤدا أن التعليل ا را لإلبداع‪ ،‬ي حدر عن املفاهيم السائدة‬
‫للجاهلية ‪ ،‬تلك ال ارتبطت بكل القوة ا ارقة للعادة ‪ ،‬كالسحر وا ن والغول‪ ،‬ومما يؤكد رأي ا أن أو‬
‫هتمة وجهت للرسول‪ ،‬ع د نزول القرآن هي الشعر مقرونا مبفهوم ا ون «‪.10‬‬

‫‪-1‬وهب رومية‪ :‬ب ية القصيدة ح هناية العصر آموي ( قصيدة املدح أمنوذجا ) ‪ ،‬ص ص ‪.198 -197‬‬
‫‪ -Ϯ‬توفيق الزيدي‪ :‬مفهوم آدبية الرتاث ال قدي إ هناية القرن الرابع ‪ ،‬ط‪ ، Ϯ‬تونس ‪ ،‬سراس لل شر ‪ ϭϵϴϱ ،‬م ‪ ،‬ص ‪. ϱϱ‬‬
‫‪ -ϯ‬أبو عثمان عمرو بن ر ا احظ ‪ :‬ا يوان ‪ ،‬قيق ‪ :‬عبد السالم مد هارون ‪ ،‬ط‪ ،1‬مصر‪ ،‬مكتبة ا احظ ‪1938 ،‬م ‪،‬ج ‪ ، ϲ‬ص ص‬
‫‪.ϮϮϲ -ϮϮϱ‬‬
‫‪ -ϰ‬أبو زيد مد بن أ ا طاب القرشي ‪ :‬مجهرة أشعار لعرب ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬درا بريوت للطباعة وال شر ‪ ϭϰϬϰ ،‬هـ‪ϭϵϴϰ‬م ‪ ،‬ص ‪. ϰϯ‬‬
‫‪ -ϱ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 43‬‬
‫‪ -ϲ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. ϰϭ‬‬
‫‪ -7‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 49‬‬
‫‪ -ϴ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. ϱϰ‬‬
‫‪ -ϵ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. ϰϰ‬‬
‫‪ -ϭϬ‬توفيق الزيدي ‪ :‬مفهوم آدبية الرتاث ال قدي إ هناية القرن الرابع ‪ ،‬ص ‪. ϲϬ‬‬

‫‪20‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫[الصافات اآلية ‪.]36‬‬ ‫ﲑ ‪฀‬‬ ‫‪฀‬‬ ‫‪:‬ﭐ ‪฀‬‬ ‫وقد دل على هذا قوله تعا‬
‫ﭐﭐ ‪฀ ฀ ฀‬‬ ‫كما اقرتن مفهوم الشعر ع د العرب بالسحر‪ ،‬فحاكى اهلل القرآن قوهلم فقال‪:‬‬
‫‪[ ฀ ฀ ฀‬آعراف اآلية ‪ ».]132‬وذلك أن مراد السحر اللفظي وإجراءاته قريبة‬ ‫‪฀‬‬
‫جدا من مواد الشعر وإجراءاته وأن ا طابني البالغي وال قدي قد استخدم‪ -‬املاضي وا اضر– مواد‬
‫السحر وإجراءات الساحر ا ديث عن مواد الشعر وإجراءات الشاعر « ‪.1‬‬
‫وبالعودة إ القرآن العظيم د فيه ما يدل على أن للشياطني أولياء " يوسوسون "هلم فقال تعا ‪:‬‬
‫‪[฀‬سورة طه اآلية ‪.]120‬‬ ‫ﭐﭐ ‪฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀‬‬
‫وقد اعترب القرآن هذ الوسوسة وحيا من الشياطني إ أوليائهم فقال تعا ‪ :‬ﭐ ‪฀ ฀ ฀‬‬
‫‪[ ฀฀ ฀‬آنعام اآلية ‪.]121‬‬ ‫‪฀‬‬
‫ومما ال جدال فيه » أن هذ املفاهيم الدي ية كانت سائدة وال شك ا اهلية‪ .‬ولعل للكهان‬
‫دورا هاما تركيزها ‪ .‬والدليل على ذلك اعتقادهم "الرئي" وهو ج يظهر للكهان «‪.2‬‬
‫سرية ابن هشام أن عتبة بن ربيعة قال لرسول اهلل ‪...» :‬وإن كان هذا الذي‬ ‫وقد جاء‬
‫يأتيك رئيا ترا ال تستطيع رد على نفسك‪ ،‬طلب ا لك الطب وبذل ا فيه أموال ا ح نربئك م ه ‪ ،‬فإنه‬
‫رمبا غلب التابع على الرجل ح يداوى م ه «‪.3‬‬
‫ويبدو أن االعتقاد الذي كان سائدا قبل ا اهلية‪ ،‬هو » أن الشاعر متصل بشيطان خاص به‬
‫يلهمه الشعر‪ ،‬دون ديد للعدد‪ ،‬وإذا كان لكل شاعر شيطان‪ ،‬كان عددهم بعدد الشعراء‪ ،‬وحني‬
‫[املتقارب]‬ ‫يقول حسان بن ثابت‪:‬‬
‫فطورا أقول وطورا هو‬ ‫احب ِمن ب ّ‬
‫الشيصان‬ ‫وِ ص ِ‬
‫من خالل هذا البيت يقرر الشاعر ثالثة أمور‪ :‬أوهلا‪ :‬أن له صاحب غري إنسي‪ ،‬وثانيهما‪ :‬أن هذا‬
‫الصاحب ي تسب إ الشيصان‪ ،‬وهو اسم للشيطان ( أبو الشيصان إما أن يكونوا أب اء ج يعرف‬
‫هبذا االسم أ و يكون اسم قبيلة من قبائل ا ن)‪ ،‬وثالثهما‪ :‬أن حسانا وشيطانه يت اوبان القول فتارة‬

‫‪ -ϭ‬مربوك امل اعي‪ :‬الشعر والسحر ‪ ،‬ط‪ ، 1‬د ‪ .‬ن ‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي ‪ 2004 ،‬م ‪ ،‬ص ‪. ϭϱ‬‬
‫‪ -Ϯ‬توفيق الزيدي‪ :‬مفهوم آدبية الرتاث ال قدي إ هناية القرن الرابع ‪ ،‬ص‪. 60‬‬
‫‪-ϯ‬ابن هشام‪ :‬سرية ال يب ‪ ،‬ج‪،1‬ص ص ‪.294 -293‬‬

‫‪21‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫يقول حسان وتارة يقول شيطانه‪ ،‬وهذا إذا أخذ على وجهه الظاهري يع أن الشيطان يرفد صاحبه أو‬
‫يستقل بقصيدة ويستقل الشاعر بأخرى وال يتو اإلهلام كله « ‪.1‬‬
‫إن هذا الغموض الذي انسحب على الشعر‪ ،‬انسحب كذلك على الشاعر والكاهن‪ ،‬مما جعل‬
‫نظرة العرب إ الشعر نظرة مشولية‪ ،‬فاخلطوا بني السجع والرجز ‪.‬‬
‫وعلى هذا آساس يتضح أن مفهوم الشعر ع د العرب ا اهليني غري واضح‪ ،‬وذلك لغياب‬
‫املصطلح والغاية م ه‪ ،‬الرتباطه ال معاناة الشاعر غري الواضحة ال يكت فها الغموض‪ ،‬كما مل تكن‬
‫روح اإلبداع ع د العرب مستقلة عن ا رافات ‪ .‬وهذا االعتقاد هو صورة للعرب حي ما كانوا ي ظرون إ‬
‫الشعر على أساس أنه يأيت من قوة غيبية‪ ،‬هلذا غاب ع هم ديد هويته‪ ،‬وبلورة مفهومه‪ ،‬فبقيت نظرهتم‬
‫للشعر صورة بني الشاعر وشيطانه‪ ،‬ومل يتجاوزوا ذلك إ رؤية نقدية دد مفهومهم للشعر‪،‬خاصا‬
‫بزماهنم ومكاهنم ومستواهم الف وحضارهتم ‪.‬‬
‫وبالتا فإذا كان العرب ا اهلية مل ددوا مفهوما للشعر‪ ،‬فهل استطاع الصحابة من خالل‬
‫ثقافتهم الدي ية وآدبية‪ ،‬الف ية وال قدية ا ديدة‪ ،‬أن يتميزوا عصرهم و ددوا مفهومهم للشعر وأن‬
‫يتجاوزوا خرافة العرب فهمهم وتصورهم للشعر ؟ ‪.‬‬
‫إن ال ـذي ال جدال فيه ‪ ،‬أنه » ع دما جاء اإلسالم وكثر أتباعه‪ ،‬كانت تعاليمه تدعوهم للخضوع‬
‫إ ‪...‬قوانني شاملة لكل أغراضهم‪ ،‬و تلك ا ياة ا ديدة‪ ،‬ويطرحوا ما ال يت اسب وتلـك ا ياة من‬
‫حياهتم ا اهلية‪ٓ ،‬هنا مل تعد تتفق ومبادئ وأخالقيات اجملتمع اإلسالمي‬ ‫آغراض ال ألفوها‬
‫ا ديد «‪.2‬‬
‫و ظل ا ياة االجتماعية ا ديدة ال قادها الرسول‪ ،‬ووجه إليها الصحابة الذين دفعوا قدما‬
‫بالوعي العر اإلسالمي و دد حركية اجملتمع‪ ،‬وفق رؤية دي ية وأدبية‪ ،‬ح » شكل ظهور اإلسالم‬
‫وال نوعيا التاريخ العر ‪ ،‬اجتماعيا وسياسيا وعقائديا وثقافيا‪ ،‬وقد كان من املفروض أن ميس هذا‬

‫‪ -ϭ‬إحسان عباس ‪ :‬تاريخ ال قد ع د العرب نقد الشعر من القرن الثاين ح القرن الثامن اهلجري ‪ ،‬ط‪ ، ϰ‬د ‪.‬م ‪ ،‬دار الشروق لل شر واالتوزيع ‪،‬‬
‫‪ ϮϬϬϲ‬م ‪ ،‬ص ‪.ϭϲ‬‬
‫‪ -Ϯ‬سامي مكي العاين ‪ :‬اإلسالم والشعر ‪ ،‬الكويت ‪ ،‬سلسلة كتب ثقافية شهرية يصدرها اجمللس الوط للثقافة والف ون واآلداب ‪ ،‬عدد ‪، ϲϲ‬‬
‫‪ϭϰϬϯ‬هـ ‪ϭϵϴϯ‬م ‪ ،‬ص‪.ϴϮ‬‬

‫‪22‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫التحول ال الشعر« ‪ 1‬من حيث املفهوم أوال‪ ،‬ومن حيث املضمون والوظيفة ثانيا‪ٓ ،‬ن الشعر أهم‬
‫شكل تعبريي حظي باهتمام العرب‪ ،‬نظرا ملكانته ا اصة عقلهم ووجداهنم‪ ،‬واملعروف أن » الشعر‬
‫الذي كان العصر ا اهلي يعرب عن أوضاع اجتماعية وذاتية متباي ة ‪ ،‬أصبح مع ظهور اإلسالم‬
‫متأقطبا بني توجهني رئيسيني‪ :‬تأييد اإلسالم‪ ،‬أو م اوأته نطاق صراع مبدئي قبل أن يتأقطب بني‬
‫تأييد سلطة سياسية ضد أخرى نطاق صراع سياسي «‪.2‬‬
‫وأث اء هذا الصراع وقبله‪ » ،‬كان ي بغي للشعر أن يغري من ثوبه القدمي ح يستطيع أن مل‬
‫تلك املضامني ا ديدة للدعوة اإلسالمية إذا أراد أن يكون له وجود الساحة ا ديدة «‪.3‬‬
‫رؤية الصحابة لمفهوم الشعر ‪:‬‬
‫لقد أدرك الرسول‪ ‬والصحابة‪ ،‬قيمة الشعر وأمهيته ع د العرب ‪ ،‬م ذ بداية مرحلة دار اهلجرة‪،‬‬
‫غزوة‬ ‫حيث كان آنصار يفخرون مبقدمه‪ ،‬وملا وقعت املواجهة بني شعراء مدرس ‪ :‬مكة واملدي ة‬
‫بدر‪ ،‬وظف املشركون الشعر ضد الرسول‪ ،‬واملسلمني‪ ،‬ع دئذ ظهرت ال ظرة اإلسالمية ا ديدة‬
‫تغيري مضمونه وتوضيح وظيفته و ديد مفهومه ا ديد‪ ،‬من خالل تشجيع الرسول‬ ‫للشعر‪ ،‬والرغبة‬
‫‪ ‬لشعرائه‪ ،‬ودفعهم للرد على شعراء املشركني‪ ،‬وذلك ٓن » الشعر أهم شكل تعبريي حظي‬
‫باهتمامهم نظرا إ مكانته ع دهم‪ .‬فال عجب أن حــاول الرسول توجيهه لفائدة الرسالة الدي ية‪ ،‬وذلك‬
‫بالرتكيز على مضمونه دون االهتمام انبه الف «‪.4‬‬
‫ويوضح هذ الرؤية تلك التعريفات ال حددت ماهية الشعر صدر اإلسالم‪ ،‬ال روهتا بعض‬
‫املصادر ال قدية‪ ،‬م سوبة إ الرسول‪ ،‬وم ها ما هو م سوب إ الصحابة ‪ ‬فقال ‪ « :‬إنما الشعر‬
‫كالم فمن الكالم خبيث وطيب»‪.1‬‬

‫الطور الشفوي ‪،‬ط‪ ،1‬مراكش‪ ،‬مطبعة تي مل‪ ،‬مراكش ‪1995 ،‬م ‪.‬ص ‪. 41‬‬ ‫‪ -ϭ‬عبد العزيز جسوس‪ :‬نقد الشعر ع د العرب‬
‫‪ -Ϯ‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪ϰϭ‬‬
‫‪ -ϯ‬أمحد سويلم‪ :‬اإلعالم الشعري الرتاث العر ‪ ،‬مطابع اهليئة املصرية العامة للكتاب ‪ ϭϵϵϱ ،‬م ‪ ،‬ص ‪. ϴϴ‬‬
‫‪ -4‬توفيق الزيدي‪ :‬مفهوم آدبية الرتاث ال قدي إ هناة القرن الرابع ‪ ،‬ص ‪. ϵϮ‬‬
‫‪ -ϭ‬أبوعلي ا سني بن رشيق القريواين آزدي ‪ :‬العمدة اسن الشعر وآدابه ونقد ‪ ،‬حققه وفصله وفصله وعلق حواشيه ‪ :‬مد ي الدين عبد‬
‫ا ميد ‪ ،‬ط‪ ،1‬القاهرة ‪ ،‬دار الطالئع لل شر والتوزيع‪2006 ،‬م ‪ ،‬ج ‪ ، ϭ‬ص ‪.Ϯϯ‬‬
‫‪ -Ϯ‬عبد العزيز جسوس‪ :‬نقد الشعر ع د العرب الطور الشفوي ‪ ،‬ص ‪. ϱϯ‬‬

‫‪23‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫إطار مضمونه‬ ‫إطار الف ‪ ،‬إمنا ي ظر إليه ككالم‬ ‫إن هذا التعريف ال ي ظر إ الشعر‬
‫الشعر‪،‬‬ ‫ووظيفته امل بعثة من روح عقائدية جديدة‪ ،‬وهذ ال ظرة هي وجه ا الف بني ما يرا العرب‬
‫وما يرا الرسول ‪ ‬وصحابته؛حيث طريق الشعر العر ا اهلي يتعارض مع طريق اإلسالم‪ « ،‬ومن‬
‫ه ا كان على الرسول‪ ،‬أن يوجه الشعر إ م ازع جديدة من القول‪ ،‬غري ال كان وض فيه‬
‫ا اهلية‪ ،‬فكان ي فر من اهلجاء‪ ،‬وقد ساء كثريا هجاء املشركني فاضطر أن ي ازهلم بسالحهم على كر‬
‫م ه‪ ،‬وكان بطبيعة ا ال ب فر من التشبيب وفحش القول‪ ،‬وال يهوى من الشعر إال ما تضمن حكمة أو‬
‫موعظة حس ة‪ ،‬أوما كان فيه إعالء شأن اإلسالم واملسلمني »‪.2‬‬
‫ديد مفهوم‬ ‫السياق نفسه‪ -‬إ‬ ‫و هذا الصدد ذهبت السيدة عائشة (ت ‪ 58‬هـ ‪678‬م)‪-‬‬
‫الشعر فقالت‪ « :‬الشعر فيه كالم حسن و قبيح‪ ،‬فخذ ا سن واترك القبيح »‪.3‬‬
‫إن هذا القول ليس تعريفا ف يا للشعر‪ ،‬بقدر ما هو ديد لوظيفته‪ ،‬ذلك أن مضمونه الفكري ذو‬
‫حدين‪ ،‬ومها مقياسي‪ :‬ا سن والقبح‪ ،‬فالشعر مل املعاين ا س ة والعاين القبيحة‪ ،‬ويوظفان لغرضهما‬
‫هذا التعريف يتطابق مع رؤية الرسول ‪ ،‬للشعر‪.‬‬ ‫املقصود‪ ،‬واهلدف‬
‫وقد نسب إ الرسول ‪ ،‬وإ الصحابة أقوال فيها إشارات إ ا انب الف ملاهية الشعر‪ ،‬فقد‬
‫روي عن ال يب ‪‬أنه قال‪ « :‬إمنا الشعر كالم مؤلف ‪ ،‬فما وافق ا ق م ه فهو حسن ‪ ،‬وما مل يوافق‬
‫ا ق فال خري فيه »‪.4‬‬
‫فحديثي الرسول ‪ « :‬يؤكدان أن الشعر(كالم مؤلف) فيه القصد البشري التأليف‪ ،‬وهو الف‬
‫للقرآن الكرمي الذي هو كالم إهلي موحى به ‪ ،‬وكل كالم بشري ال بد أن ت عكس فيه بشرية صاحبه ال‬
‫ترتاوح بني ا بث والطيبوبة ‪ ،‬بني الشر وا ري‪ ،‬ومقياس تفضيل شعر على آخر هو اقرتابه (من ا ق)‬

‫اجملاالت املختلفة » ‪.1‬‬ ‫وابتعاد عن (الباطل) ‪ ،‬وهي معايري م سجمة مع السلوك اإلسالمي‬

‫‪ -3‬ابن رشيق‪ :‬العمدة ‪ ،‬ج ‪ ، ϭ‬ص ‪.Ϯϯ‬‬


‫‪ -ϰ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ،ϭ‬ص ‪. Ϯϯ‬‬
‫‪ -ϭ‬عبد العزيز جسوس‪ :‬نقد الشعر ع د العرب الطور الشفوي ‪ ،‬ص ‪.ϱϯ‬‬
‫‪ -Ϯ‬توفيق الزيدي‪ :‬مفهوم آدبية الرتاث ال قدي إ هناة القرن الرابع ‪ ،‬ص ‪. ϵϮ‬‬

‫‪24‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫وقد جعل الرسول ‪ ،‬الشعر مقرونا با ق وا ري وا مال‪ ،‬وأن ا ق أصل ومعيار‪ ،‬ورد إليه‬
‫ا مال‪ ،‬وال يكون الشعر مجيال إال إذا كان مقرونا با ق وا ري‪ ،‬وال يكون الكالم حقا إال إذا التزم‬
‫الشاعر الصدق‪ٓ ،‬ن اإلسالم رم الكذب‪ ،‬واملبالغة والغلو‪ ،‬ويدعو إ متثل آخالق الفضيلة بعيدا‬
‫عن الفة الشرع ‪.‬‬
‫وما هو واضح قول الرسول‪ ،‬إن « املقصود بال ـ ـ ـ" كالم " ه ا ليس الكالم الغفل‪ ،‬وإمنا هو‬
‫الكالم املص وع »‪ .2‬إذ أن » الكلمة ال تتضمن املقياس الذي يرا لتقدير الشعر وا كم عليه فحسب‪،‬‬
‫وإمنا هي دعوة لشيء آخر ‪ ،‬إمنا دعوة إ العدول بالشعر عن طريقه ا اهلي بكل قيمه‪ ،‬وصبغه‬
‫بالصبغة اإلسالمية ككل شيء آخر حياة العرب بعد اإلسالم »‪.3‬‬
‫وكما قال وهب رومية‪ « :‬فاإلسالم ال يهتم بالشعر بوصفه ف ا‪ ،‬ولك ه يهتم به بوصفه كالما‪ ،‬أي‬
‫بوصفه وجها عاديا من وجو ال شاط البشري " إمنا الشعر كالم " هو ي ظر إليه نظرته إ هذ الوجو‬
‫مجيعا فما كان م ها مقرونا با ق أو ا ري فهو حسن‪ ،‬وما كان م ها مفارقا أو الفا هلذا ا ق فهو‬
‫قبيح ال خري فيه »‪.4‬‬
‫ويظهر أن رأي الرسول ‪ ،‬يصور املوقف ال ظري لإلسالم من الشعر‪ ،‬الذي يقابله باملوقف‬
‫العملي‪ ،‬حيث إن املوقفني ع د « يتطابقان تطابقا تاما‪ ،‬فقد مضى الرسول الكرمي يطبق نظرة اإلسالم‬
‫إ الشعر تطب يقا صارما صرامة املبادئ الدي ية نفسها‪ ،‬فيمتدح بعضه ويشجع ويث على قائله – على‬
‫و ما نعرف لتشجيعه لشعراء املسلمني كحسان بن ثابت‪ ،‬وعبد اهلل بن رواحة‪ ،‬وكعب بن مالك‪،-‬‬
‫ويذم بعضه اآلخر ومي ع روايته ويذم أصحابه ‪ ،‬وقد يهدر دم بعضهم‪ -‬على و ما فعل بكعب بن‬
‫زهري‪ ،-‬وهو مل يقصر حكمه على معاصريه من الشعراء وما قالو من شعر‪ ،‬بل راح كم على الشعراء‬
‫املاضني من أهل ا اهلية فيذم بعضهم كامرئ القيس‪ ،‬و ص بعضهم بالث اء كع رتة العبسي وآخرين‪،‬‬
‫وهو أحكامه مجيعا يصدر عن موقف ثابت ال يتغري‪ ،‬هو املوقف آخالقي‪ ،‬فما وافق القيم‬

‫‪ -ϯ‬عبد العزيز عتيق‪ :‬تاريخ ال قد ع د العرب ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬لب ان ‪ ،‬دار ال هضة العربية للطباعة وال شر والتوزيع ‪ ،‬د ‪ .‬ت‪ ، .‬ص ‪.ϱϮ‬‬
‫‪ -ϰ‬وهب رومية‪ :‬ب ية القصيدة ح هناية العصر آموي ( قصيدة املدح أمنوذجا ) ‪ ،‬ص ص ‪. ϮϬϴ -ϮϬϳ‬‬

‫‪25‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫اإلسالمية من شعر أولئك الشعراء كان شعرا مجيال يستحق صاحبه الث اء‪ ،‬وما خالف هذ القيم كان‬
‫شعرا رديئا‪ ،‬وكان صاحبه بالذم أو »‪.1‬‬
‫ومل يتوقف الرسول ‪ ‬ع د هذا ا د من ا انب ال ظري للشعر‪ ،‬بل كان حريصا على أن يعرف‬
‫حقيقة الشعر وطريقته ع د شعراء اإلسالم‪ ،‬فكان يسأل الصحابة الشعراء ويريد أن يتحرى حقيقة‬
‫الشعر الذي كانت ال ظرة ا رافية اطة به‪ « ،‬فمن‬ ‫الشعر ع دهم‪ ،‬ليلغي بذلك اعتقاد ا اهلني‬
‫ذلك أنه قال لعبد اهلل بن رواحة [ت‪8‬هـ‪689‬م]‪ " :‬أخبرني ما الشعر يا عبد اهلل " ؟ قال‪ :‬شيء تلج‬
‫صدري في طق به لساين »‪.2‬‬
‫إن أول ما يلفت ال ظر هذا ا ديث‪ ،‬هو سؤال الرسول ‪ ‬الذي ي كشف من خالله بعد‬
‫سؤاله عن حقيقة الشعر‪ ،‬فهو يعد من الوجهة ال قدية أول سؤال حداثي ف نقدي‪،‬‬ ‫نظر الف‬
‫يطرح اإلسالم عن ماهية الشعر وحقيقة تاريخ آدب العر ‪ ،‬وكانت إجابة الشاعر عبد اهلل بن‬
‫الشعر‪ ،‬الذي يرتبط مبك ونات الشاعر‬ ‫رواحة هذا املفهوم‪ ،‬مل إشارة إ مسألة اإلبداع الف‬
‫الداخلية وأحاسيسه‪ ،‬في طق هبا لسانه كالما فيتحول إ قصيدة فخر أو مدح أو هجاء أو رثاء ‪.‬‬
‫فيكون هذا الشعر تعبريا عن مشكالت الشاعر واهتماماته‪ ،‬وقضايا ‪ ،‬وهي نظرة جديدة تؤكد أن الشعر‬
‫من عمل اإلنسان وفعله‪ ،‬وهبذا تكون ال ظرة اإلسالمية للشعر الفة ل ظرة العرب ال كانت ترى بأن‬
‫الشيطان هو الذي يقول الشعر على لسان الشاعر‪ ،‬هلذا ج ّد الصحابة‪ ،‬و« عمل املسلمون آوائل‬
‫على توجيه الشعر ليساير ا ركة اإلسالمية ا ديدة‪ ،‬تقديرا ٓمهيته الوجدان العر ‪ ،‬و طورته‬
‫ساحـ ـ ـة املعركة‪ ،‬ومن مث احتاجوا لتأطري واإلمساك بتالبيبه ح ي سجم مع إيقاع التحول ا ديد »‪.3‬‬
‫ومن خالل هذا امل حى الف ‪ ،‬قاد الصحابة حركة الشعر‪ ،‬بعدما أدركوا داللة أبعاد مفهومه‪ ،‬ال‬
‫دعوته التجديدية للشعر‪ ،‬من خالل ديد إطار‬ ‫ذلك مبا س ه‬ ‫حددها الرسول‪ ،‬فالتزموا‬
‫فهمهم للشعر قلبا وقالبا ‪.‬‬ ‫ذلك اعتقاد العرب‬ ‫ال ظري وهويته ا ديدة‪ ،‬الفا‬

‫‪ -ϭ‬وهب رومية‪ :‬ب ية القصيدة ح هناية العصر آموي (قصيدة املدح أمنوذجا) ‪ ،‬ص ‪. ϮϬϴ‬‬
‫‪ -Ϯ‬أبو عمر أمحد بن مد بن عبد ربه آندلسي‪ :‬كتاب العقد الفريد ‪ ،‬شرحه وضبطه وصححه وع ون موضوعاته ورتب فهارسه ‪ :‬أمحد أمني‬
‫وأمحد الزين وإبراهيم آبياري ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬دار الكتاب العر ‪ ϭϰϬϯ ،‬هـ ‪ϭϵϴϯ‬م ‪ ،‬ج ‪ ، ϱ‬ص‪.Ϯϳϴ‬‬
‫‪ -ϯ‬عبد العزيز جسوس‪ :‬نقد الشعر ع د العرب الطور الشفوي ‪ ،‬ص ‪. ϰϭ‬‬

‫‪26‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫ولقد شارك الصحابة ا لفاء والصحابة غري ا لفاء مشاركة فعالة‪ ،‬إ جانب الصحا الشاعر‬
‫الت ظري للشعر‪ ،‬وبيان وظيفته الف ية‪ ،‬بعدما وعوا التجربة التوجيهية ال قدية‬ ‫عبد اهلل بن رواحة‪،‬‬
‫للرسول‪ ‬للشعر‪ ،‬ال فتحت هلم آفاقا جديدة‪ ،‬فهم وتصور ال ظرة ا ديد للشعر‪ ،‬حيث شاركوا‬
‫برؤاهم ال قدية والف ية مشاركة فعالة‪ ،‬بلورة مفهوم جديد للشعر‪ ،‬تدل داللة قاطعة على تطور الوعي‬
‫آد وال قدي صدر اإلسالم‪ ،‬وفهم صحيح مل ابع الشعر‪ ،‬و رى وظيفته السياسية والدي ية‬
‫وآدبية‪ ،‬وكيف ميكن للشعر أن يعكس صورة اجملتمع اإلسالمي ا ديد‪ ،‬من خالل التجارب الف ية‬
‫للشعراء‪ ،‬و اوهبم مع ا ركة ال قدية ا ديدة ‪.‬‬
‫ففي مسألة مفهوم الشعر‪ ،‬يعد ا ليفة عمر بن الخطاب ‪( ،‬ت ‪23‬ه ـ‪644‬م ) من أكثر‬
‫الصحابة علما بالشعر واهتماما به ‪ ،‬فكانت تتجلي خربته وتقدير لدور من خالل ممارسته ال قدية‬
‫للشعر‪ ،‬وذلك من خالل ما أثر ع ه من أقوال تكشف أنه كان‪ -‬رمحه اهلل‪ -‬يدرك أمهية الشعر‬
‫مفهومه للشعر‪ « :‬الشعر علم قوم مل يكن هلم علم أصح م ه »‪.1‬‬ ‫اإلنتاج الثقا العر ‪ .‬فقال‬
‫هذا ال ص يقدم ا ليفة عمر مفهوما جديدا للشعر على أساس أنه علم يقوم على موعة من‬
‫دد ‪ ،‬وليس عبارة عن كالم الضابط له‪ ،‬وال فائدة يتشكل م ها‪ ،‬بل إن مفهوم الشعر‬ ‫ا صائص ال‬
‫ع د ا ليفة عمر‪ ،‬هو" علم قوم "‪ ،‬وهو هبذا امل ظور يشري إ الشعر ا اهلي الذي كانت العرب‬
‫حياهتا‪ ،‬وطبيعي أن يكون لكل قوم علم‪ ،‬وعلم العرب الشعر‪ ،‬وهذا املفهوم يعد نظرة‬ ‫تت فسه‬
‫فاحصة للشعر العر ا اهلي‪ ،‬هلذا أعطا صفة " العلم " الذي يعكس الصورة التار ية لإلنسان‬
‫العر وجهود ا ياة ‪ ،‬وهذا ما قاله ابن سالم ا محي صفة الشعر باعتبار علم العرب‪ « :‬كان‬
‫الشعر ا اهلية ع د العرب ديوان علمهم وم تهى حكمهم‪ ،‬به يأخذون‪ ،‬وإليه يصريون »‪ ،2‬حيث‬
‫« صب العرب الشعر خالصة عقوهلم‪ ،‬ومثرة تفكريهم‪ ،‬وعربوا فيه عن عاداهتم وتقاليدهم‪ ،‬ومثلهم‬
‫وقيمهم وآماهلم وآالمهم »‪.3‬‬

‫‪ -ϭ‬ابن رشيق‪ :‬العمدة ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬ص ‪..Ϯϯ‬‬


‫‪ -Ϯ‬مد بن سالم ا محي‪ :‬طبقات فحول الشعراء ‪ ،‬قرأ وشرحه ‪ :‬مود مد شاكر ‪ ،‬دار املدين ‪ ،‬جدة ‪1974 ،‬م ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬ص ‪. Ϯϰ‬‬
‫‪ -3‬وليد قصاب‪ :‬شخصيات إسالمية آدب وال قد ‪ ،‬ط‪ ، ϭ‬الدوحة ‪ ،‬دار الثقافة ‪ϭϰϭϯ ،‬ه ـ‪ ϭϵϵϮ‬م ‪ ،‬ص‪. ϭϵ‬‬

‫‪27‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫كما ي سب إليه بعض آقوال‪ ،‬ال توضح أنه « كان مهتما بالشعر الذي يدخل املتعة على‬
‫ال فس‪ ،‬ويلتقي مع تعاليم اإلسالم الدعوة إ السمو ومكارم آخالق »‪.1‬‬
‫فقد كان ا ليفة عمر حريصا على أن يتعمق فهم الشعر من كل جوانبه‪ ،‬الف ية والفكرية‬
‫وا لقية ‪ ،‬فقال‪ « :‬الشعر جزل من كالم العرب‪ ،‬يسكن به الغيظ وتطفأ به الثائرة‪ ،‬ويتبلغ به القوم‬
‫ناديهم‪ ،‬ويعطى به السائل »‪.2‬‬
‫هذ نظرة ف ية ملفهوم الشعر ووظيفته ع د ا ليفة عمر‪ ،‬فهو اول من خالهلا توجيه الشعر‬
‫باعتبار كالما ف يا‪ ،‬إ ما ال يتعارض مع القيم اإلسالمية ‪ ،‬وهي نظرة مل طياهتا التزام الشعر ملا‬
‫فيه من القول ا سن‪ ،‬واهلدف إ ا ري‪ ،‬وهو هبذا املفهوم يعطي رؤية عن تصور ملذهبه الشعر‪ ،‬إذ‬
‫يريد أن يكرس ال ظرة اإلسالمية‪ « ،‬ويطور مفهوم الشعر وأن يتجه به ا اها جديدا‪ ،‬ليفصله عن‬
‫ماضيه ا اهلي ويصله اضر اإلسالمي‪ ،‬فيستلهم تعاليم اإلسالم‪ ،‬ويدعو هلا‪ ،‬وبذلك يكون من‬
‫عوامل الب اء ال من عوامل اهلدم اجملتمع ا ديد »‪.3‬‬
‫مفهومه للشعر‪ ،‬الصحا ابن عباس ‪( ‬ت ‪ 68‬هـ ‪687‬م)‪ ،‬حيث‬ ‫ويؤكد رؤية ا ليفة عمر‬
‫روي ع ه أنه قال‪ « :‬الشعر علم العرب وديوانها فتعلمو وعليكم بشعر ا جاز »‪.4‬‬
‫وقد عقب ابن عبد ربه على هذا املفهوم فقال‪ « :‬فأحسبه ذهب إ شعر ا جاز وحض عليه‪،‬‬
‫إذ لغتهم أوسط اللغات »‪.5‬‬
‫والواضح من هذا املفهوم‪ ،‬أن ابن عباس يرى أن الشعر " علم العرب "‪ٓ ،‬نه يتطلب مريانا‬
‫ودراية‪ ،‬وص عة تـتعلم‪ ،‬على الرغم مما يتطلب هذا الشعر من ملكة ‪ .‬ويرى أن الشعر" ديوان العرب"‪،‬‬
‫ٓنه صورة جامعة للحياة العربية‪ ،‬ويذهب إ تعلم الشعر الرصني‪ ،‬الذي أنتجته بيئة ا جاز‪ ،‬فرأى من‬
‫وراء ذلك أهنا بيئة الشعر آمثل‪ ،‬الذي ب أن تذى به‪ ،‬كما قد يكون له من خصوصيات أفرزهتا‬
‫البيئة ا جازية‪ ،‬م ها تقومي اللسان وهتذيب الذوق الف ‪.‬‬

‫‪ -ϭ‬عبد العزيز عتيق ‪ :‬تاريخ ال قد ع د العرب ‪ ،‬ص ‪.ϲϮ‬‬


‫‪ -Ϯ‬ابن عبد ربه ‪ :‬العقد الفريد ‪ ،‬ج ‪ ، ϱ‬ص ‪.Ϯϴϭ‬‬
‫‪ -ϯ‬عبد العزيز عتيق ‪ :‬تاريخ ال قد ع د العرب ‪ ،‬ص‪. ϳϱ‬‬
‫‪ -ϰ‬ابن عبد ربه ‪ :‬العقد الفريد ‪ ،‬ج‪ ، ϱ‬ص ‪.Ϯϴϭ‬‬
‫‪ -ϱ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ، ϱ‬ص‪.Ϯϴϭ‬‬

‫‪28‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫يضاف إ هذا أن ا ليفة علي بن أبي طالب ‪( ‬ت ‪ 40‬هـ‪ 661‬م )‪ ،‬واحد من املهتمني‬
‫بالشعر‪ ،‬وا ريصني على ديد مضمونه‪ ،‬وماهيته من وجهته الف ية‪ ،‬فقد روى لـه ابن رشيق قوله‪:‬‬
‫« الشعر ميزان القول‪ ،‬وروا بعضهم‪ :‬الشعر ميزان القوم »‪.1‬‬
‫ففي هاذين الروايتني‪ ،‬أن ا ليفة علي بن أ طالب‪ -،‬كما يقول ي ا بوري‪ « :-‬يعطي‬
‫للشعر قيمته الرفيعة ‪ ،‬وإن ك ا نرجح آو ‪...‬حيث ال يصح أن يكون الشعر ميزانا لل اس‪ ،‬فقد يرفع‬
‫الشعر وضيعا‪ ،‬وكثريا ما يقع‪ ،‬وقد يضع رفيعا أو يهون من قدر ‪...‬ولكن الشعر مبا فيه من موسيقى تزن‬
‫الكـالم وت مقه وتساوق العبارة وت سقها‪ ،‬يكون ميزانا للقول املهذب ا ميل »‪.2‬‬
‫ورأي ا ليفة علي يقف من الشعر موقفا ف يا‪ « ،‬أي أن للشعر خصائص ف ية‪ ،‬يعرف هبا‬
‫صحيح القول من سقيمه مقاييس أهل الفن الكالمي‪ ،‬وإن خالف أغراضه لقيم قوم آخرين «‪.3‬‬
‫وهذا املوقف‪ «،‬هو دليل على أن الرسول ‪ ،‬وأصحابه وإن وجهوا الشعر وجهة مضمونيه تتماشى‬
‫والتعاليم اإلسالمية‪ ،‬فإن اعت اءهم هذا يدل على أهنم يفهمون الشعر ككالم فيه قصد ف »‪.4‬‬
‫وعلى هذا آساس يتضح جليا أن الصحابيات والصحابة ‪ ،‬قد اهتموا بالشعر باعتبار ف ا‪،‬‬
‫ففهموا مقاصد ‪ ،‬واستطاعوا أن ددوا مفهومه من ال احية املضمونية‪ ،‬والف ية‪ ،‬أو مبع آخر استطاع‬
‫كل صحا أن يصطلح على مفهوم للشعر وفقا لروح العصر‪ ،‬ومتطلبات التطور االجتماعي والدي‬
‫رؤيته للشعر‪ ،‬الذي اوز‬ ‫ذلك م هج الرسول ‪ ،‬الفكري‬ ‫والثقا والسياسي وآد ‪ ،‬م تهجني‬
‫إطار‬ ‫فهمهم للشعر‪ ،‬وإخراجه من دائرة الفهم ا را ‪ ،‬وحصر‬ ‫من خالل نظرته اعتقاد العرب‬
‫نظر صورا " الكالم " الذي هو من نتاج البشر‪،‬‬ ‫التجربة اإلنسانية الواعية‪ ،‬فجاء مفهوم الشعر‬
‫مث تطورت ال ظرة إليه فأخذ مفهوم" العلم "‪ ،‬الذي هو نتاج بشري‪ ،‬لتحديد املسار التار ي لإلنسان‬
‫العر ‪ ،‬وقضايا آدبية واللغوية‪ ،‬مث تطور إ فن القول وم ه أصبح الشعر" ميزانا " له‪ ،‬أي مقياسا‬

‫‪ -ϭ‬ابن رشيق ‪ :‬العمدة ‪ ،‬ج ‪ ، ϭ‬ص ‪.Ϯϯ‬‬


‫‪ -Ϯ‬ى ا بوري ‪ :‬اإلسالم و الشعر ‪ ،‬بغداد‪ ،‬م شورات مكتبة ال هضة ‪ ،‬مطبعة اإلرشاد ‪ ϭϯϴϯ ،‬هـ‪ϭϵϲϰ‬م ‪ ،‬ص ‪.ϭϭϱ‬‬
‫‪ -ϯ‬نايف معروف ‪ :‬آدب اإلسالمي عهد ال بوة وخالفة الراشدين ‪ ،‬ط‪ ،2‬بريوت ‪ ،‬لب ان ‪ ،‬دار ال فائس للطباعة وال شر والتوزيع ‪ 1418، ،‬هـ‬
‫‪1998‬م ‪ ،‬ص ‪.193‬‬
‫‪ -ϰ‬توفيق الزيدي ‪ :‬مفهوم ٓدبية الرتاث ال قدي إ هناية القرن الرابع ‪ ،‬ص‪.ϵϮ‬‬

‫‪29‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫علم اللسان العر ‪ ،‬وهو‬ ‫ملعرفة صحيح القول من سقيمه‪ ،‬وهي رؤية ف ية أدخلت مفهوم الشعر‬
‫االصطالح الذي اتكأ عليه ال اقد البصري البغدادي ابن سالم* ا محي( ‪231 -139‬ه )‪ ،‬الثلث‬
‫آول من القرن الثالث اهلجري‪ ،‬دراسته للشعر؛ حيث توصل إ نتيجة مفادها‪ ،‬أن « للشعر‬
‫ص اعة يثقفها اللسان »‪.1‬‬
‫اجملتمع‬ ‫وأيا كانت دالالت هذ املفاهيم‪ ،‬فإهنا قد ظلت تواكب حركة التطور آد‬
‫اإلسالمي‪ ،‬وكان حرص الصحابة شديدا توجيه الشعر‪ ،‬من خالل هذ االصطالحات ال وقف‬
‫ع دها الصحابة مفهومهم للشعر‪ ،‬ووفق هذ املعايري ال بفضلها « وبفعل تقدير املسلمني آوائل‬
‫لدور الشعر نصرة العقيدة‪ ،‬وامتصاص الت اقضات السياسية واالجتماعية «‪ ،2‬قام الشعر بدور‬
‫إطار‬ ‫تبليغ الدعوة ا ديدة‪ ،‬وتوجيه العقل العر ووجدانه إ فكرة ممارسة الفن الشعري‪،‬‬ ‫اإل ا‬
‫التطور االجتماعي من خالل حركة الوعي الدي والسياسي‪ ،‬ال قادها الرسول ‪ ،‬ومن بعد‬
‫الصحابة ا لفاء‪ ،‬والصحابة الشعراء والصحابة الفقهاء‪ ،‬حيث اتضحت مالمح الشعر اإلسالمي و را‬
‫ا ديد‪ ،‬فتأقلم الشعر مع معايري ا ديدة من حيث مفهومه ومضمونه ووظيفته‪ ،‬فكان « كل ما‬
‫استطاع أن يفعله اإلسالم مع الشعر‪ ،‬هو أنه حاول اإلعالء من مهمته البيئة العربية‪ ،‬ووضع له‬
‫أهدافا جديدة ‪ ،‬تتفق وطبيعة‪...‬آفكار اإلسالمية‪..‬فتحول كثري من الشعر من رد خدمة للحاكم أو‬
‫طبقة معي ة إ أداة ناجحة نافعة مسخرة من أجل املسلمني مجيعا «‪.3‬‬
‫خدمة الدعوة‪ ،‬وقيمها‬ ‫وقد وقف كل من الشعر والشعراء عصر صدر اإلسالم‪ ،‬وقفة ثابتة‬
‫ومثلها‪ ،‬والذود عن الرسول‪ ،‬واإلشادة بدعوته وفضله‪ ،‬كما صور الشعر و« ظل يصور حياة ال اس‪،‬‬

‫ملح‬ ‫*« أيو عبد اهلل مد بن سالم ا محي ‪ ،‬أحد آخباريني والرواة ‪( .‬تو إحدى أو اث تني وثالثني ومائتني ) وله من الكتب ‪ :‬كتاب الفاضل‬
‫آخبار وآشعار ‪ ،‬وكتاب بيةتات العرب ‪ ،‬كتاب طبقات الشعراء ا اهليني‪ /‬وكتاب طبقات الشعراء اإلسالميني ‪ ،‬وكتاب غريب القرآن ‪. «،‬‬
‫‪ -‬مد بن إسحاق بن ال دمي‪ :‬الفهرست‪ ،‬حققه وقدم له‪ :‬مصطفى الشوميي‪ ،‬تونس‪ ،‬ا زائر‪ ،‬دار التونسية لل شر‪،‬املؤسسة الوط ية‪،‬للكتاب‪1406،‬ه‬
‫‪1985‬م ‪ ،‬ص ‪. 501‬‬
‫‪ -ϭ‬ابن سالم ا محي ‪ :‬طبقات فحول الشعراء ‪ ،‬ج‪، ϭ‬ص ‪. ϱ‬‬
‫‪ -Ϯ‬عبد العزيز جسوس ‪ :‬نقد الشعر ع د العرب الطور الشفوي ‪ ،‬ص ‪.ϲϴ‬‬
‫‪-ϯ‬أمحد سويلم ‪ :‬اإلعالم الشعري الرتاث العر ‪ ،‬ص‪. 88‬‬
‫‪ -4‬مد مصطفى هدارة ‪ :‬اإلسالم والشعر ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬دار ال هضة العربية للطباعة وال شر ‪1995 ،‬م ‪ ،‬ص ‪. 82‬‬

‫‪30‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫صدورهم أو يدور‬ ‫ويسيل على ألس ة الشعراء عذبا رقيقا؛ حيث يستوعب مهومهم‪ ،‬ويعرب عما يش‬
‫أفكارهم« ‪ ،4‬ح خط مسلكه ‪ ،‬وترك بصمته ا ضارية كل أجيال الشعراء بعد هذ ا قبة‬
‫املتميزة ‪.‬‬
‫انطالقا من هذا‪ ،‬فإن نظرة الصحابة الثاقبة ملفهوم الشعر‪ ،‬أكدت دعوهتم الصر ة إ ليصه من‬
‫آوهام وا رافات‪ ،‬ال كان العرب يعتقدوهنا‪ ،‬من خالل عالقة الشعر ببعض الظواهر ا رافية‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫ثالثا‪ :‬موقف الصحابة الخلفاء من الشعر والشعراء‬

‫‪32‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫موقف الصحابة الخلفاء من الشعر والشعراء‬


‫الصحابة هم ا يل آول من املسلمني‪ ،‬الذي عاش مع الرسول ‪ ،‬كل آحداث والوقائع ال‬
‫أشعارهم مدحا وفخرا‬ ‫أحدثها اإلسالم مكة واملدي ة وما بي هما‪ ،‬ووراءمها‪ ،‬وشاركوا فيها وسجلوها‬
‫وهجاء ورثاء‪ ،‬و أقواهلم وآرائهم ال قدية ‪.‬‬
‫ولقد كان اهتمام الصحابة ا لفاء بالشعر والشعراء‪ ،‬أمرا واضحا ال جدال فيه‪ ،‬إ جانب‬
‫اهتمامهم بالدعوة‪ ،‬ومسؤولياهتم ا ا الرعية‪ ،‬وكان اهتمامهم بالشعر مبكرا ‪ ،‬فمعظمهم ضرمني عرفوا‬
‫ا اهلية وعرفوا شعرها وشعرائها‪ ،‬وملا جاء اإلسالم مل يبعدهم عن الشعر‪ ،‬فقد قال العلوي‪ » :‬إن ال يب‬
‫الرجز والقصيد واست شد ‪ ،‬ومتثل به مكسور الوزن‪ ،‬و رواية صحيح الوزن‪ ،‬وأمر‬ ‫‪ ‬مسع الشعر‬
‫شعراء هبجاء من هجا ‪ ،‬وحث عليه‪ ،‬ودعا إليه‪ ،‬وله شعراء معروفون من آنصار وغريهم ‪ ،‬ومل يبق‬
‫أحد من أصحابه إال وقال شعرا قليال أو كثريا‪ ،‬واست شد ومتثل به ‪ ،‬واحتج وكاتب وراسل « ‪.1‬‬
‫نطاق‬ ‫وهذا يدل داللة واضحة قاطعة على تشجيع الرسول ‪ٓ،‬صحابه على فن الشعر‪ ،‬وذلك‬
‫توجيهاته آخالقية والدي ية والف ية‪ ،‬وما يدل على اهتمام الصحابة بالشعر ضرة الرسول ‪ ،‬ما روا‬
‫الرتمذي عن جابر بن مسرة‪ ،‬حيث يقول‪» :‬جالست ال يب ‪‬أكثر من مائة مرة فكان أصحابه‬
‫يت اشدون الشعر‪ ،‬وتذاكرون أشياء من أمر ا اهلية ‪ ،‬وهو ساكت ورمبا تبسم معهم« ‪.2‬‬
‫وهلذا فال غرابة أن يكون موقف الرسول ‪ ،‬وأصحابه‪ -‬رضوان اهلل ع هم‪ -‬من الشعر والشعراء‬
‫موقفا إ ابيا‪ ،‬وذلك ٓهنم ي ظرون إ الشعر باعتبار كالما عربيا‪ ،‬وف هم آول الذي كانوا يتواصلون‬
‫به‪ ،‬ويسجلون فيه وقائعهم وأحداثهم‪ ،‬كما أن الرسول ‪ ‬كان يعلم قبل أن يهاجر إ املدي ة ال‬
‫الشعر دون م ازع ‪ ،‬بأن أهلها أهل فن ‪ ،‬مجعوا بني ف الغ اء والشعر ‪ ،‬وبالتا فال غرو‬ ‫تعد مدرسة‬

‫اال ا اإلسالمي وا لقي ‪ ،‬ط‪ ،ϭ‬دمشق ‪ ،‬دار الفكر ‪ϭϰϮϲ ،‬ه‪ϮϬϬϱ‬م‪ ،‬ص ‪.ϱϭ‬‬ ‫‪ -ϭ‬نقال عن ‪ :‬وليد قصاب ‪ :‬ال قد العر القدمي نصوص‬
‫‪ -‬املظفر العلوي ‪ :‬نضرة اإلغريض نصرة القريض ‪ ،‬قيق ‪ :‬هنى عارف ‪ ،‬دمشق ‪ ،‬مطبوعات مع اللغة العربية‪1396 ،‬هـ‪1976‬م‪ ،‬ص ‪.361‬‬
‫‪ -2‬ا افظ أ عيسى مد بن عيسى بن سورة الرتمذي‪ :‬س ن الرتمذي ‪ ،‬وهو ا امع الصحيح ‪،‬حققه وصححه ‪ :‬عبد الرمحن مد عثمان ‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫بريوت ‪ ،‬لب ان ‪ ،‬دار الفكر للطباعة وال شر والتوزيع ‪1403 ،‬هـ‪1983‬م ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص‪. 216‬‬

‫‪33‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫اإلسالم ‪ ،‬فقد دل‬ ‫أن يكون الشعر ل اهتمام الصحابة ا لفاء‪ ،‬وأن تل الشعر مكانة خاصة‬
‫آنصار‬ ‫على هذا قول أنس بن مالك (ت‪93‬هـ‪711‬م) خادم ال يب ‪ » :‬قدم علي ا رسول اهلل ‪ ‬وما‬
‫بيت إال وهو يقول الشعر‪ ،‬قيل له‪ :‬وأنت يا أبا محزة ؟ قال‪ :‬وأنا « ‪.1‬‬
‫وكان مما روي عن الصحابة‪ » :‬أهنم كانوا يتحدثون ويت اشدون آشعار‪ ،‬فإذا جاء ذكر اهلل انقلبت‬
‫محا ليقهم كأهنم مل يعرفوا أحدا « ‪. 2‬‬
‫وقد قيل للحسن البصري ( ت‪110‬هـ‪728‬م)‪ » :‬أكان أصحاب رسول اهلل‪ -‬صلى اهلل عليه‬
‫وآله وسلم ‪ -‬ميزحون ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬ويتقارضون من القريض وهو الشعر « ‪.3‬‬
‫وتأكيدا هلذا قال أبو سلمة ‪» :‬مل يكن أصحاب رسول اهلل‪ -‬صلى اهلل تعا عليه وآله وسلم‪-‬‬
‫متحزقني وال متماونني‪ ،‬كانوا يت اشدون آشعار ويتذاكرون أمر جاهليتهم‪ ،‬فإذا أريد أحدهم على شيء‬
‫من أمر دي ه دارت محاليق عي ه كأنه ون « ‪.4‬‬
‫وقد أشار كثري من ال قاد القدماء إ املوقف اإل ا للصحابة من الشعر‪ ،‬من ذلك ابن رشيق‬
‫قوله‪ » :‬وقد قال الشعر كثري من ا لفاء الراشدين وا لة من الصحابة والتابعني والفقهاء املشهورين« ‪.5‬‬
‫كما ثبت عن كثري من الصحابة أهنم قالوا الشعر‪ ،‬وكانوا ثون على رواية الشعر وحفظه وتعلمه‪،‬‬
‫وكانوا يكتبون إ أمرائهم ويوجهون الرعية إليه‪ ،‬و اصة آوالد م هم‪ ،‬وذلك ملا فيه من فوائد تعليمية‬
‫وتربوية وذوقية " مجالية " وخلقية ‪ ،‬فكانوا » تارون مؤدبني لرتبية أوالدهم فريوون هلم من تارات‬
‫أشعار الفحول ومقطعاهتا وقصائدها وأراجيزها مما يهذب ال فس من الدنس ‪،‬كا سة والغدر والكذب‬
‫وا يانة‪ ،‬ويرغب إ علو اهلمة كا ود والكرم ‪ ،‬والوفاء والسماحة ‪ ،‬وا ماسة ‪ ،‬وكانوا يقضون حاجة‬
‫احملتاج بالشعر ي شد أمام سؤاله ‪ ،‬و يعفون عن املسيء ببيت متثل به قدام االعتذار عن حاله »‪.6‬‬

‫‪ -ϭ‬ا بن عبد ربه ‪ :‬العقد الفريد ‪ ،‬ج ‪ ، 5‬ص‪. 283‬‬


‫‪ -Ϯ‬شهاب الدين مد بن أمحد أبو الفتح آبشيهي ‪ :‬املستطرف كل فن مستظرف ‪ ،‬الطبعة آخرية ‪ ،‬مصر ‪ ،‬شركة مكتبة ومطبعة مصطفى‬
‫البا ا ليب وأوالد ‪ϭϯϳϭ ،‬هـ‪ ،ϭϵϱϴ‬ج‪،2‬ص ‪. 262‬‬
‫‪ -ϯ‬جار اهلل مود بن عمر الز شري‪ :‬الفائق غريب ا ديث ‪ ،‬اهل د ‪ ،‬طبعة حيدر آباد ‪ ،‬د ‪ .‬ت ‪،‬ج ‪ ، 2‬ص‪. 339‬‬
‫‪ -ϰ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.257‬‬
‫‪ -ϱ‬ابن رشيق ‪ :‬العمدة ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪. 27‬‬
‫‪ -6‬جا زادة علي فهمي ‪ :‬من حسن الصحابة شرح أشعار الصحـابة ‪ ،‬دار سعادت ( رشن مطبعة س ) ‪ ،‬مقدمة الكتاب ‪ :‬مد خالص بن‬
‫مد الشرواين ‪1329،‬ه ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص م ‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫ويعد الصحابة و مقدمتهم » ا لفاء الراشدون هم أكثر ال اس صلة باإلسالم‪ ،‬وأشدهم متسكا‬

‫وحرصا على االلتزام مبضامي ه وأحكامه« ‪ .1‬فأضافوا إ هذا االلتزام الدي اهتمامهم بالشعر‪ ،‬فقد قالوا‬
‫الشعر وروو ومتثلوا به ونقدو وراقبو ‪ » ،‬وكان ا لفاء الراشدون من بعد الرسول يرددونه دائما على‬
‫ألس تهم كما كان صحابته كثريا ما يت اشدونه املسجد‪ ...‬مهتدين هبدي اإلسالم ا يف ‪ ،‬ي هون‬
‫» كان‬ ‫عن اهلجاء ويعاقبون فيه «‪ ،2‬وقد روي عن سعيد بن املسيب (ت‪94‬ه ـ‪712‬م) أنه قال ‪:‬‬
‫أبو بكر شاعرا ‪ ،‬وعمر شاعرا ‪ ،‬وعلي أشعر الثالثة «‪.3‬‬
‫وكما قال ابن آمحر[‪807‬هـ]‪ « :‬ومن الدليل أيضا على ذلك أن ا لفاء الراشدين آربعة ‪ ،‬وهم ‪:‬‬
‫أبو بكر الصديق ‪ ،‬وعمر الفاروق ‪ ،‬وعثمان ذو ال ورين ‪ ،‬وعلي أبو السبطني‪ -‬عليهم السالم‪ -‬قالوا‬
‫الشعر ‪ ،‬وقاله أيضا جملة من الصحابة والتابعني وغريهم من أهل العلم والصالح »‪.4‬‬
‫أقوال الصحابة وآثارهم آدبية‪ ،‬شعرا ونقدا‪ ،‬يكشف عن موقفهم من الشعر‬ ‫وإن الباحث‬
‫والشعراء‪ ،‬ومن خالل مواقفهم اإل ابية‪ ،‬وقبلهم موقف الس ة ال بوية والقرآن العظيم‪ ،‬يتجلى ل ا بوضوح‬
‫موقف اإلسالم من الشعر والشعراء ‪.‬‬
‫‪ -1‬موقف الخليفة أبي بكر الصديق ‪ ‬من الشعر‪:‬‬
‫يعد أبو بكر الصديق (‪634 -573‬م) أول ا لفاء الراشدين (‪ 13 –11‬هـ ‪634 – 632‬م )‪،‬‬
‫ومن أكرب فصحاء العرب‪ ،‬ومن أكثرهم تذوقا للشعر وإدراكا ملعانيه‪ ،‬ومرامي الشعراء‪ ،‬وكان » أعلم‬
‫ال اس بأنساب العرب ال سيما قريش‪ ،‬أخرج ابن إسحاق عن يعقوب عن عتبة عن شيخ من آنصار‬
‫قال‪ :‬كان جبري بن مطعم من أنسب قريش لقريش والعرب قاطبة‪ ،‬وكان يقول‪ :‬إمنا أخذت ال سب من‬
‫أ بكر ‪ ،‬وكان أبو بكر من أنسب العرب «‪ .5‬والعرب مرتبطني بالشعر‪ ،‬والشعر مرتبط بال سب‪.‬‬

‫‪ -ϭ‬جالل الدين السيوطي‪ :‬تاريخ ا لفاء ‪،‬حققه وقدم له وخرج أحاديثه‪ :‬قاسم الشماعي الرفاعي و مد العثماين ‪ ،‬د ‪ .‬م ‪ ،‬شركة دار آرقم بن أ‬
‫آرقم للطباعة وال شر والتوزيع ‪ ،‬د ‪ .‬ت ‪ ، ،‬ص ‪.82‬‬
‫‪ -2‬شوقي ضيف ‪ :‬العصر اإلسالمي‪ ،‬ط‪ ،4‬مصر ‪ ،‬دار املعارف ن د‪.‬ت ‪،‬ص‪. 45‬‬
‫‪ -3‬ابن عبد ربه ‪ :‬العقد الفريد ‪ ،‬ج‪ ، 5‬ص‪. 283‬‬
‫‪ -4‬أبو الوليد إمساعيل بن آمحر‪ :‬نثري ا مان شعر من نظم وإيا الزمان‪ ،‬ط‪ ،1‬بريوت ‪ ،‬مؤسسة الرسالة ‪1396 ،‬هـ‪1976‬م ‪ ،‬ص ‪.42‬‬
‫‪ -ϱ‬السيوطي‪ :‬تاريخ ا لفاء ‪ ،‬ص ‪. 36‬‬

‫‪35‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫كما دل الرسول‪ ‬حسانا ملا أراد أن يهجو قريشا فقال له ‪ » :‬استعن بأ بكر فإنه عالمة قريش‬
‫بأنساب العرب « ‪ ،1‬و رواية ابن عبد ربه‪ » :‬اذهب إ أ بكر ربك مبثالب القوم‪ ،‬مث أهجوهم‬
‫وروح القدس معك «‪ .2‬أما موقف أ بكر من الشعر فيمكن توضيحه فيما يأيت‪:‬‬
‫من المواقف التي تمثل فيها الخليفة أبو بكر بالشعر‪:‬‬
‫من خالل تتبعي ٓشعار ا ليفة أ بكر‪ ،‬وما ورد ع ه من متثله ٓشعار الشعراء يست تج أنه كان‬
‫على علم مبا قالته العرب مضامني تلفة ‪.‬‬
‫إضافة إ هذا‪ ،‬كان ا ليفة أبا بكر مرجعا الشعر‪ » ،‬كثري ا فظ واسع االطالع‪ ،‬غزير املعرفة ‪،‬‬
‫كثري التمثل بأشعار ا اهلية‪ ،‬يروي م ه مواقفه ويست شد الشعراء«‪ ،3‬وهذ صورة متثله بالشعر‪.‬‬
‫فمن حيث متثله بالشعر فقد »أخرج عن ثابت الب اين‪ ،‬أن أبا بكر كان يتمثل هبذا الشعر‪:‬‬
‫و قد يرجو الف الرجا ميوت دونه «‪.4‬‬ ‫ال تزال ت عِي حبيبا ح تكونه‬
‫ومــن شــدة تعلقــه بالشــعر الــذي يتفــق مــع املفــاهيم اإلســالمية ‪ ،‬ف ـ ـ ـ » قــد متثــل مرضــه الــذي تــو‬
‫[ لع البسيط]‬ ‫فيه ‪ [،‬بشعر عبيد بن آبرص ]‪:‬‬
‫وكل ِذي سلب مسلوب *‬ ‫كل ِذي إِبِ ِل موروث‬ ‫و ّ‬
‫وغائب ِ‬
‫املوت ال يـئوب‬ ‫وكل ِذي غيبة يـئوب‬
‫ين « ‪.5‬‬ ‫ِ ِ ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وكان آخر ما تكلم به رب ‪ :‬تَـ َوف ي ُم ْسل ًما َوأَلْح ْق ي بالصالح َ‬
‫‪ » -‬وعن محاد بن سلمة عن ثابت قال ‪ :‬كان أبو بكر يتمثل ومل يقل مرضه وال غري ‪:‬‬
‫[ زوء البسيط]‬

‫‪ -ϭ‬القرشي ‪ :‬مجهرة أشعار العرب ‪ ،‬ص‪.36‬‬


‫‪ -2‬ابن عبد ربه ‪ :‬العقد الفريد ‪،‬ج‪، 5‬ص ‪.295‬‬
‫‪ -3‬ي ا بوري ‪ :‬اإلسالم و الشعر‪ ،‬ص ‪.79‬‬
‫‪ -4‬السيوطي ‪ :‬تاريخ ا لفاء ‪ ،‬ص ‪. ϴϮ‬‬
‫* جاء البيت آول ‪ :‬تاريخ ا لفاء ‪ :‬للسيوطي‪ ،‬ص‪ .ϲϴ‬مرويا عن السيدة عائشة وذلك » ملا احتضر أبو بكر قعدت عائشة ‪ g‬ع د رأسه‪،‬‬
‫[البسيط]‬ ‫ففالت‪:‬‬
‫وكل ذي سلب البد مسلوب « ‪.‬‬ ‫وكل ذي إبل يوما سيوردها‬
‫‪-5‬أبو جعفر مد بن جرير الطربي ‪ :‬تاريخ الطربي تاريخ آمم وامللوك ‪ ،‬قيق‪ :‬مد أبو الفضل إبراهيم ‪،‬بريوت‪ ،‬لب ان ‪ ،‬سلسلة روائع الرتاث ‪،‬‬
‫د‪.‬ت ‪ .‬ج‪ ، 3‬ص ‪. 423‬‬

‫‪36‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫يكونه‬ ‫ما أن يـزال املـرء يـ ـعى ميتا ح‬


‫رجى ما ب بـلوغه فـيموت دونه ‪.1‬‬
‫ولقد ي ّ‬
‫المواقف التي روى فيها الخليفة أبو بكر الشعر‪:‬‬
‫صدر من شعر إال‬ ‫كان الصحا أبا بكر راوية حفاظة للشعر ا اهلي واإلسالمي ‪ ،‬وما كان‬
‫ويعرف قائله‪ ،‬وم اسبته واملكان الذي قيل فيه‪ ،‬وزمانه‪ ،‬ويعد أبوبكر الصديق من رواة الشعر ‪ٓ ،‬ن‬
‫الرسول ‪،‬كان كثريا ما يستعني به‪ ،‬فريوي ل ـه من الشعر ما يريد ويست شد ‪ .‬ودل على هذا ما‬
‫جاء معجم الشعراء‪ :‬إذ » يروى أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪ :‬يا كعب‪ ،‬ما نسي ربك – أو ما كان ربك‬
‫نسيا – بيتا‪ ،‬قلته‪ .‬قال كعب‪ :‬وما هو يا رسول اهلل؟ فقال‪ :‬أنشد يا أبا بكر‪ ،‬فأنشد‪ [ :‬الكامل]‬
‫ب‬‫وليـغلِب مغالِـب الغال ِ‬ ‫زعمت سخي ة أنـها ستـغلِب رهبا‬
‫ويروى ‪:‬‬
‫مهت سخي ة أن تـغالِب رّهبا «‪.2‬‬
‫ومن مواقفه في رواية الشعر » روى الزبري بن بكار قال ‪ :‬مر رسول اهلل ‪ ‬ومعه أبو بكر ‪‬‬
‫[الكامل]‬ ‫بعض أزقة مكة ‪:‬‬ ‫برجل يقول‬
‫بآل عب ِد الـدا ِر‬
‫هال نزلت ِ‬ ‫يا أيـهـا الرجل احملول رحله‬

‫‪ -ϭ‬أمحد بن ىي بن جابر البالذري ‪ :‬كتاب من مجل أنساب آشراف ‪ ،‬حققه وقدم له ‪ :‬سهيل زكار ورياض زركلي ‪ ،‬إشراف ‪ :‬مكتبة البحوث‬
‫والدراسات اإلسالمية‪ ،‬ط‪ ،1‬د‪ .‬م ‪ ،‬دار الفكر للطباعة وال شر والتوزيع ‪1417 ،‬هـ‪1996‬م ‪ ،‬ج‪ ، 10‬ص ‪. 86‬‬
‫‪ -2‬أبو عبيد اهلل مد بن عمر بن موسى املرزباين ‪ :‬معجم الشعراء ‪ ،‬قيق ‪ :‬فاروق اسليم ‪ ،‬ط ‪ ، ϭ‬بريوت ‪ ،‬دار صادر ‪ϭϰϮϱ ،‬ه ـ‪ϮϬϬϱ‬م‪.‬‬
‫ص ‪. Ϯϳϱ‬‬
‫‪ -‬وي ظر ‪ :‬أبو بكر بن عبد الرمحن بن مد عبد القاهر ا رجاين ‪ :‬كتاب دالئل اإلعجاز ‪ ،‬قدم وعلق عليه ‪ :‬مود مد شاكر ‪ ،‬د‪.‬م ‪ ،‬مطبعة‬
‫املدين ‪ ،‬دار املدين دة ‪ ،‬ط‪1413 ،3‬ه‪1992‬م‪ ،‬ص ‪. ϭϳ‬‬
‫[الكامل]‬ ‫* البيت الشعري الذي مسعه الرسول ‪ ‬ملطرود بن كعب ا زاعي يبكي عبد املطلب وب عبد م اف أبات ‪:‬‬
‫هال سألت عن آل عبد م افِ‬ ‫يا أيهـا الرجل احملول رحـله‬
‫ضم وك من جرم ومن إقرافِ‬ ‫هبلتك أمك لو حللت بدارهم‬
‫ِ‬
‫اإليالف‬ ‫والظاع ني لرحـله‬ ‫امل عمني إذا ال ـجوم تغيـرت‬
‫ِ‬
‫الرجاف‬ ‫ح تغيب الشمس‬ ‫واملطعمني إذا الرياح ت اوحت‬
‫=‬ ‫من فوق مثلك عقد ذات نِ ِ‬
‫طاف‬ ‫إما هلكت‪ ،‬أبا الفعال‪ ،‬فما جرى‬

‫‪37‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫فقال ال يب ‪ ‬يا أبا بكر‪ ،‬أهكذا قال الشاعر* ؟ قال‪ :‬ال يا رسول اهلل‪ ،‬ولك ه قال‪:‬‬
‫يا أيـهـا الرجل احملول رحله هال سألت عن ِآل عب ِد م ِ‬
‫اف‬
‫قال رسول اهلل ‪ ‬هكذا ك ا نسمعها « ‪.1‬‬
‫ومن مواقف رواية أبي بكر للشعر‪ :‬ما قاله البيهقي» عن ابن عمر قال ‪ :‬ملا دخل رسول اهلل ‪،‬‬
‫عام الفتح وأتى ال ساء يلطمن وجو ا يل با مر‪ ،‬فتبسم إ أ بكر‪ ،‬وقال‪":‬يا أبا بكر‪ ،‬كيف قال‬
‫[الوافر]‬ ‫حسان" ؟ فأنشد أبو بكر‪: ‬‬
‫تثِري ال ـقع ِمن كتفي كد ِاء‬ ‫ع ِدمت ب ي إن مل تروها‬
‫يـل ِطمهن با ـم ِر ال سـ ِاء‬ ‫يـ ا ِزعن آع ة مسرجات‬
‫فقال رسول اهلل ‪ ‬أدخلوها من حيث دخلها حسان «‪.2‬‬
‫فالرسول ‪ ‬ملا فتح مكة‪ ،‬رأى ال ساء يلطمن وجو ا يل با مر‪ ،‬فتذكر " مهزية " حسان‪ ،3‬ال‬
‫ت بأ فيها بفتح مكة‪ ،‬وال ذكر صورة ال ساء يلطمن وجو ا يل با مر‪ ،‬وهجا فيها أبا سفيان بن‬
‫ا رث ‪ .‬فأعجب الرسول بت بؤ حسان أث اء فتحه مكة‪ ،‬لذا طلب من أ بكر أن يذكر له البيتني ‪.‬‬
‫فكان أبو بكر يروي ويتمثل بعيون الشعر العر ‪.‬‬
‫اإلسالم «‪.4‬‬ ‫كما »روي أن أبا بكر‪ ‬است شد عمرو بن معدي كرب‪ ،‬وقال‪:‬أنت أول من سألته‬
‫من المواقف التي تذوق فيها أبو بكر الشعر‪:‬‬

‫آضي ِ‬
‫اف‬ ‫ض مطلِ ِ‬
‫ب أ‬ ‫والفي ِ‬ ‫إال أبيك أخـي املكارم وحد‬ ‫=‬
‫‪ -‬ابن هشام ‪ :‬سرية ال يب ‪ ، ‬ج ‪ ، ϭ‬ص ص ‪.ϭϵϯ -ϭϵϮ‬‬
‫‪ -ϭ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬ص ص ‪. ϭϵϯ -ϭϵϮ‬‬
‫‪ -Ϯ‬ا افظ عماد الدين أ الفداء إمساعيل بن كثري ‪ :‬البداية وال هاية ‪ ،‬قدم له ‪ :‬مد عبد الرمحن املرعشلي ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬لب ان ‪ ،‬دار إحياء الرتاث‬
‫العر للطباعة وال شر والتوزيع د‪ .‬ت ‪ .‬ج‪ ، 4‬ص‪. 289‬‬
‫‪ -3‬ابن ثابت‪( ،‬حسان)‪:‬شرح ديوان حسان بن ثابت آنصاري ‪ ،‬وضعه وضبط الديوان وصححه‪ :‬عبد الرمحن الربقوقي ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬دار الكتاب‬
‫العر ‪ ،‬د ‪ .‬ت‪ .‬ص ‪ 54‬وما بعدها ‪ ،‬مع تغيري طفيف اللفظ ‪.‬‬
‫‪ -4‬املرزباين ‪:‬معجم الشعراء ‪ ،‬ص ص ‪. 34 -33‬‬

‫‪38‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫مل يقف أبو بكر الصديق ع د حدود التمثل بالشعر وروايته فحسب‪ ،‬بل كان يتذوق آشعار‬
‫ويبدي رضا واستحسانه هلا‪ ،‬ومما تذوقه ‪ ‬من الشعر ما ذكر البالذري‪ » :‬قال اهليثم بن عدي‪ :‬تزوج‬
‫عبد اهلل بن أ بكر عاتكة ب ت زيد فغلبته على رأيه وشغلته عن سوقه‪ ،‬فأمر أبو بكر بطالقها‪،‬‬
‫[الطويل]‬ ‫فطلقها واحدة‪ ،‬مث قعد ٓبيه على الطريق‪ ،‬فلما رأى أبا بكى وأنشد ‪:‬‬
‫وال مثلها غ ِري ذنب تطلق‬ ‫ومل أر مثلِي طلّق العام مثلهـا‬
‫ا ِ‬
‫ياة وم ِطق‬ ‫وخلق سوي‬ ‫هلا خلق جزل ورأي و م ِ‬
‫صب‬
‫فأمر مبراجعتها« ‪.1‬‬
‫فأبو بكر قضى كمني فقهيني من خالل هذا ال ص‪ ،‬فآول‪ :‬أمر فيه اب ه بتطليق زوجته عاتكة‪،‬‬
‫ٓته رأى أهنا ال تصلح أن تكون زوجة الب ه‪ ،‬وهذا ا كم صدر من أب خبري ‪ .‬وا كم الثاين‪ :‬أمر اب ه‬
‫بإرجاع زوجته‪ ،‬وذلك ملا مسعه من شعر من اب ه‪ ،‬الذي ذكر فيه بعض اسن زوجته‪ ،‬ال مل ترتكب‬
‫ذنبا لتطلق‪ ،‬وأن خلقها سوي ورأيها سديد‪ ،‬ومثلها ال ساء مل تطلق‪ .‬ع دئذ أمر أبو بكر اب ه مبراجعة‬
‫زوجته ‪ .‬وهذا ا كم الشرعي الصادر من ا ليفة أساسه الذوق الف السليم‪ ،‬الذي أدرك من خالل‬
‫البيتني صدق حب عبد اهلل لزوجته عاتكة ‪.‬‬
‫المواقف التي قال فيها أبو بكر الصديق الشعر‪:‬‬
‫تعد قصيدته"الرائية" ال قاهلا أث اء هجرته مع رسول اهلل ‪،‬إ املدي ة من أمجل ما قال؛» حيث‬
‫وصف ل ا اهلواجس ال انتابته أث اء اختفائهما غار حراء‪ ،‬بعيدا عن أعني قريش‪ ،‬ويستعيد فيها‬
‫ذكريات الوحي‪ ،‬واستشعار فضل اهلل تعا الذي بدد سحب ا وف من مساء الغار‪ ،‬ب سيج الع كبوت‬
‫على بابه‪ ،‬كما يستعيد الكلمات الطيبة ال طمأنه هبا رسول اهلل « ‪.2‬‬
‫[البسيط]‬ ‫فقال أبوبكر ‪:‬‬
‫و ن سدفة من ظ ِ‬
‫لمة الغا ِر *‬ ‫» قال ال يب ومل يـزل يوقـرين‬
‫وقـد يوكـل ا م ه بإظهـا ِر‬ ‫ال ش شيئا‪ ،‬فإن اهلل ثالث ا‬

‫‪ -ϭ‬البالذري ‪ :‬أنساب آشراف ‪ ،‬ج ‪ ، ϭϬ‬ص ص ‪.ϭϬϵ -ϭϬϴ‬‬


‫‪ -Ϯ‬نايف معروف ‪ :‬آدب اإلسالمي عهد ال بوة وخالفة الراشدين ‪ ،‬ص‪.167‬‬
‫*سديف‪:‬مجع سدف‪ ،‬وهو اختالط الليل وال هار‬

‫‪39‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫ني كـادته لِكفـا ِر‬ ‫كيد الشياط ِ‬ ‫شى بـوا ِدر‬ ‫وإمنا الكيد ال‬
‫وجاعل امل تهى ِم ـهم إ ال ـا ِر‬
‫ِ‬ ‫واهلل مهلِكهم طرا مبا كسبوا‬
‫إما غـدوا ‪ ،‬وإما مدلِج سـا ِر‬ ‫وأنت مر ِ ل ع هم وتا ِركهم‬
‫قـوم علي ِهم ذوو ِعز وأنصـا ِر‬ ‫اجر أرضهم ح ّ يكون ل ا‬ ‫وه ِ‬
‫ون ما نشى بأستا ِر‬ ‫وسد ِمن د ِ‬ ‫ح إذا الليل وارتـ ا جـوانِبه‬
‫يـ ـعب بِالقوِم نـعبا ت أكـوا ِر «* ‪.1‬‬ ‫سار آريـقط يـه ِدي ا وأيـ ـقه‬
‫وملا » هاجر ال يب ‪ ‬إ املدي ة‪ ،‬وهاجر أصحابه‪ ،‬مستهم وباء املدي ة‪ ،‬فمرض أبو بكر وبالل‪.‬‬
‫قالت عائشة‪ :‬فدخلت عليهما‪ ،‬فقلت‪ :‬يا أبت كيف دك ؟ ويا بالل‪ ،‬كيف دك ؟ قالت‪ :‬فكان‬
‫[الرجز]‬ ‫أبو بكر إذا أخدته ا مى يقول‪:‬‬
‫اك نـعلِ ِه‪.2‬‬
‫واملوت أدن من ِشر ِ‬ ‫كل أمريء مصبح أه ِله‬
‫وقال البالذري عن أمساء املشبهني برسول اهلل ‪ » :‬يقال‪ :‬إن أبا بكر قال للحسني بن علي ‪-‬‬
‫[الرجز]‬ ‫طريق املدي ة‪:‬‬ ‫رضي اهلل ع هما – وقد لقيه‬
‫غيـر شبِيه بِعلِي‬ ‫بأِ شبه ال يب‬
‫وقد نسب البيت إ فاطمة ب ت رسول اهلل ‪.3« ‬‬
‫ومما قال ا ليفة أبا بكر‪ :‬حني وجه رسول اهلل عبيدة بن ا ارث على رأس كوكبة من املهاجرين‬
‫[طويل]‬ ‫لقتال املشركني‪ ،‬وكانوا بقيادة أ سفيان بن حرب‪:‬‬
‫العشرية ح ِ‬
‫ـاد ِث‬ ‫ِ‬ ‫أ ِرقت وأمري‬ ‫ث‬‫بالبطاح الدمائِ ِ‬
‫ِ‬ ‫« ِأمن ِ‬
‫طيف سلمى‬

‫* آريقط ‪ :‬هادي ال يب ‪ ‬وأ بكر إ املدي ة ‪ ،‬نعب‪ :‬نوع من سري اإلبل ‪ ،‬آكوار ‪ :‬مجع كور‪ :‬رحل ال اقة‪.‬‬
‫‪ -1‬أبو بكر الصديق‪ :‬الديوان‪ ،‬حققه وعلق حواشيه وقدم له‪ :‬عمر الطباع‪ ،‬ط‪ ،1‬دار آرقم بن أ آرقم للطباعة وال شر والتوزيع ‪ 1420 ،‬هـ‬
‫‪1999‬م‪ ،‬ص ‪ 160‬وما بعدها ‪.‬‬
‫‪ -Ϯ‬ابن عبد ربه ‪ :‬العقد الفريد ‪ ،‬ج‪ ، ϱ‬ص ‪. Ϯϴϭ‬‬
‫‪ -‬وي ظر ‪ :‬أبو بكر الصديق ‪ :‬الديوان ‪. ϭϴϴ ،‬‬
‫‪ -ϯ‬البالذري ‪ :‬أنساب آشراف ‪ ،‬ج‪ ، Ϯ‬ص ‪. ϮϬϰ‬‬
‫** هروا‪ :‬وثبوا كما تثب الكالب‪ ،‬واحملجرات‪ :‬ال أ ئت إ مواضعها‪ ،‬اللواهث‪ :‬ال أخرجت ألس تها وتعبت فانقطعت أنفاسها‪.‬‬
‫*** متتـ ا‪ :‬أي اتصل ا‪ ،‬وغري كارث‪ :‬أي غري زن‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫ث‬‫اع ِ‬‫عن الكف ِر تذكري وال بـعث ب ِ‬ ‫ترى ِمن لؤي‪ ،‬فرقة ال يصدها‬
‫عليه وقالوا‪ :‬لست فِي ا ِمباكِ ِ‬
‫ـث‬ ‫رسول أتاهم ص ِ‬
‫ـادق فـتكـذبوا‬
‫ث**‬‫ات اللو ِاه ِ‬ ‫وهروا هريـ ِر املجحر ِ‬ ‫إذا ما دعوناهم إ ا ـق أدبروا‬
‫وتـرك التـقى شـيء هلم غري كا ِر ِث ***‬ ‫فكم قد متتـ ا فيهـِم بقرابة‬
‫ث‬‫فما طيبات ا ِل ِمـثل ا بـائِ ِ‬ ‫فإن يـرجعوا عن كف ِرهم وعقوقِ ِهم‬
‫اهلل ع هـم بِالبِ ِ‬
‫ث‬ ‫فليـس عذاب ِ‬ ‫وضالهلم‬ ‫وإن يركبوا طغيانـهم‬
‫ث*‬‫روع آثائِ ِ‬ ‫الف ِ‬ ‫ل ا العِز ِم ها‬ ‫غالِب‬ ‫و ن أناس ِمن ذؤاب ِـة‬
‫ث**‬‫يح الرثائِ ِ‬ ‫حر ِاجيج دى الس ِر ِ‬ ‫ع ِشية‬ ‫فأوِ بِرب الراقِص ِ‬
‫ـات‬
‫ث***‬ ‫ي ِردن ِحياض البِئ ِر ِ‬
‫ذات ال ـبائـِ ِ‬ ‫كأدم ِظباء حول مكة عكـف‬
‫ولست إذا آليت قـوال ِ ـانـِ ِ‬
‫ث‬ ‫عاجال ِمن ضالهلِِـم‬ ‫لئِن مل ي ِفيقوا ِ‬
‫ـاء الطوامـِ ِ‬
‫ـث****‬ ‫رم أطهار ال س ِ‬ ‫لتبت ِدرهنـم غارة ذات مصــدق‬
‫ث‬‫اح ِ‬‫وكل كفور يبتغي الشر ب ِ‬ ‫فأبل ِغ ب ِ سهم لديـك ِرسـالة‬
‫اع ِ‬
‫ـث*****»‪.1‬‬ ‫اضكم غري ش ِ‬ ‫فإين ِمن أعر ِ‬ ‫فِإن تشعثوا ِعر ِضي على س ِ‬
‫وء رأيِكم‬
‫لكن ابن هشام يرتاب القصيدة ويقول‪ " :‬وأكثر أهل العلم بالشعر ي كر هذ القصيدة ٓ‬
‫بكر"‪ ،‬ولعل الشكوك ال حامت حول القصيدة‪،‬كوهنا ذات طابع جاهلي مطلعها‪ ،‬وهي من‬
‫قصيدة من اث عشرة بيتا على الوزن والقافية‬ ‫القصائد اإلسالمية‪ ،‬وقد أجابه عبد اهلل بن الزبعرى‪.Ϯ‬‬

‫* الفروع آثائث‪ :‬الكثرة ا مة ‪.‬‬


‫**أو ‪ :‬أحرفوا أقسم‪ ،‬والراقصات‪ :‬اإلبل‪ ،‬حراجيج‪ :‬ا سان‪ ،‬و دى‪ :‬تساق‪ ،‬السريح‪ :‬قطع من ا لد تربط على أخفاف اإلبل افة أن‬
‫تؤذيها ا جارة ‪ ،‬الرثائث‪ :‬البالية ا لقة‪.‬‬
‫***ٓدم‪ :‬مجع أدماء وهي السمراء الظهر البيضاء البطن‪ ،‬وعكف‪ :‬مقيمة‪ ،‬وال بائث‪ :‬مجع نبيثة وهي تراب رج من البئر إذا نقية ‪.‬‬
‫**** الطوامث‪ :‬مجع طامث وهي ا ايض ‪.‬‬
‫*******تشعثوا‪ :‬مع ا تغريوا و تفرقوا‪.‬‬
‫‪ -ϭ‬ابن هشام‪ :‬سرية ال يب‪، ‬ج ‪ ،Ϯ‬ص ‪ ϮϮϱ‬وما بعدها‪.‬‬
‫وي ظر ‪ :‬أبو بكر الصديق‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ص ‪ ϭϯϳ‬و ما بعدها‪.‬‬
‫‪ -Ϯ‬ابن هشام ‪ :‬سرية ال يب ‪ ، ‬ج‪ ، Ϯ‬ص ‪ ϮϮϳ‬وما بعدها ‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫غزوة عبد اهلل بن جحش‪،‬‬ ‫نفسيهما‪ ،‬وروى ابن إسحق قطعة شعرية نسبها « ٓ بكر الصديق‬
‫ويقال‪ :‬بل عبد اهلل بن جحش قاهلا حني قالت قريش‪ :‬قد أحل مد وأصحابه الشهر ا رام‪ ،‬فسفكوا‬
‫فيه الدم‪ ،‬وأخذوا فيه املال وأسروا فيه الرجال ‪ .‬وابن هشام ي سبها لعبد اهلل بن جحش ‪.‬‬
‫[الطويل]‬ ‫وقال أبو بكر ‪ ‬ردا على ما قالو ‪:‬‬
‫وأعظم م ه لو ير الرشد ر ِاشد*‬ ‫ا ـرِام عظيمـة‬ ‫تعِدون قتـال‬
‫وكفـر بـه واهلل ر شاهـِد**‬ ‫صدودكـم عـما يقـول ـ ّمد‬
‫اجـد‬‫ـت س ِ‬ ‫لِئال يـرى ِ‬
‫هلل البي ِ‬ ‫وإخراجكم ِمن م ِ‬
‫سجد اهللِ أهلـه‬
‫اسد***‬‫الم باغ وح ِ‬‫وأرجف باإلس ِ‬ ‫فـِإنـا وإِن غيـر متـونا بقتاِ ِـه‬
‫بِ خلة ملا أوقـد ا رب واقـِد****‬ ‫سقيـ ـا ِمن اب ِن ا ضرِمي ِرمـاح ا‬
‫ي ا ِزعه غل ِمن ال ِقد عـائِد *****»‪.1‬‬ ‫دمـا وابن عب ِـد ِ‬
‫اهلل عثمان بـيـ ـ ا‬
‫إن ارتياب ابن هشام هذين املقطوعتني‪ ،‬هو ما دفع ب اصر الدين آسد إ إنكار هذا الشعر‬
‫وقال متعجبا‪ « :‬ومن عجب أن يضع املسلمون آولون شعرا أو ي حلو أبا بكر الصديق »‪.Ϯ‬‬
‫ومن حديث الزهري عن عائشة ‪g‬أهنا قالت‪ « :‬كذب من أخربكم أن أبا بكر قال بيت شعر‬
‫واحد اإلسالم »‪.ϯ‬‬
‫فحديث السيدة عائشة يؤكد هذا االرتياب الشعر امل سوب إ أ بكر‪ ،‬وي في أن يكون‬
‫أبوبكر قال الشعر اإلسالم‪ ،‬ولكن نايف معروف عقب على حديث السيدة عائشة‪ ،‬قائال‪:‬‬

‫الشهر ا رام‪.‬‬ ‫* ا رام‪ :‬الشهر ا رم‪ ،‬العظيمة‪ :‬ا طيئة العظيمة‪ ،‬وأعظم م ه‪ :‬أي من القتل‬
‫**الصدود‪ :‬اإلعراض ‪.‬‬
‫***عريمتونا ‪ :‬املعاير ‪ :‬املعايب و عار عابه ‪.‬‬
‫****ب خلة‪ :‬موضع بني الطائف و مكة ‪ ،‬أوقد ا رب‪ :‬أشعل نارها‪.‬‬
‫***** ي ازعه غل ‪ :‬أي ي ازعه القيد و الغل من القد أي من ا لد بشكل سري يقيد به ‪ ،‬العارد‪ :‬الصلب الشديد‬
‫‪ -ϭ‬ابن هشام‪ :‬سرية ال يب ‪، ‬ج ‪ ،Ϯ‬ص ‪.Ϯϰϯ‬‬
‫‪ -‬و أبو بكر الصديق‪ :‬الديوان‪ ،‬ص ‪ ϭϰϴ‬و ما بعدها‪.‬‬
‫‪ -Ϯ‬ناصر الدين آسد ‪ :‬مصادر الشعر ا اهلي وقيمتها التار ية ‪ ،‬ط ‪ ، ϳ‬مصر ‪ ،‬دار املعارف ‪ϭϵϴϴ ،‬م ‪ ،‬ص‪. ϯϮϱ‬‬
‫‪ -ϯ‬ابن هشام ‪ :‬سرية ال يب ‪ ،‬ج ‪ ،Ϯ‬هامش صفحة ‪. ϮϮϱ‬‬
‫‪ -ϰ‬نايف معروف ‪ :‬آدب اإلسالمي عهد ال بوة وخالفة الراشدين‪ ،‬ص‪.167‬‬

‫‪42‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫آمر غضاضة‪ ،‬خاصة أنه كان من رواته‪ ،‬وأن‬ ‫« فإن أبياتا ومقطعات نسبت إليه‪ ،‬وال نرى‬
‫الرسول‪ ،‬نفسه كان يسأله‪...‬وإذا صح ما نسب إ السيدة عائشة ‪ ،g‬فإن آمر اليعدو أن يكون‬
‫مبلغ علمها أنه مل يقل شعرا اإلسالم‪ ،‬ومما هو جدير باملالحظة أهنا مل ت ف قوله الشعر‬
‫ا اهلية » ‪.ϰ‬‬
‫كما أنه يؤكد صحة نسبة املقطعات والقصائد الشعرية إ أ بكر باستث اء القصيدة " الثائية "‬
‫السابقة‪ ،‬ال قاهلا غزوة عبيدة بن ا ارث‪ ،‬وأرجع ذلك إ ب ائها الف ‪ ،‬الذي ال ي ظمه إال الشعراء‬
‫امللتزمني بقواعد الشعر‪ ،‬إذ يقول‪ « :‬إن ال اظر هلذ القصائد امل سوبة إ أ بكر ال يستطيع أن يؤكد‬
‫صحة نسبتها إليه‪ ،‬و الوقت ذاته ال د مصوغا كافيا لتأكيد نفيها‪ ،‬فأبو بكر كان راوية للشعر‬
‫قيقه ورد ٓصحابه‪ ،‬وهو ليس بعاجز أن يقول هذ القصائد وأضارهبا‪ ،‬و اصة إذا كانت‬ ‫ومرجعا‬
‫امل اسبة تستدعيها ‪ ،‬أما مضامي ها الفكرية فيجعل الباحث مييل إ ترجيح نسبتها إليه باستث اء القصيدة‬
‫آخرية ذات املطلع الغز الطللي التقليدي ‪ -‬إذ مل يكن أبو بكر – آصل – شاعرا كي يلتزم‬
‫بقواعد الشعر‪ ،‬فال يد ع ها‪ ،‬مث إن املوقف ا هادي مل اسبة القصيدة ال يستدعي مثل هذا املطلع كي‬
‫يتخلص إ غرضها الذي يرمي إ الوصول إليه »‪.1‬‬
‫كما أن مد مصطفى هدارة يثبت صحة نسبة الشعر إ أ بكر‪ ،‬ويشكك صحة ا رب‬
‫املروي عن السيدة عائشة ‪g‬قائال‪ ...« :‬ولو صح هذا ا رب ما صحت نسبة آبيات ال أثبت اها ٓ‬
‫بكر‪ ،‬ولصح أن يكون له شعر قبل اإلسالم‪ ،‬وليس هلذا إشارة أي مصدر‪ ،‬وعلى أية حال فاملوقفان‬
‫اللذان دفعا أبا بكر ‪ ‬إ قول الشعر الذي أوردنا ‪ ،‬يدالن على حساسية مرهفة وأصالة ف ية ال‬
‫شاعر مهه الشعر فحسب‪ ،‬ونفي الشعرية ع ه أصال ليس مع ا أنه ال فظه أو‬ ‫تمعان وجودمها‬
‫ي شد »‪.Ϯ‬‬
‫القرآن العظيم‪،‬‬ ‫وقد جاء "مجهرة أشعار العرب "‪ ،‬ومما قيل من الشعر ما جاء موافقا ملا جاء‬
‫[الرمل]‬ ‫« وقال أبو بكر ‪: ‬‬

‫‪ -ϭ‬نايف معروف ‪ :‬آدب اإلسالمي عهد ال بوة وخالفة الراشدين‪ ،‬ص‪. ϭϲϵ‬‬
‫‪ -Ϯ‬مد مصطفى هدارة‪ :‬الشعر صدر اإلسالم والعصر آموي‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار ال هضة العربية للطباعة وال شر ‪1995.‬م ص ‪. ϭϬϲ‬‬
‫‪ -3‬القرشي ‪ :‬مجهرة أشعار العرب ‪ ،‬ص‪. ϯϳ‬‬

‫‪43‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫وأطاعوا كل كذاب أثِي ِم‬ ‫عزروا آمالك ِ ده ِرِهم‬


‫أي عظمو «‪.3‬‬
‫عزروا ‪ :‬أي عظموا ‪ ،‬قال اهلل تعا ‪َ :‬و َعزُرو ُ‬
‫[الوافر]‬ ‫وكذلك قال أبو بكر بالل‪ ‬حني قتل أمية بن خلف بدر وقد كان يعذبه‪:‬‬
‫فقد أدركت ثأرك يا بِالل‬ ‫ه يئا زادك الرمحن ِعزا‬
‫غداة تـ وشك آسل الطوال‪.1‬‬ ‫فال نكسا وجدت والجبانا‬
‫" مغازي آموي " حديث عن غزوة بدر » أن رسول اهلل ‪ ‬جعل ميشي بني القتلى ‪،‬‬ ‫وجاء‬
‫[الوافر]‬ ‫ورسول اهلل ‪ ، ‬يقول ‪ " :‬نفلق هاما " فيقول الصديق ‪:‬‬
‫وهم كانوا أع ّق وأظلما‬ ‫ِمن ِرجال أ ِعزة عليـ ا‬
‫إشارة م ه إ اب ه عبد الرمحن حي ما كان حال كفر « ‪.2‬‬
‫وه اك مقطوعات شعرية قاهلا أبوبكر الصديق‪ ،‬ملا تو الرسول ‪ ،‬حيث حزن عليه الصحابة‬
‫نفوس املسلمني‪ ،‬وا لفاء خاصة‪ ،‬فراحوا يعربون عن حزهنم تعبريا‬ ‫حزنا شديدا‪ ،‬وترك فراقه أثرا عميقا‬
‫أشعارهم‪ » ،‬قال املفضل‪ :‬ومل يبق أحد من أصحاب رسول اهلل‪ ،‬إال وقد قال الشعر‬ ‫خلدوا فراقه‬
‫[الوافر]‬ ‫ومتثل به ‪ .‬فمن ذلك قول أ بكر الصديق ‪ ، ‬يرثي ال يب ‪: ‬‬
‫كأن جفوهنا فِيها كِالم «‪.3‬‬ ‫أ ِجدك ما لِعيـ ـيك ال ت ام‬
‫وفيما قاله أبو بكر من قطع شعرية‪ » ،‬يأيت مقدمتها ثالث قطع رثاء رسول اهلل‪ ،‬حيث‬
‫يرى بعضهم أن أقرهبا إ الصحة وأصدقها تعبريا وأسلسها نظما قطعة تتسم بالعفوية‪ ،‬ال اقتضاها‬
‫ذلك املوقف‪ ،‬الذي هز نفوس املسلمني هزا هائال « ‪ ،4‬و هذا » قال مد بن عمر الواقدي عن‬
‫[ املتقارب]‬ ‫رجاله‪ :‬قال أبو بكر الصديق يرثي رسول اهلل ‪: ‬‬
‫السيّد !‬
‫وح ّق البكاء على ّ‬ ‫عني فابكي وال تس ِأمي‬
‫يـا ِ‬

‫‪ -ϭ‬البالذري ‪ :‬أنساب آشراف ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬ص‪.Ϯϭϴ‬‬


‫‪ -Ϯ‬ابن كثري ‪ :‬البداية وال هاية ‪،‬ج‪،ϯ‬ص ‪.ϯϱϱ‬‬
‫‪ -ϯ‬القرشي ‪ :‬مجهرة أشعر العرب ‪ ،‬ص‪. ϯϳ‬‬
‫‪ -ϰ‬نايف معروف ‪ :‬آدب اإلسالمي عهد ال بوة وخالفة الراشدين‪ ،‬ص ‪. ϭϲϳ‬‬
‫‪ -ϱ‬ابن سعد ‪ :‬الطبقات الكربى ‪ ،‬قدم له ‪ :‬إحسان عباس ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬دار صادر ‪ ،‬د‪.‬ت ‪ ،‬ج ‪ . Ϯ‬ص ‪. ϯϭϵ‬‬

‫‪44‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫امللح ِد‬‫ِء أمسى يـغيب‬ ‫عـلى خ ِري ِخ ِدف ع د البال‬


‫ـالد على أمحد‬ ‫ورب الب ِ‬ ‫فصـلى املليـك وِ العب ِ‬
‫ـاد‬
‫املشه ِد ؟‬ ‫وزي ِن املع ِ‬
‫اش ِر‬ ‫فكيـف ا يـاة لِفق ِد ا ِ‬
‫بيب‬
‫وك ا مجيعا مع املهت ِدي!« ‪.5‬‬ ‫فـليـت املمـاة ل ـا كل ـا‬
‫وكذلك » ملا تو رسول اهلل‪ ‬رثا مجاعة من أصحابه وآله مبراث كثرية ‪ ،‬م ها ما روي عن أ‬
‫[الكامل]‬ ‫بكر‪ ،‬فإنه كان أقرب ال اس إليه فقال‪:‬‬
‫ضاقت علي بع ِ‬
‫رض ِهن الدور‬ ‫ملـا رأيـت نبيا متجـ ّدال‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫والعظم ِم ّ واهن مكسور‬ ‫وارتعت روعة مستهام والِِه‬
‫وبفيت م ـف ِردا وأنت ح ِسري‬ ‫أعتِيق و ك ! إن حبك قد ثـوى‬
‫غيّبت جدث علي صخور‬ ‫احيب‬ ‫ك صِ‬ ‫يا ليت من قب ِل مهل ِ‬
‫تـعيا ِهبن جـوانِح وصدور « ‪. 1‬‬ ‫فلتحدثن بدائع من ِ‬
‫بعد ِ‬
‫[البسيط]‬ ‫وقال الواقذي ‪ « :‬وقال أبو بكر أيضا‪ :‬يرثي رسول اهلل‪: ‬‬
‫مثل الصخوِر فأمست هدتِ ا سدا‬ ‫باتت تأوب ِ مهوم ‪ ...‬حشـد‬
‫قالوا الرسول قد أمسى ميتا فقـِدا *‬ ‫حيث نبئت الغـداة به‬ ‫يا ليت‬
‫والنـرى بعـد مـاال وال ولدا **‬ ‫ليت القيامة قامت بعد مهلِ ِك ِه‬
‫ِمن الرب ِية حـ أدخـل اللحـدا‬ ‫واهلل أث ِ على شيءذ فجعت به‬
‫إذا تذ ّكرت أ ّن ي ال أراك بـدا‬ ‫كم ِ بـعدك من هـم يـ صب ِ‬

‫‪ -ϭ‬ابن سعد ‪ :‬الطبقات الكربى ‪ ،‬ج ‪ ،Ϯ‬ص ‪. ϯϮϬ‬‬


‫‪ -‬وي ظر‪ :‬أبو بكر الصديق‪ :‬الديوان‪ :‬ص ص ‪. ϭϲϰ -ϭϲϯ‬‬
‫* حيث الغداة به ‪ :‬جاءين نعيه باكرا‪.‬‬
‫**ليت القيامة قامت‪ :‬يهول ا طب ويتم ولو أن الدنيا انتهت مع موت ال يب‪ ،‬ع د مهلكه‪ :‬املهلك‪ :‬اهلالك أي ع د موته ‪.‬‬
‫الديوان ‪:‬ـ كيال ترى ‪.‬‬ ‫وحدث تغيري طفيف الشطر الثاين من البيت‬
‫‪ -Ϯ‬ابن سعد ‪ :‬الطبقات الكربى‪ ،‬ج ‪ ،Ϯ‬ص ‪. ϯϮϬ‬‬
‫‪ -‬وي ظر‪ :‬أبو بكر الصديق‪ :‬الديوان‪ :‬ص ص ‪. ϭϱϯ -ϭϱϮ‬‬
‫الديوان مثانية عشر (‪ )ϭϴ‬بيتا ‪.‬‬ ‫***جاءت القصيدة ال‬

‫‪45‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫فاف فـلم نـع ِدل به أحدا‬


‫و الع ِ‬ ‫ِ‬
‫آخالق قد علموا‪،‬‬ ‫كان املص ّفاء‬
‫ما أطيب ال ّذكر وآخالق وا سدا ! ‪.Ϯ‬‬ ‫نف ِسي فِدؤك من ميت و من بدن!‬
‫وروى البالذري أنساب آشراف قال‪ « :‬رثى أبو بكر الصديق رسول اهلل‪ ‬بقصيدة***‬
‫[الوافر]‬ ‫م ها قوله ‪:‬‬
‫إمام كرامة نِعم ِاإلم ـام‬ ‫ف ِجع ا بال يب وكان فِي ـا‬
‫ف حن اليوم ليس ل ا قِـوام*‬ ‫وكان قوام ا والرأس ِم ا‬
‫ويشكو فـقد البـلد ا ـرام‬ ‫منوج ونشت ِكي ما قد ل ِقي ا‬
‫سيدركه ‪ -‬ولو ك ِر ‪ -‬ا ِمام**‬ ‫فال تـبعد فكل ِ‬
‫كرمي قـوم‬
‫وودعـ ا ِمن ِ‬
‫اهلل الكـالم‬ ‫فقدنا الوحي إذ وليت ع ـا‬
‫عليـك به الت ِحية والسـالم »‪.1‬‬ ‫لقد أورثـتـ ا ِمرياث ِصـد ِق‬
‫حقيقة آمر صورة تكشف‬ ‫والواضح أن هذ آشعار ال رثى هبا أبو بكر الرسول ‪ ،‬هي‬
‫م اسبات تلفة ‪.‬‬ ‫عن موقف أ بكر الصديق اإل ا من الشعر‪ ،‬فقد متثل به وروا ‪ ،‬وقاله‬
‫" سرية ال يب ‪ " ‬حول بعض قصائد أ‬ ‫ومهما يكن من أمر االرتياب الذي أثار ابن هشام‬
‫بكر‪ ،‬فإين وجدهتا مثبتة ديوانه‪.‬‬
‫حسه الف ‪ٓ ،‬نه‬ ‫ورغم ا دل الذي حام حول شاعرية ا ليفة أ بكر‪ ،‬فإن ال أشك‬
‫نظري يعد شاعرا من الطراز العا ‪ ،‬وذلك ٓن حبه للرسول ‪ ‬وإميانه العميق مبا جاء به اإلسالم ‪ ،‬كل‬
‫ذلك دفع به إ إبراز قدرته اللغوية‪ ،‬ومقدرته ا طابية والف ية‪ ،‬وأظهر حسن بيانه وفصاحته‪ ،‬وهي‬
‫قول الشعر‪ ،‬وال ميكن أن نتصور أن أبا بكر يفوت الفرصة أو الرد على‬ ‫خصائص ضم ت له الكفاية‬
‫املعركة اللسانية بني املسلمني واملشركني‪ ،‬و اصة أن الرسول ‪‬‬ ‫قريش‪ ،‬ملا أصبح الشعر سالحا‬

‫*قوام القوم‪:‬عمادهم ورك هم ‪.‬‬


‫** ا مام (بكسر ا اء)‪ :‬املوت ‪.‬‬
‫‪ -ϭ‬البالذري ‪ :‬أنساب آشراف ‪ ،‬ج‪ ، Ϯ‬ص‪. Ϯϳϱ‬‬
‫‪ -‬وي ظر ‪ :‬أبوبكر الصديق ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ص ‪. ϭϵϲ -ϭϵϱ‬‬

‫‪46‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫طلب من حسان بن ثابت ملا أراد أن يهجو قريشا فقال له‪ " :‬اهجهم وائت أبا بكر ربك‬
‫أي مبعايب القوم "‪ ،‬وقد زود أبو بكر حسان بن ثابت ببعض آفكار فوظفها شعر ‪.‬‬
‫ويبقى آمر مؤكدا أن ا ليفة أبا بكر قد قال الشعر مواقف تلفة‪ ،‬وكان مرجعا من خالل‬
‫حفظه للشعر والتمثل به وروايته‪ ،‬وهو من الصحابة الفصحاء املخضرمني الذين فظون الشعر ا اهلي‬
‫واإلسالمي معا ويعرف الفرق بي هما من حيث اللفظ واملع والداللة والصورة ‪.‬‬

‫‪ -Ϯ‬موقف الخليفة عمر بن الخطاب ‪ ‬من الشعر‪:‬‬


‫أما ا ليفة عمر بن ا طاب (ت‪ Ϯϯ‬هـ‪ϲϰϰ‬م)ا ليفة الثاين(‪ϭϯ‬هـ‪ϲϯϰ‬م)‪ ،‬فقد كانت له مواقف‬
‫متعددة إزاء الشعر والشعراء‪ ،‬وهذا ما تؤكد مصادر آدب ونقد القدمية‪ ،‬حيث«مل د بعض املصادر‬
‫حرجا أن ت سب شعرا ٓوائل املسلمني ومن أبرزهم خلفاء الرسول‪ ،‬فلم يكن حظر الشعر يشملهم‬
‫إال ما كان من رسول اهلل الذي نفى ع ه القرآن صفة الشاعرية » ‪. 1‬‬
‫ومن أقدم مصادر السري ال روت أشعارا للصحابة‪":‬السرية ال بوية"البن إسحق(ت‪ϭϱϬ‬هـ ‪ϳϲϴ‬م)‬
‫و"سرية ال يب‪ "‬البن هشام (ت ‪Ϯϭϯ‬هـ‪ϴϮϴ‬م)‪ ،‬و" أنساب آشراف " للبالذري(ت‪ϴϵϮ‬م) ومن‬
‫أقدم مصادر آدب وال قد ال ت تمي إ الغرب اإلسالمي‪ ،Ϯ‬ال روت هلم أشعارا ‪ "،‬العقد الفريد "‬
‫البن عبد ربه (‪ϵϰϬ-ϴϲϬ‬م) ‪ ،‬و" العمدة " البن رشيق القريواين (ت‪ϭϬϳϭ‬م) ‪.‬‬
‫ولكن ابن رشيق حي ما روى أشعارا للخليفة عمر كان يرتاب ما نسبه إليه‪ ،‬على أن ال صوص‬
‫امل سوبة إليه ت سب إ شعراء آخرين ‪.‬‬
‫" السرية‬ ‫وهذا االرتياب ليس م هج " العمدة " فحسب ‪ ،‬بل هو أساسا م هج ابن إسحق قبله‬
‫"سرية ال يب ‪ ،" ‬ومن ال قاد القدماء ابن سالم ا محي (‪Ϯϯϭ-ϭϯϵ‬هـ) ‪.‬‬ ‫ال بوية "‪ ،‬وابن هشام‬
‫ولكن ارتياب ال قاد فيما نسب من الشعر إ ا ليفة عمر ‪ ،‬يدفع ا إ طرح السؤال اآليت‪:‬‬
‫هل قال ا ليفة عمر بن ا طاب الشعر؟ أم أن الرواة لو ما ذكرته مصادر الشعر ؟‬

‫الطور الشفوي ‪ ،‬ص ص ‪. 55 -54‬‬ ‫‪ -1‬عبد العزيز جسوس ‪ :‬نقد الشعر ع د العرب‬
‫‪ -2‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 55‬‬

‫‪47‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫حقيقة إن اإلجابة على هذا السؤال تستوقف ا أمام نص صريح روا ابن قتيبة(‪Ϯϳ -Ϯϭϯ‬هـ) كتابه‬
‫" الشعر والشعراء " يربز فيه أن ا ليفة عمر بن ا طاب ال يقول الشعر‪ ،‬واستدل على ذلك ادثة‬
‫وهي‪ « :‬ملا استشهد زيد بن ا طاب يوم مسلمة‪ ،‬دخل متمم على عمر بن ا طاب فقال‪ :‬أنشدين‬
‫[الطويل]‬ ‫بعض ما قلت أخيك‪ ،‬فأنشد شعر الذي يقول فيه ‪:‬‬
‫ِمن الده ِر ح قِيل لن يـتصدعا‬ ‫وك ا ك دماين ج ِذمية ِحقبة‬
‫لِط ِ‬
‫ول اجتِماع مل نبِت ليـلة معا‬ ‫فـلما تـفّرقـ ا كأين ومالِكا‬
‫فقال عمر‪:‬يا متمم لو ك ت أقول الشعر لسرين أن أقول زيد بن ا طاب مثل ما قلت أخيك»‪.1‬‬
‫وأيا كان آمر‪ ،‬فإن قول ابن قتيبة هذا ال ص على لسان ا ليفة عمر" لو ك ت أقول الشعر‪"...‬‬
‫يدل على أن عمر ال يقول الشعر ب فس املستوى الف الذي قال به متمم بن نويرة شعر ‪ ،‬رثاء أخيه‬
‫فقط‪ .‬وقول ابن قتيبة ال ي في عن عمر الشعر إطالقا‪ٓ ،‬ن نفي ابن قتيبة قول الشعر عن عمر ‪،‬‬
‫يتعارض مع كثري من املصادر ال روت له أشعارا ‪ ،‬وكما يقول عبد العزيز جسوس‪ « :‬واالرتياب‬
‫قول عمر الشعر ال يتعارض مع أنه كان مستعدا لذلك‪ ،‬بل مت لو كانت له القدرة على رثاء أخيه‬
‫مثلما رثى متمم أخا ‪ ،‬وال يتعارض مع أنه كان ملما إملاما واسعا بالشعر حاضر وماضيه ‪ .‬ومقدرا‬
‫ٓمهيته ال سيج ال فسي العر ومدركا لدور سياق العالقات االجتماعية »‪.Ϯ‬‬
‫وهلذا فإنه فيما نسب للخليفة عمر من قول الشعر‪ ،‬يؤكد ماروي عن الشعيب(ت‪ϭϬϯ‬هـ‪ϳϮϭ‬م)‬
‫قوله‪« :‬كان أبو بكر يقول الشعر‪ ،‬وكان عمر يقول الشعر‪ ،‬وكان عثمان يقول الشعر‪ ،‬وكان علي‬
‫أشعر الثالثة »‪ .ϯ‬والذي تؤكد املصادر ‪ ،‬أن ا ليفة عمر« هو أكثر ا لفاء الراشدين ميال لسماع‬
‫الشعر وتقوميه ‪ ،‬كما كان أكثرهم متثال به »‪.ϰ‬‬
‫وعلى هذا آساس ميك ا إبراز مواقفه من الشعر والشعراء فيما يأيت‪:‬‬
‫ما نسب من شعر لعمر بن الخطاب‪:‬‬

‫‪ -ϭ‬ا بن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ص ص ‪.215 -214‬‬


‫‪ -2‬عبد العزيز جسوس ‪ :‬نقد الشعر ع د العرب الطور الشفوي ‪ ،‬ص ‪. 55‬‬
‫‪ -3‬السيوطي ‪ :‬تاريخ ا لفاء ‪ ،‬ص‪. 142‬‬
‫‪ -4‬نايف معروف ‪ :‬آدب اإلسالمي عهد ال بوة وخالفة الراشدين ‪ ،‬ص ‪. ϭϲϵ‬‬
‫‪ -ϱ‬ابن رشيق ‪ :‬العمدة ‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪28‬‬

‫‪48‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫ذكر ابن رشيق " العمدة "بعض آشعار ال قاهلا عمر‪ :‬فقال ‪ « :‬ومن شعر عمر بن ا طاب‬
‫[املتقارب]‬ ‫‪ ،‬وكان من أنقد أهل زمانه للشعر وأنفذهم فيه معرفة ‪ ،‬ويروى لألعور الش ‪:‬‬
‫اإلله مق ِاديرها‬
‫ِ‬
‫هون عليك فإن آمور بِ ّ‬
‫كف‬
‫اصر ع ك مأمورها »‪.5‬‬ ‫فـليس بِآتيك م ِهيـها وال ق ِ‬
‫وقال ابن رشيق‪ « :‬ومن شعر أيضا‪ ،‬وقد لبس بردا جديدا‪ ،‬ف ظر ال اس إليه‪ -‬وقد روي لورقة بن‬
‫[البسيط]‬ ‫نوفل أبيات‪:‬‬
‫يبقى اإللـه ويف املال والولـد‬ ‫الشيء مما ترى تـبـقى بشاشت ـه‬
‫وا لد قد حاولت عاد فما خلدوا‬ ‫مل تـغ ِن عن هرمز يومـا خزائ ـه‬
‫وا ِن واإلنس فيمـا بـيـ ـهـا ت ِرد‬ ‫وال سليمان؛ إذ ري الرياح لـه‬
‫البد من ِورِد ِ يوما كما وردوا »‪.1‬‬ ‫حوض ه الك مورود بـال كذب‬
‫"السرية ال بوية" البن إسحق ‪ « :‬وقد قال عمر بن ا طاب‪ :‬فيما يزعمون‬ ‫و هذا اال ا جاء‬
‫بعد إسالمه يذكر ما رأت قريش من العربة‪ ،‬فيما كان أبو جهل هم به من رسول اهلل ‪ ،‬وقائل يقول‪:‬‬
‫[املتقارب]‬ ‫قاهلا أبو طالب ‪ :‬فاهلل أعلم مبن قاهلا ‪:‬‬
‫بعض ذا الم ِط ِـق‬
‫ِ‬ ‫عن البـغ ِي‬ ‫ب وانـتـهـوا‬ ‫أفِيقوا ب غالِ ِ‬
‫بوائِـق فـي داركم تـلت ِقـي‬ ‫وإال فإنـي إذا خـائِـف‬
‫ـارب والمشـ ِرِق‬ ‫ورب املغ ِ‬ ‫عبـرة‬ ‫تكون لِغـابركم‬
‫مثـود وعـاد فمـن ذا ب ِقي‬ ‫كما ذاق من كان ِمن قبلكم‬
‫العرش إذ تستقـِي‬
‫ِ‬ ‫وناقة ذي‬ ‫غداة أتاهـم هبا صـرصرا‬
‫ِمن اهللِ فـي ضربـ ِة آزرِق‬ ‫فحـل عليـهم هبا سخطة‬
‫حسـام ِمن اهل ِـد ذو رون ِق‬ ‫غـداة يـعـض بِعرقوبِـها‬
‫ا جـ ِر الملص ِق‬ ‫عجائـب‬ ‫و أعجب ِمن ذاك من أمركم‬

‫‪ -1‬ابن رشيق ‪ :‬العمدة ‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪. 34‬‬


‫‪ -2‬مد بن إسحاق بن يسار املطليب املدين ‪ :‬السرية ال بوية ‪ ،‬حققه وعلق عليه وأخرج أحاديثه ‪ :‬أمحد فريد املزيدي ‪ ،‬ط ‪ ، ϭ‬بريوت ‪ ،‬لب ان ‪،‬‬
‫م شورات علي بيضون بدار الكتب العلمية ‪ϭϰϮϰ ،‬هـ ‪ϮϬϬϰ‬م ‪ ،‬ج ‪ ، ϭ‬ص ص ‪.. Ϯϰϳ -Ϯϰϲ‬‬

‫‪49‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫المتقـِى‬ ‫إ الصابـِِر الص ِاد ِق‬


‫بِكـف الذي قـام ِمن ِحيِ ِه‬
‫آمحـ ِق‬ ‫على رغم ذا ا ائِ ِن‬
‫فأيـبسـه اهلل فـي كفـ ِه‬
‫يصـ ِ‬
‫دق »‪.Ϯ‬‬ ‫بغـى الغواة ولـم‬ ‫أحيمق زومكم إذ غــوى‬
‫وأحسب أن ا ليفة عمر بن طاب قد متثل هبذ املقطوعات الشعرية متثيال‪ ،‬م اسبات تلفة‪،‬‬
‫ويبدو أن من مسعها م ه‪ ،‬رواها على أنه قائلها‪ ،‬هلذا ارتاب الرواة نسبتها إليه ومن بي هم ابن إسحق‪.‬‬
‫ومن آشعار ال ارتاب الرواة نسبتها إ ا ليفة عمر بن ا طاب‪ ،‬ما جاء الكامل للمربد‪:‬‬
‫« يروى عن عبد الرمحن بن عوف أنه قال‪ :‬أتيت باب عمر بن ا طاب – رمحه اهلل – فسمعته ي شد‬
‫[الطويل]‬ ‫بالركبانية‪:‬‬
‫قضى وطرا م ها مجيل بن معم ِر‬ ‫و كيف ثوائِي باملدي ِة بـعدما‬
‫فلما استأذنت عليه قال ‪ :‬أمسعت ما قلت ؟ فقلت‪ :‬نعم‪ ،‬فقال‪ :‬إنا إذا خلونا قل ا ما يقول‬
‫ال اس بيوهتم »‪.1‬‬
‫فعقب املربد على هذا ا وار فقال‪...« :‬وِهم أبو العباس‪ -‬رمحه اهلل‪ -‬هذا‪ ،‬وإمنا القصة أن عمر‬
‫ابن ا طاب ‪ ‬هو الذي مسع عبد الرمحن بن عوف ي شد »‪.Ϯ‬‬
‫ا اهلية‪ :‬فقد روى البالذري‪:‬‬ ‫وتروي بعض مصادر السرية‪ ،‬ما قاله ا ليفة عمر بعض املواقف‬
‫«كان إسالم عمر متأخرا‪ ،‬أسلم أخو زيد بن ا طاب قبله‪ ،‬وكان سبب تأخر إسالم عمر أنه خرج‬
‫إ الشام ومعه مال فلقيه قوم فخافهم فألقم املال ناقته‪ ،‬فقالوا‪ :‬إنا ن كر سقوط عي هذ ال اقة وإنا‬
‫ل حسبه قد ألقمها ماال كان معه‪ ،‬ف حروها وأخذوا املال م ه‪ ،‬وشقوا ما بني قصه* إ ث يته‪ ،‬فوأل** إ‬
‫[الرجز]‬ ‫أهل بيت من العرب فعا و ‪ ،‬وأقام بالشام س ني‪ ،‬وقالوا‪ :‬س تني‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫ِملن ِمن زيت و ِمن دها ِن‬ ‫يا ليت قد فصلن ِمن مع ِ‬
‫ان‬
‫وزعفران كدِم الغِزال ِن » ‪.ϯ‬‬

‫اللغة وآدب ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬مؤسسة املعارف ‪ ،‬د‪ .‬ت ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬ص ‪. Ϯϲϳ‬‬ ‫‪ -ϭ‬أبو العباس مد بن يزيد املعروف باملربد ‪ :‬الكامل‬
‫‪ -Ϯ‬املصدر نفسه ‪،‬ص ‪. Ϯϴϳ‬‬
‫*القص ‪ :‬الصدر أو رأسه ‪،‬الث ية ‪:‬العانة ‪.‬‬
‫**وأل ‪:‬التجأ ‪.‬‬
‫‪ -ϯ‬البالذري ‪ :‬أنساب آشراف ‪ ،‬ج ‪ ، ϭϬ‬ص ‪. ϯϬϭ‬‬

‫‪50‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫ا اهلية مع عمارة بن الوليد بن‬ ‫املصدر نفسه أن ا ليفة عمر بن ا طاب‪ « ،‬خرج‬ ‫وروي‬
‫املغرية إ الشام أجريا‪ ،‬فشذت ناقة له فلحقها عمر بعد طلب فاعتقلها وطرحها بها كسريا‪ ،‬فحسد‬
‫عمارة على ما رأى من قوته‪ ،‬فقال‪ :‬أ رها وهيئ ل ا طعاما‪ ،‬فاختبز عمر وأطبخ‪ ،‬وقدم إ عمارة طعاما‬
‫فقال له‪ :‬الشحم ا ار على ا بز ا ار اليوم ا ار ؟ ما تريد إال قتلي‪ ،‬مث وثب ليضربه فبادر إليه‬
‫[الرجز]‬ ‫عمر بالسيف ‪ ،‬فهرب عمارة من بني يديه ‪ .‬وعمر يقول‪:‬‬
‫و ِسبطة ا ّي ِمن خال وعم‬ ‫واهللِ لوال شعبة ِمن ِ‬
‫الكرم‬
‫وما أسـاء مطعم وال ظـلم‬ ‫لضم الشر إ شر مضم‬
‫إن خلط ا بز بلحم و دسم »‪.1‬‬
‫المواقف التي قال فيها عمر بن الخطاب الشعر في اإلسالم ‪:‬‬
‫[البسيط]‬ ‫"السرية ال بوية" البن إسحق قال ‪ :‬قال عمر حني أسلم ‪:‬‬ ‫روي‬
‫يادي ما هلا ِغيـر‬ ‫له علي ا أ ِ‬ ‫ا مد هللِ ذي املن الـذي وجبت‬
‫صدق ا ديث نيب ِع د ا بـر‬ ‫وقـد بدأنـا فكذب ا فقال ل ـا‬
‫ر عشية قالوا قد صبا عمر‬ ‫طاب مث هدى‬ ‫وقد ظلمت اب ة ا ِ‬
‫بِظل ِمها حني تتـلى ع دها السور‬ ‫وقد ن ِدمت على ما كان ِمن زلل‬
‫والدمع ِمن عيـ ـيـها عجالن يـبت ِدر‬ ‫ِ‬
‫العرش جـاهدة‬ ‫ملا دعت رهبا ذا‬
‫فكاد يسبِق ِ ِمن ِعبـرة درر‬ ‫أيق ت أن الذي تدعو خالقهـا‬
‫وأن أمحد في ا اليوم مشت ِهر‬ ‫فقلـت أشهـد أن اهلل خالِق ا‬
‫وا آمانة ما عود خور »‪.Ϯ‬‬ ‫نيب صدق أتى با ق ِمن ثِق ـة‬
‫والقصيدة كما تبدو من خالل االفتتاحية أهنا إسالمية‪ ،‬وقد عرب ا ليفة عمر عن ندمه مما بادر‬
‫م ه ا الرسول‪ ، ‬وفيها يعلن ويؤكد إسالمه ‪.‬‬

‫‪ -ϭ‬البالذري ‪ :‬أنساب آشراف ‪ ،‬ج ‪ ، ϭϬ‬ص ‪. ϯϮϵ‬‬


‫‪ -Ϯ‬ابن إسحق ‪ :‬السرية ال بوية ‪ ،‬ج ‪ ، ϭ‬ص ‪.ϮϮϯ‬‬
‫‪ -ϯ‬جا زادة علي فهمي ‪ :‬من حسن الصحابة شرح أشعار الصحابة ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ص ‪. 325 -324‬‬

‫‪51‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫ومما يعزى إليه من شعر يعرب عن موقفه يوم فتح مكة مشيدا ب صرة الدين اإلسالمي‪ ،‬ودور الفا ني‬
‫[الطويل]‬ ‫و اصة الصحابيني الزبري وخالد ‪ ،‬وفرحة رسول اهلل‪ ‬بالفتح قوله‪:‬‬
‫على كل ِدين قبـل ذلك حائِ ِد‬ ‫أمل تر أن اهلل أظهـر ِدي ـه‬
‫اس ِـد‬
‫تداعوا إ أم ِر الغـي ف ِ‬ ‫وأسلبه ِمن ِ‬
‫أهل مكة بـعدمـا‬
‫مسومة بني الزبيـ ِر وخـالِ ِد‬ ‫غداة آجال ا يل عرصا ِهتـا‬
‫وأمسى عدا ِمن قتيل وشا ِرِد‪.ϯ‬‬ ‫فأمسى رسول اهللِ قد عز نصر‬
‫[الرجز]‬ ‫وعن أ وجزة قال‪ « :‬قال عمر ٓعرا و هو يعلمه الصالة‪:‬‬
‫مث ثالث بـعدهن أربع‬ ‫إن الصالة أربع وأربع‬
‫مث صالة الصب ِح ال تضيع‬
‫قال ‪ :‬و مها ركعتان »‪.1‬‬
‫كمة‪ ،‬وعرفه مواقيت الصالة وعددها بالرجز ٓن العرب أحفظ‬ ‫فعمر قد تصرف مع آعرا‬
‫للشعر ‪.‬‬
‫ومما قاله أيضا ما روي « عن عاصم بن عمر عن عبد اهلل بن عمر‪ ،‬أن كعب آحبار قال لعمر‪:‬‬
‫يا أمري املؤم ني أنت ميت ثالث‪ ،‬أجـد ذلك كتاب اهلل‪ ،‬قال‪ :‬أ د امسي و نسـيب؟ قال‪ :‬ال‪،‬‬
‫[الطويل]‬ ‫ولكن أجد صفتك وسريتك‪ ،‬فقال عمر‪:‬‬
‫وال شك أن القول ما قال ِ كعب‬ ‫وعدين كعب ثالثا أعدهـا‬ ‫أي ِ‬
‫ولكن خوِ الذنب يتبعه الذنب »‪.Ϯ‬‬ ‫وما خوف ِ‬
‫املوت إين مليت‬
‫ومن المواقف التي قال فيها الخليفة عمر بن الخطاب الشعر وفاة الرسول‪ ،‬والصحابة ‪:‬‬

‫‪ -ϭ‬البالذري ‪ :‬أنساب آشراف ‪ ،‬ج ‪ ، 10‬ص ص ‪.356 -355‬‬


‫‪ -2‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج ‪ ،10‬ص ‪. 429‬‬
‫‪ -3‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج ‪ ، Ϯ‬ص ‪. Ϯϳϱ‬‬

‫‪52‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫وذلك ملا تو الرسول‪ ،‬حزن عليه الصحابة حزنا شديدا ‪ ،‬ورثا الصاحبة الشعراء والصحابيات‪،‬‬
‫«‬ ‫كما رثا عمر بن ا طاب ‪ ‬بشعر فيه لوعة عن فراق الرسول وحزنا لفقد ‪ ،‬فقال البالذري ‪:‬‬
‫[املتقارب]‬ ‫قال عمر شعرا كتب ا م ه أبياتا وهي ‪:‬‬
‫وثـوى‪ ،‬مريِضـا خائف أتـوقع‬ ‫مازلت مذ وضع الفراش ثتِ ِه‬
‫ع ـا فـيبـقى بعـد املتـف ّجع‬ ‫شفقا علي ِـه أن يـزول مكانـه‬
‫واملسلِمون بِكل أرض زع‬ ‫فاليب ِك ِه أهـل املدي ة كلـهم‬
‫أم من نشا ِور إذا نـتـوجع »‪.ϯ‬‬ ‫نـف ِسي فِداؤك من ل ا أم ِرنا‬
‫فقدهم لرجاهلم‪ ،‬ففي‬ ‫وكان الصحا عمر قوي الشعور عميق ا زن‪ ،‬يتأثر ملا يصيب املسلمني‬
‫[البسيط]‬ ‫حديث عمر ‪ ‬يرثي عروة بن مسعود الثقفي‪ ،‬و مادة "زور"و شعر عمر ‪:‬‬
‫ث الص ِاد ِ‬
‫يد »‪.1‬‬ ‫تـعدوا شوا ِزب بِالشع ِ‬ ‫بِا ي ِل عـابِسة زورا م اكِبـها‬
‫وملا تو أبو بكر الصديق‪ ‬رثا ا ليفة عمر هبذ آبيات حني رجع من دف ه فقال‪:‬‬
‫[ زوء الكامل]‬
‫فعليك يا دنـيا السالم‬ ‫ذهب ال ِذين أ ِحبـهم‬
‫فالعيش بعدهم حرام‬ ‫ال تذكرين العيش‬
‫والطفل يـؤمله ال ِفطام ‪.Ϯ‬‬ ‫إين ر ِضيع وضاهلـم‬
‫وكان ا ليفة عمر يدعو إ حفظ الشعر وروايته ٓنه مصدر من مصادر اللغة العربية‪ ،‬وبه يفهم‬
‫القرآن العظيم ويفسر‪ ،‬فقال القرشي حديثه " عن اللفظ املختلف و از املع " ما جاء موافقا ملا‬
‫[املديد]‬ ‫القرآن العظيم « قول عمر بن ا طاب ‪:‬‬ ‫جاء‬
‫كالئ ا ِلق‪ ،‬ورزاق آم ِم‬ ‫يكأل ا لق ِ‬
‫مجيعا إِنه‬
‫» ‪.ϯ‬‬ ‫قُ ْل َم ْن يَ ْكلَ ُؤُك ْم‬ ‫لكالئ ‪ :‬ا افظ قال اهلل تعا ‪:‬‬

‫‪ -ϭ‬جا زاد علي فهمي‪ :‬من حسن الصحابة شرح أشعار الصحابة ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬ص ‪. ϯϮϮ‬‬
‫‪-Ϯ‬آبشيهي‪ :‬املستطرف كل فن مستظرف ‪ ،‬ج‪ ، Ϯ‬ص‪.ϯϬϲ‬‬
‫‪ -ϯ‬القرشي‪ :‬مجهرة أشعار العرب ‪ ،‬ص ‪. ϯϰ‬‬
‫‪ -ϰ‬جا زاد علي فهمي‪ :‬من حسن الصحابة شرح أشعار الصحابة‪ ،‬مقدمة الكتاب‪ :‬مد خالص بن مد الشرواين‪،‬ج‪ ،ϭ‬صفحة غري مرقمة‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫ومن المواقف التي دعا من خاللها عمر المسلمين إلى حفظ الشعر العربي لفهم القرآن العظيم‪:‬‬
‫اآلية ‪ .‬قال للصحابة‬ ‫ْخ َذ ُه ْم َعلَى تَ َخوف‬
‫أ َْو يَأ ُ‬ ‫ذلك « ملا قرأ وهو على امل رب قوله تعا ‪:‬‬
‫مع هذ اآلية أي مع التخوف ‪ ،‬فسكتوا فقام شيخ من هذيل‪ ،‬فقال‪ :‬هذ لغت ا يا‬ ‫ما تقولون‬
‫أشعارها ؟ فقال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‬ ‫أمري املؤم ني‪ ،‬التخوف الت قص‪ ،‬فقال عمر‪ :‬وهل تعرف العرب ذلك‬
‫[البسيط]‬ ‫شاعرنا أبو كبري يصف ناقته‪:‬‬
‫كما وف عود ال بـع ِة السفن‬ ‫وف الرحل م ها ت ِامكا قردا‬
‫فقال عمر‪ :‬عليكم بديوانكم ال تضلوا‪ ،‬قالوا‪ :‬وما ديوان ا‪ ،‬قال‪ :‬شعر ا اهلية فإن فيه تفسري‬
‫كتابكم ومعاين كالمكم »‪.ϰ‬‬
‫وه ا يظهر حرص ا ليفة عمر على فهم القرآن العظيم‪ ،‬واحملافظة على حفظ الشعر ا اهلي وروايته ‪.‬‬
‫المواقف التي تمثل فيها الخليفة عمر ‪ ‬بالشعر ‪:‬‬
‫تعد شخصية ا ليفة عمر بن ا طاب– املتميزة – ال هذهبا اإلسالم وصاغ م ها عبقرية نادرة ‪،‬‬
‫ال الشعر تشهد ا ال بعلو كعب أ حفص‬ ‫متعددة ا وانب‪ ،‬سياسيا ودي يا وأدبيا‪ ،‬و اصة «‬
‫املعرفة به‪ ،‬والبصر بشأنه والع اية بروايته‪ ،‬إنه تل حيزا ذا بال تفسري واهتمامه‪ ،‬فهو حفظة واسع‬
‫الرواية لعيون وشوارد أمثاله‪ ،‬وهو رص على االستشهاد به وتوظيفه كثري مما يعرض له من شؤون‬
‫ا ياة »‪ ،1‬ولقد كان ا ليفة عمر مسؤوال عن السلطتني‪ :‬الدي ية والسياسية‪ ،‬وهو القائد آعلى‬
‫للمسلمني‪ ،‬فكان يرعى ا ق ويدحض الباطل‪ ،‬ويرى من واجباته رعاية الكلمة الطيبة وإشاعتها ‪،‬‬
‫اجملتمع اإلسالمي‪ ،‬ويشيع معها عدله وإعجابه بالقول‬ ‫وتزكية القول ا سن‪ ،‬فكانت أخالقه تشيع‬
‫السه أو رحالته‪ ،‬أو يتمثل به‪ ،‬ولكثرة ما روي ع ه‪ ،‬أنه « ال يكاد يعرض له‬ ‫ا سن‪ ،‬مما ي شد‬
‫أمرا إال أنشد فيه بيت شعر »‪.Ϯ‬‬

‫‪ -1‬وليد قصاب ‪ :‬شخصيات آدب وال قد ‪ ،‬ص ‪. 15‬‬


‫‪ -2‬أبو عثمان عمرو بن ر ا احظ ‪ :‬البيان والتبيني ‪ ،‬صيدا ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬املكتبة العصرية ‪1422 ،‬هـ ‪2001‬م ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص‪. 151‬‬
‫‪ -3‬املربد ‪ :‬الكامل اللغة وٓدب‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص‪. 169‬‬
‫*امرأة حكيمة من العرب ‪.‬‬
‫‪ -ϰ‬احظ ‪ :‬البيان والتبيني ‪ ،‬ج‪ ،ϭ‬ص ‪. ϯϴ‬‬

‫‪54‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫و هذا الصدد روى املربد قال ‪ :‬قال ابن عباس ‪ « :‬ما رأيت أروى من عمر »‪.ϯ‬‬
‫وجاء "البيان والتبيني " عن إنشاد ا ليفة عمر للشـعر‪ ،‬أنـه‪ « :‬قيـل لألوسـية* أي م ظـر أحسـن ؟‬
‫فقالت‪ :‬قصور بيض حدائق خضر‪ ،‬فأنشد ع د ذلك عمر بيت عدي بن زيد العبادي‪[ :‬ا فيف]‬
‫ض زهر مستِري »‪.ϰ‬‬ ‫الرو ِ‬ ‫بِ ِ‬
‫يض‬ ‫اج احملا ِر ِ‬
‫يب أو كال ـ ـ ـ‬ ‫كدمى الع ِ‬
‫و مواقف متثل عمر بالشعر ذكر ا رجاين " دالئل اإلعجاز " أنه قال‪ «:‬أيت عمر‪ -‬رضوان اهلل‬
‫مد بن جعفر بن أ طالب‪ ،‬و مد بن أ بكر‪ ،‬و مد بن طلحة بن‬ ‫عليه‪ -‬لل من اليمن‪ ،‬فأتا‬
‫عبيد اهلل‪ ،‬و مد بن طالب‪ ،‬فدخل عليه زيد بن ثابت ‪ ‬فقال‪ :‬يا أمري املؤم ني هؤالء احملمدون بالباب‬
‫يطلبون الكسوة‪ ،‬فقال‪ :‬ائذن هلم يا غالم‪ ،‬فدعا لل‪ ،‬فأخذ زيد أجودها [حلة]‪ ،‬وقال هذ حملمد بن‬
‫حاطب‪ ،‬وكانت أمه ع د ‪ ،‬وهو من ب لؤي‪ ،‬فقال عمر ‪ " :‬أيهات أيهات " ومتثل بشعر عمارة بن‬
‫[الطويل]‬ ‫الوليد‪:‬‬
‫روجي م هـا ساملا غيـر غا ِرِم‬
‫خ ِ‬ ‫أسرك ملا صرع القوم نشوة‬
‫وليس ا ِداع مرتضى ِ التـ ادِم‬ ‫بريئا كأين قـبل مل أك ِم ـهم ؟‬
‫فألقه على هذ ا لل‪ ،‬وقال‪ :‬أدخل يديك فخد حلة‪ ،‬وأنت ال تراها‪،‬‬‫ردها‪ ،‬مث قال‪ :‬ائت بثوب ِ‬
‫فأعطهم‪ ،‬قال عبد امللك‪ :‬فلم أر قسمة أعدل م ها »‪.1‬‬
‫وذكر البالذري عن سعيد بن املسيب قال‪ « :‬حج عمر فلما كان بضج ان‪ ،‬قال‪ :‬ال إله إال اهلل‬
‫العظيم العلي‪ ،‬املعطي ماشاء من شاء ! ك ت أرعى إبل ا طاب هبذا الوادي مدرعة صوف‪،‬‬
‫وكان فظا غليظا‪ ،‬يتعب إذا عملت‪ ،‬ويضرب إذا قصرت‪ ،‬وقد أمسيت وليس بي وبني اهلل أحد‪ ،‬مث‬
‫[البسيط]‬ ‫متثل‪:‬‬
‫يـبـقى اإلله ويفـ املال والولـد‬ ‫ال شيء فيما تـرى تبقى بشاشته‬
‫وا لد قد حاولت عاد فما خلدوا‬ ‫مل تـغ ِن عن هرم ِز يوما خزائِ ه‬
‫واإلنس وا ِن فيما بي ها ت ِرد‬ ‫والسليمان‪ ،‬إذ ري الرياح له‬
‫ِمن كل أوب إليها راكِب ي ِفد‬ ‫أين امللوك ال كانت نوافِلها‬

‫‪ -1‬عبد القاهر ا رجاين ‪ :‬دالئل اإلعجاز ‪ ،‬ص ص ‪. 14 -13‬‬


‫‪ -2‬الطربي ‪ :‬تاريخ الطربي ‪ ،‬ج ‪ ، ϰ‬ص ص ‪. ϮϮϬ -Ϯϭϵ‬‬

‫‪55‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫البد ِمن ِورِد يوما كما وردوا »‪.2‬‬ ‫حوض ه الك مورود ِبال ك ِذب‬
‫[الرجز]‬ ‫و متثله بالشعر‪ « :‬كان عمر بن ا طاب ‪ ‬يقول بعض ما ير ز من شعر*‪:‬‬
‫الِفا ِدين ال صارى ِدي ـها‬ ‫إليك تـعدو قلقا و ِضي ـها‬
‫وقد عقب ابن عبد ربه على هذا البيت من خالل متثل عمر به فقال ‪ « :‬فجعل الدين لل اقة ‪،‬‬
‫وإمنا أراد صاحب ال اقة‪ ،‬ومل تزل الشعراء مدائحها تصف ال وق وزيارهتا ملن متدحه »‪.1‬‬
‫ونظرا ٓمهية الشعر وقيمته املع وية والف ية وتأثري ال فسي‪ ،‬فكان ا ليقة عمر يتمثل كل موقف‬
‫[الطويل]‬ ‫مبا ي اسبه من شعر حيث « كان عمر يتمثل بقول الشاعر‪:‬‬
‫خلِيلي ليس الرأي صد ِر واحد أشريا علي اليـوم ما تـري ِ‬
‫ان‬
‫بِ جران ال ي ِقض ني أو ِان‬ ‫أأركب صعب آم ِر إن ذلولـه‬
‫ويكتب به إ بعض أمرائه وقضاته »‪.Ϯ‬‬
‫ا ياة‪ ،‬ومهما مجع من معرفة‬ ‫وهدف ا ليفة عمر من مع البيتني‪ ،‬أنه مهما كانت خربة اإلنسان‬
‫حاجة إ مشورة أهل ا كمة والرأي السديد ‪.‬‬ ‫صدر ‪ ،‬فإنه تأيت اللحظة ال يكون فيها‬

‫*هذا الشعر لكرز أخو أ ا ارث بن علقمة‪ ،‬قاله ملا قدم على ال يب ‪ ‬وفد ران من ال صارى وقال ابن هشام ‪ « :‬إن رؤساء ران كانوا يتوارثون‬
‫كتبا ع دهم‪ ،‬فلما مات رئيس م هم فأفضت الرئاسة إ غري ختم على تلك الكتب خامتا من ا وامت ال كانت قبله‪ ،‬ومل يكسرها ‪،‬فخرج الرئيس‬
‫الذي كان على عهد ال يب ‪ ‬ميشي فعثر‪ ،‬فقال اب ه‪ :‬تعس آبعد‪ ،‬يريد ال يب‪، ‬فقال له أبو ‪ :‬ال تفعـل‪ ،‬فإنه نيب وامسه الوضائع (يع الكتب)‪،‬‬
‫[الرجز]‬ ‫فلما مات مل تكن الب ه مهة إال أن شد‪ ،‬فكسر ا وامت‪ ،‬فوجد فيها ذكر ال يب ‪،‬فأسلم‪ ،‬وحسن إسالمه‪ ،‬وحج وهو الذي يقول‪:‬‬
‫إليك تغدوا قلقا وضي ها معرتضا بط ها ج ي ها‬
‫الفا دين ال صارى دي ها » ‪.‬‬
‫‪ -‬ابن هشام‪ :‬سرية ال يب ‪،‬ج ‪ ،Ϯ‬ص ‪. ϮϬϱ‬‬

‫‪ -ϭ‬ابن عبد ربه‪ :‬العقد الفريد‪ ،5 ،‬ص‪. 333‬‬


‫‪ -‬وي ظر ‪ :‬ابن هشام‪ :‬سرية ال يب ‪،‬ج ‪ ،Ϯ‬ص ‪.ϮϬϱ‬‬
‫‪ -Ϯ‬نقال عن ‪ :‬وليد قصاب‪:‬ال قد العر القدمي ‪ ،‬نصوص اال ا اإلسالمي وا لقي ‪ ،‬ص ‪. ϳϮ‬‬
‫‪ -‬ابن عبد الرب القرطيب‪ :‬هبجة اجملالس وأنس اجملالس‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪. 453‬‬
‫‪ -3‬أبو عبد اهلل سيد بن كسروي بن حسن‪ :‬موسوعة آثار الصحابة‪ ،‬ط‪ ،1‬بريوت‪ ،‬لب ان‪ ،‬دار الكتب العلمية‪1418 ،‬هـ‪1997‬م‪ .‬ج‪ ،ϭ‬ص‪.ϮϲϮ‬‬
‫‪ -ϰ‬املرجع نفسه ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬ص ‪. ϯϱϲ‬‬

‫‪56‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫الطريق ‪ ،‬فاحتبس عمر‬ ‫وعن أ جعفر‪ :‬أن « رجال صحب عمر بن ا طاب إ مكة ‪ ،‬فمات‬
‫[الطويل]‬ ‫عليه ح صلى عليه ودف ه ‪ ،‬فقل يوم إال كان عمر يتمثل ويقول‪:‬‬
‫و تلج من د ِ‬
‫ون ما كان يأمل »‪.ϯ‬‬ ‫وبال ِغ أمر كان يأمل دونه‬
‫[الطويل]‬ ‫و« عن عمر بن ا طاب ‪ ‬أنهكان يتمثل و يقول‪:‬‬
‫قد يواِ بال ِية السحر»‪.ϰ‬‬ ‫ال يغرنك عيش ساكِن‬
‫ومما متثل به ما روي عن ابن عباس قال‪ « :‬خرجت مع عمر بعض أسفار فإنا ل سري ليلة ‪،‬‬
‫[الطويل]‬ ‫وقد دنوت م ه إذ ضرب مقدم رحله بسوطه‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫اضل‬‫ك ِذبـتم وبيت اهللِ يقتل أمحد و ملا نطاعن دونه ونـ ِ‬
‫ونسلِمه ح نصـرع حوله ونذ ِهل ِمن أب ائ ا وا الئِل‬
‫[الطويل]‬ ‫مث قال‪ :‬أستغفر اهلل‪ ،‬وسار فلم يتكلم إال قليال‪ ،‬مث قال‪:‬‬
‫أبـر وأو ِذمـة من م ِد‬ ‫و ما محلت ِمن ناقة فوق رحلها‬
‫أس السابِ ِق املتجرِد‬
‫وأعطى لر ِ‬ ‫وأكسى لربد ا ـ ِال قبل ابتذالِِه‬
‫مث قال‪ :‬أستغفر اهلل يا ابن عباس‪ ،‬أبوك عم رسول اهلل وأنت ابن عمه‪ ،‬فما م ع قومك م كم ؟‬
‫قال‪ :‬قلت‪ :‬ال أدري‪ ،‬قال‪ :‬لك أدري‪ ،‬يكرهون أن مع فيكم ال بوة وا الفة »‪.1‬‬
‫البيتان آوالن مها من " المية " أ طالب عم الرسول ‪ ،‬الذي عرب فيها لقريش بأنه سيدافع‬
‫عن ابن أخيه ولن يسلمه هلم ليقتلو ‪ .‬وأما البيتان آخروان فهما ٓنس‪ Ϯ‬بن زنيم‪ ،‬قاهلما‬
‫قصيدة اعتذر فيها للرسول ‪ ،‬ومدحه‪ ،‬وعرب له فيها عن خوفه‪ٓ ،‬ن الرسول أهدر دمه‪،‬‬
‫جراء ما بلغه ع ه من هجاء‪ ،‬وهذ القصيدة من أمجل ما اعت ِذر هبا للرسول الكرمي‪ .‬وا ليفة‬
‫عمر قد حفظها ملا فيها من صدق اإلميان‪ ،‬وحفظ من الشعر ما كان له عالقة مبدح الرسول‬
‫وكان يشع با مال الروحي وا س اإلسالمي العميق‪.‬‬

‫‪ -ϭ‬البالذري ‪ :‬أنساب آشراف ‪ ،‬ج ‪ ، 10‬ص ص ‪. 379 -378‬‬


‫‪ -‬الطربي ‪ :‬تاريخ الطربي ‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪. 322‬‬
‫‪ -2‬ابن هشام‪ :‬سرية ال يب ‪،‬ج ‪ ، ϰ‬ص ‪ ϰϲ‬وما بعدها ‪.‬‬
‫‪ -3‬أبو عبد اهلل سيد بن كسروي بن حسن ‪ :‬موسوعة آثار الصحابة ‪ ,‬ج‪ ، ϭ‬ص ‪. ϯϮϴ‬‬

‫‪57‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫ويروى‪ :‬أن « عمر بن ا طاب ركب راحلة له وهو رم‪ ،‬فتدلت فجعلت تقدم رجال وتؤخر‬
‫[البسيط]‬ ‫أخرى‪ ،‬فقال عمر‪:‬‬
‫إذا تدلت ِبه أو شارب مثِ ِل‬
‫كأن راكِبـها غصن مبروحة‬
‫مث قال‪ :‬اهلل أكرب ‪ ،‬اهلل أكرب »‪.ϯ‬‬
‫لقد كانت املواقف ال متثل فيها ا ليفة عمر بالشعر‪ ،‬تستدعي ذلك م ه‪ ،‬إلثارة حكمة ولفت‬
‫االنتبا ‪ ،‬والتذكري با دث التار ي الذي يتضم ه ذلك الشعر الذي يستحضر ‪ٓ ،‬نه يرى ذلك داللة‬
‫تار ية تعرب عن موقف كان له آثر الواضح التجربة الشعرية العربية‪ ،‬وهذا ما يبني ل ا قوة حفظه‬
‫للشعر‪ ،‬واستحضار واستظهار حال التمثل به ‪.‬‬
‫المواقف التي سمع فيها الخليفة عمر ‪ ‬الشعر وصدق صاحبه‪:‬‬
‫يعرب عن قضية سياسية‪ ،‬أو يثبت‬
‫الشعر الذي استمع إليه ا ليفة عمر‪ ،‬يدرك أنه كان ّ‬ ‫إن املتأمل‬
‫فكرا معي ا‪ ،‬أو يوجه املتلقي إ ما ي بغي سلوكه واالقتداء به ‪ ،‬و هذا كله داللة على أن مواقف عمر‬
‫من الشعر تأكيد ملا دعا إليه اهلل ورسوله ‪.‬‬
‫وللخليفة عمر بعض املواقف مسع فيها الشعر‪ ،‬وصدق صاحبه نظرا ملا استوعبه وفهم ما قيل له‪،‬‬
‫من ذلك ما روي عن ابن عمر قال‪ « :‬ما مسعت عمر بن ا طاب يقول لشيء قط " إين ٓظن كذا‬
‫وكذا " إال كما يظن‪ ،‬بي ا عمر جالس إذ مر به رجل مجيل‪ ،‬فقال له‪ " :‬أخطأ ظ أو أنك على دي ك‬
‫ا اهلية أو لقد ك ت كاه هم "‪ [،‬قال ] ‪ :‬وما رأيت كاليوم استقبل به رجل مسلم‪ ،‬قال عمر‪:‬‬
‫" أعزم عليك إال أخربت "‪ ،‬قال‪ :‬ك ت كاه هم ا اهلية ‪ ،‬قال‪ " :‬فما أعجبك ما جاءتك به‬
‫[الرجز ]‬ ‫ج يتك " ؟ ‪ ،‬قال‪ :‬بي ا أنا يوما شرف جاءت أعرف فيها الفزع‪ ،‬قالت‪:‬‬
‫و بأسها ِمن ب ِ‬
‫عد إنكاسها‬ ‫أمل تر ا ن وإبال سها‬
‫ِ‬
‫بالقالص وأحالسها‬ ‫و فوها‬
‫قال عمر‪ " :‬صدق " ‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫[ قال] ‪:‬بني أنا نائم ع د آهلتهم إذ جاء رحل بعجل فذ ه ‪ ،‬فصرخ به صارخ مل أمسع صارخا قط‬
‫أشد صوتا م ه يقول‪ :‬يا حليح ‪ ،‬أمر يح رجل فصيح يقول‪:‬ال إله إال اهلل ‪ ،‬فوثب القوم ‪ ،‬قلت‪ :‬ال‬
‫أبرح ح أعلم ما وراء هذا‪ ،‬مث نادى كذلك الثانية‪ ،‬والثالثة‪ ،‬فقمت فما نشبت أن قيل‪ :‬هذا نيب »‪.1‬‬
‫يظهر أن ا ليفة عمر يتذوق الشعر ويفهم معانيه ‪ ،‬ويصدق قائله ح ولو كان كاه ا‪ ،‬وله عالقة‬
‫شاعر ‪.‬‬
‫ومما مسع من شعر فصدق صاحبه‪ « ،‬ما روي عن الشعيب عن السائب قال‪ :‬رمبا قعد على باب‬
‫ابن مسعود رجال من قريش‪ ،‬فإذا فاء الفيء ‪ ،‬قال عمر‪ " :‬قوموا فما بقي فهو للشيطان " ‪ ،‬مث ال مير‬
‫على أحد إال أقامه ‪ ،‬قال‪ :‬مث بي ا هو كذلك‪ ،‬إذ قيل‪ :‬هذا مو ب ا سحاس يقول الشعر‪ ،‬فدعا‬
‫[الطويل]‬ ‫فقال‪ " :‬كيف ك ت قلت ؟ " ‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫اهيا‬ ‫ِ‬
‫للمرء ن ِ‬ ‫كفى الشيب واإلسالم‬ ‫ودع سليمى إن هزت غاديا‬
‫قال‪ " :‬حسبك صدقت ‪ ،‬صدقت " »‪.Ϯ‬‬
‫[الرجز]‬ ‫وعن أ كبشة‪ « :‬إين ٓرجز عرض ا ائط وأنا أقول‪:‬‬
‫ما مسها ِمن نـقب وال دبر‬ ‫أقسم باهللِ أبو حفص عمر‬
‫فاغفر له اللهم إن كان فجر‬
‫قال‪ :‬فما راع إال وهو خلف ظهري ‪ ،‬فقال‪ " :‬أقسمت هل علمت مبكاين ؟ " قلت‪ :‬ال ‪ ،‬واهلل‬
‫يا أمري املؤم ني ما علمت مبكانك ‪ ،‬قال‪ " :‬وأنا أقسم ٓمحل ك " »‪.1‬‬

‫‪ -1‬أبو عبد اهلل سيد بن كسروي بن حسن‪ :‬موسوعة آثار الصحابة ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬ص ص ‪. Ϯϰϰ -Ϯϰϯ‬‬
‫‪ -2‬املرجع نقسه ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ص‪. 327 -326‬‬
‫‪ -1‬أبو عبد اهلل سيد بن كسروي بن حسن‪ :‬موسوعة آثار الصحابة ‪ ،‬ج‪ ،ϭ‬ص ‪. ϭϲϭ‬‬
‫* أي مهزولة مقروحة ‪.‬‬
‫‪ -Ϯ.‬املرجع نفسه ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪. 243‬‬
‫** هذا البيت هو من معلقة طرفة بن العبد‪ ،‬يتقدم ثالثة أبيات‪ ،‬حدد فيها طرفة مبادئه ال يعيش ٓجلها‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫كميت‪ ،‬م ما تـعل باملاء تـزبِد‬ ‫العاذالت بشر ِبة‬
‫ِ‬ ‫فم هن سبقي‬
‫يد الغضا‪ ،‬نـبـهته املتـورِد‬ ‫ك ِس ِ‬ ‫وكري ‪ -‬إذا نادى املضاف‪ -‬با‬
‫بِبـهك ة ت ا ِباء املعم ِد » ‪.‬‬ ‫وتـقصري ِ‬
‫يوم الدج ِن‪ ،‬وال ّدجن مع ِجب‪،‬‬
‫‪ -‬أبو عبد اهلل ا سني بن أمحد بن ا سني الزوزين‪ :‬شرح املعلقات السبع‪ ،‬قيق ودراسة‪ :‬مد عبد القادر أمحد‪ ،‬القاهرة‪ ،‬توزيع مكتبة ال هضة‬
‫املصرية ٓصحاهبا حسن مد وأوالد ‪ϭϰϬϳ ،‬هـ ‪ϭϵϴϳ‬م ‪ .‬ص ص ‪. ϭϵϲ -ϭϵϱ‬‬

‫‪59‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫وعن مد بن سريين قال‪ « :‬سأل عمر رجال عن إبله ‪ ،‬فذكر عجفا ودبرا* فقال عمر ‪ " :‬إين‬
‫[الرجز]‬ ‫ٓحسبها ضخاما مسانا "‪ ،‬فمر عليه عمر‪ ،‬وهو إبله دوها ويقول‪:‬‬
‫ما مسها ِمن نـقب وال دبر‬ ‫أقسم باهللِ أبو حفص عمر‬
‫فاغفر له اللهم إن كان فجر ‪.‬‬
‫فقال عمر‪ " :‬ما هذا ؟ " قال‪ :‬أمري املؤم ني سأل عن إبلي ‪ ،‬فأخربته ع ها فزعم أنه سبها‬
‫مكان كذا وكذا‪ ،‬فأتا ‪ ،‬فأمر هبا‬ ‫ضخاما مسانا‪ ،‬وهي كما ترى قال‪ " :‬فإين أمري املؤم ني عمر‪ ،‬ائت‬
‫فقبضت ‪ ،‬وأعطا مكاهنا من إبل الصدقة » ‪.Ϯ‬‬
‫ومما هو ظاهر أن ا ليفة عمر كان ال يروي وال يسمع من الشعر إال أعفه‪ ،‬وذلك كم تكوي ه‬
‫[الطويل]‬ ‫ال فسي والتزامه دود اإلسالم‪ ،‬هلذا نرا حني « أنشد رجل قول طرفة‪:‬‬
‫وجدك مل أحعل م قام ع ِ‬
‫ودي **‬ ‫فلوال ثالثة هن من ِ‬
‫عيشة الف‬ ‫ّ‬
‫فقال عمر‪ :‬لوال أن أسري سبيل اهلل‪ ،‬وأضع جبه هلل‪ ،‬وأجالس أقواما ي تقون أطايب ا ديث كما‬
‫ي تقون أطايب التمر‪ ،‬ال أبا أن أكون قد مت »‪.ϯ‬‬
‫لقد أدرك ا ليفة عمر ما يرمي إليه طرفة شعر ‪ « ،‬فلوال حيب ثالث خصال من لذة الف‬
‫الكرمي‪،‬مل أبا م مت‪..‬إحدى تلك ا الل‪ :‬أين أسبق العواذل بشرب شربة من ا مر كميت اللون‪،‬‬
‫قبل انتبا العواذل‪ ،‬والثانية‪ :‬عطفي إذا ناداين امللجأ إ وا ائف من عدو مستغيثا إياي‪...‬فأعطف‬
‫إغاثته‪ ،‬وا صلة الثالثة‪:‬أقصر يوم الغيم بالتمتع بامرأة ناعمة حس ة ا لق‪ ،‬ت بيت مرفوع بالعمد »‪.1‬‬
‫فعرب ا ليفة عمر عن عدم استساغته « هذ املبادئ‪ ،‬واعتربها م افية لل ظرة اإلسالمية للوجود‪،‬‬
‫ولألخالق اإلسالمية ال ب تكريسها سلوك ال اس»‪.Ϯ‬‬
‫هلدا د يعلق على هذ ا صال ال كان طرفة يعيش ٓجلها‪ « ،‬فقابلها صال ثالث بها هو‪،‬‬
‫وهذ هي‪ :‬السري سبيل اهلل ‪ ،‬والصالة له ‪ ،‬و السة أهل آدب امل ت ِقي‪ ،‬وه ا نشعر أن عمر أمني‬

‫‪ -3‬ا احظ ‪ :‬البيان والتبيني ‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص ‪. 326‬‬


‫‪ -ϭ‬الزوزين ‪ :‬شرح املعلقات السبع ‪ ،‬هامش ص ص ‪. ϭϵϳ -ϭϵϲ‬‬
‫‪ -Ϯ‬عبد العزيز جسوس ‪ :‬نقد الشعر ع د العرب الطور الشفوي ‪ ،‬ص ‪. ϱϳ‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪ -ϯ‬عبد العزيز عتيق ‪:‬تاريخ ال قد آد ع د العرب ‪ ،‬ص ‪. ϳϬ‬‬
‫‪ -4‬الطربي ‪ :‬تاريخ الطربي ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص‪. 220‬‬

‫‪60‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫مع نفسه ودي ه ‪ ،‬فهو ي كر من القيم ا اهلية ما يتعارض والدين‪ ،‬و اول أن يبدهلا و ِ ل لها قِيما‬
‫مستوحاة من اإلسالم »‪.ϯ‬‬
‫و رأي ا ليفة عمر ما ي م عن حرصه املستمر‪ ،‬مراقبة الشعر الذي يتعلق به الرواة عصر ‪،‬‬
‫دون ال ظر إ ما مل من لفات فكرية تعلق هبا الشغراء ا اهليني ‪ ،‬تت ا واملبادئ اإلسالمية ‪ ،‬هلذا‬
‫كانت حكمته البالغة أن د رجا سليما ليقابل به ما تعلق به طرفة ‪.‬‬
‫[الرجز]‬ ‫ويروى أن عمر خرج حاجا‪ « ،‬فبي ما هو يسري إذ ق راكبا يقول‪:‬‬
‫أبر بآقصى وال بِآصح ِ‬
‫اب‬ ‫ما ساس ا مثلك يا ابن ا ِ‬
‫طاب‬
‫ّ‬
‫بعد ال يب صاحب ِ‬
‫الكتا ِب‬
‫ف خسه عمر مبخصرة معه‪ ،‬و قال‪ :‬فأين أبو بكر ! »‪.ϰ‬‬
‫وهذا يبني أن ا ليفة عمر كان يتذوق الشعر‪ ،‬ويفهم معانيه‪ ،‬ويدرك مراميه وأغراضه‪ ،‬ومقاصد‬
‫الشعراء‪ .‬وهلذا د يذكر الشاعر بأ بكر الصديق ا ليفة آول الذي ساس املسلمني بالعدل ‪ ،‬كأنه‬
‫رفض أن يث عليه و ميدح قبله ‪.‬‬
‫المواقف التي أُ ْعجب فيها الخليفة عمر‪ ‬بالشعر‪:‬‬
‫روي « أن عبد الرمحن بن عوف كان سفر‪ ،‬وكان رباح بن مغرتف يغ يه‪ ،‬فأدركه عمر فقال‪ :‬ما‬
‫[الطويل]‬ ‫هذا يا عبد الرمحن ؟ ‪ ،‬فقال‪ :‬نقطع به سفرنا‪ ،‬فقال عمر‪ :‬إن ك ت ال بد فاعال فخذ‪:‬‬
‫ب‬‫املذاهب لِعمرة وحشا غري موقف راكِ ِ‬
‫ِ‬ ‫أتعرف رمسا كالطـّر ِاد‬
‫اج ِ‬
‫ب »‪.1‬‬ ‫بدا حاجب م ها وظ ت ِ ِ‬ ‫مس ت غمامة‬ ‫تـبدت ل ا كالش ِ‬
‫« فعمر ‪ ‬ال يرى بأسا أن يتغ هبذا الغزل الرقيق الذي ال انة فيه وال فحش »‪.2‬‬

‫آدب وال قد ‪ ،‬ص ‪. Ϯϰ‬‬ ‫‪ -ϭ‬نقال عن‪ :‬وليد قصاب ‪ :‬شخصيات إسالمية‬
‫‪ -‬أما اليزيدي ‪ ،‬ص ‪. ϭϬϭ‬‬
‫‪ -Ϯ‬وليد قصاب ‪ :‬شخصيات إسالمية آدب وال قد ‪ ،‬ص ‪. Ϯϱ‬‬
‫‪ -ϯ‬أبو عبد اهلل سيد بن كسروي بن حسن ‪ :‬موسوعة آثار الصحابة ‪ ،‬ج ‪ ، ϭ‬ص ‪. ϱϯϬ‬‬
‫‪ -ϰ‬ابن رشيق‪ :‬العمدة ‪،‬ج‪ ،1‬ص ‪.47‬‬
‫‪ -ϱ‬ابن عبد ربه‪ :‬العقد الفريد ‪ ،‬ج ‪ ، ϱ‬ص‪. Ϯϴϭ‬‬

‫‪61‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫و هذا السياق روي عن ابن شهاب قال ‪« :‬كان عمر يأمر برواية قصيدة لبيد بن ربيعة ال يقول‬
‫[الرمل]‬ ‫فيها‪:‬‬
‫بإذن اهللِ ريثي وعجل‬
‫و ِ‬ ‫إن تقوى ربّ ا خـري نـفل‬
‫بيد ِ ا ري ما شاء فعـل‬ ‫أمحـد اهلل فـال نـِد له‬
‫البال ومن شاء أظل »‪.3‬‬ ‫ِ‬
‫ناعم ِ‬ ‫من هدا سبل ا ِري اهتدى‬
‫وهذ آبيات فيها موعظة ‪ ،‬وا ليفة كان يرويها ليعظ هبا نفسه ‪.‬‬
‫[الوافر]‬ ‫و أنشد عمر بن ا طاب قول زهري‪:‬‬
‫فإن ا ق مقطعه ثالث ميني أو نفار أو جالء‪.4‬‬
‫فعقب ابن عبد ربه على إعجاب ا ليفة عمر مبع البيت‪ ،‬فقال‪ « :‬فجعل عمر يعجب مبقاطع‬
‫ا قوق وتفصيلها‪ ،‬وإمنا أراد‪ :‬مقطع ا قوق ميني أوحكومة أو بي ة »‪ .5‬وقال ابن رشيق‪ « :‬ومسي زهري‬
‫"قاضي الشعراء" هبذا البيت‪ ،‬يقول‪ :‬اليقطع ا ق إال آداء‪ ،‬أو ال فار‪ -‬وهو ا كومة‪ -‬أو ا الء‪-‬‬
‫وهو العذر الواضح‪ -‬ويروى"ميني أو نفار " وهذ الثالث على ا قيقة هي مقاطع ا ق كما قال‪ ،‬على‬
‫أنه جاهلي‪ ،‬وقد وكدها اإلسالم» ‪ ،1‬فتعجب عمر من مع البيت‪ ،‬الذي « يشري إ الصدق والدقة‬
‫واإل از وهي من صفات الشعر»‪ ،Ϯ‬وأعجب عمر بال ظر الثاقب لزهري من خالل ديد ملقاطع‬
‫ا قوق ال جاء هبا اإلسالم‪ ،‬على « اعتبار لتحديد خطة للفصل بني ال اس م ازعاهتم تعتمد على‬
‫العدل واإلنصاف »‪.ϯ‬‬ ‫البي ة والشهود‪ ،‬وهي املبادئ ال جعلت عمر بن ا طاب مضرب املثل‬
‫[البسيط]‬ ‫و اال ا نفسه‪ « ،‬أنشد عمر قول عبدة بن الطيب‪:‬‬
‫والعيش شح وإشفاق وتأ ِميل‬

‫‪ -ϭ‬ابن رشيق ‪ :‬العمدة ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.47‬‬


‫‪ -Ϯ‬صا عطية صا ‪ :‬نظرات ال قد آد القدمي ‪ ،‬ط ‪ ،1‬القاهرة ‪ ،‬مكتبة اآلداب ‪1424 ،‬هـ ‪2003‬م ‪ ،‬ص ‪.17‬‬
‫‪ -ϯ‬عبد العزيز جسوس ‪ :‬نقد الشعر ع د العرب الطور الشفوي ‪ ،‬ص‪. ϱϵ‬‬
‫‪ -ϰ‬ابن عبد ربه ‪ :‬العقد الفريد ‪ ،‬ج ‪ ، ϱ‬ص‪. Ϯϴϭ‬‬
‫‪ -ϱ‬ا احظ ‪ :‬البيان والتبيني ‪،‬ج‪ ،ϭ‬ص ص ‪. ϱϰ -ϱϯ‬‬
‫‪ -ϲ‬أبو عبد اهلل سيد بن كسروي بن حسن ‪ :‬موسوعة آثار الصحابة ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬ص ‪. ϯϲϲ‬‬
‫‪ -ϳ‬املرجع نفسه‪ ،‬ج‪ ،ϭ‬ص‪. ϯϵϭ‬‬

‫‪62‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫فقال‪ :‬على هذا ب يت الدنيا »‪.ϰ‬‬


‫[الطويل]‬ ‫«وم هم سحيم عبد ب ا سحاس قال له عمر‪‬وأنشد قصيدته ال أوهلاك ‪:‬‬
‫ِ‬
‫للمرء نا ِهيا‬ ‫كفى الشيب واإلسالم‬ ‫عمرية ودع إن هزت غاديا‬
‫لو كان شعرك كله مثل هذا ٓجزتك‪...‬وا كاية مروية عن عمر‪ ‬غري هذا املوضع‪...‬لو قدمت‬
‫اإلسالم على الشيب ٓجزتك »‪ .ϱ‬وهذا يدل على إعجاب ا ليفة عمر وتذوقه لشعر سحيم ‪.‬‬
‫[الطويل]‬ ‫و رواية عن أ حصني قال‪ « :‬قال عمر بن ا طاب‪ :‬هلل در الذي يقول‪:‬‬
‫ِ‬
‫للمرء نا ِهيا »‪.ϲ‬‬ ‫كفى الشيب واإلسالم‬ ‫عمرية ودع إن هزت غاديا‬
‫وعن ابن عباس‪ « :‬قال عمر بن ا طاب‪ :‬ما شعر العرب أحكم من قول الع ِ‬
‫بديـ ِ‬
‫ني ‪[ :‬الطويل]‬
‫مب زلة ما بعدها متحول‬ ‫لقد غر ِ‬
‫ت الدنيا رجاال فأصبحوا‬
‫وراض بأمر غري سيبدل‬ ‫فساخط أم ِر ال يبدل غري‬
‫دونه ما كان يأمل »‪.ϳ‬‬ ‫و تلج ِمن ِ‬ ‫وبالغ أمر كان يأمل دونه‬
‫وروى ا احظ أن ا ليفة عمر بن ا طاب « أنشدو قصيدة أ قيس بن آسلت ال على العني‬
‫[السريع]‬ ‫وهو ساكت ‪ ،‬فلما انتهى امل شد إ قوله‪:‬‬
‫إشفاق والف ّه ِة واهل ِاع* ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫القوة خري ِمن آل‬
‫الكيس و ّ‬
‫‪...‬جعل عمر يردد البيت ويتعجب م ه »‪ .1‬و هذا دعوة صر ة إ ا كمة والقوة مواضعها ‪.‬‬
‫وكان ‪ ‬ب مساع الشعر ‪ « ،‬وكان أحب الشعر إ نفس عمر شعر زهري بن أ سلمى ملا فيه‬
‫املديح‬ ‫من حكم ة وموعظة ودعوة للخري وا لق الرفيع ‪ ،‬و ري الصدق و انبة الغلو واإلسراف‬
‫واهلجاء‪ ،‬وتلك الشمائل‪ ،‬بها عمر»‪.Ϯ‬‬

‫*اإلشفاق ‪ :‬ا وف ‪ ،‬الفهه ‪ :‬العي وا صر ‪ ،‬واهلاع‪ :‬ا بان ‪.‬‬


‫‪ -ϭ‬ا احظ ‪ :‬البيان والتبيني ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬ص ‪.ϭϱϭ‬‬
‫‪ -Ϯ‬ىي ا بوري ‪ :‬اإلسالم والشعر ‪ ،‬ص‪. 85‬‬
‫‪ -3‬ابن عبد ربه‪ :‬العقد الفريد‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪. 291‬‬
‫‪ -4‬املصدر نفسه ‪،‬ج‪ ، 5‬ص ‪. 291‬‬

‫‪63‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫ولعل هذا ما دعا عمر إ اإلعجاب بشمائل هرم بن س ان من خالل ما مسعه من شعر زهري بن‬
‫أ سلمى ‪ ،‬و ذلك توجيه صريح إ عامة املسلمني وخاصتهم بضرورة االرتباط هبذ آخالق ‪.‬‬
‫و هذا قال ابن عباس‪ « :‬قال عمر بن ا طاب‪ :‬أنشدين قول زهري‪ ،‬فأنشدته قوله هرم بن‬
‫[البسيط]‬ ‫س ان بن حارثة حيث يقول‪:‬‬
‫طابوا وطاب ِمن آ ِ‬
‫فالذ ما ولدوا‬ ‫قـوم أبوهـم ِس ان تـ سبهـم‬
‫قـوم بِأوهلـِم أو ِد ِهم فعـدوا‬ ‫مس ِمن كرم‬ ‫الش ِ‬
‫لو كان فوق ّ‬
‫مـرزؤون هبـاليل إذا احتشـدوا‬ ‫ِجن إذا فزعوا إنس إذا أ ِم ـوا‬
‫ال ي زع اهلل م ـهم ما لـه حسدوا‬ ‫سدون على ما كان ِمن نِعم‬
‫أهل بي رسول اهلل ‪.ϯ» ‬‬ ‫فقال عمر ‪ :‬ما كان أحب إ لو كان هذا الشعر‬
‫فعقب ابن عبد ربه على قول عمر ‪ ،‬قائال‪ « :‬أنظر إ ض انة عمر بالشعر‪ ،‬كيف مل ير أحدا‬
‫يستحق مثل هذا املدح إال أهل بيت مد ‪ -‬عليه الصالة والسالم‪.ϰ» -‬‬
‫وا ليفة عمر هذا املوقف‪ ،‬يريد أن يطابق شرف مع آبيات بعلو شرف م زلة أهل بيت رسول‬
‫اهلل ‪ ،‬وهو إعجاب ي م عن إدراك شاعرية آبيات ‪ ،‬وتفضيل أهل بيت رسول اهلل ‪ٓ‬هنم « أهل‬

‫لذلك ‪ ،‬وتلك أوصاف توافق خصاهلم ومشائلهم »‪.1‬‬


‫وهكذا فإن ا ليفة عمر مل يكن إعجابه إال بشعر ا كمة‪ ،‬وداللة عمق مع ا وصوابه‪ ،‬هلذا كان‬
‫اليفوته شيء مما يعرض عليه من مجيل القول ‪.‬‬
‫المواقف التي تأثر فيها الخليفة عمر ‪ ‬ع د سماعه الشعر ‪:‬‬

‫‪ -1‬ىي ا بوري ‪ :‬اإلسالم والشعر ‪ ،‬ص ‪. 86‬‬


‫‪ -Ϯ‬أبو عبد اهلل سيد بن كسروي بن حسن ‪ :‬موسوعة آثار الصحابة ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪. 255‬‬
‫*يقال ‪ :‬انتفخ سحر و امتأل سحر إذا انتفخت أوداجه من شدة الغضب ‪.‬‬
‫** قوله بالسراة ‪ :‬هي بفتح السني ‪ :‬اسم ملة مواضع كسراة بلة و غريها ‪ :‬واملراد أراد قومه وم ازهلم ‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫معانيه ويعجب بداللتها ويتأثر تأثرا شديدا إ‬ ‫لقد كان ا ليفة عمر ب مساع الشعر‪ ،‬ويتمعن‬
‫حد البكاء ‪ « ،‬من ذلك كان عمر بن ا طاب ‪ ،‬جالسا ذات يوم فقال ‪ " :‬أيكم فظ أبيات أ‬
‫اللحام التغليب ؟ "‪ ،‬فلم به أحد بشيء ‪ ،‬فلما كان بعد أتا ابن عباس فأنشد أبيات أ اللحام ‪:‬‬
‫[الطويل]‬
‫أرى الدهر قد أف القرون آوائِ ِل‬ ‫خليلي رداِين إ الدهـ ِر إن‬
‫و ألقـت إ ق ِرب علـي ا ِادال‬ ‫كأ ّن امل ايا قد سقطت سطوة‬
‫أصـاهبم دهـر يصيب املقاتِال‬ ‫ولست بأبقى من ملوك رموا‬
‫ل فسـي أو ألغـى لذلك آمال‬ ‫أبعد ابن قحطان أرجـّى سالمة‬
‫فبكى عمر ‪ ،‬ومكث مجعا يست شد ابن عباس هذ آبيات »‪.Ϯ‬‬
‫ويروى عن عمر أنه كان كثري امليل إ مساع الشعر‪ ،‬وكان يست شد الشعراء ويسمع إليهم‪ ،‬فجاء‬
‫"مجهرة أشعار العرب"‪،‬عن ابن عباس قال‪ « :‬وفد سواد بن قارب على عمر بن ا طاب ‪ ‬فسلم‬
‫عليه ‪ ،‬فرد عليه السالم ‪ ،‬فقال عمر‪ :‬يا سواد! قال‪ :‬لبيك يا أمري املؤم ني! قال‪ :‬ما بقي من كهانتك!‬
‫فغضب وامتأل سحر * مث قال‪ :‬يا أمري املؤم ني ما أظ ك استقبلت هبذا الكالم غريي‪ ،‬فلما رأى عمر‬
‫الكراهية وجهه قال‪ :‬يا سواد! إن الذي ك ا عليه من عبادة آوثان أعظم من كهانتك ‪ ،‬فحدث‬
‫ديث ك ت أشتهي أن أمسعه م ك! قال‪ :‬نعم يا أمري املؤم ني ! بي ما أنا إبلي بالسراة**وكان‬
‫ي من ا ن إذا أتاين ليلة ‪ ،‬وأنا كال ائم ‪ ،‬فركض برجله مث قال ‪ :‬قم يا سواد فقد ظهر بتهامة نيب‬
‫[الرجز]‬ ‫يدعو إ ا ق وإ طريق مستقيم فقلت ‪ :‬ت ح ع ‪ ،‬فإين ناعس! فو ع وهو يقول‪:‬‬
‫وش ّدها العيس بأكوا ِرها‬ ‫ع ِجبت للجـن وتـبكا ِرهبا‬
‫ؤم و ا ِن ككفا ِرها‬
‫ما م ِ‬ ‫هتوي إ م ّكة تبغي اهلـدى‪،‬‬
‫بـني روابِيها وأحجا ِرها‬ ‫فارحل إ الصفوِة من ِ‬
‫هاشم‬
‫مث ملا كان اللية الثانية أتاين فقال مثل ذلك القول ‪ ...‬مث أتاين الليلة الثالثة ‪ ،‬فقال مثل ذلك‪،‬‬
‫[الرجز]‬ ‫فقلت ‪ :‬إين ناعس ‪ ،‬فو ع و هو يقول‪:‬‬
‫وش ّدها العِيس بِأحال ِسها *‬ ‫ع ِجبت للجـن و إ ِ‬
‫اسهـا‬
‫اسها‬‫ما مؤم و ا ِن كأرج ِ‬ ‫هتوي إ م ّكة تبغي اهلـدى‬

‫‪65‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫ر ِاسهـا‬ ‫واسم بِعي يك إ‬ ‫فارحل إ الصفوةِ من ِ‬


‫هاشم‬
‫فقال سواد‪ :‬فلما أصبحت يا أمري املؤم ني أرسلت ل اقة من إبلي‪ ،‬فشددت عليها وأتيت ال يب‪،‬‬
‫[الطويل]‬ ‫فأسلمت وبايعت وأنشأت أقول‪:‬‬
‫ومل يك فيما قد ع ِهدت بِك ِ‬
‫ـاذ ِب‬ ‫أتـاين ِ يّي بعـد هدء ورقدة‪،‬‬
‫ب‬‫لؤي بـن غـالِ ِ‬
‫أتاك رسول من ّ‬ ‫ثالث ليـال قـوله ك ّـل ليلـة‪،‬‬
‫ب**‬ ‫الدعلب الوج اء عري السب ِ‬
‫ـاس ِ‬ ‫فشمرت عن ذيلي اإلزار ‪ ،‬وأرقلت‬
‫ب‬‫وأنـك مأمون على كـل غائِ ِ‬ ‫فـأشهـد أ ّن اهلل ال رب غيـر ‪،‬‬
‫ب‬‫إ اهللِ‪ ،‬يا ابـن آكرمني آطايِ ِ‬ ‫وأنـّك أدن املـرسلي وسيلـة‬
‫وإن كان فيما قلت شيب الذو ِ‬
‫ائب‬ ‫فمـرين مبا أحببت ‪ ،‬يا خري مرسل‬
‫ب »‪.1‬‬ ‫سـواك‪ ،‬مبغن عـن سواد بن قا ِر ِ‬ ‫وكن شفيعا يوم ال ذو شفاعـة‬
‫إذا‪ ،‬فا ليفة عمر يعرف سواد بن قارب بصفته شاعرا‪ ،‬و ا اهلية صاحب ي من ا ن شاعر‪،‬‬
‫م امه عن بعثة‬ ‫هلذا طلب أن يسمعه ما كان يشتهي أن يسمعه‪ ،‬فأخرب سواد عمر مبا قاله له يه‬
‫ال يب‪،‬وهو ما يدل على أن عمر ب مساع حديث الشعراء وأخبارهم‪ ،‬ح ولو كانوا من ا ن ‪.‬‬
‫[الرجز]‬ ‫وعن أ بكرة قال‪ « :‬وقف أعرا على عمر فقال‪:‬‬
‫ج ّهز ب يايت واكسهن‬ ‫يا عمر ا ِري جزيت ا ّ ة‬
‫أق ِسم ِ‬
‫باهلل لتـفعلّه‬
‫قال عمر ‪ " :‬فإن مل أفعل يكون ماذا ؟ "قال ‪:‬‬
‫أقسم أين سوف أم ِ‬
‫ضيـّه‬
‫قال ‪ " :‬فإن أمضيت يكون ماذا ؟ " قال ‪:‬‬
‫وِ‬
‫اهلل على حا لتسألّه‬
‫والواقف املسؤول بي ه ه‬ ‫يوم تكون املسالت مثّه‬

‫*آحالس مجع حلس ‪ :‬وهو كساء لل به الدابة ت الربدعة ‪.‬‬


‫** أرقلت ‪ :‬أسرعت ‪ ،‬والدغلب و الوج اء ‪ :‬ال اقة القوية الشديدة‬
‫‪ -ϭ‬القرشي ‪ :‬مجهرة أشعار العرب ‪ ،‬ص ص ‪. ϰϳ-ϰϲ‬‬

‫‪66‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫ّإما إ نار و ّإما إ جّه‬


‫قال‪ :‬فبكى عمر ح أخضلت يته بدموعه‪ ،‬وقال لغالمه‪ " :‬أعطه قميصي هذا لذلك اليوم‪،‬‬
‫واهلل ال أملك قميصا غري " »‪.1‬‬
‫ومن مواقفه ال تأثر فيها ع د مساعه الشعر‪ « :‬يروى أن قوما أتوا عمر بن ا طاب‪ ،‬فقالوا يا أمري‬
‫املؤم ني إنا ل ا إماما شابا إذا صلى ال يقوم من لسه ح يتغ بقصيدة ‪ ،‬قال عمر‪ ":‬فامضوا ب ا إليه‪،‬‬
‫فإنا إذا دعونا يظن ب ا أنا قد غضب ا أمر "فقاموا ح أتو ‪ ،‬فقرعوا إليه ‪ ،‬فخرج الشاب ‪ ،‬فقال‪ :‬يا‬
‫أمري املؤم ني ما الذي جاء بك ؟ قال " أبلغ أمر ساءين " قال‪ :‬فإين أعتب عليك يا أمري املؤم ني ‪،‬‬
‫ما الذي بلغك ؟ قال‪ " :‬بلغ أنك تغ " قال‪ :‬فإهنا موعظة أعظ هبا نفسي‪ ،‬فقال عمر‪ " :‬قل‪ :‬إن‬
‫[ الرمل]‬ ‫كان كالمك حسن قلت معك ‪ ،‬وإن كان فبيحا هنيتك ع ه " فقال‪:‬‬
‫ذات يـبغي نصيب‬ ‫عاد الل ِ‬ ‫وفـؤادي كلـمـا عتبتـه‬
‫مت ِ‬
‫ـاد ِيه فقـد ب ّـرح ِ‬ ‫ِ‬
‫الهي ـا‬ ‫ال أرا الـ ّدهر إال‬
‫ب‬‫ف ِ العمر كذا باللّعِ ِ‬ ‫الصبا‬ ‫ِ‬
‫يا قرين السوء ما هذا ّ‬
‫ضي م ـه أرِ‬ ‫قبـل أن أق ِ‬ ‫ومضى‬ ‫وشباب بـان ِم‬
‫الشيب علـي مطلِيب‬
‫طبـق ّ‬ ‫مـا أرجـى بعـد إال الف ا‬
‫ب‬‫مجيـل ال وال فـي أد ِ‬ ‫ويـح نفسـي ال أراها أبـدا‬
‫وارهِيب‬ ‫إت ِقي اهلل وخـا‬ ‫ت وال كان اهلوى‬‫نفس ال ك ِ‬
‫فبكى عمر‪ ،‬مث قال‪ " :‬هكذا فاليغن كل من غ " قال عمر‪ :‬وأنا أقول‪:‬‬
‫وارهِيب »‪.1‬‬ ‫ضي وخا‬ ‫رابِ ِ‬ ‫نفس ال ك ِ‬
‫ت وال كان اهلوى‬
‫يست تج من هذا ال ص‪ ،‬أن مواقف ا ليفة عمر ومبادئه موافقة ملعاين آبيات‪ ،‬وهذا يتحلى‬
‫إعجابه مبا ورد عن الشاعر من التغ هبذ املوعظة‪ ،‬وتأثر الشديد هبذ ا كم الدالة عن قوة اإلميان‬

‫‪ -ϭ‬أبو عبد اهلل سيد بن كسروي بن حسن ‪ :‬موسوعة آثار الصحبة ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ص ‪. 202 -201‬‬
‫‪ -ϭ‬أبو عبد اهلل سيد بن كسروي بن حسن ‪ :‬موسوعة آثار الصحبة ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪. 187‬‬
‫‪ -Ϯ‬عبد القاهر ا رجاين ‪ :‬دالئل اإلعجاز ‪ ،‬ص ‪. 24‬‬
‫‪ -3‬ابن عبد ربه ‪ :‬العقد الفريد ‪ ،‬ج‪ ، 5‬ص‪. 281‬‬
‫‪ -4‬الراغب اإلصبهاين ‪ :‬اضرات آدباء ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬م شورات دار مكتبة ا ياة ‪ ،‬د ‪ .‬ت ‪ .‬ج ‪ ،1‬ص‪. 80‬‬

‫‪67‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫وصدق املشاعر‪ .‬وقد أدرك ا ليفة عمر‪ ،‬أن ما بلغه عن الشاب إمنا هي موعظة خلقية يعظ هبا‬
‫نفسه‪ ،‬لذا بكى ودعا إ التغ مبثل هذا الشعر‪ .‬ويفهم من هذا أن عمر بذوقه الف وا ما ‪،‬‬
‫وحسه آخالقي ومسؤوليته الدي ية‪ ،‬حرص كل ا رص على أن يوجه الشعراء إ االلتزام الشعر مبا‬
‫حث عليه الرسول ‪ ،‬ووجه إليه الشعراء‪ ،‬باعتبار" الشعر كالم ‪ ،‬فحس ه حسن وقبيحه قبيح "‪.Ϯ‬‬
‫المواقف التي استجاب فيها الخليفة عمر لطلب الشعراء تأثرا بشعرهم ‪:‬‬
‫تعددت املواقف ال ظرية للخليفة عمر‪ ‬من الشعر فقال ‪ «:‬الشعر جزل من كالم العرب‪ ،‬يسكن‬
‫به القيظ ‪ ،‬وتطفأ به الثائرة ‪ ،‬ويتبلغ به القوم ناديهم‪ ،‬ويعطى به السائل »‪.ϯ‬‬
‫وقال‪ « :‬نعم اهلدية للرجل الشريف آبيات يقدمها بني يدي ا اجة‪ ،‬يستعطف هبا الكرمي‪،‬‬
‫ويست زل هبا اللئيم »‪.ϰ‬‬
‫هذا املوقف ال ظري أتبعه ا ليفة عمر‪ ،‬مبواقف تطبيقية مع الشعراء الذين وصله شعرهم‪ ،‬وكانت‬
‫ت عكس أشعارهم بعض حاجاهتم‪ ،‬وقضاياهم املثارة الشعر‪ .‬فما كان من ا ليفة عمر إال أن نظر‬
‫أشعار الشعراء‪ ،‬واستجاب لطلبهم‪ٓ ،‬نه يقدر الكلمة الشريفة ويتذوقها ويتأثر هلا ‪.‬‬
‫هلذا فإن ما أثِر عن ا ليفة عمر أث اء قيامه بأعباء ا الفة من صفات خلقية وإنسانية ‪ ،‬تتماشى‬
‫مع مسؤولياته‪ ،‬أنه كان حازما جادا‪ ،‬شديد ا رص على محاية أعراض املسلمني‪ ،‬وأمواهلم وأنفسهم؛‬
‫حيث كان شديد االهتمام ملا يسمع من شعر‪ ،‬وما يأتيه من رسائل (قصائد) شعرية تكشف له عن‬
‫اهتمام رعيته بعدله وإنصافه ‪ ،‬فكانوا يكتبون له ويزودونه بآخبار عن أحوال ال اس ‪ .‬فوجد الشعر‬
‫بعض معضالت املسلمني‪،‬‬ ‫القضايا ال تعـ ـ ـ ـ ـرض عليه‬
‫معي ا للتشريع‪ ،‬وإصدار آحكام الفقهية‪،‬‬
‫فيضع ا ل امل اسب ملا هو مطلوب م ه ‪.‬‬
‫من ذلك ما روي عن أ الوليد املكي قال‪ « :‬أقبل رجل أعرج إ عمر وهو يقود ناقة تضلع‪،‬‬
‫[الطويل]‬ ‫فوقف عليه وقال‪:‬‬
‫وإنك مدعو بسيماك يا عمر‬ ‫وإِنك مستـر ِعي وإنا رعية‬
‫قد محلتك اليوم أثقاهلا مضر‬ ‫لِ ِذي يوم شر شر بشرارِ‬
‫فقال عمر‪ " :‬ال حول و ال قوة إال باهلل "‪ ،‬وشكا الرجل ضلع ناقته ‪ ،‬فقبضها عمر ومحله على مجل‬

‫‪68‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫مل أراها م ذ زمان ‪ ،‬فزاد »‪.1‬‬ ‫وزود وقال‪ " :‬أين تريد ؟ " قال‪ :‬أريد أما‬
‫[الوافر]‬ ‫و امل حى نقسه « عن ابن سرين أنه ألقي إ عمر كتاب فيه‪:‬‬
‫فِدى لك من أخي ثقة ازا ِر‬ ‫أال أبلغ أبا حفص رسوال‬
‫شغل ا ع كم زمن ا ِصا ِر‬ ‫قالئِص ا هداك اهلل إنّا‬
‫مبختلف التجا ِر‬‫ِ‬ ‫قِفا سلع‬ ‫فما قـلص وِجدن معقالت‬
‫وأسلم أو جهي ة أو غفا ِر‬ ‫قالئص ِمن ب جشم بن بكر‬
‫معيدا يبتغي سقط العذا ِر‬ ‫يع ّقلهن جعدة من سليم‬
‫ويئس معقل ال ّذوِد الظّؤا ِر *‬ ‫يع ّقلهن أبيض شيظ ِمي‬
‫فأرسل عمر إ جعدة فضربه مائة معقوال ‪ ،‬وهنا أن يدخل على املغيبات ‪ ،‬ومل يضربه ح أقر‪...‬‬
‫وأخرجه من املدي ة إ الشام ‪ ،‬فكلم فيه فأذن له فرجع ومل يدخل املدي ة ‪ ،‬فكلم فيه فأذن له بعد‬
‫أن مع‪ ،‬مث رج‪ ،‬وكان عمر إذا رآ يوم ا معة يتوعد إن عاد‪ ،‬ويقول له‪ " :‬يا فاسق " فقال جعدة‪:‬‬
‫[الوافر]‬
‫أبا حفص لشتم أو و ِع ِ‬
‫يد‬ ‫أكل ال ّده ِر جعدة مستحق‬
‫وال با ال ِع الرس ِن الش ِر ِ‬
‫يد‬ ‫فما أنا بالربيء براءة عذر‬
‫ا معة »‪.1‬‬ ‫فأذن له مرتني‬

‫‪ -1‬البالذري‪ :‬أنساب آشراف ‪ ،‬ج ‪ ، ϭϬ‬ص ‪. ϯϯϮ‬‬


‫*الشيظمي ‪ :‬الطويل والطلق الوجه ‪ .‬املعجم الوسيط ‪.‬‬
‫الذود‪ :‬القطيع من ال وق‪ ،‬والظئار‪ :‬هو أن تعطف ال اقة على ولدي غريها ‪.‬املعجم الوسيط ‪.‬‬
‫‪ -ϭ‬البالذري ‪ :‬أنساب آشراف ‪ ،‬ج‪ ،ϭϬ‬ص ص‪. ϯϯϲ -ϯϯϱ‬‬
‫‪ -Ϯ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج ‪ ،ϭϬ‬ص‪.ϯϯϳ‬‬
‫*هذ الكلمة‪ ،‬قصيدة ذكر فيها أمساء أشخاص‪ ،‬قال البالذري‪«:‬وكان فيهم أبو بكرة فقال له‪ :‬إين مل آل لك شيئا‪ ،‬فقال‪ :‬أخوك على بيت املال‬
‫وعشور آبلة فهو يعطيك املال تتجر فيه‪ ،‬فأخذ م ه عشرة آالف‪ ،‬و يقال قامسه فأخذ شطر ماله‪ ،‬قال‪ :‬وا جاج الذي ذكر ‪ :‬ا جاج بن عتيك‬
‫الثقفي‪ ،‬وكان على الفورات‪،‬وجزء بن معاوية عم آح ف وكان على سّرق وبشر بن احملتفز‪،‬وكان على ج د يسابور‪،‬وال افعان‪:‬نفيع أبو بكرة‪،‬ونافع بن‬
‫ا ارث بن كلدة أخو ‪،‬وابن غالب‪ :‬خالد بن ا ارث من ب دمهان بن نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن وكان على بيت املال بأصبهان‪ ،‬وعاصم بن‬
‫قيس بن الصلت كان على م اذر‪ ،‬و لذي السوق مسرة بن ج دب كان على سوق آهواز‪ ،‬وال عمان بن عدي بن نضلة – ويقال نضيلة – بن‬
‫[الطويل]‬ ‫عبد العزيز بن حرثان أحد ب عدي بن كعب‪ ،‬كان على كور دجلة ‪ ،‬وهو الذي يقول ‪:‬‬
‫مبيسان يسقى من زجاج وح تم‬ ‫من مبلغ ا س اء أن خليلها‬

‫‪69‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫وروي « عن يزيد بن عياض بن جعدة عن عبد اهلل بن أ بكر قال ‪ :‬مسع عمر ‪ -‬رضي اهلل تعا‬
‫[الطويل]‬ ‫ع ه‪ -‬رجال ي شد‪:‬‬
‫إذا معقل راح البقيع مرجال‬ ‫اس ِمن شرِذ معق ِل‬
‫أعوذ بِرب ال ِ‬
‫فأرسل إليه عمر ‪ " :‬جز شعرك فجز " وكان مجيال حسن الشعر »‪.Ϯ‬‬
‫إضافة إ هذا « روى املدائ عن علي بن محاد وسحيم بن حفص وغريمها‪ ،‬قالوا‪ :‬قال أبو املختار‬
‫يزي ـ ـ ـد بن قيس بن الصعق‪ :‬كلمة *رفـ ـ ـ ـع فيها على عمال آهواز وغريهـ ـ ـم إ عمر بن ا طاب ‪، ‬‬
‫[البسيط]‬ ‫وهي‪:‬‬
‫ال ـه ِي وآمـ ِر‬ ‫فأنت أمني اهللِ‬ ‫أبلـغ أميـر املؤم يـن رسـالة‬
‫العرش يسلم له صـد ِري‬ ‫أمي ا لرب ِ‬ ‫وأنت أمني اهللِ في ا ومن يكـن‬
‫آدِم الـوف ِر‬ ‫يسيغون مـال اهلل‬ ‫فال تدعن أهـل الرساتيق والقرى‬
‫وأرسل إ جزء وأرسل إ بِش ِر‬ ‫جاج فاعرف ِحسابه‬
‫فأرسل إ ا ِ‬
‫وال ابن ِغالب ِمن سرات ب نص ِر‬ ‫و ال ت سني ال ـافعني كِلي ِهـما‬
‫السوق مو ب بد ِر‬ ‫ِ‬ ‫وذاك الّذي‬ ‫وما عـاصم ِم ـها بصفر عيابـه‬
‫إين لذو خ ِرب‬
‫وصـهر بـ غزوان ّ‬ ‫وأرسل إ ال عمان فاعرف ِحسابه‬
‫فقد كان أهل الرساتيق ذا ِذك ِر‬ ‫وشبال فسله املال وابن ر ِش‬
‫سريضون إن قامستهم م ك بالشط ِر‬ ‫نفسي فداؤك إهنم‬ ‫ِ‬ ‫فقامسهم‬
‫أ ِغيب ولكـ أرى عجـب الدهـ ِر‬ ‫للشهـادة إن‬
‫ّ‬ ‫وال تدع ِـوين‬
‫فأن هلم وفـر ولس ا ذوي وف ِر‬
‫ّ‬ ‫نـؤوب إذا آبوا ونـغزو إذا غزوا‬
‫فقاسم عمر هؤالء القوم فأخذ شطر أمواهلم ح أخذ نعال وترك نعال »‪.1‬‬

‫وقد كتب ا هذا ا رب والشعر فيما تقدم من أخبار عمر بن ا طاب وصهر ب غزوان اشع بن مسعود السلمي كانت ع د اب ة عتبة بن غزوان‪،‬‬
‫وكان على صدقات البصرة وشبل بن معبد البجلي مث آمحسي كان على قبض املغامن وابن رش أبو مرمي ا في كان على رامهرمز ‪ ،‬وكان جزء على‬
‫الفرات» ‪.‬‬
‫‪ -‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج ‪ ،ϭϬ‬ص ص ‪. ϯϴϲ -ϯϴϱ‬‬
‫‪ -ϭ‬البالذري ‪ :‬أنساب آشراف ‪ ،‬ج‪ ،ϭϬ‬ص ص ‪. ϯϴϲ -ϯϴϱ‬‬
‫*"أبو شجرة‪:‬هو عمر بن عبد العزى وأمه ساء ‪ ،‬وقال الطربي‪ :‬امسه سليم بن عبد العزى"‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫الواضح من هذ القصيدة وما مله من معاين وأفكار ‪ ،‬فإهنا قد زادت ا ليفة عمر فط ة‪ ،‬وأدرك‬
‫أهنا رسالة تبصرة ‪ ،‬ساعدته على إقامة ا ق والعدل بني الرعية‪ ،‬وحكم ا ليفة عمر الفقهي ال ابع من‬
‫هذ الرسالة دليل قاطع على صرامته اسبة املسؤولني حياته السياسية ‪.‬‬
‫موقف الخليفة عمر‪ ‬من شعر المرتدين‪:‬‬
‫ردة بعض ضعاف‬ ‫عاش املسلمون بعد وفاة الرسول ‪ ،‬مرحلة صعبة هزت كيان املسلمني ‪،‬‬
‫اشتعال نار الردة‬ ‫حرهبم ‪ ،‬وكان مما زاد‬ ‫اإلميان وكما هو معروف عن أ بكر‪ ‬أنه ا د موقفا‬
‫الكامل « قال أبو العباس‪ :‬إن أبا شجرة* كان‬ ‫نار الشعر‪ ،‬وكان أبو شجرة من الذين ارتدوا ‪ .‬فجاء‬
‫من فتاك العرب‪ ...‬فأتى عمر بن ا طاب ‪ -‬رمحه اهلل‪ -‬يستحمله‪ ،‬فقال عمر ‪ :‬ومن أنت ؟ فقال‪ :‬أنا‬
‫[الكامل]‬ ‫أبو شجرة السلمي‪ ،‬فقال له عمر‪ :‬أي عدي نفسه ألست القائل حيث ارتددت‪:‬‬
‫وإين ٓرجـو بعد أن أعمرا**‬ ‫ورويت ر ي ِمن ِ‬
‫كتيبة خـالد‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫حافاهتا وال ّس ـ ّورا‬ ‫ترى البـيض‬ ‫وعارضتها شهباء ِطر بالق ا‬
‫مث ا عليه عمر بالدرِة فسعى إ ناقته فحل عقاهلا وأقبلها حرة ب سليم بأحث السري من الدرة»‪.Ϯ‬‬
‫فعمر ما زال تلك اللحظة ال لقي فيها أبا شجرة يتذكر احمل ة ال عان م ها ا ليفة أبو بكر‪،‬‬
‫وكان عمر على علم بالشعر الذي وصله من أ شجرة ‪ ،‬وي ظر إ هذا الشعر على أساس أنه شعر‬
‫الفت ة الذي كان يدعو من خالله إ حرب أ بكر الصديق ‪ ،‬وتفريق روابط املسلمني ‪ ،‬وتوقيف إقامة‬
‫[الرجز ]‬ ‫الشعائر‪ « ،‬ويروى أنه كان يرمي املسلمني يوم الردة فال يغ شيئا فجعل يقول ‪:‬‬
‫فال صريح اليوم إالّ املصقول »‪.1‬‬ ‫ما إن رميي ع ـهم لمعبول‬

‫**"ويروى أن أعمرا بكسر امليم ومع ا أن أفعل ذلك بكتيبة عمر"‪.‬‬


‫‪ -‬املربد ‪ :‬الكامل اللغة وآدب ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬ص ‪.ϮϮϵ‬‬
‫‪ -Ϯ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬ص ‪.ϮϮϵ‬‬
‫‪ -1‬املربد ‪ :‬الكامل اللغة وآدب ‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص‪. 229‬‬
‫*املشوذ‪:‬العمامة‪.،‬وغيك م ‪ :‬أي غيابك ما أطوله م ‪.‬‬
‫‪-‬أبو الفرج آصفهاين ‪ :‬آغاين ‪ ،‬طبعة دار الكتب املصرية ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪. 58‬‬
‫‪ -Ϯ‬وليد قصاب‪ :‬ال قد آد كتاب آغاين ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪. 58‬‬
‫‪ -3‬املرجع نفسه ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬ص ‪ . ϲϱϴ‬اهلامش رقم ‪. ϯ‬‬

‫‪71‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫موقف الخليفة عمر من الشعر الذي بلغه عن عماله ‪:‬‬


‫وكان ا ليفة عمر‪ ‬حريص كل ا رص كل ما يبلغه من رسالة تصل إليه ‪ ،‬ح ولو كانت‬
‫بيت شعر‪ ،‬فيتمعن فيه ويعطيه حقه فهم داللته ‪ ،‬وخاصة إذا كانت الكلمة صادرة عن مسؤول أو‬
‫عامل ‪ ،‬فصرامة ا ليفة عمر جعلته يتأكد ب فسه مما وصله عن عماله ‪ ،‬و هذا السياق « كان عمر‬
‫[الطويل]‬ ‫ابن ا طاب ‪ ، ‬و الوليد بن عقبة صدقات ب تغلب فبلغه ع ه بيت قاله وهو‪:‬‬
‫فغيك ِم تغلب بِ ت وائِ ِل*‬ ‫إِذا ما شددت الرأس ِم مبشوذ‬
‫فعزله »‪.Ϯ‬‬
‫وه ا تظهر كذلك صرامة ا ليفة مع عامله عزله؛ حيث « ي سجم هذا العزل مع تقوى عمر‬
‫وعدالته‪ ،‬كما يتفق مع ال مط الشعري الذي يتوخا ويتطلبه من الشعراء‪ ،‬ظل مفاهيم اإلسالم »‪.ϯ‬‬
‫ومن مواقفه صرامته مع والته‪ ،‬ما يروى له عن موقفه من ال عمان بن عدي‪ « ،‬أن أمري املؤم ني‬
‫عمر بن ا طاب ‪ ،‬استعمل ال عمان بن عدي بن نضلة على ميسان من أرض البصرة‪ ،‬وكان يقول‬
‫[الطويل]‬ ‫الشعر‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫مبيسان يس ِقي ِ زجاج وح ت ِم‬ ‫أال هل أتى ا س اء أن خلِيلها‬
‫ورقاصة دو على كل ميس ِم‬ ‫ني قرية‬ ‫إذا شئت غ ت دهاقـ ِ‬
‫بِآصغ ِر املتثـل ِم‬ ‫وال تس ِق ِ‬ ‫فإن ك ت ندماين فبِآ ك ِرب اس ِق ِ‬
‫تـ ادما بِا وس ِق املتـهدِم‬ ‫لعل أ ِمري املؤم ني يسوؤ‬
‫فلما بلغ ذلك أمري املؤم ني عمر بن ا طاب ‪ ، ‬قال‪ :‬أي واهلل إنه ليسوؤين ذلك ‪ ،‬ومن لقيه‬
‫‪฀ ฀‬‬ ‫‪฀ ฀‬‬ ‫فليخرب أين قد عزلته وكتب إليه عمرﭐﭐ‬
‫‪ ฀ ฀ ฀ ฀฀ ฀ ฀‬ﱪ‪[ ฀ ฀‬سورة‬ ‫‪฀‬‬
‫غافر اآليات ‪( .]ϯ -ϭ‬أما بعد ) فقد بلغ قولك ‪:‬‬
‫املتـهدِم‬ ‫بِا وس ِق‬ ‫تـ ادما‬ ‫لعل أ ِمري املؤم ني يسوؤ‬

‫‪72‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫وامي اهلل إنه ليسوؤين وقد عزلتك ‪ ،‬فلما قدم على عمر بكته هبذا الشعر‪ ،‬فقال‪ :‬واهلل يا أمري املؤم ني‬
‫ما شربته قط وما ذاك الشعر إ طفح على لساين‪ ،‬فقال عمر‪ :‬أظن ذلك ‪ ،‬ولكن واهلل ال تعمل‬
‫عمال أبدا‪ ،‬وقد قلت‪ :‬ما قلت »‪.1‬‬
‫وقد علق ابن كثري على هذا ال ص ‪ ،‬فقال ‪ « :‬فلم يذكر أنه حد على الشراب وقد ضم ه شعر‬
‫ذمه عمر‪ ، ‬والمه على ذلك وعزله به ‪ ،‬وهلذا جاء‬ ‫ل ـ ـ ـ" أنهم يقولون ما ال يفعلون "‪ ،‬ولكن ّ‬
‫ا ديث ‪ٓ " :‬ن ميتلئ جوف أحدكم قيحا خري له من أن ميتأل شعرا "»‪.Ϯ‬‬
‫بي ما أضاف عبد ا ميد بن باديس تعليقا على موقف عمر‪ ،‬ي م عن فهم عميق لفكر ال عمان‪،‬‬
‫فقال‪ « :‬ملا وال عمر ميسان أراد زوجته على ا روج معه فأبت عليه‪ ،‬فكتب فيها هذ آبيات ليثري‬
‫غريهتا فيحملها على اللحوق به »‪.ϯ‬‬
‫وهلذا " قال‪ :‬واهلل يا أمري املؤم ني ما شربته قط وما ذاك الشعر إ طفح على لساين"‪ « ،‬فربأ‬
‫ال عمان نفسه فصدقه عمر ومل يذكر له شأنه مع زوجته تكرما‪ ،‬وكانوا على مكانتهم الدين يتوسعون‬
‫آدب ‪ ،‬ويقرضون الشعر على حكم ا يال والفن‪ ،‬ومل ي كر عليه عمر ذلك‪ ،‬وإمنا كر أن يكون‬
‫من أمري ما يكون من سائر ال اس‪ ،‬ولإلمارة هيبتها الالزمة للضبط والت فيذ أو أن د من أحد والته‬
‫سبيال للطعن‪ ،‬ولو بشبهة‪ ،‬والوالية ب أن تكون بعيدة عن املطاعن والشبهات‪ ،‬فما يسوغ لعموم‬
‫ال اس قد ال تمل لبعضهم كم املقام وامل صب ‪ ،‬وقد قال اهلل تعا ‪฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀ :‬‬
‫[سورة آحزاب‪ .‬اآلية ‪ ]ϯϮ‬وأمر" رسول اهلل‪ -‬صلى اهلل عليه وآله وسلم‪ " -‬أن ي زل ال اس م ازهلم "‬
‫‪1‬‬
‫موقفه من ال عمان مبا س ه ال يب‪».‬‬ ‫وقد اقتدى ا ليفة عمر‬

‫‪ -ϭ‬ا افظ عماد الدين أبو الفدى إمساعيل بن كثري‪ :‬تفسري بن كثري ‪ ،‬صحح بإشراف ‪ :‬خالد امليس ‪ ،‬ط‪ ،Ϯ‬بريوت ‪ ،‬لب ان‪ ،‬در القلم ‪ ،‬د‪ .‬ت ‪،‬‬
‫ج‪ ، ϯ‬ص‪. ϯϬϰ‬‬
‫‪ -Ϯ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ، ϯ‬ص ‪. ϯϬϰ‬‬
‫‪ -ϯ‬عبد ا ميد بن باديس‪ :‬ابن باديس حياته وآثار ‪ ،‬إعداد وتص يف‪ :‬عمار الطاليب ‪ ،‬ط‪ ، ϭ‬ا زائر ‪ ،‬دار ومكتبة الشركة ا زائرية للتأليف والرتمجة‬
‫والطباعة والتوزيع وال شر ‪ϭϵϵϱ،‬م‪ ،‬ودار اليقظة العربية للتأليف والرتمجة وال شر ‪ϭϯϴϴ ،‬هـ‪ϭϵϲϴ‬م ‪ ،‬ج‪ ، ϰ‬ص ص ‪.ϭϮϲ -ϭϮϱ‬‬
‫‪ -ϭ‬عبد ا ميد بن باديس ‪ :‬ابن باديس حياته وآثار ‪ ،‬ج‪ ، ϰ‬ص ‪. ϭϮϳ‬‬
‫*« أمية بن حرثان بن آسكر ألليثي‪ ،‬من ليث بن بكر بن عبد م اف شاعر ضرم ‪ ،‬أدرك ا اهلية واإلسالم‪ ،‬وكان من سادات قومه وفرساهنم واب ه‬
‫جيش ‪ ،‬وكان أبو قد كرب وضعف فلما طالت عليه غيبة اب ه‬ ‫كالب أدرك ال يب ‪ ،‬فأسلم مع أبيه ‪ ،‬وكان اب ه قد سأل عمر‪ ‬أن يغزيه فأغزا‬
‫قال هذا الشعر »‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫موقف الخليقة عمر من شعر بر الوالدين‪:‬‬


‫آثر آد بعض املواقف آدبية لعمر من الشعراء‪ ،‬وذلك ملا وصله من أشعار‪ ،‬ف زل من‬ ‫أ‪ -‬يوجد‬
‫أمر أب ائهم‪ ،‬من‬ ‫خالهلا ع د رغبة أصحاهبا؛ حيث وجهوا فيها لوما إ عمر وطلبوا م ه أن ي ظر‬
‫ذلك ‪«:‬كان ٓمية بن حرثان*ولد امسه كالب‪ ،‬هاجر إ البصرة خالفة عمر‪ ‬فقال أمية‪[:‬الوافر]‬
‫جيج إِ س ِ‬
‫باق‬ ‫له عمد ا ِ‬ ‫سأستـع ِدي على الفار ِ‬
‫وق ربا‬
‫ني هامهما زواقِي‬
‫على شيخ ِ‬ ‫إِن الفاروق مل يـردد كِالبـا‬
‫فكتب عمر إ أ موسى آشعري بإشخاص كالب‪ ،‬فما شعر أمية إال به يقرع الباب»‪.Ϯ‬‬
‫و رواية البيهقي‪ « :‬ملا وجه عمر بن ا طاب ‪ ،‬ا يش إ الريموك قام إليه أمية بن آسكر‬
‫الك اين فقال ‪ :‬يأمري املؤم ني هذا اليوم من أيامي لوال كرب س فقام إليه اب ه كالب وكان عابدا زاهدا‬
‫فقال‪ :‬لك يا أمري املؤم ني أبيع اهلل نفسي وأبيع دنياي بآخريت ‪ ،‬فتعلق به أبو وكان ظل نل له‬
‫وقال ‪ :‬ال تدع أباك وأمك شيخني ضعيفني ربياك صغريا إذا احتاجا إليك تركتهما ‪ ،‬فقال ‪ :‬نعم ‪،‬‬
‫أتركهما ملا خري ‪ ،‬فخرج غازيا بعد أن أرضى أبا فأبطأ وكان أبو ظل نل له وإذا محامة تدعو‬
‫[الوافر ]‬ ‫فرخها فرآها الشيخ فبكى فرأته العجوز يبكي فبكت فأنشأ يقول‪:‬‬
‫كتاب اهلل إن ذكر ال ِكتابا‬ ‫ِ‬
‫شيخان قد نشدا كالبا‬ ‫ملن‬
‫فال وأ كالب ما أصابا‬ ‫ح ني‬ ‫أن ِاد ِيه ويعـرض‬
‫و ّأمك ما تسيغ هلِا شرابا‬ ‫تركت أباك مر ِعش يدا‬
‫يطارد أي ـقا شزبا جذابا‬ ‫فِإن أباك حني تركت شيخ‬
‫أثرن بكـل رابية تـرابا‬ ‫إِذا رتعن إِرقاال سراعـا‬
‫على حزِن وال يرجو ا ِإليابا‬ ‫ط ِويال شوقه يبليك فـردا‬
‫على بيضاهتا ذكِرا كِالبا‬ ‫إِذا غ ت محامة بطـن وج‬

‫‪ -‬ابن رشيق ‪ :‬العمدة ‪،‬ج‪( ، ϭ‬هامش) ص ‪. ϰϵ‬‬


‫‪ -Ϯ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص‪49‬‬

‫‪74‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫فبلغت هذ آبيات عمر بن ا طاب‪ ،‬فأرسل إ كالب فوافا ‪ ،‬فقال‪ :‬إنه بلغ أن أباك وجد‬
‫لفراقك وجدا شديدا‪ ،‬فبماذا ك ت ترب ؟‪ ،‬قال‪ :‬ك ت أبر بكل شيء ‪ ،‬ح أين ك ت أحلب له ناقته‬
‫فإذا حلبتها عرف حليب ‪ ،‬فأرسل عمر‪ ،‬إ ال اقة فجيء هبا من حيث ال يعلم الشيخ‪ ،‬فقال له‪:‬‬
‫إناء‪ ،‬فأرسل عمر‪ ‬باإلناء إ أبيه‪ ،‬فلما أتى به بكى مث‬ ‫أحلبها‪ ،‬فقام إليها وغسل ضرعها مث حلبها‬
‫قال‪ :‬إين أجد هذا اللب ريح كالب‪ ،‬فقلن له نسوة كن ع د ‪ :‬قد كربت وخرفت وذهب عقلك‪،‬‬
‫[الوافر]‬ ‫كالب بظهر الكوفة ‪ ،‬وأنت تزعم أنك د ر ه‪ :‬فأنشأ يقول‪:‬‬
‫وهل تد ِري العو ِاذل ما أالقِي‬ ‫أع ِاذل قد عذل ِ‬
‫ت بِغ ِري ِعلم‬
‫جيج على اتّس ِ‬
‫اق‬ ‫له حجج ا ِ‬ ‫سأستـع ِدي على الفار ِ‬
‫وق ربا‬
‫ني هامهما تواقِي‬ ‫على شيخ ِ‬ ‫إِن الفاروق مل يـردد كِالبـا‬
‫فقال له عمر‪ :‬اذهب إ أبيك‪ ،‬فقد وضع ا ع ك الغزو وأجري ا لك العطاء‪ ،‬قال‪ :‬وتغ ت الركبان‬
‫[الوافر]‬ ‫بشعر أبيه فبلغه‪ ،‬فأنشأ يقول‪:‬‬
‫كبري السـن مكتئبا مصابا‬ ‫لعمرك ما تركت أبا كالب‬
‫ت ِادي بعد رقديها كِالبا‬ ‫وأما ال يزال هلـا ح ني‬
‫ولك رجوت به الثـوابا‬ ‫كسب ِ‬
‫املال أو ِ‬
‫طلب املعا‬ ‫لِ ِ‬
‫وكان كالب من خيار املسلمني‪ ،‬وقتل مع علي بن أ طالب ‪ ،‬بصفني »‪.1‬‬
‫فعمر بن ا طاب ‪ ،‬بعد أن عرضت عليه قضيت حرثان واب ه كالب من خالل ال صني‪ ،‬وقف‬
‫موقفا حفظ فيه حقوق الوالدين‪ ،‬وأقر وحفظ واجب آب اء و آبائهم ‪ ،‬واضعا نصب عي يه ما دل‬
‫‪฀‬ﲑ ‪ ฀ ฀‬ﲔ‬ ‫عليه القرآن العظيم قوله تعا ‪ :‬ﭐ ‪฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀‬‬
‫‪฀ ฀‬‬ ‫‪฀ ฀ ฀ ฀ ฀‬‬
‫[سورة اإلسراء اآلية ‪. ]Ϯϯ‬‬

‫‪ -ϭ‬إبراهيم بن مد البيهقي‪ :‬احملاسن واملساوئ ‪ ،‬اعت به ‪ :‬عبد الرزاق إسرب‪ ،‬ط‪،1‬بريوت‪ ،‬لب ان ‪ ،‬ابن حزم للطباعة وال شر والتوزيع ‪ 1426 ،‬ه‬
‫‪2005‬م‪ ،‬ص ص ‪. ϲϬϱ -ϲϬϰ‬‬

‫‪75‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫هلذا ملا استدعت ضرورة حاجة آب حرثان أن يكون اب ه كالب إ جانبه لريعى حياته ‪ ،‬قضى‬
‫ا ليفة عمر ‪ ،‬مبعيار فقهي‪ ،‬فاستلهم م ه حكما شرعيا‪ ،‬استوحا واست د فيه إ القرآن العظيم‪ ،‬قدم‬
‫من خالله واجب اإلحسان إ الوالدين‪ ،‬كما قضى بإسقاط ا هاد على كالب وألزمه رعاية والد ‪،‬‬
‫وهذا التشريع العمري سببه شعر حرثان الذي وصل إليه‪ ،‬فتذوقه عمر ذوقا ف يا فرق له ‪.‬‬
‫ب‪ -‬و صورة وموقف مماثل روى صاحب آغاين قال‪ « :‬هاجر شيبان بن املخبل* السعدي‪،‬‬
‫وخرج مع سعد بن أ وقاص رب الفرس‪ ،‬فجزع عليه املخبل جزعا شديدا‪ ،‬وكان قد أسن وضعف‬
‫فافتقر إ اب ه فافتقد ‪ ،‬فلم ميلك الصرب ع ه فكاد أن يغلب على عقله‪ ،‬فعمد إ إبله وسائر ماله‬
‫فعرضه ليبيعه ويلحق باب ه‪ ،‬وكان به ض ي ا‪ ،‬فم عه علقمة بن هوذة بن مالك‪ ،‬وأعطا ماال وفرسا‪ ،‬وقال‬
‫أنا أكلم أمري املؤم ني عمر رد اب ك‪ ،‬فإن فعل غ مت مالك وأقمت قومك‪ ،‬وإن أ استبقيت ما‬
‫أعطيتك و قت به‪ ،‬وخلفت إبلك لعيالك‪ ،‬مث مضى إ عمر‪ -‬رضوان اهلل عليه‪ -‬فأخرب خرب املخبل‬
‫[الطويل]‬ ‫وجزعه على اب ه وأنشد قوله‪:‬‬
‫ـوف الفـر ِاق وِجيب‬
‫لقليب ِمن خ ِ‬ ‫كـل ليلـة‬ ‫أيهلِك شيبان‬
‫والغبـوق حبِيـب‬ ‫غبقتك فيهـا‬ ‫شيبان مـا أدراك كـ ّل ليلة‬
‫ّبراق املتون أ ِريب‬ ‫بِ ِرزقِك‬ ‫غبـقتك عظماها ي اما أو انـربى‬
‫خطـوب‬ ‫هلن‬
‫ّ‬ ‫أيامـا‬ ‫قاسـون‬ ‫أشيبان إن تأ ا يوش ـدهم‬
‫الح ِ يب‬
‫شـاكي السـ ِ‬ ‫عليـه فـ‬ ‫وال هم إال البز أو كل سـابح‬

‫*«املخبل اجمل ون وبه مسي املخبل الشاعر‪ ،‬قاله أبو عمرو امسه ربيعة بن مالك وهو من ب مشاس بن ٓي بن أنف ال اقة‪ ،‬وهاجر واب ه إ البصرة‬
‫وولد كثري بآحساء وهم شعراء ‪ ،‬وكان املخبل هجا الزبرقان بن بدر وذكر أخته خليدة مث مر هبا بعد حني وقد أصابه كسر وهو اليعرفها قآوته‬
‫وجربت كسر » ‪.‬‬
‫‪ -‬ابن قتيبة‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ص ‪. Ϯϳϯ‬‬
‫ب تلـوب‬ ‫ِ‬
‫الكـال ِ‬ ‫ذودون أوراد‬ ‫يذودون ج د اهلرمزان كـأمنا‬
‫ـال دبِيب‬‫الرح ِ‬ ‫فمشـى ضعيف‬ ‫فإين ح ت ظهري خطوب تتابعت‬ ‫ّ‬
‫أرى الشخص كالشخص ِ‬
‫ني وهو ق ِريب‬ ‫إذا قال صحيب ‪ :‬يا ربيع أال ترى‬
‫و ـوب‬ ‫فـارقتـ‬ ‫تعـق إذا‬ ‫و ربين شيبان أن لـن يـعق‬

‫‪76‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫يقـوم هبا يومـا عليك ح ِسيب‬ ‫فال تدخلن الدهـر قربك حـوبة‬
‫قال‪ :‬فلما أنشد عمر بن ا طاب هذ آبيات بكى ورق له ‪ ،‬فكتب إ سعد يأمر أن يقفل‬
‫شيبان بن املخبل ويرد على أبيه‪ ،‬فلما ورد الكتاب عليه أعلم شيبان ورد ‪ ،‬فسأله اإلغضاء ع ه‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫ال رم ا هاد‪ ،‬فقال له‪ :‬إهنا عزمة من عمر‪ ،‬وال خري لك عصيانه وعقوق شيخك فانصرف إليه‪،‬‬
‫ومل يزل ع د ح مات ع د »‪.1‬‬
‫وبتشابه وتكرار املوقف اتضح أن القضاء العمري كان واحدا‪ ،‬نتيجة تأثر عمر بالشعر‪ ،‬وهو‬
‫ا رص على بر الوالدين‪ ،‬وإسقاط الغزو عن آب اء وإلزامهم برعاية آبائهم ع د كربهم وإعالتهم ‪.‬‬
‫واملوقف آد العمري ال صني ّكم فيه املعيار الفقهي ال ابع من التشريع اإلسالمي‪ ،‬املست د إ‬
‫القرآن العظيم‪ ،‬كما أشرنا ال ص السابق‪ .‬وهو آمر الذي يوضح ويؤكد بأن ا ليفة عمر ا ه‬
‫بالشعر ا اها جديدا‪ ،‬ففصله عن ماضيه ا اهلي‪ ،‬وربطه اضر اإلسالمي‪ ،‬وهو ما يبني أن من مهام‬
‫الفن الشعري ع د عمر هو است باط آحكام الشرعية م ه‪ ،‬إ جانب التعبري عن مك ونات خوا‬
‫ال فس‪ ،‬وعما يعيشه اإلنسان ا ياة ‪.‬‬
‫موقف الخليفة عمر بن الخطاب مما سمعه من شعر من ال ساء ‪:‬‬
‫إن الدارس ملواقف ا ليفة عمر من الشعر والشعراء‪ ،‬يدرك أن ه اك ذوقا مجاليا وأخالقيا لعمر‬
‫تقصي آخبار الشعرية‪ ،‬إذ كان على دراية باملشهد الشعري من خالل االستماع والتمثل واإلعجاب‬
‫به‪ ،‬ولعل هذا مل مي ع ا ليفة عمر من االستماع للشواعر ممن كن هلن موهبة و ربة بآداء الشعري ‪.‬‬
‫وقد ثبت من خالل ما جاء املصادر أن للخليفة عمر مواقف من شعر الشواعر العربيات؛حيث‬
‫كان يهتم بشعرهن إ ابا وسلبا‪ ،‬فمن ذلك « قال عمر بن ا طاب ‪ ‬للخ ساء‪ :‬أخربي بأفضل‬
‫[الطويل]‬ ‫بيت قلتيه أخيك فقالت‪:‬‬
‫فأنت على من مات بـعدك ش ِ‬
‫اغله »‪.1‬‬ ‫وك ت أعري الدمع قـبـلك من بكى‬

‫‪ -ϭ‬أبو الفرج اإلصفهاين ‪ :‬آغاين ‪ ،‬طبعة دار الكتب املصرية ‪ ،‬ج‪ ، ϭϯ‬ص ص ‪.. ϭϵϮ -ϭϵϭ -ϭϵϬ‬‬
‫‪ -ϭ‬آبشيهي ‪ :‬املستطرف كل فن مستظرف ‪ ،‬ج‪ ، Ϯ‬ص ‪. ϯϬϳ‬‬
‫‪ -Ϯ‬ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ص ‪. Ϯϭϰ‬‬
‫‪ -3‬السيوطي ‪ :‬تاريخ ا لفاء ‪ ،‬ص ص ‪.ϭϭϭ -ϭϭϬ‬‬

‫‪77‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫أخيها من شعر‪ ،‬يعكس علم عمر‬ ‫فعمر حني طلب من ا ساء أن ت شد أفضل ما قالت‬
‫بشعرها السيما أخيها صخر‪ ،‬ولعل بكاءها ذكر بأخيه زيد بن ا طاب ‪ ،‬الذي « استشهد يوم‬
‫مسيلِمة »‪ ،Ϯ‬هلذا أراد أن فف من حزنه على أخيه‪ ،‬فحاول أن يعرف مبلغ تأثر ا ساء لفقد أخيها‪،‬‬
‫فطلب م ها أن رب بأفضل بيت قالته فيه‪ ،‬وهذ نظرة مجالية لشعرها‪ٓ ،‬ن عمر يعرف شعرها‬
‫أخيها ومبلغ آثر الذي تركه ا ساء‪ ،‬وهلذا ظلت قر تها تعرب عن آسى وا زن الذين الزماها‬
‫جراء هذا الفقد ا لل ‪.‬‬
‫هذا السياق؛ حيث يروى « أن عمر بي ما هو يطوف مسع امرأة تقول‪:‬‬ ‫وهذا موقف آخر‬
‫[الطويل]‬
‫و ّأرق أن ال خليل أال ِعبه‬ ‫تطاول هذا اللّيل واسود جانبه‬
‫لزحزح من هذا الس ِرير جانِبه‬ ‫فلوال حذار اهللِ الشيء ِمثله‬
‫وقال عمر‪ :‬مالك ؟ قالت‪ :‬غزيت زوجي م ذ أشهر وقد اشتقت إليه‪ ،‬قال‪ :‬أردت سوءا ؟ قالت‪:‬‬
‫معاذ اهلل‪ ،‬قال‪ :‬فاملكي نفسك‪ ،‬فإمنا هو الربيد إليه‪ ،‬فبعث إليه مث دخل إ زوجها‪ ،‬فخفضت رأسها‬
‫واستحيت‪ ،‬قال‪ :‬فإن اهلل ال يستحي من ا ق‪ ،‬فأشارت بيدها ثالثة أشهر‪ ،‬وإال فأربعة أشهر‪ ،‬فكتب‬
‫عمر أن ال بس ا يوش فوق أربعة أشهر »‪.ϯ‬‬
‫فا ليفة عمر قد فهم حقوق الزوجة على زوجها املعاشرة‪ ،‬من خالل ما رددته هذ املرأة من‬
‫شعر‪ ،‬والدافع ا قيقي إ قوهلا هذا‪ ،‬هو غياب الزوج ع ها‪ ،‬هلذا أراد ا ليفة عمر أن يفهم من هذ‬
‫املرأة مدة صربها على زوجها‪ ،‬فحددت ل ه أن مدة صرب املرأة على غياب الزوج بني ثالثة أو أربعة‬
‫أشهر‪ ،‬فزادته هذ املرأة فط ة وفهما للخليفة‪ ،‬هلذا شرع وقضى" أن ال بس ا يوش فوق أربعة أشهر"‬
‫وهذا حكم فقهي تشريعي سببه ما مسع من املرأة من شعر‪.‬‬
‫[الطويل]‬ ‫وه اك موقف شكوى امرأة؛ حيث يروى « مسع عمر‪‬امرأة الطواف تقول‪:‬‬
‫ف ِم هن من تسقى بعذب م ّربد نـقاخ فتلكم ع د ذلك قـّر ِت‬
‫ت‬‫أجاج ولوال خشية اهلل فـر ِ‬
‫ّ‬ ‫وم هن من تسقى بأخضر آ ِجن‬

‫‪78‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫فعلم عمر‪ -‬رضوا اهلل عليه ‪ -‬ما تشكو‪ ،‬فوجه إ زوجها‪ ،‬فوجد متغري الفم‪ ،‬فخري بني مخسمائة‬
‫درهم‪ ،‬أو جارية من الفيء‪ ،‬على أن يطلقها‪ ،‬فأختار مخسمائة درهم »‪.1‬‬
‫إن موقف ا ليفة عمر موقف تشريعي؛ حيث قضى بعدم إرغام الزوجة بقبول ما تشكو م ه‪ ،‬هلذا‬
‫خري الزوج التعويض على أن يطلق زوجته‪ ،‬وعمر بصفته مسؤوال عن الرعية قضى بني الزوجني‬
‫بالطالق‪ ،‬و مل دفع التعويض للزوج بالتخيري وهذا حكم فقهي ‪.‬‬
‫وتعددت مواقف عمر من شعر ال ساء وشكايتهن من أزواجهن‪ ،‬فجاء السياق نفسه؛ حيث قال‬
‫شهاب الدين اإلبشيهي "باب فصحاء ال ساء وحكايتهن"‪ « :‬وقيل‪ :‬جاءت امرأة إ أمري املؤم ني‬
‫عمر بن ا طاب ‪ ،‬فقالت‪ :‬يا أمري املؤم ني‪ ،‬إن زوجي يصوم ال هار ويقوم الليل‪ ،‬فقال هلا‪ :‬نعم‬
‫لسه رجل يسمى كعبا‪ ،‬فقال‪ :‬يا أمري املؤم ني إن هذ املرأة تشكو زوجها‬ ‫الرجل زوجك‪ ،‬وكان‬
‫أمر مباعدته إياها عن فراشه‪ ،‬فقال له‪ :‬كما فهمت كالمها أحكم بي هما‪ ،‬فقال كعب‪ :‬علي بزوجها‪،‬‬
‫أمر مباعدتك‬ ‫فأحضر‪ ،‬فقال له‪ :‬إن هذ املرأة تشكوك‪ ،‬قال‪ :‬أ أمر الطعام أم شراب‪ ،‬قال‪ :‬بل‬
‫[الرجز]‬ ‫إياها عن فراشك‪ ،‬فأنشأت املرأة تقول‪:‬‬
‫أهلى خليلي عن فراشي مس ِجد‬ ‫يا أيّها القاضي ا كيم أنشد‬
‫أمر ال ساء أمحد‬ ‫فلست‬ ‫وليلـه ال يرقد‬ ‫هنـار‬
‫[الرجز]‬ ‫فأنشأ الزوج يقول‪:‬‬
‫أين امرؤ أذهل ما قد نـزل‬ ‫فراشهـ ـا و ا لل‬ ‫زهدين‬
‫ِ‬
‫كتاب اهلل ِويف ل‬ ‫و‬ ‫سورة الّ ِ‬
‫مل و السب ِع الطّول‬
‫[الرجز]‬ ‫فقال له القاضي‪:‬‬
‫أربع ن ِ‬
‫صيبها عن عقل‬ ‫إن هلا عليك حقا مل يـزل‬
‫فعاطها ذاك ود ِع ع ك العِلل‬
‫مث قال‪ :‬إن اهلل تعا أحل لك من ال ساء مث وثالث ورباع‪ ،‬أفلك أيام بلياليهن وهلا يوم وليلة‪،‬‬
‫فقال عمر ‪ :‬ال أدري من أيكم أتعجب أم من كالمها أم من حكمك بي هـما ؟ اذهب فقد وليتك‬

‫‪ -ϭ‬أبو العباس أمحد بن مد ا رجاين‪ :‬ك ايات آدباء و إشارات البلغاء ‪ ،‬قيق ‪ :‬مود شاكر القطان ‪ ،‬د‪.‬م ‪ ،‬اهليئة املصرية للكتاب‪ ،‬د‪.‬م ‪،‬‬
‫‪ϮϬϬϯ‬م ‪ ،‬ص‪. ϯϵϴ‬‬

‫‪79‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫البصرة »‪.1‬‬
‫إن ا ليفة عمر قضى مبا ي اسب املوقف‪ ،‬فقد استمع إ املرأة عرض شكواها عليه‪ ،‬وفهم مما‬
‫تشكو م ه‪ ،‬ولك ه أراد أن توضح أمرها أكثر‪ ،‬إال أن القاضي كعب تدخل وأراد أن يفهم ا ليفة عمر‬
‫فحوى شكوى املرأة‪ ،‬فطلب م ه عمر أن يقضي بني الزوجني‪ ،‬وع د احملاكمة عرضت املرأة حكايتها مع‬
‫زوجها أسلوب شاعري مهذب‪ ،‬وحاول زوجها أن يربر أمر زهد زوجته بأسلوب شاعري مؤثر‪،‬‬
‫إال أن القاضي رفض عذر الزوج‪ ،‬وبني له حق زوجته عليه انطالقا مما شرعه اهلل‪ ،‬هلذا تعجب عمر من‬
‫أسلوب سري احملاكمة بني الزوجني بأسلوب شاعري‪ ،‬فأعجب بأسلوب طلب املرأة حقها الشرعي من‬
‫زوجها‪ ،‬وأعجب كم القاضي الذي أثبت فيه حق الزوجة‪ ،‬فما كان من عمر إال أن رضي كم‬
‫القاضي كعب‪ ،‬ومن خالل قضائه وال عمر قضاء البصرة ٓنه رأى فيه الرجل امل اسب الذي ميك ه‬
‫تسيري أمور الرعية كمة وح كة وروية ‪ ،‬وا كم أمر املرأة فقهي تشريعي ‪.‬‬

‫‪ -ϯ‬موقف الخليفة عثمان بن عفان ‪ ‬من الشعر والشعراء‪:‬‬

‫‪ -ϭ‬آبشيهي ‪ :‬املستطرف كل فن مستظرف ‪ ،‬ج ‪ ،ϭ‬ص ‪. ϱϲ‬‬

‫‪80‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫يعد عثمان بن عفان (ت‪35‬هـ‪665‬م)‪ ،‬ثالث ا لفاء الراشدين‪ ،‬و« كانت خالفته ‪ -‬رضي اهلل‬
‫عشرة س ة إال مثانية أيام » ‪35 -23( ،1‬هـ‪656 -644‬م)‪ ،‬و عهد عرف‬ ‫تعا ع ه‪ -‬اث‬
‫املسلمون أول ة تسيري شؤون ا كم ‪ ،‬انتهت بقتله ‪.‬‬
‫وكانت ا ياة االجتماعية عهد يعمها الرخاء‪ « ،‬وكان عثمان هناية ا ود والكرم والسماحة‬
‫والبذل القريب والبعيد‪ ،‬فسلك عماله وكثري من أهل عصر طريقته‪ ،‬وتأسوا به فعله »‪.2‬‬
‫وكأن هذ الصورة االجتماعية هي ال وضعته نظر بعض الباحثني وال قاد والدارسني املهتمني‬
‫بآدب وال قد‪ ،‬أنه مل يكن يهتم بالشعر والشعراء‪ ،‬كباقي ا لفاء الراشدين‪.‬‬
‫ولعل رأيهم هذا يتكئ على ما أثر عن أحد السادة التابعني‪ ،‬الذين اهتموا مبسار ا لفاء الراشدين‪،‬‬
‫ال اهتمامهم بالشعر والشعراء؛ حيث استث عثمان بن عفان ومل يذكر معهم‪ ،‬فقال سعيد بن‬
‫املسيب (ت‪94‬هـ‪712‬م)‪« :‬كان أبو بكر شاعرا وعمر شاعرا وعلي أشعر الثالثة »‪.3‬‬
‫هذا الرأي من دون شك أدى ببعض ال قاد إ تسجيل رأيهم فيما ص موقف ا ليفة عثمان من‬
‫الشعر والشعراء‪ ،‬فذهب مد ىي ا بوري إ القول‪« :‬مل يعرف عثمان بن عفان ‪ ، ‬بإقباله على‬
‫الشعر‪ ،‬ومل تسجل له مواقف أو أحكام نقدية‪ ،‬مثل مواقف عمر بن ا طاب وأحكامه‪ ،‬ويبدو أنه مل‬
‫يكن ليست شد أحدا من الشعراء‪ ،‬ح أن الرواية ال تذكر تقريبه ٓ زيد الطائي الشاعـر املعمر (عاش‬
‫مخسني ومائة س ة)‪ ،‬مل تذكر أن عثمان است شد شعرا بل إن أبا زيد دخل على عثمان يوما‪ -‬وكان‬
‫يقربه‪ -‬وع د املهاجرون وآنصار فتذاكروا مآثر العرب وأشعارها »‪.4‬‬
‫بته‬ ‫سرية عثمان ‪ ‬ما يشري ويدين لسه إ‬ ‫أما نايف معروف فقد قال‪ « :‬بي ما ال د‬
‫للشعر أو تقريبه للشعراء ‪ ،‬إذ كان على حذر شديد م هم ‪ ،‬و اصة إذا كان الشاعر عبدا »‪.5‬‬

‫‪ -1‬أبو ا سن علي بن ا سني بن علي املسعودي ‪ :‬مروج الذهب و معادن ا وهر ‪ ،‬دقق فهارسه ووضعها وضبطها ‪ :‬يوسف أسعد داغر ‪ ،‬ط ‪،6‬‬
‫بريوت ‪ ،‬لب ان ‪ ،‬دار آندلس للطباعة وال شـر والتوزيع ‪1404 ،‬هـ‪1984‬م‪ ، .‬ج‪ ، 2‬ص‪. 331‬‬
‫‪ -2‬الصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص ‪. 332‬‬
‫‪ -3‬ابن عبد ربه ‪ :‬العقد الفريد ‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪. 283‬‬
‫‪ -4‬ىي ا بوري ‪ :‬اإلسالم والشعر ‪ ،‬ص ‪. ϭϬϴ‬‬
‫‪ -ϱ‬نايف معروف ‪ :‬آدب اإلسالمي عهد ال بوة وخالفة الراشدين ‪ ،‬ص‪. ϭϴϴ‬‬

‫‪81‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫ا قيقة مل يربه ا‬ ‫وهذا الرأي يقرتب من رأي ىي ا بوري كثريا ويؤيد ‪ .‬إال أن هذين الرأيني‬
‫بدقة على ما ذهبا إليه صاحبامها‪ ( :‬ىي ا بوري‪ ،‬ونايف معروف)‪ ،‬وذلك أن ما استشهدا به كدليلني‬
‫ي فيان به موقف عثمان من الشعر والشعراء ‪ ،‬غري كافيني ‪ٓ ،‬ن الدليلني احملتج هبما رمبا كانا مواقف‬
‫خاصة با ليفة عثمان بن عفان‪ ،‬ولعل ىي ا بوري آخر نصه ‪ ،‬قوله‪ " :‬فتذاكروا مآثر العرب‬
‫قوله‪" :‬مل يعرف عثمان بن عفان بإقباله على الشعر‪ ،‬ومل تسجل له مواقف‬ ‫وأشعارها " ي اقض أوله‬
‫أو أحكام نقدية"‪ٓ .‬ن ما لدي ا من نصوص يثبت عكس الرأيني‪ ،‬كما ال ميك ا أن نتصور أن الصحا‬
‫عثمان بن عفان أطول ا لفاء عمرا ‪ ،‬وأطوهلم مدة ا الفة ‪ ،‬فقاربت مدة خالفته اث عشرة (‪)12‬‬
‫س ة ‪ ،‬ومل تكن له عالقة ب الشعر والشعراء ؟ إال إذا كانت ه اك بعض آحداث بعد مقتل عثمان مل‬
‫تسمح برواية شعر وما متثل به ‪ ،‬وذلك ٓن الساسة آمويني حاصروا ا الفة فأخذوها قهرا وع وة ‪،‬‬
‫فاهتموا بالشعر والشعراء فيما دم دولتهم‪ ،‬وسخروا كل الوسائل املادية والسياسية دمة مصلحة‬
‫سياسيتهم‪ ،‬فكان لديهم ما يشغلهم عن كتابة ورواية آثار آدبية وروايتها‪ ،‬كما هي‪ ،‬وم ها الشعر ‪.‬‬
‫ومن هذا‪ ،‬فإن شاعرية عثمان بن عفان ال جدال فيها‪ ،‬وهو ما أنصفه به القدماء الذين أظهروا‬
‫ال اهتمامه بالشعر ‪ ،‬فقد « أخرج عن‬ ‫فصاحته وبالغته ومكانته البيانية بني ا لفاء الراشدين‬
‫الشعيب قال ‪ :‬كان أبو بكر يقول الشعر‪ ،‬وكان عمر يقول الشعر‪ ،‬وكان عثمان يقول الشعر‪ ،‬وكان علي‬
‫أشعر الثالثة »‪.1‬‬
‫وأما فيما ص روايته للشعر‪ ،‬فإن ما وقف ا عليه املصادر من شعر م سوب إ ا ليفة عثمان‪،‬‬
‫يدل داللة قطعية على عالقته بالشعر‪ ،‬ويؤكد هذا ما جاء رواية " تاريخ الطربي"؛ حيث « روي عن‬
‫هشام بن عـروة ‪ ،‬قال‪ :‬كان عثمان أروى للبيت والبيتني والثالثة إ ا مسة »‪.2‬‬
‫يست تج من هذا ال ص الذي روا الطربي‪ ،‬أن ا ليفة عثمان كان قليل رواية الشعر‪ ،‬فكان يروي‬
‫البيت والبيتني والثالثة وا مسة‪ .‬ورمبا نأخذ هذا ال ص للطربي على أساس تعاطي عثمان الشعر وقوله‪.‬‬
‫ٓن هذ ال صوص املوثقة تعطي صورة واضحة على أن ا ليفة عثمان مل يغيب الشعر عن ذه ه ‪.‬‬
‫وبالتا ميك ا طرح السؤال اآليت‪ :‬ما هي صورة موقف ا لية عثمان بن عفان من الشعر والشعراء؟‬

‫‪ -ϭ‬السيوطي ‪ :‬تاريخ ا لفاء ‪ ،‬ص ‪. ϭϰϮ‬‬


‫‪ -Ϯ‬الطربي ‪ :‬تاريخ الطربي‪ ،‬ج‪ ، ϰ‬ص‪.ϮϴϬ‬‬

‫‪82‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫يؤيد هذا الطرح كون أن بعض مصادر آدب وال قد‪ ،‬روت أشعارا ت سب إ الصحا عثمان‪،‬‬
‫لسه‪ ،‬وتروي له مواقف من بعض الشعراء ‪.‬‬ ‫وتؤكد أنه متثل بالشعر‪ ،‬واست شد بعض الشعراء‬
‫المواقف التي قال فيها الخليفة عثمان بن عفان الشعر‪:‬‬
‫ته‪ ،‬ويدل على أنه كان يصرب ملتاعب الدنيا‬ ‫نسبت إليه بعض املصادر شعرا يعرب فيه عن‬
‫[الكامل]‬ ‫طلب لذاهتا‪ ،‬من ذلك ما روى له ابن رشيق فقال‪ « :‬ومن شعر عثمان‪:‬‬ ‫متعففا‬
‫عضها ح يضرهبا الفقر‬‫وإن ّ‬ ‫فس يـغ الّفس ح يكفيها‬ ‫ِغ ال ِ‬
‫بكائيـة إال سيتبـعها يسـر »‪.1‬‬ ‫وما عسرة‪ ،‬فاصرب هلا إن لقيتها‬
‫ومما روى له أبو الوليد إمساعيل بن آمحر [‪807‬هـ] هذا اجملال‪ ،‬قال‪ « :‬قال أمري املؤم ني عثمان‬
‫[البسيط]‬ ‫‪:‬‬
‫ِمن ا رِام ويبقى اإلمث والعار‬ ‫تـف اللّذاذة ممن نال صفوها‬
‫الخري لذة ِمن بـع ِدها نار»‪.2‬‬ ‫تبقى عواقب سوء مؤن مغبتِها‬
‫[مشطور الرجز]‬ ‫و حبه للصالة قال املرزباين [ ت‪ϯϴϰ‬هـ] ‪ « :‬وكان يقول إذا جاء آذان‪:‬‬
‫وبالص ِ‬
‫الة مرحبا وأهال »‪.3‬‬ ‫يا مرحبا بالقائلني عدال‬
‫ّ‬
‫موضوع‪":‬الفظ املختلف و از املع " فجاء لفظ شعر عثمان يقارب لفظ‬ ‫وقد روى له القرشي‬
‫[الطويل]‬ ‫القرآن أو يوافقه‪ « ،‬فقال عثمان بن عفان‪:‬‬
‫اهلل مل ِحد‬
‫ص يعة وال فى على ِ‬ ‫واعلم أن اهلل ليس كصِيعِ ِه‬
‫أي مييلون »‪.4‬‬ ‫امللحد‪ :‬املائل‪ ،‬قال اهلل عز وجل‪ :‬ﭐ ‪฀ ฀ ฀ ฀‬‬
‫وقد نسب إليه قول الشعر من ذلك ملا تو الرسول‪ ،‬تأثر لفقد مجيع املسلمني‪ ،‬وكل أبكا‬
‫شعر‪ ،‬وقد روي عن عثمان بن عفان أنه رثى الرسول ‪ ،‬مثله مثل باقي الصحابة‪ ،‬فتأثر لفقد ‪ ،‬وقد‬

‫‪ -ϭ‬ابن رشيق ‪ :‬العمدة ‪،‬ج‪ ، ϭ‬ص ص ‪. Ϯϵ -Ϯϴ‬‬


‫‪ -Ϯ‬ابن آمحر ‪ :‬نثري ا مان من نظم وإيا الزمان ‪ ،‬ص ‪. ϰϯ‬‬
‫‪ -‬وي ظر ‪ :‬املسعودي ‪ :‬مروج الذهب ‪ ،‬ج‪ ،Ϯ‬ص ‪- ϯϰϳ‬‬
‫‪ -ϯ‬املرزباين ‪ :‬معجم الشعراء ‪ ،‬ص ض ‪. ϭϮϬ -ϭϭϵ‬‬
‫‪ -ϰ‬القرشي ‪ :‬مجهرة أشعار العرب ‪ ،‬ص‪. ϯϳ‬‬

‫‪83‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫هذا السياق‪ ،‬قال املفضل(ت‪171‬هـ)‪ « :‬وقال‬ ‫"مجهرة أشعار العرب"‪،‬‬ ‫دل على ذلك ما جاء‬
‫[املتقارب]‬ ‫عثمان بن عفان‪ ‬يرثي الرسول‪:‬‬
‫وحق البكا على السي ِد »‪.1‬‬ ‫فيا ع ِ‬
‫ني ابكي وال تسأمي‪،‬‬
‫رثاء الرسول‪،‬‬ ‫إال أن مد مصطفى هدارة ارتاب هذا البيت فقال ‪« :‬كما نسبت إليه قصيدة‬
‫ولكن ال أعتقد صحة نسبة هذا الشعر‪ ،‬إذ كان‪ ،‬غري معروف مبعا ة أساليب البيان »‪.3‬‬
‫فهذا القول يشري إ القصيدة ومل يذكرهـا‪ ،‬لكن هدارة أحال إ املصدر وهو"مجهرة أشعار العرب"‬
‫وقد وجدنا ف يه بيتا واحدا وهو املذكور سابقا‪ ،‬كما أن القرشي روى عن املفضل‪ ،‬وكالمهامل يشر إ‬
‫كلمة قصيدة بل ذكر البيت فقط‪ ،‬وقد تكون باقي آبيات إما مبثوثة مصادر أخرى‪ ،‬أو تكون قد‬
‫ضاعت ومل تصل إلي ا‪ ،‬لك أحسب أن هذا البيت لعثمان‪ ،‬وبالتا فالقصيدة له كذلك‪ٓ.‬ن‬
‫وفاة الرسول‪ ،‬موقف جلل وأثر عميق‪ ،‬وعلى أقل تقدير أن عثمان وهو من أقرب املسلمني إ‬
‫الرسول مصاهرة ومصاحبة وقرابة ‪ ،‬فكيف يسمع ويرى كل الصحابة ‪ ،‬والصحابة الشعراء م هم‪ ،‬يؤب ون‬
‫الرسول‪ ،‬وهو ال يقول شيئا وال يتأثر لذلك ؟ ‪.‬‬
‫من المواقف األدبية ال ي تمثل الخليفة فيها عثمان ‪ ‬بالشعر‪:‬‬
‫لقد كان للخالفات وآحداث السياسية ال وقعت عهد ا ليفة عثمان‪ ،‬سواء على مستوى‬
‫املدي ة عاصمة ا الفة ‪ ،‬أو خارجها‪ ،‬أثرها البالغ والسيئ نفسيته‪ ،‬إذ كان يتعامل مع آزمة كمة ‪،‬‬
‫وظهرت بكل وضوح مواقفه سواء أث اء مراسالته للصحابة أو والته ‪ ،‬أو لقائه هبم‪ ،‬أو من خالل ما‬
‫كان يأتيه من مراسالت من والته ‪ ،‬فكان يدعوا إ ب الفت ة وا الفات ‪ ،‬وكثريا ما كان يستعني‬
‫بالصحابة أهل املدي ة ويستشريهم القضايا ال تعرض عليه‪ ،‬وخاصة ما كان يأتيه من قضايا‬
‫خطبه ومراسالته يتمل فيه بالشعر‪ .‬من ذلك ما‬ ‫الكوفة‪ ،‬وكان كل ما يذكر حول هذ القضايا‬
‫جاء " تاريخ الطربي "‪ « ،‬وكتب إ السري‪ ،‬عن شعيب‪ ،‬عن سيف‪ ،‬عن مد وطلحة بإس ادمها‪،‬‬
‫قاال‪ :‬قدم سعيد بن العاص س ة سبع من إمارة عثمان‪...‬الكوفة‪...‬فأرسل سعيد إ وجو ال اس من‬

‫‪ -ϭ‬القرشي ‪ :‬مجهرة أشعار العرب ‪ ،‬ص ‪. 37‬‬


‫صدر اإلسالم والعصر آموي ‪ ،‬ص ‪. ϭϮϭ‬‬ ‫‪ -Ϯ‬مد مصطفى هدارة ‪ :‬الشعر‬

‫‪84‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫أهل آيام والقادسية‪ ،‬فقال‪ :‬أنتم وجو من وراءكم‪ ،‬والوجه ي بئ عن ا سد‪ ،‬فأبلغونا حاجة ذي‬
‫ا اجة وخلة ذي ا لة‪ ،‬وأدخل معهم من تمل من اللواحق والروادف‪ ،‬وخلص بالقراء واملتسمتني‬
‫مسر ‪ ،‬فكأمنا كانت الكوفة يبسا مشلته نار‪ ،‬فانقطع إ ذلك الضرب ضرهبم‪ ،‬وفشت القالة واإلذاعة ‪.‬‬
‫فكتب سعيد إ عثمان بذلك‪ ،‬ف ادى م ادي عثمان‪ :‬الصالة مجاعة! فاجتمعوا‪ ،‬فأخربهم بالذي‬
‫كتب به سعيد‪ ،‬وبالذي كتب به إليه فيهم‪ ،‬وبالذي جاء من القالة واإلذاعة‪ ،‬فقالوا‪ :‬أصبت فال‬
‫تسعفهم ذلك‪ ،‬وال تطعمهم فيما ليسوا له بأهل‪ ،‬فإنه إذا هنض آمور من ليس هلا بأهل مل‬
‫تملها وأفسدها ‪ .‬فقال عثمان‪ :‬يا أهل املدي ة استعدوا واستمسكوا‪ ،‬فقد دبت إليكم الفنت‪ ،‬ونزل‪.‬‬
‫[الكامل]‬ ‫فآوى إ م زله‪ ،‬ومتثل مثله ومثل هذا الضرب الذين شرعوا ا الف‪:‬‬
‫وشعر الش ِ‬
‫اع ِر‬ ‫أب عبـيد قد أتى أشياعكم ع كم مقالتكم ِ‬
‫إن الرماح بصرية با ِ‬
‫اس ِر»‪.1‬‬ ‫فإذا أتـتكم هذ فـتـلبسوا‬
‫فإن االستشهاد بالشعر يعكس إحساس وشعور عثمان بن عفان بتفشي الفت ة ال عصفت به‪.‬‬
‫وعلى ما يبدو فإن أغلب احملن كانت تأتيه من بالكوفة‪ ،‬و هذا الصدد قال الطربي‪ « :‬كتب إ‬
‫السري عن شعيب عن سيف عن أ غسان سكن بن عبد الرمحن بن حبيش‪ ،‬قال‪ :‬اجتمع نفر من‬
‫عزل الوليد‪ ،‬فانتدب أبو زي ب بن عوف وأبو مورع بن فالن آسدي للشهادة‬ ‫أهل الكوفة‪ ،‬فعملوا‬
‫املخدع‪ ،‬بي هما وبني القوم‬ ‫البيت وله امرأتان‬ ‫عليه‪ ،‬فغشوا الوليد وأكبوا عليه‪ ،‬فبي ما هم معه يوما‬
‫سرت‪ ،‬إحدامها ب ت ذي ا مار‪ ،‬وآخرى ب ت أ عقيل‪ ،‬ف ام الوليد‪ ،‬وتفرق القوم ع ه‪ ،‬وثبت أبو‬
‫زي ب وأبو مورع‪ ،‬فت اول أحدمها خامته مث خرجا فاستيقظ الوليد وامرأتا ع د رأسه‪ ،‬فلم ير خامته‪،‬‬
‫فسأهلما ع ه فلم د ع دمها م ه علم‪...‬فطلبهما فلم يقدر عليهما‪ ،‬وكان وجههما إ املدي ة‪ ،‬فقدما‬
‫على عثمان‪ ،‬ومعهما نفر ممن يعرف عثمان‪ ،‬ممن قد عزل الوليد عن آعمال‪ ،‬فقالوا له‪ ،‬فقال من‬
‫يشهد ؟ قالوا‪ :‬أبو زي ب وأبو مورع‪...‬فبعث إليه‪ ،‬فلما دخل على عثمان رآمها‪ ،‬فقال متمثال‪:‬‬
‫[البسيط]‬
‫فلم أخفك على أمثاهلا حا ِر‬ ‫ما إن خشيت على أمر خلوت به‬
‫فحلف له الوليد وأخرب خربهم‪ ،‬فقال‪ :‬نقيم ا دود ويبوء شاهد الزور بال ار‪ ،‬فاصرب يا أخي! فأمر‬

‫‪ -ϭ‬الطربي ‪ :‬تاريخ الطربي ‪ ،‬ج‪ ، ϰ‬ص ص ‪. ϮϴϬ -Ϯϳϵ-Ϯϳϴ‬‬

‫‪85‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫سعيد بن العاص فجلد »‪.1‬‬


‫ومما جاء عن متثل ا ليفة عثمان بالشعر‪ ،‬ماروا الطربي؛ حيث قال‪ « :‬أصيب عبد الرمحن حني‬
‫إمارة عثمان الستعماله من كان ارتد استصالحا هلم‪ ،‬فلم يصلحهم ذلك‪،‬‬ ‫تبدل أهل الكوفة‬
‫[الطويل]‬ ‫وزادهم فسادا أن سادهم من طلب الدنيا‪ ،‬وعضلوا بعثمان ح جعل يتمثل‪:‬‬
‫فخدشه أنيابه وأظافِر »‪.2‬‬ ‫وك ت وعمرا كاملسم ِن كلبه‬
‫ومن املواقف ال دفعت ا ليفة عثمان إ التمثل بالشعر‪ ،‬ما روا ابن عبد ربه؛ حيث قال‪ « :‬قال‬
‫زيد بن ثابت‪ :‬رأيت عليا مضطجعا املسجد ‪ ،‬فقلت ‪ :‬أبا ا سن ‪ ،‬إن ال اس يــرون أنك لوشئت‬
‫شيء من شأهنم ‪.‬‬ ‫رددت ال اس عن عثمان ‪ .‬فجلس‪ ،‬مث قال‪ :‬واهلل ما أمرهتم بشيء وال دخلت‬
‫[املتقارب]‬ ‫قال‪ :‬فأتيت عثمان فأخربته‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ِد ح ّ إذا اضطرمت أجدما‪.3‬‬ ‫وحرق قيس علي البال‬
‫و املوقف نفسه وجه ا ليفة عثمان إ علي بن أ طالب خطابا طالبا م ه العون‪ ،‬ومتثل‬
‫خطابه بالشعر ‪ ،‬وذلك حني اشتدت به احمل ة ‪ ،‬فقال ابن رشيق‪« :‬كتب عثمان بن عفان إ علي بن‬
‫أ طالب‪ -‬رمحة اهلل عليهما‪ -‬ملا أحيط به"أما بعد فإنه قد جاوز املاء الز *وبلغ ا زام الطبيني و اوز‬
‫[الطويل]‬ ‫آمر قدرة وطمع من ال يدفع عن نفسه‪:‬‬
‫وملا أمزِق"»‪.4‬‬ ‫فإن ك ت مأكوال فكن أنت آكِلِي وإال فأدرك‬

‫‪ -ϭ‬الطربي ‪ :‬تاريخ الطربي ‪،‬ج‪ ، ϰ‬ص ‪. Ϯϳϲ‬‬


‫‪ -Ϯ‬املصدر نفسه ‪،‬ج ‪ ، ϰ‬ص ‪. ϭϱϴ‬‬
‫‪ -ϯ‬ابن عبد ربه ‪ :‬العقد الفريد ‪ ،‬ج‪ ،ϰ‬ص ‪. Ϯϵϵ‬‬
‫*قوله‪ :‬جاوز املاء الز ‪ :‬فالزبية مصيدة آسد وال تتخذ إال قلة أو رابية أو هضبة‪.‬‬
‫‪ -‬املربد‪ :‬الكامل اللغة وآدب‪ ،‬ج‪ ،ϭ‬ص ص ‪.ϭϮ -ϭϭ‬‬
‫‪-ϰ‬ابن رشيق ‪ :‬العمدة ‪،‬ج‪ ، ϭ‬ص ‪ .ϮϭϮ‬وصفحة ‪.ϰϬ‬‬
‫[الطويل]‬ ‫**جاء الشعر والشعراء‪ :‬املمزق « هو من بكر ة وامسه شاس بن هنار ومسي املمزق لقوله‪:‬‬
‫أمزِق‬ ‫وملا‬ ‫وإال فأدرك ِ‬ ‫فإن ك ت مأكوال فكن أنت آكِ ِل‬
‫وهو جاهلي قدمي وإمنا يقول هذا لبعض ملوك ا رية قال‪:‬‬
‫=‬ ‫واجد من غري سخط مفرِق‬ ‫إ‬ ‫وناجية عدت من ع د ماجد‬

‫‪86‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫وقال ابن رشيق معقبا على هذ الرسالة‪ :‬إن « البيت الذي قد تضم ته الرسالة من شعر املمزق**‬
‫العبدي يقوله لعمرو بن ه د قصيدة مشهورة وهبا مسي املمزق‪ ،‬وامسه شاس بن هنار‪ ،‬وخاطب عثمان‬
‫عليا يعاتبه وهو مطروق فقال له‪ :‬ما بالك ال تقول ؟ فقال علي‪ :‬إن قلت اعتددت عليك مبثل ما‬
‫اعتددت به علي فلدغك عتا ‪ ،‬وعقدي أال أفعل‪ -‬وإن ك ت عاتبا – إال ما ب »‪.1‬‬
‫ففي كالم ا ليفة عثمان ما يدل على حكمته البالغة‪ ،‬من خالل إشارته إ علي بن أ طالب بأن‬
‫احمل ة ال مير هبا قد مزقته‪ ،‬ومل د هلا رجا‪ ،‬فذكر مبح ة املمزق العبدي‪ ،‬ليعلم مبلغ شدة آزمة‪.‬‬
‫وعن أمر ا ليفة عثمان مع علي بن أ طالب ما ص تفشي آزمة ‪ ،‬كان اعتقاد عثمان وظ ه‬
‫أن لعلي دور فيها‪ ،‬لذا كان دائم املراسلة إليه‪ ،‬ليطلب م ه مساعدته بش الوسائل‪ ،‬من ذلك‪ « :‬قال‬
‫عبد اهلل بن عباس‪ :‬أرسل إ عثمان‪ ،‬فقال ‪ :‬اكف ابن عمك ‪ ،‬فقلت‪ :‬إن ابن عمي ليس بالرجل‬
‫يرى له ‪ ،‬ولك ه يرى ل فسه‪ ،‬فأرسل إليه مبا أحببت‪ ،‬قال‪ :‬قل له فليحرج إ ماله بالي بع فال أغتم به‬
‫[الطويل]‬ ‫وال يغتم ‪ ،‬فأتيت عليا فأخربته ‪ .‬ما ا ذين عثمان إال ناصحا‪ .‬مث أنشد قائال‪:‬‬
‫فـيدوى فال مل الدواء وال الداء‬ ‫فكيف به أين أدا ِوي ِجراحه‬
‫أما واهلل إنه ليخترب القوم‪ ،‬فأتيت عثمان‪ ،‬فحدثته ا ديث كله إال البيت الذي أنشد ‪ ،‬وقوله‪ :‬إنه‬
‫[الطويل]‬ ‫ليخترب القوم ‪ .‬فأنشد عثمان‪:‬‬
‫فـيدوى فال مل الدواء وال الداء‬ ‫فكيف به أين أدا ِوي ِجراحه‬
‫[الطويل]‬ ‫‪...‬قال‪ :‬فخرج علي إ ي بع ‪ ،‬فكتب إليه عثمان حني اشتد آمر‪...‬‬

‫بغدر ال يزك ولديه تـعل ِقي‬ ‫من ال يدنس عرضه‬ ‫تبلغ‬ ‫=‬
‫إليك آبن ماء املزن وآبن رِق‬ ‫تروح وتغدو ما ل وضي ها‬
‫على غري إجرام بريقي مش ِرقِي‬ ‫أحقا أبيت للعن أن ابن برت ا‬
‫وملا أمزِق‬ ‫أدكرين‬ ‫وإال‬ ‫فإن ك ت مأكوال فكن خري آكل‬
‫ومهما تضع من باطال ال ق ِق‬ ‫فأنت عميد ال اس مهما تقل نقل‬
‫فإال تدارك من البحر أغرِق‬ ‫أدواء قوم تركتهم‬ ‫أكلفت‬
‫وإن يتهموا مستحقيب ا رب أع ِرِق »‪.‬‬ ‫فإن يعم وا أشأم ال اس خالفا عليهم‬
‫‪ -‬ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ص‪. Ϯϱϳ‬‬
‫‪ -ϭ‬ابن رشيق ‪ :‬العمدة ‪،‬ج‪ ، ϭ‬ص ‪. ϮϭϮ‬‬

‫‪87‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫ضعيف ومل يغلبك مثل مغل ِ‬


‫ب‬ ‫فإنك مل تفخر عليك ِ‬
‫كفاخر‬
‫فأقبل إ على أي أمر بك أحببت‪ ،‬وكن أم علي‪ ،‬صديقا ك ت أم عدوا »‪.1‬‬
‫جاء "تاريخ الطربي"‪ « :‬وأما الواقدي فإنه زعم أن عبد اهلل بن مد حدثه ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ملا كانت س ة أربع وثالثني كتب أصحاب رسول اهلل‪ ، ‬بعضهم إ بعض أن أقدموا‪ ،‬فإن ك تم تريدون‬
‫ا هاد فا هاد ع دنا‪ ،‬وكثر ال اس على عثمان‪ ،‬ونالوا م ه أقبح ما نيل من أحد ‪ .‬وأصحاب رسول هلل‬
‫‪ ، ‬يرون ويسمعون‪ ،‬ليس فيهم أحد ي هي وال يذب إال نفري‪...‬فقام مروان بن ا كم‪ ،‬فقال‪ :‬إن شئتم‬
‫[الطويل]‬ ‫حكم ا واهلل بي ا وبي كم السيف ‪ ،‬ن واهلل وأنتم كما قال الشاعر‪:‬‬
‫ِدم ِن الثـرى‬
‫معارسكم تـبـ ون‬ ‫فـرش ا لكم أعراض ا ف بت بِكم‬
‫فقال عثمان‪ :‬اسكت السكت‪ ،‬دع وأصحا ‪ ،‬ما م طقك هذا ! أمل أتقدم إ ليك أال ت طق !‬
‫فسكت مروان ‪ ،‬ونزل عثمان »‪. 2‬‬
‫فهذا الرفض الذي بدا من عثمان ومواجهته ملروان ‪ ،‬يدل على أن ا ليفة قد فهم القصد من مروان‬
‫وما رمى إليه مبا متثل به من شعر‪ٓ .‬نه أدرك املغزى من حضور الصحابة إ املدي ة ‪ ،‬ورفض مواجهة‬
‫مروان للحاضرين ‪ ،‬وذلك با للفت ة ال أحاطت به من مجيع ا هات ‪.‬‬
‫ومن املواقف ال مسع فيها عثمان الشعر ‪ ،‬ما قاله ألطريي ‪ « :‬كتب إ السري عن سيف عن‬
‫[الرجز]‬ ‫مد وطلحة وعطية‪ ،‬قالوا‪...:‬وملا استقل عثمان رجز ا ادي ‪:‬‬
‫وض ِامرات عو ِج ِ‬
‫الق ِسي‬ ‫قد علِمت ضوامر ِ‬
‫املطي‬
‫و الزبـ ِري خلف ر ِضي‬ ‫أن آمري بعد علي‬
‫وطلحة ا امي هلا وِ‬
‫فقال كعب وهو يسري خلف عثمان ‪ ،‬آمري واهلل بعد صاحب البغلة ‪ ،‬وأشار إ معاوية »‪.3‬‬
‫كما كان للخليفة عثمان لسا ضر الصحابة الفقهاء ‪ ،‬والصحابة الشعراء‪ ،‬والتابعني‪ ،‬وكان‬
‫يسمع هلم‪ ،‬ويست شدهم‪ ،‬ومن املواقف ال است شد فيها ا ليفة عثمان بن عفان الشعراء‪ ،‬ما روا‬

‫‪ -ϭ‬ابن عبد ربه ‪ :‬العقد الفريد ‪ ،‬ج‪ ، ϰ‬ص ص ‪. ϯϭϬ -ϯϬϵ‬‬


‫‪ -Ϯ‬الطربي ‪ :‬تاريخ الطربي ‪،‬ج‪ ، ϰ‬ص ص‪. ϯϯϵ -ϯϯϴ -ϯϯϳ‬‬
‫‪ -ϯ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ، 4‬ص ص ‪. 343 -342‬‬

‫‪88‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫صاحب " طبقات فحول الشعراء "‪ ،‬فقال‪ « :‬أخربنا أبو الغراف قال‪ :‬كان أبو زبيد الطائي من زوار‬
‫امللوك‪ ،‬ومللوك العجم خاصة‪ ،‬وكان عاملا بسريهم‪ ،‬وكان عثمان بن عفان يقربه على ذلك ويدنيه‬
‫ويدين لسه‪ ،‬وكان نصرانيا‪ .‬فحضر ذات يوم عثمان وع د املهاجرون وآنصار‪ ،‬فتذاكروا مآثر‬
‫العرب وأشعارها‪ ،‬فالتفت عثمان إ أ زبيد فقال‪ :‬يا أخا تبع املسيح‪ ،‬أمسع ا قولك‪ ،‬فقد أنبئت‬
‫[البسيط]‬ ‫انك يد فانشد [قصيدته ال يقول فيها] ‪:‬‬
‫أن الفؤاد إلي ِهم شيـق ولِع *‬ ‫من مبلِغ قـوِمي ال ائني إذا شحطوا‬
‫ووصف فيها آسد ‪ ،‬فقال عثمان ‪ :‬تا اهلل تفتأ تذكر آسد ما حييت!واهلل ٓحسبك جبانا هدانا**!‬
‫فقال‪ :‬كال يا أمري املؤم ني‪ ،‬ولك رأيت م ه م ظرا وشهدت م ه مشهدا‪ ،‬ال يربح ذكر يتجدد ويرتدد‬
‫قليب »‪.1‬‬
‫ذلك أثر رسول‬ ‫فمن خالل هذا ال ص تأكد أن عثمان بن عفان است شد أبا زيد الشعر‪ ،‬مقتفيا‬
‫السماع للشعراء‪ ،‬إال أن مد هدارة ي في أن يكون عثمان قد است شد ‪،‬‬ ‫‪ ،‬وعمر بن ا طاب‪،‬‬
‫فلست أدري أي رواية اعتمدها لي في است شاد عثمان ٓ زيد ‪.‬‬
‫ومن الشعراء الذين كانوا على صلة وعالقة وطيدة با ليفة عثمان‪ ،‬الشاعر الصحا ال ابغة‬
‫ا عدي‪ ،‬فروى ابن سالم قال‪ « :‬دخل ال ابغة على عثمان بن عفان‪ ،‬فقال‪ :‬استودعك اهلل يا أمري‬
‫املؤم ني واقرأ عليك السالم‪ .‬قال‪ :‬مله ؟ قال‪ :‬أنكرت نفسي‪ ،‬فأردت أن أخرج إ إبلي فأشرب من‬
‫ألباهنا وأشم من شيح البادية ‪ .‬وذكر بلد ‪ .‬فقال‪ :‬يا أبا ليلى‪ :‬أما علمت أن التعرب بعد اهلجر ال‬
‫يصلح؟ قال‪ :‬ال ‪ ،‬واهلل ما علمت ‪ ،‬وما ك ت ٓخرج ح أستأذنك‪ ،‬فأذن له ‪ ،‬وضرب له أجال »‪.2‬‬
‫فالرواة مل يرووا أن ا ليفة عثمان است شد ال ابغة الشعر‪ ،‬رغم معرفته الكبرية بشاعريتـه‪ ،‬لكن‬
‫العالقة وطيدة بي هما؛ حيث يتجلى اهتمام ا ليفة بالشاعر وتقريبه إ لسه‪ ،‬مما ال ي في صحبة‬
‫ا ليفة للشعراء ‪.‬‬

‫* شحطوا ‪ :‬بعدوا ‪ ،‬وشيق ‪ :‬مشتاق ‪.‬‬


‫**اهلدان ‪ :‬آمحق الثقيل ‪.‬‬
‫‪ -ϭ‬ابن سالم ا محي ‪ :‬طبقات فحول الشعراء ‪ ،‬ج‪ ، Ϯ‬ص ص ‪. ϱϵϰ -ϱϵϯ‬‬
‫‪ – Ϯ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬ص ‪. ϭϮϳ‬‬

‫‪89‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫وهكذا يتجلى ل ا أن موقف ا ليفة الثالث عثمان بن عفان من الشعر والشعراء موقف إ ا ‪،‬‬
‫فكان يقول الشعر وإن كان مقال‪ ،‬ومتثل به مواقف سياسية ‪ ،‬مثله مثل صاحبيه‪ :‬أبوبكر الصديق‪،‬‬
‫وعمر بن ا طاب‪ ،‬ويبدو أن الثقافة آدبية للصحابة تقوم أساسا على حفظ الشعر العر وروايته‬
‫والتمثل به ‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫‪-4‬موقف الخليفة علي بن أبي طالب من الشعر والشعراء‬


‫إن علي بن أ طالب ‪ Ϯϯ(‬ق هـ ‪ ϰϬ‬هـ)‪ ،‬رابع ا لفاء الراشدين (‪ϯϱ‬هـ‪ϰϬ‬هـ)‪ ،‬عرف بشجاعته‬
‫وفروسيته من خالل املشاهد ال شهدها مع الرسول‪ ،‬بدءا من نزول الوحي ومواجهة مشركي مكة‪،‬‬
‫إ التخطيط للهجرة وال وم مكانه‪ ،‬إ غزواته بعد اهلجرة‪ ،‬دامت خالفته مخس س وات من ذي‬
‫ا جة س ة‪ϯϱ‬هـ إ رمضان س ة ‪ϰϬ‬هـ‪ ،‬مل يعرف فيها االستقرار‪ ،‬آمر الذي دفعه إ نقل عاصمة‬
‫ا الفة إ الكوفة‪ « ،‬وقد كانت آحداث ال وقعت خالفته أحداثا عظيمة جعلته كفاح دائم‬
‫وحروب مستمرة ‪ .‬فخرجت عليه عائشة أم املؤم ني‪ g‬بالبصرة ومعها طلحة والزبري‪ ،‬ومعركة ا مل‬
‫مشهورة‪ ،‬مث استمرت ا روب بي ه وبني معاوية بن أ سفيان سجاال وم ها موقعة صفني‪ ،‬مث كان‬
‫التحكيم الذي قبله علي على كر م ه‪ ،‬وخدع عمرو بن العاص أبا موسى آشعري فيه »‪.1‬‬
‫كل هذ آحداث واجهها ا ليفة علي بن أ طالب بالسيف‪ ،‬وواجهها با طابة والشعر‪،‬‬
‫فظهرت مقدرته على معا ة أساليب البيان‪ ،‬وقد فرضت عليه الظروف السياسية ال أحاطت به ‪ ،‬أن‬
‫يكون أكثر الصحابة قوال للشعر‪ ،‬والتمثل به ‪ .‬كما كانت له مواقف من الشعراء ‪ ،‬وس وضح مواقفه‬
‫الشعرية من خالل امل اسبات الزمانية واملكانية ال فرضتها آحداث‪ ،‬وذلك بعد أن نبني موقف علماء‬
‫الشعر القدماء مما نسب إليه من شعر‪ ،‬وموقف ال قاد املعاصرين من ديوانه الشعري ‪.‬‬
‫موقف علماء الشعر القدماء من شعر الخليفة علي بن أبي طالب‪:‬‬
‫كثرية هي املصادر ال روت شعرا للخليفة علي بن أ طالب؛ حيث د شعر مبثوثا مصدر‬
‫"السرية ال بوية" البن إسحق‪ ،‬و " أنساب آشراف " للبالذري ‪ ،‬و "العقد الفريد" البن عبد ربه ‪،‬‬
‫و" العمدة " البن رشيق‪ ،‬و " نثري ا مال من نظم وإيا الزمان " البن آمحر ‪ .‬ويعد ابن إسحق‬
‫رائد العلماء الذين اهتموا بشعر ا ليفة علي‪ ،‬روى له أشعارا " السرية ال بوية " إال أن ابن هشام‬

‫‪ -ϭ‬اإلمام علي بن أ طالب‪ :‬الديوان‪ ،‬قيق‪ :‬مد عبد امل عم خفاجي‪ ،‬دار اهلدى للطباعة لل شر والتوزيع‪ ،‬أم البواقي‪ ،‬عني امليلة‪ϭϵϴϵ ،‬م‪،‬‬
‫ص‪. ϲ‬‬
‫‪ -Ϯ‬ناصر الدين آسد ‪ :‬مصادر الشعر ا اهلي وقيمتها التار ية ‪ ،‬ص ‪. ϯϰϬ‬‬

‫‪91‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫كتابه " سرية ال يب ‪ ،" ‬ال تعد هتذيبا " للسرية ال بوية " البن إسحق ‪ ،‬كان « يورد الشعر الذي‬
‫أورد ابن إسحق كامال ال رم م ه بيتا‪ ،‬مث يذكر أهنا م حولة »‪. Ϯ‬‬
‫أشعار اإلمام علي ال رواها ابن إسحق ‪ ،‬وارتاب فيها‪ ،‬وعقب على كل‬ ‫وقد دقق ابن هشام‬
‫مـا ذكر ‪ ،‬وقد استعمل ابن هشام تعقيباته عدة عبارات تدل على ارتيابه ‪ ،‬فذكر العبـ ـ ـارة آو ‪:‬‬
‫« سألت غري واحد من أهل العلم بالشعر عن هذا الرجز‪ ،‬فقالوا‪...‬فال ندرى أهو قائله أو غري »‪.1‬‬
‫وق ــال العب ــارة الثاني ــة‪ « :‬ومل أر أح ــدا يعرفه ــا وال نقيض ــتها »‪ ،Ϯ‬وذك ــر العب ــارة الثالث ــة‪ « :‬ومل أر‬
‫أحدا يعرفها لعلي‪ ،ϯ»‬و العبارة الرابعة قال‪ « :‬وأكثر أهل العلم بالشعر يشك فيها لعلي »‪.ϰ‬‬
‫ومهما تعددت صيغ العبارات املستعملة التحقيق من شعر علي بن أ طالب‪ ،‬إال أهنا ذات‬
‫داللة واحدة‪ ،‬مفادها أنه يقر بانتحال الشعر امل سوب لعلي‪ ،‬وهذا هو دأبه م هجه الذي سلكه مع‬
‫بعض الشعر امل سوب إ الصحابة ا لفاء‪ ،‬والصحابة الشعراء ‪ -‬رضوان اهلل عليهم‪-‬؛ حيث أثار‬
‫االرتياب حول بعض أشعارهم‪ ،‬و هذا الصدد فقد ارتاب ابن هشام فيما روى ابن إسحق أث اء ب اء‬
‫[الرجز]‬ ‫مسجد الرسول‪ ،‬باملدي ة قال‪ « :‬ار ز علي بن أ طالب ‪ ،‬يومئذ‪:‬‬
‫اليست ِوي من يـعمر املس ِجد يدأب فيها نائِما وق ِ‬
‫اعدا‬
‫ومن يـرى غ ِري الغبا ِر حائِدا‬
‫قال ابن هشام‪ :‬سألت غري واحد من أهل العلم بالشعر عـن هـذا الرجـز ‪ ،‬فقـالوا‪ :‬بلغ ـا أن علـي بـن‬
‫أ طالب ار ز ‪ ،‬فال يدرى أهو قائله أم غري »‪. ϱ‬‬

‫‪ -1‬ابن هشام ‪ :‬سرية ال يب ‪ ،‬ج‪ ، Ϯ‬ص ‪. ϭϭϱ‬‬


‫‪ -Ϯ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ، Ϯ‬ص‪. ϯϳϯ‬‬
‫‪ -ϯ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ،ϯ‬ص ‪ ، ϭϱϰ‬وص ‪. ϮϬϬ‬‬
‫‪ -ϰ‬الصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ، ϯ‬ص‪. ϮϰϮ‬‬
‫‪ -ϱ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ، Ϯ‬ص‪. ϭϭϱ‬‬
‫*نقيضتها قصيدة ا رث بن هشام بن املغرية ‪ ،‬أجاب علي بن أ طالب تسعة عشر بيتا على الوزن والقافية نفسيهما ‪ ،‬ومطلعها ‪:‬‬
‫تغ بقتلى يوم بدر تتبعوا كرام املساعي من غالم ومن كهل‬
‫‪ -‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ Ϯ‬ص ص ‪Ϯϳϱ -Ϯϳϰ‬‬

‫‪92‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫يوم بدر"؛ حيث ارتاب ابن هشام‬ ‫موضوع‪ " :‬ذكر مـ ـا قيل من شعر‬ ‫وهذ صورة أخ ـ ـ ـرى‬
‫قصيدة نسبت إ علي بن أ طالب ‪ « ،‬قال ابن إسحق‪ :‬وقال علي بن أ طالب ‪ ‬يـ ـ ـوم بـ ـ ـدر‪.‬‬
‫وقال ابن هشام‪ :‬ومل أر أحدا من أهل العلم يعرفها وال نقيضتها *‪ ،‬إمنا كتب امها ٓنه يقال‪ :‬إن عمرو‬
‫ابن عبد اهلل بن جذعان قتل يوم بدر‪ ،‬ومل يذكر ابن إسحق القتلى‪ ،‬وذكر هذا الشعر‪.‬‬
‫[الطويل]‬ ‫[والقصيدة من تسعة عشر بيتا ] م ها ‪:‬‬
‫بالء عزيز ذي اقتدار وذي فض ِل‬ ‫أمل تر أ ّن اهلل أبلى رسوله‬
‫فالقوا هوانا ِمن أسار ِ‬
‫ومن قـت ِل‬ ‫مبا أنزل الكفار دار مذلة‬
‫وكان رسول اهللِ أرسل بالعد ِل‬ ‫فأمسى رسول اهللِ قد عز نصر‬
‫لذوي العق ِل‬ ‫مبيـ ة آياته‬ ‫فجاء بِفرقان ِمن اهلل م ـزل‬
‫مد اهللِ تمعي الشم ِل‬ ‫ِ‬ ‫فأمسوا‬ ‫فآمن أقوام بذاك وأيق وا‬
‫فزادهم ذو ِ‬
‫الفرش خبال على خب ِل‬ ‫وأنكر أقوام فـزاغت قلوبـهمم‬
‫وقوما ِغضابا فِعلهم أحسن ال ِفع ِل‬ ‫وأمكن م هم يوم بد ِر رسوله‬
‫وقد حادثوها با ِ ِ‬
‫الء وبالصق ِل‬ ‫بأيدي ِهم يبطش ِخفاف عصوا هبا‬
‫دة م هم كه ِل‬ ‫صريعا ِ‬
‫ومن ذي‬ ‫محية‬‫فكم تركوا ِمن ناشئ ذي ِ‬
‫الرشاش وبِالوي ِل‬ ‫ِ‬
‫بإسبال‬ ‫ود‬ ‫تبِيت عيون ال ائح ِ‬
‫ات علي ِهم‬
‫وت عى أبا جه ِل‬ ‫وشيبة ت عا‬ ‫نوائح ت عى عتبة الغي واب ه‬
‫مبـيـ ة الثك ِل‬ ‫مسلبة حرى‬ ‫وذا الرج ِل ت عى وابن جذعان في ِهم‬
‫روب و احمل ِل‬‫ا ِ‬ ‫ذوو دات‬ ‫بئ ِر بدر ِعصابة‬ ‫ثوى م هم‬
‫وللغي أسباب مرمقة الوص ِل‬ ‫دعا الغي م هم من دعا فأجابه‬
‫ب والعدو ِان أشغ ِل الشغل »‪.1‬‬
‫عن الشغ ِ‬ ‫فاضحوا لدى دا ِر ا حي ِم مبعزل‬

‫‪ -1‬ابن هشام ‪ :‬سرية ال يب ‪،‬ج‪ Ϯ‬ص ص ‪. ϯϳϰ -ϯϳϯ -ϯϳϮ‬‬


‫‪ -‬وي ظر ‪ :‬اإلمام علي بن أ طالب ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 114‬‬
‫* املهامة ‪ :‬مجع مهمة وهو الفقر ‪ .‬واملدهلمة ‪ :‬الشديدة الشواء ‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫وصورة ثالثة و موضوع‪ ":‬ذكر ما قيل من الشعر يوم أحد"نفى ابن هشام أبياتا نسبت لعلي‪،‬‬
‫« قال ابن إسحق‪ :‬قال علي بن أ طالب ‪ : ‬وقال ابن هشام‪ :‬فقال‪ :‬قال رجل من املسلمني يوم‬
‫أحد غري علي‪"،‬فيما ذكر بعض أهل العلم بالشعر"و"مل أر أحدا م هم يعرفها لعلي ‪[ :"‬الكامل]‬
‫كان وفِيا وبِ ا ذا ِذمه‬ ‫الهم إن ا ِرث بن الصمه‬
‫مدهلِمه*‬ ‫كليلة ظلماء‬ ‫مه ِامه م ِهمه‬ ‫أقـبل‬
‫يـبغِي رسول اهللِ فيما مثه »‪.1‬‬ ‫وِرماح مجـه‬ ‫بني سيوف‬
‫وممـ ــا ارتـ ــاب فيـ ــه ابـ ــن هشـ ــام كـ ــذلك ‪ ،‬مـ ــا روا بـ ــن إسـ ــحق قـ ــال‪ « :‬وقـ ــال علـ ــي بـ ــن أ طالـ ــب‬
‫‪-‬رضوان اهلل عليه‪ -‬يذكر جالء ب ال ضري وقتل كعب بن آشرف » ‪.Ϯ‬‬
‫وعقب ابن هشام قائال ‪ «:‬قاهلا رجل من املسلمني غري علي بن أ طالب‪-‬رضوان اهلل عليه‪-‬‬
‫بعض أهل العلم بالشعر ومل أر أحدا م هم يعرفها لعلي‪ -‬رضوان اهلل عليه"‪[ -:‬املتقارب]‬ ‫فيما" ذكر‬
‫ف*‬‫وأيق ت حقا ومل أصد ِ‬ ‫عرفت ومن يعتدل يعرف‬
‫ف‬‫لدى اهللِ ذي الرأف ِة آرأ ِ‬ ‫عن الكلِ ِم احملك ِم الال ِء ِمن‬
‫هبن اصطفى أمحد املصط ِفى‬ ‫املؤم ني‬ ‫رسائل تدرس‬
‫ف‬‫املقام ِة واملوقِ ِ‬ ‫عزيز‬ ‫فأصبح أمحد في ا عزيزا‬
‫ومل يـع ِ‬
‫ف‬ ‫يأت جورأ‬ ‫ومل ِ‬ ‫فيا أيها ا ملو ِعدو سفاها‬
‫كآ خو ِ‬
‫ف‬ ‫وما ِآمن اهللِ‬ ‫ِ‬
‫العذاب‬ ‫ألستم افون أدن‬
‫أ آشر ِ‬
‫ف‬ ‫ِ‬
‫كعب‬ ‫كمصرِع‬ ‫ت أسيافِ ِه‬ ‫وأن تصرعوا‬
‫مل آج ِ‬
‫ف‬ ‫وأعرض كا ِ‬ ‫غداة رأى اهلل طغيانه‬
‫بِوحي إ عبد ِ ملط ِ‬
‫ف‬ ‫قتلِ ِه‬ ‫فأنزل جربيل‬
‫أبيض ذي ِهبة مره ِ‬
‫ف‬ ‫الرسول رسوال له‬ ‫فدس‬

‫‪ -ϭ‬ابن هشام ‪ :‬سرية ال يب ‪ ،‬ج ‪ ، ϯ‬ص‪. ϭϱϰ‬‬


‫‪ -Ϯ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ، ϯ‬ص‪.ϮϬϬ‬‬
‫*مل أصدف ‪ :‬مل أعرض‬
‫**اذرعات ‪ :‬موضع بالشام ‪.‬‬
‫‪ -ϯ‬املصدر نفسه ج‪ ، ϯ‬ص ص‪.ϮϬϮ -ϮϬϭ -ϮϬϬ‬‬

‫‪94‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫ف‬‫م يـ ع كعب هلا تذ ِر ِ‬ ‫فباتت عيون له مع ِوالت‬


‫ف‬‫فإنا ِمن ال ـو ِح مل نشت ِ‬ ‫ذرنا قليال‬ ‫وقل ا ٓمحد‬
‫ف‬‫دحورا على رغ ِم آن ِ‬
‫ّ‬ ‫فخالهم مث قال‪ :‬اظعِ وا‬
‫وكانوا بِدار ذوي زخرفِ‬ ‫غربة‬ ‫وأجلى ال ضري إ‬
‫على كل ذي دبر أعج ِ‬
‫ف **»‪.ϯ‬‬ ‫وهم‬ ‫إ أذ ِرعات ردا‬
‫و قضية قتل عمرو بن عبد ود من طرف علي‪ ،‬قال ابن إسحق‪ « :‬قال علي بن أ طالب‬
‫[الكامل]‬ ‫‪-‬رضوان اهلل عليه‪ -‬ذلك‬
‫ونصرت رب مد بِصواِ *‬ ‫سفاهة رأيِِه‬
‫ِ‬ ‫نصر ا جارة ِمن‬
‫ذع بني دكا ِدك ورواِ **‬‫كا ِ‬ ‫فصدرت حني تركته متجدال‬
‫ك ت املقطر بـزِين أثـواِ ***‬ ‫وعففت عن أثوابِِه ولو أن ِ‬
‫ونبيه يا معشر آحز ِ‬
‫اب‬ ‫ال سب اهلل خ ِاذل ِديِ ِه‬
‫وقال ابن هشام عن آبيات‪ « :‬وأكثر أهل العلم بالشعر يشك فيها لعلي[بن أ طالب]» ‪.1‬‬
‫فهد صورة بالغة آمهية نقد ابن هشام البن إسحق روايته لشعر علي بن أ طالب‪ .‬ولكن‬
‫بعض هذ آشعار امل سوبة لعلي وال ارتاب فيها ابن هشام‪ ،‬ذكرت بعض املصادر دون ارتياب‪،‬‬
‫وهذا ال ص فيه أثر من أثار البطولة والشجاعة والقوة وهو ما يدل على أنه لعلي بن أ طالب‪،‬‬
‫فشاعريته ال تعرب إال على ما اتصف به علي‪ ،‬من الشد وا زم والدفاع عن اإلسالم ومواجهة املشركني‪.‬‬

‫*ا جارة أراد هبا آص ام وآنصاب ال كان أهل الشرك ي صبوهنا ويعبدوهنا ويذ ون هلا ‪.‬‬
‫**متج دال ‪ :‬الصقا واقعا على ا دالة وهي بزنة سحابة آرض ‪ ،‬ويقول ‪:‬جدلته ف جدل ‪ .‬وا دع ‪:‬ا راد به جدع ال خلة ‪ ،‬والدكادك ‪:‬مجع دكداك‬
‫وهو الرمل اللني ‪ ،‬والروا ‪ :‬مجع رابية وهي ما ارتفع وعال وأشرف من آرض ‪.‬‬
‫*** املقطر ‪ :‬اسم مفعول من قوهلم ‪ :‬فطرت الفارس إذا ألفيته على أحد فطر به (أي ج سه ) ‪.‬‬
‫ابن هشام ‪ :‬سرية ال يب ‪،‬ج‪ ، ϯ‬ا قق ‪ :‬هامش ص‪. ϮϰϮ‬‬
‫‪ -ϭ‬املصدر نفسه ‪،‬ج‪ ، ϯ‬ص‪.ϮϰϮ‬‬
‫‪ -‬وي ظر ‪ :‬اإلمام علي بن أ طالب ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ص‪. ϯϯ -ϯϮ‬‬
‫‪ -‬وي ظر ‪ :‬ابن إسحق ‪:‬السرية ال بوية ‪ ،‬ج‪ ،Ϯ‬ص ص ‪. ϰϬϮ -ϰϬϭ‬‬
‫‪ -Ϯ‬نايف معروف ‪ :‬آدب اإلسالمي عهد ال بوة وخالفة الراشدين ‪ ،‬ص ‪. ϭϵϯ‬‬

‫‪95‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫االرتياب الذي أثري حول مانسب إ علي بن أ طالب من شعر‪،‬‬ ‫ومهما كان أمر االختالف‬
‫فإن هذا ا دل ال يقلل من ذوقه الف وبراعته البيانية‪ ،‬كما «ال يقلل من شاعريته املتمثلة فيما رجحت‬
‫إمامته اللغوية وآدبية ‪ ،‬فهو أفصح العرب بعد رسول اهلل ‪ ،‬ولكن‬ ‫نسبته إليه‪ ،‬وال يقدم وال يؤخر‬
‫يبدو للباحث أن الشعر مل يكن غاية ع د ‪ ،‬كما أن سريته السياسية وما رافقها من أحداث جسام مل‬
‫تكن لتسمح له بااللتفات إ ص اعة الشعر وروايته‪ ،‬واصطياد املعاين ا ميلة واختيار القوا الرنانة‬
‫املؤثرة »‪.Ϯ‬‬
‫موقف ال قاد المعاصرين من ديوان الخليفة علي بن أبي طالب‬
‫لقد نسب إ علي بن أ طالب ديوان* شعر‪ ،‬واملشهور عن هذا الديوان أن الذي قام بص عه‬
‫الشريف املرتضى (ت‪ϰϯϲ‬هـ)‪ « ،‬وقد كان أول من زعم هذا الزعم‪ ،‬السيد مستقيم زادة أحد مؤلفي‬
‫آتراك‪ ،‬وكذلك ذهب كيمان هوار‪ ،‬وقد زعم بعض الكاتبني أن واضعه هو الشريف الرضي‪ ،‬جامع‬
‫" هنج البالغة " إال أن شعر الشريف الرضي أقوى‪ ،‬وأسلوبه أكثر إشراقا‪ ،‬أما الديوان امل سوب فضعيف‬
‫الص عة‪ ،‬ركيك السبك‪ ،‬واهي العبارة‪ ،‬ال يرقى إ كالم اإلمام علي بن أ طالب »‪ .1‬الذي عرف ع ه‬
‫املقدرة ا طابية وقوة الفصاحة ونصاعة البيان ‪.‬‬
‫ومما يالحظ على الديوان الذي اعتمدنا ‪ :‬كمية الشعر امل سوب إليه‪ ،‬إذ جاء جامعا ل ـ ـ ـ ـ ـ ‪ϭϯϴϮ‬‬
‫بيتا‪ ،‬م ظما ثالث مائة ومخس ومخسني (‪)ϯϱϱ‬قطعة شعرية وقصيدة‪ ،‬وفيه البيت والبيتني‪ ،‬وجاءت‬
‫أطول قصيدة الديوان البائية املسماة " القصيدة الزي بية " من ستة وستني بيتا‪ ،‬من ر الكامل‪،‬‬
‫[الكامل]‬ ‫« وهي من أبلغ املواعظ وال صائح‪ ،‬ومطلعها‪:‬‬
‫صرمت ِحبالك بـعد وصلِك زيـ ب وال ّدهر فِ ِيه تصرم وتـقلب»‪.Ϯ‬‬
‫ويذهب يي ا بوري إ أن هذ القصيدة‪ « ،‬من نظم صا عبد القدوس املقتول أيام املهدي‬
‫س ة ‪ϭϲϳ‬هـ »‪.ϯ‬‬

‫هامش الصفحة ‪. ϴϵ‬‬ ‫* اعتمدنا هذا البحث‪ :‬ديوان اإلمام علي بن أ طالب املذكور سابقا‬
‫‪ -ϭ‬يي ا بوري ‪ :‬اإلسالم والشعر ‪ ،‬ص ص ‪.ϭϮϲ -ϭϮϱ‬‬
‫‪ -Ϯ‬اإلمام علي بن أ طالب ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. ϰϵ‬‬
‫‪ -ϯ‬يي ا بوري ‪ :‬اإلسالم والشعر ‪ ،‬ص ‪. ϭϮϲ‬‬

‫‪96‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫كما يالحظ كثرة ور الشعر ال نظم فيها ا ليفة علي شعر ‪ ،‬وهي حسب آمهية وآكثر ورودا‬
‫الديوان‪ :‬الطويل‪ ،‬الوافر‪ ،‬البسيط‪ ،‬الكامل‪ ،‬الرجز‪ ،‬املتقارب ‪.‬‬
‫والبحور ال كانت أقل حظا الديوان هي‪ :‬السريع‪ ،‬الرمل‪ ،‬ا فيف‪ ،‬امل سرح‪ ،‬أما اهلزج فقد نظم‬
‫فيه مثانية (‪ )ϴ‬أبيات فقط‪.‬‬
‫وقد نظمت قوا الديوان على مجيع حروف املباين‪ ،‬باستث اء ثالثة حروف‪ :‬الثاء املثلثة‪ ،‬وا اء‬
‫املعجمة‪ ،‬والشني املعجمة‪ ،‬مما يوحي أن ا ليفة علي عداد الشعراء الصحابة احملرتفني للشعر‪ ،‬وأعتقد‬
‫أنه كما قال عبد امل عم خفاجي‪ « :‬قد يكون أكثر ما نسب لعلي من الشعر م تحال‪ٓ ،‬ن اإلمام‬
‫‪-‬كرم اهلل وجهه‪ -‬مل يفرغ للشعر ومل يعش من أجله‪ ،‬ولكي يكون شاعرا‪ ،‬وليس مبعقول أن يكف لبيد‬
‫عن الشعر‪ ،‬و وض فيه مثل اإلمام علي‪-‬كرم اهلل وجهه‪ -‬إ هذا ا د الذي يصور ل ا الديوان‬
‫امل سوب إليه ‪ .‬هذا وأكثر ما ي سب لإلمام تصح نسبته لغري »‪.1‬‬
‫و هذا الصدد قال خري الدين الزركلي إن‪ « :‬ما يرويه أصحاب آقاصيص من شعر ‪ ،‬ما مجعو ‪،‬‬
‫ومسو ديوان علي بن أ طالب‪ ،‬فمعظمه أو كله مدسوس عليه »‪.Ϯ‬‬
‫وهذا ما يؤكد ل ا ال ظـرة املوضوعية إ الديوان‪ ،‬الذي مل يسلم من فحص ومتحيص احملققني‬
‫والدارسني‪ٓ ،‬ن املتفحص للديوان د فيه اختالف املستوى وتباين ما فيه من الشعر بني القـوة‬
‫والضعف والركاكة ‪ ،‬مما يبني بعد قصائد الديوان و افاهتا لروح العصر‪.‬‬
‫لكن ما هي آسباب ال أدت مبن ص ع الديوان أن ي سبه للخليفة علي بن أ طالب ؟‪.‬‬
‫لإلجابة عن هذا السؤال ميكن القول‪ :‬قد تكون الدوافع على ما يبدو تلك الفرتة ال ص ع فيها‬
‫الديوان ال رج عن كوهنا دوافع متعددة‪ ،‬م ها‪ :‬ما هو سياسي‪ ،‬وما هو دي ‪ ،‬وما هو أد ‪ .‬وذلك‬
‫ليؤرخوا لألحداث ال عاصرها ا ليفة علي ‪ ،‬وليكون الديوان ترمجان العصر‪ ،‬كما أنه « قد ظن الذين‬
‫نسبوا إ اإلمام ما مل يقل‪ ،‬أهنم س ون ص عا ويرفعون من قدر علي‪ ،‬كما نسبوا إليه أمورا كثرية هي‬
‫عداد آساطري من نسيج ا رافة‪...‬وأن ذلك الص ع ليسيء كثريا إ اإلسالم واملسلمني‪ ،‬وإ‬

‫‪ -ϭ‬اإلمام علي بن أ طالب ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. ϮϬ‬‬


‫‪ -Ϯ‬الزركلي ‪ :‬سري أعالم ال بالء ‪ ،‬ص‪. Ϯϵϱ‬‬
‫‪ -ϯ‬ىي ا بوري ‪ :‬اإلسالم والشعر ‪ ،‬ص ‪. ϭϮϲ‬‬

‫‪97‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫شخصية اإلمام‪ ،‬ولئن كان خليفة املسلمني م ز عن الشعر‪ ،‬وأوهام الشعراء وأهواءهم‪ ،‬خري له ولل ّدين‬
‫من أن سب عداد الشعراء‪ ،‬إال أن نزعة التقرب إ العوام‪ ،‬بدغدغة أوهامهم ‪ .‬تأ إال أن رك‬
‫آكاذيب وآباطيل حول آل البيت‪ ،‬و ملهم ماهم بريئون م ه‪ ،‬ومن تلك آباطيل الكاذبة نسبة‬
‫الديوان إ علي بن أ طالب ‪.ϯ» ‬‬
‫ومن موقف العلماء بالشعر وال قاد من ديوانه وشعر ‪ ،‬ميكن أن نوضح مواقفه من الشعر والشعراء ‪.‬‬
‫لقد اتضح أن ا ليفة علي بن أ طالب مل يكن من الشعراء احملرتفني الذين كانوا يهجون املشركني‪،‬‬
‫ولك ه من دون شك أنه كان يقول الشعر‪ ،‬فـريوى أنـه قيـل لـه إبـان املعركـة بـني املسـلمني وقـريش‪ « :‬اهـج‬
‫ع ــا الق ــوم ال ــذين يهجون ــا فق ــال‪ :‬إن أذن رس ــول اهلل فعل ــت ‪ ،‬فق ــالوا‪ :‬يارس ــول اهلل ائ ــذن ل ــه‪ ،‬فق ـ ـال‬
‫الرسول‪ " :‬إن عليا ليس ع د ما يراد ذلك م ه " أو قال‪ " :‬ليس ذلك ه الك" »‪.1‬‬
‫وداللة قول من طلب من ا ليفة علي أن يهجو املشركني‪ ،‬أنه عرف ع ه قول الشعر‪ ،‬وكون الرسول‬
‫ذلك ه الك" فهذا ال ي في الشاعرية‬ ‫ذلك م ه " أو "ليس‬ ‫‪ ،‬رأى أن عليا ليس ع د ما يراد‬
‫عن علي‪ ‬إمنا ص ه ا شعر اهلجاء ‪ ،‬الذي يريد الرسول‪ ،‬وأن الذي تثبته املصادر‪ ،‬أن « لعلي‬
‫شاعرية‪ ،‬وكان يقول آبيات واملقطوعات تدعوها امل اسبة أو يش هبا صدر ‪ ،‬ولكن مل تكن تلك‬
‫الشاعرية م صرفة إ الشعر يث تؤلف ديوانا »‪.Ϯ‬‬
‫وقد روى البالذري شاعرية علي‪ ،‬عن الشعيب قال‪« :‬كان أبو بكر شاعرا‪ ،‬وكان عمر شاعرا‪،‬‬
‫وكان علي أشعر الثالثة »‪.ϯ‬‬
‫و روايــة أخــرى عــن الشــعيب قــال‪«:‬كــان أبــو بكــر يقــول الشــعر‪ ،‬وكــان عمــر يقــول الشــعر‪ ،‬وكــان علــي‬
‫أشعر الثالثة »‪.ϰ‬‬

‫‪ -1‬ابن عبد الرب ‪ :‬االستيعاب ‪،‬ج‪ ، ϭ‬ص ‪. ϯϰϭ‬‬


‫‪ -Ϯ‬ي ا بوري ‪ :‬اإلسالم و الشعر ‪ ،‬ص ‪.ϭϮϳ‬‬
‫‪ -ϯ‬البالذري ‪ :‬أنساب آشراف ‪ ،‬ج‪ ، Ϯ‬ص ‪. ϯϱϴ‬‬
‫‪ -ϰ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ، Ϯ‬ص ‪.ϯϴϮ‬‬

‫‪98‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫وعلــى هــذا آســاس‪ ،‬فــإن مواقــف علــي بــن أ طالــب مــن الشــعر والشــعراء ال تلــف عــن مواقــف‬
‫ا لفاء الراشدين‪ ،‬الـذين سـبقو إ قيـادة زمـام أمـر املسـلمني‪ ،‬فهـو يقـدر الشـعر‪ ،‬وي ظمـه ‪ ،‬ويتمثـل بـه ‪،‬‬
‫ويسمع إ الشعراء ي شدونه بني يديه ويثيب عليه ‪ ،‬كما كانت له آراء الشعر والشعراء ‪.‬‬
‫من ذلك أنه روي ع ه أنه قال شعرا بني يدي الرسول‪ ،‬فعن جابر بن عبد اهلل ‪ ،‬قال‪ « :‬مسعت‬
‫[البسيط]‬ ‫عليا ‪‬ي شد ورسول اهلل ‪ ،‬يسمع‪:‬‬
‫معه ربـيت وسبطا مها ول ِدي‬ ‫نسِيب‬ ‫أنا أخو املصطفى ال شك‬
‫زوجي ال قول ذي فـ د‬ ‫اطم ِ‬‫وف ِ‬ ‫م ـف ِرد‬ ‫رسول اهللِ‬
‫ِ‬ ‫جدي وجد‬
‫اك وال ك ِد‬ ‫ِمن الض ِ‬
‫اللة واإلشر ِ‬ ‫هبم‬ ‫صدقته ومجيع ال ِ‬
‫اس‬
‫بالعبد والباقِي بِال أم ِد‬
‫ِ‬ ‫الرب‬ ‫له‬ ‫ا مد هلل ال شريك‬
‫فقال ‪" :‬صدقت يا علي" »‪.1‬‬
‫وتعددت املواقف ال دعت علي بن أ طالب إ قول الشعر‪ ،‬فقد قال الشعيب‪«:‬كان علي أشجع‬
‫ال اس تقر له العرب بذلك ‪ ،‬قتل يوم بدر الوليد بن عتبة بن ربيعة بن عبد مشس ‪ .‬وأعان عبيدة بن‬
‫ا ارث بن عبد املطلب على شيبة بن ربيعة ‪ ،‬مث محل على الكتيبة مصمما وحد وهو يقول ‪[ :‬الرجز]‬
‫ِمن يعدها ح تكون الدكة * »‪.Ϯ‬‬ ‫لن يأكلوا العتـر ببط ِن مكة‬
‫ومن املواقف ال قال فيها علي بن أ طالب الشعر‪ ،‬ما روا املرزبان‪ ،‬قال‪ « :‬ويروى له شعر‬
‫[مشطور الرجز]‬ ‫كثري م ه قوله يوم خبري ‪،‬ملا خرج مرحب يقول‪:‬‬
‫الح بطل رب‬ ‫شاكِي الس ِ‬ ‫قد علمت خبري أين مرحب‬
‫[مشطور الرجز]‬ ‫فقال علي ‪:‬‬

‫‪ -1‬أبو عبد اهلل مد بن سالمة القطاعي ‪ :‬دستور معامل ا كم و مأثور مكارم الشيم من كالم أمري املؤم ني علي بن أ طالب ‪-‬كرم اهلل وجهه‪،-‬‬
‫القاهرة ‪ ،‬املكتبة آزهرية للرتاث ‪ ،‬د‪.‬ت‪ .‬ص ‪. ϮϬϯ‬‬
‫‪ -‬وي ظر اإلمام علي بن أ طالب ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ‪.ϭϱϮ‬‬
‫*العرتة ‪ :‬ما كان أهل ا اهلية يذ ونه آلهلتهم ‪ ،‬والدكة ‪:‬التدافع والتزاحم ‪.‬‬
‫ورواية البيت ع د اإلمام علي بن أ طالب ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص‪. ϳϮ‬‬
‫من بعدها ح تكون البركة ‪.‬‬ ‫لن تأكلوا التمر بظهر مكة‬
‫‪ -Ϯ‬البالذري ‪ :‬أنساب آشراف ‪ ،‬ج‪ ، Ϯ‬ص ‪. ϯϲϯ‬‬
‫‪ -ϯ‬املرزباين ‪ :‬معجم الشعراء ‪ ،‬ص ‪.ϭϲϴ‬‬

‫‪99‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫ث غابات كر ِيه امل ظر »‪.3‬‬


‫كلي ِ‬ ‫أنا الذي مست أمي حيدر‬
‫ومــن املواقــف الـ هــزت علــي ‪ ‬ودفعتــه لقــول الشــعر‪ ،‬هــي انتقــال الرســول ‪‬إ الرفيــق آعلــى‪،‬‬
‫فك ــان عل ــي واح ــدا م ــن الص ــحابة ال ــذين ت ــأثروا لفق ــد ‪ ،‬فرث ــا بش ــعر معـ ـربا ع ــن حزن ــه العمي ــق‪ ،‬فق ــال‬
‫[الطويل]‬ ‫البالذري‪ « :‬وقال علي بن أ طالب شعرا كتب ا م ه أبياتا و هي‪:‬‬
‫م ِاديا‬ ‫ملا استـقل‬ ‫وأرق‬ ‫أال طرق ال ا ِعي بليل فراع ِ‬
‫اهلل إن ك ت ن ِ‬
‫اعيا‬ ‫رسول ِ‬ ‫ِ‬ ‫لغ ِري‬ ‫فقلت له‪ :‬ملا رأيت الذي أتى‬
‫آرض و ِاديا‬
‫ِ‬ ‫العيس أو جاوزت‬ ‫فو اهلل ال أنساك أمحد ما مشت‬
‫أرى أثرا م ه جديدا وعافِيا‬ ‫وك ت م أهبط من آرضِ تلعة‬
‫يرين به ليثـا عليهن ضا ِريا‬ ‫جواد تشظى ا يل ع ه كأمنا‬
‫عالِيا»‪.1‬‬ ‫تثري غبـارا كالضب ِ‬
‫ابة‬ ‫لِبـي ِ‬
‫ك رسول ِ‬
‫اهلل خيل كثرية‬
‫ومما قاله من شعر بعد وفاة الرسول ‪‬متأثرا‪ ،‬فكان شديد البكاء وا زن عليه؛ حيث « كان علي‬
‫ابن أ طالب ‪ ‬يغدو ويروح إ قرب رسول اهلل ‪‬بعد وفاته ويبكي تفجيعا مث يقول‪ :‬يا رسول اهلل ما‬
‫[السريع]‬ ‫أحسن الصرب إال ع ك ‪ ،‬وأقبح البكاء إال عليك ‪ .‬مث يقول‪:‬‬
‫إالّ جعلتك للبكا سببا‬ ‫ما غاض دمعي ع د نازلة‬
‫ِم ا فون ففاض وانسكبا‬ ‫وإذا ذكرتك ميتا سفحت‬
‫[البسيط]‬ ‫ذلك‪:‬‬ ‫مث ميرغ وجهه الرتاب ويبكي وي دب ويذكر ما حل به بعد ‪ .‬ويقول‬
‫الزمان غوالِيا‬
‫ِ‬ ‫أال يشم مدى‬ ‫ماذا على من شم تربة أمحد‬
‫عدن ليالِيا »‪.Ϯ‬‬ ‫صبت على آي ِام‬ ‫صبت علي مصائِب لو أنـها‬
‫وملا بويع علي‪ ‬يوم ا معة مس يقني من ذي ا جة فخطب‪ ...‬و ملا فرغ من خطبته وهو‬
‫[الرجز]‬ ‫على امل رب قال املصريون‪:‬‬

‫‪ -1‬البالذري ‪ :‬أنساب آشراف ‪ ،‬ج‪ ، Ϯ‬ص ‪.Ϯϳϲ‬‬


‫‪ -‬وي ظر‪ :‬إلمام علي بن أ طالب ‪ :‬اليوان‪ ،‬ص ‪.ϭϱϯ‬‬
‫‪ -Ϯ‬القطاعي‪ :‬دستور معامل ا كم و مأثور مكارم الشيم ( من كالم أمري املؤم ني علي بن أ طالب –كرم اهلل وجهه )‪ ،‬ص ص ‪.ϭϵϵ -ϭϵϴ‬‬
‫‪ -‬وي ظر اإلمام علي بن أ طالب ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. ϭϱϮ‬‬

‫‪100‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫إنا منِر آمر إمرار الرس ِن‬ ‫خذها ‪...‬واحذر أبا حسن‬
‫وإمنا الشعر‪:‬‬
‫*خدها إليك واحذرا أبا حسن *‬
‫[الرجز]‬ ‫فقال علي يبا‪:‬‬
‫سوف أكيس بعدها وأست ِمر‬ ‫إين عجزت عجزة ما أعتذر‬
‫[الرجز]‬ ‫وملا أراد علي الذهاب إ بيته قالت السبئية‪:‬‬
‫إنا منِر آمر إمرار الرس ِن‬ ‫خذها إليك واحذرا أبا حسن‬
‫ِمبشرفِيات كغدر ِان اللب‬ ‫صولة أقوام كأسداد السفن‬
‫ح ميرن على غ ِري ع ن‬ ‫ونطعن امللك بِلني كالشط ِن‬
‫فقال علي وذكر تركهم العسكر والكي ونة على عدة ما م وا حني غمزوهم ورجعوا إليهم‪ ،‬فلم‬
‫[الرجز ]‬ ‫يستطيعوا أن ميت عوا ح ‪...‬‬
‫عتذر سوف أكيس بعدها وأست ِمر‬ ‫إين عجزت عجزة ال أ ِ‬
‫وأمجع آمر الشتِيت امل ت ِش ِر‬ ‫أرفع ِمن ذيلي ما ك ت أجر‬
‫أو يـتـرك ِوين والسالح يـبت ِدر»‪.1‬‬ ‫إن مل يش ِ‬
‫اغب ِ العجول امل ت ِ‬
‫صر‬
‫مث توالت آحداث ونوائب الدهر على علي بن أ طالب ‪ ،‬وذلك بعد أن تو ا الفة فوقعت‬
‫أحداث كثرية ‪ ،‬كانت له فيها مواقف‪ ،‬من ذلك موقعه ا مل ‪ ،‬ملا إلتحم الفريقان « وأشتد وقع ا ديد‬
‫على ا ديد ‪...‬جاء ذو الشهادتني خزمية بن ثابت إ علي فقال ‪:‬يا أمري املؤم ني ‪،‬ال ت كب اليوم رأس‬
‫[الرجز]‬ ‫مد‪ ،‬واردد إليه الراية ‪ ،‬فدعا به ورد عليه الراية وقال‪:‬‬
‫الخري ا ِ‬
‫رب إذا مل توقد‬ ‫أطع هم طعن أبيك مد‬
‫باملش ِر والق ا املسرِد »‪.2‬‬

‫‪ -ϭ‬الطربي ‪ :‬تاريخ الطربي ‪ ،‬ج‪ ، ϰ‬ص ص‪. ϰϯϳ – ϰϯϲ‬‬


‫‪ -Ϯ‬املسعودي ‪ :‬مروج الذهب ‪،‬ج‪ ، Ϯ‬ص ‪. ϯϲϳ‬‬
‫‪ -ϯ‬البالذري ‪ :‬أنساب آشراف ‪ ،‬ج ‪ ϯ‬ص ‪. ϯϭ‬‬
‫‪-‬ي ظر ‪:‬اإلمام علي بن أ طالب ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. ϵϯ‬‬
‫‪ -‬وي ظر‪ :‬املسعودي ‪ :‬مروج الذهب ‪ ،‬ج ‪ .Ϯ‬ص ‪. ϯϲϵ‬‬

‫‪101‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫سبعمائة من آنصار وورد الربذة ‪ ،‬فقدم عليه‬ ‫و وقعة ا مل « خرج علي‪ ‬من املدي ة‬
‫من قتل من عبد‬ ‫املث بن ربة العيدي ‪ ،‬فأخرب بأمر طلحة والزبري وبقتل حكيم بن جبلة العيدي‬
‫[الرجز]‬ ‫القيس وغريهم من ربيعة ‪ ،‬فقال ‪: ‬‬
‫ربيعة السامعة ِ‬
‫املطيعة‬ ‫يا هلف أما على الر ِ‬
‫بيعة‬
‫دعا حكيم دعوة ِمسيعة‬ ‫قد سبقت ِ هبم الوقيعـة‬
‫نال هبا امل زلة الرفيعة »‪.ϯ‬‬
‫ومن شعر علي بن أ طالب وكان ودا‪ -‬ماقاله يوم صفني يذكر مهدان ونصرهم إيا ‪[ :‬الطويل]‬
‫نواصيها محر ال حور دو ِامي‬ ‫وملا رأيت ا يل ترجم بالق ا‬
‫س بِقت ِام‬‫عجاجة دج ِن ملب ِ‬ ‫ِ‬
‫السماء وكأنه‬ ‫وأعرض نقع‬
‫م وحي جذ ِام‬ ‫وكِ دة‬ ‫الكالع ومحري‬ ‫ونادى ابن ه د‬
‫‪ -‬إذا ناب دهر‪ -‬جّ و ِسه ِامي‬ ‫تيممت مهدان الذين هم هم‬
‫فوارس من مهدان غري لِئ ِام‬ ‫فجاوب من خيل مهدان عصبة‬
‫وكانوا لدى اهليجاء كشرب مد ِام‬ ‫فخاضوا لظاها واستطاروا شرارها‬
‫لقلت هلمدان‪ :‬ادخلوا بِسالِم »‪.1‬‬ ‫باب ج ة‬ ‫فلو ك ت بوابا على ِ‬
‫[الطويل]‬ ‫ومن قول علي ‪-‬كرم اهلل وجهه ‪ -‬بصفني‪:‬‬
‫إذا قِيل قدمها حضني تـقدما‬ ‫ملن راية سوداء ِفق ِظلها‬
‫الس ّم والدما‬ ‫ِ‬ ‫يقدمها الصف ح ي ِزيرها‬
‫حياض امل ايا تـقطر ّ‬
‫ربيعة خريا ما أعف وأكرما‪.Ϯ‬‬ ‫جزى اهلل ع وا زاء بكف ِه‬

‫‪ -1‬ابن رشيق ‪ :‬العمدة ‪ ،‬ج ‪ ، ϭ‬ص ‪.Ϯϵ‬‬


‫‪ -‬وي ظر ‪ :‬اإلمام علي بن أ طالب‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ص ‪.ϭϮϵ – ϭϮϴ‬‬
‫‪ -Ϯ‬ابن عبد ربه ‪ :‬العقد الفريد ‪ ،‬ج ‪ ، ϱ‬ص ‪. Ϯϴϯ‬‬
‫‪ -‬وي ظر ‪ :‬اإلمام علي بن أ طالب‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ص ‪.ϭϮϴ -ϭϮϳ‬‬
‫‪ -ϯ‬البالذري ‪ :‬أنساب آشراف ‪ ،‬ج‪ ، Ϯ‬ص ص ‪. ϯϵϰ -ϯϵϯ‬‬
‫‪ -‬وي ظر ‪ :‬اإلمام علي بن أ طالب ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. ϲϴ‬‬
‫‪ -ϰ‬البالذري ‪ :‬أنساب آشراف ‪ ،‬ج ‪ ، ϯ‬ص ‪. ϳϳ‬‬
‫‪ -‬وي ظر‪ :‬اإلمام علي بن أ طالب ‪ :‬الديوان ‪ :‬ص ‪. ϭϬϵ‬‬

‫‪102‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫ومن مواقفه الشعرية ما روي عن ابن سريين قال‪ « :‬ارتد قوم بالكوفة فقتلهم علي‪ ‬مث‬
‫[الرجز]‬ ‫أحرقهم وقال ‪:‬‬
‫جردت سيفي ودعوت قـ بـرا‬ ‫ملا رأيت آمر أمرا م كرا‬
‫وق رب طم حطما م كرا‬ ‫مث احتفرت حفرا وحفرا‬
‫أحرقت بال ري ِان من قد كفرا »‪.ϯ‬‬
‫[الرجز]‬ ‫و«قال علي‪ :‬حني جد ال هوض و معاوية يوم صفني أيضا‪:‬‬
‫إين لرام م كم الكوا ِهال‬ ‫أصبحت ع يابن ه د غافال‬
‫هذا لك العام وعاما قابِال »‪.ϰ‬‬ ‫ِ‬
‫الباطال‬ ‫با ق وا ق يزيل‬
‫ومن مواقفه الشعرية كذلك‪ ،‬ما كان وقعة ال هروان بني بغداد وواسط س ة ‪ϲϱϴ‬م؛حيث‬
‫« أتى علي املدائن وقد قدمها قيس بن سعد بن عبادة ‪ ،‬وكان علي قدمه إليها‪ ،‬مث أتى علي ال هران‬
‫فبعث إ ا وارج أن أسلموا ل ا قتلة ابن خباب ورسو وال سوة ٓقتلهـم‪ ،‬مث أنا تارككم إ فراغي من‬
‫أهل املغرب‪ ،‬فلعل اهلل يقبل بقلوبكم ويردكم إ ما هو خري لكم وأملك بكم‪ .‬فبعثوا إليه أنه ليس بي ا‬
‫وبي ك إال السيف‪ ،‬إال أن تقر بالكفر وتتوب كما تب ا فقال علي‪ :‬أبعد جهادي مع رسول اهلل‪،‬‬
‫وإمياين أشهد على نفسي بالكفر؟‪ ،‬لـ ‪[ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀‬سورة آنعام اآلية ‪،]ϱϲ‬‬
‫[الرجز]‬ ‫مث قال‪:‬‬
‫آم ت باهلل و أمح ِد‬ ‫يا شاهدا ِ‬
‫هلل علي فاشهد‬
‫من شك اهلل فِإين مهت ِد »‪.1‬‬
‫و موقف آخر‪ ،‬عن عوانة‪ « :‬أن عليا كتب إ قيس بن سعد وهو عامله على أذربيجان‪:‬‬
‫أما بعد‪ :‬فاستعمل على عملك عبد اهلل بن شبيل آمحسي‪ ،‬وأقبل فإنه قد اجتمع مأل املسلمني‬

‫‪ -ϭ‬البالذري ‪ :‬أنساب آشراف ‪ ،‬ج‪ ،ϯ‬ص‪. ϭϰϰ‬‬


‫الرجز تغيري جاء على هذا ال حو ‪:‬‬ ‫وي ظر ‪ :‬اإلمام علي بن أ طالب ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص‪ٓ ، ϱϴ‬ن‬
‫أني على دين ال بي أمحد‬ ‫يا شاهد اهلل علي فاشهد‬
‫يا رب فاجعل في الج ان موردي ‪.‬‬ ‫الدين فاين مه دي‬ ‫من شك‬

‫‪103‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫مجاعتهم وال يكن لك عرجة وال لبث‪ ،‬فإنا جادون مغذون‪ ،‬و ن‬ ‫وحس ت طاعتهم‪ ،‬وانقادت‬
‫شاخصون إ احمللني‪ ،‬ومل أؤخر املسري إال انتظارا لقدومك علي ا إن شاء اهلل والسالم ‪.‬‬
‫‪...‬قال عمرو بن العاص‪ :‬حني بلغه ما عليه علي من الشخوص إ الشام‪ ،‬وأن أهل الكوفة قد انقادوا‬
‫[الرجز]‬ ‫له‪:‬‬
‫ياعلي غافال ٓوردن الكوفة القبائِال‬ ‫ّ‬ ‫ال سبـ‬
‫ستني ألفا فارسا ور ِاجال‬
‫[الرجز]‬ ‫فقال علي‪:‬‬
‫ستني ألفا عاقِدي ال ـوا ِصي‬ ‫العاصي بن ِ‬
‫العاصي‬ ‫ٓبلغن ِ‬

‫ص » ‪.1‬‬
‫مستحقبني حلق الدال ِ‬
‫وملا ضرب ابن ملجم علي بن أ طالب‪ « ،‬عن مد بن سريين قال‪ :‬قال علي ‪ ‬للمرادي‪:‬‬
‫[الوافر]‬
‫ِ‬
‫عذيرك من خليلك من مر ِاد »‪.2‬‬ ‫أريد حباء ويريد قتلِي‬
‫[املتقارب]‬ ‫و« قال علي بن أ طالب‪:‬‬
‫ه اك ‪ ،‬وأسرته آرذلون‬ ‫فـبار أبوحكم الوغى‬
‫البوار اهلالك ‪ ،‬قال اهلل عز وجل ‪ :‬ﭐﭐ ‪[ ฀ ฀ ฀ ฀‬سورة إبراهيم‪ :‬اآلية ‪.ϯ» ]Ϯϴ‬‬
‫المواقف التي تمثل فيها الخليقة علي بن أبي طالب بالشعر ‪:‬‬
‫ومــن املواقــف ال ـ دعــت علــي بــن أ طالــب إ التمثــل بالشــعر‪ ،‬موقعــة ا مــل حــني التقــى مــع‬
‫الصحابيني طلحة والزبري وجها لوجـه للقتـال ‪ ،‬فخـرج الـزبري لقتـال علـي مث رجـع‪ ،‬حي ئـذ« نـادى علـي ‪‬‬

‫‪ -ϭ‬البالذري ‪ :‬أنساب آشراف ‪ ،‬ج ‪ ، ϯ‬ص‪. Ϯϯϴ‬‬


‫‪ -‬وي ظر اإلمام علي بن أ طالب ‪ :‬الديوان‪ ،‬ص ‪. ϴϵ‬‬
‫‪ -Ϯ‬البالذري ‪ :‬أنساب آشراف ‪ ،‬ج ‪ ، ϯ‬ص ‪. Ϯϲϭ‬‬
‫‪ -ϯ‬القرشي ‪ :‬مجهرة أشعار العرب ‪ ،‬ص ‪. Ϯϰ‬‬
‫‪ -ϰ‬املسعودي ‪ :‬مروج الذهب ‪ ،‬ج‪ ، Ϯ‬ص ص ‪. ϯϲϱ -ϯϲϰ‬‬

‫‪104‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫طلحة حني رجـع الـزبري‪ :‬يـا أبـا مـد‪ ،‬مـا الـذي أخرجـك ؟ قـال الطلـب بـدم عثمـان‪ ،‬قـال علـي‪ :‬قتـل اهلل‬
‫أوالنا بدم عثمان ‪،‬أما مسعت رسـول اهلل‪ ‬يقـول‪ " :‬اللهـم وال مـن وال وعـاد مـن عـاد " وأنـت أول مـن‬
‫‪[ ฀฀ ฀‬س ــورة الف ــتح‪ :‬اآلي ــة‪.]ϭϬ‬‬ ‫ب ــايع مث نكث ــت‪ ،‬وق ــد ق ــال اهلل ع ــز وج ــل‪ :‬ﭐ ‪฀ ฀‬‬
‫فقــال‪ :‬اســتغفر اهلل ‪ ،‬مث رجــع‪ ،‬فقــال مــروان بــن ا كــم‪ :‬رجــع الـزبري ويرجــع طلحــة مــا أبــا رميتــه هه ــا أم‬
‫هه ا‪ ،‬فرما أكحله فقتله‪ ،‬فقـال بعـد الوقعـة موضـعه ق طـرة قـرة‪ ،‬فوقـف عليـه‪ ،‬فقـال‪ :‬إن هلل وإن‬
‫[الطويل]‬ ‫إليه راجعون‪ ،‬واهلل لقد ك ت كارها هلذا‪ ،‬أنت واهلل كما قال القائل‪:‬‬
‫ويـبعِد الفقر‬ ‫إذا ما هو استغ‬ ‫ِ‬
‫صديقه‬ ‫ف كان يدن ِيه الغِ من‬
‫و خد ِ الشعرى‪ ،‬و اآلخر البدر »‪.ϰ‬‬ ‫ميي ِه‬ ‫كأن الثريا علقت‬
‫خالفة علي‪ ‬سفر‪ ،‬فقتل بعضهم‪ ،‬فلما رجعوا طالبهم‪ ‬به‪،‬‬ ‫ويروى أنه قد «خرج قوم‬
‫[البسيط]‬ ‫وأمر شر ا ال ظر فيه‪ ،‬فحكم بإقامة البيئة‪ ،‬فقال علي‪ ‬متمثال‪:‬‬
‫ما هكذا تورد يا سعد ا ِإلبِل *‬ ‫أوردها سعد وسعد مشت ِمل‬
‫أراد أنه قصر ومل يستقص ‪،‬كما قصر صاحب اإلبل ع د إيرادها »‪.1‬‬
‫« وحكي أبو حامت عن أ عبيدة قال‪ :‬أتى علي‪‬بالوليد بن عقبة أسريا يوم ا مل‪ ،‬فلما رآ أنشأ‬
‫[الوافر]‬ ‫يقول‪:‬‬
‫هم آعداء وآكباد سود‬ ‫ه ـيدة قد حلل ِ‬
‫ت بدا ِر قوم‬
‫وإن أظفر فليس هلم خلود‬ ‫هم إن يظفروا يقتلوين‬
‫فقال الوليد‪ :‬أنشدك يا أمري املؤم ني دمي فخلي ع ه »‪.Ϯ‬‬

‫*« املثل ملالك بن زيد م اة بن متيم ‪ ،‬وقد رأى أخا سعدا أورد إليه إبله ‪ ،‬ومل سن القيامة عليها ‪ ،‬فتمثل بذلك‪ ،‬أي ‪:‬سعد مشتمل بكسائه‬
‫نائم غري مشمر للسقي‪ ،‬فسار ممتال للرجل يقصر آمور ويؤثر الراحة على املشقة » ‪.‬‬
‫‪ -‬أبو العباس أمحد بن مد ا رجاين‪ :‬ك ايات آدباء وإشارات البلغاء ‪ ،‬ص ‪ϯϮϭ‬‬
‫‪ -ϭ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص‪. ϯϮϭ‬‬
‫‪ -Ϯ‬املصدر نقسه ‪ ،‬ص‪. ϯϮϲ‬‬
‫‪ -ϯ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. ϯϯϬ‬‬

‫‪105‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫سرق‪ ،‬فحسبهم‪ ،‬فجاء رجل آخر فقال‪ :‬يا أمري‬ ‫وروي «عن آصمعي قال‪:‬أخد علي‪‬قوما‬
‫[البسيط]‬ ‫املؤم ني إين ك ت معهم ‪،‬وقد تبت ‪ ،‬فأمر د ‪،‬وقال متمثال‪:‬‬
‫بني القري ِ‬
‫ني ح لز القرن »‪.ϯ‬‬ ‫ومد ِخل رأسه مل يدعه أحد‬
‫ومن املواقف ال متثل فيها بالشعر‪ ،‬وقعة صفني‪ ،‬وذلك ملا قتل عمار بن ياسر‪ « ،‬حرض علي‬
‫‪‬ال اس‪ ،‬وقال لربيعة‪ :‬أنتم درعي ور ي‪ ،‬فانتدب له ما بني عشرة آالف إ أكثر من ذلك‪ ،‬من ربيعة‬
‫وغريهم‪ ،‬قد جاؤوا بأنفسهم هلل عز وجل‪ ،‬وعلي أمامهم على البغلة الشهباء وهو يقول‪[ :‬الرجز ]‬
‫أيوم مل يقدر أم يوم قد ِر‬ ‫من أي يومي ِمن ِ‬
‫املوت أفـر‬ ‫ّ‬
‫ومحل ومحلوا معه محلة رجل واحد‪ ،‬فلم يبق ٓهل الشام صف إال انتفض‪ ،‬وامهدوا كل ما أتوا‬
‫[الرجز]‬ ‫عليه‪ ،‬ح أتوا إ قبة معاوية‪ ،‬وعلي ال مير بفارس إال قد وهو يقول‪:‬‬
‫آخزر العني العظيم ا ا ِويه‬ ‫أضرهبـم وال أرى معاويه‬
‫هت ِوي به ال ا ِر أم ها ِويه»‪.1‬‬
‫ذلك اليوم »‪.Ϯ‬‬ ‫وعقب املسعودي قال‪ «:‬وقيل‪ :‬إن هذا الشعر لبديل بن ورقاء‪ .‬قاله‬
‫ومما متثل به ما روي‪ « :‬أهدى رجل من عمال علي إ ا سن وا سني‪ ‬هدية‪ ،‬وترك ابن‬
‫[الوافر]‬ ‫ا فية‪ ،‬فخطأ *على كتف ابن ا فية مث متثل‪:‬‬
‫ِ‬
‫بصاحبك الذي ال تصحبِي ا »‪.ϯ‬‬ ‫وماشـر الثالث ِـة ّأم عمـرو‬
‫[الرجز]‬ ‫ويروى‪ «:‬كان علي ‪‬كثري ما يتمثل‪:‬‬
‫فال وربك ما بروا وما ظفروا‬ ‫تِلكم قريش مت اين لِتقتل‬
‫ِ‬
‫بذات ودقني ال يعفو هلا أثـر‬ ‫فإن هلكت فرهن ذم هلم‬
‫[الرجز]‬ ‫وكان يكثر من ذكر هذين البيتني‪:‬‬

‫‪ -ϭ‬املسعودي ‪ :‬مروج الذهب ‪ ،‬ج ‪ ، Ϯ‬ص ‪. ϯϴϲ‬‬


‫‪ -Ϯ‬الصدر نفسه ‪ ،‬ج ‪ ،Ϯ‬ص ‪ϯϴϲ‬‬
‫*خطأ ‪ :‬ضرب بيد مبسوطة ‪ .‬القاموس‪.‬‬
‫‪ -ϯ‬البالذري ‪ :‬أنساب آشراف ‪ ،‬ج ‪ ،Ϯ‬ص ‪.ϯϵϲ‬‬
‫‪ -ϰ‬املسعودي ‪ :‬مروج الذهب ج‪ ، Ϯ‬ص ص ‪. . ϰϭϴ -ϰϭϳ‬‬
‫‪ -‬وي ظر‪ :‬اإلمام علي بن أ طالب ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. .ϭϬϳ‬‬

‫‪106‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫فإن املوت القِيكا‬ ‫ِ‬


‫للموت‬ ‫أشدد حياز ميك‬
‫إذا حل بـو ِاديكا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫املوت‬ ‫وال زع ِمن‬
‫ومسعا م ه الوقت الذي قتل فيه‪ ،‬فإنه قد خرج إ املسجد‪ ،‬وقد عسر عليه فتح باب دار ‪ ،‬وكان‬
‫من جذوع ال خل ‪ ،‬فاقتلعه وجعله ناحية ‪ ،‬وا ل إزار ‪ ،‬فشد وجعل ي شد هذين البيتني املتقدمني »‪.ϰ‬‬
‫حروبه مع أهل ال هروان‪ « ،‬فحل رجل من ا وارج على أصحاب علي‪ ‬فخرج فيهم‪،‬‬ ‫أما‬
‫[الرجز]‬ ‫وجعل يغشى كل ناحية‪ ،‬ير ز قائال‪:‬‬
‫ألبسته أبيض مشرفيا‬ ‫أضرهبم و لو أرى عليا‬
‫[الرجز]‬ ‫فخرج إليه علي ‪ ‬وهو يقول‪:‬‬
‫إين أراك جاهال ش ِقيا‬ ‫يا أيهذا املبتغِي عليا‬
‫هلم فأبرز ها ه ا إِليا‬ ‫كفاح ِه غِيا‬
‫قد ك ت عن ِ‬
‫ومحل علي‪ ‬فقتله‪.‬‬
‫[الرجز]‬ ‫مث خرج م هم آخر‪ ،‬فحمل على ال اس‪ ،‬ففتك فيهم‪ ،‬وجعل يكر عليهم‪ ،‬وهو يقول‪:‬‬
‫ألبسته ِ‬
‫بصارمي ثوب غب‬ ‫أضرهبم و لو أرى أبا حسن‬
‫[الرجز]‬ ‫فخرج إليه علي ‪ ‬وهو يقول‪:‬‬
‫إليك فأنظر أي ا يلقى الغب‬ ‫يا أيهذا املبتغِي أبا حسن‬
‫ومحل عليه علي وشكه بالرمح و ترك الرمح فيه‪ ،‬فانصرف علي وهو يقول‪ :‬لقد رأيت أبا حسن‬
‫فرأيت ما تكر »‪.1‬‬
‫المواقف التي سمع فيها الخليقة علي بن أبي طالب الشعر‪:‬‬

‫‪ -ϭ‬املسعودي ‪ :‬مروج الذهب ‪ ،‬ج‪ ، Ϯ‬ص ص ‪. ϰϬϲ -ϰϬϱ‬‬


‫‪ -‬وي ظر ‪ :‬اإلمام علي بن أ طالب‪ ،‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. ϭϱϰ‬‬
‫* أمي ‪ :‬أقصدي ‪.‬‬
‫**آحواز ‪ :‬مجع حوز وهي ا هات ‪ ،‬وآعالم ‪ :‬بال ‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫ومن املواقف ال مسع فيها علي بن أ طالب الشعر‪ ،‬ما روا صاحب آغاين‪ ،‬قال‪ «...‬قال‪:‬‬
‫مد بن يزيد بن س ان قال‪ :‬حدث جدي س ان بن يزيد قال‪ :‬ك ت مع موالي جرير بن سهم‬
‫[الرجز]‬ ‫التميمي وهو يسري أمام علي بن أ طالب ‪ ‬ويقول‪:‬‬
‫وخل ِفي آخوال وآعماما*‬ ‫يا فرسي ِسريي وأمي الشاما‬
‫وقاتِلي من خالف اإلماما**‬ ‫وقطعِي آجواز وآعالما‬
‫أمية الطغاما‬ ‫مجع ب‬ ‫إين ٓرجو إن ِلقيِ ا العاما‬
‫وأن نزيل ِمن رجال هاما‬ ‫أن نـقتل العاصي واهلماما‬
‫فلما انتهى إ مدائن كسرى‪ ،‬وقف علي‪‬ووقف ا‪ ،‬فتمثل موالي قول آسود يعفر‪[ :‬البسيط]‬
‫فكأمنا كانوا على ِميع ِاد‬ ‫مكان ِديا ِرِهم‬
‫جرت الرياح على ِ‬‫ِ‬
‫‪฀ ฀‬‬ ‫فقال له علي ‪ :‬فلِم مل تقل كما قال اهلل عز وجل‪ :‬ﭐ‬
‫‪[ ฀ ฀ ฀ ฀฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀‬سورة الدخان‪:‬اآليات‬
‫‪ ،]Ϯϴ-Ϯϱ‬مث قال‪ :‬يا ابن أخي‪ ،‬إن هؤالء كفروا ال عمة‪ ،‬فحلت هبم ال قمة‪ ،‬فإياكم وكفر ال عمة‬
‫فتحل بكم ال قمة »‪.1‬‬
‫ومن املواقف ال مسع فيها علي بن أ طالب الشعر وأثاب صاحبه عليه‪ « ،‬يروي أن أعرابيا‬
‫إليك حاجة رفعتها إ اهلل قبل أن أرفعها إليك‪ ،‬فإن‬ ‫وقف على علي بن أ طالب ‪ ، ‬فقال‪ :‬إن‬
‫قضيتها محدت اهلل تعا وشكرتك‪ ،‬وإن مل تقضها محدت اهلل وعذرتك‪ ،‬فقال له علي‪ :‬خط حاجتك‬
‫آرض‪ ،‬فإين أرى الضر عليك فكتب آعرا على آرض " إين فقري"‪ ،‬فقال علي‪ :‬يا ق رب‪ ،‬ادفع‬
‫[البسيط]‬ ‫إليه حل الفالنية‪ ،‬فلما أخذها مثل بني يديه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫فسوف أكسوك ِمن حس ِن الثـ ا حلال‬ ‫كسوت ِ حلة تـبلى اس ها‬
‫هل وا بال‬ ‫ِ‬
‫كالغيث يي نداء الس ِ‬ ‫إن الث اء ليحىي ذكر صاحبه‬
‫فكل عبد سيجزى بالذي فـعال‬ ‫رف بدأت به‬ ‫ال ِ‬
‫تزهد الدهر ع ِ‬

‫‪ -ϭ‬أبوالفرج آصفهاين ‪ :‬آغاين‪ ،‬ج ‪ ،ϭϯ‬ص ‪. ϭϴ‬‬


‫‪ -Ϯ‬ابن رشيق ‪ :‬العمدة ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬ص ص ‪. . Ϯϱ -Ϯϰ‬‬

‫‪108‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫فقال علي‪ :‬يا ق رب أعطه مخيس دي ارا‪ ،‬أما ا لة فلمسألتك‪ ،‬وأما الدنانري فألدبك‪ ،‬مسعت رسول‬
‫اهلل يقول‪ " :‬انزلوا ال اس م ازهلم" »‪.Ϯ‬‬
‫فلقد اعتلى هذا الرجل م زلة عالية ع د علي بن أ طالب وذلك بسبب شعر ‪ ،‬فتذوقه وقدر‬
‫أحسن تقدير‪ ،‬وكافأ ائزتني‪ :‬آو ‪ :‬مادية متثلت ا لة والدنانري‪ ،‬والثانية‪ :‬جائزة مع وية‪ ،‬وهي‬
‫شهادته على حسن خلق الشاعر‪ ،‬وهذا حد ذاته يعترب مدحا وث اء للشاعر من ا ليفة علي ‪.‬‬
‫موقفه من الشعر‪ ،‬فكان موقفه‬ ‫وبعد‪ ،‬فقد اتضح أن علي بن أ طالب مثله مثل باقي الصحابة‬
‫إ ابيا من الشعر والشعراء‪ ،‬فتبث ع ه أنه قال الشعر قبل وبعد خالفته‪ ،‬ومسع للشعراء ‪ ،‬واستحسن‬
‫أشعارهم وأجازهم مواقف تلفة ‪ ،‬ومتثل به‪ ،‬وهنى ع ه بعض املواقف ‪ ،‬وقد أدت مواجهة ملعاوية‬
‫املواجهة الشعرية بي هم ‪.‬‬ ‫صفني دورا كبريا‬ ‫وعمرو بن العاص‬
‫وفي األخير‪ ،‬وعلى الرغم مما أحاط ديوان علي من شكوك‪ ،‬سواء تعلق آمر بآراء القدماء‬
‫واختالف احملدثني‪ ،‬إال أن هذا ال يدع اال على اإلطالق ل سف الشاعرية عن ا ليفة علي‪ ،‬ذلك أن‬
‫املصادر القدمية تؤكد أن عليا كان يستمع للشعر فيستحسن بعضه‪ ،‬ويستبيح بعضه اآلخر‪ ،‬وكان يقول‬
‫الشعر املواقف ال تطلب ذلك حشدا للهمم‪ ،‬وبعث الشجاعة ال فوس واإلقدام‪.‬‬
‫ولكن مشروع ا ليفة علي مل يكن اهتمامه م صبا حول الشعر‪ ،‬هلذا مل يعن بالص اعة الشعرية من‬
‫حيث مجاليته وصياغته ‪ ،‬لذا ظهر بعض الضعف على شاعريته ‪ ،‬وهذا ليس لضعف لغته وعبارته‪،‬‬
‫وإمنا من حيث كون الشعر ال يشكل بؤرة اهتمامه وتطلعاته‪ ،‬وعليه فإنه ال ميكن بأية حال من آحوال‬
‫الطعن شاعريته‪ ،‬وإمنا إحقاقا للحق أن عليا ميتلك ذوقا مجيال‪ ،‬وأذنا موسيقية وقدرة فائقة على قول‬
‫الشعر‪ ،‬ولكن العتبارات كثرية مل تكن توجهاته م صبة حول الشعر ‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫موقف الصحابة من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب آول‬

‫‪110‬‬
‫شعر الصحابة بني البعد الفكري والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫الفصل الثاني‬
‫شعر الصحابة بين البعد الفكري والف ي‬

‫‪109‬‬
‫شعر الصحابة بني البعد الفكري والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫شعر الصحابة بين البعد الفكري والف ي‬


‫إن الذي ال جدال فيه‪ ،‬أنه ملا اشتد الصراع بني الرسول واملشركني يف مكة‪ ،‬و« أخذ اإلسالم يف‬
‫التغلغل بني القبائل استشاطت قريش غيظا‪ ،‬وناصبت الرسول العداء‪ ،‬ووقف عمه أبو طالب‪ ،‬يصارح‬
‫قريشا بأن ب هاشم لن يسلمو ‪ ،‬وهاجر الرسول إ املدي ة فآوى إ ركن شديد من األنصار «‪، 1‬‬
‫وكانت املدي ة قبل مقدم الرسول ‪ ،‬إليها أشعر القرى*‪ ،Ϯ‬فالتف حوله شعراؤها‪ :‬عبد اهلل بن رواحة‬
‫(ت‪8‬ه) وحسان بن ثابت (ت‪50‬ه) وكعب بن مالك (ت‪54‬ه) ‪ ،‬وكان شعراء األنصار قبل وصول‬
‫اإلسالم إليهم‪ ،‬يتبارون بالشعر مع شاعري األوس‪ :‬قيس بن ا طيم (ت‪620‬م) وأبو قيس بن‬
‫األسلت (ت ؟) ‪.‬‬
‫هلذا د الصحابة الشعراء األوائل الذين ناصروا الرسول‪ ،‬بسيوفهم وألس تهم‪ ،‬كانوا من رتيف‬
‫الشعر‪ ،‬وتظهر احرتافيتهم للشعر يف عصر ما قبل اإلسالم‪ ،‬من خالل تلك املعارك بني قبيل األوس‬
‫وا زرج ‪ ،‬وال كانت تتبعها املعارك اللسانية بني شعراء القبيلتني ‪ .‬وهذا ما يبني بأن الصحابة الشعراء‬
‫احرتفوا قبل إسالمهم فن اهلجاء واملديح والفخر وفن ال قائض‪ ،‬الذي ظهرت بوادر األو يف العصر‬
‫ا اهلي على ألس تهم ‪.‬‬
‫ومن ه ا كانت هلؤالء الصحابة الشعراء الذين احتض وا الدعوة اإلسالمية دراية وإملامة واسعة ‪،‬‬
‫وخربة باملوروث الشعري ا اهلي ‪.‬‬
‫وأث اء مواجهتهم لشعراء الكفار كان هلم رصيد وافر‪ ،‬وكم غري قليل من األلفاظ والعبارات والصور‪،‬‬
‫وظفوها يف معجمهم الشعري اإلسالمي‪ ،‬مما سهل هلم مهمة الدفاع عن الرسول‪ ،‬ودعوته ‪.‬‬
‫وبالعودة إ دواوين شعراء الدعوة ‪ :‬حسان وابن رواحة وكعب ‪ ،‬نالحظ أن احرتافيتهم للشعر يف‬
‫عصر ما قبل اإلسالم تعكس روح االقتتال والصراع القبلي والف بني األوس وا زرج؛ حيث كانت‬
‫ا روب بني هذين القبيلتني من أشهر حروب ا اهلية ‪ ،‬وقد خاض غمارها بعض فحول الشعراء من‬
‫العرب واليهود ‪ ،‬فسجلوا أيامها وصورها وكانت هلم أيام حروب مشهورة ‪ ،‬م ها‪ :‬أيام مُسري( بضم السني‬

‫‪ -1‬مد إبراهيم مجعة ‪ :‬حسان بن ثابت ‪ ،‬يف سلسلة نوابغ الفكر‪ ،‬ط‪ ، 2‬القاهرة ‪ ،‬دار املعارف مبصر ‪ ،‬رقم ‪1971 ، 34‬م‪ ،‬ص‪.16‬‬
‫‪* .‬القرى مخس ‪ :‬املدي ة ‪ ،‬ومكة ‪ ،‬واليمامة ‪ ،‬والطائف ‪ ،‬والبحرين ‪.‬‬
‫‪ -2‬ابن سالم ‪ :‬طبقات فحول الشعراء ‪،‬ج‪ ،1‬ص‪. 215‬‬

‫‪110‬‬
‫شعر الصحابة بني البعد الفكري والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫وفتح امليم وإسكان الياء) ‪ ،‬والسراة ‪ ،‬والربيع ‪،‬البقيع ‪ ،‬كعب ‪ ،‬فارع ‪ ،‬معبس ومضرس ‪ ،‬حاطب ‪،‬‬
‫بعاث‪ ،1‬ويوم ذي قار‪ ، Ϯ‬ومعلوم « أن حروب األوس وا زرج كانت يشاركها حروب الشعر بني‬
‫املتخاصمني ‪ ،‬خطوة خطوة ‪ ،‬وكانت معارك الشعراء ال تقل احتداما ونشاطا عن ميادين ا رب‪ ،‬ح‬
‫لتكا د تسمع م ها صليل السيوف ‪ ،‬وترى التماع األس ة ‪ ،‬وكان ماعة من شعراء اليهود صلة بشعر‬
‫ال قائض أو مشاركة فيها ويف أيامها ‪ ،‬م هم ‪ :‬أوس بن مد َن ال َقَرظَى ‪ ،‬والسموأل بن عاديا ‪ ،‬وأبو الزناد‪،‬‬
‫وكعب بن األشرف من ب ال ضري ‪ ،‬وله م اقضات مع حسان بن ثابت وغري يف حروب األوس‬
‫وا زرج ‪ ،‬والربيع بن أ ا مقيق من قريظة ‪ ،‬كما كانت مشاركة يف ا ياة الشعرية عامة «‪.ϯ‬‬
‫أما يف اإلسالم ‪ ،‬فإن ال قلة الزم ية ال وعية ال عاشها شعراء املدي ة مبجيء اإلسالم ‪ ،‬كان هلا‬
‫وجهها املشرق من ال احية الدي ية والفكرية والف ية ‪ ،‬حيث أضفى اإلسالم بظالله على تلف حياة‬
‫العصر ‪ ،‬هلذا د شعراء املدي ة مل يتوانوا يف االنضواء ت اإلسالم ‪ ،‬فدخل عبد اهلل بن رواحة ‪،‬‬
‫وحسان بن ثابت ‪ ،‬وكعب بن مالك ‪ ،‬يف اإلسالم وهم شعراء ‪ ،‬ومل مي عهم اإلسالم من قول الشعر ‪،‬‬
‫فضمهم إليه واحتاج إ خربهتم الشعرية ‪ ،‬ودفعهم الرسول‪ ‬بكل حرية إ التعبري عن فكرهم ا ديد‪،‬‬
‫فكانوا كما قال ع هم ابن سالم ‪ « :‬أشعرهم حسان بن ثابت وهو كثري الشعر جيد «‪ ،4‬وكان «‬
‫كعب بن مالك شاعر يد «‪ « ،5‬وعبد اهلل بن رواحة عظيم القدر واملكانة ع د رسول اهلل ‪،ϲ« ‬‬
‫فابن سالم يف أقواله هذ يصف شعر حسان بالكثرة وا ودة ‪ « ،‬ملا للكثرة من أثر يف توجيه حكم‬
‫العامل على الشاعر «‪ ،7‬واالرتقاء به إ مصاف كبار الشعراء ‪ ،‬ألن سيولة الشعر من سيولة القر ة‪،8‬‬
‫ووصف كعب "بالشاعر اجمليد"‪،‬وعبد اهلل بن رواحة بعظيم القدر واملكانة يف ا اهلية اإلسالم‪.‬‬

‫‪ -1‬مد طاهر درويش ‪ :‬حسان بن ثابت ‪ ،‬ط‪ ،2‬مصر ‪ ،‬دار املعارف ‪1976 ،‬م ‪ ،‬ص ‪. 102‬‬
‫‪ -2‬مد الت وخي ‪ :‬املعجم املفصل يف األدب ‪ ،1 ،‬بريوت ‪ ،‬لب ان ‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪1413،‬ه‪1993‬م ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪.215‬‬
‫‪ -3‬مد طاهر درويش ‪ :‬حسان بن ثابت ‪ ،‬ص ‪.114‬‬
‫‪ -4‬مد الت وخي ‪ :‬املعجم املفصل يف األدب ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪. 215‬‬
‫‪ -5‬املرجع نفسه ‪ ،‬ج‪1‬؛ ص ‪. 220‬‬
‫‪ -6‬املرجع نفسه ‪ ،‬ج‪1‬؛ ص ‪.223‬‬
‫‪ -7‬أمحد الوردن ‪ :‬قضية اللفظ واملع ونظرية الشعر ع د العرب من الصول إ القرن ‪7‬ه ‪13/‬م ‪،‬ج‪ ، 1‬بريوت ‪ ،‬لب ان ‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي ‪،‬‬
‫‪1424‬ه ‪2004‬م ‪ ،‬ص ‪. 443‬‬
‫‪ -8‬املرجع نفسه ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪444‬‬

‫‪111‬‬
‫شعر الصحابة بني البعد الفكري والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫مع هذا‪ ،‬أن هذ الصفات بي ت مقدرة هؤالء الشعراء وقوة شعرهم يف اإلسالم‪ ،‬وفضل تقدمهم‬
‫على غريهم من الشعراء يف زماهنم‪ ،‬من حيث خدمتهم للدعوة اإلسالمية‪ ،‬وخوضهم املعارك بسيوفهم‬
‫وألس تهم‪ ،‬فزادت بذلك ارهبم الف ية ت وعا و ديدا‪ ،‬وأضافوا بذلك لونا شعريا جديدا‪ ،‬وانتقلوا من‬
‫شعر ال قائض إ الشعر ا د العميق ‪ ،‬الذي جعل هدفه التغيري والتجديد يف كل ألوان ا ياة‬
‫ا ديدة ‪.‬‬
‫وعلى هذا األساس احرتف شعراء الدعوة اهلجاء واملدح والفخر والرثاء ‪ ،‬ولكن احرتافيتهم يف‬
‫اإلسالم تلف عن احرتافيتهم يف ا اهلية؛ من حيث بواعث الشعر والتصور الدقيق ملعطياته ‪ ،‬األمر‬
‫الذي جعل رصيدهم الف واللغوي يتغذى ويتجدد يف األسلوب والعبارات واملعان والصور ا ديدة ‪،‬‬
‫‪฀ ฀‬‬ ‫من م بع الدعوة ‪ ،‬لذا كان مطلوبا من شعراء الرسول‪ ‬الذين نزلت يف حقهم ﭐ ‪฀ ฀‬‬
‫أن ددوا ويطوروا ف هم‬ ‫‪[ ฀฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀‬سورة الشعراء اآلية ‪.]227‬‬
‫الشعري وفق مقتضيات العصر وروحه ‪ ،‬ملواجهة شعراء املشركني ‪.‬‬
‫وملا كان ا ال يلزم شعراء الدعوة لدخول املعركة الكالمية للرد على شعراء املشركني ومواجهتهم ‪،‬‬
‫فبماذا كان على الصحابة الشعراء أن يتسلحوا مبا عل لشعرهم يف املعركة الكالمية أثر العميق واملؤمل‬
‫يف نفسية املشركني؟ وما هو امل هج الذي كان عليهم أن ي هجو ملقارعة شعراء قريش وحلفاءهم با جة‬
‫والرد عليهم ؟‪.‬‬
‫لإلجابة عن هذ األسئلة ميكن القول‪ :‬لقد تسلح الصحابة الشعراء لدخوهلم املعركة الكالمية ‪،‬‬
‫أوال‪ :‬بهم للقرآن الذي زاد يف عزميتهم‪ ،‬وأخرجهم من دائرة الشعراء املغضوب عليهم‪ ،‬وقوى إمياهنم يف‬
‫الدفاع عن الدين ا ديد ‪ ،‬ثانيا‪ :‬الرتخيص هلم بقول الشعر يف مواجهة شعراء املشركني‪.‬‬
‫أوال‪ :‬البعد الفكري لشعراء المدي ة في مواجهة شعراء مكة ودفاعهم عن الرسول‪‬ودعوته ‪:‬‬
‫كان للرسول ‪‬دور فعال يف توجيه الصحابة توجيها اسرتاتيجيا‪ ،‬يف مواجهة قريش والرد على محلة‬
‫شعرائها‪ ،‬الذين وقفوا ضد دعوته ‪ ،‬متكئا على البعد الفكري والدي والف يف طريقة الدفاع ع ه وعن‬
‫خدمة الدعوة اإلسالمية ‪ ،‬وخصوصا الصحابة الشعراء ‪ ،‬وتظهر مقدرة الرسول‪‬يف هذا حني وصله‬
‫هجاء الكفار له‪ ،‬وهو يف عز ب اء الدولة اإلسالمية يف املدي ة ‪ ،‬حي ها أدرك بعمق خطر الشعر الوث ‪،‬‬
‫بعد انتصار على قريش يف غزوة بدر(‪2‬ه)‪ ،‬هلذا د ‪‬مل يتوان يف يد أصحابه الشعراء باملدي ة‪،‬‬

‫‪112‬‬
‫شعر الصحابة بني البعد الفكري والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫لدفع هذا ا طر ا ديد القادم من شعراء مكة وما جاورها‪ ،‬ومواجهتهم مبثل سالحهم‪ ،‬فا ذ موقفا‬
‫سلبيا من شعرهم‪ ،‬ووقف موقفا حازما‪ ،‬عاقدا العزم على قطع دابر شعر الكفار وعزميتهم ومكرهم‪،‬‬
‫وتع تهم وجربوهتم‪ ،‬ألنه أدرك البعد الفكري ا طري لذلك الشعر وانتشار بني القبائل‪ ،‬لذا رفع من مهة‬
‫أصحابه ‪ ،‬ومستوى قيمهم الدي ية والفكرية ‪ ،‬وا ه إليهم طاب سياسي طالبا م هم نصرته ‪ ،‬فقال‬
‫ألصحابه الشعراء‪ :‬حسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد اهلل بن رواحة »"ما مي ع القوم الذين نصروا‬
‫رسول اهلل‪ -‬صلى اهلل عليه وآله وسلم‪ -‬بسالحهم أن ي صرو بألس تهم" ؟ فقال حسان‪ :‬أنا هلا‪ ،‬وأخذ‬
‫بطرف لسانه وقال‪ :‬واهلل ما يسرن به مقول بني بصرى وص عاء ‪ .‬وقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله‬
‫وسلم‪ " :‬كيف هتجوهم وأنا م هم ؟ وكيف هتجو أبا سفيان وهو ابن عمي" ؟ فقال‪ :‬واهلل ألسل ك‬
‫م هم كما تسل الشعرة من العجني‪ ،‬فقال‪ ":‬إيت أبا بكر‪ ،‬فإنه أعلم بأنساب القوم م ك"‪ .‬فكان‬
‫ميضي إ أ بكر ليقف على أنساهبم‪ ،‬فكان يقول له‪ :‬كف عن فالنة وفالنة ‪ ،‬واذكر فالنة وفالنة ‪،‬‬
‫فجعل حسان يهجوهم ‪ .‬فلما ُسعت قريش شعر حسان قالوا‪ :‬إن هذا الشعر ما غاب ع ه ابن أ‬
‫قحافة‪ ،‬أو‪ :‬من شعر ابن أ قحافة »‪.1‬‬
‫ويف هذا الصدد‪ ،‬روي عن » يزيد بن عياض بن جعدبة‪ ،‬أن ال يب‪ -‬صلى اهلل عليه‪ ،-‬ملا قدم‬
‫املدي ة‪ ،‬ت اولته قريش باهلجاء‪ ،‬فقال لعبد اهلل بن رواحة رد ع ‪ ،‬فذهب يف قدميهم وأوهلم‪ ،‬فلم يص ع يف‬
‫[الكامل]‬ ‫اهلجاء شيئا‪ .‬فأمر كعب بن مالك ‪ ،‬فذكر ا رب ‪ ،‬كقوله‪:‬‬
‫قم مدما‪ ،‬ونملح مق َها إ َذا مل تَل َحق‬ ‫وف إذا قَصر َن َطونَا‬
‫نَص مل السي َ‬
‫فلم يفعل يف اهلجاء ‪ ،‬فدعا حسان بن ثابت ‪ ،‬فقال " اهجهم ‪ ،‬وائت أبا بكر ربك " أي مبعايب‬
‫القوم »‪.2‬‬
‫ويف رواية عن » شعبة عن عدي بن ثابت األنصاري‪ :‬أنه ُسع الرباء بن عازب األنصاري يقول‪ :‬قال‬
‫رسول اهلل‪ -‬صلى اهلل عليه ‪ : -‬اهجهم‪ -‬أو هاجهم‪ -‬وجربيل معك »‪.3‬‬
‫وعن موقف حسان بن ثابت من شعراء املشركني‪ » ،‬قال ابن جعدبة يف حديثه‪ :‬وأخرج حسان لسانه‬

‫‪ -1‬ابن عبد الرب‪(،‬أبو عمر يوسف بن عبد اهلل بن مد القرطيب ‪ :‬االستيعاب يف معرفة األصحاب‪ ،‬قيق وتعليق ‪ :‬علي مد عوض وعادل أمحد عبد املوجود ‪،‬‬
‫قدم له ‪ :‬مد عبد امل عم الربي ومجعة طاهر ال جار ‪ ،‬ط‪ ،1‬بريوت ‪ ،‬لب ان ‪ ،‬دار الكتب العلمية‪1415 ،‬ه ‪1995‬م‪،‬ج‪ ،1‬ص ص‪.401 -400‬‬
‫‪ -2‬ابن سالم ‪ :‬طبقات فحول الشعراء ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪217‬‬
‫‪ -3‬املصدر نفسه ‪،‬ج‪ ،1‬ص‪.217‬‬

‫‪113‬‬
‫شعر الصحابة بني البعد الفكري والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫صب على‬
‫به مق َوال يف العرب ‪ .‬فَ م‬ ‫ح ضرب به على صدر وقال‪ :‬واهلل يا رسول اهلل ‪ ،‬ما أمحب أن‬
‫ض محهم بال بل" »‪.1‬‬
‫شآبيب شر‪ ،‬فقال رسول اهلل – صلى اهلل عليه‪ :-‬اهجهم ‪ " ،‬كأنك تَ َ‬
‫م‬ ‫قريش م ه‬
‫وهذا املوقف » يدل بوضوح على أن الرسول قد حقق رغبة الشاعر وهو راغب يف قيقها‪ ،‬فأقامه‬
‫‪‬شاعرا لل بوة‪ ،‬وأذن له يف هجاء شعراء قريش‪ ،‬وهبذا أشبع حسان رغبته وأرضى نفسه وعقيدته‬
‫و تمعه »‪.2‬‬
‫وهو ما يؤكد أن الطلب الف للرسول‪ ،‬وتوجيهاته الفكرية قد استجاب هلا أصحابه الشعراء من‬
‫أنصار ومهاجرين‪ ،‬فدخلوا بف هم يف معركة البيان بعزمية قوية ‪ ،‬وهو ما يدل على أن ا رب ضد قريش‬
‫أصبحت شاملة على مجيع املستويات‪ ،‬فحدثت مواجهة قوية بني الطرفني‪ ،‬وظهرت يقظة وهنضة شعرية‬
‫يف مكة واملدي ة‪ ،‬بعد أن كانت مكة قرية مساملة قليلة الشعر والشعراء‪ ،‬وبعد يء اإلسالم دخلت‬
‫بزعمائها وشعرائها يف مواجهة الرسول‪ ،‬والقرآن العظيم‪ ،‬فتشكلت املدرسة املكية ال قدية‪ ،‬وأث اء‬
‫املواجهة ا ربية بالس ان واللسان ضد شعراء املدي ة‪ ،‬أصبحت بذلك مكة مدرسة شعرية‪ ،‬كثرية الشعراء‪،‬‬
‫قوية الشاعرية‪ ،‬وقفت تدافع عن الوث ية وهتاجم الرسول ‪ ،‬وما جاء به من دين جديد ‪.‬‬
‫ويف ا انب اآلخر‪ ،‬وقفت مدرسة املدي ة ممثلة يف شعراء األنصار مع شعراء املهاجرين للدفاع‬
‫عن الرسول‪ ،‬وعن اإلسالم واملسلمني‪ ،‬ضد شعراء مدرسة مكة ونقادها املشركني‪ ،‬الذين أشهروا‬
‫سالح ال قد والشعر يف وجه الدعوة اإلسالمية‪ ،‬وأعطيت قيادة مدرسة املدي ة ومحلة شعرائها سان‬
‫ابن ثابت وعبد اهلل بن رواحة وكعب بن مالك ‪ .‬يؤازرهم شعراء آخرون من املهاجرين واألنصار أمثال‪:‬‬
‫طالب بن أ طالب‪ ،‬وعلي بن أ طالب‪ ،‬وخوات بن جبري األنصاري‪ ،‬وعبد اهلل بن جحش‪ ،‬وعبد‬
‫اهلل بن ا ارث السهمي‪ ،‬وعثمان بن مظعون‪ ،‬كما أدت الشواعر املسلمات دورا مهما يف هذ‬
‫املعارك الشعرية‪ ،‬م هن‪ :‬ه د ب ت أثاثة‪ ،‬وصفية ب ت عبد املطلب‪ ،‬ونعم ب ت سعد ‪.‬‬
‫وهكذا ا هت املدرستان الشعريتان‪ :‬مدرسة مكة ومدرسة املدي ة و املواجهة الدي ية والفكرية‬
‫والف ية ‪ ،‬تتجادالن حول أفكار اإلسالم‪ ،‬فشعراء " مكة " ومن واالهم يهامجون ال يب‪ ،‬وما جاء به‪،‬‬
‫مدافعني عن معتقداهتم وتفكريهم ال وث ‪ ،‬وشعراء " املدي ة " األنصار واملهاجرين يدافع ون عن ال يب‬

‫‪ -1‬ابن سالم ‪ :‬طبقات فحول الشعراء ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص‪.217‬‬


‫‪ -2‬مد إبراهيم مجعة ‪ :‬حسان بن ثابت ‪ ،‬ص ‪. 54‬‬

‫‪114‬‬
‫شعر الصحابة بني البعد الفكري والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫‪ ،‬ودي هم وأعراض املسلمني‪ ،‬وا اههم الفكري ا ديد‪ ،‬ويردون بكل قوة على ما يوجه إليهم من‬
‫هجاء‪ ،‬وما يشن عليهم من محالت املشركني الشديدة ‪.‬‬
‫وقد وقف إ جانب حسان بن ثابت‪ ،‬كعب بن مالك وعبد اهلل بن رواحة‪ ،‬والشعراء املهاجرون‪،‬‬
‫وكل أظهر موقفه السليب من قريش وشعرائها‪ ،‬وكل أد بدلو يف الدفاع عن اإلسالم والرسول ‪،‬‬
‫بشجاعة عقلية وذكاء الفؤاد‪ ،‬ولكن الدور األكرب كان سان بن ثابت ‪ ،‬وعن عبقرية وتفوق حسان‬
‫وأصحابه يف هذا املضمار‪ ،‬ويف انتصارهم الف تتجلى األسباب املوضوعية ال أدت بالرسول ‪ ‬إ‬
‫اختيار حسان هلذ املهمة الف ية للرد على املشركني‪ ،‬وهي كما قال م ذر معاليقي‪ :‬إن « اختيار الرسول‬
‫‪ ‬سان يعود لسببني ‪ :‬أوهلما ‪ :‬أنه مل د بني قومه املهاجرين شاعرا فحال ذرب اللسان كحسان‬
‫لي وط به أمر مهاجاة املشركني‪ ،‬ثانيهما‪ :‬أنه ليس بوسع اإلنسان أن يت كر ل فسه دفعة واحدة‪ ،‬وليس‬
‫بوسع الشاعر أن يبل غ يف هجاء قومه ما يبلغه الغريب ع هم‪ ،‬إضاف ة ما للعصبية القبلية من ح افز‬
‫طبيعي إلجادة اهلجاء وإ ما للم اسبة القوية ال قامت بني مكة ويثرب يف ا اهلية »‪.1‬‬
‫وهو ما يكشف ل ا بكل وضوح عن » ا كمة ال بوية البالغة يف اختيار شاعر مؤمن برسالته‬
‫وشاعريته‪ ،‬مرتكز على شعبية يف تمعه‪ ،‬وخربة يف ف ه‪ ،‬عرك ا ياة يف جاهليتها وإسالمها وبواديها‬
‫وحواضرها‪ ،‬وتأثر شعر با ياة ا ضرية وباالحتكاك مبن رحل إليهم من امل اذرة والغساس ة‪ ،‬بل إن له‬
‫ربة ف ية ناجحة يف اهلجاء الذي مارسه ومترس به م ذ هلج لسانه بالشعر »‪.2‬‬
‫ويبقى أن هذا االنتصار الف يؤكد اح ططات م هج الرسول‪ ،‬يف حربه الشاملة ضد قريش‬
‫وشعرائها وحلفائها ‪ ،‬على مجيع املستويات واألبعاد الفكرية واالقتصادية والدي ية وال قدية والف ية ‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬البعد الف ي لشعراء المدي ة في مواجهة شعراء مكة ودفاعهم عن الرسول‪‬ودعوته ‪:‬‬
‫إن األداء الف الذي سلكه شعراء الدعوة‪ ،‬قد ظهر بعد أن أخذت املدي ة استقالهلا التام عن‬
‫اجملتمع العر ومكة ‪ ،‬وواجه شعراؤها قريشا وشعرائها‪ ،‬بقيادة حسان الذي استفاد ببعض املعطيات‬
‫ا اصة ببعض سادة قريش ونسائهم من أ بكر‪ ،‬لتسهيل مهمة مواجهتهم ‪ ،‬ويوضح ل ا القرطيب‬
‫مسلك التجربة الشعرية ا ديدة لشعراء املدي ة يف هجاء قريش فقال‪ « :‬قال ابن سريين‪ :‬وانتدب هلجو‬

‫‪ -ϭ‬م ذر معاليقي ‪ :‬دراسات نقدية يف األدب اإلسالمي ‪ ،‬ط‪ ،1‬طرابلس ‪ ،‬لب ان ‪ ،‬املؤسسة ا ديث للكتاب ‪2004 ،‬م ‪ .‬ص ‪. 71‬‬
‫‪ -Ϯ‬مد إبراهيم مجعة ‪ :‬حسان بن ثابت ‪ ،‬ص ‪. 55‬‬

‫‪115‬‬
‫شعر الصحابة بني البعد الفكري والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫املشركني ثالثة من األنصار‪ :‬حسان بن ثابت ‪ ،‬وكعب بن مالك ‪ ،‬وعبد اهلل بن رواحة ‪ ،‬فكان حسان‬
‫وكعب بن مالك يعارضاهنم مبثل قوهلم يف الوقائع واأليام واملآثر ‪ ،‬ويذكران مثالبهم ‪ ،‬وكان عبد اهلل‬
‫ا بن رواحة يعريهم بالكفر وعبادة ماال يسمع وال ي فع ‪ ،‬فكان قوله يومئذ أهون القول عليهم ‪ ،‬وكان‬
‫قول حسان وكعب أشد القول عليهم ‪ ،‬فلما أسلموا وفقهوا كان أشد القول عليهم قول ابن رواحة »‪.1‬‬
‫إن داللة معان ال ص الف ية وال قدية ‪ -‬رغم صغر ‪ -‬داللة قوية وعميقة ‪ ،‬وكما هو واضح فاملعان‬
‫تركز على أن الشعر اإلسالمي ع د انطالقه كان يتكئ على اهلجاء كخلفية فكرية وف ية ‪ ،‬هذا اهلجاء‬
‫الذي سلك به شعراء املدي ة م هجا ذا ا اهني ف يني ‪ :‬ا ا ف جاهلي ‪ ،‬وا ا ف إسالمي ‪.‬‬
‫وكما يقول يوسف خليف ‪ « :‬ا ا جاهلي ميثله حسان بن ثابت وكعب اللذان راحا يهجوان‬
‫قريشا مبع ان جاهلية كانت تضيق هبا قبل إسالمها ‪ ،‬فلم ا أسلمت بعد الفتح أصبحت ه ذ املعان‬
‫ا اهلية ال تؤذيها يف شيء ‪ ،‬ألن اإلسالم قضى على الكثري من مظاهر ا ياة ا اهلية ‪ ،‬وغري كثري من‬
‫قيمها ا لقية ومثلها العليا ‪ ،‬وا ا إسالمي ميثله عبد اهلل بن رواحة الذي كان يهجو قريشا بالكفر‬
‫والشرك والوث ية وعدم االستجابة للدين ا ديد ‪ ،‬وكان هذا اال ا ال يؤذي قريشا يف جاهليتها ألهنا‬
‫تعتز بدي ها القدمي وتؤمن به ‪ ،‬فلما أسلمت أصبح هجاء ابن رواحة هلا يذكرها مباضيها الوث ‪،‬‬
‫وموقفها العدائي من ال يب ودي ه »‪.2‬‬
‫مع هذا أن التغيري والتأثر بالفكر اإلسالمي بدأ مبكرا يف الشعر ع د الشعراء الصحابة احملرتفني ‪،‬‬
‫من خالل ما ظهر من موضوعات ومعان وأساليب إسالمية جديدة ع د شعراء املدي ة الذين سلكوا‬
‫بالشعر مسلك اهلجاء ‪ ،‬و اصة حسان بن ثابت وكعب بن مالك اللذين ا ها يف بداية الغزوات إ‬
‫هجاء املشركني باألفكار واملعان ا اهلية ‪ ،‬ألن هذا اال ا يعرب عن وجهة نظر الرسول‪‬من خالل‬
‫عرف حسان وأطلعه على أحساب وأنساب القرشيني فردا فردا ‪.‬‬
‫توجيهات أ بكر ‪ ،‬الذي ّ‬
‫ولكن ملاذا هجا حسان وكعب قريشا باملعان ال تتكئ على األحساب واألنساب ؟‬
‫فمن الواضح كما ذهب شوقي ضيف ‪ :‬إ أن « أسبابا تلفة اجتمعت لتظل للهجاء ع د حسان‬
‫وكعب معانيه القدمية ‪ ،‬إذ كانت متمسكة من نفسيهما ‪ ،‬وكانت هي املعان ال تؤذي نفوس أعداء‬

‫‪ -ϭ‬ابن عبد الرب القرطيب ‪ :‬االستيعاب يف معرفة األصحاب ‪،‬ج‪ ،1‬ص ‪. 402‬‬
‫‪ -2‬يوسف خليف ‪ :‬يف الشعر األموي دراسة يف البيئات ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬دار غريب للطباع ة وال شر والتوزيع ‪ ،‬د ‪ .‬ت ‪ .‬ص ‪. 18‬‬

‫‪116‬‬
‫شعر الصحابة بني البعد الفكري والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫اإلسالم من قريش‪ ،‬ولو أهنما هجياهم بكفرهم وع ادهم أو توعداهم ال ار ملا كان لذلك وقع عليهم ‪،‬‬
‫فهم ال يؤم ون ب ار وال ببعث ‪ ،‬وهم يفتخرون بكفرهم ويعتزون بأهنم متمسكون بدين آبائهم ‪ ،‬فكان‬
‫طبيعيا أن يهجوهم حسان وكعب مبا يعدونه حقا هجاء‪ ،‬مما يتصل باألنساب واألحساب‪ ،‬وبالوقائع‬
‫واهلزائم ال يصليهم الرسول وأصحابه نرياهنا‪...‬ولو أهنم عريوهم بعبادة األص ام مثال لسخروا م هم‬
‫ألهنم فعال يعبدوهنا ويتخذوهنا زلفى إ رهبم‪ ،‬ويقدمون هلا األدعية والقرابني »‪.1‬‬
‫وقد سلك شعراء الدعوة من خالل « امل هج اإلسالمي آنذاك‪ ،‬يف اربة الشعراء املشركني والرد‬
‫عليهم باللغة ال كانوا يفهموهنا ‪ ،‬واألسلحة ال كانوا يتعاملون هبا »‪.2‬‬
‫وا قيقة ال ميكن أن نؤكدها هي‪ :‬لوال توجيهات الرسول ‪ ،‬ومرجعية أ بكر‪ ،‬ملا « كان تأثري‬
‫م هج حسان وكعب بن مالك – رضي اهلل ع هم – يف ذلك ا ني قويا وواضحا‪ ،‬وقد أقام حسان‪‬‬
‫هبجائه ا اهلي الدنيا وأقعدها عليهم ‪ ،‬ألن هجاء كان يدور يف ور العصبية القبلية ا اهلية »‪.3‬‬
‫وأما عبد اهلل بن رواحة فإذا وجدنا هجا قريشا باملعان اإلسالمية‪ ،‬وتعمق فيها يف شعر ‪ ،‬فهذا يدل‬
‫على أن ليس ه اك انفصال أو تباعد بني اال اهني‪ ،‬إذ مها متداخالن‪ ،‬ألن يف دواوين شعراء املدي ة‬
‫« ه اك معان إسالمية يف شعر حسان وكعب ‪ ،‬وه اك معان جاهلية يف شعر ابن رواحة ‪ ،‬ومع هذا‬
‫أن شعراء املدي ة يف عصر الدعوة بدءوا عملية املزج بني التيار ا اهلي الذي كان سائدا يف اجملتمع‬
‫األد يف ذلك الوقت ‪ ،‬وبني التيار اإلسالمي ا ديد الذي أخذ يشق طريقه يف ذلك اجملتمع ‪ ،‬ومن‬
‫خالل هذ العملية الف ية أخذ الشعر اإلسالمي م ذ هذا العصر طابعه الذي عرف به ‪ ،‬والذي يق وم‬
‫على أساس املزج بني القدمي وا ديد »‪ .4‬الشيء الذي يسر األمر لشعراء الرسول‪ ‬ملا وقعت املواجهة‬
‫ضد شعراء املشركني يف الس ة الثانية للهجرة يف غزوة بدر؛ حيث وقف الصحابة شعراء املدي ة إ صف‬
‫الرسول ‪ ‬بكل مترس‪ ،‬فعززوا موقفه ‪ ،‬وخدموا الدعوة باحرتافية سامية الشاعرية‪ ،‬من خالل مواجهتهم‬
‫لشعراء الكفار واليهود ‪ :‬أبوعزة ا محي‪ ،‬وهبرية بن أ وهب‪ ،‬وعبد اهلل بن الزبعرى‪ ،‬وأبوسفيان بن‬

‫‪ -ϭ‬شوقي ضيف ‪ :‬التطور والتجديد يف الشعر األموي ‪ ،‬ط‪ ،6‬القاهرة‪ ،‬دار املعارف‪1991 ،‬م‪ .‬ص ‪. 15‬‬
‫‪ -2‬مود حسن زي ‪ :‬دراسات يف أدب الدعوة اإلسالمية‪ ،‬مكة املكرمة ‪ ،‬د ‪ .‬ن ‪ 1402 ،‬ه ‪ ،‬ص ‪. 183‬‬
‫‪ -ϯ‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 184‬‬
‫‪ -4‬يوسف خليف ‪ :‬يف الشعر األموي دراسة يف البيئات ‪ ،‬ص ‪. 18‬‬

‫‪117‬‬
‫شعر الصحابة بني البعد الفكري والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫ا رث‪ ،‬وضرار بن ا طاب‪ ،‬وكعب بن األشرف‪ ،‬وغريهم من الشعراء الذين ناصبوا العداوة للرسول ‪،‬‬
‫وكان سان بن ثابت‪ ،‬وكعب بن مالك‪ ،‬وعبد اهلل بن رواحة‪ ،‬الدور الف الفعال يف كل موقف ويف‬
‫كل غزوة غزاها الرسول واملسلمون‪ ،‬فكانوا يردون على هجاء املشركني هلم‪ ،‬ودافعوا ع ه ‪ ،‬وعن‬
‫أعراض املسلمني‪ ،‬بقصائد خلدت تلك الغزوات واملواقف‪ ،‬فكان هلم بذلك الفضل يف بلورة فن الشعر‬
‫ا د يف العصر اإلسالمي ‪ ،‬ونظرا لقوة شاعريتهم ال زادت يف قوة الدعوة اإلسالمية‪ ،‬وذيوع صيتها‬
‫بني القبائل يف أرجاء ا زيرة العربية‪ ،‬دخل يف اإلسالم شعراء كبار‪ :‬ال ابغة ا عدي‪ ،‬ولبيد بن ربيعة ‪،‬‬
‫وعباس بن مرداس‪ ،‬وكعب بن زهري‪ ،‬والزبرقان بن بدر‪ ،‬وعمرو بن األهتم‪ ،‬وغريهم من الشعراء ا اهليني‬
‫الذين كان هلم فضل شرف الدخول يف اإلسالم وصحبة الرسول‪.‬‬
‫وكان شعراء الدعوة « قد واجهوا م ذ البداية‪...‬عبء االتصال املباشر بالقيم ا ديدة وما مله‬
‫من مظاهر التغيري يف األخالق والسلوك والقيم االجتماعية والروحي ة‪ ،‬كما كان عليهم أن يشاركوا‬
‫مشاركة مباشرة يف املعركة من جانبها الكالمي‪ ،‬ومل يكن من اليسري على شاع ر ق ضى ا انب األكرب‬
‫من حياته يف ا اهلية ‪ ،‬كحسان بن ثابت مثال أن د ل فسه أسلوبا جديدا من الشعر سن التعبري‬
‫عن تلك القيم والقضايا ا ديدة ‪ ،‬و تفظ يف الوقت نفسه بتلك ا صائص الف ية ال منت وتطورت يف‬
‫ظل تمع تلف يف قيمه وقضايا »‪ .1‬لوال احرتافيته للشعر ومعرفته مبسلكه ‪.‬‬
‫واستطاع الصحابة الشعراء أن يعربوا عن مذهبهم الشعري ا ديد بكل إميان وصدق ‪ ،‬فسخروا‬
‫ربتهم الف ية للتعبري عن عقيدهتم ا ديدة ‪ ،‬وكانوا ميثلوا مرحلة االنتقال بكل مقوماهتا الدي ية والفكرية‬
‫والف ية ‪ ،‬ال يقول ع ها عبد القادر القط‪ « :‬وا ق إن مرحلة االنتقال تلك كانت بالغة القصر إذا ما‬
‫قيست إ التح ول اهلائل الذي طرأ على ا ياة العربية بعد الفتوح اإلسالمية‪ ،‬ويالحظ الدارس أن‬
‫الشعراء م ذ الس وات األو لإلسالم‪ ،‬قد بدأوا يتأثرون تأثرا واضحا باملعان ا ديدة وباألسلوب‬
‫القرآن‪ ،‬مما يؤكد أن مواجهة الشاعر املخضرم للمجتمع ا ديد كانت مواجهة سريعة‪ ،‬فرضت عليه إما‬
‫التكيف السريع كحسان بن ثابت‪ ،‬أو الصمت التام كما تذكر الرواية عن لبيد ‪ ،‬أو املضي على طريق‬
‫الشعر ا اهلي إال ما كان من تأثر يسري كالذي نرا ع د ا طيئة »‪.2‬‬

‫‪ -1‬عبد القادر القط ‪ :‬يف الشعر اإلسالمي واألموي ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬دار املعارف ‪1995 ،‬م ‪ .‬ص ص ‪. 9 -8‬‬
‫‪ -2‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 10‬‬

‫‪118‬‬
‫شعر الصحابة بني البعد الفكري والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫ولقد بدا واضحا ع د شعراء صدر اإلسالم بتمثلهم «يف شعرهم املفاهيم اإلسالمية والقيم ا ديدة‪،‬‬
‫ألن اإلسالم كان ثورة غريت كثريا من نظم ا اهلية ومفاهيمها‪ ،‬وأقامت مثال وقيم جديدة »‪.1‬‬
‫ويف هذا التمثل انعكس بكل جدية ووضوح احرتافيتهم للشعر السياسي املتفرع عن اهلجاء ‪ ،‬ومل‬
‫ترو ل ا مصادر الشعر ونقد أي عائق متثل أمام شعراء الدعوة ‪ ،‬وحال بي هم وبني قيق أهدافهم الف ية‬
‫يف سرعة الرد على هجاء شعراء املشركني‪ ،‬والشعراء الذين وقفوا يف صفهم ضد الرسول‪ ‬ودعوته ‪.‬‬
‫الشيء الذي يؤكد بداية ظهور مالمح التجديد يف القصيدة العربية وتطورها‪ ،‬من خالل تطلع شعراء‬
‫الدعوة إ « نوع جديد وهو اهلجاء السياسي ‪ ،‬هجاء مر مقذع أليم ‪ ،‬كان بني شعراء ال يب ‪ ،‬وشعراء‬
‫قريش واألحزاب »‪.2‬‬
‫وقد احرتف الشعراء الصحابة « فن الشعر السياسي الصحيح ‪ ،‬ألن العرب يف جاهليتهم عرفوا‬
‫شيئا م ه يف م افراهتم ومفاخراهتم ‪ ،‬ولك ه كان ضئيال ضعيف األثر ال يست د يف كثرته إ عقيدة‬
‫صحيحة ‪ ،‬ورمبا قصد م ه التكسب كما كان يفعل األعشى وا طيئة »‪.3‬‬
‫وبعد فما هي سبل املسلك الف لشعراء الدعوة يف دفاعهم عن الدعوة اإلسالمية ؟ ‪.‬‬
‫‪ -1‬بُعد المسلك الف ي لحسان بن ثابت في مواجهة شعراء الكفار‪:‬‬
‫يعد حسان بن ثابت قائد الشعراء املدافعني عن الدعوة اإلسالمية وامل افحني عن الرسول‪ « ،‬وشعر‬
‫الذي قرضه يف حياة ال يب‪ ‬يف امل اسبات الدي ية ا الصة ميثل شعر اإلسالمي ‪ ،‬ويعترب ق شعرا قويا‬
‫حافال بالروح والتأثري‪ ،‬وقد استعمل فيه الف ون الكالمية كلها من الفخر واهلجاء واملدح والرثاء والغزل‬
‫والوصف وا كم ‪ ،‬والرد على امل اوئني وتعيريهم ‪ ،‬واالنتصار للرسول‪ ،‬والدفاع عن الدعوة اإلسالمية‬
‫واإلسالم ‪ ،‬مما جع ل شعر اإلسالمي موعة حية متث ل تاريخ اإلسالم ومنو يف أيام انتصارات اإلسالم‬
‫األو ‪ ،‬ال بدأت م ذ اهلجرة إ املدي ة امل ورة »‪.4‬‬
‫وعلى هذا األساس جاء املسلك الف لشعر حسان بن ثابت يتكئ على هجائه لقريش وشعرائها‬

‫‪ -1‬فايز ترحي ‪ :‬اإلسالم والشعر ‪ ،‬ط‪ ، 1‬د ‪ .‬م ‪ ،‬دار الفكر اللب ان ‪1990 ،‬م ‪ ،‬ص ‪. 90‬‬
‫‪ -2‬بطرس البستان ‪ :‬أدباء العرب قي ا اهلية واإلسالم ‪ ،‬د ‪ .‬م ‪ ،‬دار مارون عبود ‪1979 ،‬م ‪،‬ج‪ ، 1‬ص ‪. 265‬‬
‫‪ -3‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 276‬‬
‫‪ -ϰ‬سعيد األعظمي ال دوي ‪ :‬شعراء الرسول‪ ‬يف ضوء الواقع والقريض ‪ ،‬قدم له ‪ :‬السيد أ ا سن علي ا س ال دوي ‪ ،‬أشرف عليه ‪ :‬مد‬
‫الرابع ا س ال دوي ‪ ،‬ط‪ ، 1‬أبوظيب ‪ ،‬اإلمارات العربية املتحدة ‪ ،‬مكتبة الصفا ‪1430 ،‬ه ‪2009‬م ‪ ،‬ص ‪.169‬‬

‫‪119‬‬
‫شعر الصحابة بني البعد الفكري والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫مقرونا مبدحه للرسول ‪ .‬وحسان يف موقفه من شعراء فريش‪ ،‬أنه كان يف بادئ األم ر يتحرى هجاء‬
‫قوم ال يب‪ ،‬وملا أمر انطلق لسانه يف هجوهم ‪ ،‬وكانت بداية هجاء حسان لقريش كما تقول رواية‬
‫صاحب مجهرة العرب‪ « :‬أتى حسان إ ال يب‪ ، ‬فقال‪ :‬يا رسول اهلل ! إن أبا سفيان هجاك وأسعد‬
‫على ذلك نوفل بن ا ارث‪ ،‬وكفار قريش ‪ ،‬أفتأذن أهجوهم يا رسول اهلل ؟ فقال ال يب‪ :‬فكيف‬
‫تص ع ؟ فقال‪ :‬أسلك م هم كما تسل الشعرة من العجني ! قال له‪ :‬اهجهم وروح القدس معك ‪،‬‬
‫واستعن بأي بكر فإنه عالمة قريش بأنساب العرب »‪.1‬‬
‫إن طريقة حسان يف إجابة الرسول‪،‬ال يدركها إال رتف خبري بدروب الشعر ومسالك اهلجاء‪،‬‬
‫هلذا راح يتوغل يف هجاء شعراء املشركني هبجاء غليظ شديد بدون لني ‪.‬‬
‫واملتصفح لديوان حسان بن ثابت د أن شعر اإلسالمي أغلبه يف اهلجاء ‪ .‬فهجا قريشا والقبائل‬
‫واألفراد هجاء قويا‪ ،‬عرب من خالله على مذهبه الشعري ا ديد‪ ،‬فهجا هذيال ‪ ،2‬وهجا ب سهم بن‬
‫هصيص‪ ،‬وهجا ب ا ماس‪ ،‬وب عدي بن كعب‪ ،3‬وهجا ثقيفا ‪ ،4‬وهجا خيربا ‪ ،5‬وب العوام‪ ،6‬وب‬
‫أسد بن مخزمية‪ ،7‬وب املغرية ‪ ،8‬وهجا ب ا ارث بن ا زرج ‪ ،9‬وهجا يف يوم أحد ب عبد الدار وكانوا حافظوا على‬
‫ٍ‬
‫عبد هلم أسود يقال له ‪":‬صواب "‪ ،ϭϬ‬وهجا عمرو بن‬ ‫لوائهم ح قتلوا رجال بعد رجل فصار اللواء إ‬
‫العاص بن وائل وأمه ال ابغة امرأة من ع زة‪ ،ϭϭ‬وهجا صفوان بن أمية ‪،ϭϮ‬وهجا أبا سفيان بن ا رث بن‬

‫‪ -1‬القرشي ‪ :‬مجهرة أشعار العرب ‪ ،‬ص ‪. 30‬‬


‫‪ -2‬شرح ديوان حسان بن ثابت األنصاري ‪ ،‬وضعه وضبط الديوان وصححه‪ :‬عبد الرمحان الربقوقي ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬دار الكتاب العر ‪ ،‬د ‪ .‬ت‪ .‬ص‪،109‬‬
‫وص ‪ ، 469‬وص ‪. 477‬‬
‫‪ -3‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 279‬‬
‫‪ -4‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 394‬‬
‫‪ -5‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 400‬‬
‫‪ -6‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 292‬‬
‫‪ -7‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 397‬‬
‫‪ -8‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ص ‪. 457 -456‬‬
‫‪ -9‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص‪. 268‬‬
‫‪ -10‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 115‬‬
‫‪ -11‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 277‬‬
‫‪ -12‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪.108 -109‬‬

‫‪120‬‬
‫شعر الصحابة بني البعد الفكري والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫عبد املطلب‪ ،ϭ‬وهجا ا ارث بن هشام بن املغرية‪ ،Ϯ‬وعدي بن كعب ‪ ،‬وقيس بن رمة‪ ،ϯ‬وأبا البخرتي‬
‫بن هشام األسدي‪ ،ϰ‬وهجا أباسفيان بن حرب وزوجته ه د ب ت عتبة‪ ،ϱ‬وا ارث بن عوف بن أ‬
‫حارثة املري‪ ،ϲ‬وا ارث بن كعب اجملاشعي وهم رهط ال جاشي الشاعر‪ ،ϳ‬وهجا أمية بن خلف‬
‫ا زاعي‪ ،8‬واملغرية بن شعبة ‪ ،9‬وعتبة بن أ وقاص‪ ،10‬وأبا جهل‪ ،11‬وعبد اهلل بن الزبعرى‪ ،12‬والوليد‬
‫ابن املغرية‪ ،13‬وطلحة بن أ طلحة‪ ،14‬وغربهم ‪.‬‬
‫ويف خضم ثورة اهلجاء ال أثارها حسان‪ ،‬د أن هجاء لقريش هجاء مؤمل‪ « ،‬فهجاهم ونال‬
‫م هم نيال شديدا‪ ،‬وقد ا ذ لذلك أسلوبا سياسيا حكيما‪ ،‬كان عل فيه املهجو من خشارة قريش ال‬
‫يرتفع له رأسا إ الذؤابات من هاشم‪ ،‬كهجائه أل سفيان بن ا رث ‪ ،‬فإنه يف هجو إيا يهجو ابن‬
‫عم الرسول‪ ،‬فما استقام أن ميعن يف ذم والد ا رث فاقتصر على أن عله عبدا بني إخوته والد ال يب‬
‫وأعمامه‪ ،‬مث عطف على أ سفيان من جهة أمه وأم أبيه فهشمهما‪ ،‬وجعل أبا سفيان من ب هاشم‬
‫كقدح الراكب من الرجل‪ ،‬فأخرجه من الدوحة اهلامشية ال ي تمي إليها الرسول »‪ .15‬فقال‬

‫‪ -1‬شرح ديوان حسان بن ثابت األنصاري ‪ ، ،‬ص ص ‪215 -214 -213 -212‬‬
‫‪ -2‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص‪. 114 -113 -112‬‬
‫‪ -3‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 208‬‬
‫‪ -4‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 209‬‬
‫‪ -5‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ص ‪ -211 -210‬وص ‪. 284 -283 – 282‬‬
‫‪ -6‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 263‬‬
‫‪ -7‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ص ‪. 268 -267 -266‬‬
‫‪ -8‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص‪. 295‬‬
‫‪ -9‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص‪. 329‬‬
‫‪ -10‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص‪. 344‬‬
‫‪ -11‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص‪. 397‬‬
‫‪ -12‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪ 413‬وص ‪. 454‬‬
‫‪ -13‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص‪. 111‬‬
‫‪ -14‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 459‬‬
‫‪ -15‬بطرس البستان ‪ :‬أدباء العرب قي ا اهلية واإلسالم ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص‪. 27‬‬

‫‪121‬‬
‫شعر الصحابة بني البعد الفكري والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫[الوافر]‬ ‫يهجو أبا سفيان بن ا رث‬


‫الغصن ذمو األف ان ال الواح مد ال َوغ مد‬
‫م‬ ‫مه َو‬ ‫لََقد َعل َم األقو مام أن اب َن هاش ٍم‬
‫مثل ما لص َق ال مقرمد‬ ‫ك فالصق َ‬ ‫فَ مدونَ َ‬ ‫ك فيهم َ ت ٌد يَعرفمونَهم‬ ‫َوَمالَ َ‬
‫بَمو ب ت َ مز ٍوم َوَوال مد َك ال َعب مد‬ ‫وإ ّن َسَ َام اجملد من آل َهاش ٍم‬
‫َكرميا وَمل يَقَرب َعجائَزَك ال َمج مد‬ ‫َوَما َولَ َدت أَف َاءم مزهَرَة م مك مم‬
‫ورى لَهم َزن مد‬ ‫س يم َ‬ ‫ت َك َعب ٍ‬
‫ني لَي َ‬‫ولَكن َهج ٌ‬ ‫اس وال كابن أ ِّممه‬ ‫َولَس َ‬
‫ف الراكب ال َق َد مح ال َفرمد‬‫َك َما نيط َخل َ‬ ‫ط يف آل َهاش ٍم‬ ‫يم ني َ‬ ‫ت َزن ٌ‬ ‫َوأَن َ‬
‫وب إذا بمل َغ ا َه مد ‪.1‬‬ ‫َو َُسراءم َمغلم ٌ‬
‫وإن اَمَرأ كانت مُسيةم أممهم‬
‫وهكذا « فلما بلغ هذا الشعر أبا سفيان قال‪ :‬هذا الشعر مل يغب ع ه ابن أ قحافة »‪.2‬‬
‫مع هذا أن أبا سفيان أدرك أن ما وظفه حسان بن ثابت من معلومات ص قريشا يف هذا‬
‫الشعر ‪ ،‬كانت بتوجيه من أ بكر‪ ،‬ألنه أعلم ال اس بقريش واحدا واحدا‪ .‬واهلجاء كما هو واضح يف‬
‫ال ص‪ « ،‬انصب على األحساب واألنساب ‪ ،‬فاملهجو هجني ‪ ،‬زنيم ‪ ،‬ال ميت بصلة عصبة إ ب‬
‫هاشم‪ ،‬ألن والدته أفسدت نقاوة ا سب وال سب ‪ ،‬وهذا اللون من اهلجاء شديد الوطأة على‬
‫القرشيني‪ ،‬صعب عليهم أن يتقبلو »‪.3‬‬
‫ويتجه حسان بن ثابت اال ا نفسه يف هجائه أل سفيان بن حرب وزوجته ه د ب ت عتبة ‪ ،‬ال‬
‫مثلت ثث شهداء أحد ‪ ،‬والكت كبد الصحا محزة عم الرسول‪،‬فقال فيهما قصيدة من اث عشر‬
‫[الكامل]‬ ‫بي ا‪ :‬جاء فيها‪:‬‬
‫لمؤٌم إذا أَشَرت َم َع ال مكفر‬ ‫عادتَ َها‬
‫أَشَرت لَكاع وكان َ‬
‫ه َد اهلمود طويلَةَ البَظر‬ ‫وزوج َها َم َع َها‬
‫َ‬ ‫لَ َع َن اإللهم‬
‫يف القوم ممع قة علَى بَكر‬ ‫مح ٍد‬
‫صة إ أ م‬ ‫َخَرجت ممرق َ‬ ‫أَ‬
‫َدق العم َجابَة َعاري الفهر‬ ‫صاك إستمك تَتقني به‬ ‫وع َ‬
‫َ‬

‫‪ -1‬شرح ديوان حسان بن ثابت األنصاري ‪ ،‬ص ص ‪. 214 -213 -212‬‬


‫‪ -2‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 214‬‬
‫‪ -3‬فايز ترحي ‪ :‬اإلسالم والشعر ‪ ،‬ص ‪. 107‬‬

‫‪122‬‬
‫شعر الصحابة بني البعد الفكري والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫ص َها نَصا على ال َقهر‬


‫من نَ ِّ‬ ‫شر مج َها‬
‫جيزتم َها وم َ‬
‫فَر َحت َع َ‬
‫يَا ه مد َو َك مسبّةَ الدهر‬ ‫ونسيت فاحشة أتيت هبَا‬
‫مما ظَفرت به وال َوتر‬ ‫صاغرة بالَ تَرٍة‬ ‫فَ َر َجعت َ‬
‫صغريا من عمهر‪.1‬‬ ‫ولدا َ‬ ‫َز َع َم ال َوالَئ مد أهنا َولَ َدت‬
‫فال ص يكشف أن « هول ا ادثة جعل حسان يقذع يف هجائه ‪ ،‬لكن إقذاعه يستمد معانيه من‬
‫مآثر ا اهلية ‪ ،‬فاملهجوة لكاع‪ ،‬لئيمة ‪ ،‬طويلة البظر‪ ،‬تأيت الفاحشة ‪ ،‬وتلد من عهر‪ ،‬وهذا ال وع من‬
‫اهلجاء أشد إيالما من تعيري املشركني بالكفر‪ ،‬وعدم اإلميان باهلل ورسوله »‪.2‬‬
‫ويف السياق نفسه‪ ،‬قال حسان بن ثابت يهجو عبد اهلل بن الزبعرى‪ ،‬الذي كان يدعي ال سب إ‬
‫[الوافر]‬ ‫قريش ‪:‬‬
‫على َمن الَ يمَاسبم مهم َحَر مام‬ ‫صي‬
‫قم َ‬ ‫أَالَ إن ِّاد َعاءَ بَ‬
‫ليس له َ مام‬ ‫لَ َكاملمجَرى و َ‬ ‫صي‬
‫قم َ‬ ‫ك َو ِّاد َعاءَ بَ‬ ‫فَإن َ‬
‫السَ مام‬
‫س امل َقد مم و ِّ‬‫مه مم الرأ م‬ ‫صي‬
‫قم َ‬ ‫فَالَ تَف َخر فإن بَ‬
‫ب الكَر مام‬ ‫مم َقد ممها إذا نمس َ‬ ‫الصيمت والس موَرات قدما‬ ‫وأهل ّ‬
‫س هلا نظَ مام‬ ‫مبك َة َوه َي لَي َ‬ ‫مه مم أَعطموا َمَازهلَا قمَريشا‬
‫ك اهلمج من اللِّئَ مام‬ ‫ٍ‬
‫فإن قَبيلَ َ‬ ‫ت م مهم‬ ‫فَالَ تَف َخر ب َقوم لَس َ‬
‫قاع َد مكم إ املخَزاة َح مام‬ ‫تَ َ‬ ‫األطايب من قمَري ٍ‬
‫ش‬ ‫م‬ ‫إذا عم ّد‬
‫إ نَ َسبٍ فَتَانَ مفهم الكَر مام‪.3‬‬ ‫قَ َس َامةم أم مكم إن تَ سبموَها‬
‫وعن هذا اهلجاء يرى فايز ترحي ‪ « :‬إن هجاء حسان البن الزبعرى هو هجاء جاهلي صرف‪،‬‬
‫فهو يعري بانتحال ال سب ‪ ،‬ويغمز من طرف والدته فيسله من قريش سال قاسيا »‪ .4‬وهو يف حقيقة‬
‫األمر هجاء إسالمي من حيث الفكرة وامل طلق واهلدف‪ ،‬فهو جديد وإن كان يعتمد على ضرب أصول‬

‫‪ -1‬شرح ديوان حسان بن ثابت األنصاري ‪ ،‬ص ص ‪. 284 -283 -282‬‬


‫‪ -2‬فايز ترحي ‪ :‬اإلسالم والشعر ‪ ،‬ص ‪. 107‬‬
‫‪ -3‬شرح ديوان حسان بن ثابت األنصاري ‪ ،‬ص ص ‪. 456 -455‬‬
‫‪ -4‬فايز ترحي ‪ :‬اإلسالم والشعر ‪ ،‬ص ‪.106‬‬

‫‪123‬‬
‫شعر الصحابة بني البعد الفكري والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫ابن الزبعرى‪ ،‬ألن هجاء حسان له مثله مثل هجائه أل سفيان بن حرب وزوجته ه د‪ ،‬فهجاء حسان‬
‫هلم مجيعا‪ ،‬هو كما يقول بطرس البستان‪ « :‬على مرارته صادقا ال تكلف فيه ‪ ،‬مل ي دفع الشاعر إليه‬
‫حبا للتكسب واالستجداء ‪ ،‬بل ذودا على دين يؤمن به وبرسوله ‪ ،‬وأمال بالثواب يف الدنيا الباقية ‪،‬‬
‫فرتى فيه ارتياحا إ حسن املصري ‪ ،‬مل يكن يف عبّاد األوثان من شعراء ا اهلية ‪ ،‬بل محله إليهم‬
‫اإلسالم ‪ ،‬فأصبحوا ويف أنفسهم أمل كبري ‪ ،‬اهدون يف سبيل نبيهم ودي ه ‪ ،‬ال بغية هلم غري ا ة ال‬
‫ٌ[ الكامل]‬ ‫وعدوا نعيمها »‪ .1‬وقال يهجو صفوان ابن أمية‪:‬‬
‫أ ََمةٌ َار َمع َمر بن َحبيب‬ ‫وزم‬
‫صف َوا َن أن َع مج َ‬
‫َمن ممبل ٌغ َ‬
‫من األنساب َغي مر قَريب‬
‫ب َ‬‫نَ َس ٌ‬ ‫قال م َن الرباجم أصلمها‬
‫أ ََمةٌ يم م‬
‫َما َذا أر َاد َزي َها املث مقوب‬ ‫ت بَيَانَ َها‬‫سائل َ بَ َل إن أ ََرد َ‬
‫العرقموب‪.2‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫فار وبمع مد َحرق َمه َمة لَتَ َركتمها َ بو علَى َ‬ ‫الس م‬‫لَوالَ ِّ‬
‫[الوافر]‬ ‫وقال يهجو الوليد بن املغرية ‪،‬و رد من ال سب إ قريش‪:‬‬
‫اب‬
‫ص م‬‫ومت َها ن َ‬‫فمالك يف أ مَر َ‬ ‫ش أو مَص مل‬ ‫م تم َسب قمَري ٌ‬
‫اب‬
‫حيث تمستَ َر مق العيَ م‬
‫م‬ ‫ش ٍع‬ ‫ص َعن أَب َيها‬ ‫صي ٍ‬‫ك ب و مه َ‬ ‫نَ َفت َ‬
‫ك الوطَاب‬ ‫ب َحب َل عاتق َ‬ ‫قَد أن َد َ‬ ‫ابن املغ َرية َعب ٌد َشوٍل‬ ‫أنت َ‬‫و َ‬
‫تَالَفَت مدو َن نسبَت مكم كالَب‬ ‫ب من قمَري ٍ‬
‫ش‬ ‫إذا معد األَطَاي م‬
‫اب‪.3‬‬
‫ب اللبَ م‬ ‫السر وا َ َس م‬
‫اك ِّ‬ ‫مه َ‬ ‫وعمرا َن اب َن َ مزومٍ فَ َدع َها‬
‫وهجا ا ارث بن عوف بن أ حارثة املري الذي جاء إ الرسول‪ ،‬فأسلم‪ ،‬وبعث معه رجل‬
‫من األنصار إ قومه ليسلموا ف مقتل األنصاري‪ ،‬ومل يستطع ا ارث محايته‪ ،‬فقال حسان يهجو ا ارث‬
‫[الكامل]‬ ‫ابن عوف ‪:‬‬
‫م مكم فإن م ّمدا مل يَغدر‬ ‫يَا َحار َمن يَغدر بذمة َجار‬
‫مصول السخ َرب‬
‫ت يف أ م‬
‫والغد مر ي بم م‬ ‫إن تَغد مروا فَالغَد مر م مكم ش َ‬
‫يمةٌ‬

‫‪ -1‬بطرس البستان ‪ :‬أدباء العرب قي ا اهلية واإلسالم ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ص‪. 278 -277‬‬
‫‪ -2‬شرح ديوان حسان بن ثابت األنصاري ‪ ،‬ص ص ‪. 109 -108‬‬
‫‪ -3‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ص ‪. 112 -111‬‬

‫‪124‬‬
‫شعر الصحابة بني البعد الفكري والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫صدعمها مل م َرب‪.1‬‬
‫اجة َ‬‫ثل الز َج َ‬
‫م م‬ ‫حيث لَقيتَهم‬
‫م‬ ‫ي‬‫وأََمانَةم املِّر ِّ‬
‫م‬
‫وملا « قال حسان هذ األبيات جعل ا ارث يعتذر‪ ،‬وبعث القاتل إبال يف دية األنصاري فقبلها‬
‫رسول اهلل‪ ،‬ودفعها إ ورثته »‪.2‬‬
‫وأما هجاء حسان بن ثابت للقبائل‪ ،‬فقد سلط هجاء على القبائل ال آذت الرسول‪،‬‬
‫[الوافر]‬ ‫وغدرت برسله‪ ،‬فهجا قبيلة هذيل لغدرها بيب وعدم وفائها‪ ،‬ومما قاله فيها‪:‬‬
‫ض ماءم َزمَزَم أَم َم مش م‬
‫وب‬ ‫أَ َ ٌ‬ ‫فَال واهلل ما تَدري مه َذي ٌل‬
‫يب‬
‫م َن ا مجَرين واملس َعى نَص م‬ ‫َوَما َهلم مم إن اعتَ َم مروا َو َحجوا‬
‫وب‬
‫ني والعميم م‬ ‫به اللؤمم املمبَ م‬ ‫يع َهلمم َ ٌّل‬ ‫ولكن الرج َ‬
‫وب‪.3‬‬
‫هد َعه مد مه مم الك مذ م‬
‫الع م‬
‫ئس َ‬‫فَب َ‬ ‫مه مم غروا بذمتهم مخبَ يبا‬
‫وقد « قال يف يوم أحد يهجو ب عبد الدار‪ ،‬وكانوا حافظوا على لوائهم ح قتلوا رجال بعد‬
‫[الوافر]‬ ‫عبد هلم أسود يقال له ‪ :‬صواب‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫رجل‪ ،‬فصار اللواء إ‬
‫ص َواب‬
‫حني مرد إ م‬ ‫َ‬ ‫لواءٌ‬ ‫فَ َخرمُت باللواء وشر فَخ ٍر‬
‫من األَم َمن يَطَا َع َفَر الت َراب‬ ‫َج َعلتمم فخرمكم فيه ل َعب ٍد‬
‫لك ليس من أَمر الص َؤاب‬ ‫و َذ َ‬ ‫حسبتمم والسفيه أخو ظمم ٍ‬
‫ون‬ ‫م م‬ ‫َ‬
‫‪4‬‬
‫مب ّكةَ بَي عم مك مم ممحَر العيَاب» ‪.‬‬ ‫بأَن لقاءَنَا إذ َحا َن يَوٌم‬
‫إن شاعرية حسان أسقطت افتخار شعراء قريش ب صرهم و ماية العبيد لألحرار ‪ .‬فكل ه ذ‬
‫الصفات القبيحة‪ ،‬ال هج ا هبا حسان األفراد والقبائل‪ ،‬تدل على أن اهلجاء كان رد فعل على هجاء‬
‫املشركني للرسول‪ ،‬وكل من آزرهم من القبائل‪ ،‬فجاء اهلجاء مقذعا مؤملا‪ ،‬م صبا على األحساب‬
‫واألنساب‪ ،‬واللؤم وا يانة‪ ،‬فاملهجوة لكاع وتلد من عهر‪ ،‬واملهجو زنيم لئيم‪ ،‬ي تحل ال سب‪ ،‬وهي‬
‫الصفات ال كانت تؤمل قريشا وشعراءها والقبائل‪،‬وهو اهلجاء الذي كان يشفي غليل حسان بن ثابت‪،‬‬

‫‪ -1‬شرح ديوان حسان بن ثابت األنصاري ‪ ،‬ص ص ‪. 264 -263‬‬


‫‪ -2‬املصدر نفسه ‪ ،‬احملقق ‪ :‬هامش صفحة ‪. 263‬‬
‫‪ -3‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ص ‪. 110-109‬‬
‫‪ -4‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 115‬‬

‫‪125‬‬
‫شعر الصحابة بني البعد الفكري والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫وبرتاح له املسلمون‪ ،‬ألنه كان يطفئ نار هجاء املشركني للمسلمني ‪.‬‬
‫أما المدح‪ :‬فإن ا د كذلك أن حسانا قد هنج يف الدفاع عن الرسول‪ ‬واملسلمني مذهب املدح‪،‬‬
‫ويف هذا املذهب الشعري ‪ ،‬قد مدح اهلل سبحانه وتعا ‪ ،1‬ومدح الرسول‪ ،2‬ومدح سعد بن زيد وهو‬
‫من األنصار‪ ،3‬ومدح أبابكر‪ ،4‬وعبد اهلل بن عباس‪ ،5‬ومطعم بن ع دي بن نوفل بن عبد م اف بن‬
‫قصي القرشي ال وفلي‪ ،6‬والزبري بن العوام ‪ ،7‬كما اقرتن مدح حسان بأغراض أخرى ‪.‬‬
‫وهذا التطور يف امل ح الروحي ملدح حسان ‪ ،‬يدل على أن الشاعر غري عقيدة مدحه و رى ف ه ‪،‬‬
‫وهو ما يؤكد أن حسانا شاعر اإلسالم غريم شاعر املدي ة وشاعر البالط الغسان قبل اهلجرة ‪ ،‬مع هذا‬
‫« أن حسانا ترك مدح امللوك واألمراء ‪ ،‬الغارقني يف متارف ا ضارة الفارسية والبيزنطية ممن كان‬
‫يقصدهم قبل إسالمه ‪ ،‬وما كان يفعم به من العطاء املادي العاجل ع دهم ‪ ،‬واختار أن يبقى يف يثرب‬
‫لي اضل مع الرسول‪ ‬بسالحه ا اص آمال يف ا زاء اآلجل ع د اهلل »‪.8‬‬
‫واملتصفح لديوان حسان د أن مدائحه من ال احية املوضوعاتية‪ « ،‬متيزت بالصدق واإلخالص ‪،‬‬
‫وقد مدح الرسول وخلفاء ‪ ،‬وصحابته وحواريه وفرسان املسلمني وشجعاهنم‪ ،‬وأكثر مدحه للرسول ‪‬‬
‫جاء متصال بغري من أغراض الشعر كاهلجاء والرثاء والفخر‪ ،‬والرد على الوفود ‪ ،‬وكان حني ميدح تغلب‬
‫عليه الصبغة الدي ية ‪ ،‬والقوة الروحية ‪ ،‬فكان يستلهم السماء ‪ .‬ويذكر ما أتى به الرسول من اآليات‬
‫البي ات‪ ،‬وما ظى به من شريف الصفات »‪.9‬‬
‫كما أن مدائح حسان جاءت وفق أسلوب إسالمي جديد ‪ ،‬وخاصة يف مدح الرسول‪ ،‬قال‬
‫بطرس البستان ‪ « :‬فلحسان يف مدح ال يب أسلوب غري األسلوب الذي عهدنا يف ا اهلية فهو ال‬

‫‪ -1‬شرح ديوان حسان بن ثابت األنصاري ‪ ،‬ص‪ 131‬وما بعدها ‪.‬‬


‫‪ -2‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 59‬‬
‫‪ -3‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص‪. 206‬‬
‫‪ -4‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ص ‪. 353 -352‬‬
‫‪ -5‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 412‬‬
‫‪ -6‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪.. 451‬‬
‫‪ -7‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ص ‪. 393 -392‬‬
‫‪ -8‬صالح عيد ‪ :‬املدائح ال بوية يف الشعر العر من عصر ال بوة ح البصريي ‪ ،‬ط‪ ،1‬القاهرة ‪ ،‬مكتبة اآلداب ‪1429 ،‬ه ‪2000‬م ‪ ،‬ص ‪. 70‬‬
‫‪ -9‬مد إبراهيم مجعة ‪ :‬حسان بن ثابت ‪ ،‬ص ‪. 50‬‬

‫‪126‬‬
‫شعر الصحابة بني البعد الفكري والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫يشبه مدا باألسد فعل كعب بن زهري ‪ ،‬وال ميعن يف وصف جود وسخائه كمن يريد االستجداء‬
‫والتكسب من ممدوحه ‪ ،‬بل يع بوصف مشائله الغر ‪ ،‬ويلح يف ذكر الرسالة والتصديق هبا ‪ ،‬وذكر ما‬
‫محل اإلسالم للعرب من نور وهداية ‪ ،‬وأمل بعد يأس ‪ ،‬ويعرض أحيانا مبن أنكر ال بوة وكذب هبا‪ ،‬فهو‬
‫مديح جديد يف نوعه وطريقته ‪ ،‬جديد يف تعابري وألفاظه ‪ ،‬جديد يف ال فحة الدي ية العابقة م ه‪ ،‬بيد‬
‫أنه‪...‬التعدو ال ظرة ا اهلية ‪ ،‬ولك ها فطرة صقلها الدين وجالها اإلميان »‪.1‬‬
‫ويظهر املسلك الف ملديح حسان يف القصيدة " الدالية "‪ ،‬ال جاء مد ه فيها للرسول‪‬مقرونا‬
‫مبدحه هلل سبحانه والتضرع إليه‪ ،‬وهي أقدم القصائد ذات املديح الدي ا اص‪ ،‬فقال حسان ميدح‬
‫[الطويل]‬ ‫الرسول ‪: ‬‬
‫يلوح ويَش َه مد‬ ‫م‬ ‫هود‬
‫من اهلل َمش ٌ‬ ‫خاُتم‬ ‫أَ َغر عليه لل بوة‬
‫قال يف ا مس املؤذِّ من أَش َه مد‬‫إذ َ‬ ‫اُسه‬ ‫اسم ال يب إ‬
‫ضم اإلله َ‬ ‫َو َ‬
‫وهذا مَم مد‬ ‫مود َ‬‫فَ مذو العرش َ ٌ‬ ‫ليمجلهم‬ ‫َو َشق لَهم من اُسه‬
‫م َن الرسل واألَوثَا من يف األرض تمعبَ مد‬ ‫وفرتةٍ‬ ‫عد يَأ ٍس‬
‫يب أَتَانَا بَ َ‬
‫نَ ٌّ‬
‫امله مد‬
‫َ‬ ‫يل‬
‫وح َك َما الَ َح الصق م‬ ‫يَلم م‬ ‫وأم َسى سراجا مم ريا وهاديا‬
‫ََ َم مد‬ ‫اإلسالم فاهللَ‬
‫َ‬ ‫وعل َمَا‬
‫َ‬ ‫ذوأَن َذ َرنَا نَارا وبَشَر َج ة‬
‫وقال حسان يف القصيدة نفسها يف شكر اهلل تعا والث اء عليه ‪:‬‬
‫ت يف ال اس أَش َه مد‬‫ذاك ما مع ِّمر م‬
‫ب َ‬ ‫وخالقي‬ ‫َ‬ ‫إله ا َلق َر‬ ‫ت َ‬ ‫وأن َ‬
‫ت أَعلَى َوأَ َ مد‬ ‫سو َاك إهلا أَن َ‬ ‫ت رب ال اس عن قول َمن َد َعا‬ ‫تَ َعالَي َ‬
‫اك نَعبم مد ‪.2‬‬ ‫اك نَستَ هد وإيّ َ‬ ‫فَإي َ‬ ‫األمر مكلهم‬
‫ك ا َل مق وال ع َماءم و م‬ ‫لَ َ‬
‫« ا ذ األلفاظ ال يرددها املؤم ون يف صلواهتم ويف‬ ‫ففي هذ األبيات ا اصة مبدح اهلل تعا ‪،‬‬
‫عبادهتم ‪ ،‬فاستعمل املديح دعاء هلل خالقه يشهد بفضله ما عاش ‪ ،‬وليس سوا من خالق »‪.3‬‬
‫ويب دو أن موقف حسان من شعراء املشركني‪ ،‬دفع ه إ أن جعله « مشاركا بلسان ه يف األحداث‬

‫‪ -1‬بطرس البستان ‪ :‬أدباء العرب قي ا اهلية واإلسالم ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪. 278‬‬


‫‪ -2‬شرح ديوان حسان بن ثابت األنصاري ‪ ،‬ص ص ‪. 132 -131‬‬
‫‪ -3‬سامي الدهان ‪ :‬املديح ‪ ،‬ط‪ ، 5‬يف سلسة ف ون األدب العر ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬دار املعارف ‪1992‬م ‪ ،‬ص ص ‪. 70 -39‬‬

‫‪127‬‬
‫شعر الصحابة بني البعد الفكري والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫اإلسالمية مجيعا‪ ،‬فما من م اسبة إسالمية إال وكانت له صدارة القول‪...‬ولعل قصيدته ال قاهلا س ة‬
‫مع بني أسلوب‬ ‫مثان للهجرة ‪ ،‬يتوعد فيها املشركني بفتح مكة ‪ ،‬كانت من أفضل قصائد ال‬
‫[الوافر]‬ ‫ا اهلية ومعانيها‪ ،‬وأسلوب اإلسالم وقيمه »‪ .1‬وهي " اهلمزية " ال يقول فيها‪:‬‬
‫إ َعذراءَ َم زمهلا َخالَءم‬ ‫صابع فَا واءم‬
‫ات األَ َ‬
‫َع َفت َذ م‬
‫س والس َماءم‪.2‬‬ ‫تم َع ِّف َيها الرَوام م‬ ‫يار من بَ ا َس َحاس قَفٌر‬‫د ٌ‬
‫فحسان يف مطلع قصيدته‪ « ،‬ذهب مذهب ا اهليني يف ابتدائه بالذكريات يف شعر رصني العبارة‪،‬‬
‫ضخم اللفظ دود الصورة‪ ،‬سريع اللمحة »‪ .3‬وجاء فيها مدح الرسول‪‬مقرونا بالفخر ربيل‪:‬‬
‫ليس لهم ك َفاءم‬‫وح ال مق مدس َ‬‫َومر م‬
‫سول اهلل فيَا‬ ‫يل َر م‬ ‫َوجرب ٌ‬
‫ول ا ق إن نَ َف َع البَالَءم‬ ‫يَ مق م‬
‫أرسلت َعبدا‬
‫م‬ ‫وقال اهللم ‪ :‬قَد‬
‫َ‬
‫وم َوالَ نَ َشاءم‬ ‫فَ مقلتمم الَنَ مق م‬
‫ص ِّدقموم‬
‫وموا َ‬‫ت به فَ مق م‬ ‫َشهد م‬
‫ضتم َها اللِّ َقاءم‬
‫األنصار عمر َ‬
‫ت مج َدا‬
‫م‬ ‫مه مم‬
‫وقال اهللم ‪ :‬قد َسي ر م‬
‫َ‬
‫تال أَو ه َجاءم‬ ‫لََا يف مك ِّل يَوٍم من َم َعد‬
‫اب أو ق ٌ‬ ‫سبَ ٌ‬
‫الد َماءم ‪.4‬‬
‫ط ِّ‬‫ني َ تَل م‬
‫بح َ‬
‫َونَضر م‬ ‫فَ م َح ِّك مم بالقوايف َمن َه َجانَا‬
‫وهذ القصيدة املشهورة « قيلت قبل فتح مكة‪ ،‬ألهنا تعرضت أل سفيان بن ا ارث بن عبد‬
‫املطلب بن هاشم ‪ ،‬الذي أسلم قبل فتح مكة ‪ ،‬والرسول يف طريقه إليها " ب يق العقاب " فيما بني مكة‬
‫واملدي ة »‪.5‬‬
‫وعن هذ القصيدة يقول مد إبراهيم مجعة‪ « :‬القصيدة من ال احية الف ية تبدو ذات ع صرين‬
‫متغايرين‪ :‬ع صر جاهلي ال زعة والصيغة‪ ،‬وآخر إسالمي الغرض والطابع‪ ،‬فما الذي مجع بني هذين‬
‫اللونني املتباي ني يف قصيدة واحدة ؟‪ .‬أغلب الظن أن يكون ذلك من ص ع‪ ،‬الرواة ال من ج وح الشاعر‬
‫إ االبتداء ب شوة نسيب مورة يف موقف إسالمي روحي جليل‪ ،‬أو أن يكون حسان قد أنشد‬

‫‪ -1‬فايز ترحي ‪ :‬اإلسالم والشعر ‪ ،‬ص ‪. 110‬‬


‫‪ -2‬شرح ديوان حسان بن ثابت األنصاري ‪ ،‬ص ص ‪. 55 -54‬‬
‫‪ -3‬مد إبراهيم مجعة ‪ :‬حسان بن ثابت ‪ ،‬ص‪. 65‬‬
‫‪ -4‬شرح ديوان حسان بن ثابت األنصاري ‪ ،‬ص ‪ 59‬وما بعدها ‪.‬‬
‫‪ -5‬مد إبراهيم مجعة ‪ :‬حسان بن ثابت ‪ ،‬ص‪. 64‬‬

‫‪128‬‬
‫شعر الصحابة بني البعد الفكري والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫املقدمة يف ا اهلية‪ ،‬مث ب عليها يف اإلسالم »‪ .1‬وقد بم يت القصيدة على ال مط ا اهلي فبدأها‬
‫الشاعر بذكر األطالل‪ ،‬مث الغزل وا مرة ‪ ،‬ح وصل إ الت بؤ بفتح مكة ‪ ،‬مث مدح الرسول ‪،‬‬
‫وافتخر بشجاعة املسلمني‪ ،‬وبالعون اإلله‪ ،‬وخلص إ هجاء أ سفيان بن ا رث فقال له‪:‬‬
‫ب َه َواءٌ‬ ‫ف ََن ٌ‬ ‫فأنت مَ ّو ٌ‬
‫َ‬ ‫أال أبلغ أبا سفيا َن َع ِّ‬
‫وعبد الدار َس َاد مهتا اإل َماءم‬
‫م‬ ‫تك َعبدأ‬ ‫بأن مسبموفََا تَرَك َ‬
‫ذاك ا ََزاءم‬ ‫وع َد اهلل يف َ‬ ‫ت َع هم‬ ‫فأجب م‬
‫ت م مدا َ‬ ‫َه َجو َ‬
‫فَ َشرمك َما ريمكما الف َداءم‬ ‫لست لَهَ ب مكف ٍء‬‫أَتَه مجوم و َ‬
‫يمتَهم ال َوفَاءم‬
‫ني اهلل ش َ‬ ‫أَم َ‬ ‫ت ممباركا بَرا َح بفا‬ ‫َه َجو َ‬
‫ص مرم َس َواءم‪.2‬‬ ‫وَمي َد محهم َويَ م‬ ‫رسول اهلل م مكم‬
‫فَ َمن يَه مجو َ‬
‫واملتمعن يف هذ اهلمزية ‪ ،‬د « أن املعان الدي ية بدأت تتسرب إ القصيدة ‪ ،‬وتتكشف معاملها‬
‫من خالهلا ‪ .‬وتسود ظالهلا من خالل ذلك السلوك اإلسالمي‪ ،‬الذي يل من خالله الشاعر تكسبه‬
‫املوروث عرب العصر السابق لدى ( أمراء الغساس ة ) إ احتساب لألجر من ع د اهلل تعا ‪ .‬وانتظار‬
‫للثواب األخروي ‪ .‬األمر الذي دفعه إ التضحية بأغلى ممتلكاته دفاعا عن ممدوحه ‪ ،‬وأمال يف نيل هذا‬
‫الثواب من اهلل وحد »‪ .3‬فقال ‪:‬‬
‫لعرض مَم ٍد م مكم وقَاءم‪.4‬‬ ‫فَإن أ َووال َد م َوعرضي‬
‫واملديح يف هذ القصيدة عرب عن التضحيات الكربى ال قدمها الرسول‪ ،‬من أجل الوصول‬
‫بالدعوة إ مبتغاها‪ ،‬هلذا قدم حسان تضحية وقاء للرسول الذي قاد جهادا متواصال‪ ،‬وتضحيات هتون‬
‫يف سبيل القضاء على الفكر الوث ‪ ،‬والوصول باجملتمع إ غاية ومبتغى الدين ا ديد ‪.‬‬
‫وهذا املدح ميثل آخر مدائح حسان بن ثابت للرسول‪ ،‬ألنه جاء يف فتح مكة ال فتحت اجملال‬
‫أمام شعراء عام الوفود يف (‪9‬ه) ‪ ،‬ملالقاة الرسول وإلقاء مدائحهم له يف لسه ‪.‬‬

‫‪ -1‬مد إبراهيم مجعة ‪ :‬حسان بن ثابت ‪ ،‬ص ‪. 64‬‬


‫‪ -2‬شرح ديوان حسان بن ثابت األنصاري ‪ ،‬ص ‪. 61 -60‬‬
‫‪ -3‬عبد اهلل التطاوي‪ :‬مداخل ومشكالت حول القصيدة العربية القدمية ‪ ،‬ط‪ ،2‬القاهرة ‪ ،‬دار غريب للطابعة وال شر والتوزيع ‪1996 ،‬م ‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪ -4‬شرح ديوان حسان بن ثابت األنصاري ‪ ،‬ص ‪. 62‬‬

‫‪129‬‬
‫شعر الصحابة بني البعد الفكري والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫ومن مدائح حسان ما نظم ه بطلب من الرسول‪ ‬يف م دح أ بكر‪ ،‬فج اء يف مجهرة أشعار العرب‬
‫‪ « :‬وأخربنا أبو العباس عن أ طلحة عن بكر بن سليمان يرفع ا ديث إ عبد اهلل بن مسعود قال‬
‫‪ :‬بلغ ال يب‪ ، ‬أن قوما نالوا من أ بكر بألس تهم‪ ،‬فصعد امل رب ‪ ،‬فحمد اهلل وأث عليه‪ ،‬مث قال‪ :‬أيها‬
‫ال اس ! ليس أحد م كم أمن علي يف ذات يد ونفسه من أ بكر‪ ،‬كلكم قال ‪ :‬كذبت‪ ،‬وقال‬
‫أبو بكر‪ :‬صدقت‪ ،‬فلو ك ت متخذا خليال ال ذت أبا بكر خليال‪ ،‬مث التفت إ حسان فقال‪ :‬هات‬
‫[البسيط]‬ ‫ما قلت يف‪ ،‬فقال حسان‪ :‬قلت يا رسول اهلل‪:‬‬
‫أخاك أبا بك ٍر مبا فَ َعالَ‬
‫فَاذ مكر َ‬ ‫ت َشجوا من أَخي ث َق ٍة‬ ‫إذا تَ َذكر َ‬
‫صد َق الر مسالَ‬‫َوأَو َل ال اس طمرا َ‬ ‫يمتمهم‬
‫ود ش َ‬ ‫احملم َ‬
‫التا َ الثانَ م‬
‫صع َد ا َبَالَ‬
‫الع مدو به إذ َ‬ ‫اف َ‬ ‫طَ َ‬ ‫والثانَ اث َ ني يف الغار امل يف وقد‬
‫م‬
‫ال‬
‫َم َ‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫به‬ ‫ل‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫ي‬
‫َ‬ ‫مل‬ ‫‪،‬‬ ‫ة‬ ‫ي‬‫الرب‬
‫َ ََ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ا‬
‫و‬ ‫م‬‫َم‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫قد‬ ‫وكان حب َر مسول اهلل‬
‫اها مبا َمحَالَ‬‫يب َوأَوفَ َ‬‫بَع َد ال ِّ‬ ‫اها َوأَرأَفم َها‬
‫الربيَة أَت َق َ‬
‫َخي مر َ‬
‫فقال‪ ‬صدقت ياحسان ‪ ،‬دعوا صاحيب ! قاهلا ثالثا »‪.1‬‬
‫يتضح من هذا ال ص أن مدح حسان أل بكر كان مقرونا مبدح الرسول‪ ،‬وهو مزج مجيل‬
‫يتوافق مع ما قاله الرسول ألصحابه يف وفاء أ بكر وحبه له‪ ،‬وتصديقه يف دعوته يف أيام احمل ة يف مكة‬
‫وهجرته م ها‪ ،‬ويبدو أن معان القرآن العظيم قد بدأت مبكرا تتجسد يف مدائح حسان ؛ حيث د‬
‫يستقي معانيها الف ية املتمثلة يف رمزية الغار من قوله تعا ‪ :‬ﭐ‪฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀‬‬
‫‪ ฀‬ﲨ ‪ ฀‬ﲪ ‪฀‬ﲬ [سورة التوبة اآلية ‪ .]40‬وقال حسان‬
‫مادحا الرسول وأصحابه يف يوم بدر‪[ :‬البسيط]‬
‫غري َرعديد‬
‫ماض م‬‫حيزَة ٍ‬ ‫َجل مد ال َ‬ ‫ي يَق مد مم مه مم‬
‫ممستشعري َحلَ َق املاذ ِّ‬
‫الربيّة بالتّقوى َوبا مود‬
‫على َ‬ ‫الرسول فإ ّن اهللَ فَضلهم‬ ‫َ‬ ‫أَع‬
‫غري َمورود‬ ‫ٍ‬
‫وماءَ بدر زعمتمم َ‬ ‫َوقَد َزعمتمم بأن َ موا ذمارمكم‬

‫‪ -1‬القرشي ‪ :‬مجهرة أشعار العرب ‪ ،‬ص ‪. 31‬‬


‫وي ظر ‪ :‬شرح ديوان حسان بن ثابت األنصاري ‪ ،‬ص ص ‪. 354 -353 -352‬‬

‫‪130‬‬
‫شعر الصحابة بني البعد الفكري والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫غري تَصريد‬ ‫َح َشرب ا َرواءَ َ‬ ‫َوقَد وردنا ومل نَس َمع لقول مكم‬
‫ني ٍبل غريِ مم َجذٍم‬
‫مم َستح َك ٍم من حبال اهلل َمم مدود‬ ‫ممستَ عصم َ‬
‫ونصر غريم َ مدود‬‫ٌ‬ ‫َح املمات‬ ‫الرسول وفيتا ا ٌّق نتبَ عمهم‬
‫م‬ ‫فيَا‬
‫إ َذا ال مك َماةم ََ ماموا يف الصَاديد‬
‫اب ملا قَطَعموا‬ ‫َم ٍ‬
‫اض على اهلَول َرك ٌ‬
‫وم ٍ‬ ‫ٍ‬
‫نار على مك ِّل األَ َماجيد‬‫در أَ َ‬
‫بَ ٌ‬ ‫ضاءم به‬‫اض شهاب يمستَ َ‬ ‫َواف َ‬
‫ضاء َغي َر َمرمدود‪.1‬‬
‫قال كا َن قَ َ‬
‫َما َ‬ ‫ورتمهم‬
‫صَ‬ ‫بارٌك َكضيَاء البدر م‬ ‫مم َ‬
‫ففي هذا ال ص « مديح عامر بالقيم اإلسالمية ا ديدة ‪ ،‬ومتصل با ياة اتصاال محيميا‪ ،‬وهو‬
‫بريء من ال مطية والتكرار‪ ،‬فصورة الرسول هاه ا متميزة عن املمدوحني اآلخرين يف القصائد األخرى‪،‬‬
‫وهو مدح تشع فيه روح االعتدال والبعد عن الغلو واإلسراف ‪ .‬وهو بعدئذ عامر بروح الفخر‪ ،‬فحسان‬
‫ال ميدح الرسول وحد يل ميدح املسلمني مجيعا – وهو أحدهم‪ ،-‬ولو شئت لقلت إنه يفخر هبم‬
‫مجيعا‪ ،‬فا دود بني املدح والفخر متداخلة كثريا‪ ،‬ومتداخلة تداخال شديدا ‪ ،‬وصورة الرسول بارزة يف‬
‫هذا املدح وقد أحاطت هبا صور املسلمني مجيعا‪ ،‬وليس يريد حسان من وراء مد ه سوى متجيد الدين‬
‫وممثليه والتبشري به »‪ .2‬وحسان يف هذ املدحة «حشد موعة كبرية من قيم املدح يف ال ف صغري‪،‬‬
‫مما علها متر أمام أبصارنا سريعا متالحقة‪ ،‬فه اك‪ :‬ا لد‪ ،‬واملضاء‪ ،‬والشجاعة ‪ ،‬والتقوى‪ ،‬والكرم‪،‬‬
‫د هبا الرسول‪.‬‬ ‫وا ق‪ ،‬والوفاء ‪ ،‬فاملضاء مرة أخرى »‪ .3‬وهي القيم املدحية اإلسالمية ا ديدة ال‬
‫والقصيدة كما نرى‪ « ،‬متثل أمنوذجا ملديح حسان للرسول‪ ‬يف أول عهد به يف موقعة بدر»‪.4‬‬
‫[الطويل]‬ ‫وقد قال حسان ميدح الصحا عبد اهلل بن عباس‪:‬‬
‫ات الَتَ َرى فيها فَص َال‬ ‫مبملت َقطَ ٍ‬ ‫قال مل يَت مرك َم َقاال ل ٍ‬
‫قائل‬ ‫إ َذا َ‬
‫َ‬
‫لذي إربٍَة يف القول جدا َوَال َهَزَال‬ ‫َك َفى َو َش َفى ما يف ال مفوس فَلَم يَ َدع‬
‫ت ذمَر َاها الَ َدنيا َوَال َو َغالَ ‪.5‬‬
‫فَ ل َ‬ ‫ت إ ال َعليا بغَري َم َشق ٍة‬ ‫َُسَو َ‬
‫‪ -1‬شرح ديوان حسان بن ثابت األنصاري ‪ ،‬ص ص ‪. 134 -133‬‬
‫‪ -2‬وهب رومية ‪ :‬ب ية القصيدة العربية ح هناية العصر األموي ( قصيدة املدح أمنوذجا )‪ ،‬ص ‪. 303‬‬
‫‪ -3‬صالح عيد ‪ :‬املدائح ال بوية يف الشعر العر من عصر ال بوة ح البصريي ‪ ،‬ص ‪. 71‬‬
‫‪ -4‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 72‬‬
‫‪ -5‬شرح ديوان حسان بن ثابت األنصاري ‪ ،‬ص ‪.412‬‬

‫‪131‬‬
‫شعر الصحابة بني البعد الفكري والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫[الطويل]‬ ‫وقال ميدح مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد م اف بن قصي القرشي ال وفلي ‪:‬‬
‫ب َدم ٍع فإن أَن َزفته فَاس مكيب الد َما‬ ‫أَ َعني أََال ابكي َسيِّ َد ال اس واس َفحي‬
‫عروف له َما تَ َكل َما‬‫على الّاس َم ٌ‬ ‫ظيم املش َعَرين َوَرب َها‬ ‫ِّ‬
‫َوبَكي َع َ‬
‫م َن ال اس أبقى َ مد م الدهَر ممطع َما‬ ‫َولَو أَن َ دا أَخلَ َد الدهَر واحدا‬
‫ب َوأَحَرَما‬ ‫باد َك َما لَّب ممل ٌّ‬
‫ع َ‬ ‫رسول اهلل م هم فأصبحوا‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫أَ َجر َ‬
‫وقحطا من أو باقي بَقية مجرممهَا‬ ‫فلَو مسئلَت ع ه َم َع ٌّد بأَسرَها‬
‫وذمته يوما إذا َما تَ َذممَا‬ ‫لََقالموا مه َو املويف مفَرة َجار‬
‫م‬
‫على مثله م مهم أَ َعز َوأَكَرَما‬ ‫مس امل ريةم فَوقَ مهم‬
‫الش م‬
‫فَ َما تَطلم مع ّ‬
‫يل أَظلَ َما ‪.1‬‬ ‫ٍ‬
‫َواَن َوَم عن َجار إذا الل م‬ ‫أكرَم شي َمة‬ ‫إباءٌ إ َذا يَأ و َ‬
‫ومدح الصحا الزبري بن العوام‪ ،‬حني « مر الزبري بن العوام مبجلس من أصحاب رسول اهلل‪‬‬
‫وحسان بن ثابت ي شدهم من شعر ‪ ،‬وهم غري نشاط ملا يسمعون م ه‪ ،‬فجلس معهم الزبري فقال‪ :‬ما‬
‫أراكم غري آذنني ملا تسمعون من شعر ابن الفريعة‪ ،‬فلقد كان يعرض لرسول اهلل ‪‬فيحسن استماعه‪،‬‬
‫[الطويل]‬ ‫و زل عليه ثوابه وال يشتغل ع ه بشيء ‪ ،‬فقال حسان‪:‬‬
‫القول بالفعل يمع َد مل‬‫َحواريهم و م‬ ‫وهديه‬
‫يب َ‬‫أَقَ َام على عهد ال ِّ‬
‫يموا و ّ ا ِّق وا ق أَع َد مل‬ ‫أَقَ َام على م َهاجه وطريقه‬
‫جل‬
‫ول إذا ما كان يَوٌم مَ م‬ ‫صم‬ ‫يَ م‬ ‫البطل الذي‬
‫املشهور و م‬
‫م‬ ‫الفارس‬
‫م‬ ‫هو‬
‫اق إ املوت يمرف مل‬ ‫بأبيض س ٍ‬ ‫رب َحش َها‬
‫َ َ‬ ‫إذا َك َش َفت عن ساقها ا م‬
‫وليس يَ مكو من الدهَر مادام يَذبم مل‬ ‫فما مث لمهم فيهم وال كان قَب لَهم‬
‫ض مل»‪.2‬‬ ‫ك يَا اب َن اهلامشية أَف َ‬ ‫وفعلم َ‬ ‫اؤك َخ مري من فَ َعال َمعاش ٍر‬‫ثَ َ‬
‫وهذ املدائح اإلسالمية تلف يف الفكر واألسلوب عن مدائحه ا اهلية‪ ،‬فحسان تربطه مبمدوحيه‬
‫الرسول ‪ ‬والصحابة‪ ،‬روابط العقيدة الدي ية ‪ ،‬والدفاع عن اإلسالم‪ ،‬وهلذا د مل د عن م هجه‬
‫الف بعد وفاة الرسول‪ ،‬فهو التزام خاضع مل هج فكري رسخ يف عقل ووجدان حسان بن ثابت ‪.‬‬

‫‪ -1‬شرح ديوان حسان بن ثابت األنصاري ‪ ،‬ص ص ‪. 451-450‬‬


‫‪ -2‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ص ‪. 393 -392 -391‬‬

‫‪132‬‬
‫شعر الصحابة بني البعد الفكري والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫أما فخر حسان يف اإلسالم فهو من أقوى شعر ‪ ،‬ومرتبط بغري من األغراض الشعرية ‪ ،‬فقصيدته‬
‫"امليمية " ال يذكر فيها أصحاب اللواء بوم أحد ‪ ،‬يفتخر فيها ويعتز بفعاله وبصلته مبلوك عصر ‪،‬‬
‫ويفخر اله وبأبيه ‪ ،‬ويهجو ابن الزبعرى ‪ ،‬وي دد بقريش ال فرت لواذا يوم أحد ‪ ،‬وخلعت ع ها لباس‬
‫العقل وا لم ‪ ،‬وقد أث عليها ابن هشام فقال ‪ « :‬هذا أحسن ما قيل »‪ .1‬فقال حسان ‪[ :‬ا فيف]‬
‫وم‬
‫ور ال مج م‬ ‫يال إذا تَغم م‬ ‫وخ ٌ‬ ‫َ‬ ‫موم‬
‫َمَ َع ال وَم بالعشاء اهلم م‬
‫وم‬
‫داخل َمكتم م‬ ‫َس َق ٌم فَه َو‬ ‫ك م هم‬ ‫أصاب قَلبم َ‬
‫َ‬ ‫من ٍ‬
‫حبيب‬
‫ٌ‬
‫َواه من البَطش والعظَام َس مؤمم‬ ‫يَالََقومىٍ هل يَقتم مل املرءَ مثلي‬
‫وقال يفتخر اله وأبيه وب فسه ‪:‬‬
‫وم‬
‫يَ مق م‬ ‫حني‬
‫الن ع َد ال عمان َ‬ ‫طيب َجابيَة ا و‬
‫إن َخا َخ ٌ‬
‫وم‬
‫صم‬ ‫مم‬ ‫يوم التقت عليه ا‬ ‫ص مل َ‬ ‫وأ يف مُسَي َحةَ القائل ال َفا‬
‫ممقيم‬ ‫يَوَم نمعما من يف ال مكبمول‬ ‫وأنا الصق مر ع د باب ابن مسل َمى‬
‫وقال يهجو ابن الزبعرى وأصحاب اللواء ‪:‬‬
‫وم‬
‫صديقه َمذ مم م‬ ‫َخام ٌل يف َ‬ ‫ك أفعالم ا وفع مل الزب عرى‬‫تل َ‬
‫يم‬
‫صم م‬ ‫صي َ‬ ‫أمسرةٌ من ب قم َ‬ ‫البأس م مكم إذا َحضرمُت‬‫َو َ َ‬
‫وم‬
‫يف َرعاع من الق ا َ مز م‬ ‫تس َعةٌ مل اللواء وطارت‬
‫وم‬
‫َمذ مم م‬ ‫يف مم َق ٍام ومكل مهم‬ ‫يدوا َمجيعا‬
‫مل يمولموا ح ّ أمب م‬
‫وم‬
‫وخف م ها ا ملم م‬ ‫مل يمقيموا َ‬ ‫وقريش تَلموذم م ا ل َواذا‬
‫وم ‪.2‬‬
‫إمنا َ م مل اللِّواءَ ال مج م‬ ‫مل تمطق َمحلَهم العوات مق م مهم‬
‫أما مراثي حسان‪ :‬فكان شاعر الدعوة « قد عاش مع املسلمني بعاطفته وروحه ‪ ،‬يسجل بالشعر‬
‫أحداثهم‪ ،‬ويبكي فيه موتاهم وشهداءهم‪ ،‬فرثى شهداء مؤتة أصحاب الرسول‪ ،‬عبد اهلل بن رواحة ‪،‬‬
‫وزيد بن حارثة‪ ،‬وجعفر بن أ طالب‪ ،‬ورثى محزة عم ال يب بأكثر من مرثية ‪ ،‬كما رثى خبيب بن عدي‬
‫وأصحابه حني غدرت هبم هذيل ‪ ،‬ويلقى الرسول ربه فيفحم املصاب الشعراء و اول حسان أن يرثيه ‪،‬‬

‫‪ -1‬ابن هشام ‪ :‬سرية ال يب ‪ ،‬ج‪ ، 3‬ص ‪. 121‬‬


‫‪ -2‬شرح ديوان حسان بن ثابت األنصاري ‪ ،‬ص ‪ 429‬وما بعدها ‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫شعر الصحابة بني البعد الفكري والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫فيغلبه ا زن »‪ .1‬وبكا بكاء صادقا يف قصائد ومقطوعات ‪ ،‬وكانت أصول قصيدة بكا فيها من‬
‫[الكامل]‬ ‫مخس وأربعني (‪ )45‬بيتا ‪ ،‬وبكا يف قصيدة من مثانية وعشرين (‪ )28‬بيتا ‪ ،‬قال فيها ‪:‬‬
‫مكحلَت مآقيها ب مكحل األَرَمد‬ ‫ك ال ت مام كأمنا‬ ‫ال َعي َ‬‫َما بَ م‬
‫صى ال تَب عمد‬
‫خري َمن وط َئ ا َ َ‬
‫يا َ‬ ‫ي أصب َح ثاويا‬‫َجَزعا على املهد ِّ‬
‫قبلك يف بقيع الغَرفَد‬‫بت َ‬ ‫غميّ م‬ ‫الرتب َهلفي ليت‬
‫يقيك َ‬ ‫وجهي َ‬
‫يف يوم االث ني ال يب املهتَدي‬ ‫دت وفاتَهم‬ ‫بأ وأمي َمن َشه م‬
‫م‬
‫مل أمولَد‪.2‬‬ ‫ممتَ لَددا ياليت‬ ‫بعد وفاته ممتَبَ لِّدا‬
‫ت َ‬‫فَظَلل م‬
‫ورثى الصحابة ا لفاء ‪ ،‬مبرثيات تعرب عن فجيعة فقدهم‪ ،‬فقال يف مقتل ا ليفة عمر [الطويل]‬
‫ض يَتلوا املح َك َمات مم يب‬‫بأب ي‬ ‫وز ال َدر َدرم‬ ‫فَي مر م‬ ‫َوفَج َعَا‬
‫َ َ ٍ م‬ ‫ر ٍ‬
‫ؤوف على األدىن َغ ٍ‬
‫أَخي ثقة يف ال ائبات َ يب‬ ‫ليظ على الع َدا‬ ‫َ‬
‫َسري ٍع إ ا ريات غري قَطموب‪.3‬‬ ‫القول فعلمهم‬
‫َم َ ما يَ مقل ال يَكذب َ‬
‫[الكامل]‬ ‫وقال يف قتل ا ليفة عثمان ‪:‬‬
‫قوم ع َد قَرب مَمد‬ ‫لقتال ٍ‬ ‫أَتَ َركتمم َغزَو الدروب وجئتم مم‬
‫بمد ٌن تمَح مر ع َد باب املسجد‬
‫أصحاب ال يب َعشية‬
‫َ‬ ‫وكأن‬
‫َ‬
‫مسى ممقيما يف بقي ٍع الغَرفَد‪.4‬‬
‫أَ َ‬‫فَابك أبا عم ٍرو مسن بَالَئه‬
‫ومل يتوقف حزن حسان عن بكائه للصحابة ا لفاء ‪ ،‬فما إن بدأت خالفة ا ليفة الرابع علي بن أ‬
‫طالب ح اشتد الصراع السياسي بني الصحابة ‪ ،‬فقتل ا ليفة شهيدا يف املسجد ‪ ،‬فقال حسان يف‬
‫[الطويل]‬ ‫رثائه ‪:‬‬
‫وكل بط ٍ‬
‫يء يف اهلدى َومم َسارع‬ ‫ومه َج‬
‫َ‬ ‫ديك نَفسي م‬
‫أبا َح َسن تَف َ‬
‫ضائع‬ ‫وما املدح يف ذات اإلله ب َ‬ ‫ضائعا‬
‫ب َمدحي واحملبني َ‬ ‫أيَذ َه َ‬
‫فدتك نفوس القوم يا خري َرائع‬
‫َ‬ ‫ائع‬
‫ت إ َذا أنت ر م‬
‫ت الذي أَعطَي َ‬
‫فَأَن َ‬
‫‪ -1‬مد إبراهيم مجعة ‪ :‬حسان بن ثابت ‪ ،‬ص‪.52‬‬
‫‪ -2‬شرح ديوان حسان بن ثابت األنصاري ‪ ،‬ص ص ‪. 152 -151 -150‬‬
‫‪ -3‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ص ‪. 95 -91‬‬
‫‪ -4‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ص ‪. 155 -154‬‬

‫‪134‬‬
‫شعر الصحابة بني البعد الفكري والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫خري بَايع‬ ‫ٍ‬


‫خري شار مث يا َ‬
‫ويا َ‬ ‫خري َسيِّد‬
‫امتك املَي ممون يا َ‬
‫وبَي َ َها يف م َك َمات الشراَئع‪.1‬‬ ‫فَأَن َزَل اهللم ف َ‬
‫يك َخي َر والية‬
‫وهذ املراثي كلها تدل على استمرار حسان يف تعلقه ب رسول اهلل‪ ‬وصحابته‪ ،‬وهي تعرب عن‬
‫التزام حسان مب هجه الفكري اإلسالمي ومسلكه الف ا ديد ‪ ،‬الذي جاء مغايرا ملسلكه القدمي‪.‬‬

‫‪ -1‬نقال عن ‪ :‬فايز ترحي ‪ :‬اإلسالم والشعر ‪ ،‬ص ‪.117‬‬


‫األمي (عبد ا سني) ‪ :‬القدير يف الكتاب والس ة واألدب ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬دار الكتاب العر ‪1983 ،‬م ‪ ،‬م‪ ، 2‬ص ‪. 58‬‬

‫‪135‬‬
‫شعر الصحابة بني البعد الفكري والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫‪ -2‬المسلك الف ي لكعب بن مالك‪:‬‬

‫سلك كعب بن مالك موقفا ف يا يف دفاعه عن الدعوة ‪ ،‬شأنه شأن صاحبيه حسان بن ثابت وعبد‬
‫اهلل بن رواحة‪ ،‬إذ « يعد من هؤالء الشعراء القالئل الذين شاركوا يف ص ع األحداث ‪ ،‬وممن محل العبء‬
‫الف ‪ ،‬وحاولوا أن ي هضوا به ‪ ،‬فبدت يف شعر آثار اللقاء بني القدمي وا ديد »‪.1‬‬
‫وهو من الشعراء القدماء قبل اإلسالم ‪ ،‬إال أن شعر ا اهلي الذي يعكس ربته الف ية القدمية مل‬
‫يصل إلي ا ‪ ،‬وقد علل سامي مكي العان قق ديوانه سبب ضياع الشعر ا اهلي لكعب بن مالك ‪،‬‬
‫فقال‪ « :‬إن الكثري من شعر عدت عليه حوادث الدهر‪ ،‬وامتدت إليه يد الضياع وال سيان‪ ،‬وليس مثة‬
‫تعليل لضياع شعر ‪ ،‬وكل ما ميكن أن يقال‪ :‬إنه ضاع كما ضاع شعر كثري من شعراء ا اهلية واإلسالم‪،‬‬
‫فمن غري املعقول أن يكون ما بني أيدي ا هو كل ما قاله من شعر‪ ،‬مع أنه واحد من ثالثة شعراء اعتمد‬
‫عليهم اإلسالم يف مراحله األو ال نازل فيها الشرك »‪.2‬‬
‫وقد أكد سامي مكي العان شاعرية الصحا كعب بقوة قبل اإلسالم ‪ ،‬فقال‪ « :‬فالبد أنه قد‬
‫انضم يف جاهليته إ شعراء قومه يف الدفاع عن قبيلته ضد ما كان يوجه إليهم من هجاء األوس هلم يف‬
‫حروهبم معهم ‪ .‬ألن قد توصلت إ أنه قال شعرا يف جاهليته ولك ه مل يصل إلي ا »‪.3‬‬
‫ويرى كل من غازي طليمات وعرفان األشقر‪ « :‬إمنا املعقول أن ما نظمه يف ا اهلية ضاع‪،‬كما‬
‫ضاع شعر كثري لغري من الشعراء ‪ ،‬أو أن كعبا نفسه أغفل شعر ا اهلي بعد أن أسلم ‪ ،‬ألنه ميثل‬
‫مرحلة الشرك والضاللة من حياته ‪ ،‬وهو حريص على أن يكون شاعرا ملتزما ‪ ،‬نذر نفسه وسيفه وشعر‬
‫ل صرة اإلسالم وا هر بالدعوة »‪.4‬‬
‫وما يقوي هذا الرأي ‪ ،‬ويؤكد شاعرية كعب بن مالك يف ا اهلية ما ذكرته بعض مصادر السرية ‪،‬‬
‫بأن الرسول ‪‬كان يعرف كعب بن مالك قبل إسالمه ع لى أنه " شاعر "‪ ،‬فقد روى ابن إسحق يف‬
‫حديثه عن العقبة الثانية ‪ ،‬على لسان كعب بن مالك فقال‪...« :‬خرج ا نسأل عن سول اهلل‪ ، ‬وك ا‬

‫‪ -1‬عبد القادر القط ‪ :‬يف الشعر اإلسالمي واألموي ‪ ،‬ص ‪. 15‬‬


‫‪-2‬كعب بن مالك أألنصاري‪ :‬الديوان‪ ،‬دراسة و قيق‪ :‬سامي مكي العان‪ ،‬ط‪ ، 2‬بريوت ‪ ،‬لب ان‪ ،‬عامل الكتب‪1417 ،‬ه ‪1996‬م‪ ،‬ص ‪104‬‬
‫‪ -3‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪.241‬‬
‫‪ -4‬غازي طليمات وعرفان األشقر ‪ :‬الشعراء يف عصر ال بوة وا الفة الراشدة‪ ،‬ط‪ ،1‬دمشق ‪ ،‬دار الفكر ‪1428 ،‬ه ‪2007‬م‪ .‬ص ص‪. 59 -58‬‬

‫‪136‬‬
‫شعر الصحابة بني البعد الفكري والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫ال نعرفه ومل نر قبل ذلك‪ ،‬فلقي ا رجال من أهل مكة‪ ،‬فسأل ا عن رسول اهلل‪ ،‬فقال‪ :‬هل تعرفونه ؟‬
‫فقل ا‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬فهل تعرفان العباس بن عبد املطلب عمه ؟ قال‪ :‬قل ا‪ :‬نعم ‪ ،‬قال‪ :‬وقد ك ا نعرف‬
‫العباس‪ ،‬كان اليزال يقدم علي ا تاجرا‪ ،‬قال‪ :‬فإذا دخلتما املسجد فهو الرجل ا الس مع العباس‪ ،‬قال‪:‬‬
‫دخل ا املسجد فإذا العباس‪ ‬جالس ورسول اهلل‪ ‬جالس معه ‪ ،‬فسلم ا مث جلس ا إليه ‪ ،‬فقال‪ :‬رسول‬
‫اهلل ‪ ،‬هل تعرف هذين الرجلني يا أبا الفضل ؟ قال‪ :‬نعم ‪ ،‬هذا الرباء بن معرور سيد قومه ‪ ،‬وهذا‬
‫كعب بن مالك‪ ،‬قال‪ :‬فو اهلل ما أنسى قول رسول اهلل‪" ‬الشاعر "‪ ،‬قال نعم »‪.1‬‬
‫وداللة آخر ال ص تؤكد شهادة الرسول ‪ ‬أنه يعرف كعب بن مالك بصفته "شاعرا" قبل إسالمه‪،‬‬
‫« ولكن يبدو أنه مل يكن معدودا من كبار الشعراء »‪ .2‬وهو عقيب بدري ‪ « ،‬من أول املسلمني الذين‬
‫أسلموا يف يثرب قبل هجرة الرسول‪ ،‬ومل يكن فيها آنذاك أكثر من أربعني مسلما‪ ،‬ويف العقبة توجه‬
‫كعب فبايع الرسول مع سبعني رجال »‪ .3‬و « أصبح كعب بعد اإلسالم مؤمن قوي اإلميان تقيا شديد‬
‫التقى‪ ،‬أثريا ع د رسول اهلل ‪ ،‬به ويدعو له با ري ويشجعه على قول الشعر ‪ ،‬فصلته بالرسول قوية وهو‬
‫قريب م ه يسمع ا ديث و فظه و دث به ‪ ،‬لذلك فهو معدود من رواة ا ديث »‪ .4‬وقد روى عن‬
‫الرسول‪ ‬مثانني (‪ )80‬حديثا‪.5‬‬
‫والباحث يف شعر كعب بن مالك‪ ،‬واملتصفح لديوانه الذي توي على مخسمائة ومثانية وتسعني‬
‫(‪ )598‬بيتا‪ ،‬دها موزعة على مخس وسبعني بني قصيدة ومقطوعة وبيت واحد ‪ ،‬وقال البيتني‬
‫والثالثة أبيات ‪ ،‬وأغ لبها من ال صوص الشعرية القصرية ‪ ،‬وأطول قصيدة يف الديوان ال تزيد عن تسع‬
‫وأربعني (‪ )49‬بيتا ‪ ،‬وأن سبعة وأربعني (‪ )47‬قطعة يف الديوان التتجاوز الواحدة م ها ستة(‪)06‬‬
‫أبيات ‪ ،‬وأقصرها التفل عن أربعة أبيات ‪.‬‬
‫وجاء شعر كعب بن مالك يف ديوانه ‪ ،‬موزع على البحور الطويلة الكثرية املقاطع ‪ ،‬وعزف عن‬

‫‪ -1‬ابن هشام ‪ :‬سرية ال يب‪ ، ‬ج‪ ، 2‬ص ‪. 48‬‬


‫‪ -2‬صالح عيد ‪ :‬املدائح ال بوية يف الشعر العر من عصر ال بوة ح البصريي ‪ ،‬ص ‪.72‬‬
‫‪ - 3‬فايز ترحي ‪ :‬اإلسالم والشعر ‪ ،‬ص ‪. 119‬‬
‫‪ -4‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 119‬‬
‫‪ -5‬أبو مد علي بن أمحد بن عبد اهلل بن سعيد بن حزم الظاهرة األندلسي – رمحه اهلل تعا – ‪ :‬أُساء الصحابة – رضي اهلل ع هم – وما لكل‬

‫‪137‬‬
‫شعر الصحابة بني البعد الفكري والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫واحد م هم من العدد ‪ ،‬قيق ‪ :‬مسعد عبد الصمد السعدن ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬مكتبة القرآن ‪ ،‬للطبع وال شر والتوزيع ‪1991 ،‬م ‪ ،‬ص ‪. 27‬‬
‫القصرية واجملزوءة ‪ ،‬وقد استخدم ر الطويل اث ني وثالثني (‪ )32‬مرة ‪ ،‬والوافر إثت عشر (‪ )12‬مرة ‪،‬‬
‫والكامل عشر (‪ )10‬مرات ‪ ،‬والبسيط تسع (‪ )09‬مرات ‪ ،‬واملتقارب مثان (‪ )08‬مرات‪ ،‬والرجز ثالث‬
‫(‪ )03‬مرات‪ ،‬وا فيف وامل سرح مرة(‪ )01‬واحدة ‪ ،‬وهذا الشعر كله يعكس املرحلة اإلسالمية ‪.‬‬
‫وبالعودة إ أشعار كعب بن مالك ‪ ،‬د «أنه اشرتك يف وقعة بدر الكربى بني املدي ة ومكة ‪،‬‬
‫واستمر كعب ي اضل بسيفه مع الرسول‪ ،‬يف غزواته ويف وصفه الدقيق هلذ الغزوات ما يؤكد مشاركته‬
‫الفعلية فيها »‪ .1‬ويعد « كعب بن مالك من شعراء أصحاب الرسول ‪ ،‬املعدودين ‪ ،‬وي بث شعر‬
‫اإلسالمي الكثري يف السرية ‪ ،‬عقب كل األحداث الكبرية والصغرية ال أثارت هذا الشعر وحركته‪،‬‬
‫وخاصة يف مرحلة دار اهلجرة من حياة الرسول ‪ ،‬ويشكل كعب مع حسان وابن رواحة الثالثي املشهور‬
‫للشعر اإلسالمي الذي الزم الرسول‪ ،‬وأشاد به ونافح عن دعوته »‪.2‬‬
‫وأما الهجاء ‪ ،‬فاملتصفح لديوان كعب‪ ،‬د شعر كله جاء يف اهلجاء والفخر واملدح والرثاء ‪،‬‬
‫وأما اهلجاء ف « مل يكن هجاء ابن مالك مستقال يف قصيدة مفردة ‪ ،‬أو يف قصائد معي ة ‪ ،‬بل كان‬
‫متداخال مع غري من األغراض ال طرقها الشاعر وأمهها املدح والفخر »‪.3‬‬
‫ومل يكن هجاء كعب « بالكثرة ال وجدنا عليها فخر ‪ ،‬وقد كان يهجو املشركني مبثل قوهلم‬
‫بالوقائع واأليام واملثالب ‪ ،‬ولك ه مل ل أحيانا من التعيري بالكفر »‪.4‬‬
‫ومما هو واضح‪ ،‬فإن « اهلجاء كاملديح والفخر‪ ،‬يكون فرديا خاصا بشخص معني‪ ،‬أو مجاعيا‪،‬‬
‫يشمل القبيلة والقوم وا ماعة ‪ ،‬ومل ي صرف أكثر شعراء ا اهلية إ صيص اهلجاء يف قصيدة‬
‫متكاملة مستقلة ‪ ،‬يقتصر فيها على موضوع اهلجاء فقط ‪ ،‬بل كانوا يلمون به من قصائد تشمل الكثري‬
‫من األغراض الشعرية ‪ .‬واستمر على ذلك من جاء بعدهم من شعراء صدر اإلسالم ‪ ،‬وم هم كعب‬
‫الذي يالحظ على هجائه امتزاجه بالفخر وا ماسة واملديح ‪ ،‬وقلما نعثر على قصيدة هجائية مستقلة‬
‫يف شعر »‪ .5‬وكذلك « ليس يف ديوانه كله قصيدة خلصت لغرض ‪ ،‬أو متخضت لفكرة ‪ .‬وطوال‬

‫‪ -1‬صالح عيد ‪ :‬املدائح ال بوية يف الشعر العر من عصر ال بوة ح البصريي ‪ ،‬ص ‪.73‬‬
‫‪ -2‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 73‬‬
‫‪ -3‬فايز ترحي ‪ :‬اإلسالم والشعر ‪ ،‬ص ‪. 124‬‬
‫‪ -4‬كعب بن مالك ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ‪.83‬‬

‫‪138‬‬
‫شعر الصحابة بني البعد الفكري والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫‪-5‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 242‬‬


‫القصائد أشد تداخال من قصارها ‪ ،‬فكلما طالت القصيدة ازداد الت وع ‪ ،‬وتعددت األفكار ‪ ،‬واهلجاء‬
‫أحد األغراض املتداخلة املتكاملة ‪ ،‬كأن شعر تدفق عاطفي ‪ ،‬ال ضع مل طق ‪ ،‬أو تداعيات نفسية ‪،‬‬
‫الي تظمها سلك »‪ .1‬والواضح أن كعبا يف هجائه شأنه شأن صاحبيه حسان بن ثابت ‪ ،‬وعبد اهلل بن‬
‫رواحة ‪ ،‬لقد هجا القبائل واألفراد ‪ ،‬فهجا قريشا ‪ ،2‬وب جعفر بن كالب‪ ،3‬وهجا عبد اهلل بن‬
‫الزبعرى‪ ،4‬وأبوعامر‪ ،5‬وهبرية بن أ وهب ‪ ،6‬وابن العاص‪ ،7‬وأبوسفيان بن ا رث‪ « ،8‬وتأيت شهرة‬
‫كعب اهلجائية من زاوية تعيري املشركني باملثالب واأليام والوقائع ‪ ،‬وكان ذلك أشد عليهم من وقع‬
‫الس ان ‪ .‬فكعب عرف اليد ال تؤمل قريشا فلواها وأمسك هبا إمساك علم ومعرفة وقوة ‪ .‬وهو يعرف‬
‫جيدا ما ي فر ا اهلي ك قض العهد ‪ ،‬وضعة ال سب ‪ ،‬وا نب باإلضافة إ التعيري باأليام »‪.9‬‬
‫[الوافر]‬ ‫وملا هجا كعب قريشا باإلعجاب والتكرب واهنزامهم يف ا رب قال ‪:‬‬
‫على َزهو لديكم وانت َحاء‬ ‫لَ َعم مر أَبي مك َما ياب لمَؤي‬
‫صبَ مروا به ع د اللِّ َقاء‬
‫َوالَ َ‬ ‫ملا َمحَت فَ َوا ٍر مس مكم ببَد ٍر‬
‫ومارجعوا إليكم بالس َواء‪.10‬‬ ‫فَ َما ظََفَرت فَ َوا ٍر مس مكم ببَد ٍر‬
‫وملا أجاب هبرية بن أ وهب يف أحد‪ ،‬قال هاجيا معريا قريشا ب « معان ا نب والضعف‪...‬‬
‫[الطويل]‬ ‫والتخلي عن اللواء يف ساحة ا رب والتخاذل فيها‪:‬‬
‫َعمدنَا إ أَهل اللواء ومن يطر بذكر اللواء فهو يف ا َمد أَسَرعم‬
‫فَ َخافموا وقد أعطوا يدا وََا َذلموا أ َ اهللم إال أَم مرم وهو أَص مع» ‪. 11‬‬

‫‪ -1‬غازي طليمات وعرفان األشقر ‪ :‬الشعراء يف عصر ال بوة وا الفة الراشدة ‪ ،‬ص ‪.69‬‬
‫‪ -2‬كعب بن مالك ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 161‬‬
‫‪ -3‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 215‬‬
‫‪ -4‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 151‬‬
‫‪ -5‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 171‬‬
‫‪ -6‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص‪. 180‬‬
‫‪ -7‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪ ، 193‬وص ‪. 202‬‬
‫‪ -8‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 199‬‬
‫‪ -9‬فايز ترحي ‪ :‬اإلسالم والشعر ‪ ،‬ص ‪. 124‬‬
‫‪ -10‬كعب بن مالك ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ‪.145‬‬

‫‪139‬‬
‫شعر الصحابة بني البعد الفكري والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫‪ -11‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪.85‬‬


‫[الوافر]‬ ‫وقال يعري ب جعفر ين كالب يف يوم بئر معونة ب قض العهد‪:‬‬
‫وهونَا‬
‫م‬ ‫اف َة حرهبم َعجزا‬ ‫َتركتمم جاركم لب سلي ٍم‬
‫َمتيَا‬ ‫اول من عقيل مل ّد بلها حيال‬ ‫فلو َحبال تَ َ‬
‫تَ مفونَا‪.1‬‬ ‫أو ال مقَرطاء ما إن أسلموا وقَدما ما وفوا إذ ال‬
‫[الوافر]‬ ‫وقال كعب يذكر إجالء ب ال ضري وقتل كعب بن األشرف‪:‬‬
‫ور‬
‫الدهر ذمو صرف يَ مد م‬
‫كذاك م‬‫َ‬ ‫ور‬
‫لقد مخزيَت بغدرهتا ا مبم م‬
‫َعزي ٍز أَم مرم أمر َكب مري‬ ‫ك أهنم كفروا بَرب‬ ‫وذل َ‬
‫وجاءهم من اهلل ال ذ مير‬ ‫َوقَد أموتموا معا فَهما َوعلما‬
‫تمثريم‬ ‫ممبي ة‬ ‫وآيات‬ ‫نذير صادق أَدى كتابا‬
‫َجد مير‬ ‫وأنت مب كر م ا‬ ‫فقالوا ‪ :‬ما أتيت بأمر صدق‬
‫ا َبريم‬ ‫الفهم‬
‫م‬ ‫ص ِّدقم به‬
‫يم َ‬ ‫فقال ‪ :‬بَلَى لقد أديت حقا‬
‫ور‬‫ال َك مف م‬ ‫ومن يَك مفر به م َز‬ ‫َ‬ ‫فَ َمن يَتبَ عهم يمه َد ل مك ِّل مرشد‬
‫ور‬‫ال مف م‬ ‫وحا َد هبم عن ا َ ِّق‬
‫َ‬ ‫وكفرا‬ ‫فَلَما أمشربوا غدرا‬
‫الَ َم م‬
‫ور‬ ‫وكان اهللم َ مك مم‬ ‫صد ٍق‬ ‫أرى اهللم ال يب برأي‬
‫ال ص مري‬ ‫وكان نصري نعم‬ ‫عليهم‬ ‫فَأَيّ َد م اهللم َ‬
‫وسلطَهم‬
‫صريعا فذلت بعد َمصَرعه ال ض مري ‪.2‬‬ ‫فَغمود َر م هم كعب َ‬
‫كما « سلك كعب يف هجائه للمشركني سبيل التهديد والوعيد‪ ،‬مما كان يبعث ا وف والرعب‬
‫يف نفوسهم‪ ،‬فيبادرون إ اإلسالم كما فعلت قبيلة َدوس »‪ ،3‬بعد ما قال هلم حني أمجع عليه الصالة‬
‫[الوافر]‬ ‫والسالم املسري إ الطائف‪:‬‬
‫وخيرب مث أَمجَعَا السيموفَا‬
‫َ‬ ‫قضي ا من هتَ َام َة كل ريب‬
‫قواطعهن ‪َ :‬دوسا أَو ثَقي َفا‬ ‫َنربها ولو نَطََقت لقالت‬

‫‪ -1‬كعب بن مالك ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 215‬‬


‫‪ -2‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ص ‪. 169-168‬‬
‫‪ -3‬فايز ترحي ‪ :‬اإلسالم والشعر ‪ ،‬ص ‪. 125‬‬

‫‪140‬‬
‫شعر الصحابة بني البعد الفكري والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫وتصبح دوركم م كم مخلموفَا*‬ ‫وج‬


‫وش ببطن ِّ‬ ‫ون تزعم العم مر َ‬
‫يغادر خلفه مجعا َكثي َفا‬ ‫ويأتيكم ل ا َسر َعان خيل‬
‫اخ هبا َرجي َفا‪.1‬‬‫هلا مما أَنَ َ‬ ‫احت مكم ُسعتم‬
‫إذا نزلوا ب َس َ‬
‫[املتقارب]‬ ‫وهجا عبد اهلل بن الزبعرى باهلجن وا زي ولؤم الطبع‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫سألت بك ابن الزبعرى فلم أَن بَا َك يف القوم إال َهجيَا‬ ‫م‬
‫ممقيما على اللؤم حي ا فَحيَا‪.2‬‬ ‫ديات‬
‫خبيثا تمطيف بك امل م‬
‫فرغم أن امل هج األساسي لكعب بن مالك يف هجاء املشركني قبائل وأفرادا‪ ،‬كان يتكىء على‬
‫التعيري بامل اقب واأليام‪ ،‬إال أنه كان يعريهم أيضا بالكفر وعباد األوثان‪ ،‬فقال يهجو أباعامر**‪[:‬الوافر]‬
‫ك يف ال َعش َرية َعب َد َعمرو‬
‫َك َسعيَ َ‬ ‫معاذ اهلل من عم ٍل خب ٍ‬
‫يث‬ ‫ََ َ‬ ‫ََ‬
‫ت إميانا ب مكفر‪.3‬‬ ‫فقدما بع َ‬ ‫شرف وَنل‬‫ٌ‬ ‫قلت‬
‫فإما َ‬
‫[الطويل]‬ ‫وقال كعب يبا ضرار بن ا طاب يف يوم بدر‪ ،‬هاجيا كبار زعماء املشركني‪:‬‬
‫على ما أََر َاد ‪ ،‬ليس هلل قَاه مر‬ ‫ت ألمر اهلل واهللم قَاد مر‬
‫َعجب م‬
‫بغوا وسبيل البغي بال اس َجائ مر‬ ‫يوم بدر أن تالقي معشرا‬ ‫ضى َ‬ ‫قَ َ‬
‫وعتبة غادرته وهو َغائَر‬ ‫فكب أبو جهل صريعا لوجهه‬
‫وما م هم إال بذي العرش َكاف مر‬ ‫وشيبة والت يمي غادر َن يف الوغى‬
‫صائ مر‬
‫وكل كفور يف جهّم َ‬ ‫فأم مسوا وقود ال ار يف مستقرها‬
‫مبزبر ا ديد وا جارة َساج مر ‪.4‬‬ ‫تَلَظى عليهم وهي قد مشب محيها‬

‫*وج ‪ :‬موضع بالطائف ‪ ،‬أو هو من أُسائها ‪ .‬وخلوف ‪ :‬يريد دورا تغيب ع ها أهلها أو فارقها الرجال ومل يبق هبا سوى ال ساء ‪.‬‬
‫‪ -‬كعب بن مالك ‪ :‬الديوان ‪ ،‬احملقق ‪ :‬هامش صفحة ‪. 188‬‬
‫‪ -1‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 188‬‬
‫‪ -2‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 214‬‬
‫**« أبو عامر هو عبد عمرو بن صيفي بن ال عمان ‪ .‬وكان قد ترهب يف ا اهلية ولبس املسوح ح دعي بالراهب ‪ ،‬وحني مجع أهل املدي ة على اإلسالم أ إال‬
‫الكفر ‪ ،‬والفراق لقومه فخرج إ مكة ببضعة عشر رجال مفارقا لإلسالم فقال رسول اهلل ‪ :‬ال تقولوا الراهب ولكن قولوا الفاسق ‪ .‬وع د فتح مكة خرج إ الطائف‬
‫فلما أسلم أهلها التحق بالشام فمات ه اك » ‪.‬‬
‫‪ -‬املصدر نفسه ‪ ،‬احملقق ‪ :‬هامش صفحة ‪. 171‬‬
‫‪ -3‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 171‬‬
‫‪ -4‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 167‬‬

‫‪141‬‬
‫شعر الصحابة بني البعد الفكري والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫ومع كل هذا اهلجاء املؤمل الذي صبه كعب بن مالك على األفراد والقبائل‪ ،‬يبقى أن « مما مييز‬
‫هجاء كعب عفة ألفاظه‪ ،‬وبمعد معانيه عن الفحش والفجور‪ ،‬فقد كان له من قوة اإلميان‪ ،‬وصدق‬
‫العقيدة‪ ،‬ما يعصمه من اال دار إ السباب واإلقذاع ‪ .‬لك ه كان يسلك أحبانا سبيل السخرية‬
‫والتهكم والتحقري واالستهزاء باملهجو‪ ،‬وهذا األسلوب أبلغ أساليب اهلجاء‪ ،‬وسبيله أكثر إيالما يف‬
‫نفس املهجو »‪.1‬‬
‫وقد هجا كعب أبا سفيان الذي كان رض قريشا يف غزوة السويق‪ ،‬فهو يهجو « بتصوير م ازل‬
‫قريش على فخامتها وعراقتها ‪ ،‬مبا اليزيد عن م زل مد َوي بَة صغرية أشبه مب ازل الثعلب »‪ .2‬فقال له‪:‬‬
‫[امل سرح]‬
‫َجيش ابن حرب با َرة ال َفشل‬ ‫ف أم املسبِّحني على‬ ‫تله م‬
‫طري ترقَى ل مق ة ا َبَل‬ ‫إذ يَطَر محو َن من س م ال‬
‫ما كان إال َكمفحص الدئل‬ ‫قيس َمربمكه‬ ‫ٍ‬
‫َج ماؤوا يش لو َ‬
‫أَبطَال أَهل البطحاء َواألَ َسل ‪.3‬‬ ‫َعا ٍر م َن ال صر والثراء ومن‬
‫أما المديح ع د كعب بن مالك فهو« أقل من الفخر‪ ،‬وعلة القلة أن ال يب ‪‬هنى الشعراء عن أن‬
‫ميدحو ‪ ،‬كما كانوا ميدحون امللوك ‪ ،‬ألن من يتقبل املدح كمن يتقبل الغلو ‪ ،‬أو يقر املادح على‬
‫الكذب ‪ ،‬واملمدوح على ادعاء العظمة والكربياء ‪ ،‬واإلسالم يرغب يف التواضع والصدق »‪ .4‬وكذلك‬
‫ا ال « كان موقف من جاء بعد من ا لفاء الراشدين ‪ ،‬فلم يعرف عن أحد م هم أنه كان يتخذ‬
‫لسه ندوة للشعراء ‪ ،‬يتبارون يف مدحه استزادة يف عطائه ‪ -‬كما حصل فيما بعد‪ -‬لذلك كان أغلب‬
‫ما جاء من مديح كعب سياسيا فهو إ جانب العاطفة الدي ية ال تسيطر عليه ‪ ،‬كانت له أهداف‬
‫سياسية ‪ ،‬آمن هبا الشاعر ويريد ملبادئها االنتشار »‪ .5‬هلذا د أن كل « الشعراء امللتزمون من أمثال‬
‫كعب وحسان وابن رواحة ‪ ،‬أهنم مل يقلعوا عن املدح ‪ ،‬بل حولو من مديح شخصي ‪ ،‬يراد به تعظيم‬

‫‪ -1‬فايز ترحي ‪ :‬اإلسالم والشعر ‪ ،‬ص ‪.126‬‬


‫‪ -2‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 126‬‬
‫‪ -3‬كعب بن مالك ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ‪.199‬‬
‫‪ -4‬غازي طليمات وعرفان األشقر ‪ :‬الشعراء يف عصر ال بوة وا الفة الراشدة ‪ ،‬ص ‪.66‬‬
‫‪ -5‬كعب بن مالك ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 80‬‬

‫‪142‬‬
‫شعر الصحابة بني البعد الفكري والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫املمدوح إ مديح سياسي أو دي ‪ ،‬يرمي إ إطراء ال هج الذي ي تهجه املمدوح يف ا كم واإلدارة ‪،‬‬
‫ويعظم العقيدة ا ديدة ال ارب الشرك والفواحش ‪ ،‬وت أى بالتوحيد ومكارم األخالق وهلذا تغريت‬
‫معان املدح بتغري القصد م ه ‪ ،‬ودأب كعب وصاحبا على إبداع ضرب جديد من املدح ‪ ،‬يطري‬
‫الفضائل اإلسالمية ‪ ،‬وميثلها يف األمور ا سية ‪ ،‬والقدوة ا ية ال يته ّدى هبديها ال اس‪ ،‬وهي شخصية‬
‫ال يب‪ . 1»‬ويف ديوان كعب العديد من املدائح ال بوية م ها قصيدة يب فيها ضرار بن ا طاب يف يوم‬
‫[الطويل]‬ ‫بدر فقال ‪:‬‬
‫ت ألمر اهلل واهللم قَاد مر على ما أ ََر َاد ‪ ،‬ليس هلل قَاه مر‬
‫« َعجب م‬
‫له معقل م هم عزيز َونَاص مر‬ ‫األوس حوله‬
‫َوفيَا رسول اهلل و م‬
‫رسول اهلل با ِّق ظَاه مر»‪.2‬‬‫وإن َ‬ ‫َشهدنَا بأن اهللَ ال َرب غري‬
‫وقال مادحا للرسول يف القصيدة ال ذكر فيها إجالء ب ال ضري وقتل كعب بن األشرف‪ [:‬الوافر]‬
‫تمث مري‬ ‫ممبي ة‬ ‫وآيات‬ ‫« نذير صادق أَدى كتابا‬
‫وأنت مب كر م ا َجد مير‬ ‫فقالوا ‪ :‬ما أتيت بأمر صدق‬
‫الفهم ا َب مري‬‫م‬ ‫ص ِّدقم به‬
‫يم َ‬ ‫فقال ‪ :‬بَلَى لقد أديت حقا‬
‫ور‬
‫ومن يَك مفر به م َز ال َك مف م‬ ‫َ‬ ‫مرشد‬ ‫فَ َمن يَتبَ عهم يمه َد ل مك ِّل‬
‫ور‬ ‫وح َاد هبم عن ا َ ِّق ال مف م‬ ‫َ‬ ‫وكفرا‬ ‫فَلَما أمشربوا غدرا‬
‫ور‬
‫وكان اهللم َ مك مم الَ َم م‬ ‫صد ٍق‬ ‫أرى اهللم ال يب برأي‬
‫وكان نصري نعم ال صريم»‪.3‬‬ ‫عليهم‬ ‫وسلطَهم‬
‫فَأَيّ َد م اهللم َ‬
‫والواضح من خالل هذ املدائح وما مل من صفات مدحية جديدة للممدوح ‪ ،‬ميكن تأكيد‬
‫رأي وهب رومية الذي قال‪ :‬بأنه قد « تغري مفهوم الشعر ووظيفته لدى كثري من الشعراء ‪ ،‬فلم يعد‬
‫حرفة لكسب الرزق ‪ ،‬بل صار سالحا ل شر الدعوة والذود ع ها والتغ بانتصاراهتا وإنه لفرق – أي‬
‫فرق‪ -‬بني مفهوم الشعر لدى شاعر كا طيئة ومفهومه لدى شاعر " كعب بن مالك " ‪ ،‬ونستطيع أن‬

‫‪ -1‬غازي طليمات وعرفان األشقر ‪ :‬الشعراء يف عصر ال بوة وا الفة الراشدة ‪ ،‬ص ‪.66‬‬
‫‪ -2‬كعب بن مالك ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 166‬‬
‫‪ -3‬املصدر نفسه ‪،‬ص ص ‪. 169 -168‬‬

‫‪143‬‬
‫شعر الصحابة بني البعد الفكري والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫نزعم أن ديوان الشعر اإلسالمي ا ديد مل تفل بأمر احتفاله بتمجيد الدين وشهدائه وانتصاراته‬
‫وفتوحاته ‪ ،‬ولذا مل يكن هؤالء الشعراء ميدحون إال مبقدار ما يتصل هذا املدح بالدين وممثليه » ‪.1‬‬
‫وأما الفخر ع د كعب بن مالك فهو أبرز الف ون الشعرية يف ديوانه ‪ ،‬وهو من وجهة نظر سامي‬
‫مكي العان « على نوعني ‪ :‬فردي ذايت يتحدث فيه عن فضائله ‪ ،‬ويبني ما ميتاز به من كرمي ا صال‬
‫و مود الصفات‪ .‬ومجاعي ‪ ،‬يوضح اسن قومه ‪ ،‬و لي مآثرهم ويشيد هبم ‪ ،‬ويتحدث عن مجاعة‬
‫املسلمني الذين آم وا بالدين ا ديد »‪.2‬‬
‫بي ما فخر كعب يف نظر غازي طليمات وعرفان األشقر « يدور يف ثالث دوائر ‪ :‬صغرى ‪،‬‬
‫ووسطى‪ ،‬وكربى ‪ .‬صغرى هذ الدوائر فخر الفردي ب فسه ‪ .‬ووسطاهن فخر القبلي بقومه‪ ،‬وكرباهن‬
‫الفردي من فخر أقله ‪ ،‬واإلسالمي أكثر ‪ .‬وعلة ذلك أن أثرته‬
‫فخر الدي ماعة املسلمني ‪ .‬و ّ‬
‫انطوت يف إيثار ‪ ،‬وقبيلته ذابت يف أمته ‪ .‬فالكيان الذي كان يعتز به أشد اعتزاز هو األمة ال ص عها‬
‫ال يب‪ ‬من قبائل العرب كافة »‪.3‬‬
‫ويبقى فخر كعب« من حيث الكثرة والقوة وا ودة ‪ ،‬وهو يف غالبيته العظمى من ال وع ا ماعي ‪،‬‬
‫ألن كعبا أذاب شخصه يف اجملموعة اإلسالمية ال ارتضاها بديال من أسرته وعشريته »‪.4‬‬
‫وعلى هذا األساس‪ « ،‬يستغرق الفخر من شعر كعب أكثر ‪ ،‬وقد تطور هذا الفن على يديه ‪،‬‬
‫وأيدي إخوانه من الشعراء اإلسالميني تطورا كبريا ‪ ،‬ميكن أن نلمسه إذا استقصي ا املآثر ال فخر هبا‬
‫هؤالء الشعراء ‪ ،‬فلم يعد يفخر أحد م هم بإعالء كلمة القبيلة ‪ ،‬أو رفع شأهنا ‪ ،‬أو كسب املغ م ‪،‬‬
‫وسيب األعداء ‪ ،‬بل ب يل الشهادة يف سبيل اهلل ‪ ،‬وتأييد املالئكة هلم يف القتال وانتصار ج د اهلل »‪.5‬‬
‫ويتجلى فخر كعب باملسلمني وهبذ املآثر مبا أجاب به ابن العاص وضرار بن ا طاب يف يوم‬
‫[البسيط]‬ ‫أحد مبا فعله املسلمون يوم بدر ‪:‬‬
‫يل‬
‫ميكال وجرب م‬
‫م‬ ‫فيه مع ال صر‬ ‫ويوم بد ٍر لقي ا كم ل ا َم َد ٌد‬
‫م‬
‫‪ -1‬وهب رومية ‪ :‬ب ية القصيدة العربية ح هناية العصر األموي (قصيدة املدح أمنوذجا ) ‪ ،‬ص ‪. 66‬‬
‫‪ -2‬كعب بن مالك ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ‪71‬‬
‫‪ -3‬غازي طليمات وعرفان األشقر ‪ :‬الشعراء يف عصر ال بوة وا الفة الراشدة ‪ ،‬ص ص ‪. 288 -287‬‬
‫‪ -4‬كعب بن مالك ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ‪.242‬‬
‫‪ -5‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ص ‪. 74 -73‬‬

‫‪144‬‬
‫شعر الصحابة بني البعد الفكري والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫تفضيل‪.1‬‬
‫م‬ ‫وال َقت مل يف ا ِّق ع د اهلل‬
‫فدين اهلل فطرتم ا‬
‫م‬ ‫إن تقتلونا‬
‫وتتجلى بوضوح هذ املعان يف شعر كعب ع دما يفخر بتأييد اهلل واملالئكة لزعامة الرسول يف يوم‬
‫[الوافر]‬ ‫بدر ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫مدجى الظلماء َع ا والغطَاء‬ ‫« َوردنَا م بمور اهلل لوا‬
‫ضاء‬ ‫رسول اهلل يَقد مم ا بأم ٍر من أمر اهلل أمحكم بال َق َ‬
‫فَ َما ظََفَرت فوارسكم ببد ٍر وما رجعوا إليكم بالس َواء‬
‫فالتعجل أبا سفيان وارتقب جيَ َاد ا يل تطلع من َك َداء‬
‫طيب املالَء»‪.2‬‬ ‫روح القدس فيها وميكال فيا‬ ‫ب صر اهلل م‬
‫َ َ‬
‫ويظهر استمرار فخر كعب حني أمجع الرسول ‪ ‬املسري إ الطائف ؛ حيث « راح كعب بن‬
‫مالك يفخر ماعة املسلمني‪ ،‬وميهد للقتال متهيدا إعالميا‪ ،‬فيه من ا قائق فوق ما فيه من املفاخر‪،‬‬
‫ومن التشريع مثل ما فيه من التهديد ّبني للعدو التفاف ا يش املؤمن حول قيادته‪ ،‬واألهداف السياسية‬
‫والدي ية للجهاد بأسلوب يؤثر اإلنصاف على التج ‪ .‬إن املعسكر املسلم مرصوص الصفوف‪ ،‬يصدع‬
‫بأمر اهلل وال يب يرجو ا ري ميع البشر‪ ،‬فإن ج حت ثقيف للسلم انقلبت إ حليف تقوى باإلسالم‪،‬‬
‫ويقوى هبا ‪ ،‬وإن أصرت على الشرك وا رب فلتعلم أن املسلمني فرسان أشداء ‪ ،‬مفخرهتم األو ال صر‬
‫[الوافر]‬ ‫أو الشهادة ‪ ،‬وشراء ا ة باألرواح واألموال »‪ .3‬فعرب عن هذا الفخر قائال‪:‬‬
‫هو الرمحن ‪ ،‬كان بَا َرمؤوفَا‬ ‫يع رب ا‬
‫يع نَبي َا ‪ ،‬ونمط م‬
‫نمط م‬
‫ضدا َوري َفا‬‫و علكم ل ا َع م‬ ‫نقبل‬
‫السلم م‬ ‫فإن تملقوا إلي ا ّ‬
‫ضعي َفا‬
‫ك أمرنا رعشا َ‬ ‫وال يَ م‬ ‫وإن تأبوا اهدكم‪ ،‬ونَصرب‬
‫إ اإلسالم إذعانا ممضي َفا‬ ‫م ال مد ما بقي ا أو تم يبوا‬
‫أأهلك ا التِّالد أم الطري َفا‪.4‬‬ ‫اهد ال نبا من لَقي ا‬
‫وقال كعب يف يوم ا دق مصورا املشركني متحزبني متشبثني بشركهم وغيهم‪ ،‬مفتخرا بأن اهلل‬

‫‪ -1‬كعب بن مالك ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص‪.242‬‬


‫‪ -2‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 145‬‬
‫‪ -3‬غازي طليمات وعرفان األشقر ‪ :‬الشعراء يف عصر ال بوة وا الفة الراشدة ‪ ،‬ص ص ‪. 65 -64‬‬
‫‪ -4‬كعب بن مالك ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 190 -189‬‬

‫‪145‬‬
‫شعر الصحابة بني البعد الفكري والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫[الطويل]‬ ‫أعان املسلمني يف حرهبم على املشركني ‪:‬‬


‫علي ا ور ماموا دي ا ما نموادعم‬ ‫حني تألبوا‬
‫َ‬ ‫اب‬
‫لقد َعل َم األحز م‬
‫اقع‬
‫وخ دف مل يدروا مبا هو و م‬ ‫أضاميم من قيس بن غيالن أصفقت‬
‫م‬
‫وسام مع‬ ‫ٍ‬
‫الرمحن راء َ‬
‫عن الكفر و م‬ ‫ونذودهم‬
‫م‬ ‫ودونََا عن دي ا‬ ‫يَ مذ م‬
‫ضائ مع‬
‫علي ا ومن مل فظ اهللَ َ‬ ‫ظ اهلل في ا وفضله‬‫وذلك حف م‬
‫صَائ مع ‪.1‬‬
‫فوق الصانعني َ‬ ‫وهلل َ‬ ‫هدانا لدين ا ق واختار ل ا‬
‫وقال كعب يب هبرية بن أ وهب يف أحد؛ حيث د « مل يفخر باملعان والقيم اإلسالمية‬
‫يتعرض هلا بإكرا ٍ أو رمي ‪ .‬من تلك املآثر‬
‫وحسب ‪ ،‬بل افتخر أيضا مبآثر جاهلية أقرها اإلسالم أو مل ّ‬
‫[الطويل]‬ ‫الصرب يف ا رب والثبات ع د الشدائد ‪ ،‬وبأن قومه ال يرون القتال والقتل عيبا »‪.2‬‬
‫فجئ ا إ موج من البحر وسطمه أحابيش م هم حاسر َومم َق مع‬
‫وليس ألَم ٍر محّهم اهلل َمدفَ مع‬ ‫فلما تالقيَا ودارت ب ا الرحى‬
‫صّرعم‬ ‫كأهنم بالقاع مخشب مم َ‬ ‫اهم ح ترك ا َسراهتم‬ ‫ضرب م‬
‫الشر يَشبَ مع‬
‫وقد جعلوا كل من ّ‬ ‫حاهم‬
‫ودارت َر َحانَا واستدارت َر م‬
‫مار وميَ مع‬
‫كل من مي ال ّذ َ‬
‫على ّ‬ ‫القتل سبة‬
‫و ن أمناس الَ نَرى َ‬
‫ويف مر مج ع هم من يَليَه ويم َف مع‬ ‫اس حرم‬‫وك ا شهابا يَتّقي ال م‬
‫اف األس ة مشّرعم ‪. 3‬‬
‫صر َش ّدة عليكم وأطر م‬ ‫شددنا ول اهلل وال م‬
‫َ‬
‫أما الرثاء يف شعر كعب بن مالك ف « هو الرجع ا زين ملدحه ‪ ،‬فالفضائل ال كان يزجيها إ‬
‫املمدوح ‪ ،‬وهو حي ‪ ،‬كان ي ثرها على فرب يعد أن ميوت ‪ ،‬فال يتغري من أفكار وصور إال اإليقاع ‪ ،‬إذ‬
‫بتحول مشوخ الفرح واإلعجاب واالستبشار إ ترح وانتخاب وانكسار ‪ ،‬واستسالم لقضاء اهلل ‪ .‬يرثي‬
‫الفقيد فيعدد م اقبه ‪ ،‬ويطري فضائله ما كان جاهليا تليدا ‪ ،‬وما كان إسالميا طريفا فتمتزج الشجاعة‬
‫بالشهادة‪ ،‬والكرم با ري واإلحسان‪ ،‬والوفاء للصديق باألخوة يف اهلل‪...‬مث تم الرثاء ببشرى تسري على‬

‫‪ -1‬كعب بن مالك ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 185‬‬


‫‪ -2‬فايز ترحي ‪ :‬اإلسالم والشعر ‪ ،‬ص ‪. 122‬‬
‫‪ -3‬كعب بن مالك ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ص ‪. 184 -183 -182‬‬

‫‪146‬‬
‫شعر الصحابة بني البعد الفكري والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫أهل الراحل‪ ،‬إذ ي قله من الفانية إ الباقية‪ ،‬ويسبغ عليه يف دار ا لود رداءم من س دس‪ ،‬برفل به يف‬
‫ج ة عدن»‪.1‬‬
‫لقد رثى كعب الصحابة والرسول‪ ،‬وقد دفعه التزامه الدي والفكري إ أن عل الرثاء جزء من‬
‫خدمة العقيدة ‪ « ،‬أما الذين رثاهم يف شعر ‪ ،‬فكان على رأسهم الرسول ‪ ،‬وقد وصل إلي ا م ه‬
‫ثالث مقطوعات مل يزد موع أبياهتا على سبعة عشر بيتا ‪ ،‬ويف أغلب الظن أن تكون هذ املقطعات‬
‫من قصائد مل تصل إلي ا م ها سوى هذ األبيات ‪.‬‬
‫ورثى عثمان بأربعة وسبعني بيتا ‪ ،‬ومحزة بن عبد املطلب بسبعة ومخسني بيتا ‪ ،‬وقتلى مؤتة بتسعة‬
‫عشر بيتا ‪ ،‬وعبيدة بن ا ارث مسة أبيات ‪ .‬وقد ترددت أُساء بعض الصحابة يف ث ايا قصائد رثاهم‬
‫ببيت أو بيتني »‪.2‬‬
‫ونظرا لتشبث كعب مبواصلته خدمة الدين اإلسالمي باحرتافية عالية ‪ ،‬فقد أخضع غرض الرثاء‬
‫ألفكار الدي ية بكل صدق وإميان ‪ ،‬ففي رثائه ألبطال الدعوة « كان ي قل فيه ما كان يقوله يف املديح‬
‫من عامل األحياء إ عامل األموات ‪ ،‬فهو يعدد خصال املرثي ‪ ،‬ويسجل م اقبه ‪ ،‬ولك ه أخضع رثاء‬
‫كما أخضع ف ونه األخرى إ املقاييس اإلسالمية ‪ ،‬فقد دث بسرية مل تكن تعرفها ا اهلية ‪ ،‬فيها‬
‫اجملد والتقوى ‪ ،‬واإلسالم ‪ ،‬وفيها ا ري والرب والوفاء ‪ ،‬وهبذ املآثر وامل اقب ا ديدة مثال ‪ ،‬كانت فاجعة‬
‫اإلسالم واملسلمني ع د فقد رسول اهلل ‪ ،‬ولفقد هذ املآثر وامل اقب كان يلح كعب على عي يه أن‬
‫[املتقارب]‬ ‫تبكيا رسول اهلل ‪‬بدمع م همر »‪ .3‬فقال يف ذلك ‪:‬‬
‫َري ال َربية واملصطََفى‬ ‫عني فَابكي ب َدمع َذ َرى‬ ‫يا م‬
‫م‬
‫عليه لَ َدى ا رب ع َد اللِّ َقا‬ ‫وح ّق البم َكاءم‬‫الرسول م‬
‫َ‬ ‫َوبَ ِّكي‬
‫وأتقى الربية ع د الت َقى‬ ‫َعلَى َخري َمن محلت نَاقَة‬
‫َو َخري األنام َو َخري اللم َها‬ ‫َعلَى َسيِّ ٍد َماج ٍد جحفل‬
‫ذلك املرََى ‪.4‬‬ ‫م من َهاشم َ‬ ‫ب فَو َق مك ِّل األَنَا‬‫لَهم َح َس ٌ‬
‫م‬
‫‪ -1‬غازي طليمات وعرفان األشقر ‪ :‬الشعراء يف عصر ال بوة وا الفة الراشدة ‪ ،‬ص ص ‪.72 -71‬‬
‫‪ -2‬كعب بن مالك ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص‪.99‬‬
‫‪ -3‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 97‬‬
‫‪ -4‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 148 -147‬‬

‫‪147‬‬
‫شعر الصحابة بني البعد الفكري والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫ويظهر أن «كعبا كثريا ما كان يستغل رثاء لصاحل فكرته ‪ ،‬فيجعل م ه صورة من صور الدعاية‬
‫للدين‪ ،‬وبث األفكار اإلسالمية‪ ،‬فهو ميزج رثاء بثواب اآلخرة‪ ،‬وال عيم ان ا لد‪ ،‬وقيمة االستشهاد‬
‫[املتقارب]‬ ‫يف سبيل اهلل‪ ،‬ويف رثائه لقتلى املسلمني يف أحد تربز هذ املعان واضحة»‪1‬فقال‪:‬‬
‫كرام املداخل واملخَرج‬ ‫وقتالهم يف جَان ال عيم‬
‫َ‬
‫لواء الرسول بذي األَض َوج‬ ‫ت ظل اللواء‬ ‫مبا صربوا َ‬
‫مجيعا ب و األوس وا زرج‬ ‫َغ َدا َة أجابت بأسيافها‬
‫على ا ِّق ذي ال ور وامل َهج‬ ‫وأشياعم أمحد إذ شايعوا‬
‫َ‬
‫إ ج ة دوحة املولج‬ ‫مليك‬
‫ٌ‬ ‫كذلك َح دعاهم‬
‫َ‬
‫على ملّة اهلل مل َ رج‬ ‫ات حر البالء‬ ‫فَ مكل مهم َم َ‬
‫بذي هبة صارم َسل َجج‪.2‬‬ ‫َك َحمَزَة ملا وَّف صادقا‬
‫[الكامل]‬ ‫وملا حلت الفاجعة باملسلمني بقتل ا ليفة عثمان بن عفان قال راثيا له ‪:‬‬
‫ولدمعك املرتقرق امل مزوف‬ ‫يَا لَلرجال للبّك املخطوف‬
‫َ‬
‫بال فأنقضت بَر مجوف‬ ‫هد ا َ‬ ‫ألمر قد أتان رائع‬
‫ويح ٌ‬ ‫م‬
‫قامت لذاك بليةم التخويف‬ ‫قتل ا ليفة كان أمرا مفظعا‬‫م‬
‫‪3‬‬
‫الشمس له بازغةٌ ب مك مسوف ‪.‬‬
‫م‬ ‫و‬ ‫اضع‬
‫قتل اإلمام له ال جوم خو م‬‫م‬
‫وهكذا تظهر عاطفة كعب ا ياشة ‪ ،‬يف بكائه على الرسول والصحابة ‪ ،‬معربا عن الفاجعة ال‬
‫حلت باملسلمني ‪ ،‬وهو يف كل ذلك يعكس مسلك التزامه دمة الدعوة وتعلقه بأبطاهلا ‪.‬‬

‫‪ -1‬كعب بن مالك ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص‪. 102‬‬


‫‪ -2‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ص ‪. 158 -157‬‬
‫‪ -3‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ص ‪. 191 -190‬‬

‫‪148‬‬
‫شعر الصحابة بني البعد الفكري والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫‪ -3‬المسلك الف ي لعبد اهلل بن رواحة‪:‬‬


‫دافع ابن رواحة عن الدعوة اإلسالمية بلسانه وس انه‪ ،‬وهو من الشعراء الفرسان شارك بشعر يف‬
‫ا اهلية واإلسالم‪ ،‬وهو« أحد ال قباء شهد العقبة وبدرا واملشاهد كلها إال الفتح وما بعد ألنه استشهد‬
‫يف غزوة مؤتة‪ ،‬وكانت قبل الفتح يف مجادى األو س ة مثان بأرض الشام‪...‬وهو أحد الشعراء املفلقني‬
‫احملس ني الذين كانوا يذبون عن رسول اهلل‪‬وفيه ويف صاحبيه حسان بن ثابت وكعب بن مالك نزل‬
‫‪1‬‬
‫قوله تعا ‪ :‬ﭐ ‪[. » ฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀‬سورة الشعراء ‪.]227‬‬
‫وقد عرف « بأدوار اجمليدة يف اإلسالم ‪ ،‬ح ليكاد يظن أنه ليس له عالقة با اهلية ‪ ،‬والواقع أنه‬
‫من شعراء ا زرج املخضرمني ‪ ،‬وبتأمل شعر ا اهلي القليل الكمية تبني أنه كله من ال قائض ‪ ،‬ذلك‬
‫ال وع من الشعر الذي كان مزدهرا يف بيئة يثرب قبل اإلسالم كم الصراع الع يف الدامي بني األوس‬
‫وا زرج ‪ ،‬وقد نظم ابن رواحة ذلك الشعر يف محلته ردا على قيس بن ا طيم الشاعر األوسي‬
‫ا اهلي»‪ .2‬الشيء الذي جعل دور مع صاحبه حسان بن ثابت يف ال قائض واضحا‪ ،‬من خالل أيام‬
‫ا روب واملواجهة بني قبيل األوس وا زرج‪ ،‬يف يوم معبس ومضرس‪ ،‬ويوم القضاء ‪ ،‬ويوم البقيع ‪ ،‬ويوم‬
‫حاطب ‪ ،‬ويوم بعاث ‪.‬‬
‫ويف اإلسالم « قد كان مع إ قول الشعر‪ ،‬قوة الشخصية والبطولة يف ا رب مع اإلخالص‬
‫للعقيدة ‪ ،‬ويؤكد ذلك أنه أخزى ابن سلول حي ما حاول أن رج الرسول يف بعض املواقف ‪ ،‬غري عابئ‬
‫مبكانة ابن سلول بني امل افقني من أمثاله ‪ .‬ويؤكد أيضا خروجه للمبارزة يف بدر‪ ،‬وأخذ لواء املسلمني‬
‫يف مؤتة رغم حرج مركز املسلمني هبا ‪ ،‬ومقتله مدافعا عن ذلك اللواء »‪.3‬‬
‫والباحث يف شعر الصحا عبد اهلل بن رواحة من خالل ديوانه الذي مجعه وحققه ودرسه حسن‬
‫مد باجودة‪ ،‬يسجل وجود مخس وستني ومائة (‪ )165‬بيتا ‪ ،‬موزعة أغلبها على ال صوص القصرية ‪،‬‬
‫وكانت أطول قصيدة يف الديوان التزيد على ثالثة وعشرين (‪ )23‬بيتا وهي "مذهبته" ‪ ،‬وأن سبعة عشر‬

‫‪ -1‬جا زادة علي فهمي ‪ :‬حسن الصحاب يف شرح شعر الصحابة ‪ ،‬ص ص ‪. 36 -35‬‬
‫‪ -2‬عبد اهلل بن رواحة األنصاري ا زرجي شاعر الرسول‪ :‬الديوان ‪ ،‬دراسة ومجع قيق‪ :‬حسن مد باجودة ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬مطبعة الس ة احملمدية‬
‫‪،‬نشر دار الرتاث ‪1972 ،‬م‪ ،‬ص ‪. 9‬‬
‫‪ -3‬مد عبد العزيز الكفراوي ‪ :‬تاريخ الشعر العر يف صدر اإلسالم وعصر ب أمية ‪ ،‬الفجالة ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬دار هنضة مصر للطباعة وال شر ‪،‬‬
‫‪1988‬م ‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪. 44‬‬

‫‪149‬‬
‫شعر الصحابة بني البعد الفكري والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫(‪ )17‬قطعة شعرية التتجاوز ستة (‪ )06‬أبيات ‪.‬‬


‫وجاء شعر عبد اهلل بن رواحة موزعا على ور الشعر الطويلة والقصرية‪ ،‬فقد استخدم ر الطويل‬
‫مثانية (‪ )08‬مرات‪ ،‬و ر الوافر ستة (‪ )06‬مرات ‪ ،‬و ر الرجز ستة (‪ )06‬مرات ‪ ،‬و ر البسيط أربعة‬
‫(‪ )04‬مرات ‪.‬‬
‫أما شعر عبد اهلل بن رواحة من ال احية الزم ية ‪ ،‬فقد جرى على قسمني ‪ :‬جاهلي نقائض قاله‬
‫باملدي ة بني أفراد قبيلته ا زرج ي افح به عن نفسه ‪ ،‬مهامجا خصومه األوس يف معارك كالمية حادة مع‬
‫قيس بن ا طيم ‪ .‬وإسالمي قاله دفاعا عن الدعوة اإلسالمية‪ ،‬وقد كان التفريق بني القسمني يسريا‬
‫ذلك أن نصوص الديوان تتضمن إشارات متمثلة يف ذكر اسم اإلسالم أو املع أو ا ادثة ‪ ،‬أو املكان‬
‫الذي قيلت فيه ‪.‬‬
‫موقف ال قاد من شعر ‪:‬‬
‫إن كمية شعر عبد اهلل بن رواحة كما ميثلها الديوان قليلة ال تعكس قيمة الشاعر الف ية ‪ ،‬ولكن يف‬
‫حقيقة األمر ‪ ،‬فإن املصادر ال قدية « تظهر أن العصور اإلسالمية األو كانت تعرف كثريا من أشعار‬
‫الرجل ‪ ،‬ح عد القرشي من أصحاب املذهبات ‪ ،‬فجعل املذهبة األو سان والثانية البن رواحة ‪.‬‬
‫يف حني رأى فيه ابن سالم ا محي أحد الشعراء الثالثة ‪ ،‬كما أن القرطيب ذكر له قصيدة يف رثاء‬
‫محزة »‪ ،1‬وهذا ما يؤكد قيمة الشاعر الف ية يف اإلسالم ‪.‬‬
‫و د حسن مد باجودة قق ديوان عبد اهلل بن رواحة اول تفسري قلة شعر ‪ ،‬فريى أن‬
‫« شعر اإلسالمي الذي لصق به مل يكد ي تسب لغري ‪ ،‬فهو الشعر الذي يرتبط بأعمال إ ابية معي ة‬
‫قام هبا ابن رواحة ‪ ،‬صاحب الدور البارز يف صدر اإلسالم ‪ ،‬وه اك أشعار ليس البن رواحة يف‬
‫م اسباهتا أدوار إ ابية بل اقتصر على االنفعال فالتعبري ‪ ،‬وه ا د ابن رواحة مظلوما يف هذا اجملال ‪،‬‬
‫ف حن نظن أن البن رواحة أشعارا من هذا القبيل مل يصل ا بعضها ‪ ،‬واختلط البعض اآلخر بشعر‬
‫املعاصرين له‪ ،‬وبالذات حسان بن ثابت‪ ،‬وكعب بن مالك »‪.2‬‬

‫‪ -1‬فايز ترحي ‪ :‬اإلسالم والشعر ‪ ،‬ص ‪. 135‬‬


‫وي ظر ‪ :‬القرشي ‪ :‬مجهرة أشعار العرب ‪ ،‬ص ص ‪. 224 -223‬‬
‫وي ظر ‪ :‬ابن سالم ا محي ‪ :‬طبقات فحول الشعراء ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪ 223‬وما بعدها ‪ .‬ذذ‬
‫‪ -2‬عبد اهلل بن رواحة األنصاري ا زرجي شاعر الرسول‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 4‬‬

‫‪150‬‬
‫شعر الصحابة بني البعد الفكري والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫ويضيف حسن مد باجودة قائال‪ « :‬و ن نظن من ناحية أخرى أن ابن رواحة‪ ،‬بشأن شعر‬
‫امللتزم ألعماله اإل ابية ظوظ‪ ،‬فقد وصل ا هذا الشعر يف أحسن الصور املمك ة‪ ،‬ومن األمثلة على‬
‫ذلك شعر م ذ توجهه إ مؤتة ح استشهاد ‪ ،‬و ن نعتقد أن ه الك العديد من الشعراء املعاصرين‬
‫له الذين كانت هلم أمثال تلك األنواع من الشعر ‪ ،‬ومع ذلك هي لسوء ا ظ مل تصل ا »‪.1‬‬
‫وأما الكفراوي فيقول يف مسألة شعر عبد اهلل بن رواحة ‪ « :‬ومن األمور ا ديرة بالتدبر ضياع‬
‫شعر ‪ ،‬فالقارئ لسرية ا بن هشام يرى أمرا عجيبا ‪ ،‬يرا يروي عشرات القصائد واملقطوعات سان‬
‫وكعب فإذا ما ذكر شيئا البن رواحة ‪ ،‬وقلما يفعل أسرع فقال ‪ :‬وبعض ال اس ي شدها لكعب بن‬
‫مالك ‪ ،‬وال يكاد يرتك له من الشعر بعد ذلك إال بضع مقطوعة قصرية‪ ،‬قال معظمها ع د خروجه‬
‫رب مؤتة ال استشهد فيها ‪ ،‬وهي من الشعر ا ماسي ‪ ،‬يتشوق فيها إ املوت يف سبيل اهلل ‪ ،‬فأين‬
‫إذن تلك األشعار ال استحق هبا أن يوضع انب حسان وكعب يف تاريخ األدب؟ »‪.2‬‬
‫ولقد حاول الكفراوي تعليل ذلك فقال‪« :‬ولعل أقرب تفسري لذلك‪..‬هنى الرسول وخلفاؤ عن رواية‬
‫شعر إبقاء على مودة قريش وتأليفا لقلوب رجاهلا ‪ ،‬وما مي ع الرسول من ذلك وهو الذي أغدق على‬
‫قريش من غ ائم ح ني إغداقا عظيما‪ ،‬يتألف بذلك قلوهبا‪ ،‬ويثبت به إمياهنا‪ .‬وهكذا أمهل معظم شعر‬
‫يف هذ املعركة ح ضاع‪ .‬ومل يبق م ه إال مقطوعات يف غزوة مؤتة‪ ،‬وأخرى ال يتعرض فيها لقريش »‪.3‬‬
‫و د رأيا آخر يف هذ املسألة لفايز ترحي اول فيه تعليل ظاهرة قلة شعر عبد اهلل بن رواحة‪،‬‬
‫فقال ‪ « :‬ولعل ذلك يعود إ أن ابن رواحة كان يعري قريشا بالكفر ‪ ،‬وهذا الشيء كان هي ا عليها قبل‬
‫اإلسالم ‪ ،‬شديدا بعد ‪ .‬مما اضطر قريش إ إمهال شعر ف سيه ال اس قبل عصر التدوين ‪ .‬أو ألن عبد‬
‫اهلل بن رواحة كان يتأمل من قول الشعر افة أن يطله قوله تعا ‪:‬ﭐ ‪ ฀‬ﲨ ‪ ، ฀‬أو ألن شعر ابن‬
‫رواحة كان ملتبسا بشعر كعب بن مالك‪...‬أو الذي مازال مبعثرا يف أمات الكتب ‪ ،‬فهو‪...‬ال تكاد‬
‫تظهر فيه خصائصه الف ية ‪ ،‬وتعدد األغراض ال قال فيها الشعر »‪.4‬‬

‫‪ -1‬عبد اهلل بن رواحة األنصاري ا زرجي شاعر الرسول‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 4‬‬
‫‪ -2‬الكفراوي ‪ :‬تاريخ الشعر العر يف صدر اإلسالم وعصر ب أمية ‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ص ‪. 45 -44‬‬
‫‪ -3‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 45‬‬
‫‪ -4‬فايز ترحي ‪ :‬اإلسالم والشعر ‪ ،‬ص ‪. 135‬‬

‫‪151‬‬
‫شعر الصحابة بني البعد الفكري والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫و دث سعيد األعظمي ال دوي على قلة شعر ابن رواحة فقال‪ « :‬ولكن السبب الكبري يف قلة شعر‬
‫اإلسالمي أنه شغل دمة الدعوة واملشاركة يف الغزوات اإلسالمية؛ حيث إنه مل يتمكن من التفرغ لقول‬
‫الشعر والقريض‪ ،‬ومل يستطع أن يركز عليه تركيزا كامال‪ ،‬غري أن ذلك اليع أن شعر ليس بقوي أو أنه‬
‫ال يتبوأ مكانة شعرية ممتازة ‪ ،‬بل الواقع أنه كان من شعراء اإلسالم املعدودين املعروفني »‪.1‬‬
‫إذا ‪ ،‬بقي أن نقول‪ :‬إن عبد اهلل بن رواحة‪ ،‬قد سلك يف مذهبه الشعري مسلك االحرتاف مثله‬
‫مثل صاحبيه خدمة للدعوة ‪ ،‬وأما شعر سواء الذي نشر حسن مد باجودة يف ديوابه « أو الذي‬
‫مازال مبعثرا يف أم ات الكتب ‪ ،‬فهو ال يت اسب مع أمهية الشاعر اإلسالمية ‪ ،‬وفيه مجيعا ال تكاد تظهر‬
‫خصائصه الف ية وتعدد األغراض ال قال فيها الشعر »‪ .2‬وإن كان الذي وصل ا من شعر قليل ‪،‬‬
‫و اصة شعر الذي هجا به قريشا ‪ ،‬فتعود أسباب هذ القلة يف شعر كما قال ال قاد إ اختالطه‬
‫بشعر معاصريه ‪ ،‬أو إ اهتمامه دنة الدعوة اإلسالمية وإمهاله لشعر ‪ ،‬أو إمهال قريش لرواية شعر ‪،‬‬
‫ف سيه ال اس ومل يصل إ عصر التدوين‪.‬‬
‫وأما في الهجاء فقد ا ذ موقفا سلبيا من شعراء املشركني‪ ،‬وهو مثل صاحبيه حسان ثابت وكعب‬
‫ابن مالك ‪ ،‬فقد هجا القبائل واألفراد ‪ ،‬هجا ب عمرو بن زوم‪ ،3‬وهجا قريشا‪ ،4‬وهجا أباسفيان ‪.5‬‬
‫[البسيط]‬ ‫أما قوله يف هجاء ب عمرو ب زوم وغريهم من آل هاشم‪:‬‬
‫ض مر‬
‫مك تمم بطاريق أو َدانَت لَ مكم مم َ‬ ‫فَ َخبِّ مرون أَمثَا َن العباء َم َ‬
‫فيَا ال يب وفي ا تم َزمل الس َومر‬ ‫أسرهم‬
‫اس عن عرض فََ م‬ ‫مَال مد ال َ‬
‫حي من ال اس إن َعزوا وإن َكثم مروا‬ ‫َوقَد َعلمتمم بأَنا لَي َ‬
‫س غالب ا‬
‫على الربية فَضال ما له غمي مر‬ ‫اهاش َم ا ري إن اهللَ فضل مكم‬‫يَ َ‬
‫فراسةَ خالف هم يف الذي نَظَمروا‬ ‫فيك ا ري أعرفهم‬
‫َ‬ ‫ت‬
‫إن تَفرس م‬
‫ص مروا‬
‫أمرك ما مآووا َوَما نَ َ‬
‫يف جل َ‬ ‫صرت بعضهم‬
‫سألت أو است َ‬
‫ولو َ‬
‫‪ -1‬سعيد األعظمي ‪ :‬شعراء الرسول ‪‬يف ضوء الواقع والقريض ‪ ،‬ص ‪. 308‬‬
‫‪ -2‬فايز ترحي ‪ :‬اإلسالم والشعر ‪ ،‬ص ‪. 136‬‬
‫‪-3‬عبد اهلل بن رواحة األنصاري ا زرجي شاعر الرسول‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ص ‪. 94 -93‬‬
‫‪ -4‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 102 -101‬‬
‫‪ -5‬املصدر تفسه ‪ ،‬ص ص ‪ . 105 -104‬وص ‪. 109‬‬

‫‪152‬‬
‫شعر الصحابة بني البعد الفكري والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫ص مروا‬
‫يت موسى ونصرا كالذي نَ َ‬ ‫تَثب َ‬ ‫آتاك من حس ٍن‬ ‫فثبت اهللم ما َ‬
‫وال َوجهم م ه قد أَزَرى به ال َق َد مر‪.1‬‬ ‫الرسول فَ َمن م َرم نوافلهم‬
‫م‬ ‫أنت‬
‫َ‬
‫وقال عبد اهلل بن رواحة يف معركة بدر شعرا فيه اللوم والعار‪ ،‬ووجه اطبا به أبا سفيان على جب ه‬
‫[الطويل]‬ ‫وفرار من لقاء الرسول‪: ‬‬
‫مليعاد صدقا وما كان َوافيَا‬ ‫َو َع َدنَا أبا سفيان بدرا فلم د‬
‫ت املواليَا‬
‫ت ذميما واف تَ َقد َ‬
‫ألمب َ‬ ‫فَأمقس مم لو وافيت ا فلقيت ا‬
‫وعمرا أبا جهل ترك ا م ثَاويَا‬ ‫ال عتبة واب ه‬ ‫ترك ا به أَو َ‬
‫صَ‬
‫وأمركم السيئ الذي كان َعاويَا‬ ‫رسول اهلل ‪ ،‬أف لَ مكم‬
‫َ‬ ‫صيتمم‬
‫َع َ‬
‫فدى لرسول اهلل أَهلي َوَماليَا‬ ‫فإن وإن ع فتمون لقائل‬
‫ش َهابا ل ا يف ظلمة الليل َهاديَا‪.2‬‬ ‫أَطَعَا ومل نَعدله في ا بغري‬
‫« فباإلضافة إ تعيري الشاعر أل سفيان بالكفر والشرك ومعصية الرسول وتربمه من عبادة األوثان‬
‫واألنصاب واألزالم ‪ ،‬فإنه يستمد معان أبياته من القرآن الكرمي ‪ ،‬قال تعا ‪ :‬ﭐ ‪฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀‬‬
‫[سورة التوبة اآلية ‪ ، ]20‬وقال تعا ‪:‬‬ ‫‪฀ ฀ ฀ ฀ ฀‬‬

‫[سورة مد اآلية ‪.3» ]33‬‬ ‫‪฀‬‬ ‫‪฀ ฀ ฀‬‬


‫[الرجز]‬ ‫وقال عبد اهلل بن رواحة مر زا حي ما كان الرسول ‪ ‬واملسلمون فرون ا دق ‪:‬‬
‫صلي َا‬‫وال تصدق ا وال َ‬ ‫أنت ما اهتديَا‬
‫ب لَوالَ َ‬
‫يَ َار ِّ‬
‫األقدام إن لََقي َا‬
‫َ‬ ‫وثَبِّت‬ ‫أَنزل َسكي ة عليَا‬
‫وإن أرادوا فت َة أَبَي َا ‪.4‬‬ ‫الكفار قد بغوا عليَا‬
‫َ‬ ‫إن‬
‫املقطوعة فقال‪ « :‬وواضح انسجام موسيقى هذ‬ ‫فقد علق حسن مد باجودة على هذ‬
‫املقطوعة مع حركة ا فر ال يقوم هبا املر زون‪ ،‬مث هي تزخر باملعان اإلسالمية‪ ،‬فيبدأها معرتفا مبن اهلل‬

‫‪ -1‬عبد اهلل بن رواحة األنصاري ا زرجي شاعر الرسول‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ص ‪. 94 -93‬‬
‫‪ -2‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 109‬‬
‫‪ -3‬فايز ترحي ‪ :‬اإلسالم والشعر ‪ ،‬ص ‪. 137‬‬
‫‪ -4‬عبد اهلل بن رواحة األنصاري ا زرجي شاعر الرسول‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ص ‪. 107 -106‬‬

‫‪153‬‬
‫شعر الصحابة بني البعد الفكري والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫وفضله على الفئة املؤم ة باهلداية إ طريق الرشاد ‪ ،‬وه اك اإلشارة إ الصدقة والصالة‪ ،‬وه اك الدعاء‬
‫بإنزال السكي ة على املؤم ني وتثبيت األقدام ساعة اللقاء‪ ،‬واستعمال لفظة " الكفار"‪ ،‬وكذلك " البغي"‬
‫و " الفت ة " مبع امها اإلسالمي‪ ،‬وال فى أن هذ املعان جديدة على العرب‪ ،‬وأن التأثر فيها بالقرآن‬
‫الكرمي بني »‪.1‬‬
‫وقال ابن سالم ‪ « :‬وقال عبد اهلل بن رواحة ‪ ،‬وهو آخذ بزمام ناقة رسول اهلل‪‬يف عمرة القضاء‪،‬‬
‫[الرجز]‬ ‫يقودها ‪ ،‬وقد اجتمع أهل مكة وغلماهنم ي ظرون إليه وهو يقول* ‪:‬‬
‫خلوا فكل ا ري َم َع َر مسوله‬ ‫َخلوا ب الكفار عن سبيله‬
‫كما ضرب اكم على تَ زيله‬ ‫ن ضرب ا مكم على تَأويله‬
‫ليل عن َخليله »‪.2‬‬ ‫ويمذه مل ا َ‬ ‫اهلام عن َمقيله‬
‫يل َ‬ ‫ضربا يمز م‬
‫َ‬
‫عبد اهلل ن رواحة يف هجاء قريش؛ حيث كان‬ ‫فهذ األبيات تعكس طريقة مسلك وأسلوب‬
‫« يعريهم بالكفر وعبادة ماال يسمع وال ي فع »‪ .3‬الواضح أن « يف هذا الرجز ‪ ،‬اطب ابن رواحة‬
‫" ب الكفار "‪ ،‬وليس يف ذلك تعريض با اضرين فقط‪ ،‬بل واألموات من اآلباء واألجداد‪ ،‬ويأمرهم أن‬
‫يرتكوا طريق ال يب ‪‬خاليا م هم كي ميأل با ري كل ا ري‪ ،‬إهنم عريقو ال سب يف الكفر‪ ،‬أما هو فمؤمن‬
‫بكل ما يوحي إ ال يب ‪ ،‬وهو يعلم يقي ا أن اهلل حقا يف قبول ما جاء به ال يب ‪ ،‬ال‬

‫‪ -1‬عبد اهلل بن رواحة األنصاري ا زرجي شاعر الرسول‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ص ‪. 52 -51‬‬
‫*أما رواية الديوان ص ص ‪ . 102 -101‬يف هذ القضية تلف روايته يف لفظ بعض األبيات مع بعض الزيادة ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫خلوا ب الكفار عن سبيله‬
‫خلوا فكل ا ري يف رسو ٍله‬
‫مؤمن بقيله‬
‫م‬ ‫يارب إن‬
‫ف حق اهلل يف قبوله‬ ‫أعر م‬
‫ن قتل اكم على تأويله‬
‫كما قتل اكم على ت زيله‬
‫اهلام عن َمقيله‬
‫يل َ‬
‫ضربا يمز م‬
‫ليل عن خليله‬ ‫ويذهل ا َ‬
‫إن شهيد أنهم رسولمه ‪.‬‬
‫‪ -2‬ابن سالم ا محي ‪ :‬طبقات فحول الشعراء ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ص ‪. 225 -224‬‬
‫‪ -3‬ابن عبد الرب القرطيب ‪ :‬االستيعاب يف معرفة األصحاب ‪،‬ج‪ ،1‬ص ‪. 402‬‬

‫‪154‬‬
‫شعر الصحابة بني البعد الفكري والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫ي طق عن اهلوى »‪.1‬‬
‫أما فخر عبد اهلل بن رواحة فقد سلك فيه الفخر بالرسول‪ ‬ومن املقطوعات ال نظمها يف‬
‫[الطويل]‬ ‫الفخر به قوله ‪:‬‬
‫من ال َفجر َساط مع‬‫إ َذا ان َشق معروف َ‬ ‫رسول اهلل يَت لموا كتَابَهم‬
‫َ‬ ‫« َوفيَا‬
‫قال َواق مع‬ ‫به مموق ات ‪ ،‬أَن ما َ‬ ‫العمى فَ مقلموبََا‬
‫َ‬ ‫بعد‬
‫أ ََرانَا اهلمَدى َ‬
‫ضاج مع‬‫كني امل َ‬
‫إ َذا استَث َقال باملشر َ‬ ‫من اللّيل‬ ‫بيت م ايف ج تهم َ‬ ‫يَ م‬
‫َ‬
‫اك َوَراج مع »‪.2‬‬ ‫ور مه َ‬
‫إ اهلل َ مش ٌ‬ ‫أن‬
‫س بالظّ ِّن ّ‬ ‫وأَعلَ مم علما لي َ‬
‫وعن هذ األبيات‪ « ،‬روي عن أ هريرة – رضي اهلل ع ه – أن رسول اهلل ‪‬قال‪ " :‬إن أخاكم‬
‫ال يقول الرفث "يع ابن رواحة ‪ ،‬وذلك لقوله هذ األبيات»‪.3‬‬
‫واملتأمل هلذ األبيات‪ ،‬د الشاعر استعمل مقدرته الفكرية للتعبري عن فخر وعمق إميانه به‬
‫لل يب‪‬بأقوى الدالالت‪ ،‬ففي « البيت األول يتبني أن الشاعر فرح فخور بكون رسول اهلل‪ ‬بي هم ‪...‬‬
‫‪ ฀ ฀‬ﱪ ‪฀‬‬ ‫‪฀ ฀฀ ฀ ฀‬‬ ‫ﭐ‪฀‬‬
‫وباقي البيت يبدو فيه التأثر الواضح بقوله تعا ‪:‬‬
‫‪[ ฀ ฀ ฀‬سورة اإلسراء اآليتان ‪ ، ]79 -78‬والتالوة يف البيت‬ ‫‪฀ ฀‬‬
‫‪ ،‬تشمل صالة الفجر وتالوة القرآن ‪ ،‬وتأمل الفعل "انشق " الذي يدل على شق ال ور ألدمي الظالم ‪،‬‬
‫ولفظ "معروف " و"ساطع " يف الداللة على مجال الفجر وروحانياته‪ ...‬ويف البيت الثان يقارن بني "‬
‫العمى " الذي كان عليه العرب يف جاهليتهم واهلدى الذي كان ال يب سببا فيه »‪ .4‬ويف البيت الثالث‬
‫من « الداللة ال وفق هلا الشاعر يف قوله ‪" :‬يبيت" ‪ " ،‬ايف" ‪" ،‬استثقلت" أفعال تفيد االستمرارية‬
‫وا ركة يف الفعلني األولني ‪.‬‬

‫‪ -1‬عبد اهلل بن رواحة األنصاري ا زرجي شاعر الرسول‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 54‬‬
‫‪ -2‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 91‬‬
‫‪ -3‬نقال عن ‪ :‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 43‬‬
‫‪ -‬هتذيب ابن عساكر ‪ ،‬ج‪ ، 7‬ص ‪. 392‬‬
‫‪ -4‬عبد اهلل بن رواحة األنصاري ا زرجي شاعر الرسول‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص‪.44‬‬

‫‪155‬‬
‫شعر الصحابة بني البعد الفكري والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫ويف اإليغال املادي الساكن يف الفعل الثالث»‪ . 1‬ويستمر الشاعر يف إبراز دالالته اللغوية‪ ،‬إذ يف البيت‬
‫الرابع « يقرر علمه اليقي با شر ويوم ا ساب ‪ ،‬ويأيت باملصدر "وأعلم علما" وال في دور‬
‫التوكيدي ‪ ،‬مث ي في الظن عن هذا العلم "ليس بالظن" وكثري هي اآليات ال تتحدث عن البعث‬
‫وال شور ‪ ،‬وقد كان ابن رواحة يتمثل ذلك الوقت الرهيب دائما »‪.2‬‬
‫ومن ا لي الواضح أن شعر عبد اهلل بن رواحة « الذي نسب إليه أو صح أنه له ‪ ،‬فهو ي ضح‬
‫بتأثر بالقرآن الكرمي والقيم اإلسالمية ‪ ،‬ومتمثل إ حد ما لتلك القيم والتعاليم ‪ ،‬ولو حفظ شعر‬
‫مجيعا فلرمبا ساعد على توضيح صورة الشعر يف صدر اإلسالم ‪ ،‬ملا امتاز به من سهولة يف اللفظ‬
‫وشيوع املعان الدي ية ‪ ،‬ولكن رغم ذلك فابن رواحة يعد من شعراء األنصار البارزين الذين ذبوا عن‬
‫الرسول‪ ،‬ودافعوا عن الدين اإلسالمي بلساهنم وس اهنم »‪.3‬‬
‫والخالصة ‪:‬‬
‫‪ -1‬جاءت األغراض الشعرية ال خاض فيها حسان وكعب بن مالك وعبد اهلل بن رواحة ‪ ،‬املعركة‬
‫الف ية ضد قريش والرد على شعرائها متداخلة ذات مضامني جديدة ‪ ،‬ال د قصيدة مستقلة مبوضوع‬
‫معني ‪ ،‬فتداخل اهلجاء مع املدح والفخر ‪ ،‬وأحيانا معهما قصيدة واحدة‪.‬‬
‫‪ -2‬إن األشعار اإلسالمية سان وصاحبيه‪ ،‬كلها تعرب عن فكر جديد و ربة ف ية احرتافية جديدة ‪،‬‬
‫ومواقف أدبية جديدة ‪ ،‬فاهلجاء ع دهم ركه نزعة إنسانية وفق م هج فكري جديد ‪ ،‬يهدف إ‬
‫ليص اجملتمع العر من الوث ية والعبودية ‪ ،‬و رير الفكر الدي من قبضة سلطة القبيلة وزعامة املشيخة‬
‫األرستقراطية القرشية ‪ ،‬و رير مكة من عبادة األص ام واألوثان ال أحاطتها هبا قريش والقبائل العربية ‪.‬‬
‫‪ -3‬وأما مدائح حسان وكعب فهي نابعة من تصور إسالمي جديد الرتباطها مبدحه للرسول‪،‬‬
‫والتعلق بشخصيته ‪ ،‬فمدحا خلفاء ‪ ،‬وصحابته وفرسان املسلمني‪ ،‬وهو ما يدل على ديد مفهوم‬
‫املدح وتطور ع د حسان وكعب؛ حيث مل يقصدا به سؤال التكسب ‪ ،‬وقد عربا بكل احرتافية يف‬
‫فصائدمها املد حية ا ديدة على أن مدائحهما اإلسالمية تعكس مذهبهما الشعري ا ديد ‪.‬‬

‫‪ -1‬نقال عن ‪ :‬عبد اهلل بن مد أبوداهش ‪ :‬شعراء حول الرسول‪ ،‬ص‪. 37‬‬


‫‪ -‬عبد اهلل بن مد أبوداهش ‪ :‬الشعر يف صحيح البخاري ومسلم ‪ ،‬ط‪ ،1‬أهبا ‪ ،‬مطبعة مازن ن ‪1441‬ه‪1994‬م ‪ ،‬ص ‪. 18‬‬
‫‪ -2‬عبد اهلل بن رواحة األنصاري ا زرجي شاعر الرسول‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص‪.45‬‬
‫‪ -3‬فايز ترحي ‪ :‬اإلسالم والشعر ‪ ،‬ص ‪. 140‬‬

‫‪156‬‬
‫شعر الصحابة يف امليزان األخال قي والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫الفصل الثالث‬
‫شعر الصحابة في الميزان األخالقي والف ي‬

‫‪157‬‬
‫شعر الصحابة يف امليزان األخال قي والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫شعر الصحابة في الميزان األخالقي والف ي‬


‫بعد توجيه الرسول‪ ‬للشعراء‪ ،‬تبلورت يف وجداهنم فكرة التزام الشعر دود اإلسالم وخدمته‪،‬‬
‫« وأدرك شعراء املسلمني من األنصار واملهاجرين‪ ،‬أن مهمتهم هي االعتقاد الكلي يف أن مهمتهم يف‬
‫تلك ا ياة الدفاع عن اإلسالم واملسلمني‪ ،‬وم اصرة ا ق ضد قوى الشر والظلم والبغي‪،‬كما أدركوا أن‬
‫مهمتهم هي الشعور ال ابع من أعماق نفوسهم بأن دورهـم يف معركة الدعوة اإلسالمية دورهام وحيوي‪.‬‬
‫فلهذا اقت عوا يف قرارة أنفسهم أهنم جزء هام ورئيسي وحي يف اجملتمع اإلسالمي‪ ،‬وأهنم ع صر خري يف‬
‫ذلك اجملتمع‪ ،‬فأخذوا يزكون املعاين الرفيعة للحق وا ري‪ ،‬ويوقظون كذلك األخيلة ا صبة الوضيئة للعقل‬
‫والفكر والوجدان‪ ،‬ويعربون قائق الدين ويذكرون ويبشرون باألهداف اإلسالمية ال بيلة »‪.1‬‬
‫هلذا د شعراء املدي ة قد اوبوا مع هذ القيم واملثل‪ ،‬واألهداف اإلسالمية ال بيلة‪ ،‬وبدأ ا س‬
‫اإلسالمي يدب يف نفوسهم قبل أن يدب يف ف هم‪ ،‬فعرفوا اجملرى السليم للعقيدة‪ ،‬وتشبعوا بلغة اإلسالم‬
‫ا ديدة‪ ،‬فظهر كل ذلك من خالل توظيفهم للمعجم اإلسالمي ا ديد الذي جسدوا أفكار يف‬
‫شعرهم‪ ،‬وواجهوا به ف يا شعراء املعارضة‪ ،‬فبعد أن كان « املعجم ا اهلي مسيطرا على ذاكرة الشاعر ال‬
‫تكاد تتجاوز – أي ذاكرته‪ -‬أو وز عليه‪ ،‬إ أن يأيت املصدر اإلسالمي مع انتشار الدين ا ديد‪،‬‬
‫وأفول م ا اهلية‪ ،‬ومع هذا املعجم يبدأ الشاعر املسلم يتوقف‪ ،‬وكأمنا ت به إ ث ائية ال يستطيع‬
‫إغفال جانب م ها‪ ،‬فه اك تراث جاهلي كامن يف أعماقه والوعيه ال يستطيع ‪-‬بالطبع‪ -‬أن يتخلص‬
‫م ه بني يوم وليلة‪ ،‬وال يستطيع – أيضا‪ -‬أن يت كر له أو يرفع يف وجهه راية التجاهل أو الرفض‪ ،‬وأمامه‬
‫أيضا معجم إسالمي جديد بدأ يردد ألفاظه‪ ،‬ويرتدد على صور ‪ ،‬ويستمد من معجمه وال يستطيع‬
‫‪-‬أيضا‪ -‬إغفاله ألنه ميثل ا انب العقائدي الذي يشغل فكر ب فس العمق»‪.2‬‬
‫وقد كان الرسول‪ ،‬يف دار اهلجرة مدركا ألمهية الدعوة وصعوبتها‪ ،‬والتحدي الذي سيالقيه من‬
‫طرف املشركني‪ ،‬هلذا كان يتجه يف نشر الدعوة بني املسلمني ومعهم الشعراء‪ ،‬وفق ما وجهه إليه القرآن‬
‫[سورة ال حل اآلية ‪.]125‬‬ ‫العظيم ﭐ ‪฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀‬‬

‫‪ -1‬مود حسن زي ‪ :‬دراسات يف أدب الدعوة اإلسالمية ‪ ،‬ص‪.181‬‬


‫‪ -2‬عبد اهلل التطاوي ‪ :‬حركة الشعر يف ظالل املؤثرات اإلسالمية ‪ ،‬القاهرة ‪،‬دار غريب للطباعة وال شر والتوزيع ‪1998 ،‬م ‪ ،‬ص ‪.5‬‬

‫‪158‬‬
‫شعر الصحابة يف امليزان األخال قي والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫وقبل املواجهة ا ربية بدأ يتبلور املوقف الف اإلسالمي للشعراء املسلمني‪ ،‬نتيجة ملا كان يصلهم‬
‫من شعر من طرف املشركني وحلفائهم‪ ،‬وأث اء الصراع « كان طبيعيا أن يسود املفهوم اإلسالمي للشعر‬
‫بني املسلمني‪ ،‬وأن يظل املفهوم ا اهلي على سيادته بني املشركني‪ ،‬وأن يصطرع املفهومان كما‬
‫اصطرعت العقيدتان‪ ،‬وأن يرتبط مصري كل مفهوم م هما بعقيدته‪ ،‬في تصر إذا انتصرت‪ ،‬وي هزم إذا‬
‫اهنزمت‪ ،‬وكان املوقف األول للرسول‪‬أن تَـ َوعَّ َد الشعراء املهامجني لإلسالم من شعراء املشركني »‪.1‬‬
‫ولقد دخل الصحابة والشعراء معهم‪ ،‬بقيادة الرسول ‪،‬إ معركة التبليغ‪ ،‬واإلميان ميأل قلوهبم‪،‬‬
‫[سورة الفتح اآلية ‪.] 29‬‬ ‫وكان التغيري الدي هدفهم‪ ،‬فكانوا ﭐ ‪฀฀ ฀ ฀ ฀ ฀‬‬
‫لكن السؤال الذي ميكن طرحه‪:‬ما هو املدى الذي بلغه ا س اإلسالمي يف شعر الصحابة الشعراء؟‬
‫وهل ل الصحابة الشعراء عن تقاليد الشعر ا اهلية‪ ،‬أي م هجهم الشعري القدمي؟‪.‬‬
‫إن هذا الطرح يف حقيقة األمر يعطي ا صورة واضحة عن شعر الصحابة الشعراء ‪ -‬سواء‬
‫السباقون لإلسالم أم الذين لف إسالمهم إ يوم الفتح‪ ،-‬بأنه تلف باختالف طبيعة املرحلة ال‬
‫مروا هبا‪ ،‬وإن كان كل من التأثري الدي وال ضال السياسي قد لعبا دورا كبريا وأساسيا‪ ،‬يف إعطاء صورة‬
‫واضحة لطبيعة ا س اإلسالمي لشعر كل مرحلة‪ ،‬وقد انعكس ذلك كله يف شعر اهلجاء واملدح والفخر‬
‫والرثاء واالعتذار واالستعطاف‪ ،‬الذي قيل أمام الرسول ‪ .‬وميكن توضيح هذا فيما يأيت‪:‬‬
‫‪ -1‬شعر الصحابة في الميزان األخالقي‪:‬‬
‫لقد أدى ا س األخالقي اإلسالمي ع د الصحابة الشعراء إ إدراكهم أمهية املرحلة ال يعيشوهنا‪،‬‬
‫فهم بني عصرين ‪ :‬عصر جاهلي قدمي حكم عليه بالف اء والذوبان‪ ،‬وعصر جديد بات واقعا معيشيا‪،‬‬
‫وبالتا فالبد على الشعراء من تأكيد وطبعه بطابعهم الف ‪ ،‬ويبدوا من خالل كل األحداث ال‬
‫عاشها الشعراء مع الرسول‪ ،‬و اوبوا معها د أن حسهم الدي قد مس شعرهم‪ ،‬وانتقل التزامهم‬
‫العقائدي إ التزامهم الف ‪ ،‬وهذا االلتزام « وجد سبيله على ألس ة فريق من الشعراء ممن آم وا‬
‫بالدعوة‪ ،‬وصدقوا رسول اهلل ‪‬وآزرو ‪ ،‬وحسن إسالمهم فسجلوا مالمح من التزامهم يف سياق‬
‫موضوعات تقليدية ورثوها من العصر السابق‪ ،‬بني مالمح مدح وهجاء‪ ،‬ورثاء‪ ،‬وغريها‪ ،‬وأخلصوا ف هم‬

‫‪ -1‬عبد ا كيم حسان ‪ :‬التصوف يف الشعر العريب نشأته وتطور ح آخر القرن الثالث اهلجري ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬مكتبة اآلداب ‪ ،‬د‪.‬ت ‪ .‬ص‪.139‬‬

‫‪159‬‬
‫شعر الصحابة يف امليزان األخال قي والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫يف رسم صورة إسالمية جديدة للممدوح‪ ،‬خاصة إذا ما تعلق املوقف – مثال‪ -‬بشخص رسول اهلل ‪،‬‬
‫وكذلك كان املوقف من املهجوين من خصومه ‪ -‬عليه الصالة والسالم‪ ،-‬من معسكر الشرك القابع‬
‫يف مكة‪ ،‬مث كانت صورة املرثيني من قادة املسلمني قي مسارات متجددة حول االستشهاد وحركة‬
‫ا هاد‪ ،‬إذ راح معسكر الشعراء املسلمني يطرح صورا عديدة ميدها املعجم اإلسالمي ا ديد‪ ،‬فعكس‬
‫الشعراء يف ث اياها ما أفادو من معاين اآليات القرآنية‪ ،‬وما استوعبو من األحاديث ال بوية الشريفة‪ ،‬وما‬
‫انتهجو من صور السلوك اإلسالمي‪ ،‬وما قاموا عليه من أمر العبادات والشعائر املختلفة‪ ،‬مث أضافوا إ‬
‫تلك املوضوعات صورا ومواقف أخرى أصبحت أكثر استجابة لواقع ا ياة ا ديدة »‪.1‬‬
‫ومن الشعراء الذين سد ا س اإلسالمي يف شعرهم ال ابغة الجعدي (ت ‪670‬م) ‪ "،‬وكان يك أبا‬
‫ليلى " وكانت له مواقف سياسية‪ ،‬واضحة‪ ،‬شارك يف الفتوحات ووقف إ جانب علي بن أيب طالب يف صفني ‪،‬‬
‫[الطويل]‬ ‫ووقف إ جانب عبد اهلل بن الزبري يف خروجه على ب أمية‪ .‬وحني « أتى رسول اهلل ‪‬أنشد ‪:‬‬
‫و يتلو كتابا كاجملرة نَيـَرا‬ ‫باهلدى‬
‫رسول اهلل إذ جاءَ َ‬‫أتيت َ‬
‫فوق ذلك َمظ َهَرا‬
‫وإنَّا لََـرجوا َ‬ ‫السماءَ دنَا وجدودنَا‬‫بَلغ ا ّ‬
‫فقال رسول اهلل‪ " :‬إ أين يا أبا ليلى " ؟‪ ،‬فقال إ ا ة‪ ،‬فقال رسول اهلل‪ ":‬إن شاء اهلل "‬
‫وأنشد ‪:‬‬
‫َّرا‬
‫بوادر مي صفو أن ي َكد َ‬ ‫خري يف حل ٍم إذا مل تكن له‬
‫وال َ‬
‫األمر أَص َد َرا) »‪.2‬‬
‫يم إذا ما أَوَرَد َ‬
‫َحل ٌ‬ ‫خري يف َجه ٍل إذا مل يكن له‬
‫(وال َ‬
‫فالشاعر عرب عن ترحيبه بالرسول ‪ ،‬من خالل توظيفه يف البيت األول مفردات إسالمية‪ ،‬جسدها سيدا‬
‫يعكس إميانه العميق وثقافته ا ديدة‪ ،‬ويف األبيات يفيض حسه اإلسالمي؛ حيث ا ذ ال ابغة ا عدي‬
‫قاموسه اللغوي من مفردات‪ :‬رسول اهلل– اهلدى‪ -‬الكتاب– ال ور‪ ،‬فكانت مرحعيته اللغوية إسالمية‬
‫املصدر‪ ،‬سواء دخلت باألبيات إ عامل املدح أو الفخر‪.‬‬
‫وأما قول رسول اهلل‪" ‬إ أين يا أبا ليلى"؟‪ ،‬فقال إ ا ة ‪ ،‬فقال رسول اهلل‪ ":‬إن شاء اهلل "‬

‫‪ -1‬عبد اهلل التطاوي‪ :‬مداخل ومشكالت حول القصيدة العربية القدمية ‪ ،‬ص ‪.20‬‬
‫‪ -2‬ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪ .‬ص ‪.181‬‬

‫‪160‬‬
‫شعر الصحابة يف امليزان األخال قي والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫فـ ـ ـ ـ« واضح أن الرسول كان يلفته بطريق مهذبة إ االقتصاد يف الفخر باألحساب واألنساب »‪.1‬‬
‫ويف البيتني األخريين عرب ال ابغة عن موعظته وحكمته البالغة‪ ،‬ال ال تتعارض مع معاين وأهداف‬
‫الدعوة اإلسالمية‪ ،‬وقد « طرب هلا الرسول‪ ،‬ألن الشاعر يف البيت األول دافع عن مشروعية القتال‪ ،‬ويف‬
‫البيت الثاين أوضح أن الرسول هو الرأس املفكر وبدونه ال تغ ا ود شيئا »‪.2‬‬
‫ويعد ال ابغة ا عدي « أحد الشعراء الذين استضاؤوا باإلسالم وتعاليمه الروحية‪ ،‬وقد خرج اهد يف‬
‫سبيل اهلل ‪ ،‬وهو يتلوا القرآن آناء الليل وأطراف ال هار‪ ،‬فكان طبيعيا أن يستلهمه يف شعر ‪ ،‬وهو من‬
‫هذ ال احية من خري األمثلة على أثر اإلسالم يف شعر املخضرمني ومدى هذا األثر »‪.3‬‬
‫لقد كان لتأثري اإلسالم يف الشعراء دعوة لتجسيد األفكار واملعاين ال جاء هبا‪ ،‬ف جد املعاين والصور‬
‫ذات األبعاد الثقافة اإلسالمية أصبحت معجما جديدا للشعراء‪ ،‬فجسد ال ابغة ا عدي هذا املعجم يف‬
‫[امل سرح]‬ ‫قصيدته "امليمية" فقال ‪:‬‬
‫فسه ظَلَ َما‬ ‫َمن مل يـَقل َها ف َ‬ ‫يك له‬ ‫ا مد هلل ال شر َ‬
‫الليل هنارا يـ َفرج الظلَ َما‬ ‫الليل يف ال هار ويف‬ ‫َ‬ ‫املول‬
‫أَرض ومل يـَب َتها د َع َما‬ ‫ا َافض الرافع السماء على ال ـ ـ‬
‫أَر َحام ماء َح َّ يَص َري َد َما‬ ‫ا الق البارئ املصور يف الـ ـ ـ ـ‬
‫و لق م ها األب َش َار والَّ َس َما‬ ‫طفة قَ َّد َها م َقدرَها‬‫من ن ٍ‬
‫ت َ ما كسا فَالتَأََما‬ ‫ثَّ َ‬ ‫ب‬‫صٌ‬ ‫أقامها َع َ‬
‫َ‬ ‫مث عظَاما‬
‫شارا وجلدا اله أَ َد َما‬ ‫العقائق أبـ ـ ـ ـ‬
‫يش و َ‬ ‫الر َ‬ ‫مث َك َسا‬
‫وفر َق ال َكلَ َما ‪.4‬‬
‫َّ‬ ‫أخالق ش‬
‫َ‬ ‫املعايش وال ـ ـ ـ‬
‫واللو َن و َ‬ ‫الصوت‬
‫و َ‬
‫مد اهلل ويقر بوحدانيته و ذر من مل يوحد ‪ ،‬مث بني عظمة اهلل‪ ،‬وأط ب يف‬ ‫فال ابغة يف القصيدة‬
‫ذكر إبداعه‪ ،‬فاهلل هو الذي يول الليل يف ال هار ويول ال هار يف الليل‪ ،‬وهو الذي رفع السماء بغري‬

‫‪ -1‬الكفراوي ‪ :‬تاريخ الشعر العريب يف صدر اإلسالم وعصر ب أمية ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص‪.. 54‬‬
‫‪ -2‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 54‬‬
‫‪ -3‬شوقي ضيف ‪ :‬العصر اإلسالمي ‪ ،‬ص‪. 103‬‬
‫‪ -4‬ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ص ‪. 184‬‬

‫‪161‬‬
‫شعر الصحابة يف امليزان األخال قي والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫عمد ‪ ،‬وخلق اإلنسان خلقا معجزا ‪ ،‬فصور يف األرحام ماء مث نطفة ‪ ،‬وعظاما و ما ح صار لوقا‬
‫كامال جسدا وروحا وصوتا ولونا ومشاعر وأكرمه بالعقل ‪ ،‬فخلقه يف أحسن تقومي‪.‬‬
‫والباحث يف دالالت أفكار ال ص د مرجعيتها القرآن العظيم ‪ ،‬ألن الشاعر استوحى معانيه من‬
‫دالالت اآليات القرآنية ‪ ،‬ويف بعض األفكار يف األبيات يقتبس املفردات القرآنية كما هي‪ ،‬مما يوحي‬
‫بأن ال ابغة ا عدي قد عرف القرآن العظيم ومسعه من الرسول‪ ،‬وعرف ما مل من أفكار ومعاين‪،‬‬
‫وعرف مفرداته ودالالهتا‪.‬‬
‫ﭐ‬ ‫وهذا يع أن دالالت املعاين ال جاءت يف ال ص‪ ،‬دل عليها قوله تعا ‪:‬‬
‫‪[ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀‬سورة‬ ‫‪฀ ฀ ฀ ฀‬‬ ‫ﳖ ‪ ฀‬ﳘ ‪฀‬‬
‫الكهف اآلية ‪.]110‬‬
‫‪฀฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀‬‬ ‫وجل‪ :‬ﭐﭐ ‪ ฀‬ﲔ‬ ‫ودل عليها قوله عز‬
‫‪ [ ฀‬سورة الرعد اآلية ‪.]2‬وقوله‬ ‫[ سورة آل عمران اآلية ‪ .]27‬وقوله جل وعال‪ :‬ﭐ ‪฀ ฀ ฀‬‬
‫تبارك وتعا ‪ :‬ﭐ ‪[ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀‬سورة ا شر اآلية ‪. ]24‬‬
‫و د داللة سيد الشاعر ملراحل خلق اإلنسان مأخوذة من قوله تعا ‪ :‬ﭐ ‪฀ ฀ ฀ ฀‬‬
‫‪฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀‬‬ ‫‪ ฀‬ﲑ ‪ ฀‬ﲔ‬ ‫‪฀ ฀ ฀ ฀‬‬
‫[سورة املؤم ون اآليات ‪.]14.13.12‬ومن قوله تعا ‪ :‬ﭐﭐ ‪฀‬‬ ‫‪ ฀‬ﲨ ‪฀‬‬
‫‪ [ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀‬سورة يس اآلية ‪.]77‬‬ ‫‪฀ ฀ ฀‬‬
‫ومن خالل املرجعية القرآنية ال أصبحت مصدرا لإلهلام‪ ،‬وجد الشاعر يف القرآن العظيم مسلكا‬
‫ومعي ا أساسيا لتوضيح شريعة حياته ا ديدة‪ ،‬ف ـ ـ ـ ـ« بدا الشاعر املخضرم واضح العقيدة وضوح لغته‬
‫وشعر ‪ ،‬فلم يشأ أن يصل مببادئها إ درجات من التعقيد‪ ،‬بقدر ما اكتفى مبا أخذ عن اقت اع مما‬
‫دفعه إ ا هاد يف سبيل االنتصار لدين اهلل‪ ،‬وهو يصرح بذلك ويطرحه من م ظور دي ض‪،‬‬
‫يدحض به شريعة الغزو ورفض البطش ال شاعت يف ا اهلية‪ ،‬فإذا بال ابغة ا عدي نفسه يرفض‬
‫مطلب زوجته ال راحت ت اشد البقاء خوفا عليه من املوت‪ ،‬فيجيبها بأنه ال عذر له إن هو تقاعس‬
‫[البسيط]‬ ‫عن ا روج اهدا يف سبيل اهلل‪ ،‬وم فذا تعاليم الكتاب الكرمي »‪ ،1‬فقال‪:‬‬

‫‪ -1‬عبد اهلل التطاوي ‪ :‬حركة الشعر يف ظالل املؤثرات اإلسالمية ‪ ،‬ص ‪.16‬‬

‫‪162‬‬
‫شعر الصحابة يف امليزان األخال قي والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫الدمع يـَ ـ َهل من شأنيهما َسبَال‬ ‫و َّ‬ ‫بَاتَت تذكرين باهلل قاعدةٌ‬
‫كرها َوَهل أَمَـ َع َّن اهللَ ما فَـ َعال‬ ‫يا اب ةَ عمي كتاب اهلل أخرج‬
‫وإن قت بريب فابـتَغي بَ َدال‬ ‫فإن رجعت قرب ال اس يـَرجع‬
‫ض مل يستطع ح َوال ‪.1‬‬ ‫ضارعا من َ‬ ‫أو َ‬ ‫أعمى فَـيَـعذ َرين‬
‫ما ك ت أعر َج أو َ‬
‫وهذا ا س الفياض‪ -‬يف هذ املقطوعة‪ ،-‬والشعور العميق بواجب ا هاد املقدس مرتبط مبا دعا‬
‫ﭐﭐ ‪฀ ฀ ฀‬‬ ‫إليه القرآن العظيم وشرعه‪ ،‬فأخذ م ه الشاعر معجم معانيه‪ ،‬فكان مرجعه قوله تعا ‪:‬‬
‫‪฀฀ ฀‬‬ ‫‪[ ฀ ฀ ฀‬سورة التوبة اآلية ‪ .]111‬وقوله جل وعال ‪ :‬ﭐ ﭐ‬
‫[سورة البقرة اآلية ‪ .]216‬وقوله تعا ‪ :‬ﭐ ‪ ฀‬ﲔ ‪[ ฀฀ ฀ ฀‬سورة ا ج اآلية ‪ .]78‬وقوله‬
‫‪ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀‬ﱪ ‪[ ฀฀‬سورة الفتح اآلية‪ .]17‬وقوله‪ :‬ﭐ‬ ‫‪:‬ﭐ‬ ‫تعا‬
‫‪฀฀ ฀ ฀‬‬
‫ﭐ ‪[ ฀ ฀‬سورة ال ساء اآلية ‪.]75‬‬
‫وهكذا د أن ا س اإلسالمي قد امتد إ كل املوضوعات الشعرية‪ ،‬مدحا وهجاء ورثاء‪ ،‬فكان‬
‫الشعراء يعدون لكل موضوع ما يتطلبه من إعداد خاص‪،‬فكريا ولغويا‪ ،‬فاملواجهة بني شعراء اإلسالم‬
‫وشعراء املشركني‪ ،‬جعلت من عبد اهلل بن رواحة(ت‪8‬هـ)يشدد يف ذير أليب سفيان(ت‪20‬هـ) من‬
‫[الطويل]‬ ‫متاديه يف شركه‪ ،‬وبعد عن اإلسالم‪ ،‬فبشر بالعقاب يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫أنت مل لص سجودا وتسلَم‬ ‫لئن َ‬ ‫فَأَبلغ أبا سفيان إ َّما لقيته‬
‫وسربال قار خالدا يف جه م‪.3‬‬ ‫فبشر ز ٍي يف ا ياة َّ‬
‫معجل‬
‫إن توظيف الشاعر ملفردات‪ :‬سجود‪-‬إسالم‪ -‬جه م ‪ .‬ليبني أليب سفيان أن ا ياة ولغة ا ياة قد‬
‫‪[ ฀ ฀‬سورة ال جم‬ ‫ددت‪ ،‬وأنه استقى له هذ املعاين من قوله تعا ‪:‬ﭐﭐ ‪฀‬‬
‫اآلية ‪.]62‬‬
‫‪ ฀‬ﲑ‪ ฀ ฀‬ﲔ ‪[฀‬سورة الرعد اآلية ‪.]34‬‬ ‫وقوله تعا ‪ :‬ﭐ‬
‫ﲨ ‪[ ฀‬سورة إبراهيم اآلية ‪.]50‬‬ ‫‪฀‬‬ ‫‪:‬ﭐ‬ ‫وقوله تعا‬

‫‪ -2‬ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ص ‪.183‬‬


‫‪ -3‬عبد اهلل بن رواحة األنصاري ا زرجي شاعر الرسول‪ : ‬الديوان ‪ ،‬ص‪.17‬‬

‫‪163‬‬
‫شعر الصحابة يف امليزان األخال قي والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫مث ا ه سلوك الشاعر املسلم إ الطابع اإلسالمي ا ديد ‪ ،‬بعيدا عن العدوان أو امليل إ البطش‪،‬‬
‫فقال حسان قصيدته "اهلمزية" يمدح هبا الرسول‪‬قبل فتح مكة ‪ ،‬ويهجو أبا سفيان بن ا رث ‪ ،‬يف‬
‫[الطويل]‬ ‫صورة هجائية روحها السخرية وشدة التهكم ردا على هجائه للرسول‪: ‬‬
‫ذاك ا ََزاء‬
‫وع َد اهلل يف َ‬ ‫ت ّمدا فأجبت ع ه‬ ‫َه َجو َ‬
‫فَ َشرك َما ريكما الف َداء‬ ‫لست لَهَ بكف ٍء‬ ‫أَتَـهجو و َ‬
‫يمتَه ال َوفَاء‬
‫ني اهلل ش َ‬
‫أَم َ‬ ‫ت مباركا بـًَّرا َح بفا‬
‫َه َجو َ‬
‫َس َواء‪.1‬‬ ‫وَمي َدحه َويـَ صر‬ ‫رسول اهلل م كم‬
‫فَ َمن يـَهجو َ‬
‫ونالحظ يف هذ القصيدة الرائعة‪ ،‬ال استطاع حسان من خالهلا أن مع فيها بني مدح الرسول‬
‫‪ ،‬مبا وجب مدحـ ـه بكل الصفات ال أرادها اهلل أن تك ـ ـون فيه ويف األنبياء‪ ،‬ومبا استلزم أن تك ـ ـ ـون‬
‫صيغة الرد على أيب سفيان من سخرية وهتكم‪ ،‬أما الصفات ال مدح به الرسول‪ ،‬يف األبيات‪ ،‬هي‪:‬‬
‫أمني ‪ -‬الوفاء‪ .‬وهي صفات من املعجم القرآين ‪ ،‬مدح اهلل هبا أنبياء ‪ ،‬املدح‬
‫مبَ َاركا ‪ -‬البَـر ‪َ -‬ح يفا ‪ٌ -‬‬
‫املقرون باإلعجاز‪ ،‬الذي ال ميكن أن يوصف به بشر‪ ،‬وقد مدح الرسول‪ " ‬بالمبارك" وهي صفة من‬
‫املدائح القرآنية‪ ،‬فذكر اهلل عز وجل يف وصف عيسى ‪ ‬بأنه مبارك فقال‪ :‬ﭐﭐ ‪฀ ฀ ฀ ฀ ฀‬‬
‫‪[ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀‬سورة مرمي اآلية ‪ ،]31‬وقال تعا عن‬
‫‪[ ฀‬سورة آل عمران‬ ‫بيته ا رام ‪ :‬ﭐﭐ ‪฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀‬‬
‫‪฀฀‬‬ ‫اآلية ‪ ،]96‬وأما لفظة " الْبَ ر " فهي من األلفاظ القرآنية‪ ،‬قال تعا ‪ :‬ﭐﭐ ‪฀ ฀ ฀ ฀‬‬
‫‪[ ฀ ฀ ฀ ฀‬سورة الطور اآلية ‪ ،] 28‬أما صفة " الح يف" فهي من الصفات الكرمية ال‬
‫أضفاها اهلل على ال يب إبراهيم ‪ ‬فقال تعا ‪ :‬ﭐ ‪฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀฀ ฀ ฀‬‬
‫‪[ ฀ ฀ ฀‬سورة آل عمران اآلية ‪ ،]95‬كما وصف هبا دين ال يب إبراهيم ‪ ،‬قال‬
‫‪ [ ฀ ฀‬سورة البقرة اآلية ‪ ،]135‬وهي‬ ‫‪฀฀‬‬ ‫تعا ‪ :‬ﭐﭐ ‪฀ ฀ ฀ ฀‬‬

‫‪ - 1‬شرح ديوان حسان بن ثابت األنصاري ‪ ،‬ص ‪. 61‬‬

‫‪164‬‬
‫شعر الصحابة يف امليزان األخال قي والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫‪฀‬‬ ‫الصفة ال أضفاها اهلل جل وعال على نبيه مد ‪‬واختصه هبا‪ ،‬فقال تعا ‪ :‬ﭐ‬
‫ﲔ ‪฀ ฀‬‬ ‫ﲨ ‪ ฀‬ﲪ ‪ ฀‬ﲬ ‪[ ฀‬سورة الروم اآلية ‪ ،]30‬وقال تعا ‪ :‬ﭐ ‪ ฀‬ﲑ ‪฀ ฀‬‬
‫[سورة األنعام اآلية‪،]161‬‬ ‫‪฀ ฀ ฀ ฀ ฀‬‬
‫وأما صفة " أمين "فهي من الصفات اإلهلية القرآنية ال اختص هبا نبيه مد‪ :‬قال تعا على‬
‫[سورة الدخان اآلية ‪،]18‬‬ ‫لسان نبيه موسى ‪ :‬ﭐ ‪฀ ฀ ฀ ฀฀ ฀ ฀ ฀ ฀‬‬
‫[سورة الشعراء اآليات‪،107‬‬ ‫وخاطب اهلل تعا البشرية على لسان نبيه مد‪ ‬ﭐﭐ‬
‫‪.]193،178 ،162 ،143 ،125‬‬
‫أما "الوفاء" فهو من الصفات القرآنية ال ميز هباﭐﭐ ‪฀ ฀ ฀ ฀ ฀‬‬
‫[سورة‬ ‫‪฀ ฀‬‬ ‫[سورة الرعد اآلية ‪،]5‬وقال تعا ع هم‪ :‬ﭐ ‪฀ ฀ ฀‬‬
‫اإلنسان اآلية ‪.]7‬‬
‫فهذ الصفات ال ذكرت يف شعر حسان وخص هبا الرسول‪ ،‬ليعلم أبو سفيان أن هجاء‬
‫للرسول ال يضر ‪ ،‬وأن مدحه له ال ي فعه‪ ،‬فإنه مذكور قي القرآن العظم ممدوح فيه مبا أراد اهلل له ذلك‪.‬‬
‫فوقف حسان يف معركة الدفاع عن الدين ا ديد‪ ،‬ونبيه ‪ ‬س إسالمي‪ ،‬يشهد له ما وظفه يف مشهد‬
‫املواجهة من قوة األفكار‪ ،‬وجديد معانيها وبعدها الفكري‪ ،‬وأثرها العميق يف املهجوين من املشركني «‬
‫وهذ املعاين اإلسالمية ا ديدة مل تكن لتوجد يف صور الدفاع يف شعر اهلجاء ا اهلي‪ ،‬لكن حسان‬
‫ابن ثابت‪ ،‬ضم ها يف شعر دفاعا عن رسول اهلل ‪ ،‬وهو يف معرض اهلجاء املوجه للمشركني آنذاك‪،‬‬
‫وه ا د الشاعر يفدي رسول اهلل ‪‬بروحه‪ ،‬وماله وعرضه وأهله‪ ،‬وهذا هو الشيء ا ديد يف الشعر‬
‫اإلسالمي‪ ،‬و اصـ ـة يف معرض هجاء ا صـ ـوم‪ ،‬والدفــاع عن صاحب الدعـوة اإلسالمية مد‬
‫[الطويل]‬ ‫‪ .1»‬فتجسد هذا ا س اإلسالمي يف قول حسان حني أجاب أباسفان بن ا رث‪:‬‬
‫ذاك ا ََزاء‬
‫وع َد اهلل يف َ‬ ‫ت مدا فأجبت ع ه‬
‫َه َجو َ‬
‫ٍ‬
‫مد م كم وقَاء‪.2‬‬ ‫لعرض‬ ‫إن أيب ووالـد وعرضي‬‫فَ َّ‬

‫‪ -1‬مود حسن زي ‪ :‬دراسات يف أدب الدعوة اإلسالمية‪ ،‬ص ‪. 281‬‬


‫‪ - 2‬شرح ديوان حسان بن ثابت األنصاري ‪ ،‬ص ‪. 61‬‬
‫‪ -3‬ابن رشيق ‪ :‬العمدة ‪,‬ج‪ ، 1‬ص ‪. 45‬‬

‫‪165‬‬
‫شعر الصحابة يف امليزان األخال قي والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫وملا مسع الرسول ‪‬جواب وتضحية حسان« قال له‪ :‬جزاؤك ا ة ع د اهلل يا حسان ‪ .‬وقال له‪ :‬وقاك‬
‫اهلل حر جه م »‪ "،3‬فقضى له با ة مرتني يف ساعة واحدة‪ ،‬وسبب ذلك شعر "‪ ،‬كما قال ابن رشيق‪.‬‬
‫أما جانب العقيدة فقد جسد عبد اهلل بن رواحة مبادئها يف سلوكه‪ ،‬وعرب عن حسه العقدي ممثال‬
‫[الطويل]‬ ‫يف إميانه بوعد اهلل ‪ -‬وأن مصري الكافرين ال ار‪ -‬فقال لزوجته*‪:‬‬
‫و َّ‬
‫أن الَّ َار مثوى ال َكافري ا‬ ‫شهدت َّ‬
‫بأن َوع َد اهلل َحق‬
‫وفوق العرش رب ال َعاملي ا‬ ‫فوق املاء ٍ‬
‫طاف‬ ‫العرش َ‬ ‫و َّ‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫أن َ‬
‫مالئكة اإلله م َس َّومي ا‪.4‬‬ ‫َوَ مله مالئكةٌ شدا ٌد‬
‫فداللة األبيات تعكس تشبع عبد اهلل بن رواحة بروح القرآن العظيم ‪ ،‬من خالل قوله تعا ‪ :‬ﭐﭐ‬
‫‪[ ฀ ฀ ฀‬سورة يونس اآلية ‪ .]55‬وقوله جل ث اؤ ‪ :‬ﭐ ﭐ ‪฀ ฀ ฀ ฀ ฀‬‬
‫‪[ ฀฀‬سورة هود اآلية‪.]7‬وقوله‬ ‫[سورة ا اقة اآلية ‪.]17‬وقوله‪ :‬ﭐ ‪฀ ฀‬‬ ‫‪฀‬‬
‫[سورة األعراف األية ‪ .]206‬وقوله‪:‬‬ ‫‪฀ ฀ ฀‬‬ ‫تعا ‪ :‬ﭐﭐ ‪฀ ฀ ฀ ฀‬‬
‫‪[ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀‬سورة التحرمي اآلية ‪.]6‬‬ ‫ﭐﭐ ‪฀ ฀ ฀ ฀‬‬
‫وقد أدى اوب شعراء العصر من خالل متك هم من املعجم الشعري ذي ال زعة القرآنية ‪ ،‬مع كل‬
‫املواضيع ال كانت تطرح عليهم‪ ،‬فبعد الصور ال نسجها حس الشعراء يف مدحهم وفخرهم بالرسول‬
‫‪ ،‬فإن ا د يف موضوع رثاء الرسول ‪ ،‬وا لفاء الراشدين– رضي اهلل ع هم‪ -‬تتشكل صور ذات‬
‫مالمح متميزة تعرب عن حسهم وتأملهم لفقد قائدهم‪ ،‬فحسان بن ثابت يف قصيدته " الدالية " ال رثى‬
‫فيها الرسول ‪‬قد اعتمد يف ذلك على معاين استمدها من القـرآن العظيم‪ ،‬الذي أصبح معجمه‬
‫[الطويل]‬ ‫الشعري‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫م ٌري وقد تَـعفو الرسوم وتَـه َمد‬ ‫بطَيبَةَ َرس ٌم للرسول ومعهد‬

‫*جاء يف الديوان‪ ،‬إن لعبد اهلل بن رواحة «قصة مع زوجته حني وقع على أمته‪ ،‬مشهورة‪...‬وكانت ال فظ القرآن‪،‬والتقرأ ‪...‬كانت البن رواحة جارية‬
‫يستسرها سرا عن أهله فبصرت به امرأته يوما قد خال هبا‪ ،‬فقالت‪ :‬اخرتت أمتك على حرتك‪ ،‬فجاحدها ذلك‪ ،‬فقالت له ‪:‬إن ك ت صادقا فاقرأ آية‬
‫من القرآن‪ -‬وكان قد حلف أال يقرأ قرآنا وهو ج ب‪ ،-‬فقال‪ :‬البيت األول‪ ،‬فقالت‪ :‬زدين آية أخرى‪ ،‬فقال‪ :‬البيت الثاين‪ ،‬فقالت زدين آية أخر ى‬
‫فقال‪ :‬البيت الثالث‪ ،‬فقالت‪ :‬آم ت باهلل وكذبت البصر‪ ،‬فأتى ابن رواحة رسول اهلل ‪ ،‬فحدثه بذلك فضحك ومل يغري عليه »‪.‬‬
‫‪ -‬عبد اهلل بن رواحة ‪ :‬الديوان ‪ ،‬احملقق ‪ :‬هامش ص ‪.106‬‬
‫‪ -4‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ض ‪. 106‬‬

‫‪166‬‬
‫شعر الصحابة يف امليزان األخال قي والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫هبا م بَـر اهلادي الذي كان يَص َعد‬‫َوالَ تَـ َمحي اآليات من دار حرَم ٍة‬
‫صلَّى َوَمسجد‬ ‫آيات وباقي َم َع ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ورب ٌع له فيه م َ‬ ‫َ‬ ‫امل‬ ‫َوَواضح‬
‫ضاء َويوقَد‬ ‫ور يستَ َ‬‫م َن اهلل ن ٌ‬ ‫ات كان يـَ زل َوسطَ َها‬ ‫هبا حجَر ٌ‬
‫فظلت آلالء الرسول تـ َعدد‬ ‫م َف َّج َعةٌ قد َش َّف َها فَـقد أَح ٍد‬
‫الرشيد امل َس َّدد‬
‫الد ثَوى فيها َّ‬‫ب ٌ‬ ‫قرب الرسول وبوركت‬ ‫كت يا َ‬ ‫فبور َ‬
‫ات فيه َ َّمد‬ ‫ٍ‬ ‫وهل َع َدلَت يوما رزيَّة هال ٍ‬
‫َرزيََة يَوم َم َ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وقد كان ذا نوٍر يغور َويـ جد‬ ‫تَـ َقطَّ َع فيه م زل الوحي َع ـهم‬
‫يص على أن يَستَقيموا َويـَهتَدوا‬
‫حر ٌ‬ ‫عز ٌيز عليه أن يدوا عن اهل َدى‬
‫الدهَر َدم َعك َ َمد‬‫والَ أَعرفَـ ك َّ‬ ‫رسول اهلل يا عني َعبـَرة‬
‫َ‬ ‫فَـبَكي‬
‫يامة يـف َقد ‪.1‬‬ ‫ٍ‬
‫وال مثـله ح الق َ‬ ‫مد‬ ‫مثل‬
‫وما فَـ َق َد املاضو َن َ‬
‫ففي هذ القصيدة يتجلى ل ا صدق انفعال حسان يف حزنه الشديد على وفاة الرسول ‪ ،‬فبكا‬
‫بأمل وحرقة يف لوحة ذات أبعاد مجالية م قطعة ال ظري‪ ،‬وقد « بدأ هذ اللوحة ه ا بعرض جغرايف‬
‫له قداسته من ذلك‪ :‬الرسم والمعهد الدي بطيبة‪ ،‬وما كان من م بر الهادي ‪ ،‬وصعود عليه ‪ ،‬وما‬
‫كان من المصلى والمسجد‪ ،‬والحجرات ال عاش فيها ال يب‪ ‬يتدارس القرآن‪ ،‬ويتلقى دستور‬
‫املسلمني ويلق هم إيا ‪ ،‬فما كان سان أن يعرض الصورة إال من خالل تلك املقومات اإلسالمية ال‬
‫رمز هبا إ العبادات وشعائر الدين ‪ ،‬يوم أن كان يقوم عليها رسول اهلل ‪ ‬يبدأ البكاء على ما فقد‬
‫السلمون »‪.2‬‬

‫‪ -1‬شرح ديوان حسان بن ثابت األنصاري ‪ ،‬ص ‪ 142‬وما بعدها‪.‬‬


‫وي ظر‪ :‬ابن هشام‪ :‬سرية ال يب‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪ 346‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ -1‬عبد اهلل التيطاوي ‪ :‬حركة الشعر يف ظالل املؤثرات اإلسالمية ‪ ،‬ص ‪.1‬‬
‫‪ -2‬ابن هشام ‪:‬سرية ال يب ‪ ،‬ج‪ ، ،3‬ص ‪. 291‬‬
‫‪ -3‬نقال عن‪ :‬كعب بن مالك‪ :‬الديوان‪ ،‬ص‪.119‬‬
‫‪ -‬قيس بن ا طيم‪ :‬الديوان ‪ ،‬قيق‪ :‬ناصر الدين األسد ‪ ،‬املدين القاهرة‪ ،‬ص‪.34‬‬
‫‪ -4‬نقال عن ‪:‬كعب بن مالك الديوان ‪ ،‬ص ص ‪.120 -119‬‬

‫املفضل بن مد بن يعلى الضيب ‪ :‬املفضليات ‪ ،‬قيق وشرح ‪ :‬أحد مد شاكر وعبد السالم مد هارون ‪ ،‬ط‪ ،ϴ‬القاهرة ‪ ،‬دار املعارف ‪،‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪167‬‬
‫شعر الصحابة يف امليزان األخال قي والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫وما زاد يف مجال هذ اللوحة ‪ ،‬ما وظفه الشاعر من مفردات تعكس يف جوهرها البعد الروحي‬
‫ياة املسلمني ‪ ،‬وهي ‪ :‬الرسول‪ -‬معهد‪ -‬اآليات‪ -‬امل ري‪ -‬اهلادي‪ -‬ا رمة‪ -‬املصلى‪ -‬املسجد‪-‬‬
‫ا جرات‪ -‬نور اهلل‪ -‬قرب الرسول‪ -‬ال يب‪ -‬الرشيد‪ -‬الوحي‪ -‬اهلدى‪ -‬االستقامة‪ -‬القيامة ‪ ،‬وهي‬
‫مفردات ذات دالالت جديدة عرب الشاعر من خالهلا على الروح الدي ية والثقافية للعصر ‪ .‬وهي ألفاظ‬
‫جديدة مل يألفها العريب من قبل ‪ ،‬بل أحدثها القرآن العظيم ‪ ،‬الذي أخذ م ه الشاعر حسان معجمه‪.‬‬
‫أما من حيث تأثري وتعلق شعراء اإلسالم باملوروث ا اهلي‪ ،‬فمن دون شك أن ثة تأثريات‬
‫واضحة يف شعرهم ‪ ،‬فلم يكونوا ليتخلصوا من ذلك يف فرتة وجيزة‪ ،‬ويف قصائد كعب بن مالك ما يدل‬
‫على أن لشعر صلة باملوروث الشعري ا اهلي ‪ ،‬فكان يوظف بعض التعبريات ذات املعاين ا اهلية ‪،‬‬
‫[الطويل]‬ ‫ففي القصيدة "القافية" بعض املعاين ورد ذكرها يف شعر الشعراء ا اهليني مثل قوله‪:‬‬
‫قدما ونلحقها إذا مل تَـل َحق‪.2‬‬ ‫السيوف إذا قَصر َن طونَا‬
‫َ‬ ‫نَصل‬
‫[الطويل]‬ ‫فاملع مذكور يف قول قيس بن ا طيم ‪:‬‬
‫ضارب‪.3‬‬
‫أعدائ ا فَـ َ‬ ‫خطانا إ‬ ‫إذا قَصَرت أَسياف ا كان َوصل َها‬
‫[الطويل]‬ ‫واملع نفسه مذكورا يف قول األعشى بن شهاب التغليب‪:‬‬
‫ضارب‪.4‬‬
‫الذين ن َ‬
‫خطانا إ القوم َ‬ ‫وإن قَصر َن أسياف ا كان َوصل َها‬
‫[الوافر]‬ ‫ومما قاله كعب حني أمجع الرسول – عليه الصالة والسالم ‪ -‬املسري إ الطائف ‪:‬‬

‫بساحة داركم مَّا ألوفَا‪.1‬‬ ‫فلست اضن إن مل تَـَروَها‬

‫‪ϭϵϴϯ‬م ‪ ،‬ص ‪.ϮϬϳ‬‬


‫‪ -1‬كعب بن مالك الديوان ‪ ،‬ص‪.188‬‬
‫– وي ظر‪ :‬ابن هشام ‪:‬سرية ال يب ‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.154‬‬
‫‪ -2‬نقال عن‪ :‬كعب بن مالك األنصاري ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص‪.120‬‬
‫‪ -‬قيس بن ا طيم‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص‪.121‬‬
‫‪ -3‬نقال عن ‪ :‬كعب بن مالك األنصاري‪ :‬الديوان‪ ،‬ص‪. 119‬‬
‫‪ -‬أبو العباس مد بن يزيد الثما األزدي ‪ :‬الفاضل‪ ،‬دار الكتب املصرية‪1956 ،‬م‪،‬ص ‪.12‬‬
‫* القصيدة يف الديوان من تسع وأربعني (‪ )49‬بيتا ‪ ،‬ص‪ 180‬وما بعدها ‪.‬‬
‫‪ -4‬ابن هشام ‪:‬سرية ال يب ‪ ،‬ج‪،3‬ص ‪. 89‬‬

‫‪168‬‬
‫شعر الصحابة يف امليزان األخال قي والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫[الوافر]‬ ‫د ما يشبه مع الشطر األول م ه يف شعر قيس بن ا طيم يف قوله‪:‬‬


‫َالدكم كأنا شرب ََخر‪.2‬‬ ‫فلست اضن إن مل تَـَرونَا‬
‫فهذ صورة عن بعض املعاين ال كان الشعراء املسلمون قد وظفوا يف أشعارهم‪ ،‬وهي من املعاين‬
‫ال كانت متداولة يف قاموس الشعراء ‪ ،‬وهي مع ذلك مل بني طياهتا بعض معاين الفخر ا اهلي ‪،‬‬
‫وكعب بن مالك واحد من الشعراء املخضرمني الذي كان ملما هبذا املوروث الشعري ‪.‬‬
‫وهلذا كان رسول اهلل ‪ ،‬حريصا على توجيه الشعراء إ املعاين اإلسالمية ‪ ،‬ليغرس فيهم ا س‬
‫اإلسالمي ا ديد ‪ ،‬ويغ يهم عن تعلقهم باملوروث ا اهلي‪ ،‬وم هم كعب بن مالك ‪ ،‬فـ ـ ـ ـ« قد ثبت أن‬
‫رسول اهلل ‪ ،‬كان يثقف له بعض شعر ويرشد إ املعاين اإلسالمية ‪ ،‬وكان كعب يفتخـر هبذا القول‪:‬‬
‫ما أعان رسول اهلل ‪،‬أحدا يف شعر غريي »‪.3‬‬
‫والرسول‪ ،‬كان يسمع لشعرائه‪ ،‬وكان ال يرضى م هم التعلق بكل ماله داللة وتقليد جاهلي‪ ،‬من‬
‫ذلك أن كعب بن مالك قال قصيدته* " العي ية " من ثانية وأربعني بيتا (‪ )48‬بيتا يف غزوة أحد‬
‫[الطويل]‬ ‫« يب هبرية بن أيب وهب ومما قاله‪:‬‬
‫م َد َّربَة فيها ال َق َوانس تَـل َسع »‪.4‬‬ ‫ََالدنَا َعن دي ا ك َّل فَخ َم ٍة‬
‫قال ابن هشام ‪« :‬وقد كان كعب بن مالك قد قال ‪:‬‬
‫ل فَخم ٍة *‬
‫* ََالدنَا َعن جذم ا ك َّ َ‬
‫فقال رسول اهلل ‪ ":‬أيصلح أن نقول‪ :‬الدنا عن دي ا" ؟ قال كعب‪:‬نعم‪ ،‬فقال رسول اهلل‪: ‬‬

‫" فهو أحسن " فقال كعب‪ :‬الدنا عن دي ا »‪.1‬‬

‫‪ -1‬ابن هشام ‪:‬سرية ال يب ‪ ،‬ج‪ ، 3‬ص ص ‪. 96 -95‬‬


‫‪ -2‬عبد ا واد مد احملص ‪ :‬األحاديث ال بوية عن الشعر والشعراء يف مصادر ا ديث والسرية واألدب‪ ،‬األزهر‪ ،‬دار املعرفة‪2002 ،‬م‪ ،‬ص‪.14‬‬
‫‪ -3‬كعب بن مالك ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص‪. 119‬‬
‫‪ -4‬ابن هشام ‪:‬سرية ال يب ‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ص ‪. 290 -289‬‬
‫وي ظر‪ :‬كعب بن مالك‪ :‬الديوان‪ ،‬ص ص ‪. 153 -152 -151‬‬

‫‪169‬‬
‫شعر الصحابة يف امليزان األخال قي والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫ف الحظ أن ال يب الكرمي‪ ،‬يريد لشعر كعب أن ي صب يف الدعوة اإلسالمية وما مل من معاين‪ ،‬لذا‬
‫« غري بعض ألفاظ ال ص لي سجم مع األهداف العامة ‪ ،‬وكانت غايته من هذا التغيري أن الدفاع عن‬
‫ا ذم جاهلية ‪ ،‬بي ما الدفاع عن الدين غاية إسالمية مطلوبة من صاحب هذا ال ص »‪.2‬‬
‫وكان األمر « طبيعيا أن ال يرضى رسول اهلل‪ ، ‬لكعب أن عل فخر بال سب ‪ ،‬ألن ذلك من‬
‫رواسب ا اهلية ال هنى ع ها اإلسالم ‪ ،‬وألن اإلسالم إمنا شرع القتال للدفاع عن الفكرة والعقيدة ‪،‬‬
‫ال األصل وال سب »‪.3‬‬
‫ويف الفرتة من غروة أحد[‪3‬هـ ‪65‬م] إ غزوة ا دق[‪5‬هـ ‪625‬م] د أن معاين الشعر ع د‬
‫كعب قد تطورت وارتقت إ أعلى مستواها الفكري ‪ ،‬ودل هذا على تطور اهلجاء ‪ ،‬وفق التجاوب‬
‫السريع مع توجيهات الرسول‪‬له إ املعاين اإلسالمية ‪ ،‬فقد قال كعب قصيدة من واحد وعشرين‬
‫(‪ ) 21‬بيتا ‪ ،‬يب هبا عبد اهلل بن الزبعرى عما قاله يف يوم ا دق هاجيا قريشا ‪ « ،‬قال ابن هشام‪:‬‬
‫[الكامل]‬ ‫ملا قال كعب بن مالك‪:‬‬
‫ب الغَالَّب‬‫ب مغَالـ َ‬
‫ب َربـَّ َها فَـلَيَـغل َ َّ‬
‫جاءت سخي ة َكي تغال َ‬
‫قال رسول اهلل‪ " :‬لقد شكرك اهلل يا كعب على قولك هذا " »‪.4‬‬
‫فهذ هي املعاين ال كان صاحب الدعوة يريدها من شعرائه أن يبلغوها إ قريش‪ ،‬فبلغت معاين‬
‫هذ القصيدة وم ها هذا البيت ديدا ‪ ،‬مبلغا رضي ع ه اهلل ورسوله ‪ ،‬ونال من خالله الشاعر كعب‬
‫فخر الشكر من ع د اهلل ‪ ،‬وهذا يدل على أن شعراء املدي ة قد فقهوا توجيهات الرسول ‪‬ودالالت‬
‫أبعادها الفكرية والف ية ‪ ،‬فأصبحت ارهبم الف ية تبلغ مقصدها يف نفيسة املشركني يف أبلغ صورها‪.‬‬
‫وهذا التطور الف يف القصيدة املوروثة‪ ،‬يعكس بكل تأكيد رغبة شعراء املدي ة يف ديـد قاموسهم‬
‫الفكري‪ ،‬وترسيخ ثقافة ف ية جديدة‪ ،‬وفق ا اههم الدي ا ديد‪ ،‬وهذا بفضل جهود الرسول‪،‬‬
‫الذي كان يالحظ ويوجه الشعراء إ ترك التشبث باملوروث ا اهلي وتقليد ‪ ،‬وكان الشاعر اإلسالمي‬
‫يتجاوب مع ثقافة العصر اوبا قويا‪ « ،‬يسجل ما يستطيع من مالمح إميانية بالدعوة من م طق اإلق اع‬
‫هبا من جانب‪ ،‬وا وف من عقاب اهلل من جانب آخر »‪.1‬‬

‫‪ -1‬عبد اهلل التطاوي ‪ :‬حركة الشعر يف ظالل املؤثرات اإلسالمية ‪ ،‬ص ‪.13‬‬
‫‪ -2‬ابن هشام ‪ :‬سرية ال يب ‪ ،‬ج‪ ، 4‬ص ‪. 149‬‬

‫‪170‬‬
‫شعر الصحابة يف امليزان األخال قي والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫هذ صورة عن ا س اإلسالمي يف شعر الصحابة الذين أسلموا بعد اهلجرة وقبل الفتح‪ ،‬و سد يف‬
‫قصائد املدح والفخر والرثاء ‪ ،‬فظهر هذا ا س يف ف هم مبا يعكس ثقافة عصرهم ا ديد ‪.‬‬
‫ترى ما هي صورة ا س اإلسالمي يف شعر الصحابة الذين أسلموا بعد الفتح ؟‬
‫‪ -2‬شعر الصحابة في الميزان الف ي ‪:‬‬
‫إن ثة عدد كثري من الشعراء املخضرمني ممن أدركوا مبعث الرسول‪ ‬ومل يدخلوا يف اإلسالم ‪ ،‬وملا‬
‫وقف زعماء قريش ضد الرسول ورسالته ‪ ،‬اختار الشعراء البقاء يف ك ف الوث ية ‪ ،‬و ت سلطة القبيلة‪،‬‬
‫فوقف أبوسفيان بن ا رث‪ ،‬وأبوهبرية بن وهب‪ ،‬وعبد اهلل بن الزبعرى‪ ،‬وأمية بن أيب الصلت الثقفي‪،‬‬
‫وكعب بن زهري‪ ،‬وأنس بن زنيم وغريهم‪ ،‬ضد الدعوة يهجون الرسول ‪ ‬واملسلمني‪ ،‬فأهدر الرسول دم‬
‫عدد من الشعراء‪ ،‬وقاتل زعماء قريش‪ ،‬وبقي الصراع قائما إ أن مت فتح مكة ومت نصر املسلمني‪ ،‬ومل‬
‫د الشعراء رجا ألنفسهم‪ ،‬فتفرقوا هاربني يف األرض يف كل وجه‪ ،‬وملا مت األمر للرسول‪ ،‬جاءته‬
‫الشعراء تائبني معتذرين طالبني العفو واألمان‪ ،‬فأم هم الرسول ‪ ،‬ودخلوا يف اإلسالم‪ ،‬ومدحو وأث وا‬
‫عليه يف قصائد اعتذاريه‪ ،‬بعض هذ القصائد أخذت شهرة رمزية تار ية وهي قصيدة " الربدة " لكعب‬
‫بن زهري‪ .‬وسخر الشعراء شعرهم لذكر ما يعرفونه عن الرسول‪ ،‬من صفات حيدة‪ ،‬وأخالق كرمية ‪،‬‬
‫ووفاء وبر‪ ،‬وغري ذلك ‪ ،‬وعربوا عن حسن نية إسالمهم‪ ،‬إال أن كعب بن زهري أسلم يف( ‪ 8‬ه) « ملا‬
‫قدم رسول ‪ ،‬من م صرفه من الطائف »‪. 2‬‬
‫واملعروف أن الصحابة الشعراء الذين أسلموا قبل الفتح‪ ،‬أهنم مل تكن هلم صلة بالقرآن العظيم‪،‬‬
‫وبالرسول‪ ،‬إال عن طريق العداوة هلما‪ ،‬وبالتا مل يؤثر اإلسالم يف شعرهم‪ ،‬وهلذا ع دما ن ظر يف‬
‫شعرهم الذي قالو بعد إسالمهم‪- ،‬أي‪ -‬بعد الفتح ‪ ،‬دهم مازالوا افظني على التقاليد الشعرية‬
‫ا اهلية‪ ،‬ألهنم حديثو العهد باإلسالم‪ ،‬ومع ذلك دهم قد وظفوا بعض املعاين اإلسالمية القليلة يف‬
‫شعرهم‪ ،‬وهذا ال يدل على أهنم تثقفوا بالثقافة اإلسالمية‪ ،‬وإمنا توظيفهم للمعاين واملفردات اإلسالمية‪،‬‬
‫ال يعدو أن يكون إال نتيجة ملا كانوا يسمعونه عن صفات الرسول‪ ،‬من مودة ورحة وبر ومغفرة‬
‫وتسامح ووفاء بالعهد‪ ،‬وبعد أن تطورت نظرهتم لإلسالم‪ ،‬وأدركوا قضايا و سسوا ذلك يف أشعارهم‪.‬‬
‫أ‪ -‬وكان من الشعراء املعتذرين للرسول‪ ،‬كعب بن زهري املزين (ت ‪645‬م)‪ ،‬و« فيما يتعلق‬
‫سن إسالم كعب وصدق إميانه ‪ ،‬فإن حاله يف هذا كحال سائر الشعراء املخضرمني‪ .‬فما وصل ا من‬

‫‪171‬‬
‫شعر الصحابة يف امليزان األخال قي والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫أخبارهم وما أثر ع هم من شعر‪ ،‬ال يقطع أبدا يف هذ املسألة سلبا أو إ ابا‪ .‬فحقيقة مواقفهم اإلميانية‬
‫تظل قائمة يف ضمائرهم وسائر نفوسهم‪ ،‬ومهما جهد الباحث فإنه لن يصل إ رأي حاسم يف هذا‬
‫املوضوع‪ ،‬وإن ك ا يف هذا ا صوص منيل بإ ابية إ شعراء ال يب‪ ،‬ويف مقدمتهم حسان بن ثابت‪،‬‬
‫وكعب بن مالك‪ ،‬وأصحاب املقطعات الذين اتصلوا بأحداث اإلسالم اتصاال حيمـا‪ ،‬فأبلوا بالء حس ا‬
‫يف الذب عن الدين ا ديد ‪ ،‬بسيوفهم حي ا‪ ،‬وشعرهم أحيانا »‪.1‬‬
‫وقد أدرك أب اء زهري كعب و ري اإلسالم‪ « ،‬وأتى ري ال يب ‪ ‬فأسلم فكتب إليه كعب‪[:‬الطويل]‬
‫قلت بال حيف َهل لَ َكا‬ ‫لك فيما َ‬
‫فهل َ‬ ‫ريا رسالة‬ ‫أَالَ أبلغا َع‬
‫فأهنلك املأمون م ها َو َعلَّ َكا‬ ‫ٍ‬
‫مد‬ ‫ٍ‬
‫بكأس ع َد آل‬ ‫ت‬
‫َ‬ ‫س َقي َ‬
‫ب َغ َري َك َدلَّ َكا‬ ‫ٍ‬
‫على أَي شيء َوي َ‬ ‫أسباب اهل َدى وتبعته‬
‫َ‬ ‫فخالفت‬
‫َ‬
‫فبلغ رسول اهلل ‪ ‬شعر هذا فتوعد ونذر دمه‪ ،‬فكتب ري إ كعب رب بأن رسول اهلل‪، ‬‬
‫قتل رجال ممن كان يهجو ‪ ،‬وأنه مل يبق من الشعراء الذين كانوا يؤذونه إال ابن الزبعرى السهمي وهبرية‬
‫ابن أيب وهب املخزومي وقد هربا م ه‪ ،‬فإن كانت لك يف نفسك حاجة فأقدم عليه ‪ ،‬فإنه ال يقتل أحدا‬
‫أتا تائبا ‪ .‬وإن أنت مل تفعل فانج ب فسك‪ ،‬فلما ورد عليه الكتاب ضاقت عليه األرض برحبها‪،‬‬
‫[البسط]‬ ‫وأرجف به من كان ضرته من عدو ‪ ،‬فقال قصيدته ال أوهلا‪:‬‬
‫اليوم َمتبول"‬
‫فقليب َ‬
‫"بَانَت سعاد َ‬
‫وفيها يقول ‪:‬‬
‫والعفو ع َد رسول اهلل َمأمول‬ ‫رسول اهلل أوعدين‬
‫أن َ‬ ‫نـبئت َّ‬
‫مث أتى رسول اهلل‪ ‬فوضع يد يف يد ‪ ،‬وأنشد شعر فقبل توبته وعفا ع ه وكسا بردا »‪.2‬‬

‫‪ -1‬حبيب يوسف مغ ية ‪ :‬األدب العريب من ظهور اإلسالم إ هناية العصر الراشدي (‪1‬هـ ‪ 40‬هـ) ‪،‬دراسة وصفيةنقدية ‪،‬ط‪ ،1‬بريوت ‪ ،‬لب ان ‪ ،‬دار‬
‫ومكتبة اهلالل ‪1995 ،‬م ‪،‬ص ص‪.263 -262‬‬
‫‪ -1‬ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ص ‪. 76‬‬
‫‪ -2‬ابن هشام ‪ :‬سرية ال يب ‪ ، ‬ج‪ ، 4‬ص ‪. 152‬‬
‫*جاء يف كتاب"يف األدب ا اهلي"‪" :‬على أن األعوام األخرية أظهرت ديوانا لكعب عليه تعليقات ثعلب واألحول ت شر دار الكتب املصرية"‪.‬ويبدو‬
‫أن رأي طه حسني يف شعر كعب كان مؤسسا على ما توفر لديه من املصادر‪ ،‬ولو ظهر الديوان يف وقته لكان له رأي آخر‪.‬‬
‫‪ -‬طه حسني ‪ :‬يف األدب ا اهلي ‪ ،‬ط‪ ،9‬مصر ‪ ،‬دار املعارف ‪1968 ،‬م‪ ،‬هامش صفحة‪.: 291،‬‬
‫‪ -3‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 291‬‬

‫‪172‬‬
‫شعر الصحابة يف امليزان األخال قي والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫وقال ابن إسحق‪ « :‬وثب عليه رجل من األنصار‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬دع وعـدو اهلل أضرب‬
‫ع قه‪ ،‬فقال رسول اهلل ‪ " :‬دعه فإنه قد جاء تائبا نازعا عما كان عليه " قال‪ :‬فغضب كعب على‬
‫هذا ا ي من األنصار وملا ص ع به صاحبه‪ ،‬وذلك مل يتكلم فيه رجل من املهاجرين إال ري‪ ،‬فقال‬
‫قصيدته ال قال‪ ،‬حني قدم على رسول اهلل‪.2» ‬‬
‫وقبل بيان ا س اإلسالمي يف شعر كعب من عدمه‪ ،‬ميكن أن نشري إ حقيقة قصته وقصيدته‬
‫املذكورتني يف ال ص ‪ .‬هل أن كعبا ار ل قصيدته أمام الرسول‪‬يف لسه ؟ أم أنه قد نظمها بعد‬
‫رب فيها بأن الرسول‪ ‬قد أهدر دمه وعليه أن يأتيه تائبا يعفو ع ه ؟‬ ‫وصوله رسالة أخيه ري ال‬
‫يبدو أن أمر بداية قصة كعب وقصيدته ‪ ،‬تعود إ يوم إسالم أخيه ري وإ الرسالتني املتبادلتني‬
‫بي هما‪ ،‬وقد وقف طه حسني يف كتابه‪" :‬األدب ا اهلي" من قصة كعب والربدة موقفا متحفظا فقال ‪:‬‬
‫« وقصة كعب مع ال بي معروفة‪...‬وإن كان دخل فيها ال حل وعبث بها الرواة فيما نظن‪ ،‬ف حن‬
‫نشك فيما يقال من أن كعبا عرض باألنصار ثم مدحهم‪ .‬كما أن ا نقف موقف التحفظ من قصة‬
‫البردة ‪ ،‬ولك ا على كل حال مدي ون لهذ القصة مبا نستطيع أن ن َكو َن ألنفس ا من رأي يف شعر‬
‫كعب‪ ،‬فلم يكد يبقى لكعب إال"بانت سعاد" *على ما كثر من عبث الرواة بها وإضافتهم إليها »‪.3‬‬
‫أما فيما ص رسالة ري لكعب‪ ،‬وتعريض كعب بالرسول ‪ ،‬وموقفه من اإلسالم‪ ،‬فإن لطه‬
‫حسني رأي يف ذلك ‪ ،‬حيث يقول‪ « :‬ولس ا نذكر ريا فلم يبق من شعر إال أبيات‪ ،‬يقال‪ :‬إنه رد هبا‬
‫على أخيه كعب حني المه على إسالمه‪ ،‬ولك ا نرجح أن تكون هذ األبيات م حولة‪ ،‬بل ربما‬
‫كانت األبيات التي تضاف إلى كعب نفسه وفيها تعريض بال بي م حولة أيضا‪ .‬وأكبر الظن أن‬
‫كعبا كان من أولئك الشعراء الذين جاهدوا ال بي مع شعراء قريش والطائف فضاع هجاؤهم لل بي‬
‫والمسلمين ولم يبق م ه شيء »‪.1‬‬
‫إذا‪ ،‬ما يفسر قول طه حسني‪" :‬قصة كعب دخل فيها ال حل وعبث بها الرواة كما عبثوا‬
‫بقصيدته "‪ ،‬هو أن ما له الرواة يف شعر كعب ومواقفه‪ ،‬فقد أضاعه الرواة‪ ،‬وحالوا دون وصوله إلي ا‪،‬‬

‫‪ -1‬طه حسني ‪ :‬يف األدب ا اهلي ‪ ،‬ص ‪. 292‬‬


‫‪ -2‬عبد بدوي ‪ :‬دراسات يف ال ص الشعري عصر صدر اإلسالم وب أمية‪ .،‬ص‪. 32‬‬

‫‪173‬‬
‫شعر الصحابة يف امليزان األخال قي والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫لكن رمبا ح الرواة كان هلم كذلك دور يف العبث برد فعل شعراء الرسول‪ ،‬على رسالة كعب إ‬
‫أخيه ري‪ ،‬ال مل فيها‪ ،‬ومل ف الشعر الذي قيل يف التعريض بالرسول ‪.‬‬
‫واألمر واضح ‪ ،‬فمن غري املعقول أن تذكر املصادر أو تشري إ كل ردود الفعل على الشعراء الذين‬
‫عارضوا الدعوة وهجوا صاحبها‪ ،‬من طرف شعراء الدعوة‪ :‬حسان بن ثابت ‪ ،‬وكعب بن مالك ‪ ،‬وعبد‬
‫اهلل بن رواحة ‪ ،‬وتغفل رد فعلهم على كعب بن زهري‪ ،‬اللهم إال إذا كان للرواة دورا أساسيا يف العبث‬
‫كذلك مبوقف شعراء اإلسالم يف ردودهم على كعب بن زهري ‪.‬‬
‫أما فيما ص مسألة كيفية إبداع كعب بن زهري" الالمية "‪ ،‬فإنه مهما قيل عن عبث الرواة هبا‪،‬‬
‫فيبقى موقفه ال تلف عن موقف شعراء قريش ‪ ،‬فكعب وقف كطرف معارض إلسالم أخيه ري‪،‬‬
‫وعرض بالرسول ‪ ،‬لك ه مل يكن ي تظر م ه موقفه هبدر دمه ‪ ،‬وبالتا فإنه من خالل انتماء كعب إ‬
‫الشعراء احملرتفني وانتمائه إ مدرسة أبيه زهري‪ ،‬ال متيل إ كيك الشعر وتثقيفه ‪ ،‬ومن خالل لغة‬
‫" الالمية " ومعانيها وب ائها الف ‪ ،‬فإنا أميل إ القول ‪ :‬كما قال عبد بدوي ‪ « :‬ال منيل إ القول‬
‫بأن الشاعر قد ار ل قصيدته أو أبياتا أمام ال يب ‪ ،‬ذلك ألن فيها إعدادا واحتشادا مسبقا ‪ ،‬فقد‬
‫كان مشغوال بالرسالة مع أخيه ‪ ،‬مث وجد نفسه طرفا م اوئا‪ ،‬مث طرفا مطاردا‪ ،‬مث ساعيا للسالم‪ ،‬فكأنه ‪،‬‬
‫نسخة جديدة من والد الذي كان داعية للسالم واالستقرار يف ا اهلية‪ ،‬فما كان يقصد إليه هو‬
‫سالمه مع نفسه »‪.2‬‬
‫والقصيدة " بانت سعاد" ال أنشدها كعب للرسول‪ ‬يف مسجد يف الس ة(‪8‬هـ ‪629‬م)‪،‬قبل عام‬
‫الوفود‪ ،‬ترتكز على موضوع أساسي هو املدح واالعتذار للرسول ‪،‬كما تضم تها موضوعات متعددة‬
‫ال عالقة هلا باملوضوع الرئيسي‪ ،‬وهي يف ب ائها الشكلي تسري على ال هج الشعري القـدمي ا اهلي‬
‫املوروث‪ .‬وهي تتكون يف موضوعها من ثالثة أقسام ‪:‬‬
‫أوهلا يف الغزل بسعاد ووصفها ‪.‬‬
‫والثاين يف صفة ال اقة‪.‬‬
‫والثالث يف مدح ال يب‪ ‬واالعتذار له‪ ،‬أما املهاجرون فمدحهم من مدح الرسول ‪. ‬‬

‫‪174‬‬
‫شعر الصحابة يف امليزان األخال قي والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫وتعد القصيدة الالمية تصويرا حملاولة لـ ـ ـ ـ « إعادة خلق لواقع حيايت عاشه الشاعر بوسائل ف ية‬
‫خاصة »‪ .1‬ذلك الواقع ا يايت الذي فشل فيه كعب أمام الرسول ‪ ،‬ومل يستطع أن سد يف‬
‫قصيدته ‪ ،‬إذ مل يستطع أن يصور فيه تربير موقفه بني يدي الرسول ‪‬تصويرا إبداعيا ‪ ،‬ألن القصيدة‬
‫يف م ظور ال قاد مطبوعة بعدة طوابع مقلدة ‪ ،‬سواء على مستوى الغزل أو على مستوى املدح ‪ ،‬فأما‬
‫تقليدها يف الغزل‪ ،‬فيقول طه حسني ‪ « :‬مطبوعة بطابع أوس وزهري ‪ ،‬فيها االعتماد على الصور املادية‪،‬‬
‫وفيها األناة والع اية الف ية الظاهرة وأقرأ هذ القصيدة ‪ ،‬فسرتى يف غزهلا ووصفها ما تعودت أن ترى‬
‫ع د أوس وزهري من التشبيه احملقق والوصف املادي ‪ ،‬ورمبا رأيت يف الوصف تأثرا شديدا بأستاذ املدرسة‬
‫األول واقتداء به يف إيثار األلفاظ الضخمة الغريبة »‪.2‬‬
‫وأما تقليد كعب يف املدح فقد انتبه طه حسني ولفت نظرنا إ أمر مهم ‪ ،‬وهو تقليد كعب لصورة‬
‫مدح ال ابغة واعتذار لل عمان‪ ،‬ودور الرواة يف نحلهم في الالمية ‪ ،‬فقال‪ « :‬فأما المدح ففيه هذ‬
‫الصورة املادية أيضا ‪ ،‬ولكن ال حل فيه كثري‪ .‬وفيه ما ي َذكر مبدح ال ابغة لل عمان بن امل ذر واعتذار إليه‪.‬‬
‫ولو قد حفظ شيء من شعر كعب لكان الدليل على تأثر بأبيه وبأوس أظهر وأنصع ‪ .‬ولك ه على كل‬
‫حال واضح إن نظرت يف القصيدة نظرة تفكري ولو قصرية »‪.3‬‬
‫لكن ملاذا كان كعب بن زهري مقلدا ف يا يف قصيدته ‪ ،‬رغم أن قضيته مع الرسول‪ ،‬أقوي ‪،‬‬
‫وأفضل ‪ ،‬وأمجل ف يا وموضوعيا من قضية ال ابغة الذبياين مع ال عمان بن امل ذر ؟‪.‬‬
‫أث اء تتبع ا لقصيدته يف موضوع املدح واالعتذار‪ ،‬الذي ك ا نتصور أن كعبا قد يكون أبدع فيه‪،‬‬
‫إبداعا يتماشى مع التطور ا ضاري ا ديد للموضوع ‪ ،‬ولك ا وجدنا مقلدا كما قل ا ‪.‬‬
‫أما فيما ص املوضوع األساسي لالمية‪ ،‬د كعبا « حني جاء مسلما طالبا األمان بني يدي‬
‫رسول اهلل‪ ،‬يعرض إميانه بقدرة اهلل تعا ‪ ،‬وهو مازال يف بداية عهد باإلسالم »‪ ،2‬فقال‪[ :‬البسيط]‬

‫‪ -1‬عبد بدوي ‪ :‬دراسات يف ال ص الشعري عصر صدر اإلسالم وب أمية‪. 30 ،‬‬


‫‪ .-2‬طه حسن ‪ :‬يف األدب ا اهلي ‪ ،‬ص ‪. 291‬‬
‫‪ -3‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 292‬‬
‫‪ -1‬عبد اهلل التيطاوي ‪ :‬حركة الشعر يف ظالل املؤثرات اإلسالمية ‪ ،‬ص ‪. 23‬‬
‫‪ -2‬كعب بن زهري ‪ :‬الديوان ‪ ،‬قيق وشرح ‪ :‬مد وسف م‪ ،‬ط‪ ،1‬بريوت ‪ ،‬دار صادر ‪1415 ،‬هـ ‪1995‬م ‪ ،‬ص‪. 89‬‬
‫‪ -3‬مد مد أبو موسى ‪ :‬قراءة يف األدب القدمي ‪ ،‬ط‪ ، 3‬القاهرة ‪ ،‬مكتبة وهبة ‪2006 ،‬م ‪ ،‬ص ‪. 60‬‬

‫‪175‬‬
‫شعر الصحابة يف امليزان األخال قي والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫فكل ما قَ َّد َر الرحن َمفعول‪.2‬‬ ‫فقلت َخلوا طَريقي الَ أبَا لكم‬
‫فكعب يف هذا البيت اول إثارة املفاجأة ‪ ،‬فـ ـ ـ ـ« ربط بني املوقفني هذا الرباط الواضح ‪ ،‬الذي نرا‬
‫يف الفاء ‪ ،‬وكلمة " قلت" املعطوفة على قالوا ‪ ،‬أي قالوا فقلت ‪ ،‬وقالوا األو هي مقالة ا اهلية ‪،‬‬
‫وقالوا الثانية هي مقالة اإلسالم ‪ " :‬فكل ما قدر الرحن مفعول "‪ ،‬واالنتقال إ هذا البيت كأنه انتقال‬
‫من ظلمات ا حيم الذي أتقن كعب بيانه ‪ ،‬إ حقيقة من أجل اإلميان ‪ ،‬وهي االستسالم لرب‬
‫العاملني ‪ .‬ونزع مقادة ال فس ا اهلية»‪ ،3‬وهو ما دل على اإلميان الذي أدركه كعب بعد أن « اطلع‬
‫على دين اهلل ‪ ،‬ومسع القرآن ‪ ،‬قبل أن يقبل على رسول اهلل‪ ،‬وأنه مل يقبل قن دمه ‪ ،‬وإمنا أقبل‬
‫ليعلن دخوله يف دين اهلل ‪ ،‬وكلمة " فكل ما قدر الرحن مفعول " ال تصدر إال ممن عرف واستيقن ‪،‬‬
‫وقد ذكروا أن "رجال من األنصار"‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول اهلل ‪ ،‬دع وعدو اهلل أضرب ع قه ‪ ،‬فقال رسول‬
‫اهلل ‪ " :‬دعه فإنه قد جاء تائبا نازعا " وال ازع ميكن أن يكون من نزع ا اهلية ‪ ،‬ومن نزع إ اهلل‬
‫ورسوله ‪ ،‬أي أقبل واشتاق ‪ .‬وقول ا ناقة نازع أي ذات ح ني واشتياق »‪.4‬‬
‫وبكل تأكيد فإن ملقولة ري‪ " -:‬فإن كانت لك يف نفسك حاجة فأقدم عليه فإنه ال يقتل أحدا أتا‬
‫تائبا"‪ -‬وق ٌع حسن وأثر طيب يف نفسية كعب ؛ حيث تأكد له أن التوبة كافية للعفو ع ه ‪ ،‬والتوبة‬
‫مع اها‪ :‬أن يشهد أن ال إله إال اهلل‪ ،‬وأن مدا رسول اهلل ‪ .‬هلذا جاء عارضا مربرات اطمئ انه بني يدي‬
‫الرسول‪ ،‬ألنه عرف أن من صفاته‪ ،‬الصدق يف الوعد والعفو ع د التوبة ‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫والعفو ع َد رسول اهلل َمأمول‪.5‬‬ ‫رسول اهلل أوعدين‬
‫أن َ‬ ‫أنبئت َّ‬
‫وهو اطمئ ان ال يتعارض مع قوة رسول اهلل‪‬بقوة ا ق ‪ ،‬ويظهر أن كعبا يف البيت « كرر كلمة‬
‫"رسول اهلل"‪ ،‬ووضع الظاهر موضع املضمر‪ ،‬ليؤكد إقرار هبذ ا قيقة ‪ ،‬وهو أنك رسول اهلل إ عباد ‪،‬‬
‫يعلمهم كيف يرجون رحته ‪ ،‬ويأملون عفو ‪ ،‬و افون عذابه‪...‬ألنه ال يقول و" العفو ع د رسول اهلل‬
‫مأمول "‪ ،‬إال من عرف أن اهلل عفو‪ ،‬والعفو ع د رسول اهلل الذي يرجى عفو ‪ ،‬البد أن يكون عفوا‬
‫‪฀‬‬ ‫مأموال‪...‬وقول كعب " والعفو ع د رسول اهلل مأمول " إشارة إ قوله تعا ‪ :‬ﭐﭐ ‪฀ ฀ ฀‬‬

‫‪ -4‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 60‬‬


‫‪ -5‬كعب بن زهري ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص‪.89‬‬

‫‪176‬‬
‫شعر الصحابة يف امليزان األخال قي والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫‪ ฀‬ﱪ ‪[ ฀‬سورة األعراف اآلية ‪...]199‬وقد قالوا ‪ :‬ليس يف القرآن آية أمجع ملكارم األخالق من‬
‫هذ ﭐﭐ ‪ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀‬ﱪ ‪.1» ﴾ ฀‬‬
‫والواضح أن كعبا أعطى خالصة احرتافيته يف الشعر يف هذ املدحة‪ ،‬ألن األبيات ال خص هبا‬
‫مدح الرسول‪ ‬وصحابته تعكس حسا إميانيا عن توبة ‪ ،‬فكما أن كعبا وفق يف اختيار معانيه ‪ ،‬فقد‬
‫وفق يف اختار مفرداته وحروف كالمه ‪ ،‬فاملتأمل يف قوله ‪:‬‬
‫‪2‬‬
‫يف كف ذي نقمات قيلَ َها القيل ‪.‬‬ ‫َح َّ وضعت ميي ال أنازعه‬
‫يظهر أن البعد الفكري والف سد دالالت كلمات البيت ‪ ،‬ففيه د الباحث ‪ ،‬كما يقول مد‬
‫مد أبو موسى ‪« :‬كلمة "ح " وكأهنا هناية رحلة من الرعب‪ ،‬وضعها كعب وانتزع نفسه م ها ملا‬
‫وضع ميي ه يف كف رسول اهلل‪ ،‬وتأمل كلمة" وضعت ميي "ومع اها االنقياد ‪ ،‬واالستسالم ‪ ،‬واليمني‬
‫فيها الذمة والعهد واألميان وبادر بقوله ‪ ":‬ال أنازعه " قبل ذكر ا ار واجملرور (يف كف) ليؤكد مع‬
‫االستسالم ‪ ،‬والسمع والطاعة‪ ،‬وهي حال واقعة موقعا حس ا ‪ ،‬مث قال‪( :‬يف كف) ومل يقل يف ميني ‪،‬‬
‫ح ال يعدل ميني املختار – صلوات اهلل وسالمه عليه‪ -‬بيمي ه‪ ،‬وهذا من األدب‪ ،‬وألنه هو الذي‬
‫انقاد واستسلم ‪ ،‬وألن الكف فيها مع الروع ‪ ،‬ألهنا من الكف الذي هو الدرء ‪ ،‬والدفع‪ ،‬وناسب أن‬
‫يضيفها إ "ذي نقمات"‪ ،‬وال قمات مجع نقمة ‪ ،‬وهي من االنتقام ‪ ،‬وقوله ‪ ":‬قيله القيل"مجلة بالغة‬
‫اإل از ‪ ،‬والرتكيز ‪ ،‬ومع اها أنه سيد مطاع اليرد له قول ‪ ،‬وال يعقب على قوله ‪ ،‬وكعب يوازي دائما‬
‫بني التوكيد على ال بوة ‪ ،‬والرسالة من جهة ‪ ،‬والقوة ‪ ،‬والقدرة على املؤاخذة ‪ ،‬واالنتقام ‪ ،‬والرهبة ‪،‬‬
‫واملخافة ‪ ،‬ألن ال بوة هدى ونور ‪ ،‬وأيضا قوة مي هذا اهلدى وهذا ال ور ‪ ،‬وال يفرط يف قوته وقدرته‬
‫على الكف والردع إال من ال يستحق ا ياة »‪.3‬‬
‫ففي هذ األبيات الثالثة السابقة ما يوحي بأن الشاعر جاء إ رسول اهلل ‪‬مؤم ا ‪ ،‬صادق‬
‫اإلميان‪ .‬وهلذا يبدو أنه « يف مد ه لل يب واملهاجرين يرق ويلني ‪ ،‬ويستخدم ألفاظا وعبارات إسالمية‬

‫‪ -1‬مد مد أبو موسى ‪ :‬قراءة يف األدب القدمي ‪ ،‬ص ص ‪. 64 -63‬‬


‫‪ -2‬كعب بن زهري ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص‪. 89‬‬
‫‪ -3‬مد مد أبو موسى ‪ :‬قراءة يف األدب القدمي ‪ ،‬ص ‪72‬‬

‫‪177‬‬
‫شعر الصحابة يف امليزان األخال قي والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫جديدة ‪ ،‬وإن ظلت قيمه يف مجلتها قيـم تقليدية تدور يف أغلبها حول الشجاعة والصرب يف ميدان‬
‫القتال »‪ ،1‬فقال‪:‬‬
‫ضرب إذا عرد السود التَّـَابيل *‬ ‫مشي ا مال يـَعصمهم‬
‫ميشو َن َ‬
‫قوما ‪ ..‬وليسوا ازيعا إذا نيلوا‬ ‫اليفرحو َن إذا نَالَت رماحهم‬
‫َما إن هلم عن حيَاض املوت تَـهليل **‬ ‫اليقطع الطعن إالَّ يف ورهم‬
‫ومما ال جدال فيه فإن مدح الصحابة املهاجرين هو مدح للرسول‪ ،‬وذلك تبيانا لقيمتهم الدي ية ‪،‬‬
‫ودورهم يف اإلسالم ‪ ،‬فوصف شجاعتهم يف املشي إ ا روب يف قامات مديدة ‪ ،‬وقوله‪" « :‬إذا عرد‬
‫السود الت ابيل" تعريض باألنصار‪ ،‬وقوله ‪ " :‬ال يفرحون إذا نالت رماحهم قوما " وصف هلم بالرزانة ‪،‬‬
‫وا كمة ‪ ،‬ورباطة ا أش ‪ ،‬وأهنم ليسوا خفافا ‪ ،‬تطري أحالمهم ع د الفوز ‪ ،‬أو تطيش سهامهم إذا‬
‫ظهر عليهم عدوهم ‪ ،‬وقوله ‪ " :‬نالت رماحهم " فيه أيضا از عقلي ‪ ،‬ألهنم نالوا عدوهم ‪ ،‬برماحهم‪،‬‬
‫ويف مثل هذا اجملاز تأكيد لقوة السبب ‪ ،‬وكأن الرماح نالت وحدها‪ .‬وقوله ‪ " :‬اليقطع الطعن إال يف‬
‫ورهم " ك اية عن أهنم يستقبلون العدو ‪ ،‬وال يهزمون ‪ ،‬وال يفرون»‪.2‬‬
‫فكعب يف معانيه حاول أن يضفي عليها أمام الرسول‪ ،‬بعض الصور ذات الدالالت اإلسالمية‬
‫ما علها يف ثوب جديد ‪ ،‬وكان اهلدف م ه هو أن يرضي الرسول‪ ،‬ويق عه ‪ ،‬ويق ع من حوله من‬
‫صحابته ‪ ،‬ويظهر هلم حسه اإلمياين ليثبت هلم حسن نيته يف مقدمه ‪ ،‬ويكونون شهداء على توبته‪.‬‬
‫وتبدو بعض مالحظات الدارسني حول مسألة التقليد والتجديد يف" المية " كعب بن زهري يف‬
‫موضعها‪ ،‬وهي نفس املالحظة الحظتها‪ ،‬حول « تفاوت درجات التقليد والتجديد‪ -‬ع د شعراء‬
‫االعتذار يف تلك املرحلة‪ ،-‬تبعا لعالقتهم بالواقع ا ديد من ناحية ‪ ،‬وطبيعة تكوي هم الشعري من‬
‫ناحية أخرى ‪ ،‬وهلذا كان كعب بن زهري يف الميته ‪ ،‬أكثر شعراء املرحلة انقساما بني ماضيه وحاضر ‪،‬‬

‫‪ -1‬عبد القادر القط ‪ :‬يف الشعر اإلسالمي واألموي ‪ ،‬ص ‪.15‬‬


‫*عرد ‪ :‬جب ونكل‪ ،‬الت ابيل‪ :‬ج ت بال‪ :‬أي قصري‪.‬‬
‫**هتليل‪ :‬انصراف أو هروب ‪.‬‬
‫‪ -2‬مد مد أبو موسى ‪ :‬قراءة يف األدب القدمي ‪ ،‬ص ص ‪. 89 -88‬‬

‫‪178‬‬
‫شعر الصحابة يف امليزان األخال قي والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫كمـا كان أكثرهم مباضيه استجابة للصور ال ابغية يف االعتذار‪ ،‬وحسب ا من تأثر مباضيه أن يشري إ‬
‫[البسيط]‬ ‫صاحب الدعوة ‪ ،.1» ‬يقوله ‪:‬‬
‫إنك َمسبوٌر َوَمسؤول‬ ‫وقيل َ‬
‫َ‬ ‫لذاك أهيب ع دي إذ أ َكلمه‬ ‫َ‬
‫ببطن َعثـََّر غيل دونه غيل‬ ‫من ضيغم من ضراء األسد د َرة‬
‫معفور َخَراذيل ‪. 2‬‬
‫ٌ‬ ‫َ ٌم من ال َقوم‬ ‫يـَغدو فَـيَـل َحم ضر َغامني َغيشهما‬
‫صحيح أن اسم اإلشارة يف البيت األول" لذاك" يعود على الرسول ‪،‬وتدل كلمة "أهيب" على بعد‬
‫م زلته ع د كعب ‪ ،‬وإذا تأمل ا كلمة « "ضيغم"‪ ،‬وإيثارها على كلمة أسد ‪ ،‬ومالحظة ما يف ضيغم من‬
‫صورة الضيغم‪ ،‬والعض‪ ،‬والقضم‪ ،‬وهذ الكلمة ضر لك من األسد أع ف ما فيه وأهواله‪ ،‬وهي حالة‬
‫مضغه ‪ ،‬وضغمه فريسته ‪ ،‬مث هي مت اسبة مع سياق الصورة املليئة راذيل اللحم ‪ ،‬وكأن هذ الصورة‬
‫من ا راذيل‪ ،‬واملعفور‪ ،‬ومطروح البز‪ ،‬وا لقان‪ ،‬واملأكول‪ ،‬كل ذلك خارج من لفظ ضيغم‪ ،‬وهذا من‬
‫أدق م اسبات األلفاظ لسياقاهتا »‪.3‬‬
‫ومثل هذ الصور ال تتالءم مع صفات وخلق الرسول الكرمي ‪ ،‬الذي يتميز بالعفو والتسامح ‪ ،‬وهو‬
‫صاحب الدعوة ‪ ،‬ح وإن كان هول املوقف يتطلب من كعب مثل هذ الصور‪.‬‬
‫فالشاعر يف هذ األبيات ‪ ،‬هو كما قال عبد بدوي ‪ « :‬يصف جاللة املقام‪ ،‬وهيبة اجمللس‪ ،‬وهي‬
‫حالة رعدة حقيقة مامل يكن من ال يب أمان بإذن من اهلل‪،‬كما يصفه يف البيت الثاين باملقدرة والتصميم‬
‫وبعد ذلك يصف ال يب بأن هيبته تفوق اهليبة من األسد يف غيله ‪ ،‬مث يسرتسل يف ا ديث عن األسد‬
‫ضراوة ‪ ،‬وقسوة ‪ ،‬واعتدادا ‪ ،‬مث يصف الرسول بالسيف اهل دي‪...‬من كل هذا نرى قصورا في رسم‬
‫صورة ال بي‪...‬ولعل وراء هذا أن الشعراء املخضرمني‪ ،‬يصابون دائما مبا يشبه الزلزال يف شعورهـم‪ ،‬ولعل‬
‫مما يشفع هلذا القصور ع ـد كعب أن قضيته أساسا كانت طلب العفو‪ ،‬والدندنة حول هذ القصيدة ‪،‬‬

‫مع اإلحساس الضاغط بالقلق ‪ ،‬وإهدار الدم »‪.1‬‬

‫‪ -1‬مود عباس عبد الواحد ‪ :‬فن االعتذار الشعري تاريخ وا اهات ‪ ،‬د‪.‬م ‪ ،‬دار اهلداية للطباعة وال شر والتوزيع ‪1412،‬هـ ‪1991‬م‪،‬ص‪.26‬‬
‫‪-2‬كعب بن زهري‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص‪.90‬‬
‫‪ -3‬مد مد أبو موسى ‪ :‬قراءة يف األدب القدمي‪ ،‬ص ‪. 76‬‬

‫‪179‬‬
‫شعر الصحابة يف امليزان األخال قي والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫وهي صورة واضحة تبني ل ا توظيف كعب للموروث ا اهلي يف معانيه االعتذارية وصور ومعجمه‬
‫الشعري ‪ ،‬فعاد إ شعراء البالط الذين كانت املواقف السياسية هتددهم‪ ،‬فشبه نفسه هبم‪.‬‬
‫وأما املديح فقد شكل يف اعتذارية كعب بن زهري« ع صرا هاما من ع اصر ‪ ،‬وموضوعا حيويا‪،‬‬
‫يتالحم يف نسيج القصيدة أو املقطوعة االعتذارية تالحا عضويا مع بقية املوضوعات »‪.2‬‬
‫ولكن هل وفق كعب يف مدحه للرسول‪ ‬وإبراز يف قصيدته ‪ ،‬بصفته صاحب دعوة يستمد قوته‬
‫وسلطته من الغيب ‪ ،‬أي من اهلل سبحانه وتعا ؟‬
‫يبدو أن كعبا أدرك أمر بأنه أمام صاحب دعوة دي ية‪ ،‬عريب من قريش‪ ،‬لـ ـ ـ ـ« هذا فقد كانت‬
‫االستجابة لواقعه ا ديد ظاهرة يف األبيات ال مدح هبا الدعوة وصاحبها وأتباعه »‪ .3‬حيث يقول‪:‬‬
‫م َهَّ ٌد من سيوف اهلل َمسلول‬ ‫ضاء به‬‫لسيف يستَ َ‬
‫ٌ‬ ‫الرسول‬
‫َ‬ ‫إ َّن‬
‫ببطن مك َة ملا أَسلَموا زولوا‬ ‫قال قائلهم‬
‫يش َ‬ ‫يف ٍ‬
‫عصبة من قر ٍ‬
‫يل َم َعازيل‬
‫ع َد اللقاء وال م ٌ‬ ‫كشف‬
‫ٌ‬ ‫أنكاس وال‬
‫ٌ‬ ‫َزالوا فما َز َال‬
‫اهليجا َسَرابيل‪.4‬‬
‫داود يف َ‬
‫من نسج َ‬ ‫أبطال لَبوسهم‬
‫ٌ‬ ‫شم ال َعرانني‬
‫ويبدو من سرد كعب لقصيدته «أن ال يب نفسه مل يبد اهتماما بالقسم األكرب من القصيدة فاحتمل‪،‬‬
‫صامتا َخسني بيتا أكثرها ال ميس املوضوع يف شيء‪ ،‬إال أن بلغ الشاعر مدح الرسول وعصبته »‪.5‬‬
‫حي ئذ « نظر رسول اهلل‪ ،‬إ من ع د من قريش كأنه يومي إليهم أن يسمعوا»‪.6‬‬
‫ولكن إشارة الرسول‪ ‬إ أصحابه تدل على أن يسمع من قول كعب‪ ،‬الصفات املدحية‪ ،‬ففي‬
‫قول كعب‪ " :‬إن الرسول لسيف " و" يستضاء به "و" مه د من سوف اهلل مسلول" فيه مدح للرسول‬
‫بصفات جديدة‪ « ،‬فشبهه بالسيف‪ ،‬والسيف قوة‪ ،‬وحسم‪ ،‬وحاية وم عة‪...‬وقد وصفه ه ا بأنه‬

‫‪ -1‬عبد بدوي ‪ :‬دراسات يف ال ص الشعري عصر صدر اإلسالم وب أمية ‪. 36 ،‬‬


‫‪ -2‬مود عباس عبد الواحد ‪ :‬فن االعتذار الشعري تاريخ وا اهات ‪ ،‬ص ‪. 80‬‬
‫‪ -3‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص ص ‪. 27 -26‬‬
‫‪ -4‬كعب بن زهري ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ص ‪. 91 -90‬‬
‫‪ -5‬فؤاد أفرام البستاين ‪:‬كعب بن زهري‪ ،‬ط ‪،6‬سلسلة الروائع‪ ،‬بريوت‪ ،‬م شورات دار املشرق‪ ،‬رقم ‪1982،32‬م‪،‬ص ‪.100‬‬
‫‪ -6‬ابن قتيببة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪،‬ص ‪. 85‬‬

‫‪180‬‬
‫شعر الصحابة يف امليزان األخال قي والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫يستضاء به‪ ،‬وهذا وصف نادر للسيف‪ ،‬وإمنا هي إشارة إ أنه مي ا ق‪ ،‬وال يقهر الضعيف‪ ،‬وإمنا‬
‫يقوى به الضعيف‪ ،‬ويعز به الذليل‪ ،‬والسيف الذي يستضاء به‪ ،‬هو الذي يكف الظلم‪ ،‬والظلمات‪،‬‬
‫ويف هذا التشبيه‪ ،‬إشارة إ أن دين اهلل الذي جاء به احملتار إمنا هو شرع‪ ،‬وحق‪ ،‬ونور‪ ،‬وهو أيضا قوة‪،‬‬
‫مى وتدفع ومت ع »‪.1‬‬
‫وهذ الصور ا ملية ال مدح هبا كعب الرسول "إن الرسول لسيف يستضاء به" دفعت ببعض‬
‫الباحثني إ الوقوف ع د الرواية الثانية‪ ،‬وهي رواية ابن قتيبة‪ ":‬إن الرسول ل ور يستضاء به" ‪ ،2‬ووازن‬
‫بي هما‪ ،‬فيقول مد مد موسى « وقد وقفت ع د هذ الرواة وآثرهتا على رواية أخرى مشهورة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫" إن الرسول ل ور يستضاء به" ألين وجدت رواية السف ت شئ وتص ع وتبدع جديلة حسية من ا ق‪،‬‬
‫والقوة ‪ ،‬يف صورة السيف الذي يهتدى به ‪ ،‬وأن جوهر هذا الدين هو ا ق والقوة معا ‪ ،‬وأن الضعف‬
‫هد م ل صف هذا الدين‪ ،‬إذا مل يكن هدما للدين كله‪ ،‬ألن الضعف يطمع فيه أعداء ‪ ،‬الذين هم أعداء‬
‫اهلل ‪ ،‬والدين أمرنا بأن تكون ل ا قوة ترهبهم ‪ ،‬وأن هذا كالصوم ‪ ،‬والصالة وا ج ‪ ،‬وهكذا تكون كلمة‬
‫"يستضاء به" ه ا مؤسسة ملع شرف ‪ ،‬ويف رواية " ل ور ستضاء به" هي مؤكدة لل ور »‪.3‬‬
‫وقوله "يف عصبة" وصف فيه مدح لقريش ‪ ،‬وصفة "شم العرانني" ك اية عن شرفهم وسيادهتم‪.4‬‬
‫كما أنه ال ميكن إخفاء ما يظهر يف "المية" كعب بن زهري من تقليد للبعد التار ي وال فسي‪ ،‬فقد‬
‫كان كعب نفسه يف واقع األمر « بني بعدين من أبعاد التاريخ‪ ،‬أما أحدمها فهو ماضيه املثقل باآلثام‪،‬‬
‫وأما اآلخر فحاضر اإلسالمي ا ديد‪ .‬وطبيعي أن تكون العالقة بي هما عدائية‪ ،‬ت م يف إطارها عمليات‬
‫اذب وهدم وب اء‪ ،‬وبني هذين البعدين يأيت اعتذار من آثام املاضي مثقال باهلم وا رية‪ ،‬موزعا بني‬
‫مشاعر الرغبة والرهبة‪ ،‬ففي المية كعب بن زهري تبدو آثام املاضي املقيت وأشباحه مأخوذة بروعة‬
‫ا اضر وهيبته‪ ،‬فيثقل األمر على الشاعر‪ ،‬ويرى نفسه يف موقف تتداعى فيه سوءاته و ازيه‪ ،‬وهو يواجه‬
‫مقام ال بوة‪ ،‬ال اجرتأ على حرمتها‪ ،‬وتطاول على حاها املقدس‪ ،‬وهو موقف ما نظن كعبا أحسن‬

‫‪ -1‬مد مد أبو موسى ‪ :‬قراءة يف األدب القدمي‪ ،‬ص ‪. 82‬‬


‫‪ -2‬ابن قتيببة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪،‬ص ‪. 85‬‬
‫‪ -3‬مد مد أبو موسى ‪ :‬قراءة يف األدب القدمي ‪ ،‬ص ‪. 83‬‬
‫‪ -4‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص‪. 87‬‬

‫‪181‬‬
‫شعر الصحابة يف امليزان األخال قي والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫تقدير ‪ ،‬قبل الوفادة على صاحب الدعوة‪ ،‬فقصارا من وفادته أن يفتك رقبته من الوعيد‪،‬وما جر عليه‬
‫من هم وخوف‪،‬ح ذهبت نفسه يف تصور العواقب كل مذهب»‪ ،1‬فقال ‪:‬‬
‫بن أيب سلمى لَ َمقتول‬
‫إنك يا ا َ‬
‫َ‬ ‫يَس َعى الوشاة َ بَيها وقوهلم‬
‫فكل ما قَ َّد َر الرحن َمفعول‬ ‫فقلت َخلوا طَريقي ال أبا لكم‬
‫آلة حدباءَ َ مول ‪.2‬‬‫يوما على ٍ‬ ‫سالمته‬ ‫كل ابن أنثى وإن طالَت‬
‫َ‬
‫فكان َهم كعب من طرح صورة الوشاة يف قصيدته أمام الرسول‪ ،‬إال دليال قويا على شدة قلقه‪،‬‬
‫وعمق اضطرابه ‪ ،‬ألنه مل يستطع « التخلص من تلك اهلواجس‪ ،‬ال تصور له أنه مقتول ال الة‪ ،‬ح‬
‫مضى يعزي نفسه تمية املوت املقدر على كل إنسان‪ ،‬ولذا فهو استعطف صاحب الدعوة مب طق‬
‫شعراء البالط »‪ .3‬وه ا يغيب عن كعب مقدرته يف اإلبداع‪ ،‬ألنه مل يستطع أن يفصل بني صـورة‬
‫املوقفني‪ ،‬بني موقفه ا ديد أمام الرسول‪ ،‬وهو موقف يعطي صورة واضحة عن التغيري ا ذري الذي‬
‫وقع يف اجملتمع العريب سياسيا واجتماعا ودي يا وفكرا وف يا ‪ ،‬واملوقف الضعيف لل ابغة أمام ال عمان‪ ،‬وقد‬
‫كان بإمكان ال ابغة أن تمي بقومه وقبيلته م ه ‪ .‬فقد وجد كعب نفسه أمام الرسول ‪ ‬وحيدا‪ ،‬ح‬
‫أن أخيه ري وقف ضد ‪.‬‬
‫وهذا األمر الذي أدى به إ الوقوف يف موقف رعب ‪ ،‬وهلع ‪ ،‬وفزع من ماضي الشرك الذي مل‬
‫يستطـع أن يتغلب عليه ‪ ،‬ومن خالل هذا يشري إ وعيد ال يب الكرمي ‪ ،‬ووقعه يف نفسه ‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫أَرى وأمسع ما لَو يَسمع الفيل‬ ‫لقد أقوم َمقاما لَو يَقوم به‬
‫من الرسول بإذن اهلل ‪ ،‬تَـ ويل‬ ‫لظَّل يـر َعد إال أن يكون له‬
‫ات قيله القيل‪.4‬‬ ‫يف كف ذي نَقم ٍ‬ ‫ح وضعت ميي ال أنَازعه‬
‫َ‬
‫وكعب بن زهري من الشعراء الذين سلكوا مسلك ال ابغة يف االستعطاف‪،‬فقال مستعطفا الرسول‪:‬‬
‫والعفو ع َد رسول اهلل َمأمول‬ ‫رسول اهلل أَو َعدين‬
‫َ‬ ‫أنبئت َّ‬
‫أن‬

‫‪ -1‬مود عباس عبد الواحد ‪ :‬فن االعتذار الشعري تاريخ وا اهات ‪ ،‬ص‪.71‬‬
‫‪ -2‬كعب بن زهري ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 89‬‬
‫‪ -3‬مود عباس عبد الواحد ‪ :‬فن االعتذار الشعري تاريخ وا اهات ‪ ،‬ص‪. 71‬‬
‫‪ -4‬كعب بن زهري ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ص ‪. 90 -89‬‬

‫‪182‬‬
‫شعر الصحابة يف امليزان األخال قي والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫ظ َوتَـفصيل‬‫قرآن فيها مواعي ٌ‬ ‫أعطاك نافلةَ الـ‬


‫َ‬ ‫هداك الذي‬
‫َمهال َ‬
‫أذنب ولو َكثـَرت َع األَقَاويل‪.1‬‬ ‫الَ تَأخ َذين بأقوال الوشاة ‪ ،‬ومل‬
‫فكعب اطب الرسول ‪ ،‬يف لسه ويتودد إليه ليعفو ع ه ‪ ،‬فالكلمات " أنبئت ‪ -‬أَو َعدين ‪-‬‬
‫ظ‪ -‬الَ تَأخ َذين ‪ -‬مل أذنب ‪ -‬أقاويل"‪ ،‬كلها هلا دالالت‬
‫هداك‪ -‬نافلة القرآن‪ -‬مواعي ٌ‬
‫العفو‪ -‬مهال‪َ -‬‬
‫جدلية يف ضمري كعب يف أمر الوعيد‪ ،‬وكيف يتخلص م ه ؟ وهل فعال سيعفو ع ه الرسول ‪‬؟‪ ،‬ألن يف‬
‫وعي كعب‪ ،‬أن « اإلنباء بالوعيد غرض فيه استعظام‪ ،‬والتضرع بطلب التمهل غرض فيه استعطاف‪،‬‬
‫والدعاء غرض فيه تودد ‪ ،‬وطلب عدم املؤاخذة غرض فيه كل أغراض كعب »‪.2‬‬
‫والواضح أن الصور ال استعطف هبا كعب بن زهري الرسول‪ ،‬هي من املوروث ا اهلي‪ ،‬وهي‬
‫صور مأخوذة من "دالية " ال ابغة الذبياين يف اعتذار لل عمان‪ ،‬ويبدو أن الشاعر « مل ذ حذو ال ابغة‬
‫يف هنجه االعتذاري فحسب‪ ،‬بل تبعه يف معانيه‪ ،‬وصور التعبريية كذلك‪ ،‬ويبدو ل ا ال سب الوثيق‬
‫[البسيط]‬ ‫بي هما يف املسلك الشعري »‪ ،3‬يف قول ال ابغة‪:‬‬
‫وال قرار على زأر م َن األَ َسد‬ ‫قابوس أَو َعدين‬
‫َ‬ ‫أنبئت َّ‬
‫أن أبَا‬
‫وما أَثََر من َمال َومن َولَد‬ ‫لك األقوام كلهم‬‫مهال ‪ ،‬فداء َ‬
‫الرفَد‪.4‬‬
‫ك األعداء ب َّ‬ ‫وإن تَأَثـَّ َف َ‬
‫الَ تَـقذفَـ بركن الَ َك َفاءَ له‬
‫فاستحضار كعب بن زهري صورة تقليدية مما بقي من الصورة ا اهلية للوشاة ‪ ،‬ال بقيت متعلقة‬
‫يف خياله ‪ ،‬واستعرضها أمام الرسول‪ ،‬هو تأكيد على أنه مل يستطع أن يسل نفسه من رهبة املوقف‪،‬‬
‫ومن ماضيه اآلمث‪ ،‬ومل اول طي صفحته‪ ،‬ف جد يف موقفه أمام الرسول‪ ،‬قد استعار صورة ال ابغة مع‬
‫ال عمان يف استجابته للوشاة‪ ،‬وخلعها على نفسه‪ ،‬وهذا دليل على أن كعبا مل يستطع أن يفرق بني‬
‫[البسيط]‬ ‫املوقف السياسي واملوقف الدي ‪ ،‬وكان متأثرا إ حد بعيد بال ابغة الذبياين‪ ،‬يف قوله‪:‬‬
‫األَقَاويل‪.5‬‬ ‫أذنب ولو َكثـَرت َع‬ ‫الَ تَأخ َذين بأقوال الوشاة ‪ ،‬ومل‬

‫‪ -1‬ال ابغة الذبياين ‪ :‬الديوان‪ ،‬قيق وشرح ‪ :‬كرم البستاين ‪،‬دار صادر ‪ ،‬د ‪.‬ت ‪ ،‬ص ‪.89‬‬
‫‪ -2‬مد مد أبو موسى ‪ :‬قراءة يف األدب القدمي ‪ ،‬ص ‪. 67‬‬
‫‪ -3‬مود عباس عبد الواحد ‪ :‬فن االعتذار الشعري تاريخ وا اهات‪،‬ص ‪. 84‬‬
‫‪ -4‬ال ابغة الذبياين ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 30‬‬
‫‪ -5‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪. 20‬‬

‫‪183‬‬
‫شعر الصحابة يف امليزان األخال قي والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫وعلى هذا األساس يتضح ل ا‪ ،‬أن « كال الشاعرين يصور عن موقف نفسي واحـد أو متشابه ‪،‬‬
‫وكالمها يستعطف صاحب الوعد‪ ،‬خائفا من سوء العاقبة ‪ ،‬وكالمها ي كر ما نسب إليه ‪ ،‬تجا بكذب‬
‫ال اقل‪ ،‬وتآمر الوشاة »‪.1‬‬
‫إال أن الفرق واضح بني مسلكي الشاعرين؛ حيث جاء « مسلك ال ابغة يف اإلنكـار‪ ،‬واإلحالة‬
‫على ا صوم واألعداء داال على واقع ملموس ‪ ،‬وردت به األخبار‪ ،‬أما مسلك كعب فيأيت داال على‬
‫واقع متخيل‪ ،‬إذ يستحضر صورة ال ابغة مع ال عمان متمثال هبا يف غري موضع‪ ،‬فحاشا لرسول اهلل ‪،‬‬
‫أن يكون كأصحاب البالط الذين يستمدون من بطانة السوء مصدر أخبارهم‪ ،‬فحديث الوشاة على‬
‫لسان كعب هو بقية من جاهلية‪ ،‬كانت تستبد به‪ ،‬وهو يضع أقدامه على مشارف دين جديد ‪ ،‬وفيه‬
‫– إ ذلك‪ -‬ابتذال ف يف مواقع التمثيل بصور السابقني »‪ 2‬للعصر اإلسالمي ‪ .‬وبالتا فمن حيث‬
‫املعجم الشعري ع د كعب بن زهري يف األلفاظ واملعاين‪ ،‬ال نلمس جديدا فيه ‪.‬‬
‫وكما يقول فؤاد أفرام البستاين‪ « :‬ألن الشاعر سار على األسلوب املدحي املقرر يف ا اهلية ‪ ،‬فلم‬
‫يكلف نفسه على الغالب االبتكـ ـ ـار والتف ن إال يف أمور أخـذها من يطه القريب فأتت لطيفة مجيلة‬
‫كوصف قلقـه واضطرابه ‪ ،‬نقول ذلك ال يف األفكار العامة فحسب ‪ ،‬بل يف ما تفرع ع ها ويف ما أخذ‬
‫به لشرحها من األفكار الثانوية والصور التشبيهية »‪.3‬‬
‫وغياب اإلبداع يف المية كعب‪ ،‬يعود باألساس إ تشبثه مبوروثه الف ‪ ،‬وانغماسه يف استعاراته‬
‫ا اهليته ‪ ،‬ال حالت بي ه وبني عدم إطالعه على املعاين ا ديدة ال جاء هبا اإلسالم‪ ،‬وال غذى هبا‬
‫روح العصر‪ ،‬إال يف القليل مما جاء يف "الميته"‪،‬كما أنه مل يكن لكعب حظ االستفادة من معاين القرآن‬
‫العظيم وأسلوبه‪ ،‬إذ مل يدرك كعب بأن اإلسالم سيلحق تغيريا جذريا وسريعا يف معاين ا ياة‪ ،‬ولغتها‬
‫وف ها‪ ،‬فسبقته األحداث‪ ،‬فجاء مسرعا إ الرسول‪‬ملهوفا مضطرب الشاعرية‪ ،‬تائها بني الرغبـة‬
‫والرهبة‪ ،‬عارضا اإلميان عليه‪ ،‬وم تظرا أن يغفر له‪ ،‬وقد نال مراد ضعفني‪ :‬العفو والربدة ‪.‬‬
‫هلذا ديدا « يكاد يغلب الظن أن صاحب الدعوة مل يتجاوز عن املعاين ا اهلية يف" المية " كعب‬

‫‪ -1‬مود عباس عبد الواحد ‪ :‬فن االعتذار الشعري تاريخ وا اهات ‪ ،‬ص ‪. 84‬‬
‫‪ -2‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص‪ . 84‬ص ‪.85‬‬
‫‪ -3‬فؤاد أفرام البستاين ‪ :‬كعب بن زهري بانت سعاد ‪ ،‬ص ‪. 101‬‬

‫‪184‬‬
‫شعر الصحابة يف امليزان األخال قي والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫ابن زهري ‪ ،‬إال ليقي ه بأنه كالم شاعر‪ ،‬اول أن ي فلت من آثام املاضي إ حاضر مل تشرق أنوار يف‬
‫ال فس‪ ،‬وقد كانوا يف الصدر األول يتسا ون مع الشعراء– يف تلك الفرتة‪ -‬ماال يتسا ون مع غريهم ‪،‬‬
‫وهو ضرب من تأليف القلوب الذي عرفوا به يف تاريخ الدعوة ا ديدة ‪ ،‬وعلى هذا ميكن أن تفسر‬
‫مسألة " البردة " ال خلعها ال يب ‪‬على كعب ‪ ،‬ح تسكن فرائصه ال كانت ترجف من هول‬
‫املوقف ‪ ،‬وهو ي شد قصيدته »‪.1‬‬
‫وقد بدا ل ا صدق موقف كعب اإليماني واضحا يف القصيدة ‪ ،‬مبع أنه عرب فعال عن توبته وإميانه‬
‫بالدين ا ديد ‪ ،‬ونزع ثوبه القدمي الذي عارض به صاحب الدعوة ‪ ،‬مع غياب الحس اإلسالمي الذي‬
‫يعرب عن عدم فهم كعب لإلسالم‪ ،‬وعدم إدراكه ألبعاد الروحية ودور يف ا ياة ‪ ،‬فكعب مل يفتخر‬
‫بالرسول‪ ،‬ومل يعرتف طئه ‪ ،‬ومل يشد باإلسالم ‪ .‬أمل يدرك كعب التغيري الذي أحدثه اإلسالم يف‬
‫نفوس املسلمني ؟ كال ‪ ،‬هلذا ن أميل إ ما قاله ع ه زكي مبارك‪ « :‬إن كعب بن زهري مل يقل الميته‬
‫وهو مأخوذ بعاطفة دي ية قوية تسمو به إ روح التصوف ‪ ،‬إمنا هي قصيدة من قصائد املدح‪ ،‬يقوهلا‬
‫الرجل حني يرجو أو خاف‪ ،‬وليست من املدائح ال بوية يف شيء‪...‬وهو من الشعر احملكم الرصني‪ -‬وإن‬
‫َخلَت من قوة الروح – و ري على التقاليد األدبية لشعراء ا اهلية‪...‬وقد نظرت طويال يف هذ‬
‫القصيدة فلم أر غري ما قررت ‪ ،‬فهي قصيدة جاهلية تغلب عليها قوة السبك‪ ،‬ولك ها تكاد لو من‬
‫روح الدين ‪ ،‬وال غرابة يف ذلك‪ ،‬فإن كعب بن زهري مل ميدح الرسول إال لي جو من املوت‪ ،‬ومن كان يف‬
‫مثل حاله ال ي تظر م ه صدق الث اء »‪.2‬‬
‫لكن ما هو هدف الرسول ‪ ،‬من تكرميه لكعب بن زهري بالربدة ؟ ‪.‬‬
‫يف حقيقة األمر إن كعبا يف موقفه أمام الرسول‪ « ،‬كان يطلب شيئا واحدا وهو " العفو " وقد‬
‫أحس به يف أول اللقاء ‪ ،‬ويف أث اء اإلنشاد‪ ،‬ولكن يل إ أن ال يب كان يعال موقفا اجتماعيا‪ ،‬ذلك‬
‫ألن عددا كبريا من الشعراء كانوا قد هجو ‪ ،‬مث دخلوا اإلسالم‪ ،‬وقد أحس ال يب متزقهم بعد ذلك‬
‫وخجلهم وندمهم‪ ،‬على و ما نعرف ع د الكثريين الذين ئ يف مقدمتهم "ابن الزبعرى" ‪ ،‬وكان أن‬
‫أحب مصادرة ال دم من خالل موقفه من الشاعر الذي هجا الرسول والرسالة وأخا ‪ ،‬فحني وضع‬

‫‪ -1‬مود عباس عبد الواحد ‪ :‬فن االعتذار الشعري تاريخ وا اهات ‪ ،‬ص ‪. 85‬‬
‫‪ -2‬زكي مبارك ‪ :‬املدائح ال بوية يف األدب العريب ‪ ،‬ط‪ ،1‬بريوت‪ ،‬دار ا يل‪1412 ،‬ه ـ‪1992‬م‪.‬ص ص ‪. 16 -15‬‬

‫‪185‬‬
‫شعر الصحابة يف امليزان األخال قي والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫الربدة على كتفي كعب ‪ ،‬كان يضعها يف الوقت نفسه على أكتاف كل الشعراء ال ادمني‪ ،‬ويكون قد‬
‫أسلمهم للعامل ا ديد من غري ال ظر إ املاضي واالنشغال مبا كان فيه »‪.1‬‬
‫مع هذا‪ ،‬أن قصيدة "بانت سعاد" لكعب بن زهري‪ ،‬أرقى قصائد وأفضلها من حيث املوضوع ‪،‬‬
‫لك ا نالحظ أن كعبا مل يرق إ هذا املوضوع‪ ،‬من حيث الب اء الف ملوضوع قصيدته‪ ،‬هلذا د غياب‬
‫ا س اإلسالمي فيها‪ ،‬ومل يظهر يف قصيدته الشعور الرقيق و الرسول‪ ،‬فكان مقلدا ال مبدعا‪،‬‬
‫فأكثر من استعارته ملواقف الشعراء ا اهليني‪ ،‬فقلد يف الغزل زهريا وأَوسا‪ ،‬كما قلد ال ابغة الذبياين يف‬
‫اعتذار لل عمان‪ ،‬وغاب إبداعه يف املعاين واأللفاظ‪ ،‬ويف الصور الف ية‪ ،‬ال أضفاها على املمدوح؛‬
‫حيث بقي متشبثا ياله ا اهلي‪ .‬وكما قال البستاين‪ « :‬نكاد نرى الرأي نفسه يف غري الالمية مما أمك ا‬
‫االطالع عليه من شعر كعب ‪ .‬فإن مدحه لألنصار تقليدي ض‪ ،‬بارز فيه التكلف‪...‬وأكثر ما تبقى‬
‫جامد العاطفة‪ ،‬صلب‪ ،‬ح ليمك ا القول‪ :‬إن أضعف الع اصر الشعرية يف كعب كان الشعور‪ .‬فال‬
‫غزل رقيق‪ ،‬وال رثاء فاجع‪ ،‬وال هتكم الذع‪ ،‬وال فخر عاطفي‪ ،‬وال شكوى أسيفة‪ ،‬وال رهبة مؤملة يف‬
‫التعبري ع ن قلقه واضطرابه ا وعيد ال يب‪ ،‬وهو أخلص قسم يف قصدته‪ ،‬يتحقق ذلك من يقابل قوله‬
‫هذا بأقوال ال ابغة يف موقفه االعتذاري من ال عمان‪ ،‬فبي ما يظهر ال ابغة كل ما ميد به شعور الرقيق من‬
‫بوادر ا زن العميق‪ ،‬املقرون بالقلق املضطرب إ اإلخالص الشديد‪ ،‬نرى كعبا يكاد ال يفسح لشعور‬
‫اجملال ح تم عليه با كمة‪ ،‬فيسكن إ أن " كل ما قدَّر الرحن مفعول "»‪.2‬‬
‫الحس اإلسالمي في شعر كعب بن زهير والصحابة الذين أسلموا بعد هدر دمائهم ‪:‬‬
‫ولكن هل بقي ا س اإلسالمي غائبا يف شعر كعب بن زهري بعد غيابه يف مدح الرسول‪‬؟‬
‫أ‪ -‬بالعودة إ ديوان كعب بن زهري‪ ،‬د أبرز قصائد يف املدح ثالث‪ :‬الميته يف مدح الرسول‪‬‬
‫واملهاجرين من قريش‪ ،‬ورائيتان‪ :‬إحدامها يف مدح األنصار ‪ ،‬واألخرى يف مدح علي بن أيب طالب ‪.‬‬
‫ورغم غياب اإلبداع يف "المية " كعب ويف "رائيته" يف مدح األنصار‪ ،‬إال أهنما لقيتا شهرة واسعة‬
‫يف تاريخ األدب العريب‪ ،‬وذلك ألمهية موضوعهما‪ ،‬وأن سبب التقليد يف " الميته " يعود أساسا داثة‬
‫عهد باإلسالم‪ ،‬حيث مل يكن متشبعا مببادئه وقيمه ومثله العليا‪ ،‬ال جددت بكل تأكيد الروح وعقل‬

‫‪ -1‬عبد بدوي ‪ :‬دراسات يف ال ص الشعري عصر صدر اإلسالم وب أمية ‪ ،‬ص ‪. 34‬‬
‫‪ -2‬فؤاد أفرام البستاين ‪ :‬كعب بن زهري بانت سعاد ‪ ،‬ص ‪. 102‬‬

‫‪186‬‬
‫شعر الصحابة يف امليزان األخال قي والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫اإلنسان العريب‪ ،‬فكانت جاهلية كعب املوروثة مازالت راسخة يف فكر بأسلوهبا ومعانيها وصورها‪ ،‬فرغم‬
‫وصية والد زهري له وألخيه ري الذي أسلم قبله‪ ،‬بأن يتبعا ال يب الذي سيبعث‪ ،‬د يف ظة تار ية‬
‫حامسة يغيب وعي كعب لريتبط بقوة قريش‪ ،‬ويكون واحدا من الشعراء امل اصرين هلا‪ ،‬ويف ظة تار ية‬
‫يعود الوعي لكعب ليدرك بأنه أخطأ التقدير ‪ ،‬وخسر ما كان عليه أال يضيعه‪ ،‬و د نفسه بني أمرين‪:‬‬
‫إما أن يدخل يف اإلسالم‪ ،‬أو ميوت بالسيف أو ميوت هاربا غريبا‪ ،‬كما مات شعراء قريش ومن واالهم‪،‬‬
‫ويف ظة انكسار جاهليته جاء إ الرسول‪ " ،‬تائبا نازعا " عما كان عليه ‪ ،‬فا ا قلبه لإلسالم ‪« .‬‬
‫ومع مرور الزمن‪ ،‬وانطواء العصر ا اهلي خلف جدار التاريخ‪ ،‬أخذ كعب يتخلى عن مآثر ا اهلية‪،‬‬
‫ويؤثر عليها القيم اإلسالمية ‪ ،‬وأوضح ما يوضح هذا اإليثار مدحه علي بن أيب طالب‪...‬فأطرى يف‬
‫علي خلقه الرفيع‪ ،‬واجتهاد يف العبادات‪ ،‬واستكثار من الصا ات ‪ ،‬وغريته على اإلسالم وشدته على‬
‫الكفر‪ ،‬وإيقاعه بأهل ال فاق ‪ ،‬وإصهار ري ا لق ‪ .‬ونذكر هه ا أنه ختم مدحته بتفضيله عليا على‬
‫سائر البشر بعد ال يب ‪ ،‬ال لب ائه باب ته فاطمة‪ ،‬وحسب‪ ،‬بل ألن اهلل خصه مب اقب خالدة ‪ ،‬آثر هبا‪،‬‬
‫ومل يؤثر هبا أحدا من الصحابة‪ ،‬على ما عرفوا به من نبل وفضل »‪ .1‬هلذا ف ـ ـ ـ ـ« أشعار كعب بن زهري قد‬
‫امتألت بعد إسالمه باملعاين الدي ية والقيم األخالقية اإلسالمية »‪.2‬‬
‫ومن ه ا تأيت قصيدة كعب املدحية للخليفة علي بن أيب طالب ال « كانت ب و أمية ت هى عن‬
‫[البسيط]‬ ‫روايتها وإضافتها لشعر ‪ ،‬فقال يف مطلعها‪:‬‬
‫بعد ا هل َمعذور؟‬
‫نت با لم َ‬‫أم أ َ‬ ‫هل حبل رملة قبل البني مبتور؟‬
‫َومثلها يف تَداين َّ‬
‫الدار َمهجور‬ ‫دار ب ا َش َحطَت‬
‫ما َ َمع الشوق إن ٌ‬
‫وقال فيها ‪:‬‬
‫بالصا ات من األَفعال َمشهور‬ ‫إن عليًّا مليمو ٌن نَقيبَته‬ ‫َّ‬
‫فكل من رامه بالفخر َمفخور‬
‫ًّ‬ ‫ال يب وخري ال اس مفتَ َخرا‬ ‫صهر‬
‫املعاد ورب ال اس َمكفور‬
‫قبل َ‬ ‫َ‬ ‫الطَّهور مع األمي َّأوهلم‬ ‫صلى‬
‫ح استقاموا ودين اهلل َم صور‬ ‫لطغاة الشرك يَضربـهم‬ ‫مقاوٌم‬

‫‪ -1‬غازي طليمات وعرفان األشقر‪ :‬الشعراء يف عصر ال بوة وا الفة الراشدة‪ ،‬ص ‪. 91‬‬
‫‪ -2‬هباء حسب اهلل ‪ :‬ا ياة األدبية يف عصر صدر اإلسالم ( تاريخ وتذوق ) ‪ ،‬ص ‪. 29‬‬

‫‪187‬‬
‫شعر الصحابة يف امليزان األخال قي والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫أهل اهلوى وذوو األهواء والزور‬ ‫قمت أمي ا حني خالََفه‬


‫بالعدل َ‬
‫بعد ال يب لديه البغي َمهجور‬ ‫قدم‬
‫خري من َحلت نعال له ٌ‬ ‫يا َ‬
‫األيام تَـغيري »‪.1‬‬
‫َ‬ ‫َّن له‬
‫من أَي َن أ ّ‬ ‫ك فضال ال زو َال لَه‬‫أعطاك رب َ‬
‫َ‬
‫فما يالحظ على هذ القصيدة هو افتتاحيتها الغزلية ‪ ،‬وهو تقليد ف قدمي ‪ ،‬إال أن يف األبيات‬
‫ال مدح هبا كعب بن زهري ا ليفة علي بن أيب طالب‪ ،‬د قد أدرك قيم املدح اإلسالمي ال غابت‬
‫ع ه يف مدح الرسول ‪ ،‬فمدح هبا علي بن أيب طالب ‪ ،‬فالصفات ال ضم ها كعب يف قصيدته‬
‫تكاد علها قصيدة صوفية ‪ .‬فاختيار كعب ملعجم قصيدته هذ املفردات‪ " :‬األفعال الصا ات‪ -‬صهر‬
‫ال يب‪ -‬خري ال اس‪ -‬صلى الطهور‪ -‬مع األمي‪ -‬مقاوم طغاة ‪ -‬الشرك‪ -‬ودين اهلل م صور‪ -‬بالعدل‬
‫قمت أمي ا ‪ -‬أهل اهلوى ‪ -‬وذوو األهواء والزور‪ -‬أعطاك ربك فضال ال زوال له "‪.‬‬
‫فمن ا لي أن هذ األلفاظ وا مل ذات دالالت إسالمية سامية‪ ،‬توحي بأن كعبا أدرك داللتها‬
‫بعد معرفة حقيقية مبا جاء به القرآن العظيم فيما ص الدعوة ‪ ،‬وهي تعكس حسه اإلسالمي العميق‬
‫من خالل حبه هلل ولدي ه ولرسوله ولعلي‪ ،‬وهي ألفاظ تكاد ح بدالالهتا إ الصوفية بعمق‪ ،‬فقول‬
‫كعب‪ " :‬صلى الطهور مع األمي " فإذا كان " الطهور" هو اإلمام علي‪ ،‬فإن " األمي" هو الرسول ‪،‬‬
‫وأن مدح علي بن أيب طالب مقرونا مبدح الرسول يف هذ القصيدة له قيمة دي ية ‪ ،‬وال يعرف صفـ ـ ـة "‬
‫األمي" وداللتها إال من عرف القرآن العظيم ‪ ،‬وحفـ ـ ـظ آياته ‪ ،‬وأدرك دالالهتا‪ ،‬فلفظ "األمي" دل عليه‬
‫قوله تعا ‪ :‬ﭐﭐ ‪[ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀‬سورة األعراف اآلية ‪.]157‬‬
‫ودل عليه قوله تعا ‪ :‬ﭐ ‪ ฀‬ﲨ ‪ ฀‬ﲪ [ سورة األعراف اآلية ‪.]158‬‬
‫ومن خالل داللة معاين اآليات ‪ ،‬أصبح للقصيدة مدلول استدراكي ‪ ،‬ألنه الشاعر استدرك بعض‬
‫صفات ال يب‪ ‬فدعم هبا معجمه الشعري يف هذ القصيدة‪ ،‬ال مدحه هبا علي بن أيب طالب‪ ،‬وكان‬
‫عليه أن ميدحه هبا يف " الميته "‪ ،‬وأن ذكر صفات الرسول ‪‬يف هذ القصيدة ‪ ،‬مع صفات علي‪،‬‬

‫‪ -1‬كعب بن زهري ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ‪ 128‬وما بعدها ‪.‬‬


‫‪،‬ط‪،3‬‬ ‫‪ -‬وي ظر‪ :‬كعب بن زهري ‪ :‬الديوان‪ ،‬ص عه ‪ :‬أيب سعيد أحسن بن ا سني العسكري‪ ،‬قدم له ووضع هوامشه وفهارسه‪ :‬ح ا نصر ا‬
‫بريوت ‪ ،‬دار الكتاب العريب ‪1420 ،‬هـ ‪1999‬م ‪ ،‬ص ‪ 184‬وما بعدها ‪.‬‬

‫‪188‬‬
‫شعر الصحابة يف امليزان األخال قي والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫دل على أن عليا امتداد للرسول وتابعا له يف‪ :‬أفعال الصا ات‪ ،‬والطهارة‪ ،‬وإقامة العدل‪ ،‬ومقاومة‬
‫الشرك‪ ،‬واهلوى ‪ ،‬واألهواء ‪ ،‬والزور‪ ،‬والبغي‪ .‬ألن كعبا كان ال علم له هد الرسول‪ ،‬وطريقته يف نشر‬
‫الدعوة‪ ،‬ومقاومة الشرك واهلوى واألهواء والزور‪ ،‬إال بعد أن عاش يف ك ف اإلسالم‪ ،‬وعرف القرآن‬
‫العظيم وفضله‪ ،‬وخالط الصحابة‪ ،‬وعرف القصد من الغزوات‪ ،‬وعرف مع اهلجرة ال هاجر إليها‬
‫أخو ري‪ ،‬باإلضافة إ معرفته فضائل التضحيات من أجل نشر اإلسالم وقيمه العليا ومثله السامية ‪.‬‬
‫وعلى هذا األساس‪ ،‬فإن « يف تطور املدح من املعاين ا اهلية إ املعـاين اإلسالمية‪ ،‬تتجلى‬
‫حقيقتان‪ :‬أوهلما‪ :‬أن كعبا يف بداية عهد باإلسالم مل يكن على حظ عظيم من اإلميان‪ ،‬والثانية‪ :‬أنه‬
‫أصاب هذا ا ظ العظيم بعد أن تفكر وتدبر‪ ،‬وناقش‪ ،‬وعايش‪ ،‬فآمن إميان املعتقد ال املقلد‪ ،‬ومدح‬
‫مدح احملب ال املتكسب »‪.1‬‬
‫ب‪ -‬أما شاعر قريش وكبري قادهتا‪ ،‬وقريب ال يب ‪،‬أبو سفيان بن الحرث (ت‪20‬هـ‪640‬م)‬
‫الذي قاد شعراء مكة يف هجاء الرسول ‪‬ومعارضة دعوته‪ ،‬وأتباعه بألس ة حداد‪ ،‬فإنه ملا قرر الدخول‬
‫يف اإلسالم عام الفتح‪ ،‬يف الس ة الثام ة للهجرة‪ ،‬بعد هداية اهلل له‪ ،‬وفد على رسول اهلل‪ ،‬وكان سباقا‬
‫إ االعتذار إليه‪ ،‬فاستقبله رغم ماضيه‪ ،‬وماضي شعر ا اهلي املليء باآلثام والضاللة‪ ،‬واستمع‬
‫العتذار وعفا عن تطاوله ‪ ،‬مثله مثل كعب بن زهري وعبد اهلل بن الزبعرى‪ ،‬الذين حاولوا « أن يصلحوا‬
‫بألس تهم ما أفسدته يف مقاومة الدعوة ‪ ،‬وأن يتخففوا من جرائمهم بشعر يعتذرون فيه من ص يعهم يف‬
‫حق اإلسالم »‪.2‬‬
‫لقد روت ل ا مصادر السرية ‪ ،‬وكتب ال قد‪ ،‬املشاهد واألشعار كلها‪ ،‬ال قاهلا الشعراء املشركون يف‬
‫هجاء املسلمني والرسول ‪ ‬وصورت ل ا ع ف جاهليتهم‪.‬‬
‫وملا أنعم اهلل على أيب سفيان بن ا رث باإلسالم جاء معتذرا إ الرسول‪ ،‬صادق اإلميان‬
‫واالعتذار‪ ،‬ويف هذا روى ابن إسحق قال ‪ « :‬وقد كان أبو سفيان بن ا رث بن عبد املطلب وعبد اهلل‬
‫ابن أيب أمية بن املغرية قد لقيا رسول اهلل‪‬أيضا ب يق العقاب‪ ،‬يف ما بني مكة واملدي ة‪ ،‬فالتمسا الدخول‬
‫عليه ‪ ،‬فكلمته أم سلمة فيهما؛ فقالت‪ :‬يا رسول اهلل ‪ ،‬ابن عمك وابن عمتك وصهرك‪ .‬قال‪ " :‬ال‬

‫‪ -1‬غازي طليمات وعرفان األشقر ‪ :‬الشعراء يف عصر ال بوة وا الفة الراشدة ‪ ،‬ص ‪. 92‬‬
‫‪ -2‬مود عباس عبد الواحد ‪ :‬فن االعتذار الشعري تاريخ وا اهات ‪ ،‬ص ‪. 85‬‬

‫‪189‬‬
‫شعر الصحابة يف امليزان األخال قي والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫مبكة ما قال"‬ ‫هبما أما ابن عمي فهتك عرضي وأما ابن عم وصهري فهو الذي قال‬ ‫حاجة‬
‫أو آلخذن بيد ب هذا‬ ‫قال‪ :‬فلما خرج ا رب إليهما بذلك ومع أيب سفيان ب له فقال‪ :‬واهلل ليأذنن‬
‫مث ل ذهب يف األرض ح منوت عطشا وجوعا؛ فلما بلغ ذلك رسول اهلل ‪ ،‬رق هلما مث أذن هلما‬
‫فدخال عليه وأسلما‪ ،‬وأنشد أبو سفيان بن ا رث قوله يف إسالمه مما كان مضى م ه‪ ،‬فقال‪[ :‬الطويل]‬
‫خيل َّمد‬ ‫ب خيل الالت َ‬ ‫لتَـغل َ‬ ‫يوم أَحل رايَة‬ ‫لَ َعمرَك إين َ‬
‫ني أه َدى وأَهتَدي‬ ‫فَـ َه َذا أََواين ح َ‬ ‫لَ َكاملدلج ا ريان أَظلَ َم لَيـله‬
‫َم َع اهلل من طََّردت ك َّل مطََّرد‬ ‫َه َداين َه ٍاد غري نفسي ونالَ‬
‫وأد َعي وإن مل أَنـتَسب من َّمد‬ ‫ٍ‬
‫مد‬ ‫أَصد وأنأَى جاهدا عن‬
‫َوإن كان َذا رأ ٍي يـلَم ويـ َفَّد‬ ‫هم َماهم من مل يقل هبواهم‬
‫مع القوم ما مل أه َد يف كل َمق َعد‬ ‫أَريد ألَرضيهم ولست ب ٍ‬
‫الئط‬
‫تلك غريي أَوعدي‬ ‫ثقيف َ‬ ‫وقل ‪ :‬ل ٍ‬ ‫فَـقل‪ :‬ل ٍ‬
‫ثقيف ال أريد قتَاهلَا‬
‫وما كان َعن َجَّرى ل َساين والَ يَدي‬ ‫نال َعامرا‬
‫فَ َما ك ت يف ا يش الذي َ‬
‫نَزائع جاءت من س ٍ‬
‫هام َو َسردد »‪.1‬‬ ‫بالد بع ٍ‬
‫يدة‬ ‫ٍ‬ ‫قَـبَائل جاءت من‬
‫َ‬
‫والواقع أن أبا سفيان بن ا رث يتهالك ماضيه يف نفسه أمام حاضر املتماسك‪ ،‬وهو يعتذر‬
‫لصاحب الدعوة ‪ ،‬ويف ال ص رغم حرارة االعتذار « تقل– بشكل واضح – كثافة ا س اإلسالمي يف‬
‫فرتة بدا فيها الشاعر حديث العهد باإلسالم‪ ،‬بعد أن أسرف على نفسه من معاداته وهجائه ‪ ،‬ولك ه‬
‫ول يف سلوكه عما عرف عليه قبل الفتح‪ ،‬إذ يصور حريته يف املاضي يف مقابل رشد وهدايته ال‬
‫يرصدها يف حاضر ‪ ،‬مع ما عرضه أيضا من طابع جهاد الدي يف سبيل اهلل ودفاعه عن الرسول‪-‬عليه‬
‫السالم‪ -‬واعتزاز بأنه ي تسب إليه‪ ،‬متم يا الت صل من كل ما نسب إليه يف ماضيه املظلم‪ ،‬ومركزا مادته‬
‫الشعرية حول ورين أساسني‪ ،‬مد‪‬واهلداية ‪ ،‬على ما كرر من ألفاظ حول كل م ها بني خيل‬
‫مد‪ ،‬وجهاد عن مد‪ ،‬وانتسابه إ مد (وقد كان أخو من الرضاعة)‪ ،‬مث يهدى ويهتدي‪ ،‬وهدا‬
‫هاد من اهلل‪ ،‬وفيما عدا احملورين ترا أمام حديث قبلي جاهلية مادته متاما »‪.2‬‬

‫‪ -1‬ابن هشام ‪ :‬سرية ال يب ‪، ‬ج ‪ ،4‬ص ص ‪. 20 -19 -18‬‬


‫‪ -2‬عبد اهلل التطاوي ‪ :‬حركة الشعر يف ظالل املؤثرات اإلسالمية ‪ ،‬ص ص ‪.27-26‬‬

‫‪190‬‬
‫شعر الصحابة يف امليزان األخال قي والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫لكن غياب ا س اإلسالمي يف هذ القصيدة‪ ،‬يعود أساسا إ أن أبا سفيان بن ا رث كان‬


‫حديث عهد باإلسالم وقيمه ‪ ،‬فكان حاله يف بداية إسالمه كحال كعب بن زهري‪ ،‬فرغم القرابة ال‬
‫مع بني أيب سفيان والرسول‪ ‬إال أنا د يف قصيدته غياب الشعور الرقيق و الرسول‪ ،‬وبديهي أن‬
‫يكون سبب غياب هذا الشعور هو ا فاء الذي وقع فيه الشاعر وفرضه على نفسه‪ ،‬فأبعد عن حب‬
‫أقرب ال اس إليه وهو الرسول ‪.‬‬
‫لكن ‪ ،‬رغم أن املدة الزم ية بني إسالم أيب سفيان وانتقال الرسول الكرمي إ الرفيق األعلى ‪،‬مل تكن‬
‫مدة طويلة ‪ ،‬ح د أبا سفيان يقف موقفا حزي ا ‪ ،‬يعرب فيه عن شعور العميق‪ ،‬عن املصيبة العظيمة‬
‫[الوافر]‬ ‫ال حلت باملسلمني يف فقدهم للرسول‪ « ،‬فبكا كثريا ورثا فقال ‪:‬‬
‫وليل أخي املصيبة فيه طول‬ ‫فبات ليلي ال يزول‬ ‫أَرقت َ‬
‫يب املسلمو َن به قَليل‬ ‫أص َ‬ ‫فيما‬
‫وذاك َ‬ ‫َ‬ ‫َوأَس َع َدين البكاء‬
‫الرسول‬ ‫ض َّ‬‫قيل قد قب َ‬ ‫َعشيَّةَ َ‬ ‫لََقد َعظ َمت مصيبتـَا َو َجلَّت‬
‫تكاد ب ا َجوانبـ َها َمتيل‬ ‫وأضحت أرضَا مما عر َاها‬
‫يروح به ويغدو َجربيل‬ ‫يل فيَا‬ ‫الوحي والت ز َ‬
‫َ‬ ‫فَـ َقدنَا‬
‫نفوس ال اس أو َكربَت تَسيل‬ ‫َو َذاكَ أَ َحق ما سالَت عليه‬
‫مبا يو َحى إليه وما يَـقول‬ ‫ك عَّا‬ ‫الش َّ‬
‫نيب كان َ لو َّ‬
‫الرسول لَا َدليل‬ ‫عليَا و َّ‬ ‫ضالَال‬‫ش َ‬ ‫َ‬ ‫ويهديَا فالَ‬
‫السبيل‬
‫ذاك َّ‬
‫وإن مل زعي َ‬ ‫عذر‬
‫فذاك ٌ‬ ‫أَفَاطم إن َجَزعت َ‬
‫الرسول »‪.1‬‬ ‫وفيه َسيد ال اس َّ‬ ‫فَـ َقبـر أبيك َسيد كل ق ٍرب‬
‫وهكذا د أبا سفيان بن ا رث تار ملعجمه الشعري املفردات والعبارات الدقيقة‪ ،‬ال عربت عن‬
‫حزنه وحزن املسلمني الشديد‪ ،‬تعبريا عن حس إسالمي قوي عميق ‪ .‬فقوله‪ :‬فيما أصيب املسلمون‪-‬‬
‫عظمت مصيبت ا وجلت‪ -‬فقدنا الوحي والت زيل‪ -‬نيب لو الشك ع ا‪ -‬يهدي ا فال ش ضالال‪-‬‬
‫الرسول ل ا دليل‪ -‬سيد ال اس الرسول‪ .‬فهذ املعاين كلها ذات دالالت إسالمية ‪ ،‬تعرب عن حبه‬

‫‪ -1‬مد أحد درنيقة ‪ :‬معجم أعالم شعراء املدح ال بوي ‪ ،‬قدم له وضبط أشعار ‪ :‬ياسني األيويب ‪ ،‬ط‪ ،1‬بريوت ‪ ،‬لب ان‪ ،‬دار ومكتبة اهلالل للطباعة‬
‫وال شر‪1996 ،‬م ‪ ،‬ص ‪. 53‬‬

‫‪191‬‬
‫شعر الصحابة يف امليزان األخال قي والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫للرسول‪ ،‬وتؤكد تفقه أيب سفيان بن ا رث لقيم الدين اإلسالمي ومثله العليا‪ ،‬وإدراكه لوظيفة الرسول‬
‫‪ ،‬ال بعثه اهلل من أجلها‪ ،‬كما تبني تطور مفهوم شعر املدح ع د ‪ ،‬فاملعاين اإلسالمية ال غابت‬
‫ع ه أث اء مدحه للرسول ‪ ‬واالعتذار له ‪ ،‬استدركها يف رثائه والبكاء عليه ‪.‬‬
‫ج‪ -‬أما الشاعر عبد اهلل بن الزبعرى فهو أحد شعراء قريش ‪ ،‬وقاد شعراء املشركني يف معارضته‬
‫للدعوة اإلسالمية‪ « ،‬وكان من أشد ال اس على الرسول ‪ ،‬بلسانه ونفسه‪ ،‬فقبل هجرته‪‬إ يثرب‬
‫كان يدخل الكعبة ليصلي‪ ،‬فلما دخل ذات يوم ليصلي كعادته قال أبو جهل‪ :‬فمن يقوم إ هذا‬
‫الرجل فيفسد عليه صالته‪ ،‬فقام ابن الزبعرى فأخذ فرثا ودما فلطخ به وجه ال يب وانفتل ال يب‪ ‬من‬
‫صالته وقصد إ عمه أين طالب‪ ،‬فسأله ع ه‪ .‬من فعل هذا بك؟ قال‪ :‬عبد اهلل بن الزبعرى‪ ،‬فقام أبو‬
‫طالب ووضع سيفه على عاتقه ومشى معه ح أتى القوم ‪ ،‬فلما رأو قد أقبل جعلوا ي هضون ‪ ،‬فقال‬
‫أبوطالب ‪ :‬واهلل لئن قام رجل للته بسيفي‪ ،‬ح دنا م هم وأخذ فرثا ودما فلطخ به وجوههم و اهم‬
‫وانصرف وهو يغلظ هلم القول »‪.1‬‬
‫واستمر عبد اهلل بن الزبعرى على عداوته للرسول‪ ‬إ بعد هجرته إ املدي ة‪ ،‬وكان يهجو الرسول‬
‫واملسلمني بشعر ‪ ،‬وكان كل من حسان بن ثابت وكعب بن مالك شاعري ال يب ‪ ،‬يردان عليه‬
‫هجاء ‪ ،‬وملا مت فتح مكة يف (‪8‬هـ) ‪ ،‬فلم د ابن الزبعرى بد إال اهلرب إ ران باليمن مع هبرية ابن‬
‫أيب وهب‪ .‬ويروى أن سبب اعتذار ماروا ابن إسحق؛ حيث قال‪ « :‬رمى حسان ابن الزبعرى وهو‬
‫[البسيط]‬ ‫ب جران ببيت واحد ما زاد عليه‪:‬‬
‫ش أَ َح َّذ لَئيم‬
‫َ َرا َن يف َعي ٍ‬ ‫أحلك بـغضه‬
‫الَ تَـع َد َم َّن رجال َ‬
‫[ا فيف]‬ ‫فلما بلغ ذلك ابن الزبعرى خرج إ رسول اهلل‪ ‬فأسلم وقال‪:‬‬
‫إن ل َساين رات ٌق ما فَـتَـقت إذ أنا بور‬ ‫رسول املليك ‪َّ ،‬‬
‫َ‬ ‫يَا‬
‫ال َميـلَه َمثبور‬
‫ومن َم َ‬
‫َغي َ‬ ‫الشيطَا َن يف َسَن ال ـ ـ ـ ـ‬
‫إذ أبَاري َّ‬
‫الشهيد أنت الّذير‬‫مث قَـليب َّ‬ ‫َآم َن اللَّحم والعظام لَريب‬

‫‪ -1‬مد أحد درنيقة ‪ :‬معجم أعالم شعراء املدح ال بوي ‪ ،‬ص ‪.204‬‬
‫‪ -2‬ابن هشام ‪ :‬سرية ال يب‪ ،‬ج‪ ، 4‬ص‪. 39‬‬

‫‪192‬‬
‫شعر الصحابة يف امليزان األخال قي والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫من ل َؤي وكلهم َمغرور »‪.2‬‬ ‫ك زاجٌر مث َحيًّا‬‫إنَّ َع َ‬


‫هذا أول اعتذار قدمه ابن الزبعرى للرسول‪ ،‬ومدحه به ‪ ،‬وبعد أن أسلم حسن إسالمه ‪ « ،‬وهو‬
‫اعتذار يبدو فيه الصدق مع ال فس‪ ،‬والضراعة يف موقف ا ق ويصدر فيه صاحبه عن يقني بأنه ال‬
‫اطب ملك أو صاحب بالط وإمنا ضع به لصاحب دعوة آمن هبا قلبه وخشعت جوارحه »‪.1‬‬
‫فابن الزبعرى اول يف هذا ال ص أن يتقرب بشاعريته من واقع جديد‪ ،‬وعالقات جديدة‪ ،‬مبعاين‬
‫جديدة يف االعتذار‪ ،‬ليتضح ل ا يف ال هاية أن ا « أمام نص يشري إ مرحلة جديدة من مراحل الفـن‬
‫الشعري يف االعتذار‪ ،‬جديد يف طبيعة املواقف االعتذارية‪ ،‬جديد يف الصدق الواقعي وال فسي‪ ،‬مث هي‬
‫جديدة كذلك يف نظرة ا ياة اإلسالمية إ االعتذار على أنه فضيلة ال رذيلة ‪ ،‬وأنه قيمة ال سخيمة‬
‫ورفعة ال خضوع وال ذلة »‪.2‬‬
‫إال أن االعتذار ع د ابن الزبعرى يتطور فيتشبع بالروح اإلسالمية‪ ،‬كما د يتكئ يف اعتذار على‬
‫االقتباس من املعجم اإلسالمي‪ ،‬فيكون بذلك أكثر اطمئ انا لتقربه إ الرسول‪ ،‬ودعوته بكل‬
‫إخالص‪ ،‬ويظهر هذا يف اعتذاريته الثانية " امليمية "‪ « ،‬قال ابن إسحق‪ :‬وقال عبد اهلل بن الزبعرى أيضا‬
‫[الكامل]‬ ‫حني أسلم [رضي اهلل ع ه]‪-:‬‬
‫والليل معتَلج الرَواق َهبيم‬ ‫َمَ َع الرقَاد بَالب ٌل ومهوم‬
‫فيه فَبت كأنَّ َ موم‬ ‫أحد الََم‬‫َ‬ ‫ممَّا أتاين َّ‬
‫أن‬
‫َعريانَةٌ سرح اليدين َغشوم‬ ‫صاهلَا‬ ‫خري َمن حلت على أَو َ‬ ‫يَا َ‬
‫الضالَل أَهيم‬
‫أَس َديت إذ أنا يف َّ‬ ‫إليك م َن الذي‬ ‫َ‬ ‫إين ملعتذٌر‬
‫َسه ٌم و تَأمرين هبا َ زوم‬ ‫أَيَّ َام تَأمرين بأَغ َوى خطٍَّة‬
‫أمر الغواة وأمرهم َمشؤوم‬ ‫الردى ويقودين‬ ‫أسباب َ‬‫َ‬ ‫َوأَمد‬
‫َ روم‬ ‫قَـليب و طئ هذ‬ ‫اليوم َآم َن بال يب َ َّم ٍد‬ ‫فَ َ‬
‫َوحلوم‬ ‫ود َعت أواصر بي ا‬‫َ‬ ‫ضت العداوة وانقضت أَسبَابـ َها‬ ‫َم َ‬
‫َمرحوم‬ ‫َزلَلي فإنَّ َ‬
‫ك َراح ٌم‬ ‫ي كالمهَا‬ ‫لك َوال َدا َ‬‫فَاغفر فدى َ‬

‫‪ -1‬مود عباس عبد الواحد ‪ :‬فن االعتذار الشعري تاريخ وا اهات ‪ ،‬ص ‪. 24‬‬
‫‪ -2‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 24‬‬

‫‪193‬‬
‫شعر الصحابة يف امليزان األخال قي والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫َ توم‬ ‫وخامتٌ‬
‫َ‬ ‫ور أَ َغر‬‫نٌ‬ ‫وعليك من علم املليك عالمةٌ‬
‫َ‬
‫َشَرفا وبـرَهان اإلله َعظيم‬ ‫ٍبة برهانَه‬ ‫بعد‬
‫َ‬ ‫أعطاك‬
‫َ‬
‫ك يف العباد َجسيم‬ ‫حق وأنَّ َ‬ ‫صاد ٌق‬‫ك َ‬ ‫َولََقد َشهدت َّ‬
‫بأن ديَ َ‬
‫ني َكرمي‬‫الصا َ‬ ‫مستَـقبَ ٌل يف َّ‬ ‫أن أَحَ َد مصطَفى‬ ‫واهلل يَشهد َّ‬
‫فَـرعٌ متََ َّك َن يف الذ َرا َوأروم »‪.1‬‬ ‫قَـرٌم َعالَ ب يانه من َهاش ٍم‬
‫الشك ‪ ،‬فبعد متع ا يف فكر الشاعر‪ ،‬يف قصيدته اتضح ل ا أن ا « أمام شاعر يعتذر من ضـالله‬
‫القدمي‪ ،‬وجاهليته اآلثة ‪ ،‬فيلتزم يف أدائه الشعري م هجا يستلهم حدود ومعانيه من واقعه اإلسالمي‬
‫ا ديد ‪ ،‬بعيدا عن التهويل والكذب‪ ،‬بريئا من التعسف والتص ع يف التماس العذر مث هو– إ ذلك –‬
‫يتجاوز شع ـ ـ ـ ـراء البالط ‪ ،‬يف مسح أعطـ ـ ـاف امللك أو األمري بشكل كان يتجاوز حد القصـ ـ ـد واالعتدال‬
‫‪ -‬غالبا‪ -‬وذلك بأنه يعتذر إ صاحب دعوة ال صاحب ملك وسلطان »‪.2‬‬
‫وعلى هذا األساس جاء ال ص جامعا بني‪ :‬املعجم اإلسالمي‪ ،‬والتقليد ا اهلي‪ ،‬فال زعة اإلسالمية‬
‫الصادقة للشاعر نكتشفها من خالل قاموسه اللغوي ا ديد‪ ،‬حيث اختار الشاعر مفرداته‪ :‬أهيم‪،‬‬
‫الغواة‪ ،‬إشارة إ اآلية‪:‬ﭐ ‪ ฀‬ﲨ ‪ ฀ ฀‬ﲬ ‪ ฀ ฀ ฀‬ﲰ ‪ ฀‬ال وصف هبا اهلل شعراء‬
‫املشركني‪ ،‬وابن الزبعرى يقر بذلك‪ ،‬بأنه كان واحدا م هم‪ ،‬باإلضافة إ توظيفه للمفردات‪ :‬آمن‪ ،‬ال يب‪،‬‬
‫فأغفر‪ ،‬راحم‪ ،‬مرحوم‪ ،‬امللك‪ ،‬ال ور‪ ،‬خامت‪ ،‬اإلله‪ ،‬عظيم‪ ،‬دي ك‪ ،‬الصا ني‪ ،‬وكلها ألفاظ إسالمية‬
‫تكشف عن تفقه ابن الزبعرى لداللتها قبل أن يوظفها يف قصيدته االعتذارية‪.‬‬
‫كما بدا تأثر سان ابن ثابت واضح يف بعض معانيه ‪ :‬فقال ابن الزبعرى‪:‬‬
‫َّك َراح ٌم َمرحوم‪.3‬‬‫َزلَلي فإن َ‬ ‫اي كالمهَا‬
‫لك َوال َد َ‬
‫فَاغفر فدى َ‬
‫[الطويل]‬ ‫فهو مأخوذ من قول حسان ابن ثابت يف" مهزيته" ‪:‬‬
‫فَإ َّن أَيب َوَوال َد َوعرضي لعرض َ َّم ٍد م كم وقَاء‪.4‬‬

‫‪ -1‬ابن هشام ‪ :‬سرية ال يب ‪ ، ‬ج ‪ ،4‬ص ص‪. 41 -40 -39‬‬


‫‪ -2‬مود عباس عبد الواحد ‪ :‬فن االعتذار الشعري تاريخ وا اهات ‪ ،‬ص ‪.25‬‬
‫‪ -3‬ابن هشام‪ :‬سرية ال يب ‪ ، ‬ج‪ ، 4‬ص ‪. 40‬‬
‫‪ -4‬شرح ديوان حسان ابن ثابت ‪ ،‬ص ‪.62‬‬

‫‪194‬‬
‫شعر الصحابة يف امليزان األخال قي والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫[الكامل]‬ ‫وأما قوله ‪:‬‬


‫ور أَ َغر َو َخ َامتٌ َ توم‪.1‬‬‫ك من مسَة املليك عالمةٌ ن ٌ‬ ‫َو َعلَي َ‬
‫[الطويل]‬ ‫فاملع مأخوذ من اإليقاع اإلسالمي سان يف "داليته"‪ ،‬يف قوله‪:‬‬
‫مشهود يَلوح َويَش َهد‪.2‬‬
‫ٌ‬ ‫م َن اهلل‬ ‫أَ َغر َعلَيه لل بوة َخ َامتٌ‬
‫ولعل هذا التأثري اإلسالمي‪ ،‬يدل على أن « شعر االعتذار يف صدر اإلسالم‪ ،‬رمبا لص من‬
‫ماضيه‪ ،‬يف أسبابه ودواعيه‪ ،‬ويف أفكار ومعانيه‪ ،‬ولكن ظل مشدودا إ صور ال ابغة يف التعبري‪ ،‬غالبا‬
‫ويف املعاين أحيانا »‪.3‬‬
‫[البسيط]‬ ‫كما يبدو هذا التقليد ا اهلي واضحا يف قول ابن الزبعرى‬
‫فيه فَبت كأن َ موم‪.4‬‬ ‫أحد الََم‬
‫أن َ‬‫ممَّا أتاين َّ‬
‫فهو إيقاع نابغي مشهور ومألوف يف التعبري‪ ،‬و اصة يف الربط بني إتيان خرب الوعيد أو اللوم‪ ،‬وبني‬
‫[الطويل]‬ ‫قوله (فبت كأين ) وهو ظاهر يف قول ال ابغة‪:‬‬
‫صب‬ ‫ك الَّ أَهتَم م ها َوأن َ‬
‫وتل َ‬ ‫أَتَاين أَبيت اللَّع َن َ‬
‫أنك ملتَ‬
‫َهراسا به يـعلَى فراشي َويـق َشب ‪.5‬‬ ‫فَبت َكأَ َّن العائدات َ‬
‫فرشن‬
‫[الطويل]‬ ‫وهو ظاهر يف قول ال ابغة يف" العي ية" كذلك‪:‬‬
‫الض َواجع‬ ‫أَتَاين َودوين راك ٌ‬
‫س فَ َّ‬ ‫قابوس يف غري ك هه‬
‫َ‬ ‫َوعيد أين‬
‫الرقش يف أَنـيَاهبَا السم نَاقع‪.6‬‬
‫م َن َّ‬ ‫فَبت َكأَين َس َاوَرت َ‬
‫ضئيلَةٌ‬
‫وهكذا فإن اعتذر ابن الزبعرى للرسول‪ ‬ومدحه‪ ،‬يدل على ندمه وتكفري عن ذنبه وماضيه‪،‬‬
‫وتغيري مذهبه الشعري‪ ،‬وصدقه يف توبته‪ ،‬آمال أن يسل نفسه من زمرة الشعراء الذين يتبعهم الغاوون ‪.‬‬

‫‪ -1‬شرح ديوان حسان بن ثابت األنصاري ‪ ،‬ص ‪.414‬‬


‫‪ -2‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 131‬‬
‫‪ -3‬مود عباس عبد الواحد ‪ :‬فن االعتذار الشعري تاريخ وا اهات‪ ،‬ص ‪. 25‬‬
‫‪ -4‬ابن هشام ‪ :‬سرية ال يب ‪،‬ج‪ ،4‬ص ‪. 40‬‬
‫‪ -5‬ال ابغة الذبياين‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ‪.17‬‬
‫‪ -6‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ص ‪. 80 -79‬‬
‫*«أسيد بن أيب أناس بن زنيم بن عمرو بن عبد اهلل بن جابر مب َ مية بن عبد بن عدي بن الدئل بن بكرب بن عبد ك انة الك اين الدئلي‪ ،‬ابن أخي سارية »‪.‬‬
‫‪ -‬العسقالين‪ :‬اإلصابة يف متييز الصحابة ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪. 230‬‬

‫‪195‬‬
‫شعر الصحابة يف امليزان األخال قي والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫د‪ -‬ويف املوقف نفسه‪ ،‬نقف ع د الشاعر أَسيد* بن أبي أناس الذي أهدر ال يب‪‬دمه‪ ،‬وتربأ م ه‬
‫قومه « فبلغ أسيدا ذلك‪ ،‬فأتى الطائف‪ ،‬فأقام به‪ ،‬فلما كان عام الفتح خرج سارية بن زنيم إ‬
‫الطائف‪ ،‬فقال له‪ :‬يا ابن أخي‪ ،‬اخرج إليه فإنه ال يقتل من أتا ‪ ،‬فخرج إليه فأسلم‪ ،‬ووضع يد يف‬
‫يد ‪ ،‬فأم ه ال يب‪ ،‬ومدح ال يب بأبيات‪...‬مث قال يف آخراها فما ص ع‪ -‬رضي اهلل ع ه‪ -‬يوم بدر‪ :‬يقول‬
‫[الكامل]‬ ‫أسيد بن أيب أناس اطب قريشا بقوله ‪:‬‬
‫جذع يـَفوق َعلَى املذاكي القرح‬ ‫يف كل َ َم ٍع َغاية أَخَزاكم‬
‫َذ ا َوقَـتال بـغضه مل يربح‬ ‫َه َذا ابن فاطم َة الذي أَفـَاكم‬
‫قَد ذَ َكَر ا ر الكرمي ويَستَحي »‪.1‬‬ ‫للَّه َدركم أَملـَّا تَ َذ َّكروا‬
‫َ‬
‫ه‪ -‬أما أنس ابن زنيم الديلي (ت ؟ ) فقد جاء ع ه يف اإلصابة‪ « :‬أن عمرو بن سامل ا زاعي‬
‫خرج يف أربعني راكبا يست صرون رسول اهلل‪‬على قريش‪...‬مث قال‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬إن أنس بن زنيم‬
‫هجاك‪ ،‬فأهدر رسول اهلل‪‬دمه ‪ ،‬فبلغه ذلك ‪ ،‬فقدم عليه معتذرا ‪ ،‬وأنشد أبياتا مدحه هبا ‪ ،‬وكلمه فيه‬
‫نوفل بن معاوية الديلي فعفا ع ه‪...‬وملا كان يوم الفتح أسلم أنس بن زنيم »‪ .2‬وكما « قال ابن‬
‫إسحق‪ :‬قال أنس بن زنيم الديلي يعتذر إ رسول اهلل ‪ ‬مما كان قال فيهم عمرو بن سامل ا زاعي‪:‬‬
‫[الطويل]‬
‫لك أَش َهد‬ ‫وقال َ‬
‫بَل اهلل يـَهديهم َ‬ ‫ت الَّذي تـه َدى َم َعد بأَمر‬ ‫أَن َ‬
‫أَبـََّر َوأَو َف ذ َّمة من َ َّمد‬ ‫َوَما َحَلَت من نَاقٍَة فَـو َق َرحل َها‬
‫الصقيل الم َهَّد‬
‫كالسيف َّ‬
‫اح َّ‬‫إذا ر َ‬ ‫أمسع نَائال‬‫ث على َخ ٍري و َ‬ ‫أَ َح َّ‬
‫وأَعطَى لرأس السابق املتَ َجَّرد‬ ‫َوأَك َسى لبـرد ا ال قَ َ‬
‫بل ابـتَذالَه‬
‫ك كاألخذ باليَد‬ ‫َوأ َّ‬
‫َن َوعيدا م َ‬ ‫َّك مدركي‬ ‫تَـعلَّم َرسول اهلل أَن َ‬
‫ٍ‬
‫ني ‪َ ،‬وم َجد‬ ‫على كل صرم متهم َ‬ ‫َّك قَادٌر‬ ‫تَـعلَّم َرسول اهلل أَن َ‬
‫هم الكاذبو َن املخلفو ك َّل َموعد‬ ‫ب ع َومي ٍر‬ ‫ب َرك َ‬ ‫تَـعلَّم بأَ َّن َّ‬
‫الرك َ‬
‫فَالَ َحَلَت َسوطي إ ََّ يَدي‬ ‫َونـَبَّـوا رسول اهلل أَين َه َجوته‬

‫‪ -1‬العسقالين‪ :‬اإلصابة يف متييز الصحابة ‪ ، ،‬ج‪ ،1‬ص ‪. 231 – 230‬‬


‫‪ -2‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ص ‪. 272 -271‬‬

‫‪196‬‬
‫شعر الصحابة يف امليزان األخال قي والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫أصيبوا بَحس الَ بطَل ٍق َوأَسعد‬ ‫س َوى أَنَّ قَد قلت‪َ :‬ويل اَم فتـيَ ٍة‬
‫ك َفاء فَـ َعَّزت َعبـَريت َوتَـبَـلدي‬ ‫صاَهبم َمن َمل يَكن لد َمائهم‬ ‫أَ َ‬
‫ب َعبد بن عبد اهلل َواب ه َمه َود‬ ‫ت ساعيا‬ ‫ت إن ك َ‬ ‫ك قَد أَخ َفر َ‬‫فَإنَّ َ‬
‫العني أَك َمد‬‫مجيعا فإال تَد َمع َ‬ ‫مى تَتابَعوا‬‫وسل َ‬‫لثوم َ‬ ‫ب وك ٌ‬ ‫ذ َؤي ٌ‬
‫وك َكأَعبد‬ ‫َوإخ َوته َوَهل مل ٌ‬ ‫س َحي َكمثله‬ ‫َو َسل َمى َو َسل َمى لَي َ‬
‫َهرقت تَـبَـ َّني عا َمل ا ق َواقصد »‪.1‬‬ ‫فَإين الَ دي ا فَـتَـقت َوالَ َدما‬
‫فالشاعر أنس بن زنيم يف هذ القصيدة عرب عن شدة قلقه ‪ ،‬وخوفه من الرسول‪ ، ‬ملا أهدر دمه‬
‫من جراء ما بلغه من هجاء له‪ ،‬لك ه عرب عن اعتذار بصدق‪ ،‬وكشف عن حس إسالمي قوي فيه رقة‬
‫الشعور‪ ،‬وحبه للرسول‪ ،‬خاصة يف البيت الثاين‪:‬‬
‫أَبـََّر َوأَو َف ذ َّمة من َ َّمد‬ ‫َوَما َحَلَت من نَاقٍَة فَـو َق َرحل َها‬
‫وكما قال مد مصطفى هدارة‪ « :‬إذا كان أَسيد قد اصط ع يف مدح للرسول ذلك األسلوب‬
‫البدوي الع يف الذي يصور الظفر عن طرق القتل والدماء‪ ،‬فإن أنس بن زنيم كان موفقا يف االعتذار‬
‫بأن التزم املوقف األخالقي اإلسالم ح قبل أن يسلم فلم يقدح يف أعراض املسلمني وال استباح دمهم‬
‫يف شعر ‪ ،‬ولكن كل ما فعله أنه رثى قتلى الكفار موجع القلب ألن قاتليهم مل يكونوا يف درجتهم‬
‫‪2‬‬
‫االجتماعية‪ ،‬وهذا أمر كان يعتد به يف ا اهلية » ‪.‬‬
‫ومع هذا فالشاعر أنس بن زنيم د يف بعض مالمح قصيدته مثله مثل كعب بن زهري‪ ،‬الذي‬
‫سلك م هج ال ابغة الذبياين يف اعتذار يف قصيدته "العي ية"‪ ،‬ال يظهر بعض مع اها يف قول أنس يف‬
‫البيت الثالث ‪:‬‬
‫َوأَ َّن َوعيدا م َ‬
‫ك كاألخذ باليَد‬ ‫تَـعلَم َرسول اهلل أَنَّ َ‬
‫ك مدركي‬
‫فالشاعر يعرب عن خوفه من وعيد رسول اهلل ‪ ‬له‪ ،‬على أن األرض قد ضاقت به ‪ ،‬وأن الرسول‬
‫مدركه ال الة ‪ .‬وصورة خوف الشاعر مستعارة من صورة خوف ال ابغة حالة وعيد أيب قابوس له ‪ ،‬يف‬
‫قوله ‪:‬‬

‫‪ -1‬ابن هشام ‪ :‬سرية ال يب ‪ ،‬ج‪ ، 4‬ص ص ‪. 48 -47 -46‬‬


‫‪ -2‬مد مصطفى هدارة ‪ :‬الشعر يف صدر اإلسالم والعصر األموي ‪ ،‬ص ‪. 94‬‬

‫‪197‬‬
‫شعر الصحابة يف امليزان األخال قي والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫ك َواسع‬ ‫َوإن خلت أَ َّن امل تَأَى َع َ‬


‫ك كالليل الذي ه َو مدركي‬ ‫فَإنَّ َ‬
‫إليك ‪ ،‬نـَ َوازع‬
‫َ‬ ‫تـ َعد هبا أَي ٍد‬
‫َخطَاطيف حج َن يف حبَ ٍال َمتيَة‬
‫وكذلك قوله ‪:‬‬
‫إذا فَالَ َرفَـعت َسوطي إ ََّ يَدي‬ ‫َما قـلت من َسي ٍئ مما أَتَـيت به‬
‫وهكذا د أنس بن زنيم الديلي « ميضي يف اقتفاء أثر ال ابغة على مسلك التجرد‪ ،‬فهو رد‬
‫معاين ال ابغة من صورها ومواقفها؛ ليجعلها مالئمة ملوقفه املعتذر؛ فكلمة "الليل" يف بيت ل ابغة ال‬
‫تصلح يف موقف الديلي بني يدي صاحب الدعوة ‪ ،‬فانصرف ع ها مكتفيا باملع العام‪ .‬مث عمد‬
‫الديلي إ البيت الثاين ع د ال ابغة ‪ ،‬فجرد من الصورة الف ية ‪ ،‬مكتفيا باملع القريب يف قوله‪ ( :‬وأن‬
‫وعيدا م ك كاألخذ باليد ) »‪.1‬‬
‫واملع كما هو ظاهر يف شطر البيت تقليدي جاهلي‪ ،‬استعار أسيد يف أول موقفه اإلسالمي‬
‫ا ديد‪.‬‬
‫وفي األخير لص إ ال تائج اآلتية ؛ حيث وقف ا على بعدين اث ني من ال احية الشكلية للقصيدة‬
‫العربية اإلسالمية‪:‬‬
‫‪ -1‬فالبعد األول لشكل القصيدة ميثله شعراء ال يب‪ ‬الذين شكلـوا مدرسة املدي ة ‪ ،‬وهم‪ :‬حسان‬
‫ابن ثابت‪ ،‬وكعب بن مالك‪ ،‬وعبد اهلل بن رواحة‪ ،‬وال ابغة ا عدي‪ ،‬الذين تشبعوا بقيم اإلسالم‬
‫ا ديدة‪ ،‬وجسدوا ذلك يف قصائدهم ومقطوعاهتم الشعرية‪ ،‬على مستوى مجيع األغراض واملوضوعات‬
‫الشعرية‪ ،‬ال طرقوها‪ ،‬من هجاء وفخر ومـدح ورثاء‪ ،‬فأضافـوا بذلك ا ديد للقصيدة العربية اإلسالمية‪،‬‬
‫وغريوا يف معانيها وصورها ومعجمها الدال ‪ ،‬فأصبح القرآن العظيم وألفاظه الشريفة ومعاين آياته‬
‫ا كيمة‪ ،‬وكالم الرسول‪ ‬مصدر إهلامهم‪ ،‬وبذلك جاءت شاعريتهم يف صورة إسالمية واقعية ‪ ،‬يغلب‬
‫عليها رقة الشعور‪.‬‬
‫كما أهنم لصوا تدرجيا من تأثرهم باملعاين ا اهلية‪ ،‬ال بقت عالقة بأذهاهنم‪ ،‬وغلب بذلك‬
‫ا س اإلسالمي على قصائدهم اإلسالمية ‪.‬‬

‫‪ -1‬مود عباس عبد الواحد ‪ :‬فن االعتذار الشعري تاريخ وا اهات ‪ ،‬ص ص ‪.. 154 -153‬‬

‫‪198‬‬
‫شعر الصحابة يف امليزان األخال قي والف‬ ‫موقف الصحابة من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب األول‬

‫‪ -2‬أما البعد الثاين لشكل القصيدة الصحابية‪ ،‬فيمثله شعراء مدرسة املوروث ا اهلي‪ :‬وهم‪:‬‬
‫كعب بن زهري‪ ،‬وأبوسفيان بن ا رث‪ ،‬وعبد اهلل بن الزبعرى‪ ،‬وأنس بن زنيم‪ ،‬يف قصائدهم ال قيلت‬
‫يف إسالمهم‪ ،‬واعتذروا من خالهلا للرسول‪ ،‬فجاءت قصائدهم افظة يف غرضها الشعري من مدح‬
‫واعتذار واستعطاف‪ ،‬على مستواها الشكلي؛ حيث حافظوا على تقليد املوروث ا اهلي‪ ،‬فاتكئوا يف‬
‫معانيهم وصورهم الشعرية على ما استعارو من معاين وصور ال ابغة الذبياين يف اعتذاراته‪ ،‬وقد مس‬
‫تقليدهم املوسيقى الشعرية‪ ،‬فجاءت قصائدهم على نفس البحور الشعرية ال نظم عليها ال ابغة‬
‫اعتذارياته‪ ،‬مع ظهور إمياهنم الصادق الذي عربوا به عن توبتهم‪ ،‬وتوظيفهم لبعض املفردات اإلسالمية‬
‫يف شعرهم‪ ،‬وهذا ال يع أن ما وظف من مفردات إسالمية يدل على أهنم تشبعوا بالفكر القرآين‬
‫وأسلوبه ‪ ،‬وكالم الرسول‪.‬‬
‫‪ -3‬كما أن الصحابة الذين لف إسالمهم إ عام الفتح‪ ،‬فبعد مرور الوقت اتضحت هلم تعاليم‬
‫اإلسالم ففقهوها وعرفوا القرآن العظيم‪ ،‬فوظفوا معانيه ومفرداته ‪ ،‬وبعض املعاين ذات الداللة اإلسالمية‬
‫يف شعرهم ‪ ،‬فعربوا بذلك عن حسهم اإلسالمي الصحيح‪ ،‬وأظهروا شعورهم الرقيق‪ ،‬وقلت استعاراهتم‬
‫من املوروث ا اهلي‪ ،‬فتطور بذلك مفهوم املدح والرثاء ع دهم‪.‬‬

‫‪199‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫ش\‬

‫الباب الثـ ـ ـ ـاني‬


‫موقف التابعين من الشعر والشعراء‬

‫‪200‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫الفص ـ ـ ـ ـل األول‬
‫أوال ‪ :‬مفهوم التابعي اصطالحا ( الزمان والمكان )‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬مفهوم الشعر لدى التابعين ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬موقف التابعين من الشعر والشعراء‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬شعر التابعين في الميزان األخالقي والف ي ‪.‬‬

‫‪201‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫أوال ‪ :‬مفهوم التابعي اصطالحا (الزمان والمكان)‬

‫‪202‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫مفهوم التابعي اصطالحا (الزمان والمكان)‬


‫عطفا عن حديث ا عن مفهوم الصحا اصطالحا‪ ،‬ومن خالل معرفة مفهوم داللة الصحا‬
‫حاولت أن أبني مفهوم الصحابة للشعر ‪ ،‬ومعرفة موقفهم من الشعر والشعراء ‪ ،‬هلذا رأيت أنه من‬
‫الضروري أن أستهل حديثي عن موقف التابعني من الشعر والشعراء‪ ،‬با ديث عن مفهوم التابعي‬
‫اصطالحا‪ ،‬وهذا لكي يَ ْس ُهل الولوج إ معرفة مفهوم الشعر لدى التابعني ومعرفة موقفهم من الشعر‬
‫والشعراء‪ ،‬وهذا ما ميكن توضيحه فيما يأيت ‪:‬‬
‫مفهوم التابعي اصطالحا ‪:‬‬
‫جاء مفهوم التابعي اصطالحا يف أقوال بعض علماء ا ديث‪ « :‬التابعي من صحب الصحا »‪.1‬‬
‫وقال ا كم أ عبد اهلل‪ « :‬أطلق التابعي على من لقي الصحا وروي ع ه وإن مل صحبه»‪ ،2‬وداللة‬
‫هذا املفهوم هو ‪ -‬كما قال ابن الصالح (ت‪642‬هـ‪1245‬م)‪ « -:‬مشعر بأنه يكفي فيه أن يسمع‬
‫من الصحا أو يلقا ‪ ،‬وإن مل توجد الصحبة العرفية واالكتفاء هبذا مبجرد اللقاء والرؤية أقرب م ه يف‬
‫الصحا نظرا إ مقتضى اللفظني معا »‪ .3‬ويف هذا الفحوى توسع العلماء يف املقصود بداللة التابعي‬
‫فقالوا‪ :‬التابعي يدخل فيه أوالد املسلمني الذين لقو قبل البلوغ‪ ،‬وقبل سن التميز كمحمد بن أ بكر‬
‫‪ ‬فإنه ولد قبل وفاة ال يب ‪ ،‬بثالثة أشهر »‪ « ،4‬ع د الشجرة وقت اإلحرام جة الوداع‪...‬ومل يذكروا‬
‫أنه أحضر ع د ال يب ‪‬والرآ »‪ ،5‬وهذا مذهب مجهور العلماء يف تعريف التابعي ‪.‬‬
‫وعلق ابن الصالح على من ضيقوا مفهوم التابعي قائال‪ « :‬اشرتطوا مع اللقاء بالصحا أن‬
‫يكون التابعي مميزا ويف سن من فظ من الصحا ا ديث ‪ ،‬ولكن مل يقل بعضهم هبذا الرأي ‪ ،‬وقالوا‬
‫‪ :‬من رأى أحدا من الصحابة فهو تابعي سواء كان مميزا أوال »‪.6‬‬
‫وح وإن اختلفت اآلراء يف مفهوم التابعي إال أن أحسن ما قيل يف تعريفه هو ما جاء يف املعجم‬

‫‪ -1‬ابن كثري ‪ :‬الباعث ا ثيث شرح اختصار علوم ا ديث ‪،‬ص ‪. 142‬‬
‫‪ -2‬ابن الصالح ‪ :‬مقدمة ابن الصالح ‪ ،‬ص‪. 173‬‬
‫‪ -3‬ابن كثري ‪ :‬الباعث ا ثيث شرح اختصار علوم ا ديث ‪ ،‬ص‪.143‬‬
‫‪ -4‬جا زادة علي فهمي ‪ :‬من حسن الصحابة يف شرح شعر الصحابة ‪ ،‬ص ‪. 7‬‬
‫‪ -5‬نبوي سراج ‪ :‬مع أئمة التابعني رجال خلف الرسول ‪ ، ‬د‪.‬م ‪ ،‬املكتبة التوفيقية ‪ ،‬د‪.‬ت‪ .‬ص ‪. 7‬‬
‫‪ -6‬ابن الصالح ‪ :‬مقدمة ابن الصالح ‪ ،‬ص‪. 173‬‬

‫‪203‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫الوسيط‪ « :‬التابعي ‪ :‬من لقي الصحابة مؤم ا بال يب ‪ ،‬ومات على اإلسالم »‪،1‬‬
‫وهذا التعريف يدخل فيه أب اء الصحابة ‪ ،‬ومن لقي الصحابة مجاعة أو فردا‪ ،‬كبريا أم صغريا‪ ،‬سواء‬
‫طالت صحبته له أم مل تطل‪ ،‬أ ْو َرَوى ع ه أم مل يرو‪ ،‬فلقاء التابعي بالصحابة أو صحا ب أن‬
‫يكون مقرونا بشرط اإلميان بالرسول ‪ ، ‬واملوت على اإلسالم ‪.‬‬
‫م زلة التابعين في القرآن والس ة ‪:‬‬
‫ومن هذا املفهوم ميكن أن نست بط أن التابعني هم ا يل الذي عاش يف عصر ال يب‪ ‬ومل يرو ‪،‬‬
‫وعاصروا الصحابة‪ ،‬وساروا على هنجهم بإحسان‪ ،‬وقد ذكر هلم القرآن العظيم هذا الص يع‪ ،‬مقرونا مبدح‬
‫‪฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀‬‬ ‫الصحابة‪ ،‬فقال تعا ‪ :‬ﭐﭐ ‪฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀‬‬
‫‪[ ฀‬سورة التوبة اآلية ‪.]100‬‬ ‫‪฀฀‬‬
‫وقد أث الرسول ‪ ،‬على التابعني بعد الصحابة ‪ ،‬وتابعي التابعني ‪ ،‬وتابعي تابعي التابعني‪ ،‬وهذا‬
‫فيما روي عن عمران بن حصني‪ -‬رضي اهلل ع هما‪ -‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪ « :‬خري أم قرين مث‬
‫الذين يلوهنم ‪ ،‬مث الذين يلوهنم ‪ ،‬قال عمران‪ :‬فال أدري أذكر بعد قرنه قرنني أو ثالثة ‪ ،‬مث إن بعدكم‬
‫قوما يشهدون و ونون وال يؤم ون ‪ ،‬وال ي ذرون وال يقون وتظهر فيهم السمن »‪.2‬‬
‫وهذا يعطي ا صورة واضحة على أن اآلية الكرمية وا ديث ال بوي يدالن على أن التابعني « هـ ـ ـم‬
‫الذين اتبعوا أصحاب رسول اهلل ‪ ،‬متابعة سلوكية وأخالقية ‪ ،‬ومتابعة زم ية »‪.3‬‬
‫وه ا ب أن منيز بني جيلني من التابعني‪ :‬ا يل آول من التابعني وهم املخضرمون* الذين عاصروا‬
‫ال يب‪ ‬وأسلموا يف عهد ومل يرو ‪ ،‬وأخذوا العلم عن كبار الصحابة‪ ،‬وعاشوا يف عصر الصحابة ‪ ،‬وهم‬

‫‪ -1‬املعجم الوسيط ‪ :‬مع اللغة العربية ‪ ،‬مجمهورية مصر العربية ‪ ،‬ط‪ ،3‬د‪.‬ن‪ ،‬د‪.‬ت‪ .‬مادة ( ت ب ع ) ‪.‬‬
‫‪ -2‬البخاري ‪ :‬صحيح البخاري ‪ ،‬كتاب فضائل أصحاب ال يب‪ ،‬باب فضائل أصحاب ال يب ‪ ،‬ومن صحب ال يب أو رآ من املسلمني فهو‬
‫من أصحابه ‪ ،‬موسوعـة ا ديث الشريف ‪ ،‬الكتب الستة ‪ ،‬إشراف ومراجعة ‪ :‬صا عبد العزيز بن مد بن إبراهيم آل الشيخ ‪ ،‬ط‪،1‬الرياض‪،‬‬
‫دار السالم لل شر والتوزيع ‪ 1421 ،‬هـ ‪2000‬م ‪ ،‬ص‪ . 297‬رقم ا ديث ‪. 3650‬‬
‫‪ -3‬نبوي سراج ‪ :‬مع أئمة التابعني رجال خلف الرسول‪ ،‬ص‪. 10‬‬
‫*التابعون املخضرمون « َع َّد م هم مسلم وا من عشرين نفسا‪ ،‬م هم ‪ :‬أبوعمرو الشيباين ‪ ،‬وسويد بن غفلة‪ ،‬وعمرو بن ميمون‪ ،‬وأبوعثمان ال هدي‪،‬‬
‫وأبو ا الل العتكي ‪ ،‬وعبد خري بن يزيد ا يواين ‪ ،‬وربيعة بن زرارة ‪[ ،‬قال ابن الصالح ] ‪ :‬وممن مل يذكر مسلم ‪ :‬أبو مسلم ا والين عبد اهلل بن‬
‫ثوب ‪[،‬قلت] وعبد اهلل بن عكيم ‪ ،‬وآح ف بن قيس » ‪.‬‬
‫‪ -‬ابن كثري ‪ :‬الباعث ا ثيث شرح اختصار علوم ا ديث ‪ ،‬ص‪.143‬‬

‫‪204‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫وهم كبار التابعني ‪ ،‬أمثال‪ :‬شريح القاضي [‪ 42‬ق ه ‪87‬ه]‪ ،‬وأبو مسلم ا والين أدر ا اهلية‬
‫[ت‪62‬ه]‪ ،‬وآح ف بن قيس [‪ 3‬ق ه ‪72‬ه‪691‬م]‪ ،‬وأما ا يل الثاين وهم صغار التابعني يف السن‪،‬‬
‫وم هم‪ :‬عبد امللك بن مروان (‪ϴϲ -Ϯϲ‬هـ ‪ϳϬϱ-ϲϰϯ‬م)‪ ،‬وعروة بن الزبري [‪94 -22‬ه]‪ ،‬وسعيد‬
‫ابن املسيب [‪94-15‬ه]‪ ،‬وعامر بن شرحبيل الشعيب [‪102 -19‬ه] ‪ ،‬وا سن البصري [ت‪110‬ه‬
‫‪728‬م] ‪ ،‬و مد بن سريين [‪110 -33‬ه] وغريهم ممن أخذوا العلم عن كبار الصحابة العلماء‪،‬‬
‫و اصة التابعني الشعراء الذين عاشوا بداية حياهتم يف البادية‪ ،‬وعاشوا حياة شباهبم يف عهد معاوية بن‬
‫أ سفيان (ت‪60‬ه‪680‬م)‪ ،‬أمثال‪ :‬الفرزدق (ت‪ϭϭϲ‬ه ‪ϳϯϯ-ϲϰϭ‬م) وجرير (ت‪ϭϭϲ‬ه ‪-ϲϱϯ‬‬
‫‪ϳϯϯ‬م) والعجاج [ت‪ ϵϳ‬هـ] وعاشوا عصرهم الذهيب يف عهد عبد امللك بن مروان (‪ϴϲ -Ϯϲ‬هـ‬
‫‪ϳϬϱ-ϲϰϯ‬م) ا ليفة آموي ا امس (‪ϲϱ‬هـ ‪ϲϴϱ‬م) ‪.‬‬
‫ومما در اإلشارة إ ذكر ؛ أن ا ضارة ا ديدة ال دخلت مكة واملدي ة عن طريق املوا بعد‬
‫الفتوحات اإلسالمية يف عهد الصحابة ‪ ،‬قد لعبت دورا كبريا يف منط ا ياة والفكر ويف تكوين جيل‬
‫جديد من التابعني ‪ ،‬ف ـ ـ ـ« يف العصر آموي ‪ ،‬قد نشأ جيل آخر مل تكن له صلة با اهلية وال با ياة‬
‫القدمية إال ما يروى من أخبارها ‪ ،‬أما صلته كلها فبا ضارة آج بية ال دخلت كل شيء يف حياته ‪،‬‬
‫وهو جيل التابعني ‪ ،‬وكان خليطا من العرب واملوا ‪ ،‬وهم مجاعة من آجانب الذين سبوا يف الفتوح‬
‫هم وأب اؤهم‪ ،‬وكانوا كثريا يف املدي ة م ذ كانت الفتوح يف عهد أ بكر وعمر‪ ،‬وقد تر الزبري بن العوام‬
‫وحد م هم ألف عبد وأمة وكان غري من الصحابة تكتظ بيوهتم هبم»‪.1‬‬
‫وداللة هذا أن مكان وجود التابعني مرتبط مبساحة الفتوحات اإلسالمية ال وصلها الصحابة ‪ .‬إذ‬
‫تكون جيل التابعني وظهر يف زمن مبكر ‪ ،‬فكان م هم املخضرون‬ ‫بفضل انتشار الصحابة يف آقاليم ّ‬
‫الذين عاشوا يف زمن الرسول‪ ‬ومل يرو ‪ ،‬وكان للتابعني فضل محل لواء نشر اإلسالم واهلداية ‪ ،‬وجاهدوا‬
‫يف اهلل مع الصحابة « ووعظوا ا كام ونصحوا آمة وعلى أيدي أئمتهم ازدهرت العلوم الشرعية ‪،‬‬
‫فم هم الفقهاء والعلماء والقادة يف تلف اجملاالت ويف عهدهم ققت أ اد آمة اإلسالمية فصارت‬
‫« وقف هؤالء‬ ‫مرتامية آطراف‪ ،‬كما أضافـوا الكثري إ ما أ ز الصحابة الكرام »‪ ،2‬حيث‬

‫‪ -1‬شوقي ضيف ‪ :‬الشعر والغ اء يف املدي ة ومكة لعصر ب أمية ‪،‬ط‪ ، 5‬دار املعارف ‪1992 ،‬م‪ ،‬ص‪. 29‬‬
‫‪ -2‬نبوي سراج ‪ :‬مع أئمة التابعني رجال خلف الرسول‪،‬ص‪. 65‬‬

‫‪205‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫التابعون– أي آئمة م هم– أعمارهم على حفظ الس ة وتدوي ها‪ ،‬تعلمها وتعليمها ‪.‬فكانت مهمتهم‬
‫ت قية الس ة و لها ال‪ ،‬و ر ها لفظا لفظا‪ ،‬ومن التابعني من قام بتدوين تاريخ آمة وحفظه‪ ،‬كما‬
‫ترمجوا لرجاهلا‪ ،‬وسجلوا آحداث ال يفتخر هبا »‪ ، 1‬املسلمون ومن هؤالء ا سن البصري‬
‫(ت‪110‬هـ‪728‬م)‪.‬‬
‫وقد كان للتابعني نشاط علمي واسع‪ ،‬حيث « ع املسلمون من العصر آول بإفراد ما يتعلق‬
‫بالسري واملغازي يف كتب خاصة ‪ ،‬فقد روي أن وهب بن م به[‪110 -34‬هـ] ألف كتابا يف املغازي ‪،‬‬
‫كما روي أن عروة بن الزبري بن العوام[‪94 -23‬هـ] وهو من أشهر فقهاء املدي ة و دثيها كان أقدم من‬
‫ألف يف سرية رسول اهلل ومثله معاصر أبان بن عثمان [‪105 -22‬هـ] فقد مجع له تلميذ عبد الرمحن‬
‫ابن املغرية[ت‪125‬ه] كتابه يف سرية الرسول‪ .‬كذلك رووا أن ابن شهاب الزهري [‪125-51‬ه] مجع‬
‫كتابا يف املغازي ‪ ،‬ومثله موسى بن عقبة [ت‪141‬هـ]»‪.2‬‬
‫باإلضافة إ هذا ال شاط العلمي‪ ،‬ونظرا التساع الرقعة ا غرافية لإلسالم يف زمن التابعني‪ ،‬وبعد‬
‫« دخول آعاجم اإلسالم ‪ ،‬ظهرت بعض البدع على أيدي املوا وغريهم مع بعضهم عادات توارثوها‬
‫قـد هدمها اإلسالم ‪ ،‬ومحل الوالة وآمراء مسؤوليتهــم يف ذلك فاستعان بعض ا كام بأئمة التابعني كي‬
‫تستمر آمـة على ما تركها عليه رسول اهلل ‪ ،‬لذلك قام التابعون بدور الوعاظ»‪ ،3‬فوعظـوا ونصحوا‬
‫املسلمني‪ ،‬ووقفوا يف وجـه العبث بتعاليم اإلسالم‪ ،‬فضربوا بذلك أروع آمثلة يف ا هـاد بالسيف‬
‫واللسان‪ ،‬فسجلوا آثارهم ا هادية ومفاخرهم يف أشعارهم ‪ ،‬كما شاركوا يف تطور ا ركة الفكرية وآدبية‬
‫وال قدية من خالل السهم ال كان يسمع فيها للشعراء وتصدر فيها آحكام ال قدية ‪ ،‬ويف هذا‬
‫اجملال برع كثري من الشعراء وال قـاد الذين ساروا على هنج الصحابة يف موقفهم من الشعر والشعراء ‪،‬‬
‫فكـان من التابعني ا لفاء والفقهاء والقضاة والشعراء ‪ ،‬وكان هلم اهتماما كبريا باجملال آد وال قدي ‪.‬‬
‫والتساع رقعة مساحة اإلسالم يف عهد التابعني ‪ ،‬فإن ا مل نتمكن من تقدير عدد التابعني وحصر ‪،‬‬
‫وأحسب أنه يعد مبئات اآلالف ‪ ،‬وتتابع الفتوحات جعلت العدد يف تزايد مذهل ‪.‬‬

‫‪ -1‬نبوي سراج ‪ :‬مع أئمة التابعني رجال خلف الرسول‪،‬ص ص ‪. 13 -12‬‬


‫‪ -2‬أمحد أمني ‪ :‬فجر اإلسالم ‪ ،‬ط‪ ، 11‬بريوت ‪ ،‬لب ان ‪ ،‬دار الكتاب العر ‪1979 ،‬م ‪ ،‬ص ‪. 178‬‬
‫‪ -3‬نبوي سراج ‪ :‬مع أئمة التابعني رجال خلف الرسول‪ ،‬ص ‪.19‬‬

‫‪206‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫وقد خلف جيل التابعني تراثا أدبيا شعرا ونقدا‪ ،‬كان له آثر آكرب يف تاريخ تطور ا ركة الفكرية‬
‫وآدبية وال قدية يف عصرهم‪ ،‬وبعد جيلهم ‪.‬‬
‫وعن مدى أمهية ا ركة الشعرية وال قدية يف عصر التابعني‪ ،‬فقـد كانت حركة قوية ‪ ،‬ويتضح هذا من‬
‫خالل أماكن وبيئات التابعني الشعراء ‪ ،‬ال بقيت صورة يف البيئة العربية لدواعي سياسية ‪ ،‬خاصة يف‬
‫بداية الصرع السياسي‪ ،‬الذي كان قائما ضد آمويني‪ ،‬لـ ـ ـ ـ« أن الدولة آموية ال ا ذت الطابع امللكي‬
‫الوراثي ‪ ،‬شاعت فيها ا ركة الشعرية شيوعا بارزا ‪ ،‬يف ضوء الثراء الفاحش ‪ ،‬وآخذ بأسباب ا ضارة‪،‬‬
‫ويف ضوء ال اقمني على الدولة من شيع وأحزاب معارضة ‪ ،‬ومتوافقة كا زب آموي‪ ،‬ويف ضوء اال ا‬
‫العاطفي العذري ‪ ،‬أو املادي‪...‬فتحدثت املصادر عن "أماكن" أو مراكز أو بيئات متعددة نشط فيها‬
‫الشعر بألوانه املختلفة‪ .‬ولكن مثة مؤثرات أو أسباب أسهمت يف استمرار الشعر ونضجه‪ ،‬فا ه الشعراء‬
‫إ خوض أغراض ومعان عديدة يعربون فيها عن مواقفهم السياسية والعاطفية‪ ،‬وعن تأمالهتم يف الكون‬
‫ومظاهر ‪ ،‬وغري ذلك من آغراض » ‪.1‬‬
‫وقد أصبحت كل من املدي ة ومكة و د ‪ ،‬والعراق "البصرة والكوفة" ‪ ،‬والشام ومصر ‪ ،‬وفارس‪ ،‬وكل‬
‫املدن ال نزل هبا الصحابة واستقروا فيها مدن كربى‪ ،‬ومراكز دي ية وسياسية وأدبية قوية‪ ،‬وكان ممن أدى‬
‫إ تطور ا ياة السياسة واالجتماعية واالقتصادية وآدبية فيها‪ ،‬ظهور التابعني الشعراء الذين احرتفوا فن‬
‫الشعر و زبوا ‪ ،‬ومن هؤالء التابعني أوالد الصحابة‪ ،‬وغري أوالد الصحابة‪ ،‬وقد ت قل التابعون الشعراء بني‬
‫هذ املدن لظروف سياسية إما ملدح خليفة أو وا أو قائد ج د ‪ ،‬أو موسم ا ج‪ ،‬أو الضطهاد من‬
‫طرف الساسة آمويني ‪ ،‬حيث كان التابعون الشعراء يت قلون من مكان إ آخر ‪ ،‬ويلتقون ويتسامرون‬
‫وت افسوا يف مذاهبهم الشعرية ‪ ،‬ويوازنون بني الشعراء ‪ ،‬من خالل مساع أشعار بعضهم بعضا ‪ ،‬ونقدها ‪،‬‬
‫وقد مثلوا تيارات دي ية وفكرية وأفكارا سياسية حزبية ‪ ،‬عربت عن ميوال هتم السياسية والقبلية ‪ ،‬وعكست‬
‫رغباهتم يف عطايا ا لفاء ‪.‬‬

‫‪ -1‬حسن الب داري ‪ :‬الشعر العر يف عصر صدر اإلسالم والعصر آموي ‪ ،‬ط‪ ،1‬د‪.‬م ‪ ،‬مكتبة آ لو املصرية ‪2003 ،‬م ‪ ،‬ص ‪. 80‬‬

‫‪207‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫ثانيا ‪ :‬مفهوم الشعر ع د التابعين‬

‫‪208‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫مفهوم الشعر ع د التابعين‬


‫مما هو جدير بالذكر‪ ،‬أنه إذا كان الصحابة هم من حددوا مفهوم الشعر مفهوما ف يا‪ ،‬بعد مفهوم‬
‫الرسول‪ ،‬و اوزوا برؤيتهم ال قدية مفهوم العرب للشعر‪ ،‬حيث كان مفهوم العرب للشعر مل يتجاوز حدود ا رافة‪،‬‬
‫فهل استطاع التابعون أن يضيفوا إ ال قد آد رؤية جديدة يف مفهوم الشعر ‪ ،‬وأن يتجاوزوا ما رمسه الصحابة من‬
‫حدود نقدية وف ية ملفهوم الشعر ؟ وما هو دور وأثر التابعني يف الفكر آد وال قدي من خالل مفهومهم للشعر ؟‬
‫من ا لي الواضح أن الثقافة آدبية وال قدية للسادة التابعني ا لفاء والعلماء والشعراء‪ ،‬ثقافة واسعة‪،‬‬
‫تكونت لديهم نتيجة للتحصيل مما وصل إليهم من موروث عر وإسالمي ‪ ،‬فجمعوا يف صدورهم بني‬
‫الثقافة آدبية وال قدية ‪ ،‬ورواية الشعر ونقد ‪ ،‬وآخبار وال سب‪ ،‬والفقه والتفسري ورواية ا ديث ‪.‬‬
‫وقد كان للصحابة دور فعال يف نقل هذ الثقافات إ عصر التابعني‪ ،‬ويعد الشعر واحدا من هذ‬
‫الثقافات‪ ،‬ال نبغ فيه التابعون على مستويات عدة؛ من حيث اإلنشاد‪ ،‬والرواية وال قد‪ ،‬واإلبداع‪.‬‬
‫كما أن اهتمام التابعني وموقفهم من الشعر والشعراء موقف إ ا ‪ ،‬ال يقل أمهية عن اهتمـام‬
‫الصحابة والرسول ‪ ‬بالشعر والشعراء قبلهم ؛ حيث سار التابعون على هنجهم‪ ،‬وكان من القضايا ال قدية‬
‫ال اشتغل عليها التابعون ال قاد والشعراء مفهوم الشعر‪ ،‬ورغم التطور الفكري والف الذي وصل إليه‬
‫عصر التابعني‪ ،‬إال أن التابعني ال قاد والشعراء وقفوا على طريف نقيض يف مفهومهم للشعر ‪.‬‬
‫هلذا فمن آمهية طرح السؤال اآليت ‪ :‬ما هو مفهوم الشعر من م ظور التابعني ال قاد والشعراء ؟‬
‫بعد تتبع ا لْثار ال قدية للتابعني‪ ،‬تبني ل ا أن أبا بكر مد بن سريين (ت‪ϭϭϬ‬هـ ‪ϳϵϵ‬م)‪ ،‬فقيه‬
‫املدي ة ‪ ،‬قد اهتم بالشعر رواية وإنشادا ونقدا‪ ،‬وكانت له اجتهادات ديدية يف ال ال قد‪ ،‬ذات أثر بالغ‬
‫آمهية؛ حيث وقف ع د حد الشعر وبني مفهومه ا ديد ‪ ،‬بعد أن عرفه الصحابة وحددوا هويته ‪.‬‬
‫وهلذا يعد ابن سرين التابعي الوحيد‪ ،‬الذي عرف الشعر مبفهومه ا ديد الذي يتماشى وروح العصر‪،‬‬
‫فقال‪ « :‬الشعر كالم عقد بالقوافي ‪ ،‬فما حسن في الكالم حسن في الشعر ‪ ،‬وكذلك ما قبح »‪.1‬‬
‫وهو تعريف ف للشعر‪ ،‬وأول ما نالحظه يف هذا التعريف‪ ،‬هو تطور مفهوم الشعر على ما كان عليه‬
‫يف عهد الصحابـ ـ ــة؛ حيث برز يف الساح ـ ـ ـة الفكرية وآدبية وال قدية املصطلح العروضي القافية‪ ،‬وقد دل‬
‫هذا على تطور ال ظرة اإلسالمية للشعر‪ ،‬ال بدأت تأخذ شيئا فشيئا بعدا ذا طابع نقدي ف يعرب من‬

‫‪ -1‬ابن رشيق ‪ :‬العمدة ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬ص ‪.Ϯϱ‬‬

‫‪209‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫ماليات الشعر‪ ،‬وأسسه الف ية اإليقاعية أي العروضية‪ ،‬يف عصر التابعني ‪.‬‬ ‫خالله عن إدرا‬
‫والواضح أن قول ابن سريبن‪ " :‬الشعر كالم عقد بالقوافي" دل على أن الكالم الشعري كالم ف ‪،‬‬
‫تتحكم فيه معايري ال ظم الف ال جعلته تلف عن سائر الكالم العر ‪ ،‬رغم أن اللغة العربية لغة‬
‫شاعرية بطبيعتها‪ ،‬ولكن ابن سريين نظر إ الشعر " القصيدة " و " املقطوعة " نظرة ف ية ‪ ،‬فالحظ أن‬
‫القافية تقفوا إثر كل بيت من خالل قيق التكرار ودميومته ح هناية ال ص الشعري ‪ ،‬فأدر بذلك‬
‫إيقاع البيت‪ ،‬وهو الوزن‪ ،‬لك ه مل دد ‪ ،‬ومل يصفه‪ ،‬فاكتفى مبا است تجه من فهم إليقاع موسيقى‬
‫العروض املتكرر يف القصيدة فحصر يف القافية‪ ،‬وبالتا فالقول‪ :‬بأن" الشعر كالم عقد بالقوافي " دل‬
‫على أن الكالم الشعري يتكون من‪ :‬اللفظ ‪ +‬مع ‪ +‬قافية‪ ،‬و(‪+‬وزن) وهو اإليقاع الذي أ قه بالقافية ‪.‬‬
‫ولكن ‪ ،‬اللفظ واملع يف الشعر تلفان عما مها عليه يف سائر الكالم‪ ،‬ومها ال يظهر دورمها ا ما‬
‫يف الشعر إال إذا اقرتنا بالوزن وعقدا بالقافية‪ ،‬أي ارتبطا هبا ارتباطا ف يا ال انفصام له‪ ،‬وع دئذ يقال هذ‬
‫لغة شعر‪ ،‬ويكون الكالم الشعري كالما ف يا تلف عن سائر الكالم ‪.‬‬
‫والقافية ال ركز عليها ابن سريين كطرف يف الب اء الف للشعر‪ ،‬هي إحدى الفكر ال قدية ال ال‬
‫يكون الشعر شعرا إال من خالل مشاركتها يف العملية اإلبداعية الف ية يف ب اء القصيدة أوالقطعة الشعرية‪،‬‬
‫إ جانب الوزن‪ ،‬وهو آمر الذي أكد ابن رشيق (‪ ϰϱϲ –ϯϵϬ‬هـ)‪ ،‬بعد ‪ ،‬وعرب ع ه قائال‪ « :‬القافية‬
‫شريكة الوزن يف االختصاص بالشعر‪ ،‬وال يسمى شعرا ح يكون له وزن وقافية »‪.1‬‬
‫وهذا الرأي يؤكد أن مصطلح القافية ظهر مبكرا‪ ،‬ولعله قدمي * ‪ ،‬وهو أحد أسس ال ظرة ا ديدة‬
‫ملفهوم الشعر ع ـ ـد التابعني‪ ،‬والقافيـ ـ ـ ـة واحدة من القضايا العروضي ـ ـة ال ظهرت فيما بعد وأخذت طابـ ـ ـع‬

‫‪ -1‬ابن رشيق ‪ :‬العمدة ‪ ،‬ج ‪ ، ϭ‬ص ‪. ϭϮϴ‬‬


‫*جاء يف كتاب الصاحيب‪« :‬فإن قال قائل‪ :‬فقد تواترت الروايات بأن أبا آسود أول من وضع العربية ‪ ،‬وأن ا ليل أول من تكلم يف العروض‪ ،‬قيل له ‪:‬‬
‫ن ال ن كر ذلك ‪ ،‬بل نقول ‪ :‬إن هذين العلْم ْني قد كانا قدميا ‪ ،‬وأتت عليهما آيام وقال يف أيدي ال اس ‪ ،‬مث جددمها اإلمامان ‪ ...‬وأما العروض فمن‬
‫الدليل على أنه كان متعارفا معلوما اتفاق أهل العلم على أن املشركني ملا مسعوا القرآن قالوا ‪ ( :‬أو من قال م هم ) إنه شعر ‪ .‬فقال الوليد بن املغرية ‪:‬‬
‫م كرا عليهم ‪ " ،‬لقد عرضت ما يقرؤ مد على أقراء الشعر ‪ ،‬هزجه ورجز ‪ ،‬وكذا وكذا ‪ ...‬فلم ( أر ) يشبه شيئا من ذلك"‪ .‬أفيقول الوليد هذا وهو‬
‫ال يعرف ور الشعر؟ » ‪.‬‬
‫‪ -‬أبو ا سن مد بن فارس ‪ :‬الصاحيب يف فقه اللغة وس ن العرب يف كالمها ‪ ،‬حققه وقدم له ‪ :‬مصطفى الشوميي ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬لب ان ‪ ،‬مؤسسة أ ‪.‬‬
‫بدران ‪ ،‬للطباعة وال شر ‪ϭϯϴϮ ،‬هـ ‪ϭϵϲϯ‬م ‪ ،‬ص ‪. ϯϴ‬‬

‫‪210‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫الفن املستقل‪ ،‬كما هو ا ال ع د ا ليل بن أمحد الفراهيدي*(ت‪ϭϳϬ‬هـ)‪ ،‬وآخفش**(ت‪Ϯϭϭ‬هـ) ‪،‬‬


‫اللذان حاوال فيما بعد دراسة قضايا املصطلحات العروضية ومن بي ها القافية ‪.‬‬
‫وأما قول ابن سريين‪ " :‬فما حسن في الكالم حسن في الشعر وكذلك ما قبح "‪ ،‬فجعل معياري‬
‫ا سن والقبح اللذين مها من مقومات الكالم ال ثري مقياسا للشعر‪ ،‬الذي هو أيضا فيه الكالم ا سن‬
‫وفيه الكالم القبيح‪ ،‬كما يقصد بقوله ‪ " :‬فما حسن يف الكالم حسن يف الشعر " فاملقصود بالكالم من‬
‫دون شك هو ال ثر الف ي ‪ ،‬وهو كما يقول طه حسني ‪ « ،‬ال ثر الذي ميكن أن يعد أدبا ‪ ،‬والذي ميكن‬
‫أن يقال‪ :‬إنه فن‪ ،‬فيه مظهر من مظاهر ا مال‪ ،‬وفيه قصد إ التأثري يف ال فس من أي ناحية من‬
‫أ ائها‪ .‬هو هذا الكالم الذي يع به صاحبه ع اية خاصة ويتكلفه تكلفا خاصا‪ ،‬ويريد أن يأخذ‬
‫بال ظر فيه والتعويل عليه‪ ،‬كما يع الشاعر بشعر و اول أن يؤثر به يف نفسك »‪ 1‬من خالل اللغة يف‬
‫ألفاظها ومعانيها وتراكيبها‪ ،‬ال ال تتميز عن باقي الكالم إال بالقافية ال تقيدها وفق اإليقاع املوسيقي‬
‫الذي اختص به الشعر‪ ،‬وبالتا فال تظهر مجاليات الشعر إال من خالل تكرار القافية ال تضفي على‬
‫الكالم خصوصية الشعر‪ ،‬إ جانب الوزن‪ ،‬وحسن اختيار آلفاظ وبراعة تركيبها ‪.‬‬
‫وقد أكد طه حسني هذ ال ظرة أث اء حديثه عن تعريفه للشعر ‪ ،‬فقال‪ « :‬إن العرب متفقون أيضا‬
‫على أن الشعر ال يكون شعرا ح يقيد بالقافية تقييدا ما ‪ ،‬فأما القدماء فكانوا يلتزمون القافية الواحدة‬
‫وآرجوزة‪ ،‬مث أخذ بعضهم يتحلل من هذ القافية يف الرجز مث يف القصيدة‪ ،‬وافت وا يف ذلك افت انا كثريا ‪.‬‬

‫* « أبو عبد الرمحن ا ليل بن أمحد‪...‬أول من مسي يف اإلسالم بأمحد ‪ ،‬وأصله من آزد من فراهيد ‪ ،‬وكان يونس يقول ‪ :‬فرهودي مثل أردوسي ‪ ،‬وكان‬
‫غاية يف استخراج مسائل ال حو‪ ،‬وتصحيح القياس ‪ ،‬وهو أول من استخرج العروض وخص به أشعار العرب ‪ ،‬وكان من الزهاد يف الدنيا امل قطعني إ‬
‫العلم ‪ ،‬وكان شاعرا مقال‪ ،‬تويف ا ليل بالبصرة س ة سبعني ومائة وعمر أربع وسبعون س ة ‪ ،‬وذكر له ابن ال دمي تسعة (‪ )ϵ‬مؤلفات من بي ها كتاب‬
‫العروض » ‪.‬‬
‫‪ -‬ا بن ال دمي‪ :‬الفهرست‪ ،‬ص ص‪. ϮϬϬ -ϭϵϵ‬‬
‫**«أبو ا سن سعيد بن مسعدة مو لب اشع بن دارم من مشهري ويي البصرة ‪ ،‬أخذ عن سيبويه وهو أحد أصحابه ‪ ،‬وكان آخفش أسن م ه‪،‬‬
‫ولقي من لقي سيبويه من العلماء والطريق إ كتاب سيبويه آخفش وذلك أن كتاب سيبويه ال يعلم أن أحدا قرأ عليه وال قرأ سيبويه على أحد ‪،‬‬
‫ولك ه ملا مات قرأ الكتاب على آخفش وكان ممن قرأ عليه أبو عمرو ا رمي‪ ،‬وأبو عثمان املازين وغريمها‪ ،‬ومات آخفش س ة إحدى عشرة ومائتني‬
‫بعد الفراء ‪ ،‬قال البلخي يف كتابه " فضائل خراسان "‪ :‬أصله من خوارزم ويقال تويف س ة مخسة عشر ومائتني (‪Ϯϭϱ‬هـ) وروى آخفش عن محاد‬
‫ابن الزبرقان وكان بصريا ‪[ .‬وذكر له ابن ال دمي ستة عشرة كتابا ( ‪ )ϭϲ‬م ها] ‪ :‬كتاب العروض ‪ ،‬وكتاب معاين الشعر » ‪.‬‬
‫‪ -‬املصدر منفسه ‪ ،‬ص ص ‪. Ϯϯϳ-Ϯϯϲ‬‬
‫‪ -ϭ‬طه حسني ‪ :‬يف آدب ا اهلي ‪ ،‬ص ‪. ϯϮϲ‬‬

‫‪211‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫كما افت وا يف الوزن نفسه افت انا كثريا‪ ،‬فالبد إذن من أن يكون لفظ الشعر مقيدا باملقياس العروضي‬
‫املوسيقي من ناحية‪ ،‬وبالقافية من ناحية أخرى‪ ،‬ولكن الشعراء وآدباء ال يكتفون عادة هبذا املقدار من‬
‫التقييد اللفظي‪ ،‬وإمنا يريدون أن تكون للشعر لغة خاصة تارة اللفظ اختيارا دقيقا‪ ،‬مي حه روعة وجزالة‬
‫أحيانا‪ ،‬ومي حه رقة وعذوبة أحيانا أخرى‪ ،‬ويعصمه على كل حال من االبتذال ‪ .‬فالبد إذن من أن يقيد‬
‫الشعر بقيد ثالث هو ا ودة الف ية للفظ الذي يتألف م ه »‪.1‬‬
‫وا قيقة ال ت كشف ل ا هي أن جهد ابن سريين مل يتوقف ع د ديد ملفهوم الشعر‪ ،‬بل كان‬
‫حريصا على تعليم الشعر لل اس‪ ،‬وتثقيفهم بثقافته ال قدية ا ديدة ليتضح هلم مفهوم الشعر‪ ،‬ومدار الف‬
‫الذي يتماشى مع العصر ‪ .‬فقد روي ع ه ‪ « :‬أَنْ َشد ابن سريين شعرا‪ ،‬فقال له بعض جلسائه مثلك‬
‫يـَْشد الشعر يا أبا بكر فقال‪ " :‬ويـلك يا لُكع وهل الشعر إال كالم ال يخالف سائر الكالم إال في‬
‫القوافي فحس ه حسن وقبيحه قبيح"»‪ .Ϯ‬فالواضح يف هذا ال ص ال قدي أن ابن سريين يرد على من‬
‫اول أن يرفع من درجة الوعي ال قدي لدى السائل قائال‬ ‫ادل يف عدم جواز إنشاد الشعر‪ ،‬هلذا نرا‬
‫له‪ " :‬ويلك يا لُكع وهل الشعر إال كالم ال يخالف سائر الكالم إال في القوافي "‪ ،‬مع هذا أن‬
‫الشعر ثقافة من بني الثقافات ال وصلت إ التابعني وهو من الف ون الكالمية‪ ،‬إذا تقيد بالقافية ي تقل‬
‫من الكالم ال ثري إ الكالم الشعري ‪ ،‬وبالتا فالقافية هي من ا دود الفاصلة بني الفن ال ثري والفن‬
‫الشعري باعتبارمها كالما جعال ا سن والقبح شركة بي هما ‪.‬‬
‫وهذا ما أشار إليه أدونيس يف حديثه عن الشعرية العربية يف قوله‪ « :‬إن القافية هي يف املقام آول‬
‫خاصية إنشادية موسيقية ‪ .‬فمن شروطها أال توضع لذاهتا‪ ،‬وإمنا ب أن تكون جزءا عضويا يف سياق‬
‫البيت ‪ ،‬تتفق مع وزنه ومع ا ‪ .‬وهي إذن جوهرية وليست زيادة أو ملء فراغ »‪.ϯ‬‬
‫وعلى هذا فإن ابن سريين يعطي هبذ ال ظرة ال قدية بعدا ثقافيا وفكريا وأدبيا ونقديا ومجاليا‪ ،‬لبلورة‬
‫نظرية جديدة ‪-‬مل يقف ع دها العرب‪ ، -‬من خالل إضافته إصطالحا جديدا يف تطوير مفهوم الشعر‪،‬‬

‫‪ -1‬طه حسني ‪ :‬يف آدب ا اهلي ‪،‬ص ‪. 311‬‬


‫‪ -2‬أبو عبد اهلل مد بن أمحد مشس الدين القرطيب‪ :‬ا امع ٓحكام القرآن ‪ ،‬قيق ‪ :‬أمحد الربادوين وإبراهيم اطفيش ‪ ،‬ط‪ ، Ϯ‬القاهرة‪ ،‬دار الكتب‬
‫املصرية ‪ϭϯϴϰ ،‬ه ‪ϭϵϲϰ‬م‪ ،‬ج ‪ ، ϭϯ‬ص ‪. ϭϰϴ‬‬
‫‪ -ϯ‬أدونيس ‪ :‬الشعرية العربية ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬دار اآلداب ‪1984 ،‬م ‪ ،‬ص ‪. ϭϯ‬‬

‫‪212‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫الذي حدد قبله الرسول ‪ ،‬ومن بعد الصحابة‪ ،‬وهي نظرة توحي بكل تأكيد بأن ابن سريين كانت‬
‫له ربة و"خربة " قوية وواسعة وعميقة مع حركة الشعر يف عصر وقبل عصر وقبل قبل عصر ‪ ،‬هذ‬
‫التجربة ال جعلته يتذوق الشعر ويفهم روحه و دد بعض ف ياته "القافية"‪ ،‬ال ميزت الشعر عن سائر‬
‫الكالم متييزا ف يا‪ ،‬وهي ال ظرة االصطالحية ال قدية ال تطورت وتعمقت ع د العامل ال اقد البصري أبو‬
‫الفرج قدامة* بن جعفر (ت ‪ϯϯϳ‬هـ)‪ .‬يف العصر العباسي ‪ ،‬يف مفهومه** للشعر‪.‬‬
‫إ ًذا‪ ،‬من خالل هذ الرؤية ال قدية يتضح ل ا أن مفهوم الشعر ع د ال قاد التابعني هو عملية ف ية‬
‫ري على لسان الشاعر ضع إليقاع موسيقي عروضي (قافية ووزن)‪ ،‬يُبلغ الشاعر من خالهلا ما أراد‬
‫من أقوال وأفكار يف ألفاظ معربة وأسلوب مجيل‪ ،‬ومعاين ساحرة‪ ،‬ومن هذا املفهوم ميكن أن نسجل بكل‬
‫ارتياح بأن الشعر كانت له مكانة ف ية جديدة‪ ،‬وأن نقد الشعر مل مد‪ ،‬بل تطور وأخذ بعدا ف يا‪ ،‬من‬
‫خالل ظهور مصطلح القافية كمصطلح نقدي يف عهد التابعني‪ ،‬وهي قيمة نقدية مجالية جديدة مضافة‬
‫ساعدت على ت امي الفكر ال قدي العر اإلسالمي يف عصر التابعني ‪.‬‬
‫ولكن ‪ ،‬على ما يبدو أن للقافية مفهوما ومدلوال خاصا يف عرف الشعراء ‪ ،‬حيث توارث العرب‬
‫مصطلح " القافية "‪ ،‬وتواتر إطالقها ع د الشعراء على القصيدة‪ ،‬وأطلقوا على القصائد اسم القوايف ‪،‬‬
‫وهو مفهوم قدمي أطلقه الشعراء الصحابة " املخضرمون " وتوارثه ع هم الشعراء التابعون ‪.‬‬
‫]الطويل[‬ ‫فقال حسان بن ثابت ‪:‬‬
‫الس َماء نـُُزوُهلَا‪.1‬‬
‫َوقَافيَة َع َّجت بليل َرزيَة تيقة م ْن َجو َّ‬
‫]الطويل[‬ ‫وقال كعب بن زهري استجابة لطلب ا طيئة أن يذكر يف شعر ليزيد يف قيمته الف ية ‪:‬‬

‫* « هو أبو قدامة بن جعفر بن قدامة ‪ ،‬وكان جد نصرانيا وأسلم على يدي املكتفي باهلل ‪ /‬وكان قدامة أحد البلغاء الفصحاء والفالسفة الفضالء ‪،‬‬
‫وممن يشار إليهم يف علم امل طق ‪ ،‬وكان أبو جعفر ممن اليـُ َف َّكُر فيه والعلم عبد ‪ .‬وله من الكتب ‪ :‬كتاب تقد الشعر ‪ ،‬وكتاب السياسة ن وكتاب الرد‬
‫على ابن املعتز فيما عاب به أبا متام ‪ ،‬وكتاب ثتاعة ا دل ‪ ،‬وكتاب جواهر آلفاظ ‪ ،‬وكتاب نقد ال ثر » ‪.‬‬
‫‪ -‬ابن ال دمي ‪ :‬الفهرست ‪ ،‬ص ص ‪. ϱϳϭ -ϱϳϬ‬‬
‫**قال يف تعريفه للشعر‪ «:‬إنه قول موزون مقفى يدل على مع »‪ .‬فمن دون شك أن هذا املفهوم ي طلق من ا لفية الفكرية والف ية ع د ابن سريين ‪.‬‬
‫‪ -‬أبو الفرج قدامة بن جعفر ‪ :‬نقد الشعر ‪ ،‬قيق وتعليق ‪ :‬مد عبد امل عم خفاجي‪ ،‬ط‪ ، ϭ‬القاهرة‪ ،‬املكتبة آزهرية‪ϭϰϮϲ ،‬هـ ‪ϮϬϬϲ‬م‪ ،‬ص‪ϱϱ‬‬
‫وما بعدها ‪.‬‬
‫‪ -1‬شرح ديوان حسان بن ثابت آنصاري ‪ ،‬ص ‪. 388‬‬

‫‪213‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫إذا ما ثـَ َوى كعب َوفَـ ْوُز َج ْرَو ُل‪.1‬‬


‫فَ َم ْن ل ْل َق َوايف َشانـُ َها َم ْن وكها‬
‫مث جاء بعدهم التابعي الفرزدق*(ت‪116‬ه ‪733-640‬م) فقال يهجو بلحارث بن كعب‪[ :‬البسيط]‬
‫اب الغَ ْور ذي ال ُقَن‪.2‬‬
‫استَمعُوا إذا بـَلَ ْغ َن ش َع َ‬
‫إن القوايف لَ ْن يـَ ْرج ْع َن فَ ْ‬
‫إن املقصود يف أقوال الشعراء بـالقوايف و« القافية ه ا القصيدة‪ ،‬والعرب تسمي البيت من الشعر قافية‪،‬‬
‫ويسمون القصيدة كلها قافية »‪ ،ϯ‬وأحسب أن التابعي الفرزدق وقبله الصحابة الشعراء أطلقوا " القافية "‬
‫على القصيدة ٓهنا مقفاة‪ ،‬وال أعتقد أهنم كانوا هلون القافية ودورها الف يف ب اء القصيدة ‪ ،‬و اصة يف‬
‫عصر التابعني (أي العصر آموي) الذي تطورت فيه ال ظرة الف ية إ الشعر ‪.‬‬
‫هذا عن مفهوم الشعر من م ظور ف تق ‪ ،‬الذي أسسه أحد التابعني ال قاد‪ ،‬يف القرن آول‬
‫اهلجري‪ ،‬وما كان ري من تصور للقافية يف ذهن الشعراء الصحابة والتابعني‪ ،‬وهو املفهوم الذي أعطى‬
‫ص ـورة واضحـة تدل قطعا على تـطور ا دل ال قدي‪ ،‬الذي شار فيه كل من له عالقة بالشعر وال قد يف‬
‫عصر التابعني ‪.‬‬
‫وعلى هذا فقد لى ل ا أن مفهوم الشعر مل يقف ع د نظرة ال قاد فحسب‪ ،‬بل د أن للتابعني‬
‫الشعراء نظرة خاصة للشعر‪ ،‬وهلم تصور آخر ملفهوم الشعر يف عصرهم‪ ،‬حيث ارتبط مفهوم الشعر ع د‬
‫الشعراء بشياطني الشعر‪ ،‬وحافظ معتقد شياطني الشعراء على وجـود يف عصر التابعني يف القرن آول‬
‫اهلجري‪ ،‬وهي ال ظرة ال كانت سائدة يف العصر ا اهلي‪ ،‬وال زالت مبجيء اإلسالم يف املدي ة ومكة‬
‫على أقل تقدير‪ ،‬وبأفول دولة ا لفاء الراشدين استيقظ يف لية التابعني الشعراء ما كان تار ا ‪ ،‬فأصبح‬
‫واقعا فكريا معيشا‪ ،‬يتداول يف آسواق واجملالس آدبية ويدافع ع ه الشعراء ‪ « ،‬ولعل الفرزدق أن يكون‬
‫من أكثر الشعراء ترديدا له‪ ،‬ويقال‪ :‬إن اسم شيطانه " عمرو " ويذكر أن الفرزدق حني يفتخر بشعر أنه‬

‫‪ -1‬كعب بن زهري ‪ :‬الديوان ‪ ،‬قيق ‪ :‬مد يوسف م ‪ ،‬ص‪. 82‬‬


‫*« هو مهام بن غالب بن صعصعة بن ناجية بن عقال بن مد بن سفيان بن اشع بن دارم ‪ .‬وكان جد صعصعة عظيم القدر يف ا اهلية واشرتى‬
‫ثالثني موؤودة‪...‬مث أتى ال يب وأسلم‪..‬وإمنا لقب بالفرزدق لغلظه وقصر شبه بالفتيتة ال تشرهبا ال ساء وهي الفرزدقة وك يته أبوفراس‪ ...‬وكان للفرزدق أخ‬
‫يقال له آخطل أسن م ه واب ه مد بن آخطل كان توجه مع الفرزدق إ الشام فمات هبا والعقب له ورثا الغرزدق» هجا جريرا وآخطل‪.‬‬
‫‪ -‬ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ث ث ‪. . ϯϭϲ -ϯϭϱ‬‬
‫‪ -2‬الفرزدق ‪ :‬الديوان ‪ ،‬شرحه وضبط نصوصه وقدم له ‪ :‬عمر فاروق الطباع ‪ ،‬ط‪ ، 1‬شركة آرقم بن أ آرقم للطباعة وال شر والتوزيع‪1418 ،‬ه‬
‫‪1997‬م ‪ ،‬ص‪. 693‬‬
‫‪ -3‬شرح ديوان حسان بن ثابت آنصاري ‪ ،‬احملقق ‪ :‬هامش صفحة ‪. 388‬‬

‫‪214‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫[البسيط[‬ ‫" أشعر خلق اهلل شيطانا " »‪ .1‬قال ‪:‬‬


‫ب الع ْقبَا ُن َخبَّـَرَها ل َسا ُن أَ ْش َعر أَ ْهل ْآَْرض َشْيطَانَا‪.Ϯ‬‬ ‫َّ‬
‫َكأَنـَّ َها الذ َه ُ‬
‫ويظهر كما يقول إحسان عباس‪ « :‬إن الفرزدق تزحزح عن هذا املعتقد حني تصور أن الذي ي فث‬
‫الشعر يف فمـ ـ ـه هو " إبليس* " واب ه ‪ ،‬مع أن أحـ ـ ـدا من ا اهليني مل ي ـ ـ ـذكر أن رئيس الشياطني مص ـ ـ ـدرا‬
‫[الطويل[‬ ‫لإلهلام »‪ .ϯ‬يقول الفرزدق ‪:‬‬
‫َهلُ ْم ب َع َذاب الَّاس ُك َّل غُالَم‬ ‫يس أَلْبَـَـا‬ ‫َّ‬
‫َوإن ابـْ َن إبْليس و إبْل ُ‬
‫العاوي أَ َشد ر َجام‪.ϰ‬‬‫من فَ َم َويْه َما على الَّابح َ‬ ‫يف ْ‬ ‫ُمهَا تَـ َفالَ يف َّ‬
‫و د هذا التصور نفسه ع د « جرير** [ت ‪ ϭϭϲ‬هـ ‪ϳϯϯ -ϲϱϯ‬م]ي افس الفرزدق يف اعتقاد أن‬
‫]البسيط[‬ ‫الذي يلهمه هو إبليس فيقول‪:‬‬
‫الشيَاطني إبْليس ْآَبَاليس »‪.ϱ‬‬
‫إين لَيُـ ْلقي َعلَ َّي الش ْعَر مكتهل م ْن َّ‬
‫إال أن الفرزدق كان يقول‪ « :‬شيطان جرير هو شيطاين إال أنه من فمي أخبث‪ ،‬ويشري شـاعـر‬

‫‪ -1‬إحسان عباس ‪ :‬تاريخ ال قد آد ع د العرب ‪ ،‬ص‪. 17‬‬


‫‪ -2‬الفرزدق ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص‪. 685‬‬
‫* رغم ما عرف عن استهتار الفرزدق إال أنه هجا إبليس فجاء ع ه يف الديوان « دخل الفرزدق املربد فلقي رجال من موا باهلة يقال له محام ‪ ،‬ومعه‬
‫[ الطويل]‬ ‫ى من سعن يبيعه ‪ ،‬فسامه الفرزدق به ‪ ،‬فقال له محام ‪ :‬أدفعه إليك ‪ ،‬وهتب أعراض قومي ؟ ففعل ‪ ،‬ويهجو فقال يهجو إبليس ‪:‬‬
‫لبني رتاح قائم ومقام‬ ‫أمل ترين عاهدت ر وإن‬
‫وال خارجا من سوء كالم‬ ‫على قسم ال أشتم ا هر مسلما‬
‫فلما انتهى شييب ومت متتمي‬ ‫أطعتك يا إبليس سبعني حجة‬
‫مالق ٓيام امل ون محامي‬ ‫فررت إ ر ‪ ،‬وأيق ت أن‬
‫على حاهلا من صحة وسقام‬ ‫حلفت على نفسي ٓجتهدهنا‬
‫أيو ا ن إبليس بغري حطام » ‪.‬‬ ‫أال طال ما قد بت يوضع ناق‬
‫‪ -‬الفرزدق ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ص ‪. 592 -591‬‬
‫‪ -3‬إحسان عباس‪ :‬تاريخ ال قد آد ع د العرب ‪ ،‬ص ‪. 18‬‬
‫‪ -4‬الفرزدق ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ص ‪. 594 -593‬‬
‫**« هو جرير بن عطية بن حذيفة ولقبه حذيفة ا طفي ‪...‬وهو من ب كليب بن يربوع وكان عطية أبو جرير مضعوفا وأم جربر أم قيس ب ت معبد من‬
‫ب كليب بن يربوع‪...‬ومات باليمامة وكان يك أبا حزرة » ‪ «.‬شاعر أموي ولد يف اليمامة ‪ ،‬امتاز باهلجاء السيما هجو خصميه آخطل والفرزدق‬
‫‪ ،‬وقد كان كون معهما املثلث آموي‪ ،‬له " ديوان "يتضمن الف ون التقليدية من مدح وهجاء وخر وغزل ورثاء ‪.‬مجعه أبو جعفر بن حبيب »‪.‬‬
‫‪ -‬ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ص‪.309‬‬
‫‪ -5‬إحسان عباس ‪ :‬تاريخ ال قد آد ع د العرب ‪ ،‬ص ‪.18‬‬

‫‪215‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫]الطويل[‬ ‫يسميه ا احظ أعشى سليم إ أن شيطان املخبل* كان من أقوى الشياطني‪:‬‬
‫َوَما َكا َن فيهم مثْل فَ ْحل الْ ُم َخبَّل »‪.1‬‬ ‫َوَما َكا َن ج الفرزدق قُ ْدوًة‬
‫كما أن أبا ال جم العجلي**(ت ‪ϭϮϬ‬هـ ‪ϳϰϳ‬م) الراجز‪ ،‬قد « ردد ذكر شيطان الشعر يف قصة بي ه‬
‫[البسيط[‬ ‫وبني العجاج ***[ت‪ ϵϳ‬هـ] فقال‪:‬‬
‫َشْيطَانُهُ أُنْـثَى َو َشْيطَاين ذَ َكر»‪.Ϯ‬‬ ‫إين وُكل َشاعر م َن الْبَ َشر‬
‫فيبدو واضحا أن أبا ال جم العجلي« إمنا ذهب إ تذكري شيطانه وتأنيث شيطان اآلخر متدحا بقوتـه‬
‫وفوز على قرنه »‪.ϯ‬‬
‫وهذا االعتقاد الذي ساد ع د التابعني الشعراء يف مفهومهم للشعر‪ ،‬جاء نتيجة كوهنم كانـوا يتمثلون‬
‫يف صورهتم الشخصية‪ ،‬صـورة الشعراء ا اهليني الفحول‪ ،‬ال تدل على « أن كل شاعر فحل له شيطان‬
‫فحل‪ ،‬والشاعر غري الفحل يدعي من باب املفاخرة واملكاثرة أن شيطانه فحل أيضا »‪.ϰ‬‬
‫ومن ه ا تزداد اهلوة اتساعا بني مفهوم الشعر باعتبار ف ا له معايري ع د ال قاد‪ ،‬وباعتبار رؤية وتصورا‬
‫ع د التابعني الشعراء‪ ،‬حيث يلف الغموض رؤية التابعني الشعراء‪ :‬الفرزدق وجرير وأ ال جم العجلي‪،‬‬

‫*«املخبل اجمل ون وبه مسي املخبل الشاعر ؛ قاله أبو عمرو امسه ربيعة بن مالك وهو من ب َمشّاس بن ٓي بن أنف ال اقة ؛ وهاجر واب ه إ البصرة ‪،‬‬
‫وولد كثري بآحساء وهم شعراءُ ‪ ،‬وكان املخبل هجا الزبرقان بن بدر وذكر أخته خليدة » ‪ « .‬واملخبل شاعر فحل‪...‬وله شعر كثري جيد ‪ ،‬وكان ميدح‬
‫ب قريع ويذكر أيام سعد ‪ .‬وشعر كثري » ‪.‬‬
‫‪ -‬ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ص ‪. Ϯϳϯ‬‬
‫‪ -‬وي ظر‪:‬ابن سالم ا محي ‪ :‬طبقات فحول الشعراء ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬ص ص ‪. ϭϱϬ -ϭϰϵ‬‬
‫‪ -1‬إحسان عباس ‪ :‬تاريخ ال قد آد ع د العرب ‪ ،‬ص‪. 18‬‬
‫** أبو ال جم العجلي(ت ‪ϭϮϬ‬ه ‪ϳϰϳ‬م) «هو الفضل بن قدامة من عجل وكان ي زل بسوداء الكوفة يف موضع يقال له ‪ :‬الفَر أقطعه إيا هشام‬
‫ابن عبد امللك راجز العحاح » «شاعر من أكابر الرجاز ‪ .‬امتاز بالظرف وحسن اإلنشاد‪.‬مدح ا لفاء آمويني السيما عبد امللك واب ه هشام » ‪.‬‬
‫‪ -‬ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ص‪. 405‬‬
‫***العجاج الراجز[ت‪ ϵϳ‬هـ] « هو عبد اهلل بن رؤبة من ب مالك بن سعد بن زيد م اة بن متيم وكان يك أبا الشعثاء ‪ ،‬والشعثاء اب ته ‪ ،‬وكان لقي‬
‫[الرجز]‬ ‫أبا هريرة ومسع م ه أحاديث‪...‬وإمنا مسي العجاج لقوله ‪:‬‬
‫ح َّ يَعج عْ َدها َم ْن َع ْج َع َجا » ‪.‬‬
‫‪ -‬ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ص‪. 397‬‬
‫‪ -2‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪.405‬‬
‫‪ -3‬إحسان عباس ‪ :‬تاريخ ال قد آد ع د العرب ‪ ،‬ص‪.18‬‬
‫‪ -4‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص ص ‪. 20 -19‬‬

‫‪216‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫يف إصرارهم على أن الشعر من قول الشياطني على أفوا الشعراء‪ ،‬وليس من نتاج وعي وعواطف‬
‫وأحاسيس الشعراء البشر‪ ،‬وعن هد الرؤية الشعرية‪ ،‬يتضح متذهب الفرزدق وغري يف تعلقهم بشياطني‬
‫الشعر والشعراء يف اإلبداع الف الشعري‪ ،‬الذي ضرب فيه القرشي مثــال ‪ ،‬فقال ‪ « :‬ذُكَر أن رجال أتى‬
‫[البسيط]‬ ‫قلت شعرا فانظر ‪ ،‬قال‪ :‬أنشد‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫الفرزدق فقال ‪ :‬إين ُ‬
‫ني ا ََواتيم‬ ‫َكأََّمنَا َر ُ‬
‫أسهُ ط ُ‬ ‫ود نَائلُهُ‬
‫احمل ُم ُ‬
‫َومْـ ُه ْم َع ْمرو ْ‬
‫قال‪ :‬فضحك الفرزدق مث قال‪ :‬يا ابن أخي ! إن للشعر شيطانَني يدعى أحدمها اهلوبر واآلخر‬
‫اهلوجل‪ ،‬فمن انفرد به اهلوبر جاد شعر وصح كالمه‪ ،‬ومن انفرد به اهلوجل فسد شعر ‪ ،‬وأهنما قد اجتمعا‬
‫لك يف هذا البيت‪ ،‬فكان معك اهلوبر يف أوله فأجدت‪ ،‬وخالطك اهلوجل يف آخر فأفسدت‪ ،‬وإن الشعر‬
‫كان َمجَالً بازالً عظيماً فُحر فجاء امرؤ القيس فأخذ رأسه‪ ،‬وعمرو بن كلثوم س امه‪ ،‬وزهري كاهله ‪،‬‬
‫وآعشى وال ابغة فخذيه ‪ ،‬وطرفة ولبيد كركرته‪ ،‬ومل يبق إال الذراع والبطن فتوزع امهـا بي ا‪ ،‬فقال ا زار‪ :‬يا‬
‫هؤالء !مل يبق إال الفرث والدم‪ ،‬فأْ ُمروا به‪ ،‬فقل ا‪ :‬هو لك‪ ،‬فأخذ مث طبخه‪ ،‬مث أكله مث خريه‪ ،‬فشعر‬
‫هذا من خرء ذلك ا زار ! فقال الف ‪ :‬فال أقول بعد شعرا أبدا »‪.1‬‬
‫إن الرؤية ال قدية ال ميكن إبرازها من خالل ال ص‪ ،‬تتكئ على فكرتني مهمتني‪ :‬أوهلما‪ :‬كون أن‬
‫مفهوم الشعر مازال إ عهد الفرزدق تتحكم فيه شياطني الشعر‪ ،‬وأن لبعض الشعراء املذكورين‬
‫شياطي هم ال ت فث على فَمهم الشعر‪ ،‬وثانيهما‪ :‬قرار الفرزدق الذي قضى به بأن عصر الفحول من‬
‫الشعراء قد و ومل يبق إال هو " أي الفرزدق" وبعض شعراء عصر ‪ ،‬وهذا يظهر من خالل رمزية تشبيه‬
‫الفرزدق للشعر با مل واقتسامه بني الشعراء‪ ،‬وقد َع َّد امرأ القيس أول من أخذ رأس ا مل‪ ،‬وهذا ترتيب‬
‫ف للشعراء‪ ،‬فجاء امرؤ القيس سابقا للشعراء ومقدما عليهم يف اإلبداع‪ٓ ،‬نه أخذ رأس ا مل‪ ،‬مث جاء‬
‫الشعراء الفحول بعد تباعا ‪ ،‬وكل ما قيل بعدهم من شعر فهو من آثار "ا زار" الذي مل يصح له من‬
‫قسمة ا مل إال الفرث والدم اللذان استغ ع هما الشعراء‪ ،‬ورمزية تقسيم الفرزدق هذ هي تقسيمه‬
‫ملفهومه لإلبداع الشعري وتوزيعه على سبعة شعراء ‪ ،‬وبكل تأكيد فقد وضــع الفرزدق مفهوما ف يا لتوزيع‬
‫الشعر بني الشعراء ا ـاهليني الفحول الذين رمسوا الب اء الفـ للشعر العر ‪ ،‬وجعل ل فسه مكانا بني‬
‫بعض شعراء عصر ‪ ،‬وختم اإلبداع الشعري ب فسه يف عصر ‪ .‬وأما الشعراء الذين جاءوا بعد فشعرهم من‬

‫‪ -1‬القرشي ‪ :‬مجهرة أشعار العرب ‪ ،‬ص ص ‪. 55 -54‬‬

‫‪217‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫آثار ا زار‪ ،‬وكلهم روا الشعر را ‪ ،‬وهذ هي نظرة الفرزدق للمبدعني الشعراء ‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى فقد علق القرشي على قول الفرزدق‪ ،‬رادا عليه مفهومه يف تقدميه المرئ القيس‬
‫على الشعراء‪ ،‬فقال‪ « :‬وقول الفرزدق‪ :‬إن الشعر كان مجال ف حر‪ ،‬فجاء امرؤ القيس فأخذ رأسه‪ ،‬فهذا‬
‫مثل ضربه‪ ،‬والس ام والكاهل أكثر نفعا من الرأس‪ ،‬إذا كان م حورا‪ ،‬ولو أنه ضرب املثل‪ ،‬وكان حيا‪،‬‬
‫فأخذ رأسه لكان الرأس أفضل إذ ال بقاء للبدن إال مع الرأس‪ ،‬وإمنا أخذ ميتا »‪.1‬‬
‫وقد دل هذا ال قد الف املهذب‪ ،‬على أن الفرزدق لو قسم ا مل حيا بني الشعراء لكانت القسمة‬
‫قسمة ف ية‪ ،‬وفيها يأخذ امرؤ القيس ا مل كله‪ ،‬وبالتا يكون له فضل على الشعراء‪ ،‬ولكن إعطاء‬
‫الفرزدق المرئ القيس رأس ا مل ميتا ال تعطيه آولوية يف التقدم وآفضلية على الشعراء ‪.‬‬
‫وأما الرمزية الف ية ا رافية يف جعل الشياطني تقول الشعر على ألس ة الشعراء‪ ،‬فبكل تأكيد هي‬
‫ال دفعت بإحسان عباس مل اقشة فرضية تعلق الشعراء العرب بشياطني الشعر والشعراء حي ما تساءل يف‬
‫مقارنة مجالية نقدية دقيقة بني العرب واليونان ‪ ،‬قائال‪ « :‬ملاذا اختار العرب لإلهلام شياطني‪ ،‬بي ما اخت ــار‬
‫ا يال اليوناين عامل ربات عذارى خفرات ؟ ل تذكر يف هذا الصدد أن اآلهلة الكبرية ع د وث ا اهلية يف‬
‫عصر الشعر كانوا ب ات أشهرهن‪ :‬الالت والعزى وم اة *‪ .‬وقد عرف العرب الكاه ات يف تمعهم‬
‫ا اهلي يف عصر الشعر وما قبله‪ ،‬كما عرفوا الكهان ‪ .‬وعرفوا يف عصور موغلة يف القدم عدة ملكات ‪.‬‬
‫وإذن فليس يعود العزوف عن الربات واختيار الشياطني إ الفرق بني الطبيعة الصحراوية والطبيعة‬
‫ا صبة‪ ،‬وال إ الفرق بني الذكر وآنثى‪ ،‬ولكن يبدو أن لذلك أسبابا أخرى تتعلق بمفهوم الشعر‬
‫نفسه؛ فالشعر ع د العرب ذو مفهوم دفاعي أو هجومي بالدرجة آو ‪ ،‬إذ هو دفاع عن القبيلة أو‬
‫هجــوم على أعدائها »‪.Ϯ‬‬
‫والواضح أن مفه ـ ـ ـوم الشعر يف عصر التابعني يف القرن آول اهلجري هبـ ـ ـذ الصورة ق ـ ـد انشطر إ‬
‫مفهومني‪ :‬أوهلما‪ :‬مفهوم ف مجا جاء نتيجـ ـ ـ ـة تطور الوعي الفكر ال قدي ع د التابعني‪ ،‬وتب ه ـ ـ ــذا‬

‫‪ – 1‬القرشي ‪ :‬مجهرة أشعار العرب ‪ ،‬ص‪. 56‬‬


‫*هي اآلهلة ال ذكرها القرآن العظيم اطبا قريشا أث اء احتجاجه ـ ـم للرسول‪ ‬مبا يعبدون ‪ ،‬وبني هلم بأهنا آهلة غري موجودة أصال وأبطل ادعاءهم فقال‬
‫‪ ฀‬ﲨ ﲪ ‪ ฀‬ﲬ ‪ ฀ ฀‬ﲰ ‪[ ฀฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀‬سورة‬ ‫تعا ‪ :‬ﲝ‬
‫ال جم اآليات ‪.]23 -ϭϵ‬‬
‫‪ -2‬إحسان عباس ‪ :‬تاريخ ال قد آد ع د العرب ‪ ،‬ص ‪. 22‬‬

‫‪218‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫املفهوم الفقهاء ال قاد ‪ .‬وثانيهما‪ :‬مفهوم عاد ب ا إ نظرة ا وارق ا رافية يف مفهوم الشعر‪ ،‬ال كانت‬
‫سائـدة ع د العرب والشعراء ا اهليني‪ ،‬وتعلق هبذا املفهوم التابعني الشعراء ‪.‬‬
‫وهكذا تغيب هوية الشعر من جديد يف تصور واعتق ـاد الشعراء احملرتفني‪ ،‬وقد دل هذا االعتقاد‬
‫على أن التابعني الشعراء كانوا كثريي االرتباط وت قلهم يف البادية‪ ،‬وكثريي ا رية يف تعلقهم مباضيهم‪ ،‬هلذا‬
‫انتقل إ فكرهم هذا التطور ا رايف يف مفهومهم للشعر بسرعة‪ ،‬بي ما الفقهاء ال قاد الذين التزموا‬
‫ا واضر "املدن"‪ ،‬وعايشوا حركة التطور الفكري وآد ‪ ،‬فوجدوا يف املدن ما مل دو يف البادية من‬
‫ال احية ال قدية ‪ .‬حيث كانت اجملالس وا لقات تعقد يف املساجد‪ ،‬ويف قصور ا لفاء‪ ،‬فيحضرها الفقهاء‬
‫والشعراء واللغويون وال قاد‪ ،‬وتثار فيها القضايا ال قدية ‪ ،‬آمر الذي أدى إ تطور ال ظرة ال قدية ملفهوم‬
‫الشعر‪ ،‬من خالل ما كان يثار من جدل يف تلك اجملالس وا لقات‪ ،‬فازدادت الثقافة ال قدية تطورا ‪،‬‬
‫وهكذا يتأكد ل ا أن مفهوم الشعر يف عصر التابعني قد تعلق بتصورين‪ :‬التصور الف ا ديد للشعر الذي‬
‫تب ا ابن سريين‪ ،‬وتصور شعراء البادية الذي بقي متعلقا باملفهوم ا اهلي املرتبط بشياطني الشعراء ‪.‬‬
‫وعلى هذا آساس يكون آمر بديهيا لو طرح ا السؤال اآليت‪ :‬ملاذا حدث هذا االنشطار يف‬
‫مفهوم الشعر يف عصر التابعني ؟ وما هي آسباب وا لفيات الفكرية والف ية ال أعادت االعتقاد‬
‫بشياطني الشعر والشعراء املرتبطة بالعصر ا اهلي إ امل ظومة الفكرية والف ية وا مالية وال قدية يف عصر‬
‫التابعني الشعراء بعدما أعاد اإلسالم تشكيل ال ظرة ال قدية والف ية للشعر ومفهومه ؟‪.‬‬
‫لإلجابة عن هذا السؤال ميكن القول‪ :‬يبدو أن السبب آساسي الذي أدى إ ظهور هذا‬
‫االنشطار يف مفهوم الشعر‪ ،‬هو كما قال إحسان عباس‪ « :‬إن مشاركة شعراء إسالميني كمثل‪ :‬جرير‬
‫والفرزدق والكميت وأ ال جم العجلي وغريهم ‪ -‬إ ما بعد عصر بشار‪ -‬يف االعتقاد بشياطني الشعراء‬
‫ليدل على أن اإلسالم لم يجتث هذ الفكرة ولم يضعفها في البادية ‪ ،‬ذلك أن اإلسالم أقر للشعراء‬
‫‪฀ ฀‬ﲰ‬ ‫بعامل مستقل وميزهم باال ياز إ ا يال‪ -‬دون أن يسمي ذلك خياال‪ ، -‬وهذا هو مع‬
‫‪ ، ฀‬وبسبب هذا اإلهلام نفسه دهم يقولون أشياء ال يستطيعون قيقها ‪.‬‬
‫ولكن القرآن أحدث شيئني بال سبة ل ظرية اإلهلام‪ :‬أوهلما‪ :‬أنه جعل اإلهلام ا ق م وطا مبصدر إهلي‪،‬‬
‫وهو إهلام ال بوة وإهلام الصا ني من الشعراء الذين يؤيدهم " روح القدس" أي أنه أكد بطريقة غري مباشرة‬
‫انتماء إهلام الشعراء ( غري الصا ني ) إ عامل الشياطني‪ ،‬والثاين‪ :‬أنه جعل لكل إنسان شيطان يوحي‬

‫‪219‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫‪ * ฀‬ف زع عن الشعراء ما كانوا يظ ون أنفسهم‬ ‫إليه بالباطل والشرﭐ ﲰ ‪฀ ฀ ฀ ฀ ฀‬‬


‫متميزين فيه حني قرن بكل إنسان شيطانه ا اص به »‪.1‬‬
‫وهو ما يدل يف اعتقادي أن ما كان يثار من جدل حول مفهوم الشعر يف عصر التابعني‪ ،‬يعد من‬
‫آفكار ال قدية واملعتقدات ال مالت إ ال ظرة ا رافية وال بقيت تثار بني شعراء البادية‪ ،‬مل تكن تثار‬
‫يف املدن‪ ،‬مثل ‪ :‬مكة واملدي ة والبصرة والكوفة ‪ ،‬ال تشكلت فيها مجيعا مدارس فكرية وشعرية جديدة ‪،‬‬
‫وعلى ما يبدو أن ما كان ري يف هذ املدارس من تطور نقدي‪ ،‬وصل إ عقول شعراء البادية الذين‬
‫كانوا يقصدون املدن‪ ،‬ومل يتأثروا بأفكارها‪ ،‬ومعلوم أن الفرزدق وجريرا كان كل واحد م هما يلزم حضور‬
‫حلقة بعي ها ‪ « ،‬فكان الفرزدق فيما يروون يلزم حلقة ا سن البصري‪ ،‬بي مـا كان جرير يلزم حلقة ابن‬
‫سرين»‪.Ϯ‬‬
‫ومن هذ ا لفية الفكرية ميك ا أن نتساءل‪ :‬كيف أمكن رير أن يلتزم حلقة ابن سريين صاحب‬
‫الرؤية ال قدية ا ديدة يف مفهوم الشعر ومل يلتفت إليها ومل يتأثر به لوال متسكه ببداوته؟‪.‬‬
‫ويف هذ املسألة يبدو أن تعلق الشعراء بال زعة القبلية‪ ،‬هو آمر الذي جعل أثـََر ثقافة البادية فيهم‬
‫أقوى أثرا من ثقافة املدن " ا ضر " ‪ ،‬آمر الذي جعل كال من جرير والفرزدق وأ ال جم العجلي‬
‫يرددون ما كان يدور على ألس ة الشعراء ا اهليني يف نظرهتم للشعر‪ ،‬على أن لكل واحد م هم شيطانه‪،‬‬
‫وهو ما يبني أن مصدر إهلام الشعر ع د العرب يف ا اهلية وع د التابعني الشعراء واحد ‪ ،‬وهي قُـ َّوى غيبية‬
‫خرافية ‪ ،‬أي ا ـوارق ‪ ،‬وبالتا فإن الشعر يف اعتقادهم وتصورهم ليس من نتاج البشر‪.‬‬
‫ولكن رغم تعلق التابعني الشعراء واعتقادهم بفكرة شياطني الشعر والشعراء‪ ،‬إال أهنم َوعُ ـ ـوا ما كان‬
‫يثار من جدل يف تلك اجملالس وا لقات‪ ،‬وقد عرفوا مدى التطور ال قدي للشعر‪ ،‬وخاصة أن الفرزدق‬
‫الذي ألزم نفسه فظ القرآن العظيم بتوجيه من ا ليفة علي بن أ طالب وذلك « ع دم ــا وفد غــالب‬
‫على علي بن أ طالب ومعه اب ه الفرزدق‪ ،‬فقال له‪ :‬من أنت ؟ قال‪ :‬أنـا غالب بن صعصعة اجملاشعي ‪.‬‬

‫‪฀ ฀ ฀ ฀‬‬ ‫ﲬ ‪ ฀ ฀ ฀‬ﲰ ‪฀ ฀ ฀ ฀ ฀‬‬ ‫* ومتام اآلية قوله تعا ‪ :‬ﭐﲪ ‪฀‬‬
‫[البقرة اآلية‪. ]14‬‬
‫‪ -1‬إحسان عباس ‪ :‬تاريخ ال قد آد ع د العرب ‪ ،‬ص ‪. 23‬‬
‫‪ -2‬عبد العزيز نبوي ‪ :‬موجز تاريخ الشعر العر ‪ ،‬ص ‪. 46‬‬

‫‪220‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫قال‪ :‬ذو اإلبل الكثرية ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فمــا فعلت إبلك ؟ قال‪ :‬أذهبتها ال وائب وذعذعتها ا قـوق‪،‬‬
‫قال‪ :‬ذلك خري سبلها ‪ .‬مث قال‪ :‬يا أبا الخطاب‪ ،‬من هذا الفتى ؟ قال‪ :‬اب ي الفرزدق ‪ .‬وهو شاعر‪،‬‬
‫قال‪ :‬علمه القرآن‪ ،‬فإنه خير له من الشعر‪ ،‬فكان ذلك في نفس الفرزدق حتى قيد نفسه‪ ،‬وآلى أالا‬
‫يحل قيد حتى يحفظ القرآن »‪.1‬‬
‫إذًا ‪ ،‬فبكل تأكيد فإن هذا ال ص ا ميل املركز والقوي فكريا ونقديا‪ ،‬يعطي ا الصورة ا قيقية عن‬
‫ت شئة شخصية الفرزدق الشاعرة‪ ،‬الذي يكون قد حفظ القرآن العظيم‪ ،‬أوقد حفظ م ه ما تيسر له ‪،‬‬
‫وبكل تأكيد فإنه يكون قد فهم واستوعب وأدر دالالت آيات الشعر والشعراء‪ ،‬وبالتا فال يوجد يف‬
‫فكر الفرزدق ما يعارض به فكرة القرآن العظيم يف الشعر والشعراء‪ ،‬ولكن على ما يبدو أن الفرزدق أراد‬
‫من خالل تعلقه بفكرة شياطني الشعر والشعراء التمرد على فكرة القرآن العظيم يف الشعر والشعراء‪ ،‬وأن‬
‫يكون من الشعراء الغاوين واهلائمني يف كل واد‪ ،‬لتكون لشاعريته طابع البداوة‪ ،‬واملرجعية ا اهلية ال‬
‫التحضر ‪.‬‬
‫أو لعل التابعني الشعراء وم هم الفرزدق وجرير وأبا ال جم العجلي‪ ،‬أرادوا لفكرة شياطني الشعر‬
‫والشعراء ا اهليني ال بقيت آثارها راسخ ـة يف البادية ؛ أن ال متوت يف عقوهلم وأفئدهتم‪ ،‬وأعطوها بعدا‬
‫ف يا ومجاال ونقديا‪ ،‬وأرادوا هلا أن تكون جزءا من ثقافتهم و املاضي العر ‪ -‬أي العصر ا اهلي ‪،-‬‬
‫فتعلقوا هبا‪ ،‬ورأوا أن يكون ا دل يف هذ القضية ال قدية دفع لإلبداع‪ ،‬وإثارة للشاعرية‪ ،‬وسيولة للشعر ‪،‬‬
‫وتفاوت بني الشعراء يف اإلبداع يف العصر آموي‪ ،‬مما يوحي‪ -‬كما قال أدونيس‪ « : -‬بتأكيد الصلة‬
‫ا ية بني املاضي وا اضر »‪.Ϯ‬‬
‫وقد يكون التزام التابعني الشعراء هبذ الثقافة ال قدية ذات الرؤية العربية ا اهلية نتيجة للتعصب‬
‫القبلي‪ ،‬الذي غاب ع د الصحابة الشعراء يف عصر الرسول‪‬وا لفاء الراشدين ‪ ،‬هو الذي دفع الفرزدق‬
‫إ التميز « بقوة يف الطبع وخشونة يف السلو االجتماعي واعتدادا با رية الفردية‪ ،‬ومترد على السلطان‬
‫وحرص على تقاليد الباديـة‪ ،‬وتشبث مبثلها ا اهلية‪ ،‬واستهتار بالقيم ا لقية والدي ية ال أرسى دعائمها‬

‫‪ -1‬املرزباين ‪ :‬معجم الشعراء ‪ ،‬ص ‪. 538‬‬


‫‪ -2‬أدونيس ‪ :‬الشعرية العربية ‪ ،‬ص ‪. 9‬‬

‫‪221‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫اإلسالم »‪.1‬‬
‫كما أن هذا التميز ع د الفرزدق والشعراء «أخذ‪...‬صورة جاهلية شاعت يف كثري من بيئات‬
‫ا الفة آموية يف ظالل ا س اإلحيائي العام الذي مثل لغة ا ياة آموية »‪.Ϯ‬‬
‫وهبذا املوقف ال قدي ملفهوم الشعر لدى التابعني ال قاد والشعراء‪ ،‬أخ ـذ مفهوم الشعر يف عصر‬
‫التابعني يعرب عن نظـ ـرة اجتماعية وف ية نقدية واعتقاديه‪ ،‬وق ـد كان لظهور ال زعة القبلية وتعلق الشعراء‬
‫بفكرة شياطني الشعر والشعراء والتمرد على السلطان دور أساسي يف تغيري وظيفة الشعر‪ ،‬وبالتا تلون‬
‫مفهومه‪ ،‬فمال الشعراء يف بداية الصراع السياسي إ هجاء ب أمية‪ ،‬الذين أخذوا ا كم ع وة ودهاء‪،‬‬
‫وبعد معارضة قوية وصراع سياسي مرير‪ ،‬وحروب دامية بني آحزاب السياسية وب أمية وشعرائهم‪،‬‬
‫انتهى آمر إ ميل الشعراء بف هم إ رغبة مادية‪ ،‬فقصدوا القصر آموي‪ ،‬بعد أن غريوا مفهوم الشعر‬
‫ووظيفته‪ ،‬وتعلقوا بفكرة شياطني الشعر والشعراء‪ ،‬فمدحوا خلفاء ب أمية‪ ،‬وقد زادت أموال ب أمية إثارة‬
‫للعصبية القبلية يف الشعراء والعرب‪ ،‬هذ العصبية ال غابت يف عصر الرسول‪ ،‬وا لفاء الراشدين‪،‬‬
‫فمال الشعراء بالشعر إ صوته ا اهلية‪ ،‬فتبادل الشعراء اهلجاء‪ ،‬فهجا بعضهم بعضا‪ ،‬مما أدى هبم إ‬
‫إحياء فن ال قائض‪ ،‬ومدحوا ب أمية وتغريت بذلك وظيفة الشعر من خدمة الدين اإلسالمي ودولته يف‬
‫عهد الرسول‪ ‬وعصر ا لفاء الراشدين‪ ،‬إ خدمة أغراض أحزاب سياسية تتصارع من أجل انتزاع ا كم‬
‫واالنفراد بالسلطة يف العصر آموي‪ ،‬وبذلك انتقل الشعراء بف هم إ تغيري مفهوم الشعر ومواضيع‬
‫أغراضه‪ ،‬و ديد مظاهر تمعهم ا ديد‪ ،‬الذي يعرب بكل املقاييس عن حياهتم الفكرية والسياسية‬
‫واالقتصادية واالجتماعية وآدبية الف ية وال قدية؛ يف ظل حياة عصر جديد خضع يف هناية آمر لسلطان‬
‫ب أمية‪ ،‬الذين تعاونوا مع شياطني الشعر والشعراء على توجيه الشعر والشعراء حسب رأي الفرزدق‬
‫وجرير وأبا ال جم العلي ‪ ،‬كيفما أرادوا وإ أين أرادوا‪ ،‬وقالوا الشعر على ألس تهم‪ ،‬ول ـوال أسبقية العصر‬
‫ا اهلي يف ظهور الشعر والشعراء لقل ا‪ :‬إن الفضل يف ذلك يعود للعصر آموي نظرا للقبضة السياسية‬
‫آموية يف توجيه الشعر والشعراء ‪.‬‬

‫‪ -1‬يوسف خليف ‪ :‬يف الشعر آموي دراسة يف البيئات ‪ ،‬ص ‪76‬‬


‫‪ -2‬مي يوسف خليف ‪ :‬أبعاد االلتزام يف القصيدة آموية ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬دار غريب للطباعة وال شر والتوزيع ‪1998 ،‬م ‪ ،‬ص ‪. 15‬‬

‫‪222‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫ثالثا ‪ :‬موقف التابعين من الشعر والشعراء‬

‫‪223‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫موقف التابعين من الشعر والشعراء‬


‫بعدما بي ت موقف الصحابة اإل ا من الشعر والشعراء‪ ،‬فإن ا ديث عن موقف التابعني من‬
‫الشعر والشعراء‪ ،‬هو حديث عن حلقة أساسية من موقف اإلسالم من الشعر والشعراء‪ ،‬املتمثل يف موقف‬
‫الصحابة‪ -‬رضي اهلل ع هم‪ ، -‬وموقف الرسول‪ ،‬وموقف القرآن العظيم‪ ،‬وذلك ٓن جيل التابعني يعد‬
‫امتدادا طبيعيا يل الصحابة‪ ،‬الذين عاش التابعون يف ك فهم وتأثروا هبم دي يا وفكريا وأدبيا‪.‬‬
‫وع د تتبع ا لألثر آد " الشعري" و" ال قدي" للتابعني من خالل مصادر ومراجع الشعر ونقد ‪،‬‬
‫وجدت أن للتابعني موقف إ ا من الشعر والشعراء‪ ،‬وأثر كبري يف اإلبداع الشعري ونقد ‪ ،‬ودور فعال يف‬
‫تطور ا ركة الفكرية وآدبية وال قدية يف عصرهم ‪.‬‬
‫وعلى هذا آساس فمن هم التابعون الذين ميكن أن يعتد مبواقفهم من الشعر والشعراء ؟ ‪.‬‬
‫وما هي مواقف التابعني آدبية والفكرية والسياسية من الشعر والشعراء؟‪.‬‬
‫إن التابعني الذين ميكن أن يعتد مبواقفهم من الشعر والشعراء هم ا يل الذي عاش مع الصحابة‪،‬‬
‫وأخذ ع هم علوم عصرهم‪ ،‬وعاش معهم كل آحداث السياسية والوقائع ال أحدثها اإلسالم يف مكة‬
‫واملدي ة وما بي هما‪ ،‬ويف البالد املفتوحة‪ ،‬وسجلوا هذ آحداث والوقائع وتطوراهتا يف أشعارهم ‪.‬‬
‫وهؤالء التابعني الذين كان هلم دور أساسي وأثر يف أحداث عصرهم‪ ،‬وسجلوا مواقفهم آدبية من‬
‫تلك آحداث يف شعرهم‪ ،‬هم‪ :‬التابعون ا لفاء والعلماء الفقهاء وال قاد وال حاة والشعراء ‪ٓ ،‬ن اهتمـام‬
‫التابعني بالشعر أمر طبيعي وواضح ال جدال فيه ‪ٓ ،‬هنم عاشوا يف ك ف الصحابة‪ ،‬ورأوا اهتمامهم بلغة‬
‫العرب نظمها ونثرها‪ ،‬يف حلقات دروسهم ومواعظهم‪ ،‬ورأوا كيف كان الصحا ابن عباس يوظف الشعر‬
‫العر يف بيان داللة ألفاظ القرآن العظيم وتفسري ‪ ،‬ليبلغ معانيه إ املسلمني‪ ،‬ونـَ َقل جلة الصحابة إ‬
‫التابعني اهتمام الرسول ‪ ،‬بالشعر‪ ،‬باعتبار ف ا عربيا استعان به من خالل شعرائه يف نشر الدعوة وخدمة‬
‫اإلسالم‪ ،‬وكيف كان يستمع إ الشعراء و ازيهم ‪.‬‬
‫كما عايش التابعون ورأوا املواقف اإل ابية للصحابة ا لفاء من الشعر والشعراء‪ ،‬كما رأوا كذلك‬
‫مواقفهم السلبية من الشعر والشعراء املداحني واهلجائيني أمثال‪ :‬ا طيئة وال جاشي وغريمها ‪.‬‬
‫كل هذا دفع يل التابعني إ أن ي ظروا إ الشعر ب فس م ظار الصحابة‪ ،‬فحافظوا على‬
‫استمراريته باعتبار ف ا عربيا‪ ،‬فسجلوا فيه أحداث وقضايا عصرهم‪ ،‬مدحا وفخرا وهجاء وغزال ورثاء‪ ،‬وقد‬

‫‪224‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫ذكر عدد من ال قاد القدماء املوقف اإل ا للتابعني من الشعر والشعراء‪ ،‬الذين أخذوا مبذهب الصحابة‬
‫ا الشعر‪ ،‬فدل على هذا قول ابن رشيق لَ ْمسيلي‪ » :‬وقد قال الشعر كثري من ا لفاء الراشدين وا لة‬
‫من الصحابة والتابعين والفقهاء املشهورين »‪.1‬‬
‫وقد أكد هذا املوقف ابن آمحر فقال ‪ « :‬ومن الدليل أيضا على ذلك أن ا لفاء الراشدين‬
‫آربعة‪ ،‬وهم ‪ :‬أبو بكر الصديق وعمر الفاروق وعثمان ذو ال ورين وعلي أبو السبطني‪ -‬عليهم السالم‪-‬‬
‫‪ ،‬قالوا الشعر‪ ،‬وقاله أيضا مجلة من الصحابة والتابعين وغريهم من أهل العلم والصالح »‪ ،Ϯ‬ومع هذا‬
‫أن التابعني والفقهاء وأهل العلم والصالح قالوا الشعر وفق م هج الصحابة ‪.‬‬
‫دور الساسة األمويين في ظهور موقف التابعين من الشعر والشعراء وأثرهم في عصرهم ‪:‬‬
‫يف هذا آمر ميك ا أن نتساءل‪ ،‬كيف ظهر موقف التابعني من الشعر والشعراء ؟ و ما هي‬
‫الظروف وآسباب ال أدت إ متيز التابعني يف موقفهم آد والفكري ؟ ‪.‬‬
‫مما ال جدال فيه‪ ،‬فقد ظل الصحابة مسخرين كل جهودهم يف نشر اإلسالم وتعاليمه‪ ،‬وتبليغ‬
‫القرآن العظيم وحديث الرسول‪ ،‬ودرس التفسري والفقه وتكوين جيل التابعني ومدارسه أي ما حلوا‪ ،‬عن‬
‫طريق الفتوحات سواء يف عهد أ بكر أو يف عهد عمر أو يف عهد عثمان بن عفان‪ ،‬وكان التابعون‬
‫يقتدون بالصحابة « يف مدحهم لل يب ‪ ،‬ويف آخذ بطريقتهم يف ذلك‪ٓ ،‬ن سائر ال اس إمنا تبع هلم يف الشعر‪،‬‬
‫ويف التعلق بالرسول ‪ ،‬والذود ع ه‪ ،‬فهم أرباب الفصاحة واإلميان معا »‪ .ϯ‬وبقي آمر مستقرا على هذا امل هج إ أن‬
‫حل باملسلمني فت ة مقتل عثمان (ت‪ϯϱ‬ه ‪ϲϱϲ‬م) ا ليفة الراشدي الثالث (‪Ϯϯ‬ه ‪ϲϰϰ‬م) ‪ ،‬ويف‬
‫تلك الظروف العصيبة بويع ا ليفة الراشدي الرابع علي بن أ طالب‪ ،‬وكانت الفت ة قد متك ت من‬
‫الصحابة‪ ،‬وقد أدى ذلك إ انقسام املسلمون فيها إزاء علي بن أ طالب أث اء بيعته إ ثالثة أقسام‪،‬‬
‫ويف ظل هذا االنقسام وقعت املواجهة بني الصحابة‪ ،‬وانشغلوا بأمر مل يكن يف حسباهنم‪ ،‬ووجدوا‬
‫أنفسهم بني املطالبني بالقصاص من قتلة ا ليفة عثمان‪ ،‬وبني من هو راغب يف االستيالء على السلطة‬

‫‪ -1‬ابن رشيق ‪ :‬العمدة ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪. 27‬‬


‫‪ -2‬ابن آمحر ‪ :‬نثري ا مان يف شعر من نظم وإيا الزمان ‪ ،‬ص ‪. 42‬‬
‫‪ -3‬مد ا افظ الروسي ‪ :‬شعر الصح ـ ـ ــابة من خالل كتاب "م ح املدح البن سيد ال اس"دراسة يف ال سبة والتوثيق ‪ ،‬يف وث ال دوة العلمية الدوليـة‬
‫ال نظمها مركز الدراسات وآ اث وإحياء الرتاث بالرابطة احملمدية للعلماء مبدي ة ط جة ‪ ،‬يومي آربعاء وا ميس( ‪ 26 -25‬صفر‪1431‬ه)‬
‫( ‪ 11 -10‬فرباير ‪2010‬م ) ‪ ،‬إدارة ‪ :‬مركز الدراسات وآ اث وإحياء الرتاث ‪ ،‬سلسلة ‪ :‬ندوات و اضرات (‪ ، )3‬مج‪ ،1‬ص ‪. 257‬‬

‫‪225‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫السرتجاع د ضاع‪ ،‬وهو ما يعطي صورة واضحة عن ظهور بذور املعارضة السياسية إ العلن‪ ،‬وبروز‬
‫ا ــالفات ال سوف ي جم ع ها االنشقاق السياسي والتمرد على ا ليفة‪ ،‬ويف ذروة هذا ا الف‬
‫السياسي بني الصحابة ظهر موقف الشعراء من هذ آحداث‪ ،‬بني املطالبني بدم ا ليفة عثمان متهمني‬
‫ا ليفة علي بالتخاذل والسكوت عن قتلة عثمان‪ ،‬وبني املدافعني عن علي واهلامشيني مربئني موقفه من دم‬
‫عثمان‪ ،‬آمر الذي أدى إ أول املواجهة القتالية بني املسلمني‪ ،‬يف موقعة ا مل بالبصرة س ة (‪36‬ه‬
‫‪656‬م)‪ ،‬ال قتل فيها الصحابيان طلحة بن عبيد اهلل والزبري بن العوام‪ ،‬ومها انب زوج ال يب‪ ‬عائشة‪،‬‬
‫وانتصر فيها ا ليفة علي بن أ طالب‪ ،‬واستمر الصراع يف العراق‪ ،‬واستمر ال زاع بني املسلمني على‬
‫السلطة ‪.‬‬
‫ويف موقف مفصلي لعبت السياسة يف والهتا الكربى دورا كبريا يف تكوين جيل التابعني سياسيا‪،‬‬
‫وذلك بعد انتقال ا ليفة علي بن أ طالب من املدي ة إ الكوفة وا ذها حاضرة الفته‪ ،‬بعد خروجه‬
‫إ البصرة يف (‪ϯϲ‬ه)‪ « ،‬حيث ذهب إ حرب ا ارجني عليه»‪ .1‬يف معركة ا مل‪ ،‬مث معركة صفني‬
‫(‪ϯϳ‬ه‪ϲϱϳ‬م) ضد معاوية (ت‪ϲϬ‬ه‪ϲϴ0‬م)‪ ،‬الذي أعلن مواجهة ا ليفة وا روج على طاعته‪ ،‬وقد‬
‫تركت معرك ‪ :‬ا مل وصفني‪ ،‬أثرا شعريا قويا‪ ،‬يعكس مدى عمق انقسام املسلمني وتشكل الصراع‬
‫السياسي‪ ،‬واملواجهة ا ربية بني العراق والشام ؛ حيث « ظل معاوية بالشام الذي كان يتو إمارهتا م ذ‬
‫أيام عثمان‪ ،‬وا ذ دمشق قاعدة له يدير م ها حربه ضد علي »‪.Ϯ‬‬
‫وبعد صراع حر وسياسي مريرين بني ا ليفة علي ومعاوية‪ ،‬وبعد حيلة سياسة التحكيم ال‬
‫أدارها عمرو بن العاص (ت‪ϰϯ‬ه ‪ϲϲϰ‬م)ممثل معاوية ضد أ موسى آشعري(ت‪ϰϰ‬ه‪ϲϲϱ‬م) ممثل‬
‫ا ليفة علي بن أ طالب بعد صفني ‪ ،‬استمر الصراع إ أن قتل ا ليفة علي بن أ طالب يف س ة‬
‫(‪ϰϬ‬ه ‪ϲϲϭ‬م)‪ ،‬مث استمر الصراع بني ا ليفة ا سن*بن علي(‪ϱϭ-ϯ‬ه‪ϲϳϭ- ϲϮϰ‬م) ومعاوية‪ ،‬إ‬

‫‪ -1‬شوقي ضيف ‪ :‬العصر اإلسالمي ‪ ،‬ص ‪. 154‬‬


‫‪ -2‬يوسف خليف ‪ :‬يف الشعر آموي دراسة يف البيئات ‪ ،‬ص ‪. 87‬‬
‫*« تويف ا سن ‪ ‬باملدي ة مسموما ‪ ،‬مسته زوجته َج ْع َد َة ب ت آشعث بن قيس‪ ،‬دس إليها يزيد بن معاوية أن تسمه فيتزوجها‪ ،‬فلما مات ا سن بعث‬
‫إ يزيد تسأله الوفاء مبا وعدها ‪ ،‬فقال هلا ‪ :‬مل نرضك للحسن أف رضا ل فس ا ؟‪ ...‬وجهد به أخو أن رب مين سقا فلم رب ‪ ،‬وقال‪ :‬اهلل أشد‬
‫نقمة إن كان الذي أظن ‪ ،‬وإال فال يقتل واهلل بريء » ‪.‬‬
‫‪ -‬السيوطي ‪ :‬تاريخ ا لفاء ‪ ،‬ص ‪. 162‬‬

‫‪226‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫أن ت ازل ا سن عن ا الفة ملعاوية قن دماء املسلمني‪ « ،‬وأرسل إ معاوية يطلب الصلح‪ ،‬فقدم عليه‬
‫باملدائن عبد اهلل بن عامر وعبد الرمحن بن مسرة ‪ ،‬من قبل معاوية وصا ا على ما أرد »‪.1‬‬
‫وقد أدى هذا املوقف إ ردود أفعال قوية من خالل اهتمام التابعني بالشعر‪ ،‬ودخوهلم املعرت‬
‫السياسي‪ ،‬مما أدى إ « ظهور آحزاب السياسية املعارضة للحكم آموي‪ ،‬و اصة يف ا جاز والعـراق‪،‬‬
‫ويف مقدمة هذ آحزاب الشيعة وا وارج والزبرييون‪ ،‬وأما الشام فقد كان أقل آقطار اإلسالمية اضطرابا‬
‫وأكثرها تأيي ـ ـ ـدا لألمويني‪ ،‬بفضل السياسة آموي ـ ـ ـة ال انتهجها معاوية يف استمالة هذا القطر م ذ واليته‬
‫زمن الراشدين‪ ،‬ولقد كانت الشام م طلق السياسة آم ــوية ومعقل حرهبم ومركز دولتهم »‪ .Ϯ‬وانضوى‬
‫ت هذ آحزاب شعراء شباب ميثلون ا يل الثاين للتابعني‪ ،‬وهم الذين عاشوا وعاصروا أغلب‬
‫الصحابة‪ ،‬وم هم الشعراء أب اء الصحابة‪ ،‬ف ـ ـ ـ« كان لكل حزب شعراؤ الذين يعربون عن أهدافه ومفهومه‬
‫للحكم وحقه فيه ‪ ،‬ويهامجون خصومه ويشككون يف حقهم و طون من شأهنم ويرموهنم باملروق عن‬
‫الدين »‪.ϯ‬‬
‫وظهرت آحزاب امل اهضة لألمويني‪ ،‬معل ة مبادئها السياسية ونظرهتا لشؤون حكم املسلمني ‪،‬‬
‫« وكان أول هذ آحزاب ظهورا على مسرح ا ياة السياسية حزب الشيعة * امل اصر لعلي بن أ‬
‫طالب‪ ،‬وهو حزب ظهر يف أعقاب مصرع عثمان‪ ،‬بل رمبا من قبل مصرعه يف أث اء الفت ة ال ثارت حوله‬
‫‪ .‬وتدور ال ظرية السياسية هلذا ا زب حول أحقية أب اء علي با الفة ‪ .‬فا الفة اإلسالمية من حقهم‬
‫وحدهم ٓهنم ورثة البيت ال بوي »‪ .ϰ‬ومن أشهر شعراء حزب الشيعة الكميت بن زيد آسدي (‪-ϲϴϬ‬‬

‫‪ -1‬مد إبراهيم مجعة ‪ :‬جرير ‪ ،‬ص ‪. 6‬‬


‫‪ -2‬الفرزدق ‪ :‬الديوان ‪ ،‬مقدمة احملقق ‪ ،‬ص ‪. 11‬‬
‫‪ -3‬عبد القادر القط ‪ :‬يف الشعر اإلسالمي وآموي ‪ ،‬ص ‪. 272‬‬
‫*« الشيعة هم املتمسكون ب ظرية الوراثة‪ ،‬وأصحاهبا ب و هاشم ومؤيدوهم الذين يؤمن قهم الصريح يف ا الفة ‪ٓ ،‬هنم من آل بيت ال يب ‪ ،‬وليس أحد‬
‫أو م هم ‪ ،‬بزعامة املسلمني بعد ‪ .‬ومن أشهر فرق الشيعة ‪ ":‬الكيسائية "‪ ،‬وهي من غالة الشيعة ‪ ،‬و"الزيدية " ‪ ،‬وهي من فرقها املعتدلة‪ ،‬وأعظم‬
‫شعراء " الزيدية " ‪ ،‬الكميت بن زيد آسدي صاحب " اهلامشيات "‪ ،‬وهي موعة قصائد يف الذود عن مبادئ هذ العقيدة‪ .‬والشعراء املادحون‬
‫آل البيت يف هذا العصر كثريون‪ ،‬م هم‪ :‬الفرزدق‪ ،‬وأبو آسود الدؤ ‪ ،‬وابن مفرغ ا مريي »‪ .‬ومن فرق الشيعة الكثرية املوجودة اليوم‪ :‬اإلث ا عشرية‪،‬‬
‫واإلمساعيلية ‪ ،‬وال صرية ‪.‬‬
‫‪ -‬الفرزدق‪ :‬الديوان ‪ ،‬مقدمة احملقق ‪ ،‬ص ‪. 13‬‬
‫‪ -‬وي ظر ‪ :‬مد التو ي‪ :‬املعجم املفصل يف آدب ‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص‪. 578‬‬
‫‪ -4‬يوسف خليف ‪ :‬يف الشعر آموي دراسة يف البيئات ‪ ،‬ص‪. 56‬‬

‫‪227‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫‪ϳϰϰ‬م) صاحب" اهلامشيات "‪ .‬ومل يلبث الصراع السياسي طويال ح أعلن ا وارج مبادئهم السياسية‬
‫ال « أظهرت حزب ا وارج * الذي مترد يف أول آمر على علي بن أ طالب يف أعقاب حادثة‬
‫التحكيم ‪ .‬مث وجه مترد بعد ذلك ضد آمويني حني رأى آمر يفلت من علي وب يه ويستقر يف ب‬
‫أمية ‪ .‬وهو حزب تقوم نظريته السياسيـ ــة على أساس أن ا الفة حق للمسلمني مجيعا ال فرق بني عر‬
‫وعجمي ‪ .‬وال بني حر وعبد ‪ .‬فا ملسلمون مجيعا سواء ‪ .‬ومن حق أي مسلم أن يتو خالفة املسلمني‬
‫مادام كفئا هلا ‪ .‬وآمـر بني املسلمني شورى تارون من بي هم من يرونه كفئا هلا »‪ .1‬وكان من أبرز شعراء‬
‫ا وارج‪ :‬عمران بن حطان(ت و‪703‬م) والطرماح بن حكيم الطائي(ت و ‪723‬م)‪.‬‬
‫وكان معاوية بن أ سفيان يدر كل هذ املواقف السياسية ا زبية املعارضة‪ ،‬ال كانت تواجهه‬
‫بقوة‪ ،‬مبا يف ذلك مواقف الشعراء ال كانت تعكس موقفهم التهكمي والتحدي ملعاوية ولألمويني‪ ،‬فكان‬
‫كل شاعر إذا تعرض هلجاء معاوية إال وبدأ هجاء بأ سفيان(ت‪31‬ه ‪652‬م) صخر بن حرب ابن‬
‫أمية‪ ،‬الذي تزعم قريشا وعارض الرسول‪ ،‬ووقف يف وجه الدعوة ‪ ،‬وتأخر إسالمه إ عام الفتح‪ ،‬كما‬
‫كانت الشعراء تتعرض باهلجاء إ ه د ب ت عتبة(ت‪14‬م ‪635‬م) أم معاوية‪ ،‬ويهجون معاوية باهلجاء‬
‫الذي يُذ ّكر بالتاريخ املؤمل ٓبويه‪ ،‬وكان عبد الرمحن بن حسان بن ثابت يتغزل برملة اب ة معاوية‪ ،‬وهجا‬
‫عبد الرمحن بن ا كم ففضحه‪ ، 2‬فهذا اهلجاء السياسي وهذا الغزل السياسي‪ ،‬يسلب من معاوية‬
‫(ت‪60‬ه) واب ه يزيد (‪64-25‬ه‪683-645‬م) كل معاين الفخر واالعتداد بال فس واملرجعية التار ية‬
‫يف السبق لالنسالخ من ا اهلية‪ ،‬واملؤازرة لإلسالم ‪.‬‬
‫وعلى هذا آساس كان ا زبان القويان الشيعة وا وارج ‪ ،‬كفيالن بأن يدعما املعارضة يف املدي ة‬

‫*« ا وارج أول فرقة إسالمية أعل ت انشقاقها بعد معركة صفني ال جرت بني علي ومعاوية ‪ ،‬فقد خرجت فئة من رجال علي على علي لقبوله‬
‫التحكيم‪ ،‬ورفعوا شعار " ال حكم إال هلل " فتجمع حوهلم رجال من البادية وبعض القبائل كب متيم ‪ .‬فحارهبم علي وكسر شوكتهم ‪ ،‬لك هم‬
‫استطاعوا أن يتفرقوا ويزدادوا ع فا‪ .‬وقاوموا الدولة آموية ‪ ،‬و ص وا مبواقع ص ة يف ا زيرة والعراق ‪.‬مث إهنم تفرقوا شيعا أمهها ‪ :‬امل َحكّمية ‪ ،‬وآزارقة‬
‫ُ‬
‫وال جدات ‪ ،‬والصفرية ‪ ،‬واإلباضية ‪ ،‬واشتهروا بالتشدد يف العبادة ‪ ،‬كفروا من يعارضهم ‪ ،‬أو من مل ارب معهم و لو كان م هم ‪ ،‬وجوزوا التقية يف‬
‫القول والعمل ‪ ،‬وأوجبوا الدفاع عن عقيدهتم ح املوت يف سبيلها‪...‬وبرز م هم شعراء شجعان عربوا عن أفكارهم‪...‬ولذلك أطلق لفظ" ا وارج " على‬
‫كل أديب أو ف ان ال ب التقيد بآساليب املعروفة املتداولة ‪ .‬ومن شعرائهم عمران بن حطان ‪ ،‬والطماح » ‪.‬‬
‫‪ -‬مد التو ي ‪ :‬املعجم املفصل يف آدب ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ص ‪. 418 -417‬‬
‫‪ -1‬يوسف خليف ‪ :‬يف الشعر آموي دراسة يف البيئات ‪ ،‬ص ‪. 56‬‬
‫‪ -2‬ابن عبد ربه ‪ :‬العقد الفريد ‪ ،‬ج‪ ، 5‬ص ص ‪. 323 – 322 -321‬‬

‫‪228‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫ال مل تكن يف شكل حـ ـ ــزب‪ ،‬وإمنا كان هلا موقف رفض للحكم آموي باسم صحابـ ـ ـ ــة املدي ة أنص ـ ـ ــارا‬
‫ومهـاجرين‪ ،‬وكان « أهل مكة وا جاز مجيعا أخذوا ي قمون على آمويني نقلهم عاصمة الدولة اإلسالمية‬
‫إ دمشق يف الشام‪ ،‬ح إذا و آمر يزيد بن معاوية رأي ا املدي ة تثور عليه »‪.1‬‬
‫واستمرت ا ياة السياسية ملعاوية على هذا امل وال إ س ة(‪ϱϲ‬ه) ملا دعا معاوية ال اس إ بيعة‬
‫اب ه يزيد‪ ،‬الذي سيكون أول خليفة أموي سفياين تابعي‪ ،‬ف ـ ـ ـ« بايع ال اس ليزيد بن مع ــاوية غري ا سن بن‬
‫علي وابن عمر وابن الزبري وعبد الرمحن بن أ بكر وابن عباس »‪.Ϯ‬‬
‫وهذا ما يؤكد بـأن كثريا من الصحابة وأب اء الصحابة ظلوا معارضني ملعاوية مدة حكمه‪ ،‬و«‬
‫امتعضوا؛ حيت رأوا معاوية يأخذ ب ظام ا كم السياسي فيجعل ا الفة وراثية يف بيته‪ ،‬وأنكروا عليه أن‬
‫يعهد إ اب ه يزيد با الفة من بعد »‪.ϯ‬‬
‫وبقيت املعارضة السياسية قوية شديدة‪ ،‬قائمة ضد ب أمية ومعاوية‪ٓ ،‬نه « أخذ البيعة الب ه يزيد‬
‫باإلغراء والوعيد‪ ،‬ونقل عاصمته اإلسالمية من املدي ة إ دمشق‪ ،‬وكان هذا التطور يف الوضع السياسي‬
‫سببا يف إثارة روح ا اهلية من جديد‪ ،‬وعودة العصبيات القدمية بني أحياء العرب والسيما القيسية‬
‫واليم ية »‪ ،ϰ‬وبازدياد شدة الصراع العر اشتد خوف معاوية من هذ املعارضة على مصري ا الفة واب ه‬
‫يزيد‪ ،‬لذا ملا حضر املوت معاوية س ة (‪60‬ه) أوصى اب ه يزيدا قائال‪...« :‬وانظر أهل العراق‪ ،‬فإن‬
‫سألو أن تعزل ع هم كل يوم عامال فافعل ‪ ،‬فإن عزل عامل أحب إ من أن تشهر عليك مائة ألف‬
‫سيف‪...‬وإين لست أخاف من قريــش إال من ثالثة ‪ :‬حسني بن علي وعبد اهلل بن عمر وعبد اهلل بن‬
‫الزبري »‪.ϱ‬‬
‫وبعد وفاة معاوية « ويف أث اء خالفة يزيد بن معاوية‪ ،‬ويف أعقاب مصرع ا سني بن علي‪ ،‬ظهر‬
‫حزب الزبرييني الذي دعا إليه عبد اهلل بن الزبري بعد أن امت ع عن بيعة يزيد‪ ،‬وهو حزب ظهر يف ا جاز‪،‬‬
‫ولكن نشاطه امتد إ العراق وإ البصرة بالذات‪ ،‬ال ا ذ م ها مركزا ل شاطه‪ ،‬وتقوم ال ظرية السياسية‬

‫‪ -1‬شوقي ضيف ‪ :‬العصر اإلسالمي ‪ ،‬ص ‪. 189‬‬


‫‪ -2‬الطربي ‪ :‬تاريخ الطربي ‪ ،‬ج ‪ ، 5‬ص ‪. 303‬‬
‫‪ -3‬يوسف خليف ‪ :‬يف الشعر آموي دراسة يف البيئات ‪ ،‬ص‪. 104‬‬
‫‪ -4‬الفرزدق ‪ :‬الديوان ‪ ،‬مقدمة احملقق ‪ ،‬ص ‪.6‬‬
‫‪ -5‬الطربي ‪ :‬تاريخ الطربي ‪ ،‬ج ‪ ، 5‬ص ‪. 323‬‬

‫‪229‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫هلذا ا زب على أساس أن ا الفة ليست من حق ب هاشم وحدهم كما ي ادي الشيعة‪ ،‬وال من حق‬
‫مجاعـ ـ ــة املسلمني كله ـ ــم كما ي ادي ا وارج‪ ،‬ولك ها من حق قريش بالذات‪ ،‬وآمر فيها ش ـ ـ ــورى بني‬
‫املسلمني تارون هلا من قريش من يرتضون خالفته »‪ .1‬على أن ه ا من يرى بأن حزب الزبرييني قـد‬
‫بدأ بالظهور قبل عهد معاوية‪ ،2‬وكان « من الشعراء الذين اتصلوا برجال هذا ا زب ابن قيس الرقيات‬
‫[ت و ‪705‬م]‪ ،‬الذي التحق مبصعب بن الزبري وأكثر من مد ه‪ ،‬ونال من آمويني بغزله السياسي‬
‫الذي تعرض فيه ٓم الب ني زوج الوليد بن عبد امللك‪ ،‬على أن ابن قيس الرقيات مل يكشف يف شعر عن‬
‫مالمح بي ة يف سياسة ا زب الزبريي‪ ،‬ومل يكن داعية صر ا ملعتقدهم السياسي »‪.ϯ‬‬
‫ولكن املوقف والصراع آد الذي كان بني الشعراء‪ ،‬كان أساسه صراعا سياسيا‪ ،‬وكان ي طلق من‬
‫ألس ة الشعراء يف العواصم ال متركز فيها الصحابة يف بادئ آمر وكونوا فيها جيل التابعني‪ ،‬فكان‬
‫الشعراء يوجهون موقفهم إ الش ـ ــام بدمشق العاصمة آموية؛ حيث يوجد خلفاء ب أمية وشعراءهم ‪.‬‬
‫ولو نظرنا إ بيئة الشام من ال احية الشاعرية قبل وأث اء نقل العاصمة آموية إ دمشق‪،‬‬
‫لوجدناها مل تكن بيئة شاعرة الف باقي البيئات‪ :‬املدي ة ومكة‪ ،‬والعراق اصة‪ ،‬وهذا أمر طبيعي‪ٓ ،‬ن‬
‫قلة ا ركة الشعرية يف الشام تعود كما يقول شوقي ضيف‪ :‬إ « أن العرب الذين كانوا يف الشام قدميا‪،‬‬
‫كان أكثرهم إن مل يكن كلهم من القحطانية‪ ،‬وكان هلذا تأثري على هذ البيئة من حيث شاعريتها‪ ،‬فإن‬
‫من يستعرض نصوص العصر آموي ال يكاد د للشام نشاط يذكر من حيث الشعر‪ ،‬وأكرب الظن أن‬
‫هذا يرجع إ أن السكان ه ا كان أكثرهم مي يني اصط عوا العربية الشمالية اصط اعا‪ ،‬فلم تؤهلهم لقول‬
‫الشعر ونظمه‪ ،‬ولذلك ال د هلم شعراء مشهورين يف هذا العصر سوى عدي بن الرقاع العاملي‪ .‬وفرق‬
‫بعيد جدا بني نشاط الشعر يف العراق ونشاطه يف بيئة الشام‪ ،‬ففي الع ـراق نستطيع أن نعد أمساء شعراء‬
‫ممتازين بالعشرات‪ ،‬فصحف الشعر تتلى يف كل مكان‪ ،‬أما يف الشام فال يكاد يظهر على املسرح شاعر‬
‫ممتاز سوى عدي بن الرقاع‪ ،‬ومع ذلك فهو ال يعد شيئا بالقياس إ فحول العراق من مثل‪ :‬جرير‬
‫والفرزدق وآخطل وذي الرمة والكميت وهلم جرا ‪ ...‬وأكثر ما كان يقال فيها من شعر كان يَفـد عليها‬

‫‪ -1‬يوسف خليف ‪ :‬يف الشعر آموي دراسة يف البيئات ‪ ،‬ص‪. 57‬‬


‫‪ -2‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص‪. 87‬‬
‫‪ -3‬الفرزدق ‪ :‬الديوان ‪ ،‬مقدمة احملقق ‪ ،‬ص ‪. 12‬‬

‫‪230‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫من ا ارج »‪.1‬‬


‫هلذا سعى ب و أمية لتكوين حزب ملواجهة آحزاب آموية ودفع شبح املعارضة‪ٓ ،‬ن دولتهم‬
‫« ظلت تعاين من الفنت والثورات الداخلية‪ ،‬ال أشعلتها آحزاب املعارضة هلا يف أرجاء متفرقة م ها‪:‬‬
‫الشيعــة وا ـ ـوارج والزبرييون‪ ،‬فرأت أهنا يف حاجــة إ دعاية ضخمة يط هبا حكمها‪ ،‬وتؤيد هبا سياستها‬
‫وتشه ــرها يف وجـو خصومها السياسيني الذين كانت هلم أيضا وسائلهم اإلعالمية ال تروج ل ظرياهتم‬
‫السياسية املختلفة ‪ ،‬ومل يكن أمامهم من وسيلة للدعاية مثل الشعر »‪.Ϯ‬‬
‫وبالتا فما كان إال أن « وقف " شعراء الدولة ٓموية " يف العصر آموي ‪ -‬إ جانب ا يوش‬
‫املقاتلة ‪ -‬يدافعون ع ها‪ ،‬ويؤكدون حقها السياسي أمام شعـ ـراء آحزاب املعارضة‪ ،‬و ح آمويون يف أن‬
‫يؤلفوا حوهلم حزبا سياسيا يدافع عن نظريتهم السياسية‪ ،‬ويؤكد حقهم يف ا الفة أمام شعراء آحزاب‬
‫املعارضة‪ ،‬وهو ما يصح أن نطلق عليه ا زب آموي »‪.ϯ‬‬
‫ومثة عوامل سياسية سبقت الساسة آمويون يف تكوي هم زب سياسي‪ ،‬وساعدت على دفع‬
‫املعارضة على االستمرار يف املواجهة‪ ،‬وهي‪ :‬أوال ‪ :‬دهاء معاوية يف استمالة التابعني الشعراء إ قصر ‪ ،‬إذ‬
‫« م ذ أن اعتلى معاوية عرش ا الفة وا ذ من دمشق حاضرة الدولة آموية ا ديدة أصبحت دمشق‬
‫م طقة جذب لكثري من الشعراء‪ ،‬الذين تراءت هلم فرصة ذهبية لتحقيق آماهلم يف الشهرة والثراء‪ ،‬والتف‬
‫الشعراء حول القصر »‪ ،ϰ‬فتحقق بذلك ملعاوية ما أراد ‪ .‬ثانيا‪ :‬تشجيع الساسة آمويون لزرع املال يف‬
‫بطون شعراء املعارضة‪ ،‬مث ا هوا إ تشجيع الشعر يف أفئدة الشعراء ويف اال ا الذي خدم دولة ب‬
‫أميـ ــة‪ ،‬فتف وا بذلك يف إغــداق آموال وا وائز على الشعـراء واملغ ني‪ ،‬كما تف ن الشـعراء واملغ ني يف‬
‫آوزان والقوايف ‪ .‬ثالثا‪ :‬إثارة العصبية القبلية بني البدو وزرعها بني الشعراء‪ ،‬فتميعت ا هود السياسية يف‬
‫َمل مشل املعارضة وتوجيهها ملواجهة ب أمية ‪ « .‬وقد ساعدت سياسة معاوية على إحياء العصبيات‬
‫ا اهلية من مرقدها‪ٓ ،‬نه كان يرى استقرار ملكه وثبات عرشه مثرة من مثرات ا الفات بني القبائل‬

‫‪ -1‬شوقي ضيف ‪ :‬التطور والتجديد يف الشعر آموي ‪ ،‬ص‪. 47‬‬


‫‪ -2‬يوسف خليف ‪ :‬يف الشعر آموي دراسة يف البيئات ‪ ،‬ص‪. 87‬‬
‫‪ -3‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪.. 88‬‬
‫‪ -4‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 88‬‬

‫‪231‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫العربية ‪ .‬وقد ح يف ذلك احا ظاهرا‪ ،‬فكان أن عادت ا الفات بني القبائل العربية جزعة‪ ،‬وكان‬
‫الشاعر والسيف عديت هذ ا الفات ‪ ،‬وآداتني العاملتني فيها »‪ .1‬رابعا ‪َ :‬كف ب أمية عن تشجيع‬
‫العلم‪ ،‬والدور الذي كان يقوم به الصحابة من تدريس الفقه والتفسري وا ديث ‪ ،‬فأغفل ب و أمية كل هذا‬
‫ٓهنم رأوا يف استمرار تكوين العلماء والفقهاء هو تكوين َم ْن يثور عليهم وُ رمهم يف تغيري رى ا الفة ‪،‬‬
‫فأغلق آمويون هذا الباب‪ ،‬وأغدقوا آموال على فت ة الشعر والشعراء‪ ،‬وكما قال أمحد أمني‪ « :‬وملا‬
‫كانت دمشق مركز ا الفة يف عهد الدولة آموية فكان طبيعيا أن يقصدها‪ ،‬العلماء من كل صقع‪،‬‬
‫ولكن خلفاء ب أمية مل يشجعوا ا ركة العلمية‪ ،‬إمنا شجعوا الشعر وا طابة وف ون آدب‪ ،‬فكانت‬
‫ا ركات العلـمية آخرى ت مو من نفسها‪ ،‬وأهم هذ ا ركات العلمية ا ركة الدي ية »‪.Ϯ‬‬
‫ومن ه ا د الساسة آمويني و اصة معاوية‪ ،‬قد خلقوا لسياستهم و لفائهم من بعدهم هالة‬
‫من االطمئ ان‪ ،‬عاشوا يف ظلها برهة من الزمن ‪ ،‬فكان ب و أمية حريصني كل ا رص على أن يقضوا‬
‫للشعراء وللعلماء حوائجهم ويغدقون آموال عليهم من أجل قصيدة مدح يف معاوية أو ب أمية ‪ ،‬أو‬
‫فتوى رم أو رم ا ديث فيما مضى من عهد ب أمية ‪.‬‬
‫و ت ضربات سيف سياسة الدولة آموية‪ ،‬و كمة ذكية فيها من املكر وا بث والدهاء‪ ،‬ملا‬
‫« توجس معاوية خيفة من أهل ا جاز‪...‬أغرق ا جاز يف ر من الذهب‪ ،‬ح يصرف أهله عن‬
‫التفكري يف السياسة‪ ،‬و ول بي هم وبني املشاركة فيها ‪ .‬واهنالت آموال على أهل ا جاز وتدفقت‬
‫العطايا ملء أيديهم ‪ ،‬و حت خطة معاوية ‪ ،‬وسال " ر الذهب " يف مدن ا جاز‪...‬حيث استقرت‬
‫املعارضة وعلى شواطئ " ر الذهب " الذي أجرا ب و أمية يف مدن ا جاز عاش ا جازيون ي مون‬
‫ثراءهم الطارف ‪ ،‬وثراءهم التليد الـذي ورثو عن آبائهم ار العصر ا اهلي‪ ،‬الذين أتاح هلم وضع‬
‫إقليمهم ا غرايف والدي أن يكونوا سادة املال يف ذلك العصر ‪ ،‬واملتحكمني يف أزمة التجارة »‪.ϯ‬‬
‫وهكذا استطاع معاوية أن دث شرخا كبريا يف ا ياة السياسية ا ديدة للصحابة والتابعني ‪ ،‬يف‬
‫عهد ب أمية ‪ ،‬واستمر على مذهبه بعد اب ه يزيد وبعد ا لفاء املروانيني ‪.‬‬

‫آخر القرن الثالث اهلجري ‪ ،‬ص‪. 145‬‬ ‫‪ -1‬عبد ا كيم حسان ‪ :‬التصوف يف الشعر العر نشأته ونطور ح‬
‫‪ -2‬يوسف خليف ‪ :‬يف الشعر آموي دراسة يف البيئات ‪ ،‬ص ‪8. 60‬‬
‫‪ -3‬أمجد أمني ‪ :‬فحر اإلسالم ‪ ،‬ص ‪. 189‬‬

‫‪232‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫والفكري والسياسي بني شعراء آحزاب‪ ،‬تغريت ا ياة السياسية‬ ‫ويف ظل الصراع آد‬
‫واالجتماعية واالقتصادية‪ ،‬وتغريت أهواء وأطماع الشعراء والساسة آمويون‪ ،‬وتغريت نظرة التابعني‬
‫الشباب للحياة والفن‪ ،‬وهنض ا جاز هنضة غريت رى اإلبداع الف وا ياة‪ « ،‬ف هض فن الغ اء يف‬
‫ا جاز على يد الرقيق من املوا ‪ -‬أمثال‪ :‬معبد‪ ،‬وابن سريج‪ ،‬وسائب خاسر‪ ،‬وابن مسجح‪ ،‬ومجيلة‪،‬‬
‫وعزة امليالد‪ ،‬وسالمة‪ ،‬وحبابة‪ ،‬وما أدخله هؤالء من أ ان الروم والفرس‪ ،‬نتيجة ما أصاب أهل ا جاز‬
‫من الغ والثروة‪ ،‬وما م عن ذلك من ميل إ حياة الدعة واللهو‪ -‬يد يف االهتمام بالشعر الغ ائي‪،‬‬
‫و اصة ما ت ـ ــاول م ه عواطف ا ب‪ ،‬ومعـ ــاين الغزل ‪ .‬وكاد شعراء ا جاز من أمث ـ ـ ــال عبد الرمحن بن‬
‫حسان‪ ،‬وآحوص‪ ،‬وعمر بن أ ربيعة ‪ ،‬والعرجي يقصرون م ظومهم على هذا الوزن »‪.1‬‬
‫والذي زاد يف إغراق الشعراء يف العراق يف هذا اجملرى الشعري وال هوض به‪ « ،‬اهتمام الرواة وال قاد‬
‫به‪ ،‬فأقبل الشعراء على قرائحهم يشحذوهنا ليكسبوا شعرهم الرواج فاشتدت روح امل افسة بي هم‪ ،‬وقد‬
‫مثلت سوق " املربد " يف البصرة ‪ ،‬و" الك اسة " يف الكوفة ‪ ،‬دورا مهما يف هذ امل افسة بني الشعراء‬
‫وأذكت وطيس التسابق بي هم »‪.Ϯ‬‬
‫ويف خالفة يزيد بن معاوية وابن ميسون ا ليفة آموي الثاين (‪ϲϰ -Ϯϱ‬ه ‪ϲϴϯ -ϲϰϱ‬م)‬
‫وا ليفة التابعي آول (‪ϲϬ‬ه ‪ϲϴϬ‬م) ‪ ،‬كان الصراع واملكر والدهاء السياسي قد وصل يف خالفاته‬
‫ذروته ‪ ،‬ويف عهد قتل ا سني بن علي يف (‪ϲϭ‬ه‪ϲϴϬ‬م) بكربالء‪ « ،ϯ‬ويف س ة ثالث وستني بلغه أن‬
‫أهل املدي ة خرجوا عليه وخلعو فأرسل إليهم جيشا كثيفا وأمرهم بقتاهلم‪ ،‬مث املسري إ مكة لقتال‬
‫ابن الزبري‪ ،‬فجاؤوا وكانت وقعة ا رة* على باب طيبة‪...‬قتل فيها خلق من الصحابة ‪ ،‬وهنبت املدي ة‪،‬‬
‫وافتض فيها ألف عذراء »‪ « .ϰ‬وملا فعل يزيد بأهل املدي ة ما فعل‪ -‬مع شربه ا مر وإتيانه امل كرات ‪-‬‬

‫‪ -1‬الفرزدق ‪ :‬الديوان ‪ ،‬مقدمة احملقق ‪ :‬ص ص‪. 18 -17‬‬


‫‪ -2‬املصدر نفسه ‪ ،‬مقدمة احملقق ‪ :‬ص ‪.18‬‬
‫‪ -3‬السيوطي ‪ :‬تاريخ ا لفاء ‪ ،‬ص ‪. 162‬‬
‫*« عدد املقتولني با رة من قريش وآنصار ثالمثائة وستة من الرجال » ‪.‬‬
‫‪ -‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 165‬‬
‫‪ -4‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 164‬‬

‫‪233‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫اشتد عليه ال اس‪ ،‬وخرج عليه غري واحد»‪ ،1‬وكان قد َّقرب إليه الشاعر آخطل(ت‪ϳϭϬ‬م) فحرضه على‬
‫هجاء آنصار‪ ،‬وأكثر من مدحه‪ ،‬والزمه‪ ،‬فكانت مدة خالفته قصرية الهية عابثة ‪.‬‬
‫إ ًذا ‪ ،‬فهذ صورة ناطقة عن الصراع السياسي يف عهد ا لفاء آمويني السفيانيني‪ ،‬الذين أخذوا‬
‫سلطة ا الفة الراشدية بالقوة واملكر والدهاء‪ ،‬وا رفوا هبا إ ا كم امللكي‪ ،‬وغريوا رى الشعر الذي‬
‫رمسه له الرسول‪ ،‬وفرضه الصحابة بقوة ا هاد وال ضال السياسي وا رب البيانية املستميتة ضد قريش‪،‬‬
‫وحددوا مفهومه وجعلوا وظيفته يف خدمة الدين والدولة‪ ،‬وانتهت مدة خالفة السفيانيني بالع ف والقهر‬
‫والقتل واالغتصاب وهنب الثروات‪ ،‬وتوجيه حركة الشعر ونقد ‪ ،‬وجعلوا الشعر والشعراء يف خدمة ملكهم‬
‫وسياستهم ال فرضها معاوية بالقوة والقهر والرتغيب والرتهيب وسيولة املال ‪.‬‬
‫ويبدو أن كثريا من الشعر الذي خدم السياسة آموية‪ ،‬قد « ضاع ٓمرين‪ :‬أحدمها‪ :‬ضياع بعض‬
‫مصادر املهمة‪ ،‬وثانيهما‪ :‬إعراض علماء اللغة ورواة آشعار من أهل العراق عن االحتجاج به »‪.Ϯ‬‬
‫وكان الصراع السياسي بني الشعراء وخلفاء ب أمية يتجدد باستمرار كلما انتقل ا كم من خليفة‬
‫إ آخر‪ ،‬ومعلوم أن الشعر وال قد تطورا وانتعشا بانتقال ا كم إ ب مروان‪ ،‬وكما هو « معروف أن‬
‫الدولة آموية عرفت مرحلتني للتأسيس‪ :‬آو ‪ :‬مع معاوية بن أ سفيان‪ ،‬والثانية‪ :‬مع عبد امللك بن‬
‫مروان‪ ،‬إن شئت فقل‪ :‬مرحلة ب أمية ومرحلة ب مروان‪ ،‬على أن مرحلة ب مروان ميكن تقسيمها إ‬
‫الفرتة املمتدة ما بني مرج راهط* حني تو ا الفة مروان بن ا كم** ‪ ،‬وعام ا ماعة (‪ϳϯ‬ه) حني‬
‫خال ا و لعبد امللك بن مروان بقتل عبد اهلل بن الزبري‪ ،‬مث الفرتة ال تلي عام ا ماعة وال متتد ح‬

‫‪ -1‬السيوطي ‪ :‬تاريخ ا لفاء ‪ ،‬ص ‪. 164‬‬


‫‪ -2‬مد أمني املؤدب‪ :‬اإلتباع واالبتداع يف الشعر آموي القصيدة املادحة أمنوذجا‪ ،‬ط‪ ،1‬الرباط‪ ،‬م شورات كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية بتطوان ‪،‬‬
‫يف سلسلة آطاريح ا امعية (‪1432 ، )3‬ه ‪2002‬م ‪ ،‬ص ص ‪. 31 -30‬‬
‫*« موقع يف سوريا مشا دمشق انتصر فيه مروان بن ا كم على القيسيني ‪ϲϴϰ‬م » ‪.‬‬
‫‪ -‬امل جد يف اللغة وآعالم ط‪ ، Ϯϴ‬بريوت ن لب ان ‪ ،‬دار املشرق ‪ϭϵϲ ،‬م‪ ،‬ص ‪. ϱϮϴ‬‬
‫**« مروان بن ا كم ( ‪ϲϱ -Ϯ‬ه ‪ϲϴϱ -ϲϮϯ‬م ) ا ليفة آموي الرابع (‪ϲϰ‬ه‪ϲϴϯ‬م) به انتقلت ا الفة من السفيانيني إ املروانيني ‪ .‬دافع عن‬
‫عثمان واشرت يف معركة ا مل ‪ .‬انتصر على القيسيني أنصار ابن الزبري يف معركة مرج راهط مشا دمشق ‪ ،‬واستو على مصر ‪ .‬ضبط املقاييس‬
‫واملوازين مات بالطاعون يف دمشق » ‪.‬‬
‫‪ -‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪.ϱϯϬ‬‬

‫‪234‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫هناية الدولة آموية »‪.1‬‬


‫وملا انتقل حكم ا الفة إ آمويني املروانيني‪ ،‬ويف عهد عبد امللك بن مروان ا ليقة آموي‬
‫ا امس (‪ϴϲ-Ϯϲ‬ه ‪ϳϬϱ-ϲϰϲ‬م) وا ليفة التابعي الثالث(‪ϲϱ‬ه‪ϲϴϱ‬م)بعد ا ليفة معاوية* بن‬
‫يزيد‪ ،‬حيث يعد عبد امللك بن مروان أكثر خلفاء ب أمية اهتماما بالشعر والشعراء ‪ ،‬ف شط الشعر‬
‫وال قد على السواء يف لسه‪ ،‬وبانتقال ا الفة إليه كانت مدرسة التابعني الشعرية قد نضجت واكتملت‬
‫وأخذت مسارها املميز‪ ،‬ويف عهد استمر جليـا املوقف اإل ا من الشعر والشعراء للساسة آمويني‬
‫خلفاء وأمراء وقادة ‪ ،‬وذلك ملا أبانوا عن رغبتهم يف تقريب الشعراء إليهم أكثر فأكثر‪ ،‬فظهر البعد‬
‫االسرتاتيجي هلذا املوقف يف خدمة دولة ب أمية؛ حيث « رحل الشعراء إليهم ‪ ،‬وتزامحوا على قصور‬
‫ُوالهتم وأشادوا هبم ومدحوهم كي ي الوا عطاياهم و ظوا وائزهم ‪ ،‬فكان لب أمية يف كل بيت شعراء‬
‫يت افسون يف اإلشادة هبم وح سب ا أن نذكر م هم آخطل الذي عرف بأنه شاعر ب أمية ‪ ،‬فقد اصطفا‬
‫يزيد بن معاوية طوال خالفته‪ ،‬مث قربه عبد امللك ابن مروان‪...‬ومن شعراء ب أمية بآمصار املختلفة ‪:‬‬
‫أعشى ب تغلب با زيرة‪ ،‬وعدي بن الرقاع العاملي بالشام‪ ،‬وجرير والفرزدق بالبصرة‪ ،‬وعبد اهلل آسدي‬
‫بالكوفة وآحوص باملدي ة »‪.Ϯ‬‬
‫ويف عهد ا لفاء املروانيّني‪ ،‬ابتداء من عهد عبد امللك بن مروان‪ ،‬ا ذ الشعراء م حى آخر بالشعر‬
‫ملا قَـَّرهبم ا لفاء إليهم‪ ،‬فزادت « ا ركة الشعرية شيوعا بارزا‪ ،‬يف ضوء الثراء الفاحش وآخذ بأسباب‬
‫ا ضارة »‪ .ϯ‬فكان ا ليفة عبد امللك بن مروان يقرب إليه الشعراء ‪ ،‬ويعقد الس للشعر ونقد ‪ ،‬ونفس‬
‫امل حى ا ا لفاء بعد ‪ :‬سليمان بن عبد امللك (ت‪ϵϵ‬ه‪ϳϭϳ‬م)‪ ،‬وعمر بن عبد العزيز (ت‪ϭϬϭ‬ه‬

‫‪ -1‬مد أمني املؤدب ‪ :‬اإلتباع واالبتداع يف الشعر آموي القصيدة املادحة أمنوذجا ‪ ،‬ص ‪. 28‬‬
‫*« معاوية بن يزيد بن معاوية ‪ ،‬أبو عبد الرمحن – يقال له ‪ :‬أبو يزيد ‪ ،‬ويقال أبو ليلى – استخلف بعهد من أبيه يف ربيع آول س ة أربع وستني ‪ ،‬وكان‬
‫شابا صا ا ‪ ،‬وملا استخلف كان مريضا ‪ ،‬فاستمر مريضا إ أن مات ‪ ،‬ومل رج إ الباب ‪ ،‬وال فعل شيئا من آمور ‪ ،‬وال صلى بال اس ‪ ،‬وكانت‬
‫خالفته أربعني يوما ‪ ،‬وقيل ‪ :‬شهرين ‪ ،‬وقيل ‪ :‬ثالثة أشهر‪ ،‬ومات إحدى وعشرون س ة ‪ ،‬وقيل ‪ :‬عشرون س ة ‪ ،‬وملا احتضر قيل له‪ :‬أال تستخلف ؟‬
‫قال‪ :‬ما أصبت من حالوهتا فَل َم أ مل مرارهتا » ‪.‬‬
‫‪ -‬السيوطي ‪ :‬تاريخ ا لفاء ‪ ،‬ص ‪. ϭϲϲ‬‬
‫‪ -2‬أحالم مد سيد إمساعيل‪ :‬آدب العر يف العصر آموي ‪ ،‬د ‪ .‬م ‪ ،‬د ‪ .‬ن ‪1419 ،‬ه‪1998‬م ‪،‬ص ص ‪. 22 -21‬‬
‫‪ -3‬حسن الب داري‪ :‬الشعر العر يف عصر صدر اإلسالم والعصر آموي ‪ ،‬ص ‪. 79‬‬

‫‪235‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫‪ϳϮϬ‬م)‪ ،‬ويزيد بن عبد امللك (ت‪ϭϬϱ‬ه)‪ ،‬وهشام بن عبد امللك (ت‪ϭϮϱ‬ه ‪ϳϰϯ‬م)‪ ،‬فهؤالء‬
‫ا لفاء مدحهم الشعراء فأغدقوا آموال عليهم بني مكثر ومقل‪ ،‬وقد كان للشعر والشعراء دور كبري يف‬
‫خدمتهم‪ ،‬وبسط نفوذهم على امللك والرعية ‪ .‬وإن ك ا كما قال وليد مود خالص‪ « :‬نستث من ذلك‬
‫بقوة ا ليفة الزاهد عمر بن عبد العزيز ‪ ، ‬الذي أ أن يعطي الشعراء شيئا من بيت املال‪ ،‬واكتفى‬
‫مب حهم قليال من ماله ا اص‪ ،‬ومل يكن يرى يف الشعراء أمهية تذكر‪ ،‬فضرب بذلك مثاال فريدا يف عالقة‬
‫الشعراء با لفاء قل نطري »‪.1‬‬
‫لكن هذا التقارب والعالقة الوطيدة بني الشعراء وا لفاء آمويني املروانيّني من الوجهة السياسية‪،‬‬
‫يعكس أهواء الشعراء‪ ،‬لـ ـ ـ« أَن الشعراء الذين ميثلون هذا ا زب آموي سايروا امللو هبذا آسلوب‬
‫نفسه‪ ،‬فكانوا على العموم نفعيني ميدحوهنم طمعا يف العطاء‪ ،‬أوخوفا من العقاب‪ ،‬وقلما د من ميدحهم‬
‫على أصل مذهيب »‪ .Ϯ‬مثل الفرزدق الذي ميكن أن نستث يه بقوة ٓنه « مل يكن من أنصـار آمويني على‬
‫الرغم من مد ه عددا من ملوكهم ووالهتم‪ ،‬ولوال أهنم أصحاب جولة‪ ،‬ولوال طمعه وائزهم ملا وجد‬
‫نفسه مفتقرا إ كسب عطفهم »‪ .ϯ‬ويف شعـ ــر الفـرزدق ما يبني مترد وسخطه على آمويني‪ ،‬وهو ما‬
‫يكشف بأنه أقل من جرير وآخطل حبا ووالء للبيت آموي ‪.‬‬
‫ويف ظل الصراع السياسي احملموم بالدهاء والفنت‪ ،‬والعودة إ العصبية القبلية يف العصر آموي‪،‬‬
‫نشأت وتكونت مدرسة التابعني الشعرية وال قدية‪ ،‬ال ظهرت بذورها يف عهد معاوية بن أ سفيان‪،‬‬
‫وانتشرت بالتوازي مع ظهور وانتشار مدرسة التابعني الفقهية‪ ،‬ال كانت مرتامية آطراف‪ ،‬بعد أن كانت‬
‫مدرسة التابعني صورة يف موط ها آصلي باملدي ة‪ ،‬وازداد نشاط الشعراء التابعني يف عهد عبد امللك‬
‫ابن مروان‪ ،‬ونظرا الستمرار « ا روب الداخلية الطويلة ال استمرت ه ا طوال عصر ب أموية »‪،ϰ‬‬
‫أخذ التابعون الشعراء يشكلون قوة أدبية‪ ،‬وا ذوا هلم مـواطن وبيئات متعددة ومت وعـة‪ ،‬وظهر يف كل‬
‫مدي ة أو بيئة شعراء مثلوا نزعتهم السياسية وا اههم الشعري يف عصرهم‪ ،‬ويف عهد عبد امللك بن مروان‬
‫يكون قد خال له ا و بقتل عبد اهلل بن الزبري(‪ϳϯ -ϭ‬ه ‪ϲϵϮ-ϲϮϮ‬م)‪ ،‬وكما قال السيوطي‪:‬‬

‫‪ -1‬وليد مود خالص ‪ :‬ال قد آد يف كتاب آغاين ‪ ،‬ط‪ ، 1‬عمان ‪ ،‬آردن‪ ،‬دار أسامة لل شر والتوزيع ‪2000 ،‬م ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪.33‬‬
‫‪ -2‬أحالم مد سيد إمساعيل ‪ :‬آدب العر يف العصر آموي ‪ ،‬ص ‪. 7‬‬
‫‪ -3‬الفرزدق ‪ :‬الديوان ‪ ،‬مقدمة احملقق ‪ :‬ص ‪. 23‬‬
‫‪ -4‬شوقي ضيف ‪ :‬التطور والتجديد يف الشعر آموي ‪ ،‬ص‪. 59‬‬

‫‪236‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫« وآصح ما قاله الذهيب‪ :‬إن مروان ال يعد يف أمراء املؤم ني‪ ،‬بل هو باغ خارج على ابن الزبري‪ ،‬وال عهد‬
‫إ اب ه بصحيح‪ ،‬وإمنا صحت خالفة عبد امللك من حني قتل ابن الزبري »‪.1‬‬
‫وعلى هذا آساس يكون بقتل ابن الزبري قد غاب وأَفَل كلية م عصر الصحابة‪ ،‬الذي كان‬
‫يظل املسلمني بظالله يف قيادهتم للحركة الدي ية وآدبية والسياسية والفكرية يف العصر اإلسالمي ‪.‬‬
‫وهكذا د أن مدرسة التابعني الشعرية الكربى‪ ،‬قد أفرزت يف كل بيئة من البيئات العربية مدرسة‬
‫شعرية خاصة‪ ،‬وفرضت وجودها الف وال قدي‪ ،‬ف جد يف هذا امل حى « قد غلب على الشعر يف املدي ة‬
‫شعر " الغزل وا ب"‪ .‬وإن كانت املدي ة قد شهدت بعضا من شعر اهلجاء الذي جرى بني عبد الرمحن‬
‫ابن ا كم وعبد الرمحن بن حسان بن ثابت ‪ .‬وقد انتهى هذا اللون من الشعر اهلجائي يف املدي ة‪،‬‬
‫بانتهاء أو موت الشاعرين‪ ،‬ولكن حظ املديح كان أوفر وأشيع؛ حيث ا ه بعض شعراء املدي ة إ مديح‬
‫ملو ب أمية من حني آلخر طمعا يف مكافآهتم ول يل عطاياهم ‪ ،‬كما نرى يف شعر آحوص ‪ ،‬وموسى‬
‫شهوات ‪ ،‬وإمساعيل بن يسار‪ .‬ولك ه مل لبث أن ضعف ‪ ،‬شأنه يف الضعف شأن شعر اهلجاء‪ٓ ،‬ن شعر‬
‫الغزل غلب على أي غرض شعري آخر »‪.Ϯ‬‬
‫أما مكة فقد ظهر فيها من الشعراء « عبيد اهلل بن قيس الرقيات‪ ،‬والعرجي يف غرضي املدح‬
‫واهلجاء‪ ،‬وكان مثة غزل صريح ولك ه مل يكن يصل إ درجة الفحش‪ ،‬على و ما د يف شعر عمر بن‬
‫أ ربيعة ‪ ،‬الذي تأثر وغري مبجالس الغ اء والطرب ال كانت تقام يف بعض ضواحي مكة ويديرها عدد‬
‫من املوا »‪.ϯ‬‬
‫أما يف د فقد شاع فيها شعر الغزل كثريا من خالل ظهور شعرائه‪ :‬عروة بن حزام‪ ،‬وقيس بن‬
‫ذريح ‪ ،‬ومجيل بن معمر‪ ،‬وقيس بن امللوح ‪.‬‬
‫وقد ظهر شعر الفخر واهلجاء وال قائض يف العراق وشاع كثريا ‪ ،‬وانتهى املطاف هبذ الف ون يف العراق‬
‫إ فن املديح السياسي‪ ،‬الذي أصبح امتدادا يف هناية املطاف إلرادة الساسة آمويني ورغبتهم‪.‬‬
‫وأما الشام فبكل تأكيد ‪-‬ويف خضم هذا التقارب اإل ا بني موقف الساسة آمويني من الشعراء‪،‬‬

‫‪ -1‬السيوطي ‪ :‬تاريخ ا لفاء ‪ ،‬ص ‪. 167‬‬


‫‪-2‬حسن الب داري ‪ :‬الشعر العر يف عصر صدر اإلسالم والعصر آموي ‪ ،‬ص ‪. 81‬‬
‫‪ -3‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص ص ‪.82 - 81‬‬

‫‪237‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫وموقف الشعراء من حكم ب أمية‪ ،-‬قد « ح القصر يف أن لق للمدح يف بيئة الشام سوقا رائجة‬
‫تتدفق فيها آموال يف حجور الشعراء‪ ،‬كما تتدفق القصائد يف مسامع ا لفاء وآمراء ‪ ،‬وملع من بي هم‬
‫كبار شعراء العصر أو فحوله الثالثة‪ :‬آخطل وجرير والفرزدق ‪ ،‬الذين احتكروا القصر ساهبم س ني‬
‫طويلة و اصة آخطل وجرير »‪.1‬‬
‫وبعد حروب دامية وسجال ف قوي بني الشام واملعارضة السياسية يف العراق وا جاز‪ ،‬مت‬
‫االنتصار لألمويني سياسيا وف يا‪ ،‬فبسط الساسة آمويون سلطتهم ونفوذهم‪ ،‬وفرضوا االستقرار على‬
‫الصعيدين السياسي واالجتماعي‪ ،‬وأدان جيل التابعني لفاء بن أمية‪ ،‬الذين أصبحوا يف موقع قوة‪ ،‬مما‬
‫جعل « الشعراء يتغ ون بكل خصال املمدوح‪ ،‬خليفة كان أو واليا أو قائدا أو سيدا‪ ،‬وسيع ون بالقيم‬
‫الدي ية ع اية خاصة ٓهنا الس د الذي يكفل للخليفة وجود وبقاء ‪ ،‬غري مبال مبن ظل ي اوئه‪ ،‬من بقية‬
‫آحزاب آخرى السيما الشيعة وا وارج »‪.Ϯ‬‬
‫وعلى ألس ـ ــة الشعراء عـ ـ ـاد غرض املدح إ صورتـ ـ ـه ا اهلية‪ ،‬بعد أن احرتف التابعـ ـون الشعراء‬
‫شع ـ ـ ــر « التكسب ونيل ا وائز واهلبات‪ ،‬ولكن من خالل مفهوم جديد تطورت إليه قصيدة املدح‬
‫آموية‪ ،‬يف ظل الظروف السياسية واالجتماعية واالقتصادية ال كانت تتحكم يف اجملتمع ا ديد »‪.ϯ‬‬
‫وهكذا يبدو واضحا أن مدارس التابعني الشعرية بعدما كانت متثل بيئات املعارضة ال نشأت فيها‬
‫كم نزعتها ذات الطابع السياسي ‪ .‬م ها‪ :‬مدرسة مكة‪ ،‬ومدرسة املدي ة‪ ،‬ومدرسة العراق‪ ،‬ومدرسـ ـة‬
‫الشام‪ ،‬فقد باتت كل هذ املدارس تصب يف وعاء واحد‪ ،‬وهو مدرسة التابعني الشعرية ال متثل عصر‬
‫التابعني أو باملفهوم السياسي "العصر آموي" ‪.‬‬
‫وعلى هذا آساس يتضح أن موقف التابعني خلفاء وفقهاء من الشعر والشعراء موقف إ ا ‪،‬‬
‫فقد كانوا ي شدون الشعر ويتذوقونه ويتمثلون به وي قدونه ‪ٓ.‬هنم سلكوا يف موقفهم من الشعر والشعراء‬
‫مذهب الصحابة أهل املدي ة‪ ،‬ومكة ‪.‬‬
‫وقد بني ابن رشيق أساس هذا املذهب‪ ،‬فقال‪ « :‬فقد كان مجاعة من أصحاب مالك بن أنس‬

‫‪ -1‬يوسف خليف ‪ :‬يف الشعر آموي دراسة يف البيئات ‪ ،‬ص ‪. 88‬‬


‫‪ -2‬مد أمني املؤدب ‪ :‬اإلتباع واالبتداع يف الشعر آموي القصيدة املادحة أمنوذجا ‪ ،‬ص ‪. 31‬‬
‫‪ -3‬يوسف خليف ‪ :‬يف الشعر آموي دراسة يف البيئات ‪ ،‬ص ‪. 90‬‬

‫‪238‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫يرون الغ اء بغري آلة جائز‪ ،‬وهو مذهب أهل املدي ــة ومكة‪ ،‬والغ اء حلة الشعر إن مل يلبسها طـ ــويت‬
‫أح َّل الغ اء »‪.1‬‬
‫و ال أن رم الشعر من َ‬
‫فكان هذا املوقف اإل ا من الغ اء والشعر‪ ،‬م طلق رؤية التابعني الفكرية وا مالية للشعر ونقد‬
‫ال عمت عصر التابعني‪ ،‬وهي رؤية ال تتعارض مع علم التابعني وتفقههم‪ ،‬وورعهم‪ ،‬إذ د كثريا من‬
‫التابعني الفقهاء يف واز إنشاد الشعر وروايته‪ ،‬والتمثل به ونقد لبيان مجالياته‪ .‬وهم هبذا املوقف‬
‫ي ظرون للشعر نظرة ف ية ‪.‬‬
‫وإن الباحث يف أقوال التابعني وآثارهم آدبية‪ ،‬شعرا ونقدا‪ ،‬يكشف عن موقفهم من الشعر والشعراء‪،‬‬
‫ومن خالل مواقفهم اإل ا ‪ ،‬وقبلهم موقف الصحابة والس ة ال بوية والقرآن العظيم‪ ،‬يتجلى ل ا بوضوح‬
‫موقف اإلسالم من الشعر والشعراء ‪.‬‬
‫وعلى هذا آساس ميكن توضيح موقف التابعني من الشعر والشعراء بدءا مبوقف ا لفاء آمويني‪.‬‬

‫‪ -1‬ابن رشيق ‪ :‬العمدة ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ص ‪. 34 -33‬‬

‫‪239‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫‪ -ϭ‬موقف يزيد بن معاوية (ت‪ ϲϰ‬ه ‪ϲϴϯ‬م) من الشعر والشعراء‪:‬‬

‫يعد يزيد بن معاوية بن أ سفيان وابن ميسون ب ت دل الكلبية‪ϲϰ -Ϯϱ( ،‬ه‪-ϲϰϱ‬‬


‫‪ϲϴϯ‬م) ا ليفة آموي الثاين بعد أبيه ‪ ،‬وا ليفة التابعي آول (‪ϲϬ‬ه ‪ϲϴϬ‬م) ‪ ،‬شار يف تسيري أمر‬
‫الدولة مع أبيه معاوية الذي كان يرغب يف ذلك ‪ ،‬وكانت له عالقة وطيدة مع الشعر والشعراء ‪ ،‬وكان من‬
‫دهائه السياسي أن دعا الشاعر آخطل ‪ ،‬ودفعه إ هجاء آنصار ‪ ،‬وسعى إ تقريبه إليه ح خصه‬
‫به ‪ ،‬وم ذ ذلك ا ني ارتبطت عالقة يزيد بالشعراء الذين سخرهم دمته‪ ،‬ودخل آخطل يف الصراع‬
‫السياسي إ جانب الساسة آمويني مادحا هلم ‪ ،‬مدافعا ع هم مؤكدا حقهم يف ا الفة ‪ ،‬وهذا ما يؤكد‬
‫موقف يزيد اإل ا من الشعر والشعراء ‪ ،‬وهو موقف سياسي؛ حيث كان على علم وبي ة من دور الشعر‬
‫يف خدمة سياسته ‪ٓ ،‬نه عاش مع أبيه معاوية تلك اجملالس ال كان ضرها الفقهاء والعلماء والشعراء ‪،‬‬
‫ومسع ما كان يدور من حديث الشعر يف تلك اجملالس ‪ ،‬وما كان يصل إ معاوية من هجاء ومدح ‪،‬‬
‫وهلذا ملا تو يزيد أمور ا الفة كانت له سياسته ا اصة يف تسيري شؤون الدولة ‪ ،‬فدفع باجملالس آدبية‬
‫يف دولته إ االستمرار‪ .‬وكانت ا الفات السياسية مع املعارضة شديدة ‪ ،‬وبلغ الصراع حدا كبريا ‪ ،‬وقد‬
‫وصل املكر والدهاء السياسي يف خالفاته ذروته ‪.‬‬
‫لقد كان يزيد صورة ل مط سياسي عبثي‪ ،‬فـي ظل حكمه ف ـ ـ ـ ـ « عن هشام الكليب عن أبيه وأ‬
‫ب الشراب واالستهتار بالغ اء والصيد‪ ،‬وا اذ‬ ‫ف وغريمها قالوا ‪ :‬كان يزيد بن معاوية أول من أظهر ُش ْر َ‬
‫القيان والغلمان والتفكه مبا يضحك م ه املرتفون من القرود واملعاقرة بالكالب والديكة‪ ،‬مث جرى على يد‬
‫ماضي‬
‫َ‬ ‫الع ْق َدة فيما يرى‪،‬‬
‫قتل ا سني‪ ،‬وقتل أهل ا رة‪ ،‬ورمى البيت وإحراقه‪ ،‬ومع هذا كان صحيح ُ‬
‫العزمية ال يهم بشيء إال ركبه »‪.ϭ‬‬
‫وهذا يدل على جرأته يف حياته العبثية‪ ،‬آمر الذي جعله مل يغري يف منط حياته‪ ،‬حيث استمر يف‬
‫عبثه السياسي يف تسيري شؤون الدولة آموية يف عهد ‪.‬‬

‫‪ –ϭ‬البالذري ‪ :‬أنساب آشراف ‪ ،‬ج‪ ، ϱ‬ص ‪. Ϯϵϵ‬‬

‫‪240‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫موقف يزيد من الشعر‪:‬‬


‫لقد تبني أن موقف يزيد من الشعر والشعراء موقف إ ا ‪ ،‬وهو الذي وطن الشاعر آخطل يف‬
‫القصر آموي‪ ،‬وهو كباقي خلفاء ب أمية يف اهتمامه بالشعر من حيث حفظه له وروايته‪ ،‬فثبت ع ه أنه‬
‫قال شعرا‪ ،‬وكان أكثر قد قاله يف الس شراب وهلو ‪.‬‬
‫ومن املواقف ال قال فيها شعرا‪ ،‬ذلك ملا وصله مرض أبيه معاوية‪ ،‬حيث روى املدائ عن إسحاق‬
‫ابن أيوب عن خالد بن عجالن قال‪ « :‬ثقل معاوية ويزيد ُّوارين* فأتى الرسول رب ‪ ،‬فجاء وقد دفن‬
‫[البسيط]‬ ‫معاوية ‪ ،‬فلم يدخل م زله ح أتى قرب ‪ ،‬فرتحم عليه ودعا له مث انصرف إ م زله وقال‪:‬‬
‫القلب من قرطاسه فَز َعا‬
‫س ُ‬ ‫فأوج َ‬
‫َ‬ ‫يد بقرطاس َ ُب به‬ ‫َجاءَ الرب ُ‬
‫ال ا ليفةُ ْأم َسى ُمثْبَتًا َوج َعا‬ ‫قَ‬ ‫الويل ماذا يف كتاب ُك ْم‬ ‫ُ‬ ‫قُـ ْلَا َ‬
‫لك‬
‫كأن أَ َغبَـَر م ْن أركانه انْـ َقلَ َعا‬‫َّ‬ ‫متيد ب ا‬‫كادت ُ‬ ‫آرض أو َ‬
‫ُ‬ ‫فمادت‬
‫َ‬
‫جاج هبا الَ نَأْتَلي سَر َعا‬ ‫نَرمي الف َ‬ ‫ُمثَّ انبعثْـَا على خوص ُمزَّممَة‬
‫مامات مْـ ُه َّن بالبيداء أَْو ظَلَ َعا‬
‫َ‬ ‫إذا بلَّ ْغ َن أَْر ُحلَا‬ ‫وما نُبا‬
‫ك ال فس أَ ْن تَـ َق َعا‬
‫مقادير ت ْل َ‬
‫ُ‬ ‫وشك‬
‫تُ ْ‬ ‫نفسهُ تُ ْشفي على تَـلَف‬ ‫َم ْن ال تز ُال ُ‬
‫ص َد َعا‬‫القلب فَانْ َ‬
‫ُ‬ ‫ص ْوت َرْملَئ َة ري َع‬ ‫لَ‬ ‫صفق‬ ‫وباب الدار ُمْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ملا انتهيَا‬
‫ت َجَز َعا‬ ‫س تَـ ْعلَ ُم أ ْن قَ ْد أُثْبتَ ْ‬ ‫والَّـ ْف ُ‬ ‫القلب شيئًا بـَ ْع َد طَْيـَرته‬
‫ارعوى ُ‬ ‫مث ً‬
‫مجيعا خليطًا فَاطَـ ْني َم َعا‬ ‫كانَا ً‬ ‫أَْوَدى اَبْ ُن ه د وأ َْوَدى ْ‬
‫اجمل ُد يـَْتبَـعُهُ‬
‫اس َع ْن أَ ْح َساهب ْم قَـَر َعا »‪.ϭ‬‬
‫ع ال َ‬
‫لَ ْو قَ َار َ‬ ‫مام به‬ ‫أَ َغر أَبْـلَ ُج يُ ْستَ ْس َقى الغَ ُ‬
‫من جراء ا رب الذي وصله‪ ،‬فاهتز له قلبه‪ ،‬جراء‬ ‫فيزيد يف هذ القصيدة يعرب عن هول الصدمة‬
‫وفاة والد ا ليفة معاوية‪ ،‬والقصيدة مع بني تفجع يزيد‪ ،‬ورثائه ٓبيه ‪.‬‬
‫وعن شعر يف أهل بيته‪ ،‬روى « املدائ قال‪ :‬دعا يزيد بأم خالد لي ال م ها فأبطأت عليه‪ ،‬وعرضت‬

‫*قرية يف هضبة محص ا وبية ‪.‬‬


‫‪ -ϭ‬البالذري ‪ :‬أنساب آشراف ‪ ،‬ج‪ ، ϱ‬ص ‪. ϭϲϭ‬‬
‫‪ -‬وي ظر‪ :‬أبو ا سن علي بن أ الكرم مد بن مد بن عبد الكرمي بن عبد الواحد الشيباين املعروف بابن آثري ‪ :‬الكامل يف التاريخ ‪ ،‬ط‪ ،3‬بريوت ‪،‬‬
‫لب ان ‪ ،‬دار الكتاب العر ‪1400 ،‬هـ ‪1980‬م ‪ ،‬ج‪ ، ϯ‬ص ‪. Ϯϲϭ‬‬

‫‪241‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫[ زوء ا فيف]‬ ‫له جارية سوداء من جواريه فوقع عليها ‪ ،‬فلما جاءت أم خالد أنشأ يقول‪:‬‬
‫ب َساع ل َقاعد‬ ‫ُر َّ‬ ‫اسلَمي أ َُّم خالد‬ ‫ْ‬
‫ب َوارد‬ ‫َن َسبَْت‬ ‫ك الَّ تَري ـ ـ ــْ‬ ‫َّ‬
‫إن ت ْل َ‬
‫يف حر َغ ْري بَارد »‪.ϭ‬‬ ‫تُ ْدخ ُل ْآَيْـَر ُكلَّهُ‬
‫وما قاله من شعر يف هلو بالقرد‪ ،‬روى املدائ واهليثم وغريمها قالوا‪ « :‬كان ليزيد بن معاوية قرد‬
‫عله بني يديه ويك يه أبا قيس‪ ،‬ويقول ‪ :‬هذا شيخ من ب إسرائيل أصاب خطيئة فمسخ‪ ،‬وكان يسقيه‬
‫ال بيذ ويضحك مما يص ع‪ ،‬وكان مله على أتان وحشية ويرسلها مع ا يل فيسبقها‪ ،‬فحمله عليها يوما‬
‫[الطويل]‬ ‫وجعل بقول‪:‬‬
‫ضما ُن‬ ‫ْت َ‬
‫عليها إن َهلَك َ‬
‫س َ‬ ‫فَـلَْي َ‬ ‫ضل ع اهنَا‬ ‫ك أَبَا قَـْيس ب َف ْ‬ ‫َمت َّس ْ‬
‫ني أَتَا ُن »‪.Ϯ‬‬
‫َو َخْي َل أَمري املؤم َ‬ ‫ماعة ُكلَّها‬
‫ت َخْي َل ا َ‬ ‫فقد َسب َق ْ‬
‫أما عن لس شراب يزيد فقال املدائ ‪ « :‬كان يزيد ي ادم على الشراب َس ْرجون مو معاوية‬
‫[املديد]‬ ‫وليزيد شعر م ه قوله‪:‬‬
‫أَ َك َل ال َّْم ُل الذي َمجَ َعا‬ ‫َوهلَا باملاط ُرون إذا‬
‫ت من جلّق بيَـ َعا‬ ‫َس َكَ ْ‬ ‫ت‬‫َم زل ح ّ إذا ْارتَـبَـ َع ْ‬
‫الزيتو ُن قد يَ َعا »‪.ϯ‬‬ ‫َح ْوهلا َّ‬ ‫يف ج ان مثَّ ُم ْؤن َقة‬
‫وعن هذ آبيات جاءت يف كتاب " تاريخ ا لفاء " برواية فيها من الزيادة‪ ،‬فقال‪ :‬ومن شعر‬
‫[املديد]‬ ‫يزيد‪:‬‬
‫وم فَ ْامتَـَـ َعا‬ ‫َوأََمَر ال َ‬ ‫آب ه َذا اهلَم فا كت َعا‬
‫فَإ َذا َما كوكب طَلَ َعا‬ ‫أَْرقُبهُ‬ ‫للَجم‬ ‫راعيًا‬
‫أَنَّهُ بالْغَور قَ ْد َوقَـ َعا‬ ‫َح َام ح َّ إنَّ الَ أََرى‬
‫أَ َك َل الَّ ْم ُل الَّذي َمجَ َعا‬ ‫إ َذا‬ ‫وهلا باملاطرون‬

‫‪ -ϭ‬البالذري ‪ :‬أنساب آشراف ‪ ،‬ج‪ ، ϱ‬ص ‪. ϯϬϬ‬‬


‫‪ -Ϯ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ، ϱ‬ص ‪. ϯϬϬ‬‬
‫‪ -ϯ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ، ϱ‬ص ‪. ϯϬϭ‬‬

‫‪242‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫لت م ْن جلق بيَـ َعا‬ ‫نز ْ‬ ‫نزهة َح َّ إ َذا بلغت‬


‫حوَهلا الزيتو ُن ق ْد يـََـ َعا ‪.ϭ‬‬ ‫ط َد ْس َكَرة‬
‫يف قبَاب َو ْس َ‬
‫وهكذا نالحظ أن املواقف ال قال فيها يزيد بن معاوية الشعر‪ ،‬أغلبها الس مخر وهلو‬
‫وعبث‪،‬وهذا الذي غلب عليه‪ ،‬باستث اء ما قاله من شعر أث اء وفاة معاوية ‪.‬‬
‫شعر يزيد في زوجاته ‪:‬‬
‫كان يزيد ب زوجاته‪ ،‬وكثريا ما كان يقول فيهن الشعر‪ ،‬ف ـ ـ ـ« تزوج يزيد بن معاوية فاختة وهي‬
‫َحبَّة ب ت أ هاشم بن عتيبة بن ربيعة فولدت له‪ :‬معاوية ‪ ،‬وخالدا‪ ،‬وعبد اهلل آكرب‪ ،‬وأباسفيان؛ وتزوج‬
‫أم كلثوم ب ت عبد اهلل بن عامر فولدت له‪ :‬عبد اهلل آصغر الذي يقال له آسوار‪ ،‬وعمر‪ ،‬وعاتكة أم‬
‫[ زوء ا فيف]‬ ‫يزيد بن عبد امللك ؛ وتزوج امرأة من غسان فولدت له َرْملَة ؛ ففي فاختة يقول‪:‬‬
‫ب َساع ل َقاعد‬‫ُر َّ‬ ‫اسلَمي أ َُّم خالد‬‫ْ‬
‫[البسيط]‬ ‫ويف أم كلثوم يقول‪:‬‬
‫ب َديْر ُمّرا َن عْدي أُم ُك ْلثُوم »‪.Ϯ‬‬ ‫ت على آ َْمناط قي غَُرف‬‫إذا اتَّ َكأْ ُ‬
‫و« كان قد وجد على ّأم خالد ب ت [أ ] هاشم وكان هلا مؤثرا فتزوج يف حجة حجها ّأم‬
‫[الرجز]‬ ‫مسكني ب ت عمر بن عاصم بن عمر بن ا طاب‪ ‬وقال‪:‬‬
‫ت على بـَْيـ َعك أُم م ْسك ْ‬
‫ني‬ ‫باع ْ‬
‫َ‬ ‫أرا أَُّم َخالد تَضج ْ‬
‫ني‬
‫ين‬
‫زارتْك من طَْيبَة يف ُح َّوار ْ‬ ‫يامني‬
‫َمْي ُمونَة من نسوة َم ْ‬
‫ين‬
‫فالص ُرب َّأم خالد من ال ّد ْ‬
‫ّ‬ ‫كونني‬
‫يف ب ْلدة ُك ت هبا تَ ْ‬
‫ني‬
‫ليس كما ُكْت به تَظُ ْ‬ ‫ني‬ ‫َّ‬
‫إن الذي ُكْت به تُدلّ ْ‬
‫وطلق يزيد أم مسكني فتزوجها عبيد اهلل بن زياد ‪ ،‬وإمنا رضيت به مغايظةً ليزيد »‪.ϯ‬‬
‫[الطويل]‬ ‫وقال يف حبه ٓم خالد‪:‬‬
‫َد َعْت َدواعي ا ُب م ْن أُم َخالد‬ ‫ساعةً‬
‫ت َ‬ ‫رت ميالً ْأو لّ ْف ُ‬
‫« إذا س ُ‬

‫‪ -ϭ‬السيوطي ‪ :‬تاريخ ا لفاء ‪ ،‬ص ‪.ϭϲϰ‬‬


‫‪ -Ϯ‬البالذري ‪ :‬أنساب آشراف ‪ ،‬ج‪ ، ϱ‬ص ‪. ϯϬϯ‬‬
‫‪ -ϯ‬املصدر نفسه ‪،‬ج‪ ، ϱ‬ص ‪. ϯϬϯ‬‬

‫‪243‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫[الطويل]‬ ‫وقال أيضا‪:‬‬


‫يل »‪.ϭ‬‬
‫إين إذا ما جْئتُ ُك ْم أَُّم خالد لَذو حاجة ع ها اللسا ُن َكل ُ‬
‫[الوافر]‬ ‫وجاء يف أنساب آشراف قالوا ومن شعر يزيد قوله‪:‬‬
‫ابن َعْبد وآ َملُ َم ْن َم َشى َم ْوَ املوا ‪.Ϯ‬‬
‫لَشر ال اس َعْبد و ُ‬
‫[البسيط]‬ ‫وقوله*يف عالقاته مع العواذل‪:‬‬
‫بذي سبيب يُقاسي ليلَهُ َخبَبَا‬ ‫الع َواذ َل و ْارم اللّْي َل عن ُع ُرض‬
‫إعص َ‬ ‫ْ‬
‫صبَا‬‫ومل يَد ْجهُ ومل ْيرقُ ْم له َع َ‬ ‫ب مل يـَثْـ ُقب البَـْيطَ ُار ُسّرتَهُ‬ ‫أقَ َّ‬
‫ب الْفْتـيَا َن فَانْ َش َعبَا‬
‫القى ال تَ ْش َع ُ‬ ‫قال فَـ ً‬
‫َح َّ يـُثَمَر ماالً أو يُ َ‬
‫يـُ ْعطي امل َق َاد َة َمن ال ُْس ُن ا ََْبَا‪. ϯ‬‬ ‫دت ُمروءَتُهُ‬ ‫الَ َخْيـَر ع َد فَـ ً ْأو ْ‬
‫[الوافر]‬ ‫وقال يف سعاة مجع آموال‪:‬‬
‫ليُورثـَ َها أعاديَهَ َش َقاءَ‬ ‫مع آمو َال مجَْ ًعا‬ ‫َو َساع َ ُ‬
‫ال الثـََّراءَ‬
‫وآخر َما َس َعى نَ َ‬
‫ُ‬ ‫ي َملْ يـََـ ْلهُ‬‫كم َساع ليُثْر َ‬‫وْ‬
‫‪ϰ‬‬
‫اب له َعَاءَ ‪.‬‬ ‫يَ ُك ْن ذا َ الْعتَ ُ‬ ‫وما‬
‫وم ْن يَ ْستَـ ْعتب ا ْ َدثَا َن يَ ً‬
‫َ‬
‫[الطويل]‬ ‫وقال يف شربه ا مر مع ندمائه‪:‬‬
‫ضى‬ ‫ي وعْدي من َهوا ُ الذي ا ْرتَ َ‬ ‫لَ َد َّ‬ ‫شك ُم َكَّرم‬ ‫ٍّ‬ ‫َّ‬
‫وإن نَدميي َغ َري‬
‫س َوقَ ْد أََ‬ ‫َّ‬ ‫َصَر َعهُ ُس ْكًرا‬
‫ْٓ‬ ‫ضلَة ال َكأْس قائالً‬‫ت لهُ يف فَ ْ‬ ‫ولَ ْس ُ‬
‫صرفُها ع ه وأسقيه َما ا ْشتَـ َهى‬ ‫وأَ ْ‬ ‫أُ َحييه وأُ ْكرُم َو ْج َههُ‬ ‫ولك ْن‬
‫وال سامع يقظَا َن شيئًا م َن ْآَ َذى‪.ϱ‬‬ ‫نام ع دي مبُوقَظ‬ ‫إذا ما َ‬ ‫س‬‫َولَْي َ‬
‫‪ -ϭ‬البالذري ‪ :‬أنساب آشراف ‪ ،‬ج‪ ، ϱ‬ص ‪. ϯϬϭ‬‬
‫‪ -Ϯ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ، ϱ‬ص ‪. ϯϭϬ‬‬
‫*إن يزيدا قد متثل هبذ آبيات ‪ ،‬ونسبها إليه البالذري ‪ ،‬وهذ آبيات مذكورة يف آصمعيات من ص‪ ϯϳ‬إ ص ‪ . ϰϰ‬مع تغيري طفيف يف بعض‬
‫كلماهتا ‪ ،‬يف قصيدة من اث ني وسبعني (‪ )ϳϮ‬وقد نسبها للشاعر سهم بن حتظلة الغ وي ‪ ،‬بي ما البيت الرابع غري موجود يف آصمعيات ‪.‬‬
‫‪ -.‬البالذري ‪ :‬أنساب آشراف ‪ ،‬ج‪ ، ϱ‬ص ‪. ϯϭϭ‬‬
‫‪ -ϯ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ، ϱ‬ص ‪. ϯϭϭ‬‬
‫‪ -ϰ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ، ϱ‬ص ‪. ϯϭϭ‬‬
‫‪ -ϱ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ، ϱ‬ص ‪. ϯϭϭ‬‬

‫‪244‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫[ا فيف]‬ ‫وقال يزيد‪:‬‬


‫وأَد ْر مثْـلَها على ابْن زيَاد*‬ ‫اسق ُمَّزًة تـُ ُروي ُم َشاشي‬
‫ْ‬
‫وعلى ثـَ ْغر َم ْغَمي َوج َهادي‪.ϭ‬‬ ‫السر وآمانَة عْدي‬‫َم ْوضع ّ‬
‫بين يزيد وجرير ‪:‬‬
‫وعن أ عمرو املدين قال‪ « :‬وفد جرير بن عطية بن ا طفي على يزيد ووفد شعراء سوا ‪،‬‬
‫فخرج إليهم اآلذن فقال ‪ :‬إن أمري املؤم ني أمرين أال أدخل إليه إال َم ْن عرف شعر فأنشدوين ‪ ،‬فقال‬
‫[الطويل]‬ ‫جرير‪ :‬أنا الذي أقول‪:‬‬
‫مر اليَا‬‫إين ُمستَ ّ‬ ‫ك ّ‬ ‫فَحالَ َ‬ ‫اج‬
‫ت م ْن دون َح َ‬ ‫فاستَ ْمَرْر َ‬
‫ت ْ‬ ‫ضُ‬‫تَـ َعّر ْ‬
‫ك َماليَا‬‫لَيَا َ أْ ْدعُو أ ّن مالَ َ‬ ‫بامل‬ ‫َوإين لَمغرور أ َُعلَّ ُل‬
‫ت ال ُق َوى من ْ َمل كان بَاقيَا‬‫قطَ ْع َ‬ ‫ف بـَ ْع َد َما‬ ‫السْي َ‬ ‫مل َّ‬‫أي ََاد ََ ُ‬
‫ب ّ‬
‫ت س اناً من ق اتك َماضيَا‬ ‫نـََز ْع َ‬ ‫ي س ان تطعُن الْ َق ْوَم بـَ ْع َد َما‬ ‫بأَ ّ‬
‫أنت ؟ قال‪ :‬جرير بن عطية بن ا طفي‬ ‫فدخل فأنشد آبيات فقال‪ْ :‬أدخل صاحبها ‪ ،‬فقال‪َ :‬م ْن َ‬
‫الريبوعي قال‪ :‬إين مسعت أبياتك هذ عائرًة ومل أَ ْدر ملن هي‪ ،‬فعاتبت أمري املؤم ني معاوية يوما فأنشدته‬ ‫َ‬
‫‪Ϯ‬‬
‫إياها وهو يرى أهنا من قو ‪ ،‬ووصل جريرا » ‪.‬‬
‫والواضح أن هذا املوقف ي م على تذوق يزيد للشعر وحفظه له وتواصله مع الشعراء ‪ٓ ،‬ن هذ‬
‫آبيات فظها م ذ عهد أبيه معاوية بن أ سفيان ‪ ،‬وكما يبدو أن آبيات مل يقلها جرير ليزيد ‪ ،‬وإمنا‬
‫تكون قد قاهلا يف موقف مماثل ‪ ،‬فشاعت فتذوقها يزيد وأعجبته فحفظها‪.‬‬
‫مانسب من شعر إلى يزيد ‪:‬‬
‫وقال ابن آثري أث اء ذكر بعض سرية وأخبار يزيد‪ :‬قال عمر بن سبيئة‪« :‬حج يزيد يف حياة أبيه‪،‬‬
‫فلما بلغ املدي ة جلس على شراب له فاستأذن عليه ابن عباس‪ ،‬وا سني فقيل له‪ :‬إن ابن عباس إن وجد‬
‫ك‬
‫ريح الشراب عرفه فحجبه‪ ،‬وأذن للحسني فلما دخل وجد رائحة الشراب مع الطيب فقال‪ :‬هلل در طَيب َ‬

‫*يع َسلْم بن زياد وكان على خراسان ‪.‬‬


‫‪ -ϭ‬البالذري ‪ :‬أنساب آشراف ‪ ،‬ج‪ ، ϱ‬ص ‪.ϯϭϭ‬‬
‫‪ -Ϯ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ، ϱ‬ص ‪. ϯϬϱ‬‬

‫‪245‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫ما أطيبه فما هذا ؟ قال‪ :‬هو طيب يص ع بالشام مث دعا بقدح فشربه مث دعا بآخر فقال‪ :‬اسق أبا عبد‬
‫[ زوء الوافر]‬ ‫اهلل فقال له ا سني‪ :‬عليك شرابك أيها املرء ال عني عليك م فقال يزيد‪:‬‬
‫تك َذا َوَملْ ُ ب‬ ‫َد َع ْو َ‬ ‫ب‬‫صاح لَْل َع َج ْ‬ ‫أَالَ يَا َ‬
‫الص ْهبَاء َوالطََّرب‬
‫ت َو َّ‬ ‫َّه َوا‬
‫إ َ الفتيات والش َ‬
‫عليها َس َادةُ الْ َعَرب‬
‫َ‬ ‫مكالة‬ ‫وباطية‬
‫فُؤ َاد َ مثَّ ملْ تَـتُب‬ ‫ت‬‫َوفيه َّن الَّ تَـبَـلَّ ْ‬
‫ف هض ا سني وقال ‪ :‬بل فؤاد يا ابن معاوية تبلت »‪.ϭ‬‬
‫وقد علق احملقق على رواية هذ آبيات قائال‪ « :‬اعتقد أن هذ آبيات مص وعة م حولة فلم‬
‫يكن يزيد من البالهة يث يعرض ذلك على ا سني ويوجد عليه مقال ‪ ،‬وإذا نظرنا من ناحية أخرى‬
‫إ أن معاوية إمنا و اب ه ا ج لتشيع ع ه قالة ا ري ‪ ،‬ويوصف بالدين والتقوى فأال نشك يف أن يزيد يف‬
‫حجه يتسم ويظهر ال سك بالدين وهذا ي ايف هذ الرواية ‪ .‬وقد أحسن ابن جرير كل اإلحسان يف إمهاهلا‬
‫ولعلها اخرتعت بعد زمانه »‪.Ϯ‬‬
‫عفو يزيد على قاطع طريق بسبب شعر له ‪:‬‬
‫جاء يف كتاب العمدة‪ « :‬محل بعض العمال إ يزيد بن معاوية ماال جليال‪ ،‬فقطع عليه قسيم‬
‫الغ وي فأخذ ‪ ،‬وأمر يزيد بطلبه ‪ ،‬فلما حصل بني يديه قال‪ :‬ما محلك على ا روج علي ا وأخذ مال‬
‫مل إلي ا ؟ قال‪ :‬إذنُك يا أمري املؤم ني أعز اهلل ‪ ،‬قال‪ :‬وم أذنت لك ؟ قال‪ :‬حني قلت وأنا‬
‫[البسيط]‬ ‫أمسعك‪:‬‬
‫الليل عن عرض بذي سبيب يقاسي ليله خببَا‬
‫اذل وارم َ‬ ‫اعص العو َ‬
‫سرته ومل يَد ْجهُ ومل يقطع له لَبَبَا‬ ‫كالسيد مل ي قب البيطار َّ‬
‫القى ال تَ ْش َعب الفتيان فانْ َشعبَا‬ ‫ال ف‬
‫ح تُصادف ماال أو ي َق َ‬
‫فأصبت ماال‪ ،‬قال‪ :‬قد سوغ اكه فال تعد »‪.ϯ‬‬ ‫ُ‬ ‫فعصيت عواذ ‪ ،‬وأسهرت ليلي‪ ،‬وأعملت جوادي‪،‬‬

‫‪ -ϭ‬ابن آثري ‪ :‬الكامل يف التاريخ ‪ ،‬ج‪ ، ϯ‬ص ص ‪. ϯϭϴ -ϯϭϳ‬‬


‫‪ -Ϯ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ، ϯ‬احملقق ‪ :‬هامش ص ‪. ϯϭϴ‬‬
‫‪ -ϯ‬ابن رسيق ‪ :‬العمدة ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬ص ص ‪. ϲϭ-ϲϬ‬‬

‫‪246‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫موقف معاوية من شعر اب ه يزيد ‪:‬‬


‫مل يكن معاوية يتساهل مع اب ه يزيد يف تطاوله الشعري ‪ ،‬خصوصا يف املواقف السياسية ال تثري‬
‫[البسيط]‬ ‫حفيظة ال اس مما يسمعونه من شعر ‪ ،‬فكان معاوية صارما مع يزيد ‪ ،‬وملا وصله قوله‪:‬‬
‫ب َديْر ُمّرا َن عْدي أُم ُكلثوم‬ ‫« إذا اتَّ َكأْ ُ‬
‫ت على آ َْمناط يف غَُرف‬
‫بألْ َق ْرقَ ُذونَة * م ْن ُمحَّى وم ْن موم‬ ‫ت ُمجُوعُ ُه ُم‬
‫فال أُبا مبا القَ ْ‬
‫وكان ناس غازين فأصاهبم وباء ومرض وجوع فلما بلغ معاوية شعر قال ‪ :‬واهلل لي ْغ َّ‬
‫زون ولو مات ‪،‬‬
‫عوف بالقرقذونة فغزا ح بلغ‬ ‫فأغزا بالد الروم ومعه فُـ ْرس أنطاكية وبعلبك وغريهم‪ ،‬فلحق بسفيان بن َّ‬
‫ا ليج مث انصرف »‪.ϭ‬‬
‫وموقف معاوية هذا يدل على حزمه يف افظته على ملك ب أمية‪ ،‬وإظهار سياسة ا زم مع يزيد‪،‬‬
‫وبالتا فإن إرسال يزيد للغزو دليل على لفت انتبا ال أكثر وال أقل‪ ،‬وظهور معاوية با ليفة العادل‪.‬‬
‫ويف سبب وفاة يزيد روي عن ابن عياش قال‪« :‬حرج يزد يتصيد وارين وهو سكران‪ ،‬فركب وبني‬
‫[الطويل]‬ ‫يديه أتان وحشية قد محل عليها قردا وجعل يُركض آتان ويقول‪:‬‬
‫ض َما ُن‬
‫ْت َ‬
‫ليس عليها إ ْن هلك َ‬
‫فَ َ‬ ‫أَبَا خلف إ ْحتَ ْل لَـ ْفس َ‬
‫ك حيلَةً‬
‫فسقط فاندقّت عُ قه »‪.Ϯ‬‬
‫إن ال اظر يف هذا ال ص يالحظ أن يزيدا استمر يف عبثه ‪ ،‬من سكر وهلو ح كانت هناية حياته‬
‫بطريقة عبثية ‪.‬‬
‫وهكذا د ليزيد بن معاوية ا ليفة التابعي آول عالقة بالشعر والشعراء ‪ ،‬فموقفه م هما إ ا ‪،‬‬
‫وقد استعمل الشعر كسالح ضد خصومه من خالل توظيفه لألخطل هلجاء آنصار‪ ،‬واستمر يلهو‬
‫بالشعر يف حياته ا اصة والسياسية ويعبث ‪ ،‬وقال الشعر وروا واستمع للشعراء وأجازهم‪.‬‬

‫*القرقذونة ‪ :‬من بلدان بيزنطة يف آسيا الصغرى ‪.‬‬


‫‪ -ϭ‬البالذري ‪ :‬أنساب آشراف ‪ ،‬ج‪ ، ϱ‬ص ‪. ϯϬϭ‬‬
‫‪ -Ϯ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ، ϱ‬ص ‪. ϯϬϬ‬‬

‫‪247‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫‪ -Ϯ‬موقف عبد الملك بن مروان (ت‪ϴϲ‬هـ ‪ϳϬϱ‬م) من الشعر‪:‬‬


‫إن عبد امللك بن مروان (‪ϴϲ -Ϯϲ‬هـ ‪ϳϬϱ-ϲϰϯ‬م) ا ليفة آموي ا امس (‪ϲϱ‬هـ ‪ϲϴϱ‬م)‪،‬‬
‫وا ليفة التابعي الثالث‪ ،‬ولد باملدي ة وتويف بدمشق‪ « ،‬بويع بعهد من أبيه يف خالفة ابن الزبري‪ ،‬فلم تصح‬
‫خالفته‪ ،‬وبقي متغلبا على مصر والشام ‪ ،‬مث غلب على العراق وما واالها إ أن قتل ابن الزبري س ة ثالث‬
‫وسبعني ‪ ،‬فصحت خالفته من يومئذ ‪ ،‬واستوثق به آمر »‪ ،1‬وقد « اتسمت سياسته يف الرعية زم‬
‫وعزم شديدين‪ ،‬مك ا من قيق اهلدف الذي كان يصبوا إليه‪ ،‬وهو إعادة ب اء الدولة آموية‪ ،‬فقد قضى‬
‫على خصمه الرئيسي ابن الزبري‪ ،‬وأصبح ا ليفة الوحيد املعرتف به شرعا يف كل أرجاء العامل‬
‫اإلسالمي »‪ .Ϯ‬ويعد عبد امللك بن مروان من رموز مدرسة التابعني‪ ،‬فهو مع بني حفظ القرآن العظيم‬
‫ورواية ا ديث‪ ،‬وهو معدود يف التابعني الفقهاء ‪ ،‬وهو شاعر وناقد‪ « ،‬فقال ع ه نافع‪ :‬لقد رأيت املدي ة‬
‫وما هبا شاب أشد تشمريا وال أفقه وال أنسك وال أقرأ لكتاب اهلل من عبد امللك بن مروان‪ ،‬وقال أبو‬
‫الزناد‪ :‬فقهاء املدي ة‪ :‬سعيد بن املسيب‪ ،‬وعبد امللك بن مروان‪ ،‬وعروة بن الزبري وقبيصة بن ذؤيب‪...‬وقال‬
‫ع ه الشعيب‪ :‬ما جالست أحدا إال وجدت عليه الفضل إال عبد امللك بن مروان فإين ما ذكرته حديثا‬
‫إال وزادين فيه وال شعرا إال زادين فيه ! »‪ . ϯ‬فرسخت يف صدر ثقافة أدبية واسعة جعلت فط ته وحرصه‬
‫السياسي الشديد يف ت ظيم الدولة آموية يدر أمهية الشعر والشعراء يف تقوية سلطانه‪ ،‬فسلك بذلك‬
‫مسلك من قبله من خلفاء ب أمية‪ ،‬فعقد اجملالس يف قصر فحضرها العلماء والفقهاء والقضاة والشعراء‪،‬‬
‫وا ذ مواقف إ ابية من الشعر والشعراء‪ ،‬وأكثر ما كان مييل بالشعر إ مواقف سياسية‪ٓ ،‬نه أدر أن‬
‫للشعر دور كبري يف تعزيز دولته ‪ ،‬فقرب إليه الشعراء واست شدهم‪ ،‬وأجازهم ونقد شعرهم‪ ،‬وفاضل بني‬
‫الشعراء‪ ،‬كما كان يراسل والته بالشعر‪ ،‬وكان يقول الشعر ويرويه ويتمثل به‪ ،‬وحث أوالد على رواية‬
‫الشعر وتعلمه‪ ،‬وظل متعلقا بالشعر ح غلب عليه بأنه أكثر التابعني ا لفاء اهتماما بالشعر والشعراء ‪.‬‬
‫وعلى هذا آساس ميكن توضيح مواقف عبد امللك من الشعر والشعراء يف ما يأيت‪:‬‬

‫‪ - 1‬السيوطي ‪ :‬تاريخ ا لفاء ‪ ،‬ص ‪. 170‬‬


‫‪ -2‬السيد أمحد عمارة ‪ :‬شعر خلفاء ب أمية قيق ودراسة ‪ ،‬د‪.‬م ‪ ،‬دار الكتب املصرية ‪1408 ،‬هـ ‪1988‬م ‪ ،‬ص ‪. 33‬‬
‫‪ -3‬السيوطي ‪ :‬تاريخ ا لفاء ‪ ،‬ص ‪. 171‬‬

‫‪248‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫أ‪ -‬المواقف التي قال فيها عبد الملك بن مروان الشعر ‪:‬‬
‫لقد اقتضت آحداث السياسية ال مر هبا عبد امللك بن مروان أن يتجاوب معها‪ ،‬وكان الشعر‬
‫حاضرا يف تلك آحداث‪ ،‬وكان أث اء توليه ا الفة حريصا يف مواقفه‪ ،‬و اصة مع عماله ووالته وقادة‬
‫ج د ‪ ،‬فكان يتتبع كل ما يأتيه من خرب ع هم‪ ،‬فكانوا الفون أوامر أحيانا‪ ،‬ويسيئون معاملة الرعية ‪،‬‬
‫وأحيانا يبذرون أموال الدولة‪ ،‬وكان ال اس أكثر ما يشتكون من ا جاج وا العراق‪ ،‬وقد وجه إليه عبد‬
‫امللك خطابات كثرية يعظه فيها و ذر ‪ ،‬كما قال شعرا صمه اللدود مصعب بن الزبري‪ ،‬ورثى معاوية بن‬
‫أ سفيان‪ ،‬فجاءت أشعار تكشف عن شخصية سياسية قوية حازمة يف تسيري شؤون الدولة‪ ،‬كان لبيبا‬
‫فط ا ذا شاعرية مرموقة‪ ،‬يظهر هذا يف خطاباته الشعرية‪ ،‬وكان أغلب شعر مقطوعات ‪.‬‬
‫[الطويل]‬ ‫فقال عبد امللك بن مروان اطب ا جاج*‪:‬‬
‫اي بالَّذي أنا طَال ْبه‬ ‫ض َ‬ ‫برَ‬
‫وتَطْْل ْ‬ ‫أنت ملْ تَـ ْرت أُُم َ‬
‫ورا َكرْهتَها‬ ‫إ َذا َ‬
‫ضيّ َع ال ّدر َجال ْبه‬‫إ ََّ فَـ َها قد َ‬ ‫وَ ْ َشى الَّذي شا ُ مثْ َ‬
‫لك هاربًا‬
‫ص باملاء َشار ْبه‬ ‫فَـيَا رمبَّا قد َغ َّ‬ ‫وإ ْن ترى م َغ ْفلةً قُرشية‬
‫صاحب ْه‬ ‫فهذا وهذا ُكلهُ أنَا َ‬ ‫وإ ْن ترى م َوثْـبَةً أَُموية‬
‫عليك نـَ َواد ْيه‪.1‬‬
‫َ‬ ‫وما‬
‫قوم هبا َ‬ ‫يَ ُ‬ ‫يأتيك م وإ ْن تُع ْد‬
‫َوالَ تُع ْد َما َ‬
‫ويف موقف ثان راسل عبد امللك ا جاج وأخذ عليه بالرفق واللني‪ ،‬وأمـر سن التصرف يف مال‬
‫املسلمني‪ ،‬وذلك ملا وسع ا جاج العطايا على أهل العراق بعد موقعة دير ا ماجم** فقال له‪[ :‬الطويل]‬
‫ضَرعُ‬
‫كن يا عبيد اهلل َشى َوتَ ْ‬
‫وْ‬ ‫عليك بتقوى اهلل يف آمر ُكله‬ ‫َ‬
‫‪Ϯ‬‬
‫صًا ُ ُري َوْمتَ ُع ‪.‬‬
‫كن هلُ ْم ح ْ‬
‫وْ‬ ‫املسلمني وفَـْيأ َُه ْم‬
‫َ‬ ‫اج‬
‫َوَوفـ ْر َخر َ‬

‫*«ا جاج بن يوسف الثقفي (ت‪ϵϱ‬هـ‪ϳϭϰ‬م) قائد وخطيب عر ‪ُ .‬ولد يف الطائف ‪ .‬وال عبد امللك بن مروان إمرة جيشه فقضى على عبد اهلل بن‬
‫الزبري يف ا جاز‪ ،‬وتو مكة واملدي ة والطائف والعراق‪ ،‬وقمع ثورة ابن آشعث يف معركة "وادي ا ماجم" أسس مدي ة واسط ‪ .‬ع بشؤون الري‬
‫واإلصالح ال قدي ‪ ،‬اشتهر بالبالغة يف ا طابة ‪ ،‬والشدة يف ا كم ح نعته البعض بالسفا والسفاح » ‪ - .‬امل جد يف اللغة وآعالم ‪ ،‬ص ‪. Ϯϭϯ‬‬
‫‪ -1‬ا افظ عماد الدين أبو الفداء إمساعيل بن كثري ‪ :‬البداية وال هاية ‪ ،‬ط‪ ، 2‬بريوت ‪ ،‬مكتبة املعارف ‪1974 ،‬م ‪ ،‬ج‪ ، 9‬ص ‪. 127‬‬
‫**«موضع يف العراق قريب من الكوفة ع د انتصر ا جاج على عبد الرمحن بن آشعث يف ‪ϳϬϮ‬م »‬
‫‪ -‬امل جد يف اللغة وآعالم ‪ ،‬ص ‪. Ϯϱϯ‬‬
‫‪ -Ϯ‬ابن كثري ‪ :‬البداية وال هاية ‪ ،‬ج‪ ، 9‬ص ‪. 126‬‬

‫‪249‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫ويف موقف ثالث حذر عبد امللك ا جاج‪،‬وأشعر طئه‪،‬وأمر بعدم الفته أمر فخاطبه‪[:‬املتقارب]‬
‫يحا‬
‫فإن ل ُكل نَصيح نَص َ‬ ‫َّ‬ ‫والَ تَـ ْفشي سَّرَ إالَّ َ‬
‫إليك‬
‫يحا ‪.1‬‬
‫صح َ‬‫ل ال يرتكو َن أديبًا َ‬ ‫الر ُجـ‬
‫أيت َغوا َة َّ‬
‫فإين ر ُ‬
‫إن اهتمام عبد امللك بأحد أكرب والته وهو ا جاج بن يوسف الثقفي ‪ ،‬يدل على أنه كان يعلم‬
‫أن تسيري سياسة ا كم ال تكون إال زم ا ليفة ‪ ،‬ليس مع الرعية فحسب ‪ ،‬بل مع الوالة وقادة ا يش‪.‬‬
‫[الوافر]‬ ‫ويف موقفه من مصعب ‪ ،‬قال عبد امللك بن مروان يرد على هتديد مصعب* بن الزبري‪:‬‬
‫خشاش الطري يوعدو َن الْ ُع َقابَا‬
‫َ‬ ‫أتُوع ُدين وملْ أََر َ‬
‫مثل يومي‬
‫ك عن ُمقاتل َها ا ْ َجابَا‬ ‫خشاش طري يـَ ْهت ُ‬
‫َ‬ ‫قاب‬
‫الع ُ‬
‫م يلق ُ‬
‫سد الغاب تَلته ُم الذئَابَا ‪.Ϯ‬‬ ‫ود غاب وأُ ُ‬ ‫توعد بالذئاب أُ ُس َ‬
‫[الطويل]‬ ‫ويف موقف ثان من مصعب قال عبد امللك عن مصعب بعد مقتله‪:‬‬
‫ولكَّهُ ر َام الَّ الَ يـََا ُهلَا م َن ال اس إ َّال كل خ ْرق ُم َع َّمم‬
‫صر ًيعا لليدين ول ْل َفم‪.ϯ‬‬ ‫فَ َخَّر َ‬ ‫أَراد ً‬
‫أمورا ملْ يُرْد َها إهله‬
‫فكان مصعب من الشخصيات ال كانت عائقا يف تسيري سياسة ا كم أمام عبد امللك بن مروان‪.‬‬
‫[لطول]‬ ‫وجاء يف تاريخ ا لفاء ومن شعر عبد امللك‪:‬‬
‫الدنيا بوقع الْبَـ َواتر‬ ‫ت‬
‫ودانَ ْ‬ ‫ت يف َّ‬
‫الد ْهر برهة‬ ‫لَ َع ْمري لقد عُم ْر ُ‬
‫كلمح َمضى يف املزم ات الْغَ َوائر‬ ‫فأضحى الذي قد كا َن مما يسرين‬
‫َ‬
‫وملْ أَلْهُ يف لَ َّذات عيش نـَ َواضر‬ ‫فيا ليت مل أُ ْع َن بامللك ساعةً‬

‫‪ -1‬ابن عبد ربه ‪ :‬العقد الفريد ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪. 76‬‬


‫*«مصعب بن الزبري (‪ϳϭ -Ϯϲ‬ه‪ϳϵϬ -ϲϰϳ /‬م) ‪ ،‬أخو عبد اهلل بن الزبري ونائبه يف العراق ‪.‬قاوم ا وارج وقضى على املختار الثقفي ‪ϲϴϳ‬م ‪.‬‬
‫قتله عبد امللك بن مروان يف معركة دير ا ماجم » ‪.‬‬
‫‪ -‬امل جد يف اللغة وآعالم ‪ ،‬ص ‪. ϱϯϱ‬‬
‫‪ -2‬نقال عن ‪ :‬السيد أمحد عمارة ‪ :‬شعر خلفاء ب أمية قيق ودراسة ‪ ،‬ص ‪. 224‬‬
‫‪ -‬ابن أ ا ديد ‪ :‬سرح هنج البالغة ‪ ،‬قيق ‪ :‬مد أبو الفضل إبراهيم ‪ ،‬طبعة عيسى البا ا ليب ‪ ،‬د‪ .‬ت ‪ ،‬ج‪ ،11‬ص ‪. 18‬‬
‫‪ -3‬نقال عن ‪ :‬السيد أمحد عمارة ‪ :‬شعر خلفاء ب أمية قيق ودراسة ‪ ،‬ص ص‪. 228‬‬
‫‪ -‬الزبري بن بكار ‪ :‬أٓخبار املوافقات ‪ ،‬قيق ‪ :‬سامي مكي العاين ‪ ،‬بغداد ‪ ،‬مطبعة العاين ‪1973 :‬م‪ ،‬ص ‪.543‬‬

‫‪250‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫من الدهر ح زار ض ك امل َقابر‪.1‬‬ ‫عاش ببُـ ْلغَة‬


‫ت َ‬ ‫ت كذي ُعم ْر ُ‬‫وك ُ‬
‫وروي عن عمر بن شبة قال‪ « :‬نظر عبد امللك بن مروان إ أمية بن عبد اهلل بن خالد بن أسيد‬
‫فرأى بوجهه أثرا فقال‪ :‬ما هذا آثر بوجهك يا أبا عبد اهلل ؟ قال‪ :‬قمت بوسن ال وم فشج الباب‪،‬‬
‫[الطول]‬ ‫فقال عبد امللك‪:‬‬
‫ع‬
‫صار ُ‬‫املدم ْيها َم َ‬
‫َ‬ ‫وللشاربـَْيها‬ ‫يوما فَ ُس ْؤُهتا‬
‫يع ا َْ ْمر ً‬ ‫َرأَتْ َ‬
‫صر َ‬
‫فقال‪ :‬بل أخذ اهلل بسوء ظ ك ‪ ،‬فقال ‪ :‬بل أخذ اهلل بسوء مصرعك »‪.Ϯ‬‬
‫وكان عبد مللك يتعظ باملوت ‪ ،‬وكلما بلغه موت واحد من أقربائه أو أصحابه إال وتأثر له ‪ ،‬ورثا ‪،‬‬
‫[الطويل]‬ ‫وتذكر حوادث الدهر‪ ،‬فقال عبد امللك بن مروان ‪ ،‬يرثي معاوية بن أ سفيان‪:‬‬
‫كما َترى ُرْؤيَة مال أَْو فَراق َحبيب‪.ϯ‬‬
‫إال َ‬
‫آيام َّ‬ ‫َوَما َّ‬
‫الد ْه ُر و ُ‬
‫[الطويل]‬ ‫وقال عبد امللك بن مروان بعد ما علم مبوت بعض أصحابه‪:‬‬
‫ت َالد‪.ϰ‬‬‫َو َغربت بعدهم َولَ ْس ُ‬ ‫ت أَيَّ ُام ُه ْم‬
‫ضْ‬‫ت لَ َّذايت َوانْـ َق َ‬
‫َذ َهبَ ْ‬
‫وقد « كان عبد امللك بن مروان يف مرضه الذي مات فيه يعطش‪ ،‬وقيل له‪ :‬إن شربت املاء مت ‪،‬‬
‫فأقبل ذات يوم بعض العُ َّواد فقال ‪ :‬كيف حال أمري املؤم ني ؟ قال‪ :‬أنا صا ا مد هلل ‪ .‬مث أنشأ يقول‪:‬‬
‫[الطويل]‬
‫ومستخربات والعُيُون َسواج ُم*‬
‫َ‬ ‫الرَدى‬ ‫َوُم ْستَ ْخ َرب َعَّا ير ُ‬
‫يد بَا َّ‬
‫ويلكم واسقوين ماء ولو كان فيه تلف نفسي ‪ .‬فشرب مث مات »‪.ϱ‬‬
‫وهكذا نالحظ أن الشعر كان حاضرا يف كل حياة عبد امللك بن مروان ‪ ،‬يف سياسته ‪ ،‬ويف قصر‬
‫مع الشعراء ‪ ،‬ومع والته وأمرائه ‪.‬‬

‫‪ -1‬السيوطي ‪ :‬تاريخ ا لفاء ‪ ،‬ص ‪.174‬‬


‫‪.‬‬ ‫‪ -2‬أبو العباس أمحد بن مد ا رجاين ‪ :‬ك ايات آدباء وإشارات البلغاء ‪ ،‬ص ‪329‬‬
‫‪ -3‬ابن عبد ربه ‪ :‬العقد الفريد ‪ ،‬ج‪ ، 3‬ص ‪. 241‬‬
‫‪ -4‬ابن كثري ‪ :‬البداية وال هاية ‪ ،‬ج‪ ، 9‬ص ‪. 67‬‬
‫* البيت ع د ابن آثري‪ :‬ورد فيه تغري طفيف يف الشطرين ‪:‬‬
‫الدموع َسو ُ‬
‫اجم‬ ‫ُ‬ ‫ومستخربات و‬
‫َ‬ ‫يد ل ا َّ‬
‫الرَدى‬ ‫َوُم ْستَ ْخ َرب َعَّا ير ُ‬
‫‪ -‬ي ظر ‪ :‬ابن آثري ‪ :‬الكامل يف التاريخ ‪ ،‬ج‪ ، 4‬ص ص ‪. 103 -102‬‬
‫‪ -5‬ا احظ ‪ :‬البيان والتبيني ‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص ‪. 312‬‬

‫‪251‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫ب‪ -‬المواقف التي روى فيها عبد الملك بن مروان الشعر ‪:‬‬
‫رغم تكاليف مسؤولية عبد امللك‪ ،‬إال أن السه ال لو من الشعر والشعراء‪ ،‬فكان يهتم بشعر‬
‫ا اهليني واإلسالميني ويتذوقه‪ ،‬ويدر مقاصد الشعراء‪ ،‬وع د امل اسبة يسرتجع ما فظ يف صدر من‬
‫شعر فريويه‪ ،‬ح وإن كان مع أهله وأوالد ‪ ،‬ويذكر ما هو م اسب من الشعر لكل لس‪ ،‬من ذلك فقد‬
‫روت املصادر ع ه‪ « :‬ملا حج عبد امللك بن مروان لقيه عمر* بن أ ربيعة باملدي ة‪ ،‬فقال له عبد امللك‪:‬‬
‫ال حيا اهلل يا فاسق‪ ،‬قال‪ :‬بئست ية ابن العم البن عمه على طول الشحط‪ ،‬فقال له‪ :‬يا فاسق ‪،‬‬
‫[الوافر]‬ ‫ذا ٓنك أطول قريش صبوة‪ ،‬وأبطؤها توبة‪ ،‬ألست القائل‪:‬‬
‫الشفيق‬‫آدن ّ‬
‫َم َقال ال اصح َ‬ ‫قريش‬ ‫ولوال أ ْن تـُ َعّف‬
‫َولَ ْو ُكّا على ظَ ْهر الطَّريق‬ ‫ت إ َذا التقْيـَا‪ :‬قَـبلي‬ ‫لَ ُق ْل ُ‬
‫أغرب ع ‪...‬فقال عمر‪ :‬بئست ية ابن العم‪ ،‬فاستحىي عبد امللك وقضى حوائجه »‪.1‬‬
‫ويف أحد السه « قال عبد امللك‪ :‬كان شاعر ثقيف يف ا اهلية خريا من شاعرهم يف اإلسالم‪،‬‬
‫فقيل له‪ :‬من يع أمري املؤمني؟ فقال هلم‪ :‬أما شاعرهم يف اإلسالم فيزيد بن ا كم‪ ،‬حيث يقول [الوافر]‬

‫*«هو عمر بن عبد اهلل بن أ ربيعة يك أبا ا طاب ‪ ،‬كان أبو سيدا من سادات مكة وأمه مي ية ‪ ،‬قيل إن أبا قد سباها ‪ .‬ولد عمر ستة ‪ϲϰϰ‬م‬
‫‪Ϯϯ‬ه يف الليلة ال تويف هبا عمر بن ا طاب فسمي بامسه ‪ ،‬وتويف أبو وهو دون الثانية عشرة من عمر ‪ ،‬فقامت أمه على تربيته ف شأ نشأة كلها ترف‬
‫ودالل ‪ ،‬كان مجيال فاجتمعت ل ه ع اصر ا مال والغ والفراغ والشاعرية فوجهته إ منط من ا ياة ال اعمة الالهية ‪ .‬وكان يقضي أيامه باللهو والعبث‬
‫ح إذا كان موسم ا ج لبس ا لل الفاخرة وخرج من مكة يتلقى ا واج املدنيات والعراقيات والشاميات فيتعرض هلن ويتبعهن إ م اسك ا ج ويرتقب‬
‫خروجهن للطواف حول الكعبة فيصفهن ويشهرهن بشعر ‪ .‬وقد اضطرب الرواة يف أخبار عمر وحياته كما اضطربوا يف تأريخ وفاته ‪ .‬فبعضهم قال ‪ :‬إنه‬
‫تاب يف آربعني من عمر وحلف أال يقول شعرا ؛ وزعم آخرون يف أسباب موته أنه أراد أن يكفر عن سيئاته فاشرت يف ا هاد يف إحدى الغزوات‬
‫فاحرتقت السفي ة ال كان فيها وهلك ‪ ،‬وزعم آخرون أنه تغزل بسيدة وهي ج فدعت عليه فمات ‪ .‬وأعلب الظن أنه مات من مرض يف اليمن ‪،‬‬
‫وكانت موته و س ة ‪ϳϭϭ‬م ‪ϵϯ‬ه » ‪.‬‬
‫‪ -‬عمر بن أ ربيعة ‪ :‬الديوان ‪ ،‬شرحه وقدم له ‪ :‬عبد أ ‪ ،‬وعلي مه ا ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬لب ان ‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ ،‬د‪.‬ت ‪ ،‬ص‪. 11‬‬
‫أما شوقي ضيف فقد ذكر عدة روايات مضطربة يف وفاته فقال ‪ « :‬والروايات تضطرب يف ديد وفاته ويقول أبو الفرج‪ :‬إنه عاش سبعني س ة وإنه‬
‫يف س ة ‪ ϵϯ‬يف عهد الوليد بن عبد امللك (‪ϵϲ-ϱϲ‬ه) ‪ .‬وه ا روايات تزعم أن‬ ‫ولد ليلة قتل عمر بن ا طاب يف س ة ‪Ϯϯ‬هجرية ‪ ،‬ومع ذلك أنه تُـ ُو َ‬
‫سليمان ابن عبد امللك (‪ϵϵ-ϵϲ‬ه) نفا إ الطائف ‪ ،‬وأخرى تزعم أن عمر بن عبد العزيز (‪ϭϬϭ-ϵϵ‬ه) نفا إ دهلك ‪ ،‬والروايتان مدخولتان ‪،‬‬
‫ٓنه مل يلحق عصر سليمان وال عصر عمر ‪ ،‬ويزعم بعض الرواة أنه غزا يف البحر‪ ،‬فاحرتقت سفي ته فاحرتق وليس مبعقول أن يذهب إ الغزو يف سن‬
‫تغزل بسيدة وهي ج ‪ ،‬فدعت عليه فمات ‪ ،‬وهذ الروايات أقرب إ القصص م ها إ ا قيقة » ‪.‬‬ ‫السبعني ‪ .‬ويزعم آخرون أنه ّ‬
‫‪ -‬شوقي ضيف ‪ :‬التطور والتجديد غي الشعر آموي ‪ ،‬ص ‪. ϮϮϮ‬‬
‫‪ -1‬املرزباين ‪ :‬املوشح ‪ ،‬ص ‪. 260‬‬

‫‪252‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫ضابَا‬ ‫ك يتُك ا ْ َ‬ ‫إ ْذ سألْت َ‬


‫لست م ه‬‫اب و َ‬ ‫الشبَ ُ‬
‫ك َّ‬ ‫فَ َما مْ َ‬
‫ومكةَ مل يـُ َعق ْل َّن الرَكابَا‬ ‫َع َقائ ُل من عقائل أهل د‬
‫وال كلباً طََرْد َن َوالَ غَُرابَا*‬ ‫أبقع يوم ظعن‬ ‫َ‬ ‫طرْدن‬
‫ومل يَ ُ‬
‫[الوافر]‬ ‫وقال شاعرهم يف ا اهلية‪:‬‬
‫ب إ ْن يَظْ َهر فَ َّ‬
‫عُ ْمًرا يَ ُكو ُن خالله ُمتَـَـ َّف ُ‬
‫س‬ ‫إن وراءَ ُ‬ ‫الشْي ُ‬
‫و َّ‬
‫س ** »‪.1‬‬
‫وملا بَق ْي م ألب وأ ْكيَ ُ‬ ‫الم ًة‬
‫يب قُ َ‬‫ص م املش ُ‬ ‫مل يـَْتَق ْ‬
‫ويف هذا االستشهاد بالشعر عقد عبد امللك موازنة ف ية بني شاعري ثقيف يف حديثهما عن‬
‫الشباب والشيب‪ ،‬فوجد أن شاعر ثقيف يف ا اهلية أفضل من شاعرهم يف اإلسالم‪ٓ ،‬نه ملا دث عن‬
‫ظهور الشيب يف اإلنسان مع ا أنه نسخ الشباب ‪ ،‬وأن الشيب وراء عمرا فيه مت فس‪ ،‬واملع فيه شيء‬
‫من ا كمة ‪ ،‬وهو هبذا املثال يدعوهم إ تقليد الشعر ا اهلي يف أسلوبه ومعانيه ‪.‬‬
‫وكان ب مساع رواية الشعر‪ ،‬فـ ـ ـ ـ ـ « قدم وفد على عبد امللك فقام رجل فاعتذر من أمر وحلف‬
‫عليه‪ ،‬فقال‪ :‬ما ك ت حريا أن تفعل وال تعتذر‪ ،‬أيكم يروي من اعتذار ال ابغة إ ال عمان‪[ :‬الطويل]‬
‫ب » ‪.Ϯ‬‬‫س وراءَ اهلل للمرء َم ْذ َه ُ‬
‫ولي َ‬ ‫فسك ريبةً‬
‫فلم أتْـ ُرْ ل َ‬
‫لفت ْ‬
‫َح ُ‬
‫وهذا البيت من قصيدة " البائية " وهي من روائع اعتذاريات ال ابغة الذبياين لل عمان بن امل ذر ‪.‬‬
‫و« دخل وفد ب أس د على عبد امللك بن مروان ‪ ،‬فقال‪ :‬من شاعركم يا ب أسد؟ قالوا‪ :‬إن في ا‬
‫لشعراء ما ْيرضى قومهم أن يفضلوا عليهم أحدا‪ ،‬قال‪ :‬فما فعل آ قيشر***؟ قالوا‪ :‬مات‪ ،‬قال‪ :‬ولك ه‬
‫مشتغل بعشقه ‪ ،‬وما أُبْع ُد أن يكون شاعركم إال أنه يضيع نفسه ‪ ،‬أليس هو القائل‪ [ :‬زوء البسيط]‬
‫عما َمضى م ْن ع ْلم هذا الزمن َّ‬
‫الذاهب‬ ‫ائل ّ‬ ‫يَا أَيـ َها َّ‬
‫َ‬ ‫الس ُ‬
‫أ َْو َشاه ًدا ُ رب َع ْن َغائب‬ ‫ت تَـْبغي العلم وأهلَه‬
‫إ ْن ك َ‬

‫*الغراب آبقع ‪ :‬املكان فيه سواد ‪.‬‬


‫**ألب وأكيس ‪ :‬أكثر عقال وحزما ‪.‬‬
‫‪ -1‬أبو الفرج آصفهاين ‪ :‬آغاين ‪ ،‬طبعة دار الكتب املصرية ‪ ،‬ج‪ ،12‬ص ‪. 290‬‬
‫‪ -2‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ، 11‬ص ‪. 7‬‬
‫***«هو املغرية بن آسود بن وهب أحد ب أسد بن خزمية بن مدركة بن الياس بن مضر وكان يغضب إذا قيل له ‪ :‬آقيشر » ‪.‬‬
‫‪ -‬ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ص ‪. ϯϳϱ‬‬

‫‪253‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫الصاحب »‪.1‬‬
‫ب ب َّ‬
‫الصاح َ‬
‫و ْاعتَرب َّ‬ ‫آرض بأمسائ َها‬
‫َ‬ ‫اعتَرب‬
‫فَ ْ‬
‫و« قال عبد امللك ملؤدب ولد ‪ :‬إذا رويتهم شعرا فال ترويهم إال مثل قول العجري السلو ‪[:‬الوافر]‬
‫كالب َجاري‬
‫ُ‬ ‫تأنس إ َّ‬
‫ومل ْ‬ ‫بني ع‬ ‫حني يَ ُ‬
‫ني ا ُار َ‬ ‫يَب ُ‬
‫ومل تُ ْس َرت من ج َداري‬ ‫ظعن جاريت من ج ب بي‬ ‫وتَ ُ‬
‫عليها وهي واضعةُ ا ْ َمار‬ ‫حني آيت‬ ‫أطالع َ‬
‫َ‬ ‫وتأمن أن‬
‫ُ‬
‫تَوارثَهُ ال ج ُار َعن ال جار‬ ‫هدي آبائي قدميًا‬‫ُ‬ ‫كذلك‬
‫العتيق من امل َهار»‪.Ϯ‬‬
‫كما افتُل َي ُ‬ ‫وه ُم افتلوين‬
‫فهديي هديُهم ُ‬
‫[الكامل]‬ ‫وملا « أنشد آخطل عبد امللك قوله‪:‬‬
‫والعاذلو َن فَ ُكل ُه ْم يـَْل َحاين*‬ ‫الم‬
‫اذل يـَْبتَد ْر َن َم َ‬
‫بَ َكر العو ُ‬
‫ص ْرف ُمشعشعة مباء ُشَان**‬ ‫بشربة َم َقديَّة‬ ‫سبقت َ‬ ‫ُ‬ ‫يف أن‬
‫[الطويل]‬ ‫أكرم م ك وصفا ل فسه؛ حيث يقول‪:‬‬ ‫فقال له‪ :‬شبيب بن الربصاء ُ‬
‫س***‬ ‫اذورةُ املُتَـ َعب ُ‬
‫إذا أحز َن ال َق َ‬ ‫ف َْلسي‬ ‫َوإين لَ َس ْه ُل الوجه يـُ ْعَر ُ‬
‫س‬
‫ليل يل القوم ظَْل َماءُ حْد ُ‬ ‫و ُ‬ ‫يُضيءُ َسَا ُجودي ملن يـَْبتَغي القَرى‬
‫س »‪.ϯ‬‬‫بأ َْعَاق أ َْع َدائي حبَال متَََّر ُ‬ ‫ألني لذي ال ُقر مراراً وتَـ ْلتَوي‬ ‫ُ‬
‫أي الزمان أدركت أفضل وأي امللو ؟ فقال‪:‬‬ ‫« وقال عبد امللك بن مروان لسلمة بن زيد الفهمي‪ّ :‬‬
‫أما امللو فلم أر إال ذاما أوحامدا‪ ،‬وأما الزمان فيضع قوما ويرفع آخرين وكلهم ذم زمانه ‪ٓ ،‬نه يبلي‬
‫جديدهم‪ ،‬ويطوي أعمارهم‪ ،‬ويهرم صغريهم‪ ،‬وكل ما فيه م قطع إال آمل ‪ .‬قـال‪ :‬فأخربين عن فهم‪،‬‬
‫[ا فيف]‬ ‫قال‪ :‬هم كما قال الشاعر‪:‬‬
‫الرميم‬
‫بن عمرو فأصبحوا َك َّ‬ ‫هار على فَهم‬
‫الليل وال ُ‬
‫َد َر َج ُ‬
‫‪ -1‬أبو الفرج آصفهاين ‪ :‬آغاين ‪ ،‬طبعة دار الكتب املصرية ‪ ،‬ج‪ ،11‬ص ‪. 258‬‬
‫‪ -2‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ،13‬ص ‪. 75‬‬
‫*يلحاين ‪ :‬يلوم ‪.‬‬
‫**مقدية ‪ :‬نسبة إ مقد ‪ ،‬وهي قرية بآردن ‪ ،‬متشعة ‪ :‬ممزوجة ‪ .‬الش ان ‪ :‬املاء البارد ‪.‬‬
‫***القاذورة ‪ :‬السيء ا لق ‪.‬‬
‫‪ -‬وليد قصاب ‪ :‬ال قد العرب القدمي نصوص يف اال ا اإلسالمي وا لقي ‪ ،‬هامش صفحة ‪. 96‬‬
‫‪ -3‬أبو الفرج آصفهاين ‪ :‬آغاين ‪ ،‬طبعة دار الكتب املصرية ‪ ،‬ج ‪ ، 12‬ص ‪. 96‬‬

‫‪254‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫َونَعيم‬ ‫بعد عز وثروة‬ ‫ت تَباباً‬‫فأضح ْ‬


‫َ‬ ‫دارهم‬
‫ت ُ‬ ‫وخلَ ْ‬
‫َ‬
‫هم َكالر ُسوم‬ ‫س وتبقى ديَاَُر ْ‬ ‫يذهب بال اَّ‬
‫ُ‬ ‫وكذا الزما ُن‬
‫[الوافر]‬ ‫قال‪ [ :‬أي عبد امللك بن مروان ]‪ ،‬فمن يقول م كم ؟‬
‫ُ بون الغ َّ م َن الر َجال‬ ‫اس ُمذ ُخلقوا وكانوا‬ ‫أيت ال َ‬
‫ر ُ‬
‫يالً بالقليل م َن ال ـ ََّوال‬ ‫خريا‬
‫وإ ْن كان الغَ أقَ َّل ً‬
‫الب َخال‬ ‫وماذا ير ون م َن‬ ‫فما أدري عالم وفيم هذا‬
‫اللَّيَا‬ ‫رجى ادثَة‬
‫َوال يُ َ‬ ‫فليس ه ا َ دنيا‬
‫َ‬ ‫أَللدنيا‬
‫قال‪ :‬أنا وقد كتمتها »‪.1‬‬
‫إن رواية عبد امللك بن مروان للشعر من خالل ال صوص ال متثلتا هبا ‪ ،‬تكشف على حفظه له‪،‬‬
‫وهو ما يؤكد بأن لسه يغلب عليه طابع الشعر وتقريب الشعراء إليه‪ ،‬واملالحظ أن آشعار ال رواها أو‬
‫مسعها من الشعراء كلها من عيون الشعر العر ‪ ،‬ولشعراء كبار‪ ،‬قالوها يف أغراض وم اسبات ‪.‬‬
‫ج‪ -‬مواقف است شاد عبد الملك بن مروان للشعراء ‪:‬‬
‫كان مما وصل إليه اهتمام عبد امللك بالشعر‪ ،‬أنه كلما حضر إ لسه شاعر إال واست شد‬
‫عبد امللك شيئا من شعر ‪ ،‬وكان من الشعراء املرتددين على لسه كثري عزة‪ ،‬وابن قيس الرقيات‪ ،‬وأمين*‬
‫ابن خرمي بن فاتك وجرير وآخطل**والراعي*** ال مريي وا حاف‪ ،‬وغريهم من الشعراء وكان مما ب‬
‫مساعه شعر العزل وشعر املدح‪ ،‬وكان عبد امللك مييل باملدح إ غرض سياسي‪ ،‬وكان كثريا ما يعلق على‬

‫‪ -1‬البيهقي ‪ :‬احملاسن واملساوئ ‪ ،‬ص ‪. 401‬‬


‫‪ -‬وي ظر ‪ :‬الطربي ‪ :‬تاريخ الطربي ‪ ،‬ج ‪ ، 6‬ص ص ‪. 421 -420‬‬
‫*«أمين بن خرمي بن فاتك من ب أسد وكان أبو قد صحب ال يب ‪ ،‬وروى ع ه أحاديث وكان به برص ‪ ،‬وكان أثريا ع د عبد العزيز بن مروان‪...‬‬
‫وقال عبد امللك بن مروان ٓمين إن أبا كانت له صحبة ولعمك فخذ هذا املال وانطلق فقاتل ابن الزبري فأ »‪.‬‬
‫‪ -‬ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ص ‪. ϯϲϴ‬‬
‫**«هو غيّاث[ت‪ϵϮ‬ه‪ϳϭϬ‬م]بن غوث بن الصلت بن طارقة بن عمرو بن ال َف َدوكس بن عمر بن مالك بن جشم بن بكر بن خبيب بن عمرو بن‬
‫عمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار»‪«.‬شاعر نصراين من كبار شعراء آمويني‪،‬اشتهـر مبدحهم وهجاء‬ ‫وائل بن قاسط بن هْب بن أَقصى بن ُد ّ‬
‫أعدائهم ‪ ،‬له نقائض هجائية مع جرير ‪ ،‬ديوانه مجع قصائد السكري »‪.‬‬
‫‪ -‬آخطل‪ :‬الديوان ‪ ،‬سرح و قيق‪ :‬سوزان عكاري ‪2003 ،‬م‪ ،‬ص ‪. 5‬‬
‫*** الراعي (ت‪138‬ه) «حصني بن معاوية من ب منري‪ ،‬وكان يقال ٓبيه يف ا اهلية معاوية الرئيس‪ ،‬وكان ً‬
‫سيدا‪ ،‬وإمنا قيل له الراعي ٓنه كان يصف‬
‫راعي اإلبل يف شعر ‪ ،‬وولد وأهل بيته بالبادية سادة أشراف ‪ ،‬ويقال‪ :‬هو عبيد بن حصني ويك أبا ج دل ‪ ،‬وكان أعور وهجا جرير ٓنه اهتمه=‬

‫‪255‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫شعر الشعراء‪ ،‬وكان ب جمللسه أن يتوسع على ما قالته شعراء املدح والغزل يف هذ الف ون ‪ ،‬ويف هذا‬
‫الصدد قال ابن عبد ربه‪« :‬سهر عبد مللك بن مروان ذات ليلة وع د كثري* عزة‪ ،‬قال له‪ :‬أنشدين بعض‬
‫[الطويل]‬ ‫ما قلت يف عزة‪ ،‬فأنشد ح إذا أتى على هذا البيت‪:‬‬
‫يق‬
‫َحياءً َومثْلي با َْيَاء َحق ُ‬ ‫ت وهْبتُـ َها‬
‫ت ُمثَّ َهابَ ْ‬
‫ت َوَمهَّ ْ‬
‫َمهَم ُ‬
‫قال له عبد امللك‪ :‬أما واهلل لوال بيت أنشدت يه قبل هذا رمتك ا ائزة‪ ،‬قال‪ :‬مل يا أمري املؤم ني ؟‬
‫قال‪ٓ :‬نك شركتها معك يف اهليبة‪ ،‬مث استأثرت با ياء دوهنا ‪ .‬قال‪ :‬فأي بيت عفوت به يا أمري املؤم ني؟‬
‫[املتقارب]‬ ‫قال‪ :‬قولك‪:‬‬
‫يم »‪.1‬‬ ‫هائما فيمن يَه ُ‬‫َدعُوين ً‬ ‫يد هبا سو َاها‬ ‫َدعُوين ال أر ُ‬
‫ويف موقف روا ابن سالم قال‪ :‬أخربين عثمان بن عبد الرمحن قال‪ « :‬أنشد كثري عبد امللك‬
‫[الطويل]‬ ‫ا بن مروان حني أزمع املسري إ مصعب ‪:‬‬
‫صان عليها نَظْ ُم ُد ٍّر يَزيُـ َها‬ ‫َح َ‬ ‫إ َذا َما أر َاد الْغَْزَو َملْ تَـثْن َمهَّهُ‬
‫اها قَطيُـ َها‬
‫ت ‪ ،‬وبَ َكى ممَّا َش َج َ‬
‫بَ َك ْ‬ ‫َّه َي عاقَهُ‬ ‫نـَ َهْتهُ ‪ ،‬فَـلَ َّما َملْ تَـَر ال ـ ْ‬
‫فقال عبد امللك‪ :‬واهلل لَ َكأَنَّهُ شهد عاتكة ! ب ت يزيد بن معاوية‪ ،‬وهي امرأته‪ ،‬أم يزيد بن عبد امللك»‪.Ϯ‬‬
‫[املتقارب]‬ ‫« وأنشد أمين بن خرمي بن فاتك عبد امللك‪:‬‬
‫ذارى الشَّبَابَا‬
‫الع َ‬
‫لََو ْاد َرَ م َ‬ ‫يت من الغ يات العُجابَا‬ ‫لَق ُ‬
‫املرءُ َشابَا‬‫َع اء َشديد إذا ْ‬ ‫ا سان‬ ‫ذارى‬
‫الع َ‬
‫يع َ‬ ‫َمج َ‬ ‫َولَك َّن‬
‫صب ْح َن ُك َّل َغداة ص َعابَا‬ ‫َويُ ْ‬ ‫رائض‬ ‫صا‬
‫ب ُكل َع َ‬ ‫ض َن‬‫بـَُر ْ‬
‫ضابَا‬‫وُْدثْ َن بـَ ْع َد ا ضاب ا َ‬ ‫العُيون‬ ‫يُ َكح ْل َن ُْ َل‬ ‫الم‬
‫َع َ‬

‫= بامليل إ الفرزدق فلقيه فعاتبه واستَكفَّهُ فاعتذر إليه ‪ ،‬وجاء اب ه ج دل من خلفه فضرب بالسوط مؤخر بغل ه وقال له ‪ :‬إنك لواقف على كلب ب‬
‫ُكلَْيب » ‪.‬‬
‫‪ -‬ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ص ‪. ϮϳϬ‬‬
‫*كثري عزة ( ن‪ϳϮϯ‬م) « كثري بن عبد الرمحن بن أ ُمجُعة من حزاعة وكان رافضيا »‪ .‬وهو شاعر أموي أقام يف املدي ة تغزل بعزة فسمي هبا ‪.‬‬
‫‪ -‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. ϯϰϬ‬‬
‫‪ -ϭ‬ابن عبد ربه ‪ :‬العقد الفريد ‪ ،‬ج‪ ، 5‬ص ص ‪. 374 -373‬‬
‫‪ -2‬ابن سالم ا محي ‪ :‬طبقات فحول الشعراء ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ص ‪. 543 -542‬‬

‫‪256‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫فال َْرُموا الْغانيات الضَرابَا‬ ‫َويـُْبـ ُرقْ َن إالَّ لما تَـ ْعلَ ُمو َن‬
‫اب ا الط العتَابَا‬
‫اجت ُ‬
‫وُ يي ْ‬ ‫تاب خال ُط ال َساء‬ ‫يت الع َ‬ ‫ُمي ُ‬
‫وقال له عبد امللك بن مروان‪ :‬حني أنشد هذ آبيات ما عرف ال ساء أحد معرفتك »‪.1‬‬
‫ويف أحد الس عبد امللك حضر جرير موفدا إليه ليمدحه فالتقى بآخطل‪ ،‬وا ذ م ه عبد‬
‫امللك موقفا سلبيا ‪ ،‬ومل يسمح له باإلنشاد‪ ،‬والسبب يف ذلك أن عبد امللك كان ال يسمع لشعراء مضر‪،‬‬
‫ٓسباب سياسية ‪ .‬وكان هذا أول لقاء رير بعبد امللك ‪ ،‬فــروى البيهقي يف " الس صالت الشعراء" ـ‬
‫« قيل‪ :‬دخل جرير على عبد امللك بن مروان وقد أوفد إليه ا جاج بن يوسف فدخل مد بن ا جاج‬
‫فقال‪ :‬يا أمري ملؤم ني ‪ ،‬هذا جرير مادحك وشاعر ‪ ،‬فقال‪ :‬بل مادح ا جاج وشاعر ‪ ،‬فقال جرير‪ :‬إذا‬
‫أراد أمري املؤم ني أن يأذن له يف إنشاد مدحة ‪ ،‬قال‪ :‬هات أبدأ با جاج‪ ،‬قال‪ :‬بك يا أمري املؤم ني ‪،‬‬
‫[الطويل]‬ ‫فقال‪ :‬هات ابدأ با جاج فأنشد ‪:‬‬
‫ُ افظَةً فكيف تَـَرى الثـ ََّوابَا‬ ‫فس يا ابْ َن أ َعقيل‬ ‫ت ال َ‬ ‫ص ْرب َ‬
‫َ‬
‫ضابَا‬‫مع الّصر املالئكةَ الغ َ‬ ‫ً‬ ‫ك مل يـُْـَزْل‬
‫و ْلو مل تـُ ْرض ربَّ َ‬
‫اج أثقبها ش َهابَا‬
‫رأى ا ّج َ‬ ‫نار َح ْرب‬
‫إ َذا َس َعَر ا ليفةُ َ‬
‫فقال‪ :‬صدقت كذا هو ‪ ،‬مث قال لألخطل‪ :‬قم فهات مد ا ‪ ،‬فقام فأنشد وأجاد وأبلغ‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ب يا بن املراغة‪ ،‬فساء ذلك من‬ ‫أنت شاعرنا وأنت مادح ا قم فاركبه ‪ ،‬فألقى ال صراين ثوبـه وقال‪ :‬خ ْ‬
‫حضر من ُمضر وقالوا‪ :‬يا أمري املؤم ني‪ ،‬إن ال صراين ال يركب ا يف املسلم فاستحىي عبد امللك وقال‪:‬‬
‫دعه ‪ ،‬قال جرير‪ :‬فانصرفت أخزى خلق اهلل »‪.Ϯ‬‬
‫ٓسْيلم‬
‫وقد جاء يف " الكامل يف اللغة وآدب "‪ « :‬قال أبو العباس‪ :‬قال عبد امللك بن مروان َ‬
‫ت به ؟ فاستعفا فأ أن يـُ ْعفيَهُ وهو معه على سرير فلما أ‬
‫أحسن ما ُمد ْح َ‬
‫ُ‬ ‫ابن آح ف آسدي‪ :‬ما‬
‫[الطويل]‬ ‫إال أن ُْ َربُ قال‪ :‬قول القائل‪ :‬و"هو أبو قيس بن آسلت"‪:‬‬
‫الشام ُْبَـ ْوا وتَـ ْرجعُوا‬ ‫ّ‬ ‫ب َسيد ْأهل‬ ‫لكم‬
‫ْ‬ ‫هل‬
‫كب املخبون ْ‬
‫أالَ أيها الر ُ‬
‫الرجال َح ْل َقةَ الباب قَـ ْع َقعُوا‬
‫ُ‬ ‫وهاب‬
‫َ‬ ‫الذين إذا ْاعتَـَزْوا‬
‫َ‬ ‫م َن الَّـ َفر البيض‬

‫‪ -1‬ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪. 369 ،‬‬


‫‪ -2‬البيهقي ‪ :‬احملاسن واملساوئ ‪ ،‬ص ‪. 237‬‬

‫‪257‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫له َح ْو َ بـُْرَديْه أجادوا وأ َْو َسعُوا‬ ‫إ َذا الَّـ َف ُر الس ُ‬


‫ود اليمانو َن منََْـعُوا‬
‫أسهُ فهو أنْـَزعُ‬‫املدارى ر َ‬ ‫وفر َق َ‬‫ْ‬ ‫البيض كالدمى‬ ‫ك وا َ َّم ُام و ُ‬
‫َجالَ امل ْس ُ‬
‫أحسن مما قيل لك »‪.1‬‬
‫ُ‬ ‫فقال له عبد امللك‪ :‬ما قال أخو آوس‬
‫غري آدباء‪ ،‬أي امل اديل أفضل ؟ فقال‬ ‫و« قال عبد امللك بن مروان يوما لسائه‪ ،‬وكان ت ب َ‬
‫قائل م هم‪ :‬م اديل مصر كأهنا غ ْرقىء* البيض‪ ،‬وقال آخر‪ :‬م اديل اليمن كأهنا أنوار الربيع ‪ .‬فقال‬
‫[البسيط]‬ ‫عبد امللك‪ :‬ما ص عتما شيئا‪ ،‬أفضل امل اديل ما قال‪ :‬أخو متيم‪ ،‬يع عبدة بن الطيب‪:‬‬
‫املراج ُل‬
‫وفار للقوم باللحم َ‬ ‫َ‬ ‫أخبية‬
‫ظل ْ‬‫ملا نَزل ا نَصب ا ّ‬
‫مأكول‬
‫ُ‬ ‫ما غْيـَر الغ ْل ُي م ه فهو‬ ‫أشقر ما يُؤتيه طا ُهُ‬
‫َوْرد و ُ‬
‫يل »‪.Ϯ‬‬
‫أعرافُـ ُه َّن َٓيْدي ا َمَاد ُ‬
‫َ‬ ‫ت قُم ا إ ُج ْرد ُم َس ّوَمة‬
‫مثُّ َ‬
‫الواضح أن عبد امللك بن مروان كان يتخري آشعار ال يعرضها على مسامع جلسائه‪ ،‬ليبني هلم‬
‫حفظه للشعر ذي املعاين والصور ا ميلة‪ ،‬ويظهر جانب شخصيته آدبية ‪.‬‬
‫د‪ -‬إجازة عبد الملك بن مروان الشعراء ‪:‬‬
‫كان عبد امللك يستمع يف لسه إ الشعراء ‪ ،‬مث ازيهم على ما ي شدونه من مدح وغزل ‪ ،‬من‬
‫[البسط]‬ ‫ذلك ماقاله أبو عبيدة ‪ « :‬ملا أنشد آخطل كلمته لعبد امللك ال يقول فيها‪:‬‬
‫الما إ َذا قَ َد ُروا‬
‫َح ُ‬‫مشس العداوة ح يُ ْستَـ َقاد هلم وأ َْعظَ ُم الّاس أ ْ‬
‫قال‪ :‬خذ بيد ياغالم فأخرجه مث ألق عليه من ا لع ما يغمر ‪ ،‬مث قال‪ :‬إن لكل قوم شاعرا‪،‬‬
‫وشاعر ب أمية آخطل »‪.ϯ‬‬
‫ويف موقف آخر « حكى أن عبد امللك بن مروان مجع عمر بن أ ربيعة‪ ،‬وكثري عزة‪ ،‬ومجيل* بثي ة ‪،‬‬

‫‪ -1‬املربد ‪ :‬الكامل يف اللغة وآدب ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬ص ‪. ϭϬϱ‬‬


‫*الغرقىء ‪ :‬يهمز وال يهمز وكذلك فعله ‪.‬‬
‫‪ -2‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪. 327‬‬
‫‪ -3‬السيوطي ‪ :‬تاريخ ا لفاء ‪ ،‬ص ‪. 175‬‬
‫*« مجيل بن عبد اهلل بن معمر العذري (ت‪ϳϬϭ‬م ) ‪ ،‬من قبيلة عذرة الذين شهروا با ب العذري ‪ ،‬ح قيل ‪ :‬إهنم إذا أحبوا ماتوا ‪ ،‬فقد أحب بثي ة‬
‫= ب ت حبأ بن ُح ْن بن ربيعةَ ‪ ،‬من عذرة ‪ ،‬فهي اب ة عمه تلتقي وإيا يف ُح ّن من ربيعة يف ال سب ‪ ،‬وكانا يقيمان يف وادي القرى ‪ ،‬وهو موضع يف‬
‫ا جاز قريب من املدي ة ‪ ،‬وقيل إنه أحبها وهو غالم صغري‪ ،‬وهي جويرية مل تدر » ‪.‬‬
‫‪ -‬مجيل بثي ة ‪ :‬الديوان ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬دار بريوت للطباعة وال شر ‪ ϭϰϬϱ،‬ه ‪ϭϵϴϰ‬م ‪ ،‬ص ص ‪. ϲ -ϱ‬‬

‫‪258‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫وأحضر لديه ناقة موقرة دراهم‪ ،‬وقال‪ :‬ي شد كل واحد م كم بيتا يف الغزل فأيكم أبدع فهي له مبا عليها‪،‬‬
‫[الطول]‬ ‫فقـال مجيل‪:‬‬
‫ت‬
‫العاملني َحيَـْي ُ‬
‫َ‬ ‫مب طفها يف‬ ‫و ْلو أن راق املوت يـَ ْرق َجَ َازيت‬
‫[الكامل]‬ ‫وقال كثري‪:‬‬
‫ود ُه َّن ن َعا َهلَا‬
‫عل اإللهُ ُخ ُد َ‬
‫َج َ‬ ‫وس َعى إ َّ بعيب َعزَة نسوة‬ ‫َ‬
‫[الطويل]‬ ‫وقال ‪ :‬عمر بن أ ربيعة‪:‬‬
‫لَ َدى ا َّة ا ضراء أو يف َج َهَّم‬ ‫ضج َيع‬
‫فليت الثريَّا يف امل ام َ‬
‫َ‬
‫فقال عبد امللك‪ :‬خذها ياصاحب جه م » ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وروي عن يونس بن حبيب قال‪ « :‬كان عبد امللك بن مروان ال يسمع لشعراء مضر وال يأذن هلم‪،‬‬
‫ٓهنم كانوا زبريية‪ ،‬فوفد إليه ا جاج وفادته ال وفدها‪ ،‬مل يفد إليه غريها‪ ،‬فأهدى إليه َجر ًيرا‪ ،‬فدخل‬
‫عليه فأذن له يف ال شيد‪ ،‬فقام فأنشد مديح ا جاج واحدة‪ ،‬فأومأ إليـه ا جاج أن يـُْشد مديح‬
‫[الوافر]‬ ‫عبد امللك ‪ ،‬فأنشد ال يقول فيها‪:‬‬
‫ني بُطُو َن َراح‬ ‫ألستُم َخ َري من َركب املَطَايَا وأَنْ َدى َ‬
‫العامل َ‬ ‫ْ‬
‫اعتم َد على ابن الزبري فقال‪:‬‬
‫و َ‬
‫يت م ْن ا َماح‬ ‫احا ‪ ،‬هل ُشف َ‬‫عوت امللحدينَ أبا ُخبَـْيب مجَ ً‬ ‫َد َ‬
‫س من الَّـ َواحي‬
‫ف العيص ‪ْ ،‬لي َ‬‫أَلَ َّ‬ ‫َوقَ ْد َو َج ُدوا ا لي َف َة هْبـَزريًا‬
‫ض َواحي‬
‫ب َعشَّات ال ُف ُروع والَ َ‬ ‫ك يف قُـَريْش‬ ‫ات عيص َ‬ ‫َوَما َش َجر ُ‬
‫أنشد فيها‪:‬‬
‫قال‪ :‬ملا َ‬
‫ين ذوي لقاح‬ ‫ت املورد َ‬ ‫رأَيْ ُ‬ ‫قالت‪:‬‬
‫ْ‬ ‫ت أم َح ْزَرَة ُمثَّ‬ ‫تَـ َعَّز ْ‬
‫بأَنْـ َفاس من الشيم ال َقَراح‬ ‫وه َي ساغبَة‪ -‬بَ يهاَ‬ ‫تـُ َعلل – ْ‬
‫اللون كال َفَرد اللّيَاح‬
‫ه َجا ُن ْ‬ ‫يك العواذ َل ْأر َحيب‬ ‫َسيَكْف َ‬
‫ليع علَى الق َداح‬ ‫كما ابتَـَرَ ا َ ُ‬ ‫يـَعُز علَى الطَّريق مبَْ َكبَـْيه‬
‫وه ْل إليها من سبيل ‪ ،‬جعل اهلل فدا يا أمري‬
‫فقال له عبد امللك ‪ :‬فهل تـُ ْرويها مئَة ؟ فقال ‪َ :‬‬

‫‪ -1‬آبشيهي ‪ :‬املستطرف يف كل فن مستظرف ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬الذيل الثاين ‪ :‬مد بن إبراهيم آحدب ‪ ،‬ص ‪. 292‬‬

‫‪259‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫املؤم ني ؟ وأ َْعطَا ُ مئةً ومثانيةً من الر َعاء »‪.1‬‬


‫هـ‪ -‬محاورة عبد الملك بن مروان للشعراء ‪:‬‬
‫يروى «أن ُكثَـْيـًرا دخل على عبد امللك بن مروان وع د آخطل‪ ،‬فأنشد ‪،‬فالتفت عبد امللـك إ‬
‫أضغَ ُمهُ يا أمري املؤم ني ‪ .‬فقال كثر‪ :‬من‬
‫آخطل فقال‪ :‬كيف ترى ؟ فقال‪ :‬حجازي َُ َّوع مقرور ‪ ،‬دع ْ‬
‫ت الذي يقول‪[ :‬الكامل ]‬ ‫ضغَ ْم َ‬ ‫هذا يا أمر املؤم ني ؟ فقال له‪ :‬هذا آخطل ‪ :‬فقال له كثري‪ :‬مهال فهال َ‬
‫َخ َواالَ‬
‫أكرم م هم أ ْ‬ ‫نج ُ‬ ‫فالز ُ‬ ‫التطلنب خؤولة يف تغلب‬
‫َّل ْآ َْمثَاالَ‬
‫استَهُ وَمتث َ‬
‫َحك ْ‬ ‫والتَّـ ْغليب إذا تَـَ ْحَ َح ل ْلقرى‬
‫فسكت آخطل فما أجاب رف »‪.Ϯ‬‬
‫إن رد ُكثَـ ّري على آخطل بالبيتني يذكر مبا هجا به جرير يف قصيدة‪ ،ϯ‬هلدا ملا مسع البيتني سكت‬
‫ومل به‪ ،‬وكأن ُكثَـريا يطلب من آخطل أن يضغم معاين شعر جرير فيه‪ ،‬قبل أن يضغم شعر ‪ ،‬ومثل هذ‬
‫املواجهة آدبية هي ال كان عبد امللك ب أن يسمعها يف جلساته‪ ،‬ال كان يعقدها مع الشعراء‪.‬‬
‫و‪ -‬المواقف التي تثمل فيها عبد الملك بن مروان بالشعر ‪:‬‬
‫لقد كانت الس عبد امللك بن مروان عامرة بالشعراء ‪ ،‬وكان ب أن يتمثل بآشعار ال‬
‫سارت كآمثال على اللسان العر ‪ ،‬وما يثري إعجابه ‪ ،‬ويعظ به نفسه ‪ ،‬ويف هذا الصدد قال أبو العباس‬
‫ا رجاين ‪ « :‬وأعجب ما مر يف املتمثلني ‪ ،‬ما قرأت يف عيون آخبار عـن القتييب قال‪ :‬وفد على عبد‬
‫امللك وفد أهل الكوفة ‪ .‬فلما دخلوا عليه رأى فيهم غالما آدم عا ا سم‪ .‬فكلمه؛ فراقه بيانه ‪ ،‬فلما‬
‫[الطول]‬ ‫و قال عبد امللك يتمثل بقول عمرو بن شأس* [ت‪ϯϬ‬ه]‪:‬‬

‫‪-1‬ابن سالم ا محي ‪ :‬طبقات فحول الشعراء ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ص ‪. 420 -419 -418‬‬
‫‪ -‬وي ظر ‪ :‬البيهقي ‪ :‬احملاسن واملساوئ ‪ ،‬ص ص ‪. 238 -237‬‬
‫‪ -2‬املربد ‪ :‬الكامل يف اللغة وآدب ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ص ‪. 334 -333‬‬
‫‪-3‬جرير‪ :‬الديوان ‪،‬ص ص ‪.372 -371 -370-369‬‬
‫*« هو أبو عرارا»‪ « .‬عمرو بن شأس ‪ ،‬كثري الشعر يف ا اهلية واإلسالم ‪ ،‬أكثر أهل طبقته شعرا ‪ .‬وكان ذا قدر زشرف وم زلة يف قومه ‪ ،‬وهو يف‬
‫الطبقة العاشرة ن فحول ا اهلية » ‪.‬‬
‫‪ -‬ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ص ‪. Ϯϳϴ‬‬
‫‪ -‬ابن سالم ا محي ‪ :‬طبقات فحول اتلشعراء ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬ص ‪. ϭϵϲ‬‬

‫‪260‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫فإين أحب ا َ ْون ذا امل كب العمم‬


‫غري واضح‬ ‫َّ‬
‫وإن عر ًارا إ ْن يَ ُك ْن َ‬
‫علي به ‪ .‬ما أضحكك ؟ قال ‪ :‬أنا واهلل عرار ‪،‬‬
‫فالتفت الغالم إ عبد امللك وضحك ‪ ،‬فقال ‪ّ :‬‬
‫مرتني »‪.1‬‬
‫ويف املوقف نفسه ‪ ،‬جاء يف " الكامل يف اللغة وآدب "‪ :‬مع اختالف يف اللفظ وبعض الزيادة‪ ،‬قال‬
‫اآلمدي‪ « :‬وروت الرواة أن ا جاج ملا أخذ برأس ابن آشعث وجه به إ عبد امللك بن مروان مع عرار‬
‫بن عمرو بن شأس آسدي وكان أسود دميما فلما ورد عليه جعل عبد امللك ال يسأل عن شيء من أمر‬
‫أجزأ اختصارا فشفا من ا رب ومأل أذنه صوابا‪ ،‬وعبد‬
‫الواقعة إال أنبأ به عرارا يف أصح لفظ‪ ،‬وأشبع قوال و َ‬
‫[الطول]‬ ‫امللك ال يعرفه وقد اقتحمته عي ه حيث رآ ‪ ،‬فقال عبد امللك متمثال‪:‬‬
‫لَ َع ْمري عر ًارا باهلوان فَقد ظَلَم‬ ‫وم ْن يُ ْرد‬
‫ت عر ًارا باهلوان َ‬ ‫أر َاد ْ‬
‫فإين أحب ا َ ْون ذا امل كب الْ َع َمم‬ ‫غري واضح‬ ‫وإن عر ًارا إن يَ ُك ْن َ‬
‫فقال له عرار‪ :‬أتعرف يا أمر املؤم ني ؟ قال‪ :‬ال ‪ ،‬قال‪ :‬أنا واهلل عرار فزاد يف سرور ‪ ،‬وأضعف له‬
‫ا ائزة »‪.Ϯ‬‬
‫و« كان عبد امللك يتمثل بأبيات شبيب بن الربصاء يف بذل ال فس ع د اللقاء ‪ ،‬وعجب به ‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫[الطويل]‬
‫اطن أن يـُثْ َ َعلَ َّي فأُ ْشتَ َما‬
‫صن للفرار فَ َساءَين مو ُ‬
‫َد َعاين ح ْ‬
‫َّما‬
‫ذود الف عن حوضه أن يـُ َهد َ‬
‫يَ ُ‬ ‫فقلت صن ‪ :‬نح نفسك إمنا‬ ‫ُ‬
‫مثل أن أَتَـ َقد َ‬
‫َّما‬ ‫ل فسي حيا ًة َ‬ ‫تأخرت أستبقي ا يا َة فَلم أجد‬
‫ُ‬
‫مى‬
‫إذا ريعَ نادى با واد وبا ْ َ‬ ‫سيكفيك أطراف آس ة فارس‬
‫حبال اهلوي بالف أن َُ َّذ َما »‪.ϯ‬‬
‫ُ‬ ‫أوشكت‬
‫ْ‬ ‫يغش املكار‬
‫إذا املرءُ مل َ‬
‫وملا قتل مصعب بن الزبري (ت‪ϳϭ‬هـ) « حج عبد امللك بعد ذلك فدخلت عليه ُح َّّب‪ ،‬وقالت له‪:‬‬
‫[البسيط]‬ ‫أقتلت أخا مصعبا ؟ فقال متمثال‪:‬‬

‫‪ -1‬أبو العباس أمحد بن مد ا رجاين ‪ :‬ك ايات آدباء وإشارات البلغاء ‪ ،‬ص ص ‪. 334 -333‬‬
‫‪ -2‬املربد ‪ :‬الكامل يف اللغة وآدب ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪. 160‬‬
‫‪ -3‬أبو الفرج آصفهاين ‪ :‬آغاين ‪ ،‬طبعة دار الكتب املصرية ‪ ،‬ج‪ ، 12‬ص ‪. 281‬‬

‫‪261‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫َ ْع َجاع* »‪.1‬‬ ‫وترتكه‬ ‫ُمرا‬


‫رب د طعمها‬‫َم ْن يذق ا َ‬
‫وعن متثل عبد امللك بن مروان بالشعر « قال املدائ ‪ :‬ملا أيقن عبد امللك باملوت قال‪ :‬واهلل‬
‫لوددت أين ك ت م ذ ولدت إ يومي هذا محاال ‪ ،‬مث أوصى ب يه بتقوى اهلل ‪ ،‬وهناهم عن الفرقـة‬
‫واالختالف ‪ ،‬وقال‪ :‬كونوا ب أم برزة ‪ ،‬وكونوا يف ا رب أحرار‪ ،‬وللمعروف م ارا ‪ ،‬فإن ا رب مل تدن‬
‫م ية قبل وقتها ‪ ،‬وإن املعروف يبقى أجر وذكر ‪ ،‬واحلوا يف مرارة‪ ،‬ولي وا يف شدة‪ ،‬وكونوا كما قال ابن‬
‫[البسيط]‬ ‫آعلى الشيباين‪:‬‬
‫بالكسر ذو ح ق وبطش بالْيَد‬ ‫اجتمعن فرامها‬
‫َ‬ ‫القداح إذا‬
‫َ‬ ‫إ َّن‬
‫للمتَبَدَّد‬
‫ُ‬ ‫فالكسر والتَّهوين‬
‫ُ‬ ‫ت فلم تكسر ‪ ،‬وإن هي بُد َدت‬ ‫َعَّز ْ‬
‫يا وليد اتق اهلل فيما أخلفك فيه ‪ ،‬إ أن قال‪ :‬وانظر ا جاج فأكرمه فإنه هو الذي وطأ لكم‬
‫امل ابر‪ ،‬وهو سيفك يا وليد على من ناوأ ‪ ،‬فال تسمعن فيه قول أحد‪ ،‬وأنت إليه أحوج م ه إليك‪ ،‬وادع‬
‫ال اس إذا مت إ البيعة ‪ ،‬فمن قال‪ :‬برأسه هكذا‪ ،‬فقل بسيفك هكذا »‪.Ϯ‬‬
‫ويف املوقف نفسه روي‪ « :‬ملا احتضر عبد امللك دخل عليه اب ه الوليد ‪ ،‬فتمثل هبذا‪[ :‬البسيط]‬
‫وت ؟‬
‫ود ُ إال ليَـ ْعلَ َم هل يرا ُ َميُ ُ‬
‫ليس يعُ ُ‬
‫َك ْم عائد رجالً و َ‬
‫فبكى الوليد‪ ،‬فقال‪ :‬ما هذا ؟ أ ن ح ني آمة ؟ إذا [أنا] مت‪ ،‬فشمر‪ ،‬وائتزر‪ ،‬وألبس جلد ال مر‪،‬‬
‫وضع سيفك على عاتقك ‪ ،‬فمن أبدى ذات نفسه [لك] فاضرب ع قه‪ ،‬ومن سكت مات بدائه »‪.ϯ‬‬
‫« ويروى أن عبد امللك بن مروان ملا أشتد مرضه ‪ ،‬قال ‪ :‬ارفعوين على شرف ففعل ذلك فت سم‬
‫الروح مث قال‪ :‬يا دنيا ما أطيبك إن طويلك لقصري‪ ،‬وإن كبري قري‪ ،‬وإن ك ا م ك لفي غرور‪ ،‬ومتثل‬
‫[ا فيف]‬ ‫هبذين البيتني‪:‬‬
‫بالْ َع َذاب‬ ‫طوق‬
‫َعذابًا ال َ‬ ‫نقاشك يارب‬
‫َ‬ ‫يكن‬
‫إ ْن ت اقش ْ‬

‫*البيت ٓ قيس بن آسلت ‪ :‬مذكور يف املفضليات ‪.‬‬


‫‪ -‬املفضل الضيب ‪ :‬املفضليات ‪ ،‬ص ‪.Ϯϴϰ‬‬
‫‪ -1‬الطربي ‪ :‬تاريخ الطرب ‪،‬ج‪ ، ϲ‬ص ‪. ϭϲϬ‬‬
‫‪-2‬السيوطي ‪ :‬تاريخ ا لفاء ‪ ،‬ص ص ‪. 174 -173‬‬
‫‪ -3‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 174‬‬

‫‪262‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫فأنت رب صفوح عن ُمسيء ذُنوبه َكالتـَراب »‪.1‬‬ ‫أ َْو اوز َ‬


‫[الطويل]‬ ‫« وكان عبد امللك بن مروان يتمثل بقول زيادة بن زيد‪:‬‬
‫وطول َ يب‬
‫ُ‬ ‫هلا بعد إكثار‬ ‫فار َع َوى‬
‫تَذ ّكر عن َش ْحط أُمميةَ ْ‬
‫لغري لَبيب‬
‫عصَريْه ُ‬ ‫ب ْ‬ ‫تَـ َقل َ‬ ‫ف‬‫ب الدهر مل ََ ْ‬ ‫َّ‬
‫وإن امرأً ق ْد َجّر َ‬
‫اق َحبيب‬
‫َرزيئةُ مال ْأو فر ُ‬ ‫كما تَرى‬ ‫آيام إالَّ َ‬
‫هر و ُ‬ ‫َه ْل ال ّد ُ‬
‫لست لشيء ذاهب بَسيب‬ ‫و َ‬ ‫فأنت نَسيبُهُ‬
‫َ‬ ‫وكل الذي يأيت‬
‫ضى م ْن ُم ْفرح ب َقريب »‪.Ϯ‬‬
‫والَ َما َم َ‬ ‫ليس بعيد َما َ يء َك ُم ْقبل‬
‫و َ‬
‫وهكذا د املوت أكرب واعظ لعبد امللك‪ ،‬حيث كان يف كل موقف يتمثل بالشعر ليعظ به نفسه ‪.‬‬
‫ويظهر عبد امللك بن مروان من خالل موقفه اإل ا من الشعر والشعراء يف صورة ا ارس القوي‬
‫للشعر‪ ،‬حيث جعل لسه للشعر والشعراء ‪ ،‬فكان يقول الشعر ويرويه ويتمثل به ‪ ،‬وظهر ذوقه الراقي‬
‫للشعر من خالل حفظه لعيون الشعر العر ‪ ،‬وكان يسمع للشعراء ‪ ،‬وي قد شعرهم و اورهم يف ذلك‪،‬‬
‫وكان ب مساع شعر املدح والغزل‪ ،‬ويطلب من الشعراء توظيف املعاين الشعرية الراقية ذات الصور‬
‫ا ميلة يف مدحهم له‪ ،‬و ازيهم على إبداعهم ‪ ،‬فكان لسه لس أدب ومال ‪ ،‬وكان يف كل هذا ميتع‬
‫جلساء سن االستماع إليهم ‪ ،‬وكانوا يغدقون على مسامعه املعاين الشعرية ال يريدها ‪ ،‬وهو يغدق‬
‫عليهم آموال ال ترغبهم يف التقرب إليه ب وإخالص ‪ ،‬ح جعل من الشعر والشعراء وظيفة‬
‫سياسية يف خدمة دولته‪ ،‬وأبعد الشعراء عن معارضة فكر السياسي وهجائهم له ولب أمية ‪.‬‬

‫‪ -1‬ابن آثري ‪ :‬الكامل يف التاريخ ‪ ،‬ج‪ ، 4‬ص ‪. 104‬‬


‫‪ -2‬الطربي ‪ :‬تاريخ الطربي ‪ ،‬ج‪ ، 6‬ص ص ‪. 186 -185‬‬

‫‪263‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫‪ -ϯ‬موقف سليمان بن عبد الملك ( ‪ϵϵ-ϲϬ‬هـ)من الشعر والشعراء ‪:‬‬


‫أما سليمان بن عبد امللك أبو أيوب(‪ϵϵ-ϲϬ‬هـ‪ϳϭϳ-ϲϳϰ /‬م) ا ليفة آموي السابع‪،‬‬
‫وا ليفة التابعي ا امس ف ـ ـ ـ ـ« كان من خيار ملو ب أمية و ا الفة بعهد من أبيه بعد أخيه س ة‬
‫(‪ϵϲ‬ه ‪ϳϭϱ‬م)‪...‬وكان فصيحا‪ ،‬مفوها‪ ،‬مؤثرا للعدل با للغزو‪ ،‬ومن اس ه‪ :‬أن عمر بن عبد العزيز‬
‫كان له كالوزير‪ ،‬فكان ميتثل أوامر يف ا ري‪ ،‬فعزل عمال ا جاج‪ ،‬وأخرج من كان يف سجن العراق‪،‬‬
‫وأحيا الصالة ٓول مواقيتها‪ ،‬وكان ب و أمية أماتوها بالتأخري »‪ .1‬فقال مد بن سريين‪ « :‬يرحم اهلل‬
‫سليمان افتتح خالفته بإحياء الصالة ملواقيتها‪ ،‬واختتمها باستخالفه عمر بن عبد العزيز‪...‬وكان سليمان‬
‫ي هى عن الغ اء »‪.Ϯ‬‬
‫وأما موقفه من الشعر والشعراء فموقف إ ا ؛ ومن حيث شاعريته فقد أثرت ع ه أشعار قليلة‪،‬‬
‫فكان يقول البيت والبيتني ‪ ،‬كما كان يروي الشعر ويتمثل به ‪ ،‬وكان يستقبل يف لسه الشعراء ويستمع‬
‫إليهم وي قد شعرهم و يزهم ‪ ،‬ويفاضل بني الشعراء ‪ ،‬وميكن توضيح ذلك فيما يأيت‪:‬‬
‫أ‪ -‬المواقف التي قال فيها سليمان بن عبد الملك الشعر‪:‬‬
‫قال مساور الوراق‪ « :‬بي ما سليمان بن عبد امللك يتوضأ ليس ع د غري خاله‪ ،‬والغالم يصب‬
‫[الكامل]‬ ‫خر الغالم ميتا‪ ،‬فقال سليمان‪:‬‬ ‫عليه املاء إذ َّ‬
‫َهذي ا ياةُ تَعلّة َوَمتاَعُ* »‪.ϯ‬‬ ‫ني َّ‬
‫فإمنَا‬ ‫صْ ُ‬
‫ضوءَ َ يا ُح َ‬
‫قَـرب َو ُ‬
‫[السريع]‬ ‫« وملا دفن سليمان بن عبد امللك اب ه أيوب وقف ي ظر إ قرب وقال‪:‬‬
‫عيش م ْن بَعد َ ُمر امل َذاق‬
‫فَالْ ُ‬ ‫ُنسا فًـ َفارقْـتَ ا‬
‫ت لَا أ ً‬ ‫ُك َ‬
‫َ‬
‫[الطويل]‬ ‫وقربت دابته فركب ووقف على قرب وقال‪:‬‬

‫‪ -1‬السيوطي ‪ :‬تاريخ ا لفاء ‪ ،‬ص ‪. 178‬‬


‫‪ -2‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 178‬‬
‫[الكامل]‬ ‫*جاءت الرواية يف كتاب "البداية وال هاية " ‪ :‬على هذ الصيغة ‪" ،‬وقال سليمان ملا صب خاله على يديه ماء الوضوء ‪:‬‬
‫دنيا هذي بلغة ومتاع‬ ‫قرب وضوء يا وليد فإمنا‬
‫"‬
‫فاعمل ل فسك يف حياتك صا ا فالدهر فيه فرقة ومجاع ‪.‬‬
‫‪ -‬ابن كثري ‪ :‬البداية وال هاية ‪ ،‬ج‪ ، 9‬ص ‪. 180‬‬
‫‪ -3‬ا احظ ‪ :‬البيان والتبيني ‪ ،‬ج‪ ، 3‬ص ‪499‬‬

‫‪264‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫قليل م ْن َحبيب ُم َفارق‬


‫متاع ُ‬ ‫ُوقُوفًا على قرب مقيم ب َقفرة‬
‫[البسط]‬ ‫مث قال‪ :‬وعليك السالم مث عطف رأس دابته وقال‪:‬‬
‫ت فَع ْلق م فس َذ َهبَا »‪.1‬‬ ‫وإ ْن َجز ْع ُ‬ ‫ك م ْن َشبَع‬
‫فلم ألفظْ َ‬‫ت ْ‬ ‫ص َرب ُ‬
‫فإ ْن َ‬
‫[الطول]‬ ‫وقال يف الصداقة‪:‬‬
‫وإ ْن َملَّ إال ُ‬
‫سألت له ُر ْش َدا‬ ‫صاحيب‬ ‫يم أالَّ أُفَارق َ‬ ‫وم ْن ش َ‬ ‫َ‬
‫‪Ϯ‬‬
‫ذماما والَ َع ْه َدا ‪.‬‬
‫كآخر ال يرعي ً‬ ‫أكن‬
‫دام بالود مت ومل ْ‬ ‫وإ ْن َ‬
‫[الرجز]‬ ‫وقال سليمان بن عبد امللك [ ملا نظر إ أوالد فوجدهم صغارا ]‪:‬‬
‫أفلح َم ْن كان لهُ كبَ ُار‪.ϯ‬‬
‫َ‬ ‫إن بَ صْبية صغَ ًارا‬ ‫َّ‬
‫ويف موقف آخر روي أن سليمان بن عبد امللك‪ ،‬قال‪ :‬يف مرض موته الذي مات فيه‪ ،‬وكان أكرب‬
‫[السريع]‬ ‫ولد مد ‪ ،‬وكانت له اث تا عشرة س ة‪:‬‬
‫أفلح م ْن كا َن لهُ َربْعيو َن‪.ϰ‬‬
‫َ‬ ‫إن بَ صْبية صيفيون‬‫َّ‬
‫هذا عن شعر القليل الذي قاله ‪ ،‬ورغم فصاحته إال أن املصادر مل ترو ع ه إال ما ذكرنا ‪ ،‬وعلى‬
‫ما يبدو أنه كان مييل بشاعريته إ ا كمة ‪ ،‬وما اقتضته شاعريته من الكالم الفصيح ‪.‬‬
‫ب‪ -‬المواقف التي تمثل فيها سليمان بن عبد الملك بالشعر ‪:‬‬
‫كان سليمان بن عبد امللك كلما مات صاحب له‪ ،‬وقف على قرب موقف موعظة ويتمثل بالشعر‪،‬‬
‫فروي ع ه أنه ملا «مات صديق لسليمان بن عبد امللك يقال له شراحيل‪ ،‬فتمثل ع د قرب ‪[ :‬الطويل]‬
‫القيت امرءًا مات صاحبُ ْه »‪.ϱ‬‬
‫شئت ُ‬ ‫إذا ُ‬ ‫احيل أن‬
‫َوَه َّو َن َو ْجدي يف َشر َ‬
‫[الطويل]‬ ‫و« ملا تويف عبد امللك بن مروان متثل هشام‪:‬‬
‫َّما‬
‫ولكَّهُ ب يا ُن قوم تَـ َهد َ‬ ‫قيس هلكهُ هلك واحد‬
‫فما كا َن ُ‬
‫َ‬
‫فقال الوليد‪ :‬أسكت ‪ ،‬فإنك تتكلم بلسان شيطان‪ ،‬أال قلت كما قال أوس بن حجر‪[ :‬الطويل]‬

‫‪ -1‬ا احظ ‪ :‬البيان والتبيني ‪ ،‬ج‪ ، 3‬ص ‪. 622‬‬


‫‪ -2‬ابن كثري ‪ :‬البداية وال هاية ‪ ،‬ج‪ ، 9‬ص ‪. 180‬‬
‫‪ -3‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ، 9‬ص ‪181‬‬
‫‪ -4‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج ‪ ، 9‬ص ‪. 181‬‬
‫‪ -ϱ‬املربد ‪ :‬الكامل يف اللغة وآدب ‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص ‪. 323‬‬

‫‪265‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫مط مَّا ناب آخر ُم ْقرم »‪.1‬‬ ‫إ َذا مقرم مَّا َذ َرى َحد نَابه‬
‫وعلق ابن آثري على هذا التمثل بقوله ‪ « :‬وقيل ‪ :‬إن سلمان متثل بالبيت آول وهو الصحيح ‪،‬‬
‫ٓن هشاما كان صغريا له أربعة عشرة س ة »‪.Ϯ‬‬
‫ج‪ -‬المواقف التي سمع فيها سليمان بن عبد الملك الشعر ‪:‬‬
‫وقال ا احظ‪ « :‬وركب سليمان بن عبد امللك يوما يف زي عجيب ف ظرت إليه جاريته ‪ ،‬فقالت‪:‬‬
‫[ا فيف]‬ ‫"إنك ملع ببي شعر" قال ‪ :‬وما مها فأنشدته‪:‬‬
‫غري َّ‬
‫أن ال بَقاءَ لإلنْ َسان‬ ‫ت تب َقى‬
‫نعم املتاعُ لو ك َ‬
‫أنت َ‬
‫َ‬
‫َّك فَان‬
‫كان يف ال اس غري أن َ‬ ‫ك عيب‬ ‫بدا ل ا م َ‬
‫ليس فيما َ‬
‫َ‬
‫قال‪ :‬ويلك نَعيت إ َّ نفسي »‪.ϯ‬‬
‫[ا فيف]‬ ‫« ونظر سليمان يف مرآة فقال‪ :‬أنا امللك الشاب فقالت جارية له‪:‬‬
‫أن ال بَقاءَ لإلنْ َسان »‪.ϰ‬‬
‫غري َّ‬ ‫ت تب َقى‬
‫نعم املتاعُ لو ك َ‬
‫أنت َ‬
‫َ‬
‫د‪ -‬است شاد سليمان بن عبد الملك الشعراء وإجازتهم ‪:‬‬
‫من املواقف الشعرية ال كانت تستوقف سليمان بن عبد امللك يف لسه‪ ،‬هو حضور الشعراء‬
‫الكبار ع د ‪ ،‬فكان يست شدهم الشعر‪ ،‬و ازي أحس هم قوال وإبداعا ‪ ،‬وعن هذا روى مد بن سالم‪،‬‬
‫عن يونس قال‪ « :‬اجتمع شعراء العرب ع د سليمان بن عبد امللك‪ ،‬فأمرهم أن يقول كل رجل م هم‬
‫قصيدة يذكر فيها مآثر قومه وال يكذب ‪ ،‬مث جعل ملن َّبرز عليهم جارية مولدة ‪ ،‬وأنشد أبو ال جم ح‬
‫[البسيط]‬ ‫أتى على قوله‪:‬‬
‫آحيَاء‬
‫عشرون ‪ ،‬وهو يـُ َعد يف ْ‬ ‫لصلبه‬
‫يوش ُ‬
‫عُدوا َك َم ْن َربَ َع ا َ‬
‫فقال سليمان‪ :‬أشهد‪ ،‬إن ك ت صادقا‪ ،‬إنك لصاحب ا ارية ! فقال أبو ال جم‪ :‬سل املأل عن ذلك‬
‫يا أمري املؤم ني‪ ،‬قال الفرزدق‪ :‬أما أنا فأعرف م هم ستة عشر‪ ،‬ومن ولد ولد أربعة‪،‬كلهم قد َربَع ‪ .‬فقال‬

‫‪ -1‬ابن آثري ‪ :‬الكامل يف التاريخ ‪ ،‬ج‪ ، 4‬ص ‪. 103‬‬


‫‪ -2‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ، 4‬ص ‪. 103‬‬
‫‪ -3‬ا احظ ‪ :‬البيان والتبيني ‪ ،‬ج‪ ، 3‬ص ‪485‬‬
‫‪ -4‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص ‪. 499‬‬

‫‪266‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫سليمان‪ :‬ولد الولد هم ولد ‪ ،‬ادفع إليه ا ارية »‪.1‬‬


‫ومما روي عن است شاد سليم ـ ــان الشعراء وإجـ ــازهتم‪ « ،‬دخـ ـ ــل الفرزدق على سليمان بن عبد‬
‫امللك وسليمان و عهد ونصيب ع د ‪ ،‬فقال سليمان‪ :‬أنشدنا يا أبا فراس‪ ،‬وأراد أن ي شد بعض ما‬
‫[الطويل]‬ ‫امدحه فأنشد ‪:‬‬
‫صائب‬
‫بالع َ‬
‫هلا َسلَبًا من َج ْذهبا َ‬ ‫ب مْـ ُه ُم‬
‫يح تَطْلُ ُ‬
‫الر َ‬ ‫ورْكب َّ‬
‫كأن ّ‬
‫إ ُش َعب آَ ْكوار َذات ا ََقائب‬ ‫يح ‪ ،‬وهي تَـلُف ُه ْم‬ ‫َسَرْوا يـَ ْرَكُو َن الر َ‬
‫نار غالب‬
‫ت أَيْديهم ُ‬ ‫َوقَ ْد َخصَر ْ‬ ‫ض ُحوا نَ ًارا بـَ ُقولو َن لَْيتَها‬‫استَـ ْو َ‬
‫إذا ْ‬
‫[الطويل]‬ ‫فغضب سليمان فأقبل على نصيب فقال ‪ :‬أنش ْد موال يا نُصيب فأنشد ‪:‬‬
‫ب‬ ‫قَـ َفا ذات أ َْوشال َ‬
‫وم ْوال قَار ُ‬ ‫أَقُول لَرْكب صادر َ‬
‫ين لََقْيتُـ ُه ْم‬
‫ب‬‫من ْأهل َوَّدا َن طَال ُ‬ ‫ل َم ْعروفه ْ‬ ‫عن ُس ْليما َن إنّ‬
‫ق ُفوا َخربوين ْ‬
‫ب‬
‫عليك ا ََقائ ُ‬
‫ت َ‬ ‫َولَ ْو َس َكتُوا أَثْـَ ْ‬ ‫ت أ َْهلُهُ‬
‫عاجوا فَأثْـَـ ْوا بالذي أنْ َ‬
‫فَ ُ‬
‫فقال له سليمان أحس ت ‪ ،‬وأمر له بصلَة ومل يصل الفرزدق »‪.Ϯ‬‬
‫موقف سليمان بن عبد الملك من الشعراء ‪:‬‬
‫لقد كان لسليمان بن عبد امللك مواقف سياسية وأخالقية وفقهية سلبية من بعض الشعراء ‪،‬‬
‫وحدث هذا يف مواقف خاصة ‪ ،‬كالذي حدث له مع الشاعر عدي* بن الرقاع ( ت و ‪ϳϭϰ‬م )‬
‫شاعر ب أمية ‪ ،‬وعمر بن أ ربيعة ‪ ،‬والفرزدق ‪ .‬فعدي بن الرقاع كان ميدح الوليد بن عبد امللك ‪،‬‬
‫فطلبه سليمان وذكر ببعض ما قاله ‪ ،‬ولكن على ما يبدو قد ُحرف شعر عدي يف البيت آول ‪ ،‬من‬
‫خالل حذف ضمري ا مع الغائب "هم " وخصوا كالمه بضمري الغائب املفرد " هو " ‪ ،‬وهبذا تغري مع‬

‫‪ -ϭ‬ابن سالم ا محي ‪ :‬طبقات فحول الشعراء ‪ ،‬ج‪ ، Ϯ‬ص ‪. ϳϱϭ‬‬


‫‪ -Ϯ‬ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ص ص ‪. Ϯϲϲ -Ϯϲϱ‬‬
‫‪ -‬وي ظر ‪ :‬ابن رشيق ‪ :‬العمدة ‪،‬ج‪ ، ϭ‬ص ‪. ϲϰ‬‬
‫*« هو عدي بن الرقاع من عاملة حي قضاعة وكان ي زل الشام ‪ ،‬وكانت له ب ت تقول الشعر ‪...‬وكان شاعرا س ا » ‪ « .‬شاعر دمشقي مدح‬
‫الوليد ابن عبد امللك »‪.‬‬
‫‪ -‬ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ص ‪. ϰϭϱ‬‬

‫‪267‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫املدح من العام إ ا اص‪ ،‬فانتبه إليه سليمان وذَ َّكر به عدي بن الرقاع‪ ،‬الذي نفى أن يكون قد قال‬
‫بالسبُع*‪،‬‬
‫ذلك ‪ .‬وعن هذا املوقف ‪ ،‬قال ابن سالم « ملا أتت ا الفةُ سليمان بن عبد امللك ‪ ،‬أتته وهو َّ‬
‫فوجهه إليه ‪ .‬فلما دخل عليه قال‪:‬‬ ‫عدي بن الرقاع يف وثاق مع ثقة ‪َّ ،‬‬ ‫تب إ عامله ‪ :‬أن أبعث إ َّ َّ‬‫ف َك َ‬
‫ت لكارها الف ! قال‪ :‬وكيف ذا يا أمري املؤم ني؟ قال‪ :‬حني تقول يف مدحة الوليد‪[ :‬البسط]‬ ‫إن ُك َ‬
‫ْأو أ ْن نَ ُكو َن لَراع بـَ ْع َد تَـبَـ َعا‬ ‫قى ونـَ ْفق َد ُ‬
‫عُ ْذناَ بذي العرش أن نـَْب َ‬
‫قلت ‪ ،‬يا أمري املؤم ني ‪ ،‬ولك قلت‪:‬‬ ‫قال ابن الرقاع ‪ :‬واهلل ما هكذا ُ‬
‫ْأو أ ْن نَ ُكو َن لَراع بـَ ْع َدهم تَـبَـ َعا‬ ‫قى ونـَ ْفق َد ُهم‬
‫عُ ْذناَ بذي العرش أن نـَْب َ‬
‫وردوُ على َم ْرَكبه إ أهله »‪.1‬‬ ‫قال‪ :‬وكذلك قلت ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ .‬قال‪ :‬فكوا حديد ‪ُ ،‬‬
‫وقد علق ابن سالم على هذا املوقف قائال‪ « :‬وإمنا كان َخص بتلك املدحة الوليد »‪.Ϯ‬‬
‫واملوقف نفسه ا ذ سليمان بن عبد امللك مع عمر بن أ ربيعة‪ ،‬أث اء أدائه للحج‪ ،‬وقد أظهر له‬
‫ذلك من خالهلا موقفه السليب من شعر الغز ‪ ،‬ويفهم هذا مما روا املرزباين‪ « :‬قال مصعب بن عبد اهلل‬
‫ابن الزبري‪ :‬حج سلمان بن عبد امللك‪ ،‬فلما قدم مكة أرسل إ عمر بن أ ربيعة فقال‪ :‬ألست القائل‪:‬‬
‫[الطويل]‬
‫ض َّمهُ م‬‫ومن َغلق َرْهًا إ َذا َ‬ ‫وَك ْم م ْن قَتيل ال يُباءُ به َدم‬
‫البيض كالد َمى‬
‫اح و ا َمرة ُ‬ ‫إذا ر َ‬ ‫وَك ْم َما ْ َعْيـَـْيه من شيء َغري‬
‫وال كليَا ا ج أَقْـتَـ ْل َن َذا َه َوى‬
‫َّجمري َمْظََر ناظر‬
‫فلم َأر كالت ْ‬
‫ْ‬
‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬ال جرم‪ ،‬واهلل ال ج مع ال اس العام‪ ،‬وأخرجه إ الطائف ح قضى ال اس‬
‫حجهم »‪.ϯ‬‬
‫فهذا املوقف السليب ليس موقفا من الشعر‪ ،‬وإمنا هو موقف أخالقي من الشاعر‪ ،‬وعلى ما يبدو‬
‫أن خلفاء ب أمية كانوا يتحرجون من وجود عمر بن أ ربيعة يف مكة أث اء أدائهم مل اسك ا ج‪ ،‬هلذا‬

‫* السبع ‪" :‬ناحية يف فلسطني ‪ ،‬بني بيت املقدس والكر ‪ ،‬فيه سبعة آبار " ‪.‬‬
‫‪ -‬ابن سالم ا محي ‪ :‬طبقات فحول الشعراء ‪ ،‬ج‪ ، Ϯ‬احملقق ‪ :‬هامش رقم ‪ ، ϰ‬ص ‪. ϲϵϵ‬‬
‫‪ -ϭ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ، Ϯ‬احملقق ‪ :‬هامش رقم ‪ ، ϰ‬ص ‪. ϳϬϬ -ϲϵϵ‬‬
‫‪ -Ϯ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ، Ϯ‬ص ‪. ϳϬϬ‬‬
‫‪ -ϯ‬املرزباين ‪ :‬املوشح ‪ ،‬ص ‪. Ϯϲϭ‬‬

‫‪268‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫أخرجه سليمان من مكة ح أهنى ال اس حجهم‪ ،‬وهو نفس املوقف وقفه ضد عبد امللك من عمر أث اء‬
‫أدائه للحج ‪ ،‬وإن كان مل رجه من مكة بل قضى حوائجه ‪ ،‬وقد سبقت اإلشارة إليه ‪.‬‬
‫لكن على ما يبدو أن سليمان قد حاول التقرب من عمر ليمدحه فلم د ع د مراد ‪ ،‬ويف هذا‬
‫املوقف روا صاحب آغاين أن سليمان بن عبد امللك قال لعمر بن أ ربيعة‪ « :‬ما مي عك من مدحتا‪،‬‬
‫فقال‪ :‬إين ال أمدح الرجال‪ ،‬إمنا أمدح ال ساء »‪.1‬‬
‫ويف موقف ثالث روا الزهري قال‪ « :‬كان آحوص* الشاعر يشبب ب ساء أهل املدي ة‪ ،‬فتأذوا به‪،‬‬
‫وكان َم ْعبَد وغري من املغ ني يـُغَ ـ َّْو َن يف شعر ‪ ،‬فشكا قومه ‪ ،‬فبلغ ذلك سليمان بن عبد امللك ‪ :‬فكتب‬
‫ك**‪ ،‬ففعل به ‪،‬‬ ‫إ عامله باملدي ة أن يضربه مئة سوط ‪ ،‬ويقيمه على البُـ ْلس لل اس‪ ،‬ويسري إ دهلَ َ‬
‫فَـثَوى هبا سلطان سليمان »‪.Ϯ‬‬
‫يتجلى يف ال ص حكم فقهي تضمن ثالث عقوبات وهي‪ :‬ا د مبائة سوط‪ ،‬وإقامته على البلس‪،‬‬
‫وال في‪ ،‬ويعد هذا ا كم حكم فقهي ال نقدي ‪ ،‬وبالتا فإن موقف سليمان بن عبد مللك من شعر‬
‫التشبيب موقف سليب‪ ،‬وهو موقف املتلقي الذي رفض هذا التشبيب مجلة وتفصيال‪ ،‬وقد انسحب هذا‬
‫ا كم على الشاعر ‪.‬‬
‫وسليمان مثله مثل بقية ا لفاء آمويني‪ ،‬فموقفه من الشعر موقف إ ا ‪ ،‬فقد قال القليل من‬
‫الشعر‪ ،‬ومتثل به واست شد الشعراء‪ ،‬إال أن تكوي ه الفقهي وثقافته الدي ية جعلته يرفض شعر اهلجاء‬
‫والتشبيب ‪.‬‬

‫‪ -ϭ‬أبو الفرج آصفهاين ‪ :‬آغاين ‪ ،‬ط دار الكتب املصربة ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪. 74‬‬
‫*« آحوص بن مد بن عبد اهلل بن عاصم بن ثابت بن أ آقلح وعاصم بن ثابت من آنصار وهو محي الدبر ‪ ،‬وكان آحوص يرمى باالب ة والزنا‬
‫وشك َي إ عمر بن عبد العزيز ف فا من املدي ة إ قرية من قرى اليمن على ساحل البحر فدخل إليه عدد من آنصار يكلمونه فيه وسألو أن يرد إ‬ ‫ُ‬
‫املدي ة » فاحتج هلم عمر بن عبد العزيز منا قاله آحوص من شعر التشبيب ورفض عودته إ املدي ة ‪.‬‬
‫‪ -‬ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪،‬ص ‪. ϯϱϭ‬‬
‫ص َّوع ‪ ϵϬϬ ،‬كلم‪ ϭϱϬϬ . Ϯ‬نسمة‪ .‬أمسا‬ ‫**دهلك «أرخبيل من ‪ϭϮϮ‬جزيرة يف ج وب البحر آمحر يتبع اريترييا‪ ،‬أهم جزر دهلك الكبري ا َم َ‬
‫ولؤلؤ ‪ .‬قاعدة حربية » ‪.‬‬
‫‪ -‬امل جد يف اللغة وآعالم ‪ ،‬ص‪.Ϯϰϳ‬‬
‫‪ -2‬ابن سالم ا محي ‪ :‬طبقات فحول الشعراء ‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص ‪. 656‬‬

‫‪269‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫‪ -ϰ‬موقف عمر بن عبد العزيز (ت‪ϭϬϭ‬هـ‪ϳϮϬ‬م) من الشعر والشعراء ‪:‬‬


‫أما عمر بن عبد العزيز بن مروان (‪ϭϬϭ -ϲϭ‬هـ ‪ϳϮϬ -ϲϴϭ‬م) ا ليفة آموي الثامن‪،‬‬
‫وا ليفة التابعي السادس‪ ،‬فحكم وساس املسلمني ابتداء من ‪ϵϵ‬ه‪ϳϭϳ‬م‪ ،‬وقد اهتم باإلصالح اإلداري‬
‫واملا ‪ ،‬وكان يغلب على طابع حكمه السياسي العدل بني الرعية‪ ،‬أما مستوى علمه وثقافته‪ ،‬فكان فقيها‬
‫عاملا فصيحا‪ ،‬فغلب على حياته طابع الزهد وخاصة بعد أن تو ا كم‪ ،‬وأما من ال احية آدبية فكان‬
‫« أكثر خلفاء ب أمية خلفاء ب أمية الذين أثرت ع هم أقوال ومواقف تتعلق بالشعر والشعراء عبد‬
‫امللك بن مروان ‪ ،‬يليه يف املرتبة الثانية معاوية بن أ سفيان وعمر بن عبد العزيز‪ ،‬وقد معت لدي ا‬
‫طائفة غري يسرية من آراء عمر ال قدية‪ ،‬كما عرفت له مواقف مع عدد من الشعراء الذين كانوا يف زمانه ‪،‬‬
‫مثل جرير‪ ،‬والفرزدق‪ ،‬وآخطل‪ ،‬وعمر بن أ ربيعة‪ ،‬وكثري‪ ،‬ومجيل بثي ة‪ ،‬وآحوص‪ ،‬ونصيب* ‪ ،‬وسابق‬
‫الرببري‪ ،‬وغريهم »‪.1‬‬
‫ويف عهد عمر بن عبد العزيز مل يغب يف سياسته االهتمام بالشعر والشعراء‪ ،‬فقد ثبت يف مصادر‬
‫آدب ونقد اهتمامه بالشعر‪ ،‬فقد روى له ابن رشيق بعض أشعار ‪ ،‬كما دلت بعض مواقفه على أنه‬
‫كان فظ الشعر ويرويه‪ ،‬ويتمثل به يف املواقف امل اسبة‪ ،‬وثبت أن الشعراء كانوا يطرقون باب لسه‪،‬‬
‫رغبة م هم يف مدحه ونيل عطائه‪ ،‬وذلك م ذ أن كان واليا على املدي ة‪ ،‬وأث اء توليه م صب ا الفة‪،‬‬
‫حافظ على مال الدولة ومل د ع د الشعراء ما تعودوا عليه ع د امللو وآمراء قبله‪ ،‬وكان إذا اضطر أن‬
‫يعطي شيئا فيقتسم ما ميلك من مال أو متاع ومي ح م ه جزء للشعراء ‪ ،‬وهذا يدل على أن موقفه من‬
‫الشعر والشعراء موقف إ ا ‪.‬‬
‫كما كانت له مواقف سلبية من شعر التشبيب والغزل‪ ،‬فدفعه ذلك إ الوقوف من بعض الشعراء‬
‫كعمر بن أ ربيعة‪ ،‬والفرزدق‪ ،‬وآحوص ‪ ،‬موقفا سلبيا من جراء شعرهم ‪ ،‬وهو ما ميكن توضيحه فيما‬
‫يأيت ‪:‬‬

‫*«كان نصيب عبدا أسود لرجل من أهل وادي القرى‪ ،‬فكاتب على نفسه مث أتى عبد العزيز بن مروان فقال فيه مدحة فوصله واشرتى والء ‪ ،‬وقال‬
‫بلي من قضاعة‪ ،‬وكانت أمه أمة سوداء فوقع هبا سيدها فأولدها‬
‫ض ْمرة من ك انة ‪ ،‬وقال آخرون ‪ :‬كان من ّ‬
‫أبو اليقظان ‪ :‬هو عبد ب كعب بن َ‬
‫صيّبًا فوثب عليه عمه بعد موت أبيه فاستعبد ‪ ،‬مث باعه من عبد العزيز بن مروان ‪ ،‬وكان يك أبا ا ح اء‪...‬مدح خلفا ب أمية »‪.‬‬
‫نُ َ‬
‫‪ -‬ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ص ص ‪. ϯϲϲ -ϯϲϱ‬‬
‫‪ -1‬وليد قصاب ‪ :‬شخصيات إسالمية يف ال قد وآدب ‪ ،‬ص ‪. 84‬‬

‫‪270‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫أ‪ -‬المواقف التي قال فيها عمر بن عبد العزيز الشعر‪:‬‬


‫ثبت أن لعمر بن عبد العزيز أشعار قليلة ‪ ،‬ورد ذكرها يف بعض املصادر‪ ،‬والواضح من آشعار‬
‫ال نسبت إليه أنه شخصية متدي ة‪ ،‬زاهد يف الدنيا‪ ،‬فال عجبا إذا وجدنا أن « شعر الزهد ظهر على يد‬
‫عمر ابن عبد العزيز‪ ‬وبعض شعراء هذا العصر من أمثال‪ :‬الطرماح بن حكيم‪ ،‬وسابق الرببري‪ ،‬وعدي‬
‫ابن الرقاع‪ ،‬وغريهم ‪ .‬وكل ما وصل ا من شعر عمر بن عبد العزيز يدور حول هذا الغرض‪ ،‬وقلما رج‬
‫ع ه إ غري ‪ .‬فقد كان عمر‪ ‬ورعا تقيا كارها للفساد الذي حل بالبيت آموي ‪ .‬داعيا لإلصالح ‪.‬‬
‫ولذلك ا ذ ا ليفة سليمان بن عبد امللك خليفة له بعد موته‪ ،‬ولقد قق رأي سليمان فيه ‪ .‬فم ذ أن‬
‫تو عمر ا الفة رفع أيدي ب أمية عن بيت املال‪ .‬ورد املظامل لل اس وحقوقهم ال استلبها ب و أمية‬
‫بغري حق »‪.1‬‬
‫وعن هذا املوقف املتدين لعمر بن عبد العزيز جاء شعر يعكس زهد يف الدنيا‪ ،‬كما ذكر ذلك‬
‫[الطويل]‬ ‫صاحب "العمدة" ‪ « :‬قال عمر بن عبد العزيز ‪ ،‬روا آوزاعي عن مد بن كعب‪:‬‬
‫طيق الَّوم حريا ُن َهائ ُم؟‬
‫وكيف يُ ُ‬ ‫أنت حاملُ؟‬‫اليوم أََم َ‬
‫ت َ‬‫أَيـَ ْقظَان أنْ َ‬
‫الس َواج ُم‬
‫الدموع َّ‬
‫ُ‬ ‫جفونا لعي يك‬ ‫ت‬‫ت يقظان الغدا َة ّرقَ ْ‬ ‫فلو ك َ‬
‫الردى لك الَزُم‬ ‫وليلك نوم ‪ ،‬و ّ‬ ‫هنارَ يا مغرور سهو وغفلة‬
‫كذلك يف الدنيا تعيش الْبَـ َهائ ُم »‪.2‬‬ ‫سوف تكرُ غبه‬ ‫َ‬ ‫وتشغل فيما‬
‫[ زوء الكامل]‬ ‫ومما أثبته محاد الراوية من شعر ‪:‬‬
‫وع ْن انْقيَاد َ ل ْل َه َوى‬
‫َ‬ ‫الصبَا‬
‫إنْـهَ الفؤ َاد َعن ّ‬
‫شيب املفارق وا َالَ‬ ‫إن يف‬ ‫فَـلَعمر ربك َّ‬
‫ظ اتعا َظ َذوي ال ـ َهى‬ ‫عُ‬ ‫ت تَـتَّـ‬
‫ك واعظًا لو ك َ‬
‫لَ َ‬
‫َم َ ؟‬ ‫َوإ َ َم َ ؟ َوإ َ‬ ‫ح َم الَ تَـ ْر َعوى؟‬
‫ت َرْهن ل ْلبلَى‬ ‫عُم ْر َ‬ ‫الشباب وأنت إ ْن‬‫ُ‬ ‫بَل َي‬

‫‪ -1‬السيد أمحد عمارة ‪ :‬شعر خلفاء ب أمية قيق ودراسة ‪ ،‬ص ‪. 112‬‬
‫‪ -2‬ابن رشيق ‪ :‬العمدة ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪. 32‬‬

‫‪271‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫للمرء َع ْن َغي ‪َ ،‬ك َفى‪.1‬‬ ‫اجرا‬


‫لك ز ً‬ ‫وَك َفى بذ َ‬
‫[الطويل]‬ ‫وقال ابن رشيق‪ :‬ومن شعر أيضا أنشد ابن داود القياسي يف كتابه‪:‬‬
‫كل َزاجر‬ ‫صيت يف حب الصبا َّ‬ ‫لعا ُ‬ ‫الردى‬‫ولوالَ الّهى مث الت َقى خشي َة َّ‬
‫صْبـ َوة أخرى الليا الْغَ َوابر‪.Ϯ‬‬ ‫له َ‬ ‫صبا فيما مضى مث ال تـَُرى‬ ‫صبا ما َ‬ ‫َ‬
‫[الطويل]‬ ‫وقال عمر بن عبد العزيز يف الزهد من الدنيا ومتاعها‪:‬‬
‫يب‬
‫م َن اهلل يف َدار القرار نَص ُ‬ ‫خري يف َعْيش امرئ مل يَكن له‬
‫وال َ‬
‫يب ‪.ϯ‬‬
‫َمتاعُ قيل والزو ُال قَر ُ‬ ‫فإن تُعجب الدنيا أُ ً‬
‫ناسا فإهنا‬
‫[ا فيف]‬ ‫وقال أيضا‪:‬‬
‫ت أنَّ َس ُأم ُ‬
‫وت‬ ‫قد تيق ُ‬ ‫وعز َم ْن ال ُ‬
‫ميوت‬ ‫أنا ميت َّ‬
‫وت‪.ϰ‬‬
‫امللك ملك َم ْن الََميُ ُ‬
‫إمنا ُ‬ ‫ليس ملكا يزيله املوت ملكا‬
‫[ا فيف]‬ ‫وقال كذلك‪:‬‬
‫جيفة الليل غافل الْيَـ َقظَ ْه‬ ‫وم َن ال اس َم ْن يعيش َشقيا‬
‫راقب اهللَ واتقى ا َْفيظَ ْه‬ ‫فَإ َذا كا َن َذا َحياء ودين‬
‫للمقيم عظ ْه‪.ϱ‬‬ ‫فالذي َس َار ُ‬ ‫ومقيم‬‫اس راحل ُ‬ ‫إمنَا ال ُ‬
‫وقال عمر بن عبد العزيز يف موقف إخالصه يف عالقته مع ال اس ومعاملته إياهم بالرفق‪[ :‬الكامل]‬
‫م صفاء ليس بامل ْذق‬ ‫إين ٓم ح َم ْن يُواصل‬
‫بالرفق‬
‫داويت م ه َذا ّ‬ ‫ُ‬ ‫ال عن خلق‬ ‫وإ َذا أخ َح َ‬
‫‪ϲ‬‬
‫َما تْبـ ْلهُ يـَ ْرج ُع إ َ الْعرق ‪.‬‬ ‫وم َ‬
‫واملرءُ يص ُع نفسه َ‬

‫‪ -1‬ابن رشيق ‪ :‬العمدة ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪. 32‬‬


‫‪ -‬وي ظر ‪ :‬السيوطي ‪ :‬تاريخ ا لفاء ‪ ،‬ص ص ‪. ϭϵϮ -ϭϵϭ‬‬
‫‪ -2‬ابن رشيق ‪ :‬العمدة ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪. 32‬‬
‫‪ -3‬مشس الدين مد أمحد بن عثمان الذهيب ‪ :‬سري أعالم ال بالء ‪ ،‬قيق ‪ :‬مد نعم العرقسوسي ‪ :‬بريوت ‪ ،‬مؤسسة الرسالة ‪1981 ،‬م ‪ ،‬ج‪،3‬‬
‫ص ‪. 139‬‬
‫‪ -4‬ابن كثري ‪ :‬البداية وال هاية ‪ ،‬ج‪ ، 9‬ص ‪. 206‬‬
‫‪ -5‬ا افظ مجال الدين أ الفدا عبد الرمحن بن ا وزي القرشي البغدادي ‪ :‬سرية عمر بن عبد العزيز ‪ ،‬مطبعة اإلمام مبصر ‪ ،‬د‪ .‬ت ‪ ،‬ص ‪.118‬‬
‫‪ -6‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 186‬‬

‫‪272‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫[ زوء الكامل]‬ ‫وقال أيضا عمر بن عبد العزيز‪:‬‬


‫السالََمة‬
‫وعدلت عن طرق َّ‬ ‫َشاغل‬ ‫غل‬
‫قَ ْد جاء ُش ُ‬
‫غ لَا إ َ يَوم الْقيَ َامة‪.1‬‬
‫َ‬ ‫فَرا‬ ‫هب الفراغُ فالَ‬
‫َذ َ‬
‫[البسيط]‬ ‫وقال أيضا‪:‬‬
‫التوفيق باهلل‬
‫إن احملاسن و َ‬ ‫َّ‬ ‫املهدي نصيحته‬ ‫الرجل ْ‬‫يَا أيها ُ‬
‫بالواهي‬
‫فما عُرى الدين واإليالم َ‬ ‫أمر السلطان ت كر‬ ‫إ َذا كان ُ‬
‫الوحي في ا ْأمر نَاهي‬
‫صدق ْ‬ ‫ُم َ‬ ‫الكتاب كتاب اهلل نـَ ْقَرُؤُ‬
‫ُ‬ ‫َهذا‬
‫الداهي‪.Ϯ‬‬‫الشريعة والعوامل َّ‬
‫ع َد َّ‬ ‫فَق ْد يَزل الَّذي يـَْبقى اهلُدى َرَه ًقا‬
‫ب‪ -‬المواقف التي أنشد فيها عمر بن عبد العزيز الشعر ‪:‬‬
‫قال شهاب الدين آبشيهي‪ « :‬ملا أفضت ا الفة إ عمر بن عبد العزيز‪ ،‬أتته الوفود فإذا فيهم‬
‫وفد ا جاز ف ظر إ صيب صغري السن وقد أراد أن يتكلم‪ ،‬فقال‪ :‬ليتكلم من هو أسن م ك فإنه أحق‬
‫بالكالم م ك‪ ،‬فقال الصيب‪ :‬يا أمري املؤم ني لو كان القول كما تقول لكان يف لسك هذا من هو أحق‬
‫[الطويل]‬ ‫به م ك‪ ،‬قال‪ :‬صدقت‪...‬ف ظر عمر يف سن الغالم فإذا له اث تا عشرة س ة فأنشدهم عمر‪:‬‬
‫أخو ع ْلم َك َم ْن هو َجاه ُل‬ ‫ليس ُ‬‫و َ‬
‫س املرءُ يو ُلد عاملا‬ ‫َ‬ ‫تَـ َعلَّم فَلي‬
‫ً‬
‫صغري إذَا الْتَـ َقت عليه الْ َم َحاف ُل »‪.ϯ‬‬
‫لم ع د ُ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫فإن َكب َري الْ َق ْوم الَ ع َ‬
‫ال ص يعكس فصاحة ونباهة الصيب‪ ،‬بي ما البيتان اللذان استدل هبما عمر بن عبد العزيز على‬
‫شجاعة الصيب ونباهته فيهما من ا كمة واملوعظة للفرق بني الصغري املتعلم والكبري ا اهل ‪.‬‬
‫[امل سرح]‬ ‫و«كان عمر بن عبد العزيز ي شد قول فيس بن ا طيم‪:‬‬
‫ف‬
‫ض ُ‬
‫صد فال َجْبـلَة والَ قَ َ‬
‫قَ ْ‬ ‫بَني ُشكول ال ساء خ ْل َقتُـ َها‬

‫‪ -1‬ابن ا وزي ‪ :‬سرية عمر بن عبد العزيز ‪ ،‬ص ‪. 188‬‬


‫‪ -2‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪.197‬‬
‫‪ -ϯ‬آبشيهي ‪ :‬املستطرف يف كل فن مستظرف ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪. 46‬‬

‫‪273‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫ف‬
‫تكاد تَـْـ َقص ُ‬
‫ُ‬ ‫قامت ُرَويْ ًدا‬ ‫تَ ُام َع ْن ُك ْرب شأهنا فَإ َذا‬
‫ف‬
‫َو ْج َه َها نـُُز ُ‬ ‫شف‬
‫كأمنا َّ‬ ‫ف وهي الهية‬ ‫تَغرتق الطَّْر َ‬
‫مث يقول‪ :‬قائل هذا الشعر أنسب العرب »‪.1‬‬
‫ج‪ -‬تمثل عمر بن عبد العزيز بالشعر ‪:‬‬
‫[البسيط]‬ ‫كان عمر بن عبد العزيز يتمثل بالشعر الذي فيه حكمة بالغة ليعظ هبا نفسه‪:‬‬
‫َّعثَا‬
‫الش ْني والش َ‬
‫اف ّ‬ ‫ُ‬ ‫الغبار‬
‫أو ُ‬ ‫مس جبهتَهُ‬
‫حني متس الَش ُ‬ ‫َم ْن كا َن َ‬
‫اغما َج َدثَا‪.Ϯ‬‬
‫يوما ر ً‬
‫فسوف يس ُك ُن ً‬
‫َ‬ ‫شاشتَهُ‬ ‫ويَأْلَ ُ‬
‫ف الظل كي تَـْبـ َقى بَ َ‬
‫[الطويل]‬ ‫كما كان يتمثل‪:‬‬
‫طيق الَّـ ْوَم َحْيـَرا ُن َهائ ُم‬
‫كيف يُ ُ‬ ‫و َ‬ ‫نائم‬
‫أنت ُ‬‫اليوم أم َ‬
‫أنت َ‬ ‫أَيـَ ْقظا ُن َ‬
‫الس َواج ُم‬
‫ك الد ُموع َّ‬ ‫َم َدامع َعيَـْي َ‬
‫ت يقظا َن الغدا َة َّرقت‬ ‫فَـلَ ْو ُك َ‬
‫ك الَزُم‬ ‫الردى لَ َ‬
‫ك ليل و َّ‬ ‫ونوُم َ‬
‫مغرور َسهو وغفلَة‬
‫ْ‬ ‫َهن ُارَ يَا ُ‬
‫َكما غَُّر باللّ َّذات يف الَّوم َحاملُ‬ ‫يـَغُرذُ َ ماَ يف َ وتُ ْشغَ ُل بامل‬
‫عيش الْبَـ َهائ ُم‪.ϯ‬‬
‫كذلك يف الدنيا تَ ُ‬ ‫تكرُ غبَّهُ‬
‫سوف َ‬ ‫فيما َ‬
‫وتُشغَ ُل َ‬
‫وهذا التمثل هبذ آبيات فيه شيء من حكمة عمر‪ ،‬وزهد يف ا ياة الدنيا‪ ،‬وهو يعطي بذلك‬
‫بعد نظر ا ليفة املسؤول على الرعية ‪ ،‬الذي يكون حريصا ويقظا‪ ،‬بعيدا عن الغرور ‪.‬‬
‫د‪ -‬ومن مواقف سماع عمر بن عبد العزيز للشعراء ‪:‬‬
‫‪ -ϭ‬ومن مواقفه آدبية الظريفة ال رويت ع ه‪ « :‬مر عمر بن عبد العزيز ومعه مزاحم موال يوما‬
‫[البسيط]‬ ‫بقصر من قصور آل جف ة وقد خرب ‪ ،‬فتمثل مزاحم بقول آسود بن جعفر‪:‬‬
‫فَ َكأّمنَا َكانوا على م َيعاد‬ ‫ياح على َل ديَارهم‬
‫َجَّرت الر ُ‬
‫يف ظل ُم ْلك ثَابت آَْوتَاد‬ ‫يشة‬
‫َولق ْد َغُوا فيها بأنعم ع َ‬

‫‪-ϭ‬أبو الفرج آصفهاين ‪ :‬آغاين ‪ ،‬طبعة دار الكتب املصرية ‪،‬ج‪ ، ϯ‬ص ‪. ϰϮ‬‬
‫‪ -Ϯ‬املربد ‪ :‬الكامل يف اللغة وآدب ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬ص ‪. ϯϳϱ‬‬
‫‪ -3‬املصدر نفسه ‪،‬ج‪ ، 2‬ص ‪. 325‬‬

‫‪274‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫بلَى َونـَ َفاد‬ ‫فَإ َذا الَّعيم وكل ما يـُْل َهى به‬
‫يوما يَص ُري إ‬
‫ً‬
‫‪ ฀ ฀‬إ قوله عز وجل‪:‬ﭐ ‪฀ ฀฀‬‬ ‫فقال عمر‪ :‬هال قرأتﭐﭐ‬
‫[سورة الدخان اآليات ‪.1» ]28 .25‬‬ ‫‪฀ ฀‬‬
‫‪ -Ϯ‬ومن املواقف ال مسع فيها عمر بن عبد العزيز الشعر‪ ،‬وذلك ملا تو ا الفة‪ ،‬حيث كان لسه‬
‫ال لو من حديث الشعراء ‪ ،‬وكان الشعر الذي يردد يف لسه يقال يف مدحه والث اء عليه ‪ .‬ويف ذلك‬
‫« قال خالد بن عبد اهلل القصري لعمر بن عبد العزيز‪ :‬من كانت ا الفة زانته ‪ ،‬فإنك قد زنتها‪ ،‬ومن‬
‫[ا فيف]‬ ‫كانت شرفته فإنك قد شرفتها‪ ،‬فأنت كما قال القائل‪:‬‬
‫حسن وجهك َزيْـَا‬
‫كا َن للدر ُ‬ ‫حسن وجو‬
‫َ‬ ‫وإ َذا الدر َزا َن‬
‫قال عمر أعطي صاحبكم مقوال‪ ،‬ومل يعطى معقوال »‪.Ϯ‬‬
‫‪ -ϯ‬وروي عن مساعه للشعر‪ ،‬أنه كان يستمع إ مديح الشعراء الذين يقصدونه ويعطيهم ا وائز‪،‬‬
‫لك ه غري مكثر‪ ،‬من ذلك ما قاله ابن عبد ربه‪ « :‬مدحه دكني الراجز ‪ ،‬فأمر له مس عشر ناقة »‪.ϯ‬‬
‫‪ -ϰ‬ومن الشعراء الذين مدحو ونالوا جوائز نصيب وجرير‪ ،‬ف ـ ـ ـ ـ « استأذن نصيب بن رباح على عمر‬
‫ابن عبد العزيز فلم يأذن له‪ ،‬فقال‪ :‬أعلموا أمري املؤم ني أين قلت شعرا‪ ،‬أوله ا مد هلل‪ ،‬فأعلمو ‪ ،‬فأذن له‬
‫[البسيط]‬ ‫فأدخل علي وهو يقول‪:‬‬
‫ات والْ َق َد ُر‬
‫اج ُ‬
‫فق ْد أتَـْتـَا ا َ َ‬ ‫مد هلل أََّما ُ‬
‫بعد يَا عمر‬ ‫ا ُ‬
‫ص ُر‬
‫مع والْبَ َ‬
‫الس ُ‬
‫أس فيه يكون َّ‬
‫والر ُ‬ ‫أس قريش وابن سيّدها‬
‫فأنت ر ُ‬
‫فأمر له لة سيفه »‪.ϰ‬‬
‫[البسيط]‬ ‫‪ -ϱ‬وكذلك « مدحه جرير بشعر الذي يقول فيه‪:‬‬
‫آرمل َّ‬
‫الذ َك ُر‬ ‫فَ َم ْن اجة هذا َ ُ‬ ‫اجتَها‬
‫ت َح َ‬
‫ضْي َ‬
‫امل قد قَ َ‬
‫َهذي آر ُ‬
‫فأمر له بثلثمائة درهم »‪.ϭ‬‬

‫‪-ϭ‬أبو الفرج آصفهاين ‪ :‬آغاين ‪ ،‬ط دار الكتب املصرية ‪،‬ج‪ ، ϭϭ‬ص ‪. ϭϵ‬‬
‫‪ -Ϯ‬أبو مد عبد اهلل بن مسلم بن قتيبة ‪ :‬عيون آخبار ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬اهليئة املصرية العامة للكتاب ‪1393 ،‬ه ‪1973‬م‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص ‪. 93‬‬
‫‪ -ϯ‬ابن عبد ربه ‪ :‬العقد الفريد ‪ ،‬ح‪ ، ϱ‬ص ‪. ϮϵϮ‬‬
‫‪ -ϰ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ، ϱ‬ص ‪. ϮϵϮ‬‬

‫‪275‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫والواضح من هذ املدائح أن عمر بن عبد العزيز مل يكن يو أمهية للقيمة الف ية للشعر‪ ،‬وهلذا‬
‫د يهتم مبثل هذا ا طاب الدي املباشر يف آبيات‪ ،‬وإمنا هو يصرف الشعراء ع ه‪ ،‬ويرضيهم مبا تيسر‬
‫له من مال وجوائز ‪.‬‬
‫‪ -ϲ‬ميكن أن نتصور أن موقف عمر بن عبد العزيز من تقليله ٓمهية الشعراء‪ ،‬أنه كان نتيجة تفكري‬
‫العميق و طيطه السياسي لتسيري شؤون الدولة‪ ،‬وقد أراد أن يضع مال بيت املسلمني يف مكانه‬
‫الصحيح‪ ،‬والصورة أبلغ حني رفض مساع الشعر واستقباله الشعراء‪ :‬عمر بن أ ربيعة‪ ،‬والفرزدق‪،‬‬
‫وآخطل‪ ،‬وآحوص‪ ،‬ومجيل‪ ،‬وجرير‪ ،‬وذلك « ملا استخلف عمر بن عبد العزيز وفد الشعراء إليه وأقاموا‬
‫ببابه أيّاما ال يـُ ْؤ َذ ُن هلم‪...‬مث دخل عدي بن أرطأة على عمر فقال‪ :‬يا أمري املؤم ني‪ ،‬الشعراء ببابك ‪،‬‬
‫وسهامهم مسمومة‪ ،‬وأقواهلم نافذة‪ ،‬قال‪ :‬و ك يا عدي ! ما وللشعراء ؟ قال‪ :‬أعز اهلل أمري املؤم ني‪،‬‬
‫ُ‬
‫إن رسول اهلل ‪ ‬قد امتدح وأعطى‪ ،‬ولك يف رسول اهلل أسوة‪ ،‬قال‪ :‬كيف؟ قال‪ :‬امتدحه العباس بن‬
‫مرداس‪ ،‬فأعطا حلة قطع هبا لسانه‪ ،‬قال‪َ :‬م ْن بالباب م هم ؟ قال‪ :‬عمر بن أ ربيعة والفرزدق وآخطل‬
‫وآحوص ومجيل‪ ،‬قال‪ :‬أليس هذا القائل كذا‪ ،‬وهذا القائل كذا‪ ،‬وذكر لكل واحد م هم أبياتا تشعر برقة‬
‫الدين‪ ،‬واهلل ال يدخل علي أحد م هم‪ ،‬فهل سوى من ذكرت ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬جرير‪ ،‬قال‪ :‬أما أنه الذي‬
‫[الكامل]‬ ‫يقول‪:‬‬
‫ني الزيارة فَ ْارجعي ب َسالَم‬
‫حَ‬ ‫س َذا‬
‫صائدةُ القلوب َولَْي َ‬
‫ك َ‬
‫طََرقَـْت َ‬
‫[الكامل]‬ ‫فإن كان البد فهو‪ ،‬فأذن رير فدخل عليه وهو يقول‪:‬‬
‫َج َع َل ا الفةَ لَ ْإل َمام الْ َعادل‬ ‫َّيب َُ َّمدا‬ ‫إ َّن الَّذي بـَ َع َ‬
‫ث ال َّ‬
‫إ آخر آبيات ‪.‬‬
‫[البسيط]‬ ‫فلما مثل بني يديه قال‪ :‬و ك ياجرير‪ ،‬اتق اهلل وال تقل إال حقا فأنشأ يقول‪:‬‬
‫أ َْم قد َك َفا َ الذي بلغت م ْن َخربي‬ ‫ت‬‫هد والْبَـ ْل َوى ال نـََزلَ ْ‬
‫أأذكر ا َ‬ ‫ُ‬
‫َك ْم بالْيَ َم َامة م ْن َش ْعثَاءَ أ َْرَملَة‪...‬إ‬

‫‪ -ϭ‬ابن عبد ربه ‪ :‬العقد الفريد ‪ ،‬ج‪ ، ϱ‬ص ‪. ϮϵϮ‬‬


‫فقال‪ :‬ياجرير ما أرى لك فيما ها ه ا حقا‪ ،‬قال‪ :‬بلى يا أمري املؤم ني‪ ،‬أنا ابن سبيل وم قطع ‪،‬‬
‫فأعطا من صلب ماله مائة درهم ‪ .‬وقال‪ :‬و ك ياجرير‪ ،‬لقد ولي ا هذا آمر وما منلك إال ثالمثائة‬

‫‪276‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫درهم‪ ،‬فمائة أخذها عبد اهلل ‪ ،‬ومائة أخذهتا أم عبد اهلل يا غالم‪ ،‬أعطه املائة الباقية ‪ .‬فأخذها وقال‪ :‬واهلل‬
‫هلي أحب ما اكتسبت إ ‪ .‬مث خرج فقال له الشعراء‪ :‬ما وراء ؟ قال‪ :‬ما يسوؤكم ‪ .‬خرجت من ع د‬
‫[الطويل]‬ ‫أمري املؤم ني‪ ،‬وهو يعطي الفقراء ومي ع الشعراء ‪ ,‬وإين ع ه لراض ‪ .‬وأنشأ يقول‪:‬‬
‫َوقَ ْد َكا َن َشْيطَاين م َن ا ن َراقيًا »‪.1‬‬ ‫ت ُرقي الشيطان ال يستفزُ‬
‫َرأَيْ ُ‬
‫وإذا نظرنا إ أول ال ص وآخر ‪ ،‬وجدنا أن داللته الفكرية والسياسية قوية‪ ،‬تعكس هنجا سياسيا‬
‫قبل أن تكون ذات بعد دي ‪ ،‬صحيح أن عمر بن عبد العزيز يظهر أنه اتكأ يف فكر على أفكار دي ية‪،‬‬
‫ولك ها يف ا قيقة تصب يف الوعاء السياسي للحفاظ على دولة ب أمية‪ ،‬وإن كان عمر التزم مبقاطعة‬
‫الشعراء الذين يتغزلون بال ساء‪ ،‬ومقاطعة الشعراء اهلجائيني‪،‬كما فعل مع ابن أ ربيعة والفرزدق وآخطل‬
‫وآحوص ومجيل‪ ،‬والتزم االقتصاد يف إجازة الشعراء‪ ،‬ولكن ملا علم عمر رير غري رأيه‪ ،‬واستمع إليه‪،‬‬
‫ٓنه وجد عف اللسان فأجاز من ماله ا اص‪ ،‬حي ئذ تأكد للشعراء أن عمر أفطمهم على معودوهم‬
‫عليه ا لفاء قبله‪ ،‬وملا عم هذا املوقف أصبح يف قرارة أنفس الشعراء دليل الق اعة بأن عمر يف غ ع هم‪.‬‬
‫ز‪ -‬ومن املواقف ال طلب فيها ا ليفة عمر بن عبد العزيز االستماع للشعراء ‪ ،‬قال البيهقي‪ « :‬ملا مات عبد‬
‫امللك ابن عمر بن عبد العزيز جزع عليه عمر جزعا شديدا‪ ،‬فقال ذات يوم ملن حضر‪ :‬هل من م شد‬
‫شعرا أتعزى به‪ ،‬أو واعظ فف ع فأستعزى وأتسلى ؟ فقال رجل من أهل الشام‪ :‬يا أمري املؤم ني‪ ،‬كل‬
‫خليل مفارق خليله بأن ميوت‪ ،‬أو بأن يذهب إ مكان‪ ،‬فتبسم عمر‪ -‬رمحه اهلل‪ -‬مث قال‪ :‬و ك‪،‬‬
‫مصيب فيك زادت مصيبة »‪.Ϯ‬‬
‫ه‪ -‬موقف عمر بن عبد العزيز من الشعراء ‪:‬‬
‫يتجلى من خالل ما ذكرته مصادر الشعر عن موقف عمر بن عبد العزيز من الشعراء املشببني‬
‫واهلجائني‪ ،‬أنه كانت له نظرة خاصة هلذين الغرضني الشعريني‪ ،‬هلذا أظهر موقفه السليب من الشعراء‪:‬‬
‫نصيب وآح ـ ـوص وعمر بن أ ربيعة والفرزدق ‪ .‬وعن هذا املوقف ج ـ ــاء يف آغاين‪ « :‬دخل ال صيب‬
‫على عمر بن عبد العزيز بعدما و ا الفة ‪ ،‬فقال له‪ :‬إيه يا أسود ‪ ،‬أنت الذي تشهر ال ساء ب سيبك ؟‬

‫‪-ϭ‬السيوطي ‪ :‬شرح شواهد املغ ‪ ،‬ط‪ ، ϭ‬بريوت ‪ ،‬م شورات دار ا ياة ‪ ،‬د‪.‬ت ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬ص ص ‪. ϭϵϴ -ϭϵϳ‬‬
‫‪ -‬وي ظر ‪ :‬البيهقي ‪ :‬احملاسن واملساوئ ‪ ،‬ص ص ‪. 272 -271‬‬
‫‪ -Ϯ‬البيهقي ‪ :‬احملاسن واملساوئ ‪ ،‬ص ‪. 382‬‬

‫‪277‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫فقال‪ :‬إين قد تركت ذلك يا أمري املؤم ني‪ ،‬وعاهدت اهلل عز وجـ ـ ـ ـل أال أقول نسيبا‪ ،‬وشهد لـ ـ ـه بذلك من‬
‫حضر‪ ،‬وأث وا عليه خريا‪ ،‬فقال‪ :‬أما إذا كان آمر هكذا فسل حاجتك »‪.1‬‬
‫الواضح من هذا املوقف أن ا ليف ـ ـ ـ ـة عمر بن عبد العزيز كان على عل ـ ـ ـ ـ ـم ودراية مبذهب نصيب‬
‫الشعري‪ ،‬هلـذا أظهر له موقفه السليب م ه‪ ،‬يف إشارة م ه أنه ال يقبل مساع شعر ال سيب يف لسـه ‪ ،‬وهو‬
‫املوقف نفسه الذي ا ذ ضد آحوص وعمر بن أ ربيعة ‪.‬‬
‫وعن الزهري قال‪ « :‬كان آحوص الشاعر يشبب ب ساء أهـ ـ ـ ـ ـل املدي ة ‪ ،‬فتأذوا به ‪ ،‬وكان معبد‬
‫وغري من املغ ني يغ ـ ـ ـ ـ ـون يف شعر ‪ .‬فشكا قوم ـ ـ ـ ـ ـه ‪ ،‬فبل ـ ـ ـ ـغ ذلك سليمان بن عبد امللك ‪ ،‬فكتب إ‬
‫عامله باملدي ة أن يضرب ـ ـ ـ ـه مائة سوط ‪ ،‬ويقيم ـ ـ ـ ـ ـه على البلس لل اس ‪ ،‬ويسري إ دهلك ‪ ،‬ففعل ‪ ،‬فثوى‬
‫هبا سلطان سليمان وعمر بن عبد العزيز ‪ ،‬فأتى رج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـال من آنصار عمر بن عبد العزيز ‪ ،‬فسألو أن‬
‫برد ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬قد عرفت نسبه وموضعه من قومه ‪ ،‬وقد أخرج إ أرض الشر ‪ ،‬ف طلب إليك أن ترد‬
‫[الطويل]‬ ‫إ حرم رسول اهلل‪ ‬ودار قومه فقال عمر ‪ :‬من الذي يقول‪:‬‬
‫فأهبت ح ما أكاد أُج ُ‬
‫يب‬ ‫فَ َما ُهو إالَّ أَ ْن أراها فجأ ًة‬
‫[الطويل]‬ ‫قالوا آحوص‪ ،‬قال‪ :‬فمن الذي يقول‪:‬‬
‫ور‬
‫حيث أ َُد ُ‬
‫ت ُ‬ ‫بأَبْيات ُك ْم َما ُد ْر ُ‬ ‫ور َولَوالَ أَ ْن أََرى أُم َج ْع َفر‬
‫أَ ُد ُ‬
‫[الطويل]‬ ‫قالوا آحوص‪ ،‬قال‪ :‬فمن الذي يقول‪:‬‬
‫السَرائ ُر‬
‫ني تـُْبـلَى َّ‬
‫بح َ‬
‫َسر َيرة ُح ٍّ‬ ‫ض َمر ا َْ َشا‬
‫َسيَـ ْلقي َهلَا يف القلب يف ُم ْ‬
‫قال ـ ـوا‪ :‬آحوص‪ ،‬قال‪ :‬إنه يومئذ ع ها ملشغول‪ ،‬واهلل ال أرد ما كان سلطان‪ ،‬فمكث ه ـ ـ ـ ـا‬
‫بقية والية عمر »‪.Ϯ‬‬
‫إ ًذا‪ ،‬فموقف عمر بن عبد العزيز من آحوص موقف سليب معلل مب على معيار خلقي‪ ،‬وصارم‬
‫ـ ـ ـا شعر التشبيب‪ ،‬وهـ ـ ـ ـو ميثل كذلك موقف املتلقي الغاضب ‪ ،‬الذي رفض غزل آحوص‪ ،‬ومل يت ـ ـ ـازل‬
‫لألنصار عن املبدأ الشرعي الذي حد به ا ليفة سليمان بن عبد امللك ‪.‬‬

‫‪ -ϭ‬أبو الفرج آصفهاين ‪ :‬آغاين ‪ ،‬ط دار الكتب املصرية ‪،‬ج‪ ، 1‬ص ‪. 347‬‬
‫‪ -Ϯ‬ابن سالم ا محي ‪ :‬طبقات فحول الشعراء ‪ ،‬ج‪ ، Ϯ‬ص ص ‪. ϲϱϳ -ϲϱϲ‬‬
‫‪ -‬وي ظر ‪ :‬ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ص ‪. ϯϱϭ‬‬

‫‪278‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫ويف موقف ثالث ا ذ ضد الشعراء‪ ،‬حيث تروي املصادر « كان عمر بن أ ربيعة فاسقا‪ ،‬يتعرض‬
‫اج‪ ،‬ويشبب هبن‪ ،‬ف فا عمر بن عبد العزيز إ دهلك‪ ،‬مث غزا يف البحر فأحرقت السفي ة ال‬
‫ل ساء ا ّ‬
‫كان فيها‪ ،‬فاحرتق ومن كان معه »‪.1‬‬
‫فهذ صورة واضحة عن موقف عمر بن عبد العزيز من شعراء التشبيب‪ ،‬حيث كان حكمه فيهم‬
‫هو إبعادهم عن أرضهم وأهليهم و تمعهم‪ ،‬عن طريق ال في‪ ،‬وهذا حكم فقهي مب على معيار خلقي‪،‬‬
‫كحكم ا ليقة عمر بن ا طاب الذي حكم ب في أ جن الثقفي ‪.‬‬
‫كما روي يف موقف رابع من الفرزدق‪ ،‬حيث روي أنه « بلغ عمر بن عبد العزيز أن الفرزدق قد زن‬
‫ف فا ‪ ،‬وجرب جريرا فبانت له عفته ‪ ،‬فقال بعد أن حدث ال اس بفعال الفرزدق وجرير‪ :‬عجبا لقوم‬
‫يفضلون الفرزدق على جرير مع عفته بط ه وفرجه »‪.Ϯ‬‬
‫ويف رواية ابن قتيبة « قد كان عمر بن عبد العزيز‪ -‬رمحه اهلل‪ -‬حني بلغه فجور الفرزدق نفا عن‬
‫املدي ة » ‪.ϯ‬‬
‫يبدو يف ال ص آول حكمني‪ :‬آول حكم أخالقي؛ حيث وضع ا ليفة عمر مقياسا للمفاضلة‬
‫بني الشعراء ‪ ،‬وهو العفة يف الفن الشعري وسلو الشاعر‪ ،‬والثاين حكم ف ‪ ،‬وآول فقهي ٓنه حكم‬
‫على الفرزدق بعقوبة ال في نتيجة رم الزنا‪ ،‬والثاين ف ٓنه قدم من خالله شاعرية جرير على شاعرية‬
‫الفرزدق‪ ،‬الذي فضله مجهور ال قاد على جرير‪ ،‬وهذا ا كم الف يتكئ يف نظر عمر بن عبد العزيز على‬
‫معياريه الفقهي وا لقي ‪.‬‬
‫ومن الواضح أن موقف عمر بن عبد العزيز من شعر اهلجاء موقف سليب ‪،‬حيث « كان الفرزدق‬
‫كثري االنتجاع للشرفاء باملدي ة ‪ ،‬ولذلك شكا أهل املدي ة لعمر بن عبد العزيز يف وقت خصاصة ‪ ،‬فأمر‬
‫بأال يتعرض هلم‪ ،‬ودفع إليه أربعة آالف درهم‪ ،‬ومر الفرزدق بعد هني عمر له بعبد اهلل بن عمر بن عثمان‬
‫[الوافر]‬ ‫وهو جالس يف دهليز وعليه عمامة خز ومطرف ‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫‪ 1‬نقال عن ‪ :‬وليد قصاب ‪ :‬ال قد آد القدمي نصوص يف اال ا اإلسالمي وا لقي ‪ ،‬ص ‪. ϭϬϮ‬‬
‫‪ -‬البغدادي ‪ :‬خزانة آدب ‪ ،‬قيق ‪ :‬عبد السالم هارون ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬اهليئة املصرية العامة‪ϭϵϳϲ ،‬م‪ ،‬ج‪ ،Ϯ‬ص‪. ϯϮ‬‬
‫‪ -2‬نقال عن ‪ :‬وليد قصاب ‪ :‬ال قد آد القدمي نصوص يف اال ا اإلسالمي وا لقي ‪ ،‬ص ص ‪.ϭϬϯ - ϭϬϮ‬‬
‫‪ -‬عبد الكرمي ال هشلي ‪ :‬اختيار املمتع يف علم الشعر وعمله ‪ ،‬قيق‪ :‬يي الدين الكعيب‪ ،‬ليبيا‪ ،‬تونس‪ ،‬الدار العربية للكتاب‪ϭϵϳϴ ،‬م‪ ،‬ص‪.ϭϱϲ‬‬
‫‪ -ϯ‬ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ص ‪.ϯϯϬ‬‬

‫‪279‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫‪.....................‬‬ ‫أَ َعْبد اهلل إنَّ َ‬


‫ك َخْيـ ُر َماش‬
‫فخلع عليه ثيابه ‪ ،‬ودفع إليه عشرة آالف درهم ‪ ،‬فاتصل ذلك بعمر فأحضر وقال‪ :‬أمل أتقدم‬
‫إليك بأال تعرض مبدح وال هجاء ‪ ،‬وقد أجلتك ثالثا‪ ،‬فإن وجدتك بعد ذلك نكلت بك »‪.ϭ‬‬
‫إن رفض عمر بن عبد العزيز هلجاء الفرزدق وطلبه م ه أن يكف عن املدح واهلجاء ‪ ،‬وأال يتعرض‬
‫ٓحد ‪ ،‬هو أمر يتماشى مع طبيعة سياسته يف تسيري شؤون دولته ‪ ،‬ومع وجهته الدي ية ‪ ،‬لذا د عمر‬
‫يدفع إ الفرزدق " أربعة آالف درهم " اشرتى هبا م ه أعراض املسلمني‪ ،‬وهو هبذا سار على س ة ا ليفة‬
‫عمر بن ا طاب ‪ ،‬الذي اشرتى أعراض املسلمني بثالثة آلف درهم من ا طيئة ‪ ،‬وهذا املوقف يؤكد ل ا‬
‫أن موقف عمر بن عبد العزيز السليب كان من الشعراء وليس من الشعر ‪.‬‬
‫إ ًذا ‪ ،‬هبذ الصورة يتضح أن موقف عمر بن عبد العزيز من الشعر والشعراء‪ ،‬من حيث املبدأ‬
‫موقف إ ا ‪ ،‬فقال الشعر وإن كان قليال‪ ،‬ومتثل به ‪ ،‬واستمع إ الشعراء ‪ ،‬ولك ه كان يفرق بني شعر‬
‫وشعر‪ ،‬فقبل املدح املب على ا ق من الشعراء ‪ ،‬وكان موقفه من شعر وشعراء الغزل واهلجاء موقفا‬
‫سلبيا؛ حيث كان على علم ودراية باملذهب الشعري ل صيب وآحوص وعمر بن أ ربيعة ‪ ،‬والفرزدق ‪،‬‬
‫هلذا حجبهم ع ه ومل يستمع إليهم ‪.‬‬

‫‪ -ϭ‬نقال عن ‪ :‬وليد قصاب ‪:‬ال قد آد القدمي نصوص يف اال ا اإلسالمي وا لقي ‪ ،‬ص ‪.ϭϬϯ‬‬
‫‪ -‬عبد الكرمي ال هشلي ‪ :‬اختيار املمتع يف علم الشعر وعمله ‪ ،‬ص ‪.ϮϬ‬‬

‫‪ -ϱ‬موقف يزيد بن عبد الملك (ت ‪ϭϬϱ‬ه ‪ϳϮϰ‬م)من الشعر والشعراء ‪:‬‬

‫‪280‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫أما يزيد الثاين بن عبد امللك (‪ϭϬϱ -ϳϭ‬ه ‪ϳϮϰ-ϲϵϬ‬م) فهو ا ليفة آموي التاسع‬
‫(‪ϭϬϭ‬ه ‪ϳϮϬ‬م)‪ ،‬خليفة عمر بن عبد العزيز بعهد من أخيه سليمان‪ ، ϭ‬وا ليفة التابعي السابع‪ ،‬تويف‬
‫يف إربد ودفن يف دمشق ‪.‬‬
‫ورويت له أشعار قليلة‪ ،‬وكان لسه يغلب عليه اللهو‪ ،‬فروي « عن مسلمة بن عبد امللك‪ ،‬قال‬
‫ليزيد ابن عبد امللك‪ ،‬يا أمري املؤم ني ! ببابك وفود ال اس‪ ،‬وتقف ببابك أشراف العرب ‪ .‬فال لس هلم‪،‬‬
‫أقبلت على هؤالء اإلمياء ! قال‪ :‬أرجو أن ال تعاتب على هذا‬
‫وأنت قريب عهد بعمر بن عبد العزيز! وقد َ‬
‫بعد اليوم ‪ .‬فلما خرج مسلمة من ع د ‪ ،‬استلقى على فراشه‪ ،‬وجاءت حبابة جاريته فلم يكلمها ‪،‬‬
‫فقالت‪ :‬ما دها ع ؟ فأخربها مبا قال مسلمةُ ‪ ،‬وقال ‪ :‬ت حي ع أفرغ لل اس ‪ .‬قالت‪ :‬فا متع م ك‬
‫لسا واحدا‪ ،‬مث اص ع ما بدا لك ‪ .‬قال‪ :‬نعم ‪ ،‬فقالت ملعبد‪ :‬كيف ا يلة ؟ قال‪ :‬يقول آحوص أبياتا‬
‫[الطويل]‬ ‫َوتـُغَن فيها ‪ .‬قالت‪ :‬نعم ‪ .‬فقال آحوص‪:‬‬
‫احمل ُزو ُن أن يـَتَ َجلَّ َدا‬
‫ب ْ‬ ‫فق ْد غُل َ‬ ‫اليوم أ ْن يـَتَبَـلَّ َدا‬
‫َ‬ ‫أَالَ الَ تَـلُ ْمهُ‬
‫الص ْخر َج ْل َم َدا‬
‫ف ُك ْن َح َجًرا من يَابس َّ‬ ‫ت ع ْزَها ًة عن اللَّهو والصبَا‪،‬‬ ‫إذا كْ َ‬
‫الم فيه ذُو الشَان وفَـَّ َدا‬ ‫وإ ْن َ‬ ‫ش إالَّ ما تَـلَذ وتَ ْشتَهي‪،‬‬ ‫العْي ُ‬ ‫فَ َما َ‬
‫بديْر نصارى ‪ ،‬وهم يقرأون بصوت َشج ‪ ،‬فحكيته يف هذا‬ ‫فغ فيه َم ْعبَد وقال‪ :‬مررت البارحة َ‬
‫الصوت ‪ ،‬فلما غ ته َحبابةُ هذا الصوت ‪ ،‬قال‪ :‬لعن اهلل مسلمة ! صدقت‪ ،‬واهلل ال أطيعهم أبدا »‪.Ϯ‬‬
‫وقال ابن قتيبة‪ « :‬وعاد الته آو إ أن ماتت حبابة ‪ ،‬مث مات بعدها بأيام حزنا عليها ووجدا »‪.ϯ‬‬
‫وهذا ما يؤكد حبه للشعر واللهو ‪ ،‬وقد أمهل أمور دولته وانغمس يف حب أمتني وهلومها‪ ،‬ومل يكن‬
‫يبا بشؤون ا كم وأمر املسلمني ‪ ،‬م ذ أن تسلم ا كم ‪.‬‬
‫وقد روي ع ه أنه قال شعرا ولك ه قليل‪ ،‬كان يقوله يف جاريتيه حبابة وسالمة ‪ ،‬وم ه ماكان يقوله‬
‫يف رد على خصومه ‪ ،‬وكان لسه لس هلو وشراب وطرب ‪ ،‬وكان يقرب إليه الشعراء ‪.‬‬

‫‪ -ϭ‬السيوطي ‪ :‬تاريخ ا لفاء ‪ ،‬ص ‪. ϭϵϰ‬‬


‫‪ -Ϯ‬ابن سالم ا محي ‪ :‬طبقات فحول الشعراء ‪ ،‬ح‪ ، Ϯ‬ص ص ‪. ϲϲϰ -ϲϲϯ‬‬
‫‪ -ϯ‬ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ث ‪. ϯϱϮ‬‬
‫شعر يزيد بن عبد الملك في جاريتيه حبابة وسالمة وبسامة ‪:‬‬

‫‪281‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫[البسيط]‬ ‫قال يزد بن عبد امللك يف جاريته حبابة‪:‬‬


‫ما ل ْل ُفؤاد س َوى ذ ْكرا ُك ْم َوطَُر‬ ‫املطر‬
‫ُ‬ ‫أَبْلغ ُحبابََة َس َقى َربْـعُ َها‬
‫أ َْو َعَّر ُسوا فَـ ُه ُموم الَّـ ْفس والْفك ُْر‪.ϭ‬‬
‫ص ْحيب ملْ أ َْملك تذكركم‬ ‫إ ْن َس َار َ‬
‫[الطويل]‬ ‫كما قال يف جاريته سالمة‪:‬‬
‫اليوم ُم َقص ُر‬
‫المة َ‬
‫عن َس َ‬‫أنت ْ‬ ‫وهل َ‬ ‫ْ‬ ‫أنت ُمْبص ُر‬ ‫أَالَ قُ ْل هلذا الْ ْق ْلب َ‬
‫َجليس ل َس ْلمى ُكلّما ع َّج ُم ْزه ُر‬ ‫صار هبا الَّوى‬ ‫حيث َ‬ ‫ُ‬ ‫ليت أَين‬
‫أالَ َ‬
‫ني يـَْظُُر ‪.Ϯ‬‬ ‫يطري إليها قلبُه ح َ‬ ‫كاد َجليسها‬ ‫الصوت َ‬ ‫إ َذا أخذت يف َّ‬
‫[الطويل]‬ ‫وقال فيها أيضا‪:‬‬
‫صَ ُع‬ ‫صوهتا َ‬
‫كيف تَ ْ‬ ‫ت يف َ‬ ‫إذا أَطَْربَ ْ‬ ‫أملْ تَرها الَ يـَْبعد اهلل َد َارَها‬
‫ص ْوهتا يـَتَـَر َّج ُع‪.ϯ‬‬
‫صل م ْن َ‬
‫ص ْل َ‬
‫إ َ‬ ‫ظام القول مث تَـ ُرد ُ‬‫متُد ن َ‬
‫وقال يزيد بن عبد امللك حني لبس سالحه ودخلت عليه جاريته بسامة فسلمت عليه‪[ :‬الطويل]‬
‫غيابة هذا الْ َعارض املتَأَلَّق‪.ϰ‬‬ ‫ُرَويْ َد ح تَ ظري َع َّم تَ َجلى‬
‫موقف يزيد من خصومه ‪:‬‬
‫كان يزيد بن عبد امللك يرد على خصومه بالشعر‪،‬كما « رد على عمرو بن مرة ا في‪[ :‬الطويل]‬
‫ك ا ْهلَ ْج ُر‬
‫أنت حقيق أ ْن َ َّل ب َ‬
‫فيك القضيةُ يا عمرو و َ‬ ‫لقد وضحت َ‬
‫الص ْد ُر‬ ‫ت با ب الَّذي َ‬
‫ض َّمهُ َّ‬ ‫ونوْه َ‬
‫ّ‬ ‫ت كامتًا‬ ‫أظهرت الَّذي ك َ‬
‫َ‬ ‫ٓنك‬
‫َ‬
‫ك الْ ُع ْذ ُر‬
‫مودا ويف َكف َ‬
‫ً‬ ‫فتهلك‬ ‫صْبـ َوًة‬
‫ت َ‬
‫فَـ َهالّ بكْتمان اهلوى ُم َّ‬

‫‪ -ϭ‬نقال عن ‪:‬السيد أمحد عمارة ‪ :‬شعر خلفاء ب أمية ‪ ،‬ص‪. Ϯϰϯ‬‬


‫‪ -‬مد شاكر الليثي ‪ :‬فوات الوفيات ـ قيق ‪ :‬إحسان عباس ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬دار صادر ‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ج‪ ϰ‬ن ص ‪. ϯϮϯ‬‬
‫‪ -Ϯ‬ابن آثري ‪ :‬الكامل يف التاريخ ‪ ،‬ج‪ ، ϱ‬ص ‪. ϭϮϯ‬‬
‫‪ -ϯ‬املصدر نفسه ‪،‬ج‪ ، ϱ‬ص ‪. ϭϮϯ‬‬
‫‪ -ϰ‬نقال عن‪ :‬السيد أمحد عمارة ‪ :‬شعر خلفاء ب أمية قيق ودراسة ‪ ،‬ص ‪. Ϯϰϰ‬‬
‫‪ -‬مؤلف هول ‪ :‬العيون وا دائق يف أخبار ا قائق ‪ ،‬مكتبة املت يب ‪ ،‬بغداد ‪ ،‬د‪ .‬ت‪ ،‬ص ‪. ϳϯ‬‬
‫ك الْبَ ْد ُر »‪.ϭ‬‬
‫جزاءَ َ إالَّ أ ْن يَعاقبً َ‬ ‫ت با ب واهلوى‬
‫فلست أرى إ ْن َ‬
‫ُ‬

‫‪282‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫ويف موقف آخر « كتب يزيد بن عبد امللك إ أخيه هشام ‪ :‬أما بعد فإن أمري املؤم ني قد بلغه‬
‫[الطويل]‬ ‫أنك استبطأت حياته ومت يت وفاته ورعت ا الفة وكتب يف آخر ‪:‬‬
‫لست فيها بأ َْو َحد‬
‫فذلك سبيل ُ‬
‫َ‬ ‫ت‬ ‫أموت وإ ْن أ َُم ْ‬
‫مت رجال أ ْن َ‬
‫مبخلّد‬
‫علي َ‬ ‫ت ما الباغي ّ‬‫َم ُم ّ‬ ‫ده ْم‬
‫فع العلم ع ُ‬ ‫وقد َعلموا لو ي ُ‬
‫يوما على غري َم ْوعد‬ ‫يُصادفهُ ً‬ ‫وحْتفهُ‬
‫َ‬ ‫ري لوقت‬ ‫م يتهُ‬
‫هتيأ ُٓ ْخَرى مثلها وكأن قَد‬ ‫مضى‬ ‫فَـ ُق ْل للَّذي يب َقى خالف الذي َ‬
‫فكتب إليه هشام جعل اهلل يومي قبل يومك ‪ ،‬وولدي قبل ولد ‪ ،‬فال خري يف العيش بعد » ‪.Ϯ‬‬
‫موقف يزيد بن عبد الملك من الشعراء ‪:‬‬
‫لقد كان لزيد موقف إ ا من الشعراء ‪ ،‬فكانوا ميدحونه و ازيهم ‪ ،‬ويقرهبم إليه من ذلك « قدم‬
‫كثري على يزيد بن عبد امللك وقد مدحه بقصائد جياد مشهورة ‪ ،‬فأعجب هبن يزيد‪ ،‬وقال له‪ :‬أحتكم‪،‬‬ ‫ّ‬
‫قال‪ :‬وقد جعلت ذلك إ ! قال‪ :‬نعم ‪ ،‬قال ‪ :‬مئة ألف ‪ ،‬قال‪ :‬و ك ! مئة ألف! قال‪ :‬على جود‬
‫أمري املؤم ني أُبقي أم على بيت املال ؟ قال‪ :‬ما استكثارها ‪ ،‬لك ّ أكر أن يقول ال اس‪ :‬أعطى شاعرا‬
‫مئة ألف ‪ ،‬ولكن فيها عروض ؟ قال‪ :‬نعم يا أمري املؤم ني »‪.ϯ‬‬
‫ويف موقف ثان‪ ،‬روي عن كثري أنه « كان ضر مسر يزيد ويدخل عليه ‪ ،‬فقال له ليلة‪ :‬يا أمري‬
‫[الطويل]‬ ‫املؤم ني ما يع الشماخ بقوله‪:‬‬
‫ت بد َّرهتَا قَرى َجحن قَتني‬ ‫وج َاد ْ‬
‫ت َمغَابُها ‪َ ،‬‬‫إذا َعرقَ ْ‬
‫ص َن‬
‫صبَ َ‬
‫صن إذ حدين ! مث أعاد فسكت ع ه يزيد ‪ ،‬فقال‪ :‬بَ ْ‬ ‫صبَ َ‬
‫قال‪ :‬فسكت ع ه يزيد‪ ،‬فقال‪ :‬بَ ْ‬
‫ص َن إذ حدين ! هو القراد‬ ‫صبَ َ‬
‫إذ حدين! فقال له يزيد‪ :‬وما على أمري املؤم ني أن ال يعرف هذا ؟ فقال‪ :‬بَ ْ‬
‫أشبه الدواب بك !‪ -‬وكان كثري قصريا متقارب ا لق‪ -‬فحجب ع ه يزيد فلم يصل إليه‪ ،‬فكلم مسلمة‬

‫‪ -ϭ‬نقال عن‪:‬السيد أمحد عمارة ‪ :‬شعر خلفاء ب أمية قيق ودراسة ‪ ،‬ص‪.ϮϰϮ‬‬
‫‪ -‬ابن عساكر ‪ :‬تاريخ دمشق الكبري ‪ ،‬هذبه ‪ :‬الشيخ عبد القادر بدران ‪،‬ط‪ ، Ϯ‬د‪.‬م ‪ ،‬دار املسرية ‪ϭϵϳϵ ،‬م ‪ ،‬ج‪ ، ϲ‬ص ‪. Ϯϰϲ‬‬
‫‪ -Ϯ‬ابن كثري ‪ :‬البداية وال هاية ‪ ،‬ج‪ ، ϵ‬ص ‪. ϮϮϭ‬‬
‫‪ -ϯ‬ابن سالم ا محي ‪ :‬طبقات فحول الشعراء ‪ ،‬ج‪ ، Ϯ‬ص ‪. ϱϰϯ‬‬

‫‪283‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫ابن عبد امللك يزيد فقال‪ :‬يا أمري املؤم ني ‪ ،‬مدحك ؟ قال‪ :‬بكم مدح ا ؟ قال‪ :‬بسبع قصائد ‪ ،‬قال‪ :‬فله‬
‫سبعمائة دي ار واهلل ال أزيد عليها » ‪.ϭ‬‬
‫ويف موقف آخر‪ « ،‬دخل كثري يوما على يزيد بن عبد امللك فقال‪ :‬يا أمري املؤم ني‪ ،‬ما يع‬
‫[الوافر]‬ ‫الشماخ* بقوله‪:‬‬
‫بالرْمل عني‬
‫ود َجوازئ َّ‬ ‫ُخ ُد َ‬ ‫إ َذا آَْرطَى تَـ َو َّس َد أَبْـَرَديْه‬
‫فقال‪ :‬بزيد وما يضرين أال أعرف هذا آعرا ا لف واستحمقه وأمر بإخراجه »‪.Ϯ‬‬
‫نالحظ أن يزيد بن عبد امللك رغم تقريبه إليه الشعراء‪ ،‬إال أنه كان اليسمح هلم بالتطاول عليه يف‬
‫اجمللس ونالحظ أن كثري كاد أن ول تلك آسئلة إ اختبار ‪ ،‬هلذا ضجر م ه يزيد يف ال هاية وأخرجه‬
‫من لسه ‪ ،‬وهذا نوع من تأديب الشعراء من طرف ا لفاء ‪.‬‬
‫موقف يزيد بن عبد الملك من الشاعر األحوص ‪:‬‬
‫ويف قضية الشاعر آحوص الذي كان يشبب ب ساء أهل املدي ة ‪ ،‬والذي قضى ب فيه ا ليفة‬
‫سليمان ابن عبد امللك إ دهلك‪ « ،‬فمكث بقية والية عمر بن عبد العزيز‪ ،‬وصدرا من والية يزيد بن‬
‫عبد امللك‪ ،‬مث استخلف يزيد بن عبد امللك‪ ،‬فبي ما يزيد على سطح‪ ،‬وحبابة جاريته تغ يه بشعر‬
‫آحوص‪ ،‬إذ قال يزيد‪ :‬من يقول هذا الشعر ؟ قالت‪ :‬ال وعيشك ما أدري ! قال‪ :‬وقد ذهب من الليل‬
‫شطر ‪ ،‬قال‪ :‬أبعثوا إ الزهري‪ ،‬فعسى أن يكون ع د علم من ذلك ‪ .‬فأتى ابن شهاب الزهري‪ ،‬فقرع‬
‫بابه ‪ ،‬فخرج فزعا ‪ ،‬ح أتى يزيد ‪ ،‬فلما صعد إليه ‪ ،‬قال‪ :‬ال بأس عليك‪ ،‬مل ندعك إال ري ‪ ،‬أجلس‪،‬‬
‫فجلس‪ ،‬فقال‪ :‬من الذي يقول هذا الشعر ؟ قال‪ :‬آحوص يا أمري املؤم ني ‪ .‬قال‪ :‬فما فعل ؟ قال‪ :‬قد‬
‫طال حبسه بدهلك ! فقال‪ :‬عجبت لعمر بن عبد العزيز كيف أغفله ! فأمر بالكتاب بتخلية سبيله ‪،‬‬

‫‪ -ϭ‬ابن سالم ا محي ‪ :‬طبقات فحول الشعراء ‪ ،‬ج‪ ، Ϯ‬ص ص ‪. ϱϰϰ -ϱϰϯ‬‬
‫*«الشماخ بن ضرار ‪...‬وأم الشماخ من ولد ا ُر ُشب‪...‬ويقال ‪ :‬إن اسم الشماخ معقل بن ضرار وهو من أوصف الشعراء للقوس وا ُ ُمر‪ ...‬والشماخ‬
‫أوصف الشعراء للحمري وأرجز ال اس على بديهة ‪...‬وكان الشماخ جاهليا إسالميا ‪ ،‬وقال ا طيئة ‪ :‬أبلغوا الشماخ أنه أشعر غطفان وكان (الشماخ)‬
‫عما يريد املدي ة فقال ‪ :‬أردت أن أمتار ٓهلي ‪ ،‬وكان معه بعريان ‪ ،‬فأنزله وأكرمه وأوقر‬
‫خرج يريد املدي ة فصحب عرابة بن أوس آنصاري‪ ،‬فسأله عرابة َّ‬
‫له بعرييه مترا وبـُرا » ‪.‬‬
‫‪ -‬ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ص ص ‪. ϮϬϭ -ϮϬϬ -ϭϵϵ‬‬
‫‪ -Ϯ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. ϯϰϬ‬‬

‫‪284‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫وأمر له بأربعمائة دي ار ‪ .‬فأقبل الزهري من ليلته إ ناس من آنصار فبشرهم بتخلية سبيل آحوص ‪ .‬مث‬
‫قدم فأجار وأحسن إليه »‪. ϭ‬‬
‫وهذا املوقف يدل على أن نظرة يزيد للشعر والشعراء تلف عن نظرة سليمان وعمر بن عبد‬
‫العزيز‪ ،‬إذ يغلب على نظرته طابع اللهو وحب الشعر والغ اء ‪ ،‬إذ هو أيضا واحد من املتلقني للشعر‬
‫واملتذوقني له‪ ،‬واملتأثرين ملعانيه ا ميلة الراقية ‪ ،‬وهو هبذا ا كم الذي عفا به عن آحوص‪ ،‬فهو حكم‬
‫ف أراد أن يعطي دفعا قويا للشعراء‪ ،‬واستمرارية للشعر والغ اء ‪.‬‬

‫‪ -ϭ‬ابن سالم ا محي ‪ :‬طبقات فحول الشعراء ‪ ،‬ج‪ ، Ϯ‬ص ص‪. ϲϱϴ -ϲϱϳ‬‬

‫‪285‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫‪ -ϲ‬موقف هشام بن عبد الملك (ت‪ϭϮϱ‬ه) من الشعر والشعراء ‪:‬‬


‫أما هشام بن عبد امللك (‪ϭϮϱ-ϳϭ‬ه ‪ϳϰϯ-ϲϵϬ‬م) ا ليفة آموي العاشر‪ ،‬وا ليفة التابعي‬
‫الثامن (‪ϭϬϱ‬ه‪ϳϮϰ‬م)‪ ،‬فرغم أن موقفه من الشعر والشعراء إ ا إال أنه مل يؤثر ع ه إال أبيات ‪ ،‬وكان‬
‫لسه ال لو من الشعر والشعراء ‪.‬‬
‫أما المواقف التي قال فيها هشام بن عبد الملك الشعر ‪:‬‬
‫يروى أنه قد« أرسل يزيد بن عبد امللك إ أخيه هشام بن عبد امللك كتابا يعاتبه فيه‪ ،‬فرد عليه‬
‫[الطويل]‬ ‫هشام‪:‬‬
‫ب‬
‫ميت َوْه َو َغائ ُ‬
‫وع ْن بـَ ْعض ما فيه ْ‬ ‫َ‬ ‫َوَم ْن الَ يـَ ْغ َمض عي ه عن صديقه‬
‫ب » ‪.ϭ‬‬
‫صاح ُ‬ ‫الد ْهر َ‬‫ْد َها َوالَ يَ ْسلَم م َن َّ‬ ‫جاهدا ُك َّل َعثْـَرة‬
‫ً‬ ‫َوَم ْن يتتبع‬
‫[الطويل]‬ ‫وجاء يف تاريخ ا لفاء‪ « :‬قيل إن هذا البيت هلشام بن عبد امللك‪:‬‬
‫ال»‪.Ϯ‬‬
‫قاد َ اهلََوى إ َ بـَ ْعض َما فيه عليك َم َق ُ‬ ‫اهلوى َ‬‫ت ملْ تعص َ‬‫إ َذاَ أَنْ َ‬
‫أما موقف هشام من الشعراء فموقف إ ا ‪ ،‬حيث كان لسه ال لو من الشعر والشعراء‪ ،‬وقد‬
‫كان يستقبلهم ويستمع لشعرهم و يزهم وائز‪ ،‬ويستأنس هبم ‪.‬‬
‫ويف هذا السياق قال املربد « يف إس اد متصل‪ :‬إن أبا ال جم العجلي أنشد هشام بن عبد امللك‪:‬‬
‫ص َارت َك َع ْني ْآَ ْح َول ) ملا ذهب به الروي عن الفكر يف عني هشام ‪ ،‬فأغضبه ‪ ،‬فأمر‬
‫س قَ ْد َ‬ ‫الش ْم ُ‬
‫( و َّ‬
‫فأمل أبو ال جم رجعته‪ ،‬وكان يأوي إ املساجد‪ ،‬فأرق هشام ليلة فقال اجبه‪ ،‬أبغ رجال‬ ‫بطرد ‪َّ ،‬‬
‫عربيا فصيحا ادث وي شدين‪ ،‬فطلب له ما طلب ‪ ،‬فوقف على أ ال جم فأتى ـ ملا دخل به إليه‪ ،‬قال‪:‬‬
‫أين تكون م ذ أقصي ا ‪ ،‬قال‪ :‬يث ألفت رسلك ‪ ،‬قال ‪ :‬فمن كان أبا مثوا ‪ .‬قال‪ :‬رجلني كلبيا‬
‫أتغدى ع د أحدمها وأتعشى ع د اآلخر‪ ،‬فقال له‪ :‬مالك من الولد ؟ قال‪ :‬اب تان ‪ .‬قال‪ :‬أو‬ ‫وتغلبيا‪َّ ،‬‬
‫[الرجز]‬ ‫زوجتهما ؟ قال‪ :‬زوجت إحدامها ‪ .‬قال‪ :‬فبم أوصيتها ؟ قال‪ :‬قلت هلا ليلة أهديتها‪:‬‬
‫فازدلفي إلَْيـ َها‬
‫ت ْ‬ ‫ليها وإ ْن أَبَ ْ‬
‫ُسيب ا ما َة وابْـ َه َع َ‬

‫‪ -ϭ‬نقال عن ‪ :‬السيد أمحد عمارة ‪ :‬شعر خلفاء ب أمية قيق ودراسة ‪ ،‬ص‪. Ϯϰϳ‬‬
‫‪-‬أبو علي القا ‪ :‬ذيل آما ‪ ،‬د‪.‬م ‪ ،‬طبعة اهليئة املصرية العامة للكتاب ‪ϭϵϳϱ ،‬م ‪ ،‬ص‪Ϯϭϴ‬‬
‫‪ -Ϯ‬السيوطي ‪ :‬تاريخ ا لفاء ‪ ،‬ص ‪. ϭϵϱ‬‬

‫‪286‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫لف به َعلَْيـ َها‬


‫وجددي ا َ‬
‫َ‬ ‫رفقيها‬
‫مثَّ اقْـَرعي بالْ ُود َم َ‬
‫الدهر اب يها "‬
‫" ال ُْربي ب َذا َ َ‬
‫[الرجز]‬ ‫قال‪ :‬فأوصيتها بغري هذا ؟ قال‪ :‬نعم ‪ ،‬قلت‪:‬‬
‫ت من بَّرَة قَـ ْلبَبًا بالْ َك ْلب َخْيـًرا َوبا َْ َماة َشَّرا‬‫صْي ُ‬ ‫أ َْو َ‬
‫ضَّرا وا َ َّي ُع َّمْيه ْم ب َشر طَُّرا‬ ‫الَ تَ ْسأَمي نـَ ْه ًكا هلا َو َ‬
‫وإ ْن َك َس ْو َذ َهبًا َو ُدرا َح َّ يـََرْوا ُح ْل َو ا َْيَاة ُمَّرا‬
‫فقال هشام‪ :‬ما هكذا أوصى يعقوب ولد ‪ ،‬قال أبو ال جم‪ :‬وال أنا كيعقوب وال ب كولد ‪،‬‬
‫قال‪ :‬فما حال آخرى‪ ،‬قال‪ :‬قد درجت بني بيوت ا ي ونفعت ا يف الرسالة وا اجة‪ ،‬قال‪ :‬فما قلت‬
‫[الرجز]‬ ‫فيها‪ :‬قال‪ :‬قلت‪:‬‬
‫يمةُ ووالدا َها َحيَّان‬ ‫شَ‬ ‫َكأَ َّن ظُالََم َة أُ ْخ ُ‬
‫ت َشْيبَا َن‬
‫ليس يف الرجلني إالَّ َخْيطَان‬
‫س قَ ْمل ُكلهُ وسْئبَا ُن و َ‬ ‫الرأْ ُ‬‫َّ‬
‫الشْيطَان)‬
‫( فَه َي ال يُ ْذ َع ُر مْـ َها َّ‬
‫قال‪ :‬فقال هشام اجبه‪ :‬ما فعلت الدنانري املختومة ال أمرتك بقبضها ‪ .‬قال‪ :‬هاهي ع دي‬
‫ووزهنا مخسمائة ‪ .‬قال ‪ :‬فادفعها إ أ ال جم ليجعلها يف رجل ظالمة ما كان ا يطني أفال ترا قال‪:‬‬
‫( فَه َي ال يُ ْذ َع ُر مْـ َها الشَّْيطَان) »‪.ϭ‬‬
‫ففي هذا ال ص تظهر جليا طباع وسلو أبا ال جم العجلي البدوية ا اهلية‪ ،‬ال تسلى هبا هشام‪.‬‬
‫[الطويل]‬ ‫و« أنشد آخطل قصيدته ال يقول فيها‪:‬‬
‫كصا ْآَ ْع َمال‬
‫ذُ ْخًرا يكو ُن َ‬ ‫ت إ َ َّ‬
‫الذ َخائر ملْ َ ْد‬ ‫افتقر َ‬
‫َوإ َذا َ‬
‫فقال له هشام بن عبد امللك‪ :‬ه يئا لك أبا مالك اإلسالم‪ .‬أو قال‪ :‬أسلمت ‪ .‬قال‪ :‬مازلت‬
‫مسلما »‪.Ϯ‬‬
‫موقف هشام بن عبد الملك من الفرزدق ‪:‬‬
‫« كان الفرزدق قد عّرض هبشام بن عبد امللك يف شعر ‪ .‬والبيت الذي عرض به فيه قوله‪[:‬الطويل]‬

‫‪ -ϭ‬املربد ‪ :‬الكامل يف اللغة وآدب ‪ ،‬ج‪ ، Ϯ‬ص ص ‪. ϴϭ -ϴϬ -ϳϵ‬‬


‫‪ -Ϯ‬ابن سالم ا محي ‪ :‬طبقات فحول الشعراء ‪ ،‬ج‪ ، Ϯ‬ص ص ‪. ϰϵϰ -ϰϵϯ‬‬

‫‪287‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫ُم َش َّوَهة َح ْوالَء َمجا عُيُوبـُ َها‬ ‫ب َعْيـًا مل تَ ُكن ليفة‬


‫يـُ َقل ُ‬
‫فكتب هشام إ خالد بن عبد اهلل القسري عامله على العراق يأمر بسه ‪ ،‬فحبسه ح دخل‬
‫جرير على هشام فقال‪ :‬يا أمري املؤم ني‪ ،‬إن ك ت تريد أن تبسط يد على بادي مضر وحاضرها فأطلق‬
‫هلا شاعرها وسيدها الفرزدق ‪ .‬فقال له هشام‪ :‬أََو َما يَ ُسر ما أخزا اهلل ؟ قال‪ :‬ما أُريد أن ُ زيه اهلل إال‬
‫يدي ‪ ،‬فأطلقه »‪.ϭ‬‬
‫على ّ‬
‫فالواضح من ال ص أن موقف هشام من الفرزدق موقف سليب ٓنه عرض به ‪ ،‬وكان عليه أن‬
‫يتج ب رد فعل ا ليفة وغضبه عليه ‪ ،‬ولكن هذا هو طبغ الفرزدق ‪.‬‬
‫وهكذا يتجلى أن موقف هشام من الشعراء موقف إ ا ‪ٓ ،‬نه يسمع م هم شعرهم‪ ،‬وهو‬
‫اليستث أحدا من الشعراء من الدخول إ لسه‪ ،‬ولكن رد فعله كان قويا شديدا على الشعراء الذين‬
‫يغضبونه‪ ،‬مثل حال أ ال جم " ملا ذهب به الروي عن الفكر يف عني هشام‪ ،‬فأغضبه ‪ ،‬فأمر بطرد "‪،‬‬
‫وا ذ م ه موقفا سلبيا‪ ،‬ولكن سرعان ما عادت آمور بني ا ليفة هشام وأبا ال جم إ راها الطبيعي‪،‬‬
‫واستأنس ببعض قصصه ال تظهر فيها طباع وسلو أبا ال جم العجلي البدوية ا اهلية ‪.‬‬
‫كما كان له موقفا إ ابيا من آخطل‪ ،‬حيث استمع إ معاين مدائحه‪ ،‬ال رآها هشاما أهنا‬
‫معاين إسالمية ‪ ،‬بي ما ا ذ موقفا سلبيا من الفرزدق ٓنه عرض به ‪.‬‬
‫وهذا يف حقيقة آمر يعطي ا صورة واضحة على أن من الشعراء من كان اول أن يصور ا ليفة‬
‫يف شعر بطريقة كاريكاتورية ‪ ،‬إلثارة لفت انتبا ال اس إ عني هشام بن عبد امللك ا والء ‪.‬‬

‫‪ -ϭ‬ابن عبد ربه ‪ ،‬العقد الفريد ‪ ،‬ج‪ ، ϱ‬ص ‪. ϯϮϱ‬‬

‫‪288‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫الفصـ ـ ـ ـل الثاني‬
‫موقف التابعين العلماء من الشعر‬

‫‪289‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫‪ -ϭ‬موقف شريح القاضي (ت‪ϳϴ‬ه) من الشعر ‪:‬‬


‫من التابعني العلماء شريح بن ا ارث بن قيس‪ ،‬فقيه من التابعني املخضرمني‪ ،‬أدر ا اهلية ‪،‬‬
‫وكان يف زمن ال يب ومل ير ‪ ،‬وكان شاعرا ناقدا جالس ا لفاء الصحابة والتابعني ‪ « .‬وقال شريح القاضي‬
‫وكان من جلة التابعني والعلماء املتقدمني استقضا علي‪ -‬رمحه اهلل‪-‬ومعاوية ‪ ،‬وكان تزوج امرأة من ب‬
‫[الطويل]‬ ‫متيم تسمى زي ب ‪ ،‬ف قم عليها ‪ ،‬فضرهبا مث ندم ‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ب َزيْـَبَا‬ ‫يوم أَ ْ‬
‫ضر ُ‬ ‫َ‬ ‫فَ ُشلَّت ميي‬ ‫نساءه ْم‬
‫ُ‬ ‫أيت رجاالً يضربو َن‬
‫ر ُ‬
‫ليس أَ ْذنـَبَا‬
‫ض ْرب َم ْن َ‬
‫العدل م َ‬
‫فَ َما ُ‬ ‫أَأَضرهبا يف غري ذنب ْ‬
‫أتت به‬
‫ت َملْ تـُْبد مْـ ُه َّن َكوَكبَا »‪.ϭ‬‬
‫ب مشس وال ساءُ كواكب إ َذا بـََرَز ْ‬
‫فَـَزيْـَ ُ‬
‫الواضح يف هذ آبيات هو اعتذار الشاعر لزوجته ‪ ،‬واستعطافها‪ ،‬حيث اول بلوغ مكمن‬
‫اسرتضائها ‪ ،‬فتدرج يف استعطافها مربزا حبه هلا ‪ ،‬معرتفا بأنه ضرهبا بغري ذنب ‪ ،‬إال أنه يف البيت الثالث‬
‫كان نابغي املذهب يف اعتذار فاستعار صورة املمدوح وهو ال عمان بن امل ذر من قول ال ابغة الذبياين‪:‬‬
‫ب‬‫ت ملْ يـَْب ُد مْـ ُه َّن َك ْوَك ُ‬
‫إ َذا طَلَ ْع َ‬ ‫فَإنَّ َ‬
‫ك َمشْس وامللو ُ َك َواك ُ‬
‫ب‬
‫فحذف من البيت كاف ا طاب‪ ،‬وذكر زي ب‪ ،‬وحذف امللو وذكر ال ساء‪ .‬ويف الشطر الثاين‬
‫حذف طلعت وذكر برزت ‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ب"‬ ‫ت َملْ تـُْبد مْـ ُه َّن َك ْوَك ُ‬
‫ب مشس وال ساءُ كواكب إ َذا بـََرَز ْ‬
‫" فَـَزيْـَ ُ‬
‫ويبدو أن الشاعر مل د من حلو الكالم ما يرضي به زوجته إال بيت ال ابغة ‪ ،‬وإن كان اعتذار‬
‫ال ابغة اعتذارا سياسيا ‪ ،‬بي ما اعتذار شريح القاضي لزوجته اعتذار حب زوج لزوحته ‪ٓ ،‬نه يعترب ما يف‬
‫بيت ال ابغة من صور من أمجل التشبيهات ال قيلت يف الشعر العر القدمي ‪ ،‬يُعرب هبا عن شعور قوي‪،‬‬
‫وهذا يدل على ثقافة الشاعر آدبية ‪.‬‬
‫كما شهد له ابن رشيق للقاضي شريح بالشاعرية ‪ ،‬فروى له شعرا وقال ع ه‪ « :‬وحسبك من‬
‫القضاة شريح بن ا ارث ‪ ،‬كان شاعرا ودا وقد استقضا عمر بن ا طاب ‪.Ϯ» ‬‬

‫‪ -ϭ‬ابن عبد ربه ‪ :‬العقد الفريد ‪ ،‬ج‪، ϱ‬ص ‪. ϮϵϬ‬‬


‫‪ -Ϯ‬ابن رشيق ‪ :‬العمدة ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬ص‪. ϯϯ‬‬

‫‪290‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫وقال البيهقي يف اسن املعلمني‪ « :‬كان لشريح القاضي ابن يكثر البطالة ف ظر إليه شريح يوما‬
‫[الكامل]‬ ‫وهو يهارش بكلب ‪ ،‬فكتب معه رقعة إ معلمه وفيها هذ آبيات* ‪:‬‬
‫مع الغواة الر َّجس‬ ‫اش َ‬
‫طلب اهلر َ‬‫َ‬ ‫اح ٓكلب يَ ْس َعى هبَا‬ ‫الرَو َ‬
‫تَرَ َّ‬
‫الرفيق ْآَ ْكيَس‬‫َوعظْ هُ َم ْوعظَةَ َّ‬ ‫ضه مبَالََمة‬ ‫فَإ َذا أتا َ ف َع ّ‬
‫احبس‬‫بت هبَا ثَالَثًا فَ ْ‬
‫َوإ َذا ضر َ‬ ‫ضربه فَبد َّرة‬
‫ت بَ‬ ‫فَإ َذا َمهَ ْم َ‬
‫صحي َفة الْ ُمتَـلَ َّمس‬
‫مثل َ‬‫نكراء َ‬ ‫صحي َفة‬
‫إليك َ‬
‫َ‬ ‫لمن م‬
‫وليح َّ‬
‫أعز ْآَنْـ ُفس‬ ‫َّ‬ ‫مع ما ُ ر ُع‬ ‫بأنك َما أتـيت ف فسه‬
‫واعلم َ‬
‫فضربه املعلم عشرا وعشرا ‪ ،‬فقال له شريح‪ :‬مل ث يت عليه الضرب ؟ فقال‪ :‬العشر آو للبطالة‬
‫والثانية للبالدة‪ ،‬حيث ال يدري ما مل »‪.ϭ‬‬
‫الواضح أن شريح القاضي شاعر ود من خالل هذ آبيات الشعرية القليلة‪ ،‬إذ يعرف دور‬
‫القيمة الف ية للشعر وأثرهـ ـا يف اإلنسان‪ ،‬كما يعرف أن الشعر رسالة للتواصل الف واالجتماعي‪،‬‬
‫والرتوبوي ‪.‬‬

‫*ورواية آبيات يف العمدة ‪،‬ج‪ ، ϭ‬ص‪ . ϯϯ‬فيها تغيري طفيف يف بعض املفردات ‪ ،‬وتغيري يف ٓبيات ‪.‬‬
‫طلب اهلراش مع الغواة الرجس‬ ‫تر الصالة ٓكلب يسعى هبا‬
‫ت له كصحيفة املتلمس‬‫ُكتبَ ْ‬ ‫صحي َفة‬
‫بَ‬ ‫فليأتيك َغ ْدوةً‬
‫َ‬
‫وإذا بلغت به ثالثا فاحبس‬ ‫فإذا مهمت بضربه فبدرة‬
‫‪ -‬مع ما ر ع ‪ -‬أعز آنفس‬ ‫واعلم بأنك ما أتـيت ف فسه‬
‫‪ -ϭ‬البيهقي ‪ :‬احملاسن واملساوئ ‪ ،‬ص ‪. ϲϰϭ‬‬
‫‪ -‬وي ظر ‪ :‬ابن رشيق ‪ :‬العمدة ‪،‬ج‪ ، ϭ‬ص‪ϯϯ‬‬

‫‪291‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫‪ -Ϯ‬موقف سعيد بن المسيب (ت‪ϵϰ‬ه‪ϳϭϮ‬م) من الشعر‪:‬‬


‫يعد سعيد بن املسيب واحدا من التابعني أعالم املدي ة يف الفقه والفتوى ‪ ،‬وكان على صلة كبرية‬
‫بكبار الصحابة العلماء‪ ،‬فأخذ عليهم العلم ح أصبح واحدا من أكرب العلماء التابعني ‪ « .‬وكان ابن‬
‫املسيب رجال عر ا س واللسان ‪ ،‬واسع الثقافة ‪ ،‬ملما بال سب وآخبار ومعرفة بطون العرب ‪ ،‬ورجل‬
‫ضم إ معارفه آصلية يف فقه الكتاب والس ة ‪ ،‬هذا ا انب من الثقافة البد أن يكون صوله من عيون‬
‫الكالم شعر ونثر صوال وفريا »‪.ϭ‬‬
‫هلذا د موقفه من الشعر والشعراء موقفا إ ابيا ‪ « ،‬فكان يستهويه من الشعر عيونه ‪ ،‬يستمع‬
‫إليه ي شد ‪ ،‬وأحبانا يفضل بعض الشعراء على بعض»‪.Ϯ‬‬
‫وقد ذكرت ل ا بعض مصادر آدب ونقد شيئا من السه ال استمع فيها إ الشعراء وفاضل‬
‫بي هم‪ ،‬وتؤكد ل ا بأنه كان راوية للشعر ‪ ،‬ويدعو إ راويته وإنشاد ‪.‬‬
‫رواية ابن المسيب للشعر ‪:‬‬
‫وهذ بعض مواقف روايته للشعر ‪ ،‬حيث روى صاحب " مجهرة أشعار العرب " « بإس اد عن‬
‫سعيد ابن املسيب أنه قيل له ‪ :‬إن قبيصة بن ذؤيب يزعم أن ا ليفة ال ي اشد آشعار‪ ،‬قال سعيد‪ :‬ومل ال‬
‫يباشد ا ليفة ‪ ،‬وقد نوشد رسول اهلل‪ ،‬يوم قدم عليه عمرو بن سليم ا زاعي ‪ ،‬وكانت خزاعة حلفاء له‬
‫‪ ،‬فلما كانت اهلدنة بي ه وبني قريش أغاروا على حي من خزاعة يقال هلم‪ :‬ب و كعب فقتلوا فيهم‪ ،‬وأخذوا‬
‫[الرجز]‬ ‫أمواهلم ‪ ،‬فقدم عمرو على ال يب‪ ‬مست صرا فقال‪:‬‬
‫ف أبيَا وأبيه ْآَتْـلَ َدا‬ ‫ح ْل َ‬ ‫مدا‬
‫ً‬ ‫يارب ! إين نَاشد‬
‫ّ‬
‫فلم نَ ْزع يَ َدا‬
‫ت أسلمَا ‪ْ ،‬‬ ‫ُمثَّ َ‬ ‫لدناه ْم ‪ ،‬فكانوا ولداً‬
‫ُن و ُ‬
‫ك امل َؤَّك َدا‬ ‫ضوا ميثَاقَ َ‬ ‫َونـَ َق ُ‬ ‫يشا أخلفو َ املوع َدا ‪،‬‬
‫إن قر ً‬
‫بالوتري ُه َّج َدا‬ ‫وبـَيَّتُونَا‬ ‫رصدا‬
‫يك داءً ً‬ ‫َونَصبُوا ف َ‬
‫ت تَ ْدعُو أَ َح َدا‬‫وزعموا أ ْن لَ ْس َ‬
‫ُ‬ ‫جدا‬
‫وس ً‬
‫ُ‬ ‫ركعا‬ ‫َوقَـتَـلُونَا‬

‫‪ -ϭ‬مد إبراهيم ا يوشي‪ :‬سيد التابعني سعيد بن املسيب من أعالم رجال الدعوة ‪ ،‬ط ‪ ، Ϯ‬القاهرة ‪ ،‬مكتبة دار الرتاث ‪ϭϰϭϴ ،‬ه‪ϭϵϵϴ‬م‪ ،‬ص‬
‫‪.ϰϮ‬‬
‫‪ -Ϯ‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. ϰϮ‬‬

‫‪292‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫صًرا أَيَّ َدا‬


‫ص ْر ‪َ ،‬ه َدا َ اهللُ نَ ْ‬
‫عددا‪،‬‬
‫ً‬ ‫فَانْ ُ‬
‫أقل‬
‫أذل و ّ‬ ‫وه ْم ّ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ق ْد ََرَدا‬ ‫فيهم‬
‫عباد اهلل يأتُوا َم َد َدا‬
‫ُ‬ ‫وادعُ َ‬
‫يف فيلق كالبحر ري ُم ْزب َدا‬
‫يم َخ َس ًفا َو ْج ُههُ تَريَّ َدا‪،‬‬
‫إن س َ‬
‫قال‪ :‬فدمعت عني رسول اهلل‪ ، ‬ونظر إ سحابة قد بعثها اهلل ‪ ،‬فقال‪ :‬والذي بعث با ق نبيا‬
‫إن هذ السحابة لتستهل ب صرة ب كعب ‪ ،‬وخرج مبن معه ل صرهم »‪.ϭ‬‬
‫فمن خالل ال ص يتضح موقف سعيد بن املسيب من أن إنشاد الشعر العيب فيه ‪ ،‬وقد بني‬
‫لقبيصة بن ذؤيب با جة والدليل القاطع أن الرسول‪‬استمع الشعر من خالل شكوى وتضرع الشاعر‬
‫عمرو بن سليم ا زاعي ‪ ،‬كما أن هذ الرواية تعكس قوة حفظ سعيد بن املسيب للشعر وروايته له ‪.‬‬
‫ومما يدل على روايته وحفظه وتذوقه للشعر‪ ،‬ماجاء يف طبقات الشافعية الكربى‪ « ،‬أن سعيد بن‬
‫[الطويل]‬ ‫املسيب ‪ ‬مر ببعض أزقة البصرة فسمع قائال *يقول‪:‬‬
‫ب يف نسوة َخفَرات‬ ‫به زي ُ‬ ‫ت‬
‫ع م ْسكاً بَطْ َن نعمان إ ْذ َم َش ْ‬ ‫ض َّو َ‬
‫تَ َ‬
‫تَطَلّ َع ريّا م َن الْ َكفَرات‬ ‫هلَا أرج م ْن مر اهل د َساطع‬
‫فضرب سعيد برجله آرض‪ ،‬وقال‪ :‬هذا واهلل يلذ استماعه‪ ،‬مث قال‪:‬‬
‫َوَ ُْر ْج َن ُجَ َح اللَّْيل ُم ْعتَجَرات‬ ‫اف الب ان م ْن التـ َقى‬ ‫َُبْئ َن أَطَْر َ‬
‫أبدت بـََا َن الْ َكف با َْ َمَرات‬
‫جيب َد ْرئ َها و ْ‬ ‫س كأُ ْخَرى وسعت َ‬ ‫َولَْي َ‬
‫ب ُرُؤيَت َها َم ْن راَ َح م ْن َعَرفَات »‪.Ϯ‬‬ ‫ت‬‫ت ترائي يـَ ْوَم َمجع فَافْـتَـَّ ْ‬ ‫وقَ َام ْ‬
‫ويف موقف آخر ذكر صاحب آغاين حديثا عن سعيد بن املسيب أنه كان كثري اإلنشاد للشعر‬

‫‪ -ϭ‬القرشي ‪ :‬مجهرة أشعار العرب ‪ ،‬ص ص ‪. ϯϰ -ϯϯ‬‬


‫*القائل صاحب آبيات « مد بن عبد اهلل ال مريي الشاعر ‪ ،‬قاهلا يف زي ب أخت ا جاج بن يوسف‪...‬وكان ال مريي يشبب هبا ‪ ،‬وقيل هرب من‬
‫ا جاج فطلبه ‪ ،‬فلما أيت به ارتاع م ه وقال ‪ :‬واهلل أيها آمري إين قلت إال خريا ‪ ،‬وإمنا قلت ‪:‬‬
‫َوَُْر ْج َن ُجَ َح اللَّيل ُم ْعتَجَرات‬ ‫اف الب ان من التـ َقى‬
‫َُبْئ َن أَطَْر َ‬
‫فعفى ع ه ‪ ،‬وقال ‪ :‬أخربين عن قولك ‪ " :‬وملا رأت ركب ال مريي " يف كم ك ت ؟ قال ‪ :‬واهلل ما ك ت إال على محار هزيل ‪ ،‬ومعي صاحب على‬
‫أتان مثله »‪.‬‬
‫‪ -‬تاج الدين أ نصر عبد الوهاب بن علي بن عبد الكايف السبكي‪ :‬طبقات الشافعية الكربى ‪ ،‬قيق‪ :‬عبد الفتاح مد ا لو و مود مد الط اجي ‪،‬‬
‫دار إحياء الكتب املصرية ‪ ،‬د ‪ .‬ت ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬ص ‪. Ϯϲϴ‬‬
‫‪ -Ϯ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج ‪ ، ϭ‬ص ‪. Ϯϲϳ‬‬

‫‪293‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫يف لسه مبسجد رسول اهلل‪ ،‬ويعقد املوازنة بني الشعراء ‪ ،‬فقد « روى عامر بن لؤي عن أبيه قال‪:‬‬
‫دخلت مسجد رسول اهلل‪ ‬مع نوفل بن مساحق وإنه ملعتمر ‪ ،‬إذ مررنا بسعيد بن املسيب يف لسه‪،‬‬
‫فسلم ا عليه ‪ ،‬فرد سالم ا‪ ،‬مث قال ل وفل ‪ :‬يا أبا سعيد ‪ ،‬من أشعر أصاحب ا أم صاحبكم ؟ يع عبيد اهلل‬
‫ابن قيس الرقيات* أو عمر بن أ ربيعة ‪.‬‬
‫فقال نوفل‪ :‬حني يقوالن ماذا ؟‬
‫[الطويل]‬ ‫قال‪ :‬حني يقول صاحب ا‪:‬‬
‫س‬
‫تراها على آدبار بالقوم تَـْ ُك ُ‬ ‫بال املطي كأمنا‬ ‫خليلي ما ُ‬
‫َّ‬
‫هلن فما يأَلو عجول ُم َقلَّ ُ‬
‫ص‬ ‫َّ‬ ‫أبعد ا ادي َسَر ُاه َّن وانْـتَ َحى‬
‫وقد َ‬
‫ف ُش َّخ ُ‬
‫ص‬ ‫فأنفس َها مما تَ َكلَّ ُ‬
‫ُ‬ ‫اقهن صبابة‬
‫تقطعت أع َّ‬‫ْ‬ ‫وقد‬
‫ص‬
‫البعد يـَْـ ُق ُ‬
‫طول العهد و ُ‬ ‫إ َذا ز َاد ُ‬ ‫يَزْد َن ب ا قُربًا فيزداد شوقُ ا‬
‫ويقول صاحبكم ماشئت ‪.‬‬
‫فقال له نوفل‪ :‬صاحبكم أشهر بالقول يف الغزل ‪ ،‬أمتع اهلل بك ‪ ،‬وصاحب ا أكثر أفانني شعر ‪.‬‬
‫قال‪ :‬صدقت ‪.‬‬
‫فلما انقضى مابي هما من ذكر الشعر جعل سعيد يستغفر اهلل ويعقد بيد ويعد با مس كلها‬
‫وّف مائة ‪ ،‬فلما فارق ا ‪ ،‬قلت ل وفل‪ :‬أترا استغفر اهلل من إنشاد الشعر يف مسجد رسول اهلل‪‬؟‬‫ح َّ‬
‫قال‪ :‬كال‪ ،‬هو كثري اإلنشاد واالست شاد للشعر‪ ،‬ولك أحسبه للفخر بصاحبه »‪.ϭ‬‬
‫وواضح يف ال ص أن سعيد بن املسيب عقد موازنة بني عبيد اهلل بن قيس الرقيات وعمر بن أ‬
‫ربيعة‪ .‬وفضل صاحبه عمر يف آبيات ال قدمها ‪ ،‬بي ما صاحب عبيد اهلل أقر بشاعرية عمر يف الغزل‪،‬‬
‫وبني توسع ابن قيس الرقيات يف أكثر أفانني شعر ‪ .‬كما أن هذا املوقف يعكس حفظ ابن سريين لشعر‬
‫الغزل ويرى ال حرج فيه ‪ ،‬كما أنه نقد شعر الشاعرين من خالل املوازنة بي هما ‪.‬‬

‫* ابن قيس الرقيات (ت و ‪ϳϬϱ‬م ) (‪ϭϭϭϯ-ϭϬϱϲ‬م) « هو عبيد اهلل بن قيس أحد ب لؤي وإمنا ُمسي الرقيات ٓنه كان يشبب بثالث نسوة‬
‫يقال هلُ ّن مجيعا رقية »‪ .‬شاعر قرشي مدح آمويني له " ديوان " ‪.‬‬
‫‪ -‬ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ص ‪. ϯϲϲ‬‬
‫‪ -ϭ‬أبو الفرج آصفهاين ‪ :‬آغاين ‪ ،‬طبعة ساسي ‪ ،‬ج‪ ، ϰ‬ص ص ‪. ϭϲϯ -ϭϲϮ‬‬

‫‪294‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫ومن مواقفه من الشعر‪ ،‬يُروى ع ه‪ ،‬أنه كان يسمع من الشعراء ال قائض‪ ،‬ويطلب من الرواة أن‬
‫يسمعو شيئا من الشعر‪ ،‬وما دار بني شعراء ال قائض‪ ،‬فقد روى ابن سالم « عن عبد الرمحن بن حرملة‬
‫قال‪ :‬ملا ورد علي ا هجاء جرير والتّـْيمي‪ ،‬قال سعيد بن املسيب‪ :‬تَـَرَّوأْ ل ا مما قاال شيئا‪ ،‬فأتيته وقد‬
‫بوجهه‪ ،‬فأنشدته للتيمي وهو‬
‫علي ْ‬ ‫استقبل القبلة يريد أن يكرب‪ ،‬فقال‪ :‬أََرَويْ َ‬
‫ت شيئا ؟ قلت‪ :‬نعم ! فأقبل ّ‬
‫يقول‪ :‬هيه هيه ! مث أنشدته رير فقال‪ :‬أكله أكله ! »‪.ϭ‬‬
‫يظهر يف ال ص حسن استماع ابن املسيب لرواة الشعر‪ ،‬وتتبعه أخبار الشعراء‪ ،‬واملفاضلة بي هم‪،‬‬
‫وما قوله‪ " :‬أكله أكله !" إال دليل إعجاب وتذوق لشعر جرير ‪ ،‬وتفضيله على التيمي ‪.‬‬
‫ومما جاء يف آغاين عن مواقف سعيد بن املسيب من الشعر « أن شاعرا امسه جامع بن مرخية‬
‫[الطويل]‬ ‫قال‪:‬‬
‫مدي ة هل يف ُحب ظيماءَ م ْن وْزر‬
‫بن املسيّب ُمف الـ ـ ـ ـ‬
‫سعيد َ‬‫سألت َ‬ ‫ُ‬
‫يع م َن ْآَ ْمر‬
‫الم على َما تَ ْستَط ُ‬
‫تُ ُ‬
‫بن املسيّب ‪ :‬إمنَا‬ ‫سعيد ُ‬ ‫ُ‬ ‫فقال‬
‫َ‬
‫‪Ϯ‬‬
‫فلما بلغ قوله سعيدا قال ‪ :‬كذب‪ ،‬واهلل ما سأل وال أفتيته » ‪.‬‬
‫[الطويل]‬ ‫ويف موقف آخر أنشد سعيد بن املسيب قول عمر‪:‬‬
‫َوَد َو َّح ُر ْعيَان ون ّوم ُمسَّر‬ ‫أرجو غُيوبَه‬‫ت ُ‬ ‫اب قُ َم ْريُ ُك ُ‬
‫َو َغ َ‬
‫فقال‪ :‬ماله قاتله اهلل ! لقد صغر ما عظم اهلل عز وجل قال‪ :‬ﭐ ‪*฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀‬‬
‫‪[ ฀‬سورة يس آلية ‪.ϯ» ]39‬‬
‫من هذا ال ص يتضح أن موقف سعيد بن املسيب من الشعر والشعراء‪ ،‬موقف ا ا ال يتعارض‬
‫مع فكرته الدي ية ‪ ،‬كما أنه فطن للمعاين الشعرية يدر مرامي الشعراء ‪ ،‬هلذا د يتعرض ملا يسمع من‬

‫‪ -ϭ‬ابن سالم ا محي ‪ :‬طبقات فحول الشعراء ‪ ،‬ج‪ ، Ϯ‬ص ‪. ϰϯϰ‬‬


‫‪ -Ϯ‬أبو الفرج آصفهاين ‪ :‬آغاين ‪ ،‬ط ساسي ‪ ،‬ج‪ ، ϴ‬ص ‪. ϵϮ‬‬
‫رجد ‪ :‬اإلهان –ككتاب – وهو أصل العذق الذي يعوج وي قطع م ه الشماريخ ‪ ،‬وهو إذ ذا أصفر ؛ مجعه عراجني ‪ ،‬وعرج ه ‪ :‬ضربه‬
‫الع ُ‬
‫*«العرجون و ُ‬
‫بالعصا أو بالعرجون ‪ .‬وقد ورد مرة واجدة مشبها به القمر يف ‪ :‬كالعرجون ‪.» ฀ ฀ ฀ ฀‬‬
‫‪ -‬معجم ألفاظ القرآن الكرمي ‪ ،‬ص‪. ϰϭϴ‬‬
‫‪ -ϯ‬املرزباين ‪ :‬املوشح ‪ ،‬ص ‪. Ϯϲϯ‬‬
‫شعر ل قد معانيه وصور ‪.‬‬

‫‪295‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫وما يؤكد ل ا مذهبه الشعري ما روي ع ه ؛ حيث « قيل لسعيد بن املسيب‪ :‬إن قوما بالعراق يكرهون‬
‫الشعر ‪ ،‬فقال‪ :‬نسكوا نسكا أعجميا »‪.ϭ‬‬
‫فهذا املوقف يعكس بكل تأكيد ثقافة سعيد بن املسيب آدبية ‪ ،‬واطالعه على ثقافة ومذاهب‬
‫آمم أي (آعاجم) آدبية ‪ ،‬وهو يف هذا ال ص يوازن بني موقف اإلسالم اإل ا من الشعر‪ ،‬وموقف‬
‫آعاجم الذين يرفضون قول الشعر‪ ،‬وبالتا فموقفه من الشعر والشعراء يتماشى مع موقف الرسول‬
‫‪‬والصحابة ‪ ،‬و تلف عن موقف آعاجم‪.‬‬
‫فظ الشعر ويرويه ‪ ،‬ويف بإنشاد ‪ ،‬ويسمع للشعراء‪ ،‬ويوازن بي هم‪ ،‬وهذا املوقف اإل ا‬ ‫هلذا نرا‬
‫من الشعر والشعراء يعرب عن مذهبه الشعري املستمد من موقف الرسول ‪‬والصحابة ‪.‬‬

‫‪ -ϭ‬ابن رشيق ‪ :‬العمدة ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬ص‪. Ϯϱ‬‬

‫‪296‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫‪ -ϯ‬موقف عبيد اهلل بن عبد اهلل بن عتبة (ت‪ϵϴ‬ه) من الشعر ‪:‬‬


‫ومن أبرز التابعني العلماء الشعراء « عبيد اهلل بن عبد اهلل بن عتبة بن مسعود ‪ ،‬وهو ابن أخي‬
‫عبد اهلل بن مسعود صاحب رسول اهلل ‪.ϭ» ‬‬
‫ويعد « عبيد اهلل أحد وجو الفقهاء الذين روي ع هم الفقه وا ديث ‪ ،‬وهو أحد السبعة الفقهاء‬
‫املقدمني من أهل املدي ة »‪.Ϯ‬‬
‫وكما برع عبيد اهلل يف الفقه برع يف الشعر فهو من الشعراء ‪ ،‬وجاء شعر يتماشى مع طبيعة تكوي ه‬
‫الدي والفكري‪ ،‬وتقوا وورعه‪ ،‬وقد كانت له بعض املواقف من عمر بن عبد العزيز ال قال فيها شعرا‪،‬‬
‫من ذلك أنه « بلغ عبيد اهلل بن عبد اهلل بن عتبة بن مسعود عن عمر بن عبد العزيز بعض ما يكر‬
‫[الوافر]‬ ‫فكتب إليه‪:‬‬
‫فض ْقت به وضاق به َج َوا‬ ‫اليوم قول‬
‫ك هذا َ‬ ‫أتَاين َعْ َ‬
‫اول ْأم َعتَا‬
‫ُ‬ ‫يد مبا‬
‫تُر ُ‬ ‫[أبا حفص فال أَ ْدري أرغمى‬
‫فما ُهودي إ ًذا َبرياع َغاب]‬ ‫تكن عاتبًا تـُ ْعتَب وإالَّ‬
‫فإ ْن ْ‬
‫يت آَحبَّة يف التـَراب‬‫َووار ُ‬ ‫فارقت أعظَم م ك ُرزءا‬‫وقد ُ‬
‫عدهم ثيَا »‪.ϯ‬‬ ‫فلبست بَ ُ‬
‫ُ‬ ‫معا‬
‫ً‬ ‫أسلموين‬ ‫علي إ ْذ ْ‬
‫وقد َعّزوا َّ‬
‫يبدو أن عبيد اهلل مل يتوقف ع د هذا العتاب لعمر بن عبد العزيز « حيث استأذن عبيد اهلل بن‬
‫عبد اهلل على عمر بن عبد العزيز‪ ،‬فرد عليه ا اجب وقال له‪ :‬ع د عبد اهلل بن عمرو بن عثمان بن‬
‫[الطويل]‬ ‫عفان وهو تل به‪ ،‬فانصرف غضبان ‪ ،‬فص ع لعمر يف ذلك أبياتا م ها‪:‬‬
‫الوصل‬
‫ائم ْ‬‫ت دار يه َد َ‬ ‫وإ ْن نـََز َح ْ‬ ‫الود يـُْلف‬
‫َّ‬ ‫صف‬
‫من يُ ْ‬
‫وأين امرؤ ْ‬
‫كامل العقل‬‫ُ‬ ‫من ال اس إالّ ُمسلم‬ ‫موديت‬
‫ّ‬ ‫ال‬
‫عزيز إخائي ال ي ُ‬
‫الركبا ُن أبْـَرُدها يَـ ْغلي‬
‫تَسريُ هبا ّ‬ ‫قصيد ًة‬ ‫قلت‬
‫ولوال اتّقائي اهلل ُ‬
‫كليل اللسان َما َمنُر وما ُْلي‬ ‫َ‬ ‫َاج‬ ‫كفاين يَسري إ ْذ أرا َ‬

‫‪ -ϭ‬ابن عبد ربه ‪ :‬العقد الفريد ‪ ،‬ج‪ ، ϱ‬ص ‪. Ϯϴϰ‬‬


‫‪ -Ϯ‬شوقي ضيف ‪ :‬الشعر والغ اء يف املدي ة ومكة لعصر ب أمية ‪ ،‬ص ‪. ϭϬϬ‬‬
‫‪ -ϯ‬ابن عبد ربه ‪ :‬العقد الفريد ‪ ،‬ج‪ ، ϱ‬ص ص ‪. Ϯϴϲ -Ϯϴϱ‬‬

‫‪297‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫الف َشر م َن البخل‬


‫آخ ُ‬
‫المة و ْ‬
‫ـ ـ َـم َ‬ ‫تَالَوذُ بآبْـ َواب م ّ َ افَةَ الـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ك إ ّين تابع صاحبًا مثْلي‬ ‫َكمثْل َ‬ ‫أَب ْن فَ ُك ْن مثْلي أو ابتَغ صاحبًا‬
‫وح َش ْكل إ َشكْل »‪.ϭ‬‬
‫ف ُر ُ‬ ‫إذاَ َملْ يـُ َؤلّ ْ‬ ‫بث الفتيا ُن أ ْن يـَتَـ َفَّرقُوا‬
‫َوَما يـَْل ُ‬
‫وقد علق عبد ا كيم حسان على هذا ال ص قائال‪ « :‬ويبدو أن عبيد اهلل هذا كان على شيء‬
‫من التزمت يف ال احية ا لقية‪ ،‬واملبالغة يف التمسك بدقائقها‪ ،‬وعدم التسامح يف الفتها‪ ،‬ولو لضرورة أو‬
‫سهو‪ ،‬ومن ه ا كثر قوله يف هذ ال احية »‪ .Ϯ‬لكن الواضح من ال ص ع دنا أن عبيد اهلل مل يكن متزمة‪،‬‬
‫وإمنا هو فرط عاطفة اإلحساس و آصدقاء‪ ،‬فهو يلوم ويعاتب من ب ومن كان قريبا إليه‪ ،‬وهذا ما‬
‫يظهر ل ا يف موقفه من أصدقائه‪ ،‬حيث « كان له صديقان‪ ،‬مها عرا بن مالك‪ ،‬وأبوبكر بن حزم‪ ،‬وكانوا‬
‫يتجالسون‪ ،‬زمانا باملدي ة ‪ ،‬مث و ابن حزم إمرهتا‪ ،‬وو عرا القضاء‪ ،‬فبلغ عبيد اهلل أهنما ميران عليه فال‬
‫[الطويل]‬ ‫يسلمان وكان ضريرا فقال‪:‬‬
‫والَ تَ َدعا أ ْن تَـثْ يا بأ بكر‬ ‫أالَ أبْلغا َع عَرا َ بْ َن َمالك‬
‫املصري إ ا ْشر‬ ‫اد و ُ‬ ‫املع ُ‬
‫وم ها َ‬ ‫اب آرض م ها ُخلقتُما‬ ‫فَ ُم َّسا تُر َ‬
‫فما ُحش َي اإلنسا ُن َشرا من الكرب‬ ‫وال تأنفا أ ْن تَ ْسأال وتُسلّ َما‬
‫َٓل َفْيتُهُ ْأو قال هْدي يف السر‬ ‫ت أ ْن ألقى َع ُدوا وطاعًا‬ ‫فلو شْئ ُ‬
‫ْ‬
‫‪ϯ‬‬
‫ْت لَهُ َح يَل َّج ويَ ْستَ ْشري » ‪.‬‬
‫ضحك ُ‬
‫َ‬ ‫آم ْر وملْ أَنْ َه َعْ ُك َما‬
‫فإ ْن أنا َملْ ُ‬
‫والواضح أن « القصيدتني – قصيدته يف عمر وهذ – متفقتان يف الروح والفكرة‪ .‬ولعل نشأة‬
‫ا ادثتني فيهما هو سر االتفاق يف الفكرة؛ فكلتامها تدور حول رعاية الصداقة‪ ،‬وعدم الت كر هلا إذا‬
‫تغريت اإلنسان حاله إ خري مما كان فيه‪ .‬وقد أكسبتهما صورة الغضب مسحة من القوة والتدفق؛‬
‫خاصة والصدق يف العاطفة ال ي قص رجال كعبيد اهلل بن عبد اهلل يف ورعه وتقوا »‪.ϰ‬‬
‫[البسيط]‬ ‫ويف موقف آخر كتب عبيد اهلل بن عبد اهلل ين عتبة إ عمر بن عبد العزيز فقال‪:‬‬

‫‪ -ϭ‬أنو الفرج آصفهاين ‪ :‬آغاين ‪ ،‬ط ساسي ‪ ،‬ج‪ ، ϴ‬ص ص ‪. ϵϭ -ϵϬ‬‬


‫‪ -Ϯ‬عبد ا كيم حسان ‪ :‬التصوف يف الشعر العر نشأته وتطور ح أخر القرن الثالث اهلجري ‪ ،‬ص ‪. ϭϲϮ‬‬
‫‪ -ϯ‬أبو الفرج آصفهاين ‪ :‬آغاين ‪ ،‬ج‪ ، ϴ‬ص‪. ϵϭ‬‬
‫‪ -ϰ‬عبد ا كيم حسان ‪ :‬التصوف يف الشعر العر نشأته وتطور ح أخر القرن الثالث اهلجري ‪ ،‬ص ‪. ϭϲϮ‬‬

‫‪298‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫وا ْم ُد هلل ّأما بـَ ْع ُد يا ُع َم ُر‬ ‫ور‬


‫لت من عْد الس ُ‬ ‫اسم الذي أُنْز ْ‬‫ب ْ‬
‫فَ ُك ْن على َح َذر ق ْد يْـ َف ُع ا َ َذ ُر‬ ‫ت تَـ ْعلَ ُم ما تَاْيت وما تَ َذ ُر‬
‫إ ْن ُكْ َ‬
‫وإ ْن أتا َ مبا الَ ت ْشتَهي ال َق َد ُر‬ ‫ض به‬ ‫احملتوم و ْار َ‬
‫اصري على ال َقدر ْ‬‫و ْ‬
‫يوما ص ْف َوُ ال َك َد ُر‪. ϭ‬‬ ‫بع ً‬ ‫إالّ َسيْت ُ‬ ‫صفاَ المرئ َعْيش يُ َسر به‬ ‫فما َ‬ ‫َ‬
‫وهو موقف يغلب عليه طابع املوعظة الدي ية‪ ،‬حيث أراد عبيد اهلل أن يعظ هبا صاحبه عمر بن‬
‫عبد العزيز‪.‬‬
‫ويعد عبيد اهلل صاحب شعر غز رقيق‪ « ،‬وله يقول سعيد بن املسيب أنت الفقيه الشاعر‪.‬‬
‫فقال‪ :‬البد للمصدور أن ي فث »‪.Ϯ‬‬
‫وقد علق ابن عبد ربه على هذا ال ص قائال‪ « :‬يع أن من كان يف صدر زكام فال بد من أن‬
‫ي فث زكمه‪ ،‬يريد أن كل من اختلج يف صدر شيء من الشعر أو غري ‪ ،‬ظهر على لسانه »‪.ϯ‬‬
‫و«كان عبيد اهلل رقيقا مرهف اإلحساس‪ ،‬وهيأ ذلك ٓن يصبح من شعراء عصر الغزليني وقصة‬
‫قصة طريفة‪ ،‬فقد روى الرواة أنه تزوج امرأة تسمى َعثْمة‪ ،‬فغضب عليها يف بعض آمر فطلقها مث ندم‬
‫على طالقها‪ ،‬إذ كان بها حبا شديدا‪...‬فتولع هبا وهام ‪ .‬وأسف أسفا شديدا على ما فاته م ها وتكلف‬
‫يف ذلك ألوانا من ا طوب وتعرض لضروب من آمل‪...‬ومهما يكن فإن عبيد اهلل كان شاعرا بارعا‬
‫أقيمت حواجز بي ه وبني من أحبها‪ ،‬فتولّع هبا وأغرم غراما شديدا‪ ،‬وحاول ‪ ،‬فيما يظهر‪ ،‬السلوى فلم د‬
‫إ ذلك سبيال ‪ ،‬ماذا يص ع ؟ مل د إال الغزل ي فس به عما يف نفسه »‪ .ϰ‬ويف تذكر لزوجته روى له‬
‫[الطويل]‬ ‫ابن عبد ربه أبياتا فقال‪ « :‬ومن قول عبيد اهلل بن عبد اهلل بن عتبة بن مسعود‪:‬‬
‫لوم ُه ُم ظُلَ ُم‬
‫ك أقْوام و ُ‬ ‫والم َ‬
‫َ‬ ‫أضر بك ال َكْت ُم‬
‫ّ‬ ‫ت اهلوى ح‬
‫َكتَ ْم َ‬
‫فع الّ ُم‬
‫وقبل ذا عليك اهلوى قَد ََنّ لَو نَ َ‬ ‫وَنّ عليك الكاشحون َ‬ ‫َ‬
‫َع اها وال َْيا حيا ًة َهلَا طَ َع ُم‬ ‫فَـيَا َم ْن لَـ ْفس ال متوت فَـيَـْـ َقضي‬

‫‪ -ϭ‬نقال عن ‪ :‬عبد ا كيم حسان ‪ :‬التصوف يف الشعر العر نشأته وتطور ح أخر القرن الثالث اهلجري ‪ ،‬ص ‪. ϭϲϱ‬‬
‫‪ -‬أبو نعيم آصفهاين ‪ :‬حلية آولياء ‪ ،‬ط‪ ، ϭ‬د‪ .‬م ‪ ،‬مطبعة السعادة ‪ϭϵϯϮ ،‬م ‪ ،‬ج‪ ، Ϯ‬ص ص ‪. ϭϴϵ -ϭϴϴ‬‬
‫‪ -Ϯ‬ابن عبد ربه ‪ :‬العقد الفريد ‪ ،‬ج‪ ، ϱ‬ص ‪. Ϯϴϰ‬‬
‫‪ -ϯ‬املصدر نفسه ‪،‬ج‪ ، ϱ‬ص ‪. Ϯϴϰ‬‬
‫‪ -ϰ‬شوقي ضيف ‪ :‬الشعر والغ اء يف املدي ة ومكة لعصر ب أمية ‪ ،‬ص‪. ϭϬϮ‬‬

‫‪299‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫هجران ا بيب ُه َو اإلمثُ »‪.ϭ‬‬


‫أال إ ّن َ‬ ‫ت إتيان ا بيب تأمثّا‬ ‫ّب ُ‬
‫فاملقطوعة الشعرية مل موقف اعرتاف عبيد اهلل بالذنب يف تطليق زوجته‪ ،‬وكما يقول شوقي‬
‫ضيف‪ « :‬كتم عبيد اهلل اهلوى‪ ،‬ومل ي فعه كتمانه ‪ ،‬فقد أضر به ضررا بليغا فأعلن حبه‪ ،‬فالمه ال اس‪،‬‬
‫حي ئذ مت املوت ح لصه من تلك ا ياة ال مل يكن يعرف هلا لونا‪ ،‬وال أصبح ال د هلا طعما‪،‬‬
‫وهو يعود إ نفسه فيجد اليزال حيا‪ ،‬وقد هجر صاحبته‪ ،‬بل هي ال هجرته‪ ،‬وهو يذوق اآلن هجرها‬
‫[الطويل]‬ ‫وما قدمت يدا من طالقها فحياته كلها أحزان أو كما يقول هو عن نفسه ‪:‬‬
‫يح »‪.Ϯ‬‬‫صح ُ‬ ‫ب أين يف الثياب َ‬
‫أروح هب ٍّم مث أغدو مبثْله وُْ َس ُ‬
‫ويف الغرض نفسه روى له ابن رشيق من شعر فقال‪ « :‬ومن الفقهاء عبيد اهلل بن عبد اهلل بن‬
‫[الطويل]‬ ‫مسعود‪ ،‬قال يف امرأة من هذيل قدمت املدي ة ففنت هبا ال اس ورغبوا فيها خاطبني‪:‬‬
‫يد‬
‫ب َعليك َشد ُ‬ ‫ص َع ْ‬
‫دت ومل ي ْ‬ ‫أُحبك ُحبا لَ ْو علمت بب ْعضه‬
‫يد‬
‫َشهيدي أبوبكر فَ ْع َم َشه ُ‬ ‫َو ُحبك يَا أ ُّم الْ َوليد ُم َوّهلي‬
‫يد‬
‫َخفى ب ُك ْم َو َسع ُ‬ ‫وعُروة َما أ ْ‬ ‫قاسم بن مد‬ ‫ُ‬ ‫وجدي‬ ‫ويـَ ْعلَ ًم ْ‬
‫يد‬
‫َو َخارجة يـُْبدي بَا َويُع ُ‬ ‫لم ما أَلْ َقى ُسليمان ع ْل َمه‬ ‫ويع ُ‬‫ْ‬
‫فللَّه ع دي طارف َوتَل ُ‬
‫‪ϯ‬‬
‫يد » ‪.‬‬ ‫َقول َُّربي‬
‫َم تَسأ َع َّما أ ُ‬
‫وقد علق ابن رشيق على ما جاء يف ال ص من أمساء فقال ‪ « :‬هؤالء الستة الذين ذكرهم‪ :‬أبوبكر‬
‫ا بن عبد الرمحن بن ا ارث بن هشام ‪ ،‬وقاسم بن مد بن أ بكر الصديق ‪ ،‬وعروة بن الزبري بن‬
‫العوام‪ ،‬وسعيد بن املسيب‪ ،‬وسليمان بن يسار‪ ،‬وخارجة بن زيد بن ثابت‪ ،‬وعبيد اهلل صاحب هذا الشعر‬
‫هو سابعهم‪ ،‬وهم فقهاء املدي ة ‪ ،‬وأصحاب الرأي الذين هم عليهم املدار»‪.ϰ‬‬
‫[املتقارب]‬ ‫وقال عبيد اهلل بن عبد اهلل بن مسعود ‪:‬‬
‫الرائث‪.ϱ‬‬
‫أُحب من آكثَر َّ‬ ‫أَ َعاذل عاجل َما أَ ْشتَهي‬

‫‪ -ϭ‬ابن عبد ربه ‪ :‬العقد الفريد ‪ ،‬ج‪ ، ϱ‬ص ص ‪. Ϯϴϵ -Ϯϴϴ‬‬


‫‪ -Ϯ‬شوقي ضيف ‪ :‬الشعر والغ اء يف املدي ة ومكة لعصر ب أمية ‪ ،‬ص ص ‪. ϭϬϯ - ϭϬϮ‬‬
‫‪ -ϯ‬ابن رشيق ‪ :‬العمدة ‪ ،‬ح‪ ، ϭ‬ص ‪. ϯϯ‬‬
‫‪ -ϰ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ح‪ ، ϭ‬ص ‪. ϯϯ‬‬
‫‪ -ϱ‬املرزباين ‪ :‬املوشح ‪ ،‬ص ‪. Ϯϵϲ‬‬

‫‪300‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫ومن الواضح أن غزل عبيد اهلل من خالل هذ ال صوص‪ ،‬أنه « خال من الرغبات واللذائذ ا سية‪،‬‬
‫وهذا طبيعي‪ ،‬فهو فقيه‪ ،‬بل هو من كبار الفقهاء يف عصر ‪ ،‬وهو من أجل ذلك التلم به نزوات ا سد‪،‬‬
‫إذ هو يف سريرته متمسك بدي ه وطهارة خلقه‪ ،‬لذلك ك ا شعرنا ع د ‪ -‬كما نشعر ع د عروة‪ -‬بسمو يف‬
‫عاطفته‪ ،‬بل لعله يتفوق على عروة يف ذلك‪ ،‬إذ مل يعرف عروة بعشق على و ما عرف صاحبه‪ ،‬ولعل‬
‫ذلك ما عل ا س يف شعر رارة وهلفة أكثر من إحساس ا إزاء شعر عروة على الرغم مما فيه من توفر‬
‫املوسيقى ومجال آصوات »‪.ϭ‬‬
‫وهكذا د أن املذهب الشعري لعبيد اهلل بن عبد اهلل بن مسعود يأخذ فيه واز قول الشعر يف‬
‫الغزل وشعر الزهد ‪ ،‬وقد مجع هذين الغرضني يف نفس زكية ‪ ،‬عربت عما تلج فيها ‪ ،‬فأضاف بذلك‬
‫للشعر مذهبا شعريا جديدا ‪.‬‬

‫‪ -ϭ‬شوقي ضيف ‪ :‬الشعر والغ اء يف املدي ة ومكة لعصر ب أمية ‪ ،‬ص ‪. ϭϬϯ‬‬

‫‪301‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫‪ -ϰ‬موقف ابن سيرين (ت ‪ϭϭϬ‬ه) من الشعر‪:‬‬


‫يعد أبوبكر مد بن سريين(ت ‪ϭϭϬ‬ه‪ϳϰϵ‬م) أحد فقهاء أهل البصرة ‪ ،‬عرف ع ه بتعبري‬
‫الرؤية وآحالم ‪ ،‬كما عرف ع ه بفتوى قول الشعر‪ ،‬حيث « مل د مع هذا الفقه والورع ميت ع عن‬
‫إنشاد الشعر وروايته‪ ،‬إذ مل د يف ذلك حرج أو إمثا »‪ .ϭ‬وهو يعد من ال قاد اجملددين يف مفهوم الشعر ‪.‬‬
‫وله مواقف إ ابية من الشعر‪ ،‬و اصة شعر الغزل‪ ،‬ومن املواقف ال أنشد فيها الشعر ما روا‬
‫صاحب آغاين « عن ا سني بن الطيب البلخي الشاعر يرفعه قال‪ :‬ك ت ع د ابن سريين فجاء إنسان‬
‫[املتقارب]‬ ‫يسأله عن شيء من الشعر قبل صالة العصر ‪ ،‬فأنشد ابن سريين‪:‬‬
‫الع َسل‬
‫وريح ا زامي ونوب َ‬ ‫يل‬
‫الزَْب َ‬ ‫َكأَ َّن امل َد َام َة و َّ‬
‫ُ‬
‫السحاب ْاعتَل‬ ‫ط‬
‫َ‬ ‫وس‬
‫َ ُّْ َ ّ‬‫م‬ ‫ج‬ ‫ال‬ ‫ا‬ ‫ذ‬ ‫إ‬ ‫ا‬ ‫اهب‬
‫َْ َ‬‫ي‬ ‫ـ‬‫ن‬‫َ‬‫أ‬ ‫د‬
‫َُل به َ ْ َ‬
‫ر‬ ‫ـ‬‫ب‬
‫وقال اهلل أكرب ودخل الصالة »‪.Ϯ‬‬
‫ويف السياق نفسه قال ع ه صاحب العقد الفريد‪ « :‬قال رجل حملمد بن سريين‪ :‬ما تقول يف الغزل‬
‫الرقيق ي شد اإلنسان يف املسجد؟ فسكت ع ه ح أقيمت الصالة وتقدم إ احملراب فلتفت إليه فقال‪:‬‬
‫[املتقارب]‬
‫الصْيف فيه الْ َعب َريا‬‫وتربد بـَ ْرَد رداء العرو س يف َّ‬ ‫ُ‬
‫ب إالَّ َهر َيرا‬‫احا هبا الْ َك ْل ُ‬
‫يع نـُبَ ً‬
‫وتسخن ليله ال يَ ْستَط ُ‬
‫مث قال‪ :‬اهلل أكرب »‪.ϯ‬‬
‫وقد « سئل يف املسجد عن رواية الشعر يف شهر رمضان‪ ،‬وقد قال قوم إهنا ت قض الوضوء‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫[البسيط]‬
‫الصوم يف الطول‬
‫عُ ْرقُوبـُ َها مثْل َش ْهر ّ‬ ‫أخطُبُـ َها‬
‫ت ْ‬‫بئت أَ َّن فَـتَا ًة ُكْ ُ‬
‫نُ ُ‬
‫[الطويل]‬ ‫مث قام وأم ال اس‪ ،‬وقيل بل أنشد‪:‬‬

‫‪ -ϭ‬وليد مود خالص ‪ :‬ال قد آد يف كتاب آغاين ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬هامش صفحة ‪. ϭϮϲ‬‬
‫‪-Ϯ‬أبو الفرج آصفهاين ‪ :‬آغاين ‪ ،‬ط ساسي ‪ ،‬ج‪ ، ϲ‬ص ‪. ϮϬϴ‬‬
‫‪ -ϯ‬ابن عبد ربه ‪ :‬العقد الفريد ‪ ،‬ج‪ ، ϱ‬ص ‪. Ϯϴϳ‬‬

‫‪302‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫تقرت »‪.ϭ‬‬
‫الس ّ‬
‫ولَ ْو َرضيَت رمح أست ْ‬ ‫ت عرس الفرزدق ناشًزا‬ ‫بح ْ‬
‫أص َ‬
‫لقد ْ‬
‫وقال سويد بن أ درهم البن سريين‪ « :‬ما تقول يف ال سيب ؟ قال‪ :‬لعلك تريد مثل قول‬
‫[الطويل]‬ ‫الشاعر‪:‬‬
‫هك َهاديَا‬
‫وج َ‬
‫َك َفى ملَطَايَانَا ب ْ‬ ‫إ َدا ن أَ ْد ََْا وأَنْ َ‬
‫ت َأم َامَا‬
‫وقال قد رأيت أحفظ هذا ا س وأرويه‪ ،‬وأنشدتك إيا فلو كان به بأس ما أنشدته »‪.Ϯ‬‬
‫فاملالحظ يف هذ املواقف نرى ابن سريين ي شد الشعر يف املسجد ح ولو كان غزال‪ ،‬ويف وقت‬
‫الصالة ويف شهر رمضان‪ ،‬وهو هبذا يف واز إنشاد الشعر‪ٓ .‬نه ي ظر إ الشعر على أنه كالم كسائر‬
‫الكالم‪ ،‬وفن من ف ون القول‪ ،‬ونالحظ أن كل ما استشهد به من شعر أو قاله ابن سريين إمنا هو من‬
‫شعر الغزل‪ ،‬وال يرى يف ذلك حرجا وال إمثا ‪.‬‬
‫ويف موقف آخر‪ « ،‬أنشد ابن سريين شعرا‪ ،‬فقال له بعض جلسائه مثلك ي شد الشعر يا أبا بكر!‬
‫فقال‪ :‬ويلك يالكع ! وهل الشعر إال كالم ال الف سائر الكالم إال يف القوايف فحس ه حسن وقبيحه‬
‫قبيح »‪ .ϯ‬ففي هذا الرأي يوضح ل ا ابن سريين مذهبه يف الشعر‪ ،‬الذي يعد كالما ف يا ‪ ،‬وقد سبق أن‬
‫وضحت املراد من هذا القول يف ا ديث عن مفهوم الشعر ع د التابعني ‪.‬‬
‫كما أن ابن سريين كان من رواة الشعر‪ ،‬فروى ابن عبد ربه فقال‪ « :‬قال ابن سريين‪ :‬بلغ أن‬
‫[الوافر]‬ ‫دوسا أسلمت فرقا من كعب بن مالك صاحب رسول اهلل ‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫َو َخْيبَـَر مث أَ ْغ َم ْدنَا ّ‬
‫السيُوفَا‬ ‫ضْيـَا م ْن هتَامة ُك َّل َْب‬
‫قَ َ‬
‫قَواطعُ ُه ّن َد ْو ًسا ْأو ثَقي َفا »‪.ϰ‬‬ ‫قت ل َقالت‬ ‫ربها َو ْلو نطَ ْ‬
‫ُ َ‬
‫وهكذا يبدو أن ابن سريين صاحب ال ظرة التجديدية يف مفهوم الشعر‪ ،‬أكد مذهبه يف الشعر‪ .‬يف‬
‫نظرته التطبيقية للشعر‪ ،‬حيث أجاز إنشاد الشعر وم ه خصوصا شعر الغزل يف املسجد ويف شهر رمضان‪،‬‬
‫وروايته على اعتبار أن الشعر مهما كان غرضه فهو كالم ‪.‬‬

‫‪ -ϭ‬ابن رشيق ‪ :‬العمدة ‪ ،‬ح‪ ، ϭ‬ص ‪. Ϯϱ‬‬


‫‪ -Ϯ‬أبو الفرج آصفهاين ‪ :‬آغاين ‪ ،‬طبعة دار الكتب املصرية ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬ص ‪. ϮϬϮ‬‬
‫‪ -ϯ‬القرطيب ‪ :‬ا امع ٓحكام القرآن ‪ ،‬ج‪ ، ϭϳ‬ص ‪. ϭϵϴ‬‬
‫‪ -ϰ‬ابن عبد ربه ‪ :‬العقد الفريد ‪ ،‬ج‪ ، ϱ‬ص ‪. Ϯϳϴ‬‬

‫‪303‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫‪ -ϱ‬موقف عروة بن أذي ة (ت نحو ‪ϭϯϬ‬ه) من الشعر ‪:‬‬


‫ومن الشعراء التابعني الفقيه عروة بن أذي ة‪ ،‬من « ب ليث وكان شريفا ثبتا ُ مل ع ه ا ديث»‪.ϭ‬‬
‫و« يروي ع ه مالك بن أنس الفقه »‪ ،Ϯ‬وهو من فقهاء املدي ة ‪ « ،‬وكان عاملا ناسكا شاعرا حاذقا»‪.ϯ.‬‬
‫وموقفه من الشعر إ ا ‪ ،‬وهو شاعر غزل وشاعر زهد ‪ « ،‬وغزل فقيه املدي ة و دثها عروة بن أذي ة‬
‫معروف مشهور‪ ،‬إذ مل يعرف من شعر غري غزله »‪.ϰ.‬‬
‫ولقد « ظهرت التجربة الروحية ال قية املتأثرة بروح اإلسالم ع د شاعر قرشي ناسك فقيه داعية‪...‬‬
‫كان من الذين شهروا بقضية حب يف املدي ة ال خالف عليها ‪ ،‬وأحد وجو املدي ة امل ورة يف عهد ب‬
‫أمية ‪ ،‬وأحد الذين ابتعدوا عن قضايا الصراع السياسي يف املدي ة‪ ،‬فقد كان على صلة حس ة بآمويني‬
‫وأنصار عبد اهلل بن الزبري ـ لقد اختار أال يلعب بالسياسة‪ ،‬أو تلعب به السياسة‪ ،‬ذلك ٓنه كان له التزام‬
‫واضح بالشعر‪ ،‬و اصة ما كان م ه بالغزل‪ ،‬فهو ابتداء قد أخذ بالعامل السحري الغ ائي الذي كان يوشح‬
‫املدي ة‪ ،‬ويشار فيه مبا ال ط من قدر ‪ ،‬فهو مل يقل الشعر فقط‪ ،‬ولك ه كان يص ع آ ان وي حلها‬
‫غري فيغ هبا‪ ،‬ويف الوقت نفسه كان يؤلف آغاين‪ ،‬وفق ما يطلبه املغ ون‪ ،‬على حد ما نعرف من أن‬
‫املغ ابن عائشة طلب م ه أبياتا يف اهلزج‪ ،‬فقال له‪ :‬اجلس فجلس‪ ،‬مث أملى عليه قصيدته ال أوهلا‪:‬‬
‫[اهلزج]‬
‫فأين تَـ ُقوهلا أَيْـَا »‪.ϱ.‬‬
‫َ‬ ‫ت بـَْيـَا‬‫ُسلَْي َمى أَ َزم َع ْ‬
‫وله شعر يعرب فيه عن شدة وجد فجاء يف العقد الفريد « ومن شعر عروة بن أذي ة‪ ،‬وهو من‬
‫[البسيط]‬ ‫فقهاء املدي ة وعبادها‪ ،‬وكان من أرق ال اس تشبيبا‪:‬‬
‫فاستَرت‬
‫ت عْدي ُ ب السْتـَر ْ‬ ‫ق ْد ُكْ َ‬ ‫ت به‬ ‫قَالت وأَبْـثَثتُها َو ْجدي فَـبُ ْح ُ‬

‫‪ -ϭ‬ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ص ‪. ϯϴϵ‬‬


‫‪ -Ϯ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. ϯϴϵ‬‬
‫‪ -ϯ‬اآلمدي ‪ :‬املؤتلف واملختلف ‪ ،‬ص ‪. ϲϱ‬‬
‫‪ -ϰ‬سامي مكي العاين ‪ :‬اإلسالم والشعر ‪ ،‬ص ‪. ϭϮϬ‬‬
‫‪ -ϱ‬عبد بدوي ‪ :‬دراسات يف ال ص الشعري عصر صدر اإلسالم وب أمية ‪ ،‬ص ‪. Ϯϲϰ‬‬

‫‪304‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫صري »‪.ϭ.‬‬
‫َغطَّى َهوا وما أَلْ َقى َعلَى بَ َ‬ ‫فقلت هلَا‬
‫ُ‬ ‫ت تـُْبص ُر من حو‬ ‫َلس َ‬
‫أ ْ‬
‫ويف مثل هذا املوقف « وقفت عليه امرأة ‪ ،‬فقالت له‪ :‬أأنت الذي يقال فيك الرجل الصا ‪ ،‬وأنت‬
‫[البسيط]‬ ‫تقول‪:‬‬
‫ت و سقاء املاء أَتَـبَـّرُد‬‫َغ َد ْو ُ‬ ‫إذا وج ْدت أُوار ا ُب يف كبدي‬
‫قد »‪.Ϯ‬‬‫آحشاء تَـتّ ُ‬‫َ‬ ‫فمن لَا على‬ ‫اهرُ‬
‫ت ب َربد املاء ظَ َ‬
‫َهْب بـََرْد ُ‬
‫وعلق ابن عبد ربه على ما قالته هذ املرأة‪ .‬فقال م كرا عليها قوهلا‪ « :‬واهلل ما قال هذا رجل‬
‫صا ‪ ،‬وكذبت عليه عدوة اهلل ‪ ،‬عليها لع ة اهلل ‪ ،‬بل مل يكن مرائيا ‪ ،‬ولك ه كان مصدورا ف فث »‪.ϯ‬‬
‫ومن مواقف عروة الشعرية قال املرزباين‪ « :‬أخربين الزبري بن بكار ‪ ،‬قال‪ :‬حدث عروة بن عبد اهلل‬
‫ابن عروة بن الزبري ‪ ،‬قال ‪ :‬كان عروة بن أذي ة نازال مع أ يف قصر عروة بالعقيق ‪ ،‬فسمعته ي شد ل فسه‬
‫[الكامل]‬ ‫آبيات ال أوهلا‪:‬‬
‫جعلت َه ًوى هلَا‬
‫َ‬ ‫علت هوا َ َك َما‬
‫ُج ْ‬ ‫ت فؤ َاد َ َملَّ َها‬ ‫َّ‬
‫إن ال َز َع َم ْ‬
‫قال عروة‪ :‬فجاءين أبو السايب املخزومي يوما بالعقيق فألقاين يف لس بئر عروة فسلم وجلس‬
‫إ ‪ ،‬فقلت له بعد الرتحيب به‪ :‬ألك حاجة يا أبا السائب ؟ قال ‪ :‬وكما تكون اجة ‪ ،‬أبيات لعروة ابن‬
‫أذي ة بلغ أنك مسع ها م ه قلت ‪ :‬أي أبياته ؟ قال‪ :‬وهل فى القمر ؟ قوله‪ " :‬إن ال زمعت فؤاد‬
‫ملها " فأنشدته إياها قال‪ :‬ما يروي هذ إال أهل املعرفة والعقل‪ ،‬هذا واهلل الصادق الود الدائم العهد‪ ،‬ال‬
‫َ‬
‫[البسيط]‬ ‫اهلذ الذي يقول‪:‬‬
‫ب‬‫ضن َوأَْر َغ ُ‬ ‫فأهلي أَ َ‬
‫َع ْ‬ ‫إ ْن كا َن أَ ْهلك مي عونك رغبةً‬
‫لقد َع َدا آعرا طَْوَر ‪ ،‬وإين ٓرجو أ ْن يغفر اهلل لصاحب آبيات يف حسن الظن هبا وطلب‬
‫العذر هلا »‪ .ϰ‬ومتام أبيات عروة بن أذي ة بعد البيت السابق‪:‬‬
‫الصبَابََة ُكلَّ َها‬
‫صاحبه َّ‬
‫يـُْبدي ل َ‬ ‫ت هبا وكال ُك َما‬
‫يك الذي َز َع َم ْ‬
‫ف َ‬

‫‪ -ϭ‬ابن عبد ربه ‪ :‬العقد الفريد ‪ ،‬ج‪ ، ϱ‬ص ‪. Ϯϴϵ‬‬


‫‪ -‬وابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ص ‪. ϯϴϵ‬‬
‫‪ -Ϯ‬ابن عبد ربه ‪ :‬العقد الفريد ‪ ،‬ج‪ ، ϱ‬ص ‪. Ϯϴϵ‬‬
‫‪ -ϯ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ، ϱ‬ص ‪. Ϯϴϵ‬‬
‫‪ -ϰ‬املرزباين ‪ :‬املوشح ‪ ،‬ص ‪. Ϯϵϯ‬‬

‫‪305‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫ت فراشها ََٓقَـلَّ َها‬ ‫َ‬ ‫لو كان‬


‫ويبيت بني جوا ي ُحب هلا‬ ‫ُ‬
‫ت إ ًذا ََٓظَلَّ َها‬ ‫ضحيَ ْ‬ ‫يوما وقد َ‬‫ك فوقها‬
‫ً‬ ‫ولَ َع ْم ُرها ْلو كان ُحب َ‬
‫الضمري فَ َسلَّ َها‬
‫َّ‬ ‫فع ال ُفؤاد إ‬
‫َش َ‬
‫وإذا وج ْدت هلا وساوس َس ْلوة‬
‫َوأَ َجلَّ َها‬ ‫فأدقَّها‬ ‫بلباقة‬
‫عيم فصاغها‬ ‫باكرها ال ُ‬
‫َ‬ ‫بيضاءُ‬
‫أرجو معونتَها وأَ ْخ َشى ذُ َّهلَا‬ ‫ت ُم َسل ًما َ حاجةً‬ ‫ضُ‬ ‫ملَّا َعَر ْ‬
‫فقلت لصاحيب ما كا َن أكثَـَرَها لََا َوأَقَـلَّ َها‬ ‫ُ‬ ‫عت َ يَّتَـ َها‬‫م ْ‬
‫ت لَ َعلَّ َها‪.ϭ‬‬ ‫فَ َدنَا فقال ‪ :‬لعلَّها َمع ُذورة م ْن أجل رقْـبَتها فَـ ُق ْل ُ‬
‫ع دما نتمعن هذ القصيدة الرائعة ال تعكس صورة الشعر الغز لعروة بن أذي ة‪ ،‬حيث «كان‬
‫يغ شعر ‪ ،‬وله فيه أصوات معروفة وهو شعر يساق كله يف الغزال العفيف‪...‬وهو شاعر من شعراء املدي ة‬
‫يغ شعر ويوقعه‪ ،‬و دث فيه ما يريد من تقطيعات ومتديدات‪ ،‬فهو غزل يكتظ باملوسيقى ‪...‬على هذا‬
‫ال حو ‪ ،‬فهو غزل مهيأ للغ اء يغ فيه صاحبه‪ ،‬ويغ فيه غري ‪ ،‬وليس هذا كل ما مييز غزل عروة‪ .‬بل‬
‫ه ا ميزة تتصل مبعانيه‪...‬آغاين كانت ت صب على الغزل غالبا‪ ،‬وإن الغزل يف املدي ة على ضربني‪ :‬غزل‬
‫صريح فيه حرية‪ ،‬وغزل عفيف فيه طهر‪ ،‬وفيه مثالية‪ ،‬وما من ريب يف أن غزل عروة كان من الضرب‬
‫الثاين‪ ،‬وتعليل ذلك واضح ‪ ،‬فهو فقيه‪ ،‬وله من تدي ه رادع يقيه أن يكون آمثا يف حبه‪ ،‬أو صر ا صراحة‬
‫تؤدي بغزله أن يكون ماديا مكشوفا »‪ .Ϯ.‬وهذا هو مذهب عروة بن أذي ة يف الشعر ‪.‬‬
‫رأي العلماء في بعض معاني عروة بن أذي ة الشعرية الغزلية ‪:‬‬
‫لقد كان لشعر عروة وقع حسن لدى ال قاد واملهتمني بشعر ‪ ،‬وقد اهتموا به وأنكروا عليه بعض‬
‫معانيه وصور الشعرية‪ ،‬حيث « روي عن عبد اهلل بن أ عبيدة بن مد بن ياسر‪ ،‬قال‪ :‬قلت ٓ‬
‫[الطويل]‬ ‫السائب املخزومي‪ :‬أما أحسن عروة بن أذي ة حيث يقول‪:‬‬
‫َما ُه ُم‬ ‫وه ُم على غرض لَ َع ْم ُرَ‬ ‫ُ‬ ‫ثالث م ّ مب زل غْبطَة‬
‫لبثوا َ‬
‫دموا‬‫يـَْ ُ‬ ‫أجد رحيلُهم مل‬ ‫ْلو قد َّ‬ ‫إقامة‬
‫ين بغري دار َ‬ ‫ُمتَجاور َ‬
‫يـَتَ َكلَّ ُم‬ ‫هن لَ ْو‬ ‫البيت ْيعرفُ َّ‬
‫و ُ‬ ‫وهلن بالبيت العتيق لُبانَة‬
‫َّ‬

‫‪ -ϭ‬نقال عن ‪ :‬عبد بدوي ‪ :‬دراسات يف ال ص الشعري عصر صدر اإلسالم وب أمية ‪ ،‬ص ‪. ϮϲϮ‬‬
‫‪ -Ϯ‬شوقي ضيف ‪ :‬الشعر والغ اء يف املدي ة ومكة لعصر ب أمية ‪ ،‬ص ص ‪. ϭϬϬ -ϵϵ‬‬

‫‪306‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫وه ُه ّن َوَزْمَزُم‬
‫طيم ُو ُج َ‬
‫حيَا ا ُ‬
‫قبله َّن ظَعائًا‬
‫لو كان حيا ُ‬
‫بـَْيض بأ ْك اف ا َْطيم ُمرَّك ُم‬
‫وكأنـّ ُه َّن وفد َحسر َن لَواغباً‬
‫يصفهن هبذ الصفة وال ي دم على‬
‫َّ‬ ‫فقال‪ :‬ال واهلل‪ ،‬ما أحسن وال أمجل‪ ،‬بل أهجر وأخطأ‪،‬‬
‫رحيلهن! »‪.ϭ‬‬
‫ّ‬
‫[البسيط]‬ ‫و« أنكر على عروة بن أذي ة قوله‪:‬‬
‫قبل َس َقا َك َها‬
‫بالغيب أ ْن قد كان ُ‬ ‫اعلم له‬ ‫العد َّو بكأسه و ْ‬ ‫اسق ُ‬ ‫وْ‬
‫بذلت كرام ًة َََزا َك َها‬‫َ‬ ‫يوما‬
‫ً‬ ‫اجز الكر َامة َم ْن تَرى أ ْن لَ ْولَه‬ ‫وْ‬
‫اعلم له بالغيب " كالم غث‪ ،‬و" له " رديئة املوقع بشعة‬ ‫وقالوا‪ :‬فقوله يف البيت آول‪ " ،‬و ْ‬
‫بذلت له ً‬
‫يوما كرامةَ زاكها "‬ ‫اجز الكر َامة َم ْن تَرى أ ّن لَ ْو َ‬
‫املستمع‪ .‬والبيت الثاين كان رجه أن يقول‪":‬و ْ‬
‫[الوافر]‬ ‫وأنكروا أيضا قوله‪:‬‬
‫هيص ا ُف َداميةَ آظَل‬ ‫َر َ‬ ‫صا‬ ‫ت املطيةَ يف ال َ‬ ‫َوأَ ْعلَ ْم ُ‬
‫أُحب فما اشتكاؤ أ ْن تَكلي؟ »‪.Ϯ‬‬ ‫فيما‬
‫علي َ‬ ‫َّ‬ ‫ول هلَا هلَا َن‬ ‫أَقُ ُ‬
‫علي فيما أحب أ ْن تكلي فما اشتكاؤ ؟ »‪.ϯ‬‬
‫فعلق املرزباين قائال ‪ « :‬يريد أقول هلاَ هلا َن َّ‬
‫مواقف عروة بن أذي ة الزهدية ‪:‬‬
‫إن الشاعر عروة بن أذي ة مل يكن شاعر الغزل العفيف فقط‪ ،‬بل يعد أيضا من شعراء الزهد يف‬
‫عصر ‪ ،‬وقد كانت له مواقف سياسية تكشف حقيقة زهد يف ا ياة املادية ومتاعها‪ ،‬ومن مواقفه الزهدية‬
‫ما يروي « أن عروة بن أذي ة قدم على هشام بن عبد امللك يف رجال من أهل املدي ة ‪ ،‬فلما دخلوا عليه‬
‫[البسيط]‬ ‫ذكروا حوائجهم فقضاها‪ ،‬مث التفت إ عروة فقال له‪ :‬ألست القائل‪:‬‬
‫بأ ّن ْرزقي وإ ْن مل آت يَأْتي‬ ‫أصدقهُ‬
‫القول َ‬
‫وخري ْ‬
‫ت ُ‬ ‫لََقد َعل ْم ُ‬
‫عدت أتاين الَ يـُ َع ي‬
‫ولَ ْو قَ ُ‬ ‫تَطَلبَهُ‬ ‫أس َعى لهُ فيُـ َع ي‬
‫ْ‬
‫قال‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬فما أرا إال قد سعيت له‪ :‬قال‪ :‬سأنظر يف أمري يا أمري املؤم ني‪ ،‬وخرج ع ه‪،‬‬

‫‪ -ϭ‬املرزباين ‪ :‬املوشح ‪ ،‬ص ‪. Ϯϳϭ‬‬


‫‪ -Ϯ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. ϮϳϮ‬‬
‫‪ -ϯ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. ϮϳϮ‬‬

‫‪307‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫فجعل وجهته إ املدي ة وكشف ع ه هشام بن عبد امللك‪ ،‬فقيل له‪ :‬قد توجه إ املدي ة ‪ ،‬فبعث إليه‬
‫بألف دي ار‪ ،‬فلما قدم عليه هبا الرسول‪ ،‬قال له‪ :‬أبلغ أمري املؤم ني السالم ‪ ،‬وقل له‪ :‬أنا كما قلت‪ " :‬قد‬
‫سعيت وع يت يف طلبه ‪ ،‬وقعدت ع ه فأتاين ال يع ي " »‪.ϭ‬‬
‫إن موقف الشاعر أمام هشام بن عبد امللك‪ ،‬يدل على يقي ه بأنه زاهد يف طلب الدنيا‪ ،‬وال يسعى‬
‫إ الرزق‪ ،‬وإمنا الرزق هو الذي يأيت إليه‪ ،‬أي أنه ليس من الشعراء املاديني الذين يسعون للخلفاء وآمراء‬
‫ملدحهم ولالسرتزاق من عطاياهم‪ ،‬هلذا فإنه يف موقفه « يعرب يف وضوح عن فكرة التوكل على اهلل ال‬
‫شاعت يف بيئة الزهاد‪ ،‬وما يتصل هبا من الثقة باهلل وطمأني ة ال فس وق اعتها‪ ،‬وتر كل تصرف لقضاء‬
‫اهلل‪ ،‬وهو ال يهتم بعسر وال يسر‪ ،‬وال يفكر يف هم الرزق أو يف هم الغد‪ ،‬بل يدع تدبري ذلك لصاحب‬
‫التدبري »‪.Ϯ‬‬
‫وا قيقة فإن عروة بن أذي ة مل يقل هذين البيتني فقط ‪ ،‬بل جاء موقفه يف قصيدة ‪ .‬فقال صاحب‬
‫آعاين « ومن شعر ابن أذي ة يف الزهد قوله‪:‬‬
‫بأ ّن رزقي وإ ْن مل آت يَأْتي‬ ‫القول أصدقُه‬
‫علمت وخريُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫لقد‬
‫ت أتاين الَ يـُ َع ي‬ ‫لس ُ‬
‫ولَ ْو َج ْ‬ ‫تَطَلبُهُ‬ ‫أس َعى له فيع ي‬ ‫ْ‬
‫تازُ ُدوين‬ ‫الَ بُ ّد الَ بُ ّد أ ْن َْ َ‬ ‫امرئ غريي َسيْبـلًغُهُ‬ ‫ً‬ ‫ظ‬
‫وإن ح ّ‬ ‫َّ‬
‫العْيش يَ ْكفي‬ ‫وغريُ من كفاف َ‬ ‫ُ‬ ‫طمع يُ ْدين مل قصة‬ ‫ال خري يف َ‬
‫اب به ع ْرضي والَ دي‬ ‫والَ يـُ َع ُ‬ ‫عواقبهُ‬‫َ‬ ‫ب آ َْمَر تُ ْذري‬‫الَ ْأرَك ُ‬
‫َوم ْن َغ فقري ال فس م ْسكني‬ ‫كم من فَقري غ ّ ال فس تَعرفُهُ‬ ‫ْ‬
‫ني ْيرمي‬
‫يأخذ ال صف م ح َ‬ ‫مل ُ‬ ‫ت لَهُ‬ ‫وم ْن َعدو رماين ْلو قَص ْد ُ‬
‫ف يَطْوي‬ ‫إن انطواءَ َ ع َس ْو َ‬ ‫َّ‬ ‫فقلت لَهُ‬
‫ُ‬ ‫وم ْن أخ طََوى َك ْش ًحا‬
‫س يـَ ْع ي‬
‫ت فيما لَْي َ‬ ‫وأُ ْكث ُر َّ‬
‫الص ْم َ‬ ‫إين َٓنْط ُق فيما كان م ْن أ ََر‬

‫‪ -ϭ‬ابن عبد ربه ‪ :‬العقد الفريد ‪ ،‬ج‪ ، ϱ‬ص ‪. Ϯϴϵ‬‬


‫‪ -‬ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ص ‪. ϯϴϵ‬‬
‫‪ -‬اآلمدي ‪ :‬املؤتلف واملختلف ‪ ،‬ص ‪. ϲϲ‬‬
‫‪ -Ϯ‬شوقي ضيف ‪ :‬التطور والتجديد يف الشعر آموي ‪ ،‬ص ‪. ϲϵ‬‬

‫‪308‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫ملن الَ يَ ْشتَهي لي »‪.ϭ‬‬


‫َلني ْ‬
‫َوالَ أ ُ‬ ‫فارقَ‬ ‫الَ أَبْـتَغي ْ‬
‫وص َل َم ْن يـَْبغي ُم َ‬
‫وقد علق عبد ا كيم حسان على معاين هذ القصيدة وعن البعد الفكري والدي الذي تتميز‬
‫هبما قائال‪ « :‬القصيدة من طالئع الشعر الزهدي ‪ ،‬وهي لذلك أشبه ما تكون بالشعر الدي ‪ ،‬إذ تشتمل‬
‫على كثري من اآلداب الدي ية‪ ،‬من مثل‪ :‬اتقاء الشبهات ‪ ،‬والدعوة إ الق اعة‪ ،‬وصلة الرحم‪ ،‬وإيثار‬
‫الصمت فيما ال يع ‪ ،‬وليس فيها ما هو نص يف الزهد إال آبيات آو ال تقرر مبدأ التوكل بشيء‬
‫من الصرامة واإلصرار ‪ .‬والعلة يف ذلك أ ّن تعاليم الزهد يف مبدأ القرن الثاين اهلجري مل تكن قد رسخت‬
‫وقعدت بعد »‪.Ϯ‬‬
‫ومن المواقف الشعرية لعروة بن أذي ة ‪:‬‬
‫جاء يف ديوان املعاين ‪ ،‬يف الدعاء للمعزول‪ ،‬حيث روي « عن ا سني بن ىي قال‪ :‬حدث ا إسحق‬
‫قال‪ :‬عزل هشام بن إمساعيل املخزومي عن املدي ة فاشتد العزل عليه ‪ ،‬فقال له عروة بن أذي ة‪[:‬الوافر]‬
‫َّك لَْلمغرية َوالْ َوليد‬
‫فَإن َ‬ ‫ك زالت‬ ‫فَإ ْن تَ ُكن آمارة َعْ َ‬
‫على َمروان مث َعلَى َسعيد »‪.ϯ‬‬ ‫ت فيه‬ ‫أصبَ َح َ‬
‫مر الذي ْ‬‫َوقَ ْد َّ‬
‫ويف هذ آبيات ما يدل على مواساة الشاعر هلشام ‪ ،‬وحثه على الصرب والثبات ‪.‬‬
‫إن داللة هذ آشعار كلها تدل على أن موقف الفقيه احملدث ال اسك عروة بن أذي ة من الشعر‬ ‫‪.‬‬

‫موقف إ ا ‪ ،‬وأن لسه الفقهي مل يكن لو من الشعر والشعراء وأهل الغ اء‪ ،‬وهو شاعر ا ب‬
‫ا الص‪ ،‬ومل يكن من شعراء السياسة‪ ،‬وهذ املواقف الشعرية ال تتعارض مع علمه وفقهه وورعه ‪ ،‬وزهد ‪.‬‬
‫وهكذا يتضح أن موقف التابعني العلماء‪ :‬شريح القاضي‪ ،‬وابن املسيب‪ ،‬وعبيد اهلل بن عبد اهلل‪،‬‬
‫وابن سريين‪ ،‬وعروة بن أذي ة‪ ،‬من الشعر موقف إ ا ‪ ،‬فرغم زهدهم وورعهم وتقواهم ‪ ،‬إال أهنم فهموا‬
‫الشعر فهما ف يا‪ ،‬باعتبار كالما يف الصدور‪ ،‬والبد للمصدور أن ي فث‪ ،‬فجاءت رؤية مذهبهم للشعر‬
‫مع بني الفقه وال قد‪ ،‬و مع بني غرضي الغزل والزهد ‪ ،‬فقالوا الشعر يف الغزل والزهد وأباحوا الغ اء‪ ،‬ومل‬
‫يكونوا من شعراء السياسة وال من املادحني للخلفاء وآمراء ‪.‬‬

‫‪ -ϭ‬أبو الفرج آصفها ‪ :‬آغاين ‪ ،‬ج‪ ، Ϯϭ‬ص ‪. ϭϬϲ‬‬


‫‪ -Ϯ‬عبد ا كيم حسان ‪ :‬التصوف يف الشعر العر نشأته وتطور ح أخر القرن الثالث اهلجري ‪ ،‬ص ‪. ϭϳϳ‬‬
‫‪ -ϯ‬أبوهالل العسكري ‪ :‬ديوان املعاين ‪ ،‬ج‪ ، Ϯ‬ص‪ϮϯϮ‬‬

‫‪309‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫الفص ـ ــل الثالث‬


‫شعر التابعين في الميزان األخالقي والف ي‬

‫‪310‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫شعر التابعين في الميزان األخالقي والف ي ‪:‬‬


‫بعد ما تبني موقف التابعني ا لفاء والعلماء اال ا من الشعر والشعراء ‪ ،‬فإن الباحث يف موضوع‬
‫"شعر التابعني بني املوروث اإلسالمي والتقليد ا اهلي" ‪ ،‬يدر بكل وضوح بأن التابعني الشعراء قد‬
‫عاشوا ال قلة الزم ية ال وعية من العصر اإلسالمي إ العصر آموي ‪ ،‬ومن ثقافة إ ثقافة ‪ ،‬بوعي دي‬
‫وسياسي وثقايف‪ ،‬وشاركوا يف ص ع كثري من آحداث التار ية الكربى مع الصحابة‪ ،‬ومع خلفاء ب‬
‫أمية‪ ،‬وعاصروا آثار الفت ة الكربى ال أدت إ انقسام املسلمني‪ ،‬نتيجة مقتل ا ليفة عثمان‪ ،‬وا روب‬
‫ال دارت بني ا ليفة علي بن أ طالب ومعاوية بن أ سفيان ـ‬
‫والواضح أن عصر الدعوة قد أرسى مفهوم نظام حياة جديدة من ال احية الدي ية والسياسية‬
‫معا‪ ،‬ال يف حياة‬
‫واالقتصادية‪ ،‬وأما من ال احية آدبية ف ـ ـ ـ ـ«كانت فرتة صدر اإلسالم فرتة تأسيس وانتقال ً‬
‫ال اس وحدهم بل يف حياة الشعر أيضا‪ ،‬فقد أرسى اإلسالم مفهوما جديدا – أو كا ديد – للشعر‪،‬‬
‫و رر الشعر من عبودية آمناط الف ية القدمية‪ ،‬ررا واسعا‪ ،‬فهجروا صورة القصيدة العربية القدمية‪،‬‬
‫وهجروا كثريا من معاين آسالف‪ ،‬وطائفة من موضوعاهتم وأساليبهم‪ ،‬ورمسوا صورة جديدة هلذ القصيدة‬
‫تعرب عن حياة إسالمية جديدة وعن ذوق ف جديد »‪ ،ϭ‬وهو ما يعطي ا صورة واضحة على أن‬
‫« املسلمني قد أرسوا م ذ أول عصر الدعوة حياة جديدة‪ ،‬وأسس شعر جديد‪ ،‬ولكن الزمن عاجل هذا‬
‫الشعر قبل أن يستقر وي مو ويتأصل‪ ،‬وانقلب هبذ ا ياة قبل أن تكتمل مال ها‪ ،‬وتتوطد أركاهنا‪ ،‬وهلذا‬
‫وصف ا هذ املرحلة بأهنا مرحلة تأسيس وتأصيل معا »‪.Ϯ‬‬
‫ولكن ما إن كاد عصر الصحابة ي تهي ح انتشرت كثري من الثقافات يف اجملتمع آموي‪ ،‬ال‬
‫كان هلا تأثريها الواضح يف الشعراء‪ ،‬ومن هذ الثقافات « املوجة الدي ية من الزهد والتقشف وال سك‬
‫والتعبد‪ ،‬لتدل يف وضوح على أن شعراء عصر ب أمية نبتوا يف جو جديد فيه روحية ومثالية‪ ،‬وفيه إميان‬
‫بعامل آخر فوق حسهم وشعورهم‪ ،‬وأن ه ا علة هنائية تدبر هذا الكون‪ ،‬وتَـ ْعُو هلا وجو البشر ورقاهبم‪.‬‬
‫وهذا كله طَبَع نفسية كثري من الشعراء يف العصر آموي بطوابع جديدة مل تكن مألوفة يف العصر‬
‫ا اهلي‪ ،‬عصر الوث ية ‪ ،‬لسبب بسيط وهو أن الشعر تعبري ال فس ‪ ،‬وهو يتأثر بكل ما يؤثر يف ال فس‬

‫‪ -ϭ‬وهب رومية ‪ :‬ب ية القصيدة العربية ح هناية العصر آموي (قصيدة املدح أمنوذجا ) ‪ ،‬ص ‪. ϯϮϯ‬‬
‫‪ -Ϯ‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. ϯϮϰ‬‬

‫‪311‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫من طرف الطبيعة مادية أو روحية مع وية »‪.ϭ‬‬


‫وهو ما يع أنه نتيجة النتشار الزهد بدا التأثر بالرتاث اإلسالمي واضحا‪ ،‬وبدأت تسري روحه يف‬
‫الشعر ويف نفوس شعراء العصر آموي ‪.‬‬
‫ولكن ما هي آسباب ال أدت إ انتشار الزهد ؟ وما هي عالقة التابعني الشعراء بالزهد ؟‪.‬‬
‫من الواضح أن آسباب ال أدت إ ظهور موجة الزهد كما يبدو أهنا سياسية ‪ ،‬وتعود كما قال‬
‫شوقي ضيف ‪ :‬إ « أن أهم إقليم انتشرت فيه هذ املوجة هو إقليم العراق‪...‬ومع ذلك فلم يكن أكثر‬
‫صلة هبا من الشام ومصر‪ ،‬فالبد من أسباب أخرى دفعت أهله إ اعت اق هذا الزهد واملبالغة فيه ‪،‬‬
‫وأكرب الظن أن ا روب الداخلية الطويلة ال استمرت ه ا طوال عصر ب أمية‪ ،‬هي ال أعدت‬
‫لذلك‪ ،‬فإن بعض من خسروا هذ ا روب ومل يستطيعوا اقت اص الدنيا من أيدي آمويني ولوا إ الزهد‬
‫فيها ‪ ،‬ووضعوا أمانيهم يف اآلخرة وما وعد اهلل به عباد املتقني ‪ ،‬وال ريب يف أنه كان لظلم والة ب أمية‬
‫وتعسفهم مع العراقيني أثر يف ذلك ‪ ،‬ويكفي أن ا جاج قتل – فيما يقال‪ -:‬صربا وغيلة ‪ ،‬مائة ألف‬
‫وعشرين ‪ ،‬وغري من والة العراق مثل "خالد القسري ويوسف بن عمر* "مل يبلعوا يف القتل مبلغه‪،‬‬
‫ولك هم كانوا قساة ظاملني ‪ .‬ومل يكن لدى ال اس أمام هذا الظلم وتلك القسوة وما استو على نفوسهم‬
‫من فزع وخوف‪ ،‬إال أن يعتصموا بل اهلل وي صرفوا عن متاع الدنيا إ متاع اآلخرة »‪.Ϯ‬‬
‫إ ًذا ‪ ،‬فآسباب ال أدت إ ظهور موجة الزهد يف العراق ‪ ،‬هي الصراع السياسي بني والة ب‬
‫أمية واملعارضني هلم‪ « ،‬والشك يف أن الزهد كان له أصحابه يف ا جاز كما كان له أصحابه يف الشام‬
‫ومصر‪ ،‬ولكن العراق هي ال سبقت فيه‪...‬فقد اندفع كثريون ه ا إ العبادة وال سك »‪.ϯ‬‬
‫وبالتا فإن مدرسة التابعني الشعرية مل تكن بعيدة عن مدرسة التابعني الزهاد‪ ،‬فكانت مثة عالقة‬
‫وطيدة بني املدرستني‪ ،‬وهو ما يبني بأن التابعني الشعراء قد انغمسوا يف يطهم االجتماعي‪ ،‬وساروا‬

‫‪ -ϭ‬شوقي ضيف ‪ :‬التطور والتجديد يف الشعر آموي ‪ ،‬ص ص ‪. ϲϮ -ϲϭ‬‬


‫*«خالد بن عبد اهلل القسري ‪ :‬أمري العراق يف عهد هشام بن عبد امللك (‪ϳϯϴ-ϳϮϰ‬م) عُزل ‪ .‬أماته يف السجن ‪ .‬خلفه يوسف بن عمر الثقفي‬
‫( ت ‪ϭϮϲ‬ه ‪ϳϰϯ‬م ) » ‪.‬‬
‫‪ -‬امل جد يف اللغة وآعالم ‪ ،‬ص ‪. ϮϮϵ‬‬
‫‪ -Ϯ‬شوقي ضيف ‪ :‬التطور والتجديد يف الشعر آموي ‪ ،‬ص‪. ϱϵ‬‬
‫‪ -ϯ‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. ϱϵ‬‬

‫‪312‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫بف هم وفق روح عصرهم ‪ ،‬وهو ما يؤكد ل ا أن ا « إذا مضي ا يف عصر ب أمية وجدنا تطورا واسعا دث‬
‫يف الشعر العر ‪ ،‬بتأثري اإلسالم وتعاليمه الروحية وبتأثري الفتوحات واختالط العرب بأهل البالد‬
‫املفتوحة »‪ ،ϭ‬ال كان هلا دور أساسي وفعال يف تطور ثقافة التابعني الشعراء والزهاد ‪ ،‬وت وع م ابعها‬
‫آدبية والف ية ‪ ،‬يقول شوقي ضيف‪ « :‬و ن إذا أخذنا لل ثقافة العرب يف هذا العصر آموي‬
‫وجدناها تستمد من ثالثة جداول مهمة‪ :‬جدول جاهلي يتمثل يف الشعر وآيام أو ا روب ومعرفة‬
‫تقاليد ا اهليني‪ ،‬وجدول إسالمي ميثله اإلسالم وتعاليمه الروحية ‪ ،‬وجدول أج يب يتمثل يف معرفة الشئون‬
‫الثقافية والسياسية واإلدارية آج بية ‪ .‬وهذا كله مع ا أن العرب أصبحوا يف عصر جديد‪ ،‬تلف عن‬
‫العصر ا اهلي يف كل شيء يف الدين السماوي القومي ويف ا ضارة والثقافة‪ ،‬فكان طبيعيا أن تتطور ف ون‬
‫شعرهم »‪.Ϯ‬‬
‫وهكذا يبدو واضحا أن ا ياة آموية قد ورثت إرثا قويا وثقيال وعميقا من الثقافة العربية‬
‫واإلسالمية وآج بية ‪ ،‬و اصة الشعر ا اهلي واإلسالمي ‪.‬‬
‫ومن هذا امل طق ميكن طرح السؤال اآليت ‪ :‬هل تأثر التابعون الشعراء مبا وصلهم من موروث شعري‬
‫إسالمي وجاهلي؟ وما هي آسباب ال دفعت الشعراء إ اللجوء إ آخذ من املوروث اإلسالمي‬
‫وا اهلي ؟ وما هي صورة هذا املوروث الف يف شعرهم ؟ ‪.‬‬
‫لإلجابة عن هذا السؤال ميكن القول ‪:‬‬
‫‪ -ϭ‬أثر الموروث اإلسالمي في شعر التابعين الشعراء ‪:‬‬
‫ملا ُع َّد اإلسالم وتعاليمه الروحية من ا داول الثالثة املهمة للثقافة العربية يف العصر آموي‪،‬‬
‫والقرآن العظيم أساس هذ التعاليم ‪ ،‬فإن « ا ياة آموية ا هت‪ -‬على ت وع موضوعات شعرها ‪ -‬إ‬
‫الصدور عن املصدر اإلسالمي ‪ .‬تسليما من الشعراء بضرورة توظيفه يف الفن الشعري‪ ،‬وقصدا إ شيوعه‬
‫فيه وسيطرته عليه ‪ ،‬باعتبار واحدا من ا داول الكربى للثقافة آموية مما تغلغل بعمق يف عقول الشعراء ‪.‬‬
‫فانعكست مواقفهم من واقع استغالهلم ذلك التيار الذي استوعبو جيدا ووعو يف إطار هذا التوظيف ‪.‬‬
‫ح رصدوا لف هم معجما إسالميا يستقون م ه الصور واملعاين على غرار ما كان لدى ا يل السابق من‬

‫‪ -ϭ‬شوقي ضيف ‪ :‬الفن ومذاهبه يف الشعر ‪ ،‬ط‪ ، 10‬القاهرة ‪ ،‬دار املعارف ‪1978 ،‬م ‪ .‬ص ‪. ϯϯ‬‬
‫‪ -Ϯ‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. ϯϰ‬‬

‫‪313‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫ناحية ‪ .‬وعلى و يتسق مع طبيعة ا ياة من ناحية أخرى »‪.ϭ‬‬


‫وقد لعبت السياسية يف العصر آموي دورا كبريا يف دفع الشعراء إ االستفادة من آفكار‬
‫واملعاين الدي ية وتوظيفها يف الصراع السياسي بني آحزاب ‪ « ،‬إذ يكفي أن نشري إ أمساء الفرق ل در‬
‫حجم تلك ا اجة إ املعجم الدي ‪ .‬فلدي ا شعراء للخالفة كحزب سياسي؛ وشعراء للزبرييني يف‬
‫ا جاز؛ وآخرون للشيعة ال متركزت يف الكوفة ‪ ،‬مث غريهم للخوارج الذين استقروا يف البصرة ‪ .‬على‬
‫التعداد الداخلي للفروع املكونة لكل حزب م ها على حدة ‪ .‬وكذلك كانت الفرق الدي ية من ا ربية* إ‬
‫القدرية** إ املرجئة*** إ املعتزلة****‪ .‬ومجيعها فرضت على الشعراء ضربا من التخصص الف يف‬
‫شعر السياسي الذي يدعمه باملعاين الـ ـ ـدي ية تأكيـ ـدا جته ‪ .‬وضربا من االلتزام الذي ي ـ ـ ـدين فيه الشاعر‬
‫بالوالء لفرقته يف مقابل نيله من آحزاب آخرى »‪.2‬‬

‫‪ -ϭ‬عبد اهلل التطاوي ‪ :‬حركة الشعر يف ظالل املؤثرات اإلسالمية ‪ ،‬ص ص ‪. ϰϴ -ϰϳ‬‬
‫*«ا ربية طائفة إسالمية ا ذت مذهبا يف القرن اهلجري آول ‪ ،‬هو أن اإلنسان رب ال اختيار له وال قدرة على االختيار ‪ ،‬وهو ري اليستطيع التبديل‬
‫‪ .‬والكلمة مشتقة من ا رب وزعيمهم جهم بن صفوان ‪ ،‬لذا دعوا أيضا با همية ‪ .‬وا ربية أصال م طلقة من موقف دي هو إس اد فعل العبد إ اهلل ‪،‬‬
‫ون ْفيُهُ عن نفسه ‪ .‬وكان صفوان يلخص ا ربية بقوله ‪ " :‬ال فعل ٓحد يف ا قيقة إال اهلل " ومن الشعراء ا ربيني جرير »‪.‬‬
‫‪ -‬مد التو ي ‪ :‬املعجم املفصل يف آدب ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬ص‪. ϯϭϬ‬‬
‫**«القدرية هم الذين يزعمون أن كل عبد خالق لفعله ‪ ،‬وال يرون الكفر واملعاصي بتقدير اهلل تعا ‪ .‬ويزعمون أن كل آحداث مقررة يف الغيب هي‬
‫بأمر اهلل أو القدر ‪ ،‬وليس مبقدور اإلنسان أن يدفعها أو يبدهلا ‪ .‬وزعيم هذا املذهب هو ا سن البصري (ت‪ϭϯϮ‬ه) »‪.‬‬
‫‪ -‬املرجع نفسه ‪ ،‬ج‪ ، Ϯ‬ص ‪. ϳϬϮ‬‬
‫***«املرجئة اسم فرقة إسالمية ‪ ،‬لقبوا بذلك ٓهنم يؤخرون العمل عن ال ية ‪ ،‬من أرجأ أي أخر ‪ ،‬أو ٓهنم يقولون ‪ :‬التضر مع اإلميان معصية كما ال‬
‫ت فع مع الكفر طاعةً ‪ .‬فهم يعطون الرجاء ‪ ،‬وهلذا ي بغي أن يسموا "املرجئة " من الرجاء ‪ .‬وقد انقسموا إ ثالث فرق وكل فرقة إ فرق تلفة »‪.‬‬
‫‪ -‬املرجع نفسه ‪ ،‬ج‪ ، Ϯ‬ص ‪.ϳϴϮ‬‬
‫****« املعتزلة فرقة إسالمية من املتكلمني ‪ ،‬مسوا كذلك ٓن واصل بن عطاء (ت ‪ϭϯϭ‬ه) خالف أستاذ ا سن البصري يف الرأي يف أمر املسلم‬
‫املرتكب الكبرية ‪ ،‬وقضى واصل بأنه يف م زلة بني امل زلتني ؛ فال هو بالكافر وال هو باملؤمن ‪ ،‬فانتحى ل فسه وٓصحابه إ إسطوانة باملسجد ‪ ،‬فقال‬
‫اصل " وهكذا تأسست الفرقة معتمدة على الفلسفة يف معا ة آمور ‪ .‬وقد اتصفوا بالصالح والتقوى والزهد ‪ ،‬ومتيزوا بتقحمهم‬ ‫"املعتزل عَّا و ُ‬
‫ُ‬ ‫ا سن ‪:‬‬
‫آخطار وشدهتم على خصومهم ‪ ،‬وبالغتهم يف ا طابة ‪ ،‬واشتد مقامها يف العصر العباسي بني مؤيد ومعارض ‪ .‬ويف ال هاية انقسمت إ فرق صغرية‬
‫اختلفت آراؤها ‪ .‬ومن مبادئهم ‪ :‬القول بأن ا الق قدمي ‪ ،‬م ز عن مجيع الصفات ا سمانية ‪ ،‬وال وز رؤيته بالعني يف اآلخرة ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬لق القرآن ‪،‬‬
‫وبالقدر ‪ .‬وبأن اإلنسان خالق ٓفعاله يف ا رب والشر ‪ ،‬وبأن مرتكب الكبرية إذا خرج من الدنيا مصري ال ار ‪ .‬غري أن عذابه أقل من عذاب الكفار ‪،‬‬
‫وبأن اإلمامة وز يف قريش ويف غري قريش » ‪.‬‬
‫‪ -‬املرجع نفسه ‪ ،‬ج‪ ، Ϯ‬ص ص ‪. ϴϬϱ -ϴϬϰ‬‬
‫‪ -Ϯ‬عبد اهلل التطاوي ‪ :‬حركة الشعر يف ظالل املؤثرات اإلسالمية ‪ ،‬ص ‪. ϰϴ‬‬

‫‪314‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫وهكذا ويف ظل العصر آموي ملا اشتد الصراع السياسي بني هذ الفرق وآحزاب السياسية« ا ه‬
‫اجملتمع إ صياغة موعة من الصراعات العاتية ال بدأت تقض مضاجع ا الفة آموية ‪ .‬وترهق‬
‫ا لفاء والرعية ‪ ،‬فتعددت الفرق السياسية ‪ ،‬وبقدر تعددها برزت صور مت وعة من االلتزام تبلور بعضها‬
‫يف منط جديد يعيد إ آذهان إحياء منط من االلتزام " القبلي" املوروث من لدن ا اهلية ‪ ،‬أو يطرح‬
‫بعضها من جوانب االلتزام " العقائدي " يف عصر صدر اإلسالم ‪ ،‬ليضيف إليها ضروبا أخرى جديدة‬
‫من واقع االلتزام السياسي بالدرجة آو ‪ .‬وهو – أي االلتزام السياسي – مامل يقل خطرا عن صورة‬
‫العصبية القبلية ال طويت صفحتها مع يء اإلسالم »‪.ϭ‬‬
‫ومما ال جدال فيه فـ ـ ـ ـ ـ« قد خلف هذا الصراع السياسي أو املذهيب كما يطلق عليه عدد من‬
‫الدارسني نتاجا شعريا ال يقل روعة أو محاسة عن الذي ظهر يف ال قائض ‪ ،‬ومن يقرأ قصيدة الكميت يف‬
‫حب آل البيت يعرف كم وصل الشعر ذو الطابع السياسي إ مرحلة عالية من ا ودة الف ية ‪ .‬وه ا‬
‫طائفة أخرى آثرت االعتزال (أي اعتزال ا ياة يف صورهتا املتصارعة املتشابكة) ‪ ،‬وكانت هذ الطائفة‬
‫نوعني أو فريقني ‪ :‬فريق أغلق ذاته على نفسه وراح يتعبد وهؤالء كانوا نواة التصوف الذي ظهر بوضوح‬
‫كمذهب دي فيما بعد ‪ ،‬وفريق آخر ا رط يف التعبري عن نفسه وخوا ها ا العاطفة اإلنسانية‬
‫والوجدان وقد أخذ هذا ال وع ال مو واالزدهار وا ه الشعراء فيه ا اهني ‪ ،‬آول يعرب بالغزل الصريح‬
‫والثاين بالعفيف العذري »‪.Ϯ‬‬
‫ويف ظـل هذا الت وع الف يف العصر آموي والتـداعيات السياسية ‪ ،‬ال دفعت بالشعراء التابعني‬
‫الشباب إ توظيف الرتاث اإلسالمي يف شعرهم‪ ،‬ي عكس بكل وضوح بأن « الشعر آموي كتب يف‬
‫ظالل نفسية جديدة آم ت برهبا‪ ،‬واستشعرت حياة تقية صا ة ‪ ،‬فيها نسك وعبادة ‪ ،‬وفيها تقوى وزهد‪.‬‬
‫وليس مع ذلك أن كل الشعراء كانوا ناسكني زاهدين‪ ،‬وإمنا مع ا أن ا ياة الروحية ا ديدة مل ت فصل‬
‫عن حياهتم الف ية ‪ ،‬بل أثرت يف كثري من جوانبها وطورهتا‪ ،‬وظهر هذا التطور يف صور تلف ويكْف أن‬
‫نتصفح ديوان شاعر كالفرزدق الذي اشتهر بفسقه واستهتار ل عرف أنه مل ي فصل عن اإلسالم وأنه قد‬

‫‪ -ϭ‬عبد اهلل التطاوي ‪ :‬مداخل ومشكالت حول القصيدة العربية القدمية ‪ ،‬ص ‪. Ϯϳ‬‬
‫‪ -Ϯ‬هباء حسب اهلل ‪ :‬ا ياة آدبية يف عصر صدر اإلسالم (تاريخ وتذوق) ‪ ،‬ط‪ ،ϭ‬اإلسك درية ‪ ،‬دار الوفاء للطباعة وال شر ‪ϮϬϬϳ ،‬م‪،‬ص ‪. ϯϴ‬‬

‫‪315‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫تأثر به »‪ .ϭ‬كما تأثر به صاحبه جرير الذي عرف بتدي ه ‪.‬‬


‫وكان أول هنج انتهجه التابعون الشعراء يف االستفادة من تأثرهم باملوروث اإلسالمي‪ ،‬أن أخذوا‬
‫من القرآن العظيم باعتبار املصدر اإلسالمي آول ما دم فكرهم وميوالهتم السياسية ‪ « ،‬وقد بدت‬
‫معاين اآليات القرآنية الكرمية مشرتكا أمـ ـ ـ ـ ـام الشعراء يتبارون يف اإلفادة م ه والت اص معه ‪ ،‬وم ها وردت‬
‫مؤثرات كثرب ازدمحت هبـ ـ ـ ـ ـا أبيات الشعر ‪ .‬بعضها يرتد إ دالالت بعض اآلي ـ ـات دون تضمي ها‬
‫الص ـ ـريح يف شعرهم ب صها ‪ .‬إذ راح الشاعر م هم يكتفي مبع اآلية إ حيث يريد من مدلوهلا »‪.Ϯ‬‬
‫ويف هذا جاء قول الفرزدق يف مدح يزيد بن عبد امللك وأمه عاتكة ب ت يزيد بن معاوية‪[ :‬الطويل]‬
‫فضلُها على اللَّْيل أل ًفا م ْن ُش ُهور ُم َقد َ‬
‫َّرا‪.ϯ‬‬ ‫َّت به يف لَْيـلَة كا َن ْ‬
‫تَـلَق ْ‬
‫[الطويل]‬ ‫كما يظهر أثر معاين اآلية القرآنية يف قول جرير‪:‬‬
‫والَ َولَ َدتْهُ أُمهُ لَْيـلَةَ ال َق ْدر‪.ϰ‬‬ ‫صَْتهُ بالسعُود لمالك ‪،‬‬
‫َح َ‬
‫فما أ ْ‬
‫‪[ ฀‬سورة‬ ‫فيبدو واضحا أن الشاعرين يف املوقفني متأثرين بقوله تعا ‪ :‬ﭐ ‪฀ ฀‬‬
‫القدر اآلية ‪.] ϯ‬‬
‫كما يظهر أثر معاين القرآن العظيم ع د الشاعر مالك* بن الريب « ملا ق بسعيد بن عثمان بن‬
‫[الطويل]‬ ‫عفان فغزا معه خراسان فلم يزل هبا ح مات وملا حضرته الوفاة قال ‪:‬‬
‫ت يف َجْيش ابن َعفَّا َن غازيَا »‪.ϱ‬‬
‫َصبَ ْح ُ‬
‫وأ ْ‬ ‫الضالَلَةَ با ْهلُدى‬
‫ت َّ‬‫أَ َملْ تَـَرين ب ْع ُ‬
‫ويف هذا املع يبدو أن مالك بن الريب قد عرب عن شدة إخالصه يف جهاد مبعاين قوله‬
‫‪ [ ฀฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀‬سورة البقرة ‪ :‬اآلية ‪.] ϭϳϱ‬‬ ‫تعا ‪:‬‬

‫‪ -ϭ‬شوقي ضيف ‪ :‬التطور والتجديد يف الشعر آموي ‪ ،‬ص‪.ϲϮ‬‬


‫‪ -Ϯ‬عبد اهلل التطاوي ‪ :‬حركة الشعر يف ظالل املؤثرات اإلسالمية ‪ ،‬ص ‪. ϰϴ‬‬
‫‪ -ϯ‬الفرزدق ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. ϯϰϳ‬‬
‫‪ -ϰ‬جرير‪ :‬الديوان ‪ ،‬شرحه وضبط نصوصه وقدم له ‪ :‬عمر فاروق الطباع ‪ ،‬ط‪ ،1‬لب ان ‪ ،‬بريوت‪ ،‬شركة آرقم بن أ آرقم ‪1417 ،‬هـ‪1997‬م ‪.‬‬
‫ص ‪. Ϯϰϭ‬‬
‫*مالك بن الريب « هو من مازن متيم وكان فاتكا لصا يصيب الطريق مع شظاظ الضيب الذي يضرب به املثل فيقال ‪ :‬ألص من شظاظ ‪...‬حبس يف مكة‬
‫يف سرقة‪...‬وهجا ا جاج وليس له عقب »‬
‫‪ -‬ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ص ‪. ϮϮϳ‬‬
‫‪ -ϱ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. ϮϮϳ‬‬

‫‪316‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫ويتجلى « من أشبا تلك املؤثرات أيضا ما تطرحه الصور ال رمسها ابن قيس الرقيات شاعر عبد‬
‫[ا فيف]‬ ‫اهلل ومصعب وا زب الزبريي يف قوله‪:‬‬
‫اب‬
‫م ْن َوَرائي َوم ْن َوَرا َ ا ْ َس ُ‬ ‫أيـ َها املُ ْستَحل َْمي ُكلهُ‬
‫‪฀฀ ฀‬‬ ‫حيث يستمد مقومات الصورة الشعرية من قوله تعا ‪฀ ฀ ฀ ฀ :‬‬
‫[سورة ا جرات اآلية ‪.ϭ»]ϭϮ‬‬
‫[ا فيف]‬ ‫كما أن ابن قس الرقيات يعرب عن إميانه العميق بف اء كل ما فوق آرض فقال‪:‬‬
‫ب آ ْشيَاءُ‪.Ϯ‬‬
‫ـ ـ ـ َـه يـَْبـ َقى وتَ ْذ َه ُ‬ ‫َن اللَّـ ـ ـ ـ‬
‫َه ْل تَـَرى م ْن َلَّد غري أ َّ‬
‫وداللة مع البيت مأخوذ من قوله تعا ‪ :‬ﭐ ‪ ฀ ฀ ฀ ฀‬ﱪ ‪฀ ฀‬‬

‫[سورة الرمحن اآليتان ‪.] Ϯϳ -Ϯϲ‬‬


‫[الوافر]‬ ‫كما جاء يف قول مجيل بثي ة‪:‬‬
‫يل‪.ϯ‬‬
‫يف َوالَ َمي ُ‬
‫فَـ َفاتي إ َ َح َكم م َن اَ ْهلي وأ َْهلك الَ َ ُ‬
‫‪฀ ฀ ฀ ฀‬‬ ‫‪฀‬‬ ‫‪฀ ฀ ฀‬‬ ‫فالشاعر أخذ مع بيته من قوله تعا ‪ :‬ﭐ ‪฀‬‬

‫‪[ ฀฀‬سورة ال ساء اآلية ‪.]ϯϱ‬‬


‫وهكذا فمن خالل هذ ال ماذج ال سق اها‪ ،‬تعد دليال قويا على تأثر التابعني الشعراء بالقرآن‬
‫العظيم ‪ .‬وكما قال عبد اهلل التطاوي‪ « :‬يبدو من هذا الكم املت اثر يف دواوين الشعراء وأشباهه كثرية‬
‫كيف رحبوا باملصدر آول من املصادر اإلسالمية ‪ .‬وكيف ت افسوا يف اإلفادة مما ورد يف اآليات الكرمية‪.‬‬
‫بشكل غري مباشر أو مباشر أحيانا ‪ ،‬ذلك أن ا ال نتحدث عن التضمني ع دهم ‪ .‬بل نكتفي ه ا مبجرد‬
‫التأثر الذي يكشف عن صدى اآلية الكرمية يف ذهن الشاعر ‪ ،‬وهو أمر طبيعي لقرب أولئك الشعراء من‬
‫القرآن من ناحية باعتبار امتدادا للعصر آول ‪ ،‬وٓن العصر عصر تدوين يدعو إ تأملهم ما يدور يف‬
‫علوم التفسري وما دون م ها من ناحية أخرى »‪.ϰ‬‬

‫‪ -ϭ‬عبد اهلل التطاوي ‪ :‬حركة الشعر يف ظالل املؤثرات اإلسالمية ‪ ،‬ص ‪. ϱϬ‬‬
‫‪ -Ϯ‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. ϱϬ‬‬
‫‪ -ϯ‬مجيل بثي ة ‪ :‬الديوان ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬دار بريوت للطباعة وال شر ‪ ϭϰϬϱ ،‬ه ‪ϭϵϴϰ‬م ‪ ،‬ص ‪. ϯϴ‬‬
‫‪ -ϰ‬عبد اهلل التطاوي ‪ :‬حركة الشعر يف ظالل املؤثرات اإلسالمية ‪ ،‬ص ‪. ϱϱ‬‬

‫‪317‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫إضافة إ تأثر التابعني الشعراء بالقرآن العظيم‪ ،‬فقد اتضح أن للقصص الدي أثر القوي‪ ،‬وتأثري‬
‫العميق يف نفسية الشعراء ‪ ،‬ويظهر كأهنم راحوا يت افسون يف اإلفادة م ه وتوظيفه يف أشعارهم ‪ .‬وكان مما‬
‫وظفه الشعراء التابعني يف شعرهم من قصص دي ‪ ،‬قصة نوح ‪ ،‬ال كان هلا تأثري قوي يف يلة الشعراء‬
‫‪ ،‬ويظهر هذا املوقف ع د الفرزدق ملا أراد أن يصور موقفه مع خصمه جرير استعار صورة موقف‬
‫[الطويل]‬ ‫ابن نوح فقال‪:‬‬
‫السالَمل‬
‫ال ‪ :‬إين ُم ْرتَق يف َّ‬
‫ني طَغَى به غ ً قَ َ‬
‫اد ح َ‬
‫فَـلَ ّما َعتَا ا َّح ُ‬
‫ابن نُوح َسأ َْرتَقي إ َ َجبَل من َخ ْشيَة الْ َماء َعاصم‪.ϭ‬‬
‫ال ُ‬ ‫فَكا َن كما قَ َ‬
‫والفرزدق يعطي « وجه الشبه احملدد بني عصيان ا حاد وبني عصيان ابن نوح ٓبيه م ذ نصحه ‪،‬‬
‫"ياب اركب مع ا‪"...‬إ رفضه ال صح وما كان من مكابرته‪ "،‬قال سآوي إ جبل يعصم من املاء"»‪.Ϯ‬‬
‫[البسيط]‬ ‫ومن هذا القبيل ما قاله جرير‪:‬‬
‫عني إ ذي الْ ْعرش َش ْكوانَا‬ ‫أ َْو تَ ْس َم َ‬ ‫مني الذي نـَْل َقى أ ََويْت لَ ا ‪،‬‬‫لَ ْو تَـ ْعلَ َ‬
‫يَ ْدعُو إ َ اهلل إ ْسَر ًارا وإ ْعالَتَا‬ ‫ت َسفيَتَهُ‬‫صاحب امل ْوج إ ْذ َمالَ ْ‬ ‫َك َ‬
‫َ‬
‫يت محُْالَنَا ‪.ϯ‬‬ ‫بـَل ْغ َ يَّتَ ا ‪ ،‬لُق َ‬ ‫أكب الْ ُم ْزجي َمطيَّتَهُ‬
‫الر ُ‬ ‫يَا أَيها ّ‬
‫وهكذا يتجلى « من واقع داللة تلك الشواهد أن القصص الدي قد أصبح قامسا مشرتكا يتعاور‬
‫شعراء العصر ‪ .‬راحوا ي هلون م ه يف الصياغة ا مالية لقصائدهم ‪ .‬ومن القصة القرآنية أفادوا ما هو‬
‫واضح لديهم من توظيفها يف مواطن العظة واالعتبار ‪ ،‬أو من التماس التشابه بني املواقف يف عصرهم‪،‬‬
‫وبني أحداث القصص الدي تعلقا بتاريخ آمم البائدة ‪ ،‬ولذا بدت اإلفاضة واضحة يف تفاصيل القصة‬
‫‪ -‬أحيانا‪ -‬من قبيل تأكيد تلك العظة ‪ ،‬وبعث االطمئ ان إ مواضع االعتبار م ها‪ ،‬على و ما ظهر يف‬
‫حوارهم حول مقوماهتا من السفي ة ‪ ،‬وصاحبها ‪ ،‬واب ه ‪ ،‬وقومه ‪ ،‬مث كان مما شغلهم ح من أمر السفي ة‬
‫ذاهتا‪ ،‬كيف ص عها‪ ،‬وكيف سارت وكيف مالت ‪ ،‬كما سيطر عليهم من صورته ك يب كيف تب دعوة‬
‫قومه إ التوحيد‪ ،‬وكيف عصو ورفضوها ‪ ،‬وكيف استمر يف دعوته لعبادة الرمحن دهرا ‪ ،‬وهم ي كصون‬

‫‪ -ϭ‬الفرزدق ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. ϲϲϱ‬‬


‫‪ -Ϯ‬عبد اهلل التطاوي ‪ :‬حركة الشعر يف ظالل املؤثرات اإلسالمية ‪ ،‬ص ‪. ϱϴ‬‬
‫‪ -ϯ‬جرير ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. ϰϳϳ‬‬

‫‪318‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫عن االستجابة‪ ،‬ويتحدون صاحب الرسالة و ذلونه‪ .‬ومما زاد حزنا وأسفا ما كان من صورة اب ه وعصيانه‬
‫ونصحه ‪ .‬وكيف تصور إمكانية ال جاة بصعود إ ا بل ‪ .‬وهي ع اصر صاغتها القصة القرآنية يف كثري‬
‫من اآليات الكرمية »‪ .ϭ‬يف كثري من السور القرآنية ‪.‬‬
‫فقال تعا ‪[ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀฀ ฀ ฀ ฀ :‬سورة الذاريات اآلية ‪.]ϰϲ‬‬
‫ﭐ ‪ ฀ ฀฀ ฀ ฀ ฀‬ﱪ ‪[ ฀ ฀‬سورة ال جم اآلية ‪.]ϮϬ‬‬ ‫ﭐ وقال تعا ‪:‬‬
‫‪[ ฀฀ ฀ ฀ ฀ ฀‬سورة غافر اآلية ‪.]ϯϭ‬‬ ‫‪฀ ฀ ฀ ฀‬‬
‫‪[ ฀ ฀ ฀ ฀‬سورة آعراف اآلية ‪.]ϱϵ‬‬ ‫ﭐ ‪฀ ฀ ฀‬‬
‫ﲑ ‪ ฀ ฀‬ﲔ ‪[ ฀‬سورة هود اآلية ‪.]Ϯϱ‬‬ ‫‪฀‬‬ ‫‪฀‬‬
‫‪[ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀‬سورة الع كبوت اآلية‪.]ϭϰ‬‬ ‫‪฀ ฀ ฀‬‬
‫‪[ ฀ ฀ ฀ ฀‬سورة املؤم ون اآلية ‪.]Ϯϳ‬‬ ‫‪฀ ฀ ฀‬‬
‫‪[ ฀฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀‬سورة هود اآلية ‪.]ϯϴ‬‬
‫[سورة هود اآلية ‪.]ϰϮ‬‬ ‫‪฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀‬‬ ‫ﲑ ‪ ฀ ฀‬ﲔ‬
‫اآلية‬ ‫[سورة هود‬ ‫ﲪ ‪ ฀‬ﲬ ‪ ฀ ฀ ฀‬ﲰ‪฀‬‬ ‫‪ ฀‬ﲨ ‪฀‬‬
‫‪.]ϰϯ‬‬
‫‪฀ ฀ ฀ ฀฀ ฀‬‬ ‫ﳖ ‪ ฀‬ﳘ ‪ ฀‬ﳚ‬ ‫ﭐ‬
‫‪[ ฀฀‬سورة هود اآليتان ‪.]ϰϲ -ϰϱ‬‬
‫‪[ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀‬سورة الشعراء اآلية ‪.]ϭϭϵ‬‬
‫‪ ฀‬ﲬ ‪ ฀ ฀ ฀‬ﲰ ‪[ ฀‬سورة ق اآلية ‪.]ϭϮ‬‬
‫واستمر الشعراء يف توظيف القصص القرآين‪ ،‬توظيفا سياسيا‪ ،‬ويظهر ذلك يف اقتباس الشعراء‬
‫لقصة يوسف ‪ ‬وقد ظهرت هذ السياسة واملبالغات يف مدائح جرير لب أمية ‪ ،‬م ها ما قاله يف مدح‬
‫[البسيط]‬ ‫أيوب ابن سليمان بن عبد امللك‪:‬‬
‫يب‬
‫بعد حكم اهلل تَـ ْعق ُ‬
‫ْما وما َ‬
‫ُحك ً‬ ‫« اهللُ أعطا ُكم‪ ،‬من ع ْلمه ب ُك ْم ‪،‬‬

‫‪ -ϭ‬عبد اهلل التطاوي ‪ :‬حركة الشعر يف ظالل املؤثرات اإلسالمية ‪ ،‬ص ‪. ϱϵ‬‬
‫ْتوب‬
‫الزبُور ويف التـ َّْوراة َمك ُ‬
‫ْأه ُل ّ‬ ‫أنت ا ليفةُ للرمحن يَـ ْعرفُهُ‬
‫َ‬

‫‪319‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫يب‬
‫استَـ ْعَرفوا قال ‪ :‬ما يف اليوم تَـثْر ُ‬
‫وْ‬ ‫خوتُهُ‬
‫ف ملَّا جاءَ إ َ‬
‫وس َ‬
‫ُكونُوا َكيُ ُ‬
‫وب»‪.ϭ‬‬
‫صا ُ يـَ ْع ُق ُ‬
‫ف إ ْذ َو َّ‬
‫وس َ‬
‫يق يُ ُ‬
‫تَـ ْوف َ‬ ‫ضلَهُ ‪ ،‬واهللُ وفَّـ َقهُ‬
‫اهللُ فَ ّ‬
‫فجرير وظف ثقافته الدي ية القصصية يف التقرب إ خلفاء ب أمية ‪ ،‬فراح « يستمد من القصة‬
‫القرآنية وصية يعقوب‪ ، ‬وكيف كانت مكانة يوسف ‪ ‬وقد اجتبا ربه ‪ ،‬وكيف عفا عن إخوته‬
‫حني أتو وتعرفوا عليه »‪.Ϯ‬‬
‫وت كشف براعة الفرزدق يف قصيدته " امليمية " املشهورة ال يصور ل ا فيها صراعه مع إبيلس‬
‫[الطويل]‬ ‫وهجائه له فقال‪:‬‬
‫ني رتَاج قَائم َوَم َقام‬ ‫لَبَـ ْ َ‬ ‫ت ر وإن‬ ‫« أَ َملْ تَـَرين َع َ‬
‫اه ْد ُ‬
‫يف َس ْوءُ َكالَم‬
‫َوالَ َخار ًجا من ّ‬ ‫َّهَر ُم ْسل ًما‪،‬‬ ‫َعلَى قَ َسم الَ أَ ْش ُ‬
‫تم الد ْ‬
‫فَـلَ َّما انتهى َشْييب َوَمتَّ متَامي‬ ‫ني ح َّجةً‬ ‫سبع َ‬
‫ليس ْ‬ ‫ك يَا إبْ ُ‬ ‫أَطَعتُ َ‬
‫محَامي‬ ‫ُمالَق َٓيَّام املُون‬ ‫ت أَن‬ ‫َوأَيْقْ ُ‬ ‫َر‬ ‫ت إ‬ ‫فَـَرْر ُ‬
‫خطَام‬ ‫أَبُو ا ن إبْليس بغري‬ ‫ال ما قد بت يُوض ُع نَاقَ‬ ‫أَالَ طَ َ‬
‫َوأَمامي‬ ‫ورائي َمَّرًة‬‫َ‬ ‫يَكو ُن‬ ‫الر ْحل َوارًكا‬ ‫يَظَل ميُْ ي على َّ‬
‫وسالَم‬ ‫َ‬ ‫َسيُ َخل ُدين يف َجّة‬ ‫وت ‪َ ،‬وأَنَّهُ‬ ‫يـُبَش ُرين أ ْن لَ ْن أ َُم َ‬
‫ضر البحور طََوام‬ ‫ك من ُخ ْ‬ ‫َمييُ َ‬ ‫ت‬‫ُخَر ْج َ‬ ‫ك أْ‬ ‫ُخيَّ َ‬ ‫ت لهُ ‪َ :‬هالَّ أ َ‬
‫فَـ ُق ْل ُ‬
‫َكف ْرقَة طَْوَد ْي يَ ْذبُل َو َمشَام‬ ‫ت به يف الْيَم ملا َرأَيْـتَهُ‬ ‫َرَمْي َ‬
‫ت ‪َ ،‬وَملْ َْتَ ْل لهُ مبََرام‬
‫صَ‬ ‫نَ َك ْ‬ ‫فَـلَ َّما تَالَقَى فَـ ْوقَهُ الْ َم ْو ُج طَاميًا ‪،‬‬
‫ُر َخام‬ ‫بأَنعم عيش يف بـُيُوت‬ ‫جر أ َْهلُهُ‬ ‫أَ َملْ تَأْت أ َْه َل ا ْجر وا ُ‬
‫َغَرام‬ ‫وح‬
‫لَ ُك ْم أ َْو تُ يخوها ‪ ،‬لَ ُق ُ‬ ‫ت‪ْ :‬اعق ُروا هذي اللَّ ُق َ‬
‫وح فَإنـ ََّها‬ ‫فَـ ُق ْل ُ‬
‫ذ َمام‬ ‫وصا عْ َد كل‬ ‫ت ن ُك ً‬ ‫َوُكْ َ‬ ‫ت م ُهم ‪،‬‬ ‫َناخوها تَـبَـَّرأْ َ‬‫فَـلَ َّما أ ُ‬
‫َوَزْو َجتَهُ ‪ ،‬م ْن َخ ْري َدار ُم َقام‬ ‫َخَر ْجتَهُ ‪َ ،‬وُه َو َساكن‬ ‫وآد َم ق ْد أ ْ‬
‫َ‬

‫‪ -1‬جرير ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ص ‪. ϱϮ -ϱϭ‬‬


‫‪ -Ϯ‬عبد اهلل التطاوي ‪ :‬حركة الشعر يف ظالل املؤثرات اإلسالمية ‪ ،‬ص ص ‪. ϲϲ -ϲϱ‬‬
‫َحاديث كانُوا يف ظالل َغ َمام‬
‫َ‬ ‫أ‬ ‫َصبَحوا‬
‫فَ َك ْم من قًـ ُرون قَ ْد أَطاعو َ أ ْ‬

‫‪320‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫تادين بزَمام‬
‫رضا ُ ‪ ،‬والَ يَـ ْق ُ‬‫َ‬ ‫إبليس باملرء أبْـتَغي‬
‫أنت يا ُ‬ ‫َوَما َ‬
‫ات كالَم »‪.ϭ‬‬‫يك َذ ُ‬ ‫وحا ف َ‬
‫إلَْيه ُج ُر ً‬ ‫ت ُس ْقتَ‬
‫من َس ْوآت ما كْ َ‬
‫يك ْ‬‫ُجز َ‬
‫َسأ ْ‬
‫هبذ آفكار الدي ية عرب الفرزدق عن براعة موقفه الف ‪ ،‬حيث « اسرتسل يف هجاء إبليس معربا‬
‫عن نزعة دي ية كانت تشتمل عليها نفسه ‪ ،‬ومستعريا من القرآن الكرمي بعض قصصه ليحكم هذا اهلجاء‪.‬‬
‫وما من ريب يف أن ا كلما أمع ا ال ظر يف ديوان شاعر أموي وجدنا هذا ا انب الدي ا ديد يف صور‬
‫تلفة ‪ .‬وإذا كان الفرزدق على استهتار ‪ ،‬الذي شهر به ‪ ،‬يتأثر هذا التأثر باإلسالم يف شعر فأو بغري‬
‫التقي العفيف د يف‬
‫َح ّد ‪ ،‬وخاصة من عرفوا بالعفاف والتدين ‪ ،‬فخصمه جرير ّ‬ ‫أن يكون تأثرهم أعمق وأ َ‬
‫شعر مظاهر كثرية لتدي ه وعفته »‪.Ϯ‬‬
‫ومما يروى عن الفرزدق‪« ،‬حضر ا سن البصري ج ازة ال وار امرأة الفرزدق فقال الفرزدق‪ :‬يا أبا‬
‫سعيد حضر هذ ا ازة خري ال اس وشر ال اس‪ ،‬أنت خريهم وأنا شرهم ‪ ،‬قال‪ :‬فما أعددت هلذا اليوم‬
‫[الطويل]‬ ‫يا أبا فراس ؟ قال‪ :‬شهادة أن ال إله إال اهلل م ذ مثانني س ة ‪ ،‬وأنشأ يقول‪:‬‬
‫ود ا اقَة أ َْزَرقَا‬
‫دارم َم ْن َم َشى إ الّار م ْش ُد َ‬
‫خاب م ْن أوالد َ‬ ‫لق ْد َ‬
‫زدقَا‬‫وق ال َفَر َ‬
‫وس َّواق يَ ُس ُ‬ ‫َع يف َ‬ ‫يوم القيَامة قائد‬ ‫إذا جاءَين َ‬
‫َش َّد من ال َق ْرب الْت َهابًا وأ ْ‬
‫َضيَـ َقا‬ ‫أَ‬ ‫القرب إ ْن ملْ يُعاف‬
‫َخاف وراءَ ْ‬
‫أ ُ‬
‫الصديد متََزقَا »‪.ϯ‬‬‫من َحر ّ‬ ‫يَ ُذوبُو َن ْ‬ ‫يد َرأيْتهم‬
‫الصد َ‬
‫إ َذا َشربوا فيها ّ‬
‫ويف هذا املوقف « فالفرزدق املستهرت مل يكن اإلسالم بعيدا عن نفسه‪ ،‬بل كان يعمل يف سريرته »‪.ϰ‬‬
‫ومل تتوقف استفادة الشعراء التابعني من توظيف املعاين القرآنية والقصص القرآين فحسب ‪ ،‬بل كان‬
‫كما أشرنا من قبل أن للفرق الكالمية دورا كبريا يف إثارة ا دل الدي والسياسي يف الساحة الفكرية ‪،‬‬
‫«حول قضايا دي ية ‪ ،‬تبني ل ا أن أولئك الشعراء قد حرصوا على أال يتخلفوا عن تلك الثقافات ‪ ،‬بل‬

‫‪ -1‬الفرزدق ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ص ‪. 593 -592‬‬


‫‪ -2‬شوقي ضيف ‪ :‬التطور والتجديد يف الشعر آموي ‪ ،‬ص ‪. 63‬‬
‫‪ -3‬الفرزدق ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. ϰϰϲ‬‬
‫‪ -ϰ‬شوقي ضيف ‪ :‬التطور والتجديد يف الشعر آموي ‪ ،‬ص ‪. ϲϮ‬‬

‫‪321‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫راحوا ي هلون م ها ‪ ،‬وكأمنا آثروا الرجوع إ املصادر الدي ية آو ‪ ،‬بدءا من القرآن الكرمي‪ ،‬فكانت‬
‫املؤثرات أقرب إ مادة ال ص املقدس م ها إ ما يدور حوله من تفسري أو جدل‪...‬وقد راح بعض‬
‫الشعراء يستقي بعض مصطلحاته من واقع حسه الدي فحسب ‪ ،‬على و ما د يف بعض مناذج من‬
‫شعرهم ‪ ،‬إذ يتحدث الفرزدق عن اإلسالم واإل اد وهو يقرن اإلسالم باملصحف باعتبار املصدر آول‬
‫[الطويل]‬ ‫املقدس للعقيدة »‪ .ϭ‬وهذا يف قوله ملمدوحه العباس بن الوليد بن عبد مللك‪:‬‬
‫صاحف‪.Ϯ‬‬ ‫اب الْ َم َ‬
‫ين َوك ْدتَـ ُه ْم مبُ ْستَـْصر يـَْتـلُوا كتَ َ‬
‫وف املُْلحذ َ‬
‫ت ُز ُح َ‬ ‫أَبـَ ْر َ‬
‫وقال جرير يف مدح ا ليفة عبد امللك بن مروان وإشادته به يف جداله للملحدين ودحرهم‪[:‬الوافر]‬
‫ـت م َن ا ْ َماح‪.ϯ‬‬
‫احا َه ْل ُشفي َ‬ ‫مج ً‬ ‫ين أَبَا ُخبَـْيب‬
‫ت امل ْلحد َ‬‫َد َع ْو َ‬
‫[الطويل]‬ ‫وعن ( املشيئة اإلهلية ) يأيت طرح عمر بن أ ربيعة يف قوله‪:‬‬
‫َم َكا َن الثـَريَّا قَاه ُر ُك َّل َمْزل‪.ϰ‬‬ ‫س ببَارح‬ ‫ُمقيم بإ ْذن اهلل لَْي َ‬
‫[الطويل]‬ ‫وعن القدر اإلهلي قال الفرزدق‪:‬‬
‫َّرا‪.ϱ‬‬
‫َهن ًارا وكان اهللُ ما َشاءَ قَد َ‬ ‫لكن أَتَـ ْوين آم ا الَ أ َ‬
‫َخافُـ ُهم‬ ‫و ْ‬
‫[الطويل]‬ ‫والقدر اإلهلي ع د مجيل بثي ة‪:‬‬
‫ضى اهللُ م ْن َرٍّد ؟ ‪.ϲ‬‬‫وه ْل فيما قَ َ‬
‫علي ‪َ ،‬‬
‫َّ‬ ‫ت له ‪ :‬فيها قَضى اهللُ ما تَـَرى‬
‫فَـ ُق ْل ُ‬
‫[الطويل]‬ ‫وعن ميثاق اهلل وعهد يقول مجيل بثي ة كاشفا عن عذريته وعفة غزله‪:‬‬
‫س ‪ ،‬مل ْن َملْ يُوف هلل م ْن َع ْهد‪.ϳ‬‬ ‫ولَي‬ ‫لق ْد ََلَّ ميثَاق م َن اهلل بـَْيـَـَا ‪.‬‬
‫َْ َ َ‬
‫وهكذا ي كشف من خالل هذ الشواهد وغريها لدى التابعني الشعراء احملرتفني « صدى التأثري‬
‫اإلسالمي‪ ،‬من خالل اعتماد الشاعر على اإلشارة إ تلك املصطلحات واملسميات اإلسالمية‪ ،‬ال‬

‫‪ -ϭ‬عبد اهلل التطاوي ‪ :‬حركة الشعر يف ظالل املؤثرات اإلسالمية ‪ ،‬ص ‪. ϳϳ‬‬
‫‪ -2‬الفرزدق ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. ϰϮϯ‬‬
‫‪ -3‬جرير ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 103‬‬
‫‪ -ϰ‬عمر بن أ ربيعة ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. ϯϭϮ‬‬
‫‪ -ϱ‬الفرزدق ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. ϯϬϮ‬‬
‫‪ -ϲ‬مجيل بثي ة ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. ϮϬ‬‬
‫‪ -ϳ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. ϮϬ‬‬

‫‪322‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫استوحاها كاشفا بذلك عما استوعبه من املعجم الدي »‪ .ϭ‬الذي ظل الثقافة الدي ية يف العصر آموي‪،‬‬
‫وأصبح جزءا من مجاليات القصيدة التابعية ‪.‬‬
‫أضف إ هذا‪ ،‬فلو نظر املتأمل إ مدائح الشعراء الكبار يف العصر آموي‪ ،‬لوجدهم يوظفون‬
‫بعض املعاين والقيم الدي ية‪ ،‬ال لشيء سوى قصد التقرب من ا لفاء وإضفاء عليهم مدائحهم بآسلوب‬
‫الذي يرضي ا لفاء ل يل عطاياهم ‪ٓ ،‬نه « ليس ه ا سياسة باملع الصحيح يف شعر هؤالء الثالثة‬
‫الكبار وليس فيه ما ي بئ عن رأي خاص يف ا كم غري تلك املعاين العامة ال تشري إ العدل والتقوى‬
‫من بني الفضائل الكثرية ال لعوهنا على من ميدحون ‪ ،‬ال ٓن هلم مفهوما خاصا يف صورة ا كم‬
‫القائم على العدل والتقوى ‪ .‬ولكن ٓن آمويني كانوا حريصني أن ي سبهم الشعراء إ مثل تلك‬
‫الفضائل الدي ية ال كانت تقوم عليها املذاهب السياسية امل اوئة كاهلامشيني وا وارج ‪ .‬وأن يؤكدوا حقهم‬
‫الدي يف ا الفة وكأن اهلل قد اختارهم هلا وخصهم هبا دون ال اس مجيعا ‪ .‬وكان هؤالء الشعراء ال يقفون‬
‫ع د حد يف إرضاء تلك ال زعة ع د ممدوحيهم ح لي تهوا يف ذلك إ كثري من اإلسراف واملبالغة »‪. Ϯ‬‬
‫وهذا اإلسراف واملبالغة يظهران ع د جرير يف مدحه عمر بن عبد العزيز حيث قال له‪[ :‬البسيط]‬
‫ك الرمحن يف السفر‬ ‫يصحبُ َ‬
‫واهللُ َ‬ ‫فظهُ‬
‫« َخليفة اهلل مث اهللُ‬
‫الليل بالس َور‬
‫وم َ‬ ‫تَـ ْعصي اهلوى وتَـ ُق ُ‬ ‫سريتُهُ ‪،‬‬
‫ت املبارُ واملهدي‬
‫َ‬ ‫أَنْ َ‬
‫ين قباب امل ْلك وا ُ َجر‬ ‫وز َ‬
‫َزيْـًا َ‬ ‫َْل ُسهُ ‪،‬‬
‫ت‪ ،‬للمْ َرب امل ْعمور‬ ‫َصبَ ْح َ‬
‫أْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫موسى على قَ َدر »‪.ϯ‬‬ ‫كما أَتَى َربهُ َ‬ ‫كانت لهُ قَ َد ًرا‬
‫ْ‬ ‫ال ا الفَةَ إ ْذ‬ ‫نَ َ‬
‫[الطويل]‬ ‫ويف السياق نفسه قال جرير ميدح ا جاج بن يوسف الثقفي‪:‬‬

‫للربيَّة ‪ ،‬فاص ُل‬


‫ني ‪ ،‬وأنَّهُ إمام َو َع ْدل‪َ ،‬‬ ‫« ولوال أمريُ املؤم َ‬
‫الئل‬
‫بيح ا َ ُ‬
‫سبيل جهاد واستُ َ‬ ‫َ‬ ‫يكن‬
‫ط يَد ا جاج بالسيف مل ْ‬ ‫وبس ُ‬
‫ْ‬
‫‪ϰ‬‬
‫ت اهللُ ُم ْل َكهُ على رابيات َملْ تُزْهلا الزالزُل » ‪.‬‬ ‫خليفة َع ْدل ‪ ،‬ثـَبَّ َ‬

‫‪-ϭ‬عبد اهلل التطاوي ‪ :‬حركة الشعر يف ظالل املؤثرات اإلسالمية ‪ ،‬ص ‪. ϴϮ‬‬
‫‪ -Ϯ‬عبد القادر القط ‪ :‬يف الشعر اإلسالمي وآموي ‪ ،‬ص ‪. ϯϬϯ‬‬
‫‪ -ϯ‬جرير ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ص ‪. Ϯϯϴ -Ϯϯϳ‬‬
‫‪ -ϰ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. ϯϲϰ‬‬

‫‪323‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫وبأسلوب املبالغة واإلسراف نفسه يف املدح ‪ ،‬مدح الفرزدق أمراء وخلفاء ب أمية « قال الفرزدق‬
‫ميدح ا كم بن أيوب الثقفي بن عم ا جاج‪ ،‬وكانت ته زي ب ب ت يوسف أخت ا جاج‪ ،‬وكان‬
‫عامله على البصرة‪ ،‬وكان يهدد الفرزدق وهنا أن يهجو أحدا من أهله‪ ،‬وخص فيها عبد امللك باملدح‪:‬‬
‫[البسيط]‬
‫ب اهلل فيها غريُ َم ْغلوب »‪.ϭ‬‬
‫وصاح ُ‬ ‫فآرض هلل والَّها َخليف ًة‬
‫ُ‬
‫[الطويل]‬ ‫و« قال الفرزدق ميدح يزيد بن عبد امللك‪:‬‬
‫السوالف‬
‫تقيم َّ‬
‫ين أ َْم َسى ُم ْس َ‬
‫لهُ الد ُ‬ ‫أرى اهللَ قَ ْد أَعطَى بْ َن عاتك َة الذي‬
‫ورأْفةَ مهدي على ال اس عاطف»‪.Ϯ‬‬ ‫كم الذي ليس مثْـلُهُ‬ ‫تُقى اهلل وا ُ َ‬
‫[الطويل]‬ ‫و« قال الفرزدق ميدح الوليد بن عبد امللك‪:‬‬
‫َص ُل‬
‫ت فيه آ ْ‬ ‫ط ال َّْبع يـَْبُ ُ‬
‫ك َخو ُ‬‫كذل َ‬ ‫ك ري ب َس ْمته‬ ‫ت أَبا َ امل ْل َ‬
‫ورثْ َ‬
‫ُ‬
‫الفضل »‪.ϯ‬‬ ‫داو َد إ ْذ وَّ ُسلَْيما َن بـَ ْع َد ُ خالفتَهُ ْالً م َن اهلل ذي ْ‬ ‫َك ُ‬
‫[الطويل]‬ ‫و«قال ميدح هشاما‪:‬‬
‫َصحابُهُ ‪ ،‬إين ل ُك ْم َملْ أُقارف‬ ‫َوأ ْ‬ ‫هشام ابْ َن َخ ْري الَّاس ‪ ،‬إالَّ َُ َّم ًدا‬
‫َ‬
‫‪ϰ‬‬
‫ت لهُ قُـَريْش َهدايا ُكل ْورقاءَ شارف » ‪.‬‬ ‫م َن الغش َشْيئًا ‪ ،‬والذي َََر ْ‬
‫[الطويل]‬ ‫و« قال الفرزدق ميدح سليمان‪:‬‬
‫ت سالسلُهُ‬ ‫َعن البائس املسكني ُحلَّ ْ‬ ‫وم ْن به‬ ‫لني َ‬ ‫ث املُْمح َ‬‫ُس ْليما ُن َغْي ُ‬
‫مات ال يب َ ّمد وعثما ُن ْفو َق آرض راع يُعادلُهُ »‪.ϱ‬‬ ‫قام ُم ْذ َ‬ ‫وما َ‬
‫ولو وقف ا ع د مدائح الفرزدق‪ ،‬و« أخذنا نتأمل يف مد ه وجدنا تلف عن املديح القدمي‪،‬‬
‫لسبب طبيعي‪ ،‬هو أن الفرزدق مسلم ‪ ،‬ميدح والة خليفة اهلل يف أرضه ‪ ،‬وهم كما يقومون على والية‬
‫ال اس يقضون بالعدل وي شرون آمن‪ ،‬يقومون أيضا مبحاربة الثائرين ‪ .‬وكل ذلك ماثل يف ديوان الفرزدق‪،‬‬

‫‪ -1‬الفرزدق ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. ϰϵ-ϰϴ‬‬


‫‪ -Ϯ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. ϰϮϱ‬‬
‫‪ -3‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪.ϱϯϵ‬‬
‫‪ -ϰ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. ϰϭϵ‬‬
‫‪ -ϱ‬جرير ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. ϰϵϬ‬‬

‫‪324‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫فا ياة العربية اختلفت ‪ ،‬واختلف معها شعر املديح الذي يصورها ‪ .‬وفرق بني أن ميدح الشاعر ا اهلي‬
‫سيد القبيلة ‪ ،‬وأن ميدح الشاعر آموي وا العراق املسلم الذي يتصف بصفات دي ية هي صفات‬
‫[الطويل]‬ ‫اإلسالم »‪ .ϭ‬فقال ميدح ا جاج‪:‬‬
‫يد َة تَابل‬ ‫َوالَ طَالبًا يَوًما طَر َ‬ ‫« وَملْ أ ََر كا َّجاج َع ْونًا على التـ َقى‬
‫صر ْآ َْعَاق فَـ ْو َق الْ َك َواهل‬
‫َعلَى قَ َ‬ ‫صى‬ ‫ب َم ْن َع َ‬ ‫ضر ُ‬ ‫ب َسْيف به هلل تَ ْ‬
‫الزالَزل‬
‫اصط َفاق َّ‬ ‫به ريْـبَةً بـَ ْع َد ْ‬ ‫ت م َن الَّدَّاء الْعَر َ‬
‫اق فَـلَ ْم تَ َد ْع‬ ‫َش َفْي َ‬
‫يـُبَا هبا َما يـَ ْرتَشي ُكل َعامل‬ ‫ف َملْ يَ ُك ْن‬ ‫وس َ‬
‫وُكَّا بأ َْرض يَابْ َن يُ ُ‬
‫ضى إالَّ مبَا يف َّ‬
‫الر َسائل‬ ‫والَ تُـ َقتَ َ‬ ‫اجات عْ َد َ بالر َشى‬ ‫ُ‬ ‫َوما تـُْبتَـغَى ا‬
‫َسبيل َق أ َْو َسبيل لبَاطل‬ ‫َّاس أَال يف َسبيلَ ْني مْـ ُه َما ‪:‬‬ ‫فَ َما ال ُ‬
‫ت بتَـ ْفويض إ َ ذي الْ َف َواضل »‪.Ϯ‬‬ ‫نُص ْر َ‬ ‫ف ا هاد فَإَّمنَا‬ ‫فَ َجَّرْد َهلُ ْم َسْي َ‬
‫وقد علق شوقي ضيف على املعاين املدحية يف هذ آبيات ‪ ،‬فقال‪ « :‬ومن املؤكد أن هذ‬
‫املقصدين للمدح يف ا اهلية ‪ ،‬فلم يكونوا ميدحون بالتـ َقى‪ ،‬وال كانوا يصفون‬ ‫آبيات مل تكن طر ببال ّ‬
‫ممدوحيهم بأهنم سيوف اهلل ‪ ،‬وال كانوا يذكرون الرشوة ‪ ،‬وال ا ق والباطل ‪ ،‬وقد اسرتسل الفرزدق يف هذ‬
‫القصيدة يصف كيف قضى ا جاج على ثورة اندلعت يف العراق ‪ .‬وكل ذلك جديد يف قصيدة املدح‬
‫العربية »‪ ،ϯ‬حيث دخل يف قصيدة املدح آموية كما يقول يوسف خليف‪ « :‬خيوط إسالمية مستحدثة‬
‫جددت من الصورة التقليدية للقصيدة العربية ‪ .‬وحولتها من صورهتا الكالسيكية ا الصة إ صورة‬
‫كالسيكية جديدة ‪ ،‬فأصبح الشاعر ميدح ا ليفة بأنه إمام املسلمني‪ ،‬وأن اهلل اختار الفتهم ‪ .‬وأنه نور‬
‫يضيء البالد ‪ .‬ويكشف ع ها ظلمات ا َ ْور والضالل‪ ،‬وأنه يتصف بالصفات ال يدعو اإلسالم إليها‬
‫من تقوى وورع وتبتل إ اهلل ومتسك بكتابه وس ة رسوله ‪ .‬و و ذلك من املثل والقيم اإلسالمية ال‬
‫أرساها اإلسالم يف نفوس ال اس»‪ .ϰ‬وعلى هذ املعاين مدح الفرزدق يزيد بن عبد امللك فقال له ‪:‬‬

‫‪ -ϭ‬شوقي ضيف ‪ :‬التطور والتجديد يف الشعر آموي ‪ ،‬ص ‪. ϭϰϲ‬‬


‫‪ -Ϯ‬الفرزدق ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ص ‪. ϱϯϯ -ϱϯϮ‬‬
‫‪ -3‬شوقي ضيف ‪ :‬التطور والتجديد يف الشعر آموي ‪ ،‬ص ‪. ϭϰϳ‬‬
‫‪ -ϰ‬يوسف خليف ‪ :‬يف الشعر آموي دراسة يف البيئات ‪ ،‬ص ‪. ϵϭ‬‬

‫‪325‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫[الطويل]‬
‫العَزائم‬
‫ٓ َْمر َ‬ ‫نَيب هلُ ْم م ُه ْم‬ ‫ولَ ْو كا َن بـَ ْع َد املصط َفى م ْن عباد‬
‫العظَائم‬
‫الثقال َ‬ ‫َ ْمل آَمانات‬ ‫بعد ُ‬
‫تارُ اهللُ َ‬ ‫ت الذي َ ْ ُ‬ ‫لَ ُكْ َ‬
‫بال بُوة قَائم‬ ‫َوُكل كتاب‬ ‫يل اهلل ُك َّل خَزانة‬ ‫َورثْـتُ ْم َخل َ‬
‫به َحْب َل َسامل‪.ϭ‬‬ ‫إ َذا نَالَهُ يَأْ ُخ ْذ‬ ‫ك َحْب ُل اهلل َم ْن يـَ ْعتَص ْم به‬
‫َو َحْبـلُ َ‬
‫[البسيط]‬ ‫ومثله ما قاله جرير يف مدح عبد امللك بن مروان‪:‬‬
‫َحكام والَ ُمجَ ُع‬ ‫َما قَ َام للَّاس أ ْ‬ ‫لَ ْوالَ ا َْلي َفةُ وال ُق ْرآ ُن يـَ ْقَرأُُ ‪،‬‬
‫يت ‪َ ،‬والَ َهيَّابَة َوَرعُ‬ ‫يما ُول َ‬ ‫فَ‬ ‫ني اهلل ‪ ،‬الَ َسرف‬ ‫ني ‪ ،‬أَم ُ‬‫ت آَم ُ‬ ‫أَنْ َ‬
‫إذا تَـ َفَّرقت آ َْه َواءُ والشيَ ُع‬ ‫ت الْ ُمبَ َارُ يـَ ْهدي اهلل ش َيعتَهُ ‪،‬‬ ‫أَنْ َ‬
‫ت ُم ْستَ َم ُع‬
‫ت به ‪ ،‬فيَا ُمطاع ‪َ ،‬وَم ْه َما قُـ ْل َ‬ ‫فَ ُكل أ َْمر على ميُْن أ ََم ْر َ‬
‫يما على َم ْن ديُهُ الْب َدعُ‪.Ϯ‬‬ ‫ضالً َعظ ً‬
‫فَ ْ‬ ‫ضلَ ُك ْم‬‫إن اهللَ فَ َّ‬ ‫يا آل َم ْرَوا َن ! َّ‬
‫وكما هو واضح يف هذ آبيات أن « الفرزدق وجريرا ميدحان مبعاين إسالمية جديدة مل يكن‬
‫للشعراء ا اهليني عهد هبا‪...‬فيزيد ع د الفرزدق أفضل خلق اهلل بعد ال يب مد ‪ ،‬ولو كان اهلل مرسال‬
‫رسوال بعد مد لكان هو يزيد ‪ .‬وقد ورث هو وا لفاء آمويون من قبله مرياث ال بوة حني اختارهم اهلل‬
‫الفة املسلمني ‪ ،‬وحبله حبل اهلل من يعتصم به فقد استمسك بالعروة الوثقى ال انفصام هلا ‪ .‬وعبد‬
‫امللك ع د جرير ركن الدين ‪ ،‬والقائم بأمر ‪ .‬وامل فذ لتعاليمه ‪ ،‬واملتمسك بكتابه ‪ ،‬وهو أمني اهلل يف أرضه‬
‫على خلقه ‪ ،‬وسبيله سبيل اهلدى الذي يضم مشل آمة اإلسالمية يف خضم الفنت وآهواء ال فرقتها‬
‫وآل بيته هم الذين استقاموا على س ة اإلسالم بي ما ا رف َم ْن سو ُاهم إ طريق البدع‬ ‫شيعا وأحزابا وهو ُ‬
‫والضالل »‪.ϯ‬‬
‫ومن خالل هذ الشواهد الشعرية ذات الداللة املدحية ‪ ،‬فبكل تأكيد فإن املتأمل فيما قاله جرير‬
‫والفرزدق‪ ،‬من املعاين الدي ية ال أضفوها على ممدوحيهم دهم « يؤيدون حق آمويني يف ا الفة ‪،‬‬

‫‪ -ϭ‬الفرزدق ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ص ‪. ϲϰϰ -ϲϰϯ‬‬


‫‪ -Ϯ‬جرير ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ص ‪. Ϯϵϵ -Ϯϵϴ‬‬
‫‪ -ϯ‬يوسف خليف ‪ :‬يف الشعر آموي دراسة يف البيئات ‪ ،‬ص ص ‪. ϵϰ -ϵϯ‬‬

‫‪326‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫إ جانب تأييدهم إياهم بتلك املعاين الدي ية العامة ‪ ،‬باإل اح على انتمائهم إ قريش ومكانتهم فيها‪،‬‬
‫وأهنم أولياء دم عثمان بن عفان ووارثو ‪ .‬ولعل هذين مها املع يان السياسيان البارزان يف شعر هؤالء‬
‫الشعراء ‪ ،‬لك هم سرعان ما ولون آمر إ صورة من الفخر القبلي باآلباء بآ اد والشيم العربية ‪،‬‬
‫قارنني ذلك بسؤال العطاء سؤاال فيه كثري من االتضاع واهلوان »‪.ϭ‬‬
‫وإذا كانت الفكرة الدي ية ع د جربر والفرزدق ظاهرة وواضحة التأثري يف شعرمها‪ ،‬فإن لشوقي ضيف‬
‫رأيا يف اال ا الدي للفرزدق فقال فيه‪ « :‬على أنه ال نبالغ يف تأثر باإلسالم‪ ،‬فقد كانت نفسه تتأثر يف‬
‫عمق بالعادات والطباع ا اهلية‪ ،‬ومن ه ا يأيت هتور يف كرمه واعتداد بآبائه وما كان هلم من أ اد »‪. Ϯ‬‬
‫بي ما يوسف خليف يؤكد أثر اإلسالم العميق يف شعر جرير فقال‪ « :‬ويعد شعر جرير – ق –‬
‫أروع صورة للشعر اإلسالمي الذي استجاب للمؤثرات اإلسالمية يف لغته وأساليبه ‪ ،‬متخلصا من غرابة‬
‫اللغة القدمية وخشونة آساليب ا اهلية ‪ ،‬مع االحتفاظ باملقومات الف ية آصيلة والتقاليد الشعرية الثابتة‬
‫ال استقرت للقصيدة العربية م ذ العصر القدمي ‪ ،‬ومن غري شك يعد جرير أشد الفحول الثالثة تأثرا‬
‫باإلسالم وكالمه ا الد ‪ ،‬وهو تأثر باعدت بي ه وبني آخطل نصرانيته ‪ ،‬كما باعدت بي ه وبني الفرزدق‬
‫روحه ا اهلية ومزاجه البدوي ‪ ،‬بي ما أتاحته رير نفسيته الصافية وإميانه العميق وما طَبَـ َعه هذا اإلميان‬
‫من مثالية روحية كرمية »‪.ϯ‬‬
‫كما « نلحظ بعض التغري يف هذا الشعر التقليدي حني نلمح آثر اإلسالمي واضحا يف نفس‬
‫الشاعر‪ ،‬فيستمد من القرآن الكرمي بعض املعاين وآفكار‪ ،‬ولكن هذا التأثري جزئي دود كما نرى يف‬
‫مدح كثري بن عبد الرمحن لعمر بن عبد العزيز (ت ‪ϭϬϭ‬ه‪ϳϮ/‬م) »‪ .ϰ‬فأنشد من مدحته فقال‪:‬‬
‫[الطويل]‬
‫بَريا َوَملْ تَقبَ ْل إ َش َارَة ُْرم‬ ‫ف‬
‫يت فَـلَ ْم تَ ْشت ْم َعليا َوَملْ ُ ْ‬‫« َول َ‬
‫أَتَـْي َ‬
‫ت فَأ َْم َسى َراضيًا ُكل ُم ْسلم‬ ‫ال َم َع الَّذي‬
‫ت بالْف ْعل امل َق َ‬ ‫ص َّدقْ َ‬
‫َو َ‬
‫صم‬
‫ف َوم ْع َ‬
‫ك الدنْـيَا ب َك ٍّ‬
‫تَـَراءَى لَ َ‬ ‫س الْ ُملُو ثيَابـَ َها‬
‫ت لْب َ‬
‫َوقَ ْد لَب ْس َ‬
‫‪ -ϭ‬عبد القادر القط ‪ :‬يف الشعر اإلسالمي وآموي ‪ ،‬ص ص ‪. ϯϬϲ -ϯϬϱ‬‬
‫‪ -Ϯ‬شوقي ضيف ‪ :‬التطور والتجديد يف الشعر آموي ‪ ،‬ص ‪ϭϰϱ‬‬
‫‪ -3‬يوسف خليف ‪ :‬يف الشعر آموي‪ +‬دراسة يف البيئات ‪ ،‬ص ‪. ϴϮ‬‬
‫‪ -ϰ‬مد مصطفى هدارة ‪ :‬الشعر يف صدر اإلسالم والعصر آموي ‪ ،‬ص ‪. Ϯϵϭ‬‬

‫‪327‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫َوتَـْبس ُم َع ْن مثْل ا ُْ َّمان الْ ُمَطَّم‬ ‫يضة‬


‫أحيَانًا ب َع ْني َمر َ‬ ‫ض ْ‬ ‫َوتُوم ُ‬
‫ك َم ُدوفًا م ْن َمسَام َو َع ْل َقم‬‫َس َقْت َ‬ ‫ت َعْـ َها ُم ْش َمئزا َكأََّمنَا‬ ‫ضَ‬ ‫فَأ َْعَر ْ‬
‫ت هبَا أ َْعلَى البَاء امل َقدَّم‬ ‫بـَلَ ْغ َ‬ ‫ت تَـ َّواقًا إ ُكل َغايَة‬ ‫َوَمازلْ َ‬
‫ُ‬
‫لطَالب ُدنْـيَا بـَ ْع َد ُ م ْن تَ َكلَّم‬ ‫فَـلَ َّما أَتَا َ الْ ُم ْل ُ‬
‫ك َع ْف ًوا َوَملْ يَ ُك ْن‬
‫صمم‬ ‫ت َما يـَْبـ َقى بَراْي ُم َ‬ ‫َوآثـَ ْر َ‬ ‫ت الَّذي يـَ ْف َ وإ ْن َكا َن ُمون ًقا‬ ‫تَـَرْك َ‬
‫ك يف يـَ ْوم م َن الشَّر ُمظْلم‬ ‫أ ََما َم َ‬ ‫ت لَلَّذي‬ ‫ت بالْ َفاين َوَمثَّْر َ‬ ‫َضَرْر َ‬‫َوأ ْ‬
‫ت به أ َْعلَى امل َعا ب ُسلَّم »‪.ϭ‬‬ ‫بـَلَ ْغ َ‬ ‫ك َهم يف ال ُف َؤاد ُم َؤرق‬ ‫َمسَا لَ َ‬
‫َ‬
‫لى عن آوصاف ا سية املعروفة يف املديح‪ ،‬كالطول‬ ‫ففي هذا املدح يظهر أن « الشاعر‬
‫ووضاءة الوجه ‪ ،‬والفضائل ا اهلية ال كانت ال تزال أصداؤها يف الشعر آموي ‪ ،‬ويلتزم الصدق‬
‫والفضائل اإلسالمية العامة ‪ ،‬والشمائل ال كان يتحلى هبا عمر خاصة من العدل وا لم واالمت اع عن‬
‫سب علي بن أ طالب على م ابر املساجد ‪ ،‬كما اعتاد ا لفاء آمويون أن يفعلوا ‪ ،‬والبعد عن الظلم‬
‫وا ربوت ‪ ،‬والزهادة يف الدنيا وأهبة ا كم بكل ما فيها من مغريات ‪ ،‬على الرغم من التزام الشاعر هنج‬
‫القصيدة ا اهلية ‪ ،‬فقد بدأ مد ه ببكاء آطالل ‪ ،‬وعلى الرغم من أنه يف مدائحه لغري عمر بن عبد‬
‫العزيز يلتزم آوصاف ا اهلية املثالية يف املديح »‪.Ϯ‬‬
‫وعلى هذا آساس ميكن القول‪ :‬إن شعراء العصر آموي الكبار نظرا ل ضجهم الف ‪ ،‬ومقدرهتم‬
‫اإلبداعية‪ ،‬كان هلم من ا لقدرة والكفاية الفكرية والف ية لفهم قضايا عصرهم و تمعهم ا فية والظاهرة‪.،‬‬
‫ليخوضوا من خالهلا يف فن الشعر ودفعه قدما‪ ،‬وإعطائه البعد ا ما الذي عله جزءا أساسيا من‬
‫ثقافتهم وطبعه بروح عصر ‪.‬‬
‫ومل يقف تأثري اإلسالم يف الشعراء وشعر املدح والفخر ع د هذا ا د ‪ ،‬بل كان امتداد تأثري يف‬
‫الشعراء كبريا ‪ ،‬حيث تسربت الروح الدي ية إ الرجاز‪ ،‬الذين أشبعوا رجزهم باملعاين اإلسالمية ‪ ،‬ولكن‬
‫الباحث يف ميدان الرجز يسجل كما قال يوسف خليف‪ :‬بأنه « مل يتغري املوقف بعد ظهور اإلسالم ‪،‬‬
‫فقد ظل الرجز طوال عصر صدر اإلسالم يدور يف االته القدمية تفظا بشكله التقليدي وموضوعاته‬

‫‪ -ϭ‬ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ص ‪. ϯϰϮ‬‬


‫‪ -2‬مد مصطفى هدارة ‪ :‬الشعر يف صدر اإلسالم والعصر آموي ‪ ،‬ص ‪. ϮϵϮ‬‬

‫‪328‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫الشعبية العامة ‪ ،‬ومل يظهر بني أصحابه شعراء صصوا له ‪ .‬ووهبوا طاقاهتم الف ية له ‪ ،‬ليتطوروا به من‬
‫ط فيها الرجز نشاطا‬
‫املستوى الذي كان عليه يف العصر ا اهلي ‪ ،‬وإن يكن هذا العصر قد شهد فرتًة نَش َ‬
‫ملحوظا ‪ .‬وهي فرتة الصراع بني علي ومعاوية و اصة يف أيام صفني فقد تردد الرجز يف هذا الصراع‬
‫بصورة واسعة على ألس ة املقاتلني من الفريقني ‪ ،‬وشهدت مئات م هم يتغ ون بالرجز‪ ،‬مسون به‬
‫أنفسهم ويرفعون من روحهم املع وية ‪ ،‬أو يفتخرون بشجاعتهم وبطولتهم ‪ ،‬ويتوعدون أعداءهم بالقتل‬
‫أو اهلزمية ‪ .‬متاما كما كان يفعل فرسان القبائل يف أيام ا اهلية ‪ .‬وهكذا مل يسجل الرجز يف هذا العصر‬
‫تطورا ال يف الشكل وال يف املضمون‪ ،‬وإمنا ظل يواصل حركته ال بدأت من أعماق ا زيرة العربية يف‬
‫العصر ا اهلي على ألس ة أصحابه من أفراد الشعب العر يف االت حياهتم اليومية »‪.ϭ‬‬
‫ومع بداية فرتة العصر آموي بدأ ريح تغري ا ياة يلعب دور يف حياة اجملتمع اإلسالمي ا ديد ‪،‬‬
‫فتجددت ا ياة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وأدبيا ‪ ،‬فظهر نشاط الشعراء الرجاز ولعبوا دورا كبريا على‬
‫املستوى الرمسي برجزهم ‪ « ،‬فأحيوا استخدامه يف أغراض ش من الشعر وأطالوا فيه ‪ .‬ومل يكن الرجز يف‬
‫ا اهلية غري مقطعات صغرية تصور موقفا مر ال يف اهلجاء وا رب خاصة ‪ ،‬ومل يكن الشعراء‬
‫لوا م ه‪،‬‬ ‫وع رتة*( و ‪ϲϭϱ-ϱϮϱ‬م)‬
‫ا اهليون يقبلون على استخدامه‪ ،‬فدواوين زهري‪ ،‬وال ابغة الذبياين‪،‬‬
‫بي ما د مقطعات صغرية يف ديوان امرئ القيس »‪.Ϯ‬‬
‫وقد سبق آغلب**العجلي كل الرجاز يف عصر صدر اإلسالم إذ هو « أول من شبه الرجز‬
‫بالقصيد وأطاله‪ ،‬وكان الرجز قبله إمنا يقول الرجل م ه البيتني أوالثالثة إذا خاصم أو فاخر »‪ ،ϯ‬كما‬
‫« نبه بذلك إ إمكان استخدامه بصورة واسعة يف ش آغراض ال يستخدم فيها الشعر »‪.ϭ‬‬

‫‪ -ϭ‬يوسف خليف ‪ :‬يف الشعر آموي دراسة يف البيئات ‪ ،‬ص ‪Ϯϭϭ‬‬


‫* « ع رتة بن شداد بن قرادة بن زوم بن مالك بن غالب بن شهم بن بغيض الفارس املشهور » ‪ .‬صاحب عبلة ‪ .‬له معلقة مطلعها ‪[ :‬البسيط]‬
‫أم هل عرفت الدار بعد توهم‬ ‫هل غادر الشعراء من مرتدم‬
‫‪ -‬ااآلمدي ‪ :‬ملؤتلف واملختلف ‪ ،‬ص ‪. . ϭϵϳ‬‬
‫‪ -Ϯ‬مد مصطفى هدارة ‪ :‬الشعر يف صدر اإلسالم والعصر آموي ‪ ،‬ص ‪. Ϯϵϲ‬‬
‫**آغلب العجلي(‪Ϯϭ‬ه ‪ϲϰϮ‬م)« هو آغلب بن جشم من سعد بن عجل ‪...‬عاش سبعني س ة وكان آغلب جاهليا إسالميا وقتل ب هاوند » ‪.‬‬
‫‪ -‬ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ص ‪. ϰϭϮ‬‬
‫‪ -ϯ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. ϰϭϮ‬‬
‫‪ -ϰ‬مد مصطفى هدارة ‪ :‬الشعر يف صدر اإلسالم والعصر آموي ‪ ،‬ص ‪. Ϯϵϲ‬‬

‫‪329‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫وقد استدعى التطور السياسي يف العصر آموي إ خروج الرجاز من البادية إ املدن‪ ،‬ووصلوا‬
‫خلفاء ب أمية وأمراءهم يف قصورهم ملدحهم ونيل عطاياهم ‪ ،‬فظهر العجاج بن رؤبة (‪ϵϳ-Ϯϱ‬ه)‬
‫الذي« شار برجز يف موضوعات الشعر املختلفة ‪ .‬ومد طاقات آرجوزة الف ية ليدور هبا مع الشعراء يف‬
‫دوائرهم الرئيسية ‪ .‬فمدح وهجا وافتخر وتغزل ووصف ورثى‪ ،‬وشهدت املربد سوق البصرة املشهورة‬
‫نشاطا أدبيا ضخما له ‪ .‬كما شهدت مثل هذا ال شاط قصور ب أمية يف الشام والعراق وغريها من‬
‫آقاليم اإلسالمية ‪ .‬والظاهرة ال تلفت ال ظر يف رجز شيوع الروح الدي ية فيه ‪ .‬ح تتحول بعض‬
‫أراجيز إ مواعظ دي ية خالصة ‪ .‬على و ما نرى يف أرجوزته " التائية " ال قاهلا بعد شفائه من مرض‬
‫[الرجز]‬ ‫أَ َملَّ به ‪ .‬واستهلها مد اهلل والث اء عليه »‪ ،ϭ‬فقال‪:‬‬
‫السماءُ ‪ ،‬واطْ َمأَنَّت‬ ‫َّ‬ ‫بإ ْذنه‬ ‫استَـ َقلَّت‬
‫مد هلل الذي ْ‬ ‫«ا ُ‬
‫استَـ َقَّرت‬
‫َو َحى َهلَا الْ َقَر َار فَ ْ‬ ‫َرض َوَما تَـ َعتَّت‬ ‫بإ ْذنه آ ُ‬
‫َرب البالَد والعباد الْ ُقَّت‬ ‫الراسيَات الثبَت‬ ‫َّها ب َّ‬ ‫وشد َ‬
‫َ‬
‫َّاس ليَـ ْوم الْ َم ْوقت‬
‫وا َام ُع ال َ‬ ‫ث غيّاث امل ْس ت‬ ‫وا َْاع ُل الْغَْي َ‬
‫ُ‬
‫َعدَّت‬‫وس َما أ َ‬
‫يـَ ْوَم تَـَرى ال ـ ُف ُ‬ ‫ْبع َد الْ َم َمات وهو ُْيي امل ْوت‬
‫َ‬
‫م ْن َس ْعي ُدنْـيَا طَا َل َما قَ ْد ُمدَّت‬ ‫ور َغبَّت‬ ‫م ْن نـُُزل إ َذا ْآ ُُم ُ‬
‫إ َ ْاإللَه َخلَ َقه إ ْذ طَ َّمت‬ ‫ض ُاؤها فَأ ََّدت‬ ‫ضى قَ َ‬ ‫َح َّ انْـ َق َ‬
‫اب أَ ْن قَد ُحقَّت‬ ‫يـَ ْوَم يـََرى الْ ُم ْرتَ ُ‬ ‫َغاشيَةُ الَّاس ال تَـغَشَّت‬
‫َو َحي ْاإللَه ‪ ،‬والبالَ َد ُر َّجت»‪.Ϯ‬‬ ‫السماء ان َقدَّت‬
‫نت َّ‬
‫إذا َرأَى َم ْ َ‬
‫والواضح أن العجاج يتحدث يف هذ القصيدة بعد محد هلل « عن خلق السموات وآرض‪ ،‬وعن‬
‫يوم البعث وال شور‪ ،‬مث يعدد ما أنعم اهلل به عليه من نعم ال ُ صى‪ ،‬ويصور خوفه من عقاب اهلل‪ ،‬وأمله‬
‫يف مغفرته ورمحته »‪ .ϯ‬وهذ الروح الدي ية تعد من آفكار ا ديدة يف الرجز ‪.‬‬
‫وسلك العجاج املسلك نفسه يف « أرجوزته " الرائية " املشهورة ال تعد أهم أرجوزة يف ديوانه ‪،‬‬

‫‪ -ϭ‬يوسف خليف ‪ :‬يف الشعر آموي دراسة يف البيئات ‪ ،‬ص ‪. Ϯϭϲ‬‬


‫‪ -Ϯ‬نقال عن‪: :‬املرجع تقسه‪ ،‬ص ص ‪. Ϯϭϳ -Ϯϭϲ‬‬
‫‪ -ϯ‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. Ϯϭϳ‬‬

‫‪330‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫وأيضا أطول أرجوزة فيه ‪ ،‬إذ تبلغ مائة واث ني ومثانني بيتا ‪ .‬فهو يبدؤها مبقدمة دي ية طويلة »‪ ،ϭ‬حيث‬
‫تظهر بوادر اوالته التجديدية يف افتتاحية مطالع قصيدة الرجز من مقدمتها الطللية إ مقدمة دي ية‬
‫[الرجز]‬ ‫فقال‪:‬‬
‫الرمحن َم ْن وَّ الْ َع َوْر‬
‫ُ‬ ‫َو َع َّوَر‬ ‫ين اإللهُ فَ َجبَـ ْر‬ ‫« قَ ْد َجبَـَر الد َ‬
‫موا َ ا َْق إ َّن املو َش َكر‬ ‫فَا َْ ْم ُد هلل الذي أ َْعطَى ا ْرب‬
‫صديق َرأَى برا فَـ َرب‬ ‫وعهد َ‬ ‫ُ‬ ‫َع ْه َد نَيب ما َع َفا َوَم َادثَر‬
‫هم كانوا الْ َوَزْر‬
‫وعهد إخوان ُ‬ ‫وعهدا من ُع َمر‬ ‫ً‬ ‫عهد عثمان‬‫و ُ‬
‫َشدوا له ُس ْلطانهُ َح َّ اقْـتَ َسر‬ ‫صر‬ ‫صبَةُ ال يب إ ْذ َخافُوا ا ً َ‬ ‫َوعُ ْ‬
‫َّجر‬‫اختَ َار له اهللُ الش َ‬
‫ت الذي ْ‬ ‫َْ َ‬ ‫ُسر‬ ‫بالقْتل أقْو ًاما ‪ ،‬وأَقْـ َو ًاما أ َ‬
‫فَ َما َو َن َُ َّمد ُم ْذ أَ ْن َغ َفر‬ ‫اختَ َارُ اهللُ ا َْيـ ْر‬ ‫مد ‪ ،‬و ْ‬
‫الدين به ح َّ ظَ َهر »‪.Ϯ‬‬ ‫َ‬ ‫أَ ْن أَظْ َهَر‬ ‫ضى َوَما َغ َرب‬ ‫له اإللهُ ما َم َ‬
‫إن املتأمل يف هذ آرجوزة يرى بوضوح مدى التطور الف الذي ق الرجز يف العصر آموي ‪،‬‬
‫نظرا للتأثري اإلسالمي يف الشعراء والرجاز ؛حيث من « الواضح أن العجاج قد استبدل مبقدمة آطالل‬
‫التقليدية هذ املقدمات الدي ية اإلسالمية‪ ،‬ال نراها يف طائفة من أراجيز ‪ ،‬وال هي – بدون ذلك ‪-‬‬
‫نتيجة لتأثر باإلسالم ذلك التأثر العميق الذي َُدثـَُا به أخبار ‪ ،‬فقد كان العجاج أشد الرجاز الثالثة *‬
‫تأثرا باإلسالم‪ ،‬وأعمقهم إميانا‪ ،‬وأكثرهم استمدادا من القرآن الكرمي واملعاين اإلسالمية »‪.ϯ‬‬
‫[الرجز]‬ ‫كما سلك املسلك نفسه من حيث االستفتاح باملقدمة الدي ية ‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫وا ْم ُد هلل ‪ ،‬فَ َما َشاءَ أَتَى‬ ‫العشي والض َحى‬ ‫مد هلل َ‬ ‫ا ُ‬
‫ُه َو الَّذي أَنْـَزَل آيَات التـ َقى‪.ϰ‬‬ ‫ب الَّاس َه ْديًا با ْهلَُدى‬
‫َسأ َُل َر َّ‬
‫أْ‬

‫‪ -ϭ‬يوسف خليف ‪ :‬يف الشعر آموي دراسة يف البيئات ‪ ،‬ص ‪. Ϯϭϳ‬‬


‫‪ -Ϯ‬نقال عن ‪ :‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. Ϯϭϳ‬‬
‫‪ -‬وي طر ‪ :‬ابن سالم ا محي ‪ :‬طبقات فحول الشعراء ‪ ،‬ج‪ ، Ϯ‬ص ‪. ϳϱϰ‬‬
‫*الرجاز الثالثة هم ‪ :‬العجاج الراجز ‪ ،‬ورؤبة بن العجاج ‪ ،‬وأبو ال جم العجلي ‪.‬‬
‫‪ -ϯ‬يوسف خليف ‪ :‬يف الشعر آموي دراسة يف البيئات ‪ ،‬ص ‪.Ϯϭϴ‬‬
‫‪ -ϰ‬ابن سالم ا محي ‪ :‬طبقات فحول الشعراء ‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص ‪. 758‬‬

‫‪331‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫حيث يظهر تأثر العجاج باإلسالم يف كثري من رجز ‪ ،‬وهو يف هذ آرجوزة بعد هذ االفتتاحية‬
‫عاد سريعا إ موضوع أرجوزته البدوي ‪.‬‬
‫كما يعد أبو ال جم العجلي (‪ϭϮϬ‬ه ‪ϳϰϳ‬م) من الرجاز الذين تأثروا باإلسالم‪ ،‬وقد ظهر هذا‬
‫التأثر يف « أهم أرجوزة يف ديوان أ ال جم " الميته " املشهورة الطويلة ال يستهلها – كما كان يفعل‬
‫العجاج – مبقدمة دي ية مد اهلل والث اء عليه ‪ ،‬وكأمنا يتحدا ‪ -‬كما دا يف مواقف أخرى‪ -‬يف هذ‬
‫املقدمات ا ديدة ال عرف هبا »‪.ϭ‬‬
‫[الرجز]‬ ‫وقد استهل أبو ال جم العجلي هذ آرجوزة بقوله‪:‬‬
‫أ َْعطَى فَـلَ ْم يـَْب َخ ْل َوَملْ يـُبَ َّخل‪.Ϯ‬‬ ‫مد هلل الْ َوُهوب امل ْجزُل‬
‫ا ُ‬
‫ُ‬
‫ولك ه مل يطيل يف هذ املقدمة الدي ية ‪ ،‬إذ « خرج م ها سريعا إ موضوع أرجوزته آساسي‬
‫الذي يتالءم مع طبيعته البدوية »‪.ϯ‬‬
‫هذ صورة جلية عن تأثر التابعني الشعراء والرجاز باملوروث اإلسالمي وتوظيفه يف شعرهم‪ ،‬والذي‬
‫يعد دفعا قويا إلبداعهم شكال ومضمونا‪ ،‬لذا فما هو موقف التابعني الشعراء من الرتاث العر ا اهلي‪.‬‬
‫وما هي صورة ومظاهر أثر التقليد ا اهلي يف شعر التابعني ؟‪.‬‬

‫‪ -ϭ‬يوسف خليف ‪ :‬يف الشعر آموي دراسة يف البيئات ‪ ،‬ص ‪. ϮϮϬ‬‬


‫‪ -Ϯ‬ابن سالم ا محي ‪ :‬طبقات فحول الشعراء ‪ ،‬ج‪ ، Ϯ‬ص ‪. ϳϰϴ‬‬
‫‪ -ϯ‬يوسف خليف ‪ :‬يف الشعر آموي دراسة يف البيئات ‪ ،‬ص ‪. ϮϮϬ‬‬

‫‪332‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫‪ -Ϯ‬أثر التقليد الجاهلي في شعر التابعين ‪:‬‬


‫مما هو مؤكد أن عصر التابعني قد طُب َع بت وع ثقايف ‪ ،‬فظهرت فيه الثقافات اإلسالمية والعربية‬
‫وآج بية‪ ،‬وكان هلذ الثقافات أثرها البالغ يف فكر ووجدان ولغة الشعراء ‪ ،‬وف هم الشعري ويف أسلوب‬
‫حياهتم آدبية ‪ ،‬ويف ا اههم السياسي‪ ،‬خاصة الشعراء الكبار‪ ،‬الثالثي آموي جرير والفرزدق وآخطل‬
‫الذين ت افسوا يف املدح واهلجاء ‪ ،‬ووجدوا يف ا اههم الف رغبة قوية تعكس ميوالهتم وطموحاهتم‪،‬‬
‫وطموحات ممدوحيهم‪ ،‬ومن أجل قيق « ذلك أقبل هؤالء الشعراء الكبار على الشعر ا اهلي تذونه‬
‫يف ب اء القصيدة وصورها ‪ ،‬وكثري من معجمها ‪ ،‬إال فيما تقضي به الضرورة من بعض اجملاراة لروح العصر‬
‫وما ج ّد من تطور لغوي أو ف ‪ .‬وهبذا – وملا نالو من شهرة ونفوذ – قضوا على ما مت من تطور ف‬
‫ولغوي على أيدي العذريني وغريهم من الشعراء املقلني أو الذين مل تتح هلم تلك الشهرة وذلك ال فوذ ‪.‬‬
‫وأصبح أسلوهبم الشعري ‪ ،‬مما عرف به من رصانة و"جزالة " ونربة عالية ‪ ،‬منطا للفحول من شعراء العربية‬
‫فيما تال من عصور »‪.ϭ‬‬
‫وعلى هذا آساس يكون من امل طقي طرح السؤال اآليت‪ :‬إذا كان التابعون الشعراء قد أقبلوا على‬
‫الشعر ا اهلي تذونه يف ب اء القصيدة وصورها ومعجمها اللغوي‪ ،‬ترى ما هي آسباب ال دفعت‬
‫التابعني الشعراء إ آخذ من موضوعات الشعر ا اهلي وتقليد الشعراء ا اهليني يف مسلكهم الف ؟‬
‫إن اإلجابة عن هذا السؤال تدفع للقول‪ :‬إن ال هج السياسي الذي سلكه خلفاء ب أمية يف‬
‫تسيري شؤون دولتهم يؤكد أن مثة أسباب سياسية وأخرى حضارية دفعت التابعني الشعراء إ آخذ من‬
‫موضوعات الشعر ا اهلي وتقليد الشعراء ا اهليني يف مسلكهم الف ‪ -،‬بعدما كانوا ي هلون من الرتاث‬
‫اإلسالمي‪ ،‬والقرآن العظيم ومعاين آياته ‪ ،‬وقصصه والرموز الدي ية‪ ،-‬حيث إن « ا لفاء آمويون‬
‫أنفسهم مفطورين على حب القدمي ‪ ،‬وقد بعثوا بغري واحد من أب ائهم إ البادية فأقام فيها زم ا‪ ،‬و ب‬
‫أال يغيب ع ا أن السلطة آموية هي سلطة آرستقراطية القبلية العسكرية ‪ ،‬وأهنا تتمتع بامتيازات‬
‫اقتصادية واجتماعية وسياسية ضخمة ‪ ،‬ولذا فليس يف صا ها إ توجيه ا ياة العامة توجيها إسالميا‬
‫نظرا ملا يف اإلسالم من روح املساواة والدميقراطية ال تت اّف وهذ االمتيازات ‪ .‬وقد أدر آمويون مغبة‬
‫هذا اال ا وأيق وا أنه ضرب من االنتحار السياسي‪ ،‬ولذا راحوا ولون أنظار ال اس عن ا ياة اإلسالمية‬

‫‪ -ϭ‬عبد القادر القط ‪ :‬يف الشعر اإلسالمي وآموي ‪ ،‬ص ‪. ϯϬϵ‬‬

‫‪333‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫إ ا ياة ا اهلية ‪ ،‬وراحوا هم أنفسهم يتجهون إ هذ ا ياة ويبعثون ال اس إ املشاركة يف إحيائها‬


‫ومتجيدها‪ ،‬و رضون الشعراء على القول يف موضوعاهتا‪ ،‬ويوازنون بي هم وبني الشعراء ا اهليني‪ ،‬ويوجهون‬
‫شعرهم توجيها سلفيا »‪.ϭ‬‬
‫وقد كان عبد امللك بن مروان أكثر خلفاء ب أمية ميال للشعر ا اهلي‪ ،‬فكان فظه ويرويه‬
‫ويتمثل به ‪ ،‬وهذا مثال من آمثلة ال ذكرهتا أث اء حديثي عن موقف عبد امللك من الشعر والشعراء‪،‬‬
‫حيث بني يف أحد السه لسائه ميله للشعر ا اهلي‪ ،‬ف ـ ـ ـ ـ « قال عبد امللك‪ :‬كان شاعر ثقيف يف‬
‫ا اهلية خريا من شاعرهم يف اإلسالم‪ ،‬فقيل له‪ :‬من يع أمري املؤمني ؟ فقال هلم‪ :‬أما شاعرهم يف‬
‫[الوافر]‬ ‫اإلسالم فيزيد بن ا كم حيث يقول‪:‬‬
‫ضابَا‬‫ك يتُك ا ْ َ‬ ‫إ ْذ سألْت َ‬
‫لست م ه‬‫اب و َ‬ ‫ك الشَّبَ ُ‬ ‫فَ َما مْ َ‬
‫ومكةَ مل يـُ َع ّق ْل َّن الرَكابَا‬
‫َع َقائ ُل من عقائل أهل د‬
‫وال كلباً طََرْد َن َوالَ غَُرابَا‬ ‫أيقع يوم ظعن‬ ‫َ‬ ‫يطرْدن‬
‫ومل ُ‬
‫[الوافر]‬ ‫وقال شاعرهم يف ا اهلية‪:‬‬
‫َّس‬ ‫ب إ ْن يَظْ َه ْر فَ َّ‬
‫عُ ْمًرا يَ ُكو ُن خالله ُمتَـَـف ُ‬ ‫إن وراءَ ُ‬ ‫والشَّْي ُ‬
‫س » ‪.Ϯ‬‬‫وملا بَق ْي م ألب وأ ْكيَ ُ‬ ‫يب قُالََمةً‬‫ص م املش ُ‬ ‫مل يـَْتَق ْ‬
‫فعبد امللك عقد هذ املفاضلة بني شاعرين من ثقيف يف الشباب والشيب‪ ،‬يف املعاين والصور‬
‫الشعرية ‪ ،‬والشاعران ميثالن عصرين تلفني‪ ،‬يف ا ياة االجتماعية والثقافية وآدبية والفكرية والدي ية ‪،‬‬
‫وعبد امللك بكل تأكيد يستميل تفكري ووجدان الشعراء وآدباء ا اضرين يف لسه‪ ،‬من خالل هذ‬
‫املوازنة إ ا ياة ا اهلية‪ ،‬ويثري خياهلم لألخذ من معاين وصور الشعر ا اهلي‪.‬‬
‫وهلذا فال غرابة إذا ظهرت الرغبة السياسية لفاء ب أميه قوية يف تغيري وتوجيه امل ابع الف ية للشعر‬
‫لدى التابعني الشعراء ‪ ،‬ودفعهم قصدا إ آخذ من الرتاث العر ‪ ،‬فَـ ـ ـ ـ ـ « كان الشعر ا اهلي هو الرتاث‬
‫آوحد للشعراء يف العصر آموي‪ ،‬م ه يتعلمون مجيعا وعليه يتخرجون‪ ،‬لكن غري هؤالء الكبار قد‬
‫استطاعوا أن ي تفعوا من الرتاث بالقدر الذي ال ور على مواهبهم وطبيعة عصرهم‪ ،‬على حني سار‬

‫‪ -ϭ‬وهب رومية ‪ :‬ب ية القصيدة العربية ح هناية العصر آموي (قصيدة املدح أمنوذجا ) ‪ ،‬ص ص ‪.ϯϯϱ -ϯϯϰ‬‬
‫‪ -2‬أبو الفرج آصفهاين ‪ :‬آغاين ‪ ،‬طبعة دار الكتب املصرية ‪ ،‬ج‪ ،12‬ص ‪. 290‬‬

‫‪334‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫هؤالء الكبار على درب ا اهليني‪ ،‬يكادون يضعون أقدامهم على آثار أقدامهم خطوة خطوة »‪.ϭ‬‬
‫وهلذا يظهر « أن آمويني قد شجعوا على التماس الصالبة ا اهلية بعد أن انكسرت مبجيء‬
‫اإلسالم »‪ .Ϯ‬إضافة إ هذا مثة عوامل حضارية دفعت التابعني الشعراء إ تقليد الشعر ا اهلي يف‬
‫اإلبداع‪ ،‬نتج ع ها ظاهرتان مها االستجابة للقدمي‪ ،‬و اولة اإلبداع والتجديد يف هنج القصيدة وب ائها‬
‫الف ‪ ،‬حيث « كان العصر آموي قريب عهد بالتقاليد العربية ا اهلية يف ش م احي ا ياة سلوكا‬
‫وتفكريا وتعبريا ‪ .‬ولكن عوامل ا ضارة القوية كانت لبه إ آفاق جديدة ‪ ،‬و يي فيه اإلبداع ‪ ،‬فكان‬
‫يستجيب تارة للقدمي الذي ورثه وتغلغل يف أعماقه ‪ ،‬وتارة أخرى لعوامل التجديد ال تدعو لالبتكار‬
‫والتوليد ‪ .‬ومتثلت يف الشعر آموي هاتان الظاهرتان‪ ،‬فوجدتا جانبا تقليديا اكي الشعر ا اهلي يف هنج‬
‫القصيدة وب ائها الف ‪ ،‬ويف موضوعات الشعر احملددة ال تكاد تلتزم هبا القصيدة التزاما‪ ،‬ويف لغة الشعر‬
‫وموسيقا ‪ ،‬بل يف كل جزئيات الشكل واملضمون‪ ،‬ح ليحس القارئ يف مثل هذا الشعر امتدادا واضحا‬
‫للجاهلية بكل تقاليدها‪ ،‬وكأن الشعراء مل يتغريوا خضوعا للمؤثرات اإلسالمية والعوامل ا ضارية »‪.ϯ‬‬
‫وقد بدا املوقف اإل ا للتابعني الشعراء من الشعر ا اهلي واضحا‪ ،‬من خالل ظهور تأثرهم‬
‫بتقاليد الف ية ‪ ،‬وقد أخذوا من موضوعات الشعر ا اهلي وتقليد الشعراء ا اهليني يف مسلكهم الف‬
‫يف غرضي املديح وال قائض‪ -،‬قال مد مصطفى هدارة‪ « :-‬بعض املوضوعات ال كان الشعراء‬
‫يت اولوهنا مثل املديح‪ ،‬كانت تفرض التمسك بالتقاليد الف ية القدمية وعدم اوزها‪ ،‬وقد رأي ا أن ال قائض‬
‫التزمت يف مضموهنا وشكلها ما عرف من نظامها يف ا اهلية‪...‬على الرغم من أهنا أصبحت يف العصر‬
‫آموي ف ا م ظما متصال يراد به امل اظرة العقلية حي ا ‪ ،‬واللهو واإلضحا والتسلية حي ا آخر‪ .‬وح بعد‬
‫جيل جرير والفرزدق وآخطل ظلت ال قائض جاهلية يف مضموهنا وشكلها معتمدة على الصراع القبلي‬
‫القدمي‪ ،‬ومتثل ذلك يف ال قائض ال كانت بني ابن ميادة * الرماح بن أبرد(ت‪ϭϰϵ‬ه ‪ϳϲϲ‬م ) وا كم‬

‫‪ -ϭ‬عبد القادر القط ‪ :‬يف الشعر اإلسالمي وآموي ‪ ،‬ص ‪. ϯϬϵ‬‬


‫‪ -2‬عبد بدوي ‪ :‬دراسات يف ال ص الشعري عصر صدر اإلسالم وب أمية ‪ ،‬ص ‪. 9‬‬
‫‪ -3‬مد مصطفى هدارة ‪ :‬الشعر يف صدر اإلسالم والعصر آموي ‪ ،‬ص ‪. Ϯϵϭ‬‬
‫اح بن يزيد وميادة أمه وكانت أم ولد و يك أبا شراحيل وهو من ب ُمَّرةَ بن عوف بن سعد بن ذبيان وكان يضرب َجْ َ ْيب أمه ‪...‬‬
‫الرَّم ُ‬
‫*« هو َّ‬
‫ي »‪.‬‬
‫املر ّ‬
‫ويذكرون أمه وأبو من ولد ظامل أ ا ارث بن ظامل ّ‬
‫‪ -‬ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ص ‪. ϱϮϭ‬‬

‫‪335‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫ا ضري ( و ‪ϭϱϬ‬ه‪ϳϲϳ‬م) »‪.ϭ‬‬


‫مع هذا أن امتداد غرض ال قائض حافظ على وجود شكال ومضمونا إ ما بعد عصر‬
‫التابعني‪ ،‬أي عصر جيل تابعي التابعني ‪ ،‬الذي بدأ حياته الف ية بعمق يف العصر العباسي ‪.‬‬
‫وكذلك ا ال ففي العصر آموي مل يسلم غرض الرثاء من التقليد ا اهلي‪ ،‬حيث « مضى‬
‫شعراء الرثاء على طريقته ال ورثها من ا اهلية ‪ ،‬فلم دث فيه ديد ‪ ،‬إال من حيث اختالف طبيعة‬
‫املرثي‪ ،‬فكان رثاء الشيعة لقتالهم‪ ،‬وكذلك ا وارج يتضمن إشادة مبذهبهم لتصوير قتلهم بأنه استشهاد‬
‫يف سبيل العقيدة »‪.Ϯ‬‬
‫أما من حيث الب اء الف للقصيدة آموية ‪ ،‬فإن « الشعراء التقليديني قد ب وا كثريا من قصائدهم‬
‫على غرار القصيدة ا اهلية الطويلة يف منطها الكامل املعروف من نسيب ووقوف على آطالل ووصف‬
‫املطية والرحلة وانتقال إ املدح أو اهلجاء أو الفخر أو السياسة أو غري ذلك من " آغراض" »‪.ϯ‬‬
‫لكن السؤال املطروح هو‪ :‬ملاذا اعتمد التابعون الشعراء تقليد ال مط الف ا اهلي يف الوقوف على‬
‫آطالل ووصف املطية والرحلة ؟ وهل كان ذلك ضروريا يف ب اء القصيدة التابعية رغم تطور العصر ؟‬
‫حقيقة لقد وجد التابعون الشعراء شيئا ذا بال ما زال عالقا يف بيئتهم االجتماعية ‪ ،‬وهي« أن‬
‫املطية والرحلة كانت ما تزال يف صورهتا العامة على ما كانت عليه يف العصر ا اهلي‪ ،‬وكان الشعراء‬
‫مازالوا يركبون اإلبل أو ا يل ويقطعون على ظهورها الصحراء والوديان والوهاد ‪ ،‬فقد كان من املفروض‬
‫أن يق َّل التفات الشاعر إ تلك ا وانب املألوفة من الوصف بعد أن مل تعد ال اقة "رفيقا " و"صاحبا "‬
‫يقل احتفال الشعراء بآطالل‪ ،‬وقد أصبح‬ ‫كما كانت ع د الشاعر ا اهلي‪ ...‬وكان من املفروض أن َّ‬
‫مستقرا يف بعض آمصار ‪ ،‬أو مقيما يف البادية‪ ،‬لك ه ال يضطر إ الرحلة املفاجئة املستمرة‬
‫ً‬ ‫كثري م هم‬
‫كما كان يضطر الشاعر ا اهلي ‪ ،‬وكان من املفروض‪ -‬إذا كان البد من الوقوف على آطالل‪ -‬أن‬
‫يبتدع هؤالء الشعراء صورا جديدة ت اسب روح العصر وطبيعة معجمه وأسلوبه »‪.ϰ‬‬

‫‪ -ϭ‬مد مصطفى هدارة ‪ :‬الشعر يف صدر اإلسالم والعصر آموي ‪ ،‬ص ص ‪. Ϯϵϯ -ϮϵϮ‬‬
‫‪ -Ϯ‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص ص ‪. Ϯϵϰ -Ϯϵϯ‬‬
‫‪ -ϯ‬عبد القادر القط ‪ :‬يف الشعر اإلسالمي وآموي ‪ ،‬ص ص ‪. ϯϭϬ -ϯϬϵ‬‬
‫‪ -ϰ‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. ϯϭϬ‬‬

‫‪336‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫مع هذا أن التابعني الشعراء كان اليهمهم التجديد بقدر ما يهمهم التقليد وتكرار منط اإلبداع‬
‫لدى الشعراء ا اهليني‪ ،‬والتشبه هبم ‪.‬‬
‫رغم أن هؤالء التابعني الشعراء مل يبتدعوا صورا جديدة ت اسب عصرهم‪ ،‬إال أنه قد ظهرت براعتهم‬
‫يف تقليد ال مط الف ا اهلي وتوظيفه يف الب اء الف لقصائدهم؛ حيث « ظلوا يبدئون ويعيدون يف ذلك‬
‫الب اء التقليدي وتلك الصور ال مطية املألوفة‪،‬مع اقتدار واضح على ال ظم وسيطرة بي ة على آداء‬
‫واللغة»‪.ϭ‬‬
‫ولقد كانت « أشهر املقدمات ال افتتحوا هبا مدائحهم وأطالوا فيها هي أشهر املقدمات‬
‫ا اهلية‪ ،‬أع " املقدمة الطللية " مث تليها " مقدمة الظعن "‪ ،‬وتليهما مجيعا " املقدمة الغزلية " ‪ .‬وي فرد‬
‫"رؤبة " وحد تقريبا بإحياء " مقدمة الشيب والشباب " ال ترتدد كثريا يف مدائح " آعشى " »‪.Ϯ‬‬
‫وبرز ظاهرتان يف القصيدة التابعية مها‪ :‬ازدواجية املقدمة ‪ ،‬وطول املقدمات « لدى هؤالء الشعراء‬
‫طوال مسرفا ح زادت على أربعني بيتا يف بعض مدائح " ال ابغة الشيباين* "و "العجاج " ‪ ،‬ومما الريب‬
‫فيه أن احتفال هؤالء الشعراء مبقدمة آطالل هو ضرب من االسرتقاق للقدمي ‪ ،‬فقد كانت " املقدمة‬
‫الطللية " أبرز مقدمة يف الشعر ا اهلي ‪ ،‬ولذا ج حوا إ اإلكثار م ها واالحتفال هبا ‪ ،‬ويكفي أن نذكر‬
‫أن " ذا الرمة " مل يكد يفتتح مدائحه بغري الوقوف على آطالل ‪ ،‬وأن " آخطل" قد استهل نصف‬
‫مدائحه با ديث ع ها ‪ ،‬وأهنا ت تشر انتشارا واسعا يف صدور مدائح " ال ابغة الشيباين"‪ ،‬وأهنا أكثر‬
‫املقدمات دورانا يف مدائح " العجاج "»‪.ϯ‬‬
‫ومن الظواهر الف ية ال متيزت هبا قصائد "ذي الرمة "‪ ،‬هي أن « آطالل ت تشر يف صدور مدائح‬

‫‪ -ϭ‬عبد القادر القط ‪ :‬يف الشعر اإلسالمي وآموي ‪ ،‬ص ‪. ϯϭϬ‬‬


‫‪ -Ϯ‬وهب رومية ‪ :‬ب ية القصيدة العربية ح هناية العصر آموي ( قصيدة املدح أمنوذجا ) ‪ ،‬ص ‪. ϯϱϬ‬‬
‫* «ال ابغة الشيباين أو نابغة ب شيبان ‪ ،‬هو أحد ال وابغ الثالثة بني الشعراء ا اهليني ولإلسالميني ‪ ،‬واآلخران مها ‪ :‬تابغة ب ذبيان ونابغة ب جعدة‪،‬‬
‫والشيباين هو عبد اهلل بن املخارق بن سليم بن حصرة بن قيس بن س ان بن محَّاد بن حاثة بن عمرو بن أ ربيعة بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة بن عكابة‬
‫علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن ه ب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد ‪ .‬ويرتفع نسبه إ ربيعة بن نزار‪...‬والشيباين من شعراء‬ ‫ابن صعب بن ّ‬
‫آمويني املروانيني والسيما عبد امللك بن مروان واب ه الوليد من بعد ‪...‬فقد كان من ضرمي العصرين اإلسالمي وآموي ‪...‬شاعر بدوي من شعراء‬
‫الدولة آموية‪ ،‬وكان يفد إ الشام إ خلفاء ب أمية فيمدحهم و زلون عطاء »‪.‬‬
‫‪ -‬ال ابغة الشيباين ‪ :‬الديوان ‪ ،‬شرحه وضيط نصوصه وقدم له ‪ ،‬عمر فاروق الطّبَّاع ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬لب ان ‪ϭϰϭϳ ،‬ه ‪ϭϵϵϲ‬م ‪ ،‬ص ص ‪. ϲ -ϱ‬‬
‫‪ -ϯ‬وهب رومية ‪ :‬ب ية القصيدة العربية ح هناية العصر آموي ( قصيدة املدح أمنوذجا ) ‪ ،‬ص‪. ϯϱϭ‬‬

‫‪337‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫" ذي الرمة " انتشار السراب يف الصحراء وقت اهلاجرة‪ ،‬فهو اليكاد ميدح إال بعد الوقوف عليها‪ ،‬وال‬
‫يكاد يقف عليها ح يلتفت إ رسومها الف ية املوروثة ‪ ،‬فيبعث جانبا أو جوانب م ها‪...‬فقد راح هذا‬
‫الشاعر ‪ -‬ككل الشعراء السلفيني – يي الرسوم الف ية القدمية ويولد فيها وميد يف طاقتها ‪ ،‬ويستعري‬
‫بعض الصور الشعرية أيضا ‪ ،‬ويضم إليها كثريا من الصور ا ديدة ال يبدعها ‪ ،‬ويتكئ على أداته الف ية‬
‫ال برع يف استخدامها – أع التشبيه – فإذا أطالله صورة من أطالل القدماء وقد امتألت بالتفاصيل‬
‫[الطويل]‬ ‫واملالمح الدقيقة »‪ .ϭ‬وهذا ما يظهر يف قوله‪:‬‬
‫يع َس َقامي‬‫ت َرج َ‬
‫هاج ْ‬
‫ملي وإن َ‬
‫ّ‬ ‫« أَالَ َحيّيا بالزرق َ‬
‫دار ُمقام‬
‫س يَّةُ َرقْم يف َسَراة قَرام*‬ ‫على ظَ ْهر َجرعاء الكثيب َّ‬
‫كاهنا‬ ‫ْ‬
‫من الع ن آ َْرو ُ‬
‫اح َغْيـَر ُحطَام‬ ‫َ‬ ‫إ ج ب َمأْوى جامل مل ْ‬
‫تدع به‬
‫وض َميَام‬
‫ات َو ْدع أو قُـيُ ُ‬ ‫ل َقاطَ ُ‬ ‫كأن بقايا حائل يف ُمراحه‬ ‫َّ‬
‫بعد ُرَزام‬
‫طار الفر ُخ َ‬ ‫أ َْه َف َن َو َ‬ ‫ائد بعدما‬ ‫َس َن العو ُ‬
‫ك أَيأ َ‬ ‫تَرائ ُ‬
‫كل ظَالَم‬
‫هبا من خصاص الرمث َّ‬ ‫يح أو كل بكْرة‬ ‫َخالَةُ َ ن الر ُ‬
‫عازف وبُغام‬ ‫من‬ ‫هبا خ ْل َقة‬ ‫وللوحش وا ْ ّان كل عشية‬
‫ا فون تـُ َؤام‬ ‫بني‬
‫َ‬ ‫مبعتسف‬ ‫َسبلت‬ ‫كحلت هبا إنسا َن عي فأ ْ‬
‫ُ‬
‫غري َغَرام »‪.Ϯ‬‬
‫ا ب ُ‬ ‫هذا‬ ‫َوما ُكل‬ ‫مي وقد َشطَت ال وى‬ ‫تُبكي على ّ‬
‫يتجلى ٓول وهلة أن هذ القصيدة تزخر باملعاين البدوية ‪ ،‬ال تعلق هبا ذو الرمة ‪ ،‬وهي تسري يف‬
‫صورها على هنج الشعراء ا اهليني ‪ ،‬مع إبداعه لبعض الصور‪،‬وقد علق وهب رومية على هذ القصيدة‬
‫فقال‪ « :‬فهو يصط ع أساليب القدماء يف اطبة الصاحبني وسؤاهلما أن ييا الديار‪ ،‬ويف ديد موطن‬
‫هذ الديار ديدا دقيقا ‪ ،‬ويف تسمية صاحبتها ‪ ،‬وتصوير آياهتا الباقية ‪ ،‬وما يرتدد فيها من أصوات‪ ،‬مث‬

‫‪ -ϭ‬وهب رومية ‪ :‬ب ية القصيدة العربية ح هناية العصر آموي ( قصيدة املدح أمنوذجا ) ‪ ،‬ص ص ‪. ϯϱϵ -ϯϱϴ‬‬
‫* القرام ‪ :‬الثوب ‪ .‬سراته ‪ :‬ظهر ‪ .‬الرقم ‪ :‬ال قوش ‪ .‬الع ن ‪ :‬حظائر اإلبل ‪ .‬حائل ‪ :‬البعر حال عليه ا ول ‪ .‬القيوض ‪ :‬القشور ‪ .‬ترائك ‪ :‬مهملة ‪.‬‬
‫العوائد ‪ :‬صزاحب البيض اللوايت تعود ‪ .‬أهفن ‪ :‬أصابتهن ريح الصيف ا ارة ‪ .‬الرزام ‪ :‬الذي اليطري ‪ .‬الرمث ‪ :‬شجر ‪ .‬ا ان ‪ :‬ا ن ‪.‬مع سف ‪ :‬ري‬
‫بال انقطاع ‪.‬‬
‫‪ -‬نقال عن ‪ :‬املرجع نفسه ‪ ،‬هامش ص ‪. ϯϲϬ‬‬
‫‪ -Ϯ‬نقال عن ‪ :‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص ص ‪. ϯϲϬ -ϯϱϵ‬‬

‫‪338‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫يف هذا البكاء املتصل الغزير حزنا على فراق حبيبته ‪ .‬وهو يستعري صورة الديار من آسالف ‪ ،‬ويبتدع‬
‫بعض الصور آخرى فإذا البعر كقطع الودع آبيض‪ ،‬أو كقشور بيض اليمام‪ ،‬وال يكتفي "ذو الرمة "‬
‫بإحياء هذ املقومات الف ية ‪ ،‬وضم بعضها إ بعض‪ ،‬بل يدقق فيها وميتد هبا و ح إ تقصي الصورة‬
‫ال يرمسها على و ما ص ع بصورة بيض اليمام ‪ .‬لقد رأى "امرأ القيس" يصف البعر يف عرصات الديار‬
‫فراح يصفه هو اآلخر‪ ،‬ولك ه مل يوجز يف الصورة ا از امرئ القيس‪ ،‬بل راح يوسعها ويتقصاها ‪ .‬لقد‬
‫أسرف "ذو الرمة " يف إحياء الرسوم الف ية القدمية ح مل يكد يغفل شيئا م ها فيما أحسب ‪ ،‬وقد حاول‬
‫أن يطورها مجيعا ‪ ،‬ولك ه مل يعن بواحد م ها ع ايته بتصوير املطر يف آطالل ‪ ،‬وتصوير نفسه وبكائه‬
‫فيها ‪ .‬لقد كان "ذو الرمة " بدويا فال غرابة يف أن سن وصف املطر‪ ،‬وهلذا عرف ذلك القدماء‬
‫وسجلو »‪.ϭ‬‬
‫هذا مثال عن املقدمة الطللية يف قصائد "ذي الرمة "‪ ،‬لكن مثة « بعض املقدمات آخرى ال أمل‬
‫هبا بعض هؤالء الشعراء إملاما يسريا‪ -‬أو يسريا جدا – يف بعض مدائحهم كمقدمة " الطيف " لدى‬
‫"آخطل" و " الراعي " ومقدمة " الشكوى" لدى " الراعي " و " العجاج "؛ واملقدمة الدي ية – وهي‬
‫غصن إسالمي مل تعرفه شجرة الشعر العر قبل " لبيد " – لدى "العجاج "‪ .‬و ن مل نفصل القول يف‬
‫هذ املقدمات ٓهنا نادرة جدا ‪ ،‬ال يكاد مييزها املرء يف هذ اللجة اإلحيائية العالية »‪.Ϯ‬‬
‫واستمر التابعون الشعراء يف تقليد الشعراء ا اهليني يف مطالع قصائدهم على ت وعها‪ « ،‬ولكي‬
‫نتبني مدى تقليدهم ودوراهنم يف دائرة مغلقة حول بعض الصور و" املعاين " ال مطية ‪ ،‬ال أصبحت من‬
‫تقاليد املطالع ا اهلية ‪ .‬أن نستقرئ يف شعرهم صورة من تلك الصور‪ ،‬هي ا ديث عن الشيب ‪.‬‬
‫فس رى أن ا ديث ال يعدو أن يكون تكرارا ملع هو إعراض ال ساء عن الشاعر أو لومهن إيا على‬
‫تصابيه ‪ .‬أو بكاؤ هو على مافات من صبا ‪ .‬ومع أن ا ديث عن الشيب ميكن أن يكون كما كان يف‬
‫العصر ا اهلي وغري من العصور‪ ،‬وكما كانت آطالل يف العصر ا اهلي‪ ،‬رمزا لشعور إنساين هو من‬
‫صميم إحساس اإلنسان مبأساته يف ا ياة ‪ ،‬فإن ا س به ع د هؤالء الشعراء رد " لب ة " متأل ف ـ ـ ـ ـراغا يف‬

‫‪ -1‬وهب رومية ‪ :‬ب ية القصيدة العربية ح هناية العصر آموي ( قصيدة املدح أمنوذجا ) ‪ ،‬ص ص ‪. ϯϲϭ -ϯϲϬ‬‬
‫‪ -Ϯ‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. ϰϭϲ‬‬

‫‪339‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫ب اء القصيدة التقليدية ‪ ،‬خالية من الشعور بعيدة عن االلتحام بسائر أجـزاء املطلع التقليدي »‪ ،ϭ‬أما‬
‫تقليد التابعني الشعراء للجاهليني يف حديثهم عن الشيب والشباب ‪ ،‬فمن أمثلة ذلك قول الفرزدق يف‬
‫[الطويل]‬ ‫مدحته هشام بن عبد امللك حيث استهل مدحه فقال‪:‬‬
‫ُسود وشيبُـ َها‪.Ϯ‬‬ ‫ُملُو َشباب كآ ُ‬ ‫أيت ب مروا َن يـَ ْرفَ ُع ُمل َك ُه ْم‬ ‫ر ُ‬
‫[الطويل]‬ ‫كما استهل مطلع قصيدته يف مدح الورد ا ف بقوله‪:‬‬
‫ب ‪.ϯ‬‬
‫س أَ ْشيَ ُ‬‫الراْ ُ‬
‫ضل و َّ‬
‫حج ًة تَ ْذ ُك ُر أ َُّم ال َف ْ‬‫عني َّ‬ ‫أَ َملْ يَ ُ‬
‫ك َج ْهالً بَـ ْع َد َسْب َ‬
‫وكان الفرزدق قد افتتح إحدى قصائد يف مدح ا جاج بازدواجية املقدمة بالغزل وا ديث عن‬
‫[الوافر]‬ ‫الشيب والشباب ‪ ،‬فقال له‪:‬‬
‫املالََمةَ والعتَأبَا‬ ‫وتُكْث ُر‬ ‫ت ََ‬ ‫ت نَو َار قد َج َعلَ ْ‬ ‫َرأَيْ ُ‬
‫يهن َشابَا‬ ‫س طَالب ّ‬ ‫إذا ما رأْ ُ‬ ‫ث َع ْهد ُود َ و َذا َ بالْغَ َواين‬ ‫َح َد ُ‬
‫َوأ ْ‬
‫َوالَ أ َْر ُجو َم َع الك َرب الشَّبَابَا‬ ‫يع َرَّد الشَّْيب َع‬ ‫َستَط ُ‬ ‫فَالَ أ ْ‬
‫إ َ يـَ ْوم الْقيَ َامة َكا َن َغابَا‬ ‫ب يـَ ْوَم َغ َدا َعلَْي ا‬‫ت الَشَّْي َ‬ ‫فَـلَْي َ‬
‫ض َغائب يـُْر َجى إيَّابَا‬ ‫َوأبْـغَ ُ‬ ‫ب ُمْتَظَر إلَْيـَا‬ ‫َح َّ‬
‫فكا َن أ َ‬
‫وملْ أ ََر مثْ َل ك ْسوته ثيَابَا‬ ‫اع ُدنْيا‬
‫فَـلَ ْم أ ََر َكالشَّبَاب َمتَ َ‬
‫به َح َجر م َن ا َبَـلَ ْني َذابَا‪.ϰ‬‬ ‫اب يَـ ْوًما‬‫َّباب يُ َذ ُ‬
‫أن الش َ‬ ‫و ْلو َّ‬
‫[الوافر]‬ ‫ويف هذا املضمار ه ا أمثلة كثرية موجودة يف ديوان جرير من ذلك قوله‪:‬‬
‫ث الشَّبَابَا‬‫ب ق ْد ور َ‬
‫اصلَة العتَابَا و ْأم َسى الشَّْي ُ‬ ‫من املُو َ‬
‫ت َ‬ ‫َسئ ْم ُ‬
‫الس َحايَا‬
‫ت به َّ‬ ‫الريُاح ُمبَشَرات إ َ بـَ ْني نـََزلَ ْ‬ ‫ت َم ْو ُج ّ‬ ‫َغ َد ْ‬
‫َوكّأ الَنُقر لَك اغتيَابَا‪.ϱ‬‬ ‫لََق ْد أَفْـَرَزت َغْيبَتُـَا ل َواش ‪،‬‬
‫[البسيط]‬ ‫وقال جرير ميدح أيوب بن سليمان بن عبد امللك‪:‬‬

‫‪ -ϭ‬عبد القادر القط ‪ :‬يف الشعر اإلسالمي وآموي ‪ ،‬ص ‪. ϯϭϬ‬‬


‫‪ -Ϯ‬الفرزدق ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. ϳϵ‬‬
‫‪ -ϯ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪ . ϵϬ‬و ص ‪. ϵϲ‬‬
‫‪ -ϰ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ص ‪. ϵϴ -ϵϳ‬‬
‫‪ -ϱ‬جرير ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. ϯϰ‬‬

‫‪340‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫وب‬
‫ك بـَ ْع َد الشَّْيب َمطْلُ ُ‬
‫يب أ َْم َه ْل َشبَأبُ َ‬
‫ت َْر ُ‬ ‫َّك إ ْن َجَّربْ َ‬
‫َه ْل يـَْـ َف َع َ‬
‫ب ‪.ϭ‬‬
‫ك آ ََهاض ُ‬ ‫يَا َمْزَل ا َي َج َادتْ َ‬ ‫ك ب ُس ْل َمانَني َمْزلَة‬ ‫أ َْم َكلَّ ْمتُ َ‬
‫[الوافر]‬ ‫وافتتح قصيدته مجع فيها بني الفخر والتهديد ‪ ،‬با ديث عن املشيب فقال‪:‬‬
‫يب ‪.Ϯ‬‬‫ت َه َوى َعج ُ‬ ‫وذلك إ ْن َع َجْب َ‬
‫َ‬ ‫يب‬
‫ك املش ُ‬ ‫الح ب َ‬
‫حني َ‬ ‫أتطرب َ‬ ‫ُ‬
‫[الوافر]‬ ‫كما افتتح قصيدته يف مدح عبد امللك بن مروان با ديث عن الشيب فقال‪:‬‬
‫بالرَواح‬
‫ك َّ‬ ‫ص ْحبُ َ‬‫عشيَّةَ َه َّم َ‬ ‫صاح‬ ‫بل فُؤاد َ غريُ َ‬ ‫صحو ْ‬ ‫أَتَ ْ‬
‫أهذا الشيب ميَْتَـعُ مَراحي‪.ϯ‬‬ ‫العاذالت ‪ :‬عال َ َشْيب ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫تقول‬
‫ُ‬
‫ورغم تطور العصر آموي اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا بل وحضاريا‪ ،‬د التابعني الشعراء يقلدون‬
‫الشعراء ا اهليني يف « وصف الرحلة ‪ ،‬الذي نصادفه يف كثري من قصائدهم الطويلة فال اقة ع دهم‬
‫‪-‬كما كانت ع د الشاعر ا اهلي‪ " -‬مشلّة وج اء ع رتيس" قوية الب يان مجة ال شاط شديدة ا َْلَد على‬
‫مكار الصحراء ‪ ،‬عارفة بطرقاهتا كأهنا القطا ‪ ،‬تبلغ بركاهبا غايته مهما تالق من كالل هتزل معه ح‬
‫ول عليها نسوعها وتدمي أخفافها وتغور عي اها ويتصبب العرق‪ -‬كالقطران يف أغلب آحيان ‪ -‬على‬
‫وجهها وجسدها ويتجمد َزبَ َدها على خطمها ورأسها ‪ ،‬و هض ح ي ها فتأكله الذئاب ‪ .‬وال يكاد شاعر‬
‫يصف رحلة هي ة مط مئ ة ‪ ،‬وال ناقة ال تبلغ هبا الرحلة كل هذا ا هد ‪ ،‬فقد كان هم الشاعر‪ -‬يف‬
‫آغلب‪ -‬أن يرضي نزعته الف ية إ اراة ا اهليني‪ ،‬ويرضي املمدوح بتهويل ما القى يف طريقه إليه من‬
‫أهوال »‪.ϰ‬‬
‫فقد كان التابعون الشعراء يف تقليدهم منط الشعراء ا اهليني‪ ،‬يون تار ا اجتماعيا وف يا‪ « ،‬دون‬
‫أن تكون للشاعر زاوية رؤية أو وجهة نظر أو إضافة أو ابتكار‪ ،‬توحي بأنه يف أغلبه رد " جزئية " يف‬
‫الصورة التقليدية العامة ‪ .‬وحسب ا أن نتتبع لفظة واحدة مما توصف به ال وق عامة ع د هؤالء الشعراء هي‬
‫" ُخوص " أي غائرة العيون ‪ ،‬ل در إ أي حد كان هذا الوصف نابعا من التقليد احملض ال من طبيعة‬

‫‪ -ϭ‬جرير ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ص ‪. ϱϬ -ϰϵ‬‬


‫‪ -Ϯ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. ϱϯ‬‬
‫‪ -ϯ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ص ‪ . ϭϬϭ -ϭϬϬ‬وي ظر ‪ :‬الصفحات التالية ‪ .ϭϲϰ -ϭϱϵ -ϭϱϮ -ϭϯϳ -ϭϬϰ :‬وقد ذكر جرير الشباب والشيب‬
‫كثريا يف قصائد ميكن ٓي قارئ لديوانه أن يقف على ذلك ‪.‬‬
‫‪ -ϰ‬عبد القادر القط ‪ :‬يف الشعر اإلسالمي وآموي ‪ ،‬ص ‪. ϯϭϰ‬‬

‫‪341‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫التجربة وما قد تتضمن صورها من رموز »‪.ϭ‬‬


‫[الوافر]‬ ‫ويف هذا التقليد قالت الشعراء وم هم ‪ :‬قول جرير يف مدح عمر بن عبد العزيز‪:‬‬
‫الزبَد ا َعاد‪.Ϯ‬‬ ‫ك َّ‬ ‫وه ْن ُخوص يُط ْر َن َش َواب َ‬ ‫ين ُ‬ ‫الرب َ‬
‫َُاذبْ َن ُ‬
‫[الطويل]‬ ‫وجاء يف ث ايا قول جرير يف هجاء التيم‪:‬‬
‫َصاب عظَ ًاما من أَخشَّت َها امل ْربي‪.ϯ‬‬‫اخة أ َ‬ ‫و ُن لَ َدى أعضاد خوص ُمَ َ‬
‫ُ‬
‫[البسيط]‬ ‫ومما قاله جربر يف مدح يزيد بن عبد امللك‪:‬‬
‫فيهن من عُور‪.ϰ‬‬ ‫ورا ‪ ،‬وما َّ‬ ‫نب عُ ً‬
‫ُْ َس ْ َ‬ ‫استَـ ْقبَـ ْل َن َهاجَرًة‬
‫وص العيون إذا ْ‬‫ُخ ُ‬
‫[الوافر]‬ ‫ومما قاله الفرزدق يف مدح ا جاج‪:‬‬
‫مرت الرَكابَا‬
‫َض َ‬
‫لهُ مب ً َوأ ْ‬ ‫ت قُـَريْش‬ ‫فإين ‪ ،‬والذي َََر ْ‬
‫ليَ ْستَل ُموا آ ََواس َي وا َجابَا‪.ϱ‬‬ ‫وص‬
‫وهن ُخ ُ‬ ‫دين ‪َّ ،‬‬ ‫إليه ُملَبَّ َ‬ ‫ْ‬
‫[البسيط]‬ ‫ومما قاله الفرزدق يف مدح عمر بن عبد العزيز‪:‬‬

‫َّهجريُ والبُ َك ُر‬


‫إ ابْن لَْيلى بَا التـ ْ‬ ‫َّعائم يـُْزجيَا تَـَـقلَ َها‬ ‫مثْ ُل ال ـ َ‬
‫ت أُم الدبـَ ُر‪.ϲ‬‬ ‫أَ ْشكي إلَْيـ َها إ َذا ر َ‬
‫اح ْ‬ ‫يج ما تَ ْدري أما نَعيت‬ ‫وصا َحَراج ُ‬ ‫ُخ ً‬
‫[البسيط]‬ ‫وقال الفرزدق‪:‬‬

‫ضر ُير‪.ϳ‬‬ ‫ُخوص ‪ ،‬أََْ ُن وبي َّ‬


‫هن َ‬ ‫ت ب َش َعث عْ َد أ َْر ُحل أَيْـُق‬
‫طَافَ ْ‬
‫والواضح أن كلمة " ُخوص " املذكورة يف مدائح الشعراء ما هي « إال أمنوذجا واحدا للمعجم‬
‫املتكرر ع د كل الشعراء ‪ ،‬والصيغ املشرتكة بي هم يف هذا اجملال‪ -...‬ويف تقليدهم للجاهليني ‪ -‬قد ارتدوا‬
‫إ تلك آلفاظ ال كان يستخدمها الشعراء ا اهليون يف الوصف والرحلة وال كانت قد بدأت تفي‬
‫يف شعر العذريني وغريهم من الشعراء الذاتيني ح عرفت ع د أهل العصر ودارسيه " بالغريب " والشك‬

‫‪ -ϭ‬عبد القادر القط ‪ :‬يف الشعر اإلسالمي وآموي ‪ ،‬ص ‪. ϯϭϱ‬‬


‫‪ -Ϯ‬جرير ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. ϭϭϵ‬‬
‫‪ -ϯ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. ϭϵϮ‬‬
‫‪ -ϰ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. ϮϮϰ‬‬
‫‪ -ϱ‬الفرزدق ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. ϵϵ‬‬
‫‪ -ϲ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ص ‪. ϮϬϰ -ϮϬϯ‬‬
‫‪ -ϳ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. ϯϬϮ‬‬

‫‪342‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫أن تلك آلفاظ كان هلا يف البداية مدلوالت وإ اءات خاصة بب يان ال اقة أو صفة سريها وبطبيعة الطريق‬
‫ومح ُر ‪ ،‬لك ها ع د هؤالء الشعراء قد فقدت‬ ‫واهلاجرة والسراب وا بال وحيوان الصحراء من ظباء وثريان ُ‬
‫بإسرافهم يف استخدامها دالالهتا آو املوحية بضروب خاصة من الصفات وآحوال ال فسية ‪،‬‬
‫وأصبحت رد أمساء ملوصوفاهتا آو ‪ ،‬وذلك كقوهلم عن ال اقة‪َ ":‬ج َهْبَ َذة ‪َ .‬ع َذ َّوَرة ‪ .‬ع رتيس ‪ .‬قُراسيَّة‬
‫‪.‬ح ْر ُجوج ‪ُ .‬ج ْر ُش َعة ‪ .‬ع ْرمس " إ آخر تلك آلفاظ ال كانت من قبل صفات فعادت بكثرة‬ ‫ُ‬
‫االستخدام رد أمساء »‪.ϭ‬‬
‫ولكن بعض ال قاد يرى « أن الغرابة ال تعرتض شعر الفرزدق ال تتعلق بغرابة آلفاظ؛ من حيث‬
‫داللتها املعجمية ولك ها تتعلق بغرابة أخرى ‪ ،‬هي غرابة »‪ « Ϯ‬الصيغ ال قل استعماهلا ‪ ،‬فبعثها الفرزدق‬
‫من مرقدها لتتألق يف شعر »‪ ، ϯ‬وهذا ما جعل اللغويون يولعون بشعر ‪ ،‬فـ ـ ـ ـ « كانوا يقعون فيه على‬
‫ال ادر الغريب من صيغ آلفاظ والرتاكيب ‪ ،‬واملشتقات ‪ ،‬أو البديع العجيب من از القرآن وك اياته مما‬
‫مل يألفو »‪.ϰ‬‬
‫وقد توسع التابعون الشعراء يف آخذ من الرتاث ا اهلي يف الصور العاطفية املمزوجة بكثري من‬
‫الغريب‪ ،‬والوقوف على آطالل ووصف الرحلة ‪ ،‬حيث نالحظ « الصور العاطفية يف مقدمات تلك‬
‫القصائد الطوال رأي ا الشاعر اليكاد رج عن نطاق الشعر ا اهلي يف ذلك اجملال ‪ ،‬وقد يقرتب أحيانا‬
‫فيلح على معاين ا رمان والفرقة والتفاين يف ا ب ‪ ،‬بأسلوب يرقى نسبيا عن‬
‫من طبيعة الشعر العذري ّ‬
‫أسلوبه يف سائر أجزاء القصيدة ‪ ،‬لك ه يظل مع ذلك مشوبا بكثري من التوتر تفظا بتلك " الرصانة "‬
‫الشائعة يف باقي مواطن القصيدة وكأمنا يتهيأ الشاعر ملا هو مقبل عليه من وصف أو مدح أو فخر أو‬
‫هجاء يصوغه يف ذلك آسلوب " ا ليل " والعبارة الط انة احملكمة ‪ .‬وال لو تلك الصور العاطفية من‬
‫كثري من الغريب الذي يستخدمه الشاعر يف أجزاء القصيدة آخرى‪ ،‬ومن اختالط جو الوقوف على‬

‫‪ -ϭ‬عبد القادر القط ‪ :‬يف الشعر اإلسالمي وآموي ‪ ،‬ص ‪. ϯϭϳ‬‬


‫‪ -Ϯ‬مد أمني املؤدب ‪ :‬اإلتباع واالبتداع يف الشعر آموي القصيدة املادحة أمنوذجا ‪ ،‬ص ‪. ϯϱϭ‬‬
‫‪ -ϯ‬تقال عن ‪ :‬املرحع نفسه ‪ ،‬ص ‪. ϯϱϭ‬‬
‫‪ -‬شاكر الفحام ‪ :‬الفرزدق ‪ ،‬ط‪ ،ϭ‬دمشق ‪ ،‬دار الفكر ‪ ،‬ص ‪. ϰϯϳ‬‬
‫‪ -ϰ‬تقال عن ‪ :‬مد أمني املؤدب ‪ :‬اإلتباع واالبتداع يف الشعر آموي القصيدة املادحة أمنوذجا ‪ ،‬ص ‪. ϯϱϭ‬‬
‫‪ -‬شاكر الفحام ‪ :‬الفرزدق ‪ ،‬ص ‪. ϰϯϳ‬‬

‫‪343‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫آطالل ووصف املطية والرحلة يث يشعر السامع أهنا رد لب ات تكمل الب اء التقليدي »‪.ϭ‬‬
‫[البسيط]‬ ‫ويتجلى هذا يف قول جرير يف مدح معاوية بن هشام بن عبد امللك‪:‬‬
‫مام أَقْـيَاد‬
‫أ َْر َ‬ ‫َُيَّسة‬ ‫يـُْزالً‬ ‫اإلصعاد‬
‫ْ‬ ‫ب ا ي‬ ‫« قد قَـَّر َ‬
‫من َخطْر وإلْبَاد‬ ‫ف ْ‬ ‫صر ُ‬
‫مما تُ َ‬ ‫طها‬
‫الوْرس َخالَ َ‬ ‫صيم َ‬
‫كأن َع َ‬ ‫ص ْهبًا َّ‬
‫ُ‬
‫بع ا ْ ادي‬ ‫حاجة لو يـَ ْر ُ‬
‫ت َذا َ‬ ‫قَ ْد ُكْ ُ‬ ‫َْ ُدو هبم َزجل للبَـ ْني ُم َع َرتف‬
‫َح َفاد‬
‫ت َعلَْيك َذوي ض ْغن َوأ ْ‬‫اج ْ‬
‫َه َ‬ ‫ت‬
‫ني يـَ ْوَم الْبَـ ْني إ ْذ َذ َرفَ ْ‬ ‫أالَ نـََرى َ‬
‫الع َ‬
‫الصادي‬ ‫يل اهلَائم َّ‬
‫ت روي َغل َ‬ ‫ْلو شْئ ُ‬ ‫صف‬ ‫َح ّألت ا عن قراح املُْزن يف َر َ‬
‫يَا أم عمرو ‪ ،‬وحدَّاد َو َحدَّاد‬ ‫من قَوم َُاذ ُرُه ْم‬ ‫ك ْ‬ ‫َك ْم ُدون بَاب َ‬
‫للرهني الذي استغلَ َقت من فَادي‬ ‫وّ‬ ‫ت به‬ ‫هل من نَوال لَ َموعود َ لَ ْ‬ ‫ْ‬
‫جور َوأَفْـَاد‬ ‫قَـ ْوًما يَلجو َن يف ْ‬ ‫ت فاحشة‬ ‫لَ ْو ُكْت َك َذبْت إ ْذمل تـُ ْؤ َ‬
‫وشدَّاد‬
‫َزيد َ‬ ‫ممَّا ذَ َك ْرت إ‬ ‫ت َحديثًا بـَ ْع َد َم ْوثقَا‬ ‫فق ْد َمس ْع ُ‬
‫للح ّي ملْ يـَْب َق م ها َغْيـ ُر أَبْالَد‬
‫َ‬ ‫ت‬‫َح ّي امل ازَل بالْبُـ ْرَديْن ق ْذ بَليَ ْ‬
‫َجالَدي‬‫ني كما َغيَّـ ْر َن أ ْ‬ ‫َمر الس َ‬ ‫بع َغْيـَرُ‬
‫الر َ‬
‫ف َه َذا ّ‬ ‫ت تَـ ْعر ُ‬
‫َما ك ْد َ‬
‫ين ُم ْعتَادي‬
‫أن اهلََوى بَـ َقا يـَ ْرب َ‬‫َّ‬ ‫َحد‬‫من أ َ‬‫ت ْ‬ ‫ُخ ْرب ُ‬
‫ت َوما أ ْ‬
‫لََق ْد َعل ْم ُ‬
‫ك يف أ َْمثَال َعبَّاد‬ ‫ات َرب َ‬
‫َع َاد ُ‬ ‫اهلل َد ّمَر َعبَّ ًادا وش َيعتَهُ‬
‫اجت َهاد‬
‫من ص ْدق و ْ‬ ‫َما يـَ ْعلَ ُم اهللُ ْ‬ ‫ني هلُ ْم‬
‫ال أَمريُ املؤم َ‬ ‫قَ ْد كا َن قَ َ‬
‫َض َّل فَ َما يَـ ْهديه م ْن َهادي»‪.Ϯ‬‬
‫َوَم ْن أ َ‬ ‫َم ْن يـَ ْهد اهللُ يَهتَ ْد الَ ُمض َّل لَهُ‬
‫« ومن مظاهر احتذاء الشعراء للشعر ا اهلي‪ ،‬أهنم يصفون أنفسهم وممدوحيهم من ملو وأمراء‬
‫وقواد ‪ ،‬مما كان ميدح به السيد العر يف البادية‪ ،‬كالقرى يف صورته املادية املألوفة حي ذا من ر اإلبل‬
‫ورفع القدور وإشعال ال ربان ‪ ،‬مع ما قد يكون ه ا من مفارقة بني تلك الصورة القدمية وصورة القرى "‬
‫امللكي "‪ ،‬أو املدين يف دمشق أو غريها من املدن ‪ .‬ولس ا نريد ه ا أن اسب الشاعر على " الصدق‬
‫الواقعي " ‪ ،‬لكن تكرار تلك الصور بألفاظها ويف مواط ها املعتادة من القصيدة دون أية اولة ظاهرة‬

‫‪ -ϭ‬عبد القادر القط ‪ :‬يف الشعر اإلسالمي وآموي ‪ ،‬ص ص ‪. ϯϮϬ -ϯϭϵ‬‬
‫‪ -Ϯ‬جرير ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ص ‪.. ϭϰϳ -ϭϰϲ‬‬

‫‪344‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫لالبتكار أو التجديد ‪ ،‬يفرض على شعورنا اإلحساس بالتقليد واالحتذاء »‪.1‬‬


‫[الطويل]‬ ‫ومما قاله جرير يف هجاء آخطل‪:‬‬
‫صلب‪.2‬‬
‫وَملْ يـَْب َق ن ْقي يف ُسالََمى َوالَ ُ‬ ‫ني ُْ َم ُد بالْقَرى‬ ‫وإنّا لََـ ْقري ح َ‬
‫[الطويل]‬ ‫وقال‪:‬‬
‫إ َذا ملْ ي ُك ْن ر ْس ُل شواءُ ُملَ َّو ُح‬ ‫آضياف إ ْن نـََزلُوا بَا‬
‫ُ‬ ‫يك و‬
‫َسيكف َ‬
‫الفائز املتَ َملَّ ُح‬
‫َضيافَا ‪ ،‬و ُ‬ ‫ْٓ‬ ‫َوجام َعة الَ َْ َع ُل السْتـ ُر ُدونـَ َها‬
‫ضَر ُح‬ ‫ُمشُوس تَ ُذب العائدين وتَ ْ‬ ‫ُركود تَسامى باحملال ‪َ ،‬كأهنا‬
‫ور يف أ َْرجائَها يـَتَطََّو ُح ‪.ϯ‬‬ ‫الز َ‬
‫تَـَرى َّ‬ ‫إذا َما تَـَراما الغَْل ُي يف ُح ُجراهتا‬
‫[الوافر]‬ ‫وجاء يف مدحه للعباس بن الوليد‪:‬‬
‫ني ب َع ْقد َجار‬
‫العالَم َ‬ ‫َوأ َْو َّف‬ ‫ضيف‬ ‫َّك خْيـ ُر َم ْوضع رحل ْ‬
‫وإن َ‬
‫دين َعن الذ َمار ‪.ϰ‬‬
‫الذائ َ‬ ‫َويَا ابْ َن‬ ‫ابن املطْعمني إذا َشتَـ ْونا‬
‫فيَا َ‬
‫[الطويل]‬ ‫وقال الفرزدق لعمر بن الوليد بن عبد امللك‪:‬‬
‫من نَا َهلَا فَـ ُه َو أَ َْ ُد‬
‫ت ْ‬‫ُحرَز ْ‬
‫إ َذا أ ْ‬ ‫َحَرَز َغايَةً‬
‫ابن أ العاصي فَأ ْ‬
‫َجَرى ُ‬
‫ج َفان إلَ َيها بادئُو َن َوعُ َّو ُد‪.ϱ‬‬ ‫َوَكا َن إذا اَ ْمحََّر الشتاء جفانُه‬
‫[الطويل]‬ ‫وقال الفرزدق‪:‬‬
‫َعلَى ال َكأْس نَ ْدمانًا هلَا مثْ َل َديْ َكل‬ ‫مت امللو َ فلَ ْم أَج ْد‬
‫وناد ُ‬
‫ت َ‬ ‫َشربْ ُ‬
‫ضاجا َوإنْـَز َال م ْر َجل‪.ϲ‬‬‫ع إنْ ً‬ ‫َسَر َ‬
‫وأ ْ‬ ‫أَقَ َّل َمكانًا يف َج ُزور َمسيَة‬
‫وه ا يظهر كما قال عبد القادر القط‪ « :‬تكرار ألفاظ بعي ها ع د هؤالء الشعراء ك سبتهم ا فان‬

‫‪ -ϭ‬عبد القادر القط ‪ :‬يف الشعر اإلسالمي وآموي ‪ ،‬ص ‪. ϯϮϱ‬‬


‫‪ -Ϯ‬جرير ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. ϳϭ‬‬
‫‪ -ϯ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ص ‪. ϭϭϮ -ϭϭϭ‬‬
‫‪ -ϰ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. ϮϬϬ‬‬
‫‪ -ϱ‬الفرزدق ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ص ‪. ϭϲϭ -ϭϲϬ‬‬
‫‪ -ϲ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. ϱϰϰ‬‬

‫‪345‬‬
‫موقف التابعني من الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الث اهلجري‬ ‫الباب الثاين‬

‫إ الشيزي وإ احهم على آلفاظ الدالة على الدهن والشحم »‪.ϭ‬‬


‫وهكذا يتجلى ل ا أثر املوروث اإلسالمي بكل وضوح يف شعر التابعني املستهرتين م هم واملتدي ني‪،‬‬
‫شعراء املدح والرجاز‪ ،‬باعتبار بُعدا روحيا مرتبطا ب فسية الشاعر ‪ .‬فالشعراء مل ي سلخوا من واقعهم‬
‫االجتماعي والسياسي والدي ‪ ،‬فقد هنلوا من ثقافة عصرهم ‪ ،‬فأخذوا من القرآن العظيم فوظفوا يف‬
‫شعرهم معاين آياته ‪ ،‬باإلضافة إ توظيف القصص القرآين يف مدحهم وهجائهم وذلك للعربة ‪ ،‬كما‬
‫وظف الشعراء الرموز الدي ية يف قصائدهم لطبعها بثقافة العصر‪ ،‬وإعطاء الصبغة اإلسالمية لشعرهم ‪،‬‬
‫ح يظهر البعد ا ما للمعجم الدي ‪ ،‬من خالل أفكار الشعراء مرصعني به قصائدهم ‪.‬‬
‫كما أن الرجاز العجاج وأبو ال جم العجلي قد ظهرت احملاوالت آو يف تطور الرجز من خالل‬
‫توظيفهم املعاين اإلسالمية يف رجزهم‪ ،‬واستبدال املقدمة الطللية باملقدمة الدي ية ‪ ،‬وهو أثر ف مس الرجز‬
‫من حيث الب اء الف ‪.‬‬
‫أما على مستوى أثر التقليد ا اهلي يف شعر التابعني الشعراء ‪ ،‬فقد تبني أن مثة دوافع سياسية‬
‫من طرف الساسة آمويني‪ ،‬هي ال دفعت التابعني الشعراء إ امليل إ املوروث ا اهلي‪ ،‬وآخذ م ه‬
‫وتقليد من جهة إشباع رغبة ا لفاء ‪ ،‬الذين كانوا ميالني للشعر ا اهلي‪ ،‬كما هو معروف عن ا ليفة‬
‫عبد امللك بن مروان مثال‪ ،‬ومن جهة أخرى كان هدف الساسة آمويني هو إبعاد الشعراء عن التفكري‬
‫يف سياسة املعارضة ‪ ،‬وخلق فضاء فكري وف للت افس بي هم‪ ،‬فراح التابعون الشعراء يقلدون الشعر‬
‫ا اهلي يف موضوعاته وب ائه الف يف مطالع قصائدهم وصورها‪ ،‬ويف ا ديث عن الشيب والشباب ‪،‬‬
‫وقلدوهم يف وصف الرحلة الذي نصادفه يف كثري من قصائدهم الطويلة ‪ ،‬كما قلدوهم يف غريب اللغة‬
‫والصياغة الشعرية ‪ ،‬كما هو ظاهر ع د الفرزدق ‪ ،‬كما قلدوهم يف آخذ من الصور العاطفية املمزوجة‬
‫بغريب اللغة والوقوف على آطالل ووصف الرحلة ‪.‬‬

‫‪ -ϭ‬عبد القادر القط ‪ :‬يف الشعر آموي واإلسالمي ‪ ،‬ص ‪. ϯϮϳ‬‬

‫‪346‬‬
‫البـ ـ ــاب الثالث‬
‫المرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعين‬
‫في نقد الشعر والشعراء‬

‫موقف التابعين من الشعر والشعراء‬

‫‪347‬‬
‫الفصل األول‬
‫المرتكزات ال قدية ع د الصحابة الخلفاء‬
‫في نقد الشعر والشعراء‬
‫‪ -ϭ‬ع د أبي بكر‬
‫‪ -Ϯ‬ع د عمر بن الخطاب‬
‫‪ -ϯ‬ع د عثمان بن عفان‬
‫‪ -ϰ‬ع د علي بن أبي طالب‬

‫‪348‬‬
‫المرتكزات ال قدية ع د الصحابة الخلفاء في نقد الشعر والشعراء‬
‫بعد أن نظرت‬ ‫أما عن جانب البذور ال قدية للشعر والشعراء من طرف الصحابة ‪ ،‬فقد تبني‬
‫يف مسار ال قد األديب يف عصر صدر اإلسالم‪ ،‬يف ال صف األول من القرن األول اهلجري‪ ،‬أن صورة‬
‫حركة ال قد اإلسالمي يف تطور كبري ومهم‪ ،‬وقد بدأ هذا التطور ال قدي بعد اهلجرة من مكة إ املدي ة‬
‫عام ( ‪ϲϮϮ‬م )‪ ،‬أث اء ال هضة الشعرية وال قدية ا ديدتني‪ ،‬بعد غزوة بدر (‪Ϯ‬هـ)‪ ،‬وكان أول من قاد‬
‫هذ ال هضة واهتم بالشعر وال قد الرسول‪ ،‬من خالل مساعه للشعراء ‪ ،‬وحثهم على قول الشعر للرد‬
‫على شعراء قريش ‪ ،‬وإثابتهم عليه ‪ ،‬وتعد نظرته يف نقد بعض األشعار وتوجيه الشعراء نظرة نقدية مميزة‪،‬‬
‫كالذي وجه إليه كعب بن مالك ‪ ،‬وقد سار على هذا امل هج الصحابة ا لفاء وغري ا لفاء ‪ .‬وم ذ‬
‫هجرة الرسول ‪ ‬تغريت ال ظرة إ ا ياة األدبية تغيريا جذريا ‪ ،‬إذ كان للهجرة « مدلول مهم يف حياة‬
‫املسلمني األو ‪ ،‬فقد هتيأت هلم ألول مرة إنشاء تمع م ظم وسلطة هلا مفهوم السلطة القانونية‪ ،‬فقد‬
‫كانت نقلة من حياة بدوية مشتتة إ حياة اجملتمع املستقر امل ظم املسؤول‪ ،‬وخضعت كل ظواهر ا ياة‬
‫للتق ني والت ظيم والتشبيب ‪ ،‬واهتمت السلطة ا ديدة باألدب واملعرفة اهتماما خاصا ‪ ،‬وكما أثر‬
‫اإلسالم يف مظاهر ا ياة العربية فقد أثر يف األدب ‪ ،‬وحيث يكون األدب يكون ال قد »‪.ϭ‬‬
‫وم ذ أن دخل الشعر سالحا يف املعركة الشعرية بني املسلمني واملشركني‪ « ،‬بدأ اإلسالم يستبعد‬
‫بعض العادات والتقاليد ‪ ،‬ويضع األسس والقواعد للشعراء ‪ ،‬ويعدل من مسار الشعر وي في ع ه الزيف‬
‫واال راف ‪ ،‬وأصبح قادة الدعوة يوجهون الشعراء إ غاية اإلسالم ‪ ،‬فلم تعد توجيهات الشاعر ال اقد‬
‫كلها مقبولة ع د اجملتمع ‪ ،‬وليس غريبا أن يكون أكثر نقاد صدر اإلسالم من غري الشعراء ‪ ،‬وليس‬
‫غريبا أن يشارك قادة الدعوة احملمدية ا ديدة يف نقد الشعر وتوجيه الشعراء ‪ ،‬فهم أدرى ال اس هبا‪،‬‬
‫وأعلم ال اس مبقصد اإلسالم من الشعر‪ ،‬وما يريد من شعرائه فحرصوا على توجيه الشعراء ‪ ،‬والتذكري‬
‫باهلدف اإلسالمي من الشعر‪ ،‬وترسيخ جانب ا ق وا ري والفضيلة وا كمة واملواعظة ‪ ،‬وا ديث عن‬
‫الدين واآلخرة ‪ ،‬واإلشـادة بالرسول واملسلمني‪ ،‬وحرصوا على ترسيخ كل أولئك يف أنفس الشعراء ويف‬
‫أشعارهم »‪.Ϯ‬‬
‫وتعد التوجيهات ال أُثِرت عن ال ‪ ‬أحد املصادر الثقافية للشاعر وال اقد على السواء يف‬

‫‪ -ϭ‬داود سلوم‪ :‬تاريخ ال قد العريب من ا اهلية ح القرن الثالث اهلجري‪ ،‬بغداد ‪ ،‬ال اشر مكتبة األندلس‪ ،‬طبع يف مطبعة اإلميان بغداد‪ϭϵϲϱ،‬م‪،‬‬
‫ص ‪. Ϯϭ‬‬
‫‪ -Ϯ‬عبد اللطيف مد ا ديدي ‪ :‬الشعراء ال قاد يف العصرين ا اهلي واإلسالمي ‪ ،‬ط‪ ،ϭ‬د‪.‬ن‪ ،‬د‪.‬م‪ ϭϰϭϴ ،‬هـ‪ϭϵϵϴ‬م‪ ،‬ص ص‪. ϯϳ-ϯϲ‬‬

‫‪349‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫عصر صدر اإلسالم ‪ ،‬ولكن ع دما « مات الرسول الكرمي وقام ا لفاء الراشدون بعد شغلت‬
‫أبو بكر الفتوحات‪ ،‬والردة عن حياته ا اصة‪ ،‬وحياة اجملالس األدبية ‪ ،‬فلم يَِرد ع ه كثري من املالحظات‬
‫ال قدية ‪ ،‬ولكن ال قد ي شط زمن عمر »‪ ، ϭ‬أ كثر مما ي شط يف زمن بقية ا لفاء الراشدين ‪.‬‬
‫وبعد البحث وا فر يف الرتاث األديب اإلسالمي‪ ،‬شعرا ونقدا‪ ،‬ع د الصحابة ا لفاء‪ ،‬والصحابة‬
‫غري ا لفاء ‪ ،‬والصحابة الشعراء ‪ ،‬اتضح ل ا أن ما أثر عن ا ليفة عمر بن ا طاب من تراث نقدي‬
‫أغزر وأقوى وأكثر مما هو ع د غري من الصحابة ‪ ،‬حيث يعكس ل ا أنه شخصية غري عادية ‪ ،‬فقد‬
‫« كان متميزا يف كل شيء ‪ ،‬وكانت عبقريته متعددة ا وانب وامل احي ‪ ،‬كان دقيق البصرية ‪ ،‬ذا ملكة‬
‫نفاذة يف است باط األحكام الشديدة »‪ .Ϯ‬فقهية كانت أم نقدية ف ية ‪ ،‬وله موافقات دالة على عبقريته ‪،‬‬
‫ويكفي أن من حسن موافقاته كما روى السيوطي‪ « :‬كان عمر يرى الرأي في زل به القرآن »‪.ϯ‬‬
‫وقد « أخرج ابن عساكر عن علي قال ‪ :‬إن يف القرآن لرأيا من رأي عمر »‪ .ϰ‬و« أخرج عن ابن‬
‫عمر مرفوعا‪ :‬ما قال ال اس يف شيء ‪ ،‬وقال فيه عمر إال جاء القرآن ب حو ما يقول عمر »‪.ϱ‬‬
‫هذا هو الطابع الروحي اإلسالمي‪ ،‬الذي طبع به ا ليفة عمر‪ ،‬والذي استمد م ه قوة تفكري ‪،‬‬
‫وذوقه الف وبعد نظر ال قدي‪ ،‬هلذا فال غرو إذا وجدنا « ميارس الشعر إبداعا‪ ،‬مث يرويه بعد و فظه‪،‬‬
‫ويتمثله يف مواطن ش ‪ ،‬وال عجب أن يكون نقادة له ‪ ،‬مميزا حس ه من رديئه ‪ ،‬قادرا على است باط‬
‫أحكام تتعلق به ‪ ،‬تعليال وتذوقا و ليال »‪.ϲ‬‬
‫ويف هذا الباب فقد شهد لعمر بن ا طاب كبار ال قاد بعلو كعبه يف ال قد‪ ،‬فقال ع ه ابن‬
‫رشيق‪ «:‬وكان من أنقد أهل زمانه للشعر وأنفذهم فيه معرفة »‪.ϳ‬‬
‫وع د تتبعي للثقافة ال قدية للصحابة‪ ،‬وجدت من خالل ثقافة ا ليفة عمر بن ا طاب األدبية‪،‬‬
‫«بدت آراء ومواقفه ال قدية التطبيق العملي ملا أرسته أحاديث رسول اهلل ‪‬من أسس وقواعد للكلمة‬

‫‪ -ϭ‬داود سلوم ‪ :‬تاريخ ال قد العريب من ا اهلية ح القرن الثالث اهلجري ‪ ،‬ص‪. Ϯϱ‬‬
‫‪ -Ϯ‬وليد قصاب ‪ :‬شخصيات إسالمية يف األدب و ال قد ‪ ،‬ص‪. ϭϱ‬‬
‫‪ -ϯ‬السيوطي ‪ :‬تاريخ ا لفاء ‪ ،‬ص ‪.ϵϱ‬‬
‫‪ -ϰ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. ϵϲ‬‬
‫‪ -ϱ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. ϵϲ‬‬
‫‪ -ϲ‬وليد قصاب ‪ :‬شخصيات إسالمية يف األدب و ال قد ‪ ،‬ص‪. ϭϲ‬‬
‫‪ -ϳ‬ابن رشيق ‪ :‬العمدة ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬ص ‪. Ϯϴ‬‬

‫‪350‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫وفن الشعر‪ ،‬وعلى انشغاله بأعباء السياسة وال هوض بأمر الدولة‪ ،‬مل يهمل رعاية ا انب األديب‬
‫الفكري‪ ،‬بل كان دور الشعر والسيما يف حياة العرب‪ -‬حاضرا يف ذه ه شديد ا ضور‪ ،‬وكان الواجب‬
‫يف تسديد وتصويب مسار ‪ -‬يف ضوء املوقف اإلسالمي‪ -‬أشد حضورا »‪.ϭ‬‬
‫وأما نظرة ا ليفة عمر ال قدية للشعر‪ ،‬فتعد نظرة رؤيوية ‪ ،‬إذ نقد « ميثل التصور اإلسالمي‬
‫لألدب ويعكس ال ظرة العقدية السليمة إليه ‪ ،‬تكم إ معايري الدين وا لق اإلسالمي يف االستحسان‬
‫والرفض ‪ ،‬ويف الت ظري والتعقيد ‪ ،‬وليس صحيحا أنه صدر عن موقف شخصي افظ ومتزمت »‪Ϯ‬؛‬
‫حيث ت بع نظرته ال قدية من موقف يعكس تشبع ا ليفة عمر بالقيم العربية واملثل اإلسالمية ‪ ،‬ال‬
‫جعلت رؤيته ال قدية ت بع من شخصية مجعت بني الرؤية الدي ية القومية والرؤية ال قدية ا صيفة ‪.‬‬
‫وإن ما أُثر عن الصحابة من نقد‪ ،‬فقد جاء من تشبعهم مبا كان يف الساحة اإلسالمية من القيم‬
‫ا لقية واألدبية وال قدية زمن الرسول ‪ ،‬هلذا فإن ما وج ـ ـدنا من نقد يف عصر صدر اإلسالم‪ ،‬ه ـ ـو «‬
‫لون من ال قد يعتمد على الدين ا ديد ‪ ،‬ويتخذ م ه مقياسا لالستحسان أو االستهجان‪ ،‬وجدنا هذا‬
‫ع د رسول اهلل ‪ ،‬وع د عمر بن ا طاب ‪ ‬وعبد اهلل بن عباس‪-‬رضي اهلل ع هما‪ -‬من ذلك‬
‫استهجان شعر املشركني ملا فيه من قيم جاهلية ‪ ،‬وإعجاب بشعر أمية بن أيب الصلت‪ -‬مثال ‪ -‬ملا‬
‫تضم ه من معا إميانية خلقية ‪ ،‬مع ميل إ االقتصاد يف الوصف ‪ ،‬وعدم املغاالة ‪ ،‬وشيء من التعليل‬
‫ع د عمر بن ا طاب ‪ ‬وتظل التأثرية املست دة إ القيم اإلسالمية هي السائدة يف ذلك العصر‪ ،‬ويف‬
‫هذا تطور واضح عما رأي ا يف العصر ا اهلي »‪.ϯ‬‬
‫وكما مارس الصحابة ا لفاء ال قد‪ ،‬فقد مارس كذلك الصحابة غري ا لفاء نقد الشعر والشعراء‪:‬‬
‫معاوية بن أيب سفيان‪ ،‬وعبد اهلل بن عباس‪ ،‬وعبد اهلل بن عمر‪ ،‬كما مارس نقد الشعر الصحابة‬
‫الشعراء‪ :‬عثمان بن مظعون‪ ،‬وحسان بن ثابت‪ ،‬ولبيد بن ربيعة ‪ ،‬فهؤالء الصحابة قالوا الشعر بني مكثر‬
‫ومقل‪ ،‬ونقدو وفق ما يتماشى مع رؤيتهم للفن الشعري وللحياة‪ ،‬بتصور جديد ت عكس فيه ثقافة‬
‫عصرهم ‪ ،‬وتعد نقداهتم البذور األو لل قد األديب يف القرن األول اهلجري ‪ ،‬وقد نقدوا الشعر والشعراء‬

‫‪ -ϭ‬وليد قصاب ‪ :‬شخصيات إسالمية يف األدب وال قد ‪ ،‬ص‪. ϭϰ‬‬


‫‪ -Ϯ‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. ϭϰ‬‬
‫‪ -ϯ‬وليد مود خالص‪ :‬ال قد األديب يف كتاب األغا ‪ ،‬ص ص ‪.ϲϭϴ-ϲϭϳ‬‬

‫‪351‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫ا اهليني واإلسالميني‪ ،‬وجاءت نقداهتم مع بني الرؤية الف ية ونقد املع ‪ ،‬فسجلوا مالحظاهتم يف‬
‫تراثهم ال قدي‪ ،‬وهؤالء الصحابة ال قاد هم من شكلوا وقادوا مدرسة الصحابة ال قدية وأرسوا هلا‬
‫قواعدها املميزة بقيادة ا ليفة عمر بن ا طاب ‪ .‬وقد حاولت تتبع اآلثار ال قدية للصحابة من خالل‬
‫ال صوص ال تعكس مواقفهم ال قدية من الشعر والشعراء‪ ،‬وال ميك ا توضيحها فما يأيت ‪:‬‬

‫‪ -ϭ‬المرتكزات ال قدية للشعر والشعراء ع د أبي بكر الصديق (ت ‪ϭϯ‬هـ‪ϲϯϰ -ϱϳϯ/‬م)‪:‬‬


‫أ‪ -‬الوقف القدي للخليفة أبي بكر من شعر ال ابغة الذبياني* (ت‪ϲϬϰ‬م ) ‪:‬‬
‫كان أليب بكر اهتمام خاص ب قد بعض الشعراء ا اهليني‪ ،‬وهو ما يدل على اهتمامه بالشعر‬
‫العريب وحفظه وتذوقه له‪ ،‬وقد أورد له ابن رشيق يف "باب املشاهري من الشعراء " حكما نقديا يعكس‬
‫ممارسة أيب بكر ل قد الشعر فقال‪ « :‬كان أبو بكر‪‬يقدم ال ابغة ‪ ،‬ويقول‪ " :‬هو أحس هم شعرا ‪،‬‬
‫وأعذبهم را ‪ ،‬وأبعدهم قعرا " »‪.ϭ‬‬
‫يبدو كما هو واضح يف ال ص اهتمام أيب بكر بالشعر ا اهلي ونقد ‪ ،‬إضافة إ روايته له‬
‫والتمثل به ‪ ،‬وتتجلى يف هذا ال ص صورة نقد لشعر ال ابغة الذبيا نقدا ف يا‪ ،‬من خالل ما وظف من‬
‫أفعال التفضيل الثالثة ‪ :‬أحسن ‪ -‬أعذب‪ -‬وأبعد ‪ ،‬وهي صيغ تدل على املبالغة ‪ ،‬جاءت مقرونة‬
‫بضمري ا مع الغائب " هم" الدال على الشعراء ‪ ،‬واملوصوف هبذ الصيغ واملفضل هو ال ابغة‪ ،‬وهي‬
‫صيغ كلها توحي بأن أبا بكر فضل ال ابغة على غري من الشعراء‪ ،‬بعد أن عقد املوازنة بي هم يف ثالثة‬
‫مسائل ف ية ‪ ،‬وهي‪ :‬الشعر‪ ،‬والبحر ( العمق)‪ ،‬واألفكار و(املعا ) ‪ ،‬فقوله‪ " :‬أحس هم شعرا "‪ ،‬من‬
‫ا سن دل على أن ال ابغة يف إبداعه الشعري «أحسن إحسانا‪[،‬و] أتى بالفعل ا سن على وجه‬

‫*« هو زياد بن معاوية بن ِضباب بن جابر بن يربوع بن غيظ بن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن‬
‫[الوافر]‬ ‫غيالن ‪ ،‬ويك أبا أمامة ويقال أبا مثامة ‪ ،‬ومسي ال ابغة بقوله ‪:‬‬
‫ِ‬
‫فَـ َقد نبغت لَا م ـ ُهم ُش ُؤو ُن ‪.‬‬
‫وكان شريفا فغض م ه الشعر‪ ،‬وأهل ا جاز يفضلون ال ابغة وزهريا‪...‬ويقال كان ال ابغة أحس هم ديباجة شعر ‪ ،‬وأكثرهم رونق كالم‪ ،‬وأجزهلم‬
‫بيتا ‪.‬كان شعر كالما ليس فيه تكلف‪،‬ونبغ بالشعر بعدما احت ك وهلك قبل أن يهرت‪...‬وكان يقوى يف شعر فعيب ذلك عليه‪ ...‬ولقيه حسان‬
‫أث اء وفادته على ال عمان بن امل ذر ملدحه وإجازهتم »‪.‬‬
‫‪ -‬ابن قتيبة‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ص ‪ 87‬وما بعدها ‪.‬‬
‫‪ -1‬ابن رشيق ‪ :‬العمدة ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪. 82‬‬

‫‪352‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫اإلتقان واإلحكم وص ع به ا ميل »‪ ϭ‬يف شعر ‪ .‬وقوله‪ " :‬وأعذبهم را " ‪ ،‬أي نزع من شعر ما فيه‬
‫من الكدر وعيوب الشعر ‪ ،‬وذلك أن املاء الشعري ري يف شعر كثريا عذبا كأنه العذب من الشراب‬
‫املستساغ ‪ ،‬وقوله‪" :‬وأبعدهم قعرا " فالبعد ضد القرب ‪ ،‬وذلك أن شعر ال ابغة أكثر عمقا وغورا‬
‫وأصالة ‪ ،‬وهي نظرة نقدية جديدة بتفاصيلها‪ ،‬معللة تكم إ املعايري الف ية؛ تربز أن « أبا بكر يف‬
‫كلمته هذ يفاضل بني ال ابغة وغري من الشعراء‪ ،‬مث كم له بأنه أحس هم شعرا من حيث املع ‪،‬‬
‫وقد علل حكمه بأن ال ابغة يف نظر يستقي معانيه من معني عذب سائغ فتتقبلها ال فوس تقبال حس ا‪،‬‬
‫كأنه يف معانيه بعيد العمق والغور‪ ،‬وأنه يظل يـَرِوي فيما يغمض م ها ح يستخرجها استخراجا‬
‫واضحا »‪ ،Ϯ‬وهي كما نرى نظرة نقدية جديدة تبني تطور بُعد نظر ا لفاء الراشدين ال قدية يف صدر‬
‫اإلسالم‪ ،‬يف فهمهم للقواعد العملية اإلبداعية يف الشعر بعد نزول القرآن العظيم ‪ ،‬حيث مل تكن نظرة‬
‫أيب بكر للشعر يف قوله‪" :‬أحس هم شعرا " ‪" ،‬وأعذبهم را " ‪" ،‬وأبعدهم قعرا " رد إظهار إعجابه‬
‫بشعر ال ابغة‪ ،‬أو اإلعجاب بالشعر عموما‪ ،‬بل اوزت هذا ا د‪ ،‬حيث « د أن نظرة أيب بكر‬
‫ال قدية إ الشعر يبدو فها اإلمجال والعموم كعادة نقاد الشعر يف عصر ‪ ،‬واستمرارا للفطرة العربية‬
‫القدمية يف ال قد وال ظرة إ الشعر ‪ ،‬إال أن يف هذ العبارة ال قدية املوجزة سعة مركزة ‪ ،‬فهو يُعد العمق‪،‬‬
‫أو بُعد القعر‪ ،‬أو ما ميكن أن يعرب ع ه باملع الثا أو البُعد الثا سببا يف املقارنة واملفاضلة ‪ ،‬فليست‬
‫إذن أحكام الصديق مب ية على املعا السطحية والعموميات مثل حسن الشعر وعذوبته ‪ ،‬بل إنه يسرب‬
‫الغور وي فذ إ العمق‪ ،‬فيلمس أثرا للفكر والعقل يف املع والصورة ‪ ،‬ولعل ذلك قد نضح على‬
‫الصديق من مصدر ثقافته ا ديدة ‪ ،‬من إعجابه ب ظم القرآن الكرمي ‪ ،‬وما جاء به من معان بعيدة عن‬
‫التقرير ‪ ،‬وما أصلته فواصله من مجيل اإليقاع الصويت الذي دث أوقع األثر يف ال فوس »‪.ϯ‬‬

‫‪ -ϭ‬معجم ألفاظ القرآن الكرمي ‪ ،‬ص ‪. ϭϯϴ‬‬


‫‪ -Ϯ‬عبد العزيز عتيق ‪ :‬تاريخ ال قد األديب ع د العرب ‪ ،‬ص ‪. ϴϭ‬‬
‫‪ -ϯ‬صال ح الدين مد عبد التواب ‪ :‬الشعر العريب يف ظالل اإلسالم أصالة و د يد ‪،‬ط ‪ ،1‬القاهرة‪ ،‬مكتبة اآلداب ‪1429 ،‬هـ‪2008‬م‪ ،‬ص‬
‫‪. ϭϭϰ‬‬

‫‪353‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫ب‪ -‬الموقف ال قدي ألبي بكر من بيت ِحكمة للبيد*بن ربيعة العامري ( ت‪ϲϲϭ‬م) ‪:‬‬
‫يضاف إ اهتمام أيب بكر بال قـ ـ ــد الف للشعر‪ ،‬اهتمامه ب قد املعا الشعرية‪ ،‬ألنه كان يف‬
‫مرحلة اجتماعية تغريت فيها كل املعطيات الفكرية والدي ية واألدبية‪ ،‬هلذا كانت رؤيته لبعض معا‬
‫الشعر ذات البعد الروحي‪ ،‬ال قاهل ــا الشاعر احملرتف صاحب املعلقة **‪ ،‬املخضرم الصحايب لبيد ‪،‬‬
‫فقـد « أخرج عبد اهلل يف زوائد الزهد عن عبيد بن عمري عن لبيد الشاعر أنه قدم على أيب بكر فقال‪:‬‬
‫"أال كل شيء ما خال اهلل باطل "‪ .‬فقال‪ :‬صدقت ‪ ،‬فقال‪" :‬وكل نعيم ال محالة زائل"‪ .‬فقال‪:‬‬
‫كذبت‪ ،‬ع د اهلل نعيم ال يزول‪ .‬فلما و قال أبو بكر‪ :‬رمبا قال الشاعر الكلمة من ا كمة »‪.ϭ‬‬
‫ف ظرة أيب بكر تدل على تطور بُعد نظر الفكري واألديب وال قدي‪ ،‬ألن هذا البيت جاء يف‬
‫قصيدة من اث ني ومخسني بيتا من ر الطويل ‪ ،‬قاهلا لبيد بن ربيعة يرثي هبا ال عمان*** بن امل ذر ‪.‬‬
‫وكان أول نقد تعرض له لبيد بن ربيعة يف هـ ـ ـ ـ ـ ــذا البيت‪ ،‬كان يف مكة من طرف الصحايب الشاعر‬
‫عثمان بن مظعون بعد عودته من هجرته األو من ا بشة ‪ ،‬مث تطورت هذ ال ظرة من طرف الرسول‬
‫‪ ،‬حيث روي عن أيب هريرة قال‪ « :‬قال رسول اهلل ‪ : ‬أصدق كلمة قاهلا شاعر ‪ ،‬كلمـة لبيد‪:‬‬

‫*«لبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كالب العامري‪ ،‬وكان قال ألبيه ر ُ‬


‫بيع املقرت لسخائه‪...‬ويك لبيد أبا عقيل وكان من شعراء ا اهلية وفرساهنم‬
‫‪...‬وأدرك لبيد اإلسالم وقدم على رسول اهلل ‪ ‬يف وفد ب كالب فأسلموا ورجعوا إ بالدهم‪ ،‬مث قدم ( لبيد) الكوفة وب و فرجع ب و إ البادية‬
‫( بعد ذلك ) ‪ ،‬فأقام لبيد إ أن مات هبا ويقال ‪ :‬إن وفاته كانت يف أول خالفة معاوية وأنه مات وهو ابن مائة وسبع ومخسني س ة ‪ .‬وقال ابن‬
‫سالم ‪ :‬وكان لبيد بن ربييعة ‪ ،‬أبو عقيل ‪ ،‬فارسا شجاعا وكان عذب امل طق ‪ ،‬رقيق حواشي الكالم ‪ ،‬وكان مسلما رجـل صدق " وجعله يف الطبقة‬
‫الثالثة من فحول الشعراء مع أيب ليلى نابغة ب ا عدة وأبو ذؤيب اهلذ والشماخ بن ضرار » ‪.‬‬
‫‪ -‬ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ص ‪. ϭϳϭ‬‬
‫– وي ظر ‪ :‬ابن سالم ا محي ‪ :‬طبقات فحول الشعراء ‪ ،‬ج ‪ ، ϭ‬ص‪ Ϯϯ‬وصفحة ‪. ϯϱ‬‬
‫[البسيط]‬ ‫** مطلع معلقته ‪:‬‬
‫مب تأبد غوهلا فرجامها‬ ‫عفت الديار لها فمقامها‬
‫‪ -‬أبو عبد اهلل ا سني بن أمحد بن ا سني الزوز ‪ :‬شر ح املعلقات السبع ‪ ،‬قيق ودراسة‪ :‬مد عبد القادر أمحد‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬توزيع مكتبة ال هضة‬
‫املصرية ألصحاهبا حسن مد وأوالد ‪1407 ،‬هـ ‪1987‬م ‪ ،‬ص‪. 246‬‬
‫‪ -ϭ‬السيوطي ‪ :‬تاريخ ا لفاء ‪ ،‬ص ‪. ϴϭ‬‬
‫***«ال عمان بن امل ذر أشهر ملوك اللخميني وآخرهم (‪ϲϬϮ-ϱϴϬ‬م)‪ ،‬مدحه ال ابغة الذبيا ‪ ،‬خلعه كسرى وسج ه يف املدائن‪ ،‬عرف بأيب قابوس‬
‫وقيل‪:‬إنه صاحب يومي" البؤس وال عيم" قتل الشاعر عدي بن زيد زوج اب ته ه د »وكان يكرم الشعراء والتقى ع د ال ابغة وحسان لغاية واحدة‪.‬‬
‫‪ -‬امل جد يف اللغة واألعالم ‪ ،‬ص‪. ϱϳϱ‬‬

‫‪354‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعرا‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫" أال كل شيء ما خال اهلل باطل " »‪.ϭ‬‬


‫وهلذا د يف ال ص رأيني أليب بكر‪ ،‬فالرأي األول‪ :‬كان قبل ا الفة ‪ ،‬الذي اعتمد فيه على‬
‫املعيار الدي ‪ ،‬والرأي الثا قاله بعد ا الفة ‪ ،‬ومرتكز على موقف الرسول ‪ ،‬من البيت وإعجابه‬
‫مبع ا ‪ ،‬ألن الشاعر ‪ ،‬قال هذا البيت من خالل نظرته إ نعيم ا ياة الدنيا الذي كان يعيش فيه‬
‫ال عمان بن امل ذر ‪ ،‬فوجد مل يدم له ‪ ،‬وبالتا فإن نظرته يف الشطر األول نظرة روحية يف قولـه‪:‬‬
‫" أال كل شيء ما خال اهلل باطل " ‪ .‬وهي تدل على أن لبيدا كان يؤمن بالبعث ‪.‬‬
‫أما نظرته يف الشطر الثا ‪" :‬وكل نعيم ال الة زائل" ‪ ،‬فهي تدل على نظرة مادية ‪ ،‬تع أن كل‬
‫شيء يف ا ياة يتطور ويزول وال يبقى على حاله ‪ ،‬مبا يف ذلك امللك الذي يب يه اإلنسان فإنه سيزول‬
‫مبرور الوقت ‪ ،‬ومن ه ا جاءت حكمة الشاعر لبيد ‪ ،‬وهي ما وقف ع دها أيب بكر ‪.‬‬
‫ج‪ -‬الموقف ال قدي للخليفة أبي بكر من شعر لبيد في رثاء أخيه أربد * ‪:‬‬
‫وجاء يف األثر ال قدي‪ ،‬خرب ثان يعكس موقف أيب بكر من الغلو يف املع ‪ ،‬ويظهر ذلك يف‬
‫نقد لبعض شعر لبيد يف رثاء أخيـ ـ ـه أربد ‪ ،‬ذلك ما روا أبو الفرج األصفها ‪ ،‬قال‪ « :‬نسخت من‬
‫كتاب ابن ال طا ح عن املدائ ‪ ،‬عن علي بن اهد‪ ،‬قال‪ :‬أنشد أبو بكر الصديق‪ ‬قول لبيد يف أخيه‬
‫[الطويل]‬ ‫أربد‪:‬‬

‫‪.‬‬
‫‪ -ϭ‬مسلم بن ا جاج بن مسلم أبو ا سني حافظ ‪ :‬صحيح مسلم بشر ح ال ووي‪ ،‬قيق‪ :‬عبد اهلل أمحد أبو زيد‪ ،‬دار الشعب ‪،‬د‪.‬ت‪ ،‬مج‪ ،ϱ‬ص‬
‫‪. ϭϭϭ‬‬
‫ال ‪ ‬وعامر بن‬ ‫*« أربد بن فيس بن جزء بن خالد بن جعفر بن كالب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة‪ ،‬أخو لبيد ألمه‪ ،‬وهو الذي صار إ‬
‫[السريع]‬ ‫الطفل ليقتال ‪ ،‬فهلك عامر يف رجوعه بالغدة وأصابت أربد صاعقة فهلك‪ ،‬فقال فيه لبيد‪:‬‬
‫أرهب نوء السماك واألسد‬ ‫أخشى على أربد ا توف وال‬
‫[الطويل]‬ ‫وأربد شاعر وهو القائل‪:‬‬
‫وصفق سوار من ريا ح ومن قطر‬ ‫وكائن أتى للدار بعدك من شهر‬
‫فض ت علي ا با واب وبا ري‬ ‫فأسكت فيها أبتغي العلم ع دها‬
‫على اللهو وما يف القدا ح ويف ا مر‬ ‫وقد أشعرت جارتاي مالمة‬
‫إذا أرملوا زادا بأبيض ذ أثر‬ ‫وعقري ألصحايب الغداة مطي‬
‫على بني ذي الفقد املفارق ذو صرب‬ ‫فال توعد بالعراق فإن‬
‫بأمركما أو تغويان فال أدري » ‪.‬‬ ‫لعلكما أن ترشدا إن رشدمتا‬
‫‪ -‬اآلمدي ‪ :‬املؤتلف واملختلف ‪ ،‬ص ص ‪. ϯϬ -Ϯϵ‬‬
‫‪ -‬وي ظر‪ :‬ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪،‬ص ‪. ϭϳϯ‬‬

‫‪355‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫ِ‬
‫حادث الده ِر َجع َف ُر‬ ‫ت يف‬‫لقد ُرِزئ ُ‬ ‫املخرب صادقَا‬
‫ُ‬ ‫لَ َعم ِري لئن كا َن‬
‫فَـيُـع ِطي ‪ ،‬وأَما ُكل ذَنب فَـيَـغ ِف ُر‬ ‫أَخي ‪ ،‬أَما ُكل َشيء سألتهُ‬
‫فقال أبو بكر‪- :‬رضوان اهلل عليه‪ ،-‬ذلك رسول اهلل ال أربد بن قيس »‪.ϭ‬‬
‫إن ما هو واضح يف ال ص‪ ،‬هو أن أبا بكر يعطي ا مسلكا فكريا يف نقد املعا وفق الصورة‬
‫السلوكية لإلنسان نقدا ُخلقيا وفكريا‪ ،‬وفَـهم الصورة فهما واقعيا ال ييليا ‪ ،‬وبذلك تعرب الصورة عن‬
‫واقعها‪ ،‬فأبو بكر بكل تأكيد يكرب وفاء لبيد ألخيه أربد ‪ ،‬وال يعرتض على حب لبيد ألخيه وحزنه‬
‫لوفاته ‪ ،‬وإمنا اعرتض على مع البيتني وما محال من صفات راقية ‪ ،‬فهو يعرف أربد بكل صفاته ‪ ،‬وهو‬
‫الذي جاء مع عامر بن الطفل ليقتال الرسول ‪ ،‬هلذا كان موقفه مما ذكر يف البيتني من صفات يف‬
‫أربد موقفا سلبيا‪ ،‬ألن أبا بكر يرى أن الصفات املذكورة يف البيتني ال ت طبق إال على الرسول ‪ ،‬فهو‬
‫الرمز الذي فقد الدهر‪ ،‬وهو الذي إذا ُسئل يعطي وإذا ظُلم يتسامح مع الظامل ويَغفر له ظلمه ‪ ،‬ويف‬
‫هذا شواهد كثرية تعكس تسامح الرسول الكرمي‪ ،‬وخاصة مع الشعراء الذين ظلمو فعفى ع هم‪ ،‬لذا‬
‫فأبو بكر مبوقفه هذا لفت انتبا الشاعر لبيدا يف مبالغته يف املعا ال رثى هبا أخيه ‪ ،‬وغلو يف وصفه‬
‫مبعان ال ترقى إليها شخصية أربد ‪ ،‬وفق املعيار ا لقي ‪ ،‬واملعيار البالغي‪ ،‬ألن العرب كانوا ال‬
‫يتساهلون مع الظامل وال يغفرون له ظلمه وخاصة مع امللوك ‪ ،‬ولعل هتديد عمرو بن ه د لل ابغة الذبيا‬
‫الذي وشي به الوشاة خري دليل على عدم التسامح‪ ،‬لذا فإن لبيدا كما يقول ابن رشيق‪ :‬قد « اوز يف‬
‫نعت ما للشيء أن يكون عليه »‪ .2‬وهلذا فا ليفة أيب بكر ي ظر إ كالم الشعراء من م طلق رؤية‬
‫واقعية تؤسس عليها املعا والصور املتخيلة ‪ ،‬ألنه كما « قال ا ذاق ‪ :‬خري الكالم ا قائق‪ ،‬فإن مل‬
‫يكن فما قارهبا وناسبها » ‪ ،3‬ولكن على ما يبدو أن لبيدا قد كان بني صدق العاطفة ال ال دها‬
‫معايري نقدية معي ة أمام فرط ا زن ‪ ،‬والغلو الذي اوز به حدود الصدق الف يف حزنه ‪ ،‬هلذا جاء‬
‫مع البيتني وفق م طق هذ الصورة ال رفضها أبو بكر وال أماالها ضمري لبيد على لسانه ‪.‬‬

‫‪.‬‬
‫‪ -ϭ‬أبو الفرج األصفها ‪ :‬األغا ‪ ،‬ج ‪ ، ϭϳ‬ص ‪. ϲϯ‬‬
‫‪ -‬وي ظر ‪ :‬لبيد بن ربيعة ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. ϳϬ‬‬
‫‪ -Ϯ‬ابن رشيق‪ :‬العمدة ‪ ،‬ج‪ ، Ϯ‬ص ‪. ϱϮ‬‬
‫‪ -ϯ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ، Ϯ‬ص ‪. ϱϮ‬‬

‫‪356‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫‪ -Ϯ‬المرتكزات ال قدية للشعر والشعراء ع د الخليفة عمر بن الخطاب (ت‪ Ϯϯ‬هـ‪ϲϰϰ‬م)‪:‬‬


‫أ‪ -‬موقف عمر بن الخطاب من القرآن العظيم والرسول‪:‬‬
‫من املواقف ال قدية القدمية للخليفة عمر‪ ،‬موقفه من الرسول‪ ‬والقرآن العظيم‪ ،‬وذلك ملا وقفت‬
‫قريش من رسالة الدين ا ديد وصاحبها موقفا معارضا‪ ،‬يقوم على الرفض واملواجهة ‪ ،‬فوصفت العرب‬
‫الرسول‪ ‬بالشاعر والقرآن العظيم بالشعر‪ ،‬وهذ ال عوت أحدثت هزة يف العقل العريب ‪ ،‬ويف هذا‬
‫املوقف رأي للخليفة عمر روي ع ه ‪ «:‬قال عمر بن ا طاب‪ :‬خرجت أتعرض رسول اهلل‪ ،‬قبل أن‬
‫أسلم فوجدته قد سبق إ املسجد ‪ ،‬فقمت خلفه فاستفتح سورة ا اقة فجعلت أتعجب من تأليف‬
‫القرآن‪ ،‬فقلت‪ :‬هذا واهلل شاعر كما قالت قريش‪ ،‬قال‪ :‬قرأ ﭐ ‪ ฀ ฀ ฀‬ﱘ ‪฀ ฀ ฀ ฀‬‬
‫‪฀‬‬ ‫‪฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀฀ ฀ ฀‬‬ ‫‪ ،‬قال‪ :‬فقلت‪ :‬كاهن‪ ،‬قال‪ :‬فقرأ‬
‫‪ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀‬إ آخر السورة ‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫‪฀ ฀ ฀ ฀ ฀‬‬ ‫‪฀‬‬
‫فوقع اإلسالم يف قل كل موقع »‪.ϭ‬‬
‫فمن ا لي أن الوجه ال قدي يف أفكار ال ص يعكس طبيعة وصورة ا دل ال قدي الف ا ما‬
‫الذي واجه القرشيون به القرآن العظيم والرسول‪ ،‬أث اء رفضهم للدعوة اإلسالمية ‪ ،‬فاهتموا الرسول‬
‫‪‬بالشاعر والقرآن العظيم بالشعر ‪ .‬وأما قول عمر‪ " :‬فوقع اإلسالم يف قل كل موقع " فاملع دل‬
‫على أن موقف عمر من القرآن العظيم والرسول‪ ‬كان يف مبتدإ األمر م سجما مع موقف قريش‪ ،‬ويف‬
‫اللحظة ال مسع فيها القرآن العظيم يتلى انبهر من ب ائه الفكري واللغوي وا ما ‪ ،‬وتأكد له أنه ليس‬
‫شعرا‪ ،‬وال هو من أقوال الشعراء ‪ ،‬وال هو من أقوال الكهان‪ ،‬وتأكد له أن الرسول ‪ ‬ليس شاعرا وال‬
‫كاه ا‪ ،‬عكس ما تقول قريش ‪ ،‬واقت ع بأن نزول القرآن هو وحي من ع د اهلل ‪ ،‬وهذا موقف من املواقف‬
‫العربية اإل ابية حول القرآن العظيم‪ ،‬وهو األمر الذي يعطي ا صورة واضحة وانطباعا على أن العرب ملا‬
‫مسعوا القرآن يتلى متع وا فيه وأعط و حقه من التعظيم ‪ ،‬ملا أدركوا ما فيه من ذوق ف مجا يفـ ـ ـ ــوق‬
‫مجال شعرهم وسجع كهاهنم‪ ،‬وكان هذا ال في املذكور يف اآليات كافيا ليدفع عمر للعدول عن موقفه‬
‫السل من القرآن العظيم والرسول‪‬يف تلك اللحظة ‪ ،‬ويكون – كما قال ابن كثري‪ « -:‬من‬

‫‪ -ϭ‬ا بن كثري ‪ :‬تفسر ابن كثري‪ ،‬ج ‪ ،ϰ‬ص‪ϯϲϰ‬‬


‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫‪357‬‬
‫مجلة األسباب ال جعلها اهلل تعا مؤثرة يف هداية عمر بن ا طاب ‪ ، ϭ» ‬إ اإلسالم‪ ،‬وإدراكه‬
‫اهلدف من بعثة الرسول‪ ‬ونزول الوحي عليه ‪.‬‬

‫ب‪ -‬الموقف ال قدي للخليقة عمر من شعر امرئ القيس* ( ت ‪ϱϰϬ‬م ) ‪:‬‬
‫أما من حيث موقف ا ليفة عمر ال قدي‪ ،‬فلقد اهتم ب قد الشعر اهتماما كبريا‪ ،‬و اصة شعر‬
‫الشعراء ا اهليني‪ ،‬الذين كان هلم أثرهم الواضح يف فن الشعر‪ ،‬ومتيزوا بطابعهم ا اص‪ ،‬من ذلك‪:‬‬
‫امرئ القيس‪ ،‬ال ـ ــذي اهتم املسلمون األوائل بشاعريتــه أميا اهتمام ‪ ،‬لكونه كان قريب العهـد هبم‪ ،‬فجاء‬
‫يف " العمدة "‪ « :‬قال عمر بن ا طاب ‪ ‬للعباس بن عبد املطلب‪ -‬رمحه اهلل‪ ،-‬وقد سأله عن‬
‫‪Ϯ‬‬
‫الشعراء‪ :‬امرؤ القيس سابقهم ‪ ،‬خسف هلم عني الشعر فافتقر عن معان عور أصح بصرا »‪.‬‬
‫فا ليفة عمر من خالل قوله ‪ ":‬امرؤ القيس سابقهم" فهو يعد امرأ القيس أشهر الشعراء ‪ ،‬الذين‬
‫« طارت أمساؤهم ‪ ،‬وسار شعرهم ‪ ،‬وكثر ذكرهم ‪ ،‬ح غلبوا على سائر من كان يف أزماهنم »‪.ϯ‬‬
‫كما أن رأي عمر‪ ،‬يؤكد ل ا خربته الواسعة يف نقد الشعر ‪ ،‬لك ه ليس هو أول من دث عن‬
‫شاعرية امرئ القيس ‪ ،‬بل سبقه يف ذلك الرسول ‪ ،‬فجاء يف الشعر والشعراء ‪ « ،‬فقال ال ‪ ‬ذاك‬
‫رجل مذك ـ ـ ــور يف الدنيا‪ ،‬شريف فيها ‪ ،‬م سي يف اآلخرة خام ـ ـ ـ ـ ــل فيها يء يوم القيامة معـ ـ ـ ـ ــه لواء‬

‫‪ -ϭ‬ابن كثري‪ :‬تفسر ابن كثري‪ ،‬ج‪ ، ϰ‬ص ‪. ϯϲϰ‬‬


‫*« امرؤ القيس بن حجر بن ا ارث بن عمرو بن ُحجر آكل املرار بن معاوية بن ثور وهو ك دة ‪ ،‬وهو من أهـل د من الطبقة األو ‪ ،‬وهذ الديار‬
‫ال وصفها يف شعر كلها ديار ب أسد قال لبيد ابن ربيعة أشعر ال اس ذو القرو ح يع امرأ القيس ‪ ...‬وأمه فاطمة ب ت ربيعة بن ا ارث بن زهري‬
‫أخت كليب ومهلهل اب ربيعة التغلبيني ‪ .‬وكلييب هو الذي تقول فيه العرب " أعز من كليب وائل " ‪ ...‬وقد سبق امرؤ القيس إ أشياء ابتدعهـا‬
‫واستحس ها العرب واتبعته عليها الشعراء من استيقافه صحبه يف الديار ورقة ال سيب وقرب املأخذ ‪ .‬أما موته فلما صار إ مدي ة بالروم تدعى أنقرة‬
‫ثقل فأقام هبا ح مات وقرب ه اك ‪ .‬وكان امرؤ القيس مجيال وسيما ومع مجاله وحس ه ُم َفركاً ال تريد ال ساء ‪ ،‬وكان يعد من عشاق العرب‪ ،‬وكان‬
‫يشبب ب ساء م هن فاطمة ب ت العبيد بن ثعلبة بن عامر العذرية وهي ال يقول هلا‪ ":‬أفاطم مهال بعض هذا التدلل"‪...‬قال أبو عبيدة ‪ :‬هو أول من‬
‫"قيد األوابد "‪ ،‬يع يف قوله يف وصف الفرس‪ :‬قَـي ِد األوابد‪ ،‬فتبعه ال اس على ذلك ‪ .‬وقال غري ‪ :‬هو أول من شبه الثغر يف لونه بشوك السيال فقال‪:‬‬
‫[الطويل]‬
‫يفيض » ‪.‬‬
‫عذب ُ‬ ‫كشوك السيال وهو ٌ‬ ‫َمَابتهُ ِمث ُل السدوس ولونه‬
‫‪ -‬ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ص ‪ ϱϮ‬وما بعدها ‪.‬‬
‫‪ -Ϯ‬ابن رشيق‪ :‬العمدة ‪ ،‬ج‪ ،ϭ‬ص ‪.ϴϭ‬‬
‫‪ -ϯ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ،ϭ‬ص ‪.ϴϭ‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫‪358‬‬
‫الشعراء إ ال ار* »‪.ϭ‬‬
‫فتقدمي الرسول ‪‬المرئ القيس يف سبقه للشعراء جاء عن طريق املوازنة بني الشعراء ‪ ،‬هذ‬
‫املوازنة ال شكلت م هجا ا ذ ال قاد فيما بعد سبيال للموازنة بني الشعراء ‪ ،‬وهبذ الصورة يظهر‬
‫اهتمام اإلسالم بشعر امرئ القيس ممثال يف رأي الرسول‪‬الذي يعد أول رأي نقدي يف ا كم على‬
‫شاعريته‪ ،‬وهو ا كم الذي دفع ا ليفة عمر إ ال ظر يف شعر امرئ القيس‪ ،‬فرأى من خالل شاعريته‬
‫أنه "سابق للشعراء " وهو حكم معلل‪ ،‬حيث وازن بني الشعراء يف الشاعرية واإلبداع الف ‪ ،‬فوجد"‬
‫امرأ القيس سابقهم" والسبق « قد يتضمن السبق الزم والف ‪ ،‬فهو أقدم شعراء العصر ا اهلي‬
‫املعروفني‪ ،‬وتذهب إشارات علماء الشعر القدامى إ أنه مع املهلهل كانا أول من نقل الشعر من‬
‫املقطعات إ القصائد ‪ ،‬وهو زعيم شعراء العصر ا اهلي يف نظر كثري من علماء الشعر القدامى‬
‫وشهرته بني ا اهليني ال يكاد ي افسه فيها أحد »‪.Ϯ‬‬
‫وهو األمر الذي أقر الرسول ‪‬يف قوله‪ ":‬مذكور يف الدنيا "‪ ،‬وأما قول عمر" خسف هلم عني‬
‫الشعر"‪ « :‬تفيد بأن امرأ القيس قد فتح آفاقا جديدة أمام الشعراء ا اهليني لريتادوها مطورين عطاءهم‬
‫الشعري »‪.ϯ‬‬
‫وقوله ‪ " :‬فافتقر عن معان عور أصح بصرا " فيه تصريح على أن امرأ القيس قد اوز معا‬
‫الشعر املتداولة ‪ ،‬وسن طريقا جديدا يف املعا واألغراض الشعرية ‪ ،‬والصور الف ية ‪ ،‬ال مل يهتد إليها‬
‫الشعراء قبله ‪ ،‬وال يف عصر ‪ ،‬فا ستحق أن يكون يف نظر عمر‪ ،‬سابق الشعراء ‪.‬‬

‫*إن حملمد مصطفى هدارة رأي يف هذا ا ديث فقال ع ه ‪ « :‬فتوجيه ا ديث‪ -‬إن صح – إمنا ي صب على الشعراء الذين اشتهروا بالفحش والتعهر‬
‫يف القول ونسوا اهلل ف سيهم ‪ .‬وهؤالء الشعراء وجدوا يف ا اهلية كا ا واضح ميثله امرؤ القيس ‪ ،‬كما الحظ ابن سالم من قبل وقد تقصى األستاذ‬
‫أمحد شاكر هذا ا رب املذكور يف عيون األخبار واألغا ومعجم البلدان فقال ‪ :‬إنه مشهور ع د اإلخباريني واألدباء ‪ .‬ولك ه غري معروف ع د احملدثني‬
‫وهم ا جة فيما ي سب إ رسول اهلل من األخبار ‪ .‬ولكن روى أمحد يف املس د من حديث أيب هريرة مرفوعا إ ال ( امرؤ القيس صاحب لواء‬
‫الشعراء إ ال ار ) وهو حديث ضعيف جدا ‪ ،‬ذكر ابن كثري يف التاريخ ‪ ،‬وقال ‪ :‬هذا م قطع ‪ ،‬وقد قال ‪ :‬ا افظ بن حجر يف لسان امليزان إنه خرب‬
‫باطل » ‪.‬‬
‫‪ -‬مد مصطفى هدارة ‪ :‬الشعر يف صدر اإلسالم والعصر األموي ‪ ،‬ص ‪.ϭϬϮ‬‬
‫‪ -ϭ‬ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ص ‪. ϲϳ‬‬
‫‪ -Ϯ‬عبد العزيز جسوس ‪ :‬نقد الشعر العريب يف الطور الشفوي ‪ ،‬ص ص ‪.ϲϭ-ϲϬ‬‬
‫‪ -ϯ‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪.ϲϭ‬‬

‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫‪359‬‬
‫وهذ املوازنة ال أقامها ا ليفة عمر بني امرئ القيس وغري من الشعراء استوقفت كثري من‬
‫ال قاد القدامى والعلماء بالشعر ‪ ،‬فتجاوز بعضهم امرئ القيس وذهبوا إ عقد املوازنة بني اليمن وبعض‬
‫القبائل العربية للربه ة على صحة رأي عمر‪ ،‬فقال ابن رشيق‪ :‬قال عبد الكرمي‪ « :‬خسف هلم‪ ،‬من‬
‫ا سيف وهي البئر ال حفرت يف حاجرة فخرج م ها ماء كثري ومجعها ُخسف ‪ ،‬وقوله‪ " :‬افتقر " أي‬
‫فتح‪ ،‬وهو من الفقري‪ ،‬وهو فم الق اة ‪ ،‬وقوله‪ " :‬عن معا عور"‪ ،‬يع أن امرأ القيس من اليمن‪ ،‬وأن‬
‫اليمن هلم فصاحة نزار ‪ ،‬فجعل هلم معا [عورا] فتح م ها امرؤ القيس أصح بصرا »‪.ϭ‬‬
‫وهكذا يبدو أن رأي ا ليفة عمر يف امرئ القيس‪ ،‬قد دف ـ ـ ـ ـ ــع بال اقد عبد الكرمي ال هشلي إ‬
‫عقد املوازنة بني لغة أهل اليمن‪ ،‬وفصاحة نزار ‪ ،‬للربه ة على قوة شاعرية امرئ القيس وسبقه للشعراء‬
‫إبداعا ‪ ،‬كما استوقف رأي ا ليفة عمر العلماء بالشعر لدراسة شاعرية امرئ القيس والتمعن فيما أبدع‬
‫فيه ‪ ،‬فقال ابن رشيق‪ « :‬إن امرأ القيس مل يتقدم الشعراء ألنه قال ما مل يقولوا‪ ،‬ولك ه سبق إ أشياء‬
‫فاستحس ها الشعراء ‪ ،‬واتبعو فيها‪ ،‬ألنه قيل‪ :‬أول من لطف املعا ‪ ،‬واستوقف على الطلول‪ ،‬ووصف‬
‫صي‪ ،‬وفرق بني ال سيب وما سوا من القصيد‬ ‫ال ساء بالظباء واملها والبيض‪ ،‬وشبه ا يل بالعقبان والعِ ِ‬
‫وقرب مأخذ الكالم‪ ،‬فقيد األوابد ‪ ،‬وأجاد االستعارة والتشبيه »‪.Ϯ‬‬
‫وما أحسب هذا الرأي إال قراءة موضوعاتية وف ية ‪ ،‬لرأي ا ليفة عمر يف سبق امرئ القيس‬
‫للشعراء‪ ،‬والذي تربز خربته ال قدية للشعر والشعراء ‪ ،‬إذ هو أول ناقد بعد الرسول ‪ ،‬اهتم بشاعرية‬
‫امرئ القيس الذي ب أن يبقى سابقا للشعراء ومقدما عليهم ‪ ،‬وقد أبقى ال قد األديب اإلسالمي على‬
‫خلود مقدما يف الشعر على الشعراء زمانا وإبداعا ‪.‬‬
‫ج‪ -‬الموقف ال قدي للخليفة عمر من شعر ال ابغة الذبياني ‪:‬‬
‫ومما يلفت انتبا الباحث يف مواقف عمر ال قدية ‪ ،‬تلك ال قدات ال صدرت يف السه ‪ ،‬فقـال‬
‫القرشي‪« :‬خرج عمر بن ا طاب‪ ‬وببابه وفد غطفان فقال ‪ :‬أي شعرائكم الذي يقول‪[ :‬الطويل]‬
‫ب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ليس وراءَ اهلل للمرء َمذ َه ُ‬ ‫و َ‬ ‫فسك ريبةً‪،‬‬‫ت فلم أترك ل َ‬ ‫َحلَف ُ‬
‫لَمبلِغُ َ ِ‬ ‫ت َع ِس َعايَة‬
‫ب‬‫ك الواشي أغش َوأَك َذ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ت قد بـُلغ َ‬‫لئن ُك َ‬
‫ب‬ ‫ِ‬ ‫ولَس ِ‬
‫على َش َعث ‪ ،‬أَي الرجال املَُهذ ُ‬ ‫َخا ال تَـلُمهُ‬
‫ت مبُستَبق أ ً‬ ‫َ‬
‫‪ -ϭ‬ابن رشيق‪ :‬العمدة ‪ ،‬ج ‪ ، ϭ‬ص ‪. ϴϭ‬‬
‫‪ -Ϯ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬ص ‪ϴϮ‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫‪360‬‬
‫[الطويل]‬ ‫قالوا‪ :‬ال ابغة يا أمر املؤم ني ! قال‪ :‬فمن القائل‪:‬‬
‫إليك نـَ َوازعُ‬
‫َ‬ ‫َمتد هبَا أَيد‬ ‫يف ُحج ٌن يف ِحبَال متي ة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫َخطَاط ُ‬
‫ك َو ِاس ُع*‬ ‫فإنك كاللي ِل ِ‬
‫الذي ُه َو ُمد ِركِي‪،‬‬
‫خلت أن امل تأَى ع َ‬
‫وإن ُ‬ ‫َ‬
‫[الوافر]‬ ‫قالوا‪ :‬ال ابغة يا أمر املؤم ني ! قال‪ :‬فمن القائل‪:‬‬
‫احلَ ِ ‪ ،‬وقد هدأت عُيُو ُن‬ ‫ور ِ‬ ‫ت نـَف ِسي‬ ‫إ اب ِن َُرق أع َمل ُ‬
‫و ح الَ َيُو ُن‬
‫كذلك كا َن نُ ٌ‬
‫َ‬ ‫ت األمانةَ مل َيُ ـ َها‬ ‫فَأَل َفي ُ‬
‫َعلى َخوف تُظَن ِ َيب الظُو ُن ؟‬ ‫يايب‪،‬‬ ‫َخلَ ًقا ثِ ِ‬ ‫ك َعا ِريًا‬ ‫أَتَـيتُ َ‬
‫[البسيط]‬ ‫قالوا‪ :‬ال ابغة يا أمر املؤم ني ! قال‪ :‬فمن القائل‪:‬‬
‫قُم يف الرب ِية فَاح ُدد َها َع ِن ال َفَ ِد**‬ ‫املليك لهُ‬
‫ُ‬ ‫قال‬
‫إال ُسليما َن إذ َ‬
‫قالوا ‪ :‬ال ابغة يا أمري املؤم ني ! قال ‪ :‬هو أشعر شعرائكم »‪.ϭ‬‬
‫إن حكم عمر على ال ابغة ب ـ ـ ـ ـ ـ « أشعر شعرائكم » هي الرواية املذكورة يف "الشعر والشعراء" ‪، Ϯ‬‬
‫و"العقد الفريد" ‪ ،ϯ‬و" خاص ا اص" ‪ ،ϰ‬إال أن بعض روايات األغا جاءت «أشعر العرب»‪ ،ϱ‬وقال‬
‫ابن عبد ربه يف روايته معلقا‪ « :‬وما أحسب عمر ذهب إال إ أنه أشعر شعراء غطفان‪ ،‬ويدل على‬
‫ذلك قوله‪ :‬هو أشعر شعرائكم »‪ ،ϲ‬وداللة هذا املع أن ال ابغة « قدمه عمر يف غري موضع على مجيع‬

‫* قال الثعال معلقا على بيت ال ابغة ‪ « :‬يقال‪:‬إنه أحسن شعراء ا اهلية ديباجة وأكثرهم رونق كالم ‪ ،‬وكأن شعر كالم كتاب ليس فيه تكلف‬
‫وال تعسف وأجود شعر ال عمانيات ‪ ،‬ومن عجائبه فيها أنه شبه ال عمان مرة بالليل ومرة بالشمس فسحر وهبر‪ ،‬حيث يقول ‪:‬‬
‫وإن خلت أن امل تأى ع ك واسع‬ ‫فإنك كالليل الذي هو مدركي‬
‫وقال ‪:‬‬
‫إذا طلعت مل ي د م هن كوكب » ‪.‬‬ ‫فإنك مشس وامللوك كواكب‬
‫‪ -‬أبو م صور الثعال ‪ :‬كتاب خاص ا اص ‪ ،‬قدم له ‪ :‬حسن األمني ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬م شورات دار مكتبة ا ياة ‪ ،‬د ‪ .‬ت ‪ ،‬ص ص ‪. ϵϳ-ϵϲ‬‬
‫** قوله ‪ :‬فاحددها ‪ :‬أي أزجرها ع د الف د ‪ ،‬أي ا طأ والظلم ‪.‬‬
‫‪ -ϭ‬القرشي‪ :‬مجهرة أشعار العرب ‪ ،‬ص ص ‪. ϲϭ -ϲϬ‬‬
‫‪ -Ϯ‬ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ص‪. ϴϴ‬‬
‫‪ -ϯ‬ابن عبد ربه‪ :‬العقد الفريد ‪ ،‬ج‪ ، ϱ‬ص ‪. ϮϳϬ‬‬
‫‪ -ϰ‬الثعال ‪ :‬خاص ا اص ‪ ،‬ص ‪. ϵϳ‬‬
‫‪ -ϱ‬أبو الفرج األصفها ‪ :‬األغا ‪ ،‬طبعة دار الكتب ‪ ،‬ج‪ ، ϭϭ‬ص‪. ϰ‬‬
‫‪ -ϲ‬ابن عبد ربه ‪ :‬العقد الفريد‪ ،‬ج ‪ ،ϱ‬ص ‪. ϮϳϬ‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫‪361‬‬
‫الشعراء »‪ ،ϭ‬يف عبس وذبيان ‪ ،‬وبالتا فهو أشعر من ع رتة ومن عروة بن الورد ‪ ،‬ومن الشماخ بن‬
‫ضرار وأخيه مزرد ‪ ،‬ومن الربيع بن زياد ‪ ،‬وا طيئة ‪ ،‬وابن ميادة ‪ ،‬ومن كل شاعر يرجع إ غطفان ‪.‬‬
‫وإذا ورد حكم ا ليفة عمر هبذ الصيغة " أشعر شعرائكم " غري معلل يف تفضيله لل ابغة على‬
‫الشعراء ‪ ،‬فذلك ألنه قال هذا ا كم هبذ الصيغة ملن يفهم قصد بدون أن يشر ح له ‪ ،‬وبني أنه‬
‫« معجب به يفضله مرة على شعراء قومه خاصة ‪ ،‬ويفضله أخرى على الشعراء أمجعني »‪ ،Ϯ‬وهو هبذا‬
‫يعرب عن ذوقه للشعر السياسي ا اهلي وتطلعه ألبعاد الفكرية وا مالية ‪.‬‬
‫حقيقة إن تفضيل ا ليفة عمر لل ابغة على شعراء غطفان باستدالله هبذ ال ماذج على اختالف‬
‫ورها وقوافيها ‪ ،‬يعكس مدى مبلغ اهتمامه باعتذارات ال ابغة وهي ‪ «:‬ثالثيته املعروفة يف تاريخ الشعر‬
‫العريب (الدالية‪ -‬البائية‪ -‬العي ية ) ل درك إ أي حد استطاع ال ابغة بفحولة بارعة أن دد ا اهات‬
‫هذا الفن ومساته العامة ‪ ،‬فكان مسلكه املوضوعي والف عمدة املعتذرين يف كل العصور»‪ ،ϯ‬كما أن‬
‫تفضيل عمر لل ابغة « يدل على أنه تكم إ معيار نقدي مع فيه بني الرؤية والفن »‪ ،ϰ‬وهـذا‬
‫« ا كم قد انصب على أبيات معي ة م تقاة من شعر ال ابغة بع اية كبرية ‪ ،‬اعتمادا على قيمها الف ية‬
‫أوال ‪ ،‬واعتبارا لعدم تعارضها مع القيم اإلسالمية ثانيا‪ ،‬مما يكشف عن خربته الواسعة بشعر ال ابغة ‪.‬‬
‫وعن قدرته على تذوق شعر وانتقاء أبيات جيدة ال تستفز املشاعر اإلسالمية »‪.ϱ‬‬
‫يضـاف إ هذا كــون أن األبيات صيغت بأسلوب ف متميز‪ ،ϲ‬وبالتا فإن موقف عمر من‬
‫شعر ال ابغة ميثل بكل وضو ح موقف اإلسالم ‪ ،‬الذي ال يتعارض مع الشعر ذي القيم ا لقية وا مالية‬
‫ح ولو كان شعرا جاهليا ‪.‬‬

‫‪ -ϭ‬القرشي‪ :‬مجهرة أشعار العرب ‪ ،‬ص ص ‪. ϲϬ‬‬


‫‪ -Ϯ‬طه أمحد إبراهيم‪ :‬تاريخ ال قد األديب ع د العرب من العصر ا اهلي إ القرن الرابع اهلجري‪ ،‬بريوت‪ ،‬لب ان‪ ،‬دار ا كمة‪ϭϵϯϳ ،‬م‪،‬ص‪.ϯϬ‬‬
‫‪ -ϯ‬مود عباس عبد الواحد ‪ :‬فن االعتذار الشعري تاريه وا اهاته ‪ ،‬ص ‪. ϳϴ‬‬
‫‪ -ϰ‬وليد قصاب ‪ :‬شخصيات إسالمية يف األدب و ال قد ‪ ،‬ص ‪. ϰϯ‬‬
‫‪ -ϱ‬عبد العزيز جسوس ‪ :‬نقد الشعر العريب يف الطور الشفوي ‪ ،‬ص‪. ϱϵ‬‬
‫‪ -ϲ‬وليد قصاب ‪ :‬شخصيات إسالمية يف األدب و ال قد ‪ ،‬ص ‪. ϰϯ‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫‪362‬‬
‫د‪ -‬الموقف ال قدي للخيفة عمر من شعر زهير* بن أبي سلمى (ت ‪ ϲϭϬ‬م) ‪:‬‬
‫ومن الشعراء الذين استوقفوا ا ليفة عمر زهري بن أيب سلمى‪ ،‬فعرف شعر ‪ ،‬ودقق ال ظر فيه‪،‬‬
‫وقيم بعد الفكري والف يف ب اء شعر ‪ ،‬ويف هذا اجملال روت بضع مصادر ال قد نصوصا تربز اهتمام‬
‫عمر بشعر زهري‪ ،‬فقد« ذكر أبو عبيدة عن الشع يرفعه إ عبد اهلل بن عباس– رضي اهلل ع هما‪-‬‬
‫قال‪ :‬خرج ا مع عمر بن ا طاب ‪ ‬يف سفر‪ ،‬فبي ا ن نسري قال‪ :‬أال تزاملوا ؟ أنت يا فالن زميل‬
‫با مقربا ‪ ،‬وكان كثري من ال اس‬ ‫فالن‪ ،‬وأنت يا فالن زميل فال ‪ ،‬وأنت يا ابن عباس زميلي‪ ،‬وكان‬
‫ي فسون علي ملكا م ه ‪ ،‬قال‪ :‬فسايرته ساعة مث ث رجله على رحله ‪ ،‬ورفع عقريته ي شد‪[ :‬الطويل]‬
‫أَبـَر َوأَو َف ِذمةً ِمن َُم ِد **‬ ‫َوَما َمحَلَت ِمن نَاقَة فَـو َق َرحلِ َها‬
‫مث وضع السوط على رحله مث قال‪ :‬استغفر اهلل العظيم‪ ،‬مث عاد فأنشد ح فرغ‪ ،‬مث قـال‪ :‬يا ابن‬
‫عباس ! أال ت شد لشاعر الشعراء ! قلت‪ :‬يا أمري املؤم ني ومن شاعر الشعراء ؟ قال‪ :‬زهري‪ ،‬قلت مل‬
‫صريته شاعر الشعراء ؟ قال‪ :‬ألنه ال يعاظل بني الكالمني‪ ،‬وال يتتبع وحشي الكالم‪ ،‬وال ميد ح أحد بغري‬
‫ما فيه »‪.ϭ‬‬

‫*« هو زهري بن ربيعة بن قرط‪.‬وال اس ي سبونه إ مزي ة وإمنا نسبه يف غطفان‪...‬ويقال ‪ :‬إنه مل يتصل الشعر يف ولد أحد من الفحول يف ا اهلية ما‬
‫اتصل يف ولد زهري‪ ،‬ويف اإلسالم ما اتصل قي ولد جرير‪ ،‬وكان زهري راوية أوس بن حجر ‪...‬قال عكرمة بن جرير ‪ :‬قلت أليب من أشعر ال اس ؟‬
‫قال ‪ :‬أجاهلية أم إسالمية ؟ قلت ‪ :‬جاهلية‪ .‬قال‪ :‬زهري‪. »...‬‬
‫‪ -‬ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ص ض ‪. 74 -73‬‬
‫** إن البيت الذي أنشد ا ليفة عمر هو ألنس بن زنيم ‪ ،‬الذي قاله يف قصيدة يف فتح مكة يعتذر فيها لرسول اهلل ‪‬مما قاله فيهم عمرو بن سامل‬
‫[الطويل]‬ ‫من أبيات ‪ ،‬ويف رواية ابن اسحق القصيدة من أربع عشر بيتا وهذ األبيات برواية ابن سيد ال اس ‪:‬‬
‫أبـر و أوف ذمـة من مد‬ ‫وما محلت من ناقة فوق رحلها‬
‫إذا را ح كالسيف الصقيل امله د‬ ‫أحث على خري و أسبغ نائال‬
‫و أعطى لرأس السابق املتجرد‬ ‫و أكسى لربد ا ال قبل ابتذاله‬
‫و أن وعيدا م ك كاآلخذ باليد‬ ‫تعلم رسول اهلل أنك مدركي‬
‫على كل صرم متهمني وم جد‬ ‫تعلم رسول اهلل أنك قادر‬
‫هم الكاذبون املخلفون كل وعد‬ ‫تعلم بأن الركب عومير‬
‫فال محلت سوطي إ إذا يدي‬ ‫ونبوأ رسول اهلل أ هجوته‬
‫‪ -‬مد بن عبد اهلل بن ىي بن سيد ال اس‪ :‬السرية ال بوية املسمى عيون األثر يف ف ون املغازي والشمائل والسري‪ ،‬ح‪ Ϯ‬ص ‪. ϮϬϰ‬‬
‫‪ -ϭ‬القرشي ‪ :‬مجهرة أشعار العرب ‪ ،‬ص ‪.ϱϳ‬‬
‫‪ -‬وي ظر‪:‬ابن رشيق‪ :‬العمدة ‪ ،‬ج‪ ،ϭ‬ص ‪. ϴϱ‬‬
‫‪ -‬وي ظر‪ :‬ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ص ‪. ϳϯ‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫‪363‬‬
‫ويف رواية ابن عبد ربه‪ « :‬قال عمر البن عباس أنشـد ألشعر ال اس‪ ،‬الذي ال يعاظل بني‬
‫القوايف وال يتتبع حوشي الكالم‪ ،‬قال‪ :‬من ذلك يا أمري املؤم ني ؟ قال‪ :‬زهري بن أيب سلمى »‪.ϭ‬‬
‫يبدوا واضحا أن اورة ا ليفة عمر يف ال صني كانت البن عباس‪ ،‬الذي يعد من أكرب العلماء‬
‫بالشعر ا اهلي واإلسالمي ‪ ،‬حفظا ورواية ‪ ،‬هلذا علق ابن عبد ربه على الرواية الثانية قائال‪ « :‬فلم يزل‬
‫ي شد من شعر ح أصبح »‪ ،Ϯ‬وهذا ما يوضح أن أغلب ال صوص ال رويت عن شاعرية زهري‬
‫كانت الرواية بني ابن عباس وا ليقة عمر‪.‬‬
‫وقد وقف ال قاد القداماء ع د عبارة عمر فعلقوا عليها وفسروها‪ ،‬وأعطوها ما تستحق من الفهم‪،‬‬
‫وما أراد ا ليفة عمر من رؤيته يف تقييم شعر زهري‪ ،‬فقال ابن سالم‪ « :‬وقال أهل ال ظر‪ :‬كان زهري‬
‫أحصفهم شعرا‪ ،‬وأبعدهم من سخف ‪ ،‬وأمجعهم لكثري من املع يف قليل من امل طق‪ ،‬وأشدهم مبالغة‬
‫يف املد ح‪ ،‬وأكثرهم أمثاال يف شعر »‪.ϯ‬‬
‫فرأي ابن سالم كان له صدى بني ال قاد‪ ،‬فدفعهم للوقوف ع د وم اقشة‪ ،‬فرد عليه ابن رشيق‬
‫قائال‪ « :‬وإذا قوبل آخر كالم عمر بآخر هذا الكالم ت اقض قول املؤلف‪ -‬أع ابن سالم‪ -‬ألن عمر‬
‫إمنا وصفه با ذق يف ص اعته ‪ ،‬والصدق يف م طق ه ‪ ،‬ألنه ال سن يف ص اعة الشعر أن يعطي الرجل‬
‫فوق حقه من املد ح لئال يرج األمر إ الت قص واالزدراء ‪ ،‬كما أخذ على أيب الطيب وغري ‪ ،‬وقد‬
‫استحسن عمر الصدق لذاته ‪ ،‬وملا فيه من مكارم األخالق واملبالغة الف ما وصف »‪.ϰ‬‬
‫فرأي ابن رشيق يبني ا جج ال اتكأ عليها ا ليفة عمر يف ب ـاء رأيه يف زهري وهي الصدق يف‬
‫املدحوالبعد عن الغلو ‪.‬‬
‫ومن الواضح أن من املصطلحات ال قيم هبا ا ليفة عمر شعر زهري‪ ،‬هي‪ :‬البعد عن "املعا ظلة "‪،‬‬
‫وهي امليزة األسلوبية ال استخلصها عمر من شعر زهري‪ ،‬وال وقف ع دها ال قاد وفسروها‪ ،‬فقال‬
‫القرشي‪ :‬وهي « أن يرد الكالم يف القافية مبع واحد »‪ ،ϱ‬وقال اآلمدي‪ « :‬مداخلة الكالم بعضه يف‬

‫‪ -ϭ‬اين عبد ربه ‪ :‬العقد الفريد ‪ ،‬ج‪ ،ϱ‬ص ‪. ϮϳϬ‬‬


‫‪ -Ϯ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ،ϱ‬ص ‪. ϮϳϬ‬‬
‫‪ -ϯ‬ابن سالم‪ :‬طبقات فحول الشعراء ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬ص ‪. ϲϰ‬‬
‫‪ -ϰ‬ابن رشيق‪ :‬العمدة ‪ ،‬ج‪ ،ϭ‬ص ‪. ϴϱ‬‬
‫‪ -ϱ‬القرشي‪ :‬مجهرة أشعار العرب ‪ ،‬ص ‪.ϱϳ‬‬

‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫‪364‬‬
‫بعض وركوب بعضه لبعض »‪ ،ϭ‬وقال ابن رسيق‪ « :‬زعم قوم أن املعاظلة تداخل ا روف وتراكيبها »‪،Ϯ‬‬
‫«وزعم آخرون أهنا تركيب الشيء يف غري موضعه »‪ ،ϯ‬وقد فسر اآلمدي قول عمر ‪ " :‬ال ميد ح أحد‬
‫بغري ما فيه"‪ ،‬بقوله‪ « :‬أراد أنه ال ميد ح السوقة مبا ميد ح به امللوك وال ميد ح التجار وأصحاب الص اعات‬
‫مبا ميد ح به الصعاليك واألبطال ومحلة السال ح ‪ ،‬فإن الشاعر إذا فعل ذلك فقد وصف كل فريق مبا‬
‫ليس فيه »‪.ϰ‬‬
‫وعلى هذا األساس يبدو أن « يف نقد عمر ظاهرة جديدة ال عهد ل ا هبا من قبل ‪ ،‬فهو حني‬
‫يقدم زهريا مل كم بذلك فحسب بل شر ح ل ا سر هذا التفضيل‪ ،‬ملاذا يفضل عمر زهريا ‪ ،‬ويعد أشعر‬
‫العرب ‪ .‬ألنه سهل العبارة ال تعقيد يف تراكيبه‪ ،‬وال حوشي يف ألفاظه‪ ،‬مث هو يف معانيه بعيد عن الغلو‪،‬‬
‫بعيد عن اإلفراط يف الث اء ‪ ،‬ال ميد ح الرجل إال مبا فيه ‪ ،‬فضل زهريا ألنه رجع إال الصياغة واملعا ‪،‬‬
‫وأورد ما يرا من خصائص زهري ‪ ،‬فيهما يف شيء من التحديد »‪.ϱ‬‬
‫وحكم ا ليفة عمر ال قدي متعلق مبا است تجه من خصائص أسلوبية يف شعر زهري ‪ .‬كما تربز‬
‫ُ‬
‫من خالل هذا ا كم ثالثة قضايا نقدـة وهي‪ :‬الحكم " أشعر الشعراء "‪ ،‬وسؤال ال اقد "مل صريتــه‬
‫شاعرا" ؟‪ ،‬والتعليل " ألنه ال يعاظل بني الكالمني "‪ ،‬يضاف إ هذا أن مالحظة عمر‪ ‬لشعر زهري‬
‫« تؤكد على فضيلة الصدق واألخالق ا ميدة باإلضافة إ أسلوب الشاعر»‪ ،ϲ‬الذي عرف ع ه « أنه‬
‫أمجع للشعراء للكثري من املعا يف القليل من األلفاظ »‪ ،ϳ‬وال غرو أن د « شعر زهري بن أيب سلمى‬
‫كان أحب الشعر إ نفس عمر‪ ،‬وذلك ملا اشتمل عليه من حكمة وصواب رأي‪ ،‬فهذا الشاعر من‬
‫حكماء قومه وق ـ ـ ــد سعى بني القبــائل املتخاصمة ‪ ،‬وعمل على إصـ ـ ــال ح ذات البني‪ ،‬مسخرا شع ـ ــر يف‬
‫سبيل إطفاء نار ا رب ‪ ،‬املستعرة كما شهر باعتداله يف مد ه وهجائه ‪ ،‬هذ املزايا جعلت عمر يسلم‬

‫‪ -ϭ‬ابن رشيق‪ :‬العمدة ‪ ،‬ج‪ ،Ϯ‬ص ‪. ϮϮϴ‬‬


‫‪ -Ϯ‬املصدر نفسه ‪،‬ج‪ ،Ϯ‬ص ‪. ϮϮϵ‬‬
‫‪ -ϯ‬ا سني بن بشر بن ىي اآلمدي البصري ‪ :‬املوازنة بني أيب متام والبحرتي ‪ ،‬قيق و تعليق ‪ :‬مد ي الدين عبد ا ميد ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬لب ان ‪،‬‬
‫املكتبة العلمية ‪ϭϯϲϯ ،‬هـ ‪ϭϵϰϰ‬م ‪ ،‬ص ص ‪. Ϯϱϵ -Ϯϱϴ‬‬
‫‪ -ϰ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. Ϯϱϵ‬‬
‫‪ -ϱ‬طه أمحد إبراهيم ‪ :‬تاريخ ل قد األديب ع د العرب من العصر ا اهلي إ القرن الرابع اهلجري‪ ،‬ص ‪. ϯϭ‬‬
‫‪ -ϲ‬داود سلوم ‪ :‬تاريخ ال قد األديب ع د العرب من العصر ا اهلي إ القرن الثالث اهلجري ‪ ،‬ص ‪Ϯϲ‬‬
‫‪ -ϳ‬الثعال ‪ :‬خاص ا اص ‪،‬ص ‪.ϵϲ‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫‪365‬‬
‫زهريا إمارة الشعر يف عصر »‪ .ϭ‬مقدما ومفضال له على بقية الشعراء ‪ ،‬وهذا ا كم كما يقول طه‬
‫حسني ‪ « :‬يست د إ علل ف ية »‪ ،Ϯ‬حيث « وضع عمر قواعد نقدية لتقدمي شاعر على آخر هي‬
‫البعد عن التعقيد اللفظي و ب الغريب من الكالم ‪ ،‬مث الصدق يف مضمون القول ‪ ،‬فقد استحسن‬
‫عمر شعر زهري ملا فيه من مكارم األخالق والبعد عن املبالغة »‪ ،ϯ‬ألنه كما يقول ابن رشيق ‪ « :‬فهو ال‬
‫ميد ح الرجل إال مبا فيه استحسانا لصدقه »‪.ϰ‬‬
‫وهذا مذهب ا ليفة عمر يف فهم الشعر ا سن ‪ ،‬أما من حيث صدق الشاعر فعمر يعلم بأن‬
‫الشعر الذي قاله زهري مطابق ياته ‪ ،‬وأن املعا ال ضم ها شعر يؤمن هبا ‪ ،‬وأن مدحه يعكس‬
‫الصورة ا قيقية ملمدوحه أو ممدوحيه ‪ ،‬هلذا جاء ال قد املوجه لشعر زهري « نقدا معلال أفصح فيـه عمر‬
‫عن سبب إعجابه لزهري وتسميته شاعر الشعراء ‪ ،‬وأرجع ذلك إ قط الفن اللذين ال يكون ال ضج‬
‫واالستواء فيه إال هبما معا يف الصياغة واملعا ‪ ،‬األداة والتفكري ‪ ،‬فزهري ذو أسلوب سهل وعبارة طيعة‬
‫متدفقة ‪ ،‬ال تعقيد يف ألفاظه ‪ ،‬وال تعثر يف تراكيبه ‪ ،‬ي طق كالمه بسالسة وبساطة وبعيد عن التكلف ‪،‬‬
‫آخذا بعضه برقاب بعض‪ ،‬وهو على مستوى الفكر يؤثر الصدق‪ ،‬ويأخذ با ق‪ ،‬فال يقول إال ما يعرف‬
‫غري مفرط وال مغال‪ ،‬لقد أخذ باملعيارين‪ :‬ا لق والفن يف حكمه على زهري »‪.ϱ‬‬
‫إ ًذا ‪ ،‬فاألخالق والفن ع د عمر مبدآن أساسيان يف تقييم شعر زهري‪ ،‬الذي عرف ع ه أنه من‬
‫شعراء التجويد والت قيح‪ ،‬وشعر شعر الفحول‪ ،‬فكان شديد ا رص على ويد شعر من حيث اللفظ‬
‫واملع ‪ ،‬الشيء الذي عكس ذوقه الف يف أهبى صورة ‪ ،‬ولذا فإن « خلو شعر زهري أوال من الغريب‬
‫املستهجن‪ ،‬يع أنه كان بذوقه األديب يتخري ألفاظه وي تقيها‪ ،‬وخلو ثانيا من املعاظلة ‪ ،‬يع أنه كان‬
‫ي أى بشعر ع د التعقي ــد اللفظي الذي يـ ـ ـؤدي بدور إ التعقيد املع وي ‪ .‬وكأن عمر ال اق ـ ــد إذ يذكر‬
‫حوشي الكالم واملعظلة كان يريد أن يقرر أن صفات األلفاظ ونظم الكالم وتالحم أجزائه من األمور‬

‫‪ -ϭ‬نايف معروف ‪ :‬األدب اإلسالمي يف عهد ال بوة وخالفة الراشدين ‪ ،‬ص ‪.ϭϴϮ‬‬
‫‪ -Ϯ‬طه حسني ‪ :‬يف األدب ا اهلي ‪ ،‬ص ‪. Ϯϴϰ‬‬
‫‪ -ϯ‬نايف معروف ‪ :‬األدب اإلسالمي يف عهد ال بوة وخالفة الراشدين ‪ ،‬ص ‪ϭϴϯ‬‬
‫‪ -ϰ‬ابن رشيق ‪ :‬العمدة ‪ ،‬ج‪ ،ϭ‬ص ‪. ϴϱ‬‬
‫‪ -ϱ‬وليد قصاب ‪ :‬شخصيات إسالمية يف األدب وال قد ‪ ،‬ص ‪. ϰϬ‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫‪366‬‬
‫ال ي بغي أخذها يف االعتبار ع د ا كم على الشعر وتقدير »‪.ϭ‬‬
‫والواضح من رؤية عمر الف ية لشعر زهري‪ ،‬ال يذكر فيها صف ‪ :‬حوشي الكالم واملعاظلة‪ ،‬هي ال‬
‫لو من تكوي ه الثقايف ا ديـ ـ ـد وما تشبعت به شخصيته ال تعرب ‪ -‬حسب مد طه ا ابري‪: -‬‬
‫على « أن الرو ح اإلسالمية متجلية يف هـذا االعتبار األخري ‪ ،‬بل لعل الصفة األو من هاتني الصفتني‬
‫ت ظر إ قوله تعا ‪ :‬ﭐ ‪[ ฀฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀‬اإلسراء اآلية ‪ ،]36‬وع دنا أن‬
‫االعتبار اللفظي موسوم أيضا بالسمة اإلسالمية ‪ ،‬جار مع روحها ‪ ،‬ذلك ألن حوشي األلفاظ ومعاظلة‬
‫ا مل أسل ـ ـ ــوب أد إ البداوة ‪ ،‬وأقرب إ األعرابية ‪ ،‬وبذلك يكون أبعد عن رو ح اإلسالم ‪ ،‬إذ هي‬
‫مل ع اصر ا ياة ا اهلية وتدعو إليها‬ ‫أقرب إ ا ضارة ‪ ،‬وإ ت فري ال اس من البداوة واألعرابية ال‬
‫» ‪.Ϯ‬‬
‫إن هذا الكالم يدفع ا للقول بأن شعر زهري وفق املقاييس ال حددها ا ليفة عمر بن ا طاب‪،‬‬
‫يتميز صائص ف ية ‪ ،‬متيز عن غري من شعراء عصر ‪ ،‬وقد أشار عبد العزيز جسوس إ هذا يف قوله‪:‬‬
‫إن « مالحظة خصائص جوهرية يف شعر زهري تت اول جوانب الرتكيب واللفظ والصدق يف التعبري‬
‫‪[...‬هي] خصائص مازال كثري من احملدثني يرددوهنا حول شعر زهري‪ ،‬وهي مستقاة مما عرف به من‬
‫ت قيحه لشعر ‪...‬ولن يتمكن عمر من ديد هذ ا صائص إال مبقارنة شعر زهري بأشعار غري مم يؤكد‬
‫خربته الواسعة بالشعر وامتالكه إلحساس ف يؤهله ملالحظة خصائص جيدة ف ية »‪.ϯ‬‬
‫وعلى هذا األساس فإن نظرة ا ليفة عمر ال قدية لزهري تقوم على ث ائية ‪ ،‬مع بني الرؤية الف ية‬
‫والرؤية الدي ية األخالقية ‪ ،‬وقد وضعهما يف إطارمها امل هجي ‪ ،‬حيث إن « الفاروق فيما قاله عن زهري‬
‫يؤكد‪ ...‬التوازن يف ال قد بني القراءة الف ية والقراءة الدي ية لل ص األديب‪ ،‬وعدم ا و ح عن هذ الث ائية‬
‫إ هذ أو تلك ‪ ،‬إذ هو‪ ‬يضرب فيما قاله عن زهري مثال التوازن ال قدي بني إحساسـه با مـ ـ ـ ـ ــال‬
‫الف القائم على الوضو ح بالبعد عن غريب اللفظ ووحشيته‪ ،‬والبساطة اجملافية للتعقيد مبداخلة الكالم‬
‫ومواالته‪ ،‬وتراكيب بعضه فوق بعض‪ ،‬وبني امل هج اإلسالمي الداعي إ التزام الصدق ا لقي والواقعي‬
‫يف األدب ‪ ،‬واالبتعاد عن الغلو واإلفراط والتجاوز ‪ .‬فعمر ت اول تقوميه لشعر زهري من الزاويتني الف ية‬

‫‪ -ϭ‬عبد العزيز عتيق ‪ :‬تاريخ ال قد األديب ع د العرب ‪ ،‬ص ص ‪.ϳϴ -ϳϳ‬‬


‫‪ -Ϯ‬مد طه ا اجري‪ :‬يف تاريخ ال قد واملذاهب األدبية العصر ا اهلي‪ ،‬والقرن األول اإلسالمي ‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار ال هضة العربية للطباعة وال شر‪،‬‬
‫‪ϭϵϴϮ‬م ‪ ،‬ص ‪. ϲϬ‬‬
‫‪ -ϯ‬عبد العزيز جسوس ‪ :‬نقد الشعر ع د العرب يف الطور الشفوي ‪ ،‬ص ص ‪. ϲϬ -ϱϵ‬‬

‫‪367‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫والدي ية ‪ ،‬ومن ه ا جاء وصفه له بالبعد عن التكلف (ف يا) ‪ ،‬وجاء استحسانه الصدق لذاته ‪ ،‬وملا فيه‬
‫من مكارم (دي يا وخلقيا) »‪.ϭ‬‬
‫وهذ ا صائص الف ية ال أبرزها عمر من خالل نقد الوصفي لشعر زهري كان هلا تأثريها الواضح‬
‫يف الفكر ال قدي ع د كبار ال قاد القداماء ‪ ،‬حيث دخل مصطلح عدم وجود املعاظلة يف شعر زهري‬
‫مباحث ال قاد املوسوعيني فيما بعد ‪ ،‬ع د ‪ :‬القرشي يف كتابه "مجهرة أشعار العرب" وقدامة بن جعفر‬
‫يف كتابه " نقد الشعر "‪ ،‬واآلمدي يف كتابه " املوازنة "‪ ،‬وابن سالم ا محي يف كتابه "طبقات فحول‬
‫الشعراء" وابن رشيق يف " العمدة "‪،‬فرددوا مصطلح املعاظلة تارة شرحا وتارة تعليقا وتارة نقدا لبعضهم‪.‬‬
‫ه‪ -‬بين الخليفة عمر بن الخطاب واب ة زهير وابن هرم* بن س ان ‪:‬‬
‫لقد تعددت اهتمامات ا ليفة عمر بن ا طاب بشعر زهري بن أيب سلمى‪ ،‬من ذلك ما روا ابن‬
‫رشيق‪ ،‬حيث قال‪ « :‬قال عمر بن ا طاب‪‬الب ة زهري حني سأهلا‪ :‬ما فعلت حلل هرم بن س ان ال‬
‫كساها أباك ؟ قالت ‪ :‬أبالها الدهر‪ ،‬قال‪ :‬لكن ما كسا أبوك هرما مل يبله الدهر‪.‬‬
‫وقال عمر ‪ ‬لبع ض ولد هرم بن س ان‪ :‬أنشد ما قال فيكم زهري‪ ،‬فأنشد ‪ ،‬فقال‪ :‬لقد كان‬
‫يقول فيكم فيحسن‪ ،‬قال‪ :‬يا أمري املؤم ني إنا ك ا نعطيه ف جزل‪ ،‬قال عمر‪ :‬ذهب ما أعطيتمو وبقي ما‬
‫أعطاكم »‪.Ϯ‬‬
‫ففي هذا ال ص ال قدي ا ميل يصادف ا سؤال ال اقد ‪ ،‬الذي يتكئ على ث ائية السؤال‪ ،‬حيث سأل‬
‫أوال عن أثر حلل هرم بن س ان ع د آل زهري‪ ،‬مث سأل عن أثر قول زهري يف آل هرم بن س ان‪ ،‬وكان‬
‫قصد ا ليفة عمر من هذا السؤال هو املوازنة بني األثر املادي واألثر الف طاب الشاعرية يف نفسية‬
‫الفرد واجملتمع بعد وف ـ ـ ـ ــاة املاد ح وممدوحه ‪ ،‬وهبذا السؤال يؤكد ل ا ا ليقة عمر أمهية الشعر وتفوق ـ ــه على‬
‫األغراض املادية الزائلة الفانية ‪ ،‬ال أعطاها هرم بن س ان إ زهري وال ف يت ‪ ،‬ومل يبق إال شعر زهري‬
‫بعد وفاته ‪ ،‬هذا الشعر الذي خلد كال من املاد ح واملمدو ح‪ ،‬وقد أدرك ا ليفة عمر ببعد نظر ال قدي ‪،‬‬
‫أن زهريا كان سن القول يف ممدوحه ‪ ،‬ألنه مدحه بدافع الرغبة واإلعجاب ‪ ،‬ومل ميدحه بدافع الطمع‬

‫‪ -ϭ‬عبد ا واد مد احملص ‪ :‬الدين وقراءة ال ص األديب ‪ ،‬األسك درية ‪ ،‬الفتح للطباعة وال شر ‪ ،‬د‪ .‬ت ‪ ،‬ص ‪. ϯϱ‬‬
‫*« هرم بن س ان (ت‪ϲϬϴ‬م) ‪ :‬من سادة ا اهلية مدحه زهري بن أيب سلمى » ‪.‬‬
‫‪ -‬امل جد يف اللغة واألعالم ‪ ،‬ص‪. ϱϵϱ‬‬
‫‪ -Ϯ‬ابن رشيق ‪ :‬العمدة ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬ص ص ‪. ϳϭ -ϳϬ‬‬

‫‪368‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫والسؤال ‪ ،‬وهي قيمة ذات معيارين خلقي وف مضافة يف ال قد األديب والشعر على السواء ‪ ،‬هلذا تركت‬
‫آثار زهري يف نفسية ا ليفة عمر واألجيال بعد عمر أثرا مجيال ‪ ،‬وإعجابا به وبشعر عرب العصور ‪.‬‬
‫و‪ -‬موقف الخليفة عمر من شعر الهجاء والشعراء الهجائين ‪:‬‬
‫لقد كان لشعر اهلجاء أثر السيئ يف نفسية عمر بن ا طاب‪ ،‬ألن الشعراء خرجوا بشعرهم عن‬
‫ا دود ال رمسها اإلسالم وعفا عليها‪ ،‬ومالوا به إ ال مط ا اهلي ‪ ،‬لذا ا ذ م هم عمر موقفا سلبيا‪.‬‬
‫ويعد شعر اهلجاء من القضايا األدبية ال بذل فيها ا ليفة عمر جهد ‪ ،‬اوال إطفاء نعرات‬
‫املاضي‪ ،‬ال كان معظم الشعراء يتذكروهنا ‪ ،‬إ جانب اهتمامه بأمر تسيري الدولة داخليا ‪ ،‬والفتوحات‬
‫اإلسالمية خارجيا ‪ ،‬و« لقد كان عمر واعيا بالصراع الذي كان يف عهد الرسول بني شعراء اإلسالم‬
‫وعلى رأسهم حسان وشعراء كفار قريش‪ ،‬انطالقا من مسؤوليته يف تسيري دواليب الدولة واجملتمع‬
‫اإلسالميني الذي يقتضي م ه الثقة‪...‬غري أن الظروف ال فرضت ذلك الصراع وارتبطت هبا قد‬
‫اختفت فلم يعد أي مربر إلنشاد شعر التهاجي بي هما وتداوله ‪ ،‬ألن ذلك سيحيي من جديد صراعا‬
‫مل تعد املرحلة يف حاجة إليه بعد أن التحق كبار شعراء قريش باإلسالم »‪ ،ϭ‬وهلذا ديدا « فقد هنى‬
‫عمر بن ا طاب أن ي شدوا شيئا من م اقضة األنصار ومشركي قريش ‪ ،‬وقال ‪ :‬يف ذلك شتم ا ي‬
‫بامليت ‪ ،‬و ديد الضغائن وقد هدم اهلل أمر ا اهلية مبا جاء من اإلسالم »‪.2‬‬
‫يضاف إ هذا ظهور ا ا شعري جديد بعد وفا ة الرسول ‪ ،‬أث اء حرب الردة‪ ،‬وحي ما نقـ ـول‬
‫ا اها جديدا مع هذا أنه مسلك ا طيئة * (ت‪678‬م ) يف الشعر ‪ ،‬الذي اندفع يف احرتاف املـد ح‬
‫واهلجاء ‪ ،‬فرا ح يزاوج يف مذهبه الشعري ا ديد بني املد ح لغرض السؤال للتكسب ‪ ،‬و " اهلجاء املبتز‬
‫‪3‬‬
‫للعطايا " ‪ ،‬الذي أدى بالكثري من ال قاد و اصة القدماء م هم لدراسته ‪ ،‬ولعل أكثر ال قاد الذين‬
‫أحس وا وصف حال مستوى الشعر الذي جعله ا طيئة أداة للسؤال ‪ ،‬هو ابن رشيق الذي قال ع ه ‪:‬‬

‫‪ -1‬عبد العزيز جسوس ‪ :‬نقد الشعر ع د العرب يف الطور الشفوي ‪ ،‬ص ص‪. 61 -60‬‬
‫‪ -2‬أبو الفرج األصفها ‪ :‬األغا ‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪. 144‬‬
‫* قال ابن قتيبة ‪ « :‬هو جرول بن أوس من ب قُطَيـ َعة بن عبس ولقب ا طيئة لقصر وقربه من األرض ويك أبا ُملَيكة ‪ ،‬وكان راوية زهري ‪ ،‬وهو‬
‫جاهلي إسالمي وال أرا أسلم إال بعد وفاة رسول اهلل ‪ ،‬أل مل أمسع له بذكر فيمن وفد عليه من وفود العرب »‪.‬‬
‫‪ -‬ابن قتيبة‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ص‪. 203‬‬
‫‪ -3‬مود عباس عبد الواحد ‪ :‬فن االعتذار الشعري تاريه وا اهاته ‪ ،‬ص ‪.42‬‬

‫‪369‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫« مث إن ا طيئة أكثر من السؤال بالشعر ‪ ،‬وا طاط اهلمة فيه ‪ ،‬واإل اف ‪ ،‬ح مقت وذل أهله وهلم‬
‫جرا ‪ ،‬إ أن ُحرم السائل وعُدم املسؤول »‪.1‬‬
‫فهذ هي الصورة ال انتهى إليها شعر املد ح ع د ا طيئة ‪ ،‬ومل يصل إليها ع د من سبقه من‬
‫الشعراء الذين جعلوا الشعر حرفة للتكسب ‪ ،‬رغم أهنم مل يدركوا اإلسالم ‪ ،‬ومل يعرفوا مقام عزة ال فس‬
‫فيه ‪ ،‬إال أهنم كما قال ابن رشيق ع هم‪ « :‬وأما أكثر من تقدم فالغالب على طباعهم األنفة من‬
‫السؤال بالشعر‪ ،‬وقلة التعرض به ملا يف أيدي ال اس‪ :‬إال فيما ال يزري بقدر وال مروءة كالفلتة ال ادرة‬
‫واملهمة العظيمة ‪ ،‬وهلذا قال عمر ‪ " : -  -‬نعم ما تعلمته العرب األبيات من الشعر يقدمها الرجل‬
‫أمام حاجته " »‪.2‬‬
‫يشري ابن رشيق يف ال ص ديـدا إ الشعراء ا اهليني‪ ،‬الذين سبقوا ا طيئة يف التكسب بالشعر‬
‫وهم ‪ :‬ال ابغة الذبيا (ت ‪604‬م) ‪ ،‬الذي كان أول شعراء العرب من سن طرق أبواب امللوك‪،‬‬
‫بقصائد املدحية ألجل التكسب ‪ ،‬مث سلك مسلكه األعشى * ميمـون بن قيس (ت‪629‬م) ‪ ،‬وزهري‬
‫ابن أيب سلمى (‪627-530‬م)‪ ،‬إال أن قاعدة مسلك التكسب بالشعر ال سلكها ا طيئة ‪ ،‬ال‬
‫دها يف شعر هؤالء الشعراء ‪ ،‬ومل ميتثلوا هلا وهي املزج بني املـ ـد ح واهلجاء ‪ ،‬وأما ما دل علي ـ ـ ـ ـ ـه قول ابن‬
‫رشيق‪ :‬فهو كون أن ال ابغة الذبيا رغم أنه أول املتكسبني بالشعر‪" ،‬مد ح امللوك وقبل الصلة "‪ ،ϯ‬لك ه‬
‫مل يتعرض بشعر ألذى ال اس‪ ،‬وأما إشارة عمر فت ص على اإلقرار بقضاء طلب ا اجة أو التكسب‬

‫‪ -ϭ‬ابن رشيق‪ :‬العمدة ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.71‬‬


‫‪ -2‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.71‬‬
‫*«هو من سعد بن ضبيعة بن قيس وكان أعمى ويك أبا بصري وكان أبو يدعى قتيل ا وع‪...‬وكان جاهليا قدميا وأدرك اإلسالم يف آخر عمر ‪ ،‬ورحل‬
‫إ ال ‪ ، ‬ليسلم فقيل له إنه رم ا مر والزنا فقال‪ :‬أمتتع م هما س ة مث أسلم فمات قبل ذلك بقرية باليمامة وقالوا‪ :‬إن خروجـه يريد ال ‪، ‬‬
‫يف صلح ا ديبية‪ ،‬فسألـه أبو سفيان بن حرب عن وجهه الذي يريد فقـال‪ :‬أريد مدا‪ ،‬فقال أبوسفيان‪ :‬إنه رم عليك ا مر والزنا والقمار‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫أما الزنا فقد ترك ومل أتركه وأما ا مر فقد قضيت م ها وطرا ‪ ،‬وأما القمار فلعل أصيب م ه خلفا‪،‬قال ‪ :‬هل لك إ خري ‪ ،‬قال‪ :‬وما هو ؟ قال‪:‬‬
‫بي ا وبي ه هدنة فرتجع عامك هذا وتأخذ مائة ناقة محراء ‪ ،‬فإن ظهر ( بعد ذلك ) أتيته ‪ ،‬وإن ظفرنا به ك ت قد أصبت عوضا من رحلك ‪ .‬فقال‪:‬‬
‫ال أبا فانطلق به أبو سفيان إ م زله ومجع إليه أصحابه‪ ،‬وقال‪ :‬يا معشر قريش هذا أعشى قيس وقد علمتم شعر ولئن وصل إ مد ليضربن‬
‫عليكم العرب ( قاطبة ) بشعر فجمعـوا له مائة ناقة (محراء ) فانصرف فلما صار ب احية اليمامة ألقا بعري فقتله ‪ ،‬ويسمى ص اجة العرب ألنه أول‬
‫من ذكر الص ج يف شعر ‪...‬ومسع كسرى وال عان إنشاد » ‪.‬‬
‫‪ -‬ابن قتيبة‪ :‬لشعر والشعراء ‪ ،‬ص ص‪. 160 -159‬‬
‫‪ -3‬ابن رشيق‪ :‬العمدة ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.70‬‬

‫‪370‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫باملد ح املهذب‪ ،‬بدون اللجوء إ اهلجاء الذي يدش ا ياء أو ميس بكرامة اإلنسان‪ ،‬ع دما مي ع‬
‫العطاء ‪.‬‬
‫وكذلك ا ال بال سبة لألعشى الذي "جعل الشعر متجرا"‪ ،1‬فقد عاش باملد ح ومل يقرنه باهلجـاء‪،‬‬
‫ول ا خري مث ـال يف زهري الذي مد ح هرم بن س ان فكسا حلال ملدحـه إيا ‪ ،‬وقد أعجب عمر بن‬
‫ا طاب بزهري وأث على مسلكه يف املد ح‪.Ϯ‬‬
‫فهؤالء الشعراء مجيعا مدحوا من أرادوا من ال اس‪ ،‬كما أرادوا‪ ،‬فمدحوا زعماء القبائل وضربوا‬
‫أكباد اإلبل إ امللوك فمدحوهم ونالوا عطاياهم ‪ ،‬إال أهنم مل يقرنوا املد ح باهلجاء ‪ .‬ومن ه ا كان‬
‫مسلك ا طيئة يف الشعر مل يتقبله ا ليفة عمر‪ ،‬ألنه ملا استحضر صورة شعراء املد ح وجدهم قد َرغبوا‬
‫املمدوحني فيهم‪ ،‬ومل يُرهبوا أحدا من ال اس باهلجاء ‪ ،‬هلذا اشرتى ا ليفة عمر من ا طيئة أعراض‬
‫ال اس مبال وفري وذلك لدفع الضرر عن اجملتمع ‪ ،‬ورفض ما تصور ا طيئة طريقا لإلبداع والتشفي ‪.‬‬
‫وصورة ظاهرة تفشي شعر اهلجاء تتضح أكثر يف عهد ا ليقة عمر‪ ،‬فهـذا الشاعر ال جاشي*حاول‬
‫أن ي حرف بالشعر و اهلجاء‪ ،‬فلما علم عمر به هدد ‪ .‬هلذا اقتضت حكمة ا ليفة عمر أن يتصدى‬
‫بكل حزم لشعر اهلجاء‪ ،‬وا ذ موقفا سلبيا من شعراء اهلجاء‪ ،‬ففي الوقت الذي كان الشعراء اهلجاءون‬
‫يبحثون عن حرية أكثر‪ ،‬لتسخري الشعر لرغباهتم ونزواهتم‪ ،‬ويهيمون بالشعر يف كل واد‪ ،‬وكيفما أرادوا ‪،‬‬
‫استدعت ضرورة ا ال أن يقف ا ليفة عمر موقفا حازما لوقف شعر اهلجاء ‪ ،‬كي ال يتحول إ أداة‬
‫عبث يف ألس ة الشعراء ‪ ،‬يعبثون من خالله مبروءة ال اس وم زلتهم يف اجملتمع‪ ،‬و ِ‬
‫توقيف حركة ردة الشعر‬ ‫َ‬
‫من عصر اإلسالمي إ عصر شيخ القبيلة ا اهلي ‪ ،‬و رير من قيود السؤال ورهبة اهلجاء‪.‬‬
‫وهذا ما يدفع ا إ تفصيل القول يف مواقف عمر من الشعراء اهلجائني ‪.‬‬

‫‪ -1‬ابن رشيق‪ :‬العمدة‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.70‬‬


‫‪ -2‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.70‬‬
‫*« هو قيس بن عمرو بن مالك بن غالب من ب ا ارث بن كعب ‪ ،‬وكان فاسقا رقيق اإلسالم‪...‬شرب ا مر يف رمضان‪...‬فأخذ فأيت علي بن أيب‬
‫طالب ‪ ،‬فقال له‪ :‬و ك ولدان ا صيام وأنت مفطر‪ ،‬فضربه مثانني سوطا وزاد عشرين سوطا‪ ،‬فقال له‪ :‬ما هذ العالوة يا أبا ا سن؟ فقال (هذ )‬
‫رأتك على اهلل يف شهر رمضان‪ ،‬مث وقفه لل اس لريو يف تبان فهجا أهل الكوفة وهجا ب العجالن وقريشا »‪.‬‬
‫‪ -‬ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪،‬ص ص ‪. 211 -210 -209‬‬

‫‪371‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫‪ -1‬موقف الخليفة عمر من حسان بن ثابت ( ت‪54‬هـ ) ‪:‬‬


‫مل يكن الشاعر حسان بن ثابت بعد وفاة الرسول‪ ، ‬ويف عهد ا ليفة عمر ديدا كباقي‬
‫الشعراء ‪ ،‬الذين مالوا إ املد ح واهلجاء ‪ ،‬أو ا ذوا مسلك التكسب بالشعر‪ ،‬لقد َعَرف حسان علو‬
‫وعرف فضل قدر م زلته يف قلب الرسول والصحابة ‪ ،‬إال أنه ـ‪ -‬كما يقول‬
‫كعب شعر يف اإلسالم‪َ ،‬‬
‫عبد العزيز جسوس‪ « :-‬مازال كوما برواسب املرحلة السابقة ‪ ،‬ومازالت ا مية ا اهلية وذكريات‬
‫الصراع بني مكة ويثرب تغلي يف عروقه ولذلك كان يتحني الفرصة إلشفاء غليله بإنشاد األشعار‬
‫املرتبطة بتلك الرواسب والذكريات وكان عمر ي بهه بني الفي ة واألخرى »‪. 1‬‬
‫ويف موقف ا ليفة عمر من حسان‪ « :‬يروى أن عمر بن ا طاب ‪ ‬مر سان وهو ي شد الشعر‬
‫فو اهلل‬ ‫يف مسجد رسول اهلل ‪ ،‬مث قال‪ :‬أرغاء كرغاء البكر ؟ فقال حسان‪ :‬دع ع ك يا عمر‪،‬‬
‫إنك لتعلم لقد أنشدت يف هذا املسجد من هو خري م ك ‪ ،‬فما يغري علي ذلك ‪ ،‬فقال عمر‪ :‬صدقت‬
‫»‪.2‬‬
‫يتجلى من ال ص أن « غاية عمر نبيلة يف طلبه من حسان االمت اع عن إنشاد الشعر يف املسجد ‪،‬‬
‫لئال يضطرب دور املسجد يف نفوس بعض ال اس ‪ ،‬ولك ه عدل بعد أن ذكر حسان مبا كان يص عه من‬
‫اإلنشاد أيام رسول اهلل‪ ، ‬ويف هذا تأكيد لدور الشعر يف اجملتمع ا ديد ‪ ،‬خاصـة ذلك الشعر الذي‬
‫شع برو ح اإلسالم ومكارم األخالق » ‪.3‬‬
‫وأعتقد أن حسانا مل يكن ي شد شعر اهلجاء يف لسه داخل املسجد فحسب ‪ ،‬بل كانت ه اك‬
‫أغراض أخرى تشغله م ها‪ :‬تذكر للرسول‪ ،‬حيث روي عن‪ « :‬سعيد بن املسيب أن عمر ‪ ،‬مر‬
‫سان وهو ي شد يف مسجد رسول اهلل ‪ ‬فذكر مثله وزاد وعلمت أنه يريد ال ‪.4» ‬‬
‫كما يبدو أن ا الف يف موقف الصحابة من شعر حسان بن ثابت ‪ ،‬يعكسه ا ديث ‪ ،‬الذي‬
‫روي « عن أمساء ب ت أيب بكر ‪ ،‬قالت‪ :‬مر الزبري بن العوام ‪ ‬مبجلس ألصحاب ال ‪ ،‬وحسان‬
‫ي شدهم ‪ ،‬وهم غري آذنني ملا يسمعون من شعر ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما أراكم غري آذنني ملا تسمعون من شعر‬

‫‪ -ϭ‬عبد العزيز جسوس ‪ :‬نقد الشعر ع د العرب يف الطور الشفوي ‪ ،‬ص ‪.62‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪ -Ϯ‬ابن رشيق ‪ :‬العمدة ‪،‬ج‪ ،ϭ‬ص‪Ϯϰ‬‬
‫‪ -3‬وليد مود خالص ‪ :‬ال قد األديب يف كتاب األغا ‪ ،‬ج‪( ،ϭ‬هامش) ص ‪. ϱϯ‬‬

‫‪372‬‬
‫‪ -ϰ‬أبو الفرج األصفها ‪ :‬األغا ‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪. 144‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫ابن الفريعة ؟ فلقد كان ي شد رسول اهلل ‪ ‬فيحسن استماعه و زل عليه ثوابه ‪ ،‬وال يشتغل ع ه إذا‬
‫أنشد »‪.1‬‬
‫فبكل تأكيد أن موقف الزبري بن العوام ‪ ‬من شعر حسان موقف إ ايب ‪ ،‬ولعله ذَكر جلساء‬
‫حسان ‪ ،‬مبجلس الرسول‪‬الذي كان يستمع فيه لشعر ‪ ،‬وقد أعجب حسان بكالم الـزبري بن العوام ‪،‬‬
‫[الطويل]‬ ‫وطرب له ‪ ،‬ألن فيه شيء من الث اء واالهتمام بشعر ‪ « ،‬فقال حسان[ما دحا له] ‪:‬‬
‫بالفعل يـَع ِد ُل‬
‫ِ‬ ‫وهد ِيه َحواريهَ و ُ‬
‫القول‬ ‫َ‬ ‫أَقَ َام على َعه ِد ال‬
‫اج ِه وطَ ِر ِيق ِه يواِ وا َ ا ق وا ق أَع َد ُل‬ ‫أَقَام على ِم ـه ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫نصر ُمؤث ُل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لَهُ من رسول اهلل قُ َرب قَريبة ومن نُصَرة اإلسالم ٌ‬
‫بسيفه َعن املصط َفى واهللُ يـُع ِطي فَـيُج ِزُل »‪.2‬‬
‫ِ‬
‫فَ َكم ُكربة َذب الزبريُ‬
‫فهذا ال ص يؤكـد أن حسانا بقي على عهد بعد وفاة الرسول الكرمي ‪ ،‬ميد ح الصحابة ويرثيهم‪،‬‬
‫رافعا مقامهم إ ما يعكسه مستوى شعر ‪ ،‬ومل يكن شعر متعلق برواسب املاضي فقط ‪.‬‬
‫‪ -2‬موقف الخليفة عمر من شاعري مكة ‪ :‬ضرار بن الخطاب وعبد اهلل بن الزبعرى ‪:‬‬
‫إن األمر الذي كان يشغل بال ا ليفة عمر من أمـ ـ ـر اهلجاء‪ ،‬هو اشتعال ا صومة بني الشع ـ ـراء‪،‬‬
‫جراء تذكرهم للماضي‪ ،‬كالذي حدث بني حسان بن ثابت وشاعرا مكة‪ :‬ضرار بن ا طاب ‪ ،‬وعبد‬
‫اهلل بن الزبعرى‪ ،‬يف إثارهتم للهجاء وتذكرهم للماضي‪ ،‬فقد جاء يف " طبقات فحول الشعراء " عن‬
‫« ابن جعدبة قال‪ :‬قدم ضرار بن ا طاب الفهري‪ ،‬وعبد اهلل بن الزبعرى املدي ة ‪ ،‬أيام عمر بن‬
‫ث عد ‪،‬‬
‫تحد ُ‬
‫تم ُع إليه ويُ َ‬
‫ا طاب ‪ ،‬فأتيا أبا أمحد*بن جحش األسدي – وكان مكفوفا‪ ،‬وكان َمأل ًفا ُ َ‬
‫ويقول الشعر – فقاال له‪ :‬أتي اك لرتسل إ حسان بن ثابت ف اشد ونذاكر ‪ ،‬فإنه كان يقول يف‬

‫‪ -ϭ‬ابن رشيق ‪ :‬العمدة ‪،‬ج‪ ،ϭ‬ص ص ‪. Ϯϰ -Ϯϯ‬‬


‫‪ -Ϯ‬أبو الفرج األصفها ‪ :‬األغا ‪ ،‬ج‪ ،ϰ‬ص‪. ϭϰϰ‬‬
‫صربة بن مرة بن كبري بن غ م بن دودان بن أسد بن خزمية ‪ ،‬وهو عب ـ ـ ــد بن جحش ‪ ،‬وأخو عبد اهلل‬ ‫* « أبو أمحد بن جحش بن رئاب بن يعمر بن ِ‬
‫ابن جحش‪...‬وكان أبو أمحد رجال ضرير البصر‪ ،‬وكان يطوف مكة أعالها وأسفلها بغري قائد ‪ ،‬وكان شاعرا ‪ ،‬وكانت ع ـ ـ ـ ــد الفرعة اب ة أيب سفيان‬
‫ابن حرب وكانت أمه أميمـة ب ت عبد املطلب بن هاشم‪،‬فَـغُل َقت دار ب جحش هجرة‪،‬فمر هبا عتبة بن ربيعة والعباس بن عبد املطلب وأبو جهل‬
‫ابن هشام بن املغرية‪...‬مث قال عتبة‪ :‬أصبحت دار ب جحش خالء من أهلها‪ ،‬فقال أبو جهل‪ :‬وما تبكي عليه من قُل بن قُل‪...‬مث قدم املهاجرون‬
‫أرساال‪...‬إ املدي ة مع رسول اهلل ‪‬هجرة رجاهلم ونساؤهم‪ :‬عبد اهلل بن جحش‪ ،‬وأخو أبو أمحد بن جحش »‪.‬‬

‫‪373‬‬
‫‪ -‬ابن هشام ‪ :‬سرية ال ‪ ، ‬ج‪ ، 1‬ص ‪ ، 271‬و ج‪ ، 2‬ص ص ‪. 80 -79‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫اإلسالم ويقول يف الكفر ‪ .‬فأرسل إليه فجاء ‪ ،‬فقال‪ :‬يا أبا الوليد ! أخواك تطربا إليك ! ابن الزبعرى‬
‫وضرار‪ ،‬يذاكرانك وي اشدانك‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬إن شئتما بدأت ‪ ،‬وإن شئتما فأبديا‪ ،‬قاال‪ :‬نبدأ ‪ .‬فأنشدا‬
‫ح إذا صار كاملرجل يفور‪ ،‬قعدا على رواحلهما‪ .‬فخرج حسان ح تلقى عمر بن ا طاب‪ ،‬ومتثل‬
‫ببيت ذكر ابن ا عدبة ال أذكر ‪ ،‬فقال عمر ‪ :‬وما ذاك ؟ فأخرب خربمها‪ ،‬قال‪ :‬ال جرم‪ ،‬ال يفوتانك‬
‫ت ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫فأرسل يف إثرمها فردا ‪ .‬وقال سان‪ :‬أنشدمها‪ ،‬فأنشد حاجته ‪ ،‬قال‪ :‬أَكتَـ َفي َ‬
‫شأنكما اآل َن‪ ،‬إن شئتما فَارحال‪ ،‬وإن شئتما فأقيما »‪.ϭ‬‬
‫إن موقف ا ليفة عمر من شاعري مكة واضح يف سرد ال ص‪ ،‬فبعد أن وضح له حسان ما‬
‫حدث له معهما‪ ،‬انكشف لعمر األمر وفهم أن نية الشاعرين‪ :‬ابن الزبعرى وضرار كانت مبيتة من أجل‬
‫إثارة ما كان بي هم وبني حسان أيام الرسول‪ ، ‬فقد كان حسان يهجومها ويرد على هجائهما‪ ،‬كم‬
‫أهنما شاعرا قريش‪ ،‬من معارضي الرسول ‪ ‬يف دعوته‪ ،‬فأرادا أن يثريا حفيظة حسان بدون أن يسمعا‬
‫إليه‪ ،‬هلذا ردمها عمر‪ ،‬على اعتبار أهنما جاءا إلثارة ما هنى ع ه الشعراء‪ ،‬وما أَم ُر ا ليفة عمر يف رد‬
‫الشاعرين‪ ،‬وما طلبهُ من حسان أن يشفي غليله ويرد عليهما‪ ،‬إال أكرب دليـ ـ ـل من عمر على أنـ ـ ـه مل يُِرد‬
‫أن يتجاوز حرية وح ـق حسان يف الرد على الشاعرين‪ ،‬تقـ ـديرا له ولشاعريته ‪ ،‬وعمر يعلم أن دور الشعر‬
‫« بعد فتح مكة والطائف‪ ،‬وقهر قريش‪ ،‬أهنى اإلسالم مهمته ا ربية مبدئيا‪ ،‬وانتهى دور الشعر اهلجائي‬
‫‪...‬فقريش عدو األمس‪ ،‬قد أصبح بعضا من املسلمني‪ ،‬ومل يعد من ا ائ ـ ـ ـز أن يثري الشعر الضغائن‬
‫واألحقاد ال عفا عليها اإلسالم »‪.2‬‬
‫وهلدا أشم يف موقف عمر ذيرا للشعراء من مغبة الظلم‪ ،‬فعلى الشعراء إنزال ال اس م ازهلم‪،‬‬
‫وليس مع هذا أن عمر يشجع حرية اإلبداع يف كل ا ا ‪ ،‬لك ه قد أخذ ا ق سان من شاعري‬
‫مكة‪ ،‬اللذان يعدان يف نظر ظاملني ‪ ،‬إذ مل يسمعا سان نكاية فيه ‪ ،‬وما إعادة عمر للشاعرين وإظهار‬
‫موقفه م هما أمام املأل إال ليعلما أن يف دولته مي ع الظلم‪ ،‬ويتساوى فيها مجيع ال اس مبا يف ذلك الشعراء‬
‫يف ا ق والعدل وا رية واإلبداع‪ ،‬و«كان عمر يقول‪ :‬واحدة بأخرى والبادئ أظلم »‪.3‬‬

‫‪ -1‬ابن سالم ا محي ‪ :‬طبقات فحول الشعراء ‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ص ‪. 244 -243‬‬
‫‪ -2‬فايز ترحي ‪ :‬اإلسالم والشعر ‪ ،‬ص ‪. 87‬‬

‫‪374‬‬
‫‪ -3‬ابن عبد ربه‪ :‬العقد الفريد ‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪. 296‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫إن إصرار ا ليفة عمر على امتثال الشعراء الثالثة يف حضرته ومواجهتهم‪ ،‬إال دليال قاطعا على ما‬
‫مل ميوالته ‪-‬كما قال عبد اهلل محادي ‪ -:‬من « داللة قاطعة على امتثال عمر لغريزة الشعر املشربة‬
‫ب التحرر والرغبة يف التشفي والتشهي‪ ،‬يف ركوب القول أو الفعل الشعري »‪ 1‬املب َدع ‪.‬‬
‫وهكذا وبعد أن تبني األمر للخليفة عمر‪ ،‬ومسع يف لسه ما مسع من شعر حسان يف الرد على‬
‫ابن الزبعرى وضرار‪ ،‬واطمأن حسان لعدالته‪ ،‬اتضح لعمر أن بعض رواسب املاضي مازالت عالقة يف‬
‫أذهان بعض الشعراء‪ ،‬كالذي علق يف فكر ابن الزبعرى وضرار بن ا طاب ‪ ،‬والذي يعكسه قوهلما أليب‬
‫أمحد ابن جحش‪ " :‬أتي اك لرتسل إ حسان بن ثابت ف اشد ونذاكر ‪ ،‬فإنه كان يقول يف اإلسالم‬
‫ويقول يف الكفر"‪ .‬لذا « قال عمر‪ :‬إ قد هنيتكم أن تذكروا مما كان بني املسلمني واملشركني شيئا دفعا‬
‫للضغائن ع كم‪ ،‬وبث القبيح فيما بي كم‪ ،‬فأما إذا أبوا فاكتبو واحتفظوا به‪ ،‬فدونوا ذلك ع دهم‪ ،‬قال‬
‫خالد بن مد ‪ :‬فأدركته واهلل وإن األنصار لتجدد ع دها إذا خافت بال »‪.2‬‬
‫إن حرص ا ليفة عمر على تدوين الشعر يكشف ويدل داللة قاطعة ‪-‬كما قال عبد اهلل‬
‫محادي‪ -:‬على « إقرار بالليونة من قبل عم ـر أمام إرادة الشعر املمع ة يف ركوب التحرر‪ ،‬وال مل‬
‫‪3‬‬
‫تتشرب كما ي بغي قيم الدعوة اإلسالمية » ‪.‬‬
‫وبعد ‪ ،‬فما هو مصري الشعر يف دولة ا ليفة عمر بعد حادثة ابن الزبعرى وضرار بن ا طاب مع‬
‫حسان بن ثابت ؟‬
‫بكل تأكيد إ ن ا ليفة عمر كان مدركا بأن دواعي املواجهات الشعرية دي يا وسياسيا قد ولت ‪،‬‬
‫وأن من كان عدو اإلسالم باألمس قد أصبح ي عم يف حياته آم ا مسلما ‪ ،‬وأن الدولة اإلسالمية قد‬
‫أرست أركاهنا‪ ،‬ولك ه كان على وعي كبري بأن الشعر هو هواء يت فسه الشعراء‪ ،‬ويعلم بأن سيولة الشعر‬
‫على ألس ة الشعراء لن تتوقف على ما عودها عليه الشعراء‪ ،‬ولكن أمر الشعراءمل يكن يوليه ا ليفة عمر‬
‫اهتماما كبريا يف دولته‪ ،‬لعلمه بأن الشعراء أدركوا بأن ا لفاء ال يتوانون يف ألس ة الشعراء‪ ،‬الذين‬
‫يواجهون ا ليفة أو أمر الدولة ا ديدة ‪ ،‬وقد عرف هذا األمر أث اء حرب الردة‪ ،‬ال واجه فيها ا ليفة‬

‫‪ -1‬عبد اهلل محادي ‪ :‬الشعرية العربية بني اإلتباع واالبـتداع دراسات نقدية‪ ،‬ط‪ ،1‬م شورات ا اد الكتاب ا زائريني‪2002 ،‬م‪ ،‬ص‪.75‬‬
‫‪ -2‬أبو الفرج األصفها ‪ :‬األغا ‪( ،‬دار الكتب) ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪. 141‬‬

‫‪375‬‬
‫‪ -3‬عبد اهلل محادي ‪ :‬الشعرية العربية بني اإلتباع واالبتداع ‪ ،‬ص‪. 76‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫أبو بكر كل املرتدين مبا يف ذلك الشعراء اهلجائني ‪.‬‬


‫ومع حزم ا ليفة عمر يف مواجهة شعر اهلجـاء‪ ،‬إال أن ا طيئة حاول أن يسلك بالشعر مسلكا‬
‫أفشى من خالله يف اجملتمع مذهبا شعريا يتعارض مع املبدإ اإلسالمي ونظرة عمر‪ ،‬لذا ا ذ م ه موقفا ‪.‬‬
‫‪ -3‬موقف الخليفة عمر من الحطيئة (ت نحو‪59‬هـ ‪ 678‬م ) وشعر ‪:‬‬
‫وأما موقف ا ليفة عمر من شعر اهلجاء وشعرائه ‪ ،‬فموقف سل ‪ ،‬وقد روت بعض مصادر ال قد‬
‫عن موقفه نصوصا‪ ،‬فقال ابن رشيق‪ « :‬كان عمر بن ا طاب ‪ ‬عامل بالشعر‪ ،‬قليل التعرض ألهله‪،‬‬
‫استدعا رهط ابن أيب[بن]مقبل على ال جاشي ملا هجا ‪ ،‬فأسلم ال ظر يف أمرهم سان بن ثابت فرار‬
‫من التعرض ألحدمها‪ ،‬فلما حكم حسان أنفذ عمر حكمه على ال جاشي كاملقلد من جهة الص اعة‪،‬‬
‫ومل يكن حسان‪ -‬على علمه بالشعر‪ -‬أبصر من عمر بوجه ا كم وإن اعتل فيه مبا اعتل »‪.1‬‬
‫ويف املوقف نفسه وقف عمر ضد ا طيئة‪ ،‬فقال ابن رشيق‪ « :‬وكذلك ص ع يف هجاء ا طيئة‬
‫للزبرقان بن بدر‪ ،‬سأل حسان مث قضى على ا طيئة بالسجن‪ ،‬وقيل‪ :‬بل سج ه ملوافقته إيـا ‪ ،‬وقوله‪:‬‬
‫إن لكل مقام مقال‪ ،‬فقال له‪ :‬أهتدد ؟ امضوا به إ السجن‪ ،‬فسج ه يف حفرة من األرض »‪.2‬‬
‫والواضح أن موقف ا ليفة عمر من ا طيئة ومن هجائه موقف سل ‪ ،‬ألنه وجـد يف شعر ما‬
‫يتعارض مع القيم اإلسالمية العليا‪ ،‬كما وجد معانيه ابتزازية وأقرب إ اهلجاء ا اهلي‪ ،‬لذلك «مل د‬
‫عمر غضاضة يف توجيه هتديدات مباشرة له وصلت إ حد إلقائه يف السجن‪ ،‬ولقد اشتهر ا طيئة من‬
‫بني ما اشتهر به باهلجاء الذي مل يسلم م ه معظم الذين ارتبط هبم – أو ارتبط به‪ ،-‬ح وصلت به‬
‫هسرتيا اهلجاء إ أن يهجو نفسه ‪ ،‬واستمر يف عهد عمر يوزع هجائه على كل من اعرتض طريقه أو‬
‫ملس فيه سلوكا مل يرتضه ‪ ،‬ومن أشهر مهجويه يف هذا العهد الزبرقان بن بدر »‪.ϯ‬‬
‫وعن مذهب ا طيئة الشعري « فهو ليس كغري من الشعراء الذين تس دهم قبائلهم ‪ ،‬فقد كان‬
‫قريبا يف مسلكه بني اجملان وا لعاء والصعاليك الذين نقموا من اجملتمع‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه خالطهم‪ ،‬وإن مل‬
‫يكن مثلهم متاما‪ .‬وا ه يف شعر إ مذهب زهري فكان ممن يسمون يف حياة ال قد بعبيد الشعر‪،‬‬

‫‪ -ϭ‬ابن رشيق ‪ :‬لعمدة ‪،‬ج‪ ،1‬ص‪.66‬‬


‫‪ -2‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪. 66‬‬
‫‪ -3‬عبد العزيز جسوس ‪ :‬نقد الشعر ع د العرب يف الطور الشفوي ‪ ،‬ص ‪. 63‬‬

‫‪376‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫فيهتمون بكل مكوناته من ع اصر الشكل واملضمون‪...‬ومتيز ا طيئة يف املد ح واهلجاء‪ ،‬ومها غرضان‬
‫متصالن ببعضهما لدواعي البيئة العربية ذات التوجه القبلي‪ ،‬فمد ح شخص يعترب هجاء– ولو غري‬
‫مباشر‪ -‬صومه ‪ ،‬وأقرب أمنوذج لذلك ما قاله يف مد ح بغيض بن عامر من ب (أنف ال اقة) ذلك‬
‫اللقب الذي كان يعد سبة وعيبا مث أضحى بشعر ا طيئة عزة وفخرا‪ ،‬وا رف لسانه إ التعريض‬
‫بالزبرقان بن بدر ( شاعر ) والذي عمل مع الصدقات من قومه يف عهد عمر بن ا طاب »‪.1‬‬
‫وعن هجاء ا طيئة لل اس والزبرقان بن بدر يقول طه حسني ‪ « :‬ولكثرة هجائه ال اس وكثرة‬
‫إطالقه لسانه فيهم بالسوء كرهه قوم وأحبه آخرون‪ ،‬أوقل اما ال اس من جهة‪ ،‬وازدمحوا عليه من‬
‫جهة أخرى‪ :‬امو إشفاقا من لسانه‪ ،‬وازدمحوا عليه يستعي ون به على خصومهم وم افسيهم‪ ،‬وهذا‬
‫يفسر قصته مع الزبرقان بن بدر الذي أراد أن يتص با طيئة‪ ،‬فأجار ليستعني به على ب عمه آل‬
‫مشاس‪ .‬فما زال هؤالء به ح حولو إليهم‪ ،‬يف قصة طويلة ال لو من التكلف وال حل‪ ،‬فتحول وأخذ‬
‫يف هجاء الزبرقان ورهطه‪ ،‬ح رفع أمر إ السلطان‪ ،‬فحبسه عمر مث عفا ع ه‪ ،‬واشرتى م ه أعراض‬
‫املسلمني بثالثة آالف درهم »‪.Ϯ‬‬
‫وعن هذا املوقف اهلجائي للزبرقان يقول ابن قتيبة‪ « :‬كان ا طيئة جاور الزبرقان بن بدر[ت‪45‬هـ]‬
‫فلم مد جوار ‪ ،‬فتحول ع ه إ بغيض فأكرم جوار ‪ ،‬فقال يهجو الزبرقان و ميد ح بغيضا *‪[ :‬البسيط]‬

‫‪ -1‬السيد مد الديب ‪ :‬أطوار األدب العريب يف العصر اإلسالمي ‪ ،‬ط ‪ ،1‬القاهرة ‪ ،‬أبان للكمبيوتر والطباعة ‪ ،‬املكتبة األزهرية للرتاث ‪1419،‬ه‬
‫‪1999‬م ‪ ،‬ص‪. 48‬‬
‫‪ -2‬طه حسني ‪ :‬يف األدب ا اهلي ‪ ،‬ص ص ‪. 295 -294‬‬
‫*ومتا م أبيات القصيدة السي ية ال حبس فيها هي ‪:‬‬
‫يف آل ألي بن مشاس بأكياس‬ ‫واهلل ما معشر الموا امرأ ج با‬
‫ذا حاجة عاش يف مستوغر شاس‬ ‫ما كان ذنب بغيض أن رأى رجال‬
‫يء هبا مسحى وإساسي‬ ‫وما‬ ‫درتكم‬ ‫لو أن‬ ‫مدحتكم‬ ‫لقد‬
‫كيما يكون لكم م حى وإمراسي‬ ‫عمدا ألرشدكم‬ ‫وقد مد حتكم‬
‫مل يكن راحي فيكم آسي‬ ‫ال ملا بدا م كم غيب أنفسكم‬
‫ولن ترى طاردا للحر كالياس‬ ‫أزمعت بأسا مريعا من نوالكم‬
‫مقيما بني أرماس‬ ‫وغادرو‬ ‫جارا لقوم أطالوا هون م زله‬
‫وأضراس‬ ‫بأنيـاب‬ ‫وجـرحو‬ ‫كالهبم‬ ‫ملوا قرا وهرت‬
‫واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي‬ ‫دع املكارم ال تر ح لبغيتها‬

‫‪377‬‬
‫=‬ ‫واألكرمني أبا من آل مشاس‬ ‫سريى أمام فإن األكثرين حصى‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫عاش يف ُمستَـو َغ ِر َش ِ‬
‫اس‬ ‫َذا حاجة َ‬ ‫ذنب بَغيض أن رأى رجالً‬ ‫َما كا َن ُ‬
‫بني أَرَما ِس‬ ‫يما‬ ‫ِ‬ ‫جارا لقـوم أطالوا هو َن م ـز ِله‬
‫َ‬ ‫وغادروُ ُمق ً‬ ‫ً‬
‫َوأَضَرا ِس‬ ‫وجـَرحوُ بِأنياب‬ ‫َملوا قرا ُ و هـرت كالهبـم‬
‫اسي‬‫إنك أنت الطاعم ال َك ِ‬
‫ُ‬ ‫واقـعُد فَ َ َ‬ ‫ـارم ال تـرحل لِبُغيتِهـَا‬
‫َد ِع املك َ‬
‫فاستعدى عليه الزبرقان عمر بن ا طاب‪ ، ‬وأنشد آخر األبيات‪ ،‬فقال له عمر‪ :‬ما أعلمه‬
‫هجاك‪ ،‬أما ترضي أن تكون طاعما كاسيا ( قال‪ :‬إنه ال يكون يف اهلجاء أشد من هذا)‪ ،‬مث أرسل إ‬
‫حسان بن ثابت فسأله عن ذلك ‪ ،‬فقال‪ :‬مل يهجه ولكن سلح عليه ‪ ،‬فحبسه عمر وقال‪ :‬ألشغل ك‬
‫[البسيط]‬ ‫يا خبيث عن أعراض املسلمني‪ ،‬فقال وهو بوس ‪:‬‬
‫ُمحر ا وا ص ِل ال ماءُ َوالَ َش َج ُر*‬ ‫أردت ألفراخ بِ ِذي مرخ‬
‫َ‬ ‫ماذا‬
‫عليك سالم ِ‬
‫اهلل يَا عُ َم ُر‬ ‫َ‬ ‫فاغفر‬ ‫ألقيت َك ِ‬
‫اسبَـ ُهم يف قعر مظلمة‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫‪1‬‬
‫فرق له عمر وخلى سبيله‪ ،‬وأخذ عليه أال يهجو أحدا من املسلمني » ‪.‬‬
‫ويف رواية ابن سالم‪ « :‬قال عمر سان‪ :‬ما تقول ؟ أهجا ؟ وعمر يعلم من ذلك ما يعلـم‬
‫حسان‪ ،‬ولك ه أراد ا جة على ا طيئة ‪ ،‬قال ذرق عليه »‪.2‬‬
‫وهكذا فمن ا لي الواضح أن ا طيئة يف هذ األبيات « قد بدأ يـُ َعرض بالزبرقان يف مس خفيف‪،‬‬
‫مث انعطف إ هجائه به يف أسلوب غري مقذع ‪ ،‬ي طوي على كثري من املكر وا بث الذي ميكن أن ال‬

‫ال يذهب العرف بني اهلل وال اس‬ ‫من يفعل ا ري اليعدم جوار‬ ‫=‬
‫من آل ألي صفاة أصلها راسي‬ ‫ما كان ذن إن فلت معا ولكم‬
‫دا تليدا ونبال غري أنكاس‬ ‫قد ناضلوك فسلوا من ك ائهم‬
‫‪ -‬نقال عن ‪:‬طه حسني ‪ :‬يف األدب اهلي ‪ ،‬ص ص ‪. 297 -296‬‬
‫*البت األول يف رواية ابن عبد ربه ‪ :‬العقد الفريد ‪ ،‬ج ‪ ، 5‬ص ‪ .293‬جاء فيه تغيري طفيف يف الشطرين‪ ،‬ومتام األبيات ‪:‬‬
‫زغب ا وا صل ال ماء وال شجر‬ ‫ماذا تقول ألفراخ بذي مرخ‬
‫ألقيت كاسبهم يف قعر مظلمة‬ ‫فاغر عليك سالم اهلل يا عمر‬
‫ألقى إليك مفاليد ال هى البشر‬ ‫أنت اإلمام الذي من بعد صاحبه‬
‫لكن ألنفسهم كانت هبا اإلثر‬ ‫ما آثروك هبا إذ قدموك هلا‬
‫‪ -1‬ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ص ص ‪. 208 -207‬‬

‫‪378‬‬
‫‪ -2‬ابن سالم ا محي‪ :‬طبقات فحول الشعراء ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪. 116‬‬

‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫يقع بسببه ت طائلة العقوبة »‪.1‬‬


‫وعن هذا اللون اهلجائي يقول ابن رشيق يف حديثه عن " أبلغ اهلجاء "‪ « ،‬قال خلف األمحر ‪:‬‬
‫أشد اهلجاء أعفه وأصدقه‪ ،‬وقال مرة أخرى‪ :‬ما عف لفظه وصدق مع ا ‪ ،‬ومن كالم صاحب الوساطة‪:‬‬
‫فأما اهلجو فأبلغه ما خرج رج اهلزل والتهافت‪ ،‬وما اعرتض بني التصريح والتعريض‪ ،‬وما قربت معانيه‪،‬‬
‫وسهل حفظه‪ ،‬وأسرع عُلُوقُه بالقلب ولصوقه بال فس‪ ،‬فأما القذف واإلفحاش فسباب ض‪ ،‬وليس‬
‫للشاعر فيه إال إقامة الوزن »‪ .2‬وهي الرؤية ال قدية ال أدركها حسان وب ا عليها حكمه على شعر‬
‫ا طيئة‪ ،‬يف قوله ‪" :‬سلح عليه " ‪.‬‬
‫ولكن السؤال الذي ميكن طرحه‪ ،‬هو‪ :‬ما هي ا لفية االجتماعية والدي ية واألدبية ال جعلت‬
‫الزبرقان بن بدر يقف موقفا سلبيا من هجاء ا طيئة له ومل يرد عليه ؟‪.‬‬
‫هل القرابة ال مع بني الزبرقان وا طيئة هي ال م عت الزبرقان من مواجهة ا طيئة ؟‪.‬‬
‫وما هو اهلدف من استعداء الزبرقان بن بدر ا ليفة عمر على ا طيئة ؟‪.‬‬
‫لإلجابة عن كل هذ األسئلة‪ ،‬ميكن طر ح فرضية أن السبب ا وهري الذي م ع الزرقان من الرد‬
‫على ا طيئة‪ ،‬هو شرف صحبته للرسول‪ ‬ال حرم م ها ا طيئة‪ ،‬ويضـاف إ ذلك م زلة الزبرقان بني‬
‫أهله‪ ،‬فهو من سادة ب متيم‪ ،‬وبالتا فالزبرقان وقف من ا طيئة موقفا سلبيا دي يا واجتماعيــا‪ ،‬ومل‬
‫يقف م ه موقفا أدبيا‪ ،‬ألنه كان بإمكانه أن يرد عليه ‪ ،‬لكن الزبرقان مل يرد عليـه ومل يواجهه ‪ ،‬وأراد أن‬
‫يبني الفرق ا وهري بي هما يف امل زلة الدي ية واالجتماعية‪ ،‬من خالل استعداء ا ليفة عمر عليه‪ ،‬وقد‬
‫حاول الزبرقان تقريب صورة شخصية ا طيئة املعقدة أكثر فأكثر من ذهن ا ليفة عمر‪ ،‬ويُسهل له‬
‫مهمة ال ظر يف هجائه‪ ،‬ويقتص له م ه‪ ،‬ومن دون شك فإن الزبرقان أعلم ال اس بصحة قوة إسالم‬
‫ا طيئة من ضعفه‪ ،‬ولعل تعليق ابن رشيق على هجاء ا طيئة للزبرقان‪ ،‬وموقف الزبرقان م ه أبلغ صورة‬
‫يف الفرق بني الرجلني‪ ،‬فقال يف "باب من رغب من الشعراء عن مالحة ال اس غري األكفاء"‪ « :‬م هم‬
‫الزبرقان ابن بدر‪ :‬ملا هجا املخبل السعدي جاوبه بعتاب‪ ،‬ألنه رآ أهال لذلك من أجل شرف بيته‬
‫وجاللته يف نفسه‪ ،‬فلما هجا ا طيئة مل ير مكانا للجواب‪ ،‬على أنه ابن عمه وجار يف ال سب ألهنما‬

‫‪379‬‬
‫‪ -1‬السيد مد الديب ‪ :‬أطوار األدب العريب يف العصر اإلسالمي‪ ،‬ص ص ‪. 53 -52‬‬
‫‪ -2‬ابن رشيق ‪ :‬العمدة ‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪. 149‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫مجيعا من مضر‪ ،‬بل استعدى عليه عمر‪ ‬فأنصفه »‪.ϭ‬‬


‫ولكن ماهي الطريقة ال أنصف هبا ا ليفة عمر الزبرقان ؟‬
‫لقد أبدى ا ليفة عمر اولة من فيف وطأة اهلجاء على الزبرقان بقوله ‪" :‬ما أعلمه هجاك "‬
‫أي أنه « ال يرى فيه بأسا أو أنه رد عتاب خفيف ال يصل إ السباب واهلجو بي ما اعترب الزبرقان‬
‫البيت أقسى وأشد ما هجي به »‪ .2‬فقال الزبرقان‪ " :‬إنه ال يكون يف اهلجاء أشد من هذا "‪.‬‬
‫اعم ال َك ِ‬
‫اسي‬ ‫ِ‬
‫أنت الط ُ‬
‫ك َ‬ ‫واقـعُد فَإن َ‬ ‫ـارم ال تـرحل لِبُغيتِهـَا‬
‫َد ِع املك َ‬
‫ألن « الزبرقان فهم ما رمي به من مخول وتفاهة وضعف ا يلة‪ ،‬وأن أقصى ما يطمح فيه أن‬
‫يكون آكال كاسيا دون أن يصل إ العزة والسيادة »‪ .3‬وهذا اللون اهلجائي يعد من اهلجاء ال فسي‬
‫الذي اتكأ فيه ا ظيئة على مس الفضائل ال فسية لدى املهجو‪ ،‬وهو اهلجاء الذي أجاد فيه ا ظيئة‪،‬‬
‫و ح فيه إ حد بعيد‪ ،‬وكما قال ابن رشيق‪ « :‬وأجود ما يف اهلجاء أن يسلب اإلنسان الفضائل‬
‫ال فسية وما تركب من بعضها مع بعض »‪ .4‬وهذ هي الطريقة ال آملت وتأمل له الزبرقان ‪.‬‬
‫وهلذا فما كان من عمر إال أن استف أهل االختصاص ألجل إرضاء الزبرقان‪ ،‬فاستدعى حسان‬
‫ابن ثابت‪ ،‬ألنه عرف نقد الشعر ا اهلي يف سوق عكاظ مع ال اقد ال ابغة الذبيا ‪ ،‬فَـ ُوجه إليه سؤال‬
‫ال اقد احملرتف‪ ،‬املتمثل يف قول عمر‪ " :‬ما تقول ؟ أهجا ؟ "‪ ،‬فا ليفة « تساءل برباعة نقدية متميزة‪،‬‬
‫إن كان لقول ا طيئة ريح آخر‪ ،‬ولالستيثاق من هذا ا اطر الذي يتقرر به لون العقاب‪ ،‬استأنس‬
‫برأي أصحاب ا ربة‪ ،‬سأل حسان‪...‬مقررا بذلك مبدأ هاما من مبادئ ال قد األديب‪ ،‬وهو احرتام ال قد‬
‫املوضوعي الصـادر عن متخصصني ‪ ،‬وملا أكـ ـ ـد ما يف قول ا طيئة من لذع وإيالم كان القصاص »‪.ϱ‬‬
‫وعلى هذا األساس ترتب يف ال ص حكمني‪ :‬أوهلما‪ :‬حكم نقدي ف قضى مبعيار حسان‪،‬‬
‫وثانيهما‪ :‬حكم فقهي قضى مبعيار ا لقي ا ليفة عمر‪ ،‬ب ا على حكم حسان‪ ،‬ألن الشاعر مل يلتزم‬
‫حدود أخالق املسلم مع ال اس‪ ،‬وبالتا فمن خالل املعيارين‪ :‬الفقهي وال قدي‪ ،‬قضى عمر بسجن‬

‫‪ -ϭ‬ابن رشبق ‪ :‬العمدة ‪ ،‬ج‪ ،ϭ‬ص ‪.ϵϯ‬‬


‫‪ -Ϯ‬السيد مد الديب ‪ :‬أطوار األدب العريب يف العصر اإلسالمي ‪ ،‬ص ‪. ϱϰ‬‬
‫‪ -ϯ‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. ϱϰ‬‬

‫‪380‬‬
‫‪ -ϰ‬ابن رشبق ‪ :‬العمدة ‪ ،‬ج‪ ،Ϯ‬ص ‪. ϭϱϮ‬‬
‫‪ -ϱ‬وليد قصاب ‪ :‬شخصيات إسالمية يف األدب وال قد‪ ،‬ص ‪. ϯϭ‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫ا طيئة‪ ،‬ألنه رآ قد خرج على ما رمسه اإلسالم من حدود لألخالق الدي ية السامية للمجتمع‪ ،‬ال‬
‫ت هي عن السخرية وأذى ال اس‪ ،‬وتأكد له بأن ا طيئة قد مس الزبرقان يف شعور وكربيائه ‪.‬‬
‫والواضح أن ا طيئة يف هجائه للزبرقان قد سلك مسلك ال ابغة الذبيا يف هجائه لعامر*‬
‫[الوافر]‬ ‫ابن الطفيل (ت‪10‬هـ ‪631‬م) الذي هجا ال ابغة قائال ‪:‬‬
‫اب‬ ‫فإن مظ ة ا ِ‬ ‫أالَ ِمن مبلغ عومير ع ز ِ‬
‫هل الشبَ ُ‬ ‫ياد‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫‪ϭ‬‬
‫اب ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫فَِإن َ‬
‫اب الغَُر ُ‬
‫ت ‪ ،‬أَو َش َ‬‫إذا ما شب َ‬ ‫اهى‪،‬‬‫سوف لم ‪ ،‬أو ت َ‬‫ك َ‬
‫[الوافر]‬ ‫فأجابه ال ابغة هاجيا قائال له‪:‬‬
‫اب‬
‫هل الشبَ ُ‬ ‫فإن مظ ةَ ا ِ‬ ‫قال جهالً‬
‫عامرا قد َ‬
‫يك ً‬ ‫فَإن ُ‬
‫اب‬ ‫ِ‬
‫ليس هلن بَ ُ‬ ‫من ا يالء ‪َ ،‬‬ ‫طاميات‬
‫ٌ‬ ‫لمك ‪،‬‬
‫َ‬ ‫َوالَ تذهب‬
‫‪Ϯ‬‬
‫اب ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫فَِإن َ‬
‫اب الغَُر ُ‬
‫ت ‪ ،‬أَو َش َ‬‫إذا ما شب َ‬ ‫اهى‪،‬‬‫سوف لم ‪ ،‬أو ت َ‬‫ك َ‬
‫وكما هو واضح فهجاء ال ابغة لعامر قاسيا‪ ،‬إذ رما با هل والص والسفه والصغر‪ ،‬وقد أغضب‬
‫هذا اهلجاء عامرا ألنه زعيم قومه‪ ،‬فكان هذا أسلوب ا طيئة يف هجائه ملن رغب ع ه ‪.‬‬
‫وهكذا يكون ا طيئة قد أخذ بطريف ‪ :‬أسلوب ال ابغة يف اهلجاء ‪ ،‬وأسلوب زهري يف املد ح ‪.‬‬
‫لكن ‪ ،‬ملاذا تأثر ا ليفة عمر لبكاء ا طيئة وقَبِل استعطافه بعد أن تأكد أنه مذنب ؟‬
‫هل مثة دافع أساسي دفع ا ليفة عمر إ أن يعفو عن ا طيئة ؟ أو ليشرتي م ه ذمم ال اس ؟‬
‫أم أنه كان لكلمة الشعر ال دفعت ا ليفة عمر إ اللني سلطاهنا وأثرها العميق يف نفسيته ؟‬
‫الواضح أن عمر بن ا طاب يرى من خالل موقع مسؤولياته على الرعية‪ ،‬من الواجب عليه محاية‬
‫أعراض ال اس وأنفسهم وأمواهلم‪ ،‬ولك ه وجد نفسه أمام ظاهرة شعرية متمردة على اجملتمع والسلطة‪،‬‬

‫*« عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر بن كالب العامري ‪ ،‬وهو ابن عم لبيد الشاعر ‪ ،‬وكان فارس قَـيس‪ ،‬وكان أعور عقيما ال يولد لـه ومل يعقب‪..‬‬
‫وكان عامر أتى ال ‪ ،‬فقال له‪ :‬عل نصف مثار املدي ة و عل و األمر بعدك وأُسلم‪ ،‬فقال ال ‪ ‬اللهم أكف عـامرا واهد ب عامر‪،‬‬
‫فانصرف وهو يقول‪ :‬ألمألهنا عليك خيال جردا ورجاال مردا وألربطن بكل لة فرسا‪ ،‬فطعن يف طريقه فمات وهـو يقول‪ :‬غدة كغدة البعري وموت‬
‫يف بيت سلولية ‪ ،‬ويك أبا علي ‪ ،‬وهو الذي نافر علقمة بن عثالة إ هرم بن قطبة الفزاري حني أُهِ َرت عمه عامر بن مالك مالعب األس ة » ‪.‬‬
‫‪ -‬ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ص ص ‪. Ϯϭϯ -ϮϭϮ‬‬
‫‪ -1‬عامر بن الطفيل‪ :‬الديوان ‪ ،‬رواية ‪ :‬أيب بكر مد بن القاسم األنباري عن أيب العباس أمحد بن ىي ثعلب ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬دار صادر ‪ϭϯϵϵ ،‬هـ‬

‫‪381‬‬
‫‪ϭϵϳϵ‬م ‪ ،‬ص ‪. ϮϮ‬‬
‫‪ -2‬ال ابغة الذبيا ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. ϭϵ‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫فا طيئة ارتد* يف عهد أيب بكر‪ ،‬وهذا يع أن مترد على الدين والسلطان قدمي‪ ،‬واحرتف املد ح واهلجاء‬
‫ومال هبما إ التكسب‪ ،‬ووجد يف مقدرته الف ية أنه يهجوا فيؤمل املهجوين‪ ،‬وميد ح فيأسر ويرضي فيجزل‬
‫له العطاء‪ ،‬فا ذ ذلك مسلكا احرتافيا يف حياته مع اجملتمع‪ ،‬ومن دون شك أن ا ليفة عمر ‪ ،‬فكر‬
‫بعمق يف مسألة ا طيئة‪ ،‬فوجد ما أسهل األمر له أن يعاقب الشاعر ويسج ه مث يلني ويرتاجع ويعفو‬
‫ع ه ! وما أصعب عليه أن ال يرتك للشعر حريته ! فألجل الشعر الذي يؤمن عمر بفاعليته ودور ‪-‬‬
‫والذي خاطب ألجله أبا موسى األشعري قائال‪ُ « :‬مر من قبلك بتعلم الشعر‪ ،‬فإنه يدل على معا‬
‫األخالق ‪ ،‬وصواب الرأي ‪ ،‬ومعرفة األنساب »‪ -،1‬عفى عن ا طيئة ‪.‬‬
‫أم‬ ‫لكن‪ ،‬هل رق عمر يف موقفه والن وتساهل مع ا طيئة ألنه استعطفه وامسعه حال أوالد ؟‬
‫أن ا طيئة طلب العفو من عمر ليبني أن حبه للمال دفعه إ املد ح واهلجاء لكسب قوت عياله ؟‬
‫ه ا ميكن القول بتغليب الرأي الثا ‪ ،‬ألن ا طيئة نشأ يف بيئة زهري واب ه كعب وهي بيئة شعـر‬
‫املد ح ‪،‬هلذا فإن ا طيئة كما قال وهب رومية‪ « :‬قد أسرف هذا الشاعر يف املد ح إسرافا غريبا‪ ،‬وأ ف‬
‫يف السؤال واالستجداء وغا ‪ ،‬فربزت قصيدة املد ح يف ديوانه بروزا شديدا ح أوشكت أن عل م ه‬
‫ديوانا يف املديح قبل كل شيء‪ ،‬أو جعلت م ه ذلك حقا‪ ،‬فهي اللون الشعري الصارخ يف هذا الديوان‪،‬‬
‫بل ن ال نغا إذا قل ا ‪ :‬إن ا طيئة قد ذهب وحد ب صف ما عرفته فرتة صدر اإلسالم من قصائد‬
‫املد ح ومقطعاته‪ ،‬يف البادية واملدن على حد سواء ! فقد أحصي ا ما يف ديوانه من هذ املدائح فبلغت‬
‫ما يقرب مخسني مدحة بني قصيدة ومقطوعة »‪.2‬‬
‫مع هذا أن ا طيئة تعلق ببدويته وأهتم بقضايا تقاليد املدحية ا اهلية ‪ ،‬ومل يهتم باإلسالم مما‬
‫يؤكد ضعف إسالمه‪ ،‬وعدم معرفته مبعايري القصيدة املدحية الصحابية‪ ،‬ال اختصت مبد ح الرسول‪‬‬

‫* يقول ابن قتيبة ‪ «:‬وال أرا أسلم إال بعد وفاة الرسول‪ ‬أل مل أمسع له بذكر يف من وفد عليه من وفود العرب إال أ وجدته يقـول يف أول خالفة‬
‫[الطويل]‬ ‫أيب بكر ‪ ‬حني ارتدت العرب ‪:‬‬
‫فيا هلف ما بال دين أيب بكر‬ ‫أطع ا رسول اهلل إذ كان حاضرا‬
‫فتلك وبيت اهلل قاصمة الظهر‬ ‫أيورثها بكرا إذا مات بعد‬
‫وقد وز أن يكون أراد بقوله ‪ :‬أطع ا رسول اهلل ‪ ،‬قومه أو العرب ‪ .‬وكيف ما كان فإنه كان رقيق اإلسالم لئيم الطبع » ‪.‬‬
‫‪ -‬ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ص ‪. ϮϬϯ‬‬

‫‪382‬‬
‫‪ -ϭ‬ابن رشيق ‪ :‬العمدة ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬ص ‪. Ϯϰ‬‬
‫‪ -Ϯ‬وهب رومية ‪ :‬ب ية القصيدة العربية ح هناية العصر األموي ( قصيدة املد ح أ‪،‬موذجا ) ‪ ،‬ص ص ‪. 225 -224‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫وصحابته ‪.‬‬
‫ومن جانب آخر فكما عرف ا طيئة املد ح عرف اهلجاء‪ ،‬وعرف مبلغ أثرمها يف اجملتمع ويف‬
‫التكسب‪ ،‬هلذا مال ا طيئة إليهما معا‪ ،‬و‪-‬كما يقول السيد مد الديب‪ « -:‬إذا كان قد أجـاد يف‬
‫املد ح واهلجا فألهنما مرتبطان ببعضهما متاما‪ ،‬وب كسبه علهما‪ ،‬وإذا كان هذا امل زع معيبا يف الشعر ملا‬
‫يتمخض عليه من كذب العاطفة فإن ا نقول‪ :‬إن غرام ا طيئة باملال كان املوجه واملقود لسفي ة شعر ‪،‬‬
‫ومل يلجأ إ املبالغة املمقوتة ال تكشف عن بعض الزيف وتصري كال كتة السخيفة املمجوجة‪ ،‬فقد‬
‫كان ال يكذب فيما يقول حسب رأيه‪ ،‬وهو إدخال عاطفته يف دائرة الصدق والعمق‪ ،‬وهو ذو ربة‬
‫كبرية شد فيها ألفاظه املصقولة ومعانيه وصور وأخيلته املستوحاة من البيئة »‪.ϭ‬‬
‫أما من جهة قَبول ا ليفة عمر بن ا طاب استعطاف واعتذار ا طيئة‪ ،‬فذلك ألن عمر ميثل‬
‫عصرا جديدا وسلطـة إسالمية‪ ،‬وا طيئة ليس أول شاعر يَعتذر يف اإلسالم ويُعفى ع ه‪ .‬ورغم ثقافة‬
‫عمر ومعرفته با دود ال ي بغي للشعراء أن ال يتجاوزوها‪ ،‬إال أنه تساهل والن مع ا طيئة وقبل‬
‫استعطافه‪ ،‬ألنه استعطفه بصفته خليفة للمسلمني ‪ ،‬وقد عرب ا طيئة يف استعطافه له س إسالمي‬
‫رفيع‪ ،‬يتضمن اعرتافا بالذنب يف قوله ‪ ":‬فاغفر عليك سالم اهلل يا عمر "‪ ،‬وهبذا يكون ا ليفة عمر‬
‫قد امتثل مل هج الرسول‪ ،‬الذي كان يقبل اعتذار واستعطاف الشعراء له ويعفو ع هم‪ ،‬كما فعل مع‬
‫كعب بن زهري وغري من الشعراء ‪ .‬هلذا فإن عمر كان يهدف هبذا اللني إ إخراج الشعر من دائرة‬
‫مديح التكسب‪ ،‬الذي مال إليه ا طيئة من جهة‪ ،‬وكف أذا عن ال اس من اهلجاء املبتز من جهة‬
‫ثانية‪ .‬وهلذا "اشرتى م ه أعراض املسلمني بثالثة آالف درهم"‪ .‬وبالتا فمن الوجهة الف ية فاملد ح ع د‬
‫ا طيئة يعد امتدادا ملدرسة التكسب ا اهلية‪"،‬مدرسة زهري"‪ ،‬ولكن « ا طيئة ليس صورة مكررة لزهري‬
‫‪2‬‬
‫أو اب ه‪ ،‬وإن كان امل هج وامل زع متقاربان يف اآلراء والشكل وليس يف املضمون والغرض » ‪ .‬ألن ميزة‬
‫مسلك ا طييئة الشعري جديد مع بني الرتغيب واإلرهاب‪ ،‬واهلجاء ع د فيه تقليد ألسلوب ال ابغة‬
‫الذبيا ‪ ،‬هلذا مل د مذهبه الشعري دارا يستقر إليها يف دولة عمر‪ ،‬حيث كان له باملرصاد ‪.‬‬
‫ورغم عفو ا ليفة عمر عن ا طيئة‪ ،‬يبقى موقفه م ه موقفا سلبيا‪ ،‬فقد م عه من املديح واهلجاء‬

‫‪383‬‬
‫‪ -ϭ‬السيد مد الديب ‪ :‬أطوار األدب العريب يف العصر اإلسالمي ‪ ،‬ص ص ‪. ϲϳ -ϲϲ‬‬
‫‪ -Ϯ‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. ϲϳ‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫على حد سواء‪ ،‬ح ال يرتك له زمام حرية قَـول ما يشاء من املد ح واهلجاء ملن يشاء ‪ ،‬باعتبار شاعرا‬
‫ال يقول الشعر فكاهة أو تواصال أو صواب رأي‪ ،‬وم عه ح ال يتطور تفكري و اهلجاء املقذع الذي‬
‫هنى ع ه ال ‪ ،‬يف قوله‪ « :‬من قال يف اإلسالم هجاء مقذعا فلسانه هدر»‪.1‬‬
‫وعلى أساس هذا ا ديث ديدا‪ ،‬فإنه « ملا أطلق عمر بن ا طاب‪ ،‬ا طيئة من حبسه إيا ‪...‬‬
‫قال له‪ :‬إياك والهجاء المقذع‪ ،‬قال‪ :‬وما المقذع يا أمري املؤم ني ؟ قال‪ :‬المقذع‪ :‬أن تقول‪ :‬هؤالء‬
‫أفضل من هؤالء وأشرف ‪ ،‬وتب شعرا على مد ح لقوم وذم ملن تعاديهم‪ ،‬فقال‪ :‬أنت واهلل يا أمري‬
‫املؤم ني أعلم م مبذاهب الشعر‪ ،‬ولكن حبا هؤالء فمدحتهم وحرم هؤالء فذكرت حرماهنم ومل أنل‬
‫من أعراضهم شيئا‪ ،‬وصرفت مدحي إ من أراد ورغبت به عمن كرهه وزهد فيه »‪.Ϯ‬‬
‫وأحسب أن الرسول‪ ،‬شرع حكم الهجاء المقذع بقطع لسان الشعراء فيه‪ ،‬بعدما وصله هجاء‬
‫املشركني له وللمسلمني‪ ،‬من طرف الشعراء معارضي الدعوة اإلسالمية‪ ،‬كعب بن األشرف‪ ،‬وهبرية بن‬
‫أيب وهب‪ ،‬وعبد اهلل بن الزبعرى‪ ،‬وكعب بن زهري وغريهم من شعراء الشرك الذين أهدر دمهم ‪.‬‬
‫ومن ه ا د ا ليفة عمر يفتح باب ا وار مع ا طيئة ليدله على مفهوم اهلجاء املقذع‪ ،‬رغم أن‬
‫ا طيئة مل يصل هبجائه للزبرقان بن بدر إ حد اإلقذاع‪ ،‬ولكن عمر وعظه‪ ،‬ولفت انتباهه وأرشد إ‬
‫ما هله عن اهلجاء املقذع‪ ،‬كي ال مييل إليه‪ ،‬وما استفهام ا طيئة عن املقذع‪ ،‬إال دليل على جهله‬
‫باإلقذاع وداللته ‪ ،‬كما هل املوقف اإلسالمي من اإلقذاع يف الشعر ‪.‬‬
‫أما عن رأي ا طيئة يف لون هجائه للزبرقان وغري من مهجويه فقال‪ ":‬لم أنل من أعراضهم‬
‫شيئا"‪ ،‬حقيقة فـ ـ ـ « ن إذا قرأنا أشعار املختلفة ال عرض فيها للزبرقان وجدنا ال يقذع يف هجائه ‪.‬‬
‫وإمنا ميسه على و ما رأي ا يف بيته السالف برفق‪ ،‬عامدا إ التهكم والسخرية‪ ،‬وال شـك يف أن‬
‫اإلسالم هو الذي خفف من حدة لسانه »‪.3‬‬
‫ومع هذا يبقى هجاء ا طيئة للزبرقان شديدا ‪ ،‬ألنه كان صادقا فيه ‪ ،‬وصل إ أبلغ مكمن يف‬
‫نفسية الزبرقان‪ ،‬ألنه اعتمد على اهلزل‪ ،‬واهلزل يف هجاء ا طيئة والتهافت والتصريح أو التعريض‪ ،‬هو‬

‫‪ -ϭ‬ابن رشيق ‪ :‬العمدة ‪ ،‬ج‪ ، Ϯ‬ص ‪. ϭϰϵ‬‬

‫‪384‬‬
‫‪ -Ϯ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ، Ϯ‬ص ‪. ϭϰϵ‬‬
‫‪ -ϯ‬هول املؤلف ‪ :‬يف أدب صدر اإلسالم والدولة األموية ( دراسات أدبية واختيارات شعرية ) ‪ ،‬د‪.‬ن‪ ،‬د‪ .‬م ‪ϭϵϵϴ ،‬م ‪ ،‬ص‪. ϯϭ‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫ما دل على تفسري حكم حسان لداللة األبيات قوله‪ " :‬لم يهجه ولكن سلح عليه "‪ ،‬األمر الذي‬
‫يدل على أن ا طيئة وإن مل يقذع ‪ ،‬فإن هتكمه وسخريته من مهجويه كانت أشد إيالما‪.‬‬
‫وهذ هي ال ظرة ا ديدة ال أشار إليها ا ليفة عمر‪ ،‬وال أدركها من خالل فهمه مليل ا طيئة‬
‫للهجاء‪ ،‬و ذير إيا من امليل إ اإلقذاع‪ ،‬هي‪-‬كما قال عبد اهلل محادي‪ « -:‬ميزة الشعر ال ال‬
‫يدركها إال ذوي االختصاص والشعراء أنفسهم ‪ .‬ألن الشعر يف جوهر ليس الصياغة املكررة ا قائق‪،‬‬
‫بقدر ما هو االستلهام املعرب عن التماس الذي يقع بني الـ ـرؤية اإلبداعية والواقع »‪.1‬‬
‫‪ -4‬موقف الخليفة عمر من ال جاشي * الحارثي (ت‪669‬م )‪:‬‬
‫أما عن موقف عمر من شاعر اهلجاء ال جاشي‪ ،‬جاء يف الشعر والشعراء أن ال جاشي « ك ا‬
‫هجا ب العجالن‪ ،‬فاستعدوا عليه عمر بن ا طاب ‪ ،‬فقال‪ :‬ما قال فيكم ؟ فأنشدو ‪[ :‬الطويل]‬
‫ِ‬
‫العجالن ره َط اب ِن ُمقبِ ِل‬ ‫فعادى ب‬
‫َ‬ ‫أهل لؤم و رقة‬ ‫إِذا اهللُ َ‬
‫عادى َ‬
‫فقال‪ :‬إمنا دعا فإن كان مظلوما استجيب له‪ ،‬وإن كان ظاملا مل يستجب له‪ ،‬قالوا‪ :‬وقد قال أيضا‪:‬‬
‫اس َحبةَ َخرَد ِل‬ ‫ِ‬ ‫غدرو َن بِ ِذمـة‬
‫قُـبـيلةٌ الَ ي ِ‬
‫والَ يَظل ُمو َن ال َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فقال عمر‪ :‬ليت آل ا طاب هكذا ‪ ،‬قالوا‪ :‬وقد قال أيضا‪:‬‬
‫صدر الور ُاد عن ُكل َم ـ َه ِل‬ ‫ِ‬ ‫الَ يَِر ُ‬
‫إذا َ‬ ‫يدو َن املاءَ إال عشيةً‬
‫فقال عمر ‪ :‬ذلك أقل للكاك ‪ ،‬قالوا و قد قال أيضا‪:‬‬
‫أكل ِمن كعب وعوف َونـَه َش ِل‬ ‫َوتَ ُ‬ ‫وم ُهم‬
‫يات ُُ َ‬‫الكالب الضار ُ‬
‫ُ‬ ‫اف‬ ‫تَـ َع ُ‬
‫فقال عمر‪ :‬أجن القوم موتاهم فلم يضيعوهم‪ ،‬قالوا‪ :‬وقد قال أيضا‪:‬‬
‫ُخ ِذ ِ‬
‫العقب واحلب أيها ال َعب ُد َوأَع َج ِل‬ ‫َوَما ُمس َي العجال َن إال لِِقيلِ ِهم‬
‫فقال عمر‪ :‬خري القوم خادمهم ( كل ا عبيد اهلل)‪ ،‬مث بعث إ حسان وا طيئة وكان بوسا‬
‫ع د ‪ ،‬فسأهلما فقال حسان‪ :‬مثل قوله يف ا طيئة فهدد (عمر) ال جاشي‪ ،‬وقال له‪ :‬إن عدت قطعت‬
‫لسانك »‪.2‬‬
‫وقد علق ابن رشيق على موقف عمر‪ ،‬فقال‪ « :‬وكان عمر‪ ، ‬أبصر ال اس مبا قال ال جاشي‪،‬‬

‫‪385‬‬
‫‪ -ϭ‬عبد اهلل محادي ‪ :‬الشعرية العربية بني اإلتباع واالبتداع ‪ ،‬ص‪. ϳϳ‬‬
‫‪ -Ϯ‬ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ص ‪. 210‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫ولكن أراد أن يدرأ ا دود بالشبهات‪ ،‬فلما قال حسان‪ :‬ما قال‪ ،‬سجن ال جاشي وقيل إنه حد »‪.ϭ‬‬
‫ففي ال ص تبدو شخصية ا ليفة عمر ملهمة‪ ،‬فهو خبري مبسالك الشعر‪ ،‬ومقاصد الشعراء ودروب‬
‫اهلجاء‪ ،‬ولك ـه أجرى حوارا متميزا كما‪ ،‬دقيق الدالالت‪ ،‬تتجلى فيه مقدرة عمر الفقهية يف تسيري‬
‫ا وار مع ب العجالن‪ ،‬حول اهلجاء الذي صب عليهم من ال جاشي ا ارثي‪ ،‬للوصول إ الغرض‬
‫املقصود من اهلجاء‪ ،‬وما مدى مبلغ تأثري يف ب العجالن ‪ .‬ومع ذلك استف عمر حسان بن ثابت‬
‫وا طيئة يف لب هجاء ال جاشي لب العجالن‪ "،‬فقال حسان‪ :‬مثل قوله يف ا طيئة "‪ ،‬ورغم أن عمر‬
‫متيقن من أن ال جاشي هجا ب العجالن هجاء مؤملا‪ ،‬لك ه كلما عرض عليه القوم كالم ال جاشي‬
‫« يقلب للقوم الكالم على وجه آخر‪ ،‬مهدئا غضبهم‪ ،‬ممتصا ثائرهتم‪ ،‬مث عكس مرة أخرى احرتاما‬
‫لل قد املوضوعي الصادر عن متخصص‪ ،‬فاستشار أرباب الص اعة ووجو الرأي‪ ،‬ح إذا استبان له‬
‫األمر‪ ،‬ورأى أن هجاء ال جاشي مل يبلغ مبلغ هجاء ا طيئة‪ ،‬وأن ال جاشي مل يعرف مبا عرف به اآلخر‬
‫من جشع وافرتاء‪ ،‬ونزوع إ اهلجاء‪ ،‬كان عقابه توبيخا شديدا‪ ،‬وهتديدا ع يفا‪ ،‬يقطع لسانه إن عاد»‪.Ϯ‬‬
‫إن هتديد ا ليفة عمر لل جاشي بقطع لسانه أوسج ه أوحد ‪ ،‬هو نقد عميق للشعر والشاعر معا‪،‬‬
‫وهو يدل على أن موقفه من شعر اهلجاء‪ ،‬موقف سل ‪ ،‬فاهلجاء يف دولة ا ليفة عمر ال يتماشى مع‬
‫نظرته الدي ية والسياسية يف ب اء اجملتمع اإلسالمي ونشر االستقرار فيه‪ ،‬ورؤيته األدبية خاصة ‪.‬‬
‫‪ -ϱ‬موقف الخليفة عمر من شعر الخمر‪ -‬ومن أبي محجن* الثقفي ( ت‪ϯϬ‬ه ‪ϲϱϬ‬م) ‪:‬‬
‫استمرت رقابة ا ليفة عمر للشعر والشعراء‪ ،‬حيث كان على علم بأن كثريا من الشعراء‬
‫املخضرمني‪ ،‬مازالوا افظني على بعض نزواهتم القدمية‪ ،‬إما اهلجاء أو شرب ا مر أو التغ هبا‪ ،‬هلذا‬
‫د بعض آثار مواقفه تبني ل ا بأنه كان حريصا كل ا رص يف ا اذ مواقف واضحة‪ ،‬سواء كانت سلبا‬
‫أو إ ابا من الشعر والشعراء‪ ،‬يف مجيع األغراض واملواضيع الشعرية‪ ،‬والسيما شعر اهلجاء وشعر ا مر‪،‬‬

‫‪ -ϭ‬ابن رشيق ‪ :‬العمدة ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ص ‪. 45 - 44‬‬


‫‪ -2‬وليد قصاب ‪ :‬شخصيات إسالمية يف األدب وال قد ‪ ،‬ص‪. ϯϮ‬‬
‫*« أبو جن الثقفي من الشعراء األبطال يف اإلسالم ‪ ،‬ولد يف ا اهلية وأسلم يف التاسعة للهجرة ‪ ،‬وروي ع ه أحاديث كثرية ‪...‬النعرف عت حياتع‬
‫الكثرب » له ديوان ‪.‬‬

‫‪386‬‬
‫‪ -‬أبو جن الثقفي‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص عه ‪ :‬أيب هالل ا سن بن عبد اهلل العسكري ‪ ،‬نشر ‪ :‬صال ح الدين اجملد ‪،‬ط‪، ϭ‬بريوت ‪ ،‬لب ان ‪ ،‬دار الكتاب‬
‫ا ديد ‪ϭϯϴϵ ،‬هـ‪ ϭϵϳϬ‬م ‪ ،‬ص ‪. ϱ‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫فإذا ك ا قد وجدنا ا ليفة عمر مل يتوان يف ا اذ موقفا صارما من ا طييئة وال جاشي‪ ،‬فقد وجدنا له‬
‫موقفا مماثال صارما من أيب جم الثقفي‪ ،‬الـذي « كان مولعا بالشراب مشتهرا فيه »‪.ϭ‬‬
‫وقد وصل إ ا ليفة شعر أيب جن الذي يتحدث فيه عن ا مر‪ ،‬و« كان م همكا فيه‪ ،‬م صرفا‬
‫إليه ‪ .‬ورغم نزول رمي ا مر‪ ،‬ظل يشرب ‪ .‬وقد حد عمر بن ا طاب مرات‪ ،‬لكن ذلك مل يردعه‪،‬‬
‫ضوضى قرب البحرين‪ ،‬فهرب من م فا ‪ ،‬و ق بسعد بن أيب‬
‫ومل صرفه عن الشراب‪ ،‬مث نفا إ جزيرة َح َ‬
‫وقاص‪ ،‬وكان يومئذ بالعراق‪ .‬فعلم عمر بأمر ‪ ،‬فكتب لسعد أن بسه ويقيد ‪ .‬فحبسه يف قصر »‪.Ϯ‬‬
‫« وكان سعد بن أيب وقاص حبسه فيه‪ ،‬فلما كان يوم القادسية وبلغه ما يفعل املشركون باملسلمني وهو‬
‫[الطويل]‬ ‫ع د أم ولد لِ َسعد [سلمى] قال‪:‬‬
‫ودا علي ِوثَاقِيَا‬ ‫وأُت َ‬
‫رك َمش ُد ً‬ ‫يل بال َقَا‬
‫َك َفى ُحزنًا أن تُط َع َن ا ُ‬
‫صم املَ ِاديَا‬ ‫مغاليق من دو تُ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ديد وغُل َقت‬‫مت َع ا ا ُ‬ ‫إذا قُ ُ‬
‫ُ‬
‫َخا لِيَا‬ ‫ِ‬
‫فقد تَـَرُكو واح ًدا الَ أ َ‬ ‫ت ذا أهل َكثِري وإخوة‬ ‫وقد ُك ُ‬
‫زداد إال َمت ِاديَا‬
‫رب ال تَ ُ‬ ‫أرى ا َ‬ ‫َهلُم ِسالَ ِحي ال أبالك إن ِ‬
‫فقالت له أم ولد* سعد أ عل إن أنا أطلقتك أن ترجع ح أعيدك يف الوثاق ؟ قال‪ :‬نعم ‪.‬‬
‫فأطلقته وركب فرسا لسعد بـَل َقاء ومحل على املشركني ‪ ،‬فجعل سعد يقول‪ :‬لوال أن أبا جن يف الوثاق‬
‫لظ ت أنه أبو جن وأهنا فرسي ‪ ،‬وأنكشف املشركون وجاء أبو جن فأعادته يف الوثاق‪ ،‬وأتت سعدا‬
‫فأخربته‪ ،‬فأرسل إ أيب جن فأطلقـ ـ ـ ــه‪ ،‬وقال‪ :‬واهلل الحبستك فيها أبدا‪ ،‬قال‪ :‬وأنا واهلل ال أشرهبا بعد‬

‫‪ -1‬ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ص ‪. Ϯϳϲ‬‬


‫‪ -Ϯ‬أبو جن الثقفي‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. ϱ‬‬
‫* وقد جاءت القصة يف تاريخ الطربي على هذ الرواية ‪ « :‬قالت سلمى ‪ :‬يا أبا جن ‪ ،‬يف أي شيء حبسك هذا الرجل؟ [ أي عمر ]‪ ،‬قال ‪ :‬أما‬
‫وهلل ما حبس رام أكلته وال شربته ؛ ولك ك ت صاحب شراب يف ا اهلية ‪ ،‬وأنا امرؤ شـاعر يدب الشعر على لسا ‪ ،‬يبعثه على شف أحيانا‪،‬‬
‫[الطويل]‬ ‫فيساء لذلك ث ائي ‪ ،‬ولذلك حبس ‪ ،‬قلت ‪:‬‬
‫إذا مت فادف إ أصل كرمة تروى عظامي بعد مويت عروقها‬
‫أخاف إذا ما مت ال أذوقها‬ ‫وال تـدف بالفـالة فإن‬
‫أسري هلا من بعد ما قد أسوقها‬ ‫وتروي مر ا ص دي فإ‬
‫فلما أطلقه سعد ‪ ،‬وقال ‪ :‬اذهب فما أنا مؤاخذك بشيء تقوله ح تفعله ‪ ،‬قال ‪ :‬ال جرم ‪ ،‬واهلل ال أجيب لسا إ صفة قبيح أبدا »‪.‬‬

‫‪387‬‬
‫‪ -‬الطربي ‪ :‬تاريخ الطربي‪ ،‬ج ‪ ،ϯ‬ص ص ‪. ϱϱϬ -ϱϰϵ‬‬

‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫اليوم أبدا »‪.ϭ‬‬


‫يبدو يف هذا ال ص ال قدي الدرامي موقفني‪ :‬أولهما‪ :‬موقف ا ليفة عمر‪ ،‬الذي يظهر فيه أنه‬
‫أقام ا د على أيب جن الثقفي على ما قاله يف ا مر‪ ،‬ألن يف نظر عمر أن تغ الشاعر با مر‬
‫واإلشادة هبا يف شعر ‪ ،‬يؤكد القيام بالفعل وهو شرب ا مر‪ ،‬ألن‪ -‬كما قال عبد اهلل محادي‪ «:-‬هذا‬
‫الفارس الشاعـ ـر الذي رفض الرضـوخ إ تعاليم الدين اإلسالمي واملثول إ حـدودها ـد يواصل‬
‫اإلدمان على شرب ا مر‪ ،‬وملا ضايقته مالحظات عمر رد عليه مبقولته املأثورة‪":‬ما لعمر وما ‪ :‬لسا‬
‫للخمر وسيفي لإلسالم "‪ ،‬وتعود ثانية إشكالية االنشطار التي وجد لها الرسول األعظم مخرجا مع‬
‫أمية بن أبي الصلت‪ ،‬لكن عمر عجز عن إ اد مثل املخرج الذي أهلم اهلل به الرسول األعظم من أجل‬
‫الغفران للشعر‪ ،‬تكرميا وتقديرا هلذ املادة األثرية‪ ،‬ال تعلقت با كمة وأسرار الغيب »‪.Ϯ‬‬
‫لكن‪ ،‬إذا كان ا ليفة عمر مل يلهم مبا أهلم به الرسول‪ ،‬ليجد رجا ف يا أليب جن كمخرج ابن‬
‫أيب الصلت‪ ،‬يف قول الرسول‪(:‬آمن شعر وكفر قلبه)‪ ،‬إال أن ابن أيب الصلت يف هناية املطاف كفر‬
‫شعر وكفر قلبه‪ ،‬فكان على الرسول ‪ ‬أن يقف م ه ومن شعر ذلك املوقف السل ‪ ،‬ألنه رجل شاعر‬
‫كافر حارب ال الكرمي وتغزل ب ساء املسلمني‪ ،‬هلذا أُهدر دمه‪ ،‬ولكن أبا جن رجل مسلم‪ ،‬فا ليفة‬
‫عمر مل يهدد أبا جن بالقتل أو بقطع لسانه‪ ،‬ألنه مل يؤذي أحدا من ال اس‪ ،‬ومل يشكو أحد إ‬
‫ا ليفة‪ ،‬بل كان ا ليفة عمر ي فذ فيه ا دود الشرعية ا اصة بشرب ا مر‪ ،‬وكان آخر حكم فقهي‬
‫ضوضى قرب البحرين‪ ،‬األمر الذي دفع أبا جن للهروب من م فا ‪،‬‬ ‫نفذ فيه هو ال في إ جزيرة َح َ‬
‫ومن ه ا فموقف عمر كان من الشاعر وليس من الشعر‪ ،‬ألن ا نعتقد أن السبب أو األمر الذي حرك‬
‫موقف عمر ضد أبا جن وإقامة ا د عليه‪ ،‬هو أنه كان يتغ بلذة الشراب‪ ،‬وهذا يف حد ذاته تعدي‬
‫على أحكام الشريعة يف رمي ا مر‪ ،‬وفيه استفزاز وأذى لراعي الشريعة‪ ،‬ويظهر هذا التعدي‪-‬كما قال‬
‫وليد مود خالص‪ -:‬يف « املعا ال أوردها الشاعر يف شعر مما يالف اإلسالم صراحة‪ ،‬وعمر‪‬‬
‫خري من يعلم سرعة شيوع الشعر وانتشار ‪ ،‬لذلك بادر إ معاقبته وفق م طق إسالمي »‪.ϯ‬‬

‫‪ -ϭ‬ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ص ‪. Ϯϳϲ‬‬

‫‪388‬‬
‫‪ -Ϯ‬عبد اهلل محادي‪ :‬أصوات من األدب ا زائري ا ديث‪ ،‬م شورات جامعة م توري ‪ ،‬قس طي ة‪ϮϬϬϭ-ϮϬϬϬ ،‬م‪ ،‬ص ص ‪. ϯϯϱ -ϯϯϰ‬‬
‫‪ -ϯ‬وليد مود خالص‪ :‬ال قد األديب يف كتاب األغا ‪ ،‬ج ‪ ،ϭ‬ص ‪. ϳ‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫وثانيهما‪ :‬موقف سعد بن أيب وقاص ‪ ،‬فإنه بعد الذي قاله أبا جن الثقفي من شعر يف وصف‬
‫ا مر ونفى شرهبا‪ ،‬وبعد أن تأكد لسعد عدم شرب أيب جن ا مر‪ ،‬نظر سعد إ شعر أيب جن‬
‫على أنه قول مبعزل عن الفعل‪ ،‬فالشاعر قال شعرا يف ا مر ومل يشرهبا‪ ،‬وعلى ما يبدو فمن خالل مزج‬
‫الشاعر إلهلامه الشعري الذي ري على لسانه وإضفائه على صور ا يالية يف شرب ا مر‪ ،‬هو الذي‬
‫أدى إ كل من يسمع أو يقرأ شعر أيب جن يتصور أنه مازال يشرب ا مرة‪ .‬ففهم سعد ذلك‪ ،‬وأهلم‬
‫يف إ اد رج أليب جن فأدرجه يف حكم فقهي ثان‪ ،‬ضمه مقرونا إ الشعراء املتخيلني الذين ﭐ‪฀‬‬
‫‪ ฀ ฀ ฀‬وهبذا عفا ع ه ‪ ،‬وأعطى بذلك سعد حرية مزدوجة للشعر وللشاعر ‪.‬‬
‫وأما قول أيب جن لسعد ‪" :‬وأنا واهلل ال أشربها بعد اليوم أبدا " فهذا اعرتاف صريح وإقرار‬
‫بأنه استمر يف شرب ا مر‪ ،‬ي اقض نفيه يف شرب ا مر يف قوله ملا ‪ « :‬قالت سلمى ‪ :‬يا أبا جن ‪،‬‬
‫يف أي شيء حبسك هذا الرجل؟ [أي عمر]‪ ،‬قال‪ :‬أما وهلل ما حبس ي بحرام أكلته وال شربته؛‬
‫ولك ك ت صاحب شراب يف ا اهلية ‪ ،‬وأنا امرؤ شـاعر يدب الشعر على لسا ‪ ،‬يبعثه على شف‬
‫‪1‬‬
‫أحيانا‪ ،‬فيساء لذلك ث ائي‪ ،‬ولذلك حبس » ‪ .‬هلذا فإقالع أبا جن عن شرب ا مر ‪ ،‬فبكل تأكيد‬
‫أنه قد أدرك أن موقف ا ليفة عمر م ه معلل‪ ،‬كما أنه أدرك أن العصر ا اهلي الذي كان فيه كل‬
‫شيء مبا ح قد و ‪ ،‬وهو « يف عصر إسالمي ولت فيه رسالة الشعر‪ ،‬فصارت مسحة ال تعرف‬
‫الفحش وال ب ا هر بالسوء‪ ،‬وال تألف ا وض فيما حرم اهلل »‪ .2‬وهذا من األسباب ال أدت‬
‫با ليفة عمر إ عدم تساهله معه يف تغ يه با مر ‪.‬‬
‫موقف الخليفة عمر من شعر التشبيب ‪:‬‬
‫الواضح أن موقف ا ليفة عمر من الشعر الذي يؤذي ال اس كانت صورته شاملة ‪ ،‬فـ ـ ـ ـ« كما كر‬
‫عمر للشعراء أن يتعرضوا للمسلمني وأعراضهم باهلجاء‪ ،‬كذلك كر هلم أن يتعرضوا ل سائهم وب اهتم‬
‫بالتشبيب والغزل‪ ،‬فتقدم هلم أال يشبب أحد بامرأة إال جلد ‪ ،‬مما اضطر محيد بن ثور أن يشبب بسرحة‬
‫[الطويل]‬ ‫(شجرة ) »‪ .3‬وهي ك اية عن املرأة ‪ ،‬فقال محيد* بن ثور يف تشبيهه للمرأة بالسرحة ‪:‬‬

‫‪ -ϭ‬الطربي ‪ :‬تاريخ الطربي‪ ،‬ج ‪ ،ϯ‬ص ص ‪. ϱϱϬ -ϱϰϵ‬‬


‫‪ -Ϯ‬صال ح الدين مد عبد التواب‪ :‬الشعر يف ظالل اإلسالم أصالة و د يد ‪ ،‬ص‪. Ϯϭϰ‬‬

‫‪389‬‬
‫‪ -ϯ‬شوقي ضيف ‪:‬الشعر والغ اء يف املدي ة ومكة لعصر ب أمية ‪ ،‬ص ‪, ϳϮ‬‬
‫*«محيد بن ثور بن حزن هلال العامري ‪ ،‬أبو املث ‪ .‬شاعر ضرم عاش زم ا يف ا اهلية وشهد ح ي ا مع املشركني ‪ ،‬وأسلم ووفد على ال ‪= ‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫يق‪.ϭ‬‬ ‫رحة ِم َن السرِ ح َم ٌ‬


‫سدود َعلَي طَر ُ‬ ‫بس َ‬
‫ِ‬
‫َوَهل أَنَا إن ُ‬
‫عللت نفسي َ‬
‫وهذ الرمزية الف ية ال هرب إليها محيد بن ثور اهلال ووظفها يف شعر ‪ ،‬تؤكد مبلغ حرص‬
‫ا ليفة عمر حظر على الشعراء ذكر ال ساء يف أشعارهم‪ ،‬وهو ما يبني أن مسألة موقف ا ليفة عمر‬
‫ظرها اإلسالم ‪.‬‬ ‫السل من الشعر قد مشل كل األغراض واملعا ال‬
‫أقوال الخليفة عمر في الشعر‬
‫باإلضافة إ ما ثبت عن عمر بن ا طاب من مواقف إ ابية من الشعر والشعراء ‪ ،‬رويت أقوال‬
‫يف مصادر الشعر ونقد ت سب إليه ‪ ،‬وكانت على ما يبدو خالصة ربته مع الشعر ونقد ‪ ،‬وهذ‬
‫األقوال م ها ما خاطب هبا عامة املسلمني ‪ ،‬وم ها ما خص هبا بعض عماله ووالته ‪.‬‬
‫أما ما قاله من أقوال لعامة املسلمني فتظهر فيها نظرته الرتبوية إ الشعر ‪ ،‬ومن خالله إ تعلم‬
‫الفصاحة وهتذيب سلوك الفرد ‪ ،‬وتعلمه ا كمة‪ .‬ويف هذا الصدد قال ابن رشيق ‪ « :‬وقال الزبري بن‬
‫بكار ‪ :‬مسعت العمري يقول ‪ « :‬رووا أوالدكم الشعر ‪ ،‬فإنه ل عقدة اللسان ‪ ،‬ويشجع قلب ا بان ‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫ويطلق يد البخيل ‪ ،‬و ض على ا لق ا ميل » ‪.‬‬
‫وقال‪ « :‬أرووا من الشعر أعفه‪ ،‬ومن األحاديث أحس ها‪ ،‬ومن ال سيب ما تواصلون عليـه وتعرفون‬
‫به‪ ،‬فرب رحم هولة قد عرفت فوصلت ‪ ،‬و اسن الشعر تدل على مكارم األخالق ومساويها »‪.ϯ‬‬
‫ففي هذين القولني يوضح عمر فائدة وأمهية رواية الشعر للصغار والكبار ‪ ،‬ألنه ع دما ي شأ‬
‫الطفل يف صغر ‪ ،‬ويشب الكبري ‪ ،‬على رواية الشعر فإن كال م هما يرب على رواية الشعر ‪ ،‬ويتعلم من‬
‫خالل الرواية الفصاحة ‪ ،‬ويكسب الشجاعة‪ ،‬ويعرف ا ودة ‪ ،‬باإلضافة إ غلبة ا لق الكرمي عليه ‪.‬‬
‫ومن أقواله‪ « :‬قال عمر‪ ‬تعلموا الشعر فإن فيه اسن تبتغى ومساوئ تتقى‪ ،‬وحكمة للحكماء‪،‬‬

‫= ومات عقب خالفة عثمان ‪ ،‬وقيل أدرك زمن عبد امللك بن مروان ‪ ،‬وعد ا محي يف الطبقة الرابعة من اإلسالميني ‪ .‬ويف شعر ما كان يتغ به ‪.‬‬
‫قال األصمعي ‪ :‬الفصحاء من شعراء العرب يف اإلسالم أربعة ‪ :‬راعي اإلبل ال مريي ‪ ،‬ومتيم بن مقبل العجال ‪ ،‬وابن األمحر الباهلي ‪ ،‬ومحيد بن‬
‫ثور اهلال من قيس عيالن ‪ ،‬تويف يف حدود السبعني للهجرة وقيل إنه أدرك ا اهلية »‪.‬‬
‫‪ -‬محيد بن ثور اهلال ‪ :‬الديوان ‪ ،‬إشراف ‪ :‬يوسف م ‪ ،‬ط‪ ،ϭ‬بريوت ‪ ،‬لبتان ‪ ،‬دار صادر ‪ϭϵϵϱ،‬م ‪ ،‬ص ‪. ϳϬ‬‬
‫‪ -ϭ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. ϳϬ‬‬

‫‪390‬‬
‫‪ -Ϯ‬ابن رشيق ‪ :‬العمدة ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬ص ‪. Ϯϱ‬‬
‫‪ -ϯ‬القرشي‪ :‬مجهرة أشعار العرب ‪ ،‬ص ‪. ϯϲ‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫ويدل على مكارم األخالق»‪.1‬‬


‫وقال عمر بن ا طاب‪«:‬تعلموا من الشعر ما يكون لكم حكما‪ ،‬ويدل على مكارم األخالق »‪.Ϯ‬‬
‫ففي هذين القولني دعوة إ تعلم الشعر ملا فيه من اسن وحكم‪ ،‬وتوجيه إ املكارم ا ميدة ‪.‬‬
‫وقال عمر‪ « :‬فظوا األشعار ‪ ،‬وطالعوا األخبار فإن الشعر يدعو إ مكارم األخالق ويعلـم اسن‬
‫األعمال‪ ،‬ويبعث على مجيل األفعال‪ ،‬ويفتق الفط ة‪ ،‬وحشد القرحـة‪ ،‬و دو على ابت اء امل اقب‪ ،‬وادخار‬
‫املكارم‪ ،‬وي هي عن األخالق الدنيئة ‪ ،‬ويزجر عن مواقعة الريب‪ ،‬و ض على معا الرتب »‪.3‬‬
‫ومن األقوال ال خص هبا عمر اب ه عبد الرمحن ‪ ،‬قال املفضل عن أبيه عن جد قال‪ « :‬قال‬
‫عمر‪ ‬الب ه عبد الرمحن‪ :‬باب ! أنسب نفسك تصل رمحك ‪ ،‬وأحفظ اسن الشعر سن أدبك ‪،‬‬
‫فإن من مل يعرف نسبه مل يصل رمحه ‪ ،‬ومن مل فظ اسن الشعر مل يؤد حقا‪ ،‬ومل يقرتف أدبا »‪.4‬‬
‫فعمر يف هذا التوجيه ا كيم الب ه عبد الرمحن‪ ،‬يقرن ال سب بصلة الرحم‪ ،‬وقرن حسن األدب‬
‫فظ اسن الشعر ‪ ،‬كما قرن عدم معرفة ال سب بعدم صلة الرحم ‪ ،‬كما أكد أن فضـل حفظ اسن‬
‫الشعر تب شخصية اإلنسان ‪ ،‬و عل مروءته ال تزيغ عن ا ق ‪.‬‬
‫وأما األقوال ال خص هبا عماله ووالته فريوى‪ :‬أن ا ليفة عمر كتب إ أهل األمصار‪:‬‬
‫« علموا أوالدكم العوم والفروسية ‪ ،‬ورووهم ماسار من املثل‪ ،‬وما حسن من الشعر »‪.ϱ‬‬
‫وكتب عمر إ أيب موسى األشعري‪« :‬مر من قبلك بتعلم الشعر ‪ ،‬فإنه يدل على معا‬
‫األخالق‪ ،‬األخالق‪ ،‬وصواب الرأي ومعرفة األنساب »‪.ϲ‬‬

‫‪ -1‬عالء الدين اهل دي ‪ :‬ك ز العمال ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪. 855‬‬


‫‪ -2‬نقال عن ‪ :‬وليد قصاب ‪ :‬ال قد العريب القدمي نصوص يف اال ا اإلسالمي وا لقي ‪ ،‬ص ‪. 60‬‬
‫‪ -‬ابن أيب الدنيا‪ :‬مكارم األخالق‪ ،‬قيق‪ :‬جيمز‪ .‬أ‪.‬يلمي‪ ،‬دار فرانز شتاي ر‪1973 ،‬م ‪ ،‬ص ‪.15‬‬
‫‪ -3‬نقال عن ‪ :‬وليد قصاب ‪ :‬ال قد العريب القدمي نصوص يف اال ا اإلسالمي وا لقي ‪ ،‬ص ‪62‬‬
‫‪ -‬املظفر العلوي‪ :‬نظرة اإلغريض يف نصرة القريض‪ ،‬قيق‪ :‬هنى عارف ‪ ،‬دمشق‪ ،‬مطبوعات مع اللغة العربية‪1393 ،‬هـ ‪1976‬م‪ ،‬ص ‪.357‬‬
‫‪ -4‬القرشي ‪ :‬مجهرة أشعار العرب ‪ ،‬ص ‪. 35‬‬
‫‪ -5‬نقال عن ‪ :‬وليد قصاب ‪ :‬ال قد العريب القدمي نصوص يف اال ا اإلسالمي وا لقي ‪ ،‬ص ‪.62‬‬
‫‪ -‬ابن عبد الرب القرط ‪ :‬هبجة اجملالس وأنس اجملالس‪ ،‬قيق‪ :‬مد موسى ا و ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬الدار املصرية للتأليف والرتمجة وال شر‪1383 ،‬هـ‬

‫‪391‬‬
‫‪1962‬م ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪. 767‬‬
‫‪ -6‬ابن رشيق ‪ :‬العمدة ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪. 24‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫يتجلى يف هذ ال صوص مجيعها‪ ،‬فلسفة ا ليفة عمر بن ا طاب ا لقية والرتبوية‪ ،‬والف ية ‪ ،‬حول‬
‫أمهية الشعر وحفظه وروايته‪ ،‬وهلذا فهو يوجه إ الشعر الذي يهدف إ توجيه اإلنسان إ كسب قيم‬
‫ف ية وخلقية‪ ،‬افظ من خالهلا على مركز االجتماعي بني ذويه وأقربائه ‪ ،‬وتعد هذ اآلراء يف جوهرها‬
‫آراء ورؤى نقدية‪ ،‬مستمدة من خربة ا ليفة عمر مع الشعر والشعراء ‪ ،‬ومما حفظه من شعر وما روا ‪،‬‬
‫وما مسعه من الشعراء ‪ ،‬وفيها كثري من ال صائح واإلرشادات والتوجيهات الواعية‪ ،‬ال تعكس ربته مع‬
‫نقد الشعر ‪ ،‬وقد دفعه تفكري إ ترسيخ قاعدة االستفادة من الشعر العريب باعتبار ديوان العرب ‪ ،‬أو‬
‫كما قال‪ « :‬الشعر علم قوم مل يكن هلم علم أصح م ه »‪ .ϭ‬فيه علمهم وفيه تاريهم ولغتهم وآداهبم‬
‫وبالغتهم ونسبهم‪ ،‬فيأخذ م ه املرء ما يفيد يف حياته‪ ،‬ويُعي ه على معرفة وفهم قضايا الدي ية‬
‫والتشريعية ‪.‬‬

‫‪.‬‬

‫‪392‬‬
‫‪ -1‬ابن رشيق ‪ :‬العمدة ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪. 23‬‬

‫‪ -ϯ‬المرتكزات ال قدية ع د الخليفة عثمان بن عفان (ت‪ϯϱ‬هـ‪ϲϲϱ‬م) للشعر وشعراء‬


‫الحكمة والهجاء والتهكم واالستهتار ‪:‬‬
‫أ – موقف الخليفة عثمان من شعر زهير الحكمي ‪:‬‬
‫كان عثمان بن عفان ‪ ‬مثله مثل باقي ا لفاء يسمع الشعر‪ ،‬ويتذوقه ويعجب به وي قد ‪ ،‬فروي‬
‫ع ه‪ « :‬قال ابن األعرايب*‪ :‬قال أبو زياد الكاليب**‪ :‬أنشد عثمان بن عفان قول زهري‪[ :‬الطويل]‬
‫اس تـُعلَ ِم‬
‫وإن خا َهلا ُ َفى على ال ِ‬ ‫َوَمه َما تَ ُكن ع َد امرئ من خليقة‬
‫فقال‪ :‬أحسن زهري وصدق‪ ،‬لو أن رجال دخل بيتا يف جوف بيت لتحدث به ال اس‪ ،‬قال‪ :‬وقال ال‬
‫‪ " :‬ال تعمل عمال تكر أن يتحدث ع ك به " »‪.ϭ‬‬
‫من خالل هذا املوقف‪ ،‬يعد عثمان بن عفان ا ليفة الثا الذي أعجب بشعر زهري‪ ،‬بعد ا ليفة‬
‫البيت الشعري بالصدق‪ ،‬مبع أن زهريا‬ ‫عمر‪ ،‬فقوله ‪ " :‬أحسن زهري وصدق " ربط فيه حسن مع‬
‫لو مل يكن صادقا ملا أجاد يف قوله‪ ،‬وبالتا فا كم فيه موازنة ملع البيت بتجارب ا ليفة عثمان يف‬
‫ا ياة‪ ،‬فجعل ا مال والصدق مقياسا للشعر‪ ،‬لكن « الصدق الذي أعجب يف بيت زهري يشري إ أن‬
‫مقياس عثمان يف ا كم على الشعر هو مقياس الصدق يف القول ‪ ،‬وه ا يظهر تأثر كسائر أصحابه‬
‫برأي الرسول‪ ‬املستمد من تعاليم اإلسالم ‪ ،‬والذي حاولوا مبقتضا أن يتجهوا بالشعر ا اها إسالميا‬
‫يث يعرب عن كل ما هو حق وصدق »‪.Ϯ‬‬
‫كما ربط القول بالعمل‪ ،‬فالعمل ا سن مقياسا للسلوك الفكري ا سن‪ ،‬وهكذا جعل ا ليفة‬
‫عثمان القول ا سن والسلوك ا سن مقياسا للمسلم الذي يراقب نفسه يف أقواله وأفعاله ‪.‬‬

‫*» أبو عبد اهلل مد بن زياد األعرايب ‪...‬قال أبو العباس ثعلب‪ :‬شهد لس ابن األعرايب وكان ضر زهاء مائة إنسان‪ ،‬وكان يسأل ويقرأ عليه‬
‫فيجيب عن غري كتاب‪ ،‬قال‪ :‬ولزمته بضع عشرة س ة ما رأيت بيد كتابا قط‪ ،‬ومات بسر من رأى ‪ ،‬وقد جاوز الثمانني ‪ ،‬قال أبو العباس ‪ :‬قد أملى‬
‫على ال اس مل على أمجال ومل ير أحد يف علم الشعر أغزر م ه ‪...‬قال ثعلب ‪ :‬مسعت ابن األعرايب س ة مخس وعشرين ومائتني يقول ‪ :‬ولدت يف‬
‫الليلة ال مات فيها أبو ح يفة ومات س ة إحدى و ثالثني ومائتني ( ‪Ϯϯϭ‬هـ) و كان عمر إحدى ومثانني س ة وأربعة أشهر وثالثة أيام وذكر له ابن‬
‫ال دمي ستة عشر كتابا م ها ‪ :‬كتب ال وادر ‪ ،‬وكتاب ا يل وكتاب غريب ا ديث « ‪.‬‬
‫‪ -‬ابن ال دمي ‪ :‬الفهرست ‪ ،‬ص ص ‪. ϯϭϰ -ϯϭϯ‬‬
‫**» امسه يزيد بن عبد اهلل بن ا ر ‪ ،‬أعرايب بدوي ‪ ،‬قال دعبل ‪ :‬قدم بغداد أيام املهدي حني أصابت ال اس اجملاعة ‪ ،‬و نزل قطيعة العباس بن‬
‫مد وأقام هبا أربعني س ة‪ ،‬وهبا مات ‪ ،‬و كان شاعرا وهو من ب عامر بن كالب وله من الكت ‪ :‬كتاب ال وادر‪ ،‬كتاب الفرق ‪ ،‬كتاب اإلبل‪ ،‬كتاب‬
‫خلق اإلنسان «‪.‬‬
‫‪ -‬ابن ال دمي ‪ :‬الفهرست ‪ ،‬ص ص ‪. ϮϬϴ -ϮϬϳ‬‬

‫‪393‬‬
‫‪ -ϭ‬أبو الفرج األصفها ‪ :‬األغا ‪ ،‬ج‪ ، ϭϬ‬ص ‪. ϯϬϲ‬‬
‫‪ -Ϯ‬عبد العزيز عتيق ‪ :‬تاريخ ال قد األديب ع د العرب ‪ ،‬ص ‪. ϴϭ‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫ب‪ -‬موقف الخليفة عثمان من شعراء الهجاء ‪ :‬عبد ب ي الحسحاس ‪.‬‬


‫ملا تو عثمان بن عفان ا الفة وجد أن الشعر قد عاد إ الوجدان بقوة‪ ،‬وذلك كم أن‬
‫املسلمني عرب يت فسون الشعر‪ ،‬ويبدو أن عودة الشعر إ لغة ا طاب وإ الوعي العريب بقوة‪ ،‬م ذ‬
‫حرب الردة يف عهد أيب بكر‪ ،‬وم ذ عهد عمر بن ا طاب‪ ،‬الذي حض املسلمني على العودة إ‬
‫الشعر لفهم القرآن العظيم‪ ،‬وابن عباس الذي كان الشعر بال سبة إليه معجما لغويا أساسيا‪ ،‬يفسر به‬
‫القرآن العظيم‪ ،‬إال أنه حظر عليهم اهلجاء واملد ح والتشبيب ‪.‬‬
‫ومن ه ا كان النتشار الشعر على ألس ة الشعراء أثر السل يف اجملتمع‪ ،‬فمال به بعض الشعراء‬
‫إ ما ال يوافق ال ظرة اإلسالمية وال يرضي ا لفاء‪ ،‬فظهر شعر اهلجاء الذي أقلق كل من املهجووين‬
‫وا لفاء‪ ،‬وكثرت الشكوى من الشعراء اهلجائني‪ ،‬وحار ا لفاء كيف يوقفون ألس ة الشعراء‪ ،‬هلذا ظهر‬
‫املوقف الصارم للخلفاء من الشعراء اهلجائني‪ ،‬سواء بشراء ذمم ال اس من ألس تهم‪ ،‬كما فعل ا ليفة‬
‫عمر مع ا طيئة‪ ،‬أو بتهديدهم وسج هم أو حدهم‪ ،‬كما هنى الشعراء عن التشبيب بال ساء‪ ،‬وملا أتى‬
‫ا ليفة عثمان سار يف مواقفه مع عديد من الشعراء اهلجائيني سرية ا ليفة عمر ‪.‬‬
‫ومن مواقف ا ليفة عثمان من الشعراء ما روي ع ه يف موقفه من عبد ب ا سحاس*‪ ،‬حيث‬
‫« كان عبد اهلل بن أيب ربيعة املخزومي اشرتا ‪ ،‬وكتب إ عثمان بن عفان‪ ،‬أ قد اشرتيت لك‬
‫غالما حبشيا شاعرا‪ ،‬فكتب إليه عثمان ‪ :‬ال حاجة ب ا إليه‪ ،‬فأردد فإمنا حظ أهل العبد** الشاعر‬
‫م ه‪ ،‬إن شبع أن يشبب ب سائهم ‪ ،‬وإذا جاع أن يهجوهم ‪ ،‬فرد »‪.ϭ‬‬

‫ك واهلل يريد أحس ت ‪...‬ويقال ‪ :‬مسعه عمر بن ا طاب‬‫*« امسه ُس َحيم وكان حبشيا مغلطا ‪...‬وكان شاعرا س ا ‪ ،‬ورمبا أنشد فيقول ‪ :‬أَح َس َ‬
‫[الكامل]‬ ‫ي شد ‪:‬‬
‫ِ‬
‫وطيب‬ ‫ِ‬
‫ب الفر ِ‬
‫اش‬ ‫َعر ٌق على َج ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ولقد در من كرمية بَـعضهم‬
‫َ‬
‫كان يتهم هبا أهوى إليها فقتلو » ‪.‬‬ ‫فقال له ‪ :‬إنك مقتول ‪ ،‬فسقو ا مر ‪ ،‬مث عرضوا عليه نسوة فلما مرت به ال‬
‫‪ -‬ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ص ص ‪. ϯϲϰ -Ϯϲϯ‬‬
‫**وجاء عن هذا املوقف يف طبقات الشعراء ‪ « :‬ذكروا عن عثمان بن عفان أنه أيت بعبد من عبيد العرب نافذ فأراد شراء ‪ ،‬فقيل له ‪ :‬إنه شاعر‪،‬‬
‫فقال‪ :‬ال حاجة به ‪ ،‬إن الشاعر ال حرمي له ‪ ،‬ويقال ‪ :‬إنه عبد ب ا سحاس ‪ ،‬وذلك قبل خالفة عثمان » ‪.‬‬

‫‪394‬‬
‫‪ -‬ابن سالم ا محي ‪ :‬طبقات فحول الشعراء ‪ ،‬ج‪ ،ϭ‬ص‪. ϭϴϳ‬‬
‫‪ -ϭ‬ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء‪ ،‬ص ‪. Ϯϲϯ‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫يبدو واضحا يف هذا ال ص موقفان‪ :‬أوهلما‪ :‬موقف من الشاعر‪ ،‬حيث تظهر خربة ا ليفة عثمان‬
‫بسلوكيات الشعراء العبيد‪ ،‬فريى أهنم ال وفاء وال عهد وال مروءة وال فضائل هلم‪ ،‬وثانيهما‪ :‬موقف من‬
‫شعر اهلجاء والتشبيب‪ ،‬فا ليفة ي بذ شعر التشبيب واهلجاء‪ ،‬فهما الغرضان اللذان يد فيهما الشعراء‬
‫العبيد ‪ .‬فإذا شبع العبد تشبب ب ساء سادته‪ ،‬وإن جاع هجا سادته‪ ،‬وموقف ا ليفة عثمان موقف‬
‫خلقي‪ ،‬وهو الذي دفعه لصرف ال ظر عن هذا الغالم الشاعر‪ ،‬وذلك للحفاظ على نفسه وعرضه‪.‬‬
‫كما « يبدو أن عثمان عرب عن رداءة يف أصل العبد الشاعر متجسمة يف إ اق األذى بأهله يف‬
‫حا السراء والضراء‪ ،‬وبذلك رد من كل الفضائل كما لو كان بوال على الرذيلة‪ ،‬فكأن إتيان‬
‫احملاسن واالعرتاف با ميل من الصفات املتأصلة يف األسياد‪ ،‬وكأمنا إتيان املساوئ وجحود ال عمة‬
‫صفات متأصلة يف العبيد »‪ .ϭ‬وبالتا فـ ـ ـ ـ ـ ـ « إن موقف عثمان من عبد ب ا سحاس ‪ ...‬يقيم الفرق‬
‫بني شاعرية األسياد والعبيد »‪.Ϯ‬‬
‫ج‪ -‬موقف الخليفة عثمان من زياد بن لبيد البياضي األنصاري وشعر ‪:‬‬
‫ومن املواقف ال هنى من خالهلا عثمان الشعراء عن التعريض باهلجاء‪ ،‬أو التهكم من ال اس‪،‬‬
‫أو بذكر ما ميس شعورهم‪ ،‬وذلك ملا شكا له عبيد اهلل* بن عمر‪ ،‬من أن « رجال من األنصار‪ ،‬يقال‬
‫[الطويل]‬ ‫له‪ :‬زياد بن لبيد البياضي ‪ ،‬إذا رأى عبيد اهلل بن عمر قال‪:‬‬
‫والَ َملجأٌ ِمن اب ِن أَرَوى َوالَ َخ َفر‬ ‫هرب‬
‫ك َم ٌ‬ ‫أَالَ يا عُبَـي َد اهلل َمالَ َ‬
‫وقتل اهلرمز ِان لَهُ َخطَر‬
‫حر ًاما ‪ُ ،‬‬ ‫دما واهلل يف غ ِري ِحل ِه‬ ‫ت ً‬ ‫صب َ‬‫أَ َ‬

‫‪ -ϭ‬أمحد الورد ‪ :‬قضية اللفظ واملع ونظرية الشعر ع د العرب من األصول إ القرن ‪ϳ‬هـ‪ϭϯ‬م ‪،‬ج ‪ ، ϭ‬ص‪. ϯϲϭ‬‬
‫‪ -Ϯ‬املرجع نفسه ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬ص ‪. ϯϮϲ‬‬
‫* أما عن موقف عثمان بن عفان من عبيد اهلل بن عمر بعـد قتله جفي ة واهلرمزان واب ة أيب لؤلؤة ‪ ،‬فقال الطربي ‪ « :‬جلس عثمان إ جانب‬
‫املسجد ودعا بعبيد اهلل بن عمر ‪ ،‬وكان بوسا يف دار سعد بن أيب وقاص ‪ ،‬وهو الذي نزع السيف من يد بعد قتله جفي ة واهلرمزان واب ة أيب‬
‫لؤلؤة‪ ،‬وكان يقول‪ :‬واهلل ألقتلن رجاال ممن شرك يف دم أيب ‪ -‬يعرض باملهاجرين واألنصار‪ -‬فقام إليه سعد‪ ،‬ف زع السيف من يد ‪ ،‬وجذب شعر‬
‫ح أضجعه إ األرض ‪ ،‬وحبسه يف دار ح أخرجه عثمان إليه ‪ ،‬قال عثمان ‪ :‬ماعة من املهاجرين واألنصار ‪ ،‬أشريوا علي يف هذا الذي‬
‫فتق يف اإلسالم ما فتق ‪ ،‬فقال علي ‪ :‬أرى أن تقتله ‪ ،‬فقال بعض املهاجرين ‪ :‬قتل عمر أمس ويقتل اب ه اليوم ‪ ،‬فقال عمرو بن العاص ‪ :‬ي ــا‬
‫أمري املؤم ني‪ ،‬إن اهلل قد أعفاك أن يكون هذا ا دث كان ولك على املسلمني سلطان‪ ،‬إمنا كان هذا وال سلطان لك‪ ،‬قال عثمان‪ :‬أنا وليهم ‪،‬‬
‫وقد جعلتها فدية ‪ .‬واحتملها يف ما » ‪.‬‬

‫‪395‬‬
‫‪ -‬الطربي ‪ :‬تاريخ الطربي ‪ ،‬ج‪ ، ϰ‬ص ‪. Ϯϯϵ‬‬

‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫أَتَـت ِه ُمو َن اهلرمزا َن على ُع َمر‬ ‫قائل‬


‫قال ٌ‬ ‫غري أن َ‬ ‫ِ‬
‫على َغري شيء َ‬
‫شار َوقد أََمر‬ ‫ِ‬
‫نَعم اهتمه قد أَ َ‬ ‫فقال َسفيهٌ‪ :‬وا وادث َمجة‬ ‫َ‬
‫األمر باألم ِر يـُعتَبَـر‬ ‫عبد يف ِ‬
‫جوف بيتِ ِه‬ ‫وكان ِسال ح ال ِ‬
‫يـُ َقلبُـ َها و ُ‬ ‫ُ‬
‫قال‪ :‬فشكا عبيد اهلل بن عمر إ عثمان زياد بن لبيد وشعر ‪ ،‬فـدعا عثمان زياد بن لبيد‪،‬‬
‫[الوافر]‬ ‫ف ها ‪ .‬قال‪ :‬فأنشأ زياد يقول يف عثمان‪:‬‬
‫فَالَ تَش ُكك بَِقت ِل اهلرُمَز ِان‬ ‫عبيد اهللِ َره ٌن‬
‫أَبَا عمرو ُ‬
‫وأسباب ا طا فَـرسا ِره ِ‬
‫ان‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫غفرت ا رَم ع هُ‬ ‫ك إن َ‬ ‫فَإن َ‬
‫ك بالذي َ ِكي يدان !‬ ‫فَ َما لَ َ‬ ‫عفوت بغ ِري َح ٍّق‬
‫َ‬ ‫أَتع ُفو إذا‬
‫فدعا عثمان زياد بن لبيد ف ها وشذب به »‪.ϭ‬‬
‫إن فحوى ال ص يبني موقف ا ليفة عثمان السل ‪ ،‬من الشعر املتعلق مبسألة قتل عبيد اهلل بن‬
‫عمر جفي ة واهلرمزان واب ة أيب لؤلؤة ‪ ،‬يف قتل والد عمر بن ا طاب‪ ،‬ونالحظ أن زياد بن لبيد البياضي‬
‫يعرض ويتهكم بابن عمر يف األبيات‪ ،‬وحرض ا ليفة عثمان على عدم العفو عليه‪ ،‬وهو األمر الذي مل‬
‫يقبله عبيد اهلل‪ ،‬ومل يقبله كذلك عثمان بن عفان ‪ ،‬وهو مايبني املوقف السل للخليفة من الشاعر ‪.‬‬
‫د‪ -‬موقف الخليفة عثمان من شعراء التهكم واالستهتار ‪ :‬الوليد بن عقبة بن أبي معيط ‪:‬‬
‫ومن مواقف عثمان بن عفان من شعراء التهكم واالستهتار‪ ،‬موقفه من الوليد بن عقبة بن أيب‬
‫معيط‪ ،‬حيث « كان السبب يف صرف الوليد بن عقبة ووالية سعيد – على ما روي‪ -‬أن الوليد بن‬
‫عقبة كان شرب مع ندمائه ومغ يه من أول الليل إ الصبا ح‪ ،‬فلما آذنه املؤذنون بالصالة خرج‬
‫متفضال يف غالئله‪ ،‬فتقدم إ احملراب يف صالة الصبح‪ ،‬فصلى هبم أربعا‪ ،‬وقال‪ :‬أتريدون أن أزيدكم ؟‬
‫وقيل‪ :‬إنه قال يف سجود وقد أطال‪ " ،‬أشرب واسق "‪ ،‬فقال له بعض من كان خلفه يف الصف‬
‫األول‪ " :‬ما تزيد ال زادك اهلل من ا ري ‪ ،‬واهلل ال أعجب إال ممن بعثك إلي ا واليا وعلي ا أمريا "‪ ،‬وكان‬
‫هذا القائل عتاب بن غيالن الثقفي ‪.‬‬
‫وخطب ال اس الوليد فحصبه ال اس صباء املسجد‪ ،‬فدخل قصر يرتنح ‪ ،‬ويتمثل بأبيات لتأبط‬

‫‪396‬‬
‫‪ -ϭ‬الطربي ‪ :‬تاريخ الطربي ‪ ،‬ج‪ ، ϰ‬ص ص ‪. ϮϰϬ -Ϯϯϵ‬‬
‫‪ -‬وي ظر ‪ :‬ابن األثري ‪ :‬الكامل يف التاريخ ‪،‬ج‪ ، ϯ‬ص ص ‪. ϰϬ – ϯϵ‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫[الطول]‬ ‫شرا‪:‬‬
‫ص َفا صلد عن ا ِري َمعَزِل‬ ‫ِ‬
‫والَ ب َ‬ ‫عيدا عن مدام وقِي ة‬ ‫ولست بَ ً‬
‫بالساحب املتَ َسل ِس ِل »‪.ϭ‬‬
‫ِ‬ ‫و ِ‬
‫أمشي أملال‬ ‫ولَ ِك ِ أَروي ِم َن ا م ِر َه َام ِ‬
‫َ‬
‫و« روي عن ابن عائشة قال‪ :‬حدث أيب قال‪ :‬ملا أحضر عثمان ‪ ‬الوليد ألهل الكوفة يف شرب‬
‫ا مر‪ ،‬حضر ا طيئة فاستأذن على عثمان وع د ب أمية متوافرون‪ ،‬فطمعوا أن يأيت الوليد بعذر‪،‬‬
‫[الكامل]‬ ‫فقال‪:‬‬
‫ليد أَ َحق بِال ُعذ ِر‬ ‫أن الو َ‬ ‫َش ِه َد ا طيئةُ َ‬
‫يوم يـَل َقى َربهُ‬
‫َتركوا ع انك مل تَـَزل َ ِري‬ ‫َخلَعوا َع انك إذ بريت ولو‬
‫يـُع ِطي على املي ُسوِر وال ُعس ِر‬ ‫فَـَرأُوا َمشائِ َل ماجد أنف‬
‫طَ َمع َوفَـق ِر‬ ‫تَـ زع إ‬ ‫عليك ومل‬ ‫َ‬ ‫زعت مكذوبًا‬
‫ف َ‬
‫قال‪ :‬فسروا بذلك وظ وا أن قد قام بعذر ‪ ،‬فقال رجل من ب عجل يرد على ا طيئة‪:‬‬
‫وما يَد ِري‬ ‫ِ‬
‫نادى وقد َمتت صالتـُ ُهم أَأَزي ُد ُكم – َمثالً‪َ -‬‬ ‫َ‬
‫وصلَت صالتَـ ُهم إ ال َعش ِر‬ ‫َ‬ ‫فَأبُوا أبا ِ‬
‫وهب ولو فَـ َعلوا‬
‫فوجم القوم‪ ،‬فأطرقوا‪ ،‬فأمر عثمان – رضي اهلل تعا ع ه‪ -‬فحد »‪.Ϯ‬‬
‫ويف هذا املوقف قـ ـ ـد « نقل الشعر الواقعة‪ ،‬فوصفها فكان سببا يف إقامة ا د‪ ،‬فكم حفـ ـ ـظ الشعر‬
‫من حوادث »‪ .ϯ‬كما لعب الشعر دورا كبريا يف كشف حقيقة الوليد يف لس ا ليفة عثمـان بن عفان‬
‫فتفطن رم الوليد فأقر د ‪ ،‬ويروى أن علي بن أيب طالب هو من حد ‪.ϰ‬‬
‫وعلق طه حسني على هذ ا ادثة قائال‪ « :‬فلما عزل الوليد‪ ،‬كان ا طيئة أسرع ال اس إ مدحه‬
‫ومواساته والث اء عليه‪ ،‬يف هذ األبيات ال عبثت هبا الشيعة فيما بعد‪ ،‬فبدلتها تبديال وصرفتها عن‬
‫موضعها‪ ،‬وامسع هذ األبيات‪ ،‬فسرتى فيها وفاء ا طيئة للوليد‪ ،‬وسرتى فيها أيضا صورة للمثل األعلى‬
‫ع د ا طيئة للرجل الكرمي »‪.ϱ‬‬

‫‪ -ϭ‬املسعودي ‪ :‬مروج الذهب ‪ ،‬ج‪ ،Ϯ‬ص ض ‪. ϯϯϱ -ϯϯϰ‬‬


‫‪ -Ϯ‬أبو الفرج األصفها ‪ :‬األغا ‪ ،‬ج‪ ، ϱ‬ص ‪. ϭϮϳ‬‬
‫‪ -ϯ‬وليد مود خالص ‪ ،‬ال قد األديب يف كتاب األغا ‪ ،‬ج‪ ( ، ϭ‬هامش ) ص ‪. ϯϱϴ‬‬

‫‪397‬‬
‫‪ -ϰ‬املسعودي ‪ :‬مروج الذهب ‪ ،‬ج‪ ، Ϯ‬ص ص ‪. ϯϯϲ -ϯϯϱ -ϯϯϰ‬‬
‫‪ -ϱ‬طه حسني‪ :‬حديث األربعاء ‪ ،‬ط‪ ، ϵ‬القاهرة ‪ ،‬دار املعارف مبصر ‪ϭϵϳϰ ،‬م ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬ص ‪.ϭϯϰ‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫ليد أَ َحق بِال ُعذ ِر‬ ‫أن الو َ‬ ‫َش ِه َد ا طيئةُ َ‬


‫يوم يـَل َقى َربهُ‬
‫ك مل تَـَزل َ ِري‬ ‫َتركوا ِع انَ َ‬ ‫يت ولو‬ ‫ك إذ َجر َ‬ ‫َخلَعوا َع انَ َ‬
‫يـُع ِطي على املي ُسوِر وال ُعس ِر‬ ‫َوَرأُوا َمشائِ َل ماجد َمتَ َربع‬
‫َع َوِز َوفَـق ِر‪.ϭ‬‬ ‫تـُرُدد إ‬ ‫عليك ومل‬ ‫َ‬ ‫ت مكذوبًا‬ ‫فَـُ ِزع َ‬
‫ويؤكد طه حسني خلط رواية األبيات فقال‪ « :‬ويقول املفضل الض ‪ ،‬فيما يروي ابن الشجري‪،‬‬
‫الشيعة‬ ‫إن من الرواة من يروي هذ األبيات على و آخر‪ ،‬وهو ع دي وع دك فيما أذكر‪ ،‬من‬
‫على ا طيئة والوليد أيضا وهذ هي الرواية األخرى‪:‬‬
‫ليد أَ َحق بِالعُذ ِر‬ ‫أن الو َ‬ ‫َش ِه َد ا طيئةُ َ‬
‫يوم يـَل َقى َربهُ‬
‫وما يَد ِري‬ ‫ِ‬
‫أَأَزي ُد ُكم – َمثالً‪َ -‬‬ ‫نادى وقد َك ُملَت صالتـُ ُهم‬ ‫َ‬
‫ني الشفع والوتر‬ ‫ِ‬
‫ت بَ َ‬ ‫لََقَرن َ‬ ‫يد ُهم َخريا ولو فَعلـوا‬ ‫ليَز َ‬
‫وَز َادت صالتَـ ُهم إ ال َعش ِر‬ ‫فَأبُوا أبا وهب ولو فَـ َعلوا‬
‫ك مل تَـَزل َ ِري‬ ‫َخلوا ِعَانَ َ‬ ‫ك إِذَا َجريَت ولو‬ ‫َكفوا َع انَ َ‬
‫فليس من شك ع دك وال ع دي يف أن الرواية األو هي الصادقة ‪ ،‬ويف أهنا متثل حزن ا طيئة ملا‬
‫أصاب الوليد ؟ »‪.Ϯ‬‬
‫وأيا كانت الروايات تلفة‪ ،‬فهذا يؤكد صحة جرم الوليد واستهتار بالقيم واملثل اإلسالمية العليا‪،‬‬
‫وصحة موقف الشهود ‪ ،‬وصحة موقف ا ليفة عثمان بن عفان من الوليد بن عقبة وصرامته معه ‪.‬‬
‫ه‪ -‬موقف الخليفة عثمان من سويد بن أبي كراع ‪.‬‬
‫ومن مواقف ا ليف ـ ـ ـ ـة عثمان ال هدد من خالهلا الشعراء الذين هجـ ـوا قومهم ‪ ،‬ملا ‪ « :‬هج ـ ـ ـا‬
‫سويـ ـ ـ ـد بن أيب كراع* قومـ ـ ـ ـ ـه‪ ...‬فاستعـ ـ ــتدوا علي ـ ـ ـ ـ ـه عثمان بن عفان ‪ ، ‬فأوعـ ـ ـ ـد وأخذ علي ـ ـ ـه أال‬

‫‪ -ϭ‬طه حسني‪ :‬حديث األربعاء ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬ص ‪. ϭϯϱ‬‬


‫‪ -Ϯ‬املرجع نفسه ‪ ،‬ج‪ ،ϭ‬ص ‪. ϭϯϱ‬‬
‫[الطويل]‬ ‫* «هو من عكل جاهلي إسالمي‪...‬وهو القائل ‪:‬‬
‫أصادي هبا سربا من الوحش نزعا‬ ‫أبيت بأبواب القوايف كأمنا‬

‫‪398‬‬
‫كون سحريا أو بعيد فأهجعا‬ ‫أ كاليئها ح أعرس بعدما‬
‫=‬ ‫عصا مريد تف ورا واذرعا‬ ‫عواصي إال ما جعلت وراءها‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫يعود»‪.ϭ‬‬
‫و‪ -‬موقف الخليفة عثمان من ضابئ بن الحارث البرجمي ‪.‬‬
‫وتذكر املصادر أن عثمان بن عفان كان حازما يف مواقفه األدبية وخاصة مع الشعراء اهلجائني ‪،‬‬
‫ومن مواقفه ال تدل على حزمه ا ا الشعراء الذين يسيئون القول لل اس‪ ،‬ويعتدون على حرماهتم‬
‫وأعراضهم‪ ،‬ويغلظون هلم القول‪ ،‬ويرهبوهنم بالشعر‪ ،‬فقد كان هلم باملرصاد؛ حيث « اتبع عثمان س ة‬
‫عمر يف التشديد على من يسلقون املسلمني بألس ة حداد‪ ،‬وقصته مع ضابئ بن ا ارث الربمجي‬
‫مشهورة ‪ ،‬فقد هجا مجاعة من األنصار هجاء مقذعا أفحش فيه فاستعدو عليه »‪.Ϯ‬‬
‫وذكر ابن قتيبة أن‪ « :‬ضابئ بن ا ارث بن أرطأة من ب غالب بن ح ظلة من الرباجم ‪ ،‬وكان‬
‫استعار كلبا من بعض ب جرول بن هنشل‪ ،‬فطال مكثه ع د فطلبو فامت ع‪ ،‬فعرضوا له فأخـذو م ه ‪،‬‬
‫[الطويل]‬ ‫فغضب ورمى أمهم بالكلب ‪ ،‬واسم الكلب قرحان فقال‪:‬‬
‫الوج اءُ وه َي َح ِس ُري‬‫تَظَل هبا َ‬ ‫فد قُـرحا َن ُشقةً‬ ‫ََش َم ُدو َو ُ‬
‫بتاج اهلرمز ِان أَِم ُري‬
‫باهم ِ‬ ‫َح ُ‬ ‫فأردفـتُـ ُهم كلبًا فراحوا كأَمنا‬ ‫َ‬
‫به وهو ُمغبَـر لكاد يَ ِط ُري‬ ‫ت ُمتَالِعاً‬
‫وقَـلدتـُ ُهم ما لو َرَمي ُ‬
‫ور‬
‫مور تَ ُد ُ‬ ‫ُمثامةَ َع واألُ ُ‬ ‫عرضت فبلغن‬ ‫َ‬ ‫فيا راكبًا إما‬
‫قوق الو ِ‬
‫الدات َكبِ ُري‬ ‫فإن عُ َ‬ ‫وها وَكلبُ ُكم‬ ‫فأُم ُكم ال تتَـ ُرُك َ‬
‫اش َخبِ ُري‬
‫فوق الفر ِ‬ ‫يع مبا َ‬ ‫َمس ٌ‬ ‫بت مبا تَـَرى‬ ‫كلب قد ضر َ‬ ‫ك ٌ‬ ‫فإن َ‬
‫اش َه ِر ُير‬
‫فوق الفر ِ‬ ‫يت هلا َ‬ ‫يَبِ ُ‬ ‫الليل ُدخَةً‬ ‫إذا َعثـَت ِمن آخ ِر ِ‬
‫فاستعدوا عليه عثمان بن عفان فحسبه وقال‪ :‬واهلل لو أن رسول اهلل‪ ،‬حي ألحسب ه نزل‬

‫هلا طالب ح يكل ويطلعا‬ ‫بعيدة شأوا ال يكاد يردها‬ ‫=‬


‫وراء الرتاقي خشية أن تطلعا‬ ‫إذا خفت أن تروي علي رددهتا‬
‫فثقتها حوال جريدا ومربعا‬ ‫وجشم خوف بن عفان ردها‬
‫فلم أر إال أن أطيع واستمعا‬ ‫وقد كان يف نفسي عليها زيادة‬
‫طريقا أملته القصائد مهيعا‬ ‫هبت بغر اآلبدات فراجعت‬
‫‪ -‬ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ص ‪. ϰϮϳ‬‬

‫‪399‬‬
‫‪ -ϭ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪ϰϮϳ‬‬
‫‪ -Ϯ‬شوقي ضيف ‪ :‬العصر اإلسالمي ‪ ،‬ص ‪. ϰϱ‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫فيك قرآنا وما رأيت أحدا رمى قوما بكلب قبلك »‪.ϭ‬‬
‫ويف رواية ابن سالم‪ « :‬فاستعدوا عليه ع د عثمان‪ .‬فقال‪ :‬ويلك ! ما مسعت أحدا رمى امرأة‬
‫من املسلمني بكلب غريك ! وإ ألراك لو ك ت على عهد رسول اهلل‪ -‬صلى اهلل عليه‪ -‬ألنزل اهلل‬
‫فيك قرآنا‪ ،‬ولو كان أحد قبلي قطع لسان شاعر [يف هجاء] لقطعت لسانك ‪ .‬فحبسه يف‬
‫السجن‪...‬ومل يزل ضابئ يف السجن ح مات »‪.Ϯ‬‬
‫ويف رواية البالذري‪ « :‬فاستعدوا عليه عثمان ملا قال يف أمهم وفيهم‪ ،‬فيقال‪ :‬إنه أدبه وخال ‪،‬‬
‫ويقال‪ :‬بل حبسه وخال ‪ ،‬فأراد الفتك ففطن له وأخذ فحبس ح مات يف ا بس* »‪.ϯ‬‬
‫يتضح من ال ص ان موقف ا ليف من الشاعر موقف سل ‪ ،‬ألن هجاء الشاعر ورميه قومه‬
‫بكلب تعد يف نظر ا ليفة من الكبائر‪ ،‬وذلك لقوله للشاعر‪ " :‬واهلل لو أن رسول اهلل‪ ،‬حي‬
‫ألحسب ه نزل فيك قرآنا "‪ .‬هذا ت ظري من ا ليفة عثمان بالغ األمهية يف نقد شعر ا جاء ‪ ،‬وعدم‬
‫قبوله ‪ ،‬ألنه مؤمل ال يقبله أحد من ال اس‪ ،‬وقول ا ليفة‪" :‬وما رأيت أحدا رمى قوما بكلب قبلك "‬
‫فهذا يدل على معرفته بكل ما قيل يف اهلجاء ‪ ،‬سواء يف األفراد أو القبائل ‪.‬‬
‫فهذ املواقف كلها تدل على حزم ا ليفة عثمان يف موقفه السل من شعر وشعراء اهلجاء ‪،‬‬
‫فإنكار على الشعراء مسلكهم الف ‪ ،‬الذي يرى فيه ر ا لألعراض ومسا خلقيا با رمات ‪ ،‬يؤدي‬
‫حتما إ اإليذاء وسوء العالقة بني ال اس ‪ ،‬وقد خرج الشعراء مبسلكهم هذا عن مسلك اهلجاء الذي‬
‫كان يقصد به السؤال ‪ ،‬كما فعل ا طيئة ‪ ،‬بل هو مسلك جديد يقصد به الشعراء السب والشتم‬
‫والتهكم واالستهتار بالقيم االجتماعية واملثل العليا للمجتمع واملساس مبشاعر ال اس‪ ،‬وقد كانت‬
‫صرامة ا ليفة عثمان يف تشدد مع هؤالء الشعراء امتدادا لصرامة ا ليفة عمر من الشعراء اهلجائني‬
‫يف عصر ‪.‬‬

‫‪ -1‬ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ص ص ‪. 225 -224‬‬


‫‪ -2‬ابن سالم ا محي ‪ :‬طبقات فحول الشعراء ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪ 172‬وما بعدا ‪.‬‬
‫[الطويل]‬ ‫*ويف رواية البالذري ‪ :‬أنساب األشراف ‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪ ، 205‬قال ضابئ يف ا بس‪:‬‬
‫فعلت فكان املعوالت حالئله‬ ‫مهمت ومل أفعل كدت وليت‬

‫‪400‬‬
‫إذا ريع ل م ترعد نب خصائله ‪.‬‬ ‫ما الفتك إال المرئ ذي حفيظة‬
‫‪ -3‬البالذري ‪ :‬أنساب األشراف ‪ ،‬ج ‪ ، 6‬ص ص ‪. 205 – 204‬‬
‫‪ -ϰ‬المرتكزات ال قدية للشعر والشعراء ع د الخليفة علي بن أبي طالب (‪ Ϯϯ‬ق هـ ‪ ϰϬ‬هـ)‪:‬‬
‫أ‪ -‬الموقف ال قدي للخليفة علي بن أبي طالب من شعر امرئ القيس ‪:‬‬

‫أما من حيث نقد الشعر ع د علي بن أيب طالب‪ ،‬فإن معيار ال قدي هو املفاضل بني الشعراء‪،‬‬
‫قال ابن رشق‪ « :‬فقد حكي عن علي بن أيب طالب‪-‬كرم اهلل وجهه‪ -‬أنه قال‪ :‬لو أن الشعراء ضمهم‬
‫زمان واحد‪ ،‬ونصبت هلم راية واحدة فجروا معا علم ا من السابق م هم‪ ،‬وإذا مل يكن فالذي مل يقل‬
‫لرغبة وال لرهبة‪ ،‬فقيل‪ :‬ومن هو ؟ فقال‪ :‬الك دي‪ ،‬قيل‪ :‬ومل ؟ قال‪ :‬أل رأيته أحس هم نادرة‪،‬‬
‫وأسبقهم بادرة »‪.ϭ‬‬
‫وقد روي هذا ال ص بصورة فيها بعض االختالف يف اللفظ‪ ،‬فقال ابن رشيق‪ :‬قال عبد الكرمي‪:‬‬
‫« امرؤ القيس ميا ال سب‪ ،‬نزاري الدار وامل شأ وفضله علي ‪ ‬بأن قال‪ :‬رأيته أحس هم نادرة‬
‫وأسبقهم بادرة وأنه مل يقل لرغبة وال لرهبة »‪.Ϯ‬‬
‫من خالل هذا ال ص نرى أن علي بن أيب طالب ثالث ال قاد‪ ،‬وثا الصحابة بعد رسول اهلل ‪‬‬
‫وعمر بن ا طاب من حيث االهتمام بشاعرية امرئ القيس ‪ ،‬فوقفوا ع دها وحددوا مواطن إبداعه ‪،‬‬
‫ففي هذا ا كم « يضع اإلمام علي –كرم اهلل وجهه‪ -‬قيدا مهما هلذا املصطلح وهو الزمان والغاية‬
‫واملذهب ‪ ،‬فمن خالل تقارب الشعراء ميكن ا كم بعد ذلك أيهم أشعر ‪ ،‬ورمبا أن الكثرة ال ي طبق‬
‫عليها هذا فمن الصعب ت عميم ا كم على ا ميع ‪ ،‬وهي نظرة فاحصة مدققة ‪ ،‬ولعل هذا ي فع يف‬
‫إجراء املوازنة بني شاعرين أو أكثر »‪.ϯ‬‬
‫ومن خالل املوازنة بني الشعراء « يبدوا ا ديد يف نظرة علي ‪ ‬إ الشعر ‪ ،‬فالتفاضل ال ري‬
‫إال بني الشعراء املعاصرين ‪ ،‬وال يتم ذلك على وجه الدقة إال إذا نصب ا هلم راية واحدة ليجروا وها‪،‬‬
‫وكأنه يشرتط وحدة املوضوع الشعري للمتسابقني من الشعراء‪ ،‬وبذلك يضع للمفاضلة شرطني‪ :‬املعاصرة‬
‫ووحدة املوضوع »‪.ϰ‬‬
‫ويف هذا ا كم د ا ليفة علي « قد تأثر مب هاج عمر يف ال قد‪ ،‬فأردف حكمه بأسبابه‬
‫وحيثياته‪...‬فأسباب ا كم ال قضى هبا المرئ القيس على غري من الشعراء املتقدمني تتمثل يف أنه‬

‫‪ -ϭ‬ابن رشيق ‪ :‬العمدة ‪ ،‬ج ‪ ، ϭ‬ص ‪.ϯϱ‬‬


‫‪ -Ϯ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ،ϭ‬ص ص ‪.ϴϮ-ϴϭ‬‬

‫‪401‬‬
‫‪ -ϯ‬وليد مود خالص‪ :‬ال قد األديب يف كتاب األغا ‪ ،‬ج ‪ ، Ϯ‬ص ‪.ϭϯϬϴ‬‬
‫‪ -ϰ‬صال ح الدين مد عبد التواب ‪ :‬الشعر العريب يف ظالل اإلسالم أصالة و دد ‪ ،‬ص ‪ϭϮϮ‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫أحس هم نادرة وأسبقهم بادرة ‪ ،‬أي أنه أحس هم التقاطا واهر املعا ‪ ،‬وأسبقهم بديهة ‪ ،‬وابتكارا‬
‫يف طرائق الشعر »‪.ϭ‬‬
‫وهكذا يتضح ل ا جليا‪ ،‬فبعد نظرة الرسول ‪‬ونظرة عمر وعلي‪ -‬رضي اهلل ع هما‪ -‬تبني أن سبب‬
‫إمجاعهم يف حكمهم على تقدمي امرئ القيس على الشعراء ‪ ،‬يكمن يف إملامهم بشعر وشعر باقي‬
‫الشعراء ا اهليني‪ ،‬وبعد أن مت فرزهم ألشعارهم مجيعا‪ ،‬مت عقد املوازنة واملفاضلة بي هم يف املب والصورة‬
‫الشعرية ‪ ،‬فتنب هلم فضل تقدمي امرئ القيس على الشعراء يف اإلبداع ‪.‬‬
‫ب‪ -‬الموقف ال قدي للخليفة علي بن أبي طالب من شعر أبي محجن الثقفي ‪:‬‬
‫كثريا السؤال عن أسباب‬
‫كثريا االهتمام بالشعراء ‪ ،‬و َ‬
‫لقد كان عمر وعلي ‪ -‬رضي اهلل ع هما‪َ -‬‬
‫تقدم الشعراء ومتيزهم عن غريهم‪ ،‬من ذلك ما روي‪ « :‬كان عمر – رضي اهلل تعا ع ه‪ -‬يفضل هذ‬
‫األبيات*‪ ،‬ويتهم رأيه فيها فال يذكر ذلك‪ ،‬إ أن قال لعلي –كرم اهلل وجهه ‪ :-‬من أشعر ال اس ؟‬
‫قال‪ :‬الذي أحسن الوصف ‪ ،‬وأحكم الرصف ‪ ،‬وقال الحق ‪ .‬قال‪ :‬ومن هو ؟ قال‪ :‬أبو جن يف‬
‫قوله‪ " :‬ال تسأل ال اس عن مالي و كثرته " قال‪ :‬أيدت يا أبا ا سن أيدك اهلل‪ ،‬فمازلت مؤي ـدا يف‬
‫كل خري‪...‬مث قال له‪ :‬قد صدق يف كل ما ذكر‪ ،‬لوال آفة كانت يف دي ه من حبه ا مر‪ ،‬وقد تركها‬
‫‪ ฀‬فقال‬ ‫الكرُم من اإلميان ‪ ،‬لقوله تعا ‪฀ ฀ :‬‬
‫ف من ال َكَرم ‪ ،‬و َ‬
‫آنفا ‪ .‬واألنَ ُ‬

‫‪ -ϭ‬عبد العزيز عتيق ‪ :‬تاريخ ال قد األديب ع د العرب ‪ ،‬ص ‪.ϴϯ‬‬


‫[البسيط]‬ ‫*هذا األبيات ال أشار إليها هي يف قصيدته وهذ ‪:‬‬
‫وسائلي القوم عن دي وعن خلقي‬ ‫و كثرته‬ ‫ال تسأل ال اس عن ما‬
‫إذا مسا بصر الرعديدة الفارق‬ ‫قد يعلم ال اس أنا من سراهتم‬
‫و عامـل الرمح أرويه من العلق‬ ‫أعطي الس ان غداة الروع لته‬
‫ت فـي املسابري باألزبـاد الفهق‬ ‫و أطعن الطع ة ال جالء عن عرض‬
‫وإن ضلمت شديد ا قد ا ق‬ ‫عغوا اإلياسة عمـا لست نائله‬
‫وأكتـم السـر فيه دربة الع ق‬ ‫غمته‬ ‫املكـروب‬ ‫و أكشـف‬
‫وقد يتوب السوامة العاجز ا مق‬ ‫قد يقرت املرء يوما وهو ذو حسب‬
‫ويكتس العول بعد ا ذب بالورق‬ ‫قد يكثر املال يوما بعد قلتـه‬
‫وقد أكر وراء احملجر الربق‬ ‫وقد أجود وما ما بذي ف ع‬

‫‪402‬‬
‫من الرهق‬ ‫وأترك القول يدني‬ ‫وأهجر الفعل ذا حوب وم قصة‬
‫‪ -‬أبو جن الثقفي ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ‪ ϭϱ‬و ما بعدها ‪.‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫عمر ‪ :‬يأب اهلل يا ب هاشم إال أن يسودكم يف الدين والدنيا »‪.ϭ‬‬


‫يتجلى من خالل احملاورة ال قدية الف ية ال بيلة يف ال ص‪َ ،‬خل ِفيَة حكم ا ليفة عمر على أيب جن‬
‫من خالل سؤال ال اقد " من أشعر ال اس ؟ " بتفضيله لقصيدته ‪ ،‬ال أفاضت إعجابه هبا‪ ،‬رغم أنه‬
‫وقف من أيب جن موقفا سلبيا من قصيدته أو قصائد ا مرية ‪ ،‬مث نرى حكم علي بن أيب طالب‬
‫على شاعرية أيب جن املعلل‪ ،‬ألنه ع د إجابته عن سؤال ا ليفة عمر‪ ،‬وضح بـُع َد نظر من خالل‬
‫املوازنة بني أيب جن والشعراء ‪ ،‬وأبرز أن أبا جن هو أشعر ال اس‪ ،‬وجعل معيار تقدمي وتفضيل‬
‫شاعرية أيب جن هو‪ :‬إجادته للوصف ‪ ،‬وبِ ائه الف احملكم للشعر‪ ،‬والصدق فيه ‪.‬‬
‫وقد عرب علي بن أيب طلب عن أسباب تقدميه وتفضبله أليب جن على الشعراء بأفعال‬
‫التفضيل‪ :‬أح َسنَ ‪ ،‬وأح َك َم ‪ ،‬ال بني من خالهلما حكمه على شعر أيب جن‪ ،‬وهي تدل على دقة‬
‫أيب جن يف ص اعته الشعرية‪ ،‬ومها معياران ف يان‪ ،‬باإلضافة إ قوله ا ق‪ ،‬وهو معيار خلقي‪ ،‬است تج‬
‫علي بن أيب طلب هذ املعايري من خالل قراءته لشعر أيب جن الثقفي‪ ،‬ويظهر أن هذا ا كم تطبيقي‬
‫إذ استخلص هذ املعايري من قراءته لقصيدته ال يقول فيها‪ " :‬ال تسأل ال اس عن مالي وكثرته "‬
‫فعلي ‪ ‬يرى أن أبا جن قد أحسن يف وصف مبادئه‪ ،‬ومكارمه ا لقية وصفا دقيقا مجيال ‪ ،‬باإلضافة‬
‫إ أن ب اء الفكري والف يف القصيدة كم‪ ،‬وذلك إلتقانه ص اعة الشعر‪ ،‬مث إن أبا جن كان‬
‫صادقا يف أفكار ومعا القصيدة ‪ ،‬وذلك أن ما قاله يتماشى مع سلوكياته وأخالقه ‪ ،‬فكان بذلك‬
‫أكثر واقعية قوال وعمال ‪ ،‬وهذ املعايري جديدة ‪ ،‬يف عصر الصحابة ‪ ،‬حيث مل نر شاعرا ُوصف شعر‬
‫هبا قبله ‪ ،‬كما أن ا كم على هذ القصيدة جاء بعيدا عن التعميم ‪ ،‬والقصيدة املشار إليها ُعدت على‬
‫أهنا من عيون الشعر العريب اإلسالمي‪ ،‬وهذا حسب إشارة الشع يف قوله‪ « :‬فلم يكن يف ا ي ف ال‬
‫فظ هذ األبيات فتعد له مروءة »‪.Ϯ‬‬

‫‪403‬‬
‫‪ -ϭ‬أبو جن الثقفي ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. ϮϮ‬‬
‫‪ -Ϯ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. ϮϮ‬‬

‫الفصـ ـ ـ ـل الثاني‬
‫المرتكزات ال قدية للشعر والشعراء ع د الصحابة‬
‫غير الخلفاء‬
‫‪ -ϭ‬ع د معاوية بن أبي سفيان‬
‫‪ -Ϯ‬ع د عبد اهلل بن عباس‬
‫‪ -ϯ‬ع د عبد اهلل بن عمر‬
‫المرتكزات ال قدية للشعر والشعراء ع د الصحابة الشعراء‬
‫‪ - ϭ‬ع د عثمان بن مظعون‬
‫‪ -Ϯ‬ع د حسان بن ثابت‬
‫‪ -ϯ‬ع د لبيد بن ربيعة‬

‫‪404‬‬
‫‪ -ϭ‬المرتكزات ال قدي للشعر والشعراء ع د معاوية بن أبي سفيان (ت‪ϲϬ‬هـ ‪ ϲϴϬ‬م)‪:‬‬
‫أ‪ -‬موقف معاوية ال قدي من شعر التشبيب والهجاء والفخر والمدح ‪:‬‬
‫إن الباحث يف تاريخ الصحايب معاوية بن أيب سفيان‪ ،‬د خالفا للصورة ال اشتهر هبا‪ ،‬فهو‬
‫« َعلم بارز يف تاريخ العرب واملسلمني قاطبة ‪ ،‬وقد اشتهر بالدهاء وا كمة السياسية ‪ ،‬ومل يعرف‬
‫بالشعر »‪ ، ϭ‬وبعد البحث والتقصي يف مصادر األدب وال قد ومراجعهما تأكد لدي ا أن ملعاوية بن أيب‬
‫سفيان ديوان شعر‪ ،‬مجعه وحققه ودرسه ‪ ،‬فاروق اسليم بن أمحد‪ ،‬يكشف فيه أن « ملعاوية شعرا مميزا‬
‫يعرب فيه عن ربة قائد سياسي سعى إ املركز األول يف الدولة العربية اإلسالمية ف اله »‪.Ϯ‬‬
‫كما كشفت ل ا املصادر ال قدية عن بعض مواقف الصحايب معاوية ال قدية‪ ،‬ال تربز قوة‬
‫شخصية األدبية الف ية وال قدية ‪ ،‬إ جانب حفظه للشعر وروايته له ‪ ،‬ومل تعرف شاعرية معاوية إال يف‬
‫معركة صفيني وما بعدها‪ ،‬وقد برز اهتمامه باألدب خطابة وشعرا‪ ،‬ملا انتقلت السلطة إ ب أمية‬
‫وانتقلت عاصمة ا الفة إ دمشق‪ ،‬وقف الشعراء ضد فرمو بقصائد ومقطوعات شعرية‪ ،‬فكان‬
‫يتقبلها على مضض ‪ ،‬فدعا ذلك لفتح باب قصر يف الشام للشعراء ‪ ،‬وكان لسه تأتيه الفقهاء‬
‫والشعراء من كل حدب وصوب ‪ ،‬فجاء الصحابة الشعراء والتابعني الشعراء ‪ ،‬وكانت له مواقف أدبية‬
‫ظهر فيها ذوقه للشعر‪ ،‬ومن خالل لسه كان يقود حركة الشعر وفق رؤيته األدبية وال قدية‪.‬‬
‫ويف هذا اجملال روي ع ه يف مصادر األدب العريب املغريب القدمية ‪ ،‬بعض مواقفه ال قدية من شعر‬
‫اهلجاء واملد ح والتشبيب ‪ ،‬وهذ املواقف تعكس بكل تأكيد رؤيته للشعر من خالل ربته السياسية‪،‬‬
‫فجاء يف العقد الفريد‪ « :‬قال معاوية لعبد الرمحن بن ا كم يا ابن أخي! إنك شهرت بالشعر ‪ ،‬فإياك‬
‫والتشبيب بال ساء ‪ ،‬فإنك تغري الشريفة يف قومها‪ ،‬والعفيفة يف نفسها‪ ،‬والهجاء فإنك ال تعدو أن‬
‫تعادي كرميا‪ ،‬أو تستثري به لئيما‪ ،‬ولكن أفخر مبآثر قومك‪ ،‬وقل من األمثال ما تأثر به نفسك وتؤدب‬
‫به غريك »‪.ϯ‬‬
‫وجاء يف رواية البيهقي يف احملاسن واملساوئ‪ « :‬قال معاوية بن أيب سفيان لعبد الرمحن بن ا كم ‪:‬‬
‫يا ابن أخي ! قد َهلِجت بالشعر ‪ ،‬فإياك والتشبيب فتهجن به كرميا‪ ،‬والهجاء فتثري به لئيما‪ ،‬وإياك‬
‫والمدح فإنه كسب ا سيس‪ ،‬ولكن افخر مبآثر قومك‪ ،‬وقل من األمثال ما تزين به نفسك وتؤدب به‬

‫‪405‬‬
‫‪ -1‬معاوية بن أيب سفيان‪ :‬الديوان ‪،‬مجعه وحققه ودرسه‪ :‬فاروق اسليم‪ ،‬ط‪،1‬بريوت‪ ،‬لب لن‪ ،‬دار صادر للطباعة وال شر والتوزيع‪1996 ،‬م‪ ،‬ص‪.5‬‬
‫‪ -2‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 5‬‬
‫‪ -3‬ابن عبد ربه ‪ :‬العقد الفريد ‪ ،‬ج‪ ، 5‬ص ‪. 281‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫[الرجز]‬ ‫غريك‪ ،‬فإن مل د بُدا من المديح فقل كما قال األول‪:‬‬


‫ت رحلِي يف ب ثـُ َعل إن الكرميَ لِل ِ‬
‫كرمي ََل »‪.ϭ‬‬ ‫أَحلَل ُ َ‬
‫الواضح من الروايتني أهنما نص واحد ‪ ،‬ويتجلى فيهما أن التجربة السياسية واالجتماعية واألدبية‬
‫العميقة يف حياة معاوية واضحة ‪ ،‬ويبدو أن ارب معاوية مع الس الشعر والشعراء دعته إ ا ذر‬
‫من امليل إ أغراض‪ :‬التشبيب واهلجاء ‪ ،‬كما هو واضح يف ال ص األول ‪ .‬وأما يف ال ص الثا فيبدو‬
‫ا ذر فيه من التشبيب واهلجاء واملد ح ‪ ،‬فمعاوية حاول بعث هذ التجربة يف نفس عبد الرمحن‬
‫ابن ا كم ليستفيد م ها ‪ ،‬وهي وصية ف ية نقدية كم التجربة ا اصة ملعاوية مع الشعر والشعراء‪ ،‬فهو‬
‫يريد أن يوجه فن الشعر والشعراء توجيها أخالقيا ‪ ،‬يث يعلي من نفوس ال اس وال يبعث هبم إ‬
‫ا ضيض األسفل‪ ،‬هلذا يظهر أن موقفه من شعر التشبيه واهلجاء موقفا سلبيا‪ ،‬ألنه يت اف والقيم‬
‫األخالقية واملثل اإلسالمية العليا‪ ،‬كما رأى يف التشبيب هتجن للكرمي‪ ،‬وحذر عبد الرمحن من اهلجاء‬
‫ألنه يثري اللئيم للتطاول على من هو أشرف م ه ‪ ،‬كما حذر من املد ح كي ال يتحول به إ السؤال‬
‫والتكسب ألنه رآ مسلك األنذال؛ الذين يتخلون يف ظة ما عن مروءهتم‪ ،‬هلذا د يوجهه إ‬
‫الفخر مبآثر قومه ‪ ،‬وإ الشعر الذي يضرب به املثل يف الرتبية وحسن األدب ‪ ،‬ليقتدي به غري ‪ ،‬وإذا‬
‫مالت نفسه إ املد ح‪ ،‬فما عليه إال أن يلتزم مبد ح نفسه مقرونا مبمدوحه ‪ ،‬كما هي ا ال يف البيت‬
‫الشعري الذي قاله امللك املرادي‪ ،‬الذي ضرب به معاوية املثل‪ ،‬وهذ نظرة نقدية مجالية أخالقية معللة‪،‬‬
‫تعكس بُعد نظر معاوية الذي اعتمد يف بيان اسن ومساوئ موضوعات هذ األغراض الشعرية على‬
‫املوازنة واملفاضلة بني التشبيب ‪ ،‬واهلجاء ‪ ،‬والفخر‪ ،‬واملد ح‪ ،‬فوجد أحطها قيمة غرضي‪ :‬التشبيب‬
‫واهلجاء ‪ ،‬ووجد أفضلها‪ ،‬غرضي‪ :‬الفخر واملد ح يف مواطن ا فاظ على عزة ال فس وكرامتها وهتذيبها‪،‬‬
‫وكل هذ األحكام ال قدية قيم مضافة إ ال قد األديب العريب‪ ،‬تعكس رؤية معاوية ال قدية ‪.‬‬
‫ب‪ -‬موقف معاوية ال قدي من الشعراء الهجائيين ‪:‬‬
‫‪ -ϭ‬موقف معاوية ال قدي من عتيبة األسدي ‪:‬‬

‫‪406‬‬
‫روي يف هذا الصدد عن « قول معاوية أليب بردة بن أيب موسى األشعري‪ ،‬وكان دخل محاما فزمحه‬
‫[الطويل]‬ ‫رجل يد فلطم هبا أبا بردة فأثر يف وجهه ‪ ،‬فقال‪ :‬فيه عتيبة األسدي‪:‬‬
‫رجل‪ ،‬فرفع ُ‬
‫‪ -1‬البيهقي ‪ :‬احملاسن واملساوئ ‪ ،‬ص ‪. 479‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫بن األَشعري نُ ُدوبُ‬


‫َبوجهك يا َ‬ ‫اليمني ال هلا‬‫َ‬ ‫ال يَصرم اهللُ‬
‫قال‪ :‬فاستعدى عليه معاوية‪ ،‬وقال‪ :‬إنه هجا ‪ ،‬قال ‪ :‬وما قال فيك ؟ فأنشد البيت ‪.‬‬
‫قـال معاوية‪ :‬هذا رجل َدعا ومل يقل إال خريا‪ ،‬قال‪ :‬فقد قال‪ :‬غري هذا‪ ،‬قال‪ :‬وما قال ؟ فأنشد ‪:‬‬
‫يب‬ ‫ويف البَيت والبَطحاء َ ِ‬
‫أنت َغر ُ‬ ‫أنت امرٌؤ يف األَشعرين ُم َقابَ ٌل‬
‫و َ‬
‫قال معاوية‪ :‬وإذا ك ت مقابال يف قومك فما عليك أال تكون مقابال يف غريهم‪ ،‬قال‪ :‬فقد قال‬
‫غري هذا‪ ،‬قال‪ :‬وما قال ؟ قال‪ :‬قال‪:‬‬
‫وال َمن يُزكيها بظَهر َمِ ِ‬
‫يب‬ ‫اث أمك بالضحى‬ ‫وما أنا من حد ِ‬
‫ُ‬
‫قال‪ :‬إمنا قال‪ :‬ما أنأ من ُحداث أمك‪ ،‬فلو قال‪ :‬إنه من حداثها‪ ،‬لكان ي بغي لك أن تغضب ‪،‬‬
‫[الطويل]‬ ‫والذي قال ‪ :‬أشد من هذا‪ ،‬قال‪ :‬وما قال لك يا أمري ملؤم ني ؟ قال‪ :‬قال‪:‬‬
‫بال وال ا ِد ِ‬
‫يد‬ ‫فَـلَسَا با ِ ِ‬ ‫شر فأَس ِجح‬
‫َ‬ ‫عاوي إن ا بَ ٌ‬
‫ُم َ‬
‫صِ‬
‫يد‬ ‫فهل ِمن قائم أو ِمن ح ِ‬ ‫وجردمتوها‬ ‫أرضا‬ ‫أكلتُم‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫يزيد أَمريها وأبو يز ِ‬
‫يد‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫اعا‬ ‫فَـ َهب ا أُمةً َهلَكت َ‬
‫ضي ً‬
‫وليس ل ا وال لك ِمن خلُ ِ‬
‫ود‬ ‫لود إذا َهلَك ا‬‫أتَطمع با ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫وتأمري األرازل والعبِ ِ‬
‫يد‬ ‫َذروا جور ا الفة و ِ‬
‫استقيموا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫قال‪ :‬فما م عك يا أمري املؤم ني أن تبعث إليه من يضرب ع قه ؟ قال‪ :‬أو َخري من ذلك ؟ قال‪:‬‬
‫وما هو ؟ تمع أنا وأنت ف رفع أيدي ا إ السماء وندعو عليه ‪ ،‬فما زاد على أن أزري به »‪.1‬‬
‫الواضح أن يف ال ص هجاءين أخفهما ُمر ‪ ،‬األول متعلق بأيب بردة والثا متعلق مبعاوية ‪ ،‬ونرى‬
‫معاوية اول فيف وطأة اهلجاء ال تأمل هلا أيب بردة‪ ،‬من خالل فيفه ملعا أبيات اهلجاء ‪ ،‬وصرفه‬
‫عن تعلقه بفكرة ما مسعه من عتيبة األسدي‪ ،‬وبعد أن عرض معاوية على أيب بردة ما تعرض له من‬
‫هجاء سياسي الذع من طرف عتيبة األسدي‪ ،‬هبت مما هجي به معاوية ‪.‬‬

‫‪407‬‬
‫وموقف معاوية من هذا اهلجاء موقف سل ‪ ،‬والواضح أن معاوية مل يعاقب عتيبة األسدي سواء‬
‫فيما هجا به أو فيما هجا به أيب بردة ‪ " ،‬فما زاد على أن أزري به " أي بالشاعر‪ ،‬فكان ا كم على‬
‫قسوة اهلجاء ضم يا‪ ،‬ويبدو أن اهلدف من صمت معاوية وعدم معاقبة عتيبة األسدي أو ضرب ع قه‬

‫‪ -1‬ابن عبد ربه ‪ :‬العقد الفريد ‪ ،‬ج‪ ، 5‬ص ص ‪. 320 -319‬‬


‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫كان كمة سياسية ‪ ،‬اهلدف من ورائها عدم التشهري مبا قاله األسدي من هجاء وعقابه ‪ ،‬ح ال‬
‫يتمادى يف هجائه ثانية ‪ ،‬وبذلك غلق معاوية أفوا الشعراء اهلجائني ‪.‬‬
‫وهكذا كما سكت معاوية وت ازل عن عقاب عتيبة األسدي‪ ،‬سكت أيب بردة عما مسعه من هجاء‪،‬‬
‫وفهم املغزى من حكمة معاوية يف قوله ‪ " :‬تمع أنا وأنت ف رفع أيدي ا إ السماء وندعو عليه "‪ .‬ويف‬
‫هذا تعليل ل قد مع األبيات‪ ،‬وتعليل ا كم على قسوة اهلجاء‪ ،‬وإبراز أثر ال فسي يف أيب بردة‬
‫ومعاوية‪.‬‬
‫‪ -Ϯ‬موقف معاوية من هجاء األخطل* (ت‪ϵϮ‬هـ ) لألنصار‪:‬‬
‫ويف موقف ثان « ملا وقع التهاجي بني عبد الرمحن بن حسان وعبد الرمحن بن أم ا كم‪ ،‬أرسل‬
‫يزيد بن معاوية إ كعب بن جعيل‪ ،‬فقال له‪ :‬إن عبد الرمحن بن حسان قد فضح** عبد الرمحن بن أم‬
‫ا كم‪ ،‬فأفضح األنصار‪ ،‬فقال ‪ :‬أرادي أنت إ الشرك بعد اإلميان ؟ ال أهجو قوما نصروا رسول‬
‫اهلل‪ ،‬ولكن أدلك على غالم م ا نصرا ‪ ،‬فدله على األخطل‪ ،‬فأرسل إليه فهجا األنصار‪ ،‬وقال فيهم‪:‬‬
‫[الطويل]‬
‫صا ِر‬ ‫ِ‬
‫ت عمائ ِم األَن َ‬‫واللؤُم َ‬ ‫باملكارم ُكلها‬ ‫يش‬
‫ذهبت قر ٌ‬
‫ُمحًرا عُيونـُ ُهم ِمن املسطَا ِر‬ ‫صري رأيتَهم‬‫قوم إذا حضر الع ِ‬
‫َ‬ ‫ٌ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حش بني محارة ومحَا ِر‬ ‫كا َ ِ‬ ‫ِ‬
‫نسبت ابن ال ُفريعةَ خلتهُ‬
‫َ‬ ‫وإذا‬
‫احيَكم ب ال جا ِر‬ ‫وخ ُذوا مس ِ‬ ‫املكارم لستُ ُم من أهلها‬ ‫فدعُوا‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وكان مع معاوية ال عمان بن بشري األنصاري ‪ ،‬فلما بلغه الشعر أقبل ح دخل على معاوية ‪،‬‬

‫* « هو غياث بن غوث من ب تغلب من فَ َدوَكس ويك أبا مالك وقال مسلمة بن عبد امللك ‪ :‬ثالثة ال أسأل ع هم أنا أعلم العرب هبم‪ :‬األخطل‬
‫والفرزدق وجرير‪...‬وكان األخطل يشبه من شعراء ا اهلية بال ابغة الذبيا ‪...‬وكان األخطل ميد ح ب أمية ‪ .‬مد ح معاوية ويزيد ومن بعدهم من‬
‫خلفاء ب مروان ح هلك ‪ .‬جعله ابن سالم يف الطبقة األو من فحول اإلسالم مع جرير والفرزدق والراعي » ‪.‬‬

‫‪408‬‬
‫‪ -‬ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ص ‪. 325‬‬
‫‪ -‬و ابن سالم ا محي ‪ :‬طبقات فحول الشعراء ‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص ص ‪. 298 -297‬‬
‫[الوافر]‬ ‫**« ومن قول عبد الرمحن بن حسان يف عبد الرمحن بن ا كم ‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فهم م عوا ور ك من وَداجي‬ ‫وأما قولك ا لفاء م ا‬
‫ِ‬
‫هوى يف ُمظلم السراب َداجي‬ ‫كحوت ر‬ ‫ِ‬
‫ت ُ‬ ‫ولوالهم لَطح َ‬
‫الزجاج‬
‫ِ‬ ‫كأن عيوهنم قطع‬ ‫لد أبيك ُزرق‬
‫وو ُ‬
‫وهم ُدعج ُ‬
‫‪ -‬ابن عبد ربه ‪ :‬العقد الفريد ‪ ،‬ج‪ ، 5‬ص ‪. 322‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫مث حسر العمامة عن رأسه‪ ،‬وقال‪ :‬يا معاوية‪ ،‬هل ترى من لؤم ؟ قال‪ :‬ما أرى إال كرما ‪ .‬قال‪ :‬فما‬
‫الذي يقول في ا عبد األراقم ؟‪:‬‬
‫صا ِر‬ ‫ِ‬
‫ت عمائ ِم األَن َ‬
‫َ‬ ‫واللؤُم‬ ‫باملكارم ُكلها‬ ‫يش‬
‫ذهبت قر ٌ‬
‫[الطويل]‬ ‫قال‪ :‬قد حكمتك فيه ‪ ،‬قال‪ :‬واهلل ال رضيت إال بقطع لسانه ‪ ،‬مث قال‪:‬‬
‫َِي األزد َمشدودا عليها ال َع َمائِ ُم‬ ‫ُمعاوي إال تُعطي ا ا ق تَعرتف‬
‫ك األََراقِ ُم‬ ‫وما ذا الذي ُدى َعلَي َ‬ ‫عبد األراقم ضلة‬ ‫ُ‬ ‫أيشتُم ا‬
‫فدونك من تُرضيه ع ك الد َر ِاه ُم‬ ‫ُ‬ ‫فما ثأر ُدو َن قَطع لِ َسانه‬
‫األخطل ‪ ،‬فلجأ إ يزيد بن معاوية ‪ ،‬فركب يزيد إ‬ ‫َ‬ ‫قال معاوية‪ :‬قد وهبتك لسانه ‪ ،‬وبلغ‬
‫ال عمان فَاستوهبه إيا ‪ ،‬فوهبه له »‪.1‬‬
‫يف هذا ال ص مواقف كثرية لشخصيات عديدة‪ ،‬أوهلا‪ :‬هجاء عبد الرمحن بن حسان لعبد الرمحن‬
‫ابن أم ا كم‪ ،‬ثانيا‪ :‬موقف يزيد بن معاوية من هذا اهلجاء‪ ،‬ثالثا‪ :‬موقف كعب بن جعيل من هجاء‬
‫األنصار‪ ،‬رابعا‪ :‬هجاء األخطل لألنصار‪ ،‬خامسا ‪ :‬موقف ال عمان بن بشري األنصاري من هجاء‬
‫األخطل لألنصار‪ ،‬سادسا‪ :‬موقف معاوية من األخطل ‪.‬‬
‫هذ املواقف األدبية والفكرية والسياسية ازدمحت يف ال ص يف لوحة متشابكة ذات مشهد سياسي‬
‫مركز بني األنصار واملهاجرين‪ ،‬بسبب موقف يزيد بن معاوية من هجاء عبد الرمحن بن حسان لعبد‬
‫الرمحن بن أم ا كم ‪ ،‬ألن يف بداية األمر أن التهاجي وقع بني عبد الرمحن بن حسان وعبد الرمحن‬
‫ابن أم ا كم وكان متبادال‪ ،‬وهو ما يبني بأن اهلجاء املتبادل بني الشاعرين هجاء سياسي‪ ،‬ولكن يزيدا‬
‫أحس أن التهاجي قد مس عبد الرمحن بن أم ا كم أو باألحرى مس ب أمية ومل د له ردا ‪ ،‬لذا نرا‬
‫حاول اللجوء إ شاعر كبري حليف معاوية هو كعب بن جعيل‪ ،‬وأراد أن يدخله يف مواجهة أدبية‬

‫‪409‬‬
‫وسياسية ال عالقة له هبا ‪ ،‬ففهم كعب املوقف ورفض طلب يزيد يف رد يدل عن قوة إميانه وصدقه‪ ،‬إذ‬
‫" قال كعب بن جعيل ليزيد ‪ :‬أرادي أنت إ الشرك بعد اإلميان ؟ ال أهجو قوما نصروا رسول اهلل‪،"‬‬
‫وهو موقف إ ايب من األنصار‪ ،‬ربط فيه كعب هجاء األنصار با روج عن اإلميان والعودة إ لكفر‪.‬‬
‫وعلى ما يبدو أن إصرار يزيد عل الرد على عبد الرمحن بن حسان هو الذي جعل كعب يدله على‬

‫‪ -1‬ابن عبد ربه ‪ :‬العقد الفريد ‪ ،‬ج‪ ، 5‬ص ص ‪. 322 -321‬‬


‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫األخطل‪ ،‬وكان هجاء األخطل لعبد الرمحن بن حسان واألنصار يعكس جرأة كبرية بدون موقف ‪،‬‬
‫حيث أقحم تقسه يف موقف سياسي يعرب عن فتح باب التقرب إ السلطة األموية‪ ،‬بدون أن يدرك‬
‫عواقب اهلجاء ‪.‬‬
‫إال أن غضب ال عمان بن بشري األنصاري من هجاء األخطل لألنصار ‪ ،‬يعرب عن إدراكه املغزى‬
‫الذي كان يرمي إليه األخطل ويزيد من اهلجاء ‪ ،‬هلذا كان موقفه أمام معاوية يوضح صورة الغاضب‬
‫من اهلجاء ‪ ،‬والرافض له بدون أن يعطي توضيحا‪ ،‬أو تعليال لقوة اهلجاء وأثر يف نفسه ‪ ،‬ألن "حسر‬
‫العمامة عن رأسه " هو جزء كبري من العملية ال قدية لداللة األبيات وما مل من هجاء ‪ ،‬ألن الصورة‬
‫اللؤم ت عمائم األنصار " فيها ما فيها من املكر وا بث والدهاء‬ ‫ال قدية املذكورة يف قول األخطل " و ُ‬
‫السياسي‪ ،‬وملا مسع معاوية أبيات اهلجاء عرف داللتها وأدرك هدفها السياسي‪ ،‬ألنه ال توجد بني‬
‫األخطل واألنصار قضية شخصية معي ة يدافع ع ها‪ ،‬وإمنا كان هجاؤ سياسيا بامتياز‪ ،‬هدفه إثارة الفت ة‬
‫بني األنصار واملهاجرين‪ ،‬هلذامل اول معاوية التخفيف من روع ال عمان ‪-‬كما حاول مع أيب بردة بن‬
‫أيب موسى األشعري‪ ،‬يف القضية ال قدية السابقة‪ ،-‬حيث نرا مل يتوان يف االستجابة لطبه ووهبه‬
‫األخطل‪ ،‬وهو تعبري عن رفض هجاء األخطل لألنصار‪ ،‬فأراد معاوية أال تتسع هوة ا الف واملعارضة‬
‫السياسية بي ه وبني األنصار‪ ،‬ألن أبيات ال عمان ال واجه هبا معاوية يف لسه كانت كافية لتعرب عن‬
‫صرامة ال عمان يف االقتصاص من األخطل‪ ،‬لذا مل يتوان يزيد يف السعي إ إنفاذ األخطل مما وضع فيه‬
‫نفسه مع األنصار‪ ،‬فما كان على يزيد إالأن أرضى ال عمان ليخليص األخطل من قطع لسانه‪ " ،‬فركب‬
‫يزيد إ ال عمان فاستوهبه إيا ‪ ،‬فوهبه له " ‪.‬‬
‫‪ -ϯ‬موقف معاوية من تشبيب عبد الرحمن بن حسان بن ثابت باب ته رملة ‪:‬‬

‫‪410‬‬
‫ويف موقف ثالث يتكرر املوقف نفسه ملعاوية والب ه يزيد مع عبد الرمحن بن حسان الذي يبدوا أنه‬
‫تسلط على ب أمية ويزيد وأبيه خصوصا ‪ ،‬من خالل نغزله باب ة معاوية ‪ ،‬ويف هذا الصدد روى ابن‬
‫عبد ربه هذا املوقف فقال ‪ « :‬وقال يزيد ألبيه ‪ :‬إن عبد الرمحن بن حسان يشبب باب تك رملة ‪ ،‬قال‪:‬‬
‫[ا فيف]‬ ‫وما يقول فها ؟ قال ‪ :‬يقول ‪:‬‬
‫ص ِصيغت من لُؤلؤ من َمك ون‬‫ِ‬ ‫مثل لؤلؤ الغَوا‬ ‫ِ‬
‫ه َي بـَيضاء ُ‬
‫قال‪ :‬صدق‪ ،‬قال‪ :‬ويقول‪:‬‬

‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫يف س اء من امل َكا ِرِم د ِ‬


‫ون‬ ‫وإذا ما نَ َسبتَها مل َِ دها‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫قال‪ :‬صدق أيضا‪ ،‬قال‪ :‬ويقول‪:‬‬
‫ج ِصالء هلا على ال َكانُ ِ‬
‫ون‬ ‫املسك‬
‫َ‬ ‫واليلَ ُجو‬
‫عل‬
‫ُ‬
‫قال‪ :‬وصدق‪ ،‬قال‪ :‬فإنه يقول‪:‬‬
‫ء َمت ِشي يف مرمر مسُ ِ‬
‫ون‬ ‫خاصرهتا إ ال ُقب ِة ا ضرا‬ ‫مث‬
‫ََ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قال‪ :‬كذب ‪ ،‬قال‪ :‬ويقول‪:‬‬
‫ع د بـرد الش ِ‬
‫تاء يف قَـيطُ ِ‬
‫ون‬ ‫وها‬ ‫ِ‬
‫َ َ‬ ‫ضَربُ َ‬
‫قُـبة من َمراجل َ‬
‫قال‪ :‬ما يف هذا شيء ‪ .‬قال‪ :‬تبعث إليه من يأتيك برأسه ‪ ،‬قال‪ :‬يا بُ ‪ ،‬لو فعلت ذلك لكان‬
‫فيكثر مكثر ويزيد زائد‪ ،‬اضرب عن هذا صفحا‪،‬‬ ‫ِ‬
‫أشد عليك ؛ ألنه يكون سببا للخوض يف ذكر ‪ُ ،‬‬
‫واط ِو دونه َكش ًحا »‪.1‬‬
‫يبدو أن معركة ا الف السياسي بني األنصار والقصر األموي يف دمشق ظلت مستمرة ‪ ،‬فكان‬
‫عبد الرمحن بن حسان قد خص بعض شعر يف ب أمية وم هم معاوية ‪ ،‬فهجا ب أمية من خالل‬
‫عبد الرمحن بن أم ا كم هجاء سياسيا ‪ ،‬ومرة يتغزل برملة ب ت معاوية ‪ ،‬األمر الذي جعل يزيد بن‬
‫معاوية يبحث عن قطع رأس عبد الرمحن بن حسان‪ ،‬ولكن ذكاء وحكمة معاوية جعل ه يبحث يف‬
‫داللة األبيات ال بلغته أهنا قيلت يف التغزل باب ته رملة فلم د فيها شيئا ذا بال‪ ،‬يل كلما قرأ يزيد بيتا‬
‫مما قاله عبد الرمحن بن حسان يف التشبيب برملة‪ ،‬فقال معاوية الب ه ‪":‬صدق" ألن عبد الرمحن بن‬
‫حسان مل يذكر يف أبياته أنه التقى برملة ‪ ،‬ومل يذكر أهنما تبادال أطراف حديث الشوق والعشق‪ ،‬وهذا‬

‫‪411‬‬
‫ما تبي ه لغة األبيات ال جاءت خالية من أي عاطفة وأي حس شعوري يدل على عالقة بني الطرفني‪،‬‬
‫وهو ما يدل على أن هذا الغزل سياسي‪ ،‬قصد إليه عبد الرمحن قصدا ‪ ،‬ونكاية يف البيت األموي‬
‫ومعاوية ويزيد ‪ « ،‬ولعل من الطريف أن نالحظ ه ا أن عبد الرمحن بن حسان حني أراد أن يهاجم‬
‫معاوية ابتكر طريقة سار عليها كثري من شعراء ا جاز وهي أن يهامجه عن طريق الغزل باب ته ‪ .‬وهكذا‬
‫تغزل يف رملة ب ت معاوية ‪ ،‬وغاظ ذلك أخاها يزيد »‪. 2‬‬
‫‪ -1‬ابن عبد ربه ‪ :‬العقد الفريد ‪ ،‬ج‪ ، 5‬ص ص ‪. 323 -322‬‬
‫‪ -2‬شوقي ضيف ‪ :‬الشعر والغ اء يف املدي ة ومكة لعصر ب أمية ‪ ،‬ط‪ ، ϱ‬دار املعارف ‪ϭϵϵϮ ،‬م ‪ ،‬ص ‪. ϳϲ‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫ويتجلى الوجه ال قدي يف ال ص أن معاوية مل ير ومل د يف غزل عبد الرمحن ما يدعو ال اذ‬
‫موقف حاسم م ه‪ ،‬هلذا " قال‪ :‬ما يف هذا شيء "‪ .‬وهو التعليل الذي يدل على أن معاوية قد أدرك أن‬
‫القصد من التشبيب برملة كان لغرض هجوم سياسي‪ ،‬يريد به عبد الرمحن لفت انتبا معاوية واب ه يزيد‬
‫ويشغلهم هبذا الشعر و عله يدور على األلس ة بني راو و دث عن التشبيب برملة ‪ ،‬وهو ما علله‬
‫معاوية كمته السياسية يف إجابته ليزيد ملا " قال‪ :‬تبعث إليه من يأتيك برأسه ‪ ،‬قال‪ :‬يا بُ ‪ ،‬لو‬
‫كثر مكثر ويزيد زائد‪ ،‬اضرب‬ ‫ِ‬
‫فعلت ذلك لكان أشد عليك ؛ ألنه يكون سببا للخوض يف ذكر ‪ ،‬في ُ‬
‫عن هذا صفحا‪ ،‬واطو دونه َكش ًحا "‪ .‬ومل يتخذ معاوية أي موقف ضد الشاعر وأراد لألمر أن يكون‬
‫نسيا م سيا ‪.‬‬

‫‪412‬‬
‫‪ -Ϯ‬المرتكزات ال قدية للشعر والشعراء ع د عبد اهلل بن عباس (ت ‪ϲϴ‬هـ ‪ϲϴϳ‬م)‬
‫أ‪ -‬جدلية نافع *بن األزرق البن عباس في اعتماد على الشعر في تفسير القرآن العظم ‪:‬‬
‫يعد عبد اهلل بن عباس من كبار الصحابة الفقهاء واملفسرين‪ ،‬املهتمني بالشعر ونقد ‪ ،‬وكانت له‬
‫مواقف إ ابية من الشعر‪ ،‬فكان يستمع للشعراء ‪ ،‬ويقول الشعر ويرويه ‪ ،‬وله رؤية نقدية للشعر عميقة‬
‫فائقة التقدير واإلعجاب ‪ ،‬فقال عن الشعر‪ « :‬الشعر علم العرب وديوانها فتعلمو وعليكم بشعر‬
‫ا جاز »‪.ϭ‬‬
‫فهذا الرأي يدل على أن ابن عباس أكثر الصحابة إملاما بلغة العرب وشعرها‪ ،‬األمر الذي عمق‬
‫تفقهه يف لغة القرآن العظيم‪ ،‬وتفقهه يف داللة معانيه ‪ ،‬وقد دفعه تبحر اللغوي إ توظيف الشعر‬
‫العريب يف تفسري القرآن ‪ ،‬وكان يقول ‪ « :‬إذا سألتمو عن غريب القرآن فالتمسو يف الشعر فإن الشعر‬
‫ديوان العرب »‪ .Ϯ‬وهي الرؤية ال قدية ال سهلت له التبحر يف علم التفسري ‪ « .‬ورغم ماروي عن‬
‫ا وارج عن حبهم للشعر‪ ،‬فإن أئمتهم كانوا يتحرون يف رواية شعر الغزل‪ ،‬وهذ مشادة طريفة حول‬
‫فلسفة استحسان الشعر تدور بني ابن عباس ونافع بن األزرق »‪ ،ϯ‬روا صاحب " الكامل يف اللغة‬
‫واألدب "‪ ،‬حيث أثار اعتماد ابن عباس على الشعر يف م هجه يف تفسري القرآن العظيم فضول نافع‬
‫ابن األزرق الذي كان ضر لس ابن عباس يف التفسري ‪ .‬وعن هذا األمر قال املربد‪ « :‬إن ابن األزرق‬
‫أتى ابن عباس فجعل يسأله ح أ ََملهُ ‪ .‬فجعل ابن عباس يظهر الضجر‪ .‬وطلع عمر بن عبد اهلل بن‬
‫أيب ربيعة على ابن عباس وهو يومئذ غالم فسلم وجلس‪ ،‬فقال له ابن عباس‪ :‬أال ت شدنا شيئا من‬
‫[الطويل]‬ ‫ِشع ِرَك فأنشد ‪:‬‬
‫ائح فَ ُم َهج ُر‬
‫َغ َدا َة َغد أم ر ُ‬ ‫فمب ِك ُر‬
‫أنت غاد ُ‬
‫ِ ِ‬
‫أمن آل نـُع ِم َ‬
‫ذرا واملقالة تـُع ِذ ُر‬ ‫ِ‬
‫فَـتُبل َغ عُ ً‬
‫ا ِ‬
‫جة نـَفس مل تَـ ُقل يف جواهبا‬

‫‪413‬‬
‫ص ُر‬ ‫مق ِ‬ ‫لب‬
‫ُ‬ ‫موصول وال ال َق ُ‬
‫ٌ‬ ‫وال ا ب ُل‬ ‫جامع‬
‫ُ‬ ‫يم إ نـُعم فال الشم ُل‬ ‫َهت ُ‬
‫تَص ُرب‬ ‫ت‬
‫وال نَأيُها يُسلى والَ أن َ‬ ‫نافع‬
‫ُ‬ ‫لك‬
‫ب نـُعم أن َدنَت َ‬‫وال قـُر ُ‬
‫*« نافع بن األزرق (ت‪65‬هـ‪685‬م ) زعيم األزارقة ا وارج‪.‬اجتا ح قرى السواد‪.‬قتل يف وقعة دوالب أيام خالفة عبد اهلل بن الزبري » ‪.‬‬
‫‪ -‬امل جد يف اللغة واألعالم ‪ ،‬ص ‪. 569‬‬
‫‪ -1‬ابن عبد ربه‪ :‬العقد الفريد‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪. 281‬‬
‫‪ -2‬جالل الدين عبد الرمحن السيوطي ‪ :‬اإلتقان يف علوم القرآن ‪ ،‬بريوت‪ ،‬لب ان‪ ،‬املكتبة العصرية للطباعة وال شر ‪ 1424 ،‬هـ ‪2003‬م ‪،‬ج ‪ ، 2‬ص‬
‫‪. ϱϱ‬‬
‫‪ -ϯ‬داود سلوم ‪ :‬تاريخ ال قد العريب من ا اهلية ح القرن الثالث اهلجحري ‪ ،‬ص ‪. ϰϵ‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫َهنى ذا ال ـ َهى لو يـَر َع ِوي أو يـُ َفك ُر‬ ‫وأخرى أتَت ِمن د ِ‬
‫ون نـُعم ومثلُها‬ ‫ُ‬
‫يـَتَـَم ُر‬ ‫القيتُه‬ ‫هلا ُكل َما‬ ‫ت نـُع ًما مل يـََزل ذُو قَـَرابة‬
‫إذا ُزر َ‬
‫ض ُمظ ِه ُر‬ ‫ِ‬ ‫عز ٌيز عليه أن أَُمر بِباهبا‬
‫ُمسر َ الشحَاءَ والبُـغ ُ‬
‫يُ َشه ُر إِملامي هبا ويـَُك ُر‬ ‫إليها بالسالم فإنه‬ ‫أَلِك ِ‬
‫ِمبَدفَ ِع أكَان أهذا ال ُم َشه ُر‬ ‫بآية ما قالت غداة لقيتُـ َها‬
‫أهذا املغِ ِريي الذي كان يُذ َك ُر؟‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫قفي فانظُِري يا أس َم هل تَـع ِرفيَهُ‬
‫ك أنسا إ يـَوِم أُقـبَـ ُر؟‬ ‫و َعي ِش ِ‬
‫ت نعتاً فلم أ ُكن‬
‫َ‬
‫أهذا الذي أطري ِ‬
‫َ‬
‫ُسَرى اللي ُل ُ يِي نَصهُ التـ َهج ُر‬ ‫فقالت ‪ :‬نَـ َعم ال شك َغيـَر لَونَهَ‬
‫العه َد واإلنسا ُن قد يـَتَـغَيـ ُر‬
‫عن َ‬ ‫حال بـَع َدنَا‬ ‫لَئِن كا َن إيا لقد َ‬
‫ص ُر‬ ‫ِ‬
‫بالعشي فَـيَخ َ‬‫ضحى وأما َ‬ ‫فيَ َ‬ ‫مس عارضت‬ ‫رأت رجال أما إذا الش ُ‬
‫ح أمتها‪ ،‬وهي مثانون (‪ )ϴϬ‬بيتا‪ ،‬فقال له ابن األزرق‪ :‬هلل أنت يا ابن عباس أنضرب إليك‬
‫شد َك سفها * فتسمعه ؟ ! فقال‪:‬‬ ‫ض ‪ ،‬ويأتيك غالم من قريش فيُ ُ‬ ‫أكباد اإلبل نسألك عن الدين فَـتُـع ِر ُ‬
‫تاهلل مامسعت سفها ‪ ،‬فقال ابن األزرق أما أنشدك ‪:‬‬
‫سر‬ ‫ِ‬
‫بالعشي فَـيَ ْخ َ‬
‫ضحى وأما َ‬ ‫فيَ َ‬ ‫َرأَت رجالً أما إذا الش ُ‬
‫مس َعارضت‬
‫صر "‪ ،‬قال‪ :‬أو فظ الذي قال!‪،‬‬ ‫فقال‪ :‬ما هكذا ؟ قال‪ :‬إمنا قال‪" :‬فيضحى وأما ِ‬
‫بالعشي فيَ ْخ َ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫قال‪ :‬واهلل ما مسعتها إال ساع هذ ‪ ،‬ولو شئت أن أردها لرددهتا ‪ ،‬قال فارددها ‪ .‬فأنشد إياها‪.‬‬

‫‪414‬‬
‫وروى الزبرييون أن نافع قال له‪ :‬ما رأيت أروى م ك قط ‪ ،‬فقال له ابن عباس‪ :‬ما رأيت أروى من عمر‬
‫وال أعلم من علي »‪ ، ϭ‬ويظهر يف هذا اللقاء املوقف اإل ايب البن عباس من شعر الغزل العفيف‪.‬‬
‫ومن خالل قول " ابن األزرق‪ :‬هلل أنت يا ابن عباس أنضرب إليك أكباد اإلبل نسألك عن الدين‬

‫* جاء جذر ( س ف هـ ) يف القرآن العظيم بستة صيغ ‪،‬وهي ‪ « :‬سفه‪ -‬سفها‪ -‬سفاهة‪ -‬سفيها‪ -‬سفيه ا‪ -‬السفهاء ‪ .‬وأصل السفه ‪ :‬ا فة‬
‫وا ركة ‪ ،‬وم ه قيل ‪ :‬ثوب سفيه‪ ،‬أي خفيف ال سج ‪ ،‬وزمام سفيه أي كثري االضطراب ‪.‬مث صار السفه يستعمل يف ا هل وخفة ا لم ‪ .‬وم ه‪َ :‬س ِفه‬
‫يَس َفهُ َس َف ٌها وسفاها وسفاهة فهو سفيه وهي سفيهة وهم سفهاء ‪ .‬وسفه نفسه ‪ :‬محلها على السفه ‪ .‬ويستعمل السفه للطيش ونقصان العقل‬
‫وا هل يف األمور الدنيوية واألمور الدي ية »‪.‬‬
‫‪ -‬معجم ألفاظ القرآن الكرمي ‪ :‬مجهورية مصر العربية ‪،‬دار الشروق ‪ϭϰϬϭ،‬ه ‪ϭϵϴϭ‬م ‪. Ϯϵϵ ،‬‬
‫‪ -ϭ‬املربد ‪ :‬الكامل يف اللغة واألدب ‪ ،‬ج‪ ، Ϯ‬ص ص ‪. ϭϲϵ -ϭϲϴ‬‬

‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫شد َك سفها فتسمعه ؟ "‪ ،‬من ه ا بدأت جدلية ابن األزرق البن‬
‫ض ويأتيك غالم من قريش فيُ ُ‬‫فَـتُـع ِر ُ‬
‫عباس حول م هج تفسر القرآن العظيم ‪ ،‬ونقد له ‪ ،‬ألنه رأى أن شعر عمر بن أيب ربيعة سفها‪ ،‬وقد‬
‫نفى ابن عباس أن يكون قد مسع سفها ‪ ،‬كما يظهر ل ا ضعف حفظ ابن األزرق للشعر ‪.‬‬
‫وجاء يف بعض املصادر تعلق ابن األزرق مبجادلة ابن عباس يف طريقته يف تفسري القرآن العظيم‪،‬‬
‫حيث سلك يف اعتماد على الشعر م هجا لغويا علميا أنكر عليه نافع بن األزرق وغري بعد ‪ ،‬ويتمثل‬
‫إنكارهم هذا « يف االحتجاج على غريب القرآن ومشكله بالشعر »‪ .1‬وقد روي يف هذا عن أيب عبيدة‬
‫سأل عن القرآن في شد فيه الشعر »‪ . 2‬ووضح أبو عبيدة‬
‫يف فضائله‪ «...‬عن ابن عباس ‪ ،‬أنه كان يُ ُ‬
‫مع هذا فقال‪ « :‬يع كان يستشهد به على التفسري »‪.3‬‬
‫وقد وجدنا يف كتاب "اإلتقان يف علوم القرآن "‪ ،‬للسيوطي حوا مائة وتسعني (‪ )190‬مسألة‪،4‬‬
‫رويت عن نافع بن األزرق يسأل فيها ابن عباس عن معا اآليات ‪ ،‬فقال السيوطي‪ « :‬هذا آخر‬
‫مسائل ناع بن األزرق‪ ،‬وقد حذفت م ها يسريا و بضعة عشر سؤاال‪ ،‬أسئلة مشهورة ‪ ،‬وأخرج األئمة‬
‫أفرادا م ها بأسانيد تلفة إ ابن عباس »‪ ،5‬وكان ابن عباس يستشهد البن األزرق يف تفسري ما يسأل‬
‫ع ه من القرآن ببيت من الشعر‪ ،‬وكان الشعراء الذين يستشهد هبم ابن عباس جاهليني وإسالميني‪،‬‬
‫فمن الشعراء ا اهليني‪ ":‬امرئ القيس‪ ،‬واملهلهل‪ ،‬وع رتة‪ ،‬وال ابغة الذبيا ‪ ،‬وطرفة بن العبد‪ ،‬وعبيد بن‬
‫األبرص‪ ،‬واألعشى‪ ،‬وزهري بن أيب سلمى‪ ،‬وعمرو بن كلثوم‪ ،‬وبشر بن أيب خازم‪ ،‬ومالك بن ك انة ‪،‬‬
‫وتبع ‪ ،‬وأوس بن حجر‪ ،‬وأمية بن أيب الصلت ‪ .‬ومن الشواعر‪ :‬هزيلة ب ت بكر"‪ .‬ومن الشعراء‬

‫‪415‬‬
‫اإلسالميني‪" :‬حسان بن ثابت‪ ،‬وكعب بن مالك‪ ،‬وعبد اهلل بن رواحة‪ ،‬ولبيد بن ربيعة‪ ،‬ومحزة بن عبد‬
‫املطلب‪ ،‬وأحيحة األنصاري‪ ،‬وأبوسفيان بن ا رث‪ ،‬وعبد اهلل بن الزبعرى‪ ،‬وأبوذؤيب اهلذ ‪ ،‬وعدي بن‬
‫زيـد ‪ ،‬وا طيئة العبسي‪ ،‬وأبو جن الثقفي‪ ،‬ومالك بن عوف ‪ ،" 6‬ومل يلتـزم ابن عباس بشعر شعراء‬

‫‪ -ϭ‬السيوطي ‪ :‬اإلتقان يف علوم القرآن ‪ ،‬ج ‪ ، Ϯ‬ص ‪. ϱϱ‬‬


‫‪ -Ϯ‬ابن رشيق ‪ :‬العمدة ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬ص ‪. Ϯϱ‬‬
‫‪ -ϯ‬السيوطي ‪ :‬اإلتقان يف علوم القرآن ‪ ،‬ج‪ ، Ϯ‬ص ‪. ϱϱ‬‬
‫‪ -ϰ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ، Ϯ‬من ص ‪ ϱϲ‬إ ص ‪. ϴϴ‬‬
‫‪ -ϱ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ، Ϯ‬ص ‪. ϴϴ‬‬
‫‪ -6‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬من ص ‪ 56‬إ ص ‪. 88‬‬

‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫عصر معني ‪ ،‬فكان هدفه من ص يعه هذا أنه فسر القرآن العظيم ميع لغات القبائل العربية ‪.‬‬
‫واملالحظة ال ميكن أن نسجلها حول كثرة الشعراء الذين استشهد بشعرهم ابن عباس يف تفسري‬
‫القرآن العظيم ‪ ،‬أنه جعل شعرهم مرجعا لغويا يستعني به يف بيان ما يسأل ع ه ‪ ،‬هلذا فهو مل يفـرق بني‬
‫ما هو شعر جاهلي وما هو إسالمي‪ ،‬ألن هدفه كان إيصال مع اآلية إ السائل من لغة الشعر‪.‬‬
‫ويتضح أسلوب ادلة ابن األزرق البن عباس أكثر فأكثر من خالل هذا اللقاء بي هم ‪ ،‬إذ‬
‫يروى‪ « :‬بي ما عبد اهلل بن عباس جالس بف اء الكعبة قد اكت فه ال اس يسألونه عن تفسري القرآن ‪،‬‬
‫فقال نافع ابن األزرق ل جدة بن عومير ‪ ،‬قم ب ا إ هذا الذي يجترئ على تفسير القرآن بما ال علم‬
‫له ب ـ ـ ـه ‪ ،‬فقاما إليه فقاال‪ :‬إنا نريد أن نسألك عن أشياء من كتاب اهلل فتفسرها ل ا‪ ،‬وتأتي ا مبصادقة من‬
‫كالم العرب؛ فإن اهلل إ منا أنزل القرآن بلسان عريب مبني‪ ،‬فقال ابن عباس‪ :‬سال عما بدا لكما؛ فقـال‬
‫ﳖ [سورة املعارج اآلية ‪ ،]ϯϳ‬قال‪ :‬العزون‪:‬‬ ‫نافع‪ :‬أخربنا عن قول اهلل تعا ‪ :‬ﭐﭐ‬
‫ا لَق الرفاق‪ ،‬قال‪ :‬وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬أما مسعت عبيد بن األبرص وهو يقول ‪:‬‬
‫[الوافر]‬
‫يَكونُوا َحول ِم بَـَرة ِع ِزي ا‬ ‫فَجاءوا يهرعو َن ِ‬
‫إليه ح‬ ‫َ َُ‬
‫[سورة املائدة اآلية ‪ ،]48‬قال‪ :‬الشرعة‪ :‬الدين‪ ،‬وامل هاج‪:‬‬‫قال‪ :‬أخرب عن قوله ‪ :‬ﭐ ‪฀‬‬
‫الطريق‪ .‬قال‪ :‬وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال‪ :‬نعم ‪ ،‬أما مسعت أبا سفيان بن ا ارث بن عبد املطلب‬
‫[الطويل]‬ ‫‪ ،‬وهو يقول ‪:‬‬

‫‪416‬‬
‫اجا »‪.1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني لإلسالم ديًا َوم ـ َه ً‬
‫لقد نَطَ َق املأمو ُن بالصدق واهلَُدى وبـَ َ‬
‫و« قال‪ :‬أخرب عن قوله‪[ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀ :‬سورة البلد اآلية ‪ ،]ϰ‬قال‪ :‬يف اعتدال‬
‫واستقامة ‪ ،‬قال‪ :‬وهل تعرف العرب ذلك؟ قال‪ :‬نعم ‪ ،‬أما مسعت لبيد بن ربيعة وهو يقول‪[ :‬امل سر ح]‬
‫صوم ِيف َكبَ ِد‬ ‫ِ‬
‫عني َهال بكيت أَربَد إذ قُمَا َ‬
‫وقام ا ُ‬ ‫يا ُ‬
‫‪[ ฀ ฀ ฀‬سورة ال ور اآلية ‪ ،]ϰϯ‬قال‪ :‬الس ا‪ :‬الضوء ‪،‬‬ ‫قال‪ :‬أخرب عن قوله تعا ‪:‬‬

‫‪ -ϭ‬السيوطي ‪ :‬اإلتقان يف علوم القرآن ‪ ،‬ج‪ ، Ϯ‬ص ص ‪. ϱϳ -ϱϲ‬‬


‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫[البسيط]‬ ‫قال‪ :‬وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال‪ :‬نعم ‪ ،‬أمامسعت أبا سفان بن ا ارث يقول‪:‬‬
‫وء س ا ِ‬
‫داجي الظلَ ِم »‪.1‬‬ ‫َ لُو بِ ِ‬ ‫يَ َدعُو إ ا ق الَ يبغي ِبه بَ َدالً‬
‫ض َ ُ‬ ‫َ‬
‫و« قال‪ :‬أخرب أخرب عن قوله تعال‪[ ฀ ฀ ฀ :‬سورة مرمي اآلية ‪ ،]ϭϯ‬قال‪ :‬رمحة من‬
‫[الطويل]‬ ‫ع دنا‪ ،‬قال‪ :‬وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬أما مسعت طرفة بن العبد يقول‪:‬‬
‫عض الشر أَه َو ُن ِمن بـَع ِ‬ ‫ِ‬
‫ض‬ ‫ك بَ ُ‬
‫َحَانـَي َ‬ ‫يت فاستَ ِبق َ‬
‫بعضَا‬ ‫أبا ُم ذر أف َ‬
‫قال‪ :‬أخرب عن قوله تعا ‪[ ฀ ฀ ฀ ฀ :‬سورة الرعد اآلية ‪ ، ]31‬قال‪ :‬أفلم يعلم ‪ ،‬بلغة‬
‫ب مالك ‪ ،‬قال‪ :‬وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬أما مسعت مالك بن عوف يقول ‪:‬‬
‫[الطويل]‬
‫ِ‬
‫العشرية نَائِيَا ‪.‬‬ ‫ت عن ِ‬
‫أرض‬ ‫ِ‬
‫وإن ك ُ‬ ‫س األقو ُام أ أنا ابُهُ‬
‫لقد يئ َ‬
‫قال‪ :‬أخرب عن قوله تعا ‪ :‬ﭐ ‪[ ฀‬سورة اإلسراء اآلية ‪ ،]ϭϬϮ‬قال‪ :‬ملعونا بوسا عن ا رب‪،‬‬
‫[ا فيف]‬ ‫قال‪ :‬وهل تعرف العرب ذلك؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬أ ما مسعت عبد اهلل بن الزبعرى يقول‪:‬‬
‫ثبور‬
‫ال َميـلَهُ َم ُ‬
‫ومن َم َ‬‫م َ‬
‫ِ‬ ‫إذ أَتا الشيطا ُن يف ِسَ َة ال ـو‬
‫قال‪ :‬وهل‬ ‫قال‪ :‬أخرب عن قوله تعا ‪[ ฀ ฀ :‬سورة مرمي اآلية ‪ ،]Ϯϯ‬قال‪ :‬أ أها‪،‬‬
‫[املديد]‬ ‫تعرف العرب ذلك ؟ قال‪ :‬نعم ‪ ،‬أ ما مسعت حسان بن ثابت يقول‪:‬‬
‫فَأَجأنا ُكم إ َسف ِح ا َبَل »‪.2‬‬ ‫ص ِادقَةً‬
‫إذ َش َددنا َشدةً َ‬

‫‪417‬‬
‫كما أن ابن عباس يستشهد ببيت يف ا مر المرئ القيس يف بيان ما يسأل ع ه ابن األزرق ‪ ،‬ملا‬
‫«قال ‪ :‬أخرب عن قوله تعا ‪[ ฀ ฀ ฀ :‬سورة الصافات اآلية ‪ ،]ϰϳ‬قال‪ :‬ليس فيها نـَ ََت وال‬
‫كراهية كخمر الدنيا‪ ،‬قال‪ :‬وهل تعرف العرب ذلك؟ قال‪:‬نعم‪ ،‬أما مسعت قول امرئ القيس‪[ :‬ا فيف]‬
‫اجا »‪.3‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫دمي م ها مَز َ‬
‫ت ال َ‬ ‫وس َقي ُ‬
‫َ‬ ‫بت ال َغو َل فيها‬
‫ُرب كأس شر ُ‬
‫كما مل د حرجا يف أن يستشهد ببيت ألمية بن أيب الصلت الذي كان معارضا للرسول‪، ‬‬

‫‪ -ϭ‬السيوطي ‪ :‬اإلتقان يف علوم القرآن ‪ ،‬ج‪ ، Ϯ‬ص ‪. ϱϳ‬‬


‫‪ -Ϯ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ، Ϯ‬ص ص ‪. ϱϴ -ϱϳ‬‬
‫‪ -ϯ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ،Ϯ‬ص ‪. ϲϭ‬‬

‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫‪ ฀‬ﲎ [سورة الصافات اآلية ‪ ،]ϭϰϮ‬قال‪ :‬املسئ املذنب‪،‬‬ ‫وذلك ملا « قال‪ :‬أخرب عن قوله تعا‬
‫[الوافر ]‬ ‫قال‪ :‬وهل تعرف العرب ذلك ؟قال‪ :‬نعم‪ ،‬أما مسعت قول أمية بن أيب الصلت‪:‬‬
‫يم »‪.1‬‬ ‫ِ‬
‫ولكن املسيء ُهو املل ُ‬ ‫س هلا بأهل‬
‫من اآلفات لي َ‬
‫فمن هذ ال ماذج‪ ،‬وضح ابن عباس البن األزرق أن فَـه َم القرآن باعتبار نصا لغويا جديدا‪ ،‬ميكن‬
‫االعتماد يف شر ح مفرداته أو غريبه على الشعر‪ ،‬لذا جعل الشعر العريب مرجعا لغويــا يفسر به القرآن‬
‫العظيم‪ ،‬وليس مصدرا له‪ ،‬وهذا على حد قول ابن عباس‪ « :‬الشعر ديوان العرب؛ فإذا خفي علي ا‬
‫الحرف من القرآن الذي أنزله اهلل بلغة العرب ‪ ،‬رجع ا إلى ديوانها فالتمس ا معرفة ذلك م ه »‪.Ϯ‬‬
‫ومن ه ا نرى قوة ابن عباس يف حفظه للشعر وروايته له ‪ ،‬مث مقدرته يف توظيف الشعر و ويله إ‬
‫معجم لغوي يستعني به يف تفسري ألفاظ القرآن ‪ ،‬قال عبد اللطيف صويف‪ « :‬وكان الصحايب ابن عباس‬
‫أول من تقدم لتفسري غريب القرآن الكرمي مشروحة بكالم العرب ‪ ،‬وص يعه هذا هو ص يع معجمي‪،‬‬
‫وإليه ي سب أول كتاب يف غريب القرآن »‪ .ϯ‬وهو املراد الذي وضحه ابن عباس البن األزرق يف مسألة‬
‫عروبة القرآن ‪ ،‬مبع أنه ال يوجد تضارب بني لسان العرب ولسان القرآن العظيم ‪.‬‬
‫وقد جاءت اإلشارة إ هذ الداللة يف " مجهرة أشعار العرب " فروي عن « املفضل بن مد‬
‫الض يرفعه إ عبد اهلل بن عباس – رضي اهلل ع هما‪ ، -‬قال‪ :‬قدم نافع بن األزرق ا روري إ‬
‫ابن عباس يسأله عن القرآن ‪ ،‬فقال ابن عباس‪ :‬يانافع القرآن كالم اهلل عز وجل ‪ ،‬خاطب به العرب‬
‫بلفظها ‪ ،‬على لسان أفصحها ‪ ،‬فمن زعم أن يف القرآن غري العربية ‪ ،‬فقد افرتى ‪ ،‬قال اهلل تعا ‪:‬‬

‫‪418‬‬
‫‪ ، ฀‬وقد علم ا أن اللسان‬ ‫‪ ฀‬ﲔ‬ ‫‪ ، ฀ ฀ ฀ ฀ ฀‬وقال تعا ‪:‬‬ ‫ﭐ‪฀ ฀‬‬
‫‪ ،‬وقد علم ا أن العجم‬ ‫‪฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀‬‬ ‫‪฀ ฀‬‬ ‫لسان مد‪ ،‬وقال تعا ‪:‬‬
‫ليس قومه ‪ ،‬وأن قومه هذا ا ي من العرب ‪ ،‬وكذلك أنزل التوراة على موسى ‪ ،‬بلسان قومه ب‬
‫إسرائيل‪ ،‬إذ كانت لساهنم األعجمية ‪ ،‬وكذلك أنزل اإل يل‬

‫‪ -ϭ‬السيوطي ‪ :‬اإلتقان ف علوم القرآن ‪ ،‬ج‪ ،Ϯ‬ص ‪. ϲϱ‬‬


‫‪ -Ϯ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ،Ϯ‬ص ‪. ϱϱ‬‬
‫‪ -ϯ‬عبد اللطيف صويف‪ :‬مصادر اللغة يف املكتبة العربية ‪ ،‬عن امليلة ‪ ،‬ا زائر ‪ ،‬دار اهلدى للطباعة وال شر والتوزيع ‪ ،‬د‪.‬ت ‪ ،‬ص‪. ϰϭ‬‬

‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫على عيسى ‪ ،‬ال يشاكل لفظه لفظ التوراة ‪ ،‬الختالف لسان قوم موسى وقوم عيسى »‪.ϭ‬‬
‫فهذا ال ص يوضح أن ابن عباس قد فهم وأدرك أن لغة العرب ولغة القرآن ي بعان من لسان‬
‫واحد‪ ،‬هو لغة ولسان الرسول ‪ ،‬وهذا اللسان هو نفسه لسان الشعر والشعراء العرب ‪ ،‬وإذا كانت‬
‫كل الرساالت السماويةُ ُمَـزلة من ع د اهلل ‪ ،‬فإن خصوصية كـل رسالة ي عكس فيها لسان رسوهلا ‪ ،‬هلذا‬
‫فال غرابة أن ي عكس يف القرآن اللسان العريب وهو لسان الرسول مد‪ ،‬وهذا ما أراد تبليغه ابن‬
‫عباس ل افع بن األزرق ‪ ،‬من خالل ربطه أللفاظ غريب القرآن العظيم مبا جاء من لفظ فصيح يف الشعر‬
‫العريب ‪.‬‬
‫ب‪ -‬موقف ابن عباس من شعر وشعراء الهجاء ‪:‬‬
‫وكما سبق ل ا القول فإن ابن عباس معدود من كبار الصحابة املهتمني بالشعر ونقد ‪ ،‬وهو من‬
‫الفقهاء األدباء من متذوقي الشعر‪ « ،‬وكان ابن عباس مثاال ممتازا للفقيه املتحرر‪ ،‬الذي يعجبه الشعر‬
‫مهما كان موضوعه‪ ،‬فقد كان ابن عباس ي شد الشعر الداعر مث يدخل يف الصالة ليدلل أن األدب إمنا‬
‫هو كالم اليدخل يف العقيدة وال يؤثر فيها‪ ،‬وكأنه أبا ح للشاعر أن يطرق اآلفاق الف ية الواسعة دون‬
‫رج أو تأمث »‪.Ϯ‬‬
‫فكان يقول الشعر ويرويه ويسخر ممن يكرهه‪ ،‬ويف هذا السياق‪ :‬قال ابن رشيق « فسئل ابن‬
‫عباس‪ :‬هل الشعر من رفث القول ؟ قال ‪ :‬إمنا الرفث ع د ال ساء‪...‬مث أحرم للصالة »‪.ϯ‬‬
‫وهذا ما يبني ل ا صورة تعكس موقف ابن عباس اإل ايب من الشعر ‪ .‬على أن الشعر يف نظر كالم‬
‫ال حرج يف أن يقوله اإلنسان ‪ .‬ولكن ما هو موقف ابن عباس من شعر اهلجاء ؟‬

‫‪419‬‬
‫أما عن شعر اهلجاء فقد كان ابن عباس يدافع بقوة عن حسان بن ثابت ‪ ،‬الذي ا ذ م ه بعض‬
‫املسلمني موقفا خاصا يف بعض املواقف ‪ ،‬ويدل على ذلك ما روي « عن سعيد بن جبري قال‪ :‬ك ا‬
‫ع د ابن عباس فجاء حسان‪ ،‬فقالوا‪ :‬قد جاء اللعني‪ ،‬فقال ابن عباس‪ :‬ما هو بلعني‪ ،‬لقد نصر رسول‬

‫‪ -ϭ‬القرشي ‪ :‬مجهرة أشعار العرب ‪ ،‬ص ‪. ϭϬ‬‬


‫‪ -Ϯ‬داود سلوم ‪ :‬تاريخ الشعر العريب من ا اهلية ح القرن الثالث اهلجري ‪ ،‬ص ‪. ϰϴ‬‬
‫‪ - ϯ‬ابن رشيق ‪ :‬العمدة ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪. 25‬‬

‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫اهلل ‪‬بلسانه ويد »‪.ϭ‬‬


‫ويف رواية‪ « :‬عن سعيد بن جبري قال‪ :‬جاء رجل إ ابن عباس فقال ‪ :‬قد جاء اللعني من الشام‪،‬‬
‫فقال ابن عباس‪ :‬ماهو بلعني ‪ ،‬لقد جاهد مع رسول اهلل ‪‬بلسانه ونفسه »‪.Ϯ‬‬
‫وا ديث يف الروايتني يظهـر مـوقفني مـن حسـان بـن ثابـت ‪ :‬موقـف بعـض الصـحابة يصـف حسـان‬
‫ابــن ثابــت بــاللعني ‪ ،‬وموقــف ابــن عبــاس الــذي يــدافع عــن حســان ويبعــد ع ــه اللع ــة ‪ « ،‬ولعــل وصــف‬
‫الشاعر باللعني يعود إ ما شاع عن بعض الشعراء من اقرتاف امل كرات وهجـاء احملصـ ات وجـاءت قولـة‬
‫ابــن عبــاس– رضــي اهلل ع همــا‪ -‬لتصــحح هــذا الوضــع عــن حســان ‪ ،‬وتضــعه يف موقعــه الســليم ‪ ،‬ناص ـرا‬
‫لرسول اهلل ‪ ،‬مدافعا ع ه »‪.ϯ‬‬
‫وبالتا فمن هذا امل طق يتضح موقف ابن عباس من شعر اهلجاء ‪ ،‬هذا املوقف الذي يفرق فيه‬
‫بني ألوان اهلجاء ‪ ،‬فـ ـ ـ ـ ـ« لقد كان ابن عباس من خالل دفاعه عن حسان بن ثابت مييز بني هجاء‬
‫وهجاء ‪ ،‬فهو ضمن مفارقة هلا م طقها ‪ ،‬يهاجم هجاء ‪ ،‬ويدافع عن هجاء ‪ ،‬إنه يهاجم هجاء يفضي‬
‫إ الظلم واألذى والبهتان بني املسلمني ‪ ،‬وهو يف الوقت نفسه يدافع عن هجاء استدعته ضرورات‬
‫مرحلة يف تطور الدعوة ‪ ،‬وقد قيل يف الدفاع عن ا ق والدين ‪ ،‬بعد أن تألب املشركون لدحض ذلك‬
‫ا ق و اربة ذلك الدين »‪.ϰ‬‬
‫ولعل من خالل الروايتني السابقتني ‪ ،‬ومن خالل نصوص أخرى س ذكرها يتضح أن موقف‬
‫« ابن عباس الذي يدافع عن هذا اللون من اهلجاء ‪ ،‬ممثال يف شخص أبرز شعرائه وهو حسان بن‬
‫ثابت يتخذ هو نفسه موقفا آخر من اهلجاء على إطالقه ‪ ،‬أو من ألوان اهلجاء األخرى ‪ ،‬فهو ال يفي‬

‫‪420‬‬
‫إدانته للهجاء الظامل وال يواري فظاته على البهتان وأهله »‪ ، ϱ‬أمثال ‪ :‬ابن فسوة وا طيئة ‪ .‬و ميكن‬
‫توضيح موقف ابن عباس يف ما يأيت ‪:‬‬

‫‪ -1‬أبو الفرج األصفها ‪ :‬األغا ‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪.145‬‬


‫‪ -2‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪. 146‬‬
‫‪ -ϯ‬وليد مود خالص ‪ :‬ال قد األديب يف كتاب األغا ‪ ،‬ج‪ ،1‬احملقق ‪( :‬هامش) ص ‪. 54‬‬
‫‪ -4‬فهد العرايب ا ارثي ‪ :‬موقف ابن عباس من شعر البهتان‪ ،‬لة األدب اإلسالمي الس ة الثانية‪ ،‬العدد الثامن‪1416 ،‬هـ ‪1995‬م‪ ،‬ص ‪.68‬‬
‫‪ -5‬املرجع نفسه ‪. 68 ،‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫‪ -ϭ‬موقف ابن عباس من شعر البهتان (البن فسوة * ) ‪:‬‬


‫تعددت مواقف ابن عباس يف جانبها السل من الشعر والشعراء ‪ ،‬فقد ثبت ع ـه أنه ال يتوا يف‬
‫عقاب الشعراء الذين يلحقون الضرر باملسلمني من خالل هجائهم وابتزازهم لل اس ‪ ،‬ويف هذا املوقف‬
‫[الطويل]‬ ‫تروي ل ا مصادر الشعر أن « عتبة أتى عبد اهلل بن عباس فحجب ع ه فقال‪:‬‬
‫يش ُم َك ِري‬ ‫فلم يـَرج َم ِ‬
‫عرويف ومل َ‬ ‫ـاس أَُرجى نـوالهُ‬
‫ُ‬ ‫ابن عب َ‬ ‫َ‬ ‫أتيت‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الباب من كل َم ظَ ِر‬ ‫خصاص‬ ‫و َسد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ـال لبوابيـه ال تـُدخلَ ـهُ‬ ‫وق َ‬
‫املعوِر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كصوت ا ِ‬ ‫ِ‬
‫القليب َ‬ ‫مام يف‬ ‫ات ا صوم وراءَ ُ‬ ‫َو تَس َم ُع أصو َ‬
‫و لك ِ موَ مجيل ب ِن َمع َم ِري‬ ‫اج ِ‬
‫ت َح َ‬ ‫ت من زهرا َن قَضي َ‬
‫فلو ك ُ‬
‫وكان ابن عباس تزوج امرأة بالبصرة من زهران يقال هلا ُمشَيـلَة ‪ ،‬وقوله‪ :‬مو " مجيل بن معمر " أراد‬
‫أنه وليه ومن قومه وكان مجيل مضريا »‪.ϭ‬‬
‫هذ األبيات ملا وصلت إ ابن عباس بلورت له بوضو ح املوقف السل م ها ‪ ،‬وما الذي ب‬
‫أن يتخذ ضد الشاعر ابن فسوة ‪ ،‬وشعر اهلجائي الذي مل يغفل شأنه ‪ ،‬فقد روي يف األغا ‪ « :‬أتى‬
‫عتيبة بن مرداس – و هو ابن فسوة – عبد اهلل بن عباس ‪ -‬عليهما السالم ‪ ،-‬وهو عامل لعلي بن‬
‫أيب طالب – صلوات اهلل عليه – على البصرة ‪ ،‬و ته يومئذ مشيلة ب ت ج ادة بن ب ت أيب أزهر‬
‫الزهرانية ‪ ،‬وكانت قبله ت اشع بن مسعود السلمي فاستأذن عليه ‪ ،‬فأذن له ‪ ،‬وكان ال يزال يأيت‬
‫أمراء البصرة فيمدحهم ‪ ،‬فيعطونه ‪ ،‬ويافون لسانه ‪ ،‬فلما دخل على ابن عباس قال له ‪ :‬ما جاء بك‬

‫‪421‬‬
‫إ يا ابن فسوة ؟ فقال له‪ :‬وهل ع ك مقصر أو وراءك معدى ؟ جئتك لتعي على مروءيت‪ ،‬فقال له‬
‫ابن عباس‪ :‬وما مروءة من يعصي الرحمن ‪ ،‬و يقول ‪ :‬البهتان** ويقطع ما أمر اهلل به أن يوصل ؟‬

‫*« هو عتيبة (ويقال عتبة) بن مرداس من ب متيم وكان ابن فسوة أسر رجل من قومه فأتا عتيبة فاشرتا م ه فلقب به ‪...‬و كان له أخ شاعر يقال‬
‫له ‪ :‬أ َُدي ِه ُم بن مرداس وله عقب بالبادية » ‪.‬‬
‫‪ -‬ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ص ‪. 238‬‬
‫‪ -1‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 238‬‬

‫**جاء يف كتاب "الفروق يف اللغة"‪« :‬الفرق بني الزور والكذب والبهتان‪ :‬أن الزور هو الكذب الذي قد سوي وحسن يف الظاهر ليحسب أنه صدق‬
‫وهو من قولك زورت الشيء إذا سويته وحس ته ‪ ،‬ويف كالم عمر زورت يوم السقيفة كالما ‪ ،‬وقيل أصله فارسي من قوهلم زور وهو القوة وزورته‬
‫قويته ‪ ،‬وأما البهتان فهو مواجهة اإلنسان مبا مل به وقد هبته » ‪.‬‬
‫‪ -‬أبو هالل العسكري ‪ :‬الفروق يف اللغة ‪ ،‬قيق ‪ :‬ة إحياء الرتاث العريب ‪،‬ط‪ ،1‬دار اآلفاق ا ديدة ‪ ،‬بريوت ‪411،‬ه ‪1991‬م ‪ ،‬ص ‪.38‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫واهلل إلن أعطيتك ألعي ك على الكفر والعصيان ‪ ،‬انطلق فأنا أقسم باهلل لئن بلغ ع ك أنك‬
‫هجوت أحدا من العرب ألقطعن لسانك ‪ ،‬فأراد الكالم فم عه من حضر وحبسه يومه ذلك ‪ ،‬مث‬
‫أخرجه عن البصرة »‪.ϭ‬‬
‫يتجلى أن ابن عباس أث اء مواجهته البن فسوة‪ ،‬أنه أظهر له مقدرة صرب عليه ‪ ،‬وأنه من خالل‬
‫مواجهته اتضح أنه من أكرب ال قاد للشعر « وهلذا مل يغب عليه ما كان الشاعر يورد يف شعر من هبتان‬
‫وقطع ما أمر به أن يوصل على حد قوله ‪ ،‬ولذلك ص ع به ما ص ع ‪ ،‬وهو موقف فردي يتعلق بذلك‬
‫الشاعر وحد وال ميكن تعميمه على ا مهرة من الشعراء »‪.2‬‬
‫ويظهر ابن عباس من خالل موقفه السل من الشاعر أنه حكـم عليـه بعصـيان اهلل‪ ،‬وقـول البهتـان‪،‬‬
‫وهــوحكم معلــل‪ ،‬ألن قــول ابــن عبــاس البــن فســوة‪" :‬ومــا مــروءة مــن يعصــي الــرحمن "‪ ،‬فيُـ َذك ُر بصــفته‬
‫‪฀ ฀‬‬ ‫مسلما‪ ،‬كان عليه أن يلتزم طاب القـرآن العظـيم للمسـلمني ملـا هنـاهم عـن عصـيان اهلل‪ :‬ﭐ‬
‫‪฀ ฀ ฀฀ ฀ ฀‬‬ ‫‪฀ ฀‬‬ ‫‪฀ ฀‬‬ ‫‪ ฀ ฀ ฀ ฀฀‬ﱪ ‪฀ ฀‬‬
‫‪[ ฀‬سورة ا جرات اآلية ‪.]ϳ‬‬
‫فمن هذا اإلرشاد والتوجيه لفكر ابن فسوة إ معا هذ اآلية ‪ ،‬يؤكد له ابن عباس بأن‬
‫العصيان مقرون بالفسق والكفر‪ ،‬وبالتا فإن ما قاله ابن فسوة من هجاء هو كفر وفسق ‪ ،‬وقول ابن‬
‫عباس البن فسوة "وما مروءة من يقول ‪ :‬البهتان ويقطع ما أمر اهلل به أن يوصل" ؟‪ ،‬فهذ من األمور‬
‫العظيمة ال هنى ع ها القرآن العظيم ‪ ،‬وال ارتكبها ابن فسوة وأذنب فيها‪ ،‬وأب إال أن يقف على‬

‫‪422‬‬
‫طريف نقيض ويعيث يف اجملتمع ظلما وأذى للمؤم ني واملؤم ات باإلمث والبهتان‪ :‬فابن عباس يعظ ابن‬
‫‪฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀ ฀‬‬ ‫ﭐ ‪฀ ฀ ฀ ฀‬‬‫فسوة ويوجهه إ أن يتذكر قوله تعا ‪:‬‬
‫[سورة األحزاب اآلية ‪.]ϱϴ‬‬
‫وبعد أن وعظ ابن عباس ابن فسوة ونبهه إ أن شعر يتعارض مع املثل والقيم العليا لإلسالم يف‬
‫معاملته للمسلمني‪ ،‬مل يتوان يف معاقبته مبا جعله يكف عن أذى ال اس ‪ ،‬فعاقبه بعقوبتني ‪ :‬ومها السجن‬
‫يوم ذاك ‪ ،‬مث نفا عن البصرة ‪ ،‬كما تتجلى مقدرة ابن عباس ال قدية ‪ ،‬وحكمته البالغة يف فهم‬

‫‪ -1‬أبو الفرج األصفها ‪ :‬األغا ‪ ( ،‬ط‪ .‬دار الشعب)‪ ،‬ج ‪ ،22‬ص ‪. 234‬‬
‫‪ -2‬وليد مود خالص‪ :‬ال قد األديب يف كتاب األغا ‪ ،‬ج ‪ ،1‬هامش ص ‪. 78‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫مقاصد الشعراء ‪ ،‬إذ وضع شعر ابن فسوة يف خانة العصيان هلل ‪ ،‬وهبذا ا كم املعلل يتأكد أن الشاعر‬
‫قد أذنب يف أقواله وأفعاله ‪ ،‬هلذا م عه ابن عباس العطاء ح ال يشاركه يف اإلمث ‪ ،‬أما جانب مسؤولية‬
‫الراعي على الرعية ‪ ،‬ف ظر ابن عباس إ شعر ابن فسوة نظرة ذات معيار فقهي ‪ ،‬إذ من حق املسلمني‬
‫على الراعي أن ميهم من أذى الشعراء وابتزازهم وظلمهم وهبتاهنم ‪ ،‬هلذا د ابن عباس يهدد الشاعر‬
‫بقطع لسانه وسج ه ونفيه ‪ ،‬وهي األحكام العقابية امل اسبة ملثل هذ املواقف ‪.‬‬
‫‪ -Ϯ‬موقف ابن عباس من الحطيئة ومن هجائه لل اس ‪:‬‬
‫إن موقف ابن عباس من هجاء ا طيئة لل اس‪ :‬يتضح من خالل ما روي ع ه‪ « :‬بي ا ابن عباس‬
‫جالس يف لس رسول اهلل ‪ ،‬بعدما ُكف بصر ‪ ،‬وحوله ناس من قريش‪ ،‬إذ أقبل أعرايب يطر وعليه‬
‫مطرف وجبة وعمامة خز‪ ،‬ح سلم على القوم فردوا عليه السالم‪ ،‬فقال‪ :‬يا ابن عم رسول اهلل‪،‬‬
‫فشتمته* وقصر‬ ‫"افت ي"؛ فقال‪ :‬يف ماذا ؟ ق ـال‪ :‬أ اف علي ج احا إن ظلم رجل فظلمته وشتم‬
‫يب فقصرت به ؟ فقال‪ :‬العفو** خير‪ ،‬ومن انتصر فال ج اح عليه؛ فقال‪ :‬يا ابن عم رسول اهلل‬
‫‪ --‬أرأيت امرأ أتا فوعد وغر وم ا مث أخلف واستخف رم أيسع أن أهجو ؟ قال‪ :‬ال‬
‫يصلح اهلجاء ‪ ،‬ألنه ال بد لك من أن هتجو غري من عشريته فتظلم من مل يظلمك‪ ،‬وتشتم من مل‬
‫يشتمك‪ ،‬وتبغي على من مل يبغ عليك ‪ ،‬والبغي*** مرتع وخيم‪ ،‬ويف العفو ما قد علمت من الفضل؛‬
‫قال‪ :‬صدقت وبررت؛ فلم ي شب أن قدم عبد الرمحن بن سيحان احملاريب حليف قريش‪ ،‬فلما رأى‬

‫‪423‬‬
‫*« الفرق بني السب والشتم ‪ :‬أن الشتم هو تقبيح أمر املشئوم بالقول وأصله من الشتامة ‪ ،‬وهو قبح الوجه ورجل شتيم قبيح الوجه ‪ ،‬ومسي األسد‬
‫شتيما لقبح م ظر ‪ ،‬والسب هو اإلط اب يف الشتم واإلطالة فيه ‪ ،‬واشتقاقه من السب وهي الشقة الطويلة ويقال هلا‪:‬سبيب أيضا‪ ،‬وسبيب الفرس‬
‫شعر ذيله مسي بذلك لطوله خالف العرف ‪ ،‬والسب العمامة الطويلة ‪ ،‬فهذا هو األصل فإن استعمل يف غري ذلك فهو توسع ‪ ...‬والشتم يكون‬
‫حس ا إذا كان املشئوم يستحق الشتم »‪.‬‬
‫‪ -‬أبو هالل العسكري ‪ :‬الفروق يف اللغة ‪ ،‬ص ‪. 43‬‬
‫**«العفو يقتضي إسقاط اللوم والذم وال يقتضي إ اب الثواب‪،‬وهلذا يستعمل يف العبد فيقال عفا زيد عن عمرو وإذا عفا ع ه مل ب عليه إثابته»‬
‫‪ -‬أبو هالل العسكري ‪ :‬الفروق يف اللغة ‪ ،‬ص ‪.230‬‬
‫***« (‪ )1‬بغى عليه يبغي – من باب رمى‪ -‬ظلم وعدا عن ا ق واستطال فهو باغ ‪ .‬وبغى بغيا كذب وظلم ‪ )2( .‬والبغي ‪ :‬الكرب والظلم والفساد‬
‫أو هو كل اوزة وإفراط على املقدار الذي هو حد الشيء ‪ .‬وقد يطلق لبغي على ا سد ‪ )3(.‬بغي الشيء يبلغيه – كرمى يرمي‪ -‬بـُغَاءٌ وبـُغَى‬
‫وبـُغيَة ‪ :‬طلبه ‪ )4( .‬ابتغى الشيء يبتغيه ابتغاء ‪ :‬طلبه ‪ )5( .‬ويقال انبغى أن يفعل‪ :‬أي صلح له أن يفعل ‪ .‬وما ي بغي مبع ال يصلح وال وز‪.‬‬
‫ومباغاةً‪ :‬فَ َجَرت »‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ويقال ‪ :‬ابتغى الشيء تيسر وسهل ‪ )6( .‬بغت املرأة بَـغيًا وبغاء فهي بَغي ‪ ،‬وباغت بغاء َ‬
‫‪ -‬معجم ألفاظ القرآن الكرمي ‪ ،‬ص ص ‪. 59 -58‬‬

‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫األعرايب أجله وأعظمه وألطف يف مسألته ‪ ،‬وقال‪ :‬قرب اهلل دارك يا أبا ُمليكة ! فقال ابن عباس‪:‬‬
‫أجرول ؟ ! قال‪ :‬جرول ! فإذا هو ا طيئة »‪.ϭ‬‬
‫إن أول مــا يصــادف ا يف هــذ احملــاورة هــو موقــف ا طيئــة مــن شــعر الــذي يهجــو بــه ال ــاس ‪ ،‬ولعــل‬
‫ا س الـدي هـو الـذي دفـع بـه إ الـذهاب إ لـس ابـن عبـاس ليفتيـه يف شـعر ‪ ،‬ولكـن ابـن عبـاس مل‬
‫يعطــه ا كــم مباشــرة ‪ .‬حيــث حــاول اســتدراج ا طيئــة إ تفقيهــه يف أن اهلجــاء هــو ظلــم وشــتم وبغــي‪،‬‬
‫ويظهــر يف « أن ابــن عبــاس قــد كــرر يف هــذ القصــة مســألة " العفــو " م ـرتني بــا ومشــجعا‪ ،‬وم وهــا مبــا‬
‫لذلك من فضل‪ ،‬فهو يقدمه على االنتقام ‪ ،‬أو االنتصار لل فس‪ ،‬ما دامـت ه ـاك فسـحة للتسـامح‪ ،‬كمـا‬
‫وردت كلمــة " البغــي " م ـرتني يف ســياق التكريــه والت فــري ‪ ،‬أمــا يف الثالثــة فقــد وصــف البغــي ص ـراحة بأنــه‬
‫"مرتع وخيم " ُمعطيا بذلك حكمه ال هائي على األذى وعلى من يريد بال اس األذى »‪.Ϯ‬‬
‫وقول ابن عباس‪ " :‬والعفو خير " ‪ ،‬إمنا أراد أن يث عزم ا طيئة على هجاء ال اس‪ ،‬وأن يستميل‬
‫‪฀‬‬ ‫‪฀ ฀ ฀‬‬ ‫بوعيه إ العفو على من أخلفه واستخف به ‪ ،‬وهو هبذا يله إ ما جاء يف القرآن‬
‫[سورة األعراف اآلية ‪ ، ]ϭϵϵ‬ويف قول ابن عباس‪ " :‬ومن انتصر فال ج اح عليه" ‪:‬‬ ‫‪ ฀‬ﱪ ‪฀‬‬

‫[سورة الشورى اآلية ‪،]ϰϭ‬‬ ‫‪฀‬‬ ‫‪ ฀‬ﲰ ‪฀ ฀ ฀ ฀‬‬ ‫‪฀ ฀‬‬ ‫فهو يذكر باآلية الكرمية‪:‬‬
‫ولكن االنتصار الذي يريد ابن عباس للحطيئة ليس عن طريق اهلجاء ‪ ،‬ذلك ألن ابن عباس ملا مسع‬
‫قول ا طيئة ‪ " :‬أيسع أن أهجو ؟ قال ‪ :‬ال يصلح اهلجاء" ‪ «،‬ألنه قد يطال ما هو أبعد من املهجو‬

‫‪424‬‬
‫وعشريته ‪ ،‬فابن عباس يدرك أن مادة اهلجاء األو عن العرب هي ‪ " :‬األحساب واألنساب "‪،‬‬
‫ومفاخر العرق واألرومة ‪ ،‬فال م دوحة من الطعن يف هذ األشياء وإعالن مثالبها ومعايبها ‪ ،‬ألهنا‬
‫امل طقة األكثر إيالما يف الوجدان العريب‪ ،‬وكيف للشاعر وهو يف ع فوان الغضب وج ون شهوة البطش‬
‫أن يتحاشى ذلك أو يتج به أو يبتعد ع ه‪ ،‬ويف هذا دون ريب ظلم كبري يرفضه ابن عباس وي هى ع ه‬
‫» ‪.ϯ‬‬
‫مث د ابن عباس يـَ هي ا طيئة عن البغي بعد أن أرشد إ العفو وبني له قيمته االجتماعية‬

‫‪ -1‬أبو الفرج األصفها ‪ :‬األغا ‪ ( ،‬ط‪ .‬دار الشعب)‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪. 192‬‬
‫‪ -2‬فهد العرايب ا ارثي‪ :‬موقف ابن عباس من شعر البهتان‪ ،‬ص ‪.69‬‬
‫‪ -ϯ‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص‪. 69‬‬

‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫والدي ية ‪ ،‬فقال له ‪" :‬وتبغي على من مل يبغ عليك ‪ ،‬والبغي مرتع وخيم"‪ ،‬فتدرج ابن عباس يف تفقيه‬
‫ا طيئة بأن البغي يعد من الفواحش احملرمة شرعا ‪ ،‬وهو هبذا مييل به إ ما جاء يف القرآن العظيم من‬
‫‪฀ ฀‬‬ ‫‪฀ ฀‬‬ ‫ال هي عن الفواحش وم ها البغي ‪ :‬الذي دل على حرمته قوله تعا ‪:‬‬
‫ﭐﱪ ‪฀ ฀‬‬ ‫[سورة األعراف اآلية ‪ ، ]ϯϯ‬وقوله تعا ‪:‬‬ ‫‪฀ ฀ ฀ ฀ ฀‬‬ ‫‪฀‬‬

‫[سورة ال حل اآلية ‪ ،]ϵϬ‬وذلك لعل ا طيئة يتفقه‬ ‫‪฀ ฀ ฀ ฀฀ ฀‬‬ ‫‪฀ ฀‬‬

‫ويتعظ ويرشد ويقلل من حدة هجائه للمهجوين واالنتقام م هم مبا ال يطيقونه ‪.‬‬
‫ويف السياق نفسه اور ابن عباس ‪ ‬ا طيئة ويذكر له هجاء للزبرقان بن بدر ‪ ،‬وكيف ظلم وشتم‬
‫من مل يظلمه ومن مل يشتمه بدون أن يشري إ موقف عمر ‪ ‬يف تلك ا ادثة ‪ « ،‬فقال ‪ :‬واهلل ك ت‬
‫عركت بك بعض ما كرهت من أمر الزبرقان ‪ ،‬قال ‪ :‬لكان خريا لك ‪ ،‬ولقد ظلمت من قومه من مل‬
‫يظلمك وشتمت من مل يشتمك ‪ ،‬قال ا طيئة‪ :‬إ واهلل هبم يا أبا العباس لعامل ! فقال‪ :‬ما أنت أعلم‬
‫[ البسيط]‬ ‫هبم من غريك ‪ ،‬قال ‪ :‬بلى و اهلل ! يرمحك اهلل ! مث أنشأ يقول‪:‬‬
‫فَ َسل بِ َسعـد د ال ِ‬ ‫ِ‬
‫اس‬ ‫لما و ربةً‬ ‫أَنَا ُ‬
‫ابن دتَـ ُهم ع ً‬
‫آل َمش ِ‬
‫اس‬ ‫أس سعد بن زيد َ‬ ‫ور ُ‬ ‫َسع ُد بن زيد كثري إن َعددتَـ ُهم‬
‫ليس الذنايب أبا العباس َكالرأ ِس‬
‫َ‬ ‫وشرُهم‬ ‫ناباهم َ‬ ‫والزبرقا ُن ذَ ُ‬
‫فقال ابن عباس ‪ :‬أقسمت عليك أن ال تقول إال خريا ‪ ،‬قال ‪ :‬أفعل »‪.ϭ‬‬

‫‪425‬‬
‫إن اورة ابن عباس يف هذا املوقف ترد فيها فكرة " الظلم " و " الشتم " إال أن ا طيئة « اول‬
‫إق اعه مبوقفه شعرا ونثرا ‪ ،‬ولكن ابن عباس ال يتزحز ح ‪ ،‬فيقسم عليه أن يدع ذلك ‪ ،‬وأن " ال يق ـ ـ ـ ــول‬
‫إال خريا "‪ ،‬و قول ا ري ه ا ال يشمل بتأكيد اهلجاء وال يتضم ه »‪.2‬‬
‫وهكذا يتجلى أن حكم ابن عباس على م ع ا طيئة من اهلجاء معلل ‪ ،‬وقد أق ع ا طيئة بذلك ‪،‬‬
‫كما أعجب ابن عباس باملقدرة الف ية للحطيئة ‪ « ،‬ومبوهبته وبإمكاناته اإلبداعية ‪ ،‬مث يعتد ‪ ‬بآرائه‬
‫باملفاضلة بني الشعراء فيسأله و اور ويقر على ما يقول ‪ ،‬هو ذاتـه ا طيئة الذي د نفسه يف موقع‬

‫‪ -ϭ‬أبو الفرج األصفها ‪ :‬األغا ‪ ( ،‬ط‪ .‬دار الشعب)‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ص ‪. 193 -192‬‬
‫‪ -Ϯ‬فهد العرايب ا ارثي‪ :‬موقف ابن عباس من شعر البهتان‪ ،‬ص ‪. 62‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫ال قد واملؤاخذة من ابن عباس نفسه ‪ ،‬وقد قل ا ‪ :‬إن ابن عباس إمنا يكرب املوهبة يف ذاهتا ‪ ،‬وإمنا ي حاز‬
‫إ الشعر يف إمكاناته ومقوماته ‪ ،‬فهـو يتحفظ على " الشتم " وعلى" الفحش " وعلى ما يفضي إ‬
‫" الظلم " ح وإن صدر ذلك عن ا طيئة نفسه وهو الشاعر اجمليد ‪ ،‬واملوهبة الفذة كما يرى ذلك ابن‬
‫عباس »‪.ϭ‬‬
‫ومــن ه ــا بــرز بكــل وضــو ح الفــرق بــني مــوقفي ابــن عبــاس مــن ابــن فســوة وا طيئــة ‪ ،‬فع ــدما حكــم‬
‫على ابن فسوة كان « الوضع كل ظروفه وشروطه ومعطياتـه ‪ ،‬ومل يعـد تمـل أن يتخـذ ابـن عبـاس موقفـ ـا‬
‫كالــذي ا ــذ مــع ا طيئــة فيكتفــي بعبــارة »‪ " ،Ϯ‬أقســمت عليــك أال تقــول إال خـريا " أو مجلــة مثــل" يف‬
‫العفـو مــا قـد علمــت مـن فضــل "‪ ،‬وبالتـا فــإن ابــن عبـاس مــن خـالل موقفــه مـن شــعر اهلجـاء يتضــح أنــه‬
‫كان يسمع ويتقبل شعر اهلجاء من حسان بن ثابت ألن املرحلة كانت تقتضـي ذلـك ‪ ،‬فكانـت ا ـرب‬
‫الكالميــة فيهــا بــني مــؤم ني ومشــركني ‪ ،‬وكــان الص ـراع فيهــا بــني ا ــق والباطــل ‪ ،‬وكــان ا ــدل فيهــا بــني‬
‫التوحيد والشرك ‪ ،‬وبني الكفر واإلميان ‪ ،‬وقد قال حسان هجاء يف الدفاع عن ا ق والدين ‪ ،‬هلـذا تقبـل‬
‫ابــن عبــاس شــعر تلــك املرحلــة ‪ ،‬ولكــن بعــد أن عــم اإلســالم ا زيــرة ودخــل يف اإلســالم مــن كــان مشــركا‪،‬‬
‫فإنه حاول قطـع دابر شعراء اهلجاء‪ ،‬م تهجا يف ذلك م هج ا ليفة عمر بن ا طـاب يف موقفـه مـن شـعر‬
‫اهلجاء الذي وضح ا سابقا ‪ ،‬ومن خالله رفضـه لشـعر اهلجـاء الـذي وصـف مسـلكه بالعصـيان والبهتـان‬
‫حفاظا على روابط املسـلمني ‪ ،‬ومحايـة أعراضـهم وأنفسـهم وأمـواهلم مـن أذى شـعراء اهلجـاء كـابن فسـوة ‪،‬‬
‫وتوجيـه فتوى فقهية للحطيئة أق عه من خالهلا أن يبتعد عن اهلجاء وأرشد على أن للعفو فضل كبري ‪.‬‬

‫‪426‬‬
‫‪ -ϭ‬فهد العرايب ا ارثي‪ :‬موقف ابن عباس من شعر البهتان ‪ ،‬ص ‪. 70‬‬
‫‪ -Ϯ‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 70‬‬

‫‪ -3‬المرتكزات ال قدية لشعر المدح ع د عبد اهلل بن عمر (ت‪73‬هـ ‪692‬م)‪.‬‬


‫ومن الصحابة الفقهاء الذين رويت ع هم بعض ال قدات عبد اهلل بن عمر بن ا طاب –رضي‬
‫اهلل ع هما‪ ،-‬حيث كان يتج ب مساع ما يكر من املعا الشعرية ال ال تتماشى مع األخالق‬
‫اإلسالمية ومع ذوقه الف ‪ ،‬ويف ذلك روي ع ه ‪:‬‬
‫أ‪ -‬فقد روي « عن خالد بن كيسان ‪ ،‬قال‪ :‬ك ت ع د ابن عمر ‪ ،‬فوقف عليه إياس بن خيثمة ‪،‬‬
‫قال‪ :‬أال أنشدك من شعري يا ابن الفاروق ؟ قال‪ :‬بلى ‪ ،‬ولكن ال ت شد إال حس ا‪ ،‬فانشد ح إذا‬
‫بلغ شيئا كرهه ابن عمر قال له‪ :‬امسك »‪.ϭ‬‬
‫فموقف ابن عمر من الشعر من خالل ال ص ‪ ،‬موقف إ ايب ‪ ،‬فهو ال يرفض مساع الشعر‪،‬‬
‫ولك ه ال يسمع من الشعر إال ا سن يف مع ا ومب ا ‪ ،‬والذي يتوفر على صفات ف ية عالية ‪ ،‬وهذا ما‬
‫يعكس ذوقه ا ما ‪ ،‬وي م عن فهمه العميق للشعر وإدراكه ملعانيه ‪ ،‬ومقاصد الشعراء ‪ ،‬هلذا يبدو أن‬
‫معياري جودة الشعر ع د ‪ :‬ا سن والقبيح أو ا ودة والرداءة ‪ ،‬وبالتا فهو ال يسمع من الشعر إال‬
‫الشعر ا ميل الذي يتماشى مع ذوقه الف املشبع بالقيم اإلسالمية ‪ ،‬والذي فيه العفة وضرب املثل‪،‬‬
‫وإثارة ا كمة ‪ ،‬وي أى عن مساع الشعر القبيح ‪ ،‬ألنه ي فر ال فس‪ ،‬ويثري اإلحن ‪ ،‬ويفسد املروءة ‪ ،‬وقد‬
‫وضع يف نصب عي يه قول الرسول ‪ « :‬إمنا الشعر كالم حس ه حسن ‪ ،‬وقبيحه قبيح »‪.Ϯ‬‬
‫ب‪ -‬ويف موقف آخر روي عن ابن عمر أنه كان ال مييل إ شعر املد ح من ذلك « مد ح رجال ع د‬
‫ابن عمر ‪ ،‬فجعل ابن عمر ثوا الرتاب و فيه وقال ‪ :‬قال رسول اهلل ‪ :‬إذا رأيتم املداحني فاحثوا‬
‫يف وجوههم الرتاب »‪.ϯ‬‬

‫‪427‬‬
‫يبدو يف ال ص أن ابن عمر يرفض مساع شعر املد ح‪ ،‬وذلك ألن صاحبه قد يبالغ يف إطراء ممدوحه‬
‫إ حد التطرف يف املبالغة والكذب ‪ ،‬ألغراض معي ة ‪ ،‬وهو ما يدفع املاد ح إ االبتعاد عن ا قيقة ‪،‬‬
‫ويصبح مدحه خال من صدق الوصف ‪ ،‬وصدق العاطفة ‪ ،‬هلذا ملا مسع ابن عمر الشاعر ميد ح رفض‬
‫مدحه ووقف ثوا الرتاب يف فم الشاعر عمال مبا مسعه عن الرسول ‪ ،‬وهو معيار خلقي التزم به ابن‬
‫عمر ‪.‬‬

‫‪ -ϭ‬نقال عن ‪ :‬ولد قصاب ‪ :‬ال قد العريب القدمي نصوص يف اال ا اإلسالمي وا لقي ‪ ،‬ص ‪. ϳϱ‬‬
‫‪ -‬البخاري ‪ :‬األدب املفرد‪ ،‬قيق‪ :‬مد هشام الربها ‪ ،‬أبوظ ‪،‬وزارة العدل و الشؤون اإلسالمية واألوقاف‪1401،‬هـ ‪1981‬م‪ ،‬ص‪.297‬‬
‫‪ -2‬عبد القاهر ا ورجا ‪ :‬كتاب دالئل اإلعجاز ‪ ،‬ص ‪.24‬‬
‫‪ -3‬نقال عن ‪ :‬ولد قصاب ‪ :‬ال قد العريب القدمي نصوص يف اال ا اإلسالمي وا لقي ‪ ،‬ص ‪. ϱϬ‬‬
‫‪ -‬البخاري ‪ :‬األدب املفرد ‪ ،‬ص ‪.149‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫ج‪ -‬ومن نقداته ابن عمر ماروا ابن عبد ربه ‪ « :‬مسع عبد اهلل بن عمر رجال ي شد بيت ا طيئة‪:‬‬
‫[الطويل]‬
‫خري ُموقِ ِد‬ ‫م تأتِِه تـعشو إ ض ِ‬
‫وء نا ِرِ‬
‫دها َ‬
‫خري نار ع َ‬
‫د َ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ َ ُ‬
‫‪ϭ‬‬
‫فقال ‪ :‬ذاك رسول اهلل ‪. » ‬‬
‫وقد علق ابن عبد ربه على هذا املوقف ال قدي ا لقي وا ما فقال ‪ « :‬إعجابا بالبيت ‪ ،‬يع‬
‫أن مثل هذا املد ح اليستحقه إال رسول اهلل ‪.Ϯ»‬‬
‫وهذا هو الصواب ‪ ،‬ألن ابن عمر يرى أن ا طيئة قد بالغ يف وصف ممدوحه هبذا املع ‪ ،‬لغرض‬
‫التكسب ‪ ،‬وحب املال ‪ ،‬كما هو معروف ع ه ‪ ،‬ألن صورة املمدو ح وصفة الكرم ال ذكرت يف البيت‬
‫ال ت طبق إال على رسول اهلل‪ ،‬وبالتا فكأ بابن عمر يتم لو أن ا طيئة يف بيته هذا مد ح ال‬
‫الكرمي ‪ ،‬ح وإن مل ير ‪ ،‬ألن املع الذي ذكر من كرم ومروءة وخصال محيدة يف أعلى صورها ال‬
‫تكشف إال على العظمة يف ُخلق وصفاته ‪.‬‬

‫‪428‬‬
‫‪ -ϭ‬ابن عبد ربه ‪ :‬العقد الفريد ‪ ،‬ج‪ ، 5‬ص ‪.271‬‬
‫‪ -2‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ، 5‬ص ‪. 271‬‬

‫المرتكزات ال قدية للشعر والشعراء ع د الصحابة الشعراء ‪:‬‬

‫مل يتخلف الصحابة الشعراء عن القيام باهتمامهم بالدور امل وط هبم ‪ ،‬من التعلق بروافد الدعوة‬
‫اإلسالمية ‪ ،‬مما جاء به القرآن العظيم من مثل عليا ‪ ،‬وتوجيهات الرسول‪ ‬و القيم الدي ية ا ديدة ‪،‬‬
‫فكان اوب الصحابة مع هذ التوجيهات إ ابيا‪ ،‬وأدركوا الفرق الواضح بني تلك القيم واملثل الدي ية‬
‫والفكرية والف ية ال كانوا يعيشوهنا يف ا اهلة ‪ ،‬وما جاء به اإلسالم من ديد هلذ القيم واملثل ‪.‬‬
‫ويف صدر اإلسالم مل يكن للشعراء دور كبري يف نقد الشعر ‪ ،‬كما كان يف العصر السابق لإلسالم ‪.‬‬
‫ألن الصحابة ا لفاء قاموا مبا كان عليهم أن يقوموا به من خالل مسؤلياهتم بتوجيه الشعر والشعراء مبا‬
‫يدم الدعوة اإلسالمية ‪ ،‬وأضافوا إ ذلك نقدهم للشعر ‪ ،‬ولك هم مل مي عوا الصحابة الشعراء من نقد‬
‫الشعر « فاستمرت مشاركة الشعراء يف ال قد خالل العصر اإلسالمي ‪ ،‬وال يزال ال قد ع دهم يهدف‬
‫إ الغاية الف ية حي ا‪ ،‬وإ ال ظرة يف املضمون حي ا آخر‪ ،‬وإن اختفى التعصب واهلوى يف صدر‬
‫اإلسالم‪...‬ونقد الشعراء يف العصر اإلسالمي يرتدد بني ال ظر يف شعر ا اهليني ونقد وتقوميه و ديد‬
‫طبقات شعرائه ‪ ،‬وبيان أشعرهم ‪ ،‬وال ظر يف شعر اإلسالميني وتقوميه ‪ ،‬وبيان أشعرهم‪ ،‬واملوازنة بي هم‬
‫وبني ا اهليني يف بعض األحيان أو عقد املشاهبة بي هم وبني من يشابه شعر مع شعرهم من‬
‫ا اهليني»‪.ϭ‬‬
‫ح وإن رأي ا أن « ال قد يف صدر اإلسالم يصدر من قادة الدعوة اإلسالمية كم مهمتهم يف‬
‫تعريف املسلمني – وم هم الشعراء‪ -‬بأمور الدعوة ا ديدة ومبادئها ‪ ،‬فإن ذلك مل يكن مي ع بعض‬

‫‪429‬‬
‫الشعراء من املشاركة يف ا كم ال قدي على بعض األشعار ‪ ،‬حيث هلم خربهتم يف هذا اجملال ‪ ،‬وهلم‬
‫علمهم باألمور الف ية فيه ‪ ،‬وهم أقدر ال اس على نقد الشعر من هذا ا انب »‪.Ϯ‬‬
‫ومن هؤالء الشعراء الذين صدرت ع هم نقدات يف العصر اإلسالمي‪ :‬عثمان* بن مظعون (ت‪Ϯ‬ه‪/‬‬

‫‪ϲϮϰ‬م) ‪ ،‬وحسان بن ثابت ‪ ،‬ولبيد بن ربيعة ‪ .‬وهذا ما ميكن توضيحه فيما يأيت ‪:‬‬

‫‪ -ϭ‬عبد اللطيف مد ا ديدي ‪ :‬الشعراء ال قاد يف العصرين ا اهلي واإلسالمي ‪ :‬ص ‪. ϴϯ‬‬
‫‪ -Ϯ‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. ϴϰ‬‬
‫* « عثمان بن مظعون بن جبيب بن وهب بن حذافة بن مجح كان من حكماء العرب يف ا اهلية ‪ ،‬صجايب من املهاجرين األولني إ بشة » ‪.‬‬
‫‪ -‬ابن هشام ‪ :‬سرية ال ‪،‬ج‪ ،ϭ‬ص ‪ ،ϭϲϵ‬وص ‪ϯϰϰ‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫‪ -ϭ‬المرتكز ال قدي لعثمان بن مظعون (ت ‪Ϯ‬ه‪ϲϯϰ‬م)في نقد بيت شعر للبيد بن ربيعة ‪:‬‬
‫يف هذا الصدد تروي ل ا بعض مصادر السري ال بوية‪ ،‬اهتمام الصحابة الشعراء بال قد األديب م ذ‬
‫الوهلة األو لإلسالم يف رؤية جديدة ‪ ،‬ومن ال صوص ال قدية األو ‪ ،‬ال رويت يف هذا اجملال‪ ،‬وتعد‬
‫من البذور ال قدية للصحابة الشعراء ؛ ما قاله عثمان بن مظعون للبيد بن ربيعة ‪ ،‬بعد عودته إ مكة‬
‫من هجرته إ ا بشة ‪ ،‬حيث استجار عثمان بالوليد بن املغرية ‪ ،‬ولك ه ما انفك أن رد عليه جوار‬
‫عالنية ‪ ،‬حيث قال ‪ « :‬فخرجا ح أتيا املسجد فقال الوليد ‪ :‬هذا عثمان قد جاء يرد علي جواري ‪،‬‬
‫قال‪ :‬صدق ‪ ،‬قد وجدته وفيا كرمي ا وار‪ ،‬ولك قد أحببت أال أستجري بغري اهلل ‪ ،‬فقد رددت جوار ؛‬
‫مث انصرف عثمان بن مظعون ولبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كالب‪ ،‬يف لس من قريش‬
‫[الطويل]‬ ‫ي شدهم ‪ ،‬فجلس معهم عثمان فقال لبيد‪:‬‬
‫أَالَ ُكل َشيء ما خالَ اهلل ب ِ‬
‫اط ُل‬‫َ َ ََ‬
‫فقال عثمان ‪ :‬صدقت ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫َو ُكل نَعِيم الَ ََالَةَ َزائِ ُـل‬
‫قــال عثمــان ‪ :‬كــذبت ‪ ،‬نعــيم ا ــة ال يــزول ‪ ،‬قــال لبيــد بــن ربيعــة ‪ :‬يــا معشــر قـريش ‪ ،‬واهلل مــا كــان‬
‫يؤذى جليسكم ‪ ،‬فم حدث هذا فيكم ؟ فقـال رجـل مـن القـوم ‪ :‬إن هـذا سـفيه مـن سـفهاء معهـم قـد‬
‫فــارقوا دي ــا ‪ ،‬فــال ــدن يف نفســك مــن قولــه ‪ ،‬فــرد عليــه عثمــان حـ َشـ ِر َ‬
‫ي أمرمهــا فقــام إليــه ذلــك الرجــل‬

‫‪430‬‬
‫ضَرها ‪ ،‬والوليد بن املغرية قريب يرى ما بلغ من عثمـان ‪ ،‬فقـال ‪ :‬أمـا واهلل يـا بـن أخـي إن‬ ‫فَـلَطَ َم عي ه فَ َخ َ‬
‫كانــت عي ــك عمــا أصــاهبا لَغَِيـةٌ ‪ ،‬لقــد ك ــت يف ِذمــة َم يعــة ‪ ،‬قــال ‪ :‬يقــول عثمــان ‪ :‬بــل واهلل إن عيـ‬
‫الصحيحة لفقرية إ مثل ما أصـاب أختهـا يف اهلل ‪ ،‬وإ واهلل لفـي جـوار مـن هـو أعـز م ـك وأقـدر يـا أبـا‬
‫شئت إ ِجو َ‬
‫ارك فَـعُد‪ ،‬فقال‪ :‬ال »‪.ϭ‬‬ ‫عبد مشس ‪ .‬فقال له الوليد‪ :‬هلم يا ابن أخي إن َ‬
‫ف ظرة عثمان إ شطري بيت لبيد نظرة إسالمية جديدة‪ ،‬من حيث نقد املع ‪ ،‬فمن وجهة نظر ‪،‬‬
‫فاملسلمون ي عمون ب عيمني نعيم دنيوي‪ ،‬ونعيم اآلخرة‪ ،‬ألن عثمان يرى أن ا ة نعيم ال يزول‪ ،‬لكن‬
‫املعيار ال قدي الذي حدد من خالل مع هذا البيت هو معيارا‪ :‬الصدق والكذب ‪ ،‬ومها معياران‬

‫‪-ϭ‬ابن هشام ‪ :‬سرية ال ‪،‬ج‪ ،ϭ‬ص ص ‪.ϯϵϯ -ϯϵϮ‬‬

‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫خلقيان‪ ،‬وهذا يع املطابقة وعدم املطابقة‪ ،‬والصدق والكذب مها ليسا مطابقة الشعر ياة الشاعر‬
‫فحسب‪ ،‬بل مها مطابقة الواقع املعيش‪ ،‬وهلذا فالقصيدة ال رثى هبا لبيد عمرو بن ه د‪ ،‬هي قصيدة‬
‫جاهلية ‪ ،‬وهلذا فال عيم الذي يؤمن به عثمان هو من األفكار واملعا ا ديدة ال جاء هبا الدين‬
‫اإلسالمي‪ ،‬وهو اإلميان با ياة اآلخرة‪ ،‬هلذا نرا صدق لبيدا يف الشطر األول‪ ،‬وكذبه يف الشطر الثا‬
‫من البيت‪ ،‬على اعتبار أن ا اهليني كانوا ال يؤم ون با ياة اآلخرة والبعث‪ ،‬ولكن على ما يبدو أن‬
‫لبيدا كان من الذين يؤم ون بالبعث ‪.‬‬

‫‪431‬‬
‫‪ -Ϯ‬المرنكز ال قدي للشعر والشعراء ع د حسان بن ثابت (ت‪ϱϰ‬هـ) ‪:‬‬
‫يعد حسان بن ثابت من الصحابة الشعراء ال قاد ‪ ،‬فكان كم بني الشعراء أحيانا‪ ،‬وكما رأي ا‬
‫فيما سبق قد حك مه ا ليفة عمر يف بيت ا طيئة يف هجائه للزبرقان بن بدر ‪ ،‬واستشار يف ا كم‬
‫على أبيات ال جاشي ال هجا هبا ب العجالن ‪ ،‬وأخذ برأيه وجعله حجة على الشاعرين ‪.‬‬
‫ويف هذا الصدد تروي بعض املصادر األدبية وال قدية نصوصا عن أحكامه ال قدية تعكس ممارسته‬
‫ل قد الشعر وا كم على الشعراء‪ .‬فإ جانب تعليق حسان على بيت ا طيئة يف هجائه للزبرقان‬
‫ابن بدر‪ ،‬وحكمه على الشعر الذي هجا به ال جاشي ب العجالن‪ ،‬ومها حكمان نقديان صدرا عن‬
‫شاعر كبري‪َ ،‬حك َمهُ ا ليفة عمر بني الشعراء يف صدر اإلسالم‪ ،‬وه اك أقوال نقدية سان مبثوثة يف‬
‫مصادر األدب ونقد ‪ ،‬تكشف ممارسته ل قد الشعر ‪ ،‬م ها ‪:‬‬
‫أ‪ -‬جاء يف طبقات فحول الشعراء‪ :‬قال أبو عمرو بن العالء‪ « :‬سئل حسان من أشعر ال اس ؟‬
‫قال‪ :‬رجالً أم َحيا ؟ ‪ ،‬قيل‪ :‬بل حيا ‪ ،‬قال‪ :‬أشعر ال اس حيا هذيل »‪.ϭ‬‬
‫إن ا كم ال قدي يف قول حسان كما هو واضح ‪ ،‬غري معلل فيه إمجال‪ ،‬وقد حكم حسان يف‬
‫إجابته بالشاعرية لقبيلة هذيل ‪ ،‬مبع أنه قدم شعراء قبيلة هذيل على مجيع شعراء العرب ‪ ،‬بدون ذكر‬
‫لعلة تقدميهم على غريهم من الشعراء ‪ ،‬وبالتا فإن شعراء هذ متساوون يف الرتبة ‪ ،‬وهم يف نظر‬
‫أشعر ال اس‪ ،‬وإن مل يذكر التعليل ‪ ،‬ألنه قال حكمه ال قدي ملن يفهم م ه ما أراد ‪.‬‬
‫وع هم « قال األصمعي‪ :‬فيهم أربعون شاعرا مفلقا ‪ ،‬وكلهم يعدو على رجله ليس فيهم فارس»‪.Ϯ‬‬
‫ووضح ابن سالم أن « أشعر هذيل أبو ذؤيب غري مدافع ‪ ،‬وحكى ا محي ‪ ،‬قال ‪ :‬أخرب عمر‬
‫ابن معاذ املعمري قال‪ :‬قال‪ :‬يف التوراة مكتوب أبو ذؤيب مؤلف زور‪ ،‬وكان اسم الشاعر بالسريانية‬

‫‪432‬‬
‫‪...‬قال أبوعمر بن العالء‪ :‬أفصح الشعراء لسانا وأعذهبم أهل السروات ‪ ،‬وهن ثالث وهي ا بال املطلة‬
‫على هتامة مما يلي اليمن ‪ ،‬فأوهلا هذيل‪...‬مث يلة يف السراة الوسطى‪ ،‬وقد شركتهم ثقيف يف ناحية‬
‫م ها‪ ،‬مث األزد أزد ش وءة وهم ب و ا ارث بن كعب بن ا ارث بن نضر بن األزد »‪.ϯ‬‬
‫ب‪ -‬ويف موقف نقدي سان‪ « ،‬سئل حسان من أشعر ال اس؟ قال‪ :‬امرؤ القيس‪ ،‬فقيل ذلك‬
‫لرسول اهلل ‪ :‬فقال ‪ :‬صدق ‪ ،‬رفيع يف الدنيا ‪ ،‬وضيع يف اآلخرة ‪ ،‬هو قائد الشعـراء إ ال ار »‪.ϰ‬‬

‫‪ -1‬ابن رشيق ‪ :‬العمدة ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪. 77‬‬


‫‪ -2‬أبو حامت السجستا ‪ :‬فحولة الشعراء ‪ ،،‬قيق‪ :‬مد عبد القادر أمحد ‪ ،‬القاهرة ‪،‬مكتبة ال هضة املصرية ‪1411 ،‬ه ‪1991‬م ‪ ،‬ص ‪. 129‬‬
‫‪ -3‬ابن رشيق ‪ :‬العمدة ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪. 77‬‬
‫‪-4‬نقال عن ‪ :‬عبد اللطيف مد ا ديدي ‪ :‬الشعراء ال قاد يف العصرين ا اهلي واإلسالمي ‪ ،‬ص‪. 52‬‬
‫‪ -‬السيوطي ‪ :‬شر ح شواهد املغ ‪ ،‬بريوت ‪،‬م شورات دار ا ياة ‪ ،‬د‪.‬ت ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪. 23‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫فحسان بصفته شاعر ضرم متمرس و رتف للشعر‪ ،‬وعلى اطالع واسع بأشعار الشعراء‬
‫ا اهليني واملخضرمني‪ ،‬فقد صدقه الرسول‪ ،‬الذي قدم هو بدور امرأ القيس على سائر الشعراء‬
‫ا اهليني واملشركني‪ ،‬وإن جاء حكم حسان قي تقدميه المرئ لقيس بدون تعليل أو تفصيل‪ ،‬فإنه قال‬
‫ذلك ملن يفهم املراد من قوله‪ ،‬وقد فهمه الرسول وحكم بالشاعرية المرئ القيس وبني شيئا من التعليل‪،‬‬
‫وذلك يف جعله امرأ الفيس " قائد الشعراء إ ال ار" ألنه قاد الشعراء ا اهليني يف اإلبداع ‪ ،‬حيث أبدع‬
‫س ة جعلها الشعراء م هجا ف يا يب ون عليه شعرهم ‪ ،‬وهو ما أشار إليه ابن رشيق يف قوله‪ « :‬سبقهم إ‬
‫أشياء فاستحس ها الشعراء واتبعو فيها‪ ،‬ألنه قيل‪ :‬أول من لطف املعا ‪ ،‬واستوقف على الطلول‪،‬‬
‫ووصف ال ساء بالظباء واملها بالبيض‪ ،‬وشبه ا يل بالعقبان والعصي‪ ،‬وفرق بني ال سيب وما سوا من‬
‫القصيد ‪ ،‬وقرب مأخذ الكالم‪ ،‬فقيد األوابد وأجاد االستعارة والتشبيه »‪.ϭ‬‬
‫ج‪ -‬ويف موقف ثالث ‪ُ ،‬وجهَ سؤال سان بن ثابت‪ « :‬قال قائل سان‪ :‬الن شعرك – أو هرم‪-‬‬
‫يف اإلسالم ‪ ،‬فقال‪ :‬يا ابن أخي ! إن اإلسالم جب عن الكذب ‪ ،‬وإن الشعر يزي ه الكذب »‪.Ϯ‬‬
‫والواضح أن إجابة حسان على سؤال ال اقد تؤكد عمق إميانه وتشبعه باإلسالم ‪ ،‬وتبني نظرته للشعر‬
‫الذي يتماشى مع قيمه األدبية ا ديدة ‪ ،‬بعيدا عن الغلو والتطرف يف التشبيهات واملبالغة يف الصور ‪.‬‬
‫د‪ -‬ومن مواقف حسان ال قدية ‪ ،‬ما روا األصمعي يف قوله‪ « :‬حدث ا ابن أيب الزناد قال ‪ :‬أنشد‬
‫حسان شعر عمرو بن العاص ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما هو شاعر ‪ ،‬ولك ه عاقل »‪.ϯ‬‬

‫‪433‬‬
‫هذا الرأي يؤكد فيه حسان بأن ما مسعه من شعر عمرو بن العاص خال من التجربة الشعرية ‪ ،‬وال‬
‫ري فيه املاء الشعري‪ ،‬هلذا نفى ع ه الشاعرية ال عل ابن العاص ضمن مصاف الشعراء‪ ،‬وإمنا الذي‬
‫مسعه من شعر ‪ ،‬ال ي م إال عن تعبري عن بعض ا كم املعربة عن التجارب واملواقف ا ياتية له ‪.‬‬
‫وهكذا د حسانا مل يقف ع د حد قول الشعر فحسب‪ ،‬بل شارك يف نقد الشعر‪ ،‬مما يعطي‬
‫صورة واضحة على مشاركته يف تطور ا ركة األدبية وال قدية يف العصرين ا اهلي واإلسالمي ‪.‬‬

‫‪ -1‬ابن رشيق ‪ :‬العمدة ج‪ ، 1‬ص ‪. 82‬‬


‫‪ -2‬ابن عبد الرب‪ :‬االستيعاب يف معرفة األصحاب‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪. 346‬‬
‫‪ -3‬أبوحامت السجستا ‪ :‬فحولة الشعراء ص ص‪.129-128‬‬

‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫‪ -3‬المرتكزات ال قداية للشعر ع د لبيد بن ربيعة العامري ‪:‬‬


‫أ‪ -‬موقف لبيد من الشعر ومن القرآن العظيم ‪:‬‬
‫يعد الصحايب الشاعر لبيد بن ربيعة العامري من الشعراء الفحول املخضرمني‪ ،‬وقد وضعه ابن سالم‬
‫يف الطبقة الثالثة من فحول ا اهلية ‪ ،‬مع ال ابغة ا عدي‪ ،‬وأيب ذؤيب اهلذ ‪ ،‬والشماخ بن ضرار ‪.ϭ‬‬
‫فإ جانب فحولته الشعرية أُثرت ع ه بعض ال قدات يف اإلسالم‪ ،‬هي من بذور نقد الشعر‪ ،‬ونعدها‬
‫بذورا نقدية يف مدرسة الصحابة ال قدية ‪ ،‬وظهرت نقداته‪ ،‬وكل ما أثر ع ه من نقد نتيجة مشاركة‬
‫الشعراء الصحابة يف ا ركة ال قدية يف عصر صدر اإلسالم ‪.‬‬
‫وقد حافظت بعض املصادر األديبة وال قدية عن بعض مواقفه ال قدية ‪ ،‬وتذكر ع ه أنه يف إسالمه‬
‫توقف عن قول الشعر‪ ،-‬وقد أدى هذا الرأي إ جدل بني القائلني به واملعارضني له‪ ، -‬من ذلك‬
‫«كتب عمر إ عامله أن سل لبيدا واألغلب ما أحدثا من الشعر يف اإلسالم‪ ،‬فقال األغلب‪[ :‬الرجز]‬
‫سألت هيًا َمو ُجودا‬
‫َ‬ ‫قصيدا؟ فقد‬‫ً‬ ‫يد أم‬ ‫أَ ً‬
‫رجزا تر ُ‬
‫وقال لبيد‪ :‬قد أبدل اهلل بالشعر سورة البقرة وآل عمران ‪ .‬فزاد عمر يف عطائه فبلغ به ألفني »‪.Ϯ‬‬
‫ويف رواية الشعر والشعراء‪ « :‬قال له عمر بن طاب ‪ :‬أنشد من شعرك فقرأ سورة البقرة ‪،‬‬
‫وقال‪ :‬ما ك ت ألقول شعرا بعد إذ علم اهلل سورة البقرة وآل عمران ‪ ،‬فزاد عمر يف عطائه مخس مائة‬
‫(درهم) وكان ألفني »‪.ϯ‬‬

‫‪434‬‬
‫الواضح أن رقابة ا ليفة عمر للشعراء‪ ،‬جعلته يفتش عن مسلكهم الشعري يف اإلسالم ‪ ،‬يف أي‬
‫مكان ‪ ،‬وأنه يعلم أن من فحول الشعراء املخضرمني من مازال على قيد ا ياة ‪ ،‬ويعلم بوجود هم يف‬
‫الكوفة ‪ ،‬هلذا فمن خالل استفسار عمر للمغرية بن شعبة اكتشف أن الشعراء مل يقولوا جديدا من‬
‫الشعر يف اإلسالم ‪ ،‬فهل اطمأن ا ليفة عمر لذلك ؟‬
‫من الواضح أن ال صني يتلفان يف ذكر ا رب‪ ،‬ففي ال ص األول خاطب األغلب لبيدا أن ي شد ‪،‬‬
‫ويف ال ص الثا خاطب عمر لبيدا أن ي شد ‪ ،‬وه ا ظهرت شخصية لبيد اإلسالمية‪ ،‬وهو الشاعر الذي‬

‫‪ -ϭ‬ابن سالم ا محي ‪ :‬طبقات فحول الشعراء ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪. 123‬‬


‫‪ -2‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ص ‪.136 -135‬‬
‫‪ -3‬ابن قتيبة ‪ :‬لشعر والشعراء ‪ ،‬ص ‪. 172‬‬

‫املرتكزات ال قدية عتد الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫حفظ القرآن العظيم ‪ ،‬وم ه سوريت البقرة وآل عمران ‪ ،‬وأنه قد متعن يف معانيه وأسلوبه وتشريعاته ال‬
‫أقَـرها ‪ ،‬فكل هذا دفع بلبيد إ التأمل يف مذهبه الشعري ‪ ،‬فوجد أد م زلة من القرآن من ال احية‬
‫الفكرية والف ية ‪ ،‬فرأى أنه من ا كمة وسداد الرأي أن يعيد ترتيب مصادر ومراجع فكر ووجدانه ‪،‬‬
‫وهكذا فبعد أن كان الشعر مقدما ع د ‪ ،‬فقدم عليه القرآن العظيم‪ ،‬ويتجلى هذا واضحا يف إجابته‬
‫عن سؤال األغلب‪ " :‬قد أبدل ي اهلل بالشعر سورة البقرة وآل عمران" أو قوله للخليفة عمر‪ " :‬ما‬
‫ك ت ألقول شعرا إذ علم ي اهلل سورة البقرة وآل عمران " فالتغيري ا ذري يف فكر لبيد واضح يف‬
‫القولني‪ ،‬إذ يظهر زهد يف الشعر ‪ ،‬وقد أدرك هذا بعد أن فاضل بني الشعر والقرآن العظيم‪ ،‬ويف هذا‬
‫امل ح الروحي نظرة نقدية جديدة ‪ ،‬تتمثل يف كون أن لبيدا أول شاعر ضرم رتف نظر للقرآن نظرة‬
‫فكرية ومجالية أشبعت رغبته الروحية فزادته إميانا وتقوى ‪ ،‬وأول شاعر بدل الشعر بالقرآن العظيم ‪ ،‬وهي‬
‫نظرة سلبية ملوضوعات الشعر وب ائه الفكري وا ما ‪ ،‬والتعليل واضح يف قول لبيد‪ " :‬قد أبدل ي اهلل‬
‫بالشعر سورة البقرة وآل عمران"و" ما ك ت ألقول شعرا إذ علم ي اهلل سورة البقرة وآل عمران "‪،‬‬
‫ومن يفهم املقصد من كالمه ‪.‬‬
‫وهو مل يزد على قوله هذا‪ ،‬ألن إجابته وجهها إ ذوي االختصاص َ‬
‫والقول األهم عن شاعرية لبيد‪ :‬هل فعال أن لبيدا ترك الشعر كما شاع ع ه ؟ وهل اطمأن ا ليفة عمر‬
‫لذلك ؟ حقيقة ف ـ ـ ـ ـ« عمر ه ا إذ يثيب لبيدا ‪ ،‬يريد أن يوجه الشعراء الوجهة ال يرتضيها اإلسالم ‪ ،‬وال‬
‫يع أنه يشجعه على هجر الشعر ـ كما قد يذهب الظن ـ بل إن عمر ليكرب يف لبيد انصرافه إ القرآن‬

‫‪435‬‬
‫الكرمي ‪ ،‬وتفضيله إيا على ما سوا ‪ ،‬وإن كان لبيد يف أرجح الظن ‪ ،‬قد تفطن لرغبة عمر ‪ ،‬فأجابه مبا‬
‫سن أن اب به ‪ ،‬ألن لبيدا مل يرتك الشعر على ما يشاع ع ه وإن كان شعر قد قل يف اإلسالم »‪.ϭ‬‬
‫ومن ه ا فرأي لبيد يف تفضيله للقرآن العظيم على الشعر‪ ،‬ال يستبعد أن يكون بذلك ظهور‬
‫إحدى بذور الزهد اإلسالمي الذي بدأ ظهور قدميا ‪.‬‬

‫‪ -1‬ىي ا بوري ‪ :‬اإلسالم والشعر ‪ ،‬ص ص ‪. 93 -92‬‬


‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫ب‪ -‬مفاضلة لبيد بين الشعراء‬


‫ومن نقدات لبيد ما روا القرشي قال‪ « :‬وذكر املفضل أن لبيد بن ربيعة مر مبجلس ب هند‬
‫بالكوفة‪ ،‬وبيد عصا له يتوكأ عليها بعدما كرب ‪ .‬فبعثوا خلفه غالما يسأله‪ :‬من أشعر ال اس ؟ فقال‪ :‬ذو‬
‫[الطويل]‬ ‫القرو ح بن حجر الذي يقول‪:‬‬
‫لك نـُعمى قد تَـبدل ِ‬
‫ت أَبو َسا‬ ‫فَيا ِ‬ ‫بعد ِصحة‬
‫لت قَـرحاً داميًا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫وبُد ُ‬
‫يع امرأ القيس ‪ ،‬فرجع إليهم الغالم وأخربهم ‪ ،‬قالوا ‪ :‬ارجع إليه فاسأله‪ :‬مث من ؟ فرجع فسأله‪:‬‬
‫مث من ؟ قال‪ :‬مث ابن الع يزتني ‪ ،‬يع طرفة ‪ ،‬قال‪ :‬مث من ؟ قال ‪ :‬صاحب املِحجن‪ ،‬يع نفسه »‪.ϭ‬‬
‫ويف رواية ابن قتيبة‪ « :‬قال لبيد بن ربيعة ‪ :‬أشعر ال اس ذو القرو ح ‪ ،‬يع امرئ القيس »‪.Ϯ‬‬
‫ففي ال ص األول إجابة ال اقد ا بري العامل بالشعر ‪ ،‬والعارف لفضل الشعراء ‪ ،‬ألن ا وار الذي‬
‫أدار الغالم بي هما ‪ ،‬كان القصد م ه ترتيب الشعراء ‪ ،‬لذا اقتصر ا واب على املفاضلة بني ثالثة شعراء‬
‫من الفحول يف العصر ا اهلي كلهم أصحاب معلقات ‪ ،‬فلبيد قدم امرؤ القيس على طرفة بن العبد‬
‫وجعل نفسه يف املرتبة الثالثة ‪ ،‬والواضح من ال ص أن حكم ال اقد خال و رد من التعليل يف ترتيبه‬
‫للشعراء ‪ ،‬يف ال صني‪ ،‬ولعل كونه مل يشر إ علة التفضيل بني الشعراء الثالثة يف حكمه ‪ « ،‬ألنه‬
‫يوجهه إ أناس لديهم خربة ودراية هبذا ا كم ‪ ،‬فليسوا يف حاجة إ التعليل أو التفضيل‪...‬ونقد لبيد‬

‫‪436‬‬
‫ه ا ميكن أن نطلق عليه ما يسمى ب قد الشعراء اجمليدين يف ف هم بوجه عام‪ ،‬الذين تكتمل ع اصر‬
‫ا ودة والتقدمي يف أشعارهم شكال ومضمونا فيقدمون على سائر الشعراء »‪.ϯ‬‬
‫أما ال ص الثا فتقدمي امرئ القيس بأنه أشعر ال اس غري معلل‪ ،‬لكن لبيدا يفضل امرأ القيس لعلة‬
‫يراها هو دون غري ‪ ،‬ولعلها هي العلل ال وقف ع دها فيما بعد ابن رشيق‪ ،‬ال ذكرناهاأث اء جديث ا يف‬
‫تقدمي حسان بن ثابت المرئ القيس على الشعراء ‪.‬‬

‫‪ -1‬القرشي ‪ :‬مجهرة أشعار العرب ‪ ،‬ص ص ‪. 39 -38‬‬


‫‪ -2‬ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ص ‪. 52‬‬
‫‪ -3‬عبد اللطيف مد ا ديدي ‪ :‬الشعراء ال قاد يف العصرين ا اهلي واإلسالمي ‪ ،‬ص ‪.64‬‬

‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫ج‪ -‬نقد لبيد لشعر اب ته خماسية في ردها على شعر الوليد بن عقبة بن أبي معيط في ريح الصبا‪:‬‬
‫قال ابن سالم عن لبيد‪ « :‬وعمر طويال‪ ،‬وكان يف ا اهلية خري شاعر لقومه‪ :‬ميدحهم‪ ،‬ويرثيهم‪،‬‬
‫ويعد أيامهم ووقائعهم وفرساهنم ‪ ،‬وكان يطعم إذا هبت ريح الصبا ‪ ،‬وكان املغرية بن شعبة إذا هبت‬
‫ريح الصبا قال‪ :‬أعي وا أبا عقيل على مروءته »‪.1‬‬
‫ويف قصة ريح الصبا* نقد لبيد شعر اب ته مخاسية يف ردها على شعر الوليد بن عقبة بن أيب معيط‪،‬‬
‫حيث جاء يف الكامل للمربد‪ « :‬كان لبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كالب شريفا يف ا اهلية‬
‫واإلسالم ‪ ،‬قد نَ َذ َر أن ال هتب الصبا‪ ،‬إال ر وأطعم ح ت قضي‪ ،‬فهبت باإلسالم وهو بالكوفة مقرت‬
‫مملق ‪ .‬فعلم بذلك الوليد بن عقبة بن أيب معيط‪...‬وقال‪ :‬إنكم قد عرفتم نذر أيب عقيل وما وكد على‬
‫[الوافر]‬ ‫نفسه فأعي وا أخاكم ‪ .‬مث نزل فبعث إليه مبائة ناقة (وأبيات يقول فيها)‪:‬‬
‫يا ح أيب َع ِق ِيل‬‫إذا َهبت ر ُ‬ ‫أرى ا زارَ تُش َح ُذ ُمديـَتَا ُ‬
‫يف الص ِق ِيل‬‫اجملد كالس ِ‬‫كرمي ِ‬ ‫أبيض َجع َف ِري‬‫َ‬ ‫الباع‬
‫ويل ِ‬‫طَ ِ‬
‫املال ال َقلِ ِيل‬
‫ت و ِ‬ ‫على العِال ِ‬ ‫َو َف اب ِن ا عف ِري مبا لَ َدي ِه‬

‫‪437‬‬
‫فلما أتته قال‪ :‬جزى اهلل األمري خريا‪ ،‬قد عرف األمري أني ال أقول شعرا ولكن أخرجي يا ب ي‬
‫ث ال اس فقضى نذر ففي ذلك‬ ‫فخرجت مخاسية ‪ .‬فقال هلا‪ :‬أجي األمري ( فأقبلت وأدبرت ) ‪ .‬وبـَ َع َ‬
‫[الوافر]‬ ‫تقول اب ة لبيد‪:‬‬
‫ِ‬
‫َد َعونَا ع َد َهبتِها ال َول َ‬
‫يدا‬ ‫يا ح ِأيب عقيل‬
‫إذَا َهبت ر ُ‬
‫يدا‬‫أعا َن علَى مروتِِه لَبِ َ‬ ‫أبيض َعب َش ِميا‬
‫الباع َ‬
‫(طويل ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عليها من بَِ حام قـُعُ َ‬
‫ودا‬ ‫َ‬ ‫اهلضاب كأن َركبًا‬ ‫بأمثال‬
‫ناها وأطعمَا الث ِر َ‬
‫يدا‬ ‫رَ‬ ‫أَبَا َوهب جز َاك اهللُ ً‬
‫خريا‬
‫َوظَ بِاب ِن أَرَوى أن يـَعُ َ‬
‫ودا‬ ‫فَعِد إن الكرمي لهُ َم ٌ‬
‫عاد‬
‫قال هلا لبيد‪ :‬أحس ت يا ب ي لوال أنك سألت ‪ ،‬فقالت‪ :‬إن امللـوك ال يستحى من مسئلتهم‪،‬‬

‫‪ -1‬ابن سالم ا محي ‪ :‬طبقات فحول الشعراء ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪. 136‬‬


‫*ا رب مذكور يف‪ :‬الشعر والشعراء‪ ،‬ص ص ‪ .173 -172‬وذكر كذلك‪:‬ابن رشيق‪ :‬العمدة‪،‬ج ‪،1‬ص ‪.71‬مع اختالف طفيف يف لفظ ا رب‪.‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫(فقال هلا‪ :‬يا ب ي وأنت يف هذا أشعر ) »‪.1‬‬


‫يبدو أن ا وار يف ال ص أوالقصة دار بني ثالثة شعراء ‪ ،‬عقبة بن أيب معيط ولبيد واب ته مخاسية ‪،‬‬
‫فلبيد تقبل اإلعانة كما تقبل شعر الوليد بن عقبة ‪ ،‬وتقبل كذلك جواب اب ته للوليد قبوال حس ا‪ ،‬وقول‬
‫لبيد الب ته ‪ " :‬أحس ت يا ب ي لوال أنك سألت " دل على شاعريتها القوية يف اوهبا مع علو مهة‬
‫أبيها لبيد ‪ ،‬و اوبا مع هدية وشاعرية الوليد ‪ ،‬وقد فظ لبيد على املع ‪ ،‬وذلك ألن « املع مل يرض‬
‫ع ه لبيد ‪ ،‬ملا أحس فيه من مذلة ومهانة الف ما اعتاد عليه العريب يف العصر ا اهل يف سلوكه‬
‫االجتماعي ‪ ،‬ولكن كان رد االب ة مق عا لوالدها بوجهة نظرها ‪ ،‬فاستحسن ردها البليغ »‪ " ،Ϯ‬فقال هلا‪:‬‬
‫يا ب يتيي وأنت يف هذا أشعر"‪ .‬ودل هذا على أن لبيدا « حكم هلا بالشاعرية ‪ ،‬وال يزال هذا ال قد‬
‫أيضا من قبيل ال قد الفطري غري املعلل ‪ ،‬وعرف ا سر ذلك إذ الزال يف طور ال شأة والطور الفطري يف‬
‫تاريخ ال قد العريب الذي ال ي تظر م ه أكثر من ذلك »‪.ϯ‬‬
‫وهكذا تعد نقدات لبيد من نقدات املفاضلة ‪ ،‬فقد فاضل بني الشعر والقرآن العظيم‪ ،‬وقدم‬
‫القرآن وفضله على الشعر ‪،‬كما فاضل بني الشعراء ا اهليني‪ :‬فقدم امرأ القيس مث طرفة ‪ ،‬مث صا ب‬

‫‪438‬‬
‫احملجن ‪ ،‬يع نفسه ‪ ،‬ولكن هذا التقدمي مل يعط فيه تعليال‪ ،‬ألنه قاله ملن يعرفون علة التقدمي ‪ ،‬كما نقد‬
‫شعر اب ته مخاسية ‪ ،‬وشهد هلا بالشلعرية بدون أن يعلل ‪.‬‬

‫‪ -1‬املربد ‪ :‬الكامل يف اللغة واألدب ‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص ص ‪. 61 -60‬‬


‫‪ -2‬عبد اللطيف ا ديدي ‪:‬الشعراء ال قاديف العصر ا اهلي واإلسالمي ‪ ،‬ص ‪. 66‬‬
‫‪ -3‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 66‬‬

‫‪439‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫أسس التجديد ال قدي ع د التابعين‬
‫أوال‪ :‬التجديد في مجالس التابعين الخلفاء‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬التجديد في مجالس التابعين العلماء والفقهاء‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬التجديد في مجالس التابعين األدباء ال قاد‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬التجديد في مجالس األدبيات ال اقدات‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬التجديد في مجالس التابعين ال حاة‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬التجديد في مجالس التابعين الشعراء‪.‬‬

‫أسس التجديد ال قدي ع د التابعين‬

‫‪440‬‬
‫بعد انقضاء عصر الصحابة ا لفاء الذين قادوا عصرهم دي يا وسياسيا وأدبيا‪ ،‬وقادوا حركة ال قد‬
‫نفسا جديدا يف اإلبداع ال قدي‪ ،‬سواء من حيث الت ظري ملفهوم الشعر‪ ،‬أو‬
‫ال أعطت بذورها ال قدية ً‬
‫بيان وظيفته ا ديدة ال خالفوا هبا وظيفة الشعر يف العصر ا اهلي‪ ،‬أو من حيث تشكيلهم ملدرستهم‬
‫ال قدية ‪ ،‬وبانتقال السلطة السياسية إ ب أمية ‪ ،‬حدث ذلك التحول الكبري يف اال ا السياسي‪،‬‬
‫و« أدت الت اقضات السياسية واالجتماعية ال محلتها معها الدولة األموية إ انشطار اجملتمع إ مؤيد‬
‫ومعارض‪ ،‬و ايد‪ ،‬وبذلك انفرط عقد التوازن االجتماعي‪ ،‬الذي سعى املسلمون األوائل إ ترسيخه يف‬
‫ا ياة االجتماعية عرب سلسلة من القوانني والتوجيهات األخالقية اإلسالمية ‪ ،‬وقد امتد هذا االنشطار‬
‫إ ال الشعر والشعراء ‪ ،‬فأصبحوا يتأرجحون بني التأييد واملعارضة وا ياد ‪ ،‬وساهم هذا الت اقض‬
‫السياسي يف اتساع رقعة الشعر باعتبار سلطة متد هذا اال ا أو ذاك بع اصر القوة والصمود »‪ ،ϭ‬وبعد‬
‫أن « تقوض نظام ا كم األول يف دولة ا لفاء الراشدين‪ ،‬تقوض ذلك ا اجز الذي ظل قائما دون‬
‫املثل ا اهلية مي عها ويصدها أو ي به على األقل من شرهتا‪ ،‬فلم تلبث أمواجها ال احتجزت زمانا أن‬
‫انبعثت مث تفجرت واستفاضت وجعلت تغالب الرو ح اإلسالمية ‪ ،‬و اول بكل ما متلك من قوة أن‬
‫تفرض نفسها على اجملتمع‪ ،‬وهتدم تلك املثل ال رأي ا عمر حريصا على قيقها وإقرار سلطاهنا‪،‬‬
‫وحياطة اجملتمع هبا »‪.Ϯ‬‬
‫هلذا‪ ،‬فإن ما حدث يف عصر التابعني من تغري وتطور سياسي وأديب يرجع أساسا إ الساسة‬
‫األمويني‪ ،‬الذين كانوا « كم متك هم من جهاز الدولة وثرواهتا أكثر املتحكمني يف مسار الشعر‬
‫والشعراء ‪ ،‬وتوجيههم بطريقة مباشرة أو غري مباشرة ‪ ،‬ليتالءموا مع سياستهم‪ ،‬ولذلك خصصوا جزءا‬
‫من ثروات الدولة هبات وهدايا للشعراء الذين يتحزبون للدولة أو يظهروا مماالت هلا‪ ،‬ويف الوقت نفسه‬
‫تعرض املعارضون للحرمان واإلبعاد واإلهانة »‪ .ϯ‬ع دئذ أصبح التابعون الشعراء يرتددون و تمعون يف‬
‫بالط ا لفاء والوالة إلنشاد شعرهم ‪ ،‬والفوز با وائز والعطايا‪ ،‬وتوجيه الشعر من خالل بعض ال قدات‬
‫ذات البعد السياسي‪ ،‬وكما يقول عبد العزيز جسوس « وغالبا ما ي تهي ذلك اإلنشاد بإبداء‬
‫مالحظات نقدية حول الشعر الذي مت إنشاد ‪ ،‬قد ال تكون هذ املالحظات ذات مضمون سياسي‬

‫‪ - ϭ‬عبد العزيز حسوس ‪ :‬نقد الشعر ع د العرب يف الطور الشفوي ‪ ،‬ص ‪. ϲϵ‬‬
‫‪ -Ϯ‬مد طه ا اجري‪ :‬يف تاريخ ال قد واملذاهب األدبية العصر ا اهلي ‪ ،‬والقرن األول اإلسالمي ‪ ،‬ص ‪. ϳϬ‬‬
‫‪ -ϯ‬عبد العزيز حسوس ‪ :‬نقد الشعر ع د العرب يف الطور الشفوي ‪ ،‬ص ‪. ϲϵ‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫‪441‬‬
‫واضح ومباشر ‪ ،‬ولك ها على األقل كانت تطمئن إ أن ذلك الشعر ال يتعارض مع السياسة األموية ‪،‬‬
‫فيتم الرتكيز على انتقاد املع والصياغة ‪ ،‬والدفع بالشعراء إ التباري على املعا الظريفة ‪ ،‬والصبغ‬
‫ا ميلة من أجل ا صول على ا ائزة »‪.ϭ‬‬
‫وأدت رغبة التابعني الشعراء من خالل ا صول على ا وائز يف تلك اجملالس بعد االهتمام‬
‫بشعرهم‪ ،‬إ االستزادة ف يا من شعر غريهم‪ ،‬حيث « اوزوا التجويد إ التفكري يف أشعار غريهم‬
‫املعاصرين هلم والسابقني ع هم لالستفادة م ه وإدراك خواصه ‪ ،‬واشتقاق معا وصيغ جديدتني تكونان‬
‫طة تقدير وإعجاب ‪ ،‬ونتيجة هلذا التفكري يف الشعر تواترت عن شعراء هذ ا قبة سلسلة األحكام‬
‫املتبادلة ‪ ،‬ال اهتمت يف عمومها باملعا والصيغ واألغراض واملقارنات بني الشعراء »‪.Ϯ‬‬
‫ولقد قادت سياسة وثقافة عصر التابعني الشعراء إ االستزادة من املوروث الشعري للعصرين‬
‫اإلسالمي وا اهلي‪ ،‬باإلضافة إ االستفادة من القرآن العظيم‪ ،‬والس ة ال بوية الشريفة ‪ ،‬وآراء ومواقف‬
‫الصحابة الفقهية وال قدية‪ ،‬فازدادت ثقافة التابعني ا لفاء والشعراء والعلماء‪ ،‬وتكونت ومنت خربهتم‬
‫و ارهبم الشعرية وال قدية‪ .‬إال أن املطلع على سبل ت امي ال قد وتطور يف عصر التابعني « يدهشه ما‬
‫يرى من اهتمام عام بال قد على مجيع املستويات وبني تلف الطبقات‪ ،‬فال قد األديب يف هذا العصر قد‬
‫أسهم فيه الرجال وال ساء والشعراء وغري الشعراء‪ ،‬كل على قدر ذوقه وفهمه وروحه ونوع ثقافته »‪.ϯ‬‬
‫وهكذا نرى أن االهتمام بال قد لدى التابعني‪ « ،‬كان وليد االهتمام بالشعر ذاته ‪ ،‬ومبا يدور‬
‫حوله من جدل ونقاش بني ال اس أنفسهم يف السهم وم تدياهتم »‪.ϰ‬‬
‫وقد أدى االهتمام بال قد إ تلوين االته وكثرة املهتمني به ‪ ،‬يف املدي ة ومكة والعراق والشام ‪،‬‬
‫حيث شارك يف العملية ال قدية ا لفاء والفقهاء وال حاة واألدباء والشعراء ‪.‬‬
‫وعلى هذا األساس ميكن طر ح السؤال اآليت ‪ ،‬ما هي العوامل ال ساعدت على ت امي ال قد يف‬
‫عصر التابعني وتطور ؟ وهل استطاع التابعون تشكيل مدرسة نقدية ؟ وما هي إضافتها يف ال ال قد ؟‬
‫مما يلفت ال ظر يف عصر التابعني هو « اهتمام األمويون بالشعر والشعراء ‪ .‬فأصبحوا يعقدون لذلك‬

‫‪ -ϭ‬عبد العزيز حسوس ‪ :‬نقد الشعر ع د العرب يف الطور الشفوي ‪ ،‬ص ‪. ϲϵ‬‬
‫‪ -Ϯ‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. ϲϵ‬‬
‫‪ -ϯ‬عبد العزيز عتيق ‪ :‬تاريخ ال قد األديب ع د العرب ‪ ،‬ص ‪. ϭϭϯ‬‬
‫‪ -ϰ‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. ϭϭϯ‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫‪442‬‬
‫الس ضرها أعيان الدولة وكبار الشعراء ‪ ،‬وتعترب هذ اجملالس صيغة متطورة لألسواق األدبية‬
‫القدمية ال كان يشهدها عموم ال اس ويتساوى فيها الشعراء ‪ ،‬يف ا ودة واإلثارة ‪ .‬بي ما هذ اجملالس‬
‫للصفوة‪ ،‬وكان معظم الشعر املتداول قيها يدور حول غرض املد ح ‪ ،‬مد ح ا لفاء ‪ ،‬والكرباء ‪ ،‬هبدف‬
‫ب اء قوة الدولة وتكريس صورهتا يف أذهان ال اس ‪ ،‬وإذا أريد للشعر أن يتجاوز ال املد ح فعليه أن يتجه‬
‫إ الغزل وبعض الطرائف الشعرية ال كانت تضفي على هذ اجملالس ا يوية والتسلية »‪.ϭ‬‬
‫والواضح أن ما كان ري « يف هذ اجملالس هو أن الشعر ا اهلي أصبح خلفية ف ية يصدر ع ها‬
‫الشعراء ‪ ،‬ورؤساء هذ اجملالس إلنتاج الشعر وتقوميه ‪ .‬ومل يعد ي ظر إليه من الزاوية األخالقية والدي ية ‪،‬‬
‫كما الحظ ا بداية ذلك يف ا قبة اإلسالمية ‪ ،‬بل نظر إليه باعتبار ثروة ف ية مثالية ب ا رص عليها‬
‫والصدور ع ها يف اإلنتاجات ا ديدة ‪ .‬وهذ ال ظرة ال تكرست يف هذ ا قبة ستستمر يف املراحل‬
‫الالحقة من تاريخ نقد الشعر ع د العرب‪...‬وبذلك رفعت عن الشعر والشعراء الصفة األخالقية‬
‫االلتزامية ‪ .‬فأصبح للشعر املاجن ال واسع للتداول ‪ .‬بل أصبح له شعراء متخصصون ‪ ،‬يت در‬
‫بشعرهم ويشجعون ضم يا أوصراحة على االستمرار فيه ‪ ،‬ح اشتهر األخطل أنه كان يدخل على‬
‫ا ليفة يف قصر والصليب معلق على صدر و يته تتقاطر مخرا »‪.Ϯ‬‬
‫وقد اتضح أن العوامل املباشرة ال سامهت يف ت امي ا ركتني‪ :‬الشعرية وال قدية وتطورمها زمن‬
‫التابعني وساعدت على تكوين مدرسة التابعني ال قدية‪ ،‬هي اجملالس األدبيةال كان ضرها ا لفاء‪،‬‬
‫والشعراء والفقهاء وال قاد ‪ ،‬وهذ اجملالس هي ‪:‬‬
‫‪ -ϭ‬مجالس التابعين الخلفاء‪ :‬لقد انعكس يف هذ اجملالس اهتمام خلفاء ب أمية بالشعر‬
‫والشعراء ‪ ،‬فعقدوا اجملالس يف قصورهم وجعلوها م ربا للشعر ونقد ‪ ،‬وكانت تدار فيها ا لقات ال قدية‪،‬‬
‫و َسو ِق سيادة ب أمية‪ « ،‬وأشهر من اسَت تقليد هذ اجملالس ورغب فيها وصريها تقليدا متبعا لدى‬
‫الحقيه‪ ،‬هو املؤسس الثا للدولة األموية عبد امللك بن مروان (‪ϴϲ -ϲϱ‬ه)‪ ،‬فقد توافد على قصر‬
‫و السه معظم شعراء هذ ا قبة وخصوصا كبارهم ومشهوريهم ‪ ،‬فضال عن الوازع املادي الذي كان‬

‫‪ -ϭ‬عبد العزيز حسوس ‪ :‬نقد الشعر ع د العرب يف الطور الشفوي ‪ ،‬ص ص ‪. ϴϭ -ϴϬ‬‬
‫‪ -Ϯ‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. ϴϭ‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫‪443‬‬
‫رك هؤالء الشعراء ‪ ،‬ل يل اهلبات على قصائدهم املدحية »‪.ϭ‬‬
‫وقد تعود الشعراء على طرق أبواب الس ا لفاء ومدحهم‪ ،‬فأغدقت األموال على الشعراء‪،‬‬
‫ولعب كل من الشعر والشعراء دورا كبريا يف خدمة سياسة ب أمية ‪ ،‬وتعزيز ملكهم وتقوية سلطاهنم‪،‬‬
‫وبسط نفوذهم على امللك والرعية ‪ .‬وقد غلب على هذ اجملالس مد ح ا لفاء‪ ،‬والكرباء‪ ،‬وشعر الغزل ‪.‬‬
‫‪ -2‬مجالس التابعين العلماء ال قاد‪ :‬إن ا ديث عن موقف التابعني العلماء الفقهاء من الشعر‬
‫والشعراء ‪ ،‬يدفع ا إ القول ‪ :‬على أن « ه اك لون آخر من اجملالس األدبية ‪ ،‬أد إ الوقار ‪ ،‬كان‬
‫ي عقد يف املسجد ‪ ،‬مسجد الرسول ‪‬يف املدي ة ‪ ،‬أو املسجد ا رام مبكة ‪ ،‬وكان مثل هذ اجملالس‬
‫يتحلق حول مجاعة من العلماء الذين كانوا يأخذون ه الك السهم لرواية ا ديث وللتبصر بالدين‬
‫وبيان مبادئه ‪ ،‬وأصوله ‪ ،‬وم اهجه ‪ ،‬ولك هم كانوا إ ذلك أدباء تغلغل األدب يف صميمهم‪ ،‬وكون‬
‫ناحية من نواحي شخصيتهم‪ ،‬فكانوا إ جانب تلك الغاية األو ال أطبعوا أنفسهم عليها يشاركون‬
‫يف ا ياة األدبية ا جازية »‪ .Ϯ‬وكان هؤالء العلماء ي شدون الشعر ‪ ،‬ويروونه ويتمثلون به ‪ ،‬وي قدونه ‪،‬‬
‫فكان م هم من يقول الشعر ا يد الرائع ‪ ،‬يعربون به عن أفكار ونوازعه وخلجاته ال فسية ‪ ،‬كعبيد اهلل‬
‫ابن عبد اهلل بن عتبة بن مسعود (ت‪ϵϴ‬ه) وعروة بن أذي ة (ت‪ϭϯϬ‬ه) وكان م هم الشاعر الذواقة‬
‫الذي يروي الشعر وي شد ويستمع إ إنشاد ‪ ،‬و يد التمييز بي ه كسعيد بن املسيب‪( ϯ.‬ت‪ϵϰ‬ه‬
‫‪ ϳϭϮ‬م) ‪ .‬وغلب على الس العلماء شعر الزهد والغزل العفيف ‪.‬‬
‫‪ -ϯ‬مجالس التابعين األدباء ال قاد ‪ :‬وتدل هذ اجملالس على أن التابعني ال قاد عل غرار ابن أيب‬
‫عتيق يف ا جاز ‪ ،‬الذي ساهم مسامهة فعالة يف ت امي ال قد من خالل السه يف عصر ‪ ،‬كما أن املرأة‬
‫العربية يف عصر التابعني كان هلا دور فعال ومشاركة إ ابية يف ال ا ركة األدبية وال قدية إ جانب‬
‫ال قاد ‪ ،‬وكان هلا موقف إ ايب من الشعر والشعراء‪ ،‬حيث « سامهت يف ال شاط األديب يف بيئة ا جاز‬
‫وشاركت يف حركة ال قد‪ ،‬كالذي نعرفه عن سكي ة ب ت ا سني بن على [‪ϭϮϲ‬ه]‪ ،‬وعقيلة ب ت عقيل‬
‫ابن أيب طالب [ت ؟] ‪ ،‬وكلتامها كانت دارها ناديا من األندية يف ا جاز تمع فيها الشعراء ‪ ،‬وأهل‬

‫‪ - ϭ‬عبد العزيز حسوس ‪ :‬نقد الشعر ع د العرب يف الطور الشفوي ‪ ،‬ص ‪. ϴϮ‬‬
‫‪ -Ϯ‬مد طه ا اجري‪ :‬يف تاريخ ال قد واملذاهب األدبية العصر ا اهلي ‪ ،‬والقرن األول اإلسالمي ‪ ،‬ص‪. ϴϰ‬‬
‫‪ - ϯ‬مصطفى الصاوي ا وي ‪ :‬نقد العرب األديب يف ثالثة عصور‪ ،‬د ‪.‬م ‪ ،‬دار املعارف ا امعية ‪1998 ،‬م ‪ ،‬ص‪.24‬‬

‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫‪444‬‬
‫األدب ورجال الفن و ري فيه حديث الشعر ونقد »‪.ϭ‬‬
‫‪ -ϰ‬مجالس التابعين ال حاة واللغويين ‪ :‬وكانت هذ اجملالس يعقدها علماء ال حو واللغة ل قد شعر‬
‫الشعراء‪ -‬الذين طارت شهرهتم‪ -‬نقدا لغويا‪ ،‬حيث الحظوا على شعرهم األخطاء اللغوية ‪ ،‬فلفتوا نظر‬
‫الشعراء من خالل م هج وقواعد صارمة ‪ ،‬كالذي وقع بني عبد اهلل بن إسحق ا ضرمي والفرزدق ‪.‬‬
‫‪ -ϱ‬مجالس التابعين الشعراء ‪ :‬وهي الس كان يعقدها الشعراء يف مكة واملدي ة أث اء أدائهم للحج‪،‬‬
‫« فيت اشدون الشعر ويفيضون يف حديثه ‪ ،‬ويفاضلون بي ه ويوازنون بني شعراء ا جاز‪ ،‬ويالحظون ما‬
‫ميتاز به هؤالء عن أولئك من خصائص يف معا شعرهم وأساليب صياغتهم‪ ،‬ويكون من ذلك مادة‬
‫خصبة لل قد األديب يف هذ اجملالس‪ ،‬ال ت قل إلي ا كتب األدب بعض أخبارها‪ ،‬د شعراء العراق‬
‫كجرير والفرزدق ‪ ،‬كما د شعراء البادية كال صيب وذي الرمة ‪ ،‬وحني كان جرير يذهب إ املدي ة‬
‫مثال كان طالب األدب والشعر يتسابقون إ ا لوس واالستماع م ه واألخذ ع ه ‪ ،‬كما كان من شعراء‬
‫ا جاز من يقصد إليه ليتحدا ‪ ،‬ويدخل مرائيا يف بعض ألوان ا صومة ‪ ،‬وكذلك تروى أخبار عن‬
‫الفرزدق كتلك ال من جرير‪ ،‬مما يدل ا على ما أتاحه ا جاز و السه للشعر ونقد »‪ Ϯ‬من تطور ‪.‬‬
‫وهكذا تكون اجملالس ال قدية من أهم العوامل املساعدة على ت امي ال قد وتطور يف زمن التابعني‪.‬‬
‫أي العصر األموي ‪ ،‬وميكن توضيح ذلك فيما يأيت ‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬التجديد ال قدي في مجالس التابعين الخلفاء‪:‬‬
‫‪ -ϭ‬رؤية عبد الملك بن مروان في نقد الصور والمعاني الشعرية وتطور ال قد ع د ‪:‬‬
‫لقد بدأنا ا ديث عن الس عبد امللك بن مروان ألنه أشهر من اسَت تقليد هذ اجملالس الشعرية‬
‫وال قدية بالشام ‪ ،‬فكانت الشعراء تأتيه من كل حدب وصوب لتعرض على مسامعه مدائحها ‪ ،‬وكان‬
‫كثريا ما يتعرض يف لسه أث اء مساعه للشعراء املادحني له إ نقد املعا والصور الشعرية ‪ ،‬اصة‬
‫املتمثلة يف " كثرة التشبيهات امل قولة عن البادية "‪ ، ϯ‬املأخوذة من الطبيعة ا ية كتشبيهه باألسد والصقر‬
‫والباز ‪ ،‬والطبيعة الصامتة كالبحر وا بل ‪ ،‬وقد تعودت الشعراء على مدحه هبذ املعا ‪ ،‬حيث‬

‫‪ -ϭ‬مصطفى الصاوي ا وي ‪ :‬نقد العرب األديب يف ثالثة عصور‪ ،‬ص‪.24‬‬


‫‪ -2‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 25‬‬
‫‪ - ϯ‬مد عبد العزيز الكغراوي ‪ :‬تاريخ الشعر العريب يف صدر اإلسالم وعصر ب أمية ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬ص ‪. ϯϰϳ‬‬

‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫‪445‬‬
‫كان يسمع قصائدهم ويطرب هلا و ازيهم عليها ‪ ،‬مث إن عبد امللك رأى أن وصفه هبذ الصفات فيه‬
‫فرق جوهري بني مستوى املديح الذي ميدحه به الشعراء من خالل هذ الصور ‪ ،‬واملستوى الف الذي‬
‫ميدحون به غري ‪ ،‬من خالل ما يضفون عليهم من املعا الدي ية والصور املع وية ‪ ،‬فالحظ أن الشعراء‬
‫يتبارون يف نظم صورته وفق الع اصر الطبيعية املادية‪ ،‬ال رآها ال تعطيه قيمته ا قيقة بصفته بطال‬
‫وخليفة له نزع ه اإلنسانية والدي ية ‪ ،‬والحظ أن بعض املدائح ال َم َد ح الشعراء هبا ُوالته جاءت يف‬
‫أجود مع وأبلع لفظ عما ميدحونه به ‪ ،‬هلذا را ح يبحث عن املعا ا مالية ا ديدة ‪ ،‬و ث الشعراء‬
‫على التغيري يف املعا والصور ال صه ‪ ،‬وطلب من كل شاعر يريد أن ميدحه أال يشبهه باألسد‬
‫والصقر والباز والبحر وا بل ‪ ،‬بل طلب من الشعراء أن يغريوا رى أسلوب وصور ومعا مدحهم له ‪،‬‬
‫كالذي حدث يف لسه مع األخطل‪ ،‬بل ذهب إ حد رفض تشبيهه مبلوك العجم ال تضع على‬
‫رؤوسها التاج‪ ،‬من خالل رفض صور ومعا ابن قيس الرقيات ال مدحه هبا‪ ،‬ووجه الشعراء إ ما قاله‬
‫أمين بن خرمي يف ب هاشم ‪ ،‬وما قاله كعب األشقري يف املهلب وولد ‪ ،‬ووصف عبدة بن الطيب‬
‫لألخبية واملراجيل وامل اديل ‪ ،‬وما قالته أخت ب الشريد ألخيها صخر‪.‬‬
‫إن رفض عبد امللك للمعا والصور الطبيعية ليس مع هذا أنه ال ب الطبيعة ‪ ،‬بل هو ب‬
‫طبيعة البادية يف بساطتها ‪ ،‬وتقشفها ‪.‬‬
‫وهلذا فع دما نتحدث على نقد عبد امللك للشعر على املستوى الف وا ما ‪ ،‬فإن ا نتحدث‬
‫على رؤية عبد امللك املتطورة التجديدية ؛ حيث أراد من الشعراء إعطاء البديل ‪ ،‬و ديد صور املمدو ح‬
‫يف قصائدهم ‪ ،‬وأن يتص مبدائحهم‪ ،‬ويظهر الشعراء يف صورة املمدو ح ا اص هبم ‪ ،‬وإبراز صورته يف‬
‫معا وصور مدحية ذات قيمته دي ية وإنسانية ومع وية ومجالية بني الرعية ‪.‬‬
‫أ‪ -‬وفي مجال نقد المع ى والصورة لـ ـ ـ ـ« قد أنكر عبد امللك من تشبيه املمدو ح باألسد والصخر‬
‫والبحر فأخربنا أبو أمحد قال‪ :‬أخربنا أبو بكر أخربنا عبد األول بن مزبد ‪ -‬أحد ب أنف ال اقة‪ -‬عن‬
‫ابن عائشة عن أبيه قال‪:‬قال عبد امللك يوما وقد اجتمع الشعراء ع د ‪،‬تشبهون ا باألسد‪،‬واألسد أ ر‪،‬‬
‫وبالبحر والبحر أجاج‪ ،‬وبا بل وا بل أوعر‪ ،‬أال قلتم كما قال أمين بن خرمي يف ب هاشم‪[ :‬الوافر]‬
‫ِ‬
‫صالةٌ واق َرتاءُ‬ ‫وليل ُكم َ‬ ‫وم‬
‫وص ٌ‬
‫َ‬ ‫هنارُكم ُمكابدةٌ‬
‫وبي ُكم وبي ُهم اهلََواءُ‬ ‫أَأجعلكم وأقو ًاما َسواءً‬

‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫‪446‬‬
‫ألعي هم وأرؤسهم َمسَاءُ »‪.ϭ‬‬ ‫أرض ألرجل ُكم وأنتم‬
‫وهم ٌ‬
‫إن ال قد املوجه للشعراء نقد بالغي ف ‪ ،‬خاص ب قد صورة التشبيه ‪ ،‬وهو ما يع أن عبد امللك يعرف‬
‫الداللة البالغية للتشبيه ‪ ،‬هلذا لفت نظر الشعراء إ صورهم البالغية ال يضفوهنا عليه ‪ ،‬واألبيات ال‬
‫فضلها عبد امللك تظهر املمدو ح يف صورة شاعرية دي يا ومع ويا‪ ،‬ال تظهر يف قوة وحرب ‪.‬‬
‫‪ -‬ويف موقف مماثل يف نقد املع ‪ :‬أبدى عبد امللك استياء هلذ الظاهرة ‪ ،‬فقال للشعراء‪ « :‬تشبهون‬
‫مرة باألسد‪ ،‬ومرة بالبازي ‪ ،‬ومرة بالصقر ‪ ،‬أال قلتم كما قال كعب األشقري يف املهلب وولد ‪[:‬الوافر]‬
‫ك أهناراً غز ًارا »‪.Ϯ‬‬
‫وفَجر م َ‬ ‫حني يراك ًرا‬
‫يَر َاك اهللُ َ‬
‫« وقد يعجب املرء لصدور مثل هذا من عبد امللك املعروف به ياة البادية البسيطة‪ ،‬املتقشفة‪،‬‬
‫كما يبدو من إعجابه بقول عبدة بن الطيب »‪ ،ϯ‬إذ قال ‪ « :‬عبد امللك بن مروان يوما لسائه ‪،‬‬
‫ض‬‫وكان يتج ب غري األدباء ‪ ،‬أي امل اديل أفضل ؟ فقال قائل م هم‪ :‬م اديل مصر كأهنا ِغر قِئ البَـي ِ‬
‫صَـعتُما َشيئا ‪ ،‬أفضل امل اديل ما‬‫‪...‬وقال آخر‪ :‬م اديل اليمن كأهنا أنوار الربيع ‪ .‬فقال عبد امللك ‪ :‬ما َ‬
‫[البسيط]‬ ‫قال أخو متيم ‪ ،‬يع عبدة بن الطيب‪:‬‬
‫يل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫لَما نـََزل ا نَصب ا ِظل أَخبِية‬
‫وفار للقوم باللحم املراج ُ‬
‫ول‬
‫ما َغيـَر الغَل ُي م هُ فهو َمأ ُك ُ‬ ‫ِِ ِ‬
‫َورٌد وأش َقٌر مايـُؤنيه طا ُهُ‬
‫يل »‪.ϰ‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت قُم ا إِ ُجرد ُم َسوَمة‬
‫أَعرافُـ ُهن ألَيدي ا َمَاد ُ‬ ‫ُمث َ‬
‫إِ ًذا ‪ ،‬فاملعا والصور امل قودة من طرف عبد امللك كلها مأخوذة من البيئة العربية ‪ ،‬ال تعود‬
‫الشاعر العريب على توظيفها يف قصائد ‪ ،‬وإبرازها يف صور ومعانيه الشعرية ‪ ،‬معتقدا أن ذلك أهبى‬
‫وأفضل إلرضاء املمدو ح ‪ ،‬وأخ ِذ ا ائزة م ه‪ ،‬ولكن يبدو أن « عبد امللك بن مروان رغم هذا ا ب‬
‫واإلعجاب بالبادية أراد للشعراء أن مييزوا بني املستساغ وغري املستساغ من مظاهر البادية ‪ ،‬وكأنه بذلك‬
‫يدفعهم إ نوع من التطور ا دير ياهتم ا ديدة ‪ ،‬ودولتهم ال أخذت يف االتساع واالزدهار »‪.ϱ‬‬

‫‪ -ϭ‬أبو هالل العسكري ‪ :‬ديوان املعا ‪ ،‬د ‪.‬م ‪ ،‬عامل الكتب ‪ ،‬د ‪ .‬ت ‪ ،‬ج‪ ،ϭ‬ص ص ‪. Ϯϲ -Ϯϱ‬‬
‫‪ -Ϯ‬مد عبد العزيز الكغراوي ‪ :‬تاريخ الشعر العريب يف صدر اإلسالم وعصر ب أمية ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬ص ‪. ϯϰϳ‬‬
‫‪ -ϯ‬املرجع نفسه ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬ص ‪ϯϰϳ‬‬
‫‪ -ϰ‬املربد ‪ :‬الكامل يف اللغة واألدب ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬ص ‪. ϯϮϳ‬‬ ‫‪.‬‬
‫‪ -ϱ‬مد عبد العزيز الكغراوي ‪ :‬تاريخ الشعر العريب يف صدر اإلسالم وعصر ب أمية ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬ص ‪ϯϰϴ‬‬

‫‪447‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫ب‪ -‬ويف السياق نفسه تكرر موقف رفض عبد امللك من الشعراء أن يشبهو بالطيور وا يوانات ‪،‬‬
‫قال العسكري‪ « :‬أخربنا أبو حامد‪ :‬قال‪ :‬أخربنا أبو بكر بإس اد ذكر عن اهليثم بن عدي قال‪ :‬دخل‬
‫األخطل على عبد امللك بن مروان‪ ،‬فقال‪ :‬يا أمري املؤم ني قد امتدحتك فاستمع م ‪ ،‬فقال‪ :‬إن ك ت‬
‫شبهت بالصقر واألسد فال حاجة مبدحك ‪ ،‬وإن ك ت قلت‪ :‬كما قالت أخت ب الشريد ألخيها‬
‫[الطويل]‬ ‫صخر ‪ ،‬فهات ‪ ،‬فقال األخطل‪ :‬وما قالت يا أمري املؤم ني‪ :‬قال‪ :‬هي ال تقول‪:‬‬
‫ت أَط َو ُل‬ ‫اجملد إال ح ُ ِ‬
‫يث ما نل َ‬ ‫هبا َ َ‬ ‫فما بَلغت كف امرئ ُمتَ َاول‬
‫ض ُل‬‫فيك أَف َ‬
‫ولو أط بُوا إال الذي َ‬ ‫القول ِمد َحةً‬
‫لغ املهدو َن يف ِ‬
‫َوالَ بَ َ‬
‫فقال األخطل‪ :‬واهلل لقد أحس ت القول‪ ،‬ولقد قلت فيك بيتني مامها بدون قوهلا‪ ،‬قال‪ :‬هات‬
‫[الطول]‬ ‫فأنشد‪:‬‬
‫صرِد‬ ‫ِ‬ ‫ِم َن ال ِ‬
‫اس إال يف قَليل ُم َ‬ ‫رف وانـ َقطَ َع ال َدى‬
‫مات العُ ُ‬
‫إذا ُمت َ‬
‫ِمن الدي ِن والدنيا لف َد ِد »‪.ϭ‬‬ ‫ائلني وأم َسكوا‬ ‫َوُردت أكف الس َ‬
‫وقد علق أبو هالل العسكري على بي األخطل ‪ ،‬فقال‪ « :‬وليس سن ع دي أن يقال‪:‬‬
‫للممدو ح " إذا مت " فإن استماع ذلك مكرو وإن كانت الشعراء استعملته يف كثري من مقاماهتا »‪.Ϯ‬‬
‫فالواضح أن عبد امللك رفض مد ح األخطل قبل أن يسمعه مدحه له ‪ ،‬ألنه تعود على مساع‬
‫مدحه وتشبيهه بالطيور الكاسرة كالصقر وا يوانات املفرتسة كاألسد ‪ ،‬لذا فهو ال يضيف إليه قيمة‬
‫إنسانية أوسياسية أومجالية جديدة ‪ ،‬فقد كان يقبل مثل هذ الصور املدحية يف املرحلة األو من بداية‬
‫حكمه ‪ ،‬ولكن ملا استتب له األمر أصبح يرى أن هذ الصور ال تعرب عن وضعه السياسي القائم ‪ ،‬لذا‬
‫وجه الشعراء إ مدحه مبعا أكثر عمقا اجتماعيا وسياسيا وإنسانيا ‪ ،‬تربز د ‪.‬‬
‫ج‪ -‬ومن املواقف ال قدية للمعا والصور الشعرية ال مل ترض ا ليفة عبد امللك يف مدحه ‪ ،‬من ذلك‬
‫[ لع البسيط]‬ ‫« ملا أنشد ابن قيس عبد امللك بن مروان‪:‬‬
‫ب‬ ‫فوق مف ِ‬
‫على َجبني كأنهُ الذ َه ُ‬ ‫رقه‬ ‫التاج َ َ‬
‫تدل ُ‬‫يـَع ُ‬
‫[ا فيف]‬ ‫قال‪ :‬أما ملصعب بن الزبر فتقول‪:‬‬

‫‪ -1‬أبوهالل العسكري ‪ :‬ديوان املعا ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬ص ‪. Ϯϳ‬‬


‫‪ -Ϯ‬املصدر نغسه ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬ص ‪. Ϯϳ‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫‪448‬‬
‫ِِ‬
‫ََلت عن َوجهه الظل َماءُ‬ ‫شهاب من اهلل‬
‫ٌ‬ ‫ب‬‫إمنا ُمصع ٌ‬
‫فتقول‪ :‬على جبني كأنه الذهب »‪.ϭ‬‬ ‫وأما‬
‫فالصورة املدحية ال نقدها عبد امللك يف مد ح ابن قيس له‪ ،‬هي‪ ":‬على جبني كأنه الذهب " وهو‬
‫نقد للمع نقدا مجاليا‪ ،‬ألهنا صورة أعجمية ـ وأن ا لفاء العرب غري متعودين على وضع التاج على‬
‫رؤوسهم‪ ،‬هلذا فضل عبد امللك أن ُميد ح مبعا وصور ف ية روحية‪ ،‬كال ُم ِد َ ح هبا مصعب بن الزبر ‪.‬‬
‫وعلى هذا األساس يتضح املوقف السلي للخليفة عبد امللك من املعا والصور ال ميدحه هبا‬
‫الشعراء ؛ هلذا د قد وضع للشعراء مقياسا نقديا جديدا للمد ح‪ ،‬وللمعا والصور املدحية ا ديدة ‪،‬‬
‫وألزم الشعراء بالتجديد فيما يضفون عليه من الصور واملعا يف مدائحهم‪.‬‬
‫د‪ -‬ومن معا ال قد الثقايف ‪ ،‬ال تكشف عن سعة اطالع عبد امللك بن مروان وتبحر يف فهم‬
‫[الكامل]‬ ‫معا القرآن العظيم وتشريعاته‪ ،‬هو أنه « ملا أنشد الراعي عبد امللك قصيدته فبلغ قوله‪:‬‬
‫سج ُد بُكرةً َوأَ ِصيالَ‬
‫ُحَفاءُ نَ ُ‬ ‫أَ َخليفةَ الرمح ِن إنا َمع َشٌر‬
‫كاة م زالً تَـ ِزيالَ‬‫عرب نـَرى هللِ يف أموالَا حق الز ِ‬
‫ٌ َ‬
‫قال‪ :‬ليس هذا شعرا ‪ ،‬هذا شر ح إسالم ‪ ،‬وقراءة آية »‪.Ϯ‬‬
‫لقد أدرك عبد امللك بن مروان سه ال قدي أن بي الراعي خاليان من املاء الشعري‪ ،‬بل مها‬
‫م ظمان يف شر ح بعض ما جاء به الدين اإلسالمي من تشريعات‪ ،‬أما قراءة اآلية املشار إليها يف ال ص‬
‫﴾ [سورة األحزاب اآلية ‪ ،]ϰϮ‬وقوله تعا ‪ :‬ﭐ ﲰ ‪฀฀ ฀ ฀ ฀‬‬ ‫هي قوله تعا ‪ :‬ﭐ‬
‫﴾ [سورة اإلنسان‬ ‫ﭐﭐ ‪฀ ฀ ฀ ฀ ฀‬‬ ‫‪ ฀‬ﭐ ﴾ [سورة الفتح اآلية ‪ ،]ϵ‬وقوله تعا ‪:‬‬ ‫‪฀ ฀‬‬

‫﴾ [سورة البقرة اآلية‬ ‫‪ :‬ﭐ‪฀ ฀ ฀‬‬ ‫اآلية ‪ ،]Ϯϱ‬وأما ماتشري إليه الزكاة يف البيت‪ :‬هو قوله تعا‬
‫‪.]ϰϯ‬‬
‫وأيا كان ال قد الدي املوجه إ البيتني و« بصرف ال ظر عن القيمة الف ية هلذين البيتني ‪ ،‬فقد‬
‫استقر يف ذهن عبد امللك أن ( قيم اإلسالم والقرآن) شيء ‪ ،‬و( قيم الشعر) شيء آخر ‪ ،‬ألن الشعر‬
‫املطلوب هو شعر املد ح الذي يدم هدفا سياسيا ‪ ،‬فعليه ب الرتكيز ‪ ،‬وع ه تقدم اهلبات واهلدايا ‪.‬‬

‫‪ -1‬الرزبا ‪ :‬املوشح ‪ ،‬ص ‪. ϮϰϮ‬‬


‫‪ -Ϯ‬املصدر تفسه ‪ ،‬ص ‪. ϮϬϳ‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫‪449‬‬
‫وقد أجاد الشعراء وتباروا يف ذلك‪ ،‬غري أن شعرهم أحيانا كان يطفح مبخالفة اللياقة املطلوبة أمام‬
‫ا ليفة فيستشيط غضبا لذلك وقد مي ع ا ائزة »‪.ϭ‬‬
‫ه‪ -‬ومن مآخذ عبد امللك على الشعراء ‪ ،‬أنه حي ما « دخل جرير على عبد امللك بن مروان‬
‫[الوافر]‬ ‫فابتدأ ي شد ‪:‬‬
‫أَتَص ُحو أم فؤ َ‬
‫ادك َغ ُري صا ح‬
‫فقال له عبد امللك‪" :‬بل فؤادك يا ابن الفاعلة " »‪.Ϯ‬‬
‫نالحظ أن رد الفعل من عبد امللك كان سريعا ‪ ،‬يدل على غضب شديد ‪ ،‬ألنه أحس أن‬
‫ا طاب موجه إليه من مساعه ألول البيت ‪ ،‬فرفض كالم جرير ‪ ،‬واألمر كما قال ابن رشيق ‪ « :‬كأنه‬
‫استثقل هذ املواجهة وإال فقد علم أن الشاعر خاطب نفسه »‪.ϯ‬‬
‫و‪ -‬ويف موقف آخر « قال عبد امللك بن مروان لعبيد اهلل بن قيس الرقيات ‪ ،‬و ك يا ابن قيس‪:‬‬
‫[الطويل]‬ ‫أما اتقيت اهلل حني تقول البن جعفر‪:‬‬
‫ارها‬ ‫ِ‬ ‫تزور امرأً َ‬
‫قليل غَز َ‬
‫ود لهُ كف ٌ‬
‫ُ‬ ‫يعلم اهللُ أنهُ‬
‫قد ُ‬ ‫ُ‬
‫وعلمته‬
‫أال قلت‪ :‬قد يعلم ال اس‪ ،‬ومل تقل‪ " :‬قد يعلم اهلل " فقال ابن قيس‪ :‬قد واهلل َعلمه اهلل ‪َ ،‬‬
‫وعلمه ال اس »‪.ϰ‬‬
‫وعلمته أنا ‪َ ،‬‬
‫أنت َ‬
‫[البسيط]‬ ‫ز‪ -‬ومما انتقد عبد امللك من املعا ‪ :‬أنه « ملا أنشد األخطل عبد امللك‪:‬‬
‫احوا ِم َ‬
‫ك أو بَ َك ُروا "‬ ‫ني فَر ُ‬
‫ِ‬
‫"خف ال َقط ُ‬
‫َ‬
‫تطري عبد امللك ‪ ،‬قال‪ :‬ال بل م ك ‪ ،‬ال بل م ك ‪ ،‬فجعل األخطل‪:‬‬
‫اليوم أو بَ َك ُروا "‬
‫َ‬ ‫احوا‬
‫" فَر ُ‬
‫قال علي بن ىي‪ :‬وذكر بعض أهل العلم أنه ملا انتهى من القصيدة إ قوله‪:‬‬
‫أتاك بِبط ِن الغُ ِ‬
‫وطة ا َبَـ ُر‬ ‫ِ‬
‫ني بَا ملا َ َ‬ ‫أمري املؤم َ‬
‫ت َ‬ ‫وقد نُصر َ‬

‫‪ -ϭ‬عبد العزيز حسوس ‪ :‬نقد الشعر ع د العرب يف الطور الشفوي ‪ ،‬ص ‪. ϴϮ‬‬
‫‪ -Ϯ‬ابن رشيق ‪ :‬العمدة ‪،‬ج‪ ، ϭ‬ص ص ‪. ϭϴϱ -ϭϴϰ‬‬
‫‪ -ϯ‬املصدر نفسه ‪،‬ج‪ ، ϭ‬ص ‪.ϭϴϱ‬‬
‫‪ -ϰ‬أبوالفرج األصفها ‪ :‬األغا ‪ ،‬طبعة دار الكتب املصرية ‪،‬ج‪ ، ϱ‬ص ‪. ϴϭ‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫‪450‬‬
‫فقال عبد امللك‪ :‬بل اهلل أيد »‪.ϭ‬‬
‫والواضح أن عبد امللك أث اء مساعه ملديح األخطل قد سجل مالحظتني حول قصيدته ‪ ،‬ألنه كان‬
‫صرت‬
‫ك " تطري م ها ‪ ،‬و " نُ َ‬ ‫احوا م َ‬
‫يتفطن ألد كلمة تسيء مع اها إ مسعته ‪ ،‬فقول األخطل " فر ُ‬
‫بَا " فال صر هو من املعا الشاملة املتممة لشخصية عبد امللك فهو م تصر سياسيا واجتماعيا‬
‫واقتصاديا ‪ ،‬وليست من املعا ا زئية ال ميكن أن يغفل ع ها ويتسامح فيها مع الشاعر ‪ ،‬وبالتا‬
‫فهذا ال قد ليس نقدا جزئيا ‪ ،‬بل هو نقد للمعا املكملة مال القصيدة ‪ ،‬وهلذا د عبد امللك يراقب‬
‫كل معا الشعر ال يسمعها يف لسه أوتبلغه عن الشعراء ‪ ،‬في قدها ويرد على الشعراء ‪ ،‬وأحيانا‬
‫يرفضها ويتخذ م ها موقفا سلبيا ‪ ،‬وقد رم صاحبها ا ائزة ‪.‬‬
‫ح‪ -‬هذا وقد كان لغرض الغزل مكانة نقدية يف لس ا ليفة عبد امللك بن مروان‪ ،‬مثله مثل غرض‬
‫صيب‪[ :‬الطويل]‬
‫املد ح‪ ،‬ولكن عبد امللك قد أثار ا وار وال قاش يف لسه بني الشعراء‪ ،‬حول « قول نُ َ‬
‫يم ِهبا بـَع ِدي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أ ًُوك ُل ب َدعد َمن يَه ُ‬ ‫حييت وإن أ َُمت‬
‫ُ‬ ‫يم بِ َدع ما‬ ‫ِ‬
‫أَه ُ‬
‫فلم د الرواة وال َمن يفهم جواهر الكالم له مذهبا حس ا ‪ .‬وقد ذكر عبد امللك ذلك لسائه‬
‫رجل م هم ك ت أقول‪:‬‬ ‫فكل عابه‪ ،‬فقال عبد امللك‪ :‬فلو كان إليكم كيف ك تم قائلني ؟ فقال ٌ‬
‫يم ِهبا بـَع ِدي‬ ‫ِ‬
‫َفوا َحرا ُ َمن َذا يَه ُ‬ ‫حييت وإن أ َُمت‬
‫ُ‬ ‫يم بِ َدعد ما‬ ‫ِ‬
‫أَه ُ‬
‫ت قائال يف ذلك يا أمري املؤم ني ؟‬ ‫فقال عبد امللك‪ :‬ما قلت واهلل أسوأَ مما قاله‪ ،‬فقيل له فكيف ك َ‬
‫فقال‪ :‬ك ت أقول‪:‬‬
‫صلُ َحت َدع ٌد لِذي ُخلة بـَع ِدي‬ ‫حييت وإن أَُمت فالَ َ‬ ‫يم بِ َدعد ما ُ‬
‫ِ‬
‫أَه ُ‬
‫أشعر الثالثة يا أمري املؤم ني »‪.Ϯ‬‬
‫فقالوا‪ :‬أنت واهلل ُ‬
‫فالشاعر نصيب عرب من حالل البيت عن التعلق باحملبوب‪ ،‬وقد علق املربد على خطاب البيت‬
‫بقوله‪" :‬فلم د الرواة وال َمن يفهم جواهر الكالم له مذهبا حس ا"‪ ،‬مع هذا أنه ال املربد وال الرواة‬
‫وال ذوي األلباب استطاعوا أن يقرتحوا مع بديال ‪.‬‬
‫ومن هذا امل ظور‪ ،‬فإن ا دل الذي أثار عبد امللك بني ا اضرين حول ا طاب الشعري‬

‫‪-ϭ‬املرزبا ‪ :‬املوشح ‪ ،‬ص ‪. ϭϴϳ‬‬


‫‪ -Ϯ‬املربد‪ :‬الكامل يف اللغة واألدب ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬ص ‪. ϭϬϲ‬‬

‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫‪451‬‬
‫ل صيب‪ ،‬دل على أن عبد امللك مل يستسغ مع البيت ‪ ،‬هلذا قال ملن يف اجمللس‪ " :‬فلو كان‬
‫إليكم كيف ك تم قائلني ؟ "‪ ،‬وقد حاول بعضهم إعطاء مع بديال‪ ،‬ولك ه مل يق ع عبد امللك‪ ،‬ألن‬
‫ال قد املوجه إ مع البيت‪ ،‬ليس نقدا ف يا وال لغويا وال مجاليا‪ ،‬بل هو طلب التعليل لقول نصيب‬
‫الذي أخفق يف التعبري عن تعلقه مبحبوبته‪ ،‬و« تلهف على من يهيم هبا بعد »‪ .ϭ‬وهو شعور داخلي‬
‫ونظرة نفسية خلقية ‪ ،‬خاطب هبا نصيب العشاق واحملبني‪ ،‬هلذا فإن عبد امللك عرب من خالل املع‬
‫صلُ َحت َدع ُد لِذي ُخلة بـَع ِدي "‪ -‬فعرب عما ول اطر ا احملبوب‪ ،‬ليدل‬‫الذي اقرتحه‪ " -‬فالَ َ‬
‫على أن احملب الذي يهيم مبحبوبه اليتم له التعلق بشخص آخر‪ ،‬وذلك لدوام الوفاء‪ ،‬ومع ذلك فإن‬
‫املع البديل الذي اقرتحه عبد امللك وأرضى ا اضرين‪ ،‬ليس هو املخرج ال هائي ملع البيت‪ ،‬وإمنا هو‬
‫يبني التفاضل بني املعا وأمهية داللتها‪ ،‬وما إعجاب ا اضرين باهلدف من املع الذي اقرتحه عبد‬
‫امللك‪ ،‬إال دليال على أنه مس جانبا شعوريا لديهم‪ ،‬هلذا شهد له من يف اجمللس بالشاعرية‪ ،‬وعدوا رأيه‬
‫نظرة جديدة يف نقد املع ‪.‬‬
‫المفاضلة بين الشعراء ع د عبد الملك بن مروان ‪:‬‬
‫دأب عبد امللك على اورة الشعراء يف لسه‪ ،‬وإثارة القضايا األدبية والف ية معهم‪ ،‬سواء نقد‬
‫الشعر أو املفاضلة بني الشعراء‪ ،‬ويبدو أن املسامرة حول الشعر امتدت إ ولد وأهل بيته‪ ،‬وعن ذلك‪:‬‬
‫‪ -ϭ‬روي عن أيب عبيدة قال‪ « :‬كا ن عبد امللك بن مروان ذات ليلة يف مسر مع ولد وأهل بيته‬
‫وخاصته ‪ ،‬فقال‪ :‬ليقل كل واحد م كم أحسن ما قيل من الشعر‪ ،‬وليفضل من رأى من الشعراء‬
‫تفضيله‪ ،‬فأنشدوا وفضلوا‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬امرؤ القيس‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬ال ابغة ‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬األعشى‪،‬‬
‫[الطويل]‬ ‫وملا فرغوا ‪ ،‬قال‪ :‬أشعر واهلل من هؤالء مجيعا الذي يقول‪:‬‬
‫حلم‬
‫لمي ع هُ وهو ليس لهَ ُ‬ ‫َ‬ ‫أظفار ضغ ِه‬
‫َ‬ ‫قلمت‬
‫ُ‬ ‫وذي رح ِم‬
‫قطيعتها تلك السفاهةُ والظلَ ُم‬ ‫وص َل القراب ِة سام‬
‫َ‬ ‫إذا ُمستهُ‬
‫وليس الذي يب كمن َشأنُهُ اهلَد ُم‬ ‫دم مصا ِي‬ ‫أسعى لكي اب ويه ُ‬ ‫و َ‬
‫ال لهُ َرغ ُم‬ ‫و ِ‬
‫كاملوت ع د أن ي َ‬ ‫غريُ‬
‫َ‬ ‫اول‬
‫اول رغمي ال ُ‬ ‫ُ‬
‫هاض هبا ال َعظ ُم‬‫عدو يست ُ‬
‫ٍّ‬ ‫سهام‬
‫َ‬ ‫مثل رائش‬
‫فإن انتصر م ه أكن َ‬
‫‪ -ϭ‬ابن عبد ربه ‪ :‬العقد الفريد ‪ ،‬ج‪ ، ϱ‬ص ‪. ϯϲϮ‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫‪452‬‬
‫سهمه ما دام يف ِ‬
‫كفه السه ُم‬ ‫ِ‬ ‫على‬ ‫قادر‬
‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ال أي واملرءُ‬ ‫فبادر م‬
‫ذنبه ِعل ُم‬
‫وليس له بالصفح عن ِ‬
‫ُ‬ ‫أعف ع ه أغض جفًا على القذى‬ ‫فإن ُ‬
‫ِ‬
‫عليه كما و على الولد األُم‬‫ِ‬ ‫وتعطف‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫لت يف لني لهُ‬‫فما ز ُ‬
‫يضيق به ا َزُم‬
‫ُ‬ ‫وإن كان ذا ضغن‬ ‫سللته‬ ‫الضغن ح‬
‫َ‬ ‫ألستل م هُ‬
‫فقالوا‪ :‬يا أمري املؤم ني من قائل هذ األبيات ؟ فما أحس ها وأرضاها ‪ ،‬قال‪ :‬معن* بن أوس املز »‪.ϭ‬‬
‫البارز يف ال ص هو حفظ عبد امللك لعيون الشعر العريب‪ ،‬وأن لسه قائم باستمرار ح مع أوالد‬
‫فيحادثهم يف الشعر‪ ،‬مث إن عبد امللك ملا قال ألوالد ‪ " :‬ليقل كل واحد م كم أحسن ما قيل من‬
‫الشعر" عرفوا أنه يقصد الشعر ا اهلي‪ ،‬وهو يعرف أن أوالد اليلمون بالشعر ا اهلي كله‪ ،‬وإمنا هو‬
‫يعلمهم حفظ الشعر وروايته وطريقة املوازنة بني الشعراء‪ ،‬فأوالد ذكروا شعرا لشعراء جاهليني‪ :‬امرؤ‬
‫القيس‪ ،‬األعشى‪ ،‬وال ابغة‪ ،‬وفاضلوا بي هم‪ ،‬ومل يتفقوا على واحد‪ « ،‬ولك هم اتفقوا على ا قبة التاريية‬
‫ما يؤكد رسوخ الشعر ا اهلي يف أذهاهنم باعتبار الشعر املثا ‪ ،‬واملرجعية الف ية ال يقاس هبا شعر‬
‫اآلخرين »‪ .Ϯ‬ولكن عبد امللك ذكر شعرا ملعن بن أوس‪ ،‬وهي املعا ال أعجبته واستحس ها أوالد ‪.‬‬
‫‪-Ϯ‬ومما يدخل يف نقد املعا ما « قال أبو قطيفة عمرو بن الوليد بن عقبة بن أيب معيط لعبد امللك‬
‫[الطويل]‬ ‫ابن مروان‪:‬‬
‫املسل ُم‬
‫َ‬ ‫الصحيح‬
‫ُ‬ ‫ومن ذا ِمن ال اس‬
‫َ‬ ‫ابن ال َقلمس عابَ‬ ‫ت أن َ‬ ‫نـُبئ ُ‬
‫املعم ُم‬ ‫ئيس‬ ‫ِ‬ ‫الرشد سي ُد ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫وقد يـُبص ُر الرش َد الر ُ‬‫قومه‬ ‫فأبصر ُسبُ َل‬
‫َ‬
‫وقد جعلت أشياءُ تَـب ُدو وتُكتَ ُم‬ ‫فَمن أنتم ؟ ها َخربونا من أنـتُم؟‬
‫فقال عبد امللك‪ :‬ما ك ت أرى أن مثل ا يقال له‪ :‬من أنتم ؟ أما واهلل لوال ما تعلم لقلت قوال‬

‫*«معن بن أوس املز بن نصر بن زياد بن أسعد بن سحيم بن عدي بن ثعلبة بن ذؤيب بن سعد بن عثمان بن عمرو بن أد بن طلحة ‪ ،‬وأم عثمان‬
‫وم َع ٌن رضيع عبد اهلل بن الزبري ‪ ،‬وكان مصاحبا له ‪ ،‬وكف يف آخر عمر ‪...‬شاعر‬ ‫ِ‬
‫ابن عمرو ُمزنيةُ ب ت َكلب بن َوبـَرةُ ‪ ،‬غلبت عليهم‪ ،‬فُسبوا إليها ‪َ .‬‬
‫فحل ‪ ،‬له مدائح يف مجاعة من الصحابة ‪ .‬رحل إ الشام والبصرة ‪ ،‬له أخبار مع عمر بن ا طاب ‪ ،‬وكان معاوية بن أيب سفيان يفضله ‪ ،‬ويقول‪:‬‬
‫أشعر أهل ا اهلية زهري بن أيب سلمى ‪ ،‬وأشعر أهل اإلسالم اب ه كعب ومعن بن أوس "‪.‬مات يف املدي ة و ‪ϲϰ‬هـ ‪ .‬وله ديوان شعر طبع أكثر من‬
‫مرة » ‪.‬‬
‫‪ -‬املرزبا ‪ :‬معجم الشعراء ‪ ،‬ص ‪. ϯϴϬ‬‬
‫‪ -ϭ‬أبو هالل العسكري ‪ :‬ديوان املعا ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬ص ص ‪. ϭϱϯ -ϭϱϮ‬‬
‫‪ -Ϯ‬عبد العزيز حسوس ‪ :‬نقد الشعر ع د العرب يف الطور الشفوي ‪ ،‬ص ‪. ϴϱ‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫‪453‬‬
‫أ قتك بأصلك ا بيث ‪ ،‬ولضربتك ح املوت »‪.ϭ‬‬
‫فعبد امللك مل يستسغ خطاب أبو قطيفة ملا قال له " فمن أنتم ؟ ها خربونا من أنتم" ؟ باعتبار‬
‫املتلقي املباشر لشعر ‪ ،‬األمر الذي هدد فيه الشاعر بالطرب ح املوت ‪ ،‬وبالتا فالتجاهل امل عوي يف‬
‫البيت يدل على عدم إظهار ا ليفة املخاطب يف ما يليق بقيمته املع وية ‪.‬‬
‫نظرة عبد الملك بن مروان للشعر ‪:‬‬
‫لقد كان لعبد امللك بن مروان بعض اآلراء يف الشعر‪ ،‬برزت نتيجة روايته وحفظه للشعر‪،‬‬
‫وممارسته لل قد‪ ،‬وهي مب ية على رؤية نقدية وتربوية ث على مكارم األخالق ‪ ،‬وهتذيب الذوق الف ‪.‬‬
‫من ذلك أن عبد امللك قال‪ « :‬تعلموا الشعر ففيه اسن تبتغى ومساوئ تتقى »‪.Ϯ‬‬
‫وروي عن عبد امللك بن مروان أنه كان حريصا كل ا رص على تعليم أوالد الشعر وروايته ‪،‬‬
‫ألنه يرى يف ذلك سي ا ألخالقهم ومكارمهم ‪ ،‬وكان يتار كبار الرواة للشعر ليعلموا أوالد الشعر‪«،‬‬
‫فدفع ولد إ الشع ليؤدهبم ‪ ،‬فقال‪ :‬علمهم الشعر ميجدوا وي جدوا »‪.ϯ‬‬
‫وكان عبد امللك وجه مؤدب ولد ‪ ،‬لريوي هلم أشعار املشهورين من الشعراء ‪ ،‬كالذي قاله ‪:‬‬
‫«أدهبم برواية شعر األعشى‪ ،‬فإن لكالمه عذوبة ‪ ،‬قاتله اهلل ما كان أعذب ر ‪ ،‬وأصلب صخر ‪ ،‬فمن‬
‫زعم أن أحدا يف الشعر أشعر من األعشى‪ ،‬فليس يعرف الشعر »‪.ϰ‬‬
‫وقد أوصى مؤدب ولد أن ال يروي ألوالد شعر هذيل ألنه ال يعلمهم الشجاعة واإلقدام ‪ ،‬وال‬
‫يعلمهم شعر أحيحة ‪ ،‬فقال له‪ « :‬رو ب الشعر يعرفوا به مكارم األخالق ‪ ،‬وال تروهم شعر هذيل‬
‫فتزين هلم الفرار ‪ ،‬وال شعر أحيحة بن ا ال ح فتحسن هلم البخل »‪.ϱ‬‬
‫والواضح أن هذ التوجيهات تدل على علم عبد امللك بالشعر ومعرفة جيد وقيمته الف ية واألخالقية‪.‬‬

‫‪ -ϭ‬الطربي ‪ :‬تاريخ الطربيي ‪ ،‬ج‪ ، ϲ‬ص ‪. ϰϮϭ‬‬


‫‪ -Ϯ‬نقال عن ‪ :‬ولد قصاب ‪ :‬ال قد العريب القدمي نصوص يف اال ا اإلسالمي وا لقي ‪ ،‬ص‪. ϴϬ‬‬
‫‪ -‬الراغب األصبها ‪ :‬اضرات األدباء ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬م شورات دار مكتبة ا ياة ‪ϭϯϵϰ ،‬هـ‪ϭϵϳϰ‬م ‪ ،‬ج‪ ،ϭ‬ص ‪. ϳϵ‬‬
‫‪ -ϯ‬ابن قتيبة ‪ :‬عيون األخبار ‪ ،‬ج‪ ،Ϯ‬ص‪. ϭϲϳ‬‬
‫‪ -ϰ‬القرشي ‪ :‬مجهرة أشعار العرب ‪ ،‬ص ‪. ϲϳ‬‬
‫‪ -ϱ‬نقال عن ‪ :‬ولد قصاب ‪ :‬ال قد العريب القدمي نصوص يف اال ا اإلسالمي وا لقي ‪ ،‬ص‪. ϴϲ‬‬
‫‪ -‬نثر الدر ‪ :‬اآليب ‪ ،‬قيق ‪ :‬مد علي قرنة‪،‬بغداد ‪ ،‬دار البيان ‪ ،‬لب ان ‪ ،‬دار مصعب ‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬

‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫‪454‬‬
‫كما وجه عبد امللك بن مروان ا جاج إلجازة الشعراء‪ ،‬حيث حرمهم جوائزهم ع د أول مقدمه‬
‫إ العراق ‪ ،‬فكتب إليه عبد امللك وبني له قيمة وأمهية الشعراء األخالقية ‪ ،‬فقال له‪ « :‬أجز الشعراء‬
‫فإهنم تبون مكارم األخالق و رضون على الرب والسخاء »‪.ϭ‬‬
‫بكل تأكيد فإن هذ اآلراء واألحكام ال قدية ‪ ،‬الف ية وا لقية للشعر‪ ،‬نظر إليها عبد امللك‬
‫مب ظور عصرها فهي جديدة‪ ،‬تدل على أن نظرة عبد امللك للشعر مل تكن نظرة ف ية دمة سياسية‬
‫ملك أو تعصب لقبيلة ‪ ،‬بل اوز مرحلة قول الشعر ومساعه للشعراء يف لسه وإجازهتم على مدحهم‬
‫له ‪ ،‬فخربته مع الشعراء يف لسه طورت نظرته للشعر‪ ،‬وجعل زونه األديب وثروة الف ية مرجعا‬
‫للمعلمني واملؤدبني والرواة ‪ ،‬ليستعي وا هبا يف تربية األب اء ‪ ،‬حيث عل من الشعر وسيلة تعليم مكارم‬
‫األخالق ‪ ،‬وهتذيب األنفس ‪ ،‬وت شئة الصغار على حفظ عيون الشعر‪ ،‬ليشبوا على الشجاعة واإلقدام‬
‫‪ ،‬هلذا كان يكرم الشعراء و يزهم و ث والته على إجازهتم ‪ ،‬ليبدعوا و ددوا من شعرهم ‪.‬‬
‫‪ -Ϯ‬أما الموقف ال قدي ع د باقي التابعين الخلفاء فقد استمر ال قد يف السهم‪ ،‬فكانوا ي ظرون‬
‫فيما يطر ح عليهم من قضايا نقدية ‪ ،‬وأحيا نا يصل ا دل يف ال ظرة ال قدية إ حد الشجار ‪ ،‬كالذي‬
‫حدث بني الوليد بن عبد امللك(ت‪ϴϲ‬ه‪ϳϬϱ‬م)ا ليفة األموي السادس ومسلمة*أخو (ت ‪ϭϮϬ‬ه‬
‫‪ϳϯϴ‬م)‪ ،‬قال صاحب املوشح‪ « :‬تشاجر الوليد بن عبد امللك ومسلمة أخو يف شعر امرئ القيس‬
‫وال ابغة الذبيا يف وصف طول الليل أيهما أجود ‪ .‬فرضيا بالشع ‪ ،‬فأحضر‪ ،‬فأنشد الوليد‪[ :‬الطويل]‬
‫ب‬‫أقاس ِيه بَط ِئ الكواكِ ِ‬ ‫ناصب وليل ِ‬ ‫ِ‬ ‫كِلي ِهلَم يا أ َُمي َمةَ‬
‫ب‬‫جوم بِآيِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ت ليس مبُ قص وليس الذي يـَر َعى ال َ‬ ‫تطاو َل ح قـُل ُ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫ِ‬
‫ف فيه ا ز ُن من ُكل جان ِ‬ ‫اع َ‬
‫عازب َمهه تَض َ‬ ‫َ‬ ‫ا ح اللي ُل‬
‫وصدر أ ََر َ‬ ‫َ‬
‫[الطويل]‬ ‫وأنشد مسلمة قول امرئ القيس‪:‬‬
‫موِم لِيَبتَلي‬ ‫وليل ِ ِ‬
‫كموج البحر أرخى ُس ُدولَهُ علي بأَنو ِاع اهلُ ُ‬
‫أعجازا وناءَ بِ َكل َكلِي‬
‫ً‬ ‫صلبِ ِه وأَرَد َ‬
‫ف‬ ‫ِ‬
‫فقلت لهُ ملا متََطى ب ُ‬ ‫ُ‬

‫‪ -ϭ‬نقال عن ‪ :‬ولد قصاب ‪ :‬ال قد العريب القدمي نصوص يف اال ا اإلسالمي وا لقي‪ ،‬ص‪. ϴϲ‬‬
‫‪ -‬الراغب األصبها ‪ :‬اضرات األدباء ‪ ،‬ج‪ ،ϭ‬ص ‪.ϳϵ‬‬
‫*« أمري أموي قاد جيش أخيه يزيد الثا وقضى على ثورة يزيد بن املهلب عامل خراسان » ‪.‬‬
‫‪ -‬امل جد يف اللغة واألعالم ‪ ،‬ص ‪. ϱϯϯ‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫‪455‬‬
‫فيك بِأَمثَ ِل‬
‫با ح َ‬
‫صبح وما اإلص ُ‬ ‫بُ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الطويل أالَ ا َ ِل‬ ‫أَالَ أيها اللي ُل‬
‫بِ ُكل ُمغَا ِر ال َفت ِل ُشدت بِيَذبُِل‬
‫ومهَ‬
‫فيالك من ليل كأن ُُ َ‬
‫صم َج َد ِل‬ ‫َكأن الثـريا عل َقت يف م ِ‬
‫اس َكتان إِ ُ‬
‫صامها‬ ‫بأمر ِ‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫‪ϭ‬‬
‫قال‪ :‬فضرب الوليد برجله طربا‪ ،‬فقال الشع ‪ :‬بانت القضية » ‪.‬‬
‫وهذا االنفعال يدل على « أن طرب املتقبل إذن مقياس هام ميكن أن يعتمد إلبراز »‪ Ϯ‬قيمة‬
‫ال ص ا مالية ‪ .‬و« يب الصو على هذ املفاضلة مقارنة طريفة‪ ،‬اول أن يتعرف إ األسباب ال‬
‫أدت إ تفضيل امرئ القيس مث يعرض إ تطور هذا املع فيقول‪ " :‬املبتدئ امرئ القيس فإنه ذقه‬
‫وحسن طبعه وجودة قر ته‪،‬كر أن يقول‪ :‬إن اهلم يف حبه يف ع ه يف هنار ويزيد يف ليله فجعل الليل‬
‫وال هار سواء عليه يف قلقه ومهه وجزعه وغمه "‪ .‬فأحسن يف هذا املع الذي ذهب إليه وإن كانت‬
‫العادة غري والصورة التوجبه »‪ . ϯ‬كما أن هذا ال قد يدل على أن ا ليفة عبد امللك قد وصل إ مبتغا‬
‫مع أوالد ‪ ،‬حيث « أصبح الشعر ا اهلي من أهم فوظاهتم‪ ،‬وكيف ال وقد تعودوا على ذلك يف‬
‫جلسات أبيهم »‪.ϰ‬‬
‫‪ -‬ومن املواقف ال قديىة للوليد بن عبد الملك ‪ ،‬نقد لبعض معا جربر‪ « :‬روي عن عمارة بن‬
‫[الطويل]‬ ‫عقيل ‪ ،‬ملا بلغ الوليد قول جرير‪:‬‬
‫شئت ساقكم قَ ِطيَا‬ ‫ِ‬
‫لَو ُ‬ ‫شق خليفةٌ‬
‫ابن َعمي يف دم َ‬
‫َه َذا ُ‬
‫لوشئت‪ ،‬فجعل شرطي‬ ‫ُ‬ ‫لفعلت ذلك‪ ،‬ولك ه قال‪:‬‬
‫ُ‬ ‫قال الوليد‪ :‬أنا واهلل لوقال‪ :‬لو شاءَ ساقكم‬
‫له »‪.ϱ‬‬
‫شئت " وكأن جريرا أصبح بيد األمر واملشيئة ‪،‬‬
‫فالوليد َش َعر وكأن الكالم ال يصه ‪ ،‬يف قوله ‪ ":‬لو ُ‬
‫يأمر ا لفاء كيفما شاء‪ ،‬فوصف جرير الوليد بالشرطي كأنه جاهل بداللة املعا ‪ ،‬ألن املع الصائب‬
‫هو " لو شاء ساقكم " وهو مع تضمن كالما فيه طلبا من الوليد ‪.‬‬

‫‪ -ϭ‬املرزبا ‪ :‬املوشح ‪ :‬ص ص ‪. Ϯϴ -Ϯϳ‬‬


‫‪ -Ϯ‬توفيق الزيدي ‪ :‬مفهوم األدبية يف الرتاث ال قدي إ هناية القرن الرابع ‪ ،‬ص‪. ϭϱ‬‬
‫‪ -ϯ‬داود سلوم ‪ :‬تاريخ ال قد العريب من ا اهلية ح القرن الثالث اهلجري ‪ :‬ص ‪. ϲϮ‬‬
‫‪ -ϰ‬عبد العزيز حسوس ‪ :‬نقد الشعر ع د العرب يف الطور الشفوي ‪ ،‬ص ‪. ϴϱ‬‬
‫‪ -ϱ‬املرزبا ‪ :‬املوشح ‪ ،‬ص ‪. ϭϲϬ‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫‪456‬‬
‫‪ -ϯ‬وجاء يف الشعر والشعراء ‪ « :‬وقال سليمان بن عبد الملك للعجاج إنك ال سن اهلجاء ‪،‬‬
‫فقال‪ :‬إن ل ا أحالما مت ع ا من أن نَظلم وأحسابا مت ع ا من أن نُظلم ‪ ،‬وهل رأيت بانيا ال سن أن‬
‫يهدم »‪.ϭ‬‬
‫فال ص يعكس اهتمام سليمان بالشعر‪ ،‬وسؤاله للعجاج عن اهلجاء ألنه مل يسمع م ه إال املد ح ‪،‬‬
‫لذا بني له العجاج أن اهلجاء ظلم‪ ،‬وهو اول أن يتج به‪ ،‬ألن قيمه ا لقية واالجتماعية مت عه من‬
‫ا وض فيه ‪ ،‬واملقصود بالب اء هو املد ح‪ ،‬وبالتا فما يقدمه من ث اء يف املديح ال ي اقضه باهلجاء ‪.‬‬
‫‪ -‬ويف موقف ثان ا ذ سليمان بن عبد امللك من الفرزدق موقفا فقهيا سلبيا ‪ ،‬على جرأته عليه يف‬
‫[الطويل]‬ ‫لسه ‪ ،‬وذلك ملا « أنشد الفرزدق سليمان بن عبد امللك‪:‬‬
‫متيل إ َ ِمشَ ِامي‬
‫وسادسةٌ ُ‬
‫َ‬ ‫س‬
‫ثالث واث تان فهن َمخ ٌ‬ ‫ٌ‬
‫الق ا ِتَ ِام‬ ‫ِ‬
‫وبِت أَفُض أغ َ‬ ‫مطرحات‬ ‫َت َجَابـَ َ‬‫فبِ َ‬
‫ومجر َغضى قَـعد َن ِ‬
‫عليه َح ِام‬ ‫ان ِ‬
‫فيه‬ ‫كأن م َفالِق الرم ِ‬
‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َ َ‬
‫إمام فالبد من إقامة ا دعليك‪،‬‬ ‫فقال له سليمان أخللت ب فسك أقررت عليها ع دي بالزنا‪ ،‬وأنا ٌ‬
‫‪[ ﴾ ฀฀ ฀ ฀‬سورة‬ ‫قال‪ :‬ومن أين أوجبته علي ؟ قال‪ :‬لقول اهلل عز وجل ‪ :‬ﭐ ‪฀ ฀ ฀‬‬

‫ال ور اآلية ‪ ،]2‬قال الفرزدق ‪ :‬فإن كتاب اهلل يدرؤ ع بقوله تبارك وتعا ‪ :‬ﭐ ‪ ฀‬ﲨ‬

‫‪[฀‬سورة الشعراء اآليات ‪. 224‬‬ ‫‪ ฀ ฀‬ﲬ ‪ ฀ ฀ ฀‬ﲰ ‪฀ ฀ ฀ ฀ ฀‬‬

‫‪ ،]226 . 225‬فأنا قلت ما مل أفعل »‪.Ϯ‬‬


‫هذ األبيات املذكورة يف ال ص‪ ،‬جاءت حسب ورودها يف ديوان الفرزدق يف قصيدة من اث تني‬
‫ومثانني بيتا يف مد ح هشام بن عبد امللك ‪ ،‬ويبدو أن سليمان بن عبد امللك مل يكن متساهال مع‬
‫الفرزدق ‪ ،‬ألن األبيات إذا أرضت هشاما فسليمان مل يرض عن معانيها ‪ ،‬وكما قال عبد اهلل محادي ‪:‬‬
‫« أحس ا ليفة سليمان با رج واالمتعاض وحاول أن يبدي اعرتاضه على املسلك الشعري الذي ركبه‬

‫‪-ϭ‬ابن سالم ا محي ‪ :‬طبقات فحول الشعراء ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬ص ‪. ϳϱϭ‬‬


‫‪ -‬وي ظر ‪ :‬ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ص ‪. ϯϵϳ‬‬
‫‪ -Ϯ‬ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ص ‪. ϯϮϭ‬‬
‫‪ -‬وي ظر ‪ :‬الفرزدق ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ص ‪. ϲϱϬ -ϲϰϵ‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫‪457‬‬
‫الفرزدق »‪ . ϭ‬وهلذا ا ذ م ه موقفا فقهيا سلبيا ‪ ،‬من خالل ما صر ح به الفرزدق من جرم الزنا ‪ ،‬يعلل‬
‫حكم وجوب العقاب‪ ،‬وأراد سليمان أن يقيم عليه ا د انطالقا مما شرعه القرآن العظيم يف عقوبة الزانية‬
‫‪ ،﴾ ฀฀ ฀ ฀‬وهذا راجع بطبيعة ا ال إ حرص‬ ‫والزا ‪ ،‬يف اآلية الكرمية ﭐ ‪฀ ฀ ฀‬‬

‫ا ليفة سليمان على أعراض ال اس من الشعراء ‪ ،‬ألن الغزل الصريح يعد يف نظر خروجا على أمر‬
‫الدين ‪ ،‬وإتيان ا رم ‪ ،‬ويف هناية األمر يفلت الفرزدق بذكاء وخبث من العقوبة ‪.‬‬
‫‪ -ϰ‬أما الخليفة عمر بن عبد العزيز فله موقف إ ايب يف نقد الشعر والشعراء ‪ ،‬ورغم قلة اهتمامه‬
‫بالشعراء إال أن الشعراء تقدموا إليه وأصروا على مدحه ‪ ،‬ألنه م ذ أن تو ا الفة كان اليتكئ يف‬
‫تسيري شؤون حكمه على عالقته بالشعراء ومدحهم له ‪ ،‬ومن الشعراء الذين مدحو ونالوا جوائز‬
‫نصيب وجرير ‪ ،‬وكثري‪ ،‬واألحووص ‪ ،‬ومما يروى عن لسه‪ « :‬استأذن نصيب بن ربا ح على عمر بن‬
‫عبد العزيز فلم يأذن له ‪ ،‬فقال‪ :‬أعلموا أمري املؤم ني أ قلت شعرا ‪ ،‬أوله الحمد هلل ‪ ،‬فأعلمو ‪ ،‬فأذن‬
‫[البسيط]‬ ‫له فأدخل عليه وهو يقول‪:‬‬
‫اجات َوال َق َد ُر‬
‫ُ‬ ‫فقد أتتَا ا‬ ‫عمر‬
‫بعد يا ُ‬‫مد هللِ أَما ُ‬
‫ا ُ‬
‫ص ُر‬ ‫والرأس ِ‬
‫السمع َوالبَ َ‬
‫ُ‬ ‫فيه يكو ُن‬ ‫ُ‬ ‫دها‬
‫ابن َسي َ‬
‫أس قريش و ُ‬
‫فأنت ر ُ‬
‫َ‬
‫فأمر له لة سيفه »‪.Ϯ‬‬
‫فا طاب يف قول نصيب ‪ " :‬أ قلت شعرا ‪ ،‬أوله ا مد هلل "‪ ،‬ليبني للخليفة عمر ميوالته‬
‫الدي ية ‪ ،‬ألن نصيب ال ميكن أن يبني غري هذا اال ا ‪ ،‬و اصة قبل أن يأذن له بالدخول إ لسه ‪،‬‬
‫وهذا ما يكشف بأن الشعراء مالوا بالشعر إ ميوالت ا ليفة ‪ ،‬وهذا يعد مسلكا جديدا يف الشعر ‪.‬‬
‫ويف موقف نقدي آخر‪ ،‬جاء يف الشعر والشعراء أن كثريا قال لعمر بن عبد العزيز‪ « :‬يا أمري‬
‫[الطويل]‬ ‫املؤم ني أتأذن يف اإلنشاد قال‪ :‬نعم ‪ ،‬وال تقل إال حقا‪ ،‬فأنشدت‪:‬‬
‫بَِريا ومل تَـفبَل إِ َش َارَة ُ ِرِم‬ ‫يت فلم تَشتَم َعلِيا وَمل ُِ ف‬ ‫ِ‬
‫َول َ‬
‫ت فَأَمسى راضيًا كل َمسلِ ِم‬ ‫أَتَـي َ‬ ‫مع الذي‬ ‫ال َ‬ ‫ت بالفع ِل امل َف َ‬
‫صدق َ‬
‫َو َ‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫ص ِم‬ ‫ِ‬
‫ك الدنيا ب َكف ومع َ‬ ‫تَراءى لَ َ‬ ‫وك ثِياهبا‬
‫وقَد لَبِست لَبس الملُ ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬

‫‪ -1‬عبد اهلل محادي ‪ :‬الشعرية العربية دراسة نقدية ‪ ،‬ص ‪.96‬‬


‫‪ -Ϯ‬أبو مد عبد اهلل بن مسلم بن قتيبة ‪ :‬عيون األخبار ‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص ‪. 93‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫‪458‬‬
‫وتَـب ِسم عن مثل ا ِ‬
‫مان املَظ ِم‬ ‫َبعني مريضة‬ ‫ض أَحيانا‬ ‫ِ‬
‫وتوم‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ك َم ُدوفا من َمس ِام وعل َق ِم‬ ‫سقت َ‬ ‫ت ع ها ُمش َمئزا كأمنا‬ ‫فَأَعرض َ‬
‫ومن رها يف ُمزبِ ِد املو ِج ُمف َع ِم‬ ‫ت من أجباهلا يف ممَُ ع‬ ‫وقد ُك َ‬
‫َ‬
‫طالب ُدنيا بع َد ُ من تَ َكل ِم‬ ‫لِ ِ‬ ‫لك عف ًوا ومل يَ ُكن‬ ‫اك امل ُ‬ ‫فلما أتَ َ‬
‫ُ‬
‫صم ِم‬ ‫ت ما يبقى برأي ُم َ‬ ‫وآثر َ‬ ‫ت الذي يـَف وإن كان ُمونًِقا‬ ‫تَـَرك َ‬
‫ك يف يوم من الشر ُمظلِ ِم‬ ‫أ ََم َام َ‬ ‫ت لِلذي‬ ‫وَمثر َ‬ ‫ت بالفا‬ ‫وأَضَرر َ‬
‫م اد يُ ادي من فصيح وأَع َح ِم‬ ‫بني َشرق األرض والغرب ُكلها‬ ‫فما َ‬
‫بأَخذ لِ ِدي ا ِر وال أخ ِذ لِدرَه ِم‬ ‫ني ظَلَمتَ‬ ‫ي ُ ِ‬
‫قول‪ :‬أَم َري املؤم َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك م هُ ظاملا ملءَ َج ِم » ‪.‬‬
‫‪ϭ‬‬ ‫والَ السف ِ‬ ‫ِ‬
‫وال بَسط كف ألَمرىء َغ ِري ُ ِرم‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫والواضح أن كثَـري يف هذ القصيدة قد مد ح ا ليفة عمر بن عبد العزيز مبعا جديدة‪ ،‬كشف‬
‫من خالهلا الفكر ا ديد الذي انتهجه عمر يف تسيري شؤون دولته ومعاملته للرعية‪ ،‬وذلك باح رام‬
‫مشاعر املسلمني‪ ،‬و اصة الصحابة م هم من خالل احرتامه للخليفة علي بن أيب طالب‪ ،‬فهو مل‬
‫يشتمه كفعل خلفاء ب أمية ‪ ،‬ومل تغر الدنيا مثلهم‪ ،‬ومل تضع حقوق ال اس ومل ظلم ع د أحد‪ ،‬وغري‬
‫ذلك من الصفات ال برزت يف أخالقه‪ ،‬ودفعت الشعرا إ مدحة‪ ،‬فرضي عن خالفته مجيع املسلمنب‪.‬‬
‫هلذا ملا انتهى كثري من اإلنشاد « قال يا كثري إنك تساءل عما قلت ‪ ،‬مث تقدم األحوص فاستأذنه‬
‫[الطويل]‬ ‫يف اإلنشاد فقال‪ :‬قل‪ :‬وال تقل إال خريا فأنشد ‪:‬‬
‫لِم ِط ِق ح ٍّق أو لَم ِط ِق ب ِ‬
‫اط ِل‬ ‫مؤلف‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وما الشع ُر إال ُخطيَةٌ من َ‬
‫والَ تَـرِج َع ا كال َساء األر ِام ِل‬ ‫فالَ تَـقبَـلَن إال الذي وافَ َق الرضا‬
‫والَ يسرًة فِعل الظ ِ‬
‫لوم ال ُمخاتِ ِل‬ ‫َ َ َ‬ ‫اك مل تَـع ِدل ع ِن ا َق َميَةً‬
‫رأي َ‬
‫ني األوائِ ِل‬ ‫ِ‬
‫ثال الصا َ‬ ‫تَـ ُقد ِم َ‬ ‫ت القص َد ُجه َد َك ُكلهُ‬
‫أخذ َ‬
‫ولكن َ‬
‫ومن ذا يـَ ُرد ا ق ِمن قول قائِ ِل‬ ‫فقل ا ومل نَك ِذب مبا بَدى ل ا‬
‫عار من نـَزِع نايِ ِل‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ومن ذا يـَ ُرد السه َم بـَع َد َمضائه على فُوقه إذ َ‬
‫يف كانوا كاللي ِ‬
‫وث البَو ِاس ِل‬ ‫َغطار ٌ‬ ‫ف‬ ‫ولوال الذي قَد َعوَدت ا َخالئِ ٌ‬
‫ُ‬
‫‪ -ϭ‬ابن فتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ص ص ‪. ϯϰϮ -ϯϰϭ‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫‪459‬‬
‫ك األوائِ ِل‬ ‫ِ‬ ‫مثل الذي ِبه‬
‫ص ِرفـَا قَدميًا من َذ َوي َ‬
‫ُ‬ ‫ك َ‬ ‫ولَ ِكن َرجونا م َ‬
‫َوإِن كا َن ِمث َل الدر يف قَـت ِل قاتِ ِل‬ ‫فَِإن مل يَ ُكن للشع ِر ِع َد َك َمو ِض ٌع‬
‫اص ِل‬‫اث آباء م َشوا بِامل ِ‬ ‫ومري ُ‬ ‫ِ‬ ‫ض َم َودة‬ ‫فِإن ل ا قـُر وَ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ك َخيـٌر ِمن ُور سوائِ ِل »‪.Ϯ‬‬ ‫َوقَـل َ‬ ‫ضهُ‬ ‫يكفيك بـَع ُ‬
‫َ‬ ‫ت‬‫عدد ُ‬
‫فَ ُكل الذي َ‬
‫وملا انتهى األحوص« فقال له إنك يا أحوص تُسأَل عما قلت »‪ ،ϯ‬وأمر لكل واحد م هما‬
‫بثالمثائة درهم ‪.‬‬
‫لكن الواضح يف الوجه ال قدي الذي وجهه عمر بن عبد العزيز للشاعرين هو نقد أخالقي‪ ،‬ألنه‬
‫على علم بأسلوب املد ح ومعانيه ع د الشعراء‪ ،‬وبالتا فقول ا ق معيار خلقي يقصد به الصدق‬
‫األخالقي‪ ،‬ضد الكذب وال فاق والبهتان‪ ،‬ولذا ألزم عمر الشعراء بتوجيه شعرهم و قول ا ق‬
‫والصدق‪ ،‬ح ال يتطرفون وال يسمحون مللكتهم الشعرية با و ح إ املبالغة والغلو يف مدحه وإطرائه ‪.‬‬
‫وهذا نقد للمعا مل نلحظه من قبل ع د ا لفاء الذين سبقوا عمر ‪ .‬وقد « رأي ا نوعا جديدا‬
‫من الشعر الذي يتجه به الشعراء إ ا ليفة‪ ،‬اليتملقون فيه غريزة الغرور وإكبار الذات‪ ،‬على ال حو‬
‫الذي رأي ا من قبل‪ ،‬وإمنا يعا ون هبذا الشعر موضوعات أخرى متصلة با ياة‪ ،‬وم ها ما يتصل‬
‫مبسؤولية ا اكم و رعيته ‪ ،‬وح رأي ا مقياسا جديدا يقاس به فن املديح ‪ ،‬استطاع عمر بن عبد‬
‫العزيز أن بفرضه على ا ياة األدبية يف الشام ‪ ،‬وإن مل يطل العهد هبذا التحول‪ ،‬إذ مل يطل العهد‬
‫بعمر‪...‬وما أسرع ما سقط ذلك امليزان ‪ ،‬وعاد األمر يف هذا الفن من الشعر إ ما كان عليه »‪.ϭ‬‬
‫وهكذا يتضح أن ال قد يف زمن التابعني ا لفاء‪ ،‬قد تطور نتيجة الستمرار اجملالس األدبية‬
‫ونطورها‪ ،‬أل ن الساسة األمويون م ذ عهد معاوية بن أيب سفيان إ عهد يزيد بن عبد امللك ‪ ،‬ظلوا‬
‫حريصني على تقريب الشعراء من قصورهم ألجل خدمة سياستهم ومتكني حكمهم يف األرض ‪ ،‬وقد‬
‫ح ا لفاء األمويون إ حد بعيد يف تسخري الشعر والشعراء ألغراضهم وأهدافهم السياسية ‪ ،‬ونقدوا‬
‫يف السهم معا شعر املد ح والغزل ‪ ،‬األمر الذي أدى إ تطور فكر الشعراء‪ ،‬ومعا شعرهم يف هذ‬
‫األغراض خاصة ‪.‬‬

‫‪ -ϭ‬ابن فتيبة‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ، ،‬ص ص ‪ϯϰϯ -ϯϰϮ‬‬


‫‪ -Ϯ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. ϯϰϯ‬‬
‫‪ -ϯ‬مد طه ا اجري ‪ :‬يف تاريخ ال قد واملذاهب األدبية العصر ا اهلي والقرن األول اإلسالمي ‪ ،‬ص ص ‪. ϭϯϳ -ϭϯϲ‬‬

‫‪460‬‬
‫ثانيا – التجديد ال قدي في مجالس التابعين العلماء الفقهاء‪:‬‬
‫‪ -‬الموقف ال قدي لسعيد بن المسيب (ت‪ϵϰ‬ه‪ϳϭϮ‬م)‪:‬‬
‫وهو واحد من علماء املدي ة وفقهائها السبعة الذين كانت السهم ال لو من الشعر والشعراء ‪،‬‬
‫وقد كان للشعر م زلة رفيعة يف الس العلماء ‪ ،‬فكان م هم الشاعر كعبيد اهلل بن عبد اهلل بن مسعود ‪،‬‬
‫وعروة بن أذي ة ‪ ،‬وم هم الذواقة الذي يروي الشعر وي شد و يد التمييز بي ه كعبد اهلل بن عباس ‪،‬‬
‫وسعيد بن املسيب ‪ ،‬ومن أقوى الس األدب « لس ابن عباس مع رافع بن األزرق ومجاعة ا وارج‬
‫يف املسجد ‪ ،‬حني جاء عمر بن أيب ربيعة ‪ ،‬فجعل ي شد " رائيته " ‪ ،‬وهو مصغ إليه مقبل عليه ‪،‬‬
‫ح أثار بذلك غضب ابن األزرق‪...‬وهو يدل على ما كان للشعر من م زلة يف مثل هذ اجمللس وما‬
‫كان له يف نفس هؤالء العلماء من مكانة ‪ .‬وطبيعي أن تكون هذ اجملالس ال يلقى فيها الشعر كل‬
‫اإليثار‪ ،‬من املواطن ال يدور ف يها ا ديث ع ه ‪ ،‬واملوازنة بي ه؛ واملفاضلة بني هذا الشاعر وذاك‪،‬‬
‫وبذلك تكون يف اعتبار مؤرخ ال قد األديب من املواطن ال جعل هذا ال قد يظهر فيها ويرتعرع يف‬
‫أحاديثها »‪.ϭ‬‬
‫‪ -‬أما عن أخبار لس سعيد بن املسيب ذي الطابع ال قدي‪ ،‬ما روي عن عبد ا بار املساحقي‪،‬‬
‫عن أبيه ‪ ،‬قال‪ « :‬دخلت مسجد رسول اهلل ‪ ،‬مع نوفل بن مساحق ‪ ،‬فإنه ملعتمد على يدي ‪ ،‬إذ‬
‫مررنا بسعيد بن املسيب يف لسه ‪ ،‬وحوله جلساؤ ‪ ،‬فسلم ا عليه ‪ ،‬فرد علي ا ‪ ،‬مث قال ل وفل‪ :‬يا أبا‬
‫سعيد ‪ ،‬من أشعر أصاحب ا أم صاحبكم ؟ يريد عبد اهلل بن قيس ‪ .‬أم عمر بن أيب ربيعة ‪ .‬فقال نوفل‪:‬‬
‫[الطويل]‬ ‫حني يقوالن ماذا ‪ ،‬يا أبا مد ؟ قال‪ :‬حني يقول صاحب ا‪:‬‬
‫ِ‬ ‫َخلِيلَي ‪ ،‬ما بَ ُ‬
‫ص؟‬ ‫نـََر َاها على األَدبا ِر بالقوم ت ُك ُ‬ ‫ال املطايا َكأمنا‬
‫َ‬
‫ص‬ ‫خ‬ ‫ش‬
‫ُ َ َ ُ‬ ‫‪،‬‬ ‫القني‬ ‫ي‬ ‫مما‬ ‫‪،‬‬ ‫ا‬ ‫فثس‬
‫َ َ‬‫َن‬‫أ‬ ‫ف‬ ‫ة‬ ‫باب‬
‫َ ًَ‬ ‫ص‬ ‫ن‬ ‫ه‬
‫وقد قطعت أع اقُـ ُ‬
‫ص‬ ‫ِِ‬
‫هبن ‪ ،‬فما يَألو عُجول ُم َقل ُ‬ ‫ب ا ادي يَر ُاهن‪ ،‬وانتحى‬ ‫وقد أتـ َع َ‬
‫ص‬ ‫إذ زاد طُول ِ‬ ‫يَِزد َن ب ا قرباً ‪ ،‬فيزداد شوقُ ا‬
‫العهد ‪ ،‬والبعد يَ ُق ُ‬
‫َ‬
‫ويقول صاحبكم ما شئت ‪ ،‬فقال له نوفل‪ :‬صاحبكم أشعر يف العزل وصاحب ا أكثر أفانني شعر‪.‬‬
‫فقال سعيد‪ :‬صدقت ‪ ،‬فلما انقضى ما بي هما من ذكر الشعر ‪ ،‬جعل سعيد يستغفر اهلل ويعقد بيد‬
‫ح وف مائة »‪.Ϯ‬‬

‫‪ -ϭ‬مد طه ا اجري ‪ :‬يف تاريخ ال قد واملذاهب األدبية العصر ا اهلي والقرن األول اإلسالمي ‪ ،‬ص ص ‪. ϴϱ -ϴϰ‬‬
‫‪ -Ϯ‬أبو الفرج األصفها ‪ :‬األغا ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬ص ‪. ϭϭϯ‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫‪461‬‬
‫والواضح « أن هدا ا رب‪...‬يدل ا على الصبغة األدبية ال كان يصطبغ هبا لس سعيد بن املسيب‬
‫يف مسجد الرسول‪ ،‬إذ كان مما يدور فيه ا ديث عن الشعر والشعراء ‪ ،‬واملوازنة بني هذا الشاعر وذاك‪،‬‬
‫والبحث عن شاعرية كل م هما و اهلا ومداها‪ ،‬فابن أيب ربيعة أشعر يف الغزل‪ ،‬وعبد اهلل بن قيس أكثر‬
‫أفانني شعر »‪. ϭ‬‬
‫مع هذا أن التابعني ال قاد « أخذوا ي ظرون يف املوازنات الشعرية إ ت وع القول يف األغراض‬
‫ب للشاعر يف ميزان ال قد»‪.Ϯ‬‬
‫كإحدى املزايا ال ُ َس ُ‬
‫إضافة إ هذا فإن « من األخبار ال بني أيدي ا ‪ ،‬مما يدل على شيء من طبيعة هذ اجملالس من‬
‫ناحية ال قد األديب »‪،ϯ‬‬
‫وهكذا يتضح ل ا أن التابعني العلماء الفقهاء ال قاد وم هم سعيد بن املسيب ‪ ،‬فإ جانب دور‬
‫الفقهي من خالل شر ح تعاليم اإلسالم يف لسه ‪ ،‬فقد لعب دورا مهما يف تطور ا ركة األدبية ‪،‬‬
‫وت امي ال قد األديب يف زمانه ‪ ،‬من خالل مشاركته الفعالة يف ا دل ال قدي للشعر والشعراء الذي كان‬
‫قائما يف الس فقهاء وعلماء املدي ة ‪ ،‬وقد اتضح أن الفن الغالب على لس سعيد بن املسيب ‪ ،‬هو‬
‫شعر الغزل العفيف ‪ ،‬وهبذا يكون ل قد التابعني العلما ء الفقهاء با جاز دور إ ايب ومهم يف توجيه‬
‫حركة ال قد األديب و ما يعطيها قيمة مضافة ودور فعال يف ت امي ال قد األديب زمن التابعني ‪.‬‬

‫‪ -ϭ‬مد طه ا اجري ‪ :‬يف تاريخ ال قد واملذاهب األدبية العصر ا اهلي والقرن األول اإلسالمي ‪ ،‬ص ‪. ϴϲ‬‬
‫‪ -Ϯ‬عبد العزيز عتيق ‪ :‬تاريخ ال قد األديب ع د العرب ‪ ،‬ص ‪. ϭϮϵ‬‬
‫‪ -ϯ‬مد طه ا اجري ‪ :‬يف تاريخ ال قد واملذاهب األدبية العصر ا اهلي والقرن األول اإلسالمي ‪ ،‬ص ‪. ϴϱ‬‬

‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫‪462‬‬
‫ثالثا‪ -‬التجديد ال قدي في مجالس التابعين األدباء ال قاد ‪:‬‬
‫‪ -‬دور ابن أبي عتيق* ال قدي في ت امي نقد الشعر والشعراء ‪:‬‬
‫أدى التابعون املتأدبون ال قاد دورا كبريا ومهما يف نقد الشعر وبلورة مفاهيم نقدية جديدة ‪ ،‬وتعد‬
‫نقدات التابعي ابن أيب عتيق للشعر ‪ ،‬ذات بعد نقدي قوي ‪ ،‬ودفع متميز يف نقد الشعر ‪ ،‬وقد أُثر ع ه‬
‫نقدات كثرية ‪ ،‬وعدت نقداته مقاييس جديدة ل قد الشعر يف عصر ‪ ،‬وكان ابن أيب عتيق صاحب‬
‫الس نقدية ‪ ،‬وقد أعطى ب قداته شهرة قوية لشعر عمر بن أيب ربيعة وغري من الشعراء ‪ ،‬وكان ي قد‬
‫شعر عمر ب وإعجاب ‪ ،‬ومل يؤثر ذلك يف أحكامه ال قدية ‪ ،‬وكان ابن أيب عتيق ضر الس‬
‫الشعراء ويستمع لشعرهم‪ ،‬و« اجملالس األدبية ال كان تمع فيها الشعراء واملتأدبون كانت الس‬
‫مرتفة ‪ .‬يف م تزهات املدي ة أو م تزهات مكة ‪ ،‬كالعقيق واألبطح ‪ ،‬وقد اجتمع فيها الشعر والغزل‬
‫والغ اء والطرب واللهو واجملون ‪ ،‬كذلك اجمللس الذي أتيح لألحوص وكثري بالعقيق »‪.ϭ‬‬
‫وهذ ا الس األدبية ال صبغت برو ح هؤالء الشعراء املرتفني‪ ،‬جعلت « الشعر ا جازي شعرا‬
‫يطبعه الرتف بطابعه ‪ ،‬يف معانيه وصور ‪ ،‬ويف موضوعاته وا اهاته ‪ ،‬ويف ألفاظه وصياغته ‪ ،‬مالئما هلذ‬
‫ا ياة املرتفة ‪ ،‬وهذ ا الس املوسيقية الغ ائية الغزلة ؛ فكان العزل وحديث املرأة أغلب املوضوعات عليه‬
‫‪ ،‬وكانت صور تلك ا ياة الالهية العابثة أكثر صور ومعانيه ‪ ،‬وكانت ديباجته ديباجة رقيقة سهلة‬
‫مسحة‪ ،‬الكزاز فيها وال تعقيد وال التواء ‪ ،‬أشبه شيء بتلك الصور واملعا ‪ ،‬وتلك ا ياة اهلي ة اللي ة‬
‫الرخية املرتفة ال ياها هؤالء الشعراء ‪ ،‬حياهتم الظاهرة والباط ة مجيعا »‪.Ϯ‬‬
‫‪ -ϭ‬ومما تعرض له ابن أيب عتيق بال قد يف لسه شعر ا ارث بن خالد وشعر عمر بن أيب ربيعة ‪،‬‬
‫وهذا ال ص ال قدي من أشهر نقداته للشعر‪ ،‬حيث « ذكر شعر ا ارث** بن خالد وشعر عمر بن‬
‫أيب ربيعة ع د ابن أيب عتيق يف لس رجل من ولد خالد بن العاص بن هشام ‪ .‬فقال‪ :‬صاحب ا – يع‬
‫ا ارث بن خالد – أشعرمها ‪ .‬فقال له ابن أيب عتيق ‪ :‬بعض قولك يابن أخي ‪ .‬لِشعر عمر بن أيب‬

‫*هو عبد اهلل بن مد بن عبد الرمحن بن أيب بكر الصديق‪ .‬أديب وراوية لغة ‪ ،‬نقد كثريا من الشعراء اشتهروا يف مكة واملدي ة وا جاز‪.‬‬
‫‪ -ϭ‬مد طه ا اجري ‪ :‬يف تاريخ ال قد واملذاهب األدبية العصر ا اهلي ‪ ،‬والقرن األول اإلسالمي ‪ ،‬ص ‪. ϳϰ‬‬
‫‪ -Ϯ‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. ϳϱ‬‬
‫**« ا ارث املخزومي بن خالد بن العاص ‪( ،‬ت ‪ϳϬϬ‬م ) شاعر غزل من أهل مكة ‪ ،‬كان يهوى عائشة ب ت طلحة ويشبب هبا » ‪.‬‬
‫‪ -‬امل جد غي اللغة واألعالم ‪ ،‬ص ‪. Ϯϭϭ‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫‪463‬‬
‫ربيعة نوطة يف القلب ‪ ،‬وعلوق بال فس ‪ ،‬ودرك اجة ‪ ،‬ليست لشعر ! وما عصي اهلل ‪ -‬جل وعز‪، -‬‬
‫بشعر أكثر مما عصي بشعر عمر بن أيب ربيعة ‪ .‬فخذ ع ما أصف لك ‪ :‬أشعر قريش من دق مع ا ‪،‬‬
‫ولطف مدخله ‪ ،‬وسهل رجه ‪ ،‬ومَت حشو ‪ ،‬وتعطفت حواشيه‪ ،‬وأنارت معانيه ـ وأعرب عن حاجته‪.‬‬
‫[الكامل]‬ ‫فقال املفضل للحارث‪ :‬أليس صاحب ا الذي يقول‪:‬‬
‫يؤودها ال َعق ُل‬
‫ع د ا مار ُ‬ ‫إ ‪ ،‬وما روا َغداةَ ِم‬
‫بح ُسفلَها يـَعلُو‬
‫ُسفال ‪ ،‬وأص َ‬ ‫لَو بدلت أَعلى َم َساكَِها‬
‫احمل ُل‬
‫وَ‬ ‫فَريُد األقواء‬ ‫كاد يـَعرفُها ا بري هبا ‪،‬‬
‫فَـيَ ُ‬
‫ِم الضلُوع ألهلِها قَـب ُل‬ ‫لَ َعرفَت َمغ اها مبا احتَ َملت‬
‫فقال له ابن أيب عتيق ‪ :‬يابن أخي اسرت على نفسك ‪ ،‬وأكتم على صاحبك ‪ ،‬وال تشاهد احملافل‬
‫مبثل هذا ‪ .‬أما تطري ا ارث عليها حني قلب ربعها ‪ ،‬فجعل عاليه سافله ‪ .‬ما بقي إال أن يسال اهلل ‪،‬‬
‫‪ -‬تبارك وتعا ‪ ، -‬هلا حجارة من سجيل ‪ ،‬ابن أيب ربيعة كان أحسن صحبة للربع من صاحبك وأمجل‬
‫[ا فيف]‬ ‫اطبة ‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫َه َجت شوقًا ‪ ،‬الغَ َدا َة ‪ ،‬طَ ِويالَ‬ ‫َسائالَ الرب َع بِالبلى ‪َ ،‬وقُوالَ‬
‫وذكر األبيات املاضية »‪.ϭ‬‬
‫إن الفكر ال قدي البن أيب عتيق البارز يف ال ص ‪ ،‬يتضح من خالل ليل املكونات الفكرية‬
‫وال قدية ‪ ،‬ولع اصر املثل ا مالية ال قدية ا ديدة للفكر ال قدي ال وقف ع دها ابن أيب عتيق ‪.‬‬
‫وا ديد يف ال قد « الذي نع يه يف هذا ا رب هو قول ابن أيب عتيق يف تفضيل شعر عمر بن أيب ربيعة‬
‫واإلشادة به‪" :‬وما عصي اهلل جل وعز‪ ،‬بشعر أكثر مما عصي بشعر عمر ابن أبي ربيعة "‪ ،‬وهذا‬
‫شيء جديد حقا ‪ ،‬فقد أصبح من الفضائل ال يفضل هبا شعر شعرا يف اعتبار ال قد األديب يف هذا‬
‫العصر ‪ ،‬أن يتضمن الدعوة إ عصيان اهلل أو اإلغراء به ‪ ،‬وكما كان أكثر حظا من هذا ‪ ،‬كان أوفر‬
‫من ا مال الف نصيبا ‪ ،‬وهكذا صار الفسوق عن أوامر الدين وتعاليم اإلسالم مقياسا جديدا من‬
‫مقاييس الفن‪ ،‬اليتحرج ابن أيب عتيق من اجملاهرة به يف ذلك اجمللس من اجملالس األدبية ‪ ،‬وما أبرز وال‬

‫‪ -ϭ‬أبو الفرج األصفها ‪ :‬األغا ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬ص ص ‪. ϭϬϵ -ϭϬϴ‬‬


‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫‪464‬‬
‫يساير التحول الذي أصاب ا ياة السياسية واألدبية ! »‪.ϭ‬‬
‫كما أن « باقي هذا ا رب يدل على موعة املثل ال كان يراها ال قد يف الشعر ويزنه هبا ؛ أن‬
‫يكون له " نوطة في القلب وعلوق بال فس ودرك للحاجة " مبع أن يكون قوي التأثري يف ال فس‪،‬‬
‫بليغ التعبري عن الغرض ‪ .‬أما وسائله إ بلوغ هذ الغاية فهي‪ :‬أن يكون دقيق المع ى‪ ،‬ليس من‬
‫ري على كل لسان‪ ،‬وتبدو يف كل خاطر ؛ لطيف المدخل ‪ ،‬سهل‬ ‫املعا الشائعة أو املبتذلة ال‬
‫المخرج‪ ،‬يث يوضع املع يف موضعه من الكالم ‪ ،‬فال يكون نابيا مستوفزا يف مكانه؛ بل يكون‬
‫آخذا مبا قبله‪ ،‬مسلما إ ما بعد ؛ وأن يكون قد " َمتّ َن حشو ‪ ،‬وتعطفت حواشيه‪ ،‬وأنارت معانيه‪،‬‬
‫وأعرب عن حاجته " ؛ مبع أن يكون جزل الديباجة‪ ،‬حلو الصياغة قريب املأخذ »‪.Ϯ‬‬
‫أضف إ هذا أن ابن أيب عتيق يف نقد لشعر عمر بن أيب ربيعة أنه كما قال مد طاهر‬
‫درويش‪ « :‬يضيف إ هذ ا صائص والصفات املوضوعية صفة هامة ‪ ،‬هي توافر الشعور الدافق‬
‫واإلحساس الصادق لدى الشاعر‪ ،‬فإنه الرباط الذي يصله بالسامعني ‪ ،‬والقوة ال فسية ال د صداها‬
‫يف ال فوس‪ ،‬وهبذا الصدق واالنفعال والتجاذب يكون التأثري ودرك املطلوب‪...‬فشعر عمر بن أيب ربيعة‬
‫استحوذ هبذا الصدق و الطة ال فوس على قلوب ال اس ومشاعرهم ‪ ،‬فهاجهم وقادهم يف اال ا الذي‬
‫سلكه ‪ ،‬وحس ه لل اس ‪ ،‬فاندفعوا يف تيار – دون وعي ‪ ،‬ودون ضابط‪ -‬مع عواطفهم إ غايات غري‬
‫سومة ‪ ،‬ح تورطوا يف املعصية و انبة الرشاد »‪.ϯ‬‬
‫وما ميكن التأكيد عليه « فإن ابن أيب عتيق يف هذ املفاضلة يعلق على شعر ا ارث بقوله‪:‬‬
‫" أما تطري ا ارث عليها حني قلب ربعها‪ ،‬فجعل عاليه سافله ‪ .‬ما بقي إال أن يسال اهلل ‪ - ،‬تبارك‬
‫وتعا ‪ ، -‬هلا حجارة من سجيل " فهذا ال قد الذي يغلب عليه رو ح الفكاهة والتهكم يدل على فط ة‬
‫ب للشعر يف ميزان ال قد‬
‫ابن أيب عتيق إ " اإل اءات الشعرية " كع صر من ع اصر ال قد ‪ .‬فيما ُ َس ُ‬
‫يوحي باملعا السارة ال باملعا املؤملة أو ال تدعو إ التطري‪ ،‬كما هو الشأن ألبيات ا ارث بن‬
‫أن َ‬
‫خالد ‪ .‬زمن أحل هذا نرى ابن أيب عتيق يقول ملن فضل شعر ا ارث‪ " :‬ابن أيب ربيعة كان أحسن‬

‫‪ -ϭ‬مد طه ا اجري ‪ :‬يف تاريخ ال قد واملذاهب األدبية العصر ا اهلي ‪ ،‬والقرن األول اإلسالمي ‪ ،‬ص ص ‪. ϳϵ -ϳϴ‬‬
‫‪ -Ϯ‬املرجع نفسه ‪. ϳϵ‬‬
‫‪ -ϯ‬مد طاهر درويش ‪ :‬يف ال قد األديب ع د العرب ‪ ،‬ص ‪.ϭϭϯ‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫‪465‬‬
‫صحبة للربع من صاحبك وأمجل اطبة "»‪ .ϭ‬واألفكار ال قدية ال وظفها ابن أيب عتيق يف موازنته‬
‫ال قدية ومفاضلته بني شعر ا ارث بن خالد وشعر عمر بن أيب ربيعة ‪ ،‬هي صفات ميزت شعرمها ‪،‬‬
‫و« من هذ الصفات ما يتصل باملع ‪ ،‬وم ها ما يتصل بالرتتيب ‪ ،‬وم ها ما يتصل بالصياغة ‪ ،‬فإذا‬
‫صح هذا ا رب ‪ ،‬و ن أميل إ افرتاض صحته ‪ ،‬كان دليال صر ا على ما بلغه ال قد األديب يف ا جاز‬
‫يف هذا العصر من م زلة غري هي ة ‪ ،‬تتجلى يف هذا االست باط ملثل ا مال الف ‪ ،‬وإيرادها تمعة‬
‫م تظمة يف نسق ‪ .‬وهذ املثل املذكورة تساير كل املسايرة طبيعة ا ياة األدبية ‪ ،‬كما تالئم طبيعة‬
‫البيئات ال نشأ األدب فيها وصدر ع ها »‪.Ϯ‬‬
‫‪ -Ϯ‬ويف موقف نقدي ثان البن أيب عتيق ‪ ،‬يوازن فيه بني شعر كثري وابن قيس الرقيات‪ ،‬حيث روى‬
‫« راوية كثري عزة ‪ ،‬قال‪ :‬قال كثري عزة يوما ‪ :‬قُم ب ا إ ابن أيب عتيق نتحدث ع د ‪ ،‬قال‪ :‬فجئ ا‬
‫فوجدنا ع د ابن معاذ املغ ‪ .‬فلما رآ ُكثَـريا قال البن أيب عتيق‪ :‬أال أُغ يك بشعر ُكثري عزة ؟ قال‪:‬‬
‫[الطويل]‬ ‫بلى‪ ،‬فغ ا ‪:‬‬
‫كما انبت من َحب ِل ال َقرين قَ ِر ُ‬
‫ين‬ ‫أبائ ة ُسعدى نعم َستَبِ ُ‬
‫ني‬
‫أنت َح ِزي ُن‬
‫ني َ‬ ‫اب البَـ ِ‬
‫وصا ح غُر ُ‬
‫َ‬ ‫ال وفار َق ِجريًة‬ ‫أأن ُزم أمج ٌ‬
‫ني‬ ‫ِ‬
‫تَـ َفر َق أُالف َهلُن َح ُ‬ ‫ك مل تَسمع ومل تَـَر قَـبـلَها‬
‫كأن َ‬
‫ين‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫س ملن خا َن األَمانَةَ د ُ‬ ‫ولَي َ‬ ‫وخن أمان ِ‬ ‫فأخلَف َن ميعادي ُ‬
‫فالتفت ابن أيب عتيق إ كثَري‪ ،‬فقال‪ :‬أو للدين صحبتهن يابن أيب مجعة ؟ ذلك واهلل أشبهُ ِهبن ‪،‬‬
‫وأدعى للقلوب إليهن ؛ وإمنا يوصفن بالبخل واالمت اع ‪ ،‬وليس بالوفاء واألمانة ‪ ،‬وذو الرقيات أشعر‬
‫[املديد]‬ ‫م ك حيث يقول‪:‬‬
‫َد َع ُج‬ ‫وال يف طَرفِها‬ ‫الل والغََ ُج‬
‫َحبذا اإلذ ُ‬
‫فَـلَ ُج‬ ‫وال يف ثَـغ ِرها‬ ‫وال إن حدثت َك َذبَت‬
‫َحَر ُج‬ ‫ِ‬
‫عاشق يف قُـبـلَة‬ ‫رجل‬‫خربو هل على ُ‬
‫فقال كثري ‪ :‬قُم ب ا من ع د هذا ‪ ،‬ومضى »‪.ϯ‬‬

‫‪ -ϭ‬عبد العزيز عتيق ‪ :‬ال قد األديب ع د العرب ‪ ،‬ص ‪. ϭϮϰ‬‬


‫‪ -Ϯ‬مد طه ا اجري ‪ :‬يف تاريخ ال قد واملذاهب األدبية العصر ا اهلي ‪ ،‬والقرن األول اإلسالمي ‪ ،‬ص ‪. ϳϵ‬‬
‫‪ -ϯ‬ابن عبد ربه ‪ :‬العقد الفريد ‪ ،‬ج‪ ، ϱ‬ص ص ‪. ϯϲϴ -ϯϲϳ‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫‪466‬‬
‫ففي هذا ال ص عقد ابن أيب عتيق موازنة بني شاعرين‪ُ :‬كثَري عزة وابن قيس الرقيات يف الغزل‪،‬‬
‫ويظهر أنه يف نقد لشعرمها واملفاضلة بي هما أن « ربته عن املرأة معي ا يصدر ع ه أحيانا يف نقد ما‬
‫يقوله الشعراء خاصا هبن ‪ ،‬فقد كان يف مثل هذا ال قد يعتمد على خربته ال أكسبتها إيا حياته ‪،‬‬
‫ومصاحبته صديقه عمر بنب أيب ربيعة ‪ ،‬وتتبعه عالقاته الغرامية املختلفة ‪ ،‬ومعا ته هلا أحيانا »‪.ϭ‬‬
‫وهلذا نرى ابن أيب عتيق يوازن بني معا الشاعرين يف صفات ال ساء‪ ،‬وطلب من كثري أن يصفهن‬
‫بالبخل واالمت اع‪ ،‬وليس بالوفاء واألمانة‪ ،‬وه ا د يفضل معا ووصف ابن قيس الرقيات على معا‬
‫ووصف كثري يف ذكر صفات ال ساء ‪.‬‬
‫رابعا‪ -‬التجديد ال قدي في مجالس التابعيات ال اقدات ‪:‬‬
‫أما عن دور املرأة التابعية يف ت امي ال قد األديب‪ ،‬فقد لعبت دورا فعاال مبشاركتها يف ا ركة ال قدية ‪،‬‬
‫حيث اجتذبتها هذ الرو ح العامة ‪ ،‬وال شاط األديب وال قدي الذي كان سائدا يف ا جاز‪ ،‬فسامهت‬
‫مبجلسها يف نقد أشعار الشعراء الغزليني‪ ،‬مما ي م عن إدراكها ال قدي وذوقها الف وا ما للشعر‪.‬‬
‫وكانت أشهر ال سوة نقدا للشعر والشعراء السيدة سكي ة ب ت ا سني بن علي بن أيب طالب‪،‬‬
‫وعقيلة ب ت عقيل بن أيب طالب‪ ،‬ويبدو أن عالقة كل واحدة م هما بالشعر والشعراء ‪ ،‬عالقة ال اقدة‬
‫الواعية ملدارك الشعراء ومقاصدهم الشعرية ‪ ،‬هلذا فإن مواجهتهن ونقدهن ملعا وصور الشعراء يعكس‬
‫صورة املرأة ال اقدة املدركة ماليات القصيدة وخصوصيات مجال املرأة العربية‪ ،‬لذا مل ترتكا اجملال واسعا‬
‫للشعراء يقولون ما شاءوا عن املرأة ‪ ،‬وإن كان اجملال السياسي والبعد الفكري فتح اجملال واسعا أمام‬
‫الشعراء ليطوروا شعرهم‪ ،‬ويبدعون يف قصائدهم الغزلية‪ ،‬إال أن ال قد الذي ت اولته كل من سكي ة‬
‫وعقيلة للشعر ‪،‬مل يكن ليت اوله ال قاد الرجال‪ ،‬ألهنما أدرى صوصية املرأة العربية من الرجال ‪.‬‬
‫‪ -ϭ‬ومما يروى عن ال قد األديب ع د السيدة سكي ة ب ت ا سني على أهنا تعرضت بال قد لبعض‬
‫معا الشعراء يف غزهلم‪ ،‬ومن بي هم كثري‪ ،‬حيث «دخل كثري عزة على سكي ة ب ت ا سني‪ -‬عليه‬
‫[الطويل]‬ ‫السالم‪ ، -‬فقالت له ‪:‬يابن أيب مجعة ‪ ،‬أخرب عن قولك يف عزة‪:‬‬
‫وعر ُارهاَ‬
‫َميُج ال دى َجث َجاثُها َ‬ ‫ضة با َزن طَيبة الثرى‬ ‫وما َرو َ‬
‫نارَها‬ ‫ِ‬
‫وقد أُوقَ َدت باملَ دل الرطب ُ‬ ‫ب من أَرَد ِان َعزة َموِهًا‬‫بأَطيَ َ‬
‫‪ -ϭ‬مد طه ا اجري ‪ :‬يف تاريخ ال قد واملذاهب األدبية العصر ا اهلي ‪ ،‬والقرن األول اإلسالمي ‪ ،‬ص ‪. ϴϮ‬‬

‫‪467‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫و ك ! وهل على األرض ز ية م ت ة اإلبطني‪ ،‬توقد بامل دل الرطب نارها إال طاب ر ها ؟ أال‬
‫َ‬
‫[الطويل]‬ ‫قلت كما قال عمك امرؤ القيس‪:‬‬
‫ب »‪. ϭ‬‬‫وجدت هبا ِطيبًا وإِن مل تُطي ِ‬ ‫ت طا ِرقًا‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫أمل تَـَريَا ُكلما جئ ُ‬
‫يظهر يف ال ص أن الوجه ال قدي الذي اتكأت عليه السيدة سكي ة بذوقها الف الرفيع‪ ،‬هو نقد‬
‫املع نقدا مجاليا متعلقا مال املرأة ‪ ،‬حيث وازنت وفاضلت بني ذوقي شاعرين ‪ :‬كثري عزة وامرئ‬
‫القيس يف العزل‪ ،‬وبي ت لكثري أنه مل يصل بوصفه لعزة إ املع الصائب الذي يليق برائحة الز ية ‪،‬‬
‫ألن األصل يف رائحتها أهنا طيبة وليست م ت ة اإلبطني ‪ ،‬هلذا عابت عليه وصفه ‪ ،‬وفضلت على مع ا‬
‫مع امرئ القيس الذي أجاد وصف الرائحة الطيبة للز ية ‪ ،‬ال هي جزء من مجاهلا ‪.‬‬
‫ويف السياق نفسه« أن سكي ة ب ت ا سني قالت لكثري حني أنشدها قصيدته ال أوهلا‪[ :‬الطويل]‬
‫برق آخر ِ ِ‬
‫ب‬‫فاملسا ِر ُ‬
‫َ‬ ‫ش ا بَا‬
‫ب تَضمَهُ فَـر ُ‬ ‫الليل َواص ُ‬ ‫أَشاقَك ٌ َ‬
‫َحم الذرى ذو هي َدب ُم َرتاكبُ‬ ‫أَ‬ ‫وخي َم بالرب‬ ‫َلق وامحَومى َ‬‫تَأ َ‬
‫ب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أومض َجان ُ‬
‫بال َخلُف م ه و َ‬ ‫ب‬‫زعتهُ الريح أَرَزَم جان ٌ‬
‫إذا زع َ‬
‫ب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت لِ ُسعدى ماءَ ُ ونباتَه‬
‫كما كل ذي ُوٍّد ملن َود َواه ُ‬ ‫وهب ُ‬
‫ِ‬ ‫لِتَـرَوى به ُسعدى ويـَرَوى صدي ُقها‬
‫ب‬‫وم َشا ِر ُ‬
‫داد هلا َ‬ ‫ويـُغدق أع ٌ‬
‫وصفت‬
‫ُ‬ ‫أهتب هلا غيثا عاما جعلك اهلل وال اس فيه أسوة ؟ فقال‪ :‬ياب ت رسول اهلل ‪‬‬
‫َحس تُهُ‪ ،‬وأمطرته وأنبته وأكملته‪ ،‬مث وهبته هلا ‪ .‬فقالت‪ :‬فهال وهبت هلا دنانري ودراهم ! »‪.Ϯ‬‬
‫غيثا فأ َ‬
‫يتجلى يف ال ص أن السيدة سكي ة نقدت مع كثري نقدا مجاليا ‪ ،‬حيث أخطأ يف الوصف‬
‫فحس هُ‪ ،‬وأمطر وأنبته وأكمله‪ ،‬مث وهبه هلا " كأنه يرى ذلك‬‫لسعدى حي ما وصف هلا "غيثا َ‬ ‫امل اسب ُ‬
‫أمرا م اسبا للهدية ‪ .‬بي ما سكي ة رأت أن الغيث الي فعها‪ ،‬وال ي عكس على مجاهلا ـ هلذا فضلت أن‬
‫يهب هلا "دنانري ودراهم"وه ا مكمن ال قد ا ما الذي يليق بوصف مقام سعدى‪ ،‬إذ عليه أن يصفها‬
‫يف هيئة عروس مجيلة ت ثر على رأسها ويف حجرها الدنانري والدراهم‪ ،‬وهذا نقد املفاضلة بني مع يني فيما‬

‫‪ -ϭ‬ابن عبد ربه ‪ :‬العقد الفريد ‪،‬ج‪ ، ϱ‬ص ‪. ϯϳϯ‬‬


‫‪ -Ϯ‬املرزبا ‪ :‬املوشح ‪ ،‬ص ص ‪. ϮϬϰ -ϮϬϯ‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫‪468‬‬
‫يص مجال سعدى ‪ .‬وسكي ة بصفتها امرأة هي أدرى مبعا مجال املرأة من الرجل‪ ،‬هذا ا مال الذي‬
‫تريد أن يظهر يف أمجل مع وأهبى صورة ت عكس على شخصية سعدى ‪.‬‬
‫‪ -Ϯ‬وتعد السيدة عقيلة ب ت عقيل من ال اقدات اللوايت شاركن السيدة سكي ة يف نقد الشعر والشعراء‬
‫يف ا جاز‪ ،‬وقد روت هلا مصادر ال قد مواقف نقدية‪ ،‬ت م على مقدرهتا األدبية وال قدية يف نقد الشعر‪.‬‬
‫ومما روي ع ها‪ « :‬كانت عقيلة ب ت عقيل بن أيب طالب لس لل اس ـ فبي ما هي جالسة إذ‬
‫[الطويل]‬ ‫قيل هلا ‪ :‬العذري بالباب ‪ .‬فقالت ‪ :‬ائذنوا له ‪ :‬فدخل ـ فقالت له ‪ :‬أأنت القائل‪:‬‬
‫فات من عٌقلِي‬ ‫ِ‬
‫ولكن طالهبا ملا َ‬ ‫فلو تَركت َعقلي معي ما بَ َكيتُها‬
‫[الطويل]‬ ‫إمنا تطلبها ع د ذهاب عقلك ‪ ،‬لوال أبيات بلغت ع ك ما أذنت لك ‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫ِ‬
‫إ اليوم ي مى ُحبها َويَِز ُ‬
‫يد‬ ‫ليدا فلم يـََزل‬
‫ت اهلوى م ها و ً‬
‫علق ُ‬
‫بيد يبِي ُد‬
‫والَ ُحبها فيما يَ ُ‬ ‫جوع مبا جئت طالبًا‬ ‫فال أنا مر ٌ‬
‫ود‬
‫فارقـتُها فيَـعُ ُ‬
‫و ىي إذا َ‬ ‫ميوت اهلوى م إذا ما ل َقيتُها‬‫ُ‬
‫مث قيل‪ :‬هذا كثري عزة واألحوص بالباب ‪ .‬فقالت‪ :‬ائذنوا هلما ‪ .‬مث أقبلت على كري ‪ ،‬فقالت‪ :‬أما‬
‫[الطويل]‬ ‫أنت يا كثري فأألم العرب عهدا يف قولك ‪:‬‬
‫يد ألنسى ذكرها ف َكأمنا متثل ليلى بِ ُكل ِ‬
‫سبيل‬ ‫أُر ُ‬
‫وِمل تريد أن ت سى ذكرها ؟ أما تطلبها إال إذا متثلت لك ! أما واهلل لوال بيتان قلتهما ما التفت إليك‪،‬‬
‫[الطويل]‬ ‫ومها قولك‪:‬‬
‫األيام َمو ِع ُدك ا َش ُر‬
‫ويا سلوَة ِ‬ ‫فيا ُحبها ِزد َج ًوى ُكل ليلة‬
‫فَـلَما ان َقضى ما بي َا َس َك َن الده ُر‬ ‫لسعي الدهر بي وبـَي ها‬ ‫ِ‬
‫ت َ‬‫َعجب ُ‬
‫[البسيط]‬ ‫مث أقبلت على األحوص ‪ .‬فقالت ‪ :‬وأما أنت يا أحوص فأقل العرب وفاء يف قولك‪:‬‬
‫ليالً إ ذا ُم الثريا َحل َقا‬ ‫اسال فتواعدا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني تَر َ‬
‫من عاشق َ‬
‫عب ًدا فَـ َفر َق َع ـ ُهما ما أَش َف َقا‬ ‫بعثا أما َمهما افة ِرقـبَة‬
‫الصبا ح تَـ َفرقَا‬
‫ُ‬ ‫َح إذا َوضح‬ ‫بَاتَا بأَنـ َع َم عيشة وأَلذها‬
‫[البسيط]‬ ‫أذنت لك ‪ ،‬وهو ‪:‬‬
‫قلت ‪ :‬تعانقا ‪ .‬أما واهلل لوال بيت قلتهُ ما ُ‬
‫أال َ‬
‫تَـبَـ َعا‬ ‫صار‬ ‫ِ‬
‫القلب ع ها َ‬
‫كم من َد ٍّ هلا قد صرت أتـبَـ ُعهُ ولو صحا ُ‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫‪469‬‬
‫مث أمرت هبم فأخرجوا إال ُكثريا‪ ،‬وأمرت جواريها أن يكتف ه‪ ،‬وقالت له‪ :‬يا فاسق‪ ،‬أنت القائل‪[ :‬الطويل]‬
‫أنت َح ِز ُ‬
‫ين‬ ‫ني َ‬‫اب البَ ِ‬
‫ا ح غُر ُ‬
‫وص َ‬‫َ‬ ‫أَإِن ُزم أمجال َ‬
‫وفارق جريًة‬
‫ت مبا هو‬
‫أين ا زن إال ع د هذا ؟ َخرق َن ثوبه ياجواري ‪ ،‬فقال ‪ :‬جعل اهلل فداك ! إ قد أَع َقب ُ‬
‫[الطويل]‬ ‫أنشد‪:‬‬
‫أحسن من هذا ‪ .‬مث َ‬
‫جالسا أَتَـلَد ُد‬ ‫كئيبًا سقيما‬ ‫أأز ِ‬
‫معت بـَيـًا عاجال وتَـَركت‬
‫ً‬
‫وبني الرتايف والل َه ِاة حرارة مكا َن الشجا ما تطمئن فَـتَبـ ُرُد‬
‫َ‬
‫فقالت‪ :‬خلني ع ه ياجواري ‪ .‬وأمرت له مبائة دي ار وحلة ميانية ‪ ،‬فقبضها وانصرف »‪.ϭ‬‬
‫يف هذا ال ص ال قدي نصبت عقيلة حكومة أو لسا نقديا ‪ ،‬ل قد شعر عمر بن أيب ربيعة وكثري‬
‫عزة واألحوص‪ ،‬والواضح أن الشعراء تعودوا على حضور لسها ملعرفتهم مبقدرهتا ال قدية ‪ ،‬واالستئ اس‬
‫ديثها وتذوقهم مال نقدها ‪ ،‬وكما هو واضح فإن نقدها كان لشعراء الغزل ‪ ،‬وهو نقد معا جزئية‬
‫يف بعض أشعارهم‪ ،‬وقد فاضلت بني مع يني لدى كل شاعر‪ ،‬وتظهر طريق مفاضلتها يف نقدها للشعر‪،‬‬
‫يف قوهلا لعمر بن أيب ربيعة‪" :‬إنما تطلبها ع د ذهاب عقلك" "لوال أبيات بلغت ع ك ما أذنت‬
‫لك "‪ ،‬وهذا نقد املع إذ كيف ميكن لعمر أن يطلب حبيبته بعد ما فقد عقله ‪ ،‬ألن فقدان العقل‬
‫ول بني املرأ ونفسه ‪ ،‬مما يصعب عليه إدراك ا اجة ‪ .‬وهذا عكس األبيات ال أجاد فيها وصف‬
‫تعلقه باحملبوبة ‪ ،‬فطربت هلا وأث ت على مجال معانيها ‪.‬‬
‫مث نقدت كثريا بقوهلا‪ ":‬أما أنت يا كثير فأألم العرب عهدا‪ ...‬أما تطلبها إال إذا تمثلت لك ! "‬
‫" أما واهلل لوال بيتان قلتهما ما التفت إليك "‪ ،‬ف عتت كثري باللؤم ألنه ليس وفيا حملبوبته ‪.‬‬
‫مث نقدت األحوص بقلة الوفاء حملبوبته فقالت له‪ " :‬وأما أنت يا أحوص فأقل العرب وفاء "‬
‫أذنت لك " ‪ .‬إ ًذا فكل شاعر من هؤالء الثالثة كانت له هفوة ا من‬
‫" أما واهلل لوال بيت قلتهُ ما ُ‬
‫ب‪ ،‬فكشفت ع ها عقيلة يف نقد معيار خلقي ‪ ،‬وفاضلت ما قالو من معا مجيلة يف حبيباهتن ‪.‬‬
‫وهبذا يكون ل قد التابعني األدباء با جاز قيمة مجالية وفكرية مضافة ودور فعال يف‬
‫ت امي ال قد األديب وتطور زمن التابعني ‪.‬‬

‫‪ -ϭ‬املرزبا ‪ :‬املوشح ‪ ،‬ص ص ‪ϮϭϮ -Ϯϭϭ‬‬

‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫‪470‬‬
‫خامسا – التجديد ال قدي في مجالس التابعين ال حاة ‪:‬‬

‫إضافة إ نقد األدباء للشعر والشعراء يف ا جاز ‪ ،‬فإن ا نعد ال قد ال حوي واللغوي للشعر من‬
‫أهم القضايا ال قدية ا ديدة ال أفرزها ا دل ال قدي يف عصر التابعني يف إقليم العراق ‪ ،‬و كانت‬
‫األسباب املباشرة لظهور ال قد ال حوي هو تلك « احملاوالت األو ال قام هبا اللغويون وال حاة يف‬
‫ضبط الشعر وت قيحه وتصفيته من شوائب اللحن وا طأ والتحريف والتصحيف ويف إخضاعه من ناحية‬
‫الصياغة والب اء اللغوي وال حوي لكل ما تفرضه أصول اللغة وقواعد ال حو والصرف ‪ ،‬أثرها يف احملافظة‬
‫على اللغة العربية عامة ‪ ،‬وعلى كتاب اهلل وس ة رسوله ‪،‬كما كان هلا أثرها يف تطور ال قد األديب »‪.ϭ‬‬
‫وقد بدأ هذا ال قد ع دما « تفوقت البصرة يف الشعر واألدب والرواية وظهرت فيها أول مدرسة يف‬
‫علم ال حو يتزعمها أبو األسود الدؤ [ت‪ϲϵ‬ه] ‪ ،‬وقد دفعه إ هذا اال ا ما أصاب اللغة من‬
‫ضعف ‪ ،‬فرا ح يعمل على تصحيح ما أفسد ال اس كما وضع بعض األبواب يف ال حو ‪.‬‬
‫اهتمت هذ املدرسة بال قد اللغوي وال حوي أو املوسيقى ‪ ،‬ووجه أتباع هذ املدرسة ع ايتهم إ‬
‫الشعراء ‪ ،‬فما اتفق وأحكامهم اعرتفوا به وما اختلف مع أحكامهم أنكرو »‪.Ϯ‬‬
‫وهكذا ظهر هذا « اللون ا ديد من ال شاط العلمي املتصل هبذ اللغة ‪ ،‬صادرا عن هذ ا اجة ‪،‬‬
‫وكانت أظهر ما تكون يف هذا اإلقليم ‪ ،‬فاستحدث م هجا جديدا يف ال قد ‪ ،‬وفتح العلماء هذا الباب‬
‫الذي كان وقفا على الشعراء والرواة ومتذوقي األدب ‪ .‬وكان هذا ال شاط يقوم على ال ظر يف اللغة ‪،‬‬
‫ومتثل أساليبها ـ وتتبع تراكيبها ‪ ،‬ومالحظة العالقات ال يقوم عليها ب اؤها ‪ ،‬لي تهي ذلك إ است باط‬
‫القواعد ال كمها وي ب عليها أواخر ألفاظها ‪ ،‬وهو الشيء الذي مل تكن مزاولة اللغة وروايتها مبا‬
‫يكفي دائما يف التحرر من ا طأ فيه ‪ .‬ومل يكد العلماء الذين ا هوا هذ الوجهة ‪ ،‬وع وا هبذ ال احية ‪،‬‬
‫يهتدون إ هذ القواعد ‪ ،‬ويروهنا مستقيمة مطردة ‪ ،‬ح فت وا هبا أميا فت ة ‪ ،‬وجعلوا يستطيلون هبا على‬
‫الشعراء وما إليهم ‪ ،‬يصوبون هبا ويطئون ‪ ،‬ويقومون هبا ويعدلون »‪.ϯ‬‬

‫‪ -ϭ‬مد طاهر درويش ‪ :‬يف ال قد األديب ع د العرب ‪ ،‬ص ‪. ϭϭϱ‬‬


‫‪ -Ϯ‬مصطفى علي عمر ‪ :‬يف ال قد األديب القدمي ‪ ،‬د ‪.‬م ‪ ،‬دار املعارف ‪ ϭϵϵϮ ،‬م‪ ،‬ص ‪. ϭϰ‬‬
‫‪ -ϯ‬مد طه ا اجري ‪ :‬يف تاريخ ال قد واملذاهب األدبية العصر ا اهلي ‪ ،‬والقرن األول اإلسالمي ‪ ،‬ص‪. ϭϭϴ‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫‪471‬‬
‫وبكل تأكيد فقد « أثرت املدارس اللغوية وال حوية يف الشعراء وال قاد ‪ ،‬وكان علماء اللغة وال حاة‬
‫يضعون الشعر لألحكام ال حوية ‪ ،‬وع دهم أن املتفوق من الشعراء من اهتم بقوايف الشعر ‪ ،‬ومن‬
‫كانت قصائد تتفق والقواعد ال حوية ‪ ،‬والشعر املضطرب ع دهم من أفسد صاحبه فيه مقاييس‬
‫اللغة »‪.ϭ‬‬
‫والواضح « أن اهتمام ال حاة األوائل يف أواخر القرن األول اهلجري بتتبع السقطات ال حوية للشعراء‪،‬‬
‫أدى هبم إ التعامل مع الشعر باعتبار ( مادة لغوية ) وليس (مادة ف ية ) فلم يكن مههم مجال الصورة‬
‫أو قبحها ‪ ،‬دقة الرتكيب أو خلله ‪ ،‬صدق الشاعر أو افتعاله ‪ ،‬جدته أو تقليديته ‪ ،‬بقدر ما كان‬
‫يهمهم ا انب القاعدي املب على ( ا طأ والصواب ) ال حوي وليس ( ا ودة والرداءة ) الف ية »‪.Ϯ‬‬
‫‪ -ϭ‬ظهور بذور ال قد ال حوي للشعر ‪:‬‬
‫لقد كانت بذور ال قد ال حوي األو للشعر ‪ ،‬تلك ال صوص ال قدية ال أدت إ ت امي ال قد ‪،‬‬
‫وعكست جهد ال حاة ومشاركتهم يف تطور ا ركة ال قدية يف زمن التابعني ‪ ،‬حيث اهتموا مبا وقع فيه‬
‫الشعراء ا اهليون واإلسالميون من خطأ ‪ ،‬وقد حاول ال حاة تربير مالحظاهتم ‪ ،‬من خالل ما أبانو‬
‫[الطويل]‬ ‫من نقد للشعراء من ذلك « أن عيسى* (ت‪ϳϲϲ‬م) كان يقول ‪ :‬أساء ال ابغة يف قوله‪:‬‬
‫قش يف أنيايِها السم نَاقِ ُع‬
‫من الر ِ‬ ‫ضئيلةٌ‬
‫ساوَرت َ‬
‫فبت كأيب َ‬
‫يقول موضعها " ناقِ ًعا " »‪ .ϯ‬بال صب على ا الية ‪.‬‬
‫‪ -Ϯ‬دور نقد ابن أبي إسجق الحضرمي لشعر الفرزدق في ت امي نقد الشعر والشعراء ‪:‬‬
‫أما فيما يص نقد ال حاة للشعراء اإلسالميني وخصوصا الفرزدق ‪ ،‬فثمة خصوصية برزت يف شعر‬
‫ب أصحاب ال حو »‪ ،ϰ‬الذين‬ ‫ِ‬
‫وهي كما قال ابن سالم‪ :‬إنه « كان يُداخل الكالم‪ ،‬وكان ذلك يـُعج ُ‬
‫كانوا يرون « أن شعر الفرزدق خاصة يعد يف حقيقة األمر مادة خصبة للدرس ال حوي‪ ،‬إذ كان أشيه‬

‫‪ -ϭ‬مصطفى علي عمر ‪ :‬يف ال قد األديب القدمي ‪ ،‬ص ‪.ϭϴ‬‬


‫‪ -Ϯ‬عبد العزيز جسوس ‪ :‬نقد الشعر ع د العرب يف الطور الشفوي ‪ ،‬ص‪. ϳϭ‬‬
‫*« من طبقة أيب عمر بن العالء‪ .‬وهو عيسى بن عمر الثقفي‪...‬وهو بصري من مقدمي وي البصرة‪ ،‬وكان أخذ عن عبد اهلل بن أيب إسحاق‬
‫وغري ‪ ...‬وكان – أع عيسى– ضريرا‪ ،‬أحد قراء البصريني ‪ ،‬ومات س ة تسع وأربعني ومائة (‪ϭϰϵ‬ه) ‪.‬وله من الكتب‪ :‬ا امع ‪ /‬وكتاب امل َكمل» ‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ -‬ابن ال دمي ‪ :‬الفهرست ‪ ،‬ص ص ‪. ϭϵϳ -ϭϵϲ‬‬
‫‪ -ϯ‬ابن سالم ا محي ‪ :‬طبقات فحول الشعراء ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬ص ‪. ϭϲ‬‬
‫‪ -ϰ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ، Ϯ‬ص ‪. ϯϲϰ‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫‪472‬‬
‫شيء بشخصيته املتقحمة ال ال تعبأ‪ ،‬فكذلك كان شأنه يف أسلوبه الشعري‪ ،‬ال يكاد يع يه أن يء‬
‫مستويا أومضطربا‪...‬كأهنم كانوا دون يف هذ املداخلة واملعاظلة ‪ ،‬وهذا التقدمي والتأخري‪ ،‬اال رحيبا‬
‫يديرون فيه أصوهلم وقواعدهم ‪ ،‬وميرنون به على امتحاهنا وتطبيقها »‪.ϭ‬‬
‫وهكذا وقعت جدلية العلم والسليقة العربية ‪ ،‬ف ـ ـ ـ ـ ـ« كان عجبا إميان هذا العلم ا ديد ال اشئ‬
‫ب فسه ‪ ،‬وثقته مبا وصل إليه ‪ ،‬إذ يهاجم السليقة العربية متمثلة يف شاعر فحل كالفرزدق ‪ ،‬وهو ال يزال‬
‫رخو العود مل يستكمل شخصيته بعد ؛ ولك ها الفت ة القوية ال ملكت على هؤالء العلماء أنفسهم ‪،‬‬
‫حني أتيح هلم أن يستكشفوا ما اعتربو أسرار العربية وروحها املصرفة هلا ‪ .‬ومل يكد العلماء ي ظرون يف‬
‫شعر الفرزدق ح أخذوا يف مهامجته مبا يف أيديهم من قواعد ال حو »‪.Ϯ‬‬
‫و د أن من ال حاة الذين واجهوا الفرزدق ابن أيب إسحاق ا ضرمي* الذي كان له موقف مما قاله‬
‫[الطويل]‬ ‫الفرزدق‪:‬‬
‫ف**‬ ‫من ِ‬
‫املال إال ُمس َحتأ أو َُل ُ‬ ‫بن مروان مل يَ َدع‬
‫وعض زمان يا َ‬
‫« َ‬
‫فقال ابن أيب إسحاق على أي شيء رفعت لفا ؟ قال‪ :‬على ما يسوءك »‪ .ϯ‬وعلق ابن عبد ربه‬
‫على قول الفرزدق فقال‪ « :‬وقد أكثر ال حويون االحتيال هلذا البيت‪ ،‬ومل يأتوا فيه بشيء يـُرضي »‪.ϰ‬‬
‫هذ صورة من بذور ال قد األديب األو ل قد ال حاة للشعر من ال احية اللغوية ‪ ،‬حيث وقعت‬
‫املواجهة بني ابن أيب إسحاق ا ضرمي والفرزدق‪ ،‬ف ظر ا ضرمي إ القاعدة ال حوية السليمة فرأى‬
‫« أن الفرزدق خالف قاعدة العطف املقررة ال تقتضي أن يكون املعطوف تابعا للمعطوف عليه يف‬

‫‪ -ϭ‬مد طه ا اجري ‪ :‬يف تاريخ ال قد واملذاهب األدبية العصر ا اهلي ‪ ،‬والقرن األول اإلسالمي ‪ ،‬ص‪. ϭϭϴ‬‬
‫‪ -Ϯ‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص ص ‪. ϭϭϵ -ϭϭϴ‬‬
‫*هو « عبد اهلل بن إسحاق ا ضرمي[ت‪ϳϯϱ‬م] أقدم ال حاة الذين ذكرهم سيبويه يف الكتاب "وأول من بعج ال حو ومد القياس والعلل ‪ ،‬وكان معه‬
‫أنو عمرو بن العالء [‪ϳϳϬ -ϲϴϵ‬م]‪ ،‬وبقي نعد بقاء طويال ‪ .‬وكان ابن أيب اسحق أشد ريدا للقياس‪ ،‬وكان أبوعمرو أوسع علما بكالم العرب‬
‫ولغاهتا » ‪.‬‬
‫‪ -‬ابن سالم ا محي ‪ :‬طبقات فحول الشعراء ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬ص‪. ϭϰ‬‬
‫** جاء البيت يف قصيدة من مائة وواحد وعشرين (‪ )ϭϮϭ‬بيتا قاهلا الفرزدق يف مد ح عبد امللك بن مروان ‪ ،‬ومطلعها ‪:‬‬
‫ت تَـع ِر ُ‬
‫ف‬ ‫وأَن َكر ِ‬ ‫ت تَـع ِز ُ‬ ‫ِ‬ ‫ت بأع ِ‬
‫ت من َحدراءَ ما ُك َ‬
‫َ‬ ‫ف‬ ‫شاش وما كد َ‬ ‫َعَزف َ‬
‫‪ -‬الفرزدق ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص ‪ ϰϮϵ‬وما بعدها ‪.‬‬
‫‪ -ϯ‬املرزبا ‪ :‬املوشح ‪ ،‬ص ‪. ϭϯϲ‬‬
‫‪ -ϰ‬ابن عبد ربه ‪ :‬العقد الفريد ‪ ،‬ج‪ ، ϱ‬ص ‪. ϯϲϮ‬‬

‫‪473‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫أحواله ‪ ،‬واملعطوف عليه ه ا م صوب (مسحتا ) بي ما املعطوف مرفوعا ( لف)‪ ،‬وهو خرق ظاهر‬
‫للقاعدة ‪ ،‬وهو ما اضطر معه إ أن يبحث عن العلة يف ذلك ‪ ،‬عله يعثر على قاعدة مل يتوصل إليها‬
‫بعد ‪ .‬ولكن جواب الفرزدق كان مفارقا للسؤال ‪ ،‬فرأى بأن سبب ذلك يرجع إ اإلساءة إ علم‬
‫ا ضرمي وإتعابه يف البحث عن العلة ال أدت به إ الرفع ‪ ،‬وبالتا فإن الشاعر مطالب بالقول‪ ،‬وأن‬
‫مسؤولية ال حو كام ة يف البحث عن العلة ‪ ،‬وبقي الطرفان افظني على مواقفهما ‪ ،‬ال‪ ،‬ا ضرمي عثر‬
‫على جواب ‪ ،‬وال ‪ ،‬الفرزدق برر خروجه على القاعدة ‪ ،‬وقد حاول بعض ال حاة إجابة ا ضرمي نيابة‬
‫عن الفرزدق ‪ ،‬بقوهلم بأن (أو) يف البيت ليست للعطف وإمنا هي للتخيري أو االستئ اف ‪ ،‬وبالتا فإن‬
‫( ف) هي خرب ملبتدأ ذوف تقدير هو (هو ف) »‪.ϭ‬‬
‫بي ما علق ابن قتيبة [‪ϴϴϵ -ϴϮϴ‬م] على ا دل الذي وقع حول رفع آخر البيت فقال ‪« :‬‬
‫فرفع آخر البيت ضرورة وأتعب أهل اإلعراب يف طلب العلة ‪ .‬فقالوا وأكثروا ومل يأتوا فيه بشيء يـُرضي ‪،‬‬
‫ومن ذا فى عليه من أهل ال ظر أن كل ما أتوا به من العلل احتيال ومتويه ‪ .‬وقد سأل بعضهم الفرزدق‬
‫عن رفعه إيا فشتمه ‪ ،‬وقال علي أن أقول وعليكم أن تحتجوا »‪.Ϯ‬‬
‫وهذ الضرورة ال يشري إليها ابن قتيبة هي ضرورة عروضية وهي "اإلقواء " ‪ ،‬وهذا م حى جديدا‬
‫يف نقد الشعر ‪ .‬لكن الفرزدق يقرر أن املطلوب م ه هو اإلبداع يف قول الشعر ‪ ،‬وعلى ال حاة وال قاد‬
‫اإلتباع واالحتجاج بقوله ‪ ،‬وتعليل ما يذهب إليه ‪ ،‬وأن دوا رجا ملذهبه الشعري ‪.‬‬
‫ويف صورة مماثلة " أقوى " الفرزدق يف شعر ‪ ،‬وكان « أن عبد اهلل بن أيب إسحق قال ‪ :‬للفرزدق‬
‫[البسيط]‬ ‫يف مدحه يزيد بن عبد امللك ‪:‬‬
‫يف ال ُقطن َم ثُوِر‬‫اصب كَ ِد ِ‬‫ِ ِ‬ ‫ال الشأِم‪ -‬تَض ِربـَُا‬‫ُمستقبِلِنيَ َمش َ‬
‫ف تُـز َجى ُ َها ِري ِر‬ ‫ِ‬
‫على َزواح َ‬ ‫أرحلِ ا‪-‬‬ ‫ِِ‬
‫على َعمائمَا يـُلقي و ُ‬
‫فقال ابن أيب إسحق ‪ :‬أسأت ‪ ،‬وإمنا هو " ِر ُير" ‪ ،‬بالرفع ‪.‬‬
‫احف نـُزِجها ِ‬
‫اس ِري " مث ترك هذا‬ ‫ِ‬
‫‪...‬فلما أ وا على الفرزدق غري الشطر الثا فقال ‪َ " :‬علَى َزو َ‬

‫‪ -ϭ‬عبد العزيز جسوس‪ :‬نقد الشعر ع د العرب يف الطور الشفوي ‪ ،‬ص ‪.ϳϮ‬‬
‫‪ -Ϯ‬ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ص ‪. ϰϬ‬‬

‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫‪474‬‬
‫ورجعوا إ القول األول »‪.ϭ‬‬
‫[الطويل]‬ ‫وقد أدرك ال حاة اللحن يف قول الفرزدق ونقدو يف قوله‪:‬‬
‫ائف وا َم ُر‬ ‫حصني ع ِ‬
‫بيطات الس َد ِ‬ ‫« َغداةَ أحلت البن أُصَرم طعَةً‬
‫ُ ٌَ َ‬
‫[ كان حصني بن أصرم قد حلف أال يأكل ما وال يشرب مخرا ح يُدرك ثأر ‪ ،‬فأدركه يف هذا‬
‫اليوم الذي ذكر ‪ .‬فقال ‪" :‬عبيطات السدائف] ‪ " .‬ف صب " عبيطات السدائف " ورفع " ا مر " ‪،‬‬
‫مر »‪.Ϯ‬‬
‫وحلت له ا ُ‬‫وإمنا هي معطوفة عليها ‪ ،‬وكان وجهها ال عت ‪ ،‬فكأنه أراد ‪ُ :‬‬
‫وقد حاول علماء ال حو بسط نفوذ هذا العلم ا ديد على الشعراء ‪ ،‬وكان ابن أيب إسحق يتتبع‬
‫السقطات اللغوية ع د الفرزدق ‪ « ،‬ومل يلبث أن نشبت ا صومة بي ه وبني الفرزدق ‪ ،‬إذ أخذ يثري عليه‬
‫هذا اللون من ألوان ال قد ‪ ،‬وهو لون ال قبل للفرزدق به ‪ ،‬وال طاقة له على ا دال فيه ‪ ،‬كما رأي ا ؛‬
‫فلم ميلك من أمر لقاء ابن أيب إسحاق إال أن يهجو ‪ ،‬فتلج ا صومة بي هما ‪ :‬أما سال ح الفرزدق يف‬
‫هذ ا صومة فهو الشعر – والشيء غري الشعر – يهجو به صاحبه ‪ ،‬وأما ابن أيب إسحق فسالحه‬
‫ال حو ‪ ،‬ويبدو أن نفس الفرزدق كانت قد انطوت على الرهبة م ه »‪.ϯ‬‬
‫[الطويل]‬ ‫وكان ا ضرمي يكثر الرد على الفرزدق ‪ ،‬ح قال فيه الفرزدق‪:‬‬
‫ولكن َعب َد اهللِ َمو َ َموالِيَا‪.ϰ‬‬ ‫فَـلَو كا َن ُ ِ‬
‫عبد اهلل مو ً َه َجوتُهُ‬
‫ومما يالحظ أن « الطريف يف األمر أن عبد اهلل مل يأبه هبذا اهلجاء القارس‪ ،‬بل را ح يتعقب‬
‫الشاعر كرة أخرى‪ ،‬فزعم أنه أخطأ حني نصب االسم امل قوص‪ ،‬وكان حقه ا ر »‪.ϱ‬‬
‫مث أمعن فيه الفرزدق وقال له‪ « :‬ما بال هذا الذي ر خصييه يف املسجد– يع ابن أيب إسحاق‪-‬‬

‫‪ -ϭ‬ابن سالم ا محي ‪ :‬طبقات فحول الشعراء ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬ص ‪. ϭϳ‬‬


‫‪ -‬ويبظر ‪ :‬املرزبا ‪ :‬املوشح ‪ ،‬ص ‪. ϭϯϮ‬‬
‫‪ -‬وي ظر ‪ :‬ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ص ‪. ϰϬ‬‬
‫‪ -Ϯ‬ابن عبد ربه ‪ :‬العقد الفريد ‪ ،‬ج‪ ، ϱ‬ص ‪.ϯϲϯ‬‬
‫‪ -ϯ‬مد طه ا اجري ‪ :‬يف تاريخ ال قد واملذاهب األدبية العصر ا اهلي ‪ ،‬والقرن األول اإلسالمي ‪ ،‬ص‪. ϭϮϬ‬‬
‫‪ -ϰ‬ابن سالم ا محي ‪ :‬طبقات فحول الشعراء ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬ص ‪.ϭϴ‬‬
‫‪ -‬ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ص ‪. ϰϬ‬‬
‫‪ -ϱ‬وهب رومية ‪ :‬ب ية القصيدة العربية ح هناية العصر األموي ( قصيدة املد ح أمنوذحا ) ‪ ،‬ص ‪. ϯϯϲ‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫‪475‬‬
‫ال عل له يلته وجها »‪.ϭ‬‬
‫تدم بني الفرزدق وا ضرمي وعلماء‬ ‫والواضح أن األمر الذي جعل ا دل الفكري والعلمي والف‬
‫ال حو‪ ،‬هو كما قال توفيق الزيدي‪ « :‬أن عدة عوامل إذن جعلت لقاء الشاعر بال اقد غري مثمر ‪ .‬من‬
‫ذلك أن ال اقد كم على ال ص مبقاييسه ا اصة كال حوي الذي اليرى ا ودة إال إذا متثلت يف سالمة‬
‫اللغة ‪ .‬وم ها أيضا العوامل الذاتية كامل افسة بني الع صر العريب والع صر األعجمي‪ ،‬إذ الن سى مثال أن‬
‫ابن أيب إسحاق من املوا ‪ .‬ولعل أهم من ذلك كله العامل الزم إذ ال وقت للتمحيص والتأمل ‪.‬‬
‫فيكتفي ال اقد با كم الذوقي أو با كم الذي يتماشى ومشاغله الفكرية »‪.Ϯ‬‬
‫ولعل هذ الرؤية تؤكد ل ا سبب هذا ا دل القائم بني الفرزدق وال حاة ‪ ،‬إذ يعود إ متسك‬
‫الفرزدق والشعراء بلغتهم البدوية ‪ ،‬ليصعبوا األمر على ال حاة ‪ ،‬ويدفعوهنم إ ذلك سخرية م هم ‪.‬‬
‫وهي ال تيجة ال توصل إليها عبد العزيز الكفراوي يف حديثه عن " لغة الشعر يف العهد األموي‬
‫وصدر اإلسالم " ‪ ،‬وبعد حديثه عن شعر الرجاز والفرزدق ‪ ،‬وجرير وعوف القوايف وال ابغة ا عدي ‪،‬‬
‫حيث أكد أن« القارئ ملا ذكر يستطيع أن يفرق بني نوعني من الصعوبة اللغوية ‪ ،‬األول هو ما رأي ا‬
‫ع د الرجاز وع د الفرزدق وإخوانه ‪ .‬والثا هو ما قرأنا رير وعوف القوايف وال ابغة ا عدي‪ ،‬ويالحظ‬
‫أن الصعوبة يف ال وع األول مصط عة غالبا ‪ ،‬أتى هبا أصحاهبا عن قصد وإن شئت فقل عن سوء نية ‪،‬‬
‫أتوا هبا لريضوا ال حاة وليسخروا م هم »‪.ϯ‬‬
‫وعلى هذا األساس يتضح كما قال الكفراوي‪ :‬إن « غرابة اللفظ ع د الفرزدق جزء من ف ه‬
‫األديب‪ ...‬فكان يعقد األمر على اللغويني وال حاة »‪ ،ϰ‬فكانوا هم كذلك يتبعون ما يقصد إليه ‪.‬‬
‫والخالصة ‪ :‬تعد هذ الصور ال قدية ال واة األو ل قد التابعني ال حاة للشعر ‪ ،‬وهي وجه علمي ثقايف‬
‫جديد يف نقد الشعر‪ ،‬وقد حاول ال حاة توجيه الشعر من خالل مآخذهم على الشعراء ‪ ،‬خاصة‬
‫الفرزدق ‪ ،‬من خالل توضيح " ا طأ والصواب " ودفعهم إ ضرورة االلتزام بالقاعدة ال حوية يف‬
‫شعرهم‪ ،‬وفق م هج علمي ‪.‬‬

‫‪ -ϭ‬املرزبا ‪ :‬املوشح ‪ ،‬ص ‪. ϭϯϰ‬‬


‫‪ -Ϯ‬توفيق الزيدي ‪ :‬مفهوم األدبية يف الرتاث ال قدي إ هناية القرن الرابع اهلجري ‪ ،‬ص ص ‪. ϯϬ -Ϯϵ‬‬
‫‪ -ϯ‬مد عبد العزيز الكفراوي ‪ :‬تاريخ الشعر العريب يف صدر اإلسالم وعصر ب أمية ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬ص ‪. ϯϯϭ‬‬
‫‪ -ϰ‬املرجع نفسه ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬ص ‪. ϯϯϭ‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫‪476‬‬
‫لكن علماء ال قد بعد دراستهم العروض‪ ،‬استخلصوا جوازات ف ية ميكن للشاعر أن يلجأ إليها‪،‬‬
‫ويرج عن القاعدة اللغوية لضرورة ف ية (عروضية) " اإلقواء" ‪ ،‬وهذا االجتهاد يوحي بأن ال نقد‬
‫الشعر يف عصر ابن أيب إسحاق ا ضرمي مل يتوقف ع د نظرة ال قاد ال حاة فحسب‪ ،‬بل أخد أبعادا‬
‫ف ية‪ ،‬تعكس تطور ا دل الفكرى وال قد األديب والغوي يف أواخر القرن األول اهلجري ‪.‬‬
‫يضاف إ هذا ما قاله مد طاهر درويش‪ « :‬على أنه ي بغي أن ندرك أن مالحظات ال حويني‬
‫ومآخذهم على الشعراء‪ ،‬وإن مست يف صميمها املسائل اللغوية وال حوية يف الكالم ‪...‬فقد اوزت‬
‫ذلك يف كثري من األحيان إ كثري من املسائل الف ية وال ظرات املوضوعية‪ ،‬ال تتصل باإلبداع الشعري‬
‫يف املعا واألفكار والصور وا يال واإل از واإلط اب‪ ،‬والذكر وا ذف‪ ،‬وما إ ذلك من األمور ال‬
‫تتصل بال واحي األدبية والبالغية وا مالية »‪.ϭ‬‬
‫كما لى ل ا أن نقد ال حاة للشعر يف العراق‪ ،‬يعد قيمة نقدية جديدة مضافة يف ت امي ال قد‬
‫األديب واللغوي زمن التابعني ‪.‬‬

‫‪ -ϭ‬مد طاهر درويش ‪ :‬يف ال قد األديب ع د العرب ‪ ،‬ص ‪. ϭϭϳ‬‬


‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫‪477‬‬
‫سادسا ـ التجديد ال قدي في مجالس الشعراء ‪:‬‬
‫أدى التابعون الشعراء دورا كبريا يف ت امي نقد الشعر من خالل اللقاءات ال كانت معهم‪،‬‬
‫فيدور فيها ا ديث حول اإلجابات عن األسئلة ال كانت تطر ح على الشعراء يف نقد الشعر‪ « ،‬وقد‬
‫كانت الس الشعراء يف أكثر األمر الس نقد أديب‪ ،‬وكذلك كان ال قد يف أول أمر من ص اعة‬
‫الشعراء ‪.‬كان هذا ع د اليونان كما يقرر مؤرخو ال قد ع دهم ‪ ،‬وكذلك كان شأنه ع د العرب ‪ ،‬فال‬
‫جرم كانت هذ اجملالس ال تمع فيها الشعراء ‪ ،‬بعضهم إ بعض يف ا جاز مما نشط ال قد األديب‬
‫والسيما حني يكون هؤالء الشعراء مت افسني يف امل زلة الشعرية »‪.ϭ‬‬
‫يضاف إ هذا أن الشعراء أعطوا دفعا قويا لـ ـ« تلك ال قدات األدبية ال كانت تعقد آنذاك يف‬
‫الس ا لفاء واألمراء والشعراء أو يف أسواق العرب كاملربد أو يف املساجد ال قدم الشعراء من خالهلا‬
‫إبداعاهتم؛ حدث نشاط كبري يف ا ركة ال قدية املصاحبة للشعر‪ ،‬تكشف عن جوانب ا ودة أو ال قص‬
‫فيه ‪ ،‬وقد أسهم فيه الشعراء بدور ملموس »‪ .Ϯ‬ومن هؤالء الشعراء الذين س عرض ل قدهم‪:‬‬
‫أ‪ -‬وسأبد با ديث عن نقدات الشعر والشعراء ع د الحطيئة ( ت و‪ϲϳϴ‬م) ألن سأعد يف‬
‫التابعني‪ ،‬كما أن نقداته تعد من البذور األو يف نقد الشعر والشعراء من طرف التابعني‪ ،‬وقد وجدت‬
‫علماءنا وباحثي ا يف العصر ا ديث يهملون تص يف ا طيئة بدقة‪ ،‬فهم ع دما يتحدثون عن ال قاد‬
‫ا اهليني يعدونه واحدا م هم‪ ،‬وع دما يتحدثون عن ال قد اإلسالمي يعدونه من نقاد العصر‬
‫اإلسالمي‪ ،‬كما فعل عبد اللطيف ا ديدي مثال أث اء حديثه على " الشعراء ال قاد يف العصر ا اهلي"‬
‫و"‪...‬العصر اإلسالمي" فقال‪ «:‬وملا كان من الصعب ديد زمن تلك األحكام آثرنا أن نضع أحكامه‬
‫ال أصدرها على بعض ا اهليني ه ا [يقصد العصر ا اهلي] ‪ .‬ونضع أحكامه ال أصدرها على‬
‫بعض اإلسالميني يف العصر اإلسالمي»‪ ، ϯ‬مع أن األحكام ال قدية ال قاهلا الصحابة والتابعني كلها‬
‫قيلت يف العصر اإلسالمي يف زمن الصحابة ا لفاء وبعدهم‪ ،‬حيث ي شط ال قد بقوة‪ ،‬وبالتا فال قد‬
‫خالف الشعر‪ ،‬وذلك أن الشعر مرتبط باألحداث والوقائع‪ ،‬بي ما ال قد مرتبط باجملالس واللقاءات‬

‫‪ -1‬مصطفى الصاوي ا وي ‪ :‬نقد العرب األديب يف ثالثة عصور‪ ،‬ص ‪. 25‬‬


‫‪ -2‬عبد اهلل مد العضي ‪ :‬ال قد ع د الشعراء ح هناية القرن الرابع اهلجري ‪ ،‬ص ‪. 45‬‬
‫‪ -3‬عبد اللطيف مد ا ديدي ‪ :‬الشعراء ال قاد يف العصرين ا اهلي واإلسالمي ‪ ،‬ص ‪ ϳϮ‬ومابعدها ‪ .‬و ص ‪ ϭϯϬ‬وما بعدها‬

‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫‪478‬‬
‫األدبية وال قدية ‪ ،‬ال انتشرت بكثرة يف عهد عبد امللك بن مروان‪ ،‬وال تثار فيها قضايا الشعر‬
‫ومجالياته بني الشعراء ‪ .‬من خالل قصائدهم املدحية والغزلية ‪ ،‬واملعروف أن ا طيئة مل تربز شهرة الف ية‬
‫وال قدية إال يف عهد ا ليفة عمر ‪ ،‬حيث « إنه كان من بني الشعراء الذين كان يرجع إليهم عمر بن‬
‫ا طاب أحيانا ليسأله عن رأيه يف بعض األشعار‪...‬يف هجاء ال جاشي لب العجالن »‪ .ϭ‬مثال ‪.‬‬
‫ويعود تص يف ا للحطيئة يف التابعني اعتمادا على رأي ابن قتيبة الذي قال ع ه‪ « :‬ال أرا أسلم إال‬
‫بعد وفاة الرسول ‪‬أل مل أمسع له بذكر فيمن وفد عليه من وفود العرب »‪ .Ϯ‬وهو رأي صريح دقيق‬
‫املع دل على أن ا طيئة ليس صحابيا ‪ ،‬مما عل ا نص فه ونضعه ضمن التابعني ‪ .‬ومن هذا ف ـ ـ ـ ـ« هو‬
‫من املخضرمني الذين أدركوا ا اهلية واإلسالم ‪ ،‬وله آراء نقدية صائبة يف شعراء ا اهلية ‪ ،‬وشعراء‬
‫اإلسالم ‪...‬وللحطيئة أحكام ار الية كثرية خالية من التعليل ‪ ،‬وإن كانت صادرة عن شاعر ف ان »‪.ϯ‬‬
‫‪ -ϭ‬ومن إجابته على سؤال ال اقد ‪ ،‬إبداء رأيه يف زهري بن أيب سلمى « وكان زهري أستاذ ا طيئة ‪،‬‬
‫وسئل ع ه ا طيئة فقال‪ :‬ما رأيت مثله يف تكفيه على أكتاف القوايف وأَخ ِذ ِ بأع تها‪ ،‬حيث شاء من‬
‫اختالف معانيها امتداحا وذَما »‪.ϰ‬‬
‫يف هذا ال قد يتجلى أن ا طيئة قدم زهريا على مجيع الشعراء الفحول يف عصر واجمليدين‪ ،‬وفيه‬
‫مد ح له يف الص اعة الشعرية ‪ ،‬و« هذا ال قد تبدو فيه ال ظرة املوضوعية ‪ ،‬وإن كانت املوضوعية جزئية‬
‫يف هذا الرأي ‪ ،‬ألهنا مل تت اول الفن الشعري من نواحيه املتعددة ‪ ،‬بل اقتصرت على امتدا ح الشاعر‬
‫بقدرته على الص اعة ‪ ،‬ومتك ه من الشعر‪ ،‬وقدرته على التصرف يف األغراض وإن كان قد اقتصر يف هذا‬
‫الرأي على غرضني مها املد ح والذم ‪ ،‬وأغفل ما عدامها مما عرف ال اس عن زهري من دعوته إ السلم‬
‫وإكثار من ا كمة‪...‬ونلحظ جانبا يتصل ب قد املع ‪ ،‬فقد امتد ح ا طيئة أستاذ زهريا بالقدرة على‬
‫ص اعة الشعر والتمكن من قوافيه‪ ،‬والقدرة على التصرف يف اإلغراض »‪.ϱ‬‬
‫أما قول ا طيئة " ما رأيت مثله يف تكفيه على أكتاف القوايف وأَخ ِذ ِ بأع تها‪ ،‬حيث شاء " فهذا‬

‫‪ -ϭ‬ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ص ‪. ϮϬϯ‬‬


‫‪ -Ϯ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪.ϮϬϯ‬‬
‫‪ -ϯ‬عبد اللطيف مد ا ديدي ‪ :‬الشعراء ال قاد يف العصرين ا اهلي واإلسالمي ‪ ،‬ص ‪. ϳϮ‬‬
‫‪ -ϰ‬ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ص ‪. ϳϳ‬‬
‫‪ -ϱ‬عبد اللطيف مد ا ديدي ‪ :‬الشعراء ال قاد يف العصرين ا اهلي واإلسالمي ‪ ،‬ص ص ‪. ϳϯ -ϳϮ‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫‪479‬‬
‫نقد عروضي‪ ،‬يؤكد سالمة شعر زهري من أخطائه و« متكن زهري من القوايف‪ ،‬واقتدار عليها‪ ،‬فال‬
‫يستعصى عليه حرف من حروفها‪ ،‬وتأيت مت اسبة مع صياغة البيت وغرضه »‪.ϭ‬‬
‫‪ -Ϯ‬ومن إجابته على سؤال ال اقد‪ ،‬قال ابن رشيق‪ « :‬وأما ا طيئة فسئل عن أشعر ال اس‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫[الرمل]‬ ‫أبو دؤاد حيث يقول‪:‬‬
‫فَـف َد َمن ُرِزئـتُه ا ِإلع َد ُام »‪.Ϯ‬‬ ‫قتار عُد ًما ‪ ،‬ولكن‬
‫ال أعد اإل َ‬
‫فعلق ابن رشيق على الشعر فقال‪ « :‬وهو وإن كان فحال قدميا وكان امرؤ القيس يتوكأ عليه‬
‫ويروي شعر فلم يقل فيه أحد من ال قاد مقالة ا طيئة »‪ .ϯ‬مع هذا أن ا طيئة أول من أعجب‬
‫بشعر أيب دؤاد ونقد نقدا جزئيا‪ ،‬وإن كان ا طيئة يف إعجابه مبع البيت مل يعلل هذا اإلعجاب ‪.‬‬
‫‪-ϯ‬ومن إجابته على سؤال ال اقد‪ ،‬ملا « سأله ابن عباس مرة أخرى‪[ ،‬عن أشعر ال اس] فقال‪ :‬الذي‬
‫[الطويل]‬ ‫يقول ‪:‬‬
‫ومن ال يـَت ِق الشت َم يُشتَ ِم‬ ‫ِ‬ ‫املعروف ِمن ِ‬
‫يَفرُ َ‬ ‫دون عرضه‬ ‫َ‬ ‫ومن َ عل‬
‫َ‬
‫[الطويل]‬ ‫وليس الذي يقول‪:‬‬
‫ب؟‬ ‫أخا ال تَلمه على َش َعث أَي الرجال املَُهذ ُ‬ ‫ت مبُستَبق ً‬
‫ولس َ‬
‫بدونه ‪ ،‬ولكن الضراعة أفسدته كما أفسدت جروال ‪ ،‬واهلل لوال ا شع لك ت أشعر املاضني ‪ ،‬وأما‬
‫الباقون فال شك أ أشعرهم ‪ ،‬قال ابن عباس‪ :‬كذلك أنت يا أبا مليكة »‪.ϰ‬‬
‫فا طيئة يفاضل بني شاعرين من حالل البيتني‪ ،‬فـ ـ ـ « رأى زهريا وال ابغة يف م زلة واحدة من الشاعرية‬
‫ولكن الذي أفسد ال ابغة ليس الفن وع اصر يف شعر ‪ ،‬وإمنا مذهبه يف الضراعة واالستذالل بتكفيه‬
‫عن املديح التكس واالعتذار‪ ،‬وي تقل إ نفسه فرياها ال تقل عن شاعرية القدماء ‪ ،‬وإن كان قصر به‬
‫ع هم مذهبه يف التكسب إ حد االستجداء ‪ ،‬وإن كان يرى نفسه أشعر الباقني من شعراء ا اهلية‪،‬‬
‫يع املخضرمني‪ ،‬وكلها أحكام اليقويها علة أوسبب »‪.ϱ‬‬

‫‪ -ϭ‬عبد اللطيف مد ا ديدي ‪ :‬الشعراء ال قاد يف العصرين ا اهلي واإلسالمي ‪ ، ،‬ص ‪. ϳϯ‬‬
‫‪ -Ϯ‬ابن رشيق ‪ :‬العمدة ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬ص ‪. ϴϰ‬‬
‫‪ -ϯ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬ص ‪. ϴϰ‬‬
‫‪ -ϰ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬ص ‪. ϴϰ‬‬
‫‪ -ϱ‬عبد اللطيف مد ا ديدي ‪ :‬الشعراء ال قاد يف العصرين ا اهلي واإلسالمي ‪ ،‬ص ‪. ϳϲ‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫‪480‬‬
‫‪ -ϰ‬ومما عرف عن أحكامه ال قدية ‪ ،‬أنه « عرض للفرزدق مع ا طيئة‪ ،‬فإن ا طيئة قال له وقد مسعه‬
‫ي شد شعرا أعجبه‪ :‬أ دت أمك ؟ قال‪ :‬بل أ د أيب! ونظم ذلك جرير‪ ،‬ونعا عليه‪ ،‬وادعى أنه‬
‫[الكامل]‬ ‫صحيح فقال‪:‬‬
‫ذلك ا َا ِر‬
‫واهللُ يـَعلَ ُم َشأ َن َ‬ ‫َكا َن ا طيئةُ جار أمك مرًة‬
‫بأشر شيخ يف مجيع نَِزا ِر‬ ‫ت إ الزنا ِء بِعِلة‬ ‫من مث أَن َ‬
‫وافخر بِ َعبس كل يوم فَ َخا ِر‬ ‫ب و مد‬ ‫تفخرن بِغَالِ ِ‬‫الَ َ‬
‫وكان يزعم أن ا طيئة جاور لي ة ب ت قرطة فأعجبته‪ ،‬فراودها فوقع عليها وزوجها أخوها العالء‬
‫غالبا أبا الفرزدق‪ ،‬وقد تبني محلها فولدت الفرزدق على فراشه »‪.ϭ‬‬
‫الظاهر أن الوجه ال قدي يف ال ص ‪ ،‬أن الفرزدق أدرك ما كان يقصد ا طيئة من قوله ‪ " :‬أ دت‬
‫أمك ؟ " ‪ ،‬فكان رد سريعا ‪ " :‬بل أ د أيب ! " ‪ ،‬وهو ما يدل على « إعجاب ا طيئة الشديد بشعر‬
‫الفرزدق ويبدو أنه ظن يف نفسه أن هذا الشعر ا يد ال يقوله إال شاعر من د فرا ح يتهم الفرزدق يف‬
‫أمه ‪ ،‬بأهنا أ دت ‪ ،‬أي ذهبت إ د ووقع عليها ا طيئة فورث الفرزدق الشعر ع ه ‪ ،‬وأصبح شاعرا‬
‫كبريا من نسل ال جديني ‪ ،‬ولكن الفرزدق فهم ع ه ذلك ورد عليه بأن أبا هو الذي أ د فوقع على أم‬
‫ا طيئة فأ بته ‪ ،‬وأصبح شاعرا كبريا »‪ .Ϯ‬كما أن ا كم ال قدي يف عبارة ا طيئة « ال يزال عاما غري‬
‫دد ‪ ،‬كما ال يزال يصدر ال اقد يف عبارة غامضة ‪ ،‬وإن كانت ت طوي يف حقيقتها على ما أراد ال اقد‬
‫من حكمه ‪ ،‬وت قله إ املتلقي ‪ ،‬بعد تأويل خفيف »‪.ϯ‬‬
‫ب‪ -‬أما كثير عزة ( ت‪ϳϮϯ‬م) فهو من الشعراء الكبار ‪ ،‬وكان له دور يف نقد الشعر والشعراء ‪،‬‬
‫وقد روت له مصادر ال قد مشاركات نقديه كثرية‪ ،‬صدرت ع ه يف الس ا لفاء ‪ ،‬ويف الس الشعراء‪،‬‬
‫ويف أسئلة عامة توجه إليه عن أشعر ال اس ‪ ،‬وكان مما روي عن نقداته ‪« ،‬قال ابن سالم ‪ « :‬دخل كثري‬
‫[الطويل]‬ ‫على عبد امللك فأنشد مدحته وفيها ‪:‬‬
‫أج َاد امل َسدي َسرَد َها وأ َذا َهلَا‬ ‫العاص ِدالَص ح ِ‬
‫صي ةٌ‬ ‫ِ‬ ‫على اب ِن‬
‫َ ُ‬ ‫ٌ َ‬

‫‪ -ϭ‬ابن رشيق ‪ :‬العمدة ‪ ، ،‬ج‪ ، ϭ‬ص ص ‪. ϲϵ -ϲϴ‬‬


‫وي ظر ‪ :‬ابن سالم ا محي ‪ :‬طبقات فحول الشعراء ‪ ،‬ج ‪ ، Ϯ‬ص ص ‪. ϯϮϮ -ϯϮϭ‬‬
‫‪ -Ϯ‬عبد اللطيف مد ا ديدي ‪ :‬الشعراء ال قاد يف العصرين ا اهلي واإلسالمي ‪ ،‬ص ‪. ϵϯ‬‬
‫‪ -ϯ‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. ϵϯ‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫‪481‬‬
‫[الكامل]‬ ‫فقال له‪ :‬أفال قلت كما قال األعشى لقيس بن معد كرب ؟‬
‫َشهباءُ َي َشى الذائِ ُدو َن هنَا َهلَا‬ ‫ومةٌ‬
‫وإذَا يءُ كتيبةٌ َمل ُم َ‬
‫رب ُمعلِ ًما أَبطَا َهلَا‬ ‫ِ‬
‫بالسيف تض ُ‬ ‫س ُج ة‪،‬‬ ‫غري الَبِ ِ‬
‫ت امل َقد َم‪َ ،‬‬
‫ك َ‬
‫قال كثري‪ :‬وصفه با رق ‪ ،‬ووصفتك با زم »‪.ϭ‬‬
‫ويف رواية املرزبا ‪ « :‬فقال‪ :‬يا أمري املؤم ني‪ ،‬وصف األعشى صاحبه بالطيش وا رق والتغرير‪،‬‬
‫ووصفتك با زم والعزم‪ ،‬فارتضا »‪.Ϯ‬‬
‫ووجه ال قد ه ا يكمن يف املوازنة بني الشاعرين واملفاضلة بي هما ‪ ،‬وقد فضل عبد امللك معا مد ح‬
‫األعشى يف قيس بن معد كرب على معا كثري ملا فيهما من املبالغة ‪ ،‬فكان جواب كثري سريعا يف الرد‬
‫على عبد مللك ‪ ،‬فبني له بأن األعشى وصف ممدوحه " با رق " وهو وصف فيه طيش وتغرير ‪ ،‬وهو‬
‫يف نظر ال يليق مبد ح ا لفاء ‪ ،‬بي ما كثري وصفه "با زم " ‪ ،‬وهذا من نقد املعا الكلية ألن ا زم‬
‫والعزم صفتان من صفات الكمال ا لقية تليق با ليفة ‪ ،‬ولذا يبدو أن كثري عزة على اطالع مبدائح‬
‫األعشى فأراد أن يتجاوز يف معانيه ‪.‬‬
‫بي ما يرى املرزبا أن « أهل العلم بالشعر يفضلون قول األعشى يف هذا املع على قول كثري‪،‬‬
‫ألن املبالغة أحسن ع دهم من االقتصار على األمر األوسط ‪ ،‬واألعشى بالغ يف وصف الشجاعة ح‬
‫جعل الشجاع شديد اإلقدام بغري ج ة ‪ ،‬على أنه وإن كان لُبس ا ة أو با زم ‪ ،‬وأحق بالصواب ‪،‬‬
‫ففي وصف األعشى دليل قوي على شدة شجاعة صاحبة ‪ ،‬ألن الصواب له‪ ،‬وال لغري إال لبس ا ُ ة ‪.‬‬
‫يقصر على الوصف »‪.ϯ‬‬
‫وقول كثري ُ‬
‫ج‪ -‬أما الشاعر الفرزدق فقد أمجع عليه العلماء ال قاد أنه أحد الشعراء الفحول الثالثة يف اإلسالم‪،‬‬
‫أو الثالثي األموي‪ :‬جرير والفرزدق واألخطل‪ ،‬وكان من الشعراء الذين ضرون الس الشعر وال قد‪،‬‬
‫وكانت له مشاركات قوية يف نقد الشعر‪ ،‬ومن نقداته إجابته على سؤال ال اقد ‪ ،‬حيث كانت تطر ح يف‬
‫اجملالس أسئلة على الشعراء ‪ ،‬ومما سئل ع ه الفرزدق‪ « :‬روى ا محي أن سائال سأل الفرزدق‪ :‬من‬

‫‪ -ϭ‬ابن سالم ا محي ‪ :‬طبقات فحول الشعراء ‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص ص ‪.542 -541‬‬
‫‪ -2‬املرزبا ‪ :‬املوشح ‪ ،‬ص ‪. 192‬‬
‫‪ -3‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ص ‪. ϭϵϯ -ϭϵϮ‬‬

‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫‪482‬‬
‫[الوافر]‬ ‫أشعر ال اس ؟ قال‪ :‬ذو القرو ح ‪ ،‬قال‪ :‬حني يقول ماذا ؟ قال‪ :‬حني يقول‪:‬‬
‫اب »‪.ϭ‬‬
‫ني ما كان العُ َق ُ‬
‫وباألَش َق َ‬ ‫اهم َجد ُهم بب أبي ِهم‬
‫َوقَ ُ‬
‫فالفرزدق يف إجابته على سؤال ال اقد‪ ،‬قدم امرأ القيس من حث السبق والشاعرية على مجيع‬
‫ال اس‪ ،‬وذلك من خالل بيت شعري واحد ‪ .‬بدون ديد املعايري الف ية ال جعلت امرأ القيس أشعر‬
‫ال اس ‪ ،‬ألن الفرزدق يعرف أن السائل يدرك القصد من إجابته ‪ ،‬والفرزدق على دراية كبرية مبا يستوجب‬
‫تقدمي امرأ القيس من ال احية الف ية ‪ ،‬وهو يعرف أن إجابته املختصرة كافية ليفهما السائل ‪.‬‬
‫ومن نقدات الفرزدق كذلك ماروا ابن رشيق‪« :‬سئل الفرزدق مرة ‪ ،‬من أشعر العرب ؟ قال‪ :‬بشر‬
‫[الوافر]‬ ‫ابن أيب خازم‪ ،‬قيل له‪ :‬مباذا ؟ قال بقوله‪:‬‬
‫َك َفى ِ‬
‫باملوت نَأيًا َواغِ َرتابا »‪.Ϯ‬‬ ‫ثَوى يف َمل َحد الَبُد م هُ‬
‫وا كم نفسه ي سحب على تقدمي الفرزدق لبشر بن أيب خازم على مجيع شعراء العرب من حيث‬
‫الشاعرية ‪ ،‬من خالل استشهاد ببيت واحد ‪ ،‬وبدون ديد للمعايري الف ية ال جعلته أشعر العرب ‪،‬‬
‫ولعل هذ السمة ال قدية يف عصر الفرزدق كانت كافية ليفهم ال قاد الغرض من ا كم ال قدي على‬
‫تقدمي شاعر على آخر ‪ ،‬أو على مجيع الشعراء ‪ ،‬وكما هو واضح فإن نقد الفرزدق يف ال صني م صب‬
‫على ديد أشعر ال اس بدقة ‪ ،‬فقدم الشعراء ا اهليني على باقي الشعراء ‪.‬‬
‫د‪ -‬أما جرير بن عطبة فهو من الشعراء اإلسالميني الفحول املقدمني‪ ،‬وهو مع الفرزدق واألخطل‬
‫يشكلون الثالثي األموي‪ ،‬وميثلون ع د ال قاد الطبقة األو من فحول اإلسالم‪ ،‬فإ جانب إبداعه‬
‫الشعري « كانت له نقدات كثرية صائبة ‪ ،‬وكان يؤخذ رأيه أحيانا كثرية يف بعض الشعراء جاهليني‬
‫وإسالميني ‪ ،‬كما كان يؤخذ رأيه يف ديد أشعر ال اس »‪.ϯ‬‬
‫ومن نقد « قال ا محي يف كتابه‪ :‬سأل عكرمة بن جرير أبا جريرا‪ :‬من أشعر ال اس؟ قال‪ :‬أعن‬
‫ا اهلية تسأل أم اإلسالم ؟ قال‪ :‬ما أردت إال اإلسالم إذا ذكرت ا اهلية فأخرب عن أهلها‪ ،‬قال‪:‬‬
‫زهري شاعرهم‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬فاإلسالم ؟ قال‪ :‬الفرزدق نبعة الشعر يف يد ‪ ،‬قلت‪ :‬فاألخطل ؟ قال‪ :‬يد‬

‫‪ -ϭ‬ابن رشيق ‪ :‬العمدة ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬ص ‪. ϴϮ‬‬


‫‪ -Ϯ‬املصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬ص ‪. ϴϯ‬‬
‫‪ -ϯ‬عبد اللطيف مد ا ديدي ‪ :‬الشعراء ال قاد يف العصرين ا اهلي واإلسالمي ‪ ،‬ص‪. ϭϭϳ‬‬

‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫‪483‬‬
‫مد ح امللوك ويصيب صفة ا مر‪ ،‬قلت‪ :‬فما تركت ل فسك ؟ قال‪ :‬دع فإ رت الشعر را »‪.ϭ‬‬
‫إن جريرا يف هذا ا كم حكم على الشعراء الثالثة ب ظرة موضوعية ولك ها جزئية ـ فهو حني يفضل‬
‫زهريا مل يعلل سبب تفضيله وقد يكون ذلك عائد إ إجادته يف غرض املد ح ‪ ،‬بي ما حني يتحدث‬
‫على الشعراء اإلسالميني يعطي بعض التعليالت الف ية ‪ ،‬وقد فضل الفرزدق لسيولة شعر وغزارته ‪ ،‬وهو‬
‫ما يعطي نظرة على أن الفرزدق أجاد يف موعة أغراض شعرية ‪ ،‬بي ما قدم األخطل على الشعراء‬
‫اإلسالميني يف غرضني عرف هبما مها ‪ :‬مد ح امللوك ووصف ا مر ‪ ،‬أما قول جرير عن نفسه ‪" :‬دع‬
‫فإ رت الشعر را " فهي نظرة تبني أن جريرا قسم شعر بني هجائه للشعراء ومد ح خلفاء ب أمية‪،‬‬
‫ومل يستقر على غرض معني ‪.‬‬
‫ه‪ -‬أما نصيب فهو من الشعراء املقدمني يف العصر األموي‪ ،‬فقال ع ه‪ :‬إمساعيل بن يسار ملا سئل‪:‬‬
‫« من أشعر ا ل اس ؟ قال ‪ :‬أخو ب متيم ‪ .‬قلت‪ :‬مث من ؟ قال‪ :‬أنا ‪ .‬فقلت‪ :‬مث من ؟ قال‪ :‬نصيب‬
‫‪...‬إنه لشاعر واهلل كرمي »‪ ،Ϯ‬وجعله ابن سالم يف الطبقة السادسة من فحول اإلسالم ‪ ،‬و« اعرتف له‬
‫بالشاعرية كثري من ال قاد وا لفاء والشعراء ‪ ،‬شارك يف ا ركة ال قدية يف عصر فكان ناقدا ذائع‬
‫الصيت‪ ،‬كما كان شاعرا‪ ،‬وبلغ من شهرته ك اقد أن كان الشعراء يأتونه في شدونه ‪ ،‬و كم على‬
‫أشعارهم ويقومها‪ ،‬ويبدي مالحظاته على ما قد يكون فيها من خطأ أو زلل »‪.ϯ‬‬
‫‪ -‬ومن نقداته ما روى له ابن رشيق‪ « :‬قيل ل صيب مرة من أشعر العرب ؟ فقال‪ :‬أخو متيم‪ ،‬يع‬
‫علقمة بن عبدة ‪ ،‬وقيل‪ :‬أوس بن حجر ‪ ،‬وليس ألحد من الشعراء بعد امرئ القيس ما لزهري وال ابغة‬
‫واألعشى يف ال فوس »‪.ϰ‬‬
‫ف الحظ أنه ع دما يكون سؤال ال اقد عن أشعر ال اس‪ ،‬أو أشعر العرب ‪ ،‬تكون اإلجابة دائما‬
‫بتقدم وتفضيل الشعراء ا اهليني على غريهم من املتأخرين‪ ،‬وه ا د نصيبا فاضل بني الشعراء‬
‫ا اهليني فقدم علقمة مث جاء بعد امرئ القيس وزهري وال ابغة واألعشى ‪ ،‬وهو ما يع أنه إ عصر‬
‫نصيب مازال ال قاد يعدون الشعر والشعراء ا اهليني املقياس املفضل ع د املفاضلة بني الشعراء ع دهم‬

‫‪ -ϭ‬ابن رشيق ‪ :‬العمدة ‪ ،‬ج‪ ،ϭ‬ص ‪. ϴϯ‬‬


‫‪ -Ϯ‬ابن سالم ا محي ‪ :‬طبقات فحول الشعراء ‪ ،‬ح‪ ،Ϯ‬ص ص ‪. ϲϳϲ -ϲϳϱ‬‬
‫‪ -ϯ‬عبد اللطيف مد ا ديدي ‪ :‬الشعراء ال قاد يف العصرين ا اهلي واإلسالمي ‪ ،‬ص‪. ϭϯϰ‬‬
‫‪ -ϰ‬ابن رشيق ‪ :‬العمدة ‪ ،‬ج‪ ، ϭ‬ص ‪. ϴϱ‬‬
‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫‪484‬‬
‫بدون تعليل ‪ .‬وعلة ذلك كما يقول نصيب أن هؤالء الشعراء مازال أثرهم ا سن يف ال فوس قائما ‪،‬‬
‫فيذكرهم ال اس و لوهنم ملا هلم من سبق يف الزمن ومجال اإلبداع ‪.‬‬
‫و‪ -‬ومن الشعراء الذين كان هلم أثرا نقديا يف عصر الكميت بن زيد الذي « مثل طبقة جديدة‬
‫من الشعراء ‪ ،‬نشأت يف أواخر هذ الفرتة ‪ ،‬وكان نشوءها ظاهرة من ظواهر التطور الذي أتيح‬
‫للمجتمع اإلسالمي»‪ .ϭ‬ومن نفداته ما روي عن مد بن سعد راوية الكميت ‪ ،‬قال‪ « :‬قدم ذو الرمة*‬
‫الكوفة فلقيه الكميت** ‪ ،‬فقال له‪ :‬إ قد عارضتك بقصيدتك ‪ .‬قال‪ :‬أي القصائد ؟ قال‪ :‬قولك‪:‬‬
‫[البسيط]‬
‫ِ‬
‫ب كأَنه من ُكلًى َمقرية َس ِر ُ‬
‫ب‬ ‫ك م َها املاءُ يـَ َسك ُ‬‫ال عي َ‬‫َما بَ ُ‬
‫[البسيط]‬ ‫قلت‪:‬‬
‫قلت ؟ قال‪ُ :‬‬ ‫قال‪ :‬فأي شيء َ‬
‫ب‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب أم هل س من ذي الشيبة اللع ُ‬ ‫أنت عن طلب األيفاع م ـ َقل ُ‬ ‫َهل َ‬
‫جيدا‬
‫ح أتى عليها ‪ .‬قال‪ :‬فقال له‪ :‬ما أحسن ما قلت ‪ ،‬إال أنك إذا شبهت الشيء ليس يء به ً‬
‫كما ي بغي‪ ،‬ولك ك تقع قريبا‪ ،‬فال يقدر إنسان أن يقول ‪ :‬أخطأت وال أصبت ‪ ،‬تقع بني ذلك‪ ،‬ومل‬
‫شبهت ‪ .‬قال‪ :‬وتدري مل ذاك ؟ قال‪ :‬ال ‪ ،‬قال‪ :‬ألنك تشبه شيئا قد‬ ‫وصفت أنا وال كما‬ ‫تَ ِ‬
‫صف كما‬
‫ُ‬ ‫ُ‬

‫‪ -ϭ‬مد طه ا اجري ‪ :‬يف تاريخ ال قد واملذاهب األدبية العصر ا اهلي ‪ ،‬والقرن األول اإلسالمي ‪ ،‬ص‪. ϭϭϰ‬‬
‫*ذو الرمة (‪ϳϯϱ‬م) « هو غيالن بن ُعقبة بن بـُ َهيش ويك أبا ا ارث وهو من ب صعب بن ملكان بن عدي بن عبد م اة »‪ « .‬شاعر أموي كان‬
‫يرتدد على البصرة والكوفة أُغرم ب مية فأكثر من ذكرها يف شعر ح عرف هبا عاصر جرير والفرزدق ‪ ،‬له "ديوان " »‪.‬‬
‫‪ -‬ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ص ‪. ϯϱϲ‬‬
‫**الكميت األسدي ولد بالكوفة (س ة ‪ϲϬ‬ه ) (‪ϳϰϰ-ϲϴϬ‬م ) « هو الكميت بن زيد من ب أسد ويك أبا املسهل وكان معلما ‪ ،‬وكان أصلع‬
‫أصم وكان بي ه وبني الطرما ح من املودة واملخالطة مامل يكن بني اث ني على تباعد ما بي هما يف الدين والرأي ألن الكميت رافضيا وكان الطرما ح‬
‫صفريًا ‪ ،‬وكان الكميت عدنانيا ‪ ،‬وكان الطرما ح قحطانبا عصبيا ‪ ،‬وكان الكميت متعصبا ألهل الكوفة ‪ ،‬وكان الطرما ح يتعصب ألهل الشام ‪،‬‬ ‫خارجيا ُ‬
‫وكان الكميت شديد التكلف يف الشعر كثري السرقة » ‪ « .‬شاعر من أهل الكوفة ‪ .‬مد ح ب هاشم ‪ .‬وعرف يشاعر اهلامشيني ‪ .‬له ديوان " اهلامشيات‬
‫« ويعترب الكميت من مكثري الشعر‪ ،‬ومع ذلك فما وصل إلي ا من شعر قليل‪...‬ويعد من أقدم ُمثريي بواعث العصبية وموقدي نار الشقاق بني‬
‫العدنانيني والقحطانيني »‪.‬‬
‫‪ -‬ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ص ‪. ϯϵϬ‬‬
‫داوُد َساوم ونوري محودي‬
‫‪ -‬وي ظر ‪ :‬الكميت بن زيد ‪ :‬شر ح هامشبات الكميت بن زيد ‪ ،‬بتفسري‪ :‬أبو رياش أمحد بن إبراهيم القيسي ‪ ،‬قيق ‪ُ :‬‬
‫القيسي ‪ ،‬ط‪ ، 2‬بريوت ‪ ،‬عامل الكتب ومكتبة ال هضة العربية ‪1406 ،‬ه ‪1986‬م ‪ ،‬ص ‪. 239‬‬

‫املرتكزات ال قدية ع د الصحابة والتابعني يف نقد الشعر والشعراء‬ ‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء‬ ‫الباب الثالث‬

‫‪485‬‬
‫ذاك »‪.ϭ‬‬
‫صدقت ‪ .‬هو َ‬ ‫ف ومل أرُ بعي ‪ .‬قال‪:‬‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ك‪ ،‬وأنا أشبهُ ما ُوص َ‬
‫رأيتَهُ بعي َ‬
‫ووجه ال قد يف ال ص يبدو واضحا أن الكميت « قصد قصدا إ معارضة إحدى قصائد ذي الرمة ‪،‬‬
‫يضع قصيدته على م هجها‪ ،‬ويصوغها على غرارها‪ ،‬في جح يف هذ احملاولة إ حد ما‪ ،‬إال أنه حني‬
‫يء إ التصوير ال يقع يث ي بغي أن يكون‪ ،‬وال يبلغ من املعارضة يف هذا ما يستطيع به أن اري‬
‫ذا الرمة ‪ .‬وقد فسر هو نفسه هذا التفاوت الذي الحظه ذو الرمة ‪ ،‬بأنه إمنا يصور شيئا مل ير وإمنا‬
‫ُو ِصف له ‪ ،‬فهو مقلد ‪ ،‬وتلك جريرة التقليد »‪ .Ϯ‬واملعارضة الشعرية ال قصدها الكميت هي معارضة‬
‫ف ية يف املد ح ‪ ،‬وهي تعد من املعارضات الف ية األو يف الشعر العريب ‪.‬‬
‫إ ًذا ‪ ،‬فهذ موعة من التابعني الشعراء نقدوا الشعر برؤية عصرهم‪ ،‬وقد لى من خالل ال ماذج‬
‫ال درستها أهنم ي قدون الشعر‪ ،‬ويفاضلون بني الشعراء من خالل ال ظرة ا زئية املتعلقة بالبيت أو‬
‫البي ني‪ ،‬وكانوا أث اء مفاضلتهم بني الشعراء يقدمون الشعراء ا اهليني على غريهم‪ ،‬وعدوهم مقياسا‬
‫للمفاضلة باعتبارهم هم أوائل شعراء العرب‪ ،‬وكثريا ما يكون هذا التقدمي بدون تعليل‪ .‬وهو نقد ال يرقى‬
‫إ مستوى نقد ا ليفة عبد امللك أونقد األدباء للشعر‪.‬‬
‫وتبقى نقدات الشعراء قيمة نقدية مضافة يف ت امي ال قد األديب زمن التابعني ‪.‬‬
‫وهكذا يتجلى أن ظهور مدرسة التابعنب ال قدية قد شارك يف تأسيسها ا لفاء والعلماء واألدباء‬
‫وال حاة والشعراء ‪.‬‬

‫‪ -ϭ‬املرزبا ‪ :‬املوشح ‪ ،‬ص ‪. ϮϱϮ‬‬


‫‪ -Ϯ‬مد طه ا اجري ‪ :‬يف تاريخ ال قد واملذاهب األدبية العصر ا اهلي ‪ ،‬والقرن األول اإلسالمي ‪ ،‬ص‪. ϭϭϲ‬‬

‫‪486‬‬
‫الخاتمـ ـ ـ ـ ـ ـة‬

‫‪486‬‬
‫الخاتم ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫بعد هذ الرحلة الشاقة واملمتعة يف مظان الرتاث العريب اإلسالمي شعر ونقد ‪ ،‬والسيما يف‬
‫عهدي الصحابة والتابعني خلص البحث إ ال تائج اآلتية ‪:‬‬
‫‪ -1‬إن ربة الصحابة خلفاء وغري خلفاء مع اإلسالم غريت نظرهتم للشعر‪ ،‬واستطاعوا أن يتجاوبوا‬
‫مع العصر ا ديد‪ ،‬وملا حددوا موقفهم اال ايب من الشعر‪ ،‬متك وا من أن ددوا مفهوم الشعر‪ ،‬و كم‬
‫أن الصحابة ا لفاء ضرمون عرفوا الشعر ا اهلي‪ ،‬وعايشوا حركة تطور الشعر اإلسالمي‪ ،‬هلذا د‬
‫نظرهتم للشعر نظرة نقدية جديدة‪ ،‬وقد استطاعوا أن يتجاوزا العرب الذين مل ددوا مفهوما للشعر‪،‬‬
‫وقد يغيبوا نظرة العرب للشعر الدالة على ا وارقق‪ ،‬وا رافة‪ ،‬واملرتبطة بشياطني الشعر والشعراء‪ ،‬وقد‬
‫شارك الصحابة ا لفاء وغري ا لفاء يف بلورة املفهوم ا ديد للشعر وفق رؤية إسالمية ‪ ،‬وإن تعددت‬
‫صيغه مفهومهم للشعر‪ ،‬سواء دل على أنه كالم أو علم أو ميزان القول‪ ،‬فهو مفهوم جديد دل على‬
‫أنه من نتاج عقل وفكر وعواطف اإلنسان‪ ،‬ال يشاركه فيه أحد ‪ ،‬ري يف نسق فكري واحد زمانا‬
‫ومكانا‪ ،‬وبالتا فالصحابة بتجديدهم ملفهوم الشعر أضافوا قيمة فكرية وأدبية ف ية ونقدية إ القيم‬
‫الفكرية واألدبية وا مالية ا ديدة ال جاء هبا اإلسالم‪ ،‬كما أهنم قالوا الشعر ومتثلوا به واستمعوا‬
‫للشعراء ‪ ،‬وعربوا بذلك عن ذوقهم الف وا ما ‪.‬‬
‫‪ -2‬كان الصحابة شعراء املدي ة حسان بن ثابت وعبد اهلل بن رواحة وكعب بن مالك ‪ ،‬شعراء قبل‬
‫يء اإلسالم ‪ ،‬وملا جاء اإلسالم انضووا ته بكل إميان ‪ ،‬وواجهوا شعراء قريش ومن واالهم مدافعني‬
‫عن الرسول ‪ ‬بكل قوة ‪ ،‬معتمدين يف ذلك م هجا فكريا ومسلكا ف يا‪ ،‬يتكئ على موقفهم األديب‬
‫والسياسي‪ ،‬فاحرتفوا يف اإلسالم فن اهلجاء واملدح‪ ،‬فقوضوا من خالهلما عزمية شعراء الكفار‪ ،‬مما‬
‫جعلهم يغريون مفهوم كل من املدح واهلجاء ‪ ،‬وكان ذلك بدافع خدمة العقيدة والذود عن صاحبها ‪.‬‬
‫‪ -3‬إن لقصيدة الصحابة من ال احية الشكلية بعدين‪ :‬فالبعد األول‪ :‬متثله قصيدة شعراء مدرسة‬
‫الدعوة وهم ‪ :‬حسان بن ثابت ‪ ،‬وكعب بن مالك ‪ ،‬وعبد اهلل بن رواحة ‪ ،‬وال ابغة ا عدي‪ ،‬الذين‬
‫تشبعوا بقيم اإلسالم ا ديدة ‪ ،‬وجسدوا ذلك يف قصائدهم ومقطوعاهتم الشعرية ‪ ،‬على مستوى مجيع‬
‫األغراض واملوضوعات الشعرية ال طرقوها ‪ ،‬من هجاء وفخر ومـدح ورثاء ‪.‬‬
‫وأما البعد الثاين‪ :‬للقصيدة الصحابية ‪ ،‬فيتمثل يف قصائد شعراء مدرسة املوروث ا اهلي‪ ،‬وهم‪:‬‬
‫كعب بن زهري‪ ،‬وأبوسفيان بن ا رث‪ ،‬وعبد اهلل بن الزبعرى‪ ،‬وأن بن زنيم‪ ،‬وظهر هذا املوروث‬
‫ا اهلي يف قصائدهم ال قيلت يف إسالمهم واعتذروا من خالهلا للرسول‪ ، ‬فجاءت قصائدهم‬

‫‪487‬‬
‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء ح القرن الثاين اهلجري‬ ‫ا امتة‬

‫افظة يف غرضها الشعري من مدح واعتذار واستعطاف ‪ ،‬على مستواها الشكلي ‪ ،‬حيث اتكأ الشعراء‬
‫يف معانيهم وصورهم الشعرية على ما استعارو من معاين وصور ال ابغة الذبياين يف اعتذارياته‪ ،‬وقد م‬
‫تقليدهم املوسيقى الشعرية البحور الشعرية ال نظم عليها ال ابغة الذبياين اعتذارياته ‪ ،‬وظهر إمياهنم‬
‫الصادق الذي عربوا من خالله عن توبتهم ‪ ،‬مع توظيفهم لبعض املفردات اإلسالمية يف شعرهم ‪.‬‬
‫‪ -4‬إن التابعني استطاعوا أن يتميزوا عن الصحابة يف رؤيتهم ال قدية ‪ ،‬ال تتماشى مع تطور‬
‫عصرهم فكريا وسياسيا وف يا‪ ،‬مما مك هم من ديد مفهوم الشعر‪ ،‬إذ جاء مفهومهم للشعر يف القرن‬
‫األول اهلجري صورا يف أمرين‪ :‬أوهلما‪ :‬مفهوم نقدي ف مجا مرتبط بالقافية جاء نتيج ـ ـ ــة تطور‬
‫الوعي الفكري وا دل ال قدي ع د التابعني‪ ،‬وتب هـذا املفهوم مد بن سريين‪ ،‬وهو من علماء املدي ة‬
‫الفقهاء ال قاد ‪ .‬وثانيهما‪ :‬مفهوم عاد إ ال ظرة ا رافية ا اهلية يف مفهوم الشعر‪ ،‬املتعلقة بفكرة‬
‫شياطني الشعر والشعراء‪ ،‬ال كانت سائـدة ع د العرب والشعراء ا اهليني‪ ،‬وتعلق هبذا املفهوم التابعني‬
‫الشعراء‪ :‬الفرزدق وجرير وأبا ال جم العجلي‪.‬‬
‫‪ -5‬اتضح أن موقف التابعني سواء أكانوا خلفاء أو علماء أو نقادا أو اة من الشعر والشعراء‪،‬‬
‫اتسم باإل ابية‪ ،‬إذ اوبوا مع حركة الشعر وال قد ‪ ،‬فقالوا الشعر بني مكثر ومقل‪ ،‬ومتثلوا به‪ ،‬وكانت‬
‫بعض ال ا لفاء يغلب عليها طابع اللهو مثل ‪ :‬ال يزيد بن معاوية ‪ ،‬ويزيد بن عبد امللك‪.‬‬
‫أما عبد امللك بن مروان فهو واحد من التابعني الذين مجعوا بني الفقه والسياسة والشعر ‪ ،‬وهو‬
‫أحد ال قاد البارزين‪ ،‬فقد كان يعقد بعض اجملال األدبية ال كان يتبارى فيها الشعراء ‪ ،‬وكان ب‬
‫شعر املدح والغزل‪ ،‬واستمع للشعراء الذين مدحو وأعجب بشعرهم‪ ،‬وكثريا ما كان ي قد ويعلق على ما‬
‫يقوله الشعراء‪ ،‬ويوازن ويفاضل بي هم‪ ،‬وقال الشعر يف مواقف عديدة ‪ ،‬وروا ‪ ،‬وتثمل به ‪ ،‬وكان يراسل‬
‫والته برسائل شعرية‪ ،‬واست شد الشعراء وأجازهم باملال وال وق‪ ،‬وعلى هذ الشاكلة كانت رؤية بعض‬
‫ا لفاء التابعني مرتبطة هبذا الذوق الف للشعر والشعراء ‪.‬‬
‫‪ -ϲ‬إال أن كوكبة من العلماء التابعني مثل‪ :‬شريح القاضي‪ ،‬وسعيد بن املسيب‪ ،‬وعبيد اهلل بن‬
‫عبد اهلل بن عتبة‪ ،‬وابن سريين‪ ،‬وعروة بن أذي ة ‪ ،‬فرغم ورعهم‪ ،‬إال أن هذا مل مي عهم من تذوق الشعر‬
‫يف السهم الفقهية املختلفة‪ ،‬فكانوا يزون إنشاد شعر الغزل العفيف ‪ ،‬وال يعرتضون على قائله ‪.‬‬
‫‪ -ϳ‬إن تأثري املوروث اإلسالمي يف شعر التابعني الشعراء والرجاز‪ ،‬كان أمرا طبيعيا‪ ،‬ألن التابعني‬

‫‪488‬‬
‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء ح القرن الثاين اهلجري‬ ‫ا امتة‬

‫الشعراء م هم من عاصر الصحابة الشعراء حسان بن ثابت وكعب ين مالك‪ ،‬وعرفوا شعرهم الذي كان‬
‫مشبعا بقيم وفضائل الدعوة اإلسالمية ‪ ،‬حيث جاء شعرهم يف معانيه وألفاظه وعباراته يتكئ على روح‬
‫القرآن العظيم ومعاين آياته‪،‬وجاء هذا التأثر باملوروث اإلسالمي متعلقا بالعقيدة ومدافعا ع ها ‪ ،‬وال‬
‫أستبعد أن يكون لشعر الصحابة دور يف تأثر التابعني باملوروث اإلسالمي‪،‬يف ب ائهم الف لقصائدهم ‪.‬‬
‫أما على مستوى أثر التقليد ا اهلي يف شعر التابعني فقد تبني أن مثة دوافع سياسية من طرف‬
‫الساسة األمويني‪ ،‬هي ال دفعت التابعني الشعراء إ األخذ من املوروث ا اهلي وتقليد ‪ ،‬إلشباع‬
‫رغبة ا لفاء ‪ ،‬الذين كانوا ميالني للشعر ا اهلي‪،‬كما هو معروف عن ا ليفة عبد امللك بن مروان ‪.‬‬
‫‪ -8‬تعد أحكام الصحابة ا لفاء ال قدية جديدة إذا ما قورنت باألحكام ال قدية لعصر ما قبل‬
‫اإلسالم ‪ .‬ذلك أن نقد الصحابة مل يقف ع د املفاضلة واملوازنة بني الشعراء فحسب ‪ ،‬بل إن‬
‫مشاركتهم ال قدية أسست لظهور املصطلح ال قدي ‪ ،‬الذي كان غائبا يف نقد العصر ا اهلي ‪ ،‬وهذ‬
‫املصطلحات ال استخرجها ال قاد ا لفاء من خالل رؤيتهم ا ديدة ل قد الشعر‪ ،‬تدل على أهنم‬
‫متحصوا الشعر ا اهلي واإلسالمي‪ ،‬وبا صوص شعر املخضرمني‪ ،‬وكانت املصطلحات ال ابتدعها‬
‫الصحابة ا لفاء هي‪ " :‬املعاظل ـ ـ ـة " و " ا ـ ـ ـوشي " و" الصدق والكذب "‪ ،‬و "س ـ ـ ـابق الشعراء "‬
‫و" أحسن الوصف"‪ ،‬و" أحكم الرصف"‪ ،‬و "قال‪ :‬ا ق " و " أنه مل يقل لرغبة وال لرهبة " و" أشعر‬
‫الشعراء" وغري ذلك من املصطلحات ال كان هلا دورها األساسي يف ديد املعايري ال قدية ا اصة‬
‫بالعصر اإلسالمي‪ ،‬وال على أساسها كانت تعقد املوازنة بني الشعراء وتقدمي بعضهم على بعض‪،‬‬
‫وبكل تأكيد فهذ املصطلحات هي ال اعتمد عليها ال قاد بعد عصر التابعني ودفعوا بال قد األديب‬
‫العريب يف العصر العباسي إ التطور ‪.‬‬
‫‪ -9‬أما األحكام ال قدية للصحابة غري ا لفاء‪ :‬معاوية بن أيب سفيان‪ ،‬وعبد اهلل بن عباس‪ ،‬وعبد‬
‫اهلل بن عمر‪ ،‬فهؤالء مجيعا قد عاشوا مع الصحابة ا لفاء‪ ،‬وقد كانت هلم مشاركة واضحة يف نقد‬
‫الشعر والشعراء ‪ ،‬وأبرزوا موقفهم من األغراض الشعرية‪ ،‬املدح واهلجاء والفخر‪ ،‬فكانوا يفرقون بني مدح‬
‫ومدح‪ ،‬وبني هجاء وهجاء‪ ،‬وبني غزل وعزل‪ ،‬وكانوا يفضلون أن تكون أغراض املدح والفخر واهلجاء‬
‫عفيفة يف لفظها‪ ،‬بعيدة عن الظلم يف معانيها ‪.‬‬
‫‪ -10‬إن للصحابة الشعراء فضال كبريا يف الذود عن الرسول‪ .‬بي ما يبقى دورهم يف نقد الشعر‬

‫‪489‬‬
‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء ح القرن الثاين اهلجري‬ ‫ا امتة‬

‫دودا و صورا يف بعض ال قدات ‪ ،‬ومل يظهر هؤالء الشعراء ك قاد يف عصرهم‪ ،‬مثل ما كان للشاعر يف‬
‫عصر ما قبل اإلسالم من دور نقدي ‪ ،‬كال ابغة الذبياين ‪ ،‬ألن مهمة ال قد قد أوكلت إ الصحابة‬
‫ا لفاء ‪ ،‬الذين كانوا أبرز الشخصيات اإلسالمية الذين وقفوا إ جانب الرسول ‪‬يف تبليغ الدعوة ‪،‬‬
‫عرفوا مسار الشعر والشعراء ‪ ،‬وبالتا فهم أو بتحديد كيف يكون الشعر ‪.‬‬
‫وتبقى نقدات الصحابة الشعراء ف ية تتماشى ورؤاهم الفكرية وا مالية‪ ،‬وفق عصرهم ا ديد‪ .‬وقد‬
‫كانت أو ال قدات من شاعر يف اإلسالم ‪ ،‬هي نقدات عثمان بن مظعون لبيت لبيد بن ربيعة ‪ ،‬وكان‬
‫نقدا يعتمد على معياري الصدق والكذب ‪ ،‬مث نقدات حسان بن ثابت ‪ ،‬مث نقدات لبيد بن ربيعة يف‬
‫موازنته بني الشعراء‪ ،‬ويف نقد شعر اب ته مخاسية ‪ ،‬وهبذا املوقف اال ايب من حيث املمارسة الشعرية‬
‫وال قدية للصحابة تظهر بوضوح مدرسة الصحابة الشعرية وال قدية ‪.‬‬
‫‪ -11‬إن ال قد األديب يف زمن التابعني ‪ ،‬قد تطور تطورا كبريا ‪ ،‬نتيجة ال قدات ال قدمها خلفاء‬
‫ب أمية ‪ ،‬ويف مقدمتهم عبد امللك بن مروان‪ ،‬الذي نقد معاين وصور القصائد واملقطوعات ال مدحه‬
‫هبا الشعراء ‪ ،‬من خالل مشاركته يف ب اء رؤيتهم الف ية اهه ‪ ،‬ووضع مقياسا جديدا للمدح‪ ،‬وطلب‬
‫من الشعراء مدحا سياسيا بليغ املع مجيل الصورة‪ ،‬يتكئ على إبراز صورة املمدوح الروحية‪ ،‬ألن غرض‬
‫املدح ع د يأيت يف املرتبة األو يف مساعه له يف لسه ‪.‬‬
‫وكانت نقدات باقي ا لفاء تقوم على الذوق والرؤية الفقهية‪ ،‬فكان نقد سليمان بن عبد امللك‬
‫نقدا فقهيا؛ حيث ا ذ من معاين الغزل ال تداوهلا الشعراء سببا يف ا اذ موقفا سلبيا م هم‪.‬‬
‫وقد أعطى عمر بن عبد العزيز ب قد ملعاين املدح روحا جديدة‪ ،‬بعيدة عن الغلو واملبالغة ‪ ،‬تتكئ‬
‫على معيار الصدق والكذب وقد دفع الشعراء إ االلتزام به ‪.‬‬
‫‪ -12‬أما نقد التابعني العلماء الفقهاء ال قاد وم هم سعيد بن املسيب‪ ،‬فقد أدى دورا مهما يف‬
‫تطور ا ركة األدبية ‪ ،‬وت امي ال قد األديب يف زمانه ‪ ،‬من خالل مشاركته الفعالة يف ا دل ال قدي الذي‬
‫كان قائما يف ال فقهاء وعلماء املدي ة ‪ ،‬وقد كان ي قد شعر الغزل العفيف ‪ ،‬ويفاضل بني الشعراء‪،‬‬
‫فكانت نقداته قيمة مضافة ‪ ،‬ودور فعال يف ت امي ال قد األديب زمن التابعني ‪.‬‬
‫‪ -ϭϯ‬أما نقد التابعني األدباء ال قاد‪ ،‬فقد كان البن أيب عتيق دور أساسي يف نقد شعر شعراء‬
‫الغزل‪ ،‬وقد كان مبدعا يف نقد ومفاضلته بني معاين شعر ا ارث بن خالد وشعر عمر بن أيب ربيعة ‪.‬‬

‫‪490‬‬
‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء ح القرن الثاين اهلجري‬ ‫ا امتة‬

‫وكذلك كان حال ال اقدات األديبات السيدة سكي ه والسيدة عقيلة ‪ ،‬إذ كان اهتمامهما كبريا بال شاط‬
‫األديب وال قدي الذي كان سائدا يف ا جاز ‪ ،‬واعتمد نقد األدباء على نقد املعاين والصور البالغية ال‬
‫يوظفها الشعراء يف غزهلم‪.‬‬
‫‪ -ϭϰ‬أما نقد التابعني ال حاة يف نقد الشعر ‪ ،‬فقد ارتبط بالعلمية والدقة ‪ ،‬وتعد نقداهتم ال واة األو‬
‫ل قد الشعر‪ ،‬وفق م هج علمي‪ ،‬وهي وجه ثقايف جديد يف نقد الشعر‪ ،‬الذي كان يعتمد على نقد‬
‫األخطاء اللغوية نتيجة الفة الشعراء القواعد ال حوية‪ ،‬ودفع ال حاة الشعراء إ ضرورة االلتزام بالقاعدة‬
‫ال حوية يف شعرهم‪ ،‬وأشهر هذا ال قد ما دار بني ا ضرمي والفرزدق ‪.‬‬
‫‪ -ϭϱ‬أما نقد التابعني الشعراء فقد لى من خالل ال ماذج ال قدية ال درستها‪ ،‬أنه قد شارك يف‬
‫العملية ال قدية شعراء مدرسة الشام‪ ،‬ومدرسة ا جاز ومدرسة العراق‪ ،‬وتبقى مشاركتهم ال قدية مشاركة‬
‫فعالة نظرا الهتمامهم ب قد الشعر كقيمة فكرية ومجالية‪ ،‬وإن كانت بعض نقداهتم تقوم على ال ظرة‬
‫ا زئية املتعلقة بالبيت والبيتني أو األبيات‪ ،‬ما يبني بأن ال قد مازال عاما غري معلل‪ ،‬وه اك نقدات تقوم‬
‫على التعليل‪ ،‬وهبذا املوقف اإل ايب من حيث املمارسة الشعرية وال قدية للتابعني تظهر بوضوح مدرسة‬
‫التابعني الشعرية وال قدية ‪ ،‬ال تعد امتدادا ملدرسة الصحابة ‪.‬‬
‫ويف األخري‪ ،‬فإن هذ األطروحة‪ ،‬تكون قد وضعت اللب ة األو يف الوقوف ع د موقف الصحابة‬
‫والتابعني من الشعر والشعراء ‪ ،‬وتكون بذلك قد هيأت السبل للباحثني والدارسني الذين يودون الولوج‬
‫إ العامل ال قدي ع د الصحابة والتابعني ‪.‬‬

‫‪491‬‬
‫فه ـ ـ ـ ــرس‬
‫ملخصات البحث باللغة العربية واللغة الفرنسية‬

‫‪492‬‬
‫ملخص البحث‬
‫إن موضوع "موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء "‪ ،‬ي طلق من فكرة موقف الصحابة‬
‫ا لفاء وغري ا لفاء والصحابة الشعراء من الشعر والشعراء ‪ ،‬حيث تعاملوا مع الشعر بصفته ف ا عربيا‬
‫موروثا ‪ ،‬فعرفو قبل أن يعرفوا اإلسالم ‪ ،‬وملا فقهوا اإلسالم وأدركوا أنه مل يلغ الشعر بصفته كالما ف يا‬
‫وقفوا م ه موفقا إ ابيا‪ ،‬فقالوا الشعر يف مواقف تلفة ‪ ،‬ومتثلوا به واستمعوا إ إنشاد الشعراء ‪ ،‬ووظفو‬
‫يف املعارك ا ربية الكالمية بصفته سالحا مؤثرا ‪ ،‬وحددوا مفهومه وجددوا وظيفته ‪ ،‬واستمر االحرتاف‬
‫يف الشعر من طرف الصحابة الشعراء ‪ ،‬حيث وظفوا الشعر يف خدمة الدولة والدين ا ديدين ‪ ،‬كما‬
‫ا ذ الصحابة ا لفاء مواقف سلبية من الشعر والشعراء يف بعض املواقف ال ال تتماشى مع اإلسالم ‪.‬‬
‫ومارس الصحابة ا لفاء وغري ا لفاء ‪ ،‬والصحابة الشعراء ال قد على الشعر ا اهلي واإلسالمي‪ ،‬بكل‬
‫احرتافية وخاصة ا ليفة عمر بن ا طاب‪ ،‬وأبدعوا مصطلحات نقدية ف ية تتماشى وروح العصر‪ ،‬وتعد‬
‫نقداهتم البذور األو لل قد اإلسالمي ‪.‬‬

‫أما بال سبة للتابعني فقد كان موقفهم من الشعر والشعراء موقفا إ ابيا ‪ ،‬فساروا على هنج الرسول‬
‫الشعر ونقد ‪ ،‬ويف عصر‬ ‫‪‬والصحابة يف رؤيتهم للشعر باعتبار ف ا عربيا ‪ ،‬فأحىي ا لفاء ال‬
‫التابعني ظهر مفهوم جديد للشعر‪ ،‬وتطورت ف ونه وأغراضه‪ ،‬ودخل الشعراء يف رى السياسة األموية ‪،‬‬
‫وانقسموا حول صراع ب أمية ‪ ،‬وأصبح الشعراء يقصدون قصور ا لفاء واألمراء ليسمعوهم قصائدهم‬
‫املدحية والغزلية وي الون عطاياهم ‪ ،‬وظل الشعراء يف كل بيئة رتفون لونا شعريا ‪ ،‬ففي ا جاز غلب‬
‫شعر الغزل نظرا ياة البذخ ‪ ،‬ويف العراق غلب اهلجاء وال قائض نظرا لصراع الشعراء ‪ ،‬ويف الشام حيث‬
‫وجود القصر األموي غلب فن املدح ‪ ،‬وقد أبدع الشعراء وجددوا يف كل ف ون الشعر ‪ ،‬وغريوا وظيفته‬
‫وأصبح الشعر والشعراء بعد أن تشكلت مدرسة التابعني الشعرية يف خدمة دولة ب أمية‪.‬‬
‫كما مارس التابعون نقد الشعر والشعراء ‪ ،‬وحلت اجملال ال قدية كوجه ثقايف أديب يف عهد عبد‬
‫امللك بن مروان ل األسواق األدبية القدمية ‪ ،‬ومد ا ركة ال قدية بطاقة ف ية ومجالية من خالل نقد‬
‫للمعاين والصور الشعرية ‪ ،‬واهتمامه بالشعر والشعراء ا اهليني واإلسالميني ‪ ،‬ودفع بباقي ا لفاء‬
‫األمويون بعد والعلماء وال قاد وال حاة والشعراء إ االهتمام بالشعر ونقد ‪ ،‬ودخلوا املعركة ال قدية ‪،‬‬
‫فأبدعوا وأضافوا ا ديد إ ا ركة ال قدية ‪ ،‬مما دفع بتجديد نقد الشعر والشعراء وتطور ‪ ،‬وتشكيل‬
‫مدرسة التابعني ال قدية ‪.‬‬

‫‪493‬‬
‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء ح القرن الثاين اهلجري‬ ‫ملخص البحث باللغة الفرنسية‬

Résumé de la thèse
Le thème de notre thèse intitulé « la position des
compagnons et des loyaux du prophète à l’égard de la poésie et
des poètes » dérive de l’idée de la « dualité du coran et de la
poésie ». Tandis que la position des compagnons successeurs et
non successeurs, et poètes à traiter la poésie en tant qu’art arabe
hérité. Ils l’ont connu avant qu’ils connaissent l’Islam. Et
lorsqu’ils connurent l’Islam et que celui-ci ne réprima pas la
poésie en tant que langage artistique, ils prirent à son égard une
position positive. Ils ont poétisé dans plusieurs situations en
personnification et en écoute poétique comme ils ont employé
la poésie dans les querelles guerrières en tant qu’arme efficace
et ils lui ont donné sa définition et sa fonction, et les
« compagnes » poètes ont pratiqué la poésie, alors que les
compagnons successeur sont pris une position négative.
Ces derniers, à l’instar de Omar Ibn El Khattab, ont pratiqué
la critique littéraire vis-vis de la poésie Antéislamique et
Islamique avec art et ils ont créé des termes critiques issus de
l’esprit du siècle et que l’on considère comme le premier sillon
de la critique littéraire islamique.
En ce qui concerne les loyaux leur position à l’égard de la
poésie et des poètes était positive. Ils ont suivi la même
procédure du prophète et de ses compagnons en ce qui concerne
leur vision poétique, proprement arabe. Ils sont renouvelé les
cercles poétiques et critiques.
Les poètes se sont lancés dans le courant de la politique
Umayyade et se sont divisés vis-à-vis du conflit des
Umayyades et des tribus. Les poètes entrent au plais des
« compagnons ».

494
‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء ح القرن الثاين اهلجري‬ ‫ملخص البحث باللغة الفرنسية‬

Pour faire écouter leurs poèmes flatteurs pour recevoir des


récompenses.
Aux temps des loyaux, un nouvel concept de la poésie est
apparu, ses types et ses thèmes ont évolué. Dans chaque milieu
littéraire, les poètes pratiquent un type poétique. Au Hidjaz la
poésie d’amour a pris le dessus.
Les loyaux et les poètes ont pratiqué la critique littéraire et
les cercles de critique littéraire sont devenus un visage littéraire
à l’époque d’Abdelmalek Ibn Merouane qui a donné un sceau
esthétique à travers sa critique des rites et des images poétiques
de par son intérêt à la poésie et aux poètes antéislamiques et
islamiques et il a incité les successeurs omeyades venus après
lui ainsi que les savants ,les critiques ,les grammairiens et les
poètes à s’intéresser à la poésie ce qui développa la critique de
la poésie et des poètes et établit l’école critique des successeurs.

495
‫فهرس المصادر والمراجع‬

‫‪496‬‬
‫فهرس المصادر والمراجع‪ ،‬والموسوعات‪ ،‬والمعاجم والقواميس‪ ،‬والدوريات‬
‫أوال‪ :‬المصادر‬

‫‪ -‬القرآن العظيم برواية حفص عن عاصم‬


‫أ‪ -‬مصادر تفسير القرآن العظيم‪:‬‬
‫‪ -ϭ‬القرطيب‪( ،‬أبو عبد اهلل مد بن أمحد مش الدين)‪ :‬ا امع ألحكام القرآن ‪ ،‬قيق‪ :‬أمحد الورداين‬
‫وإبراهيم اطفيش‪ ،‬ط‪ ،Ϯ‬القاهرة ‪ ،‬دار الكتب املصرية‪ϭϯϴϰϳ ،‬ه ‪ϭϵϲϳ‬م ‪.‬‬
‫‪ -Ϯ‬ابن كثري‪( ،‬ا افظ عماد الدين أبو الفداء إمساعيل)‪ :‬تفسري ابن كثري ‪ ،‬صحح بإشراف‪ :‬خالد‬
‫املي ‪ ،‬ط‪ ، Ϯ‬بريوت ‪ ،‬لب ان ‪ ،‬دار القلم ‪ ،‬د ‪ .‬ت ‪.‬‬
‫ب‪ -‬مصادر السنة ‪:‬‬
‫‪ -3‬البخاري ‪ :‬صحيح البخاري ‪ ،‬كتاب فضائل أصحاب ال يب‪ ،‬باب فضائل أصحاب ال يب‪،‬‬
‫ومن صحب ال يب أو رآ من املسلمني فهو من أصحابه ‪ ،‬موسوعـة ا ديث الشريف ‪ ،‬الكتب‬
‫الستة ‪ ،‬إشراف ومراجعة ‪ :‬صاحل عبد العزيز بن مد بن إبراهيم آل الشيخ ‪ ،‬ط‪ ،1‬الرياض ‪ ،‬دار‬
‫السالم لل شر والتوزيع ‪ 1421 ،‬هـ ‪2000‬م‪.‬‬
‫‪-4‬الرتمذي‪( ،‬ا افظ أيب عيسى مد بن عيسى بن سورة )‪ :‬س ن الرتمذي‪ ،‬وهو ا امع الصحيح‪،‬‬
‫حققه وصححه ‪ :‬عبد الرمحان مد عثمان ‪،‬ط ‪ ،2‬بريوت ‪،‬لب ان ‪ ،‬دار الفكر للطباعة وال شر‬
‫والتوزيع ‪1403 ،‬هـ ‪1983‬م‪.‬‬
‫‪ -5‬مسلم‪ ( ،‬ابن ا جاج )‪ :‬صحيح مسلم بشرح ال ووي‪ ،‬كتاب فضائل الصحاب‪ ،‬مؤسسة قرطبة ‪،‬‬
‫‪1412‬ه ‪1991‬م‪.‬‬
‫‪ -6‬مسلم ‪( ،‬ابن ا جاج بن مسلم أبو ا سني ا افظ) ‪ :‬صحيح مسلم بشرح ال ووي ‪ ،‬قيق ‪:‬‬
‫عبد اهلل أمحد أبوزيد ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬دار الشعب ‪ ،‬د ‪.‬ت ‪.‬‬
‫‪ -7‬مسلم ‪( ،‬ابن ا جاج) ‪ :‬صحيح مسلم ‪ :‬كتاب فضائل الصحابة ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬دار إحياء الرتاث‬
‫العريب ‪ ،‬د‪ .‬ت ‪.‬‬
‫‪ -ϴ‬اهل دي ‪( ،‬عالء الدين علي املتقي بن حسام الدين) ‪ :‬ك ز العمال يف س ن األقوال واألفعال ‪،‬‬

‫‪497‬‬
‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الثاين اهلجري‬ ‫فهرس املصادر واملراجع واملسوعات واملعاجم والقوامي والدوريات‬

‫ضبطه وفسر غريبه ‪ :‬بكر محاين ‪ ،‬صححه ووضع فهارسه ‪ :‬صفوت السقاء ‪ ،‬د‪ .‬م ‪ ،‬مؤسسة‬
‫الرسالة ‪ϭϰϭϯ ،‬ه ‪ϭϵϵϮ‬م‪.‬‬
‫ج‪ -‬مصادر السيرة ‪:‬‬
‫‪-ϵ‬البالذري ‪( ،‬أمحد بن ي بن جابر)‪ :‬كتاب مجل من أنساب األشراف‪ ،‬حققه و قدم له‪ :‬سهيل‬
‫زكار ورياض زركلي‪،‬ط‪ ،1‬بريوت‪ ،‬لب ان‪،‬دار الفكر للطباعة وال شر والتوزيع‪1417 ،‬هـ‪1996‬م‪.‬‬
‫‪ -ϭϬ‬ابن سعد ‪ :‬الطبقات الكربى ‪ ،‬قدم له ‪ :‬إحسان عباس ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬دار صادر ‪ ،‬د ‪ .‬ت ‪.‬‬
‫مد بن عبد اهلل بن ي)‪ :‬السرية ال بوية املسمى عيون األثر يف ف ون‬ ‫‪ -ϭϭ‬ابن سيد ال اس ‪( ،‬‬
‫املغازي والشمائل والسري‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬مكتبة القدس للطبع وال شر والتوزيع ‪1406 ،‬هـ ‪1986‬م ‪.‬‬
‫‪ -ϭϮ‬الشريازي ‪( ،‬أبو اسحق الشافعي) ‪ :‬طبقات الفقهاء ‪ ،‬حققه وقدم له‪ :‬إحسان عباس‪ ،‬ط‪،Ϯ‬‬
‫بريوت‪ ،‬لب ان ‪ ،‬دارالرائد العريب ‪ϭϰϬϭ،‬هـ ‪ϭϵϴϭ‬م‪.‬‬
‫‪-ϭϯ‬الطربي ‪( ،‬أبوجعفر مد بن جرير)‪ :‬تاريخ الطربي تاريخ األمم وامللوك‪ ،‬قيق‪ :‬مد أبو الفضل‬
‫إبراهيم ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬لب ان ‪ ،‬يف سلسلة روائع الرتاث ‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪14‬ابن عبد الرب‪(،‬أبو عمر يوسف بن عبد اهلل بن مد القرطيب)‪ :‬االستيعاب يف معرفة األصحاب‪،‬‬
‫قيق وتعليق ‪ :‬علي مد عوض وعادل أمحد عبد املوجود ‪ ،‬قدم له ‪ :‬مد عبد امل عم الربي‬
‫ومجعة طاهر ال جار ‪ ،‬ط‪ ،1‬بريوت ‪ ،‬لب ان ‪ ،‬دار الكتب العلمية‪1415 ،‬هـ ‪1995‬م‪.‬‬
‫‪ -ϭϱ‬العسقالن ‪( ،‬شهاب الدين أيب الفضل أمحد بن علي املعروف بابن حجر) ‪ :‬اإلصابـة يف متييز‬
‫الصحابة ‪ ،‬ط ‪ ، ϭ‬مكتبة الكليات األزهرية ‪ ،‬د ‪ .‬ت ‪.‬‬
‫‪-ϭϲ‬ابن هشام ‪ ( ،‬أبو مد عبد امللك)‪ :‬سرية ال يب ‪ ،‬راجع أصوهلا ‪ :‬وضبط غريبها ‪ ،‬وعلق‬
‫حواشيها‪ ،‬ووضع فهارسها ‪ :‬مد ي الدين عبد ا ميد ‪ ،‬دار الفكر للطباعة وال شر والتوزيع‬
‫‪1401‬ه ‪1981‬م ‪.‬‬
‫السرية ال بوية ‪ ،‬حققه وعلق عليه واخرج أحاديثه ‪:‬‬ ‫‪ -ϭϳ‬املطليب ‪ ( ،‬مد بن إسحاق بن يسار )‪:‬‬
‫أمحد فريد املزيدي‪ ،‬ط‪ ،ϭ‬بريوت ‪ ،‬لب ان ‪ ،‬م شورات علي بيضون‪ ،‬بدار الكتب العلمية ‪،‬‬

‫‪498‬‬
‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الثاين اهلجري‬ ‫فهرس املصادر واملراجع واملسوعات واملعاجم والقوامي والدوريات‬

‫‪ϭϰϮϰ‬ه ‪ϮϬϬϰ‬م ‪.‬‬


‫د‪ -‬مصادر علم الحديث‪:‬‬
‫‪-18‬الز شري ‪( ،‬جار اهلل مود بن عمر)‪:‬الفائق يف غريب ا ديث‪ ،‬طبعة حيدر آباد‪ ،‬اهل ـد‪،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫مقدمة ابن الصالح يف علوم‬ ‫‪ -19‬ابن الصالح ‪( ،‬أبو عمرو عثمان بن عبد الرمحن الشهرزوري)‪:‬‬
‫ا ديث‪ ،‬اعت به وعلق عليه ‪ :‬إمساعيل زرمان‪ ،‬ط‪ ،1‬بريوت ‪ ،‬لب ان‪ ،‬مؤسسة الرسالة ناشرون‪،‬‬
‫‪1425‬هـ ‪2004‬م ‪،‬‬
‫‪ -20‬ابن كثري ‪( ،‬ا افظ )‪:‬الباعث ا ثيث شرح اختصار علوم ا ديث‪ ،‬قيق‪ :‬أمحد مد شاكر ‪،‬‬
‫بريوت ‪ ،‬لب ان ‪ ،‬مؤسسة التاريخ العريب للطبعة وال شر والتوزيع ‪1370 ،‬ه ‪ 1951‬م‪.‬‬
‫ه‪ -‬مصادر الشعر العربي (الدواوين)‪:‬‬
‫‪ -21‬بثي ة ‪ ( ،‬مجيل)‪ :‬الديوان ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬دار بريوت للطباعة وال شر ‪ ϭϰϬϱ،‬ه ‪ϭϵϴϰ‬م ‪.‬‬
‫‪ -22‬ابن ثابت‪( ،‬حسان)‪:‬شرح ديوان حسان بن ثابت‪ ،‬وضعه وضبط الديوان وصححه‪ :‬عبد الرمحن‬
‫الربقوقي ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬دار الكتاب العريب ‪ ،‬د ‪ .‬ت‪.‬‬
‫أبو جن)‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص عه ‪ :‬أيب هالل ا سن بن عبد اهلل العسكري ‪ ،‬نشر‬ ‫‪ -Ϯϯ‬الثقفي ‪( ،‬‬
‫وقدم لـه ‪ :‬صالح الدين امل جد ‪ ،‬ط‪ ،1‬بريوت ‪ ،‬لب ان ‪ ،‬دار الكتاب ا ديد ‪1389 ،‬هـ‬
‫‪1970‬م ‪.‬‬
‫‪ -24‬ابن ثور ‪( ،‬محيد)‪ :‬الديوان ‪ ،‬إشراف‪ :‬يوسف م‪ ،‬ط‪ ،ϭ‬بريوت‪ ،‬لبتان‪ ،‬دار صادر‪ϭϵϵϱ،‬م‪.‬‬
‫‪ -Ϯϱ‬جرير ‪ ،‬الديوان ‪ ،‬شرحه وضبط نصوصه وقدم له ‪ :‬عمر فاروق الطباع ‪ ،‬ط‪ ،1‬لب ان ‪ ،‬بريوت ‪،‬‬
‫شركة األرقم بن أيب األرقم ‪1417 ،‬هـ‪1997‬م ‪.‬‬
‫‪ -26‬الذبياين ‪ ( :‬ال ابغة)‪ :‬الديوان‪ ،‬قيق وشرح ‪ :‬كرم البستاين ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬دار صادر‪ ،‬د‪ .‬ت ‪.‬‬
‫‪ -27‬ابن أيب ربيعة‪( ،‬عمر) ‪ :‬الديوان ‪ ،‬شرحه وقدم له ‪ :‬عبد أ ‪ ،‬وعلي مه ا ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬لب ان ‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية ‪ ،‬د‪.‬ت ‪.‬‬

‫‪499‬‬
‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الثاين اهلجري‬ ‫فهرس املصادر واملراجع واملسوعات واملعاجم والقوامي والدوريات‬

‫‪ -28‬ابن ربيعة ‪( ،‬لبيد)‪ :‬الديوان ‪ ،‬شرحه وضبط نصوصه وقدم له ‪ :‬عمر فاروق الطباع ‪ ،‬ط‪، 1‬‬
‫بريوت ‪ ،‬لب ان ‪ ،‬شركة دار األرقم بن أيب األرقم للطباعة وال شر ‪1417 ،‬هـ ‪1997‬م ‪.‬‬
‫‪ -29‬ابن رواحة‪ ( ،‬عبد اهلل)‪ :‬الديوان ‪ ،‬دراسة ومجع و قيق ‪ :‬حسن مد باجودة ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬مطبعة‬
‫الس ة احملمدية ‪ ،‬دار الرتاث ‪1972 ،‬م ‪.‬‬
‫‪-30‬ابن زهري‪( ،‬كعب)‪:‬الديوان‪،‬قرأ ‪ :‬مد يوسف م‪ ،‬ط‪ ،1‬بريوت‪،‬دار صادر‪1415،‬هـ ‪1995‬م‪.‬‬

‫‪ -31‬ابن زهري ‪( ،‬كعب)‪ :‬الديوان‪ ،‬ص عه ‪ :‬أيب سعيد أحسن بن ا سني العسكري ‪ ،‬قدم له ووضع‬
‫‪،‬ط‪ ،ϯ‬بريوت‪ ،‬لب ان‪ ،‬دار الكتاب العريب‪ϭϰϮϬ ،‬هـ‪ϭϵϵϵ‬م‪.‬‬ ‫هوامشه وفهارسه‪ :‬ح ا نصر ا‬
‫‪ -32‬ابن زيد ‪( ،‬الكميت )‪ :‬شرح هامشبات الكميت بن زيد ‪ ،‬بتفسري‪ :‬أبو رياش أمحد بن إبراهيم‬
‫داو ُد ساّوم ونوري محودي القيسي ‪ ،‬ط‪ ، 2‬بريوت ‪ ،‬عامل الكتب ومكتبة‬
‫القيسي‪ ،‬قيق ‪ُ :‬‬
‫ال هضة العربية ‪1406 ،‬ه ‪1986‬م ‪.‬‬
‫‪ -33‬ابن أيب سفيان ‪( ،‬معاوية)‪ :‬الديوان ‪ ،‬مجعه وحققه ودرسه ‪ :‬فاروق اسليم‪ ،‬ط‪،ϭ‬بريوت‪ ،‬لب ا ن‪،‬‬
‫دار صادر للطباعة وال شر والتوزيع ‪ϭϵϵϲ ،‬م ‪.‬‬
‫‪ -ϯϰ‬الشيباين‪( ،‬ال ابغة)‪ :‬الديوان ‪ ،‬شرحه وضيط نصوصه وقدم له ‪ ،‬عمر فاروق الطّبَّاع ‪ ،‬بريوت ‪،‬‬
‫لب ان ‪ϭϰϭϳ ،‬ه ‪ϭϵϵϲ‬م‪.‬‬
‫‪ -ϯϱ‬الصديق ‪( ،‬أبوبكر) ‪ :‬الديوان ‪ ،‬حققه وعلق حواشيه وقدم له ‪:‬فاروق الطباع‪ ،‬ط‪،1‬د‪.‬ن‪،‬‬
‫دار األرقم بن أيب األرقم للطباعة وال شر والتوزيع ‪1420 ،‬هـ‪1999‬م‪.‬‬
‫‪ -ϯϲ‬ابن أيب طالب ‪( ،‬علي) ‪ :‬ديوان اإلمام علي ‪ ،‬قيق ‪ :‬مد عبد امل عم خفاجي ‪ ،‬والية أم‬
‫البواقي‪ ،‬عني امليلة ‪ ،‬دار اهلدى للطباعة وال شر والتوزيع ‪1989 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -37‬ابن الطفيل ‪ (،‬عامر)‪ :‬الديوان‪ ،‬رواية ‪ :‬أيب بكر مد بن القاسم األنبا ري عن أيب العباس أمحد‬
‫‪ϭϵϳϵ‬م ‪.‬‬ ‫ابن ىي ثعلب ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬دار صادر ‪ϭϯϵϵ ،‬هـ‬

‫‪500‬‬
‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الثاين اهلجري‬ ‫فهرس املصادر واملراجع واملسوعات واملعاجم والقوامي والدوريات‬

‫‪ -ϯϴ‬الفرزدق ‪ ،‬الديوان ‪ ،‬شرحه وضبط نصوصه وقدم له‪ :‬عمر فاروق الطباع ‪،‬ط‪ ،1‬بريوت ‪ ،‬لب ان‪،‬‬
‫شركة األرقم بن أيب األرقم ‪1418 ،‬هـ‪1997‬م‪.‬‬
‫‪ -ϯϵ‬ابن مالك ‪( ،‬كعب)‪ :‬الديوان ‪ ،‬دراسة و قيق ‪ :‬سامي مكي العاين ‪ ،‬ط‪ ، 2‬بريوت ‪ ،‬لب ان‪،‬‬
‫عامل الكتب ‪1417 ،‬هـ ‪1996‬م‪.‬‬
‫و– مصادر التراث ‪:‬‬
‫‪ -40‬األبشيهي‪( ،‬شهاب الدين مد بن أمحد أبو الفتح)‪ :‬املستطرف يف كل فن مستظرف ‪ ،‬الطبعة‬
‫األخرية ‪ ،‬مصر‪ ،‬شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البايب ا ليب وأوالد ‪1371 ،‬هـ‪1958‬م‪.‬‬
‫‪ -41‬ابن األثري‪( ،‬أبو ا سن علي بن أيب الكرم مد بن مد بن عبد الكرمي بن عبد الواحد‬
‫الشيباين)‪ :‬الكامل يف التاريخ ‪ ،‬ط‪ ، 3‬بريوت ‪ ،‬لب ان ‪ ،‬دار الكتاب العريب ‪1400 ،‬هـ‬
‫‪1980‬م ‪ ،‬ج‪ ، ϯ‬ص ‪. Ϯϲϭ‬‬
‫‪ -42‬ابن األمحر‪( ،‬أبو الوليد إمساعيل)‪ :‬نثري ا مان يف شعر من نظم وإيا الزمان‪ ،‬ط ‪ ،1‬بريوت ‪،‬‬
‫مؤسسة الرسالة ‪1396 ،‬هـ ‪1976‬م ‪.‬‬
‫‪ -43‬األصفهاين ‪( ،‬أبو الفرج) ‪ :‬األغاين ‪ ،‬طبعة دار الكتب املصرية ‪ ،‬د ‪ .‬ت ‪.‬‬
‫‪ -44‬األصفهاين ‪( ،‬أبو الفرج) ‪ :‬األغاين ‪ ،‬طبعة ساسي ‪ ،‬د ‪ .‬ت ‪.‬‬
‫‪-45‬األصبهاين‪( ،‬الراغب)‪ :‬اضرات األدباء‪ ،‬بريوت ‪ ،‬م شورات دار مكتبة ا ياة‪ ،‬د ‪ .‬ت ‪.‬‬
‫‪-46‬اآلمدي ‪( ،‬ا سن بن بشر بن ي البصري)‪ :‬املوازنة بني أيب متام و البحرتي ‪ ،‬قيق و تعليق ‪:‬‬
‫مد ي الدين عبد ا ميد ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬لب ان ‪ ،‬املكتبة العلمية ‪ϭϯϲϯ ،‬هـ ‪ϭϵϰϰ‬م ‪.‬‬
‫‪ -47‬الباقالين‪( ،‬أبو بكر مد بن الطيب)‪ :‬إعجاز القرآن‪ ،‬قيق‪ :‬السيد أمحد صقر‪ ،‬ط‪ ،4‬القاهرة‪،‬‬
‫دار املعارف ‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬
‫‪ -48‬البيهقي ‪ ( ،‬إبراهيم بن مد)‪ :‬احملاسن واملساوئ ‪ ،‬اعت به ‪ :‬عبد الرزاق إسرب‪ ،‬ط‪،1‬بريوت‪،‬‬
‫لب ان ‪ ،‬ابن حزم للطباعة وال شر والتوزيع ‪ 1426 ،‬هـ‪2005‬م ‪.‬‬

‫‪501‬‬
‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الثاين اهلجري‬ ‫فهرس املصادر واملراجع واملسوعات واملعاجم والقوامي والدوريات‬

‫‪ -49‬الثعاليب ‪ ( ،‬أبو م صور )‪ :‬كتاب خاص ا اص ‪ ،‬قدم له ‪ :‬حسن األمني ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬م شورات‬
‫دار مكتبة ا ياة ‪ ،‬د ‪ .‬ت ‪.‬‬
‫‪ -50‬ا احظ‪( ،‬أبو عثمان عمرو بن ر)‪ :‬البيان والتبيني ‪ ،‬صيدا ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬املكتبة العصرية ‪،‬‬
‫‪1422‬هـ ‪2001‬م‪.‬‬
‫‪-51‬ا احظ‪( ،‬أبو عثمان عمرو بن ر)‪ :‬ا يوان ‪ ،‬قيق ‪ :‬عبد السالم مد هارون ‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫مصر‪ ،‬مكتبة ا احظ ‪1938 ،‬م ‪.‬‬
‫‪ -52‬ا رجاين عبد القاهر ‪ (،‬أبو بكر بن عبد الرمحن بن مد )‪:‬دالئل اإلعجاز ‪،‬قدم وعلق عليه ‪:‬‬
‫مود مد شاكر ‪ ،‬د‪.‬م ‪ ،‬مطبعة املدين ‪ ،‬دار املدين دة ‪ ،‬ط‪1413 ،3‬ه‪1992‬م‪.‬‬
‫‪-53‬ا رجاين ‪( ،‬أبو العباس أمحد بن مد)‪ :‬ك ايات األدباء و إشارات البلغاء ‪ ،‬قيق ‪ :‬مود‬
‫شاكر القطان ‪ ،‬مصر ‪ ،‬مطابع اهليئة املصرية العامة للكتاب ‪2002 ،‬م‪.‬‬
‫مد بن سالم)‪ :‬طبقات فحول الشعراء ‪ ،‬قرأ و شرحه‪ :‬مود مد شاكر‪ ،‬دار‬ ‫محي‪( ،‬‬ ‫‪ -54‬ا‬
‫املدين ‪ ،‬جدة ‪1974 ،‬م ‪.‬‬
‫‪ -55‬ابن ا وزي‪( ،‬ا افظ مجال الدين أيب الفدا عبد الرمحن البغدادي)‪:‬سرية عمر بن عبد العزيز ‪،‬‬
‫ت‪.‬‬ ‫مطبعة اإلمام‪ ،‬مبصر‪ ،‬د ‪.‬‬
‫‪-56‬ا وي ‪ :‬الربهان يف أصول الفقه‪ ،‬قيق‪ :‬صالح مد عويضة‪،‬ط‪،1‬بريوت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫‪1408‬هـ ‪1997‬م ‪.‬‬
‫‪ -57‬ابن حزم‪(،‬أبو مد علي بن أمحد بن عبد اهلل بن سعيد الظاهرة األندلسي– رمحه اهلل تعا –)‪:‬‬
‫أمساء الصحابة – رضي اهلل ع هم – وما لكل واحد م هم من العدد‪ ،‬قيق‪ :‬مسعد عبد الصمد‬
‫السعدين ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬مكتبة القرآن ‪ ،‬للطبع وال شر والتوزيع ‪1991 ،‬م ‪.‬‬
‫‪ -58‬الذهيب‪ ( ،‬مش الدين مد أمحد بن عثمان )‪ :‬سري أع ـ ـ ـ ـالم ال بالء‪ ،‬قي ـ ـ ـ ـق‪ :‬مد نعمر‬
‫العرقسوسي‪ ،‬بريوت ‪ ،‬مؤسسة الرسالة ‪1981 ،‬م ‪.‬‬

‫‪502‬‬
‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الثاين اهلجري‬ ‫فهرس املصادر واملراجع واملسوعات واملعاجم والقوامي والدوريات‬

‫‪ -59‬ابن رشيق ‪( ،‬أبوعلي ا سني القريواين األزدي)‪ :‬العمدة يف اسن الشعر وآدابه ونقد ‪ ،‬حققه‬
‫وفصله وعلق حواشيه‪ :‬مد ي الدين عبد ا ميد‪ ،‬ط‪ ،1‬القاهرة‪ ،‬دار الطالئع لل شر والتوزيع‪،‬‬
‫‪2006‬م‪.‬‬
‫‪ -60‬الزركلي ‪( ،‬خري الدين)‪:‬سري أعالم ال بالء ‪ ،‬دار العلم للماليني ‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ ،6‬ج‪1404 ،4‬ه‬
‫‪1984‬م ‪.‬‬
‫‪-61‬الزوزين‪( ،‬أبو عبد اهلل ا سني بن أمحد بن ا سني )‪:‬شرح املعلقات السبع‪ ،‬قيق ودراسة‪ :‬مد‬
‫عبد القادر أمحد ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬توزيع مكتبة ال هضة املصرية ألصحاهبا حسن مد وأوالد ‪،‬‬
‫‪1407‬هـ ‪1987‬م ‪.‬‬
‫‪ -ϲϮ‬السبكي‪( ،‬تاج الدين أيب نصر عبد الوهاب بن علي بن عبد الكايف)‪:‬طبقات الشافعية الكربى‪،‬‬
‫قيق‪ :‬عبد الفتاح مد ا لو و مود مد الط اجي‪ ،‬دار إحياء الكتب املصرية‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬
‫‪ -ϲϯ‬السجستاين ‪( ،‬أبوحامت)‪ :‬فحولة الشعراء ‪ ،‬قيق‪ :‬مد عبد القادر أمحد ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬مكتبة‬
‫ال هضة املصرية ‪1411 ،‬ه ‪1991‬م ‪.‬‬
‫‪ -64‬السيوطي ‪ ( ،‬جالل الدين عبد الرمحن) ‪ :‬اإلتقان يف علوم القرآن ‪ ،‬قيق ‪ :‬مد أبو الفضل‬
‫إبراهيم‪ ،‬يروت ‪ ،‬املكتبة العصرية للطباعة وال شر ‪ 1424 ،‬هـ‪2003‬م ‪.‬‬
‫‪ -65‬السيوطي ‪ ( ،‬جالل الدين) ‪ :‬تاريخ ا لفاء ‪ ،‬حققه وقدم له وخرج آياته ‪ :‬قاسم الشماعي‬
‫الرفـاعي و مد العثماين ‪ ،‬د ‪ .‬م ‪ ،‬دار األرقم بن أيب األرقم للطباعة وال شر والتوزيع ‪ ،‬د ‪ .‬ت ‪.‬‬
‫‪ -ϲϲ‬السيوطي‪ ( ،‬جالل الدين عبد الرمحن) ‪ :‬شرح شواهد املغ ‪ ،‬ط‪ ، ϭ‬بريوت ‪ ،‬م شورات دار‬
‫ا ياة ‪ ،‬د‪.‬ت ‪.‬‬
‫‪-67‬ابن عبد ربه‪ (،‬أبو عمر أمحد بن مد األندلسي)‪ :‬كتاب العقد الفريد‪ ،‬شرحه وضبطه وصححه‬
‫وع ون موضوعاته ورتب فهارسه‪ :‬أمحد أمني وأمحد الزين وإبراهيم األبياري‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الكتاب‬
‫العريب ‪1403 ،‬هـ‪1983‬م ‪.‬‬

‫‪503‬‬
‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الثاين اهلجري‬ ‫فهرس املصادر واملراجع واملسوعات واملعاجم والقوامي والدوريات‬

‫‪ -68‬العسكري ‪ ( ،‬أبو هالل) ‪ :‬ديوان املعاين ‪ ،‬د ‪ .‬م ‪ ،‬عامل الكتب ‪ ،‬د ‪ .‬ت ‪.‬‬
‫‪ -69‬العسكري ‪( ،‬أبو هالل)‪ :‬الفروق يف اللغة ‪ ،‬قيق ‪ :‬ة إحياء الرتاث العريب يف دار اآلفاق‬
‫العربية‪ ،‬ط‪ ،7‬بريوت‪ ،‬م شورات دار اآلفاق ا ديدة‪1411 ،‬هـ‪1991‬م‪.‬‬
‫‪ -70‬ابن فارس‪( ،‬أبو ا سن مد)‪ :‬الصاحيب يف فقه اللغة وس ن العرب يف كالمها‪ ،‬حققه وقدم له ‪:‬‬
‫مصطفى الشوميي‪ ،‬بريوت ‪ ،‬لب ان‪ ،‬مؤسسة أ‪ .‬بدران‪ ،‬للطباعة وال شر‪ϭϯϴϮ ،‬هـ‪ϭϵϲϯ‬م‪.‬‬
‫‪ -71‬ابن قتيبة‪( ،‬أبو مد عبد اهلل بن مسلم)‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬قدم له ‪ :‬حسن متيم‪ ،‬راجعه وأعد‬
‫فهارسه‪ :‬مد عبد امل عم العريان‪ ،‬ط‪ ،3‬بريوت‪ ،‬لب ان‪ ،‬دار إحياء العلوم‪1407 ،‬هـ ‪1987‬م‪.‬‬
‫‪ -72‬ابن قتيبة ‪ ( ،‬أبو مد عبد اهلل بن مسلم ) ‪ :‬عيون األخبار ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬اهليئة املصرية العامة‬
‫للكتاب ‪1393 ،‬ه ‪1973‬م ‪.‬‬
‫‪ -73‬قدامة ‪( ،‬أبو الفرج بن جعفر) ‪ :‬نقد الشعر ‪ ،‬قق وتعليق ‪ :‬مد عبد امل عم خفاجي‪ ،‬ط‪،ϭ‬‬
‫القاهرة‪ ،‬املكتبة األدبية للرتاث ‪ϭϰϮϲ ،‬هـ ‪ ϮϬϬ‬م ‪.‬‬
‫‪ -74‬القرشي‪ (،‬أبو زيد مد بن أيب ا طاب )‪ :‬مجهرة أشعار العرب ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬دار بريوت للطباعة‬
‫وال شر ‪1404 ،‬هـ ‪1984‬م‪.‬‬
‫‪ -75‬القطاعي ‪(،‬أبو عبد اهلل مد بن سالمة )‪:‬دستور معامل ا كم و مأثور مكارم الشيم من كالم‬
‫أمري املؤم ني علي بن أيب طالب ‪-‬كرم اهلل وجهه‪ ،-‬القاهرة ‪ ،‬املكتبة األزهرية للرتاث ‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ -76‬ابن كثري ‪ ( ،‬ا افظ عماد الدين أبو الفداء إمساعيل)‪ :‬البداية و ال هاية ‪ ،‬قدم له ‪ :‬مد عبد‬
‫الرمحن املرعشلي ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬لب ان ‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب للطباعة وال شر والتوزيع د‪ .‬ت ‪.‬‬
‫‪ -77‬ابن كثري ‪ ( ،‬ا افظ عماد الدين أبو الفداء إمساعيل)‪ :‬البداية وال هاية ‪ ،‬ط‪ ، 2‬بريوت ‪ ،‬مكتبة‬
‫املعارف ‪1974 ،‬م ‪.‬‬

‫‪504‬‬
‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الثاين اهلجري‬ ‫فهرس املصادر واملراجع واملسوعات واملعاجم والقوامي والدوريات‬

‫‪ -78‬املربد ‪( ،‬أبو العباس مد بن يزيد)‪ :‬الكامل يف اللغة واألدب‪ ،‬بريوت‪ ،‬مؤسسة املعارف‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪-79‬املسعودي‪( ،‬أبو ا سن علي بن ا سني بن علي)‪ :‬مروج الذهب ومعادن ا وهر‪ ،‬دقق فهارسه‬
‫ووضعها وضبطها ‪ :‬يوسف أسعد داغر ‪ ،‬ط ‪ ،6‬بريوت ‪ ،‬لب ان ‪ ،‬دار األندل للطباعة وال شر‬
‫والتوزيع ‪1404 ،‬هـ‪1984‬م‪.‬‬
‫‪ -80‬ال بهاين‪ ( ،‬يوسف بن إمساعيل )‪ :‬األساليب البديعية يف فضل الصحابة‪ ،‬تون ‪ ،‬دار املعارف‬
‫للطباعة وال شر‪ ،‬سوسة ‪1989،‬م‪.‬‬
‫مد بن إسحاق) ‪ :‬الفهرست‪ ،‬حققه وقدم له‪ :‬مصطفى الشوميي‪ ،‬تون ‪ ،‬ا زائر‪،‬‬ ‫‪ -81‬ابن ال دمي‪( ،‬‬
‫دار التونسية لل شر‪،‬املؤسسة الوط ية للكتاب ‪1406،‬ه ‪1985‬م ‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬المراجع‬
‫‪ -82‬إبراهيم‪( ،‬أمحد طه)‪ :‬تاريخ ال قد األديب ع د العرب من العصر ا اهلي إ القرن الرابع اهلجري‪،‬‬
‫بريوت ‪ ،‬لب ان ‪ ،‬دار ا كمة ‪1937 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -ϴϯ‬أدوني ‪ :‬الشعرية العربية ‪ ،‬ط‪ ، 1‬بريوت ‪ ،‬دار اآلداب ‪1985 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -ϴϰ‬األسد ‪( ،‬ناصر الدين)‪ :‬مصادر الشعر ا اهلي وقيمتها التار ية ‪ ،‬ط‪ ، 7‬مصر‪ ،‬دار املعارف‪،‬‬
‫‪1988‬م‪.‬‬
‫‪ -85‬األعظمي ‪( ،‬وليد)‪ :‬شاعر اإلسالم حسان بن ثابت األنصاري دراسة أدبية تار ية‪ ،‬القاهرة ‪،‬‬
‫مطبعة املدين ‪ ،‬الكويت ‪ ،‬مكتبة امل ار ‪1382 ،‬ه ـ‪1962‬م‪.‬‬
‫‪ -ϴϲ‬أمني ‪( ،‬أمحد)‪ :‬فجر اإلسالم ‪ ،‬ط‪ ،ϭϭ‬بريوت ‪ ،‬لب ان ‪ ،‬نشر دار الكتاب العريب ‪ϭϵϳϵ ،‬م ‪.‬‬
‫‪ -87‬ابن بادي ‪(،‬عبد ا ميد)‪ :‬ابن بادي حياته وآثار ‪ ،‬إعداد وتص يف‪ :‬عمار الطاليب ‪ ،‬ط‪، 1‬‬
‫ا زائر ‪ ،‬دار ومكتبة الشركة ا زائرية للتأليف والرتمجة والطباعة والتوزيع وال شر‪1995،‬م‪.‬‬
‫ودار اليقظة العربية للتأليف والرتمجة وال شر ‪1388 ،‬هـ‪1968‬م ‪.‬‬
‫‪ -88‬بدوي ‪( ،‬عبد )‪ :‬دراسات يف ال ص الشعري عصر صدر اإلسالم وب أمية ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬دار‬

‫‪505‬‬
‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الثاين اهلجري‬ ‫فهرس املصادر واملراجع واملسوعات واملعاجم والقوامي والدوريات‬

‫قباء للطباعة وال شر والتوزيع ‪2000 ،‬م‪.‬‬


‫‪ -ϴϵ‬البستاين‪(،‬بطرس)‪:‬أدباء العرب يف ا اهلية و صدر اإلسالم‪،‬د‪.‬م‪ ،‬دار مارون عبود‪1979 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -90‬البستاين ‪ ( ،‬فؤاد أفرام ) ‪ :‬كعب بن زهري ‪ ،‬ط‪ ، 6‬بريوت ‪ ،‬يف سلسلة الروائع ‪ ،‬م شورات دار‬
‫املشرق ‪ ،‬رقم ‪1982 ، 32‬م ‪.‬‬
‫‪ -91‬الب داري ‪( ،‬حسن) ‪ :‬الشعر العريب يف عصر صدر اإلسالم والعصر األموي‪ ،‬ط‪،1‬مكتبة األ لو‬
‫املصرية ‪2003 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -92‬ترحي ‪ ( ،‬فايز)‪ :‬اإلسالم والشعر ‪ ،‬ط‪ ، 1‬بريوت ‪ ،‬دار الفكر اللب اين ‪ 1990 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -93‬التطاوي ‪( ،‬عبد اهلل) ‪ :‬حركة الشعر يف ظالل املؤثرات اإلسالمية ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬دار غريب‬
‫للطباعة وال شر والتوزيع ‪1998،‬م ‪.‬‬
‫‪ -94‬التطاوي ‪( ،‬عبد اهلل)‪ :‬مداخل ومشكالت حول القصيدة العربية القدمية ‪،‬ط‪ ، 2‬القاهرة ‪ ،‬دار‬
‫غريب للطباعة وال شر والتوزيع ‪1996 ،‬م ‪.‬‬
‫ي)‪:‬اإلسالم والشعر ‪ ،‬بغداد ‪ ،‬مطبعة اإلرشاد ‪ ،‬م شورات مكتبة ال هضة‪،‬‬ ‫بوري ‪( ،‬‬ ‫‪ -95‬ا‬
‫‪1383‬هـ ‪1964‬م‪.‬‬
‫‪-96‬جسوس‪(،‬عبد العزيز)‪ :‬نقد الشعر ع د العرب يف الطور الشفوي‪،‬ط‪ ،1‬مراكش‪ ،‬مطبعة تي مل‪،‬‬
‫مراكش ‪1995 ،‬م ‪.‬‬
‫مد إبراهيم ) ‪ :‬جرير ‪ ،‬يف سلسلة نوابغ الفكر ‪ ،‬ط‪ ، 6‬القاهرة ‪ ،‬دار املعارف ‪،‬‬ ‫‪ -97‬مجعة ‪( ،‬‬
‫‪1986‬م ‪.‬‬ ‫رقم ‪، 19‬‬
‫مد إبراهيم ) ‪ :‬حسان بن ثابت ‪ ،‬يف سلسلة نوابغ الفكر‪ ،‬ط‪ ، 2‬القاهرة ‪ ،‬دار‬ ‫‪ -98‬مجعة ‪( ،‬‬
‫‪1971‬م ‪.‬‬ ‫املعارف مبصر ‪ ،‬رقم ‪، 34‬‬
‫نقد العرب األديب يف ثالثة عصور‪ ،‬د‪.‬م‪ ،‬دار املعرفة ا امعية‪،‬‬ ‫‪( ،‬مصطفى الصاوي )‪:‬‬ ‫‪ -99‬ا وي‬

‫‪506‬‬
‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الثاين اهلجري‬ ‫فهرس املصادر واملراجع واملسوعات واملعاجم والقوامي والدوريات‬

‫‪ 1998‬م‪.‬‬
‫مد إبراهيم) ‪ :‬سيد التابعني سعيد بن املسيب من أعالم رجال الدعوة‪ ،‬ط ‪، 2‬‬ ‫يوشي ‪( ،‬‬ ‫‪ -100‬ا‬
‫القاهرة ‪ ،‬مكتبة دار الرتاث ‪ 1418 ،‬هـ‪1998‬م‪.‬‬
‫مد طه) ‪ :‬يف تاريخ ال قد واملذاهب األدبية العصر ا اهلي والقرن األول‬ ‫اجري ‪( ،‬‬ ‫‪ -101‬ا‬
‫اإلسالمي‪ ،‬بريوت ‪ ،‬دار ال هضة العربية للطباعة وال شر ‪1982 ،‬م ‪.‬‬
‫‪ -102‬ا ديدي ‪( ،‬عبد اللطيف مد)‪ :‬الشعراء ال قاد يف العصرين ا اهلي واإلسالمي‪،‬ط‪،1‬د‪.‬م‪،‬‬
‫د‪.‬ن‪ 1418 ،‬هـ‪1998‬م‪.‬‬
‫‪ -103‬حسان ‪( ،‬عبد ا كيم)‪ :‬التصوف يف الشعر العريب نشأته وتطور ح آخر القرن الثالث‬
‫اهلجري ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬مكتبة اآلداب ‪ ،‬د‪.‬ت ‪.‬‬
‫‪ -104‬حسب اهلل ‪( ،‬هباء) ‪ :‬ا ياة األدبية يف عصر صدر اإلسالم (تاريخ وتذوق) ‪ ،‬ط‪، ϭ‬‬
‫‪ϮϬϬϳ‬م‪.‬‬ ‫اإلسك درية ‪ ،‬دار الوفاء للطباعة وال شر ‪،‬‬
‫‪ -105‬حسني ‪ ( ،‬طه) ‪ :‬حديث األربعاء ‪ ،‬ط‪ ، 9‬القاهرة ‪ ،‬دار املعارف مبصر ‪1974 ،‬م ‪.‬‬
‫‪ -106‬حسني ‪ ( ،‬طه) ‪ :‬يف األدب ا اهلي ‪ ،‬ط ‪ ، 9‬مصر ‪ ،‬دار املعارف ‪1968 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -107‬محادي ‪( ،‬عبد اهلل) ‪ :‬أصوات من األدب ا زائري ا ديث ‪ ،‬م شورات جامعة م توري ‪،‬‬
‫قس طي ة‪ϮϬϬϭ-ϮϬϬϬ ،‬م‪.‬‬
‫‪ -108‬محادي ‪( ،‬عبد اهلل) ‪ :‬الشعرية العربية بني اإلتباع واالبتداع دراسات نقـدية ‪ ،‬ط‪ ، 1‬ا زائر ‪،‬‬
‫م شورات ا اد الكتاب ا زائريني ‪ ،‬مطبعة دار هومه ‪ ،‬ديسمرب ‪2001‬م‪.‬‬
‫‪-109‬خالص ‪( ،‬وليد مود )‪ :‬ال قد األديب يف كتاب األغاين ‪،‬ط‪ ، 1‬عمان ‪ ،‬األردن‪ ،‬دار أسامة‬
‫لل شر والتوزيع ‪2000 ،‬م ‪.‬‬
‫‪ -110‬خليف ‪( ،‬مي يوسف) ‪ :‬أبعاد االلتزام يف القصيدة األموية ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬دار غريب للطباعة‬
‫وال شر والتوزيع ‪1998 ،‬م ‪.‬‬

‫‪507‬‬
‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الثاين اهلجري‬ ‫فهرس املصادر واملراجع واملسوعات واملعاجم والقوامي والدوريات‬

‫‪ -111‬خليف ‪( ،‬يوسف)‪:‬يف الشعر األموي دراسة يف البيئات ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬دار غريب للطباعـة وال شر‬
‫والتوزيع ‪ ،‬د ‪ .‬ت ‪.‬‬
‫‪ -112‬أبو داهش‪( ،‬عبد اهلل بن مد)‪:‬شعراء حول الرسول‪ ،‬ط‪ ،1‬الدمام ‪ ،‬نادي امل طقة الشرقية‬
‫األديب‪ 1417،‬هـ‪1997‬م ‪.‬‬
‫مد طاهر) ‪ :‬حسان بن ثابت ‪ ،‬ط‪ ، 2‬مصر ‪ ،‬دار املعارف ‪1976 ،‬م ‪.‬‬ ‫‪ -113‬درويش ‪( ،‬‬
‫مد طاهر) ‪ :‬يف ال قد األديب ع د العرب ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬دار املعارف ‪1979 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -114‬درويش‪( ،‬‬
‫‪-115‬الدهان‪(،‬سامي)‪:‬املديح‪ ،‬ط‪ ،5‬يف سلسلة ف ون األدب العريب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار املعارف‪1992،‬م‪.‬‬
‫‪ -116‬الديب‪( ،‬السيد مد)‪:‬أطوار األدب العريب يف العصر اإلسالمي ‪ ،‬ط ‪ ،1‬القاهرة ‪ ،‬أبان‬
‫للكمبيوتر والطباعة ‪ ،‬املكتبة األزهرية للرتاث ‪1419 ،‬ه ـ‪1999‬م ‪.‬‬
‫مد ا اف ـ ـ ـ ــظ) ‪ :‬شعر الصحابة من خالل كتاب منح المدح البن سيـد ال اس‬ ‫‪ -117‬الروسي‪( ،‬‬
‫دراسة يف ال سبة والتوثيق ‪ ،‬يف ‪ :‬الصحابة الكرام يف تراث املغاربة واألندلسيني ‪ ،‬ــوث ال دوة‬
‫العلمية الدولية ال نظمها مـركز الدراسات واأل ـ ـ ـ ـ ــاث وإحياء الرتاث بالرابطة احملمدية للعلماء‬
‫مبديـ ـ ـ ة ط جة ‪ ،‬يومي األربعاء وا مي ( ‪26 -25‬صفر ‪1431‬ه ) ( ‪ 11 -10‬فرباير‬
‫‪ 2010‬م )‪ ،‬سلسلة ‪ :‬ندوات و اضرات (‪. )3‬‬
‫ب ية القصيدة ح هناية العصر األموي ( قصيدة املدح أمنوذجا) ‪ ،‬ط ‪،1‬‬ ‫‪ -118‬رومية ‪( ،‬وهب)‪:‬‬
‫دمشق ‪ ،‬دار الطباعة وال شر والتوزيع ‪1418 ،‬ه ـ‪1992‬م ‪.‬‬
‫‪ -119‬الزيدي‪( ،‬توفيق)‪:‬مفهوم األدبية يف الرتاث ال قدي إ هناية القرن الرابع ‪ ،‬ط‪ ، 2‬تون ‪ ،‬سراس‬
‫لل شر ‪1985 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -120‬زي ‪ ( ،‬مود حسن)‪ :‬دراسات يف أدب الدعوة اإلسالمية‪ ،‬مكة املكرمة‪ ،‬د ‪ .‬ن‪1402 ،‬ه‪.‬‬
‫‪ -121‬سراج‪(،‬ال بوي)‪:‬مع أئمة التابعني رجال خلف الرسول‪،‬د‪.‬م ‪،‬املكتبة التوفيقية ‪ ،‬د‪.‬ت ‪.‬‬
‫‪-122‬سلوم‪( ،‬داود)‪ :‬تاريخ ال قد األديب ع د العرب من ا اهلية ح القرن الثالث اهلجري‪ ،‬بغداد ‪،‬‬

‫‪508‬‬
‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الثاين اهلجري‬ ‫فهرس املصادر واملراجع واملسوعات واملعاجم والقوامي والدوريات‬

‫مطبعة اإلميان ‪ ،‬بغداد‪ ،‬مكتبة األندل ‪ ،‬بغداد ‪1969 ،‬م ‪.‬‬


‫‪-123‬سويلم‪(،‬أمحد)‪ :‬اإلعالم الشعري يف الرتاث العريب‪،‬د‪.‬م‪ ،‬اهليئة املصرية العامة للكتاب‪1995،‬م‪.‬‬
‫‪-124‬سيد إمساعيل‪ ( ،‬أحالم مد)‪ :‬األدب يف العصر األموي‪ ،‬د‪.‬م ‪ ،‬د‪ .‬ن‪ 1419 ،‬هـ ‪1998‬م‪.‬‬
‫‪ -125‬صاحل عطية صاحل مطر‪ :‬نظرات يف ال قد األديب القدمي‪،‬ط‪ ،1‬القاهرة‪،‬مكتبة اآلداب‪1424،‬ه‬
‫‪2003‬م‪.‬‬
‫‪ -126‬صويف ‪( ،‬عبد اللطيف)‪ :‬مصادر اللغة يف املكتبة العربية‪ ،‬عني امليلة‪ ،‬ا زائر‪ ،‬دار اهلدى‬
‫للطباعة وال شر والتوزيع ‪ ،‬د‪.‬ت ‪.‬‬
‫‪ -127‬ضيف‪( ،‬شوقي)‪ :‬التطور والتجديد يف الشعر األموي‪ ،‬ط‪ ،6‬القاهرة‪ ،‬دار املعارف‪1991 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -128‬ضيف ‪( ،‬شوقي) ‪ :‬الشعر والغ اء يف املدي ة ومكة لعصر ب أمية ‪ ،‬ط ‪ ، 5‬دار املعارف ‪،‬‬
‫‪1992‬م‪.‬‬
‫‪ -129‬ضيف‪( ،‬شوقي)‪ :‬العصر اإلسالمي ‪ ،‬ط‪ ، 4‬مصر ‪ ،‬دار املعارف ‪ ،‬د ‪ .‬ت ‪.‬‬
‫‪ -130‬ضيف‪( ،‬شوقي)‪ :‬الفن ومذاهبه يف الشعر العريب‪ ،‬ط‪ ،10‬القاهرة ‪ ،‬دار املعارف ‪1978 ،‬م ‪.‬‬
‫‪ -131‬طليمات ‪ ( ،‬غازي) واألشقر‪( ،‬عرفان)‪ :‬الشعراء يف عصر ال بوة وا الفة الراشدة ‪ ،‬ط‪، 1‬‬
‫دمشق ‪ ،‬دار الفكر ‪1428 ،‬هـ‪2007‬م‪.‬‬
‫‪-132‬العاين‪( ،‬سامي مكي)‪:‬اإلسالم والشعر‪ ،‬الكويت‪ ،‬عامل املعرفة‪ ،‬رقم ‪1403 ،66‬هـ ‪1983‬م‪.‬‬
‫‪ -ϭϯϯ‬عباس‪( ،‬إحسان)‪ :‬تاريخ ال قد األديب ع د العرب نقد الشعر من القرن الثاين ح القرن الثامن‬
‫اهلجري ‪ ،‬ط ‪ ،ϰ‬عمان ‪ ،‬دار الشروق لل شر والتوزيع ‪ϮϬϬϲ ،‬م ‪.‬‬
‫‪ -134‬عبد التواب ‪ ( ،‬صالح الدين مد) ‪ :‬الشعر العريب يف ظالل اإلسالم أصالة و ديد ‪،‬ط ‪،1‬‬
‫القاهرة‪ ،‬مكتبة اآلداب ‪1429 ،‬هـ‪2008‬م‪.‬‬
‫مود عباس) ‪ :‬فن االعتذار الشعري تار ه وا اهاته ‪ ،‬د‪.‬م‪ ،‬دار اهلداية‬ ‫‪ -135‬عبد الواحد ‪( ،‬‬
‫للطباعة وال شر والتوزيع‪1412 ،‬هـ ‪1991‬م‪.‬‬

‫‪509‬‬
‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الثاين اهلجري‬ ‫فهرس املصادر واملراجع واملسوعات واملعاجم والقوامي والدوريات‬

‫‪ -136‬عتيق ‪( ،‬عبد العزيز)‪ :‬تاريخ ال قد العريب ع د العرب ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬لب ان ‪ ،‬دار ال هضة العربية‬
‫للطباعة وال شر والتوزيع ‪ ،‬د ‪ .‬ت ‪.‬‬
‫‪ -137‬عمارة ‪(،‬السيد أمحد)‪ :‬شعرا خلفاء ب أمية قيق ودراسة ‪ ،‬د ‪ .‬م ‪ ،‬دار الكتب املصرية ‪،‬‬
‫‪1408‬هـ ‪1988‬م ‪.‬‬
‫يف ال قد األديب القدمي ‪ ،‬د ‪.‬م ‪ ،‬دار املعارف ‪ϭϵϵϮ ،‬م ‪.‬‬ ‫‪ -138‬عمر ‪( ،‬مصطفى علي ) ‪:‬‬
‫‪ -139‬عيد ‪( ،‬صالح) ‪ :‬املدائح ال بوية يف الشعر العريب من عصر ال بوة ح البصريي‪ ،‬ط‪، 1‬‬
‫القاهرة ‪ ،‬مكتبة اآلداب ‪1429 ،‬هـ‪ 2008‬م‪.‬‬
‫‪ -140‬فهمي‪( ،‬جايب زادة علي)‪ :‬من حسن الصحابة يف شرح أشعار الصحـابة‪ ،‬دار سعادت( رشن‬
‫مطبعة س) ‪1329‬ه ـ‬
‫‪ -141‬القسطاوي‪( ،‬رمضان مخي )‪ :‬الشواهد ال حوية يف شعر الصحابة (دراسة و ليل ) دار تشرين‬
‫لل شر و التوزيع ‪1421،‬ه ‪ 2007‬م ‪.‬‬
‫‪-142‬قصاب ‪( ،‬وليد)‪:‬شخصيات إسالمية يف األدب وال قد‪ ،‬ط‪ ، 1‬الدوحة‪ ،‬دار الثقافة‪ 1413،‬ه‬
‫‪1992‬م‪.‬‬
‫‪ -143‬قصاب ‪ (،‬وليد )‪ :‬ال قد العريب القدمي نصوص يف اال ا اإلسالمي و ا لقي ‪ ،‬ط‪ ،1‬دمشق‪،‬‬
‫دار الفكر ‪ 1426 ،‬هـ‪2005‬م‪.‬‬
‫‪ -144‬القط ‪( ،‬عبد القادر)‪ :‬يف الشعر اإلسالمي واألموي ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬دار املعارف ‪1995 ،‬م ‪.‬‬
‫مد عبد العزيز) ‪ :‬تاريخ الشعر العريب يف صدر اإلسالم وعصر ب أمية ‪،‬‬ ‫‪ -145‬الكفراوي ‪( ،‬‬
‫الفجالة ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬دار هنضة مصر للطباعة وال شر ‪1988 ،‬م ‪.‬‬
‫مد أمني) ‪ :‬اإلتباع واالبتداع يف الشعر األموي القصيدة املادحة أمنوذجا‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫‪ -146‬املؤدب‪( ،‬‬
‫الرباط ‪ ،‬م شورات كلية اآلداب والعلم اإلنسانية بتطوان ‪ ،‬يف سلسلة األطاريح ا امعية (‪،)3‬‬
‫‪ 1423‬ه ‪2002‬م‬

‫‪510‬‬
‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الثاين اهلجري‬ ‫فهرس املصادر واملراجع واملسوعات واملعاجم والقوامي والدوريات‬

‫‪-147‬مبارك‪(،‬زكي)‪:‬املدائح ال بوية يف األدب العريب‪،‬ط‪ ،1‬بريوت‪ ،‬دار ا يل‪1412 ،‬ه ـ‪1992‬م‪.‬‬


‫‪ -148‬هول املؤلف ‪ :‬يف أدب صدر اإلسالم والدولة األموية ( دراسات أدبية واختيارات شعرية ) ‪،‬‬
‫د‪.‬ن‪ ،‬د‪ .‬م ‪ϭϵϵϴ ،‬م ‪.‬‬
‫‪ -149‬احملص ‪( ،‬عبد ا واد مد)‪ :‬األحاديث ال بوية عن الشعر والشعراء يف مصادر ا ديث والسرية‬
‫واألدب‪ ،‬األزهر‪ ،‬دار املعرفة‪2002 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -150‬احملص‪( ،‬عبد ا واد مد)‪ :‬الدين و قراءة ال ص األديب‪ ،‬األسك درية‪ ،‬الفتح للطباعة وال شر ‪،‬‬
‫د‪ .‬ت ‪.‬‬
‫‪ -151‬معاليقي‪ ( ،‬م ذر )‪ :‬دراسات نقدية يف األدب اإلسالمي ‪ ،‬ط‪ ،1‬طرابل ‪ ،‬لب ان ‪ ،‬املؤسسة‬
‫ا ديث للكتاب ‪2004 ،‬م ‪.‬‬
‫‪ -152‬معروف ‪( ،‬نايف)‪ :‬األدب اإلسالمي يف عهد ال بوة وا الفة الراشدة ‪،‬ط‪ ، 2‬بريوت ‪ ،‬لب ان ‪،‬‬
‫دار ال فائ للطباعة وال شر والتوزيع ‪1418 ،‬هـ‪1998‬م‪.‬‬
‫‪ -153‬مغ ية‪(،‬حبيب يوسف) ‪:‬األدب العريب من ظهور اإلسالم إ هناية العصر الراشدي (‪1‬هـ ‪40‬‬
‫هـ) ‪ ،‬دراسة وصفية نقدية ‪،‬ط‪ ،1‬بريوت ‪ ،‬لب ان ‪ ،‬دار ومكتبة اهلالل ‪1995 ،‬م ‪.‬‬
‫‪ -154‬امل اعي ‪ ( ،‬مربوك ) ‪ :‬الشعر والسحر ‪ ،‬ط‪ ، 1‬د ‪ .‬ن ‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي ‪ 2004 ،‬م‪.‬‬
‫مد مد)‪ :‬قراءة يف األدب القدمي ‪ ،‬ط‪ ، 3‬القاهرة ‪ ،‬مكتبة وهبة ‪2006،‬م‪.‬‬ ‫‪ -155‬أبو موسى‪( ،‬‬
‫‪ -156‬ال ووي‪( ،‬سعيد األعظمي)‪:‬شعراء الرسول‪ ‬يف ضوء الواقع والقريض ‪ ،‬أشرف عليه ‪ :‬مد‬
‫الرابع ا سي ال ووي ‪ ،‬قدم له ‪ :‬السيد أيب ا سن علي ا سي ال ووي ‪ ،‬ط‪ ، 1‬أبو ظيب ‪،‬‬
‫اإلمارات املتحدة ‪ ،‬مكتبة الصفا ‪1430 ،‬هـ ‪2009‬م ‪.‬‬
‫اإلسالم والشعر ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬دار ال هضة العربية للطباعة وال شر ‪،‬‬ ‫‪ -157‬هدارة ‪ ( ،‬مد مصطفى)‪:‬‬
‫‪1995‬م ‪.‬‬
‫مد مصطفى)‪ :‬الشعر يف صدر اإلسالم والعصر األموي ‪،‬بريوت ‪ ،‬دار ال هضة‬ ‫‪ -158‬هدارة ‪( ،‬‬

‫‪511‬‬
‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر والشعراء ح القرن الثاين اهلجري‬ ‫فهرس املصادر واملراجع واملسوعات واملعاجم والقوامي والدوريات‬

‫العربية للطباعة وال شر‪1995 ،‬م ‪.‬‬


‫‪ -159‬الودرين‪ (،‬أمحد)‪ :‬قضية اللفظ واملع ونظرية الشعر ع د العرب من األصول إ القرن‪ 7‬ه ـ‬
‫‪13‬م ‪ ،‬ط‪ ،1‬بريوت‪ ،‬لب ان‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ 1424 ،‬هـ‪2004‬م‪.‬‬
‫رابعا‪:‬الموسوعات‬
‫‪ -160‬أبو عبد اهلل سيد بن كسروي بن حسن‪ :‬موسوعة آثار الصحابة ‪ ،‬ط‪ ،1‬بريوت ‪ ،‬لب ان ‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية ‪1418 ،‬هـ ‪1997‬م‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬المعاجم و القواميس‬
‫مد)‪ :‬املعجم املفصل يف األدب ‪،‬ط‪ ،1‬بريوت ‪،‬لب ان‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬ ‫‪ -161‬التو ي‪( ،‬‬
‫‪1413‬ه ‪1993‬م ‪.‬‬
‫مد أمحد ) ‪ :‬معجم أعالم شعراء املدح ال بوي ‪ ،‬قدم له وضبط أشعـار ‪ :‬ياسني‬ ‫‪ -162‬درنيقة ‪( ،‬‬
‫األيويب ‪ ،‬ط‪ ،1‬بريوت ‪ ،‬لب ان ‪ ،‬دار ومكتبة اهلالل للطباعة وال شر ‪1996 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -163‬املرزباين ‪ ( ،‬أبو عبيد اهلل مد بن موسى)‪ :‬معجم الشعراء ‪ ،‬قيق ‪ :‬فاروق اسليم ‪،‬ط‪،1‬‬
‫بريوت‪ ،‬دار صادر ‪1425 ،‬هـ ‪2005‬م ‪.‬‬
‫‪ -164‬ابن مرزوق ‪( ،‬أبو ا سن عبد الباقي)‪:‬معجم الصحابة‪ ،‬حققه وخرج حديثه‪ :‬أمحد فتحي عبد‬
‫الرمحن ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬لب ان ‪ ،‬م شورات علي بيوض ‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪1426 ،‬ه‪2005‬م ‪.‬‬
‫‪ -165‬معجم ألفاظ القرآن الكرمي ‪ :‬مجهورية مصر العربية ‪،‬دار الشروق ‪1401،‬ه ‪1981‬م ‪.‬‬
‫‪ -166‬املعجم الوسيط ‪ :‬مع اللغة العربية ‪ ،‬مجمهورية مصر العربية ‪ ،‬ط‪ ،3‬د‪.‬ن‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ -167‬امل جد يف اللعة واألعالم ‪ :‬ط‪ ، 28‬بريوت ‪ ،‬لب ان ‪ ،‬دار املشرق ‪1986 ،‬م‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬الدوريات والمجالت‬
‫‪ -168‬لة األدب اإلسالمي‪ :‬فصلية تصدرها‪ ،‬رابطة األدب اإلسالمي العاملية‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪،‬‬
‫الس ة الثانية‪ ،‬اجمللد الثاين‪ ،‬العدد الثامن‪1416 ،‬هـ‪1995‬م ‪.‬‬

‫‪512‬‬
‫فهـرس الموضوعـات‬

‫‪513‬‬
‫فهرس الموضوعات‬

‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬

‫المقدمة‪............................................................................. :‬أ‪ -‬ز‬

‫الباب األول‪ :‬موقف الصحابة من الشعر والشعراء‪347-8............................... :‬‬

‫الفصل األول‪ :‬موقف الصحابة من الشعر والشعراء‪108-9................................. :‬‬


‫أوال ‪ :‬مفهوم الصحايب اصطالحا‪10................................................... :‬‬
‫ثانيا ‪ :‬مفهوم الشعر لدى الصحابة‪18.................................................. :‬‬
‫ثالثا ‪ :‬موقف الصحابة ا لفاء من الشعر والشعراء‪32.................................... :‬‬
‫‪ -1‬موقف أيب بكر الصديق‪35....................................................... :‬‬
‫‪ -2‬موقف عمر بن ا طاب‪47....................................................... :‬‬
‫‪ -3‬موقف عثمان بن عفان‪80....................................................... :‬‬
‫‪ -4‬موقف علي بن أيب طالب‪90..................................................... :‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬شعر الصحابة بين البعد الفكري والفني‪156-109.......................... :‬‬
‫‪ -1‬البعد الفكري للصحابة شعراء املدي ة‪112.......................................... :‬‬
‫‪ -2‬البعد الف للصحابة شعراء املدي ة‪115............................................ :‬‬
‫الفصل الثالث‪:‬شعر الصحابة في الميزان األخالقي والفني‪199-157....................... :‬‬
‫‪ -1‬شعر الصحابة يف امليزان األخالقي‪158............................................ :‬‬
‫‪ -2‬شعر الصحابة يف امليزان الف ‪171................................................ :‬‬

‫الباب الثاني‪ :‬موقف التابعين من الشعر والشعراء‪346-200............................. :‬‬

‫الفصل األول‪ :‬موقف التابعين من الشعر والشعراء‪288-201.............................. :‬‬


‫أوال‪ :‬مفهوم التابعي اصطالحا‪202.................................................... :‬‬
‫ثانيا‪ :‬مفهوم الشعر ع د التابعني‪208................................................... :‬‬
‫ثالثا‪ :‬موقف التابعني ا لفاء من الشعر والشعراء‪223................................................. :‬‬

‫‪514‬‬
‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء ح القرن الثاين اهلجري‬ ‫فهرس املوضوعات‬

‫‪ -1‬موقف يزيد بن معاوية‪240........................................................ :‬‬


‫‪ -2‬موقف عبد امللك بن مروان‪248................................................... :‬‬
‫‪ -3‬موقف سليمان بن عبد مللك‪264.................................................. :‬‬
‫‪ -4‬موقف عمر بن عبد العزي‪270.................................................... :‬‬
‫‪ -5‬موقف يزيد بن عبد امللك‪281.................................................... :‬‬
‫‪ -6‬هشام بن عبد امللك‪286......................................................... :‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬موقف التابعين العلماء من الشعر‪ϯϬϵ-Ϯϴϵ................................ :‬‬
‫‪ -1‬شريح القاضي‪290................................................................ :‬‬
‫‪ -2‬سعيد بن املسيب‪292............................................................. :‬‬
‫‪ -3‬عبيد اهلل بن عبد اهلل بن عتبة‪Ϯϵϳ.................................................. :‬‬
‫‪ -4‬مد بن سريين‪ϯϬϮ.............................................................. :‬‬
‫‪ -ϱ‬عروة بن أذي ة‪ϯϬϰ................................................................ :‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬شعر التابعين في الميزان األخالقي والفني‪346-310....................... :‬‬
‫‪ -ϭ‬أثر املوروث اإلسالمي يف شعر التابعني‪ϯϭϯ......................................... :‬‬
‫‪-Ϯ‬أثر ا اهلية يف شعر التابعني مضمونا وف ا‪ϯϯϯ........................................ :‬‬

‫الباب الثالث‪ :‬المرتكزات النقدية عند الصحابة والتابعين في نقد الشعر والشعراء‪185-347.. :‬‬

‫الفصل األول‪ :‬المرتكزات النقدية عند الصحابة الخلفاء في نقد الشعر والشعراء‪403-348...‬‬
‫‪ -1‬ع د أيب بكر الصديق‪352........................................................ :‬‬
‫‪ -2‬ع د عمر بن ا طاب‪357........................................................ :‬‬
‫‪ -3‬ع د عثمان بن عفان‪393......................................................... :‬‬
‫‪ -4‬ع د علي بن أيب طالب‪400....................................................... :‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المرتكزات النقدية عند الصحابة غير الخلفاء في نقد الشعر والشعراء‪438-404... :‬‬
‫‪ -1‬ع د معاوية بن أيب سفيان‪405..................................................... :‬‬

‫‪515‬‬
‫موقف الصحابة والتابعني من الشعر و الشعراء ح القرن الثاين اهلجري‬ ‫فهرس املوضوعات‬

‫‪ -2‬ع د عبد اهلل بن عباس‪413........................................................ :‬‬


‫‪ -3‬ع د عبد اهلل بن عمر‪427......................................................... :‬‬
‫‪ -‬املرتكزات ال قدية ع د الصحابة الشعراء يف نقد الشعر والشعراء‪438-429................... :‬‬
‫‪ -1‬ع د عثمان بن مظعون‪430........................................................ :‬‬
‫‪ -2‬ع د حسان بن ثابت‪432......................................................... :‬‬
‫‪ -3‬ع د لبيد بن ربيعة‪434............................................................ :‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬أسس التجديد النقدي عند التابعين‪ϰϴϱ-ϰϯϵ............................. :‬‬
‫أوال‪ :‬التجديد يف ال التابعني ا لفاء‪ϰϰϰ............................................. :‬‬
‫ثانيا‪ :‬التجديد يف ال التابعني العلماء والفقهاء‪ϰϲϬ..................................... :‬‬
‫ثالثا‪ :‬التجديد يف ال التابعني األدباء ال قاد‪ϰϲϮ........................................ :‬‬
‫رابعا‪ :‬التجديد يف ال التابعيات األديبات ال اقدات‪ϰϲϰ................................ :‬‬
‫خامسا ‪ :‬التجديد يف ال التابعني ال حاة‪ϰϳϬ.......................................... :‬‬
‫سادسا‪ :‬التجديد يف ال التابعني الشعراء‪ϰϳϳ.......................................... :‬‬

‫الخاتمة‪486............................................................................. :‬‬
‫فهرس الملخصات‪492................................................................... :‬‬
‫فهرس المصادر والمراجع‪496............................................................ :‬‬
‫فهرس الموضوعات‪513.................................................................. :‬‬

‫‪516‬‬

You might also like