You are on page 1of 102

‫الجمهوري ــة الجزائري ــة الديمقراطي ــة الشعبيـ ــة *‬

‫وزارة التعليم العالي والبحث العلمي‬


‫جامعة عبد الحميد بن باديس‪-‬مستغانم‪-‬‬
‫كلية األدب العربي والفنون‬
‫قسم الدراسات األدبية‬
‫مذكرة تخرج لنيل شهادة ماستر في تخصص نقد حديث ومعاصر‬
‫الموسومة بـ‪:‬‬

‫القضية الفلسطينية‬
‫في األدب الجزائري‬
‫تحت إشراف‪:‬‬ ‫إعداد الطالبين ‪:‬‬
‫د‪.‬طهار نادية‬ ‫بوخودة لخضر‬
‫ماحي سعيد‬

‫أعضاء لجنة المناقشة‬


‫عن الجامعة‬ ‫الرتبة‬ ‫لقب واسم األستاذ‬ ‫الصفة‬
‫جامعة مستغاًل‬ ‫رئيسا‬
‫جامعة مستغاًل‬ ‫أستاذ ؿباضر ‪-‬أ ‪-‬‬ ‫مقرراً‬
‫جامعة مستغاًل‬ ‫مناقشا‬

‫السنة الجامعية‪9191-9102:‬‬
‫إهداء‬

‫إلى أمي هبع الحىان ومصدز سعادتي دواء كل سقم‬

‫إلى أبي الري أهاز دزوب حياتي وكافح من أجل تعليمي‬

‫أهدي ثمسة جهدي هرا‬

‫إلى كل إلاخوة وكل ألاخواث‬

‫وإلى كل عائلتي الكب يرة وكل ألاهل وألاحباب والجيران وألاصدقاء‬

‫وإلى كل من ًحبهم قلبي ولم ًخطهم قلمي‬

‫إلى كل من ساعدوي من بعيد أو قسيب ولو بكلمت طيبت‬


‫كلمت شكس‬

‫إذا كان وال بد من الشكس‬

‫وشكس هللا عز وجل الري مىحىا القدزة على البحث والاجتهاد وشكس جزيل وامتىان إلى‬

‫ألاستاذة املشسفت الدكتوزة هادًت طهاز‬

‫وإلى كل الرًن كاهت قلوبهم معىا في كل خطوة‪.‬‬


‫مقدمة‬
‫مقدمة‬

‫اىتم هبا شعراء اعبزائر‪ .‬فقد رافق الشعر‬


‫تعد القضية الفلسطينية واحدة من أبرز القضايا اليت ّ‬
‫اعبزائري قضية فلسطُت منذ ظهورىا يف العشرينيات من القرف اؼباضي وكاف الشعراء العرب عموما‬

‫كل مناسبة لتأييدىا وقد تابعوىا يف صبيع مراحلها وأطوارىا اؼبختلفة منذ إعالف "وعد بلفور"‬
‫يستغلوف ّ‬
‫سنة ‪1917‬ـ ‪ ،‬مرورا بانتفاضات الشعب الفلسطيٍت يف الثالثينيات مثّ رفضو قرار التقسيم‪ .‬وقد وقف‬

‫شعراء اعبزائر إىل جانب الفلسطنيُت أثناء حرب ‪1948‬ـ‪ ،‬ونكسة‪1967‬ـ‪ ،‬و‪1972‬مثّ ذباوبوا مع‬

‫انتصارات الثوار الفلسطينيُت وأبطاؿ اؼبقاومة‪ ،‬وأطفاؿ اغبجارة بعد ذلك حىت اليوـ؛ ومن يطلع على‬

‫النتاج األديب اعبزائري يالحظ أ ّف الشعراء اعبزائريُت مل يكونوا معزولُت عن قضايا ّأمتهم العربية‪ ،‬على‬

‫الرغم من اعبدار اغبديدي الذي ضربو حوؽبم االستعمار الفرنسي منذ االحتالؿ سنة ‪1830‬ـ وحىت‬

‫االستقالؿ ‪1962‬ـ‪ ،‬أل ّف صلة الشاعر اعبزائري باؼبشرؽ العريب وقضاياه ومشاغلو صلة وطيدة‬

‫وعريقة‪ ،‬وتأيت القضية الفلسطينية يف الصدارة حبيث ال تعايل إذا قلنا أ ّف النتاج األديب اعبزائري شعرا‬

‫ونثرا يف القرف اؼباضي دار يف معظمو حوؿ ثالثة ؿباور الوطنية والعروبة والوحدة العربية وفلسطُت‬

‫نعدد الروابط اليت تربط بُت فلسطُت واعبزائر منذ فجر التاريخ العريب‬
‫واالسالـ ولسنا يف حاجة إىل أف ّ‬

‫حىت اآلف كما أنّو ال حاجة بنا إىل أف نقارف بُت واقع فلسطُت حد أف تأمر عليها االستعمار‬

‫والصهيونية العاؼبية‪.‬‬

‫وؽبذه األسباب حاولنا يف ىذا البحث تقدَل قراءة ؼبدى تأثر األدب اعبزائري بالقضية الفلسطينية‪.‬‬

‫ومن الدوافع اليت جعلتنا بالبحث يف ىذا اؼبوضوع بععتباره موضوع حساس يف حد ذاتو وكذا بصفتو‬

‫قضية دولية كما أنو يعد جزءا جوىريا من الصراع العريب االسرائيلي ففلسطُت قضية العرب‪ ،‬صحيح‬

‫‪2‬‬
‫مقدمة‬

‫أف الفلسطينيُت كانوا الضحية إال أف األمة العربية برمتها كانت اؼبستهدفة بالتجزئة واؽبيمنة من قبل‬

‫االستعمار ودبا فيها اعبزائر وىذا ما ضبلو عنواف ىذا اؼبوضوع‪ ،‬ومن أجل التعرؼ على جذور ىذه‬

‫القضية وكيف قابلها االدب اعبزائري ؟ وكيف نظر األديب اعبزائري ؽبذه القضية اليت اليزاؿ ؽبيبها‬

‫موقدا غبد الساعة ؟‬

‫قد اعتمدنا على اؼبنهج الوصفي التحليلي لكونو يتالءـ مع طبيعة اؼبوضوع إذ يعترب طريقة لوصف‬

‫الظاىرة اؼبدروسة وربليلها كميا عن طريق صبع معلومات مقننة عن اؼبشكلة وتصنيفها وربليلها‬

‫وإخضاعها للدراسة إعتمدنا على صبع البيانات من عدة كتب وؿبالت‪ ،‬فالقضية الفلسطينية غنية عن‬

‫التعريف فهي معروؼ هبا يف كل بقعة من العامل والسيما مؤسبر األمم اؼبتحدة فهي ثورة إف صح القوؿ‬

‫وليس قضية كتب عنها حىت األجانب ليس األدباء اعبزائريُت فقط وىذا ما جعل حبثنا ضروري يف‬

‫صبع اؼبعلومات ووصف ىذه الثورة ووصف نظرة وموقف األديب اعبزائري ؽبا‪ .‬فحىت اؼبنهج التارىبي‬

‫كاف موجودا‪ ،‬فالثورة الفلسطينية ذات جذور وتا ريخ عميق‪ ،‬صحيح أف آباءنا الذين عاشوا النكبة‬

‫حينذاؾ مل يتوقعوا يوما أف كبيي الذكرى يف أي مناسبة ألهنم كانوا موقنُت حينها ب أف إسرائيل دولة‬

‫مزعومة لن يكتب ؽب ا اغبياة طويال يف التا ريخ وضمن جغرافيا اؼبنطقة العربية غَت أف الصهاينة ويف أسوأ‬

‫كوابيسهم لن يظ نوا أبدا أنو بعد مرور سنُت على النكبة سيكوف ىناؾ شباب مازالوا مصرين على‬

‫إحياء ىذه الذكرى واليت ستبقى راسخة يف كل عقل عريب مسلم واعبزائري بالدرجة األوىل‪.‬‬

‫ومن خالؿ البحث واالطّالع ف قد طرحت ؾبموعة من التساؤالت تشكل جوىر إشكالية ىذا‬

‫البحث‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫مقدمة‬

‫‪ -‬فيم تتجلّى مظاىر الثورة الفلسطينية يف األدب اعبزائري؟‬

‫‪ -‬وما مدى التزاـ األديب اعبزائري بالقضية الفلسطينية ؟‬

‫واإلجابة عن ىذه األسئلة اليت شكلت ىذا البحث والذي سار وفق خطة تتمثّل يف ‪:‬‬

‫مقدمة‪ :‬تناولت أنبيّة اؼبوضوع وسبب اختياره‪.‬‬

‫التطور‬
‫اؼبدخل‪ :‬الذي تناوؿ عنواف الثورة الفلسطينية يف األدب العريب‪ .‬والثورة الفلسطينية النشأة و ّ‬
‫(مفهوـ الثورة ) وقضية التزامها‪.‬‬

‫األوؿ‪ :‬بعنواف ذبليّات الثورة الفلسطينية يف األدب اعبزائري وينقسم إىل مبحثُت‬
‫الفصل ّ‬
‫األوؿ تناوؿ موضوعات الثورة الفلسطينية يف األدب اعبزائري ‪.‬‬
‫اؼببحث ّ‬
‫‪- 1‬النثر‬

‫‪- 2‬الشعر ( الشعيب ) ‪.‬‬

‫أما اؼببحث الثاٍل ّازبذنا مباذج من الشعر اعبزائري للدراسة والتحليل‬

‫‪- 1‬ؿبمد العيد آؿ خليفة ‪.‬‬

‫‪- 2‬مفدي زكرياء‬

‫الفصل الثاني‪ :‬رمزية فلسطين في األدب الجزائري المعاصر‬

‫تناولنا يف ىذا الفصل رمزية فلسطُت يف األدب اعبزائري وبدوره ّازبذ مبحثُت‬

‫األوؿ‪ :‬تكلمنا فيو عن الرمز يف الشعر اعبزائري اؼبعاصر‪.‬‬


‫‪ -‬اؼببحث ّ‬
‫‪ -‬أما اؼببحث الثاٍل ف كاف بعنواف ‪ :‬رمزية القدس يف األدب اعبزائري ‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫مقدمة‬

‫مث جاءت اػباسبة اليت كانت حوصلة ألىم النتائج اؼبتحصل عليها ‪.‬‬

‫ودبا أ ّف ىذا البحث فع ّف صعوبات العمل كانت حاضرة سواء يف اختيار اؼبوضوع وضبط عنوانو أو يف‬

‫اؼبتحصل عليها ىذا ما جعل األمر يتعسر علينا يف ذبميع ىذه اؼبعلومات خاصة يف‬
‫ّ‬ ‫اؼبعلومات‬

‫ظل ىذه اعبائحة ( كورونا ) ‪.‬‬


‫االلتحاؽ باؼبكتبات يف ّ‬
‫ولكن بفضل اهلل وتوفيقو استطعنا التغلب على الكثَت من الصعوبات اليت كانت تعًتي طريقنا فال‬

‫كل من ساعدٍل من قريب أو بعيد‬


‫أتقدـ خبالص الشكر والعرفاف إىل ّ‬
‫يسعٍت يف مقامي ىذا إال أ ّف ّ‬
‫بتوجيهات ونصائح علمية اليت كاف ؽبا أثر صبيل يف إخراج ىذا البحث على ىذه الصورة اليت ال‬

‫أشك يف أهنا ال تزاؿ حباجة إىل جهد باحثُت آخرين لتصبح أقرب للكماؿ ‪.‬‬
‫ّ‬

‫طهار نادية اليت ساعدتنا وكانت بصمتها حاضرة‪ .‬ويف االخَت أتقدـ بالشكر أيضا لألستاذة الكريبة‬

‫وأرجو من اهلل العوف والسداد‬

‫‪5‬‬
‫المدخل‬
‫قضية االلتزام في الثورة الفلسطينية‬
‫قضية االلتزام في الثورة الفلسطينية‬ ‫المدخل‬

‫الثورة الفلسطينية في األدب العربي‪:‬‬ ‫‪)0‬‬

‫يعتمد تطور األدب على عوامل عديدة تعمل معا لتؤثّر على وجهة تطوره وبشكل جلي ‪،‬‬

‫حالة األدب الفلسطيٍت كما سنرى والشعر منو خباصة وىو أعمق الفنوف العربية جذورا لكن يبقى‬

‫األوؿ ؽبذه‬
‫ىناؾ فرؽ ملحوظ بُت الطريقة اليت اتبعها الكتاب اآلخروف يف العامل العريب‪ ،‬واؽبدؼ ّ‬
‫قدمة ال يقتصر على وصف فلسطُت يف األدب العريب بل يشكل جزءا من تطور األنواع األدبية‬
‫اؼب ّ‬

‫العربية عموما وىو موضوع تناولناه ضمن سياؽ عريب عاـ يف كتابات أخرى ‪. 1‬‬

‫‪-‬فلسطين واألدب العربي‪:‬‬

‫على الرغم من أ ّف فلسطُت جزء ال يتجزأ من األدب العريب وأ ّهنا مسانبة إسهاما كامال يف‬

‫كل ذبارب الثورات اليت شهدىا األدب العريب خالؿ ىذا القرف ومنذ عقد اػبمسينيات بوجو‬

‫خاص‪ ،‬فعنّو سبيّز باختالفات بينة يف بعض النواحي خاصة يف عالقاتو بالزماف واؼبكاف ويف ؽبجة‬

‫اػبطاب واالذباىات ويف انشغالو اػباص بالقضية السياسية السائدة وقد يبكن القوؿ أ ّف األدب‬

‫العريب برمتو مشغوؿ ىذه األياـ بالصراع االجتماعي السياسي الذي ىبوضو الشعب العريب‪ ،‬ولكن‬

‫شك يف أ ّف السياسة تفرض عبثا الثقل على الفلسطيٍت فهي ربدد عادة أف يعيش ىذا الكاتب‬
‫ال ّ‬

‫ويكتب وتستدعي قدرا أكرب ما يكوف مستلزمُت بأفكار سياسية معينة ومنتمُت إىل صفوؼ‬

‫اؼبعارضة‪ ،‬فأديب ناصر ابن ثورة أحد أدباء العرب الذين كتبوا عن فلسطُت ‪ .‬إ ّف الربط بُت عناصر‬

‫‪ 1‬انظر فاروؽ وادي‪ ،‬ثالث معامل‪ ،‬ص ‪. 145‬‬

‫‪7‬‬
‫قضية االلتزام في الثورة الفلسطينية‬ ‫المدخل‬

‫كل مكاف مهمة صعبة إال إذا استطاع الثائر أف يوصل بينهم صبيعا فكرا وفبارسة‬
‫الثورة والثائرين يف ّ‬
‫‪1‬‬
‫وإبداعا ‪.‬‬

‫التطور‪:‬‬
‫الثورة الفلسطينية النشأة و ّ‬ ‫‪)9‬‬

‫‪ -‬تعريف الثورة‪:‬‬

‫الثورة كمصطلح سياسي ىي اػبروج عن الوضع الراىن وتغيَته باندفاع وبركو عدـ الرضا أو التطلع‬

‫إىل األفضل أو حىت الغضب‪ ،‬والثورة تدرس على أهنا ظاىرة اجتماعية تقوـ هبا فئة أو صباعة ما‬

‫ىدفها التغيَت وفقا إليديولوجية ىذه الفئة أو اعبماعة‪ ،‬وال ترتبط بشرعية قانونية كما تعرب عن‬
‫‪2‬‬
‫انتقاؿ السلطة من الطبقة اغباكمة إىل طبقة الثوار‬

‫كلمة الثورة يف اللغة العربية جاءت من فعل يثور ‪-‬ثار ‪-‬ثورة وتعٍت يف األصل اؽبيجاف أو اشتداد‬

‫الغضب واإلندفاع العنيف‪ ،‬ثار أي ىاج‪.‬‬

‫فهي تلك التغَتات اليت تعمل على تبديل اجملتمع ظاىريا وجوىريا من مبط سائد إىل مبط جديد‬

‫يتوافق مع مبادئ وقيم وأيديولوجية وأىداؼ الثورة‪ ،‬وقد تكوف الثورة عنيفة دموية كما قد تكوف‬

‫سلمية وتكوف فجائية سريعة أو بطيئة تدرهبية‪.‬‬

‫‪ 1‬ياغي عبد الرضبن‪ ،‬حياة األدب الفلسطيٍت اغبديث من ّأوؿ هنضة ‪ ...‬حىت النكبة‪ ،‬دار اآلفاؽ اعبديدة‪ ،‬بَتوت‪ ،‬ط‪ ،1981 ،2‬ص ‪. 607‬‬
‫‪2‬‬
‫مروة هتامي‪ ،‬اؼبشاركة السياسية للمرأة يف ثوريت مصر وليبيا ‪ 2011‬ـ‪ ،‬دراسة إنثروبولوجية ميدانية مقارنة‪ ،‬معهد البحوث والدراسات اإلفريقية‪،‬‬
‫جامعة القاىرة ‪ ،2013‬ص ‪. 07‬‬

‫‪8‬‬
‫قضية االلتزام في الثورة الفلسطينية‬ ‫المدخل‬

‫التطور‪:‬‬
‫‪ -‬النشأة و ّ‬
‫يف عاـ ‪1917‬ـ أخلفت بريطا نيا بوعودىا للعرب دبنحهم االستقالؿ عند إزالة اغبكم الًتكي عن‬

‫بالدىم وأصدرت على لساف خارجيتها بلفور وعده الذي ظبي باظبو يف ‪ 02‬نوفمرب ‪1917‬ـ‬

‫الذي ينظر بعُت العطف إىل إنشاء وطن قومي لليهود بفلسطُت ‪ ، 1‬كاف ىذا الوعد من ال يبلك‬

‫ؼبن ال يستحق دوف علم صاحب اغبق ‪ ، 2‬وقد جاء تتوهبا ؼبرحلة طويلة من العمل الصهيوٍل على‬

‫الرباءة الدولية لالستيطاف يف فلسطُت ‪ 3‬لكن وعد بلفور مل يكن خديعة على اؼبزدوجة الوحيدة اليت‬

‫قامت هبا بريطانيا بالنسبة إىل فلسطُت واألمة العربية قبل اغبرب العاؼبية األوىل ويف أثنائها وبعدىا‬

‫فقد عمدت حكومته ا إىل اػبداع يف ؿبادثات مكماىوف – الشريف حسُت ‪ ،‬وكذلك يف اتفاقيىة‬

‫سايكس بيكو إىل اؼبناورة يف مؤسبرات السالـ اليت انعقدت بعد اغبرب‪ .‬ومهما كانت اغبجج‬

‫والذرائع اليت ساقتها بريطانيا فع ّف اغبقيقة الساطعة تبقى أف االستيطاف الصهيوٍل ثبت أقدامو يف‬

‫فلسطُت ربت انتد اهبا ويف ضباية جيوشها وجاء وعد بلفور دبثابة الرباءة الدولية اليت سعى إليها‬

‫ىرتزؿ وعمل من أجلها فتحقق ذلك أياـ خلفو حاييم وايز من الذي رأى يف اغبرب العاؼبية األوىل‬

‫الفرصة لتحقيق اؽبدؼ الصهيوٍل ‪ . 4‬وقد نشرت اغبكومة الربيطانية بالغا رظبيا يف أفريل‪1917‬‬

‫وافقت في و على إنشاء وطن قومي يهودي يف فلسطُت وتعهدت دبنح يهود فلسطُت صبيع اغبقوؽ‬

‫‪1‬‬
‫أضبد الشقَتي‪ ،‬صفحات يف القضية العربية‪ ،‬اؼبؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ ،‬ط األوىل‪ ،‬بَتوت ‪1979‬ـ‪ ،‬ص ‪. 10‬‬
‫‪2‬‬
‫سلماف أبو ستة‪" ،‬نكبة فلسطُت‪ ...‬مىت يبكن أف تزوؿ"‪ ،‬ؾبلة العريب‪ ،‬العدد ‪( 498‬د‪.‬ب)‪2000 ،‬ـ‪ ،‬ص ‪.100‬‬
‫‪3‬‬
‫إلياس شوفاٍل‪ ،‬اؼبوجز يف تاريخ فلسطُت السياسي منذ فجر التاريخ‪ ،‬سنة ‪ 1949‬ـ‪ ،‬مؤسسة الدراسات الفلسطينية‪ ،‬بَتوت‪1996 ،‬ـ‪،‬‬
‫ص‪.341‬‬
‫‪ 4‬هبجت صربي‪ ،‬فلسطُت خالؿ اغبرب العاؼبية األوىل وما بعدىا ‪1919‬ـ ‪ 1920-‬ـ‪ ،‬صبعية الدراسات العربية‪ ،‬القدس‪1982 ،‬ـ‪ ،‬ص ‪.150‬‬

‫‪9‬‬
‫قضية االلتزام في الثورة الفلسطينية‬ ‫المدخل‬

‫السياسية واؼبدنية وبفتح باب اؽبجرة أمامهم تعهدت كذلك دبنحهم استقالال ذاتيا يف كل األمور‬

‫الدينية واؼبدنية والثقافية يف فلسطُت ‪. 1‬‬

‫ىاما ألنّو شكّل ّأوؿ اعًتاؼ ؼبطالبهم رظبيا بالرغم من‬


‫ولقد اعتربت الصهيونية وعد بلفور مكسبا ّ‬
‫أف فلسطُت مل تكن ملكا لربيطانيا وال ربت سيادهتا وبعد ؿبادثات ومفاوضات طويلة بُت اليهود‬

‫أنفسهم وبُت فبثلي الصهيونية واغبكومة الربيطانية اتّفقوا على وضع نص التصريح يوجهو بلفور‬

‫وزير اػبارجية إىل روتشيلد ووافق الرئيس وينستوف تشرشل على النص يف ‪ 17‬أكتوبر وأقره ؾبلس‬

‫الوزراء يف ‪ 02‬نوفمرب ‪1917‬ـ‪ . 2‬وىذا التاريخ يعترب التاريخ الرظبي لالستعمار االستيطاٍل يف‬

‫فلسطُت ‪.3‬‬

‫قضية االلتزام في الثورة الفلسطينية ‪:‬‬ ‫‪)3‬‬

‫اثناف وستوف عاما مضت على نكبة فلسطُت جديرة بأف نقف حياؽبا وقفة ربليل ونقد واعتبار بيد‬

‫أ ّف البحث الذي بُت أيدينا ليس حبثا تارىبيا ؿبضا أو رواية تارىبية صرفة إ ّمبا ىو حبث أديب يسلط‬

‫الضوء على قضية أدب االلتزاـ يف الثورة الفلسطينية ‪ .‬إننا أماـ قضية شعب كاف يعيش آمنا يف‬

‫سربو مطمئنا يف وطنو بيد أ ّف أطماع االستعمار واؼبؤسبرات أطلّت بوجهها القبيح لتحيل أمنو خوفا‪،‬‬

‫واطمئنانو قلقا وأخذت سبارس ىذه عدوانا بشعا يهدؼ إىل اقتالعو من أرضو وهتجَته قسرا إىل‬

‫بقاع األرض حيث آالـ اؼبنايف ومأساة الشتات ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫جالؿ وبي‪ ،‬مشكلة فلسطُت واالذباىات الدولية‪ ،‬منشأة اؼبعارؼ‪ ،‬االسكندرية‪1965 ،‬ـ‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪ 2‬ؿبسن ؿبمد صالح‪ ،‬التيار اإلسالمي يف فلسطُت وآخروف يف حركة اعبهاد ‪1917‬ـ ‪1948-‬ـ‪ ،‬مكتبة الفالح‪ ،‬الكويت‪1989 ،‬ـ‪ ،‬ص ‪.89‬‬
‫‪ 3‬ؿبمد ضياء الدين الريس‪ ،‬تطور‪ ،‬اؼبرجع السابق‪ ،‬ص ‪.245‬‬

‫‪10‬‬
‫قضية االلتزام في الثورة الفلسطينية‬ ‫المدخل‬

‫وؼبا كاف الشعب الفلسطيٍت متجذرا يف أرضو ومل يفقد مقومات بقائو فعنّو مل يستسلم لسياسة‬

‫فرض أمر الواقع‪ ،‬بل انربى جملاهبة ذلك بكل ما أويت من إمكانات ‪.‬‬

‫لقد كانت بداية خيوط اؼبؤامرة قد نسجت يف أعقاب مؤسبر " باؿ " عاـ ‪1897‬ـ على‬

‫أيدي اغبركة الصهيونية بعقامة الدولة اليهودية ‪ .‬وغٍت عن البياف ما وصمت بو اغبركة الصهيونية يف‬

‫فاسيتها ونازيتها ناىيك عن ّادعاءات كاذبة روجت ؽبا بأحقيتها التارىبية يف فلسطُت زاعمة أف‬

‫الفلسطينيُت معتدوف لصوص‪ ،‬جنا فيها سرؽ أجدادىم أرض إسرائيل من أصحاهبا اغبقيقيُت ‪،1‬‬

‫وما أف بسطت بريطانيا االستعما رية يدىا على فلسطُت حىت شرعت فورا بتنفيذ وعد بلفور‬

‫تؤدي إىل النتيجة اؼبرسومة إلقامة الدولة الصهيونية يف فلسطُت ‪ 2‬عرب كافة‬
‫كل الطرؽ اليت ّ‬
‫سالكة ّ‬
‫األصعدة سياسية وإدارية وعسكرية لتفتح األبواب على مصراعيها للهجرة اليهودية ومن مثّ ضرب‬

‫اؼبقاومة العربية الفلسطينية كاف ذلك إيذانا باندالع االصطدامات اؼبسلحة عرب انتفاضة عاـ‬

‫‪1913‬ـ مث ثورة فلسطُت الكربى عاـ ‪1936‬ـ اليت حظيت باىتماـ بالغ ليتوج األمر بانطالؽ‬

‫وربوؿ البالد إىل ساحة حرب‪.‬‬


‫الثورة اؼبسلحة ّ‬
‫خشيت بريطانيا عواقب الثورة اؼبسلحة ومل يكن أمامها سوى توجيو نداءات عرب اؼبلوؾ‬

‫واألمراء العرب تدعو إىل السكينة وإهناء ظاىرة العنف واالضطراب ‪ .‬ومل يكن أماـ اللجنة اؼبلكية‬

‫‪1‬‬
‫هبجت أبو غريبة‪ ،‬القضية الفلسطينية يف أربعُت عاـ بُت ضراوة الواقع وطموحات اؼبستقبل‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بَتوت‪ ،‬لبناف‪،‬‬
‫‪1989‬ـ‪،‬ص ‪.22‬‬
‫‪ 2‬اؼبرجع نفسو‪ ،‬ص ‪. 24‬‬

‫‪11‬‬
‫قضية االلتزام في الثورة الفلسطينية‬ ‫المدخل‬

‫ال ربيطانية سوى التوصية " بعهناء االنتداب وتقسيم البالد بشكل يقيم دولة يهودية يف الشماؿ‬

‫والغرب ودولة عربية يف األراضي الباقية وإبقاء القدس وبيت غبم والناصرة ربت االنتداب‪.1‬‬

‫قوبل قرار التقسيم برفض شديد من الفلسطينيُت بعنشاء دولة يهودية فوؽ أرض فلسطُت‬

‫كما أعلنت اللجنة العربية العليا رفضها رظبيا لو وأبلغت عصبة األمم اؼبتحدة بذلك ‪.‬‬

‫كاف ذلك القرار إرىاصا لعودة الثورة الكربى من جديد لتندلع يف أكتوبر عاـ ‪1937‬ـ حىت‬

‫سبتمرب عاـ ‪ 1939‬ـ ‪ ،‬وما أف أحيلت القضية إىل أروقة األمم اؼبتحدة حىت برز االقًتاح اؼبنبثق‬

‫عن عبنتها بدعم قرار تقسيم فلسطُت إىل دولة يهودية ودولة عربية وتدويل القدس‪ ،‬بيد أ ّف ىذا‬

‫القرار قوبل مرة أخرى من اللجنة العسكرية الفلسطينية والشعب الفلسطيٍت برفض قاطع ‪ .‬وفبا‬

‫تقو على إبداء ـبالفة للقرار‬


‫يؤسف لو أف اغبكومات اؼبنضوية ربت جناح النفوذ الربيطاٍل مل َ‬
‫اعبائر بل مل ت كن صادقة يف ظاىر رفضها لقرار التقسيم وسعت إىل تنفيذه يف تسابق مذىل مع‬

‫بريطانيا ‪.‬‬

‫كل ذلك دفع الفلسطينيُت إىل فتح باب الصراع واؼبقاومة ضد اليهود قبل دخوؿ اعبيوش‬

‫العربية وكانت كفتهم راجحة‪ ،‬األمر الذي جعل الرئيس تروماف يضطر ووباوؿ يف اػبامس عشر‬

‫من آذار‪/‬مارس عاـ ‪ 1948‬ـ عقد ىدنة فورية بُت العرب واليهود ويقًتح حال غَت التقسيم وىو‬

‫الوصاية‪ ،‬ولكن اليهود رفضوا ذلك وطمأنوه إىل أ ّهنم قادروف على االنتصار ‪.2‬‬

‫‪ 1‬هبجت أبو غريبة‪ ،‬القضية الفلسطينية يف أربعُت عاـ بُت ضراوة الواقع وطموحات اؼبستقبل‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بَتوت‪ ،‬لبناف‪،‬‬
‫‪1989‬ـ‪ ،‬ص ‪.39‬‬
‫‪2‬اؼبرجع نفسو‪ ،‬ص ‪.52‬‬

‫‪12‬‬
‫قضية االلتزام في الثورة الفلسطينية‬ ‫المدخل‬

‫وىكذا يدور التاريخ دورتو يؤّكد أف انتفاضة ‪1987‬ـ بشموليتها قد أعادت األوضاع يف‬

‫فلسطُت احملتلة إىل وضع ومناخ يقًتباف كثَتا من ذلك الذي كاف قائما يف األربعينيات وتتمثّل أنبية‬

‫وغزة لكن‬
‫وخطورة ذلك اؼبناخ يف أنّو يوقظ اؽبوية والشعور الفلسطيٍت ليس فقط يف الضفة الغربية ّ‬
‫أيضا يف اؼبناطق اليت استولت عليها إسرائيل أثناء اغبرب عاـ‪1948‬ـ وبعدىا ويضعها وجها لوجو‬

‫أماـ التحدي اإلسرائيلي ‪.1‬‬

‫ويزداد الشعب الفلسطيٍت رىقا فوؽ رىقو عرب انتفاضتو اؼبباركة عاـ ‪1987‬ـ ولكن ىذا‬

‫العناء وتلك التكاليف هتوف من أجل درة واحدة من تراب فلسطُت اؼبقدس حيث تشَت‬

‫اإلحصائيات إىل استشهاد ألف وطبسمائة وطبسُت فلسطينيا واعتقاؿ مائة ألف فلسطيٍت وما يزيد‬

‫عن سبعُت ألف جريح بععاقات ـبتلفة‪ ،‬كما كشفت إحصائية أعدهتا مؤسسة التضامن الدويل‬

‫حينذاؾ أف أربعُت فلسطينيا سقطوا خالؿ االنتفاضة داخل السجوف ومراكز االعتقاؿ اإلسرائيلي‬

‫بعد أف استخدـ احملققوف معهم أساليب التنكيل والتعذيب النتزاع االعًتافات ‪. 2‬‬

‫كانت االنتفاضة األوىل اؼبباركة تزداد إشعاال فيما كاف اؼبلف التفاوضي اؼبعد للمرحلة‬

‫القادمة يقطف عمارىا سياسيا لنق رأ يف أوىل صفحاتو عن إعالف دولة فلسطُت يف اؼبنفى بتاريخ‬

‫‪1988/11/15‬ـ ويف ‪1993/09/13‬ـ وقع الرئيس ياسر عرفات مع رئيس الوزراء اإلسرائيلي‬

‫‪1‬‬
‫عبد اغبميد العوايف‪ ،‬االنتفاضة والداخل اإلسرائيلي‪ ،‬شؤوف عربية‪ ،‬العدد ‪ 53‬آذار‪ /‬مارس‪ ،‬عاـ ‪1988‬ـ‪ ،‬اإلدارة العامة‪ ،‬جامعة الدوؿ العربية‪،‬‬
‫تونس‪ ،‬ص ‪.105‬‬
‫‪ 2‬موقع قصة اإلسالـ‪ ،‬أحداث فارقة يف االنتفاضة األوىل ‪1987‬ـ‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫قضية االلتزام في الثورة الفلسطينية‬ ‫المدخل‬

‫إسحاؽ رابُت يف واشنطن اتفاؽ أوسلو الذي ىيّأ واالتفاقيات الفلسطينية اليت تلتو وما سبقتو من‬

‫مفاوضات علنية وسرية لتحوالت واسعة يف اغبقل السياسي الفلسطيٍت ‪. 1‬‬

‫ففي سبوز‪ /‬يوليو ‪ 1994‬ـ دخلت السلطة الفلسطينية قطاع غزة يتقدمها الرئيس ياسر‬

‫عرفات لتكوف اعبسم السياسي اؼبسؤوؿ عن اغبكم يف مناطق اغبكم الذايت والذي ّمت تعزيزه‬

‫بانتخاب برؼباف سنة ‪ 1996‬ـ واستطاعت السلطة الفلسطينية فرض ىيمنتها عرب أساليب ـبتلفة‪،‬‬

‫األمر الذي جعلها تدخل بعد فًتة قصَتة من قيامها يف مواجهة مع اغبركة اإلسالمية غبسم واقع‬

‫سبيّز بازدواجية السلطة ‪.2‬‬

‫‪ 1‬صبيل ىالؿ‪ ،‬النظاـ السياسي الفلسطيٍت بعد أوسلو‪ ،‬مواطن‪ ،‬اؼبؤسسة الفلسطينية للدراسة الديبقراطية‪ ،‬راـ اهلل‪1988 ،‬ـ‪ ،‬ص ‪.79‬‬
‫‪2‬اؼبرجع السابق‪ ،‬ص ‪.82‬‬

‫‪14‬‬
‫األول‬
‫الفصل ّ‬
‫موضوعات الثورة الفلسطينية في األدب الجزائري‬
‫موضوعات الثورة الفلسطينية في األدب الجزائري‬ ‫األول‬
‫الفصل ّ‬
‫األول‪ :‬موضوعات الثورة الفلسطينية في النثر الجزائري‬
‫المبحث ّ‬
‫في النثر الجزائري ‪:‬‬ ‫‪-0‬‬

‫مل ربظ قضية عربية قومية أو إسالمية يف النثر اعبزائري اغبديث بالقدر الذي حظيت بو‬

‫القضية الفلسطينية باعتبارىا قضية جوىرية يف عقيدة اإلنساف اعبزائر سبثل أحد اؼبقدسات يف‬

‫تفكَته‪ ،‬يرقى االىتماـ هبا إىل درجة االىتماـ بالعقائد والعبادات فلم نكد قبد أحدا إال سبثل عنده‬

‫إحدى نقط التوتر يف حياتو إىل جانب القضايا الوطنية الصميمة يف حياتو‪.‬ألهنا ترتبط باالسالـ‬

‫والدارس لألدب اغبديث شعره ونثره هبد حضورا مكثفا لفلسطُت بل ويرجع االىتماـ هبا‬

‫إىل عصور متقدمة يف التفكَت واالىتماـ اعبزائريُت؟ على حد تعبَت أحد الباحثُت اؼبعاصرين ‪،1‬‬

‫وبشيء من التدقيق هبد الباحث أف بعض اعبزائريُت احملدثُت من الكتاب نبهوا إىل اؼبخاطر اليت‬

‫يبكن أف تلحق األراضي الفلسطينية علي غرار – عمر راسم – ؿبمد البشَت اإلبراىيمي‬

‫(‪ - )1965- 1889‬الطيب العقيب (‪ .) 1961- 1980‬الشيخ إبراىيم أبو يقضاف (‪- 1888‬‬

‫‪ - )1973‬الشيخ العريب تبسي (‪ - )1957- 1895‬الشيخ الفضيل الورتيالٍل (‪- 1900‬‬

‫‪.)1959‬‬

‫‪ 1‬انظر د‪ .‬وبي بوعزيز‪ ،‬أعالـ الفكر والثقافة يف اعبزائر احملروسة‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪ 151‬وما بعدىا‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫موضوعات الثورة الفلسطينية في األدب الجزائري‬ ‫األول‬
‫الفصل ّ‬
‫من بعض اؼبشاريع اليهودية اليت كانت تًتدد ىنا وىناؾ‪ ،‬ذلك أل ّف اعبزائريُت خربوا اليهود‬

‫وعرفوا تصرفاهتم وسلوكاهتم ومؤامراهتم الدنيئة منذ قروف طويلة فعرفوا مكرىم وأحالمهم بعيدة‬

‫اؼبدى‪.1‬‬

‫شن ضبلة عنيفة‬


‫من أقدـ الكتاب اعبزائريُت اىتماما هبذا اؼبوضوع " عمر راسم " الذي ّ‬
‫على اليهود كاشفا سلوكاهتم وجشعهم ومكائدىم ذباه اعبزائريُت فكتب منذ بداية القرف العشرين‬

‫ينبو إىل اؼبخاطر اليت يبكن أف ذبر على فلسطُت وغَتىا ما ال ربمد عقباه ‪.2‬‬

‫كما كشف أعماؽبم التخريبية يف الوطن اعبزائري وىذا يدينهم يف كل عصر مصر فقاؿ " كاف من‬

‫بالذؿ واؼبسكنة والربا واػبديعة حسب ما أحلّ‬


‫عادة اليهود أف يسلبوا وينهبوا ويأكلوا أمواؿ الناس ّ‬

‫ؽبم تلمودىم رزؽ من خالقهم يف الدين واليوـ مل يكفهم ذلك ؼبا وجدوه من دولتهم من ّقوة العزة‬

‫اليت غبقتهم من اؼبتباعُت واؼبغلفُت وامتزاج دمهم بدـ األرذاؿ فبن ساؿبتهم نفوسهم الدنيئة أف‬

‫يزوجوا بناهتم لتماثيل العيوب اؼبادية واألدبية خوفا أف يرموىم – ىكذا – اؼبتملقوف واؼبذيذيوف‬

‫بالتعصب والتأخر فصاروا بذلك يهودا اليوـ لصوص الشوارع واألزقة كما أ ّهنم لصوص اغبيلة‬

‫الذؿ والضحك " ‪.3‬‬


‫والغدر و ّ‬

‫أبدى عمر راسم تأؼبا من تقاعس اؼبسلمُت والعرب وعدـ أخذىم مسألة ؿباولة اليهود‬

‫استعمار فلسطُت وإنشاء دولة يهودية على أراضيها مقارنة باعبدية واغبزـ الذي يعمل بو اليهود‪،‬‬

‫‪ 1‬انظر سعد اهلل فوزي‪ ،‬يهود اعبزائر ىؤالء اجملهولوف‪ ،‬انظر عيسى شنوؼ‪ ،‬يهود اعبزائر‪ 2000 ،‬سنة‪.‬‬
‫‪ 2‬عمر راسم‪ ،‬استعمار فلسطُت‪ ،‬دار األمر يامسلمُت‪ ،‬مرشد األمة ع‪.1909/07/23 ،04‬‬
‫‪3‬‬
‫عمر راسم‪ ،‬كشف أعماؿ اليهود التخريبية صناعة جديدة للسلب والنهب‪ ،‬مرشد األمة ع‪. 1909 /08/06 ،06‬‬

‫‪17‬‬
‫موضوعات الثورة الفلسطينية في األدب الجزائري‬ ‫األول‬
‫الفصل ّ‬
‫واعترب ذلك التقاعس من العرب واؼبسلمُت جرما ال يغتفر ومن السلطة العليا للدولة الًتكية عمل‬

‫غَت مقبوؿ فقاؿ " أنبية استعمار فلسطُت اليت غفلوا عنها ال هبهلها إال الغيب البليد ومل يقاومها‬

‫إال النذؿ اعبباف العنيد أل ّف غايتها تأليف سلطة يهودية يف فلسطُت تسعى إليها اليهود من وراء‬

‫حجاب من السياسة االقتصادية اليت وباولوف بواسطتها الوصوؿ إىل ضالتهم اؼبنشودة ( صهيوف )‪،‬‬

‫وقد ألفوا لذلك صبعيات وعقدوا مؤسبرات يف عواصم أوروبا وأفرغوا كل ما يف وسعهم إىل ما ىم‬

‫شك إذا داـ اغباؿ على ما ىو عليو أهنم سيفوزوف وينالوف ما يشتهوف وعند‬
‫إليو متوجهوف‪ ،‬وال ّ‬

‫ذلك ترى الدولة العليا يف ش عب يشيب صبياهنا ما مل تراه مع اليوناف والبلغار وغَتىا" ‪.1‬‬

‫يشَت عمر راسم يف ىذه اؼبقولة عن الغاية اليت يبحث عنها اليهود من أجل االستطاف‬

‫وجعل ألنفسهم بلد بعد مل يكن ؽبم دولة يف العامل وإمبا مشتتُت يف أروبا وآسيا وافريقيا بنسب‬

‫ـبتلفة‪ ،‬خاصة بعد أف قامت اغبكومة الروسية بععداـ أعداد كبَتة من اليهود بعد حادثة إغتياؿ‬

‫القيصر الروسي االسكندر الثاٍل عاـ ‪ 1881‬وإف خطة اليهود واضحة وضوح الشمس ألف‬

‫اؽبدؼ ىو اإلستطاف واإلحتالؿ وفرض اؽبيمنة واػباسر الوحيد ىو فلسطُت لتلقيها ىذا االحتالؿ‬

‫الغاشم كما حدث لليوناف وبلغاريا‪.‬‬

‫يوضح أىداؼ الصهيونية البعيدة وـبططاهتم والطرؽ اؼبلتوية اليت اتّبعوىا القباز‬
‫مث غدا الكاتب ّ‬
‫مشاريعهم وربقيق أحالمهم الصهيونية على أرض الواقع وربركاهتم على صبيع األصعدة يف الدوؿ‬

‫‪ 1‬عمر راسم‪ ،‬استعمار فلسطُت‪ ،‬مرشد األمة‪ ،‬ع ‪. 1909/08/27 ،08‬‬

‫‪18‬‬
‫موضوعات الثورة الفلسطينية في األدب الجزائري‬ ‫األول‬
‫الفصل ّ‬
‫الغربية وحكوماهتم ولدى السلطة اغباكمة يف دوؿ اػبالفة على سبيل اؼبثاؿ‪ :‬الواليات اؼبتحدة‬

‫االمريكية‪ ،‬بريطانيا‪ ،‬إقبلًتا‬

‫ملوحُت باؼباؿ واؼبساعدات‪ .‬وحذر من اؽبجرات السرية والعلنية للطوائف واعباليات اليهودية على‬

‫أرض فلسطُت والسلطة العثمانية سادرة يف استبدادىا ونومها العميق يف صبيع دواليبها وأجهزهتا‪.‬‬

‫كما انتقد " عمر راسم " الدولة العثمانية انتقد الشعوب العربية والصحف والكتاب والشعراء‬

‫وغفلتهم عن اػبطر الداىم من اليهود ‪.‬‬

‫إ ّف ىذا اؼبوقف من " عمر راسم " ذباه اليهود وقضية استعمار فلسطُت وإحساسو اؼببكر‬

‫باألمة اإلسالمية خالفة وشعوبا جعلت الدكتور ؿبمد ناصر يقوؿ عنو " غَت أفّ‬
‫باألخطار احملدقة ّ‬
‫الذي بات شغلو الشاغل واحملور الذي دار حولو أغلب كتاباتو وما يتهدد الوطن العريب واإلسالمي‬

‫من خطر الصهيونية فع ّف اىتمامو بالتحذير من ىذا اػبطر اىتماـ الفت للنظر حقا‪ ،‬فعنّنا ال نعرؼ‬

‫كاتبا جزائريا واحدا يف ذلك الوقت اؼبب ّكر انشغل هبذا اؼبوضوع ولعلو ليس شبّة وصف ينطبق عليو‬

‫عدو اليهود على اإلطالؽ " ‪.1‬‬


‫أدؽ من ذلك الذي اختاره لنفسو حُت نعتها بأنّو " ّ‬
‫ّ‬

‫ووبذر راسم من أولئك اؼبستصغرين لشأف اليهود واؼبستهينُت بأعماؽبم اؼبثقلُت لعددىم يف ربوع‬

‫العامل وتوزعهم على أقطاره وأمصاره‪ ،‬فيقوؿ " إ ّف فبن دعتهم غفلتهم إىل اعتناؽ مذاىب األوىاـ‬

‫كمن يسمى باالشًتاكي والفوضوي والعدمي وغَتىم فبن ينتموف إىل انتصار الضعيف ضد القوي‬

‫مسمى ) يقولوف إ ّف اليهود ّامة ضعيفة حقَتة مسكينة ال ينبغي االلتفات‬


‫(إما بال ّ‬
‫باسم اإلنسانية ّ‬

‫‪ 1‬ؿبمد ناصر‪ ،‬عمر راسم‪ ،‬اؼبصطلح الثائر‪ ،‬مطبعة الفوميك‪ ،‬اعبزائر‪( ،‬د‪.‬ت)‪ ،‬ص ‪.36‬‬

‫‪19‬‬
‫موضوعات الثورة الفلسطينية في األدب الجزائري‬ ‫األول‬
‫الفصل ّ‬
‫مشتتة األطراؼ منفصلة األعضاء‪ ،‬نعم ال‬
‫أل ّهنا ال تعمل شيء (كذا) أل ّهنا طائفة قليلة العدد ّ‬

‫تعمل شيئا واحدا ولكنّها تعمل أشياء‪. 1‬‬

‫ومن صبلة األشياء اليت يبكن أف يفعلوىا بدىاء وتكتّم وخداع تظاىرىم بالدعة والطيبة‬

‫شرىم‬
‫واؼبساؼبة يف الظاىر ولكنّهم يبطنوف غَت ما يظهروف لذلك يلفت االنتباه إليهم ووبذر من ّ‬
‫فيقوؿ " وبعد البحث أثبتنا أ ّهنم اؼبتسببوف فيها‪ ،‬يوقدوف نَتاف اغبروب ويلقوف شرار الفنت كما‬

‫سم الفساد أخالقهم ولتجريدىا من الفضائل اليت ربتاج إليها العمراف والسلم العاـ أل ّف‬
‫نفثوا ّ‬
‫اليهود يريدوف أف تبقى األمم يف شقاؽ واختالؼ ليتمكن ؽبم صبع اؼباؿ ونيل األغراض يف الغفلة‬

‫لعدوه حىت تنسيو مصلحة نفسو وجاره ومعاىده وقت الدفاع عن‬
‫اليت تقع عند التفاؼ العدو ّ‬
‫شرفو‪ ،‬إ ّهنم يغتنموف ىذه ا لفرص لينالوا سعادهتم وراحة أفكارىم اػببيثة ‪.2‬‬

‫إ ّهنا االنتهازية وإنّو اللؤـ الذي عرؼ بو اليهود على مدى التاريخ وال غرابة يف ذلك فتلك طباعهم‬

‫اػبسيئة وأخالقهم الوضيعة أال يصطادوا إال يف اغبياة اؼبياه العكرة ‪.‬‬

‫إ ّف الذي يقرأ مقاؿ " ؿبمد راسم " يندىش الطالع ىذ ا الرجل وعمق ربليلو وصائب وصواب‬

‫لألمة‬
‫فكره يف الكثَت من القضايا الصهيونية وقضايا اؼباسونية مع صدؽ يف العاطفة وإخالص ّ‬
‫وحب لفلسطُت وأىلها وخوؼ كبَت فبا وباؾ ؽبا ويدار منذ وقت طويل‪،‬‬
‫العربية وللدين اإلسالمي ّ‬
‫كما يعكس تنبيو ويقظة الكتاب اعبزائريُت اؼببكر للمخاطر الصهيونية منذ اغبرب العاؼبية األوىل‬

‫‪ 1‬ؿبمد ناصر‪ ،‬عمر راسم‪ ،‬اؼبصطلح الثائر‪ ،‬مطبعة اعبزائر‪( ،‬د‪.‬ت) ‪.‬‬
‫‪2‬اؼبرجع نفسو‪ ،‬ص ‪.69‬‬

‫‪20‬‬
‫موضوعات الثورة الفلسطينية في األدب الجزائري‬ ‫األول‬
‫الفصل ّ‬
‫(‪ )1918- 1914‬وما قبلها ‪ ، 1‬ىذا ّأوال ‪.‬وثانيا إ ّف مثل ىذه الكتابات اؼببكرة حوؿ القضية‬

‫الفلسطينية تعكس اغبس القومي اؼببكر لدى اعبزائريُت وتؤّكد حقيقة ال جداؿ فيها وىي " أ ّف ىذا‬

‫الشعب عرؼ سبقا يف الوعي القومي وظبوا يف استش راؽ قضاياه ‪ ،‬األمر الذي ال يتماشى مع ما‬

‫كانت تنعت بو اعبزائر من عقم يف ىذا الوعي ‪.2‬‬

‫وبكي ىنا عن وعي الشعب اعبزائري وما عاشو من ذبربة ردبا نغايل إف قلنا للفلسطينيُت يف قلوب‬

‫اعبزائريُت مكانة خاصة فقد ارتبط اعبزائريوف بفلسطُت ارتباطا روحيا عميقا‪ ،‬فالشعب اعبزائري‬

‫واعي بكونو خاض نفس التجربة من االحتالؿ الفرنسي فهو يدرؾ جيدا معانات الشعب‬

‫الفلسطيٍت وإدراكو سباما بأف اؼبشروع الصهيوٍل مدعوـ من دوؿ الغرب خبفي‪ ،‬وىذا ما جعل‬

‫الكاتب اعبزائري وبس دبا وبدؽ بفلسطُت‪.‬‬

‫أدرؾ اعبزائريوف منذ بداية القضية الفلسطينية يف الظهور على الساحة العربية أ ّف القضية وراءىا‬

‫مشروع صهيوٍل كبَت مدعوـ من قبل الغرب اغباقد على العروبة واإلسالـ وما اؼبربرات اليت كانت‬

‫تشاع وتذاع لإلقناع إال برقع ىبفي وراءه ـباطر كثَتة على فلسطُت وعلى غَتىا من البلداف العربية‬

‫كل من ينظر ويدقق البحث يف قوادـ اؼبسألة‬


‫فقاؿ " إبراىيم أبو اليقظاف يف ىذه اؼبسألة " إ ّف ّ‬
‫وخوافيها هبد أ ّف اؼبسألة ليست اؼببكى والرباؽ وإ ّمبا حقيقة اؼبسألة ىي السرطاف الصهيوٍل الناشب‬

‫‪ 1‬انظر صاحل خريف‪ ،‬اعبزائر واألصالة الثورية‪ ،‬ص ‪ 33‬وما بعدىا‪.‬‬


‫‪2‬اؼبرجع السابق‪ ،‬ص ‪.48‬‬

‫‪21‬‬
‫موضوعات الثورة الفلسطينية في األدب الجزائري‬ ‫األول‬
‫الفصل ّ‬
‫ـبالبو يف خناؽ العامل الظاىرة عوارضو الراىنة يف فردوس اإلسالـ وحبو األرضُت ومقر أنبياء اهلل‬

‫فلسطُت ‪.1‬‬

‫إ ّف اؼبستقرئ اؼبتمعن يف النص السابق يدرؾ أ ّف الكآبة كاف عاؼبا باألغاليط اليت كاف‬

‫يشيعها اليهود يف اجملالس والنوادي بينما ىم ىبفوف أمرا آخر ظاىره حائط اؼببكى بزعمهم الذي‬

‫بو يستعطفوف العامل ويستدروف الشفقة واؼبساندة وكلها يف حقيقة األمر سبويهو جعلت الدين‬

‫واألماكن اؼبقد سة ذريعة لالستالء على أرض فلسطُت‪ ،‬ولكن الفلسطني ُت تصدى ؼبثل ىذه‬

‫ردة الفعل عنيفة وقوية مشرفة وبدأت‬


‫اؼبخططات بل قاومها بكل ما يبلك من قوة وعتاد وكانت ّ‬
‫اؼبقاومة يف أرض فلسطُت ؼبا تبُت أ ّف اليهود ومناصريهم ماضوف يف تطبيق وعد بلفور الصادر ‪02‬‬

‫نوفمرب ‪1917‬ـ‪ .‬ويف السابع عشر من آب أغسطس ‪1929‬ـ تفجرت اؼبقاومة الفلسطينية‬

‫أشد خطرا من‬


‫امتدت إىل بقية أكباء فلسطُت وبذلك كانت أوسع نطاقا و ّ‬
‫اؼبسلحة يف القدس و ّ‬

‫االنتفاضتُت اللتُت تفجرتا يف عامي ‪1920‬ـ – ‪1921‬ـ‪. 2‬‬

‫ولكن الصهيونية العاؼبية كانت باؼبرصاد فرمت بشباكها لتجهض الثورة وكالعادة عمدت بريطانيا‬

‫إىل تشكيل عبنة ربقيق برئاسة " السيد والًت شو " وعضوية ثالثة شخصيات يبثلوف األحزاب‬

‫الربيطانية الثالثة " احملافظُت والعماؿ واألحرار " ‪. 3‬‬

‫‪ 1‬جريدة ميزاب‪ ،‬ع ‪ 14‬جانفي ‪1930‬ـ ‪.‬‬


‫‪ 2‬عودة بطرس عودة‪ ،‬القضية الفلسطينية يف الواقع العريب‪ ،‬ص ‪.355‬‬
‫‪3‬اؼبرجع نفسو‪ ،‬ص نفسها‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫موضوعات الثورة الفلسطينية في األدب الجزائري‬ ‫األول‬
‫الفصل ّ‬
‫وكما ىو الشأف فقد بقيت أعماؿ اللجنة تراوح مكاهنا غَت أف الوضع كاف يزداد خطورة‬

‫وتعقيدا واحتقانا فعرؼ الفلسطينيوف أ ّف اغبل الوحيد ىو الثورة العارمة والرد على اليهود وبريطانيا‬

‫كل أكباء‬
‫ال يكوف بانتظار ربقيق ما كاف يهدفاف إليو فعمد الفلسطينيوف إىل الثورة العارمة يف ّ‬
‫تتفجر عاـ ‪1933‬ـ باؼبظاىرات الصاخبة‬
‫فلسطُت‪ ،‬ولقد بدأت بوادر الكفاح اؼبسلّح الفلسطيٍت ّ‬
‫الدامية اليت شهدهتا القدس يافا يف شهر تشرين أكتوبر من ذاؾ العاـ ‪.‬‬

‫فجرىا الشيخ عز الدين القساـ‬


‫مثّ أخذت ىذه اؼبظاىرات تتصاعد إىل أف بلغت مرحلة الثورة اليت ّ‬
‫يف الثاٍل من نوفمرب ‪1935‬ـ‪.1‬‬

‫كما عبأ الفلسطينيوف إىل وسيلة أخرى للضغط على اغبكومة الربيطانية اليت كانت تتحكم‬

‫يف األوضاع وتتحكم بزماـ اؼببادرة‪ ،‬أعلن الشعب العريب الفلسطيٍت اإلضراب العاـ الذي يعترب من‬

‫استمر ‪ 176‬يوما‪ ،‬وكاف شامال لكل أوجو اغبياة واؼبرافق‬


‫ّ‬ ‫أطوؿ اإلضرابات اليت عرفها التاريخ إذ‬

‫العامة ‪ . 2‬وذلك يف السابع عشر من أبريل ‪ -‬نيساف ‪1936‬ـ إىل أكتوبر تشرين األوؿ ‪.1936‬‬

‫التفت األدباء اعبزائريوف حوؿ القضية الفلسطينية منذ وقت مبكر من ىذا القرف فسجلوا كلّ‬
‫أحداثها وتتبعوا تطوراهتا منذ البداية وظلوا ملتزمُت بذلك‪ ،‬يقوؿ الدكتور أبو القاسم سعد اهلل‬

‫لعل أىم قضية عربية احتفى هبا األدب اعبزائري ىي قضية فلسطُت فقد نوه هبا الكتاب يف‬
‫"و ّ‬
‫متعددة فبا جعلها شغل الرأي العاـ‪ ،‬كما‬
‫تغٌت هبا الشعراء يف مناسبات ّ‬
‫الصحافة الوطنية و ّ‬

‫‪1‬اؼبرجع نفسو‪.‬‬
‫‪ 2‬عودة بطرس عودة‪ ،‬القضية الفلسطينية يف الواقع العريب‪ ،‬ص ‪.361‬‬

‫‪23‬‬
‫موضوعات الثورة الفلسطينية في األدب الجزائري‬ ‫األول‬
‫الفصل ّ‬
‫خصصت الصحافة االفتتاحيات الغافية واألبواب الدائمة لدراسة طبيعة فلسطُت وأنبيتها‬

‫التارىبية‪.1‬‬

‫ومل يقتصر ذلك االحتفاء واالىتماـ بفلسطُت وقضيتها يف النثر فقط بل يف الشعر أيضا‪،‬‬

‫فال نكاد قبد قصيدة أو شاعرا يف ىذه اغبقبة التارىبية من سنوات الثالثينيات‪.‬‬

‫بعد حلوؿ الثالثينيات أصبحت مواقف اعبزائريُت جلية إذباه القضية الفلسطينية من أجل‬

‫تأكيد دعم اعب زائريُت إلخواهنم يف النضاؿ وذلك دبشاركة اعبزائريُت يف اؼبؤسبر االسالمي األوؿ يف‬

‫القدس الذي عقد يف ديسمرب ‪ 1931‬وتنظيم ضبالت ومساندة وذلك من أجل وقف اجملازر يف‬

‫حق الفلسطينيُت يف ىذه الفًتة بالذات‪ ،‬والوقوؼ لرفض قرارات التقسيم بعد إعالف عن وعد‬

‫بلفور‪.‬‬

‫مل يكتب عن فلسطُت‪ ،‬فمنذ وعد بلفور اؼبنكود يف ‪ 02‬نوفمرب ‪1917‬ـ وقضية‬

‫فلسطُت على األفواه ويف أعمدة الصحف اعبزائرية وضمن القصائد الشعرية‪ ،‬فقد خلّد الشعراء‬

‫شهداء ثورة ‪ 1936‬ـ وأبطاؿ اؼبعركة القسطل كما أىاجوا العواطف أثناء حرب ‪1948‬ـ وىاصبوا‬

‫التقسيم ونادوا بالثأر وتوعدوا اليهود ‪.2‬‬

‫وحُت طبّق حكم اإلعداـ على بعض اجملاىدين يف فلسطُت سنة ‪1930‬ـ‪ ،‬كتب الشيخ‬

‫عبد اغبميد ابن باديس يرثيهم ويبُت فضل الشهيد عند اهلل ولزوـ الشهادة لبناء اغبضارات‬

‫والتمكُت لدين اهلل وربرير األوطاف‪ ،‬وسجل شجاعتهم وإيباهنم ورباطة جأشهم أماـ اؼبوت احملقق‬

‫‪1‬‬
‫أبو القاسم سعد اهلل‪ ،‬دراسات يف األدب اعبزائري اغبديث‪ ،‬ص ‪.115‬‬
‫‪2‬اؼبرجع السابق‪ ،‬ص ‪.116‬‬

‫‪24‬‬
‫موضوعات الثورة الفلسطينية في األدب الجزائري‬ ‫األول‬
‫الفصل ّ‬
‫واإل عداـ اؼبؤكد‪ ،‬فقاؿ أحدىم " الشهيد ؿبمد صبجوـ " كبمد اهلل على أننا كبن ال أنبية لنا‬

‫األمة ال أولئك الرجاؿ الذين يستفيد الوطن من جهودىم وخدماهتم‪ ،‬وإذا كاف‬
‫نذىب فداء ّ‬
‫األمة فليحل اإلعداـ يف عشرات األلوؼ‬
‫إعدامنا كبن الثالثة يزعزع شيئا من كابوس االقبليز عن ّ‬
‫منا لكي يزوؿ الكابوس عنا سباما "‪.1‬‬

‫مث علّق ابن باديس على أولئك الشهداء بعد الدفن قائال " مل تدفن يف تلك القبور الثالثة‬

‫كال لقد دفن أولئك يف القلوب العربية الدامية إمبا الذي دفن يف تلك‬
‫جثث األبطاؿ اػبالدين‪ّ ،‬‬

‫القبور أبدا ىو سياسة حسن الظن يف االقبليز واعتماد الضعيف على القوي إلحراز حق سياسة‬

‫ربسنب‬
‫ّ‬ ‫التكفف واالستجداء واالبتذاؿ‪ ،‬فلن يكوف بينهما يف مستقبل األياـ إىل اؼبوت الزؤاـ " وال‬

‫عند َرههبِم يُػ ْرَزقُوف " ‪.2‬‬


‫أحيَاء َ‬ ‫الذين قُتِلُوا يف سبِ ِ‬
‫يل الَّلو أمواتا ْ‬
‫بل ْ‬
‫اغبقيقة إ ّف تعليق ابن باديس ىذا وراءه ما وراء من اؼبعاٍل والتعريض باالستعمار اعبامث على‬

‫الصدور ىنا وىناؾ ينغزه ابن باديس يف أسلوب أديب راقي ال يدركو إال من خرب كتابات الشيخ‬

‫وسبرف على أسلوبو‪.‬‬

‫لقد ازدادت القضية الفلسطينية حضورا يف األدب اعبزائري ويف الواقع اليومي اؼبعيش‬

‫وخاصة بعد أف أوصت اللجنة اؼبكلفة بدراسة الوضع يف فلسطُت وتقصي اغبقائق بعد سبهيد طويل‬

‫يف اثنُت وعشرين فصال‪ ،‬أوصت عبنة " بيل" يف تقريرىا تقسيم فلسطُت وإقامة دولة يهودية فيها‪،‬‬

‫وضم اعبزء العريب إىل إمارة الشرؽ األردف ولقد رفض الشعب الفلسطيٍت ىذا اؼبشروع وردّ عليو‬
‫ّ‬

‫‪ 1‬آثار عبد اغبميد ابن باديس‪ ،‬ج‪ ،05‬ص ‪.480‬‬


‫‪2‬اؼبرجع السابق‪ ،‬ص ‪.481‬‬

‫‪25‬‬
‫موضوعات الثورة الفلسطينية في األدب الجزائري‬ ‫األول‬
‫الفصل ّ‬
‫بتصعيد الثورة اؼبسلحة ‪ .1‬ويف ىذه األجواء اؼبشحونة والتوتّر الذي طاؿ العامل العريب كلّو قبد‬

‫سيال من اؼبقاالت يف الصحف واجملالت اعبزائرية تندد باالقبليز واكبيازىم لليهود وتشجب أطماع‬

‫الصهيونية يف فلسطُت خاصة حُت ظهر مشروع " قرار التقسيم " عاـ ‪1937‬ـ‪ ،‬فرأينا ذلك‬

‫السيل اعبارؼ من الربقيات واؼبقاالت و البيانات تنشر تباعا يف الصحف واجملالت واعبرائد‬

‫تندد بأعدائهم من مستعمرين وصهاينة ‪. 2‬‬


‫اعبزائرية تساند أبناء فلسطُت و ّ‬

‫والالفت للنظر يف ىذه اؼبرحلة اؼبتقدـ من حياة القضية الفلسطينية وصداىا يف األدب‬

‫اعبزائري ىو أ ّف الدارس لألدب اعبزائري يالحظ ظاىرة متغَتة يف كتابات اعبزائريُت شعرا ونثرا وىي‬

‫االنطالؽ من الواقع الوطٍت إىل الواقع العريب من رؤية ؿبلية إىل رؤية عربية شاملة ‪3 ...‬وىذا دليل‬

‫قاطع على سعة النظر عند األديب اعبزائري وعمق تفكَته وصدؽ انتمائو وارتباطو بوطنو العريب‬

‫الكبَت‪ ،‬ومن مثّ كانت كل دعوة إىل القضايا الوطنية ال زبلو من الدعوة إىل القضايا العربية القومية‪،‬‬

‫وعليو كما يقوؿ الدكتور ؿبفوظ قداش " الدعوة إىل الوحدة العربية والدعوة الوطنية فبتزجتاف " ‪،4‬‬

‫كل ذلك أل ّف اإلنساف اعبزائري عموما واألديب خصوصا كاف ينظر إىل القضايا واألحداث سواء‬

‫كانت وطنية أو قومية نظرة موحدة أساسها الدين‪ .‬واألدباء ا عبزائريوف شعراء وكتابا اىتموا إىل‬

‫جانب ىذا باغبديث عن الوطن وعن العروبة والشرؽ‪ ،‬كل ىذا يف إطار الدين اإلسالمي فكثَتا ما‬

‫زبتلط ىذه األمور كلها لدى الشاعر إذ يتغٌت بالوطن ويقرف ىذا بالتغٍت بالعروبة واإلسالـ مازجا‬

‫‪ 1‬بطرس عودة‪ ،‬القضية الفلسطينية يف الواقع العريب‪ ،‬ص ‪.363‬‬


‫‪2‬‬
‫عبد اهلل الركييب‪ ،‬األوراس يف الشعر العريب ودراسات أخرى‪ ،‬ص ‪.201‬‬
‫‪ 3‬عبد اهلل الركييب‪ ،‬األوراس يف الشعر العريب‪ ،‬ص ‪.179‬‬
‫‪ 4‬صاري اعباليل‪ ،‬اعبزائر يف التاريخ‪ ،‬ص ‪.24‬‬

‫‪26‬‬
‫موضوعات الثورة الفلسطينية في األدب الجزائري‬ ‫األول‬
‫الفصل ّ‬
‫بُت ىذه اؼبوضوعات الثالثة ألنّو ال يفرؽ بينها وال ينظر إليها باعتبارىا قضايا منفصلة بل ينظر‬

‫إليها نظرة واحدة فالوطن والقومية والدين كلها بالنسبة لو تعٍت أمرا واحدا ‪.1‬‬

‫وردبا ىذا ما يؤّكده البشَت اإلبراىيمي الذي كتب عن فلسطُت وقضيتها اؼبقاالت والقصائد‬

‫اشتدت ؿبنة فلسطُت وتأزـ‬


‫حىت وىو ينافح القضية الوطنية سنوات اػبمسي نيات بعد أف ّ‬
‫والبحوث ّ‬
‫الوضع اعبزائري بسبب تصعيد االستعمار ؾبتمعو؟ على اعبزائر أرضا وشعبا قيما ومثال‪ ،‬فكتب‬

‫اإلبراىيمي بعد نكبة فلسطُت يف ‪ 1948‬ـ مقاالت عديدة عن تاريخ فلسطُت وعروبتها وأحقية‬

‫العرب يف ملكيتها ودحض أباطيل اليهود واالستعمار االقبليزي والصهيوٍل وكشف خطط‬

‫وحث العرب وح ّفزىم على نصرة‬


‫كل مكاف ومنذ ذلك يف اعبزائر ويف فلسطُت‪ّ ،‬‬
‫االستعمار يف ّ‬
‫فلسطُت وعدـ االستهانة باليهود وـباطر الصهيونية وأىدافها البعيدة وتواطئها مع االستعمار قديبا‬

‫وحديثا فقاؿ يف إحدى مقاالتو عن الصهيونية وـباطرىا " إ ّف الصهيونية فيما بلونا من مظاىر‬

‫أمرىا وباطنو نظاـ يقوـ على اغباخاـ والصَتيف والتاجر ويتسلح بالتوراة والبنك واؼبصنع‪ ،‬وغايتها‬

‫صبع طائفة قدر ؽبا أف تعيش أوزاعا بال وازع وقدر ؽبا أف تعيش بال وطن ولكن صبيع األوطاف ؽبا‬

‫فجاءت الصهيونية رباوؿ صبعها يف وطن تسميو قوال فلسطُت مث تفسره فعال جبزيرة العرب كلّها‪،‬‬

‫فهو حقيقة استعمار من طراز جديد يف أسلوبو ودواعيو وحججو وغاياتو ‪. 2‬‬

‫وبقي اإلبراىيمي يدافع عن فلسطُت يف كتاباتو سنوات طويلة األمر الذي يستدعي زبصصو حبثا‬

‫مستقال يف ىذه القضية ‪.‬‬


‫ّ‬

‫‪ 1‬عبد اهلل الركييب‪ ،‬الشعر الديٍت اعبزائري اغبديث‪ ،‬ص ‪.680‬‬


‫‪2‬ؿبمد البشَت اإلبراىيمي‪ ،‬عيوف البصائر‪ ،‬ج‪ ،02‬ص ‪.493‬‬

‫‪27‬‬
‫موضوعات الثورة الفلسطينية في األدب الجزائري‬ ‫األول‬
‫الفصل ّ‬
‫وإلنصاؼ التاريخ فع ّف ؿبمد البشَت اإلبراىيم ي ومن ورائو األدباء اعبزائريُت قد نافحوا عن‬

‫فلسطُت حبيث يندر أف قبد القصيدة تتحدث عن قضية وطنية وتركز عليها وحدىا دوف الربط‬

‫بينها وبُت القضايا العربية األخرى ‪ 1‬وخاصة منها فلسطُت ‪ .‬ووبذر الشيخ اإلبراىيمي من كيد‬

‫اليهود واالستعمار اعبديد اؼبتمثّل يف الصهيونية العاؼبية اليت تغلغلت يف كثَت من الدوؿ وعششت‬

‫يف مصادر القرار فيها وينعى على العرب مواقفهم اؼبتخاذلة أماـ اؽبجمة الشرسة والغريبة الشديدة‬

‫كل بالد العرب‬


‫لليهود واالستعمار من ورائدىم على استعمار احتالؿ بالد فلسطُت‪ ،‬ومن بعدىا ّ‬
‫وكأٍل بو ينظر من كوة الغيب إىل ما كبن فيو فقاؿ " أمعنوا يف االستعداد وأمعنتم يف الرقاد‬

‫بصف واحد كملمومة‬


‫ّ‬ ‫واعتمدوا على العلم و (الرياؿ) واعتمدمت على اعبهل واػبياؿ جاؤوكم‬

‫الصخر وجئتموىم بصفوؼ متخاذلة‪ ،‬جاؤوكم على قلب رجل واحد وجئتموىم بقلوب متنافرة‪،‬‬

‫قادىم إىل الظفر قائد واحد ورأى اعبميع وقادكم إىل العار قواد متشاكسوف ورأي شتيت‪ ،‬ما‬

‫أضاع السيادة إال توزيع القيادة‪ ،‬اجتمعوا وافًتقتم فسلموا واحًتقتم ‪ .‬تاهلل ما ضاعت فلسطُت اليوـ‬

‫ولكنّها ضاعت يوـ وعدوا هبا فركنوا إىل العمل وركنتم إىل الكالـ‪ ،‬بل ضاعت قبل ذلك بقروف‬

‫منذ نبت قرف صهيوف *** فتماريتم بالنذر ومل تأخذوا اغبذر " ‪.2‬‬

‫يقصد يف ىذه اؼبقولة عن النوـ والتخاذؿ الذي طاؿ بلداف العامل اإلسالمي وعن عدـ‬

‫الوقوؼ جبنب فلسطُت وأهنم نبهم فقط ىو اؼباؿ واػبياؿ مل يقفوا وقفة رجل واحد ضد السياسة‬

‫اليهودية‪ ،‬فلوال التخاذؿ والتنافر ما لبث الصهيونيوف يف أراضي مهبط األنبياء‪ ،‬خلفوا الوعود‬

‫‪1‬الركييب‪ ،‬األوراس يف الشعر العريب‪ ،‬ص ‪.201‬‬


‫‪ 2‬اإلبراىيمي‪ ،‬عيوف البصائر‪ ،‬ج‪ ،02‬ص ‪.610‬‬

‫‪28‬‬
‫موضوعات الثورة الفلسطينية في األدب الجزائري‬ ‫األول‬
‫الفصل ّ‬
‫واستنكروا وأضاعوا سيادهتم‪ ،‬وجعلوا بُت إربادىم نفوذ استغلو الغرب واالحتالؿ الصهيوٍل بالدرجة‬

‫األوىل وأف ىذا التباعد ال ىبلق أبدا الوحدة العربية اإلسالمية‪.‬‬

‫اػبالصة اليت يبكن أف لبرج هبا من ىذه اؼبقالة ىو أ ّف الكتاب اعبزائريُت كما فعل الشعراء قد‬

‫اىتموا بالقضية الفلسطينية منذ بداية القرف العشرين ومنذ أف بدأ اغبديث فيها ىامشا إىل أف‬

‫طفت إىل الوجود وبرزت على السطح مع وعد بلفور يف ‪1917/11/02‬ـ فبينوا ـباطر اليهود‬

‫وكشفوا أىداؼ صهيونية ومعها االستعمار بكل أشكالو فرنسيا واقبليزيا‪ ،‬ونظروا إىل القضية‬

‫بالعمق نفسو واالىتماـ ذاتو الذي عاعبوا بو القضية الوطنية الصرفة ومل يألوا جهدا يف الدفاع‬

‫واالستماتة عن فلسطُت وقضيتها بالقدر الذي بذلوه لقضايا اعبزائر‪ .‬ويبكن أف لبتم اغبديث بقوؿ‬

‫الدكتور عبد اهلل الركييب الذي يقوؿ " ال تعايل حُت نقوؿ إف ا إلنتاج اعبزائري األديب شعرا ونثرا يف‬

‫ىذا القرف دار حوؿ ؿباور ثالث‪ :‬الوطنية‪ ،‬والعروبة‪ ،‬والوحدة العربية فلسطُت " ‪. 1‬‬

‫‪ - 9‬تجليات القضية الفلسطينية في الشعر الشعبي الجزائري‬

‫يسعى ىذا اؼبقاؿ إىل الكشف عن تفاعل الشاعر الشعيب اعبزائري يف عهد الثورة التحريرية‪،‬‬

‫مع الشعب الشقيق الفلسطيٍت‪ ،‬وكيف تناوؿ القضية يف قصائده وطريقة عرضها‪ ،‬باعتبارىا قضية‬

‫وحس و‬
‫سبس صبيع اؼبسلمُت‪ ،‬متّخذا من ديواف الشاعر اؼبدٍل رضبوف مبوذجا‪ ،‬ألنّو جنّد قلمو وشعوره ّ‬
‫ّ‬
‫لإلشادة باألرض احملتلة إىل جانب القضية اعبزائرية‪ ،‬واعتبارىا قضية قومية واصفا معاناة الشعب‬

‫‪1‬الركييب‪ ،‬األوراس يف الشعر العريب‪ ،‬ص ‪.179‬‬

‫‪29‬‬
‫موضوعات الثورة الفلسطينية في األدب الجزائري‬ ‫األول‬
‫الفصل ّ‬
‫الفلسطيٍت‪ ،‬ومنبها ومنددا جبرائم اليهود على العرب واؼبسلمُت‪ ،‬يف صيغ فنية جذابة وقوالب تعبَتية‬

‫مثَتة تتسم جبمالية األداء ‪ .‬فالقضية الفلسطينية قضية قومية ودينية‪ ،‬لذلك راح الشعراء على صبيع‬

‫مشارهبم يعربوف عن مشاعرىم ذباه احتالؽبا وتدنيس تربتها الزكية الطاىرة مهبط األنبياء ومسرى‬

‫سيدنا ؿبمد صلى اهلل عليو وسلم‪ ،‬وعلى غرار اؼببدعُت ساىم الشاعر الشعيب اعبزائري يف اإلشادة‬

‫لعل أبرز ىؤالء الشعراء الشا عر الشعيب اؼبدٍل "رضبوف البسكري"‬


‫بالقضية الفلسطينية ونصرهتا و ّ‬
‫(‪ 1 )1989- 1908‬الذي اظهر عاطفتو اإلسالمية ذباىها‪ ،‬ومل تنسيو أحداث الثورة التحريرية‬

‫يندد باالحتالؿ الصهيوٍل وجرائمو ويرفع‬


‫اؼبضفرة التضامن مع الشعب الفلسطيٍت الشقيق‪ ،‬بل راح ّ‬

‫صوت اغبرية يف احملافل الدولية‪ ،‬كيف ومىت؟ متضامنا مع شعب يعيش احملنة نفسها‪ ،‬ومعتربا يف‬

‫قصائده صبيعها أ ّف فلسطُت ىي مسؤولية كل اؼبسلمُت والعرب فعليهم التجنّد لتحريرىا من‬

‫االحتالؿ الصهيوٍل‪.‬‬

‫نموذج من قصيدة رحمون سكري‬

‫شكونا الظلم باألقالم دىرا ٭ ٭ ٭ ٭ ٭ ٭ فلم نظفر من الشكوى يزداد‬

‫سوى إغراقهم في االضطهاد‬ ‫ولم نر للتظلم من جواب ٭ ٭ ٭ ٭ ٭ ٭‬

‫سجن المزمعين على التمادي‬ ‫وإن حقا سألناىم أجابوا ٭ ٭ ٭ ٭ ٭ ٭‬

‫‪ 1‬الشيخ اؼبدٍل رضبوف بن أضبد‪ ،‬الديواف‪1977 ،‬ـ‪ ،‬ص ‪.21‬‬

‫‪30‬‬
‫موضوعات الثورة الفلسطينية في األدب الجزائري‬ ‫األول‬
‫الفصل ّ‬
‫ّأوال‪ :‬فلسطين قضية قومية في الشعر الشعبي الجزائري ‪ :‬من القضايا القومية اليت شغلت‬

‫حد الس اعة ؿبنة فلسطُت اغببيبة‪ ،‬وإحساسو باالنتماء الطبيعي‬


‫الشعب اعبزائري‪ ،‬ومازالت إىل ّ‬
‫واغبتمي ؽبذه األرض اؼبقدسة أل ّهنا أوىل القبلتُت وثالث اغبرمُت‪ ، ،‬ولطاؼبا تغنت هبا األمهات‬

‫وناحت ألجلها العيوف وانفطرت الستعمارىا القلوب‪ ،‬ورثاىا الشعراء بقصائد طواؿ بل بدواوين‬

‫يضم بُت حناياه بيت‬


‫كثَتة تعكس مكانتها يف النفوس م نذ القدـ لكوهنا بلد عريب و إسالمي‪ّ ،‬‬
‫اؼبقدس الشريف‪ ،‬ومدفن اػبليل فهي أرض النبوات ومسرى نبينا وحبيبنا ؿبمد – صلى اهلل عليو‬

‫وسلم ‪. -‬‬

‫وبدأت القضية عندما فقدىا العرب كقبلة ليست قبلة ؽبم منذ وعد بلفور اؼبشؤوـ عاـ‬

‫‪1947‬ـ‪1917 ،‬وأضحت فلسطُت تعاٍل احتالؿ وجربوت اليهود وربطيمهم وهتديبهم غبد‬

‫الساعة ألبرز معاؼبها ومظاىر شخصيتهم الوطنية العريقة‪ ،‬فكاف الشعراء الشعبيوف يرصدوف‬

‫أحداثها وينقلوف أخبارىا ويصوروف معاناهتا‪ ،‬فخلدوا شهداء ثورة ‪1936‬ـ " وأبطاؿ معركة‬

‫القسطل‪ ،‬كما أىاجوا العواطف أثناء حرب ‪1984‬ـ وىاصبوا التقسيم‪ ،‬ونادوا بالثأر‪ ،‬وتوعدوا‬

‫كل ذلك يف شعر ينبض باغبب لفلسطُت‪ ،‬والنقمة على أعدائها‪ ،‬واغبزف على جزء غاؿ من‬
‫اليهود ّ‬
‫‪1‬‬
‫الوطن العريب يهدده الضياع‪ ،‬وتقاظبتو األىواء‪".‬‬

‫وال عجب أف قبد الشاعر الشعيب اؼبدٍل رضبوف على غرار الشعراء العرب يناصر القضية‬

‫الفلسطينية من منطلق قومي وديٍت‪ ،‬وخاصة أنّو يعيش احملنة نفسها ويتقاظباف اؽبم نفسو أال وىو‬

‫‪ 1‬أبو قاسم سعد اهلل‪ ،‬دراسات يف األدب اعبزائري‪ ،‬دار اآلداب‪ ،‬بَتوت‪ ،‬لبناف‪ ،‬ط‪1977 ،02‬ـ‪.116 ،‬‬

‫‪31‬‬
‫موضوعات الثورة الفلسطينية في األدب الجزائري‬ ‫األول‬
‫الفصل ّ‬
‫االستدمار االحتالؿ الغاشم الذي يسعى إىل تدمَت الشعوب وقطعها من تارىبها ونفيها من أرضها‬

‫يف سبيل البقاء فيها لالستفادة من خَتاهتا وثرواهتا والتوسع فيها كأرض استثمار ذايت‪ ،‬لقد تفاعل‬

‫يندد باالحتالؿ‬
‫الشاعر الشعيب اعبزائري مع القضية الفلسطينية رغم شغلو بقضيتو الثورية‪ ،‬إذ قبده ّ‬

‫الصهيوٍل وجبرائمو ضد الشعب الشقيق الفلسطيٍت يف احملافل الدولية واؼبؤسبرات القومية‪ ،‬متّخذا‬

‫الشعر وسيلة للتعبَت والتنديد‪ ،‬والقصائد تارىبا شاىدا على عملو اإلنساٍل والبطويل‪.‬‬

‫تقدـ الشيخ اؼبدٍل رضبوف صفوؼ الشعراء الشعبيُت اعبزائريُت الذين عاصروه يف مناصرة‬

‫قضية فلسطُت ليس بالكلمة فقط بل بنفسو‪ ،‬فقد تطوع بروحو وشارؾ يف النضاؿ ضد العدو‬

‫ا إلسرائيلي‪ ،‬وانتقل إىل فلسطُت‪ ،‬وكاف تدر جبهات القتاؿ دوف خوؼ أو ىلع او تردد‪ ،‬إيبانا منو‬

‫بالقضية العادلة‪ ،‬وىذا يف حوادث ‪ 1948‬ـ إباف االشتباكات األوىل للجيش العريب من االحتالؿ‬

‫الصهيوٍل الغاشم‪ ،‬فخلد ىذه اغبادثة بقصيدة تتكوف من طبس وستُت (‪ ) 65‬بيتا إذ يقوؿ يف‬
‫‪1‬‬
‫مطلعها ‪:‬‬

‫سا ْن‬ ‫ِ ِِ‬ ‫صالح ِّ‬ ‫ْبكِي يا صحراء على‬


‫ب ال َكائ ْن يا تل ْم َ‬
‫شع ْي ْ‬
‫وبوم ْدْي ْن َ‬ ‫ين‬
‫الد ْ‬ ‫ْ‬

‫ش ْج َعان‬
‫من ال ُ‬
‫ك ما بَـ َقى ْ‬
‫احوا َعنْ َ‬
‫َر ُ‬ ‫المسلِ ِمين‬ ‫اح َز ْن يا األَق َ‬
‫ْصى عن ْ‬ ‫وْ‬
‫دبقدمة طللية مقتديا دبنهج الشعر‬
‫لعل اؼبالحظ للبيتُت يرى أ ّف شاعرنا افتتح قصيدتو ّ‬
‫ّ‬
‫اعب اىلي وىندسة قصائده‪ ،‬إذ يطلب من الصخرة أف تبكي على ما فقد من تاريخ وؾبد زاخر على‬

‫حرر بيت اؼبقدس من الصليبيُت‪ ،‬إذ يبثّل مضرب اؼبثل والقدوة اليت‬
‫صالح الدين األيويب الذي ّ‬

‫‪ 1‬اؼبدٍل رضبوف‪ ،‬الديواف‪ ،‬صبع وضبط وتعليق عبد اللطيف حٍت‪ ،‬ـبطوط ‪1993‬ـ‪ ،‬قصة ابكي يا صحراء عن صالح الدين‪ ،‬ص ‪.27‬‬

‫‪32‬‬
‫موضوعات الثورة الفلسطينية في األدب الجزائري‬ ‫األول‬
‫الفصل ّ‬
‫يدعو إليها اؼبدٍل الشعوب العربية لالقتداء بو‪ ،‬ويطلب منهم تقدَل صالح الدين من جديد يف‬

‫قوت و اغبربية وذكائو القيادي‪ ،‬وىو رمز للسيادة على القدس ألنّو حررىا بعد احتالؽبا‪ ،‬وإعادة العز‬

‫والشرؼ للمسلمُت بعد ضعف انتباىم وكاد يقضي مقدسات القدس‪.‬‬

‫كما يطلب الشيخ اؼبدٍل اؼبسلمُت أف يقدموا رجاال مثل العامل اؼبتصوؼ الديٍت " بومدين‬

‫شعيب " الذي قضى حياتو يف نش ر الوعي الديٍت‪ ،‬وىو رمز ديٍت مشًتؾ بُت دوؿ العامل‬

‫اإلسالمي النتشار طريقتو الصوفية بُت أىلو‪ ،‬فقد جاب الدنيا واستقر وتويف يف تلمساف ودفن هبا‬

‫وأقيم لو ضريح ىناؾ واؼبعروؼ بسيدي بومدين‪ ،‬مث يطالب باغبزف على فلسطُت الضائعة منا‪ ،‬ويف‬

‫ىذا داللة على تفجع الشيخ اؼبدٍل على فقداف فلسطُت‪ ،‬ويؤّكد حزنو العميق لعدـ وجود اؼبسلمُت‬

‫الغيورين عليها‪ ،‬الذين مضوا مع األسالؼ‪ ،‬وتظهر القومية صارخة يف معاٍل الشاعر فيطلب من‬

‫العرب االرباد‪ ،‬برفع رايتهم عالية فوؽ كل األوطاف‪ ،‬وبتحرير األرض اؼبقدسة‪ ،‬أرض األنبياء‬

‫من‬ ‫ِِ‬
‫أس َرى َبعْبده ْلي َال َ‬
‫اؼبذكورة يف القرآف الكرَل يف سورة اإلسراء‪ ،‬يقوؿ تعاىل‪ { :‬سبحا َف ال ّذي ْ‬
‫صَت} ‪. 1‬‬ ‫من آيَاتِنَا إنَّ ُو ىو َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫ميع البَ ُ‬
‫الس ُ‬ ‫حولَ ُو لنريو ْ‬
‫صى الذي بَارْكنَا ْ‬
‫اؼبَ ْسجد اغبََراـ إىل اؼبَ ْسجد األقْ َ‬
‫‪2‬‬
‫فهي أوىل القبلتُت وثالث اغبرمُت‪ ،‬كما يعكس لنا ثقافتو التارىبية والدينية للشاعر وروحو القومية‪:‬‬

‫األولػ ػػُت نلقى فرؽ بعيد يف ىذا الزماف‬


‫إذا نظرنا لػ ػ ػػمجد ّ‬
‫رفعوا رايتهم حرروا األوط ـ ـ ـ ـ ـان‬ ‫لما كانت ال ـ ـ ـ ــعروبة متحدين‬

‫حق بالصدق واإليمان‬


‫كانوا على ّ‬ ‫جابوىا من الشام أرض فلسطين‬

‫‪ 1‬سورة اإلسراء‪ ،‬اآلية ‪.01‬‬


‫‪ 2‬اؼبدٍل رضبوف‪ ،‬الديواف‪ ،‬ص ‪.27‬‬

‫‪33‬‬
‫موضوعات الثورة الفلسطينية في األدب الجزائري‬ ‫األول‬
‫الفصل ّ‬
‫يتحسر الشيخ اؼبدٍل على اؼباضي التليد للتاريخ اإلسالمي‪ ،‬والذي كبن حباجة إليو اليوـ يف‬

‫عاؼبنا العريب االسالمي ‪ ،‬حيث تكالبت األمم على أمة اإلسالـ تنهب خَتاهتا وتستعبد أبناءىا‪،‬‬

‫كل‬
‫فالشاعر يريد إحياء البطوالت واالنتصارات‪ ،‬حيث كاف للمسلمُت دولتهم وقوهتم فتهاهبم ّ‬
‫األمم والشعوب‪ ،‬وال تتجرأ على الطمع يف أمواؽبم أو خَتاهتم أو أراضيهم‪ ،‬وىذا نتيجة االرباد‬

‫والتكاتف والتعاضد بينهم‪ ،‬فبا جعلهم يفتحوف الكثَت من البلداف يف كل قارات العامل‪ ،‬وبدوىم‬

‫الصدؽ واإليباف وذبمعهم احملبة والقوة‪.‬‬

‫إ ّف ا ألمل والتحسر ينتاباف ذات شاعرنا ويظهر من خالؿ ربسره على اؼباضي اجمليد جبميع‬

‫مكوناتو ومشاىده وشخصياتو وأبطالو‪ ،‬وشوقو لألرض اؼبقدسة فينربي لوضعها وذكر اؼبميزات‬
‫‪1‬‬
‫الدينية القدسية فيقوؿ‪:‬‬

‫واذكرىا لنا المولى في القرآن‬ ‫أرض األنبياء أولـ ــى القبلتين‬

‫في سورة اإلسراء أعطانا البيان‬ ‫بارك فيو اهلل الثالث الحرمين‬

‫الخمس أوقات في كل يوم لإلنسان‬ ‫فرضو في سماه صلوات الدين‬

‫يصف الشيخ اؼبدٍل فلسطُت بأرض األنبياء لقيمتها الدينية يف تا ريخ األدياف السماوية‪،‬‬

‫وبالتايل يف قلوب اإلنسانية صبعاء‪ ،‬فكل األعراؽ تندد باحتالؽبا واألعماؿ التخريبية اليت يقوـ هبا‬

‫االحتالؿ حملو معاؼبها وهتويدىا‪ ،‬فلقد ذكرىا اهلل يف القرآف الكرَل يف سورة اإلسراء‪ ،‬وأسرى إليها‬

‫النيب صلى اهلل عليو وسلم‪ ،‬فبا زادىا قدرا وتعظيما يف قلوب اؼبسلمُت‪ ،‬وقد باركها اهلل تعاىل فهي‬

‫‪1‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬ص ‪.27‬‬

‫‪34‬‬
‫موضوعات الثورة الفلسطينية في األدب الجزائري‬ ‫األول‬
‫الفصل ّ‬
‫أوىل القبلتُت وثالث اغبرمُت‪ ،‬وقد نالت الشرؼ العظيم أف فرضت الصالة على أرضها‪ ،‬الصالة‬

‫فرضت يف اؼبعراج وقد ضرب التاريخ ؽبا موعدا مع التشريف والتكرَل من اهلل تعاىل‪ ،‬وهبذه القيم‬

‫السامية اليت أشاد هبا شاعرنا يشَت إىل ضرورة ربريرىا ومساندة قضيتها‪ ،‬ولفت االنتباه إىل ما‬

‫كل مسلم وعريب ليس كل عريب مسلما القياـ بو ‪.‬‬


‫تعانيو وما هبب على ّ‬
‫ثانيا‪ :‬القيمة الدينية والتاريخية لفلسطين عند الشاعر رحمون ‪ :‬يستعرض الشاعر اؼبدٍل رضبوف‬

‫تاريخ احتالؿ فلسطُت ويقف عند أىم احملطات السياسية يف قضيتها مبينا قيمتها التارىبية عند‬

‫شعوب العامل ويف صبيع اؼبعتقدات واألدياف ويف ذلك تتجلّى الروح اإلسالمية‪ ،‬وعمقها يف نفسية‬

‫الشاعر‪ ،‬مظهرا كرىو اؼبطلق ألعداء عقيدتو‪ ،‬وموضحا خطط الصليبيُت واليهود الحتالؿ فلسطُت‬

‫وكيف ىزمهم اؼبسلموف البواسل‪ ،‬فكاف منهم األسرى واعبرحى‪ ،‬والتاريخ شاىد على حروب‬

‫أجدادنا العرب اؼبسلمُت يف الدفاع عن فلسطُت كما يتبايع الشاعر عرضو التارىبي الذي عهدناه‬
‫‪1‬‬
‫يف قصائده السابقة قائال‪:‬‬

‫خرجوا من مقام داود وسليمان‬ ‫أتهزمو سبع ملوك من الصليبيين‬

‫واحتلوا مصراء فاتوا للسدان‬ ‫فيهم األسرى وفيهم مجروحـ ــين‬

‫لعل ما يواسي بو شاعرنا حالو وحاؿ ّأمتو اإلسالمية ىو تذ ّكر تاريخ فلسطُت اغببيبة‪،‬‬
‫ّ‬
‫حيث كانت أرضها ومازالت شاىدة على مصارع الصليبيُت فيها على يد عمر بن اػبطاب رضي‬

‫اهلل عنو وصالح الدين األيويب‪ ،‬لكنها اليوـ تعاٍل ىزيبة العرب واؼبسلمُت العاجزين عن قبدهتا‪ ،‬إ ّف‬

‫‪ 1‬اؼبدٍل رضبوف‪ ،‬ص ‪.27‬‬

‫‪35‬‬
‫موضوعات الثورة الفلسطينية في األدب الجزائري‬ ‫األول‬
‫الفصل ّ‬
‫"اؼبدٍل" يسعى الستنهاض اؽبمم وإيقاظ الضمائر والتذكَت بالقضية اليت تسعى بعض القوى إىل‬

‫طيّها ونسياهنا وبذلك إطالة معاناة الشعب الفلسطيٍت‪.‬‬

‫ولتحقيق اليقظة واغبرص للمجتمعات العربية واإلسالمية على شاعرنا أف يدعو إىل قراءة‬

‫التاريخ اجمليد وما حواه من أؾباد وانتصارات حققها اؼبسلموف األوائل الذين مل ىبشوا يف اهلل لومة‬

‫العزة والكرامة لشعوهبم ‪.1‬‬


‫الئم‪ ،‬إ ّهنم خاضوا اؼبعارؾ وحققوا ّ‬

‫ىذا حرب أجدادكم ض ّد الطغيان‬ ‫أقرؤا التاريخ يا لي سامعين‬

‫ال يخافوا الموت وال فيهم جبان‬ ‫في معاركهم دائم منتصرين‬

‫يبدو أ ّف الشيخ اؼبدٍل رضبوف متمسك بتارىبو ومشدود إىل حضارتو العربية اإلسالمية‪،‬‬

‫وحزين على حاؿ ّأمتو اليت امتلكت ىذا التاريخ بشرؼ وقوة وعزة‪ ،‬إذ قبده يتذكره حبسرة تغمرىا‬

‫اآلالـ ذباه فلسطُت اليت ضاعت نتيجة التخاذؿ وا لتكالب على اؼبسلمُت‪ ،‬ونتيجة تفرقهم وعدـ‬

‫توحدىم على كلمة سواء‪ ،‬إف اؼبدٍل يرثي وضعو اؼبأزوـ‪ ،‬ويندب واقعو‪ ،‬ويسلي نفسو بتلك‬

‫الذكريات اؼباضيات علها تعود يوما‪.‬‬

‫ويعود شاعرنا إىل تاريخ ربالف إسرائيل مع أمريكا ضد فلسطُت سنة ‪1948‬ـ ويذكر حضوره‬
‫‪2‬‬
‫كمتطوع وسط اؼبعركة مع بعض إخوانو اؼبغاربة خاصة يف دير ياسُت فيقوؿ‪:‬‬

‫مع إسرائيل حلف المريكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان‬ ‫ترجع لسنات ثمانية وأربع ـ ــين‬

‫وسط المعركة أنا وبعض إخوان‬ ‫كنت حاضر فيو من المتطوعين‬

‫‪ 1‬اؼبرجع نفسو‪ ،‬ص ‪. 27‬‬


‫‪ 2‬اؼبدٍل رضبوف‪ ،‬ص ‪( 27‬الديواف) ‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫موضوعات الثورة الفلسطينية في األدب الجزائري‬ ‫األول‬
‫الفصل ّ‬
‫إ ّف تاريخ ‪1948‬فبحفور يف ذاكرة الشيخ اؼبدٍل بوصفو كاف جنديا يف القوات العربية اليت‬

‫توحدت من أجل تكوين جبهة حرب ودفاع على األراضي الفلسطينية لكن جهودىا باءت‬

‫بالفشل واػبوار نتيجة مساعدة الدوؿ األوربية وأمريكا إلسرائيل‪ ،‬بل شنت ىجمات على البلداف‬

‫العربية اؼبشاركة يف اغبملة وجازهتا على عملها الثوري بالتدمَت واغبرؽ والقنابل وقتل األىايل‬

‫حق ال لشيء أل ّف دوؽبم دافعوا عن فلسطُت اغببيبة‪.‬‬


‫واؼبواطنُت العزؿ دوف وجو ّ‬
‫ويذكر شاعرنا اؼبدٍل معاناتو من اغبروب واؼبعارؾ اليت أضنتو‪ ،‬كما يروي لنا ما حدث على‬
‫‪1‬‬
‫تدعي اغبضارة والتقدـ فيقوؿ‪:‬‬
‫أرض فلسطُت من انتهاكات غبقوؽ اإلنساف قامت هبا الدوؿ اليت ّ‬

‫نبقى طول الليل ما نرقد حيران‬ ‫كي نتفكر ما جراء في دير ياسين‬

‫عزج وصبيان‬
‫نساء وشيوخ ّ‬ ‫أىل القرية عن أخيرىم مذبوحين‬

‫استشهد الزعيم في شاو الميدان‬ ‫يوم القصطار عبد القادر الحسين‬

‫لعل ما يدمي قلب الشاعر وما يأسف لو ىو ما شاىده من تنكيل وقتل وذبح ألىل‬
‫ّ‬
‫القرية كلها نساء وشيوخ وأطفاؿ‪ ،‬كما يذكر بعض الشهداء الذين سقطوا يف ساحات الفداء‪،‬‬

‫وىذه الشهادة اليت يفصح عنها الشاعر غنما صادرة عن آىات نفسية عاٌل منها وذاؽ مرارهتا‪،‬‬

‫فتشَت عروبتو ووطنيتو اؼبتأججة الصادرة عن ذبربة شعورية واقعية ‪.‬‬

‫وينقلها اؼبدٍل رضبوف إىل أجواء اؼبعركة اليت كاف جنديا فيها وأحد منظميها حيث أسندت‬
‫‪1‬‬
‫لو قيادة كتيبة من اجملاىدين للقياـ دبهاـ عسكرية‪ ،‬فيقوؿ مفسرا ومبينا ‪:‬‬

‫‪1‬اؼبرجع نفسو‪ ،‬ص ‪.27‬‬

‫‪37‬‬
‫موضوعات الثورة الفلسطينية في األدب الجزائري‬ ‫األول‬
‫الفصل ّ‬
‫ونظمنا أفواج من أحسن الشباب‬ ‫كونت فرق من الفدائيين‬

‫لكن كافحنا ظاىر ال خفيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان‬ ‫رغم االحتياج ألمر معين‬

‫يبُت شاعرنا شجاعتو وإقدامو وحسن بالئو يف ىذه اؼبعركة‪ ،‬وكيف انتهج النظاـ‪ ،‬وكوف‬

‫متقدمُت ساحة اغبرب‪ ،‬وؿباولُت جهدىم إغباؽ‬


‫فرقة من الشباب اؼبغاريب مع اإلخوة الفلسطينيُت‪ّ ،‬‬
‫العدة والعتاد‪ ،‬لكن ىذا مل يث ِن عزيبتهم وهبدد من إقدامهم يف سبيل‬
‫اػبسائر بالعدو رغم نقص ّ‬

‫ربقيق النصر‪ ،‬وىذا نتيجة الروح القتالية العالية اليت يتحلوف هبا‪ ،‬وحبهم للقضية العادلة اليت‬

‫يدافعوف عنها‪.‬‬

‫ويستمر شاعرنا يف وصف أجواء اؼبعركة مبديا قوة اجملاىدين وإصرارىم على النصر رغم أف‬
‫‪2‬‬
‫العدو اإلسرائيلي كبدىم خسائر يف األرواح لكنّهم واصلوا تقدمهم وأغباقوا بو ىزيبة فيقوؿ‪:‬‬

‫ق ـ ـ ــوي ب ـ ــالمفعول ريب الحيطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـان‬ ‫معبودتهم ىدمناىا بلغم امتين‬

‫نساء وشيوخ عزج وحدو استشهد منا‬ ‫دفعنا بكل قوة مخل ـ ـ ــصين‬

‫واعـ ــدىم اهلل بـ ـ ــجنة رضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوان‬ ‫رحمهم رب راىم متنعميــن‬

‫يوظف اؼبدٍل قاموسا حربيا يدؿ على مشاركتو الفعلية يف اغبرب وعلى ثقافتو العالية يف اؼبيداف‬

‫العسكري‪ ،‬وىذا نتيجة التجربة واؼبمارسة‪ ،‬ونذكر فبا ورد يف األبيات السابقة ( ىدمنا‪ ،‬بلغم‪،‬‬

‫قوي‪ ،‬قوة‪ ،‬استشهد) فهذه األلفاظ ومثيالهتا يعج هبا ديواف اؼبدٍل رضبوف نظرا ألنّو أغلبو قيل زمن‬

‫الثورة الفلسطينية التحريرية اؼبباركة واليت تبُت أوقات تنقل الثوار وأعماؽبم البطولية‪ ،‬وقد استشهد‬

‫‪ 1‬مدٍل رضبوف‪ ،‬الديواف‪ ،‬ص ‪.27‬‬


‫‪2‬اؼبرجع نفسو‪ ،‬ص ‪.28‬‬

‫‪38‬‬
‫موضوعات الثورة الفلسطينية في األدب الجزائري‬ ‫األول‬
‫الفصل ّ‬
‫منهم الكثَت بعدما قاموا باؼبهمة على أحسن وجو‪ ،‬ومن احملقق فيو أف الشعر صاحب مسَتة‬

‫حساة ؟؟ شاعرنا اليت كاف أغلبها ع لى ساحات الوغى ويف جبهات القتاؿ‪.‬‬

‫لعل الشيخ رضبوف ورفاقو يظهروف شجاعة عالية رغم استشهاد بعضهم لكنهم بكل حزـ واصلوا‬
‫و ّ‬
‫قدما حىت إشهار اؽبدنة ووقف القتاؿ اليت يراىا الشاعر خيانة من اؼبسؤولُت‪ ،‬الذين مل يقتنعوا بأف‬

‫ما أخذ بالقوة ال يسًتجع إال بالقوة ومنهم ( قاوب باشا) ‪ 1‬من أذناب االستعمار‪ ،‬ويصب‬

‫الشاعر سخطو وغضبو عليهم وعلى اػبائنُت للوطن الذين باعوا أنفسهم للشيطاف وصاروا عمالء‬
‫‪2‬‬
‫منافقُت للعدو اإلسرائيلي ‪:‬‬

‫وانفر قال فينا قيــادة األرك ـ ــان‬ ‫لما شفنا خيانات المسؤولين‬

‫فرضو عنا ننسحبوا بال عصيان‬ ‫شهر الهدنا وقف المقاومين‬

‫يبدو ما يفشل الثورات ووببط العزائم ويضرب وحدة الشعوب ىو اػبيانات وربالف‬

‫ضد أىلهم وأرضهم‪ ،‬وىذا ما عرب عنو شاعرنا واستاء‬


‫اػبائنُت والعمالء من أبناء الوطن مع العدو ّ‬

‫منو كثَتا‪ ،‬حبيث أثر عن سَت اغبرب ومعنويات اجملاىدين الذين أقبلوا بالنفس والنفيس لتحرير‬

‫فلسطُت وقدموا العديد من الشهداء واعبرحى واؼبعطوبُت فداء لفلسطُت‪ ،‬لكنّهم كغَتىم يباغتوف‬

‫باػبيانة من بعض اؼبسؤولُت وعرقلة اغبرب وإشهار اؽبدنة بعدىا شارفت اعبيوش العربية على‬

‫القضاء على العدو الصهيوٍل‪ ،‬وىذا يف رأي شاعرنا مدبر وـبطط لو ‪.‬‬

‫‪ 1‬حاكم يف إحدى القرى الفلسطينية‪ ،‬ذكره الشعر يف مذكراتو لكن مل كبصل على معلومات عن سَتتو‪.‬‬
‫‪ 2‬اؼبدٍل رضبوف‪ ،‬الديواف‪ ،‬ص ‪.27‬‬

‫‪39‬‬
‫موضوعات الثورة الفلسطينية في األدب الجزائري‬ ‫األول‬
‫الفصل ّ‬
‫ويذكرنا اؼبدٍل با لذين خذلوا القضية الفلسطينية ونضاؿ اؼبخلصُت واجملاىدين حىت وبفظ‬

‫التاريخ أظباءىم وأعماؽبم الشنيعة اػبائنة‪ ،‬وللشاعر أمانتو يف نقل اؼبعلومة والعهدة عليو كشاىد‬
‫‪1‬‬
‫على ذلك‪:‬‬

‫(أقلوب باشا ) أكبر المنافقين مثل ابليس ينـ ـ ــعلوا الشيطان‬

‫أذناب االستعمار في كل مكان‬ ‫ىو وانصاروا ولي تابعي ـ ـ ـ ـ ـن‬

‫إ ّف ىذه األعماؿ اإلجرامية اليت قاـ هبا اػبونة ي رى شاعرنا أ ّهنا تدبَت من العدو الصهيوٍل‪،‬‬

‫وقد جنّد ىؤالء األذناب لتكسَت ربرير فلسطُت وصد اعبيوش العربية اليت أحرزت تقدما كبَتا يف‬

‫جبهات القتاؿ‪ ،‬لذلك شاعرنا يتوعدىم ب الويل اليوـ وغدا ويعلمهم أف مصَت اػبائن معروؼ منذ‬
‫‪2‬‬
‫القدَل يف مآلو ومعاملتو وعقابو وانّو مرفوض يف اجملتمع أل ّف قومو قد تربؤوا منو ومل يعد منهم ‪:‬‬

‫الويل ثم الويل للناس المشريـ ــين باعوا شرفهم بأبـ ـ ـ ـ ـ ــخس األثـ ـ ـ ـم ـ ـ ــان‬

‫عمال الصهاينة المجـ ـ ـ ـرم ـ ــين لي يخفا عنكم ربما اآلن فالن وفالن يبان‬

‫كانت خيانات في ج ـ ـ ـ ـ ــيوش العربان‬ ‫تحكي عن مصار شاىدتو بالعين‬

‫لعل شاعرنا رضبوف استطاع أف يعرب للمتلقي عن قيمة فلسطُت الدينية لديو ولدى الشعوب‬
‫ّ‬
‫العربية واإلسالمية من خالؿ التضحية من أجل ربريرىا ‪ ،‬والتقدـ إىل ساحات اعبهاد اقتحاـ منازؿ‬

‫اؼبعارؾ‪ ،‬وقد سنحت لو ىذه الفرصة التارىبية ألف يكوف شاىدا على التنكيل بالشعب الفلسطيٍت‬

‫‪ 1‬اؼبدٍل رضبوف‪ ،‬الديواف‪ ،‬ص ‪.27‬‬


‫‪2‬اؼبرجع نفسو‪ ،‬ص ‪.27‬‬

‫‪40‬‬
‫موضوعات الثورة الفلسطينية في األدب الجزائري‬ ‫األول‬
‫الفصل ّ‬
‫وسعي الدوؿ اؼبتحالفة مع إسرائيل غبرمانو من أرضو وحقو يف اغبرية‪ ،‬وقد استطاع شاعرنا من‬

‫خالؿ شعره اف يدوف ىذه اغبقائق التارىبية لألجياؿ القادمة‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬وصف معاناة الشعب الفلسطيني األعزل ‪ :‬يعرج اؼبدٍل يف قصيدتو على اغبديث عن الذين‬

‫أخرجوا من ديارىم بغَت حق وطردوا إىل العراء‪ ،‬وذاقوا اعبوع يف حالة مزرية‪ ،‬وسكنوا اؼبخيمات‬

‫وأصبحوا الجئُت بعدما كانوا آمنُت يف ديارىم وبلدىم فلسطُت‪ ،‬لكنهم اليوـ أضحوا غرباء‬
‫‪1‬‬
‫مشتتُت بُت الدوؿ واألراضي‪ ،‬ال راع وال أرض وال دار وال وطن يأويهم وىذا ما آمل شاعرنا‪:‬‬

‫وأحنا ننتظروا رجوع السكان‬ ‫مرت سنوات أحد وعشريـ ـ ـ ـ ـ ــن‬

‫فالعراء والجوع حالتهم تشيان‬ ‫خرجوا من درايهم بدون أع ـ ـ ـوين‬

‫عصابة صهيون احتلو المكان‬ ‫تركوا كل أرزاقهم مشردينصبحو‬

‫تعرب عن واقع حقيقي عاشو اؼبدٍل رضبوف وشهد أحداثو‪ ،‬فبا يولد‬
‫إ ّف ىذه األبيات ّ‬
‫الكراىية واغبقد الدفُت ضد العدو الصهيوٍل وكل مستعمر يسعى إىل تش ريد الناس وترويعهم‬

‫وقتلهم من أجل مصاغبو‪ ،‬واالستدمار الفرنسي منهم الذي عاث فسادا وتن كيال وقتال يف اعبزائر‪،‬‬

‫لذلك ال تعجب من كثرة الرقرات العرى احملرقة اليت تعتلي صدر الشاعر‪ ،‬واليت تتدثر هبا نصوصو‬

‫األماعبزائر‪ ،‬فيصفو‬
‫الشعرية الثورية أل ّف مبعثها أعماؿ وجرائم االستعمار يف فلسطُت ويف وطنو ّ‬
‫بأشر النعوت وبأقبح الصفات مثل الصهاينة األقباس ‪.‬‬

‫‪ 1‬اؼبدٍل رضبوف‪ ،‬الديواف‪ ،‬ص ‪.27‬‬

‫‪41‬‬
‫موضوعات الثورة الفلسطينية في األدب الجزائري‬ ‫األول‬
‫الفصل ّ‬
‫كل القوى‬
‫كما يلوـ الشاعر زباذؿ العامل على نصرة القضية الفلسطينية‪ ،‬حيث تنكرت ؽبا ّ‬
‫العاؼبية يف األمم اؼبتحدة‪ ،‬ومل سبنحها حقها يف اغبماية الدولية‪ ،‬فقد تكالبت عليها القوى ( العاؼبية)‬
‫‪1‬‬
‫األوروبية واألمريكية ومل سبنحها اؼبساندة العسكرية‪ ،‬أل ّف إسرائيل ىي اؼبسَت اػبفي ؽبم‪:‬‬

‫جمعية األمم إن ـه ـ ـ ـ ــا بهتان‬ ‫باقي في انتظار حل الطرفين‬

‫أكبر مجرد في العالم المريكان‬ ‫أمريكان وبريطانيا متفقـ ــين‬

‫تذكر في مقال مشروع ترومان‬ ‫منبع االستعمار ىذا الدولتين‬

‫من خالؿ األبيات السابقة يستنكر رضبوف ما قامت بو الدوؿ اؼبتحالفة ضد فلسطُت ربت‬

‫مظلة األمم اؼبتحدة‪ ،‬حيث خذلت الشعب الفلسطيٍت وتركتو مشردا بُت الدوؿ وساعدت إسرائيل‬

‫على اغتصاب القدس وافتكاكها من أىلها دوف وجو حق‪ ،‬وىذا من أجل استكماؿ اؼبشروع‬

‫االستدماري يف الدوؿ العربية وىو مشروع تروماف الرامي إىل هتويد العرب وإخراجهم من أوطاهنم‪،‬‬

‫وىذا ما ىبدـ الدوؿ االستدمارية ‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬التنبيو من خطر ىجرات اليهود لفلسطين ‪ :‬لقد عمل اليهود الصهيوٍل منذ أف وطئت‬

‫يبتد حقبات تارىبية طويلة‪ ،‬وعرب‬


‫أقدامو أرض القدس اغببيبة إىل هتويدىا‪ ،‬وذلك عرب ـبطط ّ‬
‫لعل أوؽبا كاف الوجود‬
‫إجراءات وطرؽ استعمارية شيطانية متعددة‪ ،‬ذات صيغة يهودية وكيدية‪ ،‬و ّ‬
‫شن اغبروب لالحتالؿ والسيطرة و إحكاـ القبضة على األراضي‬
‫العسكري يف فلسطُت‪ ،‬مثّ ّ‬
‫الفلسطينية وترويع أىلها وقتلهم وفبارسة العنف بشىت أنواعو من أجل طردىم من أراضيهم‪،‬‬

‫‪1‬اؼبرجع نفسو‪ ،‬ص ‪.27‬‬

‫‪42‬‬
‫موضوعات الثورة الفلسطينية في األدب الجزائري‬ ‫األول‬
‫الفصل ّ‬
‫واالستيالء عليها وتعمَتىا جبلب اليهود من شىت أصقاع العامل‪ ،‬وىو ما يسمى باالستيطاف الذي‬

‫ازبذتو إسرائيل كوسيلة للقضاء على الشعب الفلسطيٍت وإبادتو من الوجود يضاؼ ؽبا القتل‬
‫‪1‬‬
‫واػبطف واألسر وىذا ما نبو إليو شاعرنا اؼبدٍل رضبوف‪:‬‬

‫عشرات اآلالف يمشو بالضمان‬ ‫ىجرة اليهود إلى فلسطين‬

‫وما يلزمهم من منح اإلسكان‬ ‫يعطوىم مساعدة بالماليين‬

‫فالشاعر ينبو إىل خطر ىجرة اليهود إىل فلسطُت لتعمَتىا وطرد أصحاهبا‪ ،‬إذ يوضح أف‬

‫السلطات اليهودية تقدـ ؽبم كل التسهيالت واؼبساعدات حىت يستقروا يف القدس وينتشروا يف‬

‫األراضي الفلسطين ية بل يعطوهنم حق التملك واعبنسية وكل الوثائق الضرورية‪ ،‬مع توفَت األمن‬

‫واغبماية‪ ،‬ويبُت الشاعر من سن ىذه اػبطط وساعد على تنفيذىا‪ ،‬بل قدـ الدعم اللوجستسي‬
‫‪2‬‬
‫للعدو الصهيوٍل فيقوؿ‪:‬‬

‫حلف األطلسي والمؤيدي ــن حتى دولة ما بقى فيها أمان‬

‫وافطنوا من نومكم الوقت حان‬ ‫فوقوا يا عرب يا لي راقدين‬

‫يوجو اؼبدٍل نداء للعرب بأف يعدوا العدة‬


‫ويف ىذا الوضع اػبطَت الذي يهدد فلسطُت ّ‬
‫ويستفيقوا من سباهتم ويشدوا على وحدهتم اليت منها عروبتهم ألنّو " يرى أ ّف العروبة شيء يربط‬

‫األمة الواحدة‪ ،‬وأسباب الوحدة بينهم أكثر من أف ربصى‪ ،‬فمهما فعل االستعمار‪،‬‬
‫كل أبناء ّ‬

‫‪ 1‬اؼبدٍل رضبوف‪ ،‬الديواف‪ ،‬ص ‪.28‬‬


‫‪2‬اؼبرجع نفسو‪ ،‬ص ‪.28‬‬

‫‪43‬‬
‫موضوعات الثورة الفلسطينية في األدب الجزائري‬ ‫األول‬
‫الفصل ّ‬
‫وأذنابو من حواجز لتهوين العدى‪ ،‬فاالنتماء مستمر برغم الكائدين" ‪1‬لذلك ينبههم إىل اػبطر‬

‫احملدؽ هبم من اغبلف األطلسي واؼبؤيدين لو‪ ،‬وأف يدعوا نزاعاهتم واختالفاهتم جانبا وأف يهبوا‬

‫لنجدة أوطاهنم من اغبمالت االستدمارية اليت يشنها الغرب الصهيوٍل على اإلسالـ والعروبة‪،‬‬

‫ويسعى بارباد وقوة للنيل من األوطاف العربية‪ ،‬فالشاعر ينهى عن اػبذالف والكسل وعدـ التعاوف‬
‫‪2‬‬
‫والشقاؽ بُت اؼبسلمُت ألجل قضايا تافهة ال اعتبار ؽبا‪:‬‬

‫يزيكم من التنازع والشتمان‬ ‫راكم في خطر وأنتم نعسانين‬

‫بركاكم من الوىم والكسالن‬ ‫حلو عينيكم كونوا متأىبين‬

‫ويلقي اؼبدٍل رضبوف اللوـ على العرب الذين – يف رأيو – زباذلوا عن نصرة االنتفاضة‪،‬‬

‫واغًتوا باإلدعاءات اليهودية وإعالمهم الذي يسعى جهده بععالمو ووسائلو الدولية للتقزَل من‬

‫القضية‪ ،‬وتشتيت الرأي العاـ واؼبتعاطفُت معها من أبناء ا لعامل من االىتماـ هبا إىل قضايا ىامشية‬
‫‪3‬‬
‫أخرى‪:‬‬

‫طاحت سمعتكم في كل البلدان‬ ‫ىذا عيب وعار عنكم أجمعين‬

‫أمام العدو صرتم مذلولي ـ ــنأكبر مذال وقعت في الجيران‬

‫يعيب اؼبدٍل رضبوف على العرب اؼبتخاذلُت اؼبتفرقُت اػبائنُت للقضية الفلسطينية‪ ،‬الذين‬

‫تفرقوا ألجل مصا غبهم اػباصة والضيقة ومل يقدوا واجبهم كبوىا باعتبارىا قضية عربية وإسالمية‬

‫‪ 1‬كماؿ عجايل‪ ،‬مصطفى أبو بكر بن رضبوف حياتو وشعره‪ ،‬ديواف اؼبطبوعات اعبامعية‪ ،‬بن عكنوف‪ ،‬اعبزائر‪ ،‬ط ‪1991‬ـ‪ ،‬ص ‪.187‬‬
‫‪ 2‬اؼبدٍل رضبوف‪ ،‬الديواف‪ ،‬ص ‪.28‬‬
‫‪3‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬ص ‪.28‬‬

‫‪44‬‬
‫موضوعات الثورة الفلسطينية في األدب الجزائري‬ ‫األول‬
‫الفصل ّ‬
‫ويتعجب الشاعر من‬
‫ّ‬ ‫كل األمم تسخر منو‪،‬‬
‫كل الشعوب‪ ،‬وىذا اؼبوقف من العرب أضحت ّ‬
‫تعٍت ّ‬
‫‪1‬‬
‫ىذا اغباؿ الذي آلت فيو شرذمة من اليهود تتحكم وتأمر يف ّامة عتيدة وقوية وكبَتة مثل العرب‪:‬‬

‫دخلوا عنكم بالقوة في شهر جوان‬ ‫كمشة من اليهود متجبرين‬

‫الجيش إيرادي رىبكم بالطيران‬ ‫عام الهزيمة سبعة وستين‬

‫طـ ـ ـ ــهروا بلدانكم من الخيان‬ ‫وحدوا صفوفكم يا غافلين‬

‫االرباد يف القضايا اؼبصَتية ولو كانت عند العدو الصهيوٍل‬


‫يثمن اؼبدٍل قيمة الوحدة و ّ‬

‫الذي صبع قواه الضالة وانتصر يف األخَت‪ ،‬ألنّو هنج التخطيط واالرباد لتنفيذ مشروعو االستيطاٍل‬

‫وقبح فيو‪ ،‬والعرب عكسو فقد تشتت قواىم وخارت جهودىم وكاف الفشل مصَتىم وتفرقت هبم‬

‫األىواء‪ ،‬وكانت النتيجة ضياع القدس وتشريد أىلها‪.‬‬

‫فاؼبدٍل يسعى من خالؿ ىذا اػبطاب إىل استنهاض اؽبمم وشحن العزائم لنصرة القدس‬

‫ومل مشل العرب الذي بات متفرقا‪ ،‬كل فريق دبا لديهم فرحوف‪ ،‬منطلقا من واقع عاشو وؼبسو‬

‫واكتوى حبرقتو‪ ،‬فاؼبدٍل عاين الوضع بنفسو‪ ،‬وخرب ما هبري يف فلسطُت وباشر ما يعانيو الشعب‬

‫الفلسطيٍت‪ ،‬متخذا من اللغة الشعبية مطية للتنبيو والتنويو ػبطر اليهود وـبططاهتم لكسر آماؿ‬

‫العرب واؼبسلمُت يف القدس‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬اإلشادة بموقف الجزائر من القضية الفلسطينية ‪ :‬يبُت الشيخ اؼبدٍل رضبوف موقف‬

‫اعبزائر من القضية الفلسطينية معربا عن تضامن الشعب اعبزائري معها يف حرب ‪1967‬ـ‪ ،‬وذلك‬

‫‪1‬اؼبصدر نفسو‪ ،‬ص ‪.28‬‬

‫‪45‬‬
‫موضوعات الثورة الفلسطينية في األدب الجزائري‬ ‫األول‬
‫الفصل ّ‬
‫بتجنيد اؼبتطوعُت واجملاىدين للدفاع عنها والذود عن ضباىا‪ ،‬ويوضح أ ّف اعبزائر كانت السباقة‬
‫‪1‬‬
‫لنصرة الفلسطينيُت‪ ،‬حيث جبميع الوسائل لرفع صوهتا عاليا يف احملافل الدولية حيث يقوؿ‪:‬‬

‫والجزائر كانت أول البلدان‬ ‫ومن المحيط إلى الخليج مستعدين‬

‫نفدوىا بأرواحنا والحق يبان‬ ‫عن أرض المقدسة مسـ ـ ــبلي ــن‬

‫لعل البيتُت السابقُت يوضحاف قيمة اؼبشاركة اعبزائرية يف حرب فلسطُت ومدى حب‬

‫الشعب اعبزاىري للقدس اغببيبة اليت يراىا قطعة قدسية يهمو أمرىا‪ ،‬ومن واجبو ربريرىا‪ ،‬إذ الشعب‬

‫اعبزائري ذاؽ مرارة االستدمار وعلم مدى اػبراب الذي ىبلفو يف البلداف‪ ،‬كما أنو يعرؼ قيمة‬

‫اغبرية لألوطاف والشعوب‪ ،‬فاعبزائر جعلت من أولياهتا نصرة القضايا العادلة و ّأوؽبا فلسطُت‪ ،‬وىذا‬

‫ما يؤّكده ذلك الدكتور أبو القاسم سعد اهلل‪ ( :‬ىناؾ قضايا عربية كثَتة عاشتها اعبزائر يف أدهبا‪،‬‬

‫وفكرىا يف أعصاهبا‪ ،‬وجهادىا منها قضية فلسطُت‪ ،‬واستقالؿ أجزاء من الوطن العريب كالسوداف‪،‬‬

‫وليبيا‪ ،‬وثورة مصر‪ ،‬وإنشاء اعبامعة العربية واؼبعارؾ األدبية ومناسبات التكرَل والتأبُت لعظماء‬

‫اؼبشرؽ من كتاب‪ ،‬وشعراء‪ ،‬وقادة ومصلحُت) ‪.2‬‬

‫ويستمر الشاعر يف إظهار موقف الشعب اعبزائري وحكومتو من القضية الفلسطينية‪ ،‬ويبُت‬
‫‪3‬‬
‫مدى الثقافة حوؽبا‪ ،‬إذ يعتربىا قضيتو ومصَتىا مصَته دوف مزايدة أو مقايضة‪:‬‬

‫يوقف موقف بصراحة للعديان‬ ‫من يفكر مثلنا عن فلسطي ـ ــن‬

‫‪ 1‬اؼبدٍل رضبوف‪ ،‬الديواف‪ ،‬ص ‪.28‬‬


‫‪2‬‬
‫أبو قاسم سعد اهلل‪ ،‬دراسات يف األدب اعبزائري‪ ،‬ص ‪.115‬‬
‫‪ 3‬اؼبدٍل رضبوف‪ ،‬الديواف‪ ،‬ص ‪.28‬‬

‫‪46‬‬
‫موضوعات الثورة الفلسطينية في األدب الجزائري‬ ‫األول‬
‫الفصل ّ‬
‫كل آخر منا مصمم ال رجعان‬ ‫احنا الشعب والحكومة ثائرين‬

‫يتحدى الشيخ رضبوف أي موقف كاف مشرفا مثل موقف اعبزائر يف نصرة فلسطُت‪ ،‬حيث‬

‫كاف صروبا مستنك را جرائم الصهاينة وكاشفا أعماؽبم التخريبية ورافعا راية اغبق يف احملافل الدولية‪،‬‬

‫كما قاطعت اعبزائر إسرائيل كموقف إجرائي مساند لفلسطُت‪ ،‬وأقيمت اغبكومة الفلسطينية‬

‫اؼبؤقتة على أرض اعبزائر وكانت إذا عنها تب ث على أمواج القناة الوطنية‪ ،‬فهذه اؼببادرات وغَتىا‬

‫تعرب عن شديد االلتفات حوؿ القضية ونصرهتا ورغبة اعبزائر حكومة وشعبا يف ربرير القدس‬

‫اغببيبة ‪.‬‬

‫ويؤّكد اؼبدٍل قدرة اعبزائريُت على اغبرب فقد خاضوىا وجاهبوا أقوى اعبيوش العاؼبية‬

‫بعتادىا وعدهتا‪ ،‬لكنها خارت أماـ ّارباد جيش التحرير وإيبانو وتصميمو على كسب معركة‬

‫التاريخ‪ ،‬وقد دفع اعبزائريوف مليوف ونصف مليوف شهيدا فداء للحرية‪ ،‬فهم خرباء بذلك‪ ،‬باعًتاؼ‬
‫‪1‬‬
‫الدوؿ األوربية وأمريكا‪ ،‬إذ يطلب شاعرنا من الفلسطينيُت االستفادة من حرب التحرير فيقوؿ‪:‬‬

‫ضرب المدفع نعرفولو بالميزان‬ ‫في حرب العصيان متدربين‬

‫وانتصرنا على العدو ىذا برىان‬ ‫شوفو ثورتنا فاتت سبع سنين‬

‫ق ــوال وف ــعال ظـ ـ ــاىر التبيان‬ ‫كذلك اليــوم ران ــا موجودين‬

‫يدعو شاعرنا الفلسطينيُت وكل اؼبضطهدين أف يأخذوا العربة من الثورة التحريرية اؼبباركة‬

‫اليت دامت سبع سنوات من اغبرب اؼبكثف على العدو الفرنسي‪ ،‬واستطاع جيش التحرير أف‬

‫‪ 1‬اؼبدٍل رضبوف‪ ،‬الديواف‪ ،‬ص ‪.28‬‬

‫‪47‬‬
‫موضوعات الثورة الفلسطينية في األدب الجزائري‬ ‫األول‬
‫الفصل ّ‬
‫ي فتك منو حريتها واستقالؽبا بواسطة اغبرب وتقدَل الشهداء الذين ضحوا يف سبيل الوطن‬

‫والشعب اعبزائري يساند فلسطُت قوال وعمال ومستعد للتضحية كذلك يف سبيل ربرير القدس‬

‫انطالقا من نزعة دينية وقومية موجودة ( يف أبناء اعبزائر‪ ،‬ويزداد إغباحها على توكيد وجودىا‪،‬‬

‫وعل ى الوفاء لعهودىا على الزمن)‪.1‬‬

‫البد أف‬
‫ويستند شاعرنا إىل عامل مهم يف ربقيق النصر إذ ال يكفي العمل وحده فقط بل ّ‬

‫صروا اهلل‬ ‫ِ‬


‫ين َآمنوا إ ْف تْن ُ‬
‫يوازيو االعتقاد بأ ّف النصر من عند اهلل تعاىل وحده لقولو‪ {:‬يا أيُّػ َها الذ َ‬
‫أقد َام ُكم}‪2‬وسبامو الصربعلى مشاؽ اغبرب وتعب اعبهاد‪ ،‬والثقة يف اهلل بأ ّف نصره‬
‫ت َ‬ ‫يْنصرُكم ويثبّ ُ‬
‫‪3‬‬
‫قريب للمؤمنُت وناصر للحق ولو بعد زمن ‪:‬‬

‫ثيقتنا باهلل بالصبر واإليمـ ـ ـ ــان‬ ‫النصر بإذن اهلل محققيـ ـ ــن‬

‫باب الفتح يكون من عند الرحمن‬ ‫رب العالمين‬


‫نعتصموا باهلل ّ‬
‫إ ّف شاعرنا يركز على اعبانب الديٍت يف اغبديث عن الثورة التحريرية اعبزائرية ويسعى إىل‬

‫توجيو الفلسطينيُت إىل االقتداء هبا‪ ،‬وأف وبذوا حذوىا يف ربرير بلدىم من العدو اإلسرائيلي‪ ،‬كما‬
‫حببل اهلل ِ‬
‫صبيعا وال‬ ‫اعتصموا ِ‬
‫يدعوىم إىل االرباد وااللتفاؼ حوؿ قضيتو مصداقا لقولو تعلى‪ {:‬و ُ‬
‫إخوانَا وُكْنتُم على‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫فأصبَ ْحتُم بن ْع َمتو َ‬
‫تَػ َف َّرقُوا واذ ُك ُروا نعمة اهلل علي ُكم إذ ُكنْتُم أعداء فألّف قلوبكم ْ‬

‫‪ 1‬صاحل اػبريف‪ ،‬الشعر اعبزائري‪ ،‬الشركة الوطنية للنشر والتوزيع‪ ،‬اعبزائر‪1983 ،‬ـ‪ ،‬ص ‪.258‬‬
‫‪ 2‬سورة ؿبمد‪ ،‬اآلية ‪.07‬‬
‫‪ 3‬اؼبدٍل رضبوف‪ ،‬الديواف‪ ،‬ص ‪.28‬‬

‫‪48‬‬
‫موضوعات الثورة الفلسطينية في األدب الجزائري‬ ‫األول‬
‫الفصل ّ‬
‫كذلك يبُت اهلل ل ُكم آياتِوِ لعلَّ ُكم تَػ ْهَتدوف} ‪ .1‬وسيكوف النصر‬
‫َ‬ ‫حفرةٍ من النَّا ِر فأْنػ َق َذ ُكم ِمْنػ َها‬
‫ش َفا َ‬
‫نصيبهم ويتمتعوف باغبرية مثلما تنعم هبا دوؿ العامل بأسره‪.‬‬

‫ويراوح رضبوف يف حديثو عن الثورة القيم الدينية وأبعادىا‪ ،‬ويربط اؼبتلقي بالعامل اإليباٍل الذي ترتاح‬

‫فيو األنفس وهتدأ يف رحابو اػبواطر‪ ،‬ويستكُت العقل يف التسليم لقدرة اهلل تعاىل‪ ،‬ويف ىذا السياؽ‬

‫يرفو شاعرنا ألف التضرع هلل تع اىل أف ينصر ووبرر فلسطُت‪ ،‬ويفك عنها األغالؿ‪ ،‬ووبرـ شعبها من‬
‫‪2‬‬
‫التشتت والضياع أف هبمعو يف بلده آمنا مستقرا مثل شعوب العامل‪ ،‬وأف يهلك الصهاينة احملتلُت‪:‬‬

‫ال شريك معاه فاألنسي والجاني‬ ‫القدرة واإلرادة فالكونين‬

‫تسقط إسرائيل عدوة األديان‬ ‫تحيا فلسطين والفدائيين‬

‫وال ىبالف شاعرنا اؼبدٍل رضبوف تقاليد الشعراء الشعبيُت اعبزائريُت يف خاسبة قصيدتو‪ ،‬معلنا عن‬
‫‪3‬‬
‫تارىبها وخطها يف النظم إذ يقوؿ‪:‬‬

‫المدني رحمون سكتاه الزيان‬ ‫تميت األبيات في ليل ـ ــة االثنين‬

‫محمد شفيعنا طاىا عدنـ ـ ــان‬ ‫نختم بالصالة على النبي األمين‬

‫يعلن شاعرنا عن هناية قصيدتو التارىبية اؼبساندة للقضية الفلسطينية‪ ،‬موثقا تاريخ االنتهاء‬

‫منها (ليلة االثنُت) وصاحبها وىذا ما جرت عليو تقاليد النظم يف الشعر الشعيب اعبزائري‪ ،‬ويصلي‬

‫‪ 1‬سورة آؿ عمراف‪ ،‬اآلية ‪.103‬‬


‫‪ 2‬اؼبدٍل رضبوف‪ ،‬الديواف‪ ،‬ص ‪.28‬‬
‫‪ 3‬اؼبدٍل رضبوف‪ ،‬الديواف‪ ،‬ص ‪.28‬‬

‫‪49‬‬
‫موضوعات الثورة الفلسطينية في األدب الجزائري‬ ‫األول‬
‫الفصل ّ‬
‫ويسلم على النيب األمُت كخاسبة دينية على االنتهاء من القوؿ وقد نقل أفكاره كاملة‪ ،‬للمتلقي‪،‬‬

‫وىذه األبيات تبُت رضاه عن نظمو ووصولو ؼبا كاف يطمح إليو وبذلك غلق ؾباؿ النظم ‪.‬‬

‫باألمة العربية‬
‫وخالصة القوؿ أننا ندرؾ من خالؿ شعر الشيخ اؼبدٍل رضبوف االرتباط الوثيق ّ‬
‫عرب ما أمكنو التعبَت عن وجدانو‪ ،‬ووطنو ‪ -‬اعبزائر ‪-‬‬
‫وأحداثها العديدة‪ ،‬وأبرزىا قضية فلسطُت إذ " ّ‬
‫األمة العربية‪ ،‬وألد انتماءه ؽبذه األخَتة وكأنو بذلك يرد على اؼبتقولُت الذين يزعموف أف اعبزائر‬
‫كبو ّ‬
‫أمة قائمة األركاف أو أ ّهنا تابعة لفرنسا‪ ،‬وإثبات بأدلة كثَتة مع عراقتها يف العروبة‪ ،‬واإلسالـ‪ ،‬وعدد‬
‫‪1‬‬
‫الدين‪ ،‬واؼبصَت‪ ،‬واألىداؼ‪ ،‬واألوضاع الواحدة اليت سلطت عليها بالقصد"‬
‫عناصرىا منها اللغة‪ ،‬و ّ‬

‫وفبا الحظنا على شعر اؼبدٍل رضبوف القومي عبوءه إىل اؼباضي والتغٍت بو واالعًتاؼ بأؾباده‪ ،‬وجعلو‬

‫مادة لالنطالؽ ووسيلة التحفيز وبعث نبم الشباب وتذكَت ضمائر الشعب اعبزائري والربىنة على‬

‫عراقتو‪ ،‬إذ يقوؿ الدكتور عمر الدقاؽ يف ىذا الشأف‪ " :‬إ ّف من الشعر القومي ما كاف شديد الشبو‬

‫بالشعر اغبماسي القدَل الذي يتسم بالطابع الذايت الغن ائي‪ ،‬وتتجلى فيو أيضا مشاعر اعبماعة‬

‫على السواء"‪.2‬‬

‫وقد بث اؼبدٍل رضبوف يف قصائده القومية قضية االنتماء واالنتساب العريب للوطن اعبزائري‪،‬‬

‫فال نكاد نعثر على قصيدة قومية أو وطنية ثورية إال وقبد ىذا الوالء اؼبميز للمشرؽ العريب اؼبسلم‬

‫واالنتقاؿ إىل نبومو ومشاكلو وأحداثو‪ ،‬فينشغل بتطوراهتا وينفعل لتغَتاهتا وكأهنا ربدث على أرض‬

‫اعبزائر‪.‬‬

‫‪ 1‬كماؿ عجايل‪ ،‬مصطفى أبو بكر بن رضبوف‪ ،‬ص ‪.190‬‬


‫‪2‬‬
‫عمر دقاؽ‪ ،‬نقد الشعر القومي‪ ،‬منشورات ارباد الكتاب العرب‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوريا‪1978 ،‬ـ‪ ،‬ص ‪. 32‬‬

‫‪50‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫رمزية فلسطين في األدب الجزائري المعاصر‬
‫رمزية فلسطين في األدب الجزائري المعاصر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫األول‪ :‬الرمز في الشعر الجزائري المعاصر‬


‫المبحث ّ‬
‫سنحاوؿ يف ىذه احملطة أف نعرض لعنصرين أو إشكاليتُت‪ ،‬اإلشكالية األوىل زبص العالقة بُت‬

‫فتخص ذبليات الرمز يف الشعر العريب اؼبعاصر‪.‬‬


‫ّ‬ ‫كل من الرمز والشعر بشكل عاـ أما اإلشكالية الثانية‬
‫ّ‬
‫‪ - 0‬الرمز والشعر‪:‬‬

‫الشعر صياغة وتصوير يتجاوز هبا الشاعر إطار النظاـ الذي عادة ما ينحصر يف الشعر‬

‫التعليمي أو شرح بعض اؼبنظومات العلمية‪ ،‬كما أف الشعر عرؼ بأنو كالـ موزوف مقفى (الشعر‬

‫العريب ) داؿ على معٌت ويكوف أكثر من بيت ويشمل ىذا التعريف النظم وقاؿ بعضهم ىو الكالـ‬

‫الذي قصد إىل وزنو وتقفيتو قصدا أوليا فأما ما جاء عفو اػباطر من كالـ مل يقصد بو الشعر فال‬

‫يقاؿ لو شعر وإف كاف موزونا‪ ،‬والشاعر يتناوؿ اؼبعاٍل ووبملها بألفاظ يلبسها هبا حلة صبيلة يؤثر يف‬

‫سامعيو ويسلب خياؽبم وعواطفهم دبا وبققو من متعة فنية ؽبم ودبالمسة للمعٌت بطريقة شعرية غالبا ما‬

‫تعدد السياقات‬
‫ينأى عن التصريح واالكتفاء فيو بالتلميح‪ ،‬والرمز يف القصيدة اغبديثة مرتبط باجملاز‪ ،‬و ّ‬

‫الداللية يف النص الواحد وتنوع طرؽ اجملاز يكاد يكوف ثابتا ن ظريا يعٍت مفارقة القوؿ اؼبصطلح‪ ،‬وكل‬

‫ما ىو يف البدأ ؾبازي يصبح بعد تداولو حقيقة‪ ،‬أ ي يتحوؿ إىل إمكانية تغَت‪ ،‬فهو من اؼبتغَتات اليت‬

‫يتحتم على اؼببدع أف يبدؽبا كي يؤسس ؾبازه اإلبداعي الذي بو يدنو من بالغة التعبَت على حد‬
‫‪1‬‬
‫وصف اعبرجاٍل للمجاز " بأنّو أبلغ من اغبقيقة " ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫ينظر‪ :‬عبد اهلل ؿبمد الغذامي‪ ،‬شرح النص (مقاربات تشروبية لنصوص شعرية معاصرة)‪ ،‬دار الطليعة‪ ،‬بَتوت‪ ،‬لبناف‪ ،‬ط‪1987 ،01‬ـ‪ ،‬ص‪.11‬‬

‫‪52‬‬
‫رمزية فلسطين في األدب الجزائري المعاصر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫لقد ارتبط الشعر بالرمز والشعر باإلوباء وارتبط مصطلح الرمز بالرمزية‪ ،‬وكاف منو أف وىب‬

‫ومنح اظبو ؽبا كحركة أدبية وفلسفية " والرمزية مذىب مثايل يرى العامل اػبارجي من خالؿ الذات‬

‫يرده إليها وأ ّهنا طريقة يف األداء األديب تعتمد على اإلوباء باألفكار واؼبشاعر وإثارهتا بدال من تقريرىا‬
‫و ّ‬
‫أو تسميتها أو وضعها‪ ،‬ومل تعرؼ الرمزية على ىذا الوجو إال يف النصف الثاٍل من القرف التاسع عشر‪،‬‬

‫على وجو التحديد وأىم‬ ‫‪1900‬ـ‬ ‫وقد ظهرت اغبركة الرمزية يف الشعر يف فرنسا بُت عاـ ‪1980‬ـ وعاـ‬
‫‪1‬‬
‫روادىا (بودلَت‪ ،‬فرلُت‪ ،‬رامبوا‪ ،‬ماالرميو‪ ...‬وغَتىم)‬

‫أما عن الشاعر العريب فعنّنا قبده منذ القدَل عرؼ اإلوباء واإلهباز والتعبَت غَت اؼبباشر وقد عرؼ‬

‫العرب الرمز بنوعيو العاـ واألديب‪ ،‬الرمز لغة كما ورد يف اؼبعجم الوسيط اإليباء واإلشارة والعالمة ويف‬

‫علم البياف الكناية اػبفية مذىب يف األدب والفن ظهر يف الشعر أوال يقوـ بالتعبَت عن اؼبعاٍل بالرموز‬

‫واالوباء ليدع للمتذوؽ نصيبا يف تكميل الصورة أو تقوية العاطفة‪ ،‬وال ىبتلف تعريف الرمز لغة‬

‫واصطالحا عن بعضهما‪ ،‬فيعرؼ اصطالحا كمذىب أديب ينحو اؼبنحٌت الفلسفي إذ يتم من خاللو‬

‫التعبَت واإلفصاح عن التجارب واغباالت بشكل غَت مباشر ويف نظر بعض األدباء أف ىذه اغباالت‬

‫ال تستطيع اللغة سبثيلها‪.‬‬

‫أما الرمز العاـ فهو شائع يف أدهبم شعرا أو نثرا على اختالؼ عصورنبا وعادة ما كاف ذلك التعبَت‬

‫تعبَتا عن فكرة أو رأي ّإما بتشبيو أو استعارة أو كتابة أو ما ماثلها‪.‬‬

‫‪ 1‬ين ظر‪ :‬امية ضبداف ضبداف‪ ،‬الرمزية والرومانتكية يف الشعر اللبناٍل‪ ،‬منشورات الثقافة واإلعالـ‪ ،‬اعبمهورية العراقية‪ ،‬د‪.‬ط‪1981 ،‬ـ‪ ،‬ص ‪.28‬‬

‫‪53‬‬
‫رمزية فلسطين في األدب الجزائري المعاصر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ويف الًتاث العريب القدَل كذلك ارتبطت بعض الدالالت برموز معينة عرب عنها العريب يف شعره‬

‫ونثره‪ ،‬فالقط األسود والبوـ والغراب نذير شؤـ‪ ،‬وقد ارتبط رمز أسطورة الغوؿ بالتخويف والتهويل‪،‬‬

‫وكذا اغباؿ بالنسبة لرموز الشياطُت واآلؽبة وتكتفي دبا أوردتو ثناء أسس الوجود من وجود عالقة رمزية‬

‫بُت األفعى واإلنساف العريب القدَل‪.‬‬

‫ترؽ إىل تلك‬


‫إ ّف ىذه اإلوباءات الرمزية قد انعكست يف إبداعات القدامى ولكن مل َ‬
‫‪1‬‬
‫االستعماالت ؼبستوى التوظيفات الفنية اليت عرفها الشعر يف العصور الالحقة‪ .‬العصر اغبديث‬

‫فٍت رغم ما أحيط بو من غموض‬


‫ّاذبو الشعر العريب اغبديث واؼبعاصر ؼبعانقة الرمز كملمح ّ‬
‫وتسًتوا وراءه ؼبعاعبة قضايا راىنة واستعانوا يف ذلك بأدوات تصويرية ولغوية حاولوا هبا مالمسة اؼبعٌت‬

‫والتأثَت يف اؼبتلقي‪ ،‬وكانت الرموز على اختالؼ أنواعها جزئيات مهمة للصور الفنية واألساليب‬

‫التعبَتية اعبديدة وأصبح الشاعر يتكئ عليها لكسر مباشرية التجربة واالنتقاؿ بعامل النص الشعري إىل‬

‫آفاؽ عليا تنأى عند كثَت من التجارب اؼبتكررة اؼبستهلكة اليت أصبحت قوالب جاىزة مستحضرة من‬

‫أدى إىل التفكَت يف صياغة ذات الشعر‬


‫بيئات بعيدة عنّا ال يضاؼ لبصمة اؼباضُت بصمة جديدة فبا ّ‬

‫لنفس حداثي جديد ولكن ىذه اغبركات التجديدية اؼبت طورة مل تقطع صلتها بالقدَل ومل تبت حباؽبا‬

‫من حبالو‪ ،‬ومل رباوؿ أف تبدد الرصيد الضخم الذي خلفو لنا أسالفنا الكبار يف خزائن التاريخ‪ ،‬بل‬
‫‪2‬‬
‫حاوروا كثَتا من الرموز األسطورية والتارىبية اؼبستحضرة من بيئات ـبتلفة ومتباينة ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫ينظر‪ :‬فوزي عيسى‪ ،‬النص الشعري وآليات القراءة‪ ،‬منشاة اؼبعارؼ‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪ ،‬د‪.‬ط‪1997 ،‬ـ‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪ 2‬ينظر‪ :‬يوسف خليف‪ ،‬أوراؽ يف الشع ر ونقده‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬القاىرة‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص ‪. 91‬‬

‫‪54‬‬
‫رمزية فلسطين في األدب الجزائري المعاصر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫الرواد يف البداية وعلى رأسهم‪ ،‬السياب‪ ،‬البيايت‪ ،‬أدونيس‪ ،‬يوسف‬


‫لقد ّاذبو بعض الشعراء ّ‬
‫اػباؿ‪ ،‬عبد اؼبعطي حجازي‪ ،‬صالح عبد الصبور وغَته ّاذبهوا إىل مطابقة ذبارهبم بتجارب غَتىم فبن‬

‫سبقهم يف الضفة األخرى لكن سرعاف ما تأ ّكد ؽبم أ ّهنم يبكنهم االستغناء عن بعض ذلك األثر‬

‫الذي ارتسم يف أشعارىم‪ ،‬وال وشيجة تربطو بتارىبهم وال حاضرىم فتجاوزوه إىل غَته‪ ،‬مع بقاء‬

‫بعضهم ينهل من ذلك اؼبعُت ووباوؿ تطويعو دبا ىبدـ واقعو وتأزمو النفسي‪ ،‬فكانت ؽبم رموزىم‬

‫اػباصة اليت اعتمدوىا‪ ،‬من تارىبهم وتراثهم استخلصوىا من بيئتهم دوف إعالف اعبفاء اؼبعلن والتاـ‬

‫للًتاث اإلنساٍل العاـ الزاخر يف بعض جوانبو واستمر تبٍت توظيفو الرمز والتكثيف منو يف اؼبنت‬
‫‪1‬‬
‫الشعري العريب اغبديث ‪.‬‬

‫تجليات الرمز في الشعر الجزائري المعاصر‪:‬‬ ‫‪-2‬‬

‫إ ّف الرمز يهدؼ بطابعو إىل أكثر من التواصل أو باألحرى‪ ،‬ىو يهدؼ إىل التواصل من نوع آخر‬

‫كل من الذىن والذوؽ والذاكرة لبنائو عند الشاعر أو الستقبالو عند اؼبتلقي‪،‬‬
‫أعلى وأغٌت‪ ،‬يتعاوف ّ‬
‫فالرمز ضرب من التعبَت يعتمد اللغة وسيلة ولكنّو ىبلقها من جديد‪ ،‬يرسم خ ّط مساره دبحاذاة لغة‬

‫التواصل‪ ،‬قد يقاطعها أحيانا ولكنو ال يطابقها ويف أثناء ذلك يبتكر لنفسو مالمح خاصة مرتبطة‬
‫‪2‬‬
‫بالرؤيا اػباصة اؼبفقودة فيما عداه وداللة أكثر خصوصية تعجز اللغة العادية عن أدائها دبثل أدائو‪.‬‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬اؼبرجع نفسو‪ ،‬ص ‪. 92‬‬


‫‪ 2‬ينظر‪ :‬ؿبمد فتوح أضبد‪ ،‬الرمز والرمزية يف الشعر اؼبعاصر‪ ،‬دار اؼبعارؼ‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪1978 ،02‬ـ‪ ،‬ص ‪.137- 136‬‬

‫‪55‬‬
‫رمزية فلسطين في األدب الجزائري المعاصر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫إ ّف الرمز ينطلق من الواقع متجاوزا إياه ومعيدا تشكيلو ليصبح وجهو الفٍت اعبديد‪ ،‬تقوؿ فيو‬

‫الذات كلمتها ويف الذات تنهار معامل اؼبادة وعالقتها الطبيعية لتقوـ على أنقاضها عالقات جديدة‪،‬‬

‫مشروطة بالرؤيا الذاتية للشاعر وىذا ما هبسد عالقة الرمز باؼبعاناة‪.‬‬

‫جد فعالة يوظّفها الشعراء لتغذية ذبارهبم الشع رية‪ ،‬يقوؿ غنيمي ىالؿ‪" :‬الرمز‬
‫وبالتايل فالرمز أداة فنية ّ‬
‫لعناه اإلوباء أي التعبَت غَت اؼبباشر عن النواحي النفسية اؼبستًتة اليت ال تقوى على أدائها اللغة يف‬

‫دالالهتا الوضعية" ‪.1‬‬

‫يقصد بأف الرمز ىو كل ما وبل ؿبل شيء آخر يف الداللة عليو ال بطريق اؼبطابقة التامة إمبا باإليباء‬

‫أو بوجود عال قة عرضية أو متعارؼ عليها وعادة يكوف ىذا الرمز هبذا اؼبعٌت شيئا ملموسا وبل ؿبل‬

‫اجملرد‪.‬‬

‫والرمز ىو الصلة بُت الذات واألشياء‪ ،‬حبيث اؼبشاعر عن طريق اإلشارة النفسية ال عن طريق التسمية‬

‫والتصريح‪.‬‬

‫ومن جهة أخرى قد يشبو الرمز اإلشارة أو العالمة عند البعض ولكن اؼبصطلحات ـبتلفة‬

‫لكل منها مدلوال خاصا هبا‪ ،‬اإلشارة ‪ Signe‬ؿبددة اؼبعٌت ّأما الرمز ‪symbole‬‬
‫فيما بينها حبيث أ ّف ّ‬
‫فمبهم؛ اإلشارة تعرب عن معٌت معروؼ وؿبدد يف الذىن بينما الرمز يعرب عن معٌت غَت معلوـ مسبقا‪،‬‬

‫ؾبهوؿ عند اؼبتلقي‪ ،‬مث تأيت العالمة ‪ Mark‬باعتبارىا ترتبط دبدلوؿ خاص بدورىا وقد تكوف قريبة‬

‫اؼبدلوؿ من اإلشارة ولكنها تبتعد عن مفهوـ الرمز الشعري الذي كبن بصدد اغبديث عنو لكن ال‬

‫‪1‬‬
‫غنيمي ىالؿ‪ ،‬األدب اؼبقارف‪ ،‬دار العودة‪ ،‬بَتوت‪ ،‬لبناف‪ ،‬د‪.‬ط‪1983 ،‬ـ‪ ،‬ص ‪. 398‬‬

‫‪56‬‬
‫رمزية فلسطين في األدب الجزائري المعاصر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫بالتفرد واالبتكار ّإال أنّو‬


‫كل من العالمة واإلشارة على الرغم من أنّو يرتبط ّ‬
‫ننسى أف الرمز قد نشأ مع ّ‬
‫وبقق من ىذا اؼبنطلق عنصر اإلدىاش الذي يبحث عنو الشاعر اؼبعاصر إنّو يريد من نصو أف وبدث‬

‫يف اؼبتلقي زلزلة مع بداية فعل القراءة‪.‬‬

‫إ ّف النص الذي يعجز عن ربقيق ذلك ال يستحق أف يقرأ‪ ،‬لذلك جاء الرمز لكي يساىم يف‬

‫ىذا باعتباره ينطلق من اؼببهم واجملهوؿ وهبذا فبقدر ما يقًتب الرمز من الشعر تبتعد اإلشارة والعالمة‬

‫دبدلوؽبما عنو ‪. 1‬‬

‫الفٍت وىذه التجارب الشعرية اعبديدة‬


‫اؼبد ّ‬
‫لقد حاوؿ الشعر اعبزائري اؼبعاصر مواكبة ىذا ّ‬

‫فسعوا إىل التعامل مع األسطورة والتاريخ والطبيعة تعامال رمزيا وكثرت توظيفات الرمز يف اؼبنت الشعري‬

‫اعبزائري وكاف ؽبم بعض خصوصيتهم يف التعامل مع الًتاث بشكل عاـ رغم عدـ إخفاء كثَت من‬

‫الشعراء تأثرىم برواد الشعر اؼبشرقي‪ ،‬مع بياف أف كثَتا من اؼبتوف الشعرية اعبزائرية وعن داللة كثَت من‬

‫الرموز وسعت لتوظيفها يف بناء رمزي متنوع‪ ،‬كما أعطوا لبعض الرموز دالالت جديدة صبغوىا‬

‫برؤاىم وأبانوا قدرة ا للغة على أداء وظيفتها التوصيلية ‪ ، 2‬وعليو فالشعر اعبزائري حاوؿ مسايرة ىذا‬

‫اؼبد اإلبداعي‪ ،‬و ّاذبو لتوظيف الرمز توظيفات فنيّة فعمد إىل التكثيف والضغط على عنصر اللغة‬

‫للتواصل مع اغبديث وتشكيالتو يف عملية بناء النص وؿباولة االندماج فيو‪ ،‬مث اختيار السقوط أحيانا‬

‫يف الغموض وإثقاؿ ىوامش القصائد باإلحاالت والشروح واإلبقاء على بقية التجاوب والعالقة اليت‬

‫أحسوا غربة عن أوطاهنم وعن ذواهتم فحاولوا‬


‫تربط دبتلقيو‪ ،‬بعدما أصبح القلق مالزما للشعراء‪ ،‬و ّ‬
‫‪ 1‬ينظر‪ :‬اؼبرجع السابق (ؿبمد فتوح أضبد)‪ ،‬ص ‪.139‬‬
‫‪ 2‬ينظر‪ :‬اؼبرجع السابق ( يوسف خليف)‪ ،‬ص ‪.98‬‬

‫‪57‬‬
‫رمزية فلسطين في األدب الجزائري المعاصر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫االنفالت من عبء واقعهم واالنغماس فيو يف ؾباالت كثَتة‪ ،‬وحقل الرمز والدراسات الذي تناولو‬

‫ىذا الشعر حقل مل يزؿ متسعا عبهود أكرب ودراسات أعمق باعتباره ملمحا فنيّا مل ت ستوؼ كثَت من‬
‫‪1‬‬
‫صبالياتو ومل تؤت حقها من العناية والبحث‬

‫قصيدة بدر شاكر السياب "قافلة الضياع" وفيها يستخدـ الشاعر شخصييت قابيل وىابيل رمزا للصراع‬
‫‪2‬‬
‫بُت اػبَت والشر حيث يقوؿ‬

‫أرأيت قافلة الضياع ؟ أما رأيت النازحين‬

‫الحاملين على الكواىل من مجاعات السنين‬

‫آثام كل الخاطئين‬

‫النازفين بال دماء‬

‫السائرين إلى الوراء‬

‫كي يدفنوا ىابيل وىو على الصليب ركاـ طُت قابيل أين أخوؾ أين أخوؾ‪.‬‬

‫ويف ؿبطّة أخرى فقد بقيت الرموز الشعرية اليت عرفها الشعر اعبزائري قبل ‪1980‬ـ ؿبافظة على‬

‫مكانتها عند الشاعر اعبزائري بعد ىذا التاريخ‪ ،‬ولكن يف ىذه اؼبرحلة الثنائية حاوؿ الشاعر اعبزائري‬

‫جسد شوقو‬
‫أف يدخل ميداف التجريب يف الرمز مثل باقي العناصر الشعرية األخرى‪ ،‬وبذلك يكوف قد ّ‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬ؿبمد قري‪ ،‬مسار الرمز وتطوره يف الشعر اعبزائري اغبديث‪ ،‬أطروحة مقدمة لنيل شهادة دكتوراه‪ ،‬علوـ يف األدب العريب‪2001 ،‬ـ‪ ،‬ص ‪.02‬‬
‫‪ 2‬قافلة الضياع‬
‫‪WWW.adab.com‬‬

‫‪58‬‬
‫رمزية فلسطين في األدب الجزائري المعاصر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫على اإلبداع واالبتكار‪ ،‬ىو مل يقد مكتوؼ األيدي أماـ رموز احتلّت النص األديب الشعري منذ‬

‫الثورة وما قبلها حىت عند الشعراء يف األقطار العربية األخرى‪ ،‬انطلق من تلك الرموز ؿباوال منحها‬

‫حياة جديدة تتنفسها يف كل نص جديد‪ ،‬ويأيت األوراس على رأس ىذه الرموز من حيث كونو شاىدا‬

‫على تاريخ أمة‪ ،‬بل ؿبوؿ ؾبرى ىذا التاريخ‪ ،‬فجعل اعبزائر ّأـ البطولة والبطالة وقبلة األحرار يف عامل‬

‫عاٌل ومازاؿ يعاٍل من الظلم واالستبداد ‪.‬‬

‫تعترب األوراس الزماف واؼبكاف والتجربة واؼبخاض‪ ،‬الوطن‪ ،‬واغبرية‪ ،‬األرض اؼبقدسة اليت باركت‬

‫عز الدين ميهويب يف مقدمة‬


‫األحرار فباركوىا‪،‬لقد بلغ عشق الشعراء لألوراس درجة العبادة‪ ،‬ويف كتب ّ‬
‫ديوانو‪:‬‬

‫في البدء ‪ ...‬كان أوراس‬

‫لماذا األوراس ؟ ‪ ...‬لماذا انطلق من األوراس‪.‬‬

‫ألنٍت أرفض رموز الزمن الفرعوٍل واإلغريقي وأزمة األلواف اؼبوبوءة‬

‫اليت ال تنبعث منها رائحة الًتاب‪.‬‬

‫ويقوؿ أيضا‪:‬‬

‫كل الطقوس اليت يبارسها العامل‪ ،‬ما عدا طقوس الوطن والشهداء‪ .‬وأولئك الذين‬
‫ألنٍت أرفض ّ‬
‫وبملوف الكلمة بُت ضلوع وأفئدة تنبض أصالة وأصالة ‪. 1‬‬

‫‪1‬‬
‫عز الدين ميهويب‪ ،‬يف البدأ كاف أوراس‪ ،‬دار شهاب‪ ،‬عمار القريف‪ ،‬باتنة‪ ،‬ط‪1985 ،01‬ـ‪ ،‬ص ‪. 05‬‬
‫ينظر‪ّ :‬‬

‫‪59‬‬
‫رمزية فلسطين في األدب الجزائري المعاصر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫وما أصبل القصيدة حُت يكوف الرمز فيها وطنا وبقايا حلم أوراسي‪ ،‬فاألوراس قصيدة األزمنة اليت سبتد‬

‫من الذرة األوىل إىل سفوح اعببل الناسك يف معبد ىذه األرض الطيبة ‪.‬‬

‫وىناؾ بيت شعري عن األوراس بقلم عز الدين ميهويب‪:‬‬

‫فنفخت من روحي وبان الموسم‬ ‫** **‬ ‫شق من المواج ِع أضلُعِي‬


‫أوراس ّ‬

‫اػبَتة اليت ش ّقت أضلعو‪ ،‬إفّ‬


‫األوراس عند ميهويب من خالؿ ىذا البيت ىو تلك القوة الغيبية اعببارة و ّ‬
‫شق من‬
‫األوراس ىنا وبكل ما وبملو من دالالت يقوـ على رمز آخر تبعثو من أعماؽ الذاكرة عبارة" ّ‬
‫شق الصدر اليت تذكرىا السَتة النبوية‪ ،‬وبذلك هبدد األوراس‬
‫اؼبواجع أضلعي" عبارة ربيلنا إىل حادثة ّ‬
‫من طبيعتو اعبامدة ليلحقو بعامل اؼبالئكة‪.‬‬

‫أما األوراس عند ؿبمد الصاحل وبياوي فهي ترتبط برموز عربية أخرى تنبض يف عروقها نفس الدماء‬

‫وتتعاىل فيها نفس الرايات وتصدح يف ظبائها نفس اغبناجر‪ ،‬يافا وغزة عندما يسألٍت األطفاؿ عن "‬

‫يافا"‬

‫عن األوراس عن غزة‬

‫تصب النار في صوتي‬


‫‪1‬‬
‫ويغدو الحرف سيافا‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬اؼبرجع السابق (عز الدين ميهويب)‪ ،‬ص ‪. 06‬‬

‫‪60‬‬
‫رمزية فلسطين في األدب الجزائري المعاصر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫كربت لو قلوب عربية وأشجاره اليت سبتد‬


‫إ ّف األوراس الذي غ ّذتو دماء جزائرية قد ىللت و ّ‬
‫جذورىا يف أعماؽ اعبزائر تعانق أغصاهنا أغصاف أرز لبناف يف عناف السماء‪ ،‬فتمتد ظالؽبا على يافا‬

‫وغزة مهدىدة إيانبا كصبيُت حاؼبُت أو كعمالقُت جلسا من تعب اؼبسَتة ليسًتجعا أنفاسهما‪.‬‬

‫إ ّف أسئلة األطفاؿ عن ىذه األماكن ىي تأكيد على البطولة نا رية يف أعماقها‪ ،‬وإذا كاف األوراس‬

‫فبتد اعبنبات إىل اؼبشرؽ‪ ،‬منبت‬


‫عند الشعراء السابقُت جزائري اؼبولد والنشأة‪ ،‬فعنّو عند "وبياوي" ّ‬

‫العروبة‪ ،‬واألوراس الرمز يف اؼبقطع السابق ؿباط دبجموعة من الرموز اليت ينهل منها فنيتو‪ :‬األطفاؿ‪،‬‬

‫النار‪ ،‬اغبرؼ‪ ،‬سيافا وحينما تتعانق ىذه الرموز يتحقق االنعتاؽ الذي ال مفر منو‪.‬‬

‫فيما ىبص االوراس من "منظور دراجي" سليم فعننا نلمس مالمح جديدة سباما يف شعره مل نعهدىا‬

‫فيو من قبل عن الشعراء اآلخرين‪ ،‬فاألوراس ينحدر من عليائو كرمز الشهامة والبطولة واإلباء‬

‫والتحدي ليتبوأ مكانا بُت أىل العار أو اػبائفُت منو حيث يقوؿ‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫** ** أمثل الذي يخشى من العار‬ ‫مالي أرى األوراس محتشما‬

‫دبعٌت ما الذي ىبشاه األوراس حىت يقف ؿبتشما وىو الذي مل يعرؼ إال البطولة والشرؼ‬

‫عما‬
‫والشهادة "فدراجي سليم" يف ىذا النص يستمر يف اػبط الذي اختاره يف نصوص أخرى‪ ،‬باحثا ّ‬
‫غَت التاريخ من اإلشراؽ إىل الذبوؿ والعرب من الكربياء إىل الذؿ واعبزائر من البطولة الوىاجة إىل‬
‫ّ‬
‫االحتشاـ ‪.‬‬

‫‪ 1‬دراجي سليم‪ ،‬يف انتظار إشارة اإلحبار‪ ،‬سلسلة اإلبداع اؼبعاصر‪ ،‬دار الفنك‪ ،‬اعبزائر‪ ،‬ط‪1994 ،01‬ـ‪ ،‬ص ‪. 55‬‬

‫‪61‬‬
‫رمزية فلسطين في األدب الجزائري المعاصر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫كل ىذا أ ّف اؼبطلوب من الشاعر ليس فقط ىذه اعبماىَت وإ ّمبا قدرتو‬
‫وعليو نستخلص من ّ‬
‫على أف يبنح تلك الرموز قوة سحرية تشبع العقل والذوؽ معا وىذا ما حاوؿ الشعراء اعبزائريوف‬

‫ذبسيده يف شعرىم‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫رمزية فلسطين في األدب الجزائري المعاصر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫المبحث الثاني‪ :‬رمزية القدس في األدب الجزائري‪.‬‬

‫تعد القض ية الفلسطينية من أكثر القضايا العربية اليت احتفى هبا األدب اعبزائري عموما‪،‬‬
‫ّ‬

‫وعربوا‬
‫واستأثر هبا الشعراء خصوصا‪ ،‬بل أهنا كانت (يف مقدمة القضايا واؼبآسي العربية اليت انفعلوا هبا ّ‬
‫عنها يف شعرىم يًتصبوف بذلك إحساس الشعب وتعلقو هبا وإيبانو حبق أبناء فلسطُت يف اسًتداد‬
‫‪1‬‬
‫وسجلوا الوقائع وسانبوا‬
‫ّ‬ ‫فلسطُت‬ ‫عاشتها‬ ‫اليت‬ ‫األحداث‬ ‫كل‬
‫ّ‬ ‫اء‬
‫ر‬ ‫الشع‬ ‫اكب‬‫و‬ ‫لقد‬ ‫‪.‬‬ ‫وطنهم السليب)‬

‫لتهب ساخطة على العدو الغاصب‪ ،‬غاضبُت مستنكرين ومهددين وىذا منذ‬
‫يف شحذىم اعبماىَت ّ‬
‫اليت كادت تفتك باالحتالؿ الربيطاٍل وتقضي على الوجود الصهيوٍل‪ ،‬ـبلدين شهداءىا‬ ‫‪1963‬ـ‬ ‫ثورة‬

‫ضد الفلسطينيُت ودبرت لبيت اؼبقدس متحسرا يف ذات‬


‫كل اؼبؤامرات واؼبكائد اليت حيكت ّ‬
‫وراء ّ‬
‫‪2‬‬
‫حل بو من نكبات وؿبن‪ ،‬يقوؿ أبو قاسم سعد اهلل يف قصيدة بعنواف "بٍت التايبيز"‬
‫الوقت على ما ّ‬
‫فهل لكم عن الجور ازدجار‬ ‫***‬ ‫بني التايميز قد جرتم كثيـ ـرا‬

‫*** تسوم القبلة األولى التجـ ــار‬ ‫أفي أسواقكم نصبا وغصبا‬

‫*** كما للبحر باللجج انسج ـ ــار‬ ‫إخال القبلة انسجرت دمــاء‬

‫يصب جاـ غضبو على بٍت صهيوف‪ ،‬مشاركا إخوانو‬


‫ّ‬ ‫وىذا الشاعر عبد الرضبن بن العقوف‬

‫الفلسطينيُت مأساهتم ومتأسفا على ما أصاب " القدس " قبلة اؼبسلمُت وثالث اغبرمُت خاشيا على‬

‫‪ 1‬عبد اهلل ال ركييب‪ ،‬قضايا عربية يف الشعر اعبزائري اؼبعاصر‪ ،‬اؼبؤسسة الوطنية للكتاب اعبزائر والدار العربية للكتاب‪ ،‬تونس‪1983 ،‬ـ‪ ،‬ص ‪. 54‬‬
‫‪2‬اؼبرجع نفسو‪ ،‬ص ‪.57‬‬

‫‪63‬‬
‫رمزية فلسطين في األدب الجزائري المعاصر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫سقوطها يف يد الطغاة الغاصبُت‪ ،‬يقوؿ يف قصيدة مطولة بعنواف " آه على ّأمة القدس اليت بسطت‬
‫‪1‬‬
‫للجار إحساهنا‬

‫والقلب خاض بحارا أال يجاريها‬ ‫***‬ ‫أرقت حزنا والبال منك مضطرب‬

‫حر فأحرى من يعانـ ـ ــيها‬


‫لكل ّ‬
‫ّ‬ ‫نعم فكيف وحال القدس منزعـ ــة؟ ***‬

‫حر فتنة أىوال تقاسي ـ ـ ــها‬


‫من ّ‬ ‫***‬ ‫وفلسطين تئن وىي ش ـ ــاكي ـ ـ ــة‬

‫ىل تملكن العبيد مع مواليـ ــها‬ ‫***‬ ‫يا غاديا ليهود الشرق قل ل ـ ـ ـهــم‬

‫إذ أنّكم ّأمة تهوى مخازيه ـ ــا؟‬ ‫***‬ ‫فقد زعمتم وكان الزعم دأبك ـ ـ ــم‬

‫*** وما دروا إنّما اإلسالم يحميهــا‬ ‫قد يزعمون بأ ّن القدس منشؤىـ ــم‬

‫فإ ّن للقدس ربّا سوف يحمي ــها‬ ‫***‬ ‫يا ّأمة القدس ال يحزنك مطمحهم‬

‫*** ولى افتخار وقد أوذيتم فيـ ــها‬ ‫يكفيكم المسجد األقصى وقبلتنا أال‬

‫*** للجار إحسانها وسل مجيريـها‬ ‫آه على أمة المقدس التي بسطــت‬

‫*** منها عليها ولم تنظر لماضيهـا‬ ‫من عصبة كفرت بنعمة عظمـت‬

‫كما كاف للشعراء اعبزائريُت مواقف منددة من مشروع التقسيم الذي دعت إليو " عبنة بيل "‬

‫كحل وسط حيث شعروا حبلوؿ الكارثة وتأملوا من ىذا اؼبشروع اؼببيت‪ ،‬وجزعوا من ضياع القدس‬
‫‪2‬‬
‫بوصفها أعز مكاف مقدس يف نفوسهم ونفوس العرب واؼبسلمُت صبيعا يقوؿ ؿبمد العيد آؿ خليفة‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫عبد الرضبن ابن عقوف‪ ،‬ديواف األطوار‪ ،‬الشركة الوطنية للنشر والتوزيع‪ ،‬اعبزائر‪1980 ،‬ـ‪ ،‬ص ‪. 20- 19‬‬
‫‪ 2‬ديواف ؿبمد العيد آؿ خليفة‪ ،‬الشركة الوطنية للنشر والتوزيع‪ ،‬اعبزائر‪1917 ،‬ـ‪ ،‬ص ‪.314‬‬

‫‪64‬‬
‫رمزية فلسطين في األدب الجزائري المعاصر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫لم يعدل القاسمون في ــك‬ ‫***‬ ‫يا قسمة القدس أنت ضي ــري‬

‫بما جرى من دم سفي ــك‬ ‫***‬ ‫مضوا على الحيف لم يبادلوا‬

‫لم يقبلوا فيو من شري ــك‬ ‫***‬ ‫القدس للعرب من زم ـ ـ ــان‬

‫وىد من ركنو السمي ـ ــك‬ ‫***‬ ‫قد سامو األجنبي خ ـ ــسف ــا‬

‫اإلحساس باػبطر على ىذا اعبزء من الوطن العريب وأدرؾ أف يد بريطانيا وراء كل مؤامرة تعرضت ؽبا‬

‫فلسطُت حقيقة مرة وعلنية اخرى‪ ،‬فهاجم ىنا االقبليز وربسر على ما حل بأوىل القبلتُت بعد أف‬

‫بدأت خيوط اؼبؤامرة تتضح واألطماع الصهيونية تكثر حبيث ظهر الرمز ىنا باالحساس باػبطر‬

‫وربريك مشاعره الوجدانية (أمل يأؼبكم) وربصر فبا جعلو وبس هبذا االحساس العارـ بالقدس‬

‫وفلسطُت وأرضها ونضاؽبا‪.‬‬

‫فثمة من الشعراء اعبزائريُت‬


‫ومل يكن ؿبمد العيد وحده من وقع عليو قرار التقسيم كالصاعقة‪ّ ،‬‬
‫كثَتا فبن تأثروا هبذه اؼبصيبة وتأؼبوا لوقع اؼبؤامرة اليت حيكت ضد الفلسطينيُت والشاعر أضبد سحنوف‬
‫‪1‬‬
‫ىزت مشاعرىم للقضية فعربوا عنها‬
‫أضبد ىؤالء الذين ّ‬

‫أموطن أقدام النبيين والرس ـ ــل *** وموطن الوحي بورك من نسل‬

‫ذل‬
‫و للموت سيري ال ت ــبيتي على ّ‬ ‫فداك العدى ال تقبلي قسمة العدى ***‬

‫وال تحفلي بالناس إن جار حكمكم *** عليك فإ ّن اهلل يحكـ ــم بـ ــالعـ ـ ــدل‬

‫‪ 1‬جريدة البصائر‪ ،‬العدد ‪ 18‬جانفي ‪1984‬ـ‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫رمزية فلسطين في األدب الجزائري المعاصر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫وما فتئ مفدي زكرياء الشاعر اعبزائري الغيور على بٍت اإلسالـ والعروبة يدغدغ شعور اغبكاـ‬

‫واعبماىَت القومي‪ ،‬ويذكرىم حبرمات األرض الفلسطينية مسرى الرسوؿ الكرَل عليو صلوات اهلل وأزكى‬

‫تسليم‪ ،‬وينبههم بعزـ الغرب وابن صهيوف لالستيالء على القدس الشريف مهبط األنبياء والصاغبُت‬
‫‪1‬‬
‫وتنجيسهم لثراه الطيب‪ ،‬يقوؿ يف ىذا الشأف‪:‬‬

‫فلسطين يا مهبط األنبياء *** ويا قبلة العرب الثانية‬

‫ويا قدسا ب ـ ــاعـ ــو آدم *** كما باع جنتو العالي ــة‬

‫ظ ابن صهيون أنذالو *** بأرضك آمرة ناىيـ ــة‬


‫وح ّ‬
‫‪2‬‬
‫ويقوؿ يف موضع آخر‪:‬‬

‫سأصلح في الشرق أخطائيو‬ ‫فلسطين ال تيــأسي إنني سأصلح ***‬

‫*** يوبخني اليوم وجداني ـ ـ ـ ــو‬ ‫لئن خنت فيــما مـ ـ ــضى إنّـ ــو‬

‫فالبسي الخزي إىـ ـمـ ـ ــاليو‬ ‫وأىملت قدسي نهـ ـ ـ ــب الذئاب ***‬

‫وأعرضت عن صارخ من فداك *** وطاوعـت في الكيد شيطانيو‬

‫كل الشعراء اعبزائريُت‬


‫على أ ّف نربة االستنكار والتهديد والوعيد لالقبليز والصهيونيُت تقاظبهما ّ‬
‫‪3‬‬
‫وتشارؾ صبيعهم فيها‪ ،‬يقوؿ أبو القاسم سعد اهلل يف ذلك‪:‬‬

‫إ ّن العرب ناىض للث ــأر‬ ‫***‬ ‫قل البن صهيون اغتررت فال تجر‬

‫‪ 1‬مفدي زكرياء‪ ،‬اللهب اؼبقدس‪ ،‬ط‪ ،03‬اؼبؤسسة الوطنية للفنوف اؼبطبعية‪ ،‬اعبزائر‪2000 ،‬ـ‪ ،‬ص ‪.337- 336‬‬
‫‪2‬اؼبرجع نفسو‪ ،‬ص ‪.346- 345‬‬
‫‪ 3‬أبو قاسم سعد اهلل‪ ،‬دراسات يف األدب اعبزائري اغبديث‪ ،‬ط‪ ،01‬منشورات دار األدب‪ ،‬بَتوت‪1966 ،‬ـ‪ ،‬ص ‪.108‬‬

‫‪66‬‬
‫رمزية فلسطين في األدب الجزائري المعاصر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫منهارة مع ركنك المنهار‬ ‫***‬ ‫ستـ ــرى أم ـ ــانيك التي شيّدتـ ــها‬

‫متصهين ومهاجر غ ــدار‬ ‫***‬ ‫القدس البن القدس ال ل ــمتش ـ ــرد‬

‫ومل يقف الشعراء اعبزائريوف عند حد االستنكار والتنديد فحسب بل دعوا بلداهنم لالحتجاج لرفع‬

‫الضيم وكل أشكاؿ اؼبعاناة عن اإلخواف الفلسطينيُت واعتربوا الوقوؼ معهم أمرا ضروريا‪.‬‬

‫وىذا الشاعر الربيع بوشامة يوبخ األمة العربية سليلة العزة والكرامة على تقاعسها يف نظرة‬

‫شعب اؼبقدس‪ ،‬ويذكرىم أ ّف اؼبوت يف الكرامة والعزة أفضل من العيش يف اؽبواف واؼبذلة‪ .‬ويتساءؿ‬

‫حائرا كيف تسٌت ؽبا استلذاذ العيش يف دعة وأماف وخَت والقدس ربت اعبحيم تعاٍل وربت النار‬

‫تتقد؟ مستنهضا يف ذات الوقت اؽبمم وداعيا إياىم لالستنفار والفداء وتلبية نداء اعبهاد دوف نكوص‬
‫‪1‬‬
‫أو تردد وفورا يقوؿ‪:‬‬

‫يــاء ماذا ترجون غير التفاني؟‬ ‫أيّها العرب ّأمة المجد والعلـ ـ ـ ***‬

‫ة أو العيش في الشقا والهوان‬ ‫ـعز ***‬


‫إنّو الموت في الكرامة والـ ـ ّ‬

‫كيف ترون عيش أمن وخ ـيـ ــر *** وفلسطين في الجحيم تـ ـع ــاني‬

‫فانهضوا للفدا ولبّوا سـ ـراعـ ــا *** داعي اهلل من سم ــا األك ـ ـوان‬

‫الذل في صفوف الغواني‬


‫ال رعى اهلل أنفسـ ــا تـ ـت ـ ــملّى *** عيشة ّ‬

‫كما كاف للشعراء دور كبَت يف تقوية عزيبة الوطنيُت والثوار من أبناء فلسطُت أثناء اشتعاؿ‬

‫حيث أىاجوا العواطف وأؽببوا اغبماس منبّهُت بأ ّف إخواهنم العرب لن يتخلّوا عنهم يف‬ ‫‪1948‬ـ‬ ‫حرب‬

‫‪ 1‬جريدة البصائر‪ ،‬العدد ‪ 35‬ماي ‪1948‬ـ‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫رمزية فلسطين في األدب الجزائري المعاصر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫تتطهر من رجس الصهاينة‪ ،‬يقوؿ‬


‫تتحرر القدس وتناؿ حريتها و ّ‬
‫حىت ّ‬‫كل األحواؿ ولن يرتاح ؽبم باال ّ‬
‫ّ‬
‫‪1‬‬
‫الشاعر ؿبمد أبو القاسم طبار‪:‬‬

‫خير إال أن توارينا الح ــفر‬ ‫***‬ ‫يا فلسطين إذا غـ ـب ــت فــال‬

‫ثورة محمومة ال تستـ ـ ــقر‬ ‫***‬ ‫نحن أشبال وفي أعمـ ــاق ــنا‬

‫ندفع الضيم ونبني مــا اندثر‬ ‫***‬ ‫نحن جند الثأر عشاق الوغى‬

‫بالذ ي ماطل فينا وانتظ ـ ـ ــر‬ ‫***‬ ‫ال نب ــالي بالذي خ ـ ــان وال‬

‫خاضها من قبلها الجيل األغر‬ ‫***‬ ‫سن ــعيش اليوم حـ ـربا مثلما‬

‫الرمزية الدينية والتارىبية لفلسطُت‬

‫تشكل القدس خلفية مهمة لدى شعراء اعبزائر من األربعينيات مع ؿبمد العيد آؿ خليفة‬

‫وغَته من الشعراء إىل اليوـ‪ ،‬ؼبا ربملو من أبعاد دينية وحضا رية وتارىبية‪ ،‬والشاعر عندما يوظّف‬

‫القدس‪ ،‬كرمز شعري‪ ،‬ال يكتفي بالذكر اغبريف ؽبا وتزيُت النص هبا ليظن القارئ أ ّف الشاعر مرتبط‬

‫األمة‪ ،‬ومتسلح بثقافة دينية‪ ،‬بل ليربز قيمتو وتأثَته يف حركية األمة والتاريخ العريب واإلسالمي‪،‬‬
‫برموز ّ‬
‫وليبقى القارئ مرتبطا بتا رىبو اجمليد‪ ،‬وحضارتو الرائعة‪ ،‬وهبعلو حافزا لو وقابال للتجدد مرة ثانية‪ ،‬إف‬

‫توفرت الشروط اؼبادية واؼبعنوية لذلك‪.‬‬

‫فهي عند الشاعر اعبزائري حسُت زيداف‪ ،‬قبمة وكواكب وقصيدة أحبها‪ ،‬فهي اعبزء الذي‬

‫الكل‪ ،‬اليوـ وغدا وأل ّف الوطن واحد والتاريخ واحد‪ ،‬انطلق الشاعر من عمق األوراس إىل قلب‬
‫هبسد ّ‬

‫‪ 1‬ؿبمد أبو القاسم طبار‪ ،‬إرىاصات سرابية من زمن االحًتاؽ‪ ،‬اؼبؤسسة الوطنية للكتاب‪ ،‬اعبزائر‪1986 ،‬ـ‪ ،‬ص ‪.45‬‬

‫‪68‬‬
‫رمزية فلسطين في األدب الجزائري المعاصر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫القدس‪ ،‬فتاريخ األوراس معطر بشذى القدس ومل يتشكل تارىبو إال هبواه وقد رسم الشاعر للقدس‬

‫صورهتا اغبقيقية يف ـبيلتو وجسد حبّها لو شعريا‪ ،‬أل ّهنا جزء منو ‪:‬‬

‫ىو في عيوني نجمة لم تنبجس وكواكب عطشى تفتش عن سديم‬

‫ىو لمسة الوجدان لما أشرقت وقصيدة لم يفشها قلب كظيم‬

‫ىو في أصابع فرحتي أنشودة ورسالة كم أوىت قلب الكليم‬

‫ىو قبضة وضعت على شفة الزناد وطلقة أعددتها لغد عظيم‪.‬‬

‫ضرني أو أزعجت كينونتي أىل الرقيم‬


‫أحببتو ‪ ...‬أحببتو ‪ ...‬ما ّ‬
‫‪1‬‬
‫أو مل أكن يف البدء مهد العاشقُت إذف أقوؿ من الصميم إىل الصميم‬

‫فالقدس قد ربولت إىل رمز ديٍت وتارىبي عند الشاعر اعبزائري‪ ،‬وعند الشاعر العريب عامة‪،‬‬

‫وأصبح الشعراء وبنوف إليها أل ّهنا الفردوس اؼبفقود‪ ،‬والتاريخ الثري باألحداث العظاـ‪ ،‬قريبة منهم‬

‫مكانا لكنّها بعيدة التحقيق‪.‬‬

‫يتّكئوف عليها فقط بل يعيدوف كتابتها وانتشاؽبا من ىوؿ النسياف‪ ،‬فيتلبس هبا الشاعر‪ ،‬صراحة أو دبا‬

‫يدؿ عليها‪ ،‬فتربز يف النص كما برزت يف القلب والذاكرة‪ ،‬يف صورة صبيلة مرة‪ ،‬ويف صور مأساوية‬

‫مرات كثَتة‪.‬‬

‫واغبقيقة اليت هبب اإلقرار هبا ىنا‪ ،‬أ ّف أغلب الشعراء العرب‪ ،‬ال يلتفتوف إىل أماكنهم اؼبقدسة‪،‬‬

‫واليت ربمل األبعاد الد ينية والتارىبية‪ ،‬إال يف مرحلة الفقد والغياب والضياع فقديبا كانت غرناطة واليوـ‬

‫‪ 1‬حسُت زيداف‪ ،‬قصائد األوراس إىل القدس‪ ،‬منشورات ‪ ،SED‬اعبزائر‪ ،‬ط‪1985 ،01‬ـ‪ ،‬ص ‪.57‬‬

‫‪69‬‬
‫رمزية فلسطين في األدب الجزائري المعاصر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫القدس ويستخدموهنا لتزيُت نصوصهم‪ّ ،‬أما من تأيت عندىم عن وعي وقناعة فهم قلّة‪ ،‬وفبن وبملوف‬

‫الثقافة العربية اإلسالمية‪ ،‬ويؤمنوف بعودهتا إىل حظَتة العرب واإلسالـ واؼبسلمُت‪ ،‬ولو بعد حُت‪.‬‬

‫فعندما يضمن الشاعر اعبزائري نصو رمز القدس الديٍت والتارىبي‪ ،‬فهو يعود إىل اؼباضي‬

‫األوؿ واألخَت وىي‬


‫العز ؼبا كانت القدس ىي العنواف ّ‬
‫اؼبشرؽ اؼبنَت‪ ،‬واألياـ اعبميلة الزاىية‪ ،‬وإىل زمن ّ‬
‫اليت تعطي اؼبكانة ألبنائها كما فعل الشاعر مصطفى الغماري الذي انطلق من القدس ومن تارىبها‬

‫ليفضح اغباضر وواقعو‪:‬‬

‫فجرت منابع اإلبداع فيهم فهاموا في مداك رؤى وضياء‬

‫ور ّق حنينهم فيك انسيابا فرفرفت القلوب لك الوفاء‬

‫فماذا يا جالل القدس ماذا؟ وقد عاد الزمان بنا وراء‬

‫تحطمت البراعة فيك شكوى ووجو الصمت يطوينا عياء‬


‫‪1‬‬
‫كل ناد ويقي س من لياليو الشتاء‬
‫يلملم جرحنا في ّ‬
‫أما الشاعر اعبزائري أضبد شنة‪ ،‬فهو يدعوا لرفع الظلم عن القدس وربريرىا‪ ،‬وتوحيد كل‬

‫كل القبائل فيو يهود يستحيل ذلك‪،‬‬


‫اعبهود وإصدار الكلمة الواحدة اؼبزلزلة‪ ،‬لكن يف زمن أصبحت ّ‬
‫فيحاوؿ الشاعر أف يوقظ الضمَت العريب النائم ويشع رنا بالذنب والتقصَت ‪ ،‬مع دمج السياسي بالديٍت‬

‫وبالتارىبي‪ ،‬حيث تتداخل الدالالت مع بعضها البعض يف نصو طواحُت العبث ‪:‬‬

‫تكلم ‪...‬‬

‫‪1‬‬
‫مصطفى ؿبمد الغماري‪ ،‬بوح يف موسم األسرار‪ ،‬الفوميك‪ ،‬اعبزائر‪ ،‬ط‪1985 ،01‬ـ‪ ،‬ص ‪.71- 70‬‬

‫‪70‬‬
‫رمزية فلسطين في األدب الجزائري المعاصر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫وقل إنّنا ال نخاف اليهود‬

‫سنخرجهم من خيام ّأمية‬

‫من رمل خبير‪ ،‬من مهبط االنبياء‬

‫تمهل ‪ ...‬وح ّدق معي في الوجوه !‬


‫ولكن ّ‬
‫‪1‬‬
‫فكل القبائل صارت يهود‬

‫لقد ربوؿ رثاء اؼبدف يف الشعر العريب اؼبعاصر‪ ،‬إىل رثاء من نوع خاص‪ ،‬وإىل رثاء للذات‪،‬‬

‫حيث يتداخل الذايت مع اؼبوضوعي‪ ،‬اغباضر مع اؼباضي‪ ،‬غَت أ ّف الكثَت من الشعراء مل ينفذوا إىل‬

‫أعماؽ التاريخ ليلتحموا يف ذبربة ذاتية كلية عرب الوجداٍل واؼبتخيل وليستلهموا منو الرموز والصور اليت‬

‫ربضر يف النص ضمن منطق عضوي يأخذ فيو ىذا التاريخ صيغة جديدة مفعمة باإلوباء والتصوير‬

‫مشبعة بالرمزية اؼبتفتحة على القراءات اؼبتعددة وإ ّمبا اكتفوا بالتعامل اػبارجي اؼبدرسي معو يف إطار‬

‫الرؤيا العامة والنسق اؼبتواتر ‪ ...‬فكاف تنبيها باؼبدخل الوصفي الذي يبحي فيو حضور الذات الشاعرة‬

‫فاعلية اإلنشاء ربت ىيمنة األغراض اؼبوضوعية اؼبالئمة غباجات الواقع فاعلية التلقي‪. 2 .‬‬

‫فتوظيف األظباء اؼبكانية التارىبية والدينية‪ ،‬وؿباكاة ىندستها‪ ،‬ال يضيف النص وال القارئ أي شيء‪،‬‬

‫كل ذلك يف البنية العامة للنص‪ ،‬تعيد تركيب وترتيب األمكنة وفق رؤية النص‬
‫ما مل يصهر الشاعر ّ‬
‫اؼبكانية‪ ،‬ال الواقع اؼبادي او التارىبي‪ ،‬مع اػبياؿ والتصوير والصياغة اعبيدة‪ ،‬ليكوف النص جديدا‬

‫ومتميزا عن السائد واؼبعتاد‪ ،‬ويعرب يصدؽ عن رؤية الشاعر ويربز ذبربتو ومواقفو من اغبياة واإلنساف‬
‫‪1‬‬
‫أضبد شنة‪ ،‬طواحُت العبث‪ ،‬مؤسسة ىذيل‪ ،‬مطبعة ىومة‪ ،‬ط‪2000 ،01‬ـ‪ ،‬ص ‪.53‬‬
‫‪2‬‬
‫إبراىيم رماٍل‪ ،‬اؼبدينة يف الشعر العريب اعبزائر مبوذجا‪ ،‬ص ‪.269‬‬

‫‪71‬‬
‫رمزية فلسطين في األدب الجزائري المعاصر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫والكوف‪ ،‬أل ّف اؼبكاف يبلور ىذه الرؤيا العميقة‪ ،‬وإف تعددت التصورات والرؤى فاؼبكاف يف حقيقتو‬

‫عبارة عن ىوية تارىبية مادية مائلة للعياف‪ ...‬قادر بتمث لو العياٍل على اخًتاؽ التاريخ وإظهاره‪...‬‬

‫فاؼبكاف ما ىو إال انعكاس للزمن ‪ 1‬وللمتغَتات العامة يف البنية التارىبية‪ ،‬وشخصية اؼبكاف التارىبية‬

‫أشد االرتباط بشخصيتو الزمنية‪ ،‬وبروزه كعالمة يف سياؽ الزمن اؼباضي‪ ،‬فيتشكل اإلحساس‬
‫مرتبطة ّ‬
‫بالرغبة يف عودتو واغبفاظ عليو‪.‬‬

‫وىذا ما دفع الشاعر اعبزائري مفدي زكرياء مثال يف إلياذتو إىل إبراز تاريخ بعض األماكن‬

‫اعبزائرية اليت شيّدىا األسالؼ نتيجة إعجابو هبا وكوهنا عالمة بارزة يف تاريخ اعبزائر القدَل القصبة‪،‬‬

‫ضباـ ملواف‪ ،‬شرشاؿ‪ ،‬تلمساف‪ ...‬واإللياذة يف حقيقتها رصد ؽبذا التاريخ اؼبكاٍل اؼبتنوع‪ ،‬وإبراز‬

‫لشخصية الشعب اعبزائري ورجاالتو ونضاالتو اؼبتنوعة عبعلها حافزا للجيل اعبديد‪:‬‬
‫‪2‬‬
‫سجا الليل في القصبة الرابضة فأيقظ أسرارىا الغامضة‬

‫مل المجونا وانهى غوايتو والفتونا‬


‫وحمام ملوان ّ‬
‫ىال تذ ّكرت يوبا؟ ومن ل ّقبوا عرشك بالقيصرية؟‬
‫أ شرشال ! ‪ّ ...‬‬

‫وشرفت أقطارنا المغربية‬


‫ومن مصروك فنافست روما ّ‬
‫‪3‬‬
‫تلمسان مهما أطلنا الطواف إليك تلمسان تنهي المطافا‬

‫‪ 1‬نبا حسن يوسف عوض‪ ،‬اؼبكاف يف الرواية الفلسطينية ‪ ،1988 - 1948‬رسالة ماجستَت ـبطوطة‪ ،‬جامعة الَتموؾ‪ ،‬األردف‪1991 ،‬ـ‪ ،‬ص ‪.34‬‬
‫‪ 2‬مفدي زكرياء‪ ،‬إلياذة اعبزائر‪ ،‬ـ و ؾ‪ ،‬اعبزائر‪ ،‬ط‪1987 ،02‬ـ‪ ،‬ص ‪.27‬‬
‫‪3‬اؼبصدر السابق‪ ،‬ص ‪.29‬‬

‫‪72‬‬
‫رمزية فلسطين في األدب الجزائري المعاصر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫واإللياذة بالرغم من تارىبيتها وبعدىا يف معظم األحياف عن االنسجاـ اؼبكاٍل‪ ،‬والتفاعل‬

‫الوجداٍل مع اؼبكاف التارىبي‪ ،‬واالكتفاء بالذكر اعبغرايف‪ ،‬فغنّها أعادت إىل الواجهة ىذه األمكنة‬

‫احملورية‪ ،‬والعالمات التارىبية‪ ،‬وعرفت اعبيل اعبديد هبا‪ ،‬وجعلتها عالمات للشعراء وليتناولوىا ويكتبوا‬

‫يتجدد عرب اؼبمارسة‬


‫عنها بشكل مغاير أل ّف اؼبكاف شأنو شأف أي عنصر من عناصر البناء الفٍت‪ّ ،‬‬
‫الواعية للفناف‪ ،‬فهو ليس بناء خارجيا مرئيا‪ ،‬وال حيزا ؿبدد اؼبساحة‪ ،‬وال تركيبا من غرؼ وأسيجة‪ ،‬بل‬

‫ىو كياف من الفعل اؼبغَت واحملتوي على تاريخ ما‪ ،‬واؼبضمخة أبعاده بتواريخ الضوء والظلمة ‪ ،1‬وما‬

‫على الشاعر اؼبكاف يتكلم يف النص الشعري‪ ،‬فيتكلم الشاعر واؼبكاف بصوت واحد‪ ،‬ليتواجد يف‬

‫صورة فنية مؤثرة‪ ،‬تفرض سيطرهتا وىيمنتها على اؼبتلقي‪.‬‬

‫وذبربة قصيدة القناع ىي حصيلة عالقة اؼبثاقفة والتناص بُت الشعر العريب والشعر الغريب‬

‫فتحوؿ اؼبكاف إىل رمز وإىل ق ناع يكوف ضمن سياؽ الوعي التارىبي‪ ،‬وانعكاس الذايت يف اؼبوضوعي‬

‫وال يعٍت ىذا االنعكاس سلبية الذات الشاعرة وخضوعها لسلطة اؼبكاف بقدر ما يربىن عن تارىبية‬

‫ىذا الشعر والبراطو العميق يف اؼبعركة اغبضارية‪ ...‬فلم يعد للمكاف معٌت واسم إال بوصفو أرضا وال‬

‫صفة لو وداللة سوى ضمن صبالية الواقع التارىبي ‪ 2‬وما يعملو من شحنة عاطفية وداللة معنوية‬

‫حد سواء حُت يريد أي منهما اؽبروب من‬


‫وذاكرة رمزية‪ ،‬أل ّف اؼبكاف يقدـ حال للشاعر وللقارئ على ّ‬

‫واقعو ليسقط عليو رؤاه اليت ىبشى معاعبتها‪ ،‬ومن ىنا يتحوؿ اؼبكاف إىل رمز وقناع ىبفى اؼبباشرة‪،‬‬

‫ويسمح لفكر اؼببدع أف يتسرب من خاللو‪ ،‬وقد يكوف اؼبكاف تقنية مستقبلية يتجاوزىا اؼببدع مكانو‬

‫‪ 1‬ياسر نصَت‪ ،‬إشكالية اؼبكاف يف النص األديب‪ ،‬دار الشؤوف الثقافية‪ ،‬بغداد‪ ،‬ط‪1986 ،01‬ـ‪ ،‬ص ‪.08‬‬
‫‪ 2‬إبراىيم رماٍل‪ ،‬اؼبدينة يف الشعر العريب‪ ،‬ص ‪.153‬‬

‫‪73‬‬
‫رمزية فلسطين في األدب الجزائري المعاصر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫وواقعو فيصعد إىل السماء وقد ينزؿ إىل أعماؽ األرض ليبث الرمز نفسو ويهرب‪ ،‬بل يتسرب من‬
‫‪1‬‬
‫خاللو أو ينقده‪.‬‬

‫نماذج من قصيدة القناع‪:‬‬

‫‪ .0‬القناع الصوفي ‪ :‬وتتمثل من خالؽبا قصيدة الشاعر صالح عبد الصبور‬

‫تعالى اهلل ىذا الكون ال يصلحو شيء‬

‫فأين الموت أين الموت أين الموت؟‬

‫تعالى اهلل ىذا الكون موبوء وال برء‬

‫ولو ينصفنا الرحمان عجل نحونا بالموت‬

‫‪ . 9‬القناع الذىني‪:‬‬

‫ويتمثل من خالؿ قصيدة الشاعر ؿبمود بريكاف (ىواجس عيسى)‬

‫يخفى المسافرون‬

‫وجوىهم في صفرة الظل ويحلمون‬

‫بالغد‪ ...‬الرجال متعبون يحلمون‬

‫بالبيع والشراء والفاقة والثراء‬

‫واألىل والبنين والوداع واللقاء‪.‬‬

‫‪ 1‬مدحت اعببار‪ ،‬صباليات اؼبكاف يف اؼبسرح‪ ،‬صالح عبد الصبور من كتاب اعبماليات ؼبكاف عيوف اؼبقاالت‪ ،‬اؼبغرب‪ ،‬ط‪1988 ،02‬ـ‪ ،‬ص ‪.23‬‬

‫‪74‬‬
‫رمزية فلسطين في األدب الجزائري المعاصر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫وقباح استخداـ تقنية القناع اليت أصبحت شائعة يف اؼبنت الشعري العريب اؼبعاصر يف اعبزائر‬

‫ويف العامل العريب‪ ،‬يتوقف بصورة مهمة على قباح اإلسقاط‪ ،‬فالقناع وجو يرتبط بفًتة تارىبية ؿبددة‬

‫يقتنو بو الشاعر يف عصر آخر للتعبَت عن حاؿ معاصرة من خالؿ فًتة ماضية فعذا أجاد التعبَت دوف‬

‫أف يرفع القناع عن وجهو قبح اإلسقاط الفٍت‪ ،‬وإذا كاف الشاعر يرفع القناع عن وجهو بُت غبظة‬

‫عد ذلك عيبا فنيا واختلط حضور الشاعر بالقناع والزمن اؼباضي بالزمن‬
‫وأخرى وقد نسي أنو متقنّع ّ‬

‫اغباضر والشعراء بطبيعة اغباؿ يتفاوتوف يف توظيفهم للرمز التارىبي‪ ،‬وتفننهم باألمكنة بناء على‬

‫أىدافهم اؼبتوخاة‪ ،‬ومرجعياهتم التارىبية والدينية‪ ،‬وما يبلكونو من قدرات فنية‪ .‬فما يشدنا كبو الرمز‬

‫التارىبي ليس حقيقتو اؼبدوة يف ذلك السياؽ اؼباضوي‪ ،‬وإمبا ىو مص َتنا الذي نلمحو بالتحديد من‬

‫خاللو يف اغباضر‪ ،‬فنحن نطالع يف الرمز التارىبي ذبربتنا اػباصة موصولة بتجارب أسالفنا يف اؼباضي‪،‬‬

‫ومن ىذه اػبصوصية نطالع يف الرمز مصَت البشرية وذبربتها اإلنسانية العامة‪ ،‬إف للرمز الفٍت دائما مثل‬
‫‪1‬‬
‫ىذه القدرة على دمج اػباص بالعاـ‪ ،‬واآليت باؼبطلق‪ ،‬واحملدود اؼبعلوـ بالالؿبدود اجملهوؿ ‪.‬‬

‫وقد هبمع الشاعر اعبزائري الكثَت من الدالالت يف النص الواحد ويربط بُت أماكن كثَتة يف‬

‫أي مكاف من فهم اؼبقصود مثلما فعل الشاعر ناصر معماش يف‬
‫الوطن العريب‪ ،‬ليتمكن القارئ يف ّ‬
‫نصو الشعر قائد ىذه األوطاف الذي ألغى فيو اغبدود اعبغرافية اؼبوضوعة‪ ،‬وثبت العالئق التارىبية بُت‬

‫اؼبدف العربية‪ ،‬وجعل من األوراس الرابط التارىبي بينها‪ ،‬مع تأكيده على التاريخ اؼبشًتؾ ؽبذه اؼبدف‪:‬‬

‫ِ‬
‫الجوالن‬ ‫ما لم يزر بغداد أو غرناطة لن يفهم التاريخ في‬

‫‪1‬‬
‫عثماف حشالؼ‪ ،‬الرمز والداللة يف شعر اؼبغرب العريب اؼبعاصر فًتة االستقالؿ‪ ،‬منشورات جاحظية‪ ،‬اعبزائر‪ ،‬ط‪2000 ،01‬ـ‪ ،‬ص‪.103‬‬

‫‪75‬‬
‫رمزية فلسطين في األدب الجزائري المعاصر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ما لم َير األوراس وقت شروقو حين الصنوبر باسم األفنان‬

‫دفء الحب في الوديان‬


‫حين الندى الضمآن يحضن ورده ويهيم ُ‬
‫ىو قلب أوراس الجزائر حالم نبضاتو من أجل األلحان‬
‫‪1‬‬
‫كل شبر من ربوعو قصة كتبت بكل لغات ذي البلدان‬
‫في ّ‬
‫فاالوراس ىي اػبيط الرابط بينها وىو قلب اعبزائر اجملاىدة‪ ،‬وقد أخذ القسط الكبَت من‬

‫نصوص الشعراء اعبزائريُت اؼبعاصرين والشعراء العرب‪ ،‬إذ ال ىبلو ديواف شعري جزائري من ذكره‪ ،‬كما‬

‫كل شائع جزائري ضمنو يف نص من نصوصو الشعرية بشكل من األشكاؿ‪ .‬أل ّف األوراس ىو‬
‫قبد أ ّف ّ‬
‫تاريخ اعبزائر اؼبعاصر‪ ،‬ونقطة التحوؿ واالنتقاؿ من وضع إىل وضع‪ ،‬ومن تاريخ إىل تا ريخ‪ ،‬لذلك‬

‫أصبح رمزا للشعراء‪ ،‬على الرغم من تبدؿ الظروؼ وتغَت األحواؿ بُت األمس واليوـ‪:‬‬

‫آتيك أوراس محترقا ودمع األحبة في راحتي‬

‫آتيك ملتحفا ىامتي وممتشقا في المدى قامتي‬

‫تمر السنون ولما يزل صهيلك أوراس في واحتي‬


‫ّ‬
‫وتحملني زىرة في رباك وعصفورة غردت آيتي‬
‫‪2‬‬
‫وتسألني قطرة من دماك لماذا فأشكو لها حالتي‬

‫‪ 1‬ناصر معماش‪ ،‬االعًتاؼ األخَت‪ ،‬دار ىومة‪ ،‬اعبزائر‪ ،‬ط‪2001 ،01‬ـ‪ ،‬ص ‪.74‬‬
‫‪2‬‬
‫عز الدين ميهويب‪ ،‬اللعنة والغفراف‪ ،‬منشورات األصالة‪ ،‬سطيف‪ ،‬ط‪1997 ،01‬ـ‪ ،‬ص ‪.11- 10‬‬

‫‪76‬‬
‫رمزية فلسطين في األدب الجزائري المعاصر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫يأيت إليو الشاعر وىو يتحرؽ إليو‪ ،‬ودموع األحبة يف راحتو‪ ،‬ويشكوه حالو‪ ،‬ويدعو لعودتو من جديد‬

‫لَتفع عنا وعنو الظلم واؼبآسي‪ ،‬فقد عادت الدماء والدموع من جديد‪ ،‬وال سبيل للتخلص منها إال‬

‫بأوراس جديد‪.‬‬

‫لكن اؼباضي اؼبشرؽ واؼبشرؽ لألوراس‪ ،‬أصبح يف الذاكرة فقط‪ ،‬فبا حدا جبميع الشعراء اعبزائريُت أف‬
‫ّ‬
‫يركزوا على الدعوة إىل عودتو من جديد‪ ،‬ليمحو عن الوطن اعبريح جراحو‪ ،‬ويعيد بعضا من اؼباضي‪،‬‬

‫ومع علمهم األكيد أ ّف ذلك لن يكوف‪ ،‬فاألمل قائم مع ىذا اعبيل اعبديد الذي سوؼ يعيد إىل‬

‫األوراس عزتو‪:‬‬

‫أوراس يشكو للشمال شجونو وحنينو وحصاره ومحاصره‬

‫أوراس قدم للجزائر مالو وعيونو وجفونو ومحاجره‬

‫وجمالو وظاللو ونضالو وخصالو ورجالو وحرائره‬


‫‪1‬‬
‫أوراس يسأل عن قريب منجد يمحو عن الوطن الجريح جبائره‬

‫فعودة الشعراء اعبزائريُت إىل توظيف الرمز التارىبي األوراس‪ ،‬أو غَته من الرموز التارىبية‪ ،‬داللة على‬

‫التشبث باألرض وباعبذور وإبراز الذات اعبزائرية‪ ،‬عوض توظيف رموز بعيدة عن شخصيتنا‬

‫وخصوصيتنا التارىبية اعبزائرية والعربية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫األوؿ‪ ،‬جامعة قسنطينة‪ ،‬ص ‪.38‬‬
‫نذير الطيار‪ ،‬ملحمة اؽبجوـ على الشماؿ القسنطيٍت‪ ،‬مهرجاف الشعر اعبامعي ّ‬

‫‪77‬‬
‫رمزية فلسطين في األدب الجزائري المعاصر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫قد‪ .‬فاؼبدف التارىبية اعبزائرية‪ ،‬ذىبت‬


‫وىذه العودة إىل التا ريخ‪ ،‬عودة الذات‪ ،‬وتعويض عما ذىب وفُ َ‬

‫تبق منها إىل الصورة القديبة يسًتج عها الشعراء‪ ،‬فهذه‬


‫ىيبتها و ّاؿبى تارىبها مع األحداث اعبديدة‪ ،‬ومل َ‬
‫سر التاريخ ذىب عنها أرهبها‪ ،‬وغاب روبها‪ ،‬وأصبحت متعبة‪:‬‬

‫سيرتا !‬

‫دروبها أنهار عشق تتلظّى‬

‫جدرانها عبق التاريخ‬

‫مترف فضاؤىا بالقصائد‬

‫بالحنين‬

‫لكنها متعبة‬

‫لم تعد صخورىا منيعة‬

‫بعدما انطفأت براكينها‬

‫والهضاب التي خلقت في المدى‬


‫‪1‬‬
‫أصبحت في الحضيض‬

‫فبضياع تا ريخ تلك اؼبدف‪ ،‬ضاع تا ريخ الشعراء وأصبحوا يعيشوف على ىامش مائدة التاريخ‪ ،‬واؼباضي‬

‫اعبميل اؼبضمن باألمنيات‪ ،‬والذي لن يعود‪ ،‬ما دامت صَتورة التاريخ تسَت هبذا الشكل‪.‬‬

‫‪ 1‬الشريف بزازؿ‪ ،‬يعوزٍل وطن من ورد‪ ،‬ديواف ـبطوطات‪ ،‬ص ‪.50- 49‬‬

‫‪78‬‬
‫رمزية فلسطين في األدب الجزائري المعاصر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫فتشبّث الشعراء دبدهنم وحصوهنم الباقية‪ ،‬واحملتفظة جبزء من التاريخ ىو تشبث باؼبكاف وباغبياة من‬

‫خاللو‪ ،‬فالشاعر اعبزائري ؿبفوظ بوشناؽ مثال‪ ،‬يعود إىل قريتو القنار تشفى بوالية جيجل مناجيا‬

‫إياىا‪ ،‬مسًتجعا تارىبها الثري‪ ،‬ليحي الذكرى من جديد‪ ،‬ويعيد اؼباضي الذي كاف واقعا يف تلك‬

‫القرية الساحلية‪ ،‬حيث ربولت القنار عند الشاعر إىل تاريخ و حكاية‪ ،‬بل ىي التاريخ كلّو من بدايتو‬

‫إىل هنايتو‪:‬‬

‫ىنا في رحاب قريتي يحط التاريخ رحالو‬

‫ليخط للتاريخ ألف حكاية وحكاية‬

‫وفج‬
‫ىا ىنا في كل غاب ّ‬
‫وسفح ورابية‬

‫ذكر للبطولة‬

‫وللفدا آيات أبدية‬

‫ىا ىنا يجثو التاريخ في محراب قريتي‬

‫مناجيا أرواحا زكية‬

‫يعيد بها الماضي البعيد‬


‫‪1‬‬
‫لتحيا الذكرى من جديد‬

‫عالقة النص بفلسطين موضوعكم‬

‫‪ 1‬ؿبفوظ بوشناؽ‪ ،‬برقية شهيد من سناء‪ ،‬دار البعث‪ ،‬قسنطينة‪ ،‬اعبزائر‪ ،‬ط‪ ،1‬ص ‪. 18‬‬

‫‪79‬‬
‫رمزية فلسطين في األدب الجزائري المعاصر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫مر بو الوطن من أحداث أليمة‪ ،‬يف اؼباضي ويف‬


‫فالشاعر اعبزائري شاىد على التاريخ‪ ،‬وعلى ما ّ‬
‫اغباضر‪ ،‬فأحداث باب الواد الطوفانية سجلت تضامن الشعراء من اؼبنكوبُت واؼبفقودين واؼبوتى‪،‬‬

‫وكتب الشعراء تارىبهم اػباص باألحداث بل إ ّف ّارباد الكتاب اعبزائريُت نشر ديوانا شعريا مشًتكا‬

‫خاصا باألحداث‪ ،‬سبثّل شهادات إبداعية حوؿ السبت األسود من شهر أكتوبر‪ ،‬صبع فيو كل القائد‬

‫الشعرية للشعراء اعبزائريُت الذين كتبوا نصوصا يف اغبدث‪ ،‬ومن أبرز تلك النصوص الشعرية اليت ذباوز‬

‫فيها كاتبها اؼبناسبة العرفية إىل التفاعل مع اغبدث نص الشاعر سليماف جوادي أ عاصمة اعبزائر اؼببٍت‬

‫على التساؤؿ اؼبفجع‪:‬‬

‫ومن ألقى الفجيعة في حمــاك‬ ‫أ عاصمة الجزائر ما دىـ ــاك‬

‫وأغضب دون ما جرم سماك‬ ‫ومن دك الشوارع والمبـ ــاني‬

‫وجرجر ساكنيك إلى المهاوي وقاد ىمو إلى سوء ال ـ ــهالك‬

‫آساىم قد تمازج في أس ـ ــاك‬ ‫فمن لك بالثواكل واليتـ ـ ــامى‬


‫‪1‬‬
‫ومن لك بــالمشـ ـ ّـرد والمفنّى ومن لك بالفواجع والبواكــي‬

‫حيث ارتفع فيو الشاعر عن الذكر اغبريف‪ ،‬وكبى منحى مساءلة اؼبكاف‪ ،‬وىو يعلم أنّو ال هبيب‪،‬‬

‫بطريقة أعادت إىل الذاكرة نصوص رثاء اؼبدف‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫نصوص الطوفاف‪ ،‬منشورات ارباد الكتاب اعبزائريُت‪ ،‬دار ىومة‪ ،‬اعبزائر‪ ،‬ط‪2001 ،01‬ـ‪ ،‬ص ‪. 18‬‬

‫‪80‬‬
‫رمزية فلسطين في األدب الجزائري المعاصر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫والشاعر بصفتو عضوا فعاال يف ؾبتمعو منبثقا مهم لتارىبو ال يًتؾ األحداث سبر دوف ذكر شعري‪،‬‬

‫ومثلما كانت الكتابة الشعرية عن أحداث باب الواد كتب الشعراء عن زلزاؿ األصناـ والية الشلف‬

‫حاليا الذي ضرهبا يف العشرين من أكتوبر سنة ‪:1980‬‬

‫غنيتك يا مدينة األصنام أسطورة‬

‫غنيتك لغزا ح ّقو اإلبهام‬

‫غنيتك نغمة حزن‬

‫جرت بو األيام حبلى منذ األزل‬

‫حتى إذا أعياىا الحمل وأدركها المخاض فجعت إذ ذاك‬

‫يا أصنام على عجل‬

‫فكنت للمخاض مهدا‬

‫ولألجيال لحدا‬
‫‪1‬‬
‫تواريها األنقاض‬

‫اؼبلمات ليس عن اعبزائر فقط بل عن‬


‫فالشاعر اعبزائري واكب كل األحداث التارىبية وكتب عن صبيع ّ‬
‫كل مكاف يف العامل العريب واإلسالمي كلّو ‪.‬‬
‫ّ‬

‫‪ 1‬ؿبفوظ بوشناؽ‪ ،‬برقية شهيد من سناء‪ ،‬ص ‪. 65- 63‬‬

‫‪81‬‬
‫خاتمة‬
‫خاتمة‬
‫لقد حاوؿ ىذا البحث أف يستنطق أبعد الثورة الفلسطينية وطابعها على األديب اعبزائري‬

‫وأسفرت ىذه الدراسة عن صبلة من النتائج أنبها‪:‬‬

‫‪ -‬اإلحساس باإلنتماء الطبيعي واغبتمي ؽبذه األرض اؼبقدسة ألهنا ثالث اغبرمُت وأوىل القبلتُت‬

‫‪ -‬مناصرة القضية الفلسطينية من منطلق قومي وديٍت‬

‫‪ -‬ترصبة األديب اعبزائري ؼبا عاشو من احملنة نفسها ويتقاظباف اؽبم نفسو أال وىو اإلستدمار‬

‫‪-‬تنذير باإلحتالؿ الصهيوٍل وجبرائمو ضد الشعب الشقيق الفلسطيٍت يف احملافل الدولية واؼبؤسبرات‬

‫القومية‬

‫‪ -‬التحسر على اؼباضي التليد للتاريخ اإلسالمي الذي كبن حباجة إليو اليوـ يف عاؼبنا العريب‪.‬‬

‫جبميع مكوناتو ومشاىده وشخصياتو وأبطالو‪.‬‬

‫‪ -‬الوقوؼ عند احملطات السياسية يف قضيتها مع تبياف قيمتها التارىبية عند شعوب العامل ‪.‬‬

‫التغٍت ببالد مهبط األنبياء‪.‬‬

‫‪ -‬تذكر تا ريخ فلسطُت‪ ،‬اليت كانت أرضها شاىدة على مصارع الصليبيُت على عمر ابن اػبطاب‬

‫رضي اهلل عنو وصالح الدين األيويب‪.‬‬

‫‪ -‬كشف األعماؿ اإلجرامية اليت قاـ هبا اػبونة و التعبَت عن قيمة فلسطُت‬

‫‪ -‬الشوؽ واغبنُت‪ .‬إلقاء نداء للع رب بأف يعدو العدة ويستفيقوا من سباهتم ‪.‬‬

‫‪ -‬لوـ وزباذؿ العامل والعرب خاصة على نصرة فلسطُت‪.‬‬

‫‪ -‬السعي إىل استنهاض اؽبمم وشحذ العزائم لنصرة القدس ‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫خاتمة‬
‫‪ -‬التنبيو إىل اؼبخاطر اليت يبكن أف تلحق األراضي الفلسطينية‬

‫‪-‬توضيح الكاتب اعبزائري األىداؼ الصهيونية البعيدة وـبططاهتم‬

‫‪-‬كتابات اعبزائريُت ىي اإلنطالؽ من الواقع الوطٍت إىل الواقع العريب من رؤية ؿبلية إىل رؤية عربية‬

‫شاملة‬

‫‪-‬االىتماـ بالقضية الفلسطينية منذ بداية القرف العشرين‬

‫‪ -‬مناصرة القضية الفلسطينية من منطلق قومي ديٍت‬

‫‪-‬استعراض تاريخ إحتالؿ فلسطُت والوقوؼ عند أىم احملطات السياسية‬

‫‪ -‬وصف معانات الشعب الفلسطيٍت األعزؿ‬

‫‪ -‬لوـ العرب الذين زباذلوا يف مناصرة االنتفاضة الفلسطينية وإغرارىم باالدعاءات اليهودية‪.‬‬

‫إذا فاعبزائر بكتاهبا وأدباءىا وبشعبها تفاعلت مع القضية الفلسطينية خاصة‪ .‬وأف كال الشعبُت‬

‫اعبزائري والفلسطيٍت عرفا بش اعة اإلستعمار وذاقا صنوؼ سياستو الوحشية‪ .‬لتكوف ردة فعل‬

‫واحدة‪ .‬الدفاع عن الوطن بكل قوة‪ .‬فكال الشعبُت يستمداف طاقتهما من العقيدة الوحيدة‪ ،‬فهما‬

‫من جنس واحد وأمة واحدة‪.‬‬

‫ويف االخَت اػبالصة اليت يبكن اف لبرج هبا من صفحات ىذا البحث ىو اف ‪:‬‬

‫‪-‬الكتاب اعبزائريُت كما فعل الشعراء قد اىتموا بالقضية الفلسطينية ومنذ اف بدأ اغبديث فيها‬

‫ىامشا اال اف طفت اىل الوجود وبرزت على السطح‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫خاتمة‬
‫‪ -‬عاعبوا بو القضية الوطنية الصرفة ومل يألوا جهدا يف الدفاع واالستماتة عن فلسطُت وقضيتها‬

‫بالقدر الذي بذلوه لقضايا اعبزائر ‪.‬‬

‫‪-‬فلسطُت قضية قومية يف الشعر اعبزائري واالنتماء الطبيعي ؽبا كاف بارزا يف دواوين كتاب‬

‫جزائريُت ؾ عمر راسم والبشَت ابراىيمي ‪.‬‬

‫‪-‬التحفيز وبعث نبم الشباب وتذكَت ضمائر الشعب اعبزائري واالرتباط باؼبناسبات‬

‫بأنواعها وذلك ما شهدناه يف شعر اؿ خليفة وغَتىم من شعراء ‪.‬‬

‫‪-‬تبٍت توظيف الرمز والتكثيف منو يف اؼبنت الشعري اغبديث ‪.‬‬

‫‪ -‬قدرة الرموز يف منح قوة سحرية تشبع العقل والذوؽ معا وىذا ما حاوؿ الشعراء اعبزائريوف‬

‫ذبسيده يف شعرىم‪.‬‬

‫ومن خالؿ كل ىذا نستخلص من ىذا البحث ‪:‬‬


‫‪ 1‬ػ ففي افتتاحية ىذا البحث او اؼبدخل كانت للقضية الفلسطينية حضورا بارزا االدب العريب‬
‫لسيما يف دواوين والقصائد‪ ..‬حضور روحي شكلتو قداسة اؼبكاف وكيف نشأة ىذه الثورة؟ اليت‬
‫كاف ورائها اتفاقيات وتدعيم من دوؿ الغرب قابلة التخاذؿ العريب الذي ما زاد فلسطُت اال‬
‫رىقا ‪.‬‬
‫‪ 2‬ػ اما يف اؼبرحلة الثانية من ىذا البحث شاىدنا االديب اعبزائري يف ذكر القضايا واؼبآسي اليت‬
‫انفعلوا هبا سواء نثرا او شعرا وعربوا عنها يف شعرىم يًتصبوف بذلك احساس الشعب وتعلقو هبا‬
‫وايبانو حبق ابناء فلسطُت‪ .‬فواكب الشاعر والكاتب اعبزائري كل االحداث اليت عاشتها فلسطُت‬
‫وسجلوا الوقائع وسانبوا يف شحذىم اعبماىَت لتهب ساخطة على العدو الغاصب مشرين اىل‬
‫موقف العرب اذباه ىذه القضية ووصف اؼبعارؾ الذي دارت ىناؾ ‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫خاتمة‬
‫‪ 3‬ػ على اف اغبديث الشاعر اعبزائري الذي تضمنتو اؼبرحلة االخَتة من ىذا البحث عن رمزية‬
‫فلسطُت وتصويره ؽبا نابع من ايب انو اػباص بأنو فضاء ضبل يف تاريخ االسالـ رمزية القداسة ومن‬
‫اؼبفيد تأكيد اف القدس حظيت بأنبية يف شعر جزائري ويف دراستو عن انبية القدس يف‬
‫الضمَت والوعي الذي عرب عنو الشعر عرب اشكالو اؼبختلفة ‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫قائمة المراجع والمصادر‬
‫البيبيوغرافيا‬

‫قائمة المراجع والمصادر‬

‫أوال‪ :‬الكتب‪:‬‬

‫إبراىيم رماٍل‪ ،‬اؼبدينة يف الشعر العريب اعبزائر مبوذجا‬ ‫‪.1‬‬

‫أبو القاسم سعد اهلل‪ ،‬دراسات يف األدب اعبزائري اغبديث‬ ‫‪.2‬‬

‫أبو قاسم سعد اهلل‪ ،‬دراسات يف األدب اعبزائري اغبديث‪ ،‬ط‪ ،01‬منشورات دار األدب‪،‬‬ ‫‪.3‬‬

‫بَتوت‪1966 ،‬ـ‬

‫أبو قاسم سعد اهلل‪ ،‬دراسات يف األدب اعبزائري‪ ،‬دار اآلداب‪ ،‬بَتوت‪ ،‬لبناف‪ ،‬ط‪،02‬‬ ‫‪.4‬‬

‫‪1977‬ـ‬

‫آثار عبد اغبميد ابن باديس‪ ،‬ج‪05‬‬ ‫‪.5‬‬

‫أضبد الشقَتي‪ ،‬صفحات يف القضية العربية‪ ،‬اؼبؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ ،‬ط األوىل‪،‬‬ ‫‪.6‬‬

‫بَتوت ‪1979‬ـ‬

‫أضبد شنة‪ ،‬طواحُت العبث‪ ،‬مؤسسة ىذيل‪ ،‬مطبعة ىومة‪ ،‬ط‪2000 ،01‬ـ‬ ‫‪.7‬‬

‫إلياس شوفاٍل‪ ،‬اؼبوجز يف تاريخ فلسطُت السياسي منذ فجر التاريخ‪ ،‬سنة ‪1949‬ـ‪،‬‬ ‫‪.8‬‬

‫مؤسسة الدراسات الفلسطينية‪ ،‬بَتوت‪1996 ،‬ـ‬

‫امية ضبداف ضبداف‪ ،‬الرمزية والرومانتي كية يف الشعر اللبناٍل‪ ،‬منشورات الثقافة واإلعالـ‪،‬‬ ‫‪.9‬‬

‫اعبمهورية العراقية‪ ،‬د‪.‬ط‪1981 ،‬ـ‬

‫‪ .10‬بطرس عودة‪ ،‬القضية الفلسطينية يف الواقع العريب‬

‫‪88‬‬
‫البيبيوغرافيا‬

‫‪ .11‬هبجت أبو غريبة‪ ،‬القضية الفلسطينية يف أربعُت عاـ بُت ضراوة الواقع وطموحات‬

‫اؼبستقبل‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بَتوت‪ ،‬لبناف‪1989 ،‬ـ‬

‫‪ .12‬هبجت صربي‪ ،‬فلسطُت خالؿ اغبرب العاؼبية األوىل وما بعدىا ‪1919‬ـ ‪1920-‬ـ‪،‬‬

‫صبعية الدراسات العربية‪ ،‬القدس‪1982 ،‬ـ‬

‫‪ .13‬جالؿ وبي‪ ،‬مشكلة فلسطُت واالذباىات الدولية‪ ،‬منشأة اؼبعارؼ‪ ،‬االسكندرية‪1965 ،‬ـ‬

‫‪ .14‬صبيل ىالؿ‪ ،‬النظاـ السياسي الفلسطيٍت بعد أوسلو‪ ،‬مواطن‪ ،‬اؼبؤسسة الفلسطينية للدراسة‬

‫الديبقراطية‪ ،‬راـ اهلل‪1988 ،‬ـ‬

‫‪ .15‬حسُت زيداف‪ ،‬قصائد األوراس إىل القدس‪ ،‬منشورات ‪ ،SED‬اعبزائر‪ ،‬ط‪1985 ،01‬ـ‬

‫دراجي سليم‪ ،‬يف انتظار إشارة اإلحبار‪ ،‬سلسلة اإلبداع اؼبعاصر‪ ،‬دار الفنك‪ ،‬اعبزائر‪،‬‬ ‫‪.16‬‬

‫ط‪1994 ،01‬ـ‬

‫‪ .17‬دوغاف أضبد‪ ،‬شخصيات من األدب اعبزائري‬

‫‪ .18‬ديواف ؿبمد العيد آؿ خليفة‪ ،‬الشركة الوطنية للنشر والتوزيع‪ ،‬اعبزائر‪1917 ،‬ـ‬

‫‪ .19‬الركييب عبد اهلل‪ ،‬قضايا عربية يف الشعر اعبزائري اؼبعاصر‬

‫‪ .20‬سعد اهلل فوزي‪ ،‬يهود اعبزائر ىؤالء اجملهولوف‪ ،‬انظر غيس شنوؼ‪ ،‬يهود اعبزائر‪2000 ،‬‬

‫سنة‪.‬‬

‫‪ .21‬سلماف أبو ستة‪" ،‬نكبة فلسطُت‪ ...‬مىت يبكن أف تزوؿ"‪ ،‬ؾبلة العريب‪ ،‬العدد ‪498‬‬

‫(د‪.‬ب)‪2000 ،‬ـ‬

‫‪89‬‬
‫البيبيوغرافيا‬

‫‪ .22‬الشريف بزازؿ‪ ،‬يعوزٍل وطن من ورد‪ ،‬ديواف ـبطوطات‬

‫‪ .23‬شعراء من اعبزائر‪ ،‬اغبلقة األوىل‪ ،‬جامعة الدوؿ العربية‪ ،‬معهد البحوث والدراسات العربية‪،‬‬

‫‪1969‬ـ‬

‫‪ .24‬الشيخ اؼبدٍل رضبوف بن أضبد‪ ،‬الديواف‪1977 ،‬ـ‬

‫‪ .25‬صاري اعباليل‪ ،‬اعبزائر يف التاريخ‬

‫‪ .26‬صاحل اػبريف‪ ،‬الشعر اعبزائري‪ ،‬الشركة الوطنية للنشر والتوزيع‪ ،‬اعبزائر‪1983 ،‬ـ‬

‫‪ .27‬عبد اغبميد العوايف‪ ،‬االنتفاضة والداخل اإلسرائيلي‪ ،‬شؤوف عربية‪ ،‬العدد ‪ 53‬آذار‪ /‬مارس‪،‬‬

‫عاـ ‪1988‬ـ‪ ،‬اإلدارة العامة‪ ،‬جامعة الدوؿ العربية‪ ،‬تونس‬

‫عبد الرضبن ابن عقوف‪ ،‬ديواف األطوار‪ ،‬الشركة الوطنية للنشر والتوزيع‪ ،‬اعبزائر‪1980 ،‬ـ‬ ‫‪.28‬‬

‫عبد اهلل الركييب‪ ،‬األوراس يف الشعر العريب ودراسات أخرى‬ ‫‪.29‬‬

‫عبد اهلل الركييب‪ ،‬قضايا عربية يف الشعر اعبزائري اؼبعاصر‪ ،‬اؼبؤسسة الوطنية للكتاب اعبزائر‬ ‫‪.30‬‬

‫والدار العربية للكتاب‪ ،‬تونس‪1983 ،‬ـ‬

‫عبد اهلل ؿبمد الغذامي‪ ،‬شرح النص (مقاربات تشروبية لنصوص شعرية معاصرة)‪ ،‬دار‬ ‫‪.31‬‬

‫الطليعة‪ ،‬بَتوت‪ ،‬لبناف‪ ،‬ط‪1987 ،01‬ـ‬

‫عثماف حشالؼ‪ ،‬الرمز والداللة يف شعر اؼبغرب العريب اؼبعاصر فًتة االستقالؿ‪ ،‬منشورات‬ ‫‪.32‬‬

‫جاحظية‪ ،‬اعبزائر‪ ،‬ط‪2000 ،01‬ـ‬

‫عز الدين ميهويب‪ ،‬اللعنة والغفراف‪ ،‬منشورات األصالة‪ ،‬سطيف‪ ،‬ط‪1997 ،01‬ـ‬ ‫‪.33‬‬

‫‪90‬‬
‫البيبيوغرافيا‬

‫عز الدين ميهويب‪ ،‬يف البدأ كاف أوراس‪ ،‬دار شهاب‪ ،‬عمار القريف‪ ،‬باتنة‪ ،‬ط‪،01‬‬
‫ّ‬ ‫‪.34‬‬

‫‪1985‬ـ‬

‫عمر دقاؽ‪ ،‬نقد الشعر القومي‪ ،‬منشورات ارباد الكتاب العرب‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوريا‪1978 ،‬ـ‬ ‫‪.35‬‬

‫عمر راسم‪ ،‬استعمار فلسطُت‪ ،‬دار األمريا مسلمُت‪ ،‬مرشد األمة ع‪،04‬‬ ‫‪.36‬‬

‫‪.1909/07/23‬‬

‫عمر راسم‪ ،‬استعمار فلسطُت‪ ،‬مرشد األمة‪ ،‬ع ‪. 1909/08/27 ،08‬‬ ‫‪.37‬‬

‫عمر راسم‪ ،‬كشف أعماؿ اليهود التخريبية صناعة جديدة للسلب والنهب‪ ،‬مرشد األمة‬ ‫‪.38‬‬

‫ع‪. 1909 /08/06 ،06‬‬

‫عودة بطرس عودة‪ ،‬القضية الفلسطينية يف الواقع العريب‬ ‫‪.39‬‬

‫غنيمي ىالؿ‪ ،‬األدب اؼبقارف‪ ،‬دار العودة‪ ،‬بَتوت‪ ،‬لبناف‪ ،‬د‪.‬ط‪1983 ،‬ـ‬ ‫‪.40‬‬

‫فوزي عيسى‪ ،‬النص الشعري وآليات القراءة‪ ،‬منشاة اؼبعارؼ‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬‬ ‫‪.41‬‬

‫‪1997‬ـ‬

‫كماؿ عجايل‪ ،‬مصطفى أبو بكر بن رضبوف‬ ‫‪.42‬‬

‫كماؿ عجايل‪ ،‬مصطفى أبو بكر بن رضبوف حياتو وشعره‪ ،‬ديواف اؼبطبوعات اعبامعية‪ ،‬بن‬ ‫‪.43‬‬

‫عكنوف‪ ،‬اعبزائر‪ ،‬ط ‪1991‬ـ‬

‫ؿبسن ؿبمد صالح‪ ،‬التيار اإلسالمي يف فلسطُت وآخروف يف حركة اعبهاد ‪1917‬ـ ‪-‬‬ ‫‪.44‬‬

‫‪1948‬ـ‪ ،‬مكتبة الفالح‪ ،‬الكويت‪1989 ،‬ـ‬

‫‪91‬‬
‫البيبيوغرافيا‬

‫ؿبفوظ بوشناؽ‪ ،‬برقية شهيد من سناء‪ ،‬دار البعث‪ ،‬قسنطينة‪ ،‬اعبزائر‪ ،‬ط‪1‬‬ ‫‪.45‬‬

‫ؿبمد أبو القاسم طبار‪ ،‬إرىاصات سرابية من زمن االحًتاؽ‪ ،‬اؼبؤسسة الوطنية للكتاب‪،‬‬ ‫‪.46‬‬

‫اعبزائر‪1986 ،‬ـ‬

‫ؿبمد البشَت اإلبراىيمي‪ ،‬عيوف البصائر‪ ،‬ج‪02‬‬ ‫‪.47‬‬

‫ؿبمد فتوح أضبد‪ ،‬الرمز والرمزية يف الشعر اؼبعاصر‪ ،‬دار اؼبعارؼ‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪1978 ،02‬ـ‬ ‫‪.48‬‬

‫ؿبمد ناصر‪ ،‬عمر راسم‪ ،‬اؼبصطلح الثائر‪ ،‬مطبعة الفوميك‪ ،‬اعبزائر‪( ،‬د‪.‬ت)‬ ‫‪.49‬‬

‫مدحت اعببار‪ ،‬صباليات اؼبكاف يف اؼبسرح‪ ،‬صالح عبد الصبور من كتاب اعبماليات‬ ‫‪.50‬‬

‫ؼبكاف عيوف اؼبقاالت‪ ،‬اؼبغرب‪ ،‬ط‪1988 ،02‬ـ‪.‬‬

‫اؼبدٍل رضبوف‪ ،‬الديواف‪ ،‬صبع وضبط وتعليق عبد اللطيف حٍت‪ ،‬ـبطوط ‪1993‬ـ‬ ‫‪.51‬‬

‫مروة هتامي‪ ،‬اؼبشاركة السياسية للمرأة يف ثوريت مصر وليبيا ‪2011‬ـ‪ ،‬دراسة إنثروبولوجية‬ ‫‪.52‬‬

‫ميدانية مقارنة‪ ،‬معهد البحوث والدراسات اإلفريقية‪ ،‬جامعة القاىرة ‪2013‬‬

‫مصطفى بيطاـ‪ ،‬الثورة اعبزائرية يف شعر اؼبغرب العريب‪1954 ،‬ـ ‪1962-‬ـ‬ ‫‪.53‬‬

‫مصطفى ؿبمد الغماري‪ ،‬بوح يف موسم األسرار‪ ،‬الفوميك‪ ،‬اعبزائر‪ ،‬ط‪1985 ،01‬ـ‬ ‫‪.54‬‬

‫مفدي زكرياء‪ ،‬اللهب اؼبقدس‪ ،‬ط‪ ، 03‬اؼبؤسسة الوطنية للفنوف اؼبطبعية‪ ،‬اعبزائر‪2000 ،‬ـ‬ ‫‪.55‬‬

‫مفدي زكرياء‪ ،‬إلياذة اعبزائر‪ ،‬ـ و ؾ‪ ،‬اعبزائر‪ ،‬ط‪1987 ،02‬ـ‬ ‫‪.56‬‬

‫ناصر معماش‪ ،‬االعًتاؼ األخَت‪ ،‬دار ىومة‪ ،‬اعبزائر‪ ،‬ط‪2001 ،01‬ـ‬ ‫‪.57‬‬

‫‪92‬‬
‫البيبيوغرافيا‬

‫األوؿ‪،‬‬
‫نذير الطيار‪ ،‬ملحمة اؽبجوـ على الشماؿ القسنطيٍت‪ ،‬مهرجاف الشعر اعبامعي ّ‬ ‫‪.58‬‬

‫جامعة قسنطينة‬

‫نصوص الطوفاف‪ ،‬منشورات ارباد الكتاب اعبزائريُت‪ ،‬دار ىومة‪ ،‬اعبزائر‪ ،‬ط‪2001 ،01‬ـ‬ ‫‪.59‬‬

‫ياسر نصَت‪ ،‬إ شكالية اؼبكاف يف النص األديب‪ ،‬دار الشؤوف الثقافية‪ ،‬بغداد‪ ،‬ط‪،01‬‬ ‫‪.60‬‬

‫‪1986‬ـ‬

‫ياغي عبد الرضبن‪ ،‬حياة األدب الفلسطيٍت اغبديث من ّأوؿ هنضة ‪ ...‬حىت النكبة‪ ،‬دار‬ ‫‪.61‬‬

‫اآلفاؽ اعبديدة‪ ،‬بَتوت‪ ،‬ط‪1981 ،2‬‬

‫وبي بن ىوف‪ ،‬النزعة الوحدوية يف شعر مفدي زكرياء‬ ‫‪.62‬‬

‫وبي بوعزيز‪ ،‬أعالـ الفكر والثقافة يف اعبزائر احملروسة‪ ،‬ج‪2‬‬ ‫‪.63‬‬

‫يوسف خليف‪ ،‬أوراؽ يف الشعر ونقده‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬القاىرة‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‬ ‫‪.64‬‬

‫ثانيا‪ :‬الرسائل واالطروحات‬

‫ؿبمد قري‪ ،‬مسار الرمز وتطوره يف الشعر اعبزائري اغبديث‪ ،‬أطروحة مقدمة لنيل شهادة‬ ‫‪.65‬‬

‫دكتوراه‪ ،‬علوـ يف األدب العريب‪2001 ،‬ـ‬

‫نبا حسن يوسف عوض‪ ،‬اؼبكاف يف الرواية الفلسطينية ‪ ،1988 - 1948‬رسالة‬ ‫‪.66‬‬

‫ماجستَت ـبطوطة‪ ،‬جامعة الَتموؾ‪ ،‬األردف‪1991 ،‬ـ‬

‫ثالثا‪ :‬الجرائد‬

‫جريدة البصائر‪ ،‬العدد ‪ 18‬جانفي ‪1984‬ـ‪.‬‬ ‫‪.67‬‬

‫‪93‬‬
‫البيبيوغرافيا‬

‫جريدة البصائر‪ ،‬العدد ‪ 35‬ماي ‪1948‬ـ‪.‬‬ ‫‪.68‬‬

‫موقع قصة اإلسالـ‪ ،‬أحداث فارقة يف االنتفاضة األوىل ‪1987‬ـ‪.‬‬ ‫‪.69‬‬

‫جريدة ميزاب‪ ،‬ع ‪ 14‬جانفي ‪1930‬ـ ‪.‬‬ ‫‪.70‬‬

‫‪94‬‬
‫الفهرس‬
‫الصفحة‬ ‫العنوان‬

‫كلمة شكر‬

‫اىداء‬

‫‪19‬‬ ‫مقدمة‬

‫المدخل قضية االلتزام في الثورة الفلسطينية‬

‫‪10‬‬ ‫الثورة الفلسطينية يف األدب العريب‬

‫‪10‬‬ ‫التطور‬
‫الثورة الفلسطينية النشأة و ّ‬

‫‪10‬‬ ‫قضية االلتزاـ يف الثورة الفلسطينية‬

‫الفصل األول موضوعات الثورة الفلسطينية في االدب الجزائري‬

‫‪03‬‬ ‫األول‪ :‬موضوعات الثورة الفلسطينية في االدب الجزائري‬


‫المبحث ّ‬
‫‪03‬‬ ‫يف النثر اعبزائري‬ ‫‪-3‬‬

‫‪99‬‬ ‫ذبليات القضية الفلسطينية يف الشعر الشعيب اعبزائري‬ ‫‪-4‬‬

‫‪93‬‬ ‫ّأوال‪ :‬فلسطُت قضية قومية يف الشعر الشعيب اعبزائري‬

‫‪90‬‬ ‫ثانيا‪ :‬القيمة الدينية والتارىبية لفلسطُت عند الشاعر رضبوف‬

‫‪30‬‬ ‫ثالثا‪ :‬وصف معاناة الشعب الفلسطيٍت األعزؿ‬


‫‪39‬‬ ‫رابعا‪ :‬التنبيو من خطر ىجرات اليهود لفلسطُت‬

‫‪01‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬نماذج من الشعر الجزائري‪:‬‬

‫‪01‬‬ ‫القضية الفلسطينية يف شعر " ؿبمد آؿ خليفة"‬

‫‪04‬‬ ‫القضية الفلسطينية يف شعر مفدي زكرياء‬

‫الفصل الثاني رمزية فلسطين في األدب الجزائري المعاصر‬

‫‪02‬‬ ‫األول‪ :‬الرمز في الشعر الجزائري المعاصر‬


‫المبحث ّ‬
‫‪02‬‬ ‫‪ - 3‬الرمز والشعر‬

‫‪40‬‬ ‫‪ - 0‬تجليات الرمز في الشعر الجزائري المعاصر‬

‫‪40‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬رمزية القدس في األدب الجزائري‬

‫‪00‬‬ ‫خاتمة‬

‫‪03‬‬ ‫قائمة المراجع والمصادر‬

‫الفهرس‬

‫ملخص‬
‫ملخص‬

‫أسفرت ىذه الدراسة عن صبلة من النتائج أنبها‪:‬‬

‫‪ -‬اإلحساس باإلنتماء الطبيعي واغبتمي ؽبذه األرض اؼبقدسة ألهنا ثالث اغبرمُت وأوىل القبلتُت‬

‫‪ -‬مناصرة القضية الفلسطينية من منطلق قومي وديٍت‬

‫‪ -‬ترصبة األديب اعبزائري ؼبا عاشو من احملنة نفسها ويتقاظباف اؽبم نفسو أال وىو اإلستدمار‪.‬‬

‫‪-‬تنذير باإلحتالؿ الصهيوٍل وجبرائمو ضد الشعب الشقيق الفلسطيٍت يف احملافل الدولية واؼبؤسبرات‬

‫القومية‬

‫‪ -‬التحسر على اؼباضي التليد للتاريخ اإلسالمي الذي كبن حباجة إليو اليوـ يف عاؼبنا العريب‪ .‬جبميع‬

‫مكوناتو ومشاىده وشخصياتو وأبطالو‪.‬‬

‫‪ -‬الوقوؼ عند احملطات السياسية يف قضيتها مع تبياف قيمتها التارىبية عند شعوب العامل ‪.‬‬

‫‪-‬التغٍت ببالد مهبط األنبياء‪.‬‬

‫الكلمات المفتاحية‪ :‬المقدسة‪ -‬الصهيوني‪ -‬اإلستدمار‪ -‬الفلسطيني‪ -‬التاريخية‬


Summary
This study resulted in a number of results, the most important of which
are:
- A sense of natural and inevitable belonging to this Holy Land because it is the
third of the Two Holy Places and the first of the two Qiblahs - Advocating the
Palestinian cause from a national and religious standpoint
- The Algerian writer's translation of what he lived through the same ordeal and
shared the same concern, which is sustainability
A warning of the Zionist occupation and its crimes against the brotherly
Palestinian people in international forums and national conferences
- Sorrow over the ancient past of Islamic history, which we need today in our
Arab world. With all its components, sights, characters and heroes.
- Standing at the political stations in its case while showing its historical value
among the peoples of the world.
Singing in the land of the prophets.

You might also like