You are on page 1of 208

‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.

com‬‬

‫تم تحميل هذا الكتاب‬


‫من مكتبة موقع‬
‫"بّلغوا عّني ولو آية"‬
‫رسالتنا‪ :‬يصل الكثير من الناس بعض الرسائل اللكترونية عن السلم ويقومون‬
‫صصنا هذه‬‫بحذفها أو تجاهلها بحجة أنها طويلة ويثقل عليهم قراءتها‪ .‬لذلك خ ّ‬
‫الصفحة للشتراك في عظة يومية قصيرة أو حديث شريف أو آية تصل إلى بريد‬
‫المشترك بحيث لن يصعب قرائتها والستفادة منها راجيا من المولى عز وجل‬
‫الجر والثواب‪ .‬مثال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬بلّـغوا عنّـي ولو‬
‫‪".‬آية‬

‫للشتراك في هذه الخدمة الرجاء زيارة موقعنا "بلّـغوا عنّـي ولو آية" في السفل‬
‫‪ :‬وتسجيل البريد اللكتروني‬
‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ :‬أو عن طريق إرسال رسالة ولو فارغة إلى‬


‫‪subscribe@balligho.com‬‬

‫‪.‬ويمكنكم أيضا أن تتصفحوا الرشيف بالحاديث المرسلة مسبقًا‬

‫ن في السلم سنة حسنة‪ ،‬فعمل بها‬ ‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬من س ّ‬
‫بعده‪ ،‬كتب له مثل أجر من عمل بها‪ .‬ول ينقص من أجورهم شيء‪ ...‬الحديث‪.‬‬
‫فاحرصوا يرحمكم ال على نشرها فكل من يزور الموقع ويستفيد منه عن طريقك‬
‫تكسب من الجر الكثير وإن قام بدوره بالعمل بها ونشرها أيضا فكلنا نكسب أمثل‬
‫‪.‬أجورهم ول ينقص من الجر شيئا‬

‫والسّنة‬
‫ب َ‬
‫دة إلى الك َِتا ِ‬ ‫و َ‬‫ع ْ‬
‫منهاجنا‪َ :‬‬
‫مة‬ ‫ف ال ُ‬‫سل َ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫ّ‬ ‫هم ِ َ‬‫ف ْ‬

‫‪1‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ةة ةةةةة ةةة ةةةةةة ةةةة ةةةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة‬


‫)ةةةة ةةة ةةةةةةةة ةةة ةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة ةةة‬
‫ةةةةةةةة(‬

‫الكتاب ‪ :‬موسوعة البحوث والمقالت العلمية‬


‫جمع وإعداد الباحث في القرآن والسنة‬
‫حوالي خمسة آلف وتسعمائة مقال وبحث‬
‫علي بن نايف الشحود‬

‫"أن فترة النقل تلك )في العصر العباسي( قد استمرت نحو قرن من الزمن‬
‫وانتهت في نحو عام ‪ 850‬للميلد )‪236‬هـ(‪ .‬ولكن تبعها دور من البتكار‪ ،‬دور‬
‫عبر فيه العرب عن فكرهم الصيل وازدهر في بغداد ثم امتد قرنين كاملين‪.‬‬
‫وكثر البتكار في عدد من ميادين المعرفة كعلم الكلم والفقه وفقه اللغة‬
‫والبحوث اللغوية الخرى والفلسفة والطب والعلوم الطبيعية‪ .‬ذلك كان دوًرا‬
‫ل مثيل له في جميع أدوار التاريخ العربي‪ .‬بل أن بإمكاننا أن نقول أكثر من‬
‫ذلك‪ :‬أننا على ثقة من أن العلماء الذين برعوا في الرياضيات والفلك‪،‬‬
‫والطباء من الذين عاشوا في بغداد في القرنين التاسع والعاشر للميلد‬
‫)الثالث والرابع للهجرة( لم يكن لهم مثيل )يومذاك( في قارتي أوروبة وآسيا‪.‬‬
‫لقد جعل هؤلء من مدينتهم عاصمة للعلم في العالم‪ ،‬كما كانت )من قبل(‬
‫أثينا عاصمة الفلسفة ورومية عاصمة التشريع والقدس عاصمة الديان‪..‬‬
‫وخلقوا حضارة ذات هبات غنية يغلب فيها عنصر البتكار‪ ،‬وأقاموا في السلم‬
‫عصًرا ذهبًيا )في العلوم الكونية(‪.(2)"..‬‬
‫]‪[3‬‬
‫"لم يدرك العرب وجود المعارف العلمية إل بعد أن جاءهم السلم وبعد أن‬
‫احتكوا بأهل الثقافات القديمة‪ .‬أن الفتوح السلمية في صدر السلم هي‬
‫التي أّدت إلى هذا الحتكاك الحيوي للعرب بالتراث الثقافي النفيس الذي‬
‫خّلفه اليونان والسريان والفرس والمصريون القدماء‪ ..‬لقد كان من أفضال‬
‫]العرب[ أنهم شجعوا كل جماعة من رعاياهم على أن تحافظ على تراثها‬
‫فا للسلم‪.(3)"..‬‬ ‫القومي وعلى أن توسعه ما دام هذا التراث ليس مخال ً‬
‫]‪[5‬‬
‫"فيما كان بناء المساجد ينتشر شرًقا حتى بلغ الصين وغرًبا حتى وصل إلى‬
‫الندلس كان نمط البناء يتأثر بعناصر محلية من غير أن تتبدل خطته‬
‫ما ظل‬ ‫الساسية تبدل ً يذكر‪ .‬وبما كان المسجد مكاًنا للعبادة فإن بناءه عمو ً‬
‫على بساطة وجلل‪ .‬ومع أنه استعار من أنماط البناء الخرى فإنه ظل معبًرا‬
‫ما‪ .‬وأما في أثناء تطوره في التاريخ‪ ،‬من ناحية‬ ‫عن السلم تعبيًرا عظي ً‬
‫العمارة‪ ،‬فإنه كان صورة مصغرة لتطور الثقافة السلمية‪ :‬تلك الثقافة التي‬
‫حا عنها – فيما يتعلق بالمم المختلفة وبأعراق البشر‬ ‫كان المسجد تعبيًرا صحي ً‬
‫المختلفة – إذ هو يمثل بصورة ملموسة ذلك التفاعل بين السلم وبين‬
‫جيرانه‪ .‬والمؤمن ذو التجاه الروحي‪ ،‬على كل حال‪ ،‬ل يقلقه ذلك التطور‪ .‬أنه‬
‫ما يكاد يدخل الصحن الذي ينكشف للسماء والذي تحيط به الروقة حتى يجد‬

‫‪2‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عا‪ ،‬في‬ ‫في نفسه ميل ً شدي ً‬


‫دا إلى النعتاق من البيئة المادية التي حوله ثم نزو ً‬
‫سموّ نحو المل العلى‪ .‬وهذه المئذنة الطويلة الرشيقة‬ ‫الوقت نفسه‪ ،‬إلى ال ّ‬
‫فإنها أشبه بالصبع التي تنتصب مشيرة إلى السماء وأما في جوف المسجد‬
‫فإن القبة المتللئة بالمصابيح تبدو وكأنها صورة منقولة عن قبة السماء‪.‬‬
‫وكذلك المحراب المزخرف )بالشكال والغصان والمزين باليات الكريمة(‬
‫فإنه يوجه القلب إلى مصدر الهدى واليمان‪ .‬والعمدة التي تتوالى في‬
‫صفوف ل تكاد العين أن ترى آخرها توحي بأنها ل تتناهى‪ .‬وهؤلء المصلون‬
‫حولك )مًعا أو فرادى‪ ،‬في كل مكان من المسجد( يوّلدون في النفس شعوًرا‬
‫بمشاركة في أخوة تسع العالم كله")‪.(4‬‬
‫]‪[6‬‬

‫)‪(129 /‬‬

‫سموّ والتقدم لم‬ ‫"‪ ..‬أنه جاء يوم بلغت فيه الثقافة السلمية درجة من ال ّ‬
‫يقابلها فيها غيرها من الثقافات الهندية والصينية في الشرق أو اليونانية‬
‫واللتينية في الغرب‪ .‬والذي نعنيه بالثقافة السلمية تلك المجموعة من‬
‫العلوم والفنون والفلسفات التي نشأت في ظل السلم‪ ..‬تمتعت هذه‬
‫الثقافة بعصرها الذهبي من منتصف القرن الثامن للميلد إلى مطلع القرن‬
‫الثالث عشر يوم كانت اللغة العربية أداة التعبير عنها‪ ،‬ويوم كانت الشعوب‬
‫العربية اللسان – وبينهم السوري والعراقي والمصري والفارسي والتركي‬
‫وغيرهم – في مقدمة مشعل الحضارة في العالم قاطبة‪ ،‬وجاء عدد المؤلفات‬
‫في هذه اللغة في تلك الحقبة‪ ،‬المؤلفات الفلسفية والطبية والتاريخية‬
‫والفلكية والجغرافية والرياضية واللغوية‪ ،‬أكثر من عددها بأي لغة أخرى من‬
‫آسيوية أو أوروبية‪ .‬والغريب في أمر العربية التي كانت إلى أواسط القرن‬
‫الثامن لغة شعر ودين فحسب‪ ،‬أنها في خلل قرن واحد تطورت وتقدمت‬
‫إلى أن أصبحت أداة صالحة لنقل دقائق الفلسفة وحقائق العلوم‬
‫ومصطلحات الفنون‪ .‬وربما لم يكن من مثيل لهذه الظاهرة الغربية في تاريخ‬
‫نشوء اللغات وبفضل جهود أبناء هذه اللغة‪ ..‬تسنى لعلوم القدمين‪ ،‬من هنود‬
‫وساميين ويونان ولتين‪ ،‬مضاًفا إليها ما ابتكره هؤلء البناء‪ ،‬على اختلف‬
‫عناصرهم القومية‪ ،‬أن تنتهي بعد أجيال عديدة إلى غربي أوروبا‪ ،‬وذلك عن‬
‫طريق سورية الصليبية وصقلية وإسبانيا المسلمتين‪ ،‬فتصبح أساس العرفان‬
‫الذي دان له الفكر الوروبي في القرون الوسطى‪ ،‬ورائد السبل لنشوء‬
‫النهضة الحديثة في أوروبا الغربية التي ل يزال إلى اليوم أبناء أوروبا وأمريكا‬
‫ينعمون ببركاتها فبينا كان الوروبي يتخبط في ديجور العصور – التي أطلقوا‬
‫عليها بحق العصور المظلمة – كان كتبة العربية – وهم يومئذ يشملون معظم‬
‫المجتمع السلمي – يرتعون في عصرهم العلمي الذهبي")‪.(5‬‬
‫______________________________________‬
‫السلم منهج حياة ‪ ،‬ص ‪. 11 – 10‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 189‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 210 – 209‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 308 – 306‬‬
‫الثقافة السلمية والحياة المعاصرة‪ ،‬جمع وتقديم‪ ،‬محمد خلف الله‪ ،‬ص‬
‫‪ .551-550‬وعن إنجازات المسلمين في ميادين العلوم الصرفة‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫السلم منهج حياة‪ ،‬ص ‪ ،231-224 ،220-211‬وفي الداب والفنون‪ ،‬ص‬

‫‪3‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪.336 ،335 ،323-322 ،296-294 ،287-286 ،264‬‬


‫جورج حنا‬
‫]‪[1‬‬
‫دتها إلى‬
‫ّ‬ ‫تع‬ ‫بل‬ ‫فقط‪،‬‬ ‫العسكرية‬ ‫الناحية‬ ‫في‬ ‫العربية‬ ‫الفتوحات‬ ‫تنحصر‬ ‫"لم‬
‫الناحية الثقافية‪ .‬لقد كان في العرب علماء وفلسفة وحكماء‪ ،‬درسوا‬
‫الفلسفة اليونانية وعلومها ونبشوا منها ما كان الحكم الروماني قد أقفل عليه‬
‫البواب‪ .‬فكان للعلماء والفلسفة العرب الفضل في إعادة الثقافة اليونانية‬
‫إلى رونقها‪ .‬فعندما كانت السلطات الغربية في القرون الوسطى المظلمة‪،‬‬
‫في خضوعها المطلق للكنيسة الرومانية‪ ،‬تنصاع‪ ،‬مسّيرة أو مخّيرة لحكامها‪،‬‬
‫وتنفذ إرادة الكنيسة دونما بحث أو جدل‪ ،‬وعندما كانت محاكم التفتيش تحكم‬
‫بالموت والحراق والتشريد على كل من نازع السلطة البابوية تعاليمها‬
‫ما على ربوع وحياة الغرب‪ ،‬كان علماء‬ ‫وعقائدها‪ .‬وعندما كان الجهل مخي ّ ً‬
‫العرب يبحثون عن المعرفة أينما وجدت‪ .‬وكان خلفاء العرب يسّهلون لهؤلء‬
‫العلماء مهماتهم‪ ،‬ويقدمون لهم المساعدات‪ .‬فعكف الباحثون على إخراج‬
‫العلوم اليونانية من مدفنها ونقولها إلى العربية‪ ،‬وزادوا عليها من اختباراتهم‬
‫ونظرياتهم ومشاهداتهم‪ ،‬ووضعوا كتًبا قيمة في الفلسفة والطب والجبر‬
‫والكيمياء والرياضيات والفلك‪ ،‬وقام منهم رحالون إلى بلد المغرب والشرق‪،‬‬
‫ودرسوا اللغات المنتشرة فيها وترجموا من كتبها ما ل يزال إلى يومنا هذا‬
‫يدرس للطلب‪.(1)"..‬‬
‫]‪[3‬‬
‫"لول العرب لبقيت الثقافة اليونانية مطموسة‪ ،‬ولما أخرجت هذه الثقافة من‬
‫مدفنها الذي زجها فيها الرومانيون‪ ..‬فما إن أخذت المبراطورية الرومانية‬
‫في النحلل حتى عادت الثقافة اليونانية إلى الظهور مرة ثانية‪ ،‬ولم يكن‬
‫ظهورها في الغرب بل في الشرق‪ ..‬وإذا كان النسطوريون هم الذين كشفوا‬
‫عنها الغطاء فالعرب هم الذين نشروها في الشرق ثم بعثوها إلى الغرب")‬
‫‪.(2‬‬
‫]‪[4‬‬
‫"أن الحقبة التاريخية الواقعة بين القرن العاشر والقرن الثالث عشر‬
‫]الميلدي[ هي بحق عصر العرب الذهبي‪ .‬ففي هذه الحقبة كان العرب‬
‫حاملي مشعل الثقافة الوحيدين‪ .‬وعلى الرغم من أن فتوحات العرب‬
‫العسكرية نحو الغرب‪ ،‬لم تمتد إلى أكثر من مائة سنة‪ ،‬وانتهت بهزيمتهم في‬
‫موقعة )بواتييه( على يد شارل مارتل فإن التوسع الثقافي العربي استمر في‬
‫امتداده نحو الغرب‪ ،‬وبقي الفكر العربي يصدر إنتاجه الخصب من الندلس‬
‫وشواطئ أفريقيا إلى سواحل أوروبا الجنوبية‪ ،‬ومن هناك يغزو أوروبا كلها‪،‬‬
‫سا لنهضتها")‪.(3‬‬‫ويضع أسا ً‬
‫]‪[5‬‬

‫)‪(130 /‬‬

‫دعيه بعض المكابرين‪ ،‬الذين ينكرون‬‫"ل يسعنا إل أن نسجل استغرابنا مما ي ّ‬


‫قيام حضارة عربية في التاريخ‪ ،‬فإذا كانت البحوث العلمية والفلسفية‬
‫والثقافية مضاًفا إليها العمال الفنية‪ ،‬وما تنطوي عليه كل هذه الشؤون من‬
‫قيم‪ ،‬ل تشكل حضارة ذات شأن‪ ،‬فماذا تكون إذن الدعائم التي تقوم عليها‬
‫الحضارات؟ صحيح أن العرب نقلوا عن اليونان والفرس والهنود والرومان‪،‬‬

‫‪4‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولكن هل ينكر عليهم ما رادوه على ذلك باكتشافاتهم في الطب والكيمياء‬


‫ضا؟ وهل من النصاف أن ينكر على‬ ‫والجبر والفلك والرياضيات‪ ،‬وفي الفن أي ً‬
‫فلسفتهم وحكمائهم‪ ،‬نظرياتهم في الجتماع والقتصاد والدارة؟ ثم ماذا‬
‫يضير العرب إذا كانوا نبشوا ما كان دفيًنا من فلسفة اليونان وحضارتهم‬
‫وأظهروه إلى النور؟ إن من يطالع الكتب الغربية التي أنتجها عصر النهضة‪،‬‬
‫حا فما جاء به )مونتسكيو( و)باكون( وعلماء‬ ‫يجد فيها أثر علماء العرب واض ً‬
‫دا‬
‫الجتماع في القرن السادس عشر والسابع عشر‪ ،‬تجده‪ ،‬أو تجد له تمهي ً‬
‫على القل‪ ،‬في مقدمة ابن خلدون‪ ،‬هذه المقدمة التي لم تترك حقل ً من‬
‫حقول البحث الجتماعي إل وطرقته‪ ،‬حتى شهد علماء الغرب أنفسهم أنها‬
‫أعظم مؤلف علمي واجتماعي‪ .‬وكتب الفلك الغربية محشوة بالكلمات‬
‫دا من تبنيها‪ ..‬والرقام الغربية‬ ‫العربية التي لم يجد علماء الفلك الغربيون ب ً‬
‫ما عربية‪ .‬كل هذا إنما يدل على مدى اقتباس العلوم الغربية‬ ‫ليست إل أرقا ً‬
‫من العلوم العربية‪ .‬إن ما تحويه المؤلفات العلمية والفلسفية الغربية من‬
‫أمثال هذه الشواهد لدليل على أن النضج الفكري والعلمي الذي نقرأ عنه في‬
‫عصر النهضة الغربية وبعدها‪ ،‬إنما كان متأثًرا إلى حد بعيد بالنضج الفكري‬
‫سا منه‪.(4)"..‬‬
‫سا عليه ومقتب ً‬ ‫والعلمي عند العرب‪ ،‬بل كان مؤس ً‬
‫]‪[6‬‬
‫"لقد دهش الصليبيون من التقدم العلمي والفكري في الشرق‪ .‬فكانوا عندما‬
‫يعودون إلى بلدهم‪ ،‬يروون لمواطنيهم الروايات المختلفة عنه‪ ،‬ويشوقونهم‬
‫للقتداء بالنهضة الفكرية فيه‪ ..‬وعندما عاد المبراطور ]النورماني[ فردريك‬
‫الثاني إلى بلده‪ ،‬أسس جامعة نابولي وجامعة ساليرنو الطبية‪ ،‬واعتمد في‬
‫هاتين الجامعتين الدروس التي وضعها ابن سيناء والرازي وابن رشد وابن‬
‫خلدون وسائر أقطاب العلم والفلسفة العرب‪ ..‬وهو الذي أدخل الرقام‬
‫العربية وعلم الجبر إلى أوروبا‪ .‬إن جامعتي نابولي وساليرنو كانتا النافذة‬
‫سا للنهضة‬ ‫الولى التي تسّربت منها النهضة الفكرية إلى أوروبا‪ ،‬ووضعت أسا ً‬
‫الفكرية فيها‪ ،‬في العهد الذي عرف بعهد النبعاث")‪.(5‬‬
‫______________________________________‬
‫قصة النسان ‪ ،‬ص ‪. 81‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 83‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 84‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 87 – 86‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 96‬‬
‫اميل درمنغم‬
‫]‪[1‬‬
‫"إن العرب إذ صار لهم سيد دان له الجميع‪ ..‬وصارت لهم روح عامة ومبدأ‬
‫واحد‪ ،‬أصبحوا من القوة ما استطاعوا به أن يكونوا ذوي شأن في العالم‪..‬‬
‫وكانوا مستعدين ليرثوا الدول العالمية المتحضرة‪] .‬وهم[ على خلف‬
‫الجرمان والوندال والبرابرة بدوا وارثين مستعدين لتمثيل دورهم في التاريخ‬
‫وا في سّلم الحضارة‪ .‬وكان ظهورهم في الوقت المناسب‪..‬‬ ‫والصعود ت ً‬
‫فأنقذوا العالم من النهيار‪ ،‬وأخذوا المصباح من أيدي البيزنطيين والفرس‬
‫العاجزة فكان دور خلفاء بني أمية وبني العباس الذي يعد من أنضر أدوار‬
‫التاريخ‪ ،‬وذلك قبل أن ينتقل هذا المصباح في القرن الثالث عشر إلى ما بين‬
‫البارتنون وشارتر‪ .‬والعرب لو تركت حبالهم على غواربهم ما قاموا بغير‬
‫التخريب‪ ..‬ولكنهم جلبوا معهم السلم والمروءة حين قبضوا على زمام‬

‫‪5‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل فازدهرت بفضلهم")‪.(1‬‬ ‫المدنيات القديمة التي كادت تنح ّ‬


‫______________________________________‬
‫)‪ (1‬حياة محمد ‪ ،‬ص ‪. 369‬‬
‫دريو)‪(1‬‬
‫]‪[1‬‬
‫"في الزمن الذي كانت فيه إيطاليا تتخبط في دياجي الحروب‪ ،‬ول سيما على‬
‫عهد برابرة المملكة المقدسة‪ .‬كان الفتح العربي في طرفي البحر المتوسط‬
‫أعظم وأخصب من الفتح الروماني‪ ،‬وقد دامت ممالكه قروًنا‪ ،‬وكانت مصانعه‬
‫دا‪ .‬وقد كان‬‫أعظم أثًرا من مصانع روميه‪ ،‬وما هي إل عنوان ثقافة عالية ج ً‬
‫لهم الثر المشهود في إسبانيا إلى آخر القرن الخامس عشر")‪.(2‬‬
‫______________________________________‬
‫)‪ (1‬إي ‪ .‬دريو ‪E. Driauit‬‬
‫مؤرخ فرنسي‪ ،‬عني بالشئون الشرقية‪.‬‬
‫من آثاره‪) :‬المسألة الشرقية منذ نشأتها حتى عام ‪ (1921) (1920‬و)الحملة‬
‫الفرنسية وحكم محمد علي(‪ .‬كما نشر عدًدا من الدراسات في التاريخ‬
‫الحديث‪.‬‬
‫)‪ (2‬المسألة الشرقية ) عن محمد كرد علي‪ :‬السلم والحضارة العربية‬
‫‪.( 1/20‬‬
‫ايتين دينيه‬
‫]‪[1‬‬
‫"إن الفروسية ونبالة قصدها لم يكن يعرفها القدمون من اليونان والرومان‬
‫ولكنها كانت معروفة عند العرب أيام جاهليتهم ثم هذبها السلم وطهرها‬
‫تطهيًرا‪ .‬وعلى يده دخلت أوروبا ووصلت إلينا نحن الغربيين‪ .‬ولم يبق أحد‬
‫اليوم ينكر نسبتها إلى العرب‪.(1)"..‬‬
‫]‪[2‬‬

‫)‪(131 /‬‬

‫"‪ ..‬نستطيع أن نبرهن على أن المحاولت الولى في السعي إلى تحرير‬


‫الفكر كانت أثًرا منطقًيا للمبادئ التي جاء بها محمد ]صلى الله عليه وسلم[‬
‫فإلى الفيلسوف المسلم ابن رشد يرجع الفضل في إدخال حرية الرأي )التي‬
‫يجب أن ل نخلط بينها وبين اللحاد( في أوروبا‪ .‬وقد عارض ابن رشد وحدة‬
‫الوجود القديمة والتجسيم المسيحي بعقيدة اليمان بالله وحده في السلم‪،‬‬
‫وتحمس أحرار الفكر في العصر الوسيط الوروبي لشروحه لرسطو‪ ،‬وإن‬
‫كان هذه الشروح مصبوغة بصبغة إسلمية قوية‪ .‬ويمكن أن نعتبر – بحق – أن‬
‫التيار الفكري الذي نشأ عن هذا التحمس لبن رشد كان أصل التفكير‬
‫المنطقي الحديث فضل ً عن كونه من أصول الصلح الديني")‪.(2‬‬
‫______________________________________‬
‫أشعة خاصة بنور السلم‪ ،‬ص ‪. 28‬‬
‫محمد رسول الله ‪ ،‬ص ‪. 324‬‬
‫ول ديورانت‬
‫]‪[1‬‬
‫"‪ ..‬أن الخلفاء الولين من أبي بكر ]رضي الله عنه[ إلى المأمون قد وضعوا‬
‫النظم الصالحة الموفقة للحياة النسانية في رقعة واسعة من العالم‪ ،‬وأنهم‬

‫‪6‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كانوا من أقدر الحكام في التاريخ كله‪ .‬ولقد كان في مقدورهم أن يصادروا‬


‫كل شيء أو أن يخربوا كل شيء‪ ،‬كما فعل المغول أو المجر أو أهل الشمال‬
‫من الوروبيين لكنهم لم يفعلوا هذا‪ ..‬كانت العراق قبل الفتح السلمي‬
‫صحراء جرداء فاستحالت أرضها بعده جناًنا فيحاء‪ ،‬وكان كثير من أرض‬
‫فلسطين قبيل الفتح رمل ً وحجارة‪ ،‬فأصبحت خصبة غنية عامرة بالسكان‪..‬‬
‫لقد أمن الخلفاء الناس إلى حد كبير على حياتهم وثمار جهودهم‪ ،‬وهيأوا‬
‫الفرص لذوي المواهب‪ ،‬ونشروا الرخاء مدى ستة قرون في أصقاع لم تر‬
‫قط مثل هذا الرخاء بعد عهدهم‪ ،‬وبفضل تشجيعهم ومعونتهم انتشر التعليم‪،‬‬
‫وازدهرت العلوم‪ ،‬والداب‪ ،‬والفلسفة‪ ،‬والفنون ازدهاًرا جعل آسيا الغربية‬
‫مدى خمسة قرون أرقى أقاليم العالم كله حضارة")‪.(1‬‬
‫"‪ ..‬في وسع القارئ أن يحكم على ثراء الدب السلمي إذا عرف أن الكتب‬
‫التي ذكرها – ابن النديم في الفهرست – على ما نعلم لم يبق منها الن واحد‬
‫في اللف")‪.(2‬‬
‫]‪[2‬‬
‫مت في علم الكيمياء الطريقة التجريبية العلمية وهي‬ ‫"‪ ..‬أن العلوم العربية ن ّ‬
‫أهم أدوات العقل الحديث وأعظم مفاخره‪ .‬ولما أن أعلن روجر بيكون هذه‬
‫الطريقة إلى أوروبا بعد أن أعلنا جابر ]ابن حيان[ بخمسمائة عام كان الذي‬
‫هداه إليها هو النور الذي أضاء له السبيل من عرب الندلس وليس هذا‬
‫سا من نور المسلمين في الشرق")‪.(3‬‬ ‫الضياء نفسه إل قب ً‬
‫]‪[3‬‬
‫ما ضئيل ً مما أثمرته‬ ‫"‪ ..‬ليس هذا الجزء الباقي ]من تراث المسلمين[ إل قس ً‬
‫قرائحهم‪ ،‬وليس ما أثبتناه في هذه الصحف إل نقطة من بحر تراثهم‪ .‬وإذا‬
‫كشف العلماء عن هذا التراث المنسي فأكبر ظّننا أننا سنضع القرن العاشر‬
‫من تاريخ السلم في الشرق بين العصور الذهبية في تاريخ العقل البشري")‬
‫‪.(4‬‬
‫______________________________________‬
‫محمد رسول الله ‪ ،‬ص ‪. 171 – 170 / 13‬‬
‫نفسه ‪. 172 / 13 ،‬‬
‫نفسه ‪. 196 / 13 ،‬‬
‫نفسه ‪. 213 / 13 ،‬‬
‫مكسيم رودنسن‬
‫]‪[1‬‬
‫"هكذا أظهرت الترجمات اللتينية ]لمؤلفات المسلمين[ تدريجًيا وانتشرت‬
‫صا‬‫ثروة العرب العلمية بحيث وصلت إلى إنجلترا واللورين وساليرنو وخصو ً‬
‫إلى إسبانيا حيث كان التصال يجري بسهولة أكثر‪.(1)"..‬‬
‫]‪[2‬‬
‫"في عام ‪1180‬م‪ ،‬اكتملت المجموعة الولى من مؤلفات ابن سينا الفلسفية‬
‫وأخذت تروج في أوروبا وكان تأثيرها بالًغا‪ ،‬وتبعها ترجمات لفلسفة آخرين‬
‫بتلحق سريع‪ ..‬وقد أخذت تتشكل في أذهان المفكرين الغربيين صورة أخرى‬
‫ما‬
‫دا لفلسفة عظام‪ .‬وكان تلك صورة مضادة تما ً‬ ‫للعالم السلمي بوصفه مه ً‬
‫للصورة السابقة‪ ،‬صورة الكيان السياسي الذي يسيطر عليه دين معاد‬
‫ومغلوط‪ ،‬وهي الصورة التي خلقتها الخرافات السخيفة والكريهة في أذهان‬
‫الناس‪ ..‬واستطاع علماء اللهوت الفلسفة أن ينقلوا إلى المسيحية ما كان‬
‫يذكره ابن سيناء عن الحضارة السلمية‪ ..‬بل لقد جاء وقت كان لفظ‬

‫‪7‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)الفيلسوف( يعني فعلًيا )المسلم(‪.(2)"..‬‬


‫]‪[3‬‬
‫"من وجهة النظر الفكرية نجد أن كبار المؤلفين المسلمين الذين كان‬
‫اكتشافهم قوة تجديدية أصبحوا يتمثلون )ويهضمون( بصورة تدريجية‬
‫ويدمجون ضمن الثقافة العامة‪ .‬وخلل عدة قرون نجد أن ابن سينا وابن رشد‬
‫والغزالي في الفلسفة‪ ،‬وابن سيناء وعلي بن العباس والرازي في الطب‪،‬‬
‫ومؤلفين آخرين ]في العالم السلم[ نجد هؤلء يقلدون وتعاد طباعة أعمالهم‬
‫ويعلق عليها وتدرس‪.(3)"..‬‬
‫______________________________________‬
‫تراث السلم ) تصنيف شاخت وبوزورث( ‪. 36 / 1‬‬
‫نفسه ‪. 41 – 40 / 1 ،‬‬
‫نفسه ‪. 52 / 1 ،‬‬
‫فرانز روزنثال‬
‫]‪[1‬‬

‫)‪(132 /‬‬

‫"أن نمو المدنية السلمية من أروع الحداث في تاريخ الفكر النساني‬


‫ضا‬
‫ً‬ ‫غام‬ ‫وسيبقى مثار أعظم العجاب‪ .‬ولكن ل يمكن اعتبار هذه المدنية أمًرا‬
‫أو معجزة‪ ،‬ولعلها كانت معجزة من حيث حدوثها بسرعة عجيبة لدرجة أنها‬
‫كملت بعد بدئها بوقت قصير‪ .‬وقد يمكن أن نعتبرها غامضة من حيث أن كل‬
‫عمل من البداع الفكري‪ ،‬وكل ازدهار في أية مدنية هما أمران ل يحصرهما‬
‫الدراك النساني التام‪ ،‬أما في السلم فإننا نجد أن السباب والظروف التي‬
‫حا من السباب والنتائج التي أوجدت‬ ‫أوجدت المدنية السلمية أشد وضو ً‬
‫معظم المدنيات الخرى‪.(1)"..‬‬
‫]‪[2‬‬
‫"لقد استطاع السلم بفضل الله ثم بفضل أنظمته العسكرية والظروف‬
‫التاريخية الملئمة أن يكتسح في زمن قصير بلًدا كانت تتمثل فيها جميع‬
‫المنجزات الفكرية القائمة آنذاك‪ ،‬وسرعان ما أخذت حضارته تتبنى لنفسها‬
‫هذه المنجزات بقيامها بحركة ترجمة واسعة واقتباس كبير‪ .‬ونظًرا لنها حركة‬
‫روحية جديدة فقد اضطرت إلى عرض معتقداتها لخصومها‪ ،‬وإلى أن تدافع‬
‫عن عّلة وجودها وكان عليها باعتبارها طريقة جديدة في الحياة‪ ،‬أن تصلح‬
‫المؤسسات الدارية التي وجدتها في مختلف القاليم‪ ،‬وفوق كل هذا فبتقدم‬
‫السلم تهاوت الحواجز القديمة من اللغة والعادات‪ ،‬وتوفرت فرصة نادرة‬
‫لجميع الشعوب والمدنيات لتبدأ حياة فكرية جديدة على أساس المساواة‬
‫المطلقة وبروح من المنافسة الحّرة‪ .‬وقد تمت في القرن التاسع الميلدي‬
‫الفترة التكوينية لهذه العمليات وصار كل فرع من فروع المعرفة في السلم‬
‫تتحكم فيه منذ ذلك الوقت قوانين وتقاليد المدنية السلمية المستقلة")‪.(2‬‬
‫]‪[3‬‬
‫"يقول فون كريمر عند وصفه النشاط العلمي عند المسلمين‪) :‬أن أعظم‬
‫نشاط فكري قام به العرب يبدو لنا جلًيا في حقل المعرفة التجريبية ضمن‬
‫طا واجتهاًدا عجيبين حين‬ ‫دائرة ملحظاتهم واختباراتهم‪ .‬فإنهم كانوا يبدون نشا ً‬
‫حصون وحين يجمعون ويرتبون ما تعلموه من التجربة أو أخذوه‬ ‫يلحظون ويم ّ‬
‫من الرواية والتقليد‪ .‬ولذلك فإن أسلوبهم في البحث أكبر ما يكون تأثيًرا‬

‫‪8‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عندما يكون في نطاق الرواية والوصف‪ .‬ولذا يحتل التاريخ والجغرافيا المقام‬
‫الول في أدبهم وبصفتهم أصحاب ملحظة دقيقة‪ ،‬وبصفتهم مفكرين مبدعين‬
‫فإنهم قد أتوا بأعمال رائعة في حقلي الرياضيات والفلك‪ .‬وللسبب ذاته نجح‬
‫العرب في التشريع وفي وضع قواعد اللغة من صرف ونحو في شكل شامل‬
‫محكم‪.(3)"..‬‬
‫]‪[4‬‬
‫"وكثيًرا ما يشوه آراء الغربيين في البحث العلمي عند المسلمين شعورهم‬
‫قا أن نسمع‬ ‫بالتفوق والعلوّ شعوًرا ل يرتكز على منطق‪ .‬فمن العجيب ح ً‬
‫ما أوروبًيا يقول عن ياقوت الذي يرفض تصديق ]إحدى القصص[‪) :‬يندر‬ ‫عال ً‬
‫دا أن يبدو ياقوت بهذا التعقل وهذه الرصانة( في الوقت الذي نعلم فيه أن‬ ‫ج ً‬
‫ما إذا ما قيس‬ ‫هذا المؤلف الغربي‪ ،‬بقطع النظر عن مؤهلته العلمية‪ ،‬يبدو قًز ً‬
‫بياقوت ]الحموي[‪.(4)"..‬‬
‫]‪[5‬‬
‫"كانت المكتبة الخاصة‪ ،‬بالنسبة للعالم المسلم‪ ،‬أعّز ما يملكه‪ ،‬وكان فقدها‬
‫ما أشد من اللم الذي يشعر به عالم اليوم إذا ما فقد‬ ‫كارثة تترك في نفسه أل ً‬
‫كتبه")‪.(5‬‬
‫______________________________________‬
‫علم التاريخ عند المسلمين ‪ ،‬ص ‪. 46 – 45‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 46‬‬
‫)‪ (3‬مناهج العلماء المسلمين في البحث العلمي ‪ ،‬ص ‪ ، 15‬عن بحث فوق‬
‫كريمر‪:‬‬
‫‪. .(Culturgeschichte des Orients II, 466 (Vienna, 1875-7‬‬
‫)‪ (4‬مناهج العلماء المسلمين في البحث العلمي ‪ ،‬ص ‪. 19 – 18‬‬
‫)‪ (5‬نفسه ‪ ،‬ص ‪ ،49‬ومن إنجازات المسلمين في ميدان )المنهج( انظر‪:‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪-115 ،93-92 ،74-72 ،64-62 ،55 ،19 ،17 ،15-14‬‬
‫‪. 188-187 ،153-151 ،123‬‬
‫جاك ريسلر‬
‫]‪[1‬‬
‫"سيطر السلم أثناء خمسمائة عام من ‪ 700‬إلى ‪1200‬م على العالم بالقوة‬
‫وبالعلم‪ ،‬وبتفوق حضارته")‪.(1‬‬
‫]‪[2‬‬
‫ماها‪ ،‬نقلها‬‫"لقد ورث السلم تراث اليونان من الفلسفة والعلوم‪ ،‬ثم بعد أن ن ّ‬
‫إلى أوروبا الغربية‪ .‬كما أنه استطاع أن يوسع الفق الفكري للعصر الوسيط‬
‫وأن ينفذ بعمق إلى الفكر والحياة الوروبيتين")‪.(2‬‬
‫]‪[3‬‬
‫"أن ما يشاهده المرء من القرن التاسع إلى القرن الثاني عشر لم يكن له‬
‫مثيل قبل ذلك‪ .‬ففي كل مكان كلف ل حد ّ له بالكتب‪ .‬وآلف المساجد تهتز‬
‫بفصاحة العلماء ومائة بلط رائع تدوي بمباريات شعرية أو فلسفية‪ ،‬وطرقات‬
‫غاصة بعلماء الجغرافية‪ ،‬وعلماء التاريخ‪ ،‬وعلماء الدين للبحث عن المعرفة‪.‬‬
‫وهذه أهم يقظة فكرية في التاريخ السلمي")‪.(3‬‬
‫]‪[4‬‬
‫"‪ ..‬عندما بهرت الحضارة ]السلمية[ المشرقة بعض رجال الدين والعلمانيين‬
‫من أوروبا المسيحية كلها‪ ،‬أخذوا يزحفون‪ ،‬حًبا في الحرية ]التي تميزت بها‬
‫هذه الحضارة[ إلى قرطبة وطليطلة وإشبيلية‪ ،‬لكي يحضروا دروس‬

‫‪9‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الجامعات السلمية ومحاضراتها")‪.(4‬‬


‫]‪[5‬‬

‫)‪(133 /‬‬

‫"لكي نقيم حساًبا كامل ً لسهامات الشرق الفكرية تجاه الغرب‪ ،‬كان يجدر بنا‬
‫ضا أن ننسب إلى العرب ما للعرب من تطبيقات صناعية نجمت عن‬ ‫أي ً‬
‫المعرفة السلمية‪ ..‬ويكفي أن يتصور المرء القارة الوروبية في فجر العصور‬
‫الحديثة من غير أن تملك تحت تصرفها هذه الهبات الثلث‪ :‬البارود‪ ،‬والبوصلة‪،‬‬
‫والكتاب‪ ،‬رمز المعاونة السلمية في بناء النسانية")‪.(5‬‬
‫______________________________________‬
‫الحضارة العربية ‪ ،‬ص ‪. 82‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 83‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 100‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 154‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 192 – 191‬‬
‫جورج سارتون‬
‫]‪[1‬‬
‫"‪] ..‬أن إدراك الفاتحين لضرورة الخذ عن ثقافات الشعوب المفتوحة[ قد‬
‫فسح المجال لما يجوز أن نسميه معجزة العلم العربي‪ ،‬آتين بكلمة معجزة‬
‫لترمز إلى تفسير ما بلغ إليه العرب في الثقافة والعلم مما يخرج تقريًبا عن‬
‫نطاق التصديق وليس لذلك شبه في تاريخ العالم كله ما عدا حسن اكتساب‬
‫اليابانيين للعلم الحديث وللبراعة الفنية في أثناء العصر الميجي ]‪-1868‬‬
‫دا‪ .‬إن‬
‫‪1912‬م[‪ .‬إن هذه الموازنة مفيدة‪ ،‬لن الموقف كان في الحالين واح ً‬
‫قادة الثقافة بين العرب قد أدركوا الحاجة الماسة إلى العلم اليوناني بقدر ما‬
‫أدرك اليابانيون في الجيلين السابقين حاجتهم إلى العلم الوروبي الحديث‪.‬‬
‫ولقد كان خير المعلمين لكلتا المتين الحاجة‪ ،‬الحاجة الملحة‪ .‬على أن تينك‬
‫المتين قد اتصفتا بالرادة وبنوع من النشاط الروحي الذي يتغلب على‬
‫المصاعب الشاقة‪.(1)"..‬‬
‫]‪[2‬‬
‫"‪ ..‬أن غرابة العلم العربي وخصبه مًعا يرجعان في الحقيقة إلى أن ذلك‬
‫العلم قد جمع العناصر اليونانية إلى العناصر الشرقية وخلق منها مركًبا‬
‫دا‪ ،‬أو أنه جعل خلق هذا المركب ممكًنا في المستقبل‪ .‬ولقد كان‬ ‫جدي ً‬
‫بالمكان أن ينتقل العلم اليوناني على يد أوروبا اللتينية لو لم تكن النصرانية‬
‫ما عن النصرانية الرثوذكسية بجدار من التعصب‬ ‫الكاثوليكية مفصولة تما ً‬
‫وسوء الظن والبغض‪ .‬وبما أن هذا الجدار كان لسوء الحظ موجوًدا‪ ،‬فإنه لم‬
‫يكن من سبيل إلى اتصال العلم اليوناني السابق بالمستقبل التالي إل من‬
‫طريق المنحنى العربي‪ .‬وإذا نحن نظرنا إلى العلم العربي من وجهة نظر‬
‫ما‪ ،‬وجدنا أن الثقافة العربية السلمية كانت ذات أهمية‬ ‫التطور النساني عمو ً‬
‫بالغة‪ ،‬ذلك لنها تؤلف الصلة الساسية بين الشرق الدنى وبين الغرب‪ ،‬ثم‬
‫بين الشرق الوسط وبين آسيا البوذية")‪.(2‬‬
‫]‪[3‬‬
‫"إن الهمية العظمى التي يتمتع بها الشرق الوسط على أنه مهد للثقافة‬
‫الغربية قد قام البرهان عليه‪ ..‬ولكن حب الحقيقة يحملنا على أن نبدي‬

‫‪10‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ظا‪ ..‬أن الثقافة العربية التي كانت الثقافة الزعيمة منذ القرن التاسع إلى‬ ‫تحف ً‬
‫القرن الحادي عشر ثم بقيت على غاية من الهمية ثلثة قرون أخر )ولنذكر‬
‫أن ستة قرون ليست شيًئا يسيًرا( قد درجت من ذلك المهد‪ ،‬ل شك في ذلك‪.‬‬
‫دتها شرًقا إلى الهند وأواسط آسيا حتى الصين‬ ‫ولكن الفتوح السلمية قد م ّ‬
‫ثم غرًبا إلى إسبانيا ومراكش‪ ،‬أي إلى طرف العالم‪ .‬فإذا نحن سمينا هذه‬
‫الثقافة إذن ثقافة الشرق الوسط فحسب فإننا نكون قد جئنا شيًئا غريًبا‪ ،‬إذ‬
‫أن تلك الثقافة كانت قد امتدت في العصور الوسطى من الشرق القصى‬
‫إلى المغرب القصى‪.(3)"..‬‬
‫]‪[4‬‬
‫"أن المآثر التي قامت بها الشعوب التي تتكلم اللغة العربية – وذلك بين‬
‫القرن التاسع والقرن الثاني عشر ]للميلد[‪ -‬كانت عظيمة إلى درجة تخمل‬
‫دا في‬ ‫أفهامنا‪ .‬على أن التأخر الذي أصاب المسلمين والعرب كان مستغرًبا ج ً‬
‫ضا‪ .‬وسيحاول‬ ‫دأ أي ً‬
‫سرعته واكتماله كما كانت نهضتهم الرائعة مستغربة ج ً‬
‫دا تعليل ذلك‪ ،‬ولكن بل جدوى من الناحية العملية على‬ ‫العلماء الدارسون أب ً‬
‫دا‪ ،‬ولن الجابة عليها بالساليب‬ ‫القل‪ ،‬ذلك لن أشباه هذه المسائل معقدة ج ً‬
‫العادية تقع في نطاق المستحيل")‪.(4‬‬
‫]‪[5‬‬
‫"‪ ..‬مرة أخرى نستعمل كلمة )معجزة( لن ما تحقق على أيدي العرب في‬
‫دق‪ .‬ولم يحدث قط في تاريخ النسانية أن تمكن‬ ‫ميدان العلوم ل يكاد يص ّ‬
‫قوم من العلم هذا التمكن السريع‪ ،‬إل في حالة واحدة أخرى هي ما حققه‬
‫عصر ]المبراطور[ موتسوهيتو ‪ [Mutsuhito [1868-1912‬لليابان من علم وفن‬
‫حديث‪ .‬والحق أن بين هاتين الحالتين من النهضة النسانية شبًها أساسًيا")‪.(5‬‬
‫______________________________________‬
‫الثقافة العربية في رعاية الشرق الوسط‪ ،‬ص ‪. 49‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 57‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 58 – 57‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 61‬‬
‫الشرق الدنى ‪ :‬مجتمعه وثقافته ) بإشراف كويلي يونغ (‪ ،‬ص ‪. 136‬‬
‫لوثروب ستودارد‬
‫]‪[1‬‬

‫)‪(134 /‬‬

‫"‪ ..‬العرب لم يكونوا قط أمة تحب إراقة الدماء وترغب في الستلب‬


‫سجايا‬‫والتدمير‪ ،‬بل كانوا‪ ،‬على الضد ّ من ذلك‪ ،‬أمة موهوبة جليلة الخلق وال ّ‬
‫واقة إلى ارتشاف العلوم‪ ،‬محسنة في اعتبار نعم التهذيب‪ ،‬تلك النعم التي‬ ‫ت ّ‬
‫قد انتهت إليها من الحضارات السالفة‪ .‬وإذ شاع بين الغالبين والمغلوبين‬
‫التزاوج وتلقيح الفكار‪ ،‬كان اختلط بعضهم ببعض سريًعا وعن هذا الختلط‬
‫نشأت حضارة جديدة – الحضارة العربية‪ ،‬وهي جماع متجدد للتهذيب اليوناني‬
‫حا جديدة‪ ،‬فنضر‬ ‫والروماني والفارسي‪ ،‬ذلك الجماع الذي نفخ فيه العرب رو ً‬
‫وأزهر‪ ،‬وألفوا بين عناصره ومواده بالعبقرية العربية والروح السلمية‪ ،‬فاتحد‬
‫وا كبيًرا‪ .‬وقد سارت الممالك السلمية‬ ‫وتماسك بعضه ببعض فأشرق وعل عل ً‬
‫القرون الثلثة الولى من تاريخها )‪1000-650‬م( أحسن سير‪ ،‬فكانت أكثر‬
‫ما وعمراًنا‪ ،‬مرصعة القطار بجواهر المدن‬ ‫ممالك الدنيا حضارة ورقًيا‪ ،‬وتقد ً‬

‫‪11‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الزاهرة والحواضر العامرة‪ ،‬والمساجد الفخمة‪ ،‬والجامعات العلمية المنظمة‪،‬‬


‫عا باهًرا‪ .‬طول‬‫وفيها مجموع حكمة القدماء ومختزن علومهم‪ ،‬يشعان إشعا ً‬
‫هذه القرون الثلثة ما انفك الشرق السلمي يضيء على الغرب النصراني‬
‫نوًرا‪.(1)"..‬‬
‫]‪[2‬‬
‫"السلم‪ ،‬وهو هذا الدين البّين الصريح‪ ،‬ما كان ليقّيد عقل العربي ويلقي‬
‫عليه سجوًفا فوق سجوف‪ .‬والعربي كان قد أدرك حال ً ثار فيه جده واشتعلت‬
‫واًقا إلى اقتباس العلوم واجتناء ثمراتها والتبسط في شؤون‬ ‫غيرته‪ ،‬فبات ت ّ‬
‫الحياة وتوفير أحوالها‪ ،‬والتكيف على حديث مقتضياتها‪ ،‬والخروج بها عما ألفه‬
‫أزماًنا في فيافي الصحراء‪ ..‬لهذا لما نشر العرب فتوحهم ومدوا سلطانهم‬
‫على القطار الجنبية لم يقصروا نفوسهم على التنّعم بالنعم المادية واستلذاذ‬
‫الترف ورخاء العيش فحسب‪ ،‬بل عكفوا جادين على ترقية الفنون والعلوم‬
‫والداب وآراء الحضارات القديمة‪ .‬فنشأ عن جميع هذا الجد والترقيات أن‬
‫أخرج للناس تهذيب عربي سام‪ .‬فأضاءت العقول وازدهرت ازدهاًرا كان فخر‬
‫الحضارة العربية ودرة تاجها‪ .‬وكان ردح من الزمن كانت فيه الحضارة‬
‫مشرقة الشموس‪ ،‬يانعة الثمار‪ ،‬وارفة الظلل‪ .‬فسادت الحرية العقلية‪،‬‬
‫وابتكرت الراء والفكار العلمية‪ ،‬ووضعت القواعد والصول‪ ،‬واستنبطت‬
‫الحكام‪ .‬بيد أن هذا لم يكن من صنع العرب وحدهم‪ ،‬بل شاركهم فيه كثير‬
‫ممن كانوا متظللين ظل دولتهم من النصارى واليهود والفرس الذين كانوا‬
‫دا‬
‫فا شدي ً‬ ‫في عهد ملوكهم قبل الفتح السلم يذوقون المّرين‪ ،‬ويسامون خس ً‬
‫في سبيل آرائهم ومعتقداتهم الدينية التي كانوا يخالفون فيها النصرانية‬
‫البيزنطية والمجوسية الفارسية‪.(2)"..‬‬
‫]‪[3‬‬
‫"‪ ..‬أن الشعوب السيوية التي يتألف منها سواد المسلمين‪ ..‬ذات حضارة‬
‫بديعة حية منذ القرون الخوالي‪ ،‬حضارة هي نتاج إسلمي صرف‪ ،‬متكون من‬
‫صنع المسلمين وثمرات جهودهم‪ .‬ومتى أخذنا نعتبر ما قد استطاعته هذه‬
‫الشعوب السلمية من تشييد المعالي‪ ،‬وبلوغ ذروات المجد فيما مضى‪ ،‬أمّنا‬
‫الخطل بقولنا الن أننا نستبين خلل هذا الغليان الهائل في العالم السلمي‬
‫حا رائًعا‪ ،‬ول غرابة في ذلك أن عاد السلم يستعيد من‬ ‫تجدًدا حقيقًيا‪ ،‬صحي ً‬
‫عّزه الغابر وعله السالف‪ ،‬وهذا تاريخه المجيد شاهد له على ما كان عليه‬
‫المسلمون قبل ً من الحضارة والعمران")‪.(3‬‬
‫______________________________________‬
‫حاضر العالم السلمي ‪. 4 – 3 / 1 ،‬‬
‫نفسه ‪. 8 / 1 ،‬‬
‫نفسه ‪. 2 / 4 ،‬‬
‫نصري سلهب‬
‫]‪[1‬‬
‫"‪] ..‬لبد من الشارة[ إلى المداميك الكثيرة التي رصفها السلم في بناء‬
‫الحضارة وبتعبير آخر إلى إسهام السلم في تراث البشرية الحضاري‪ ،‬في‬
‫حقلي الفكر والعلم بمختلف فروعهما من فلسفة وشعر وموسيقى وطب‬
‫وكيمياء وفيزياء ورياضيات وهندسة إلى آخر سلسلة معطيات وعناصر جعلت‬
‫النسانية ترتفع إلى مستوى خليق بها وجعلتها تنعم بما تنعم به اليوم‪ .‬إن ذلك‬
‫ضروري‪ ..‬لن كثيرين من المسيحيين يجهلون مدى وأهمية إسهام السلم‪،‬‬
‫كدين ودولة‪ ،‬في الحضارة‪ ..‬وأن الغرب فيما ينعم به اليوم من أسباب‬

‫‪12‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الحضارة والرقي والتفوق مدين به لنفسه‪ ،‬أي للفكر الغربي دون سواه‪.‬‬
‫وذلك خطأ كبير‪ ..‬لن الغرب مدين لهذا الشرق – وبتعبير آخر – أن المسيحية‬
‫مدينة للسلم بأشياء كثيرة مهمة‪ ،‬وأن الشرق اليوم ليس سوى دائن‬
‫يستوفي دينه من مدين قديم‪ ..‬تلك إرادة الله وسنة الوجود")‪.(1‬‬
‫]‪[2‬‬
‫"فيما كان البيروني‪ ،‬في نهاية القرن العاشر ]الميلدي[ يضع مؤلفاته في‬
‫علوم الرياضيات والفلك والطب والتقاويم والتاريخ والفلسفة‪ ،‬وينشئ‬
‫النظريات العلمية ويقوم بالختراعات‪ ،‬كانت أوروبا‪ ،‬مذعورة قلقة‪ ،‬خائفة‪،‬‬
‫تنتظر نهاية العالم في حلول العام اللف!")‪.(2‬‬
‫]‪[3‬‬
‫"متى ذكرنا أن عشرات الكلمات الفرنسية هي من أصل عربي صريح‪ ،‬بل‬
‫تكاد تكون منقولة بحرفّيتها‪ ،‬فيصبح باستطاعتنا أن ندرك تأثير السلم في‬
‫الغرب‪ ..‬وتلحظ أن هذه الكلمات لها طابع علمي أو فكري‪ ،‬وهي‪ ،‬على كل‬
‫حال‪ ،‬لم تنتقل إلى أوروبا كمجرد كلمات فقط بل كأسماء لمسميات انتقلت‬
‫ضا معها")‪.(3‬‬
‫هي أي ً‬

‫)‪(135 /‬‬

‫]‪[4‬‬
‫"‪ ..‬أية قمة شماء بلغ إليها العقل السلمي والعربي في حقبة من حقب‬
‫تاريخه‪ ،‬بل من حقب التاريخ على إطلقه؟ ذلك كله كان نتيجة طبيعية‬
‫محتومة لما أوصى به القرآن الكريم‪ ..‬ومحمد ]صلى الله عليه وسلم[ رسول‬
‫الله إلى العالمين")‪.(4‬‬
‫]‪[5‬‬
‫سا من السنين –‬ ‫"حضارة السلم – التي سيطرت على العالم مئات خم ً‬
‫كانت وليدة اليمان‪ ،‬واليمان وحده")‪.(5‬‬
‫______________________________________‬
‫لقاء المسيحية والسلم ‪ ،‬ص ‪. 44‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 50‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪ ،51052‬وعن إنجازات المسلمين في ميادين العلوم المعرفية‬
‫والتطبيقية والنسانية‪ ،‬انظر‪ :‬المرجع نفسه ص ‪.53-48‬‬
‫في خطى محمد ‪ ،‬ص ‪. 469‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 470‬‬
‫دومينيك سورديل‬
‫]‪[1‬‬
‫"في ظل السلم نمت مجموعة من العلوم ولم يكتف العرب والفرس من‬
‫نقل التراثين الفكريين الغريقي والهندي إلى أوروبا الغربية بل أضافوا إليهما‬
‫ملحظات عديدة واكتشافات مهمة")‪.(1‬‬
‫]‪[2‬‬
‫"يستحق ]الفن السلمي[‪ ،‬من الوجهتين التاريخية والجغرافية‪ ،‬على الرغم‬
‫وج‬‫من نزعته التجريدية‪ ،‬التي تدين للسلم وللسلم وحده بوحدته‪ ،‬أن يت ّ‬
‫الثقافة السلمية الضخمة‪ ،‬التي تتصف بدورها بالوحدة على الرغم من‬
‫نزعاتها المتباينة‪ .‬ومن ثم فل يبدو لنا السلم ديًنا ]فحسب[‪ ،‬ول أمة‬
‫]فحسب[‪ ،‬بل ركنا لحضارة ينعش مظاهرها الدينية والفكرية والفنية‪ ،‬أو‬

‫‪13‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يكيفها على القل‪ .‬لكن هذه الحضارة منذ القرن السادس عشر توقفت عن‬
‫الشعاع‪.(2)"..‬‬
‫______________________________________‬
‫السلم ‪ ،‬ص ‪. 96 – 95‬‬
‫في طريقي إلى السلم ‪. 175 / 1 ،‬‬
‫أحمد سوسة‬
‫]‪[1‬‬
‫"للسلم فضل كبير على التاريخ نفسه من غير الوجهة الدينية‪ .‬ذلك أنه جاء‬
‫حا بعض الحوادث التاريخية الغامضة بحيث فتح باًبا واسًعا للتدقيق‬ ‫موض ً‬
‫والبحث بل جاء حافًزا للعلماء للتنقيب وسبر أغوار البحوث التاريخية‬
‫لستنباط الحقائق التي أوردها القرآن الكريم‪ .‬ومن ثم فإن خدمة السلم‬
‫للتاريخ والعلم بل خدمته للنسانية بصورة عامة بتشجيعه العلم الصحيح ونبذ‬
‫التقليد العمى مما يسجلها له التاريخ ما دام تاريخ في الوجود")‪.(1‬‬
‫]‪[2‬‬
‫"إن النزعة العامة للكنيسة المسيحية تجاه الفلسفة والعلم هي نزعة‬
‫عدائية‪ ..‬ويرجع الفضل للسلم في محافظته على الروح العلمية الفلسفية‬
‫وإرجاعها إلى المجتمع الوروبي‪ ،‬إذ كان السلم حامًيا للكثير من المعلمين‬
‫والفلسفة الذين هجروا أوطانهم بنتيجة اضطهاد المسيحية إياهم‪ .‬والواقع أن‬
‫العلم لم يرجع إلى أوروبا إل بواسطة السلم الذي امتد سلطانه إلى‬
‫الندلس‪ ..‬وأن هذا العلم الذي انتشر في أوروبا عن طريق السلم أخذ يعمل‬
‫فا‬
‫عا عني ً‬‫في عقول المفكرين شيًئا فشيًئا حتى كانت النتيجة أن أحدث صرا ً‬
‫بين الكنيسة وساسة الشعوب المفكرين فكان نصيب الكنيسة التسليم‬
‫بمعظم ما كانت تتمتع به من سلطان")‪.(2‬‬
‫]‪[3‬‬
‫"ل يخفى أن الحضارة السلمية أنتجت ضحى التبصير والتيقظ نابذة التقليد‬
‫م‬‫ومتجنبة الظن فكانت التجربة والبرهان قاعدة البحث فيها وبذلك ت ّ‬
‫للمسلمين وضع السس الثابتة للعلوم الصحيحة فجعلوا التجربة والملحظة‬
‫أساس المباحث العلمية ودعامة التنقيب المر الذي لم يكن قد اهتدى إليه‬
‫ون المسلمون بذلك ثقافة‬ ‫اليونان مدى اشتغالهم بالبحث والفلسفة‪ ،‬فك ّ‬
‫خاصة بهم وفلسفة إسلمية مستقلة بعد أن اقتبسوا محسنات ما في‬
‫الفلسفة اليونانية ونبذوا الراء الوثنية منها كما أنهم وضعوا السس للعلوم‬
‫الطبيعية والرياضية بأنواعها المختلفة ومن طريقهم وصلت هذه العلوم إلى‬
‫أوروبا")‪.(3‬‬
‫]‪[4‬‬
‫"تمتاز الحضارة السلمية في كونها تخضع في معظم إنتاجها إلى التعاليم‬
‫السلمية فالقيام بالصناعات والخذ بالعلوم متصل بروح المة وعقيدتها‪ ،‬لن‬
‫العمل بذلك في نظر السلم فرض على المة وهذا نظام يربط النتاج‬
‫البشري بالدين‪ ..‬وذلك بخلف المدنية الغربية فإنها جعلت القيام بشؤون‬
‫الحياة من اختصاص القتصاد المادي وحده‪ ،‬فأمست مدنية مادية محضة ل‬
‫يعين الفرد فيها صاحبه ول ينصر أحد رفيقه‪.(4)"..‬‬
‫]‪[5‬‬
‫"‪ ..‬يجب أن ل يغرب عن البال أن المدنية الغربية الحديثة خابت في إرضاء‬
‫النفوس وأخفقت في إيجاد السعادة البشرية فهبطت بالناس في هاوية‬
‫الشقاء والرتباك لن جهود العلم الحديث موجهة إلى التدمير والفناء‪ ..‬فهو‬

‫‪14‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بعيد والحالة هذه من أن يتصف بالكمال أو أن يكون واسطة لخدمة النسانية‬


‫كما كان في عهد السلم‪.(5)"..‬‬
‫______________________________________‬
‫في طريقي إلى السلم ‪ ،‬ص ‪. 102‬‬
‫نفسه ‪ ،‬هامش ‪. 189 – 188 / 1 ،1‬‬
‫نفسه ‪. 112 / 2 ،‬‬
‫نفسه ‪. 113 – 112 / 2 ،‬‬
‫نفسه ‪. 114 / 2 ،‬‬
‫لويس سيديو‬
‫]‪[1‬‬

‫)‪(136 /‬‬

‫"‪ ..‬أن مغازي العرب وإقامتهم بين القرنين الثامن والحادي عشر ]الميلديين[‬
‫بجنوب فرنسة أسفرت‪ ،‬ل ريب‪ ،‬عن آثار ل تزول من لغتنا‪ ،‬وأن نفوذ العرب‬
‫كان بادًيا في مختلف أدوار تاريخنا‪ ،‬ل فرق في ذلك بين زمن الغزوات الولى‬
‫وزمن الحرب الصليبية‪ ..‬وأن لهجات هذه الوليات مملوءة بالكلمات العربية‬
‫وأن أسماء العلم فيها تبدي شكل ً عربًيا في كل خطوة كما تبديه اصطلحاتنا‬
‫ضا‪ ،‬وما يأتيه علماء اللغة المعاصرون عندنا من اشتقاقات يقف لها‬ ‫العلمية أي ً‬
‫شعر الرأس!‪ ..‬ول ينكر فضل ً عن ذلك‪ ،‬أن الخلفاء كانوا في القرن التاسع‬
‫من الميلد سادة إمبراطورية واسعة رائعة لمعة مدهشة‪ ،‬وأن خلفاء بغداد‬
‫كانوا يرسلون وفوًدا وهدايا إلى المبراطور شارلمان وإلى عاهل الصين‬
‫وأنهم كانوا مثال العظمة الحقيقة بنظمهم الصالحة وعنايتهم بالداب والعلوم‪،‬‬
‫وأن ما شيد من المدارس في أرجاء دولتهم كان يوقد مصباح الحضارة فيما‬
‫بين الشرق القصى وعمد هركول ]على الساحل الطلسي[ ناشًرا آثار الفن‬
‫العربي الرائعة في كل مكان‪ ،‬عامل ً على تجديد الدم في عروق العالم‬
‫الهرم")‪.(1‬‬
‫]‪[2‬‬
‫"لم يكن ]هي ًّنا[‪ ،‬في تقدم العلوم‪ ،‬تأثير مدرسة بغداد التي كانت متوسطة‬
‫بين مدرسة السكندرية والمدرسة الحديثة‪ ،‬فهيأت لهذه المدرسة الحديثة‬
‫اكتشافاتها ونحن مدينون للعرب في الحقل العلمي‪ ،‬ونعترف‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬بأن‬
‫م ما‬‫مترجمينا كانوا يتلهون بتشويه ما يقتبسونه من التعابير تشويًها غريًبا فين ّ‬
‫اتخذ من الصطلحات على الجهل والرتباك‪.(2)"..‬‬
‫]‪[3‬‬
‫"وظاهرة مدرسة بغداد في بدء أمرها هي الروح العلمية التي كانت سائدة‬
‫لعمالها‪ ،‬فكانت مبادئ أساتذتها تقوم على النتقال من المعلوم إلى‬
‫المجهول‪ ،‬وعلى ملحظة الحوادث ملحظة وثيقة لمجاوزة المعلولت إلى‬
‫العلل‪ ،‬وعلى عدم التسليم بما ل يستند إلى التجربة‪ ،‬وكان العرب في القرن‬
‫التاسع ]الميلدي[ أصحاًبا لهذا المنهاج الخصيب فأضحى‪ ،‬بعد زمن طويل‪،‬‬
‫أداة بيد علماء الزمن الحديث للوصول إلى أجمل اكتشافاتهم")‪.(3‬‬
‫"‪ ..‬نحن إذ نرى شوق العرب إلى العلم قد حفزهم إلى النهوض بمختلف‬
‫فروع المعارف البشرية طلًبا للحقيقة وحدها ل يسعنا سوى العجاب المطلق‬
‫بجهود الشعب العربي الذي أدى بمثاله النبيل إلى بعث الداب والفنون في‬
‫أوروبا")‪.(4‬‬

‫‪15‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قا إنه لمنظر رائع أن نرى انتصار سلطان حضارة العرب على همجية‬ ‫"ح ً‬
‫]المغول[ أولئك الذين انقضوا على آسيا الغربية والجنوبية")‪.(5‬‬
‫در تأثير مدرسة بغداد البالغ في المشرق والمغرب‪ ،‬وكان عند العرب‬ ‫"‪ ..‬ق ّ‬
‫معظم الفكار والمبادئ التي تباهي بها أوروبا الحديثة‪ ،‬والعرب‪ ،‬فضل ً عن‬
‫ذلك‪ ،‬ربطوا دورين كبيرين أحدهما بالخر‪ :‬ربطوا عصر اليونان بعصر النهضة‬
‫دين ظهور الدور الثاني‪ ،‬ووجد من حاولوا‬ ‫محافظين على تراث الدور الول مع ّ‬
‫ما بعد يوم‪ ،‬ولبد من حلول‬ ‫خفض منزلة العرب‪ ،‬بيد أن الحقيقة تبدو يو ً‬
‫الزمن العاجل أو الجل الذي ينصفون فيه فيستردون حقهم")‪.(6‬‬
‫]‪[4‬‬
‫"هكذا تجلى تأثير العرب في جميع فروع الحضارة الوروبية الحديثة‪،‬‬
‫وظهرت‪ ،‬بين القرن التاسع والقرن الخامس عشر ]الميلدي[‪ ،‬آداب تعد من‬
‫أعظم ما عرف‪ ،‬وتشهد النتاجات المتنوعة والختراعات المهمة على ما كان‬
‫يتصف به عرب ذلك الزمن من النشاط العجيب‪ ،‬وبما كان لهم من الثر البالغ‬
‫غا للرأي القائل إن العرب كانوا أساتذة‬ ‫في أوروبا النصرانية فجاء هذا مسوّ ً‬
‫لنا‪ ،‬وما أتى به العرب من الموارد التي ل تقدر بثمن عن تاريخ القرون‬
‫الوسطى ومن كتب الرحلت ومعاجم تراجم الحوال من ناحية‪ ،‬وما جاءوا به‬
‫ن دالة على تفكير عظيم وتنفيذ جسيم‪،‬‬ ‫من صناعة منقطعة النظير ومن مبا ٍ‬
‫ومن اكتشافات مهمة في الفنون من ناحية أخرى‪ ،‬كلها أمور يجب أن ترفع‬
‫في أعيننا شأن المة العربية‪.(7)"..‬‬
‫______________________________________‬
‫تاريخ العرب العام ‪ ،‬ص ‪. 14 – 12‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 14‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 392‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 403‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 408‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 480‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 491 – 490‬‬
‫لورافيشيا فاغليري‬
‫]‪[1‬‬
‫"كيف نستطيع أن نقول إن السلم عاق نموّ الثقافة في القرون السالفة‬
‫ونحن نعلم أن بلطات السلم ومدارسه كانت آنذاك منارات ثقافة لوروبا‬
‫الغارقة في ظلمات القرون الوسطى‪ ،‬وأن أفكار الفلسفة العرب بلغت‬
‫آنذاك منزلة رفيعة جعلت العلماء الغربيين يقتفون آثارهم‪ ،‬وأن هارون‬
‫الرشيد أصدر أمره آنذاك بأن يلحق بكل مسجد مدرسة يتلقى فيها الطلب‬
‫مختلف العلوم‪ ،‬وأن المكتبات الحافلة بمئات اللف من الكتب كانت مشرعة‬
‫البواب آنذاك في وجه العلماء والدارسين في طول العالم السلمي‬
‫وعرضه؟ ألم يكن العرب أول من اصطنعوا الطرائق التجريبية قبل أن يعلن‬
‫بيكون ضرورتها بزمن طويل؟ وتطور الكيمياء‪ ،‬وعلم الفلك‪ ،‬ونشر العلم‬
‫الغريقي‪ ،‬وتعزيز دراسة الطب‪ ،‬واكتشاف مختلف القوانين الفيزيائية‪،‬‬
‫أليست هذه من مآثر العرب؟")‪.(1‬‬
‫_______________________________________‬
‫)‪ (1‬دفاع عن السلم ‪ ،‬ص ‪. 131 – 130‬‬
‫ليوبولد فايس‬
‫]‪[1‬‬

‫‪16‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(137 /‬‬

‫"‪ ..‬أن الحضارة السلمية أتم ما عرفه التاريخ من أشكال الدولة اللهية‪.‬‬
‫فالعتبار الديني‪ ،‬أو وجهة النظر الدينية‪ ،‬يسود هنا كل شيء ويظهر في‬
‫أساس كل شيء ولو أننا وازنا بين هذا التجاه وبين اتجاه الحضارة الغربية‬
‫لعجبنا من هذا الختلف العظيم في استشرافها المور")‪.(1‬‬
‫]‪[2‬‬
‫ما‪ .‬لقد بزغ‪ ،‬مع‬ ‫"أن أثر النفوذ ]الحضاري السلمي[ في أوروبا كان عظي ً‬
‫اقتراب الحضارة السلمية‪ ،‬نور عقلي في سماء الغرب ملها بحياة جديدة‬
‫وبتعطش إلى الرقي‪ .‬ولم يأت التاريخ الوروبي بأكثر من اعتراف عادل‬
‫بقيمة الحضارة السلمية حينما سمى عصر التجديد الذي نشأ من الحتكاك‬
‫الحيوي بالثقافة السلمية )عصر البعث( فإنه كان في الحقيقة ولدة لوروبا‪،‬‬
‫ولم يكن أقل من ذلك")‪.(2‬‬
‫]‪[3‬‬
‫"‪ ..‬أن )النهضة( أو إحياء الفنون والعلوم الوروبية‪ ،‬باستمدادها الواسع من‬
‫المصادر السلمية والعربية على الخص‪ ،‬كانت تعزى في الكثر إلى التصال‬
‫المادي بين الشرق والغرب‪ .‬لقد استفادت أوروبا أكثر مما استفاد العالم‬
‫السلمي‪ ،‬بل كان المر على العكس فإن تلك البغضاء قد نمت مع تقدم‬
‫الزمن ثم استحالت عادة‪.(3)"..‬‬
‫]‪[4‬‬
‫دا حث على‬ ‫"‪ ..‬أن التاريخ يبرهن وراء كل إمكان للريب أنه ما من دين أب ً‬
‫التقدم العلمي كما حث عليه السلم‪ .‬وأن التشجيع الذي لقيه العلم والبحث‬
‫العلمي من الدين السلمي انتهى إلى ذلك النتاج الثقافي الباهر في أيام‬
‫المويين والعباسيين وأيام دولة العرب في الندلس‪ .‬وإن أوروبا لتعرف ذلك‬
‫حق المعرفة لن ثقافتها هي نفسها مدينة للسلم بتلك النهضة على القل‬
‫بعد قرون من الظلم الدامس‪ .‬نحن ل نقول ذلك إعجاًبا منا بتلك الذكريات‬
‫المجيدة في زمن هجر العالم السلمي فيه تقاليده الخاصة وانتقل إلى‬
‫العماية وإلى الفقر الفكري‪ ،‬إذ ل يحق لنا في بؤسنا الحاضر أن نفتخر‬
‫بالمجاد الماضية")‪.(4‬‬
‫]‪[5‬‬
‫"لقد جاء حين كانت مدنية المسلمين أقوى وأمضى من مدنية أوروبا‪ .‬فنقلت‬
‫إلى أوروبا كثيًرا من الختراعات الصناعية والفنية ذات الطبيعة الثورية‪ ،‬وأكثر‬
‫من هذا‪ ،‬مبادئ تلك )الطريقة العلمية( نفسها التي يرتكز عليها العلم الحديث‬
‫والمدنية الحديثة‪.(5)"..‬‬
‫______________________________________‬
‫السلم على مفترق الطرق ‪ ،‬ص ‪. 32‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 43‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 59‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 71 – 70‬‬
‫الطريق إلى مكة ‪ ،‬ص ‪. 375‬‬
‫فورغ)‪(1‬‬
‫]‪[1‬‬
‫"‪ ..‬أن إسبانية‪ ..‬أرض قائمة بنفسها لها مزاياها وخصائصها‪ ،‬وهي تمتاز‬
‫بميزات ل يشاركها فيها غيرها‪ ،‬وأن فيها قوة حيوية قومية غير معهودة لكثير‬

‫‪17‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من المم‪ ،‬وأن لتلك الدمغة الحارة من سرعة الفكر‪ ..‬ما يجعل هذه المة‬
‫فريدة في بابها‪ .‬ولجل أن نفهم هذه الحالة النفسية عند السبانيول وجب‬
‫علينا أن نفهم هذه الحقيقة التاريخية وهي استيلء العرب على إسبانيا‪] ..‬التي‬
‫بقيت تحت حكمهم[ زهاء ثمانية قرون‪ .‬وهكذا يمكن قياس درجة اتصال المة‬
‫السبانية بالمدنية السلمية هذه المدنية التي كانت حلقة التصال بين العالم‬
‫السلمي وأوروبة الغربية‪ .‬قال ليبري ‪ : Libri‬احذف العرب من التاريخ يتأخر‬
‫عصر التجدد في أوروبا عدة قرون إلى الوراء‪.(2)"..‬‬
‫]‪[2‬‬
‫"‪ ..‬كانت طليطلة قد عادت للسبانيول سنة ‪1085‬م فصارت مركز التصال‬
‫بين المدنيتين السلمية والمسيحية‪ .‬وسنرى مقدار تأثير هذه البلدة كمركز‬
‫ج‪..‬‬
‫تبادل للبضائع العقلية وكمكتب للترجمة يحج إليه طلب العلوم من كل ف ّ‬
‫وفي يناير سنة ‪ 1492‬كان سقوط غرناطة وجلء العرب الخير فتركوا‪ ..‬من‬
‫قصر الحمراء بقية باهرة تتأمل فيه القرون والحقب دهًرا طوي ً‬
‫ل‪ ،‬كما أن‬
‫ذي بترجمتها الفكرة البشرية عصوًرا مديدة‪ .‬ل‬ ‫طليطلة بقيت خزانة كتب تغ ّ‬
‫خا نادر المثال لم ينقصه شيء ل من العظمة ول من طول‬ ‫جرم أن هناك تاري ً‬
‫المدة‪.(3)"..‬‬
‫]‪[3‬‬
‫"‪ ..‬إنك ترى شعًبا من القبائل الرحل‪ ،‬رعاة البل‪ ،‬بسائق دعوة دينية يحملون‬
‫على المم فيفتحون نصف العالم في مدة قرن واحد‪ .‬ثم يكون أعظم همهم‪،‬‬
‫موا إلى عظمة الفتح‬ ‫طدوا هذا الملك الطويل العريض‪ ،‬أن يض ّ‬ ‫بعد أن و ّ‬
‫عظمة العلم‪.(4)"..‬‬
‫_______________________________________‬
‫)‪ (1‬البروفيسور فورغ ‪Prof. Forgue‬‬
‫جراح فرنسي شهير‪ ،‬يعد من اشهر جراحي فرنسا في النصف الول من هذا‬
‫القرن‪ ،‬إن لم يكن أشهرهم‪ .‬وله اهتمامات بتاريخ الطب‪.‬‬
‫)‪ (2‬مجلة المستشفيات الفرنسية ‪ Gazette des Hopilaux‬عدد ‪ 19‬مارس‪،‬‬
‫‪ ،1932‬عن )حاضر العالم السلمي ‪.(129-1/128‬‬
‫نفسه ‪. 129 / 1 ،‬‬
‫نفسه ‪. 130 / 1 ،‬‬
‫فيرنيه)‪(1‬‬
‫]‪[1‬‬

‫)‪(138 /‬‬

‫"‪ ..‬في القرن السادس الهجري‪ ،‬الثاني عشر الميلدي‪ ،‬اكتسبت حركة‬
‫الترجمة قوة غير عادية‪ ،‬إذ أصبح عدد الكتب المترجمة في صقلية وبخاصة‬
‫في إسبانيا‪ ،‬يثير العجاب‪ ،‬وتدفق علم الغريق والرومان على الديرة‬
‫الوروبية من خلل العقول العربية‪ ،‬وأدمجت الكشوف التي توصل إلى العرب‬
‫ضمن رصيد من الثقافة الغربية‪ ..‬وتوافد على )طليطلة( عدد كبير من العلماء‬
‫الوروبيين المتلهفين إلى الحصول على المعارف العلمية الشرقية‪ ..‬وبالرغم‬
‫من أن هؤلء العلماء لم يعملوا مًعا كأصحاب مدرسة إل ّ أن إنتاجهم المكثف‬
‫والغزير قد غّير شكل المجتمع الوروبي لكن أولئك العلماء وإن كانوا قد‬
‫استطاعوا أن يتمثلوا بسهولة النصوص التي وصلت إليهم‪ ،‬أخفقوا في إدخال‬
‫أي تطوير يذكر عليها‪.(2)"..‬‬

‫‪18‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]‪[2‬‬
‫"‪ ..‬في بداية القرن العشرين بدأت حقبة جديدة من الترجمات العلمية تقدم‬
‫من العالم الغربي إلى عالم السلم‪ ،‬شأنها شأن تلك الحركة التي قدمت من‬
‫القرن الثاني إلى القرن الرابع الهجري )الثامن إلى العاشر الميلدي(‪.(3)"..‬‬
‫______________________________________‬
‫)‪ (1‬جوان فيرنيه ‪J. Gines Vernet‬‬
‫تخرج من جامعة برشلونة‪ ،‬وسمي أستاًذا للعربية فيها عام ‪1954‬م‪.‬‬
‫من آثاره‪ :‬ترجم القرآن الكريم إلى السبانية )‪ ،(1953‬و)الف ليلة وليلة(‪،‬‬
‫وحقق عدًدا من النصوص‪ ،‬كما كتب العديد من المقالت في الفلك‬
‫والجغرافية‪.‬‬
‫)‪ (2‬تراث السلم ) تصنيف شاخت وبوزوث ( ‪. 215 – 214 / 3‬‬
‫)‪ (3‬نفسه ‪ ،3/218 ،‬وعن إنجازات المسلمين في ميادين الرياضيات والفلك‬
‫والبصريات‪ ،‬انظر‪ :‬المرجع نفسه ‪،183-176 ،174-172 ،170 ،3/168‬‬
‫‪.218-216 ،213-196 ،194-188‬‬
‫كابرييلي)‪(1‬‬
‫]‪[1‬‬
‫"‪ ..‬أنها القوة العجيبة التي تشع من العقيدة الجديدة‪ ،‬ومن الدولة التي‬
‫أقامتها هذه العقيدة‪ ،‬والتي نمت في كل اتجاه وأنتجت حضارة موحدة إلى‬
‫حد ّ يدعو إلى الدهشة‪ ،‬وذلك رغم الختلف الشديد بين البيئات والمستويات‬
‫الثقافية التي ازدهرت عليها‪.(2)"..‬‬
‫]‪[2‬‬
‫"‪ ..‬أن التصالت بين العالم المسيحي‪ ،‬الذي كان مهلهل ً محصوًرا‪ ،‬وبين‬
‫السلم الغازي في منطقة البحر المتوسط‪ ،‬كانت على ما يبدو متكررة‬
‫ومثمرة‪] ..‬لقد[ تسّرب )تراث( الحضارة السلمية في العصور الوسطى إلى‬
‫الغرب وتغلغل فيه")‪.(3‬‬
‫]‪[3‬‬
‫"‪ ..‬أن ما خلفته الحضارة العربية السلمية لسبانيا في المجالت الثقافية‬
‫ضا لوروبا بوصفه عنصًرا خصًبا من العناصر المكونة‬ ‫والدبية والفنية خلفته أي ً‬
‫للحضارة الغربية‪.(4)"..‬‬
‫]‪[4‬‬
‫"من الواضح أننا نعني بالسلم هنا كل )الحضارة السلمية( التي تطورت بما‬
‫لها من مظهر خاص‪ ،‬من آسيا الوسطى إلى المحيط الطلسي والتي قامت‬
‫على اليمان برسالة الرسول محمد ]صلى الله عليه وسلم[‪ ..‬ول ريب أن‬
‫العقيدة الدينية قد زودت هذه الحضارة ليس بعاملها المشترك فحسب‪ ،‬بل‬
‫ضا‪ .‬وأن كل مظاهر الحياة الخرى من مادية‬ ‫بمحورها ومظهرها الساسي أي ً‬
‫وروحية ومن سياسية وأدبية واقتصادية واجتماعية‪ ،‬تحمل طابع هذا العنصر‬
‫الديني يعكس عليها ألوانه‪ ،‬وتنمو وتتسع تحت تأثيره‪ .‬وقد قال أحدهم إن‬
‫السلم دين )عالمي شامل( أكثر من أي دين آخر‪ ،‬ويشمل تأثيره النسان‬
‫بأكمله وليس شعوره الديني وحده")‪.(5‬‬
‫]‪[5‬‬
‫"]أن[ الطابع السلمي إذا غلب على أمة من المم‪ ،‬ل يمكن محوه البتة وأن‬
‫كبار ]الشعراء[ حتى حينما يعالجون موضوعات سابقة للسلم وخارجة عنه‬
‫ضا)‪.(6‬‬‫يطبعونه بالطابع السلمي أي ً‬
‫______________________________________‬

‫‪19‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (1‬فرانشيسكو كابرييلي ‪Francesco, Gabrieli‬‬


‫ولد عام ‪ ،1904‬كبير أساتذة اللغة العربية وآدابها في جامعة روما‪ ،‬برز في‬
‫دراسة الشعر العربي من الجاهلية حتى العصر الحديث وفي تحقيق التاريخ‬
‫وا في عدد من المجامع والجمعيات العلمية‪.‬‬ ‫السلمي‪ ،‬وانتخب عض ً‬
‫من آثاره‪ :‬ألف العديد من البحاث والمصنفات منها‪) :‬تاريخ المسلمين‬
‫للحروب الصليبية( )‪ ،(1929‬و)العصبية لدى ابن خلدون( )‪ ،(1930‬و)عمر‬
‫الخيام( )‪ ،(1930‬و)ابن المقفع(‪ ،‬و)العيد اللفي للمتنبي( )‪ ،(1936‬و)أصل‬
‫الخوارج( )‪ ،(1942‬وغيرها‪.‬‬
‫)‪ (2‬تراث السلم ) تصنيف شاخت وبوزورث ‪.( 1/101‬‬
‫)‪ (3‬نفسه ‪. 109 / 1 ،‬‬
‫)‪ (4‬نفسه ‪. 143 / 1 ،‬‬
‫الوحدة والتنوع في الحضارة السلمية ) تحرير كرونباوم (‪ ،‬ص ‪. 123‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 141‬‬
‫كارادي فو)‪(1‬‬
‫]‪[1‬‬

‫)‪(139 /‬‬

‫ل‪ .‬فعلمونا استعمال الصفر‬ ‫"‪ ..‬أنجز العرب أعظم المكتشفات العلمية فع ً‬
‫ما متقًنا وتقدموا به‪ ،‬ووضعوا أسس علم الهندسة التحليلية‬ ‫وجعلوا )الجبر( عل ً‬
‫وهم بل منازع موجدو علمي المثلثات المستوية والكروية اللذين لم يكن‬
‫للغريق فضل في وجودهما إذا ما توخينا الحقيقة والنصاف كما أنهم عملوا‬
‫في الفلك أرصاًدا عديدة قّيمة‪ ،‬وحفظوا لنا بترجماتهم عدًدا كبيًرا من كتب‬
‫الغريق التي ضاعت أصولها‪ ..‬والسبب الخر لهتمامنا بعلم العرب هو تأثيره‬
‫العظيم على الغرب‪ .‬إن العرب ارتفعوا بالحياة العقلية والدراسة العلمية إلى‬
‫المقام السمى في الوقت الذي كان العالم المسيحي يناضل نضال‬
‫المستميت للنعتاق من أحابيل البربرية وأغللها‪ .‬ووصلوا إلى قمة نشاطهم‬
‫)الذي استمر حتى القرن الخامس عشر( في القرنين التاسع والعاشر‪ .‬ومن‬
‫دا كانت مراكش والشرق محط أنظار كل غربي‬ ‫القرن الثاني عشر فصاع ً‬
‫يميل إلى العلم ويتذوقه‪ .‬في هذه الفترة شرع أبناء أوروبا يترجمون آثار‬
‫ل بين‬ ‫العرب كما كان العرب قد ترجموا آثار الغريق‪ .‬وهكذا كانوا همزة وص ٍ‬
‫الثقافة القديمة والمدنية الجديدة‪ ،‬عندما عادت النفس النسانية في عهد‬
‫الحياء العلمي لتمتلئ ثانية بحب المعرفة والستقصاء ولتتنبه بوميض من‬
‫العبقرية العلمية‪ .‬فإن هي أفلحت في سلوك السبيل القوم للعمل‪ ،‬وإن أتيح‬
‫لها النتاج والبتكار فما ذلك إل لن نفسية العرب قد حفظت وأكملت مختلف‬
‫فروع العلم وصانت روح البحث العلمي حّية تائقة للتحرر والحركة‪ ،‬متهيئة‬
‫للمكتشفات المقبلة‪.(2)"..‬‬
‫______________________________________‬
‫)‪ (1‬البارون كارادي فو )‪Baron Carra De Vaux (1930 – 1868‬‬
‫مستشرق فرنسي معروف من المعهد الكاثوليكي بباريس‪ ،‬درس العربية‬
‫ودّرسها في المعهد المذكور‪ ،‬وألف في الرياضيات والفلسفة كما حقق عدًدا‬
‫من المصادر‪ .‬ومن أشهر مؤلفاته ما كتبه عن ابن سينا )‪ (1900‬والغزالي )‬
‫‪ (1902‬و)مفكرو السلم( في خمسة أجزاء )‪ .19269-1921‬كما ترجم كتًبا‬
‫عديدة أخرى‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (2‬تراث السلم‪) ،‬إشراف سير توماس أرنولد(‪ ،‬ص ‪ .565-563‬وعن‬


‫إنجازات المسلمين في ميدان الفلك والرياضيات والعلوم التطبيقية‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.592-584 ،582 ،580-573 ،571-569 ،565-563‬‬
‫روجيه جارودي‬
‫]‪[1‬‬
‫"افترى الستعمار النكليزي والسباني والفرنسي‪ ،‬بنتيجة الدور الذي قام به‬
‫في أرض السلم خلل أكثر من قرن‪ ،‬افتراًء منهجًيا لساءة سمعة إسهام‬
‫الحضارة العربية")‪.(1‬‬
‫]‪[2‬‬
‫"يقول )أناتول فرانس( في )الحياة الجميلة( ‪ :‬سأل السيد )دوابوا( السيدة‬
‫)نوزير( عن أشأم يوم في تاريخ فرنسة‪ .‬ولكن السيدة )نوزير( لم تكن‬
‫تعرف‪ .‬فقال السيد )دوبوا( ‪ :‬أنه يوم معركة )بواتيه( عندما تراجع العلم‬
‫العربي‪ ،‬والفن العربي‪ ،‬والحضارة العربية‪ ،‬سنة ‪ /732‬أمام همجية‬
‫الفرنجة(‪.(2)"..‬‬
‫]‪[3‬‬
‫ص الذي سّبب طردي من )تونس( سنة‬ ‫ما بهذا الن ّ‬
‫"إن ذاكرتي ستحتفظ دو ً‬
‫‪ 1945‬بذريعة الدعاوة المضادة لفرنسة! فقد كان من المحظور تأكيد أن‬
‫الحضارة العربية كانت تسيطر إلى حد ّ كبير على الحضارة الوروبية حتى‬
‫القرن الرابع عشر")‪.(3‬‬
‫]‪[4‬‬
‫"إننا نصطدم براي مبّيت استعماري قديم وجدت خلصة كاريكاتورية عنه في‬
‫كتاب كان متوافًرا في جميع مكتبات الجزائر سنة ‪ 1945‬وعنوانه‪) :‬كتاب‬
‫السياسة السلمية(‪ ،‬وهو أشبه شيء بكتاب صلة كامل للمستعمرين ومما‬
‫جاء فيها خاصة‪) :‬أن العلم العربي الذي بلي ومات ميتة ل رجعة لها إنما قام‬
‫على اقتباسات من مؤلفات يونانيين اختارها يهود في العصر الوسيط!‪.(4)"..‬‬
‫"يوضح الكاتب )بلسكو إيبانز( في كتابه )في ظل الكاتدرائية( أن انتعاش‬
‫إسبانية لم يأت من الشمال‪ ،‬حيث القبائل البربرية‪ ،‬بل من الجنوب مع‬
‫العرب الغزاة‪ ..‬لقد استولى العرب خلل سنتين على ما بذل الخرون‬
‫حا يفرض ذاته بقوة السلح‪،‬‬ ‫لسترجاعه منهم سبعة قرون‪ .‬إن ذلك لم يكن فت ً‬
‫دا يمد ّ من كل جانب جذوره القوية")‪.(5‬‬ ‫بل كان مجتمًعا جدي ً‬
‫]‪[5‬‬
‫"إنما يدين )الغرب( بعصر النهضة للـ)غزو( العربي الذي عرف كيف يخلق‬
‫الشروط الفكرية اللزمة لتفتحه‪ .‬وهذا الغزو قد جعل من الممكن‪ ،‬أو ً‬
‫ل‪،‬‬
‫ابنثاق الثقافات القديمة بدًء من الثقافة الهلينية‪ ..‬بيد أن العرب لم يقتصروا‬
‫على ]ذلك[ وإنما أسهموا إسهام إبداع ضخم في الثقافة العالمية‪.(6)"..‬‬
‫______________________________________‬
‫حوار الحضارات ‪ ،‬ص ‪. 96‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 98‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 99‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 101‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 103 – 102‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 103‬‬
‫إدوين كالفرلي‬
‫]‪[1‬‬

‫‪21‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(140 /‬‬

‫"لقد رأينا كيف أن السلم أمد ّ أوروبا الجنوبية الغربية بالعلم والثقافة وكيف‬
‫أن ترجمة القرآن إلى اللتينية‪ ،‬ودراسة اللغة العربية مكنتا دول أوروبا‬
‫الغربية من الوصول إلى المعرفة الدقيقة بالدين السلمي ولكن المسيحيين‬
‫قد أخذوا عن المسلمين أموًرا كثيرة أخرى‪ ..‬فقد كانت الثقافة السلمية‬
‫ض‬
‫والعربية الغذاء الول للعلماء المسيحيين في القرون الوسطى‪ ..‬ولم يم ِ‬
‫حين قليل ]على حركة الترجمة[ حتى ظهر علماء وأساتذة مسلمون تمثلوا‬
‫الثقافة الغريقية وجعلوها جزًءا ل ينفصل من ثقافة المسلمين وحضارتهم‪.‬‬
‫وقد نقل كل ذلك فيما بعد إلى الغرب‪ .‬ومما يعنينا في هذا الصدد عناية‬
‫خاصة أن نذكر أن المسلمين قد هضموا العلم والفلسفة الهيلينية ثم حوروا‬
‫فيهما ليلئموا بين معرفتهم الجديدة وبين روح العقيدة القرآنية‪.(1)"..‬‬
‫]‪[2‬‬
‫"أخذ المسلمون ]عقيدتهم[ معهم حيثما استقر بهم غزواتهم‪ .‬وفي البلد‬
‫الجديدة التي استوطنوها علموا ما اكتسبوا من معارف وعلوم انتقلت فيما‬
‫بعد إلى أوروبا الغربية وسواها من أقطار الرض وكانت النتيجة أن أصبح علم‬
‫العرب والسلم لباب الثقافة في أوروبا‪.(2)"..‬‬
‫]‪[3‬‬
‫"‪ ..‬من الطبيعي أن يحاول بعض علماء المسيحية اليوم‪ ،‬أن يقلل من أهمية‬
‫تأثير التفكير الفلسفي الديني السلمي في علم اللهوت المسيحي‪ .‬والحق‬
‫ميته")‬ ‫أن محاولتهم هذه هي في ذاتها دليل على وجود هذا التأثير وعلى أه ّ‬
‫‪.(3‬‬
‫______________________________________‬
‫الشرق الدنى‪ :‬مجتمعه وثقافته )بإشراف كويلر يونغ(‪ ،‬ص ‪. 175 – 174‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 176 – 175‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 176‬‬
‫كلود كاهن‬
‫]‪[1‬‬
‫"أما الحضارة الجديدة التي انبثقت عن هذه الفتوح ]السلمية[ فقد كانت من‬
‫أزهى الحضارات‪ ،‬فهي قد أفادت الغرب من علومها وفي شتى الميادين‪ ،‬بعد‬
‫أن حضنت النصيب الكبر من التراث القديم وأمدته بالحياة‪ .‬ثم امتزج التاريخ‬
‫جا مستمًرا سواء في‬ ‫السلمي منذ ثلثة عشر قرًنا بالتاريخ الغربي امتزا ً‬
‫الحرب أم في السلم‪ ،‬ونهلت الحضارتان من معين واحد‪ .‬ولئن تطورتا فيما‬
‫قا‪ ،‬فل بد أن تعيننا الموازنة بينهما على الوصول إلى‬ ‫دا عمي ً‬‫بعد وتباعدتا تباع ً‬
‫تفاهم أفضل‪ .‬ول يسع المرء في القرن العشرين أن يبقى بمعزل عن أي‬
‫أسرة من السر التي يتألف منها المجتمع النساني‪ ..‬لهذه السباب جميًعا‬
‫قا بتاريخ العالم السلمي أن يشغل مكانة مرموقة في ثقافتنا‬ ‫كان خلي ً‬
‫قا بنا أن نطرح جانًبا تلك الفكرة الخاطئة التي تجعل‬ ‫الغربية‪ .‬وكان حقي ً‬
‫كا لبعض الشعوب وبعض القاليم المنفردة بمثل هذا المتياز‪،‬‬ ‫الحضارة مل ً‬
‫حتى ندرك أن ابن سينا المولود في آسيا الصغرى قد وجد قبل القديس توما‬
‫المولود في إيطاليا‪ ،‬وأن مساجد دمشق وقرطبة قد أنشئت قبل كاتدرائيات‬
‫فرنسا وألمانيا‪ .‬وبالتالي ل مناص لنا من التخلي عن هذا الزدراء الذي نبديه‬
‫للشعوب السلمية المعاصرة لنا بحكم تضاؤل شخصيتها تضاؤل ً قد يكون‬
‫عابًرا أمام قارة أوروبية استطاعت أن تخطو خطوات حثيثة في مضمار‬

‫‪22‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الثقافة والسلطان‪.(1)"..‬‬
‫]‪[2‬‬
‫"كان العرب‪ ،‬بطبيعة الحال‪ ،‬ينظرون فيما يترجمون‪ ،‬بل كانوا يترجمون بغية‬
‫النظر في هذه الكتب‪.(2)"..‬‬
‫]‪[3‬‬
‫"تقوم الهمية التاريخية للعلوم العربية على احتضانها التراث القديم‪ ،‬مما أتاح‬
‫للغرب أن يتقبل هذا التراث بدوره وفي عهد لحق‪ .‬لكنه من الحيف أن نقصر‬
‫قا في‬ ‫هذه الهمية على مجرد دور الوسيط السلبي‪ .‬ولعلنا ل نشاهد مطل ً‬
‫التاريخ مثل ذلك الحماس الفكري الذي نشاهده عند العرب‪ ،‬ولم تتجمع قط‬
‫المعلومات المتوفرة لمة من المم بمثل ذلك التساع‪ .‬فقد أضافوا إلى العلم‬
‫الغريقي كل ما أسهمت فيه المدنيات الشرقية الخرى‪ .‬وتيسر عرض ذلك‬
‫ح أنهم انطلقوا من النصوص القديمة‪،‬‬ ‫في لغة ذات حضارة واحدة‪ .‬وإن ص ّ‬
‫فإنهم قاموا بمقارنة هذه النصوص وانتقادها وضبطها‪ ،‬ولبد من أن ينجم عن‬
‫ذلك كله تقدم على أقل تقدير في بعض الميادين‪ .‬وإذا كان علماء المسلمين‬
‫وضوا عن‬ ‫– رغم نزعتهم الفكرية – أقل قوة في التجريد من اليونان‪ ،‬لكنهم ع ّ‬
‫ذلك بميلهم الشديد إلى التجربة‪ .‬ولقد بين التقدم العلمي اللحق أهمية هذا‬
‫الميل‪ .‬فالعلم الذي خلفه العرب هو علم مارسوه في حياتهم اليومية‪ ،‬ولهذا‬
‫در له البقاء‪ .‬وكان الرازي )وهو أحد كبار‬‫السبب ظل على قيد الحياة وق ّ‬
‫دا عن إمكانية استمرار التقدم العلمي‪ ،‬وذلك‬ ‫حا ج ً‬
‫العلماء( قد عبر تعبيًرا واض ً‬
‫مبدأ غريب على معظم مفكري العصر الوسيط الذين نأوا بعبء الحكمة‬
‫القديمة")‪.(3‬‬
‫]‪[4‬‬
‫"‪ ..‬ل بد ّ لنا من القول بأن المؤلفات ]العربية[‪ ،‬رغم ما نلحظ فيها من تكرار‪،‬‬
‫تشهد على حيوية فكرية بالغة‪ .‬وهي إذا قورنت بالمؤلفات الوروبية الصادرة‬
‫بعد العهد )الكارولنجي(‪ ،‬أو بالثار التي وضعت إبان النهضة البيزنطية‪ ،‬أثارت‬
‫في نفوسنا الدهشة والعجاب")‪.(4‬‬
‫]‪[5‬‬

‫)‪(141 /‬‬

‫"ل يسع المؤرخ أن ينفض يده من حضارة في حال انحطاطها دون أن تعتريه‬
‫عاطفة من الكآبة التي ل تتنافى مع الموضوعية‪ .‬فقد كانت هذه الحضارة‬
‫مدة طويلة من الزمن ورغم اضطراباتها ونقاط الضعف فيها‪ ،‬إنجاًزا رائًعا من‬
‫منجزات النسان‪ ،‬وفترة حاسمة من وجوده‪ ..‬إن الحضارات جميًعا عرضة‬
‫للفناء‪ .‬ذلك أمٌر ل ريب فيه‪ .‬لكنها تنهض دليل ً على أن الشعوب التي أوجدت‬
‫هذه الحضارات قادرة على إبداع غيرها أو بعثها من جديد‪ .‬ومهما يكن من‬
‫أمر‪ ،‬فإن الغرب ل يسعه أن يتجاهل بأنه أخذ العلم والتفكير عن ابن سينا‬
‫وابن رشد‪ ،‬وأنه لول مسجد قرطبة لما شيدت كاتدرائية )بوي( بالذات في‬
‫قلب فرنسا على النحو الذي شيدت به")‪.(5‬‬
‫______________________________________‬
‫تاريخ العرب والشعوب السلمية ‪. 6 / 1 ،‬‬
‫نفسه ‪.‬‬
‫نفسه ‪. 330 – 329 / 1 ،‬‬
‫نفسه ‪. 336 / 1 ،‬‬

‫‪23‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نفسه ‪. 406 – 405 / 1 ،‬‬


‫هاملتون كب‬
‫]‪[1‬‬
‫"ظهرت للسلم ملمح مختلفة في مختلف الزمنة والمكنة بتأثير العوامل‬
‫المحلية الجغرافية والجتماعية والسياسية فيه‪ ،‬وبقوة استجابته لها‪ .‬ولنمثل‬
‫على ذلك بما تم في الغرب‪ .‬أعني في شمال غربي أفريقيا وفي إسبانيا أثناء‬
‫العصور الوسطى‪ .‬ففي تلك المناطق اتخذ السلم لنفسه خصائص فارقة‬
‫على الرغم من الصلة الوثيقة بين تلك المناطق وقلب العالم السلمي في‬
‫عا من الثقافة السائدة‬ ‫غرب آسيا‪ ،‬وعلى الرغم من أن الثقافة فيها كانت فر ً‬
‫في قلب العالم السلمي‪ .‬وكان لبعض تلك الخصائص الفارقة أثرها في‬
‫ضا في مناطق أخرى‬ ‫السلم نفسه في غربي آسيا‪ .‬ومثل هذا نفسه تم أي ً‬
‫جغرافية واسعة قليلة التصال بغيرها كشبه القارة الهندية وإندونيسيا‬
‫وأراضي السهوب الممتدة في جنوبي روسيا إلى تخوم الصين‪ .‬ففي تلك‬
‫المناطق أنتجت العوامل المشابهة أشكال ً وصوًرا مميزة فارقة‪ .‬على أن هذه‬
‫المناطق تحتفظ مجتمعة ومنفردة‪ ،‬بطابع إسلمي معين مشترك يمكن تبّينه‬
‫بسهولة")‪.(1‬‬
‫]‪[2‬‬
‫"‪ ..‬أن العرب والمسلمين بصورة عامة اضطروا إلى الحذر من المفاهيم‬
‫العامة الشاملة المجردة مثل مفهوم )قانون الطبيعة( أو )العدالة( المثالي‬
‫وقد اتهموا هذه المفاهيم )وهم في ذلك على صواب( بأنها مستمدة من‬
‫)الفلسفة الزدواجية( أو من )المادية( التي ترتكز على طرائق مغلوطة في‬
‫التفكير ل ينتج عنها سوى قليل من الخير وكثير من الشر‪ ..‬وعلى الرغم من‬
‫أن أنصار المدرسة السلمية اعتبروا بعض العلوم مساعدة مفيدة‪ ،‬كالمنطق‬
‫والرياضيات‪ ،‬وتبنوا بهذا المقدار طريقة التفكير )العلمي( وشجعوه‪ ،‬فإنهم‬
‫تمسكوا بإعطائها دوًرا ثانوًيا‪ .‬وإذا أتيح لي أن أستطرد في القول فإني أقول‬
‫بأن تمركز التفكير العربي حول الحداث الفردية حمل العلماء المسلمين إلى‬
‫توسيع الطريقة التجريبية العلمية إلى أبعد مما فعل أسلفهم اليونان وعلماء‬
‫السكندرية‪ ..‬وأعتقد أن الجميع متفقون بصورة عامة على العتراف بأن‬
‫الملحوظات التفصيلية للباحثين المسلمين أسهمت مادًيا في تقدم المعرفة‬
‫العلمية‪ ،‬وأنهم أصحاب الفضل في إدخال أو إعادة اعتبار الطريقة التجريبية‬
‫في أوروبا خلل القرون الوسطى‪.(2)"..‬‬
‫_______________________________________‬
‫دراسات في حضارة السلم ‪ ،‬ص ‪. 4 – 3‬‬
‫التجاهات الحديثة في السلم‪ ،‬ص ‪ ،35-34‬وعن إنجازات المسلمين في‬
‫ميدان الداب انظر‪ :‬تراث السلم )إشراف سير توماس ارنولد(‪ ،‬ص ‪-261‬‬
‫‪.302-300 ،297-269 ،266‬‬
‫جي‪ .‬ج‪ .‬كرامرز‬
‫]‪[1‬‬
‫"‪ ..‬أن اكتشاف النقود السلمية في بقعة عظيمة الرقعة ]من آسيا وأوروبا[‬
‫ينهض دليل ً على مدى انتشار الثقافة السلمية‪ ،‬ويقوم برهاًنا على أن‬
‫المسلمين كانوا يستبضعون مختلف السلع من الشعوب الشمالية الغربية‪)"..‬‬
‫‪.(1‬‬
‫]‪[2‬‬
‫"‪ ..‬أن الغنم الثقافي الذي نالته أوروبا من العالم السلمي في صعيدي‬

‫‪24‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الجغرافية والتجارة لم يكن ثمرة ساعة واحدة‪ .‬إنما قام على العلقات‬
‫المتبادلة التي ظلت متواصلة منذ مطلع القرن الحادي عشر ]الميلدي[ حتى‬
‫الن‪ ،‬فوصلت إلى ذروة مجدها أثناء حكم المغول في القرن الثالث عشر‪.‬‬
‫كذلك يجب أن نضع نصب أعيننا حقيقة واحدة وهي أن الحضارة السلمية‬
‫بنموها وازدهارها عن طريق الدول التي أعقبتها في الحكم كتركيا وإيران‬
‫وشعوب الهند المسلمة وسكان جزر الهند الشرقية المسلمين‪ ،‬جعلت كثيًرا‬
‫من الراء والعادات السلمية معروفة مطبقة في البلد الوروبية‪ .‬ولكن لم‬
‫يبد من فترة تاريخية تفوق ساحق عظيم للشعوب السلمية على العالم‬
‫المسيحي كفترة القرن العاشر‪ ،‬أعني عندما وصل السلم إلى أوج السؤدد‬
‫والتقدم‪ ،‬وعندما كانت أوروبا المسيحية في ركود وظلم حالك")‪.(2‬‬
‫______________________________________‬
‫تراث السلم‪) ،‬إشراف سير توماس ارنولد(‪ ،‬ص ‪. 156‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪ .164‬وعن إنجازات المسلمين في ميدان الجغرافية والتجارة‪،‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪،148-146 ،143-142 ،131-130 ،106-105‬‬
‫‪.164-161 ،158-157 ،153-152‬‬
‫كوستاف فون كرونباوم‬
‫]‪[1‬‬

‫)‪(142 /‬‬

‫"كانت الحضارة التي جاء بها العرب الفاتحون من جزيرة العرب هي في حد ّ‬


‫ذاتها نتيجة الندماج الولى بين عناصر الثقافة المحلية للعرب وعناصر‬
‫مستمدة من التقاليد اليهودية والمسيحية والتقاليد الهلينية‪ ..‬وبين رسالة‬
‫السلم التي كانت عنصًرا آخر وعامل ً من عوامل تبلور الحضارة الجديدة‪.‬‬
‫عا ما‬
‫وهذا التكامل السلمي الول هو الذي فرض نفسه على نسبة كبيرة نو ً‬
‫من الشعوب المغلوبة في الوقت الذي كان يجري فيه كفاح شديد بينها وبين‬
‫الحضارات القديمة المتأصلة في تلك البلد‪ .‬وكانت نتيجة هذه الخصومة‬
‫والتنازع أن خرجت إمكانيات السلم الفلسفية والعملية إلى حّيز الفعل")‪.(1‬‬
‫]‪[2‬‬
‫"التفكير الداري والسياسي من فارس‪ ،‬والطرائق الهلنستية في التفلسف‬
‫والعلم‪ ،‬والطب والرياضيات من الهند‪ ،‬كل ذلك قد تمثله ]المسلمون[‬
‫واستوعبوه بغير عناء‪ .‬وأن التعريب اللغوي لكل ما اقتبسوه من هذه المور‬
‫ساعد على تمثلها‪ .‬وحينما توضح وجهة النظر الجنبية في داخل إطار إسلمي‬
‫وبتعابير إسلمية يكون الحساس بها إسلمًيا صادًقا‪ ،‬ومن جهة أخرى فإن‬
‫التوضيح التدريجي بحقائق الدين الولى ولما تشتمل عليه من ملبسات‬
‫ثقافية‪ ،‬أخذ يساعد على توسيع الساس الذي يقوم عليه التبادل بين‬
‫الحضارات‪ .‬وهكذا نجد أن ازدهار الحضارة العباسية بين ‪840-760‬م إنما‬
‫جا ثانًيا للحضارة السلمية‪ ،‬وقد فسحوا المجال فيها للتقاليد‬ ‫يمثل امتزا ً‬
‫)المحلية( التي استمدوا جزًءا منها من الكتب‪ ،‬إل أن معظمها دخل في‬
‫التركيب الجديد على سبيل حقائق التعايش الفعلي")‪.(2‬‬
‫]‪[3‬‬
‫"إن ثقافة السلم العامة تملك تحت تصرفها وسائل متعددة تساعد على‬
‫التوفيق بين الثقافات المحلية‪ .‬ومن هذه الوسائل التي يتميز بها السلم في‬
‫الخص الجماع‪ .‬فهذا الجماع الذي هو عنصر في ‪ Consensus Prudentium‬له‬

‫‪25‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سلطة الفصل في شرعية أي عمل أو عقيدة أخذتها الجماعة‪.(3)"..‬‬


‫______________________________________‬
‫الوحدة والتنوع في الحضارة السلمية‪ ) ،‬تحرير كرونباوم(‪ ،‬ص ‪. 38‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 39 – 38‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 53‬‬
‫جوليفيه كستلو‬
‫]‪[1‬‬
‫ما‪ ،‬جرى‬ ‫"كان التقدم العربي بعد وفاة الرسول ]صلى الله عليه وسلم[ عظي ً‬
‫دا لنتشار السلم فنشأت المدنية‬ ‫على أسرع ما يكون‪ ،‬وكان الزمان مستع ً‬
‫السلمية نشأة باهرة‪ ،‬قامت في كل مكان مع الفتوحات بذكاء غريب ظهر‬
‫أثره في الفنون والداب والشعر والعلوم‪ .‬وقبض العرب بأيديهم‪ ،‬خلل عدة‬
‫قرون‪ ،‬على مشعل النور العقلي‪ ،‬وتمثلوا جميع المعارف البشرية‪ ..‬فأصبحوا‬
‫سادة الفكر‪ ،‬مبدعين ومخترعين‪ ،‬ول بالمعنى المعروف‪ ،‬بل بما أحرزوه من‬
‫أساليب العلم التي استخدموها بقريحة وقادة للغاية‪ .‬وكانت المدنية العربية‬
‫قصيرة العمر‪ ،‬إل أنها باهرة الثر‪ ،‬وليس لنا إل إبداء السف على اضمحللها")‬
‫‪.(1‬‬
‫]‪[2‬‬
‫"‪ ..‬أن أوروبا لمدينة للحضارة العربية بما كتب لها من ارتقاء‪ ،‬من القرن‬
‫العاشر إلى القرن الرابع عشر‪ ،‬وعنها أخذت الفكرة الفلسفية العلمية التي‬
‫صا في القرون الوسطى‪ ،‬وإن أوروبا لتتجلى لنا‬ ‫سرت إليها سريانا بطيًئا ناق ً‬
‫منحطة جاهلة أمام المدنية العربية وأمام العلم العربي والداب والفنون‬
‫العربية‪ .‬وأوروبا تدين بالهواء النافع الذي تمتعت به في تلك العصور للفكار‬
‫العربية‪ ،‬وقد انقضت أربعة قرون ول حضارة فيها غير الحضارة العربية‬
‫وعلماؤها هم حملة لوائها الخفاق")‪.(2‬‬
‫]‪[3‬‬
‫"‪ ..‬أن تبادل الفكار بين الشرق والغرب قد نتج من الحتكاك بين عرب‬
‫إسبانيا والوروبيين‪ ..‬وأن أوروبا مدينة كثيًرا للحضارة العربية والتركية أكثر‬
‫مما تدين الحضارة العربية للحضارة المنحطة في الغرب بين القرن الحادي‬
‫عشر والثالث عشر")‪.(3‬‬
‫______________________________________‬
‫قانون التاريخ ‪ ) ،‬عن محمد كرد علي‪ :‬السلم والحضارة العربية ‪.( 56 / 1 ،‬‬
‫نفسه ‪. 544 / 2 ،‬‬
‫نفسه ‪. 555 / 2 ،‬‬
‫ايفلين كوبولد‬
‫]‪[1‬‬
‫"‪ ..‬ليس من يجهل خدمات العرب للعلم والمعرفة في أيام حضارتهم وعّزهم‬
‫وكيف أنهم أنشأوا المدارس وعنوا بالمستشفيات‪ ،‬وعززوا المعارف وأجازوا‬
‫أهل العلم والعرفان‪ ،‬وعملوا على نشر الكتب وترجمة المؤلفات في كل‬
‫القطار التي امتدت حضارتهم إليها واستقام حكمهم فيها حتى أصبحت بغداد‬
‫في عصرها الزاهر مدينة العلم والفلسفة‪ ،‬وأوروبا ل تزال حتى يومنا هذا‬
‫مدينة للسلم بهذه الشعلة العلمية التي حملها العرب في أيام حضارتهم‬
‫وحافظوا عليها كل المحافظة حتى أخذتها أوروبا منهم")‪.(1‬‬
‫]‪[2‬‬
‫"‪ ..‬جاء العرب إلى أوروبا ومعهم شعلة العلم في ذلك الزمان الماضي‪ ،‬وهو‬

‫‪26‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ما يحملنا أن نبكي مصرع الندلس لن مصرعها كان ضربة على الحضارة‬
‫الحديثة والعمران القديم")‪.(2‬‬
‫]‪[3‬‬
‫"‪ ..‬أصيب العالم والحضارة من سقوط العرب وانهيار سلطانهم بخسارة ل‬
‫تعوض")‪.(3‬‬
‫]‪[4‬‬

‫)‪(143 /‬‬

‫"‪) ..‬اطلبوا العلم ولو في الصين( هذه كلمة النبي العربي ]صلى الله عليه‬
‫وسلم[ إلى المؤمنين‪ ،‬أوجب عليهم فيها طلب العلم من أقصى الرض إلى‬
‫أقصاها وهي كلمة ألقاها وأمر بها منذ مئات السنين‪ ..‬ولكن العلم الوروبي‬
‫لم يتفهم خطورتها ول اتبعها حتى القرن الثالث عشر وبعد سبعة قرون من‬
‫صدورها")‪.(4‬‬
‫]‪[5‬‬
‫"‪ ..‬أن السلم كان يقف شعلة للمعرفة والعلوم‪ ..‬ولقد عرف كلومبوس في‬
‫جامعات إسبانيا السلمية أن الرض مدورة‪ ..‬وكانت هذه الجامعات ترحب‬
‫بطلب المعرفة من اليهود والنصارى‪ ..‬الذين انتظموا فيها ونالوا شهاداتها‬
‫وتلقوا معارفها‪.(5)"..‬‬
‫______________________________________‬
‫البحث عن الله ‪ ،‬ص ‪. 50‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 51‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 52 – 51‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 91‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 92‬‬
‫عبد الله كويليام‬
‫]‪[1‬‬
‫"أضاء نور ]الحضارة السلمية[ على العالم من سماء بغداد ومن قرطبة‪ .‬إذ‬
‫من المعلوم أنه في ذلك العهد الذي بلغت فيه ]تلك[ الحضارة إلى الغاية‬
‫التي ل تدرك كانت أوروبا في دياجي الجهالة وكان الرهبان يرحلون لخذ‬
‫العلم بالبلد الندلسية‪ ..‬وبالجملة فديانة الرجل الذي يقول )اطلب العلم ولو‬
‫في الصين( تحرص على السعي‪ ..‬ل على السكون‪.(1)"..‬‬
‫]‪[2‬‬
‫"هاهي الحوادث والحوال قد برهنت على ما للقرآن أمام أعين الذين‬
‫يفقهونه من صفات القابلية للعلم والترقي والحضارة حيث قامت في العالم‬
‫السلمي حضارات فاخرة باهرة مثل حضارة بغداد وتمدن قرطبة الذي فات‬
‫مي ما كانت عليه‬ ‫ح أن ل نس ّ‬
‫بكثير ما كان يعاصره من تمدن الغرب إن ص ّ‬
‫حالة الغرب وقتئذ بالهمجية‪ .‬وحينذاك لم يهدم المسلمون آثار اليونان العلمية‬
‫بحريق مكتبة السكندرية الموهوم‪ ،‬بل هم نقلوا إلى لغتهم آثار أرسطو التي‬
‫عادت بأحسن الفوائد على مدارسنا الغربية في القرون الوسطى التي لم‬
‫تصلنا إل بواسطة المسلمين وعن أيديهم فضل ً عن أن علماء العرب كانوا‬
‫أساتذتنا في سائر أنواع المعارف من الجبر )والسم نفسه يرشد لذلك( إلى‬
‫الطب‪ ،‬حتى إن أحد أعاظم باباواتنا )سلفستر( رحل إلى الندلس فحصل‬
‫فيها من العلوم والمعارف ما أدهش وبهر سائر معاصريه")‪.(2‬‬

‫‪27‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫_______________________________________‬
‫العقيدة السلمية‪ ،‬ص ‪ ، 40‬عن )لوازون في خطبة ألقاها بتونس ونشرت‬
‫بجريدة الحاضرة التي تصدر في تونس بتاريخ ‪ 3‬ديسمبر سنة ‪.(1895‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 63 – 62‬‬
‫روم لندو‬
‫]‪[1‬‬
‫"‪ ..‬على الرغم من أن أثر الشرق الدنى اليومي بعيد المدى إلى حد بالغ‪،‬‬
‫فالواقع أن السلم على العموم‪ ،‬والحضارة السلمية )أو العربية( على‬
‫الخصوص‪ ،‬يتمتعان بأهمية أعظم بكثير‪ .‬أن الحضارة الغربية – ابتداًء من‬
‫الفلسفة والرياضيات إلى الطب والزراعة – مدينة لتلك الحضارة بشيء كثير‬
‫م لنا معرفة ما‬‫إلى درجة نعجز معها عن فهم الولى )الغربية( إذا لم تت ّ‬
‫بالخرى )السلمية أو العربية(")‪.(1‬‬
‫]‪[2‬‬
‫"بينما كانت سائر بلدان أوروبا تتمرغ في القذر والحطة نعمت إسبانيا بمدن‬
‫نظيفة منظمة ذات شوارع معبدة ومضاءة‪ .‬وكان في ميسور قرطبة وحدها‬
‫أن تعتز بنصف مليون من السكان‪ ،‬وسبعمائة مسجد‪ ،‬وثلثمائة حمام‬
‫عمومي‪ ،‬وسبعين مكتبة عامة‪ ،‬وعدد كبير من دكاكين الوّراقين )المكتبات‬
‫التجارية(")‪.(2‬‬
‫]‪[3‬‬
‫"حين نتذكر كم كان العرب بدائيين في جاهليتهم يصبح مدى التقدم الثقافي‬
‫الذي أحرزوه خلل مئتي سنة انقضت على وفاة الرسول ]صلى الله عليه‬
‫قا‪ .‬ذلك بأن‬‫وسلم[ ليس غير‪ ،‬وعمق ذلك التقدم‪ ،‬أمًرا يدعو إلى الذهول ح ً‬
‫ضا أن النصرانية احتاجت إلى نحو من ألف وخمسمائة سنة‬ ‫علينا أن نتذكر أي ً‬
‫لكي تنشئ ما يمكن أن يدعى حضارة )مسيحية(‪ ،‬فما هي إذن الدوافع‬
‫الرئيسية إلى منجزات العرب العلمية؟ إن في استطاعتنا أن نلخص هذه‬
‫الدوافع فيما يلي‪ :‬رغبة متقدة في اكتساب فهم أعمق للعالم كما خلقه الله‪،‬‬
‫ما‪ ،‬ولكن‬‫قبول للعالم المادي‪ ،‬ل بوصفه دون العالم الروحي شأًنا ومقا ً‬
‫وا له في الصحة والرسوخ؛ واقعية قوية تعكس في صدق وإخلص‬ ‫بوصفه صن ً‬
‫طبيعة العقل العربي اللعاطفي‪ ،‬وأخيًرا فضولهم النهم الذي ل يعرف الشبع‪.‬‬
‫كان كل ما في الوجود صادًرا عن الله‪ ،‬ابتداء من الستغراق في العبودية لله‬
‫إلى حنان الم وحبها‪ ،‬إلى انطلق السهم والطاعون الذي يقضي على بلد‬
‫برمتها وقرصة البعوضة‪ .‬إن كل ً من هذه ليكشف عن قدرة الله‪ ،‬ومن هنا فهو‬
‫جدير بالتأمل والدرس‪ .‬ففي السلم لم يول كل من الدين والعلم ظهره‬
‫قا معاكسة‪ .‬ل‪ ،‬والواقع أن الول كان باعًثا من البواعث‬ ‫للخر ويتخذ طري ً‬
‫الرئيسية للثاني")‪.(3‬‬
‫]‪[4‬‬

‫)‪(144 /‬‬

‫حا عن الدين‪،‬‬ ‫"منذ عصر النهضة انفصل العلم في الغرب‪ ،‬انفصال ً أشد وضو ً‬
‫أو بتعبير آخر‪ ،‬تابع العلم سبيله غير ملتفت إل قليل ً إلى مطالب الخلق وعلم‬
‫دا بالكون‬‫الخلق‪ .‬ففيما كان النسان في الغرب يكتسب معرفة متنامية أب ً‬
‫ً‬
‫الطبيعي وسيطرة متعاظمة عليه كان تقدمه الخلقي يتخلف متلكئا‪ .‬وبتحرير‬
‫العلم في القرون الوسطى من سلطان الكنيسة‪ ،‬لم يفصل الغرب العلم عن‬

‫‪28‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العقائد الدينية فحسب بل فصله عن مفاهيم اليمان والقيود الخلقية‬


‫ضا‪ .‬أما العلم السلمي فلم ينفصل عن الدين قط‪ .‬والواقع أن‬ ‫الملزمة لها أي ً‬
‫الدين كان هو ملهمه وقوته الدافعة الرئيسية‪ .‬ففي السلم ظهرت الفلسفة‬
‫والعلم مًعا إلى الوجود ل ليحل محل ألوهية الدين )البدائية(‪ ،‬ولكن لتفسيرها‬
‫عقلًيا‪ ،‬لقامة الدليل عليها وتمجيدها‪ .‬ومن هنا فليس عجيًبا أن يكون العلم‬
‫السلمي لم يجّرد في أيما يوم من اليام من الصفات النسانية – كما حدث‬
‫ما في خدمة النسان‪ .‬وبينا أكره العلم الغربي في‬ ‫في الغرب – ولكنه كان دائ ً‬
‫عهد مبكر نسبًيا على اتخاذ سبيل التخصص‪ ،‬بحيث أمسى كل فرع من‬
‫فروعه يعمل – كثيًرا أو قليل ً – في عزلة‪ ،‬ظل العلم السلمي شمولًيا‪ ،‬يجهد‬
‫من أجل الوحدة‪ ،‬وهي وحدة يلعب فيها كل من الكون المادي والله والنسان‬
‫دوره الحاسم")‪.(4‬‬
‫]‪[5‬‬
‫"‪ ..‬والحقيقة التاريخية التي ل ريب فيها هي أن المسلمين وفقوا‪ ،‬طوال‬
‫خمسة قرون كاملة‪ ،‬إلى القيام بخطوات حاسمة في مختلف العلوم من غير‬
‫أن يديروا ظهورهم للدين وحقائقه‪ ،‬وأنهم وجدوا في ذلك النصهار عامل‬
‫تسريع وإنجاح‪ ،‬ل عامل تعويق وإحباط‪.(5)"..‬‬
‫______________________________________‬
‫السلم والعرب ‪ ،‬ص ‪. 9‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 177‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 246‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 281 – 280‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 281‬‬
‫وعن إنجازات المسلمين في ميادين العلوم الصرفة والتطبيقية والنسانية‪،‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع نفسه‪ :‬الرياضيات‪ ،‬ص ‪ ،254-246‬الكيمياء والفيزياء والدوية‬
‫والزراعة والميكانيك ص ‪ ،333 ،280-271‬الطب‪ ،‬ص ‪ ،269-258‬الجغرافيا‪،‬‬
‫ص ‪ ،258-254‬الفلسفة‪ ،‬ص ‪،232-230 ،227 ،223 ،218-213 ،144‬‬
‫‪ ،238 ،236‬الفن واللغة والدب‪ ،‬ص ‪-307 ،302 ،298-297 ،291-289‬‬
‫‪.340-336 ،332-322 ،318-315 ،309‬‬
‫كوستاف لوبون‬
‫]‪[1‬‬
‫"كلما أمعنا في درس حضارة العرب وكتبهم العلمية واختراعاتهم وفنونهم‬
‫ظهرت لنا حقائق جديدة وآفاق واسعة‪ ،‬ولسرعان ما رأينا أن العرب أصحاب‬
‫الفضل في معرفة القرون الوسطى لعلوم القدمين‪ ،‬وأن جامعات الغرب لم‬
‫تعرف لها‪ ،‬مدة خمسة قرون‪ ،‬مورًدا علمًيا سوى مؤلفاتهم‪ ،‬وأنهم هم الذين‬
‫دنوا أوروبا مادة وعقل ً وأخلًقا‪ ،‬وأن التاريخ لم يعرف أمة أنتجت ما أنتجوه‬ ‫م ّ‬
‫في وقت قصير‪ ،‬وأنه لم يفقهم قوم في البتداع الفني")‪.(1‬‬
‫]‪[2‬‬
‫"تأثير العرب عظيم في الغرب‪ ،‬وهو في الشرق أشد وأقوى‪ ،‬ولم يتفق لمة‬
‫ما اتفق للعرب من النفوذ‪ ،‬والمم التي كانت لها سيادة في العالم‪،‬‬
‫كالشوريين والفرس والمصريين واليونان والرومان‪ ،‬توارت تحت أعفار‬
‫الدهر ولم تترك لنا غير أطلل دارسة‪ ،‬وعادت أديانها ولغاتها وفنونها ل تكون‬
‫ضا‪ ،‬لم تزل عناصر حضارتهم‪ ،‬وإن‬ ‫سوى ذكريات‪ .‬والعرب‪ ،‬وإن تواروا أي ً‬
‫شئت فقل ديانتهم ولغتهم وفنونهم‪ ،‬حية‪.(2)"..‬‬
‫]‪[3‬‬

‫‪29‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سعت دائرة التعليم العام‪ ،‬واستدعي الساتذة من مختلف أقطار العالم‪،‬‬ ‫"و ّ‬
‫وبلغ علم الفلك درجة رفيعة من التقدم‪ ،‬وانتهى إلى نتائج لم ينته إليه‬
‫الوروبيون إل في العصر الحاضر‪ ..‬ونقلت إلى العربية كتب علماء اليونان‬
‫واللتين وصارت تدرس في جميع المدارس‪ ،‬وبحث العرب في آثار القدماء‬
‫فسبقوا الوروبيين إلى ذلك ببضعة قرون‪ .‬وأقدم العرب على تلك المباحث‪،‬‬
‫التي لم يكن لهم عهد بها‪ ،‬بشوق‪ :‬ونشاط‪ ،‬وأكثروا من إنشاء المكتبات‬
‫العامة والمدارس والمختبرات في كل مكان‪ ،‬وكانت لهم اكتشافات مهمة‬
‫في أكثر العلوم‪.(3)"..‬‬
‫]‪[4‬‬
‫"كلما تقدمنا في الكتاب بدا لنا‪ ،‬بوضوح‪ ،‬أمران جوهريان‪ ..‬وهما‪ :‬أن العرب‬
‫استطاعوا أن يبدعوا حضارة جديدة مستعينين بما استعاروا من الفرس‬
‫واليونان والرومان‪ ،‬وأن حضارة العرب كان لها من المناعة ما استطاعت أن‬
‫تهيمن به على البرابرة الذين حاولوا هدمها‪ .‬وقد ظهر لنا أن جميع أمم‬
‫ما قديمة‬‫الشرق الكثيرة‪ ..‬أعانت بل استثناء على نشر نفوذ العرب‪ ،‬وأن أم ً‬
‫قدم العالم‪ ،‬كالمصريين والهنود‪ ،‬اعتنقت ما جاءها به العرب أو ورثتهم من‬
‫الحضارة والدين واللغة")‪.(4‬‬
‫]‪[5‬‬

‫)‪(145 /‬‬

‫"لنفرض جدل ً أن النصارى عجزوا عن دحر العرب ]في جنوب فرنسا[ فماذا‬
‫كان يصيب أوروبا؟ كان يصيب أوروبة النصرانية المتبربرة مثل ما أصاب‬
‫إسبانية من الحضارة الزاهرة تحت راية النبي العربي ]صلى الله عليه‬
‫وسلم[‪ ،‬وكان ل يحدث في أوروبة التي تكون قد هذبت ما حدث فيها من‬
‫الكبائر كالحروب الدينية ومظالم محاكم التفتيش‪ ،‬وكل ما لم يعرفه‬
‫المسلمون من الوقائع التي ضّرجت أوروبة بالدماء عدة قرون‪ .‬ويجب أن‬
‫قا ليوافق على ما زعمه‬‫يكون المرء جاهل ً تاريخ حضارة العرب جهل ً مطب ً‬
‫المؤرخ ]هنري مارتن في كتابه عن )تاريخ فرنسة الشعبي([ من )أن أوروبة‬
‫والدنيا كانت تخسران مستقبلهما(‪ .‬فمزاعم مثل هذه ليست مما يقف أمام‬
‫ل بالبلد التي خضعت لتباع‬ ‫سلطان النقد عندما ُيعلم أن التمدن اللمع ح ّ‬
‫الرسول ]صلى الله عليه وسلم[ محل الهمجية‪ ،‬وأن النشاط الذي يحفز‬
‫النسان إلى التقدم لم يكن قوًيا في أمة مثل قوته في العرب")‪.(5‬‬
‫______________________________________‬
‫حضارة العرب ‪ ،‬ص ‪. 26‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 27 – 26‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 173‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 27‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 180‬‬
‫لين‪ .‬بول)‪(1‬‬
‫]‪[1‬‬
‫"‪ ..‬لم يحدث في تاريخ المدنية حركة أكثر روعة من ذلك الشغف الفجائي‬
‫بالثقافة الذي حدث في جميع أنحاء العالم السلمي‪ .‬فكان كل مسلم‪ ،‬من‬
‫الخليفة إلى الصانع‪ ،‬يبدو كأنما قد اعتراه فجأة شوق إلى العلم وظمأ إلى‬
‫دمه السلم من جميع الجهات‪ .‬وكان تهافت طلب‬ ‫السفر وكان ذلك خير ما ق ّ‬

‫‪30‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دا‬
‫العلم على مركز مثل بغداد‪ ،‬ومن بعدها على المراكز الخرى التي كانت مه ً‬
‫للداب والعلوم‪ ،‬شبيًها بذلك التيار الحديث من العلماء الوروبيين الذين كانت‬
‫تموج بهم الجامعات بحًثا وراء العلم الجديد بل لقد كان أكثر منه روعة!")‪.(2‬‬
‫]‪[2‬‬
‫"أما المساجد‪ ،‬وهي التي كانت – ومازال بعضها – جامعات السلم‪ ،‬فإنها‬
‫جت بالطلبة الذين ملتهم الرغبة في العلم وقد جاءوا للستماع إلى‬ ‫ع ّ‬
‫محاضرات العلماء في علوم الدين والشريعة والفلسفة والطب والرياضة‪.‬‬
‫وقد جاء العلماء أنفسهم من جميع أرجاء العالم الذي كان يتكلم باللغة‬
‫العربية‪ ..‬وكان يرحب بكل طالب مهما كانت جنسّيته‪.(3)"..‬‬
‫]‪[3‬‬
‫"‪ ..‬كان كل ما عرفته أوروبا في العصور الوسطى من فلسفة إغريقية ومن‬
‫علوم رياضية وكيمياء وفلك وطب مأخوًذا في الصل من المؤلفات والرسائل‬
‫العربية المترجمة إلى اللغة اللتينية وقد احتفظت هذه المؤلفات بمكانتها في‬
‫المدارس الوروبية حتى القرن السادس عشر بل والسابع عشر كذلك")‪.(4‬‬
‫]‪[4‬‬
‫"إن القوة الموحدة للغة واحدة وديانة واحدة قد جعلت من الممكن أن يحفظ‬
‫العصر الذهبي لثقافة العرب تراث الغريق والرومان وينقله إلى العالم‬
‫الحديث‪ .‬إن اللغة العربية أدبها الهائل الخالد‪ ،‬إل أن فضلها الكبير على العالم‬
‫يتركز فيما قدمته له من خدمة جليلة في حفظ الحضارة العظيمة القديمة‬
‫ت كانت فيه أوروبا تتخبط في ظلمات الجهل والمية‪ .‬إن‬ ‫ونشرها في وق ٍ‬
‫سحر اللغة العربية وحماسة طلبها هما اللذان مهدا الطريق لحركة إحياء‬
‫العلوم")‪.(5‬‬
‫______________________________________‬
‫)‪ (1‬د‪ .‬ستانلي لين – بول )‪Stanley Lane - Pool (1895-1832‬‬
‫أستاذ اللغة العربية في كلية ترينتي بدبلن )‪ .(1904-1898‬عالم في الثار‬
‫ظا للنقود في المتحف البريطاني حتى وفاته‪.‬‬ ‫المصرية‪ .‬عين سنة ‪ 1877‬حاف ً‬
‫من آثاره‪) :‬فهرس النقود الشرقية في المتحف البريطاني( )‪(1890-1875‬‬
‫في عشرة أجزاء‪) ،‬الخلفة في الشرق(‪) ،‬السر الصغيرة الحاكمة في‬
‫الشرق(‪) ،‬المغول(‪) ،‬العثمانيون(‪) ،‬صلح الدين وسقوط مملكة القدس(‪...‬‬
‫إلخ‪.‬‬
‫)‪ (2‬تاريخ العالم )نشره السير جون‪ .‬أ‪ .‬هامرتن( المجلد ‪ ، 4‬ص ‪. 607‬‬
‫نفسه ‪. 608 – 607 / 4 ،‬‬
‫نفسه ‪. 609 – 608 / 4 ،‬‬
‫نفسه ‪. 618 / 4 ،‬‬
‫مايرهوف)‪(1‬‬
‫]‪[1‬‬
‫"‪ ..‬كانت حرية التعليم مكفولة مؤمنة للجميع في معاهد بغداد ومساجدها‪..‬‬
‫وكان لكل مسجد كبير وما يزال‪ ،‬مكتبته الخاصة ل في المواضيع الدينية‬
‫ضا‪ ..‬وكان الحج إلى مكة‬ ‫وحدها بل في البحاث الفلسفية والعلمية أي ً‬
‫المكرمة فريضة على كل مسلم مما ساعد على انتشار العلم‪ ،‬إذ ل مفّر‬
‫للتلميذ القادمين من الهند وإسبانيا وآسيا الصغرى وأفريقية من المرور ببلد‬
‫مختلفة فتتاح لهم زيارة المسجد والمعاهد العلمية والتصال بمشاهير‬
‫العلماء‪ ..‬وكانت الطريقة العملية في التدريس آنذاك شبيهة بالطريقة المتبعة‬
‫اليوم‪.(2)"..‬‬

‫‪31‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]‪[2‬‬
‫"‪ ..‬أن عظمة العلم السلمي تتجلى في ميدان البصريات‪ .‬ها هنا نكشف‬
‫مقدرة )ابن الهيثم وكمال الدين( الرياضية ضياء )بطليموس وإقليدس(‪ .‬أن‬
‫ق مقرون إلى اسمهم‬‫هذا النوع من العلوم مدين للمسلمين بتقدم حقيق با ٍ‬
‫على مر الدهور")‪.(3‬‬
‫]‪[3‬‬
‫"‪ ..‬في عام ‪1085‬م سقطت طليطلة أعظم مركز للثقافة السلمية في‬
‫الغرب بأيدي السبان المسيحيين وصار تلميذ اللتين يفدون إلى العاصمة‬
‫الجديدة ليظهروا إعجابهم بما يرون من بقايا حضارة المغرب ولكي يدرسوا‬
‫الفنون العربية‪.(4)"..‬‬
‫]‪[4‬‬

‫)‪(146 /‬‬

‫"‪ ..‬ثمة تراجم عديدة ]عن العربي[ استخدمت بصورة واسعة في التدريس‬
‫الجامعي على الخص في فرنسا وشمالي إيطاليا‪ .‬بهذا الطريق انتقلت مئات‬
‫من تراجم التراث العربي – الغريقي العلمي إلى تربة أوروبا المجدبة وكانت‬
‫النتيجة زخات من المطر الوابل أحيا تلك الرض الموات‪.(5)"..‬‬
‫]‪[5‬‬
‫"‪ ..‬كانت العلوم السلمية وهي في أوج عظمتها تضيء كما يضيء القمر‬
‫دد غياهب الظلم الذي كان يلف أوروبا في القرون الوسطى‪ ..‬ولما كان‬ ‫فتب ّ‬
‫لتلك العلوم سهمها الوفى في توجيه عهد )إحياء العلوم( وحث خطواته‪،‬‬
‫فعلينا أن نقّر مذعنين بأن التراث العربي السلمي مازال يعيش في علومنا‬
‫حتى الن")‪.(6‬‬
‫______________________________________‬
‫)‪ (1‬د‪ .‬ماكس مايروهوف ‪Dr. Max Meyerhof‬‬
‫مستشرق ألماني وكحال شهير‪ ،‬مارس طبه في مصر زهاء ربع قرن‪ ،‬ثم ألم‬
‫بجانب مهم من اللغات‪ ،‬واطلع خلل إقامته الطويلة في الشرق على كنوز‬
‫المخطوطات‪ ،‬ونشر وأحيا عدًدا من المصادر العربية‪ ،‬هذا علوة على العديد‬
‫من الرسائل بالفرنسية والنكليزية في مواضيع تاريخ الطب العربي نشرها‬
‫في مختلف المجلت العلمية المشهورة‪.‬‬
‫)‪ (2‬تراث السلم‪) ،‬إشراف سير توماس ارنولد(‪ ،‬ص ‪. 483 – 482 ،458‬‬
‫)‪ (3‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 494‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 496‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 502‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 506‬‬
‫جواهر لل نهرو‬
‫]‪[1‬‬
‫قا في بلدان العالم القديم مثل‬
‫"إننا لنجد أن السلوب العلمي لم يكن مطب ً‬
‫مصر والصين والهند‪ ،‬ونجد القليل منه في اليونان‪ ،‬ول نجده في روما‪ .‬ولكن‬
‫العرب امتازوا بهذه الروح العلمية الستطلعية مما يجعلهم يدعون بجدارة‬
‫آباء العلم الحديث‪ ..‬لقد بنى العرب على الساس العلمي الذي استقوه من‬
‫غيرهم أبحاًثا عظيمة وتوصلوا إلى اكتشافات عظيمة‪ .‬لقد صنعوا أول مكبر‪،‬‬
‫وصنعوا أول بوصلة‪ ،‬وكان أول أطبائهم وجراحيهم ذوي شهرة عالمية طبقت‬

‫‪32‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫آفاق أوروبا‪ .‬وكانت بغداد مركز لهذا الشعاع الفكري‪ .‬وكانت قرطبة عاصمة‬
‫إسبانيا العربية مثيلة بغداد في دنيا الغرب‪ .‬وكانت في العالم العربي مراكز‬
‫علمية أخرى ازدهرت فيها العلوم‪ ،‬ومنها القاهرة والبصرة والكوفة‪ .‬ولكن‬
‫بغداد‪ ..‬فاقت هذه المراكز جميًعا‪ .‬وكان عدد سكانها يربو على مليون نسمة‪،‬‬
‫أي أكثر بكثير من سكان كلكتا أو بومبي في يومنا هذا")‪.(1‬‬
‫]‪[2‬‬
‫"أن حكم العرب لجزاء من إسبانيا مدة ‪ 700‬سنة أمر يدعو إلى الكبار‪،‬‬
‫ويزيدنا إكباًرا لهم تلك المدنية الرفيعة والثقافة العربية الراقية التي وصفها‬
‫أحد المؤرخين بقوله‪) :‬لقد نظم المغاربة مملكة قرطبة العظيمة التي كانت‬
‫مفخرة العصور الوسطى والتي حملت نبارس العلوم والحضارة الزاهرة على‬
‫العالم الغربي الذي كان مغموًرا في الجهل والوحشية(‪ .‬وكتب مؤرخ آخر‬
‫يقول‪) :‬بينما كان معظم الناس في قرطبة يقرأون ويكتبون‪ ،‬كان أهل أوروبا‬
‫المسيحيون في جهل مطبق اللهم إل رجال الدين منهم‪ ،‬ولم ينج من هذا‬
‫الجهل حتى أعلى الطبقات الوروبية(‪ ..‬لقد طارت شهرتها في أرجاء الدنيا‬
‫حتى سماها الكتاب اللمان بزينة الدنيا‪ ،‬وقد أم جامعتها الطلب من جميع‬
‫أنحاء الدنيا‪ ،‬وشعت منها الفلسفة العربية حتى وصلت جامعات أوروبا الكبرى‬
‫كجامعة باريس وأكسفورد وشمال إيطاليا‪.(2)"..‬‬
‫]‪[3‬‬
‫"‪ ..‬اكتسب الصليبيون ]من عالم السلم[ الفنون والصناعة والترف والعلوم‬
‫وحب الستطلع العلمي‪ .‬وهذه هي الشياء عينها التي كان بطرس الناسك‬
‫]داعية الحرب الصليبية[ وأمثاله أبعد الناس عن احترامها وتقديرها")‪.(3‬‬
‫]‪[4‬‬
‫"‪ ..‬لنذكر أن صلح الدين ]اليوبي[ نفسه لم تشغله مهام الحرب عن إنشاء‬
‫المعابد والكليات والمستشفيات وغيرها من مظاهر الرقي والمدنية‪ .‬غير أن‬
‫القدر يشاء أن تتعرض هذه الحياة السامية إلى جحافل المغول الزاحفين من‬
‫الشرق")‪.(4‬‬
‫_______________________________________‬
‫لمحات ‪ ،‬ص ‪. 35‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 46 – 45‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 54‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 54‬‬
‫يزغريد هونكه‬
‫]‪[1‬‬
‫ي أن الوقت قد حان للتحدث عن شعب قد أّثر بقوة على مجرى‬ ‫"‪ ..‬يخّيل إل ّ‬
‫الحداث العالمية‪ ،‬ويدين له الغرب‪ ،‬كما تدين له النسانية كافة بالشيء‬
‫ما‬
‫الكثير‪ .‬وعلى الرغم من ذلك فإن من يتصفح مائة كتاب تاريخي‪ ،‬ل يجد اس ً‬
‫لذلك الشعب في ثمانية وتسعين منها")‪.(1‬‬
‫]‪[2‬‬
‫"إن في لغتنا كلمات عربية عديدة‪ ،‬وإننا لندين – والتاريخ شاهد على ذلك –‬
‫في كثير من أسباب الحياة الحاضرة للعرب‪ .‬وكم أخذنا عنهم من حاجات‬
‫وأشياء زينت حياتنا بزخرفة محببة إلى النفوس‪ ،‬وألقت أضواء باهرة جميلة‬
‫حا باهًتا وزركشته‬
‫ما كال ً‬
‫ما من اليام قات ً‬‫على عالمنا الرتيب‪ ،‬الذي كان يو ً‬
‫بالتوابل الطيبة النكهة‪ ،‬وطّيبته بالعبير العابق‪ ،‬وأحياًنا باللون الساحر‪ ،‬وزادته‬

‫‪33‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صحة وجمال ً وأناقة وروعة")‪.(2‬‬


‫]‪[3‬‬

‫)‪(147 /‬‬

‫دا قريًبا من الكمال وحسابهم‬ ‫"أن أرقام العرب وآلتهم التي بلغوا بها ح ً‬
‫وجبرهم وعلمهم في المثلثات الدائرية‪ ،‬وبصرياتهم الدقيقة‪ ،‬كل ذلك أفضال‬
‫عربية على الغرب ارتقت بأوروبة إلى مكانة‪ ،‬مكنتها عن طريق اختراعاتها‬
‫واكتشافاتها الخاصة‪ ،‬من أن تتزعم العالم في ميادين العلوم التطبيقية منذ‬
‫ذلك التاريخ حتى أيامنا هذه")‪.(3‬‬
‫]‪[4‬‬
‫"‪ ..‬أن التأثير العربي في ]أوروبا[ ظل ]حتى القرن التاسع عشر[ وإن اختفى‬
‫ل‪ ،‬فتغلغل في أعماق الحياة الوروبية‪ ،‬ورآه من يرغب في رؤيته‪ ،‬وأغفله‬ ‫شك ً‬
‫من حجب بصره كره أرعن أو تعصب أعمى")‪.(4‬‬
‫______________________________________‬
‫شمس العرب تسطع على الغرب‪ ،‬ص ‪. 10‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 20‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 163‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 334‬‬
‫مونتكومري وات‬
‫]‪[1‬‬
‫"درس الباحثون مختلف الطرق التي أثر العالم السلمي من خللها على‬
‫أوروبا في العصور الوسطى‪ ،‬وقد نشرت نتائج دراساتهم هذه في العديد من‬
‫المقالت والكتب العلمية‪ ،‬إل أنه من النادر أن نجد محاولة للنظر في التأثير‬
‫السلمي هذا بصورة إجمالية ولتقييم أهمية أثره على أوروبا ومدى استجابة‬
‫أوروبا له‪ .‬لذلك فإن الغرض من هذه السلسلة من المحاضرات هو إعطاء‬
‫نظرة شاملة لهذه التأثيرات ولردود الفعل عليها‪ ..‬إن وجهة نظري ستختلف‬
‫عن وجهة نظر المؤرخ الوروبي‪ ،‬فأنا ل أفكر في المسلمين كأجانب غزوا‬
‫أوروبا بل سأنظر إليهم باعتبارهم أصحاب حضارة ذات إنجازات عظيمة‬
‫عمت بفضلها جزًءا كبيًرا من العالم وامتدت فوائدها إلى القاليم‬
‫المجاورة‪.(1)"..‬‬
‫]‪[2‬‬
‫"إنه لمن المناسب أن تصدر دراسة عن التأثيرات السلمية على أوروبا في‬
‫هذا الوقت الذي يزداد فيه ترابط المسلمين والمسيحيين العرب مع‬
‫الوروبيين في هذا العالم الواحد‪ .‬وقد لوحظ في وقت ما أن الكتاب‬
‫المسيحيين في أوروبا خلل العصور الوسطى قد كونوا صورة مشوهة عن‬
‫السلم من عدة جوانب إل أنه بفضل محاولت الباحثين في القرن الماضي‪،‬‬
‫بدأت تتكون صورة أكثر موضوعية في أذهان الغربيين إذ ليس لدينا نحن‬
‫الوربيين – على أية حال – القدرة على استيعاب فضل المسلمين على‬
‫ثقافتنا‪ ،‬إذ أننا نقّلل أحياًنا من قيمة التأثيرات السلمية ومقدار أهميتها على‬
‫تراثنا وأحياًنا نغض الطرف عنه كلًيا‪ .‬ومن أجل علقات طيبة مع العرب‬
‫والمسلمين علينا العتراف بكامل فضل المسلمين علينا‪ ،‬أما محاولتنا إنكار‬
‫ذلك فما هو إل علمة من علمات الغرور الكاذب")‪.(2‬‬
‫]‪[3‬‬

‫‪34‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫"أن تشويه صورة السلم بين الوروبيين كان ضرورًيا لتعويضهم عن الشعور‬
‫بالّتخّلف‪.(3)"..‬‬
‫______________________________________‬
‫تأثير السلم على أوروبا في العصور الوسطى ‪ ،‬ص ‪. 5‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 6 – 5‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 131‬‬
‫هـ‪ .‬ج‪ .‬ولز‬
‫]‪[1‬‬
‫دا‬
‫"‪ ..‬كان الذهن العربي قبل محمد ]صلى الله عليه وسلم[ ببضعة أجيال مّتق ً‬
‫بنار تسري تحت الرماد‪ ،‬فكان يخرج الشعر والشيء الكثير من الجدل‬
‫جج في تألق ل يفوقه إل ما كان للغريق‬ ‫الديني‪ ،‬وما لبث ذلك العقل‪ ..‬حتى تأ ّ‬
‫في أزهى عصورهم‪ .‬فأحيا من جديد تأثر النسان للعلم‪ .‬فلئن كان الغريقي‬
‫وتها‪ .‬فمن‬ ‫أًبا للطريقة العلمية‪ ،‬فقد كان العربي "شبيًنا" لها وشري ً‬
‫كا له في أب ّ‬
‫العرب‪ ،‬وليس بوساطة الرومة اللتينية‪ ،‬تلقى العالم العصري تلك المنحة من‬
‫النور والقوة")‪.(1‬‬
‫]‪[2‬‬
‫دا مستطلًعا‪ ،‬فاستوعب كثيًرا‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ق‬‫متو‬ ‫الغفل‪،‬‬ ‫العربي‬ ‫العقل‬ ‫الصحراء‬ ‫من‬ ‫جاء‬ ‫"‪..‬‬
‫عا‪ .‬تعلم كثيًرا واستوعب كثيًرا")‬ ‫ورفع قيمة ما تعلم بزيادته قدًرا وتحسينه نو ً‬
‫‪.(2‬‬
‫]‪[3‬‬
‫"سبق العالم السلمي الغرب بقرن أو ما يقاربه‪ ،‬إذ نمت به سلسلة من‬
‫الجامعات العظيمة‪ ،‬فأضاء نورها تلك الجامعات خارج العالم السلمي إلى‬
‫مسافات بعيدة‪ ،‬واجتذب إليها الطلب من الشرق والغرب‪.(3)"..‬‬
‫]‪[4‬‬
‫"‪ ..‬لقد قذفت المقادير بالذكاء العربي في طول العالم وعرضه بصورة أسرع‬
‫وأروع مما فعلت بالعقل اليوناني قبل ذلك بألف سنة خلت‪ .‬لذا عظمت إلى‬
‫أقصى حد ّ الستثارة الفكرية التي أحدثها وجودهم للعالم أجمع غربي بلد‬
‫الصين‪ ،‬كما اشتد ّ تمزيق الفكار القديمة وتطور أخرى جديدة‪ ..‬وكان العلم‬
‫يثب على قدميه وثًبا في كل موضع وطئته قدم الفاتح العربي‪.(4)"..‬‬
‫]‪[5‬‬
‫"‪ ..‬عثر علماء ]العرب من الكيميائيين[ على مناهج العلم التجريبي الذي‬
‫يوشك في خاتمة المطاف أن يمنح النسان سلطاًنا ل حد ّ له على العالم كله‪،‬‬
‫بل وعلى مصائره هو نفسه")‪.(5‬‬
‫______________________________________‬
‫معالم تاريخ النسانية ‪. 662 / 3 ،‬‬
‫نفسه ‪. 663 / 3 ،‬‬
‫نفسه ‪. 664 / 3 ،‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 209‬‬
‫موجز تاريخ العالم ‪ ،‬ص ‪. 206‬‬
‫كويلر يونغ‬
‫]‪[1‬‬
‫"كلمة )السلم( ]ثقافًيا[ تستعمل بالمعنى الواسع لتدل على تلك المدنية‬
‫المتجانسة – رغم تنوعها – والتي وجهها وسيطر عليها الدين السلمي منذ‬

‫‪35‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أكثر من ثلثة عشر قرًنا‪.(1)"..‬‬


‫]‪[2‬‬

‫)‪(148 /‬‬

‫"‪ ..‬عندما انتقلت عاصمة السلم إلى بغداد في منتصف القرن الثامن‬
‫الميلدي كان عصر الفتوح قد انتهى‪ ،‬وأصبح ما جاء به القرآن من لغة وقانون‬
‫ودين يحكم من حدود الصين على أعمدة )هرقل(‪ .‬وفي خلل خمسمائة‬
‫السنة التي حكم فيها العباسيون نمى السلم نظامه الفكري وثقافته‬
‫المتجانسة على أساس من الحياء البارع للمعارف الكلسيكية في القرنين‬
‫التاسع والعاشر الميلدي وهو )الرنيسانس( الشرقي‪ .‬هذا الحياء الثقافي في‬
‫ذنيك القرنين – وفي القرن الذي تلهما حيث بلغت الثقافة السلمية قمة‬
‫تطورها – هو الذي نقل إلى العالم اللتيني‪ ..‬وأصبح أساس )الرنيسانس(‬
‫الغربي في القرنين الخامس عشر والسادس عشر")‪.(2‬‬
‫دا في أوروبا‪ ،‬وكان )بيكون( يستشهد‬ ‫"‪ ..‬كان الفارابي وابن سينا معروفين جي ً‬
‫بأقوالهما‪.(3)"..‬‬
‫"‪ ..‬ليس هناك من شك في أن روح البحث العلمي الجديد وطريقة الملحظة‬
‫والتجربة اللذين أخذت بهما أوروبا إنما جاءا من اتصال الطلب الغربيين‬
‫بالعالم السلمي")‪.(4‬‬
‫]‪[3‬‬
‫"عندما جاء محمد ]عليه السلم[ وظهر السلم تحول التيار ]الثقافي[ إلى‬
‫عكس التجاه الذي كان يسير فيه‪ .‬وقد بدأ هذا التحول مفاجًئا في مظهره‬
‫دا‬
‫بالرغم من أنه يمكن للمؤرخ أن يتعرف على السباب التي تجمعت روي ً‬
‫دا حتى أنتجت هذا النعكاس في اتجاه التيار الثقافي‪ .‬ومن جزيرة العرب‬ ‫روي ً‬
‫اندفعت حماسة هؤلء الساميين بهم‪ ،‬ومعهم دينهم ولغتهم إلى حدود الصين‬
‫في الشرق وإلى جبال البرانس في المغرب‪ .‬وفي العصر السلمي الذهبي‪،‬‬
‫عصر العباسيين‪ ،‬آتت البذور الثقافية التي جلبها العرب من الغريق والفرس‬
‫والهند أكلها‪ ،‬وخلقوا هم أنفسهم ثقافة حية‪ ،‬سيطرت وسادت في العصور‬
‫الوسطى‪ ،‬وكان لها تأثيرها الواضح في أنحاء أوروبا المختلفة‪ ،‬فنهضت بها‬
‫على مر الزمن‪ ..‬وظل تيار الثقافة في العصور الوسطى مندفًعا من الشرق‬
‫إلى الغرب فبلغ قمته في القرن الثالث عشر‪.(5)"..‬‬
‫]‪[4‬‬
‫"لقد قدم العلم السلمي للنسانية خدمات عظيمة‪ ،‬وأضاف إلى تراثها‬
‫الثقافي القديم والكلسيكي الشيء الكثير‪ ،‬وظل يلعب دوره حتى تسّلم‬
‫العلم الغربي منه القيادة‪.(6)"..‬‬
‫______________________________________‬
‫الثقافة السلمية والحياة المعاصرة ‪ ،‬ص ‪. 232‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 234‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 242‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 247‬‬
‫الشرق الدنى ‪ :‬مجتمعه وثقافته )بإشراف كويلر يونغ(‪ ،‬ص ‪. 7‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 10‬‬
‫لويس يونغ‬
‫]‪[1‬‬

‫‪36‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫"نحن حينما نسلم اليوم أن آسيا وأفريقيا تتمثلن أوروبا قدوة لهما‪ ،‬يجب أل‬
‫ننسى الوجه الخر للصورة في العصور الوسطى عندما عكفت أوروبا على‬
‫علوم العرب من طب وفلسفة وطبيعة واستمر ذلك لفترة طويلة‪ .‬حتى إذا‬
‫كان القرن الثامن عشر قبست منهم نار الرومانطيقية‪ ،‬وفي القرن التاسع‬
‫عشر سلبتهم أراضيهم‪ ،‬ثم بترولهم في القرن العشرين")‪.(1‬‬
‫]‪[2‬‬
‫"ما الذي تركته حضارة العرب والمسلمين في أوروبا؟ لقد تركت بصماتها‬
‫على جميع المستويات ابتداء بالفولكلور‪ ..‬وانتهاء بالعلوم حيث يستخدم‬
‫ملحو الفضاء اصطلحات عربية مثل السمت ‪ Asimuth‬وسمت الرأس ‪Senith‬‬
‫‪ .‬وهناك في خرائط القمر أكثر من موقع أطلق عليها أسماء لبعض العلماء‬
‫العرب كالزركلي والبستاني وأبي الفداء‪ .‬إن أشياء كثيرة ل يزال على الغرب‬
‫أن يتعلمها من الحضارة السلمية")‪.(2‬‬
‫]‪[3‬‬
‫"‪ ..‬نفذ المسلمون بمعارفهم عن العالم القديم إلى الوروبيين ونقلوا إليهم‬
‫كشوفهم واختراعاتهم التي أضافوها إلى تلك المعارف‪.(3)"..‬‬
‫]‪[4‬‬
‫"إن تطوير المسلمين للتراث اليوناني هو واحد من أهم حلقات التاريخ‬
‫الثقافي في العالم‪ .‬وليس معنى ذلك أن الحضارة السلمية كانت مجرد‬
‫تقليد أو انعكاس للحضارة اليونانية القديمة‪ .‬ويجب أل تغيب عن ذهننا – إذ‬
‫نناقش ونقيم الحضارة السلمية – تلك الفكار المبدعة التي جاءت من‬
‫الجزيرة العربية مع السلم وقبله‪ ،‬واستطاع المسلمون أن يمزجوا بها‬
‫دا سّباًقا فري ً‬
‫دا")‪.(4‬‬ ‫التراث اليوناني فيصنعوا من ذلك لوًنا جدي ً‬
‫]‪[5‬‬

‫)‪(149 /‬‬

‫"هناك أدلة واضحة تشير إلى أن مؤسسة )الجامعة( هي من المبتكرات‬


‫الخالصة للحضارة العربية‪ ،‬وخلًفا لهذه الدلة يحجم الكثير من المؤرخين‬
‫الغربيين عن القرار بأن وجود الشبه بين الجامعات في البلد العربية وأوروبا‬
‫دا منهم ل يجادل في الحقيقة الثابتة القائلة‬‫لم يكن مجرد صدفة‪ .‬رغم أن أح ً‬
‫بأن أكثر الكتب الجامعية التي كانت تدرس في جامعات أوروبا إنما هي كتب‬
‫مترجمة عن العربية في القرون الوسطى‪ .‬وإذا لم يكن هناك برهان آخر على‬
‫وه‬‫التأثير الثقافي للحضارة السلمية في أوروبا المسيحية فيكفي أن نن ّ‬
‫دا بين الجامعات الوروبية نفسها وبين الثقافة السلمية‪،‬‬ ‫بالرتباط الوثيق ج ً‬
‫تلك الثقافة التي أمدت الجامعات الوروبية بالكتب الدراسية‪ .‬وتدل بعض‬
‫الحقائق على أن القرون الوسطى للسلم مّهدت لنشوء الجامعات في‬
‫أوروبا الوسطى‪ .‬فقد نشأت الجامعات العربية وعملت قبل قيام الجامعات‬
‫في أوروبا بأكثر من قرن‪ ..‬وقد لعبت ]الخيرة[ حين ظهورها دوًرا مماثل ً‬
‫لمثيلتها في البلد العربية‪ ..‬ومازالت بقايا ]هذا النظام الجامعي[ متبعة في‬
‫جامعات أوكسفورد ولينكن واستر وهارتفورد‪ ..‬إلخ‪ ..‬ووجه الشبه الخر بين‬
‫الجامعات العربية والوروبية تمثل في التقليد القاضي بلباس أردية خاصة‬
‫للساتذة خلل المحاضرات‪ ،‬أو لبعض العمال الدارية‪ ،‬وأن الرداء الجامعي‬
‫المميز عادة متبعة في أهم مراكز التعليم في البلد العربية قبل أن يصبح‬
‫عادة في الجامعة الوروبية‪.(5)"..‬‬

‫‪37‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫________________________________________‬
‫العرب وأوروبا ‪ ،‬ص ‪. 9‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 10‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 12‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 36‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 131 – 130‬‬
‫الفصل السادس‬
‫المرأة والسرة‬
‫"في ما يتصل بالزواج ل تطالب السنة السلمية بأكثر من حياة أمينة إنشائية‬
‫ما حقوق‬ ‫يسلك فيها المرء منتصف الطريق‪ ،‬متذكًرا الله من ناحية‪ ،‬ومحتر ً‬
‫الجسد والسرة والمجتمع وحاجاتها من ناحية ثانية‪."...‬‬
‫)المستشرقة اليطالية لورافيشيا فاكليري(‬
‫مارسيل بوازار‬
‫]‪[1‬‬
‫"‪ ..‬كانت المرأة تتمتع بالحترام والحرية في ظل الخلفة الموية بإسبانيا‪،‬‬
‫فقد كانت يومئذ تشارك مشاركة تامة في الحياة الجتماعية والثقافية‪ ،‬وكان‬
‫دد لـ)السيدة( للفوز بالحظوة لديها‪ ..‬إن الشعراء المسلمين هم‬ ‫الرجل يتو ّ‬
‫الذين علموا مسيحي أوروبا عبر إسبانيا احترام المرأة‪.(1)"..‬‬
‫]‪[2‬‬
‫"إن السلم يخاطب الرجال والنساء على السواء ويعاملهم بطريقة )شبه‬
‫متساوية(‪ ،‬وتهدف الشريعة السلمية بشكل عام إلى غاية متميزة هي‬
‫دم التشريع للمرأة تعريفات دقيقة عما لها من حقوق ويبدي‬ ‫الحماية‪ ،‬ويق ّ‬
‫ضان على معاملة المرأة بعدل‬ ‫دا بضمانها‪ .‬فالقرآن والسنة يح ّ‬ ‫ما شدي ً‬ ‫اهتما ً‬
‫ما أشد خلقية عن الزواج‪ ،‬وسعًيا أخيًرا إلى‬ ‫ورفق وعطف‪ ،‬وقد أدخل مفهو ً‬
‫دا من الطموحات القانونية‪ .‬وتشمل حقوق‬ ‫رفع وضع المؤمنة بمنحها عد ً‬
‫قا لحديث نبوي – بشكل أساسي‪ :‬المساواة أمام‬ ‫المرأة – وهي )مقدسة( وف ً‬
‫القانون و الملكية الخاصة الشخصية‪ ،‬والرث")‪.(2‬‬
‫]‪[3‬‬
‫"لقد خلقت المرأة في نظر القرآن من الجوهر الذي خلق منه الرجل‪ .‬وهي‬
‫ليست من ضلعه‪ ،‬بل )نصفه الشقيق( كما يقول الحديث النبوي ]النساء‬
‫شقائق الرجال[ المطابق كل المطابقة للتعاليم القرآنية التي تنص على أن‬
‫الله قد خلق من كل شي زوجين‪ .‬ول يذكر التنزيل أن المرأة دفعت الرجل‬
‫إلى ارتكاب الخطيئة الصلية‪ ،‬كما يقول سفر التكوين‪ .‬وهكذا فإن العقيدة‬
‫ظا للتقليل من احترامها‪ ،‬كما فعل آباء الكنيسة‬ ‫السلمية لم تستخدم ألفا ً‬
‫الذين طالما اعتبروها )عميلة الشيطان(‪ .‬بل إن القرآن يضفي آيات الكمال‬
‫على امرأتين‪ :‬امرأة فرعون ومريم ابنة عمران أم المسيح [عليه السلم[)‬
‫‪.(4)"..(3‬‬
‫]‪[4‬‬
‫وغ وضع المرأة الراهن في العالم‬ ‫"‪ ..‬ليس في التعاليم القرآنية ما يس ّ‬
‫السلمي‪ .‬والجهل وحده‪ ،‬جهل المسلمة حقوقها بصورة خاصة‪ ،‬هو الذي‬
‫وغه‪.(5)"..‬‬ ‫يس ّ‬
‫]‪[5‬‬
‫"‪ ..‬أثبتت التعاليم القرآنية وتعاليم محمد ]صلى الله عليه وسلم[ أنها حامية‬
‫ل‪.(6)"..‬‬ ‫حمى حقوق المرأة التي ل تك ّ‬

‫‪38‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫__________________________________‬
‫إنسانية السلم ‪ ،‬ص ‪. 108‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 110-109‬‬
‫انظر سورة التحريم ‪ ،‬اليتين ‪ 11‬و ‪. 12‬‬
‫إنسانية السلم ‪ ،‬ص ‪. 113‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 114‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 140‬‬
‫اميل درمنغم‬
‫]‪[1‬‬

‫)‪(150 /‬‬

‫سن حالها‪،‬‬ ‫"مما ل ريب فيه أن السلم رفع شأن المرأة في بلد العرب وح ّ‬
‫قال عمر بن الخطاب [رضي الله عنه[‪) :‬ما فتئنا نعد النساء من المتاع حتى‬
‫أوحى في أمرهن مبيًنا لهن(‪ ،‬وقال النبي ]صلى الله عليه وسلم[‪) :‬أكمل‬
‫قا‪ ،‬وخياركم خياركم لنسائهم(‪ .‬أجل‪ ،‬إن النبي‬‫المؤمنين إيماًنا أحسنهم خل ً‬
‫]صلى الله عليه وسلم[ أوصى الزوجات بإطاعة أزواجهن‪ ،‬ولكنه أمر بالرفق‬
‫بهن ونهى عن تزويج الفتيات كرها وعن أكل أموالهن بالوعيد أو عند الطلق‪..‬‬
‫ولم يكن للنساء نصيب في المواريث أيام الجاهلية‪ ..‬فأنزلت الية التي توّرث‬
‫النساء‪ .‬وفي القرآن تحريم لوأد البنات‪ ،‬وأمٌر بمعاملة النساء واليتام بالعدل‪،‬‬
‫ونهى محمد ]صلى الله عليه وسلم[ عن زواج المتعة وحمل الماء على‬
‫البغاء‪ ..‬وأباح تعدد الزوجات‪ ..‬ولم يوصي الناس به‪ ،‬ولم يأذن فيه إل بشرط‬
‫العدل بين الزوجات فيهب لحداهن إبرة دون الخرى‪ ..‬وأباح الطلق أيضا ً مع‬
‫قوله‪) :‬أبغض الحلل إلى الله تعالى الطلق(‪ .‬وليس مبدأ القتصار على زوجة‬
‫واحدة من الحقوق الطبيعية مع ذلك‪ ،‬ولم يفرضه كتاب العهد القديم على‬
‫الباء‪ ،‬وإذا كان هذا قد أصبح سنة في النصرانية فذلك لسابق انتشاره في‬
‫بلد الغرب‪ ،‬وذلك من غير أن يحمله رعايا نيرون إلى بلد إبراهيم ويعقوب‬
‫]عليهما السلم[‪ ..‬وأيهما أفضل‪ :‬تعدد الزوجات الشرعي أم تعدد الزوجات‬
‫سّري؟‪ ..‬إن تعدد الزوجات من شأنه إلغاء البغاء والقضاء على عزوبة‬ ‫ال ّ‬
‫النساء ذات المخاطر‪.(1)"..‬‬
‫]‪[2‬‬
‫"من المزاعم الباطلة أن يقال إن المرأة في السلم قد جردت من نفوذها‬
‫دها المرأة مصدر الذنوب والثام ولعنها إياها‪،‬‬‫ما كما ُتذم النصرانية لع ّ‬
‫زوجة وأ ّ‬
‫فعلى النسان أن يطوف في الشرق ليرى أن الدب المنزلي فيه قوي متين‬
‫وان المرأة فيه ل تحسد بحكم الضرورة نساءنا ذوات الثياب القصيرة والذرع‬
‫العارية ول تحسد عاملتنا في المصانع وعجائزنا‪ ،‬ولم يكن العالم السلمي‬
‫ي والحب الروحي‪ ،‬ول يجهل السلم ما أخذناه عنه من‬ ‫ليجهل الحب المنزل ّ‬
‫الفروسية المثالية والحب العذري")‪.(2‬‬
‫__________________________________‬
‫حياة محمد ‪ ،‬ص ‪. 331-329‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 331‬‬
‫هنري دي كاستري‬
‫]‪[1‬‬
‫"‪ ..‬أن الناس بالغوا كثيًرا في مضار تعدد الزوجات عند المسلمين إن لم نقل‬

‫‪39‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أن ما نسبوه إليه من ذلك غير صحيح‪ .‬فما تعدد الزوجات هو الذي ولد في‬
‫الشرق تلك الرذائل الفاضحة‪ ،‬بل المعقول انه من شأنه تلطيفها‪ ،‬على أنني‬
‫لست أدري إن كانت تلك الرذائل أكثر منها في الغرب‪ ،‬بل تلك وصمة‬
‫ما‬
‫ّ‬ ‫عا‬ ‫سواح الذين يرون أمًرا في فرد فيجعلونه‬ ‫ألصقت بالسلم بواسطة ال ّ‬
‫من غير تثبيت فيه لول هذا التعميم السطحي لما وجدوا شيًئا يملون به‬
‫مؤلفاتهم والواقع أن الرذائل الفاضحة موجودة في كل أمة ولقد يقع منها في‬
‫باريس ولندن وبرلين أكثر مما يحث في الشرق بأجمعه لن النبي ]صلى الله‬
‫عليه وسلم[ بالغ في تحريمها ولم يعدها من الذنوب الخفيفة ‪.(1)"..‬‬
‫]‪[2‬‬
‫"من الخطأ الفاضح والغلو الفادح قولهم أن عقد الزواج عند المسلمين عبارة‬
‫كا لزوجها لن ذلك العقد يخول‬ ‫عن عقد تباع فيه المرأة فتصير شيًئا مملو ً‬
‫للمرأة حقوًقا أدبية وحقوًقا مادية من شانها إعلء منزلتها في الهيئة‬
‫الجتماعية")‪.(2‬‬
‫]‪[3‬‬
‫"لم يقتصر القرآن في التضييق على تعدد الزوجات على عددهن‪ ،‬بل حرم ما‬
‫كان معروًفا عند العرب قبله من الزواج لزمن محدد وفي ذلك شبه تحريم‬
‫للطلق لكونه ل يتأتى إل بشروط مخصوصة")‪.(3‬‬
‫]‪[4‬‬
‫"‪ ..‬إننا لو رجعنا إلى زمن النبي ]صلى الله عليه وسلم[ ومكان ظهوره لما‬
‫وجدنا عمل ً يفيد النساء أكثر مما أتاه ]عليه السلم[ فهن مدينات لنبّيهن بأمور‬
‫كثيرة وفي القرآن آيات ساميات في حقوقهن وما يجب لهن على الرجال‪..‬‬
‫ويرى القارئ من جميع تلك اليات مقدار اهتمام ]السلم[ بمنع عوامل‬
‫الفساد الناشئة عن التعشق بين المسلمين لكي يجعل الزواج والباء في‬
‫راحة ونعيم‪ ..‬ولقد ]أصبحت[ للمسلمين أخلق مخصوصة‪ ،‬عمل ً بما جاء في‬
‫القرآن أو في الحديث‪ ،‬وتولدت في نفوسهم ملكات الحشمة والوقار‪ ،‬وجاء‬
‫هذا مغايًرا لداب المم المتمدنة اليوم على خط مستقيم ومزيل ً لما عساه‬
‫كان يحدث عن ميل الشرقيين إلى الشهوات لول هذه التعاليم والفروض‪.‬‬
‫والفرق بين الحشمة عند المسلم وبينها عند المسيحي كما بين السماء‬
‫والرض ‪.(4)"..‬‬
‫__________________________________‬
‫السلم ‪ :‬خواطر وسوانح ‪ ،‬ص ‪. 56‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 57‬‬
‫نفسه ‪ ,‬ص ‪. 58 - 57‬‬
‫نفسه ‪ ,‬ص ‪. 59 – 58‬‬
‫ايتين دينيه‬
‫]‪[1‬‬

‫)‪(151 /‬‬

‫"ل يتمرد السلم على الطبيعة التي ل تغلب‪ ،‬وإنما هو يساير قوانينها ويزامل‬
‫أزمانها‪ ،‬بخلف ما تفعل الكنيسة من مغالطة الطبيعة ومصادمتها في كثير‬
‫من شؤون الحياة مثل ذلك الغرض الذي تفرضه على أبنائها الذين يتخذون‬
‫الرهبنة‪ ،‬فهم ل يتزوجون وإنما يعيشون غرباء‪ .‬على أن السلم ل يكفيه أن‬
‫يساير الطبيعة وأن ل يتمرد عليها وإنما هو يدخل على قوانينها ما يجعل أكثر‬

‫‪40‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قا في إصلح ونظام ورضا ميسور مشكور حتى لقد سمي‬ ‫قبول ً وأسهل تطبي ً‬
‫القرآن لذلك )بالهدى( لنه المرشد إلى أقوم مسالك الحياة والمثلة العديدة‬
‫ل تعوزنا‪ ،‬ولكنا نأخذ بأشهرها وهو التساهل في سبيل تعداد الزوجات‪ ..‬فمما‬
‫ل شك فيه أن التوحيد في الزوجة هو المثل العلى‪ ،‬ولكن ما العمل وهذا‬
‫المر يعارض الطبيعة ويصادم الحقائق بل هو الحال الذي يستحيل تنفيذه‪ .‬لم‬
‫يكن للسلم أمام المر الواقع‪ ،‬وهو دين اليسر‪ ،‬إل أن يستبين أقرب أنواع‬
‫ما قاطًعا ول يأمر به أمًرا باّتا")‪.(1‬‬‫العلج فل يحكم فيه حك ً‬
‫]‪[2‬‬
‫"‪ ..‬هل حقيقي أن الديانة المسيحية بتقريرها الجبري لفردية الزوجة‬
‫وتشديدها في تطبيق ذلك قد منعت تعدد الزوجات؟ وهل يستطيع شخص أن‬
‫يقول ذلك دون أن يأخذ منه الضحك مأخذه؟ وإل فهؤلء مثل ً ملوك فرنسا –‬
‫دع عنك الفراد ‪ -‬الذين كانت لهم الزوجات المتعددات والنساء الكثيرات‬
‫وفي الوقت نفسه لهم من الكنيسة كل تعظيم وإكرام‪ .‬وإن تعدد الزوجات‬
‫قانون طبيعي وسيبقى ما بقي العالم‪ ،‬ولذلك فإن ما فعلته المسيحية لم يأت‬
‫بالغرض الذي أرادته فانعكست الية معها وصرنا نشهد الغراء بجميع أنواعه‪..‬‬
‫إن نظرية التوحيد في الزوجة ]التي[ تأخذ بها المسيحية ظاهًرا تنطوي تحتها‬
‫سيئات متعددة ظهرت على الخص في ثلث نتائج واقعية شديدة الخطر‬
‫جسيمة البلء‪ ،‬تلك هي الدعارة‪ ،‬والعوانس من النساء‪ ،‬والبناء غير‬
‫الشرعيين‪ .‬إن هذه المراض الجتماعية ذات السيئات الخلقية لم تكن‬
‫تعرف في البلد التي طبقت فيها الشريعة السلمية تمام التطبيق وإنما‬
‫دخلتها وانتشرت فيها بعد الحتكاك بالمدنية الغربية")‪.(2‬‬
‫]‪[3‬‬
‫"جاء في كتاب )السلم( تأليف )شمتز دوملن()‪ (3‬أنه )ندما غادر الدكتور‬
‫مافروكو رداتو الستانة سنة ‪ 1827‬إلى برلين لدراسة الطب لم يكن في‬
‫العاصمة العثمانية كلها بيت واحد للدعارة‪ .‬كما لم يعرف فيها داء الزهري ‪-‬‬
‫وهو السفلس المعروف بالشرق بالمرض الفرنكي ‪ -‬فلما عاد الدكتور بعد‬
‫أربع سنين تبدل الحال غير الحال‪ .‬وفي ذلك يقول الصدر العظم الكبير‬
‫رشيد باشا في حسرة موجعة‪ :‬إننا نرسل أبناءنا إلى أوروبا ليتعلموا المدنية‬
‫الفرنكية فيعودون إلينا مرضى بالداء الفرنكى")‪.(4‬‬
‫]‪[4‬‬
‫"‪ ..‬إننا نخشى أن تخرج المرأة الشرقية إلى الحياة العصرية‪ ..‬فينتابها الرعب‬
‫لما تشهده لدى أخواتها الغربيات‪ ،‬اللئي يسعين للعيش وينافس في ذلك‬
‫الرجال‪ ،‬ومن أمثلة الشقاء والبؤس الكثيرة")‪.(5‬‬
‫]‪[5‬‬
‫"إن تعاليم المرأة يساير كل المسايرة جميع تعاليم الدين‪ ،‬وقد كان في عصر‬
‫ضا على المسلمات‪ ،‬وكانت ثقافتهن حينذاك ارفع من‬ ‫ازدهار السلم يفاض في ً‬
‫ثقافة الوربيات دون جدال")‪.(6‬‬
‫___________________________________‬
‫أشعة خاصة بنور السلم ‪ ،‬ص ‪. 31‬‬
‫نفسه ‪ ,‬ص ‪. 33 – 32‬‬
‫‪. . L’Islam. par schmitz du mulin page 160‬‬
‫أشعة خاصة بنور السلم ‪ ،‬ص ‪. 33‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 341 - 340‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 341‬‬

‫‪41‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ول ديورانت‬
‫]‪[1‬‬
‫"رفع السلم من مقام المرأة في بلد العرب‪ ..‬وقضى على عادة وأد البنات‬
‫وى بين الرجل والمرأة في الجراءات القضائية والستقلل المالي‪ ،‬وجعل‬ ‫وس ّ‬
‫من حقها أن تشتغل بكل عمل حلل‪ ،‬وأن تحتفظ بما لها ومكاسبها‪ ،‬وأن‬
‫ترث‪ ،‬وتتصرف في مالها كما تشاء‪ ،‬وقضى على ما اعتاده العرب في‬
‫الجاهلية من انتقال النساء من الباء إلى البناء فيما ينتقل لهم من متاع‪،‬‬
‫وجعل نصيب النثى في الميراث نصف نصيب الذكر‪ ،‬ومنع زواجهن بغير‬
‫إرادتهن ‪.(1)"..‬‬
‫]‪[2‬‬
‫"المسلم ل يرى المتناع عن إشباع الغريزة الجنسية حال طبيعة أو مثالية‪،‬‬
‫وقد كان لمعظم الصالحين من المسلمين زوجات وأبناء‪ .‬وحدود الزواج أوسع‬
‫في السلم منه في كثير من الديان‪ ،‬وتفتح الشريعة السلمية منافذ كثيرة‬
‫لشباع الغريزة الجنسية ولهذا ق ّ‬
‫ل البغاء في أيام النبي ]صلى الله عليه‬
‫وسلم[ والخلفاء الراشدين ]رضي الله عنهم[‪.(2)"..‬‬
‫]‪[3‬‬
‫"‪ ..‬كان مركز المرأة المسلمة يمتاز عن مركز المرأة في بعض البلد‬
‫الوروبية من ناحية هامة‪ ،‬تلك هي أنها كانت حرة التصرف فيما تملك ل حق‬
‫لزوجها أو لدائنيه في شيء من أملكها ‪.(3)"..‬‬
‫]‪[4‬‬
‫"‪ ..‬كانت البنات يذهبن إلى المدارس سواء بسواء‪ ،‬ونبغ عدد من النساء‬
‫المسلمات في الدب والفن ‪.(4)"..‬‬
‫___________________________________‬
‫قصة الحضارة ‪. 13/60 ,‬‬
‫نفسه ‪. 13/135 ،‬‬
‫نفسه ‪. 13/140 ،‬‬
‫نفسه ‪. 13/306 ،‬‬
‫جاك ريسلر‬
‫]‪[1‬‬

‫)‪(152 /‬‬

‫"‪ ..‬لقد ُوضعت المرأة على قدم المساواة مع الرجال في القضايا الخاصة‬
‫بالمصلحة فأصبح في استطاعتها أن ترث‪ ،‬وأن تورث‪ ،‬وأن تشتغل بمهنة‬
‫مشروعة لكن مكانها الصحيح هو البيت‪ .‬كما أن مهمتها الساسية هي أن‬
‫ل‪ ..‬وعلى ذلك رسم النبي ]صلى الله عليه وسلم[ واجبها )أيما‬ ‫تنجب أطفا ً‬
‫ض عنها‪ ،‬دخلت الجنة(‪ ..‬وفي الحق أن تعدد‬ ‫امرأة مات زوجها‪ ،‬وهو را ٍ‬
‫الزوجات‪ ،‬بتقييده النزلق مع الشهوات الجامحة‪ ،‬قد حقق بهذا التشريع‬
‫السلمي تماسك السرة‪ ،‬وفيه ما يسوغ عقوبة الزوج الزاني")‪.(1‬‬
‫]‪[2‬‬
‫ما الطفل‪ ،‬وصحته‪ ،‬وتربيته‪ ،‬رعاية كبيرة‪.‬‬‫"كانت السرة السلمية ترعى دائ ً‬
‫وترضع الم هذا الطفل زمًنا طوي ً‬
‫ل‪ ،‬وأحياًنا لمدة أكثر من سنتين‪ ،‬وتقوم على‬
‫تنشئته بحنان وتغمره بحبها وباحتياطات متصلة‪ .‬وإذا حدث أن أصاب الموت‬
‫بعض السرة‪ ،‬وأصبحوا يتامى‪ ،‬فإن أقرباءهم المقربين ل يترددون في‬

‫‪42‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مساعدتهم وفي تبّنيهم")‪.(2‬‬


‫]‪[3‬‬
‫"يقوم تعليم البنات على تلقينهن تربية دينية قويمة‪ ،‬وعلى تعويدهن على‬
‫ضا‬
‫ً‬ ‫أي‬ ‫سنوات‬ ‫الصلة‪ ،‬وجعلهن في وقت مبكر صالحات للعمال المنزلية‪ .‬وبعد‬
‫يعلمن قرض الشعر والفنون ‪.(3)"..‬‬
‫__________________________________‬
‫الحضارة العربية ‪ ،‬ص ‪. 52‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 53‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 54‬‬
‫أحمد سوسه‬
‫]‪[1‬‬
‫"يجب أل يغرب عن البال أن المرأة لم تكن قد حازت حقوًقا تتمتع بها إل بعد‬
‫ظهور السلم لن السلم هو أول من رفع قدر المرأة وأعطاها حقها في‬
‫الحياة كحق الرجل")‪.(1‬‬
‫]‪[2‬‬
‫"لقد حرمت المسيحية الطلق ولكن في الوقت نفسه نجد أنظمة البلد‬
‫ص على إباحته‪ .‬إن المسيحيين أنفسهم قد‬ ‫المسيحية وقوانينها الرسمية تن ّ‬
‫ضربوا بتعاليم ديانتهم عرض الحائط ووضعوا القوانين التي تنقضها من‬
‫ها لديانتهم ولكن رغبة في وضع ما تتطلبه نفسية‬ ‫الساس‪ ،‬وما كان ذلك كر ً‬
‫المجتمع البشري من نظام يضمن الطمئنان في علقات الجنسين ويكفل‬
‫السعادة البشرية‪ .‬ولو صحا المسيحيون من غفلتهم وتأملوا في المر لتضح‬
‫لهم بأن السلم قد سبقهم في هذا المضمار من قبل ثلثة عشر قرًنا ‪.(2)"..‬‬
‫]‪[3‬‬
‫"من الغريب أن يصبح الطلق اليوم عند المسلمين إلى جانب القلة ويكثر‬
‫عند الغربيين الذين كانوا ينكرونه أشد النكار‪ ،‬وما فتئ يزداد مع الزمن‬
‫انتشاًرا مطرًدا‪ ،‬فإنه يحصل بالوليات المتحدة المريكية كل سنة ما ينيف‬
‫على المائتي ألف طلق‪ ،‬وفي أوروبا يبت في عشرات اللوف من قضايا‬
‫الطلق وعلى الخص في فرنسا‪ .‬ول يغيب عن الذهن أن السلم مع إباحته‬
‫الطلق للضرورة فإنه يعد أبغض الحلل عندا لله‪ ،‬كما أنه ورد في القرآن‬
‫الكريم ما يحتم الرفق بالمرأة ويفرض المحافظة على حقوقها ويقصي‬
‫الرجل عن القدام الطلق ما أمكن")‪.(3‬‬
‫]‪[4‬‬
‫ما محض متاع‪ ،‬مجرد ذكرها أمٌر ممتهن‪.‬‬ ‫"‪ ..‬كانت المرأة في ديار العرب قدي ً‬
‫هكذا كان الوضع حينما ]جاء محمد صلى الله عليه وسلم[ فرفع مقام المرأة‬
‫في آسيا من وضع المتاع الحقير إلى مرتبة الشخص المحترم الذي له الحق‬
‫في الحياة حياة محترمة‪ ،‬كما أن له الحق في أن يملك ويرث المال")‪.(4‬‬
‫]‪[5‬‬
‫"مما يدل على أن السلم هو دين أبدي قد انزل لكل وقت ومكان نجد أن‬
‫عادة تعدد الزوجات لم تعد تتبع في كثير من النحاء السلمية إل ما ندر وقل‪،‬‬
‫وذلك لسبب التطور الذي طرأ في حياة معظم الجماعات بحيث جعل العسر‬
‫القتصادي والظروف الحالية تعدد الزوجات متعذًرا تطبيقه‪ ..‬هذا وإذا دّققنا‬
‫كم هي النسبة المئوية من المؤمنين بالدين السلمي الذين يطبقون عادة‬
‫تعدد الزوجات في الوقت الحاضر نجد فعل ً أنها نسبة جد ّ قليلة‪."..‬‬
‫___________________________________‬

‫‪43‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في طريقي إلى السلم ‪. 1/187 ،‬‬


‫نفسه ‪. 31 – 2/30 ،‬‬
‫نفسه ‪. 32 – 2/31 ،‬‬
‫نفسه ‪. 2/42 ،‬‬
‫نفسه ‪. 145 – 2/144 ،‬‬
‫لويس سيديو‬
‫]‪[1‬‬
‫"إن القرآن‪ ،‬وهو دستور المسلمين‪ ،‬رفع شأن المرأة بدل ً من خفضه‪ ..‬فجعل‬
‫حصة البنت في الميراث تعدل نصف حصة أخيها مع أن البنات كن ل يرثن‬
‫وامين على النساء بّين أن‬
‫في زمن الجاهلية‪] ..‬وهو[ وإن جعل الرجال ق ّ‬
‫للمرأة حق الرعاية والحماية على زوجها‪ .‬وأراد أل تكون اليامى جزًءا من‬
‫ميراث رب السرة فأوجب أن يأخذن ما يحتجن إليه مدة سنة وأن يقبض‬
‫مهورهن وأن ينلن نصيًبا من أموال المتوفى‪.(1)"..‬‬
‫]‪[2‬‬
‫"ل شي أدعى إلى راحة النفس من عناية محمد ]صلى الله عليه وسلم[‬
‫بالولد‪ .‬فهو قد حرم ]بأمر الله[ عادة الوأد‪ ،‬وشغل باله بحال اليتامى على‬
‫الدوام‪ ..‬وكان يجد في ملحظة صغار الولد أعظم لذة‪ .‬ومما حدث ذات يوم‬
‫أن كان محمد ]صلى الله عليه وسلم[ يصلي فوثب الحسين بن علي ]رضي‬
‫الله عنهما[ فوق ظهره فلم يبال بنظرات الحضور فانتظر صابًرا إلى حين‬
‫نزوله كما أراد‪ .‬وما ألطف أقوال محمد ]صلى الله عليه وسلم[ عن حنان‬
‫ب الوالدين‪ ،‬وما أجمل ما في كلمته )الجنة تحت أقدام المهات( من‬ ‫الم وح ّ‬
‫تكريم المهات! فيمكن أن يكتب فصل رائع من حياة محمد ]صلى الله عليه‬
‫وسلم[ حول هذا الموضوع")‪.(2‬‬
‫]‪[3‬‬

‫)‪(153 /‬‬

‫ل الطلق في السلم‪ ،‬ولكنه جعل تابًعا لبعض الشروط فيمكن الرجوع‬ ‫"أ ُ ِ‬
‫ح ّ‬
‫ور‪ .‬والطلق‪ ،‬لكي يكون باّتا‪ ،‬يجب أن يكرر ثلث‬ ‫عنه عند الطيش والته ّ‬
‫مرات‪ ..‬والمرأة إذا ما طلقت الطلقة الثالثة ل تحل لزوجها الول إل بعد أن‬
‫جا آخر فيطلقها هذا الزوج‪ ،‬وهذا الحكم على جانب عظيم من‬ ‫تنكح زو ً‬
‫الحكمة لما يؤدي إليه من تقليل عدد الطلق ول يحق للمرأة أن تطلب‬
‫الطلق إل عند سوء المعاملة‪.(3)"..‬‬
‫]‪[4‬‬
‫صر‬
‫"جزاء الزنا صارم ]في السلم[‪ ..‬ول بد ّ من أربعة شهود لثباته‪ .‬ولم يق ّ‬
‫محمد ]صلى الله عليه وسلم[ في منع انتشار الفجور‪ ،‬وله نصائح غالية ]بهذا‬
‫الصدد[ وهو يأمر المؤمنين بالحتشام‪ ،‬وينظم أمورهم نحو ُأجرائهم وأبنائهم‬
‫وآبائهم وأمهاتهم‪ ،‬برفق أبوي ممزوج بلسان المشّرع الوقور الجليل")‪.(4‬‬
‫__________________________________‬
‫تاريخ العرب العام ‪ ،‬ص ‪. 110‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 111-110‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 111‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 112-111‬‬
‫لورا فيشيا فاغليري‬

‫‪44‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]‪[1‬‬
‫سنة السلمية بأكثر من حياة أمينة‬ ‫"‪ ..‬في ما يتصل بالزواج ل تطالب ال ّ‬
‫ما‬
‫إنشائية يسلك فيها المرء منتصف الطريق‪ ،‬متذكًرا الله من ناحية‪ ،‬ومحتر ً‬
‫حقوق الجسد والسرة والمجتمع وحاجاتها من ناحية ثانية")‪.(1‬‬
‫]‪[2‬‬
‫"‪ ..‬أنه لم يقم الدليل حتى الن‪ ،‬بأي طريقة مطلقة‪ ،‬على أن تعدد الزوجات‬
‫هو بالضرورة شر اجتماعي وعقبة في طريق التقدم‪ .‬ولكنا نؤثر أل نناقش‬
‫المسألة على هذا الصعيد‪ .‬وفي استطاعتنا أيضا ً أن نصّر على أنه في بعض‬
‫مراحل التطور الجتماعي‪ ،‬عندما تنشأ أحوال خاصة بعينها‪ ،‬كأن يقتل عدد‬
‫ل‪ ،‬يصبح تعدد الزوجات‬ ‫من الذكور ضخم إلى حد استثنائي في الحرب مث ً‬
‫ضرورة اجتماعية والحق أن الشريعة السلمية التي تبدو اليوم وكأنها حافلة‬
‫بضروب التساهل في هذا الموضوع إنما قيدت تعدد الزوجات بقيود معينة‪،‬‬
‫قا من كل قيد‪ .‬لقد شجب السلم‬ ‫وكان هذا التعدد حّرا قبل السلم‪ ،‬مطل ً‬
‫بعض أشكال الزواج المشروط والمؤقت التي كانت في الواقع أشكال ً‬
‫مختلفة للتسّري الشرعي )المعاشرة من غير الزواج(‪ .‬وفوق هذا منح‬
‫السلم المرأة حقوًقا لم تكن معروفة قط من قبل‪ .‬وفي استطاعتنا‪ ،‬في‬
‫كثير من اليسر‪ ،‬أن نحشر الشواهد المؤيدة لذلك")‪.(2‬‬
‫]‪[3‬‬
‫"القرآن يبيح الطلق‪ .‬ومادام المجتمع الغربي قد ارتضى الطلق أيضًا‪،‬‬
‫واعترف به في الواقع كضرورة من ضرورات الحياة‪ ،‬وخلع عليه في مكان‬
‫تقريًبا صفة شرعية كاملة ففي ميسورنا أن نغفل الدفاع عن اعتراف السلم‬
‫به‪ .‬ومع ذلك فإننا بدراستنا له‪ ،‬وبمقارنتنا بين عادات العرب في الجاهلية‬
‫وبين الشريعة السلمية‪ ،‬نفوز بفرصة نظهر فيها أن القانون السلمي قد‬
‫حا اجتماعّيا‪ .‬فقبل عهد الرسول ]صلى الله‬ ‫دشن في هذا المجال أيضا ً إصل ً‬
‫عليه وسلم[ كان العرف بين العرب قد جعل الطلق عمل ً بالغ السهولة‪ ..‬أما‬
‫ن بعض القواعد التي ل تجيز إبطال الطلق فحسب بل‬ ‫القانون اللهي فقد س ّ‬
‫التي توصى به في بعض الحوال‪ ..‬وليس للمرأة حق المطالبة بالطلق‪،‬‬
‫ولكنها قد تلتمس فسخ زواجها باللجوء إلى القاضي‪ ،‬وفي إمكانها أن تفوز‬
‫بذلك إذا كان لديها سبب وحيه يبّرره‪ .‬والغرض من هذا التقيد لحق المرأة في‬
‫المبادرة هو وضع حد لممارسة الطلق‪ ،‬لن الرجال يعتبرون أقل استهدًفا‬
‫لتخاذ القرارات تحت تأثير اللحظة الراهنة من النساء‪ .‬وكذلك جعل تدخل‬
‫القاضي ضماًنا لحصول المرأة على جميع حقوقها المالية الناشئة عن إنجاز‬
‫ص على أنه في حال‬ ‫فسخ الزواج‪ .‬وهذه القاعدة‪ ،‬والقاعدة الخرى التي تن ّ‬
‫نشوب خلف داخل السرة يتعين اللجوء إلى بعض الموفقين ابتغاء الوصول‬
‫إلى تفاهم‪ ،‬تنهضان دليل ً كافًيا على أن السلم يعتبر الطلق عمل ً جديُرا‬
‫باللوم والتعنيف‪ .‬واليات ]القرآنية[ تقرر ذلك في صراحة بالغة‪ ..‬وثمة‬
‫أحاديث نبوية كثيرة تحمل الفكرة نفسها‪.(3)"..‬‬
‫]‪[4‬‬
‫"اجتناًبا للغراء بسوء ودفًعا لنتائجه يتعّين على المرأة المسلمة أن تتخذ‬
‫حجاًبا‪ ،‬وأن تستر جسدها كله‪ ،‬ماعدا تلك الجزاء التي تعتبر حريتها ضرورة‬
‫مطلقة كالعينين والقدمين‪ .‬وليس هذا ناشًئا عن قلة احترام للنساء‪ ،‬أو ابتغاء‬
‫كبت إرادتهن‪ ،‬ولكن لحمايتهن من شهوات الرجال‪ .‬وهذه القاعدة العريقة‬
‫في القدم‪ ،‬القاضية بعزل النساء عن الرجال‪ ،‬والحياة الخلقية التي نشأت‬
‫عنها‪ ،‬قد جعلتا تجارة البغاء المنظمة مجهولة بالكلية في البلدان الشرقية‪ ،‬إل‬

‫‪45‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حيثما كان للجانب نفوذ أو سلطان‪ .‬وإذا كان أحد ل يستطيع أن ينكر قيمة‬
‫هذه المكاسب فيتعين علينا أن نستنتج أن عادة الحجاب‪ ..‬كانت مصدر فائدة‬
‫ل تثمن للمجتمع السلمي")‪.(4‬‬

‫)‪(154 /‬‬

‫"إذا كانت المرأة قد بلغت‪ ،‬من وجهة النظر الجتماعية في أوروبا‪ ،‬مكانة‬
‫دا‪ ،‬ول يزال‬ ‫رفيعة‪ ،‬فإن مركزها‪ ،‬شرعّيا على القل‪ ،‬كان حتى سنوات قليلة ج ّ‬
‫في بعض البلدان‪ ،‬أقل استقلل ً من المرأة المسلمة في العالم السلمي‪ .‬إن‬
‫المرأة المسلمة إلى جانب تمتعها بحق الوراثة مثل إخوتها‪ ،‬ولو بنسبة أصغر‪،‬‬
‫وبحقها في أن ل تزف إلى أحد إل بموافقتها الحرة‪ ،‬وفي أن ل يسيء زوجها‬
‫معاملتها‪ ،‬تتمتع أيضا ً بحق الحصول على مهر من الزوج‪ ،‬وبحق إعالته إياها‪،‬‬
‫وتتمتع بأكمل الحرية‪ ،‬إذا كانت مؤهلة لذلك شرعّيا‪ ،‬في إدارة ممتلكاتها‬
‫الشخصية")‪.(5‬‬
‫_________________________________‬
‫دفاع عن السلم ‪ ،‬ص ‪. 88‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 98 - 97‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 103 – 101‬‬
‫نفسه ‪. 104 – 103 ،‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 106‬‬
‫ليوبولد فايس‬
‫]‪[1‬‬
‫"[إن] الشريعة السلمية‪ ،‬بمقتضى الحكمة التي تأخذ الطبيعة البشرية بعين‬
‫ما‪ ،‬ل تأخذ على عاتقها أكثر من صيانة الوظيفة الجتماعية –‬ ‫العتبار الكلي دائ ً‬
‫ً‬
‫البيولوجية للزواج )بما فيها طبًعا العناية بالنسل أيضا( فتسمح لرجل بأن يتخذ‬
‫لنفسه أكثر من زوجة واحدة ول تسمح للمرأة بأن تتخذ لنفسها أكثر من زوج‬
‫واحد في الوقت نفسه‪ ،‬في حين أنها تترك للشريكين مسألة الزواج الروحية‬
‫التي ل يمكن أن تقاس‪ ،‬وبالتالي تقع خارج دائرة الشريعة‪ .‬فمتى كان الحب‬
‫ما كامل ً فعندئذ تنعدم الرغبة عند كل منهما في الزواج ثانية ومتى كان‬ ‫تا ّ‬
‫الرجل ل يحب زوجته من كل قلبه ول يرغب مع ذلك في فقدها‪ ،‬فإن بإمكانه‬
‫دا مدنّيا‬ ‫أن يتزوج بأخرى‪ ..‬ومهما يكن فإنه لما كان الزواج في السلم عق ً‬
‫ما إلى الطلق‬ ‫فحسب فإن في مكنة الشريكين في الزواج أن يلجأ دائ ً‬
‫صا وأن الوصمة التي تلصق بالطلق‪ ،‬سواء بشدة أقل أو أكثر‪ ،‬في‬ ‫خصو ً‬
‫المجتمعات الخرى‪ ،‬معدومة في المجتمع السلمي")‪.(1‬‬
‫]‪[2‬‬
‫"إن الحرية التي تمنحها الشريعة السلمية كل ً من الرجل والمرأة على حد‬
‫ل هذا العقد‪ ،‬يفسر السبب الذي من أجله تعتبر هذه‬ ‫سواء لعقد الزواج أو ح ّ‬
‫الشريعة الزنا من أقبح الثام‪ :‬ذلك أنه تجاه هذا التسامح وهذه الحرية ل‬
‫يمكن أن يكون هناك أيما عذر للوقوع في حبائل العاطفة أو الشهوة‪.(2)"..‬‬
‫]‪[3‬‬
‫"جاء النبي ]صلى الله عليه وسلم[ بما لم يسمع به من قبل الرجال والنساء‬
‫سواء أمام الله‪ ،‬وأن جميع الواجبات الدينية مفروضة على الرجل والمرأة‬
‫على حد سواء‪ .‬والحق أنه ذهب إلى أبعد من ذلك فأعلن‪ ..‬أن المرأة شخص‬
‫بملء حقها وليس لمجرد صلتها بالرجل كأم أو زوجة أو أخت أو ابنة‪ ،‬وأنها‬

‫‪46‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كا وأن تتعاطى التجارة على حسابها ومسؤوليتها‬ ‫لذلك من حقها أن تقتني مل ً‬
‫وأن تهب نفسها لمن تشاء عن طريق الزواج")‪.(3‬‬
‫___________________________________‬
‫الطريق إلى مكة ‪ ،‬ص ‪. 301 - 300‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 301‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 306‬‬
‫روجيه جارودي‬
‫]‪[1‬‬
‫دد بين الرجل والمرأة علقة من‬ ‫"إن القرآن‪ ،‬من وجهة نظر اللهوتية‪ ،‬ل يح ّ‬
‫التبعية الميتافيزيقية‪ :‬فالمرأة في القرآن توأم وشريكة للرجل لن الله خلق‬
‫مل المرأة‬ ‫ن{)‪ .(1‬والقرآن ل يح ّ‬‫جي ْ ِ‬ ‫خل َ ْ‬
‫قَنا َزوْ َ‬ ‫يٍء َ‬
‫ش ْ‬‫ل َ‬ ‫من ك ُ ّ‬ ‫البشر ككل شي }وَ ِ‬
‫المسؤولية الولى للخطيئة")‪.(2‬‬
‫]‪[2‬‬
‫"إذا نحن قارّنا قواعد القرآن بقواعد جميع المجتمعات السابقة فإنها تسجل‬
‫ما ل مراء فيه ول سيما بالنسبة لثينا ولروما حيث كانت المرأة قاصرة‬ ‫تقد ّ ً‬
‫بصورة ثابتة")‪.(3‬‬
‫]‪[3‬‬
‫"في القرآن تستطيع المرأة التصرف بما تملك وهو حق لم يعترف لها به في‬
‫معظم التشريعات الغربية ول سيما في فرنسا إل في القرن التاسع عشر‬
‫والعشرون‪ .‬أما في الرث فصحيح أن للنثى نصف ما لذكر‪ ،‬إل أنه بالمقابل‬
‫تقع جميع اللتزامات وخاصة أعباء مساعدة أعضاء السرة الخرين على‬
‫عاتق الذكر‪ .‬المرأة معفاة من كل ذلك‪ .‬والقرآن يعطي المرأة حق طلب‬
‫الطلق وهو ما لم تحصل عليه المرأة في الغرب إل بعد ثلثة عشر قرنا")‪.(4‬‬
‫]‪[4‬‬
‫دد الزوجات‪ .‬إل أن هذا التعدد لم يؤسسه هو‪ ،‬كان‬ ‫"في القرآن إقرار بتع ّ‬
‫موجوًدا من قبل )وهو موجود كذلك في التوراة وفي الناجيل(‪ ،‬وقد فرض‬
‫عليه‪ ،‬على العكس‪ ،‬حدوًدا مثل العدل التام بين مختلف الزوجات في النفاق‬
‫والمحبة والمعاشرة الجنسية‪ ،‬وهي قواعد إذا ما جرى تطبيقها بحرفّيتها تجعل‬
‫ل")‪.(5‬‬ ‫تعدد الزوجات مستحي ً‬
‫]‪[5‬‬
‫"يحسن أل ننسى بأن جميع ألوان الّرّقة في الحب والشفافية فيه‪ ..‬على نحو‬
‫ما ظهر في الغرب لدى شعراء التروبادور‪ ..‬وفي قصائد دانتي‪ ..‬من أصول‬
‫عربية إسلمية‪.(6)"..‬‬
‫___________________________________‬
‫سورة الذاريات ‪ ،‬الية ‪. 49‬‬
‫وعود السلم ‪ ،‬ص ‪. 78‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 78‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 79-78‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 80‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 79‬‬
‫هاملتون كب‬
‫]‪[1‬‬

‫)‪(155 /‬‬

‫‪47‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫"حين ننتهي من حذف النحرافات ]الفقهية المتأخرة[ وشجبها‪ ،‬تعود تعاليم‬


‫القرآن والرسول ]صلى الله عليه وسلم[ الصلية إلى الظهور في كل نقائها‬
‫ورفعتها وعدالتها المتساوية إزاء الرجل والمرأة مًعا‪ .‬عندئذ نجد أن هذه‬
‫التعاليم تعود إلى المبادئ العامة وتحدد الفكرة التي يجب أن يوضع ويطبق‬
‫القانون بمقتضاها أكثر من أن تعين صيًغا حقوقية حاسمة‪ .‬وهذه الفكرة‪ ،‬فيما‬
‫يخص المرأة‪ ،‬ل يمكنها إل أن تكون نابضة بالود ّ النساني وبشعور الحترام‬
‫لشخصيتها والرغبة في محور الضرار التي ألحقها بالمرأة سير المجتمع سيًرا‬
‫صا فيما مضى‪ .‬وبعدما ننتهي من استخلص هذه الفكرة وهضمها‪،‬‬ ‫قاسًيا وناق ً‬
‫حا‪ .‬حالما نتوصل إلى ذلك‬ ‫ما صحي ً‬‫يمكننا أن نفهم التشريع الخاص بالقرآن فه ً‬
‫نرى أن الموقف السلمي تجاه المرأة‪ ،‬والطريقة السلمية في فهم‬
‫شخصيتها ونظامها الجتماعي‪ ،‬وطريقة حماية التشريع السلمي لها‪ ،‬تفوق‬
‫كثيًرا ما هي عليه في الديانات الخرى")‪.(1‬‬
‫_________________________________‬
‫)‪ (1‬التجاهات الحديثة في السلم ‪ ،‬ص ‪. 123‬‬
‫ايفلين كوبولد‬
‫]‪[1‬‬
‫"الحق أقول أن الحب عندنا وكما يفهمه الغربيون ما يزال قريًبا من الغريزة‬
‫الجنسية‪ ،‬مقصورة دائرته أو تكاد‪ ،‬على ما تلهمه هذه الغريزة‪ ..‬فأما المناطق‬
‫العليا التي يرتفع الحب المهذب إليها‪ ،‬أما الحب بمعناه النساني السامي‪..‬‬
‫الحب على أنه عاطفة إنسانية سامية أساسها إنكار الذات والرقي النفسي‬
‫إلى عالم الخير والجمال والحق فهذا ما ل يفكر به أحد أو يتصور وجوده‬
‫إنسان‪ ،‬وهو إلى ذلك كله موجود في السلم‪ ،‬منطوٍ في هذه الخوة‬
‫دا يعمل لخير المجموع وفرًدا قصارى همه‬ ‫السلمية التي تجعل من الفرد عب ً‬
‫دا")‪.(1‬‬ ‫أن يعمل للحسان والحسان أب ً‬
‫]‪[2‬‬
‫"لم تكن النساء ]المسلمات[ متأخرات عن الرجال في ميدان العلوم‬
‫والمعارف فقد نشأ منهن عالمات في الفلسفة والتاريخ والدب والشعر وكل‬
‫ألوان الحياة")‪.(2‬‬
‫]‪[3‬‬
‫"لما جاء السلم رد ّ للمرأة حّرياتها‪ ،‬فإذا هي قسيمة الرجل لها من الحق ما‬
‫له وعليها ما عليه ول فضل له عليها إل بما يقوم به من قوة الجلد وبسطة‬
‫وته ويذود عنها‬ ‫اليد‪ ،‬واتساع الحيلة‪ ،‬فيلي رياستها فهو لذلك وليها يحوطها بق ّ‬
‫سّراء‬ ‫بدمه وينفق عليها من كسب يده‪ ،‬فأما فيما سوى ذلك فهما في ال ّ‬
‫ذي‬ ‫ّ‬
‫ل ال ِ‬ ‫مث ْ ُ‬
‫ن ِ‬‫والبأساء على السواء‪ .‬ذلك ما أجمله الله بقوله تعالى‪} :‬وَل َهُ ّ‬
‫ة{)‪ ،(3‬وهذه الدرجة هي الرعاية‬ ‫ج ٌ‬‫ن د ََر َ‬‫ل عَل َي ْهِ ّ‬
‫جا ِ‬
‫ف وَِللّر َ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬
‫معُْرو ِ‬ ‫عَل َي ْهِ ّ‬
‫والحياطة ل يتجاوزها إلى قهر النفس وجحود الحق‪ ،‬وكما قرن الله سبحانه‬
‫بينهما في شؤون الحياة‪ ،‬قرن بينهما في حسن التوبة وادخار الجر وارتقاء‬
‫الدرجات العليا في الدنيا والخرة‪ .‬وإذا احتمل الرجل مشقات الحياة‪،‬‬
‫دم جسمه في سبيل معاشه ومعاش‬ ‫ومتاعب العمل وتناثرت أوصاله‪ ،‬وته ّ‬
‫زوجه فليس ذلك بزائد مثقال حبة عن المرأة إذا وفت لبيتها وأخلصت لزوجها‬
‫وأحسنت القيام في شأن دارها")‪.(4‬‬
‫]‪[4‬‬
‫"كتبت اللدى ماري مونتكاد‪ ،‬زوجة السفير النكليزي في تركيا إلى شقيقتها‬
‫تقول‪) :‬يزعمون أن المرأة المسلمة في استعباد وحجر معيب‪ ،‬وهو ما أود ّ‬

‫‪48‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تكذيبه فإن مؤلفي الروايات في أوروبا ل يحاولون الحقيقة ول يسعون للبحث‬


‫عنها‪ ،‬ولول أنني في تركيا‪ ،‬وأنني اجتمعت إلى النساء المسلمات ما كان إلى‬
‫ذلك سبيل‪ ،‬وإني أستمع إلى أخبارهم وحوادثهم وطرق معيشتهم من سبل‬
‫شتى‪ ،‬لذهبت أصدق ما يكتب هؤلء الكتاب‪ ،‬ولكن ما رأيته يكذب كل‬
‫التكذيب أخبارهم‪ ،‬ول أبالغ إذا قررت لك أن المرأة المسلمة وكما رأيتها في‬
‫الستانة أكثر حرية من زميلتها في أوروبا ولعلها المرأة الوحيدة التي ل تعنى‬
‫بغير حياتها البيتية‪ ،‬ثم إنهن يعشن في مقصورات جميلت ويستقبلن من يرد‬
‫من الناس‪.(5)"..‬‬
‫]‪[5‬‬
‫"إن جهل النساء في السلم أمٌر ل يتفق وأوامر الرسول الكريم ]صلى الله‬
‫عليه وسلم[‪ ،‬فقد أمر رسول الله النساء بطلب العلم وحظر السلم الجهل‬
‫دد في ذلك بما ل يدعو مجال ً للشبهة والتأويل")‪.(6‬‬ ‫على المؤمنين به وش ّ‬
‫__________________________________‬
‫البحث عن الله ‪ ،‬ص ‪. 28‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 51‬‬
‫سورة البقرة ‪ ،‬الية ‪. 228‬‬
‫البحث عن الله ‪ ،‬ص ‪. 82 - 81‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 85‬‬
‫نفسه ‪. 86 ،‬‬
‫عبد الله كويليام‬
‫]‪[1‬‬
‫"‪ ..‬إن زعماء النصرانية أبدلوا دين المسيح ]عليه السلم[ بما كانت ترمي‬
‫إليه أهواؤهم وأوجدوا عقائد أخرى من تلقاء ذاتهم وتظاهروا في مقاومة‬
‫الشهوات البشرية بالرهبنة والعزوبية‪ ..‬واتخذوهما ستاًرا للفسق ولعمالهم‬
‫فا من هؤلء‬‫التضليلية حتى ضل الناس وأشركوا بالواحد القهار واتخذوا لفي ً‬
‫القديسين والرهبان أرباًبا من دون الله فلما جاء السلم استأصل شأفة هذه‬
‫الخزعبلت وقضى على جميع الباطيل والترهات‪ ،‬وأقيمت الحجة الثابتة على‬
‫استهجان العزوبية واعتبار الزواج كدليل للتقوى الحقيقة وأنه من أوليات‬
‫القواعد الدينية إذ فيه بيان قدره الخالق ووحدانيته وجلله‪ ..‬فالسلم هو الذي‬
‫ض على الزواج وأبطال الرهبنة‪.(1)"..‬‬ ‫ح ّ‬

‫)‪(156 /‬‬

‫]‪[2‬‬
‫"أما تعدد الزوجات فإن موسى ]عليه السلم[ لم يحرمها وداود ]عليه‬
‫السلم[ أتاها وقال بها ولم تحرم في العهد الجديد )أي النجيل( إل من عهد‬
‫غير بعيد‪ .‬ولقد أوقف محمد ]صلى الله عليه وسلم[ الغلوّ فيها عند حد ّ‬
‫معلوم‪ .‬وعلى كل حال فإن مسألة تعدد الزوجات أمر شاذ ّ كثيًرا عن الدستور‬
‫المعمول به في البلد السلمية المتمدنة‪ ..‬وهو بكل ما قيل فيه من القول‬
‫الهراء ل يخلو من الفائدة فقد ساعد على حفظ حياة المرأة وأوجد لها في‬
‫ما‬
‫ل إث ً‬‫الشريعة حسن المساعدة‪ .‬وتعدد الزوجات في البلد السلمية أق ّ‬
‫ف ضرًرا من الخبائث التي ترتكبها المم المسيحية تحت ستار المدنية‪..‬‬ ‫وأخ ّ‬
‫ً‬
‫فلنخرج الخشبة التي في أعيننا أول ومن ثم نتقدم لخراج القذى من أعين‬
‫غيرنا")‪.(2‬‬

‫‪49‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]‪[3‬‬
‫ة{)‪ .(3‬فيما يتعلق بمسألة تعدد‬ ‫حد َ ً‬
‫وا ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م أل ت َعْدِلوا ف َ‬‫فت ُ ْ‬
‫خ ْ‬
‫ن ِ‬‫"جاء في القرآن }فإ ِ ْ‬
‫ما وعدواًنا‪ .‬إذ ل شك في‬‫الزوجات التي تنتقدون فيها على المسلمين ظل ً‬
‫أنكم تجهلون عدل النبي ]صلى الله عليه وسلم[ بين أزواجه )رضوان الله‬
‫عليهن( وحبه فيهن حّبا مساوًيا مما علم المسلمين النتماء والنصاف بينهن‪.‬‬
‫على أن القرآن لم يأمر بتعدد الزوجات بل جاء بالحظر مع الوعيد لمن ل‬
‫يعدل في الية المتقدمة‪ ،‬ولذلك ترى اليوم جميع المسلمين منهم القليل ل‬
‫يتزوجون إل امرأة واحدة خوف الوقوع تحت طائلة ما جاء من النذار في‬
‫القرآن المجيد‪ .‬وإذا سّلمنا على العموم بأن عدم تعدد الزوجات أوفق‬
‫للمعاشرة الدنيوية من تكررهن‪ ،‬فل نسلم بالعتراف بذلك على الوجه‬
‫المتعارف اليوم بأوروبا من حصر الزواج في امرأة واحدة إذعانا للقانون‬
‫واتخاذ عدة أزواج أخرى ]غير شرعيات[ من وراء الجدار‪.(4)"..‬‬
‫]‪[4‬‬
‫"‪ ..‬ورد في القرآن نصوص كثيرة تثبت أن النساء ل يعاقبن في الدار الخرة‬
‫فقط على ما أتين من سيئ العمال بل كذلك يجازين خير الجزاء على ما‬
‫يعلنه من طيب أعمالهن بمثل ما يكون للرجال‪ .‬وعلى ذلك نرى أن الله‬
‫]سبحانه[ ل تمييز عنده في السلم بين الجناس")‪.(5‬‬
‫_________________________________‬
‫العقيدة السلمية ‪ ،‬ص ‪) ، 19‬كانن اسحق تيلر في خطبة له بمؤتمر الكنسية‬
‫النكليزية بتاريخ ‪ 7‬أكتوبر سنة ‪ ،1887‬نشرت بجريدة التايمس في اليوم‬
‫التالي(‪.‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪ 23 – 22‬عن )تيلر في خطبته المذكورة(‪.‬‬
‫سورة النساء‪ ،‬الية ‪. 3‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪ 39 – 38‬عن )لوازون في خطبة ألقاها بتونس‪ ،‬ونشرت في‬
‫جريدة الحاضرة التي تصدر في تونس بتاريخ ‪ 3‬ديسمبر سنة ‪.(1895‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 143‬‬
‫روم لندو‬
‫]‪[1‬‬
‫"يوم كانت النسوة يعتبرن‪ ،‬في العالم الغربي‪ ،‬مجرد متاع من المتعة‪ ،‬ويوم‬
‫دي من أن لهن أرواحا‪ ،‬كان الشرع السلمي قد‬ ‫كان القوم هناك في ريب ج ّ‬
‫منحهن حق التملك‪ .‬وتلقت الرامل نصيًبا من ميراث أزواجهن‪ ،‬ولكن البنات‬
‫كان عليهن أن يقنعن بنصف حصة الذكر‪ ..‬إل أن علينا أن ل ننسى أن البناء‬
‫الذكور وحدهم كانوا‪ ،‬حتى فترة حديثة نسبّيا‪ ،‬ينالون في الديار الغربية حصة‬
‫من الرث")‪.(1‬‬
‫__________________________________‬
‫)‪ (1‬السلم والعرب ‪ ،‬ص ‪. 203‬‬
‫ليتنر‬
‫]‪[1‬‬
‫ُ‬
‫ل عما رماهم به كّتاب النصارى‪ .‬والقول بأنه‬ ‫"‪ ..‬إن الزواج عند المسلمين يج ّ‬
‫ل يوجد حد للزواج والطلق عند المسلمين فغير صحيح‪ ،‬والطلق عندهم‬
‫ليس هو بالمر الهين‪ ،‬فعدا عن وجود المحكمين فعلى الرجل أن يدفع‬
‫صداقها المسمى عند إجراء العقد وهذا غالًبا يكون فوق ما يقدر زوجها على‬
‫من من الطلق‪ .‬إن النصارى‬ ‫إيفائه بسهولة‪ ،‬فمركز المرأة بالسلم قوي مؤ ّ‬
‫والبوذيين يرون الزواج أمًرا روحّيا ومع ذلك نرى عقدة النكاح محترمة عند‬

‫‪50‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المسلمين أكثر مما هي محترمة في البلد المسيحية‪ ..‬ويسوءني أن أذكر ما‬


‫ليس لي مناص من ذكره وهو أنني سكنت بين المسلمين أربًعا وخمسين‬
‫ما ابتداءها سنة ‪ 1848‬فمع وجود التساهل في أمر الطلق عندهم وعسره‬ ‫عا ً‬
‫عند النصارى‪ ،‬فقد وقع حوداث طلق عند النصارى أكثر مما وقع عند‬
‫المسلمين بكثير‪ .‬وإني أقول الحق بأن الشفقة والحسان عند المسلمين نحو‬
‫عيالهم والغرباء والمسّنين والعلماء لمثال مجدٍ يجب على النصارى أن يقتدوا‬
‫به")‪.(1‬‬
‫]‪[2‬‬

‫)‪(157 /‬‬

‫"أما تعدد الزوجات‪ ..‬فإّنا بقطع النظر عن منافعه الحقيقية‪ ،‬لنه يقّلل النساء‬
‫الماكن التي هن فيه أكثر من الرجال‪ ،‬وبقطع النظر عن أنه يقلل وجود‬
‫المومسات وأضرارهن‪ ،‬ويمنع مواليد الزنا‪ ،‬فل يمكننا أن ننكر بأن أكثر‬
‫المسلمين ذو زوجة واحدة والسبب في ذلك هو تعليم دين السلم لقد أتى‬
‫محمد ]صلى الله عليه وسلم[ بين أمة تعد ولدة النثى شّرا عظيم عليهم‬
‫وهكذا كانوا يئدونها‪ ،‬ولم يكن للرجال حد يقفون عنده من جهة الزواج وكانوا‬
‫يعدون النساء من جملة المتاع ويرثونها من بعد موت بعلها‪ .‬فجعل ]صلى الله‬
‫دا فل يقدر الرجل أن يتزوج بأكثر من أربع نساء‬ ‫عليه وسلم[ لهذه الحالة ح ّ‬
‫بشرط المساواة بينهن في كل شيء حتى بالمحبة والوداد‪ ،‬فإن لم يكن قادًرا‬
‫على كل ذلك فل يباح له بأن يتزوج غير واحدة‪ .‬ومن يتدبر شريعته يرى أنه‬
‫ض على الزواج بامرأة واحدة‪ ،‬ولقد رفع مقام المرأة ورقاها رقّيا‬ ‫قد ح ّ‬
‫ما‪ ،‬فإنها بعد ما كانت تعد كمتاع مملوك صارت مالكة‪ ،‬وحكمها مؤيد‬ ‫عظي ً‬
‫وحقوقها محفوظة")‪.(2‬‬
‫]‪[3‬‬
‫"أما بخصوص الرهبانية فليس لها وجود في السلم‪ ،‬وتكاد ل ترى امرأة غير‬
‫متزوجة‪ ،‬وقصاص الزنا متساوٍ فيه الرجل والمرأة‪ ..‬والشريعة السلمية ل‬
‫تسمح بإهانة أولد المملوكة‪ ،‬وهم يرثون أبناءهم مع أولد السيدة‪ ..‬وليس في‬
‫السلم محلت للفاجرات ول قانون يبيح انتشار المومسات‪ .‬ومسامرات‬
‫المسلمين العمومية خير مما هي في أوروبا‪ .‬ومسامرات شبان المسلمين‬
‫في المدارس خير وأطهر من مسامرات شبابنا‪ ..‬والحق أولى أن يقال فإن‬
‫كثيًرا من كلم شبان النكليز لو قاله أحد في بلد المسلمين لنال قائله‬
‫القصاص الصارم‪ .‬وللمرأة المسلمة مركز شرعي خير من مركز المرأة‬
‫النكليزية بكثير‪.(3)"..‬‬
‫__________________________________‬
‫دين السلم ‪ ،‬ص ‪. 11 – 10‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 11‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 15 - 14‬‬
‫كوستاف لوبون‬
‫]‪[1‬‬
‫ص عليها القرآن بالغة العدد والنصاف‪ ..‬ويظهر‬ ‫"تعد مبادئ المواريث التي ن ّ‬
‫من مقابلتي بينها وبين الحقوق الفرنسية والنكليزية أن الشريعة السلمية‬
‫منحت الزوجات‪ ،‬اللئي ُيزعم أن المسلمين ل يعاشروهن بالمعروف‪ ،‬حقوقاً‬
‫في المواريث ل تجد مثلها في قوانيننا")‪.(1‬‬

‫‪51‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]‪[2‬‬
‫"لم يقتصر السلم على إقرار مبدأ تعدد الزوجات الذي كان موجوًدا قبل‬
‫ظهوره‪ ،‬بل كان ذا تأثير عظيم في حال المرأة في الشرق‪ ،‬والسلم قد رفع‬
‫ما بدل ً من خفضهما خلًفا للمزاعم‬ ‫حال المرأة الجتماعي وشأنها رفًعا عظي ً‬
‫المكررة على غير هدى‪ ،‬والقرآن قد منح المرأة حقوًقا إرثية أحسن مما في‬
‫أكثر قوانيننا الوربية‪ ..‬أجل أباح القرآن الطلق كما أباحته قوانين أوربة التي‬
‫ف{)‪ ..(2‬وأحسن‬ ‫معُْرو ِ‬‫مَتاع ٌ ِبال ْ َ‬
‫ت َ‬ ‫مط َل ّ َ‬
‫قا ِ‬ ‫قالت به‪ ،‬ولكنه اشترط أن يكون }ل ِل ْ ُ‬
‫طريق لدراك تأثير السلم في أحوال النساء في الشرق هو أن نبحث في‬
‫حالهن قبل القرآن وبعده")‪.(3‬‬
‫]‪[3‬‬
‫"إذا أردنا أن نعلم درجة تأثير القرآن في أمر النساء وجب علينا أن ننظر‬
‫صه المؤرخون انه كان لهن‬ ‫إليهن أيام ازدهار حضارة العرب‪ ،‬وقد ظهر مما ق ّ‬
‫من الشأن ما اتفق لخواتهن حديًثا في أوربة‪ ..‬إن الوربيين أخذوا عن العرب‬
‫مبادئ الفروسية وما اقتضته من احترام المرأة‪ .‬فالسلم‪ ،‬إذن‪ ،‬ل النصرانية‪،‬‬
‫هو الذي رفع المرأة من الدرك السفل الذي كانت فيه‪ ،‬وذلك خلًفا للعتقاد‬
‫الشائع‪ .‬وإذا نظرت إلى نصارى الدور الول من القرون الوسطى رأيتهم لم‬
‫يحملوا شيًئا من الحرمة للنساء‪ ،‬وإذا تصفحت كتب التاريخ ذلك الزمن وجدت‬
‫ما يزيل كل شك في هذا المر‪ ،‬وعلمت أن رجال عصر القطاع كانوا غل ً‬
‫ظا‬
‫نحو النساء قبل أن يتعلم النصارى من العرب أمر معاملتهن بالحسنى")‪.(4‬‬
‫]‪[4‬‬
‫"‪ ..‬إن حالة [النساء المسلمات] الحاضرة أفضل من حالة أخواتهن في أوربة‬
‫حتى عند الترك‪ ..‬وأن نقصان شأنهن حدث خلًفا للقرآن‪ ،‬ل بسبب القرآن‬
‫دا من خفضها‪ ،‬ولم‬ ‫على كل حال‪ ..‬إن السلم‪ ،‬الذي رفع المرأة كثيًرا‪ ،‬بعي ً‬
‫نكن أول من دافع عن هذا الرأي‪ ،‬فقد سبقنا إليه ]كثيرون[‪.(5)"..‬‬
‫"إن تعدد الزوجات المشروع عند الشرقيين أحسن من تعدد الزوجات الريائي‬
‫عند الوروبيين‪ ،‬وما يتبعه من مواكب أولد غير شرعيين")‪.(6‬‬
‫]‪[5‬‬
‫"إن النساء المسلمات قد أخرجن في الدهر الغابر من المشهورات العالمات‬
‫بقدر تخرج مدارس الناث في الغرب اليوم" )‪.(7‬‬
‫_______________________________‬
‫حضارة العرب ‪ ،‬ص ‪. 389‬‬
‫سورة البقرة ‪ ،‬الية ‪. 241‬‬
‫حضارة العرب ‪ ،‬ص ‪. 401‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 403‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 405 – 404‬‬
‫روح السياسة‪ ،‬عن )محمد كرد علي‪ :‬السلم والحضارة العربية‪.(1/83 ،‬‬
‫نفسه ‪. 1/83 ،‬‬
‫نظمي لوقا‬
‫]‪[1‬‬

‫)‪(158 /‬‬

‫"المرأة في السلم إنسان له حقوق النسان وكل تكاليفه العقلية والروحية‬


‫فهي في ذلك صنو الرجل تقع عليها أعباء المانة التي تقع عليه‪ ،‬أمانة العقيدة‬

‫‪52‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫واليمان وتزكية النفس‪ ..‬وقد نجد هذا اليوم من بدائه المور‪ .‬ولكنه لم يكن‬
‫كذلك في العالم القديم‪ ،‬في كثير من المم حيث كانت المرأة تباع أحياًنا‬
‫كثيرة كما تباع السلعة‪ ..‬وكانت في كثير من الحيان منقوصة الهلية ل‬
‫تمارس التصرفات المالية والقانونية إل عن طريق وليها الشرعي أو‬
‫بموافقته‪ ،‬بل لم تكن تملك تزويج نفسها على الخصوص‪ ،‬وإنما المر في ذلك‬
‫لوليها يجريه على هواه‪ .‬وأكثر من هذا‪ ،‬كانت قبائل العرب في الجاهلية تئد‬
‫قا‬‫البنات كراهة لهن وازدراء لشأنهن‪ ،‬ومن لم يئدهن كان يضيق بهن ضي ً‬
‫دا‪.(1)"..‬‬ ‫شدي ً‬
‫]‪[2‬‬
‫"في سور القرآن أشار إلى المساواة عند الله بين الذكر والنثى بغير تفريق‬
‫في التكليف أو الجزاء‪ ،‬وإشارة صريحة مساواة المرأة والرجل في ثمرات‬
‫العمال والجهود‪ ..‬وفي بعض المم القديمة‪ ،‬والحديثة‪ ،‬كانت المرأة تحرم‬
‫غالًبا من الميراث‪ ،‬فأبى السلم هذا الغبن الفاحش‪.(2)"..‬‬
‫]‪[3‬‬
‫"ليس السلم ‪ -‬على حقيقته ‪ -‬عقيدة رجعية تفرق بين الجنسين في القيمة‪.‬‬
‫بل إن المرأة في موازينه تقف مع الرجل على قدم المساواة‪ .‬ل يفضلها إل‬
‫بفضل‪ ،‬ول يحبس عنها التفضيل إن حصل لها ذلك الفضل بعينه في غير مطل‬
‫أو مراء وما من امرأة سوية تستغني عن كنف الرجل بحكم فطرتها الجسدية‬
‫والنفسية على كل حال‪ .‬وذلك حسب عقيدة لتكون صالحة لكل طور‬
‫اجتماعي على تعاقب الطوار والعصور‪ ،‬على سنة العدل التي لم يجد لها‬
‫ما أوفق من )تكافؤ الفرص(‪ ،‬الذي يلغي كل تفريق‪ ،‬ويسقط كل‬ ‫عصرنا اس ً‬
‫حجة‪ ،‬ويقضي على كل تمّيز إل بامتياز ثابت صحيح")‪.(3‬‬
‫]‪[4‬‬
‫"]العلقة الزوجية في السلم[ ليست مسافدة حيوانية بين ذكر وأنثى‪ ،‬على‬
‫إطلق بواعث الرغبة والشتهاء الغريزي بين جنسي النوع البشري‪ .‬لغير هذا‬
‫ن‬ ‫خل َقَ ل َ ُ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬
‫كم ّ‬ ‫ن َ‬
‫ن آَيات ِهِ أ ْ‬‫م ْ‬‫قامت كوابح الداب وضوابط الشرائع والعقائد }وَ ِ‬
‫فسك ُ َ‬ ‫َ‬
‫ة{)‪ .(4‬هكذا جاء في‬ ‫م ً‬
‫ح َ‬‫موَد ّة ً وََر ْ‬
‫كم ّ‬‫ل ب َي ْن َ ُ‬ ‫سك ُُنوا إ ِل َي َْها وَ َ‬
‫جعَ َ‬ ‫جا ل ّت َ ْ‬
‫م أْزَوا ً‬
‫أن ُ ِ ْ‬
‫سورة الروم‪ ،‬وإني لرى في قوله )من أنفسكم( لمسة تمس شغاف القلب‬
‫وتذكر بما في الزواج من قربى تجعل الزوجة قطعة من النفس ثم أردف‬
‫ذلك بالسكن‪ ،‬وما أقرب السكن في هذا الباب من سكنية النفس ل من‬
‫مساكنة الجساد! بدليل ما أردف بذلك من المودة والرحمة‪ ..‬وتلك عليا‬
‫مناعم المعاشرة النسانية‪ ،‬بما فيها من غلبة الروح على نزوات الجساد‬
‫ودفعات الرغبة العمياء‪ .‬فالزواج مطلب نفسي وروحي عند النسان‪ ،‬وليس‬
‫مطلًبا شهوّيا جسدّيا وإن كان له أساس جسدي‪.(5)"..‬‬
‫]‪[5‬‬
‫"كان لبد من إصلح ما بين النسان وبين نفسه التي بين جنبيه بعقيدة موفقة‬
‫بين الدين والدنيا‪ ،‬وقد نهض بهذا السلم‪ ،‬وكانت سنته في الزواج كفاء خطته‬
‫في جوانب الهداية البشرية الفطرية‪ ،‬لتحرير البشر من الذعر والخزي‬
‫وعقدة الثم الشوهاء التي كّبلته ولم تزل تكبل الكثيرين عن انطلقة الحياة‬
‫وسوء الفطرة"‪.‬‬
‫__________________________________‬
‫محمد الرسالة والرسول ‪ ،‬ص ‪. 96 – 95‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 96‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 101-100‬‬

‫‪53‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سورة الروم ‪ ،‬الية ‪. 21‬‬


‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 116 - 115‬‬
‫مارش)‪(1‬‬
‫]‪[1‬‬
‫"‪ ..‬على فرض وجود بعض القيود على المرأة المسلمة في ظل السلم‪ ،‬فإن‬
‫هذه القيود ليست إل ضمانات لمصلحة المرأة المسلمة نفسها‪ ،‬ولخير‬
‫السرة‪ ،‬والحفاظ عليها متماسكة قوية‪ ،‬وأخيًرا فهي لخير المجتمع السلمي‬
‫بشكل عام")‪.(2‬‬
‫]‪[2‬‬
‫"لقد لحظت أن المشكلت ]العائلية التي يعانى منها الغرب[ ل وجود لها بين‬
‫السرة المسلمة التي تنعم بالسلم والهناء وكذلك الحب فل الزوج ول زوجته‬
‫شاق ومودة الصديقات السائدين‬ ‫في ظل السلم يعرفان شيًئا عن موعد الع ّ‬
‫هذه اليام في القطار غير السلمية‪ .‬لقد أحببت هذا الجانب من الحياة‬
‫السلمية حّبا كثيًرا‪ ،‬لنه يمنح الزوج والزوجة والبناء ما لبد لهم عنه من حب‬
‫وإخلص وسلم يعمر حياتهم‪ .‬وليس ذلك فحسب بل بفضل هذا الخلص في‬
‫قا من صلبهم غير‬ ‫العلقات الزوجية بين المسلمين‪ ،‬هم واثقون أن أبناءهم ح ّ‬
‫دخلء عليهم‪ .‬وهذا مفقود في المجتمعات الخرى")‪.(3‬‬
‫_________________________________‬
‫)‪ (1‬سالي جان مارش‪ :‬سلوى جان مارش ‪S . J . Marsh‬‬
‫ولدت في واشنطن عام ‪ 1954‬في عائلة بروتستانتية‪ .‬حصلت على درجة‬
‫الماجستير في العلوم السياسة من واشنطن‪ ،‬كما تفرغت لدراسة اللغة‬
‫العربية بجامعة الكويت‪ .‬قرأت كثيًرا في معظم الديان المعروفة في الغرب‬
‫ست منذ البداية أنها‬ ‫فلم يقبل عقلها أي واحد منها فلما التقت بالسلم )أح ّ‬
‫تؤمن بكافة تعاليمه بحكم فطرتها التي فطرها الله عليها( فانتمت إليه‪.‬‬
‫)‪ (2‬رجال ونساء أسلموا ‪. 8/46 ،‬‬
‫)‪ (3‬نفسه ‪. 47 – 46 /8 ،‬‬
‫ماكلوسكي)‪(1‬‬
‫]‪[1‬‬

‫)‪(159 /‬‬

‫"‪ ..‬في ظل السلم استعادت المرأة حريتها واكتسبت مكانة مرموقة‪.‬‬


‫فالسلم يعتبر النساء شقائق مساوين للرجال‪ ،‬وكلهما يكمل الخر")‪.(2‬‬
‫]‪[2‬‬
‫"لقد دعا السلم إلى تعليم المرأة‪ ،‬وتزويدها بالعلم والثقافة لنها بمثابة‬
‫مدرسة لطفالها‪ .‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪) :‬طلب العلم فريضة‬
‫على كل مسلم ومسلمة(‪ .‬لقد منح السلم المرأة حق التملك وحرية‬
‫التصرف فيما تملك‪ .‬وفي الوقت الذي نرى فيه أن المرأة في أوروبا كانت‬
‫دا‪ ،‬نجد أن السلم منح‬ ‫محرومة من جميع هذه الحقوق إلى عهد قريب ج ّ‬
‫المرأة بالضافة إلى ما تقدم حق إبرام العقود للزواج‪ .‬والمهر في نظر‬
‫السلم هو حق شخصي للمرأة‪ .‬والمرأة في السلم تتمتع بحرية الفكر‬
‫والتعبير‪.(3)"..‬‬
‫]‪[3‬‬
‫"‪ ..‬إن المرأة المسلمة معززة مكرمة في كافة نواحي الحياة‪ ،‬ولكنها اليوم‬

‫‪54‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مخدوعة مع السف ببريق الحضارة الغربية الزائف‪ .‬ومع ذلك فسوف‬


‫ما ما كم هي مضللة في ذلك‪ ،‬بعد أن تعرف الحقيقة")‪.(4‬‬ ‫تكتشف يو ً‬
‫]‪[4‬‬
‫"إن السلم يحضنا على القيام بالعمل المثمر‪ ،‬شريطة أن نلتزم نحن النساء‬
‫بالحشمة في لباسنا وأن نستر جمال أجسادنا‪ .‬وعلينا أن نكون جاّدين في‬
‫حديثنا‪ .‬وهكذا فالسلم ل يمنع المرأة من ممارسة أى عمل شريف يناسب‬
‫طبيعتها‪ .‬إل أن أقدس واجب على المرأة هو واجبها الطبيعي في خدمة‬
‫أسرتها والعناية بأعضائها لن جزاءها على هذا يعادل أجر المقاتلين في سبيل‬
‫الله‪ ،‬والمرأة المسلمة مازالت تقوم بهذه الواجبات بكل اعتزاز")‪.(5‬‬
‫]‪[5‬‬
‫"أن نشاطات المرأة المسلمة قد تمتد أحياًنا خارج المنزل‪ ،‬فبعض النساء‬
‫المسلمات كن يقمن بمسؤوليات عامة‪ ..‬في الحرب والتجارة‪ .‬ولكن ذلك كله‬
‫كان في إطار الخلق الكريم")‪.(6‬‬
‫_________________________________‬
‫)‪ (1‬منى عبد الله ماكلوسكي ‪Muna A.Maclosky‬‬
‫ألمانية‪ ،‬تعمل قنصل ً لبلدها‪ ،‬ألمانيا التحادية‪ ،‬في بنغلدش‪ ،‬اهتدت إلى‬
‫السلم في مطلع عام ‪ ،1976‬على يد شيخ الجامع الزهر الدكتور عبد‬
‫الحليم محمود – رحمه الله – وشعرت يومها "كأنها ولدت من جديد"‪.‬‬
‫)‪ (2‬رجال ونساء أسلموا ‪. 9/62 ،‬‬
‫)‪ (3‬نفسه ‪. 63 - 62 /9 ،‬‬
‫نفسه ‪. 63 / 9 ،‬‬
‫نفسه ‪. 64 – 63 /9 ،‬‬
‫نفسه ‪. 64 / 9 ،‬‬
‫روز ماري هاو‬
‫]‪[1‬‬
‫ضا‪،‬‬
‫"الحجاب شيء أساسي في الدين السلمي لن الدين ممارسة عملية أي ً‬
‫والدين السلمي حدد لنا كل شيء‪ .‬كاللباس والعلقة بين الرجل والمرأة‬
‫الحجاب يحافظ على كرامة المرأة ويحميها من نظرات الشهوة‪ ،‬ويحافظ‬
‫على كرامة المجتمع ويكف الفتنة بين أفراده‪ .‬لذلك فهو يحمي الجنسين من‬
‫النحراف‪ .‬وأنا أؤمن أن السترة ليست في الحجاب فحسب‪ ،‬بل يجب أن‬
‫ضا‪ ،‬وأن تتحجب النفس عن كل ما هو سوء")‪.(1‬‬ ‫تكون العفة داخلية أي ً‬
‫]‪[2‬‬
‫"إن السلم قد كرم المرأة وأعطاها حقوقها كإنسانة‪ ،‬وكامرأة‪ ،‬وعلى عكس‬
‫ما يظن الناس من أن المرأة الغربية حصلت على حقوقها‪ ..‬فالمرأة الغربية‬
‫ل تستطيع مثل ً أن تمارس إنسانيتها الكاملة وحقوقها مثل المرأة المسلمة‪.‬‬
‫فقد أصبح واجًبا على المرأة في الغرب أن تعمل خارج بيتها لكسب العيش‪.‬‬
‫أما المرأة المسلمة فلها حق الختيار‪ ،‬ومن حقها أن يقوم الرجل بكسب‬
‫القوت لها ولبقية أفراد السرة‪ .‬فحين جعل الله سبحانه وتعالى للرجال‬
‫القوامة على النساء كان المقصود هنا أن على الرجل أن يعمل ليكسب قوته‬
‫وقوت عائلته‪ .‬فالمرأة في السلم لها دور أهم وأكبر مجرد الوظيفة‪ ،‬وهو‬
‫النجاب وتربية البناء‪ ،‬ومع ذلك فقد أعطى السلم للمرأة الحق في العمل‬
‫إذا رغبت هي في ذلك‪ ،‬وإذا اقتضت ظروفها ذلك")‪.(2‬‬
‫]‪[3‬‬
‫ن له كل ما‬‫ّ‬ ‫تك‬ ‫إذ‬ ‫لزوجته‪،‬‬ ‫صديق‬ ‫أقرب‬ ‫الزوج‬ ‫يعتبر‬ ‫السلم‬ ‫أن‬ ‫أفهم‬ ‫أنا‬ ‫"‪..‬‬

‫‪55‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في نفسها‪ ،‬لن الزواج في السلم علقة حميمة مبنية على شريعة الله ل‬
‫تضاهيها العلقات العادية الخرى ‪.(3)"..‬‬
‫__________________________________‬
‫رجال ونساء اسلموا ‪. 26-25\ 8,‬‬
‫نفسه ‪. 28 / 8 ،‬‬
‫نفسه ‪. 29 /8 ،‬‬
‫زيغريد هونكه‬
‫]‪[1‬‬
‫"إن احترام العرب لعالم النساء واهتمامهم به ليظهران بوضوح عندما نرى‬
‫صوه بفيض من العطور وبأنواع الزينة‪ ،‬التي وإن لم تكن غير مجهولة‬ ‫أنهم خ ّ‬
‫قبلهم‪ ،‬إل أنها فاحت بثروة الشرق العطرية الزكية‪ ،‬وبالساليب الفائقة في‬
‫تحضيرها‪ .‬كذلك فإن العثنون الذي كان يزين الوجوه الحليقة‪ ،‬منذ حملت‬
‫جا‬
‫الصليبيين‪ ،‬على طريقة النبي محمد ]صلى الله عليه وسلم[ قد أصبح نموذ ً‬
‫يقلده الرجال")‪.(1‬‬
‫]‪[2‬‬
‫"‪ ..‬قاوم العرب كل التيارات المعادية ]للمرأة[ واستطاعوا القضاء على هذا‬
‫العداء للمرأة والطبيعة‪ ،‬وجعلوا من منهجهم مثال ً احتذاه الغرب ول يملك‬
‫كا‪ ،‬وأصبح الستمتاع بالجمال جزًءا من حياة الوروبيين شاءوا أم‬ ‫الن منه فكا ً‬
‫أبوا")‪.(2‬‬
‫]‪[3‬‬

‫)‪(160 /‬‬

‫"‪ ..‬ظلت المرأة في السلم تحتل مكانة أعلى وأرفع مما احتلته في‬
‫الجاهلية‪ .‬ألم تكن خديجة ]رضي الله عنها[ زوجة النبي ]صلى الله عليه‬
‫ما‪ ،‬أرملة لها شخصيتها‬ ‫وسلم[ الولى‪ ،‬التي عاش معها أربعة وعشرين عا ً‬
‫جا لشريفات العرب‪،‬‬ ‫ومالها ومكانتها الرفيعة في مجتمعها؟ لقد كانت نموذ ً‬
‫أجاز لها الرسول ]صلى الله عليه وسلم[ أن تستزيد من العلم والمعرفة‬
‫ما؛ وسار الركب وشاهد الناس سيدات يدرسن القانون والشرع‬ ‫كالرجال تما ً‬
‫ويلقين المحاضرات في المساجد ويفسرن أحكام الدين‪ .‬فكانت السيد تنتهي‬
‫حا لتدّرس هي بنفسها ما‬ ‫دراستها على يد كبار العلماء‪ ،‬ثم تنال منهم تصري ً‬
‫تعلمته‪ ،‬فتصبح الستاذة الشيخة‪ .‬كما لمعت من بينهن أديبات وشاعرات‪،‬‬
‫جا على التقاليد")‪.(3‬‬‫والناس ل ترى في ذلك غضاضة أو خرو ً‬
‫]‪[4‬‬
‫"إن النساء في صدر السلم لم يكن مظلومات أو مقيدات‪ ،‬ولكن هل دام‬
‫ل؟ لقد هبت على القصور العباسيين رياح جديدة قدمت من الشمال‬ ‫هذا طوي ً‬
‫فغيرت الوضاع‪ ،‬وقدم الحريم من الجاريات الفارسيات واليونانيات‪ ..‬و كان‬
‫أن حرمت المرأة العربية من مكانتها الرفيعة في المجتمع و قيدت حرياتها‬
‫حين سيطرت على المجتمع العادات الفارسية القديمة‪ .‬والسلم بريء من‬
‫كل ما حدث‪ ،‬والرسول ]صلى الله عليه وسلم[ لم يأمر قط بحجب النساء‬
‫عن المجتمع‪ .‬لقد أمر المؤمنين من الرجال والنساء على حد سواء‪ ،‬بأن‬
‫يغضوا الطرف وأن يحافظوا على أعراضهم وأمر النساء بأل يظهرن من‬
‫أجسادهن إل ما ل بد من ظهوره‪ ،‬وأل يظهرن محاسن أجسادهن إل في‬
‫حضرة أزواجهن")‪.(4‬‬

‫‪56‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]‪[5‬‬
‫دس الزواج وطالب بالعدل بين الزوجين أو الثلث أو الربع في‬ ‫"السلم ق ّ‬
‫حا يطلب‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صا صري ً‬
‫ة{)‪ .(5‬أليس هذا ن ّ‬ ‫حد َ ً‬
‫وا ِ‬
‫م أل ت َعْدِلوا ف َ‬ ‫فت ُ ْ‬
‫خ ْ‬‫ن ِ‬
‫المعاملة‪} .‬فإ ِ ْ‬
‫فيه من المؤمنين أل يتزوجوا بأكثر من واحدة إل إذا كان في استطاعتهم‬
‫تحري العدل بين النساء؟ والمشكلة لم تكن اقتصادية فحسب‪ ،‬فمؤرخو‬
‫العرب يذكرون أن العربي الصيل المؤمن لم يكن يتخذ إل زوجة واحدة يبقى‬
‫صا لها وتبقى هي مخلصة له حتى يفرق بينهما الموت")‪.(6‬‬ ‫مخل ً‬
‫__________________________________‬
‫شمس العرب تسطع على الغرب ‪ ،‬ص ‪. 53‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 468‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 470‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 471 - 470‬‬
‫سورة النساء ‪ ،‬الية ‪. 3‬‬
‫شمس العرب تسطع على الغرب ‪ ،‬ص ‪. 472‬‬
‫مونتكومري وات‬
‫]‪[1‬‬
‫"إن الفكرة الرائدة في القرآن‪ ،‬هي أنه إذا تبنى المسلمون تعدد الزوجات‪،‬‬
‫فان جميع الفتيات اللواتي هن في سن الزواج يمكنهن الزواج بصورة‬
‫حسنة")‪.(1‬‬
‫]‪[2‬‬
‫"‪ ..‬كان ]تعدد الزوجات[ عادة غريبة على تفكير أهل المدينة‪ .‬وقد عالج هذا‬
‫التغيير المساوئ التي نتجت عن ازدياد النزعة الفردية‪ .‬إذ أن تعدد الزوجات‬
‫دا لضطهاد الرامل‬ ‫يسمح للنساء الكثيرات بالزواج الشريف‪ ،‬كما يضع ح ّ‬
‫اللواتي تحت الوصاية‪ ،‬كما يخفف من إغراء الزواج المؤقت الذي يسمح به‬
‫مجتمع عربي ذو عوائد أمية‪ .‬ويجب اعتبار هذا الصلح‪ ،‬بالنظر لبعض العادات‬
‫ما في تنظيم المجتمع" )‪.(2‬‬ ‫ما مه ً‬ ‫السائدة آنذاك‪ ،‬تقد ً‬
‫]‪[3‬‬
‫"لقد قام محمد ]صلى الله عليه وسلم[ في ميدان الزواج والعلقات العائلية‪،‬‬
‫بتنظيم عميق واسع للبناء الجتماعي‪ .‬وقد وجدت قبله نزعات جديدة فردية‪،‬‬
‫ما أكثر منه بناء‪ .‬وكان عمل محمد ]صلى الله عليه‬ ‫ولكن أثرها كان هدا ً‬
‫وسلم[ بهذا الصدد يقوم على استخدام هذه النزعات الفردية لتكون بناء‬
‫جديد‪ .‬فقد انهارت عادات المجتمعات القبلية وتقاليدها‪ ،‬فأنقذ محمد ]صلى‬
‫الله عليه وسلم[ منها ما يمكن إنقاذه وحوله إلى المجتمع الفردي الجديد‪.‬‬
‫وهكذا استطاع توليد نظام عائلي ظهر مرضًيا ومغرًيا في مجتمع ينتقل من‬
‫مرحلة الجماعية إلى مرحلة الفردية")‪.(3‬‬
‫]‪[4‬‬
‫ي على حقوق أي‬ ‫"كانت التشريعات القرآنية تهدف إلى أن ل يتعدى الوص ّ‬
‫قاصر أو امرأة في الميراث الطبيعي‪.(4)"..‬‬
‫]‪[5‬‬
‫"‪ ..‬بالرغم من أن النسان ]المسلم[ يملك ممتلكاته في حياته‪ ،‬ويستطيع‬
‫التصرف بها كما يشاء فهو مسؤول عنها أمام عائلته‪.(5)"..‬‬
‫__________________________________‬
‫محمد في المدينة ‪ ،‬ص ‪. 422‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 424 - 423‬‬

‫‪57‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 441‬‬


‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 443‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 447‬‬
‫واندر)‪(1‬‬
‫]‪[1‬‬
‫"من خلل معايشتي للمسلمين اكتشفت العلقة الرائعة بين أفراد السرة‬
‫المسلمة‪ ،‬تعّرفت كيف يعامل الباء المسلمون أبناءهم‪ ،‬وعرفت العلقة‬
‫الوثيقة التي تربط أفراد السرة المسلمة‪ ،‬كما أعجبت بالمكانة التي يتمتع بها‬
‫ن بين المسلمين‪ .‬وفي الوقت الذي أجد فيه كبار السن في الغرب‬ ‫س ّ‬
‫كبار ال ّ‬
‫وفي بلدي أمريكا‪ ،‬قمة الحضارة الغربية المادية المعاصرة‪ ،‬يلقى بهم في‬
‫مؤسسات العجزة‪ ،‬وينبذون فل يلتفت إليهم أحد‪ ،‬أجد الجد والجدة المسلمين‬
‫في مركز السرة و بؤرتها من حيث الحفاوة والتكريم‪ .‬لقد أحببت ذلك‬
‫كثيًرا ‪.(2)"..‬‬
‫_________________________________‬
‫)‪ (1‬جاري واندر ‪Gary Wander‬‬

‫)‪(161 /‬‬

‫صحفي أمريكي يعمل في صحفية )كويت تايمز(‪ .‬من مواليد نيويورك‪ .‬نشأ‬
‫في ظل أسرة بروتستانتية‪ .‬تخرج من قسم العلوم السياسية بجامعة‬
‫نيويورك‪ .‬زار عدًدا من البلد العربية حيث وجد نفسه يندفع لعتناق السلم‪.‬‬
‫وهو الن في العقد الرابع من عمره‪.‬‬
‫)‪ (2‬رجال ونساء أسلموا ‪. 106 / 7 ،‬‬
‫الفصل السابع‬
‫الحاضر والمستقبل‬
‫ل كافة مشكلت‬ ‫"ليس هناك أي دين آخر غير السلم لديه المكانية لح ّ‬
‫الناس في العالم الحديث‪ ،‬وهذا هو امتياز السلم وحده‪"..‬‬
‫)السياسي والصحفي الهندي كوفهي لل جابا(‬
‫دوكلس أرثر‬
‫]‪[1‬‬
‫ّ‬
‫"لو أحسن عرض السلم على الناس لمكن به حل كافة المشكلت ولمكن‬
‫تلبية الحاجات الجتماعية والروحية والسياسية للذين يعيشون في ظل‬
‫الرأسمالية والشيوعية على السواء‪ .‬فقد فشل هذان النظامان في ح ّ‬
‫ل‬
‫مشكلت النسان‪ .‬أما السلم فسوف يقدم السلم للشقياء‪ ،‬والمل والهدى‬
‫للحيارى والضالين‪ .‬وهكذا فالسلم لديه أعظم المكانات لتحديث هذا العالم‬
‫وتعبئة طاقات النسان لتحقيق أعلى مستوى من النتاج والكفاية")‪.(1‬‬
‫______________________________________‬
‫)‪ (1‬رجال ونساء أسلموا ‪. 57 / 5 ،‬‬
‫سير توماس ارنولد‬
‫]‪[1‬‬
‫ون القوة الحقيقية للسلم في الهند‪،‬‬ ‫"إن عدم وجود التعصب الطائفي ليك ّ‬
‫دا من الهندوكية")‪.(1‬‬ ‫ويمكن له أن يجذب إليه عدًدا كبيًرا ج ً‬
‫]‪[2‬‬
‫"في سنة ‪ 1867‬عبر كاتب روسي‪ ،‬في كتاب هام كتبه عن السلم في‬

‫‪58‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الصين)‪ (2‬عن الفكرة التي تقول بأن السلم مهيأ لن يصبح الدين القومي‬
‫للمبراطورية الصينية‪ ،‬ولن يقلب تبًعا لذلك الوضاع السياسية في العالم‬
‫سا على عقب")‪.(3‬‬ ‫الشرقي رأ ً‬
‫]‪[3‬‬
‫"كان اعتناق أي دين يخالف ديانة الكنيسة الرثوذكسية في روسيا‪ ،‬أمًرا‬
‫ما في القانون الروسي‪ ،‬ومن ثم توقف السلم عن أي تقدم جديد‪ ،‬إلى‬ ‫محر ً‬
‫أن صدر مرسوم التسامح الديني سنة ‪ .1905‬ومن النتائج التي ترتبت على‬
‫صدور هذا المرسوم في بلد القوقاز‪ ،‬أن دخلت جموع كثيرة في السلم بين‬
‫طوائف البخاز ‪ Abkhazes‬الذين كانوا قد ظلوا فترة طويلة يدينون بالمسيحية‬
‫ما فقط‪ ،‬ولكنهم الن قد أصبحوا مسلمين‪ ،‬في جموع بلغ من ضخامتها أن‬ ‫اس ً‬
‫رجال الكنيسة الرثوذكسية قد أخذ الخوف منهم كل مأخذ حتى أقاموا جمعية‬
‫خاصة تقوم بتوزيع منشورات دينية بينهم‪ ،‬أمل ً في مناهضة النفوذ السلمي")‬
‫‪.(4‬‬
‫]‪[4‬‬
‫"هنالك في الوقت الحاضر عاملن رئيسيان‪ ..‬يعملن على تنشيط الدعوة في‬
‫العالم السلمي‪ .‬أولهما انتعاش الحياة الدينية التي يبدأ تاريخها من حركة‬
‫الصلح الوهابية في القرن الثامن عشر‪ ..‬والتي ترى تأثيرها من حيث هي‬
‫سا في كافة أنحاء أفريقية والهند وأرخبيل المليو‪ ،‬حتى إلى‬ ‫نهضة دينية ملمو ً‬
‫الوقت الحاضر‪ ،‬كما أحيت كثيًرا من الحركات التي أحرزت قصب السبق بين‬
‫أقوى المؤثرات في العالم السلمي‪ .‬وقد أوضحنا كيف أن كثيًرا من البعوث‬
‫قا بتلك الحركة الواسعة النطاق‪ ،‬وأن ما‬ ‫السلمية الحديثة‪ ،‬يرتبط ارتبا ً‬
‫طا وثي ً‬
‫أثارته هذه الحركة من حماسة متقدة‪ ،‬وما سكبته في النظم الدينية القائمة‬
‫من حياة جديدة وما بنته في الدراسة الدينية النظرية وتنظيم الشعائر‬
‫المنسكية من روح دافعة‪ ،‬إن ذلك كله قد عمل على إيقاظ روح السلم‬
‫الفطرية التي جبلت على نشر تعاليم الدعوة‪ ،‬كما عمل على البقاء عليها‪.‬‬
‫وهناك عامل آخر يسير مع هذه الحركة الصلحية جنًبا إلى جنب‪ ..‬ذلك هو‬
‫حركة الوحدة السلمية التي تسعى إلى ربط جميع شعوب العالم السلمي‬
‫حا قوية تدفع إلى القيام‬‫برباط مشترك من المودة والتعاطف‪] ..‬فتهب[ رو ً‬
‫بأعمال نشر الدعوة‪ ،‬وإن الجهد الذي يحقق في الحياة الدنيا المثل السلمي‬
‫العلى في أخوة المؤمنين كافة لينعكس على مثل العقيدة العليا المكملة‬
‫وأن معنى وحدة شاملة وحياة مشتركة تجري في هذه الشعوب‪ ،‬لينفخ في‬
‫حا وحياة‪ ،‬ويخلق فيها الجرأة على التحدث بين يدي‬ ‫قلوب المؤمنين رو ً‬
‫الكفار‪ .‬أما معرفة ما ستحدثه هاتان الحركتان من تأثير أبعد مدى في حياة‬
‫الدعوة السلمية فإن المستقبل وحده كفيل ببيان ذلك‪ .‬على أن مجرد‬
‫نشاطهم في الوقت الحاضر دليل على أن السلم لم يمت‪ .‬ولم يكن النشاط‬
‫دا من الناس‪ ،‬متمشًيا مع سلطانه‬ ‫الروحي للسلم‪ ،‬كما زعم عدد كبير ج ً‬
‫السياسي‪ ،‬بل على العكس من ذلك‪ ،‬نجد فقدان السلطة السياسية والنتصار‬
‫المادي‪ ،‬يعمل على إبراز أجمل الصفات الروحية التي تعد أصدق البواعث‬
‫التي تحفز على القيام بأعمال الدعوة‪ .‬وقد تعلم السلم منافع الشدائد‪ ،‬ولما‬
‫دا كل البعد عن النحدار إلى الرخاء المادي لكونه نذير انحلل هذا‬ ‫كان بعي ً‬
‫الدين‪ ،‬كان من المهم أن تلك البلد السلمية الخالصة‪ ،‬التي عاشت أطول‬
‫طا في القيام‬‫وقت في ظل الحكم المسيحي‪ ،‬تتجلى كأشد ما تكون نشا ً‬
‫بنشر تعاليم الدعوة‪ .‬ويظهر مسلمو الهند والمليو من الحماس والغيرة في‬
‫نشر الدين ما ل نجده في تركيا أو في مراكش")‪.(5‬‬

‫‪59‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫______________________________________‬
‫الدعوة إلى السلم ‪ ،‬ص ‪. 327‬‬

‫)‪(162 /‬‬

‫‪Vasiper(V.P.): Spread of Mohammedan Faith in China, PP. 3, 5, 14, 17‬‬


‫‪. .((Petesburg, 1867‬‬
‫الدعوة إلى السلم ‪ ،‬ص ‪. 347‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 122‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 469 – 468‬‬
‫ج‪ .‬ك‪ .‬برغ‬
‫]‪[1‬‬
‫"مما يعني الباحثين في السلم في إندونيسيا عناية خاصة أن تأثير شعور‬
‫ضا في حركات كثيرة وأظهر ما‬ ‫الوحدة السلمية القديم يمكن أن يتجلى أي ً‬
‫يكون هذا في حركة شعبية مثل )شركة إسلم( التي زاد عدد أعضائها على‬
‫مليونين في بعض الحيان‪ ،‬وإن تاريخها ليبّين أنها تكونت من عناصر غير‬
‫متجانسة وأن هذه العناصر لم تشعر قط بما بينها من اختلف")‪.(1‬‬
‫]‪[2‬‬
‫"‪ ..‬أن أفكاًرا أوروبية مخالفة في جوهرها للفكار التي كانت سائدة قبل ذلك‬
‫وجدت لها مكاًنا خفًيا في مراكز العالم السلمي‪ ..‬وأحدثت عملية انحلل‬
‫انتهت في ميدان السياسة بتكوين ممالك صغرى مشربة بالروح الوروبية‪..‬‬
‫وأصبحت المة السلمية على وشك التمزق‪.(2)"..‬‬
‫]‪[3‬‬
‫"أن التعليم على السلوب الوروبي الجديد – وهو غريب عن روح السلم‬
‫غرابته عن روح المسيحية – يضع وهو صامت بذور انحلل أكثر مما حدث")‬
‫‪.(3‬‬
‫______________________________________‬
‫وجهة السلم )بإشراف كب(‪ ،‬ص ‪. 14‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 200‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 201‬‬
‫مارسيل بوازار‬
‫]‪[1‬‬
‫"‪ ..‬هاهو السلم يؤكد طموحه السياسي على المستوى العالمي ويتابع‬
‫انتشاره بانتظام‪ ،‬ول سيما في أفريقيا السوداء‪ .‬وإذا ُنظر إلى قيام السلم‬
‫ووحدته‪ ،‬تبين أنه ليس مجرد جسم مّيت نقشت عليه ذكرى ماضي مجيد‪،‬‬
‫قا")‪.(1‬‬
‫يح ً‬ ‫وإنما هو واقع ح ّ‬
‫]‪[2‬‬
‫"‪ ..‬يتمثل الذي يجد فيه العالم السلمي المعاصر نفسه في قدرته‪ ..‬على‬
‫إيجاد الوسائل اللزمة لتحقيق )نهضة( فكرية وسياسية‪ ،‬ول يمكن أن تقوم‬
‫هذه النهضة من دون السلم‪.(2)"..‬‬
‫]‪[3‬‬
‫"‪ ..‬يظهر أن التغيير السياسي – الجتماعي اللزم للتكيف مع العالم العصري‬
‫طا‪ ،‬بشكل واسع‪ ،‬بقيام )نهضة( دينية‪ ،‬لن السلم الراشد يرفض‬ ‫يظل مشرو ً‬
‫فصل الروحي عن الزمني")‪.(3‬‬

‫‪60‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]‪[4‬‬
‫ّ‬
‫"ثبت أن السلم روح كل مقاومة يبديها شعب مغلوب سياسًيا‪ ..‬ومحك كل‬
‫مقاومة‪ ..‬وفي أفريقيا ساهم الدين في إقامة مجتمع جديد خارج النطاق‬
‫القبلي أكثر جدارة بمقاومة التأثير الجنبي‪ .‬وفي آسيا تماسك السلم المرن‬
‫ونما في وجه النفوذ الستعماري‪ ..‬وقد حمل السلم في أكثر الحيان راية‬
‫الصراع مع الستعمار")‪.(4‬‬
‫]‪[5‬‬
‫عا على الجهر بأنه ل يمكن اعتبار السلم مسؤول ً عن‬ ‫"‪] ..‬إن[ هناك إجما ً‬
‫جمود العالم السلمي الطويل وانحطاطه الواضح‪ .‬بل تعزى المراض‬
‫الحاضرة على العكس من ذلك إلى المسلمين الذين أهملوا العيش وفق‬
‫مبادئ دينهم‪ .‬وإذا كانوا قد فقدوا الرخاء المادي الذي كانوا ينعمون به‬
‫تاريخًيا‪ ،‬فلنهم بالتحديد أهملوا التقيد بـ )نصف الشريعة اللهية( ولكشف‬
‫ح على الطابع العقلني‬ ‫النقاب الذي انسدل على العالم السلمي ينبغي أن نل ّ‬
‫سّنة النبوية‪ .‬فحين‬
‫الكامل للتنزيل وعلى الطاقات اللمحدودة الكامنة في ال ّ‬
‫ض على التفكير‬ ‫كان المسلمون يحيون حسب إرشادات الدين التي تح ّ‬
‫وتشجع الروح النقدي‪ ،‬أثبت السلم أنه حامل مشعل التقدم والرقي")‪.(5‬‬
‫______________________________________‬
‫إنسانية السلم ‪ ،‬ص ‪. 35‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 75‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 78‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 301 – 300‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 305‬‬
‫أرنولد توينبي‬
‫]‪[1‬‬
‫"أما حركة التغريب المتطرفة التي قادها مصطفى كمال أتاتورك‪ ،‬فإننا نشك‬
‫فيما إذا كان بعد نظر أتاتورك الخيالي‪ ،‬وقدرته الشيطانية الموجهة قادرين‬
‫وحدهما على زحزحة التراك من وضعهم المحافظ القديم‪ ،‬لو لم يواجه‬
‫التراك بعد الحرب العالمية الولى اختياًرا صعًبا ل يمكن الهروب منه‪ :‬إما‬
‫تغريب بدون تحفظ‪ ،‬وإما فناء محقق! والحقيقة أن الهجوم الغربي المعاكس‬
‫على العالم السلمي‪ ..‬قد تأثر إلى حد كبير بالذكريات المرة التي كان‬
‫يحملها الغربيون عن البسالة العسكرية المشهودة عند التراك والشعوب‬
‫السلمية الخرى")‪.(1‬‬
‫"الن‪ ،‬بعد أن طويت المسافات بتقدم التقنية الغربية‪ ،‬وفي الوقت الذي‬
‫تتنافس فيه طرق الحياة الغربية مع طريقة الحياة الروسية لكسب ولء‬
‫البشرية كلها‪ ،‬الن يظهر أن التقليد السلمي في أخوة النسان للنسان هو‬
‫مثل أعلى يوافق حاجات العصر الجتماعية وهو أفضل من التقليد الغربي‬
‫الذي أدى إلى قيام عشرات الدول الصغيرة ذات السيادة‪ .‬وفي الواقع‬
‫الحاضر الذي يجد الغرب نفسه فيه منذ الحرب العالمية الثانية‪ ،‬نرى أن‬
‫دد بانهيار البيت كله‬
‫تجزئته إلى أكثر من أربعين دولة مستقلة ذات سيادة يه ّ‬
‫على من فيه‪ ،‬بسبب انقسامه هكذا على نفسه‪ .‬ومن المأمول أن يستطيع‬
‫العالم السلمي‪ ،‬على كل حال‪ ،‬إيقاف انتشار هذا الداء السياسي الغربي‪..‬‬
‫وذلك عن طريق الشعور السلمي القوي بالوحدة")‪.(2‬‬
‫]‪[3‬‬

‫‪61‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(163 /‬‬

‫ما الطريق التي‬ ‫"ليس من الضروري للدول السلمية الخرى أن تتبع تما ً‬
‫سلكها )الرّواد( التراك‪ .‬هناك مثل ً الدول السلمية الناطقة بالعربية حيث‬
‫اللغة المشتركة المتكلمة بلهجات مختلفة ولكنها تكتب بأسلوب أدبي لغوي‬
‫واحد من شواطئ المحيط الطلسي في مراكش إلى الحدود الغربية ليران‪،‬‬
‫ومن حلب والموصل في الشمال إلى الخرطوم وعدن ومسقط وزنجبار في‬
‫الجنوب‪ ..‬لن اللغة العربية هي لغة الدين حتى في البلد السلمية التي ل‬
‫قا أن يتفتت العالم العربي‬ ‫تتكلم العربية كلغة أصلية‪ .‬فهل من الضروري ح ً‬
‫كما تفتت المبراطورية السبانية في أمريكا‪ ..‬إلى عشرين دولة مستقلة عن‬
‫بعضها تعيش في قوالب ضعيفة )غربية( النمط؟!‪ ..‬هذا هو الوجه الثاني‬
‫قا أن تقلده الشعوب الناطقة‬ ‫الكالح لحضارتنا الغربية‪ ،‬ومن المؤسف ح ً‬
‫ما")‪.(3‬‬
‫دا تا ً‬
‫بالعربية تقلي ً‬
‫]‪[4‬‬
‫"إن باستطاعتنا أن نميز بعض مبادئ السلم التي إذا طبقت في الحياة‬
‫الجتماعية للبروليتاريا العالمية الحديثة‪ ،‬يمكن أن تأتي بنتائج حسنة مفيدة‬
‫لهذا المجتمع الكبير في المستقبل القريب‪ .‬هناك مصدران ظاهران من‬
‫مصادر الخطر‪ ،‬الول نفسي والثاني مادي في العلقات الحاضرة بين‬
‫البروليتاريا العالمية وبين الفئة الحاكمة في مجتمعنا الغربي‪ ،‬ومصدر الخطر‬
‫هذان هما )‪ (1‬التمييز العنصري‪ (2) ،‬الخمر‪ .‬وفي مجال الصراع ضد هذين‬
‫سمح له بتأدية هذا‬‫شرين نجد للفكر السلمي دوًرا يؤديه ويبرهن فيه – إذا ُ‬ ‫ال ّ‬
‫الدور – عن قيم اجتماعية وأخلقية سامية‪ .‬فعدم وجود التمييز العنصري بين‬
‫المسلمين هو أحد أبرز النجازات الخلقية للسلم‪ ،‬والعالم المعاصر في‬
‫وضعه الراهن بحاجة ماسة لنشر هذه الفضيلة السلمية‪ ..‬إن قوى التسامح‬
‫العنصري ذات أهمية ضخمة للنسانية وهي الن‪ ،‬على ما يظهر‪ ،‬تخوض‬
‫معركة خاسرة على الصعيد الفكري إل أنها قد تتمكن من الغلبة إذا ساندها‬
‫ونزل إلى جانبها في المعركة رصيد من النفوذ القوي المناضل الذي لم يزل‬
‫حتى الن احتياطًيا‪ .‬والذي أتصوره أن روح السلم ستكون التعزيز المناسب‬
‫الذي سيقرر مصير هذه المعركة لمصلحة التسامح والسلم")‪.(4‬‬
‫]‪[5‬‬
‫"صحيح أن الوحدة السلمية نائمة‪ ،‬ولكن يجب أن نضع في حسابنا أن النائم‬
‫قد يستيقظ إذا ثارت البروليتاريا العالمية للعالم المتغّرب ضد السيطرة‬
‫الغربية‪ ،‬ونادت بزعامة معادية للغرب‪ ،‬فقد يكون لهذا النداء نتائج نفسانية ل‬
‫حصر لها في إيقاظ الروح النضالية للسلم‪ ،‬حتى ولو أنها نامت نومة أهل‬
‫الكهف‪ ،‬إذ يمكن لهذا النداء أن يوقظ أصداء التاريخ البطولي للسلم‪ .‬وهناك‬
‫مناسبتان تاريخيتان كان السلم فيهما رمز سموّ المجتمع الشرقي في‬
‫انتصاره على الدخيل الغربي‪ :‬ففي عهد الخلفاء الراشدين ]رضي الله عنهم[‪،‬‬
‫بعد الرسول ]صلى الله عليه وسلم[ حّرر السلم سوريا ومصر من السيطرة‬
‫اليونانية التي أثقلت كاهلهما مدة ألف عام تقريًبا‪ .‬وفي عهد )نور الدين(‬
‫و)صلح الدين( و)المماليك( احتفظ السلم بقلعته أمام هجمات الصليبيين‬
‫والمغول‪ .‬فإذا سّببه الوضع الدولي الن حرًبا عنصرية‪ ،‬يمكن للسلم أن‬
‫يتحرك ليلعب دوره التاريخي مرة أخرى")‪.(5‬‬
‫______________________________________‬
‫السلم والغرب والمستقبل ‪ ،‬ص ‪. 18‬‬

‫‪62‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نفسه ‪ ،‬ص ‪28‬‬ ‫‪.‬‬


‫نفسه ‪ ،‬ص ‪29‬‬ ‫– ‪. 30‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪62‬‬ ‫‪. 64 ،‬‬
‫نفسه ص ‪739‬‬ ‫‪.‬‬
‫كوفهي لل جابا‬
‫]‪[1‬‬
‫"‪ ..‬أن السلم بوسعه تلبية كافة حاجات النسان في العصر الحاضر‪ ،‬فليس‬
‫هناك أي دين كالسلم يستطيع أن يقدم أنجح الحلول للمشكلت والقضايا‬
‫المعاصرة‪ .‬فمثل ً أشد ما يحتاج إليه العالم اليوم الخوة والمساواة‪ ،‬وهذه‪،‬‬
‫وجميع الفضائل ل تجتمع إل في السلم لن السلم ل يفاضل بين الناس إل‬
‫على أساس العمل والبذل")‪.(1‬‬
‫]‪[2‬‬
‫"‪ ..‬في عالمنا اليوم هناك دعوة لحقوق النسان‪ ،‬ننظر إلى ما حولنا فماذا‬
‫مرت‪ ،‬بينما نجد السلم يمنح كافة الحقوق‬ ‫نجد؟ نجد العلقات السرية وقد د ّ‬
‫للمرأة‪ ،‬ويقيم عقد الزواج على أساس عقد حكيم عادل بين طرفين‬
‫ما عن المجتمع‬ ‫متكافئين أن مشكلت المهات غير المتزوجات غريبة تما ً‬
‫السلمي‪ ،‬إذ إن السلم قد وضع عقوبات صارمة لجريمة الزنا على العكس‬
‫من القوانين الحديثة التي تتساهل كثيًرا في ذلك‪ ،‬ومن هنا نجد المجتمع‬
‫فا طاهًرا من كل ذلك")‪.(2‬‬ ‫السلمي نظي ً‬
‫]‪[3‬‬
‫"إن السلم هو أفضل دين للبشرية‪ ،‬فبينما نجد أماكن العبادة في الديان‬
‫الخرى خاوية في أغلب الحيان‪ ،‬نرى أن المساجد تزخر بالمؤمنين وخاصة‬
‫من الشباب الذين يعبدون الله خمس مرات في اليوم بأعداد كبيرة‪ ،‬وهذا‬
‫ما في الماضي‪.‬‬ ‫ما كما كان دائ ً‬
‫أكبر دليل على أن السلم ل يزال بخير تما ً‬
‫فالسلم يتغلغل في حياة المسلم بكل تفاصيلها‪ ،‬بل له الكلمة الفصل في‬
‫كل نشاط يقوم به المسلم وليس هناك أي دين آخر غير السلم لديه‬
‫المكانية لحل كافة مشكلت الناس في العالم الحديث‪ ،‬وهذا هو امتياز‬
‫السلم وحده")‪.(3‬‬
‫______________________________________‬
‫رجال ونساء أسلموا ‪. 103 – 102 / 6 ،‬‬
‫نفسه ‪. 103 / 6 ،‬‬

‫)‪(164 /‬‬

‫نفسه ‪. 104 – 103 / 6 ،‬‬


‫دانكوس)‪(1‬‬
‫]‪[1‬‬
‫دده‪ ،‬حقيقة‬‫"إن استمرار الشعور الديني في التحاد السوفيتي‪ ،‬أو تج ّ‬
‫اجتماعية ثقافية‪ُ ،‬تقّر بها السلطات السوفيتية ويلحظها المراقبون الجانب‬
‫والسلطة تنظر إلى هذه الحقيقة من وجهتين‪ ،‬فهي تارة تعتبرها مدعاة‬
‫للفتخار على أنها الدليل الملموس على موقفها المنفتح والديمقراطي تجاه‬
‫جميع المعتقدات الخاصة‪ ،‬وطوًرا تبدي تجاهها بعض القلق‪ ،‬وحينها تجّند‬
‫أجهزتها المختصة في الدعاية المعادية للدين‪ ،‬وتشتد الحملت اللحادية‪،‬‬
‫وتتضاعف في الصحف الدعوة إلى التيقظ والحذر‪ ،‬ويعاد إلى أذهان المربين‬

‫‪63‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أن المهمة الولى للمدرسة هي في إنشاء شيوعيين‪ ،‬أي في إبعاد مواطني‬


‫المستقبل السوفيتيين عن الفكار الرجعية ]!![ الخطرة والمعادية للشيوعية‪،‬‬
‫التي تنقلها الديانات‪ .‬وتؤكد النشرات المعادية للدين بصورة متزايدة‪ ،‬قابلية‬
‫الديانات للستمرار والتأقلم مع المجتمع الذي بدلته الشتراكية‪ ،‬بعد أن كانت‬
‫هذه النشرات تكتفي في الماضي القريب‪ ،‬بمهاجمة الديانات وتتنبأ بزوالها‬
‫الحتمي ]!![ وقد بدأت السلطة السوفيتية تدرك مدى جاذبية الطقوس‬
‫الدينية في مجتمع تسود فيه الرتابة‪ ،‬وكيف بدأت الخلق الدينية تخطط‬
‫قا إلى جانب الخلق الشتراكية‪ ،‬ل بل في محلها في مجتمع ما‬ ‫لنفسها طري ً‬
‫زاده التحضير ميل ً إلى الجنوح")‪.(2‬‬
‫]‪[2‬‬
‫"‪ ..‬أن جميع المعلومات ]السوفيتية الرسمية[ تتضافر لتوحي بأن السلم‬
‫يحتضر ببطء في التحاد السوفيتي‪ ،‬مع احتضار الجيل الذي لم ينشأ على‬
‫اليديولوجية السوفيتية‪ .‬ولكن معلومات مضادة ل تلبث أن تناقض هذه‬
‫الصورة‪ ،‬فالتحقيقات الجتماعية المتزايدة في التحاد السوفيتي حول هذا‬
‫قا بمعتقداته‪ ،‬وأن ما‬‫الموضوع‪ ،‬تبين أن المجتمع السلمي ل يزال متعل ً‬
‫يقارب نصف الشخاص الذين جرى استجوابهم في الوسط الريفي صرحوا‬
‫قا أجري عام ‪1972‬‬ ‫بتمسكهم باليمان‪ .‬وعلى سبيل المثال نورد تحقي ً‬
‫ل هذا التحقيق على أن ‪%23‬‬ ‫بجمهورية كاراكالبك الملحقة بأزبكستان‪ ،‬وقد د ّ‬
‫من الرجال و ‪ %20‬من النساء يعلنون عن إلحادهم‪ ،‬فيكون ‪ %77‬من الذكور‬
‫و ‪ %80‬من الناث مؤمنين‪ ..‬وفي شمال القوقاس أعلن ‪ %20‬فقط من‬
‫السكان عن كونهم ملحدين )عام ‪] ..(1974‬هذا رغم[ أن الباحثين في‬
‫ظا من قبل السكان في الكشف عن‬ ‫الوساط السلمية يلحظون غالًبا تحف ً‬
‫حقيقة إيمانهم‪.(3)"..‬‬
‫]‪[3‬‬
‫دا فهو‪،‬‬‫"هنالك خاصية ثانية للسلم تزيد الوضع ]في التحاد السوفيتي[ تعقي ً‬
‫على نقيض المسيحية التي تفصل بين أمور الدين وأمور الدنيا‪ ،‬يجمع بين‬
‫المجالين‪ .‬فالعقيدة السلمية‪ ،‬وهي ثمرة القرآن والسنة‪ ،‬تفرض على‬
‫المؤمنين وجود مؤسسات خاصة‪ ،‬مهمتها الشراف على الحياة الجتماعية‪.‬‬
‫والدولة السوفيتية‪ ،‬في برنامجها التأحيدي ]الذي يستهدف فرض إيدلوجية‬
‫واحدة[ لم يكن باستطاعتها أن توافق على وجود نظام خاص للطائفة‬
‫السلمية‪ ،‬فألغت في أوائل سني استلمها السلطة‪ ،‬العناصر الساسية فيه‪،‬‬
‫أي النظام القانوني والمؤسسات الشرعية والسس المالية المعتمدة‪ .‬وبعد‬
‫أن جعلت الديانة السلمية ديانة أفراد معينين ل ديانة طائفة‪ ،‬وبعد أن حرمت‬
‫من مؤسساتها‪ ،‬ونزعت منها أمور الدنيا‪ ،‬هل بقي لها وجود منظم أم هي‬
‫أضحت هيكل ً ل يلبث أن يتفتت مع غياب آخر فوج من المؤمنين؟ هنالك وقائع‬
‫كثيرة وساطعة تشهد بأن التشاؤم فيما يتعلق بمستقبل السلم كان يمكن‬
‫القبول به في الماضي القريب‪ ،‬ولكنه اليوم لم يعد له من أساس‪ ،‬بل على‬
‫العكس‪ ،‬فهذه الوقائع توحي بأن السلم يبعث من جديد‪ ،‬وفي ظروف‬
‫جديدة‪ ،‬وأن هذا البعث المرتكز إلى وجود واع وإرادي ل إلى وجود‬
‫استمراري‪ ،‬تدعمه وتوجهه المراجع السلمية العليا‪.(4)"..‬‬
‫]‪[4‬‬
‫"‪ ..‬نجد في صحف الجمهوريات السلمية عدة إشارات‪ ..‬يفهم منها أن‬
‫التضامن السلمي ]في التحاد السوفيتي[ بات في ازدياد‪ ،‬وأن المؤمنين‬
‫أضحى لهم تأثير متصاعد على السكان غير الممارسين لدينهم‪.(5)"..‬‬

‫‪64‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫______________________________________‬
‫)‪ (1‬هيلين كارير دانكوس ‪Helene Carrere d' Encansse‬‬
‫باحثة فرنسية معاصرة‪ ،‬وهي واحدة من أبرز الخبراء في شؤون )الماركسية‬
‫السيوية(‪ ،‬وقد صدر كتابها )القوميات والدولة السوفياتية( في باريس عام‬
‫‪ 1987‬فأثار ضجة ما تزال مستمرة وترجم فوًرا إلى عدد من اللغات الحية‪.‬‬
‫القوميات والدولة السوفييتية ‪ ،‬ص ‪. 143‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 147‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 149‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 151‬‬
‫إميل درمنغم‬
‫]‪[1‬‬
‫"‪ ..‬كان النحطاط السياسي والجتماعي موازًيا لنسيان مبادئ السلم‬
‫الصحيح مع أنه لم ينشأ عنها‪ ،‬واليوم يظهر أن المم السلمية تنهض وهي‬
‫تستطيع أن تمثل دوًرا كبيًرا فتكون أداة وصل بين الغرب والشرق القصى‬
‫وتكون ذخًرا من أذخار العالم القديم‪.(1)"..‬‬
‫______________________________________‬
‫)‪ (1‬حياة محمد ‪ ،‬ص ‪. 372 371‬‬
‫هنري دي كاستري‬
‫]‪[1‬‬

‫)‪(165 /‬‬

‫من[ )وازيليف( وهو من الذين‬ ‫"‪ ..‬أن للمسلمين في الصين منزلة علية‪] .‬ويخ ّ‬
‫اشتغلوا بالسلم في تلك النواحي أن مصيره القيام مقام مذهب )بوذا( وأن‬
‫ما بأن السلم لبد ّ أن يسود حتى تزول به تلك‬ ‫لمسلمي ]الصين[ اعتقاًدا جاز ً‬
‫الديانة القديمة البوذية‪ ،‬وهي مسألة من أهم المسائل‪ ،‬إذ الصين آهلة بثلث‬
‫ما في حالة‬ ‫العالم أو تزيد‪ ،‬فلو صاروا كلهم مسلمين لوجب ذلك تغييًرا عظي ً‬
‫تلك البلد بأجمعها فيمتد شرع محمد ]صلى الله عليه وسلم[ من جبل طارق‬
‫إلى المحيط الكبر الهادي ويخشى على الدين المسيحي مرة أخرى ومعلوم‬
‫أن أمة الصين أمة عاملة وإن هدأت أخلقها وجميع المم تستفيد الن من‬
‫عملها فلو جاءها التعصب السلمي ذو البأس القوي لخشيت بقية المم من‬
‫السقوط تحت سلطانها)‪ .(1‬وقال )مسيو مونتيه( لقد صار من المحقق أن‬
‫السلم ظافر ل محالة على غيره من الديان التي تتنازع البلد الصينية")‪.(2‬‬
‫]‪[2‬‬
‫"قال )مسيو مونتيه(‪ :‬أن أكثر انتشار السلم في أفريقيا فهو يتقدم فيها‬
‫حا كلًيا لن أزر المسلمين فيها مشدود بما لهم من‬ ‫ما سريًعا وينجح نجا ً‬
‫تقد ً‬
‫المكنة في الجهة الشمالية‪ ..‬فل ينازع الدين السلمي دين غيره لذلك يكثر‬
‫عددهم وينمو الدين على الدوام")‪.(3‬‬
‫]‪[3‬‬
‫"أن السلم يبرهن على قوته وحياته باكتساب الوثنيين في أواسط أفريقيا‬
‫وتجنيدهم تحت راية القرآن‪ .‬وله كذلك في الشمال الشرقي من بلد الزنج‬
‫وفي السودان ما يدل على قوته الغريبة وسيره المدهش‪ .‬إذ قامت مملكتان‬
‫قويتان مملكة المهدي ومملكة إمام جغبون ]السنوسية[ منذ خمسين سنة‬
‫على هيئة حكومات تشخص الحكومة الدينية التي أرادها النبي السلمي‬

‫‪65‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]صلى الله عليه وسلم[ كذلك توجد في الزاوية المقابلة لهاتين المملكتين‬
‫مملكة ثالثة في شمال أفريقيا وهي على نسقها ول تزال تقاوم هجمات‬
‫الديانات المسيحية ظافرة عليها ونعني بها مملكة مراكش‪.(4)"..‬‬
‫]‪[4‬‬
‫صر بواسطة المرسلين واستحالة إخضاعهم‬ ‫"إن استعصاء المسلمين على التن ّ‬
‫صرهم‪ .‬والمرسلون من الكاثوليك هم‬ ‫بالقوة‪ ،‬هما السببان اللذان يعترضان تن ّ‬
‫أول المعرفين بوجوب العدول عن الوعظ مباشرة ولكنهم مع ذلك متمسكون‬
‫برسالتهم فلم يملوا من الجهاد في سبيلها أمام صلبة السلم‪ ..‬ولكنهم لم‬
‫قا‪ ،‬وهم إنما يزرعون البعد عن الدين مع‬ ‫يحوموا حول مسألة الدين مطل ً‬
‫كونهم من الحبار ]وعلى الرغم[ من أنهم لم ينجحوا في إدخال النجيل بين‬
‫العرب فقد كانوا من أحسن الوسائل لنشر نفوذ الدولة الفرنساوية‪.(5)"..‬‬
‫]‪[5‬‬
‫"مضى على السلم في الجزائر نصف قرن لم يؤثر فيه الحتلل الفرنساوي‪،‬‬
‫]بسبب[ مقاومة الطوائف الدينية في تلك البلد‪ ،‬ولو أن تلك الطوائف تعرف‬
‫من نفسها اقتداًرا على قذفنا في البحر لتقيم بعدنا مملكة إسلمية جامعة‬
‫)بين السلطتين الدينية والسياسية( لقتحمت الخطار وقلبت الحكومة‬
‫دا لذلك هم يقصرون مساعيهم على إحياء‬ ‫المسيحية ولكنهم يرون الغرض بعي ً‬
‫كا بمبدئها هي‬‫روح البغضاء في نفوس تابعيهم‪ ..‬وأكبر الطوائف وأشدها تمس ً‬
‫طائفة السنوسية وهي التي يخشى منها أكثر من غيرها ولها شيخ ذو دهاء‬
‫ينظر إليه البعض كجامع وحدة السلم‪ ،‬وهو رجل رأى أنه يضعف عن مقاومة‬
‫الحكومة الفرنساوية في الجزائر مقاومة صريحة فعدل عن فتح الجزائر إلى‬
‫فتح أرض غيرها للسلم‪ ،‬وعلم سيدي السنوسي ما أحزن المسلمين من‬
‫حكم المسيحيين‪ ..‬فناداهم أن اخرجوا من دياركم إن أرض الله واسعة‪..‬‬
‫وانتقل إلى صحراء ليبيا الشاسعة حيث لحق به الواردون من كل مكان رغم‬
‫جفاء الصحراء‪.(6)"..‬‬
‫______________________________________‬
‫السلم‪ :‬خواطر وسوانح‪ ،‬ص ‪) 88 – 87‬عن مسيو دابري‪ :‬الديانة المحمدية‬
‫في الصين وتركستان الشرقية‪ ،‬باريس ‪.(1878‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص ‪) 88‬عن مجلة تاريخ الديانات‪ ،‬عدد شهري مايو ويونيو‪ ،‬سنة‬
‫‪.(1883‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 89 – 88‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 100‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 104‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 114 – 113‬‬
‫اتيين دينيه‬
‫]‪[1‬‬
‫"‪ ..‬ليس من الجرأة أن يظن أنه إذا هدأت الزوبعة المروعة القائمة ضد‬
‫السلم‪ ،‬وضمن هو الحترام لكل الشعوب والديانات‪ ،‬أنه سيرى مستقبل ً‬
‫حافل ً بأعظم المال وأعلها شأًنا‪ .‬فإذا ما دخل في الحضارة الوروبية بفضل‬
‫اشتراكه العظيم في الحوادث‪ ..‬سيتضح سناه الحقيقي‪ ،‬وستعرف المم‬
‫المختلفة حقيقته التي حجبت عنهم زمًنا‪ ،‬وسيمد الكل أيديهم لمحالفته‬
‫متنافسين في ذلك‪ ،‬لن قيمته قد خبروها وعرفوا ما يستكن فيه من وسائل‬
‫القوة التي ل حد لها ول نفاذ‪ .‬ولو نهض أتباع محمد عليه السلم وأفاقوا من‬
‫سباتهم العميق لرجع لهم عزهم السالف وتاريخهم المجيد وصاروا أمة ل‬

‫‪66‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تعرف الجور في معاملتها لكل رعاياها‪ ..‬وتبوأوا مكانهم الذي يليق بمجدهم‬
‫إن شاء الله")‪.(1‬‬
‫______________________________________‬
‫)‪ (1‬محمد رسول الله ‪ ،‬ص ‪. 346 – 345‬‬
‫جورج سارتون‬
‫]‪[1‬‬

‫)‪(166 /‬‬

‫"‪ ..‬أن شعوب الشرق الوسط قد سبق لها أن قادت العالم في حقبتين‬
‫طويلتين‪ ،‬طوال ألفي سنة على القل قبل اليونان‪ ،‬ثم في العصور الوسطى‬
‫مدى أربعة قرون على القل‪ .‬من أجل ذلك ليس ثمة ما يمنع تلك الشعوب‬
‫من أن تقود العالم ثانية في المستقبل القريب أو البعيد")‪.(1‬‬
‫]‪[2‬‬
‫"ليس ما يمنع الشعوب العربية اليوم من أن تباري أسلفها وأن تستعيد ثانية‬
‫مكانتها الولى في قيادة العالم‪ .‬ومع أن ذلك ليس سهل ً – ثم هو يصبح أشد‬
‫ما بعد يوم – فإنه ممكن")‪.(2‬‬ ‫صعوبة يو ً‬
‫]‪[3‬‬
‫ما على الطلق‪ ،‬بل تأخر‬ ‫ً‬ ‫تقد‬ ‫ليس‬ ‫وهو‬ ‫مر‪،‬‬
‫ّ‬ ‫مد‬ ‫الخالص‬ ‫المادي‬ ‫التقدم‬ ‫أن‬ ‫"‪..‬‬
‫أساسي‪ .‬أن التقدم الصحيح – ومعناه تحسين صحيح لحوال الحياة – ل يمكن‬
‫أن يبنى على وثنية اللت ول على العتلت‪ ،‬ولكن يجب أن يقوم على الدين‬
‫وعلى الفن‪ ،‬وفوق ذلك كله‪ ،‬على العلم‪ ،‬العلم الخالص‪ ،‬على محبة الله‪ ،‬على‬
‫محبة الحقيقة‪ ،‬وعلى حب الجمال وحب العدل‪ .‬وهذا يبدو لنا جلًيا حينما نلقي‬
‫ما في التاريخ؟‬ ‫نظرة واحدة إلى الوراء‪ .‬من هم أولئك الذين كانوا رجال ً عظا ً‬
‫من هم أولئك الذين أحسنوا إلينا؟ ومن هم أولئك الرجال الذين نحن مدينون‬
‫لهم بمسرات حياتنا ونعمها؟ لقد كانوا رجال ً أمثال أفلطون وأرسطو‬
‫وإقليدس وأرخميدس في تاريخ اليونان‪ .‬أما في أثناء العصور الوسطى فكانوا‬
‫رجال ً من أمثال الفارابي وابن سينا وابن الهيثم والبيروني والغزالي وابن‬
‫حا حينما‬‫رشد وموسى بن ميمون وأبي الفداء وابن خلدون‪ ..‬إن ما نراه واض ً‬
‫ضا حينما نمد نظرنا إلى المام‬ ‫حا أي ً‬
‫نلقي نظرة إلى الوراء يجب أن يكون واض ً‬
‫فيهدي خطانا إلى المستقبل")‪.(3‬‬
‫]‪[4‬‬
‫ضا‪ ،‬ولكن من الممكن أن تنقلب عند أهل الجدل شًرا‬ ‫"أن المدنية ليست مر ً‬
‫وفساًدا والمدنية ليست شرقية ول غربية‪ ،‬وليس مكانها في واشنطن أكثر‬
‫مما هو في بغداد‪ .‬إنما يمكن أن تكون في كل مكان يكون فيه رجال‬
‫صالحون ونساء صالحات يفهمونها ويعرفون كيف يستفيدون منها من غير أن‬
‫يسيئوا استعمالها‪ .‬والشرق الوسط كان مهد الثقافة ومنه جاءت أسباب إنقاذ‬
‫العالم في أثناء العصور الوسطى حينما بدأ الستار الحديدي في أوروبة‬
‫يشطر العالم شطرين الرثوذكسي والكاثوليكي‪ .‬وها نحن اليوم ننظر إلى‬
‫ماضي الشرق الوسط بعين من عرفان الجميل ثم نرنو إلى مستقبله بعين‬
‫من المل الحلو")‪.(4‬‬
‫______________________________________‬
‫الثقافة الغربية في رعاية الشرق الوسط ‪ ،‬ص ‪. 69‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 70‬‬

‫‪67‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 73 – 72‬‬


‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 75 – 74‬‬
‫لوثروب ستودارد‬
‫]‪[1‬‬
‫"فيما العالم السلمي مستغرق في هجعته ومدلج في ظلمته‪ ،‬إذا بصوت قد‬
‫يدوي من قلب صحراء شبه الجزيرة‪ ،‬مهد السلم‪ ،‬يوقظ المؤمنين ويدعوهم‬
‫إلى الصلح والرجوع إلى سواء السبيل والصراط المستقيم‪ ،‬فكان الصارخ‬
‫هذا الصوت إنما هو المصلح المشهور محمد بن عبد الوهاب الذي أشعل نار‬
‫الوهابيين فاشتعلت واتقدت واندلعت ألسنتها إلى كل زاوية من زوايا العالم‬
‫السلمي‪ .‬ثم أخذ هذا الداعي يحض المسلمين على إصلح النفوس واستعادة‬
‫المجد السلمي القديم والعز التليد‪ ،‬فتبدت تباشير صبح الصلح ثم بدأت‬
‫اليقظة الكبرى في عالم السلم")‪.(1‬‬
‫]‪[2‬‬
‫"الجامعة السلمية بمعناها الشامل ومفهومها العام إنما هي الشعور بالوحدة‬
‫العامة والعروة الوثقى ل انفصام لها بين جميع المؤمنين في المعمور‬
‫السلمي‪ ..‬لقد كر أكثر من ثلثة عشر قرًنا فما أوهن كرور هذه القرون من‬
‫الجامعة السلمية جانًبا ول ضعضع لها كياًنا‪ ،‬بل كلما تقادم عليها العهد‬
‫قا أن الجامعة اليوم بين‬‫ازدادت الجامعة شدة وقوة ومنعة واعتزاًزا‪ .‬ح ً‬
‫المسلم والمسلم لقوى منها بين النصراني والنصراني‪ .‬ول ينكر أن‬
‫دا‪ ،‬بيد أن هذا ليس له من‬ ‫المسلمين يتقاتلون بعضهم مع بعض قتال ً شدي ً‬
‫الشأن أكثر مما ينشأ بين أفراد السرة الواحدة المشتبكة الرحام‪ ،‬إذ ل حقد‬
‫في السلم‪ ،‬فعند الشدائد تذهب الحقاد بين المسلمين‪ ،‬فيعملوا على المر‬
‫عا متراصة متماسكة لقتال العدو المهاجم‬ ‫الذي فيه يختلفون ويتألبون جمو ً‬
‫ورد ّ الخطر الداهم‪ .‬ومن أحب أن يقف حق الوقوف على ما أراده السلم‬
‫من غرض الجامعة وغايتها فلينظر إلى حال المسلمين اليوم وإلى تيار هذا‬
‫التعاطف والتشاكي كي يعلم سّر الجامعة ومكانتها في نفوس المسلمين‬
‫وفي الواقع ليس من دين في الدنيا جامع لبنائه بعضهم مع بعض موحد‬
‫لشعورهم دافع بهم نحو الجامعة العامة والستمساك بعروقها كدين السلم")‬
‫‪.(2‬‬
‫]‪[3‬‬
‫"أي شيء أدل على هياج السلم وغليان مراجل عقده من ذلك الثوران‬
‫جا على‬‫الهائل الذي يقوم به السبعون مليوًنا من المسلمين في الهند احتجا ً‬
‫تجزئة الدولة العثمانية‪ ،‬والمر الخطر أن هذا الثوران السلمي ليس‬
‫مقصوًرا على الهند فحسب‪ ،‬بل إنه شامل المعمور السلمي‪.(3)"..‬‬
‫]‪[4‬‬

‫)‪(167 /‬‬

‫"‪ ..‬ل يغرب عن البال أن الروابط الدينية والصلت الخلقية التهذيبية التي‬
‫تجمع بين المسلم والمسلم ما انفكت تزيد في تواثق المسلمين وتآلفهم‪،‬‬
‫وتعاطفهم وتضامنهم‪ ،‬كأنهم في المعمور السلمي أمة واحدة بعضها يغار‬
‫على بعض وجانب يساند آخر‪ .‬دع ما هو هناك من السباب الغربية للنقل‬
‫والتواصل المسهلة على المسلمين القيام بالسفار إلى كل جهة أرادوا‪،‬‬
‫فازداد بذلك تعارفهم واستمسكت أواصرهم")‪.(4‬‬

‫‪68‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]‪[5‬‬
‫"‪ ..‬لقد تحرك )الشرق الجامد( أخيًرا حتى القرارة القصوى من أعماقه وهو‬
‫اليوم في أشد ما يكون من النفعال والهياج والفوران‪ .‬وجميع ذلك قائم فيه‬
‫ور‪ .‬فالعالم السلمي الذي‬ ‫وبالغ منه أكثر مما يخال الخائل ويتصور المتص ّ‬
‫ظلت قواه العقلية والروحية هاجعة ما يقرب من ألف سنة‪ ،‬قد استيقظ مرة‬
‫أخرى وطغت قواه تعمل عملها العجيب‪ ،‬وغدا المسلمون يعظمون شأًنا من‬
‫جديد ويعلون منزلة في الرض"‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫حاضر العالم السلمي ‪. 20 / 1 ،‬‬
‫نفسه ‪. 288 – 287 / 1 ،‬‬
‫نفسه ‪. 324 / 1 ،‬‬
‫نفسه ‪. 327 / 1 ،‬‬
‫هارولد سمث‬
‫]‪[1‬‬
‫مي فلسفته الخاصة المتميزة‬ ‫"‪ ..‬أن العالم السلمي في وضع يسمح له أن ين ّ‬
‫دون أن يدفعه التقليد العمى إلى اتباع الشكال الشيوعية‪ ،‬أو النظرية‬
‫السياسية الغربية التي تتجه إلى الفردية‪ ..‬لقد رأينا أن السلم يعترف‬
‫بالقيمة الذاتية للفراد‪ ،‬باعتبارهم مدينين بوجودهم لله‪ ،‬ومسؤولين أمامه عن‬
‫جا كامل ً في بناء‬
‫أعمالهم‪ .‬وهذا يعني أنه ل يمكن لي فرد أن يندمج اندما ً‬
‫إجماعي قاهر مثل البناء الشيوعي‪ .‬إن الشيوعية – من الوجهتين النظرية‬
‫والعملية – تستغني عن الفرد إن لم يخدم غرض الدولة‪ ..‬دون نقاش‪ ،‬وهذا ل‬
‫يمكن أن يكون في مجتمع إسلمي")‪.(1‬‬
‫]‪[2‬‬
‫"‪ ..‬أنه لو أمكن إثارة التماسك السلمي في سبيل أغراض إيجابية‪ ،‬وتكتيل‬
‫المم السلمية الكثيرة المختلفة في وحدة حية‪ ،‬لمكن أن تصير هذه الوحدة‬
‫قوة إيجابية في العالم‪ ..‬بل إن هذه الوحدة لتكون أكثر فاعلية إذا أدخلت في‬
‫نطاقها من سواها‪ ،‬وإذا بلغ من سماحتها أن تشرد في وجدانها وفي أخوتها‬
‫كل مخلوقات الله‪ .‬ما أروع أن تحتج باكستان على مظالم حّلت بأمة أخرى‪،‬‬
‫شديدة البعد عنها جغرافًيا‪ ،‬لن تلك المة تنتمي إلى جماعة المم السلمية!‬
‫وأروع منه وأجدر أن يضيء طرًقا جديدة في عالمنا الذي مزقته الحرب‪ ،‬أن‬
‫قة التي يوجه إليها الله الواحد‪،‬‬ ‫تنهض أمة إسلمية – باسم المقاصد الح ّ‬
‫وباسم الرابطة التي تربط بني النسان – محتجة على ظلم أصاب أي شعب‬
‫ولو كان خارج الكتلة السلمية")‪.(2‬‬
‫]‪[3‬‬
‫"من حيث العلقات الدولية‪ ،‬فإن المم السلمية‪ ،‬أو الجماعة السلمية‬
‫الكبرى‪ ،‬يجب أن تكون في طليعة المنتصرين لخلق نوع من المجتمع العالمي‬
‫من المم‪ ،‬ومن العاملين على إيجاد مثل ذلك المجتمع الذي ينظمه ويسيطر‬
‫ي‪.(3)"..‬‬‫عليه قانون دول ّ‬
‫______________________________________‬
‫الثقافة السلمية والحياة المعاصرة ‪ ،‬ص ‪. 75‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 76 – 75‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 77‬‬
‫أحمد سوسه‬
‫]‪[1‬‬

‫‪69‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫"‪ ..‬إني أعتقد بأنه لو كان للسلم ]في أمريكا[ بعض ما كان للمسيحية من‬
‫الدعاية والتبشير‪ ،‬لكان علمه يخفق اليوم في معظم أصقاع هذه البلد‬
‫الواسعة ولكان لقي فيها من التشجيع بخلف ما هو معروف من فشل‬
‫التبشير النصراني")‪.(1‬‬
‫]‪[2‬‬
‫"أن البلد العربية تجتاز اليوم دوًرا عصيًبا هو دور النتقال والتطور‪ ،‬وهذا‬
‫النتقال السريع مخيف ومريع‪ ،‬فقد تضيع فيه الوجهة والمبدأ إن لم نتدارك‬
‫المر بالتحلي بالصفات السلمية السامية التي تمدنا باليمان والقوة قبل أن‬
‫تتغلب علينا مادة الغرب فتفرقنا وتنتزع من أبناء يعرب يقينهم وأمانيهم")‪.(2‬‬
‫]‪[3‬‬
‫"لبد ّ للشباب المتعلمين أن يضعوا نصب أعينهم الحقيقة التاريخية‪ ،‬أل وهي‬
‫أن حرب الغرب ضد السلم لم تنته‪ ،‬تلكم الحرب التي أضرمها الغربيون‬
‫المسيحيون بقصد قطع دابر المسلمين‪ ،‬ومحو شوكة السلم من البسيطة‪.‬‬
‫وقد وجد الغربيون في نظرياتهم اللحادية التي يبثونها في علومهم‬
‫ويشجعونها بين المسلمين بوسائط مختلفة غير العلم خير دسيسة بل أنجع‬
‫وسيلة لمحو اليمان بالدين السلمي‪ ،‬ونعني بذلك قوة السلم التي يتربص‬
‫لها الغرب باغًيا إخمادها واضمحللها‪ .‬ويا ليت الشباب المسلمين يتروون في‬
‫مسلكهم ويدرسون الحقائق الدينية التاريخية قبل أن يبيعوا عواطفهم الدينية‬
‫رخيصة للعدو المترصد")‪.(3‬‬
‫]‪[4‬‬
‫"إنه يجب أل ننسى أن العالم الغربي يخشى بأس السلم إذا اّتحد أنصاره‪..‬‬
‫إذ يرى الغربيون في اتحاد المسلمين خطًرا على كيانهم ومدنّيتهم ول يخفون‬
‫شعورهم في هذا الصدد بل هم يسعون بكل الوسائل لوضع العراقيل في‬
‫سبيل التفاهم والتحاد بين البلد السلمية‪.(4)"..‬‬
‫]‪[5‬‬
‫"لبد ّ من القول إن المناوأة التي أحدثتها البابوية ضد السلم وأضرمت بها‬
‫نيران الحروب الصليبية ل تزال متأصلة في نفوس الغربيين‪.(5)"..‬‬
‫______________________________________‬
‫في طريقي إلى السلم ‪. 53 / 1 ،‬‬
‫نفسه ‪. 62 / 1 ،‬‬

‫)‪(168 /‬‬

‫نفسه ‪. 63 – 62 / 1 ،‬‬
‫نفسه ‪. 134 – 133 / 1 ،‬‬
‫نفسه ‪. 135 – 134 / 1 ،‬‬
‫جوزيف شاخت‬
‫]‪[1‬‬
‫"‪ ..‬المسلمون ل يستطيعون أن يتخلصوا من السلطان الروحي والتأثير‬
‫العميق المتأصل لقانونهم الديني‪ .‬وأن فك القانون الديني – بمعنى أن‬
‫القانون له شأن العلقات النسانية الخرى‪ ،‬يجب أن يخضع للدين أصبح جزًءا‬
‫ضا على‬ ‫ضا أن هذا ينطبق أي ً‬
‫أساسًيا من النظرة السلمية‪ .‬ولنذكر عر ً‬
‫السياسة وحتى على القتصاد‪.(1)"..‬‬
‫______________________________________‬

‫‪70‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (1‬الوحدة والتنوع في الحضارة السلمية )تحرير كرونبللوم(‪ ،‬ص ‪. 119‬‬


‫لورافيشيا فاغليري‬
‫]‪[1‬‬
‫"من حسن الطالع أن الجمود مرض لبد ّ أن يزول‪ ،‬بل إنه في الواقع شرع‬
‫يزول في ما يبدو‪ .‬فإلى الكتاب العزيز الذي لم يحّرفه قط ل أصدقاؤه ول‬
‫أعداؤه‪ ،‬ل المثقفون ول الميون‪ ،‬ذلك الكتاب الذي ل يبليه الزمان والذي ل‬
‫يزال إلى اليوم كعهده يوم أوحى الله به إلى الرسول المي البسيط ]صلى‬
‫الله عليه وسلم[ آخر النبياء حملة الشرائع ]عليهم السلم[‪ ،‬إلى هذا المصدر‬
‫الصافي دون غيره سوف يرجع المسلمون حتى إذا نهلوا مباشرة من معين‬
‫هذا الكتاب المقدس فعندئذ يستعيدون قوتهم السابقة من غير ريب‪ .‬وثمة‬
‫بّينات قوية على أن هذه العملية قد بدأت فع ً‬
‫ل")‪.(1‬‬
‫______________________________________‬
‫)‪ (1‬دفاع عن السلم ‪ ،‬ص ‪. 134 – 133‬‬
‫ليوبولد فايس‬
‫]‪[1‬‬
‫"إن الغربيين ل يرون في تعاليم السلم إنكار الكثير من معتقداتهم الدينية‬
‫ضا‪ .‬وتحت تأثير‬
‫فحسب ولكنهم ينظرون إليه على أنه خطر سياسي أي ً‬
‫الذكريات التاريخية المتعلقة بالحروب التي التحم فيها العالم السلمي مع‬
‫أوروبا خلل القرون‪ ،‬ينسب الغربيون للسلم تهمة عدائه لكل ما هو غير‬
‫مسلم‪ ،‬ولهذا يخشون أن يؤدي بعث الروح السلمية من جديد إلى إيقاظ‬
‫العافية في العالم السلمي بحيث تدفعه إلى القيام بمغامرات عدوانية على‬
‫الغرب‪ ،‬وكيما يدرأ الغربيون هذا الخطر المحتمل فإنهم يبذلون كل ما في‬
‫وسعهم للحيلولة دون بعث القوة السياسية للمسلمين‪ ،‬ومنع السلم من‬
‫احتلل المكانة التي كان يحتلها في السابق في حياة المسلمين الجتماعية‬
‫والثقافية")‪.(1‬‬
‫]‪[2‬‬
‫"أو وسائل الغربيين ]للحيلولة دون بعث السلم[ ليست مقصورة على‬
‫الميدان السياسي فحسب‪ ،‬ولكنها تمتد فتشمل الجانب الثقافي كذلك وعن‬
‫طريق المدارس الغربية في العالم السلمي‪ ،‬وعن طريق المدارس الوطنية‬
‫للمسلمين التي تقوم مناهجها على أساس من أساليب الغرب التربوية‪ ،‬تبذر‬
‫بذور التشكيك في السلم كنظرية اجتماعية بطريقة منظمة رتيبة في عقول‬
‫الجيال الصاعدة من شباب المسلمين فتياًنا وفتيات‪.(2)"..‬‬
‫"‪ ..‬إن الحياة السلمية في الواقع تظهر‪ ،‬على كل حال‪ ،‬في أيامنا الحاضرة‬
‫دا عن المكانيات المثلى التي تقدمها التعاليم الدينية في السلم من‬ ‫بعيدة ج ً‬
‫ما وحيوية أصبح بين المسلمين اليوم‬ ‫ذلك مثل ً أن كل ما كان في السلم تقد ً‬
‫ما وإيثاًرا أصبح اليوم بين‬
‫تراخًيا وركوًدا‪ ،‬وكل ما كان في السلم من قبل كر ً‬
‫قا في النظر وحًبا للحياة الهّينة")‪.(3‬‬
‫المسلمين ضي ً‬
‫"‪ ..‬أن السلم من وجهتيه الروحية والجتماعية ل يزال‪ ،‬بالرغم من جميع‬
‫العقبات التي خلقها تأخر المسلمين‪ ،‬أعظم قوة ناهضة بالهمم عرفها‬
‫البشر‪.(4)"..‬‬
‫"‪ ..‬يجب أن يتضح لدينا أن إهمال المسلمين‪ ،‬وليس النقص في التعاليم‬
‫السلمية‪ ،‬هو الذي سّبب النحلل الحاضر")‪.(5‬‬
‫]‪[4‬‬
‫"لو أن المسلمين احتفظوا برباطة جأشهم وارتضوا الرقي وسيلة ل غاية في‬

‫‪71‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ذاتها إذن لما استطاعوا أن يحتفظوا بحريتهم الباطنية فحسب‪ ،‬بل ربما‬
‫ضا أن يعطوا إنسان الغرب سّر طلوة الحياة الضائع")‪.(6‬‬ ‫استطاعوا أي ً‬
‫______________________________________‬
‫منهاج السلم في الحكم ‪ ،‬ص ‪. 170‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 171 – 170‬‬
‫السلم على مفترق الطرق ‪ ،‬ص ‪. 13‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 16‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 71‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 376‬‬
‫ج‪ .‬ف‪ .‬فيلويز‬
‫]‪[1‬‬
‫ما مع مبادئ‬ ‫"التقدم العلمي في العصر الحاضر والمنجزات العلمية تتفق تما ً‬
‫السلم")‪.(1‬‬
‫]‪[2‬‬
‫"لقد نشرت الصحف مؤخًرا بيانات تفيد أن الفلسفة والكتاب في الغرب‬
‫يزعمون أن الديان المعاصرة قد أصبحت بالية عتيقة‪ ..‬ولبد ّ من التخلص‬
‫منها‪ ،‬وهذا يبين مقدار التشاؤم الذي تعاني منه جمهرة الكتاب الغربيين‬
‫بسبب ما يلقونه من تعقيدات وغموض في ديانتهم النصرانية‪] .‬لكن[ هؤلء‬
‫ما‬
‫يرتكبون‪ ..‬خطأ‪ ..‬فالسلم‪ ،‬الذي يمثل الجابة الكاملة الوحيدة‪ ،‬ل يزال قائ ً‬
‫وعلى استعداد لن يكون البديل‪ .‬وهو جاهز لذلك")‪.(2‬‬
‫]‪[3‬‬

‫)‪(169 /‬‬

‫"هناك فراغ روحي كبير في الغرب‪ ،‬لم يستطع أي مبدأ من المبادئ ول أية‬
‫عقيدة أن تمله وتحقق السعادة للنسان هناك‪ .‬فرغم الثراء المادي وما‬
‫يسمى بالرخاء القتصادي‪ ..‬وتحقيق كافة الرغبات المادية للشعوب‪ ،‬فإن‬
‫النسان الغربي ل يزال يحس بتفاهة حياته ويتساءل‪ :‬لماذا أعيش؟ وإلى أين‬
‫أسير؟ ولماذا؟ ول أحد يقدم له حتى الن الجابة عن هذه السئلة‪ .‬وما درى‬
‫المسكين أن دواءه في الدين القويم الذي ل يعرف عنه إل الشبهات‪ .‬ولكن‬
‫بداية النور قد بدأت تظهر والصبح قد بدأ يسفر‪ ،‬بدخول جماعات ولو قليلة‬
‫من الغربيين في السلم‪ .‬وبدأ النسان الغربي يرى بأم عينه رجال ً ونساء‬
‫يطبقون السلم ويعيشون به‪ ،‬وفي كل يوم يدخل بعضهم في الدين الحق‪.‬‬
‫إنها البداية‪.(3)"..‬‬
‫______________________________________‬
‫رجال ونساء أسلموا ‪. 61 – 60 / 6 ،‬‬
‫نفسه ‪. 61 / 6 ،‬‬
‫نفسه ‪. 62 – 61 / 6 ،‬‬
‫جميلة قرار‬
‫]‪[1‬‬
‫"‪ ..‬أن السلم بصفته ديًنا عالمًيا وعقيدة كونية يعتبر مناسًبا لكافة مراحل‬
‫تطور الحياة النسانية في المستقبل‪ .‬فهو ينسجم مع منجزات النسان‬
‫الحديثة في كافة مجالت النشاط النساني")‪.(1‬‬
‫]‪[2‬‬

‫‪72‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫"‪ ..‬أن من واجب نشاطات المسلمين في ميدان البحث والعلم‪ ..‬أن ]يبرهنوا[‬
‫أن السلم هو في الحقيقة دين حركي يستطيع بفضل جهود المسلمين بعد‬
‫عون الله أن يشكل قوة ثورية تحّرر النسان من العبودية للقوة وخاصة‬
‫القوة المدمرة المهلكة‪ ،‬وأن تقوده إلى التقدم البّناء وتمكنه من تطوير‬
‫قدراته وإمكاناته اليجابية المختلفة")‪.(2‬‬
‫]‪[3‬‬
‫"‪ ..‬أن من المهمات الحساسة الملقاة على عاتق المسلمين المستنيرين‬
‫والمثقفين‪ ..‬أن يبّينوا للمسلمين اليائسين الذين يتطلعون إلى العقائد‬
‫الخرى‪ ،‬وكذلك لغير المسلمين الذين يبحثون عن غايات جديدة وقيم لحياتهم‬
‫أن السلم هو نقطة البدء الجديدة أمام النسانية جمعاء")‪.(3‬‬
‫______________________________________‬
‫رجال ونساء أسلموا ‪. 108 / 4 ،‬‬
‫نفسه ‪. 109 – 1 : 8 / 4 ،‬‬
‫وعود السلم ‪ ،‬ص ‪. 23 – 22‬‬
‫روجيه جارودي‬
‫]‪[1‬‬
‫"لقد أنقذ ]السلم[ من قبل‪ ،‬في القرن السابع من تاريخنا من التفّتت‬
‫إمبراطوريات عظيمة متهاوية‪ .‬أفل يستطيع اليوم أن يسهم بالجابة على جزع‬
‫ومسائل الحضارة الغربية‪ ،‬تكشفت عن أنها‪ ،‬بمدة أربعة قرون‪ ،‬قادرة على‬
‫أن تحفر قبًرا على مستوى العالم وأن تعمل على تغطية أسطورة إنسانية‬
‫أنشئت منذ مليوني عام‪ ،‬بفضل البتكارات والتضحيات")‪.(1‬‬
‫]‪[2‬‬
‫"لقد فقد النسان الغربي كل وحدة في علقاته مع الطبيعة والمجتمع والله‪.‬‬
‫انفصل عن الطبيعة التي اعتقد أنه سيدها ومالكها‪ ..‬ولم تساعد المسيحية‬
‫النسان‪ ،‬مع حذرها الول بإزاء الطبيعة‪ ..‬ومع تراجعاتهم المتتالية‪ ،‬منذ عصر‬
‫النهضة‪ ،‬أمام )علموية( تدعي الجابة على جميع مشاكل الحياة‪ ،‬على الحفاظ‬
‫على هذا البعد الكوني‪ ،‬على هذا التحاد الحميم بجميع الكائنات‪ ..‬والسلم‪،‬‬
‫عندما ل يكون قد أفسدته الرؤية الغربية المباشرة التي فرضها عليها‬
‫الستعمار‪ ،‬يستطيع أن يساعدنا على أن نعي هذه الوحدة التي هي عقيدته‬
‫المركزية الولى")‪.(2‬‬
‫]‪[4‬‬
‫"]إن[ السلم يحمل بذور تغيير جذري على مستوى النسانية")‪.(3‬‬
‫]‪[5‬‬
‫"‪) ..‬ل إله إل الله( هذا الثبات الساسي لليمان السلمي يقصي الصنمية‪،‬‬
‫التمائمية التي تفّرخ وتتكاثر في مجتمعاتنا‪ :‬صنم النمو‪ ،‬صنم )التقدم(‪ ،‬صنم‬
‫التقنية العلموي‪ ،‬صنم الفردانية وصنم المة‪ ،‬صنم قوة السلحة والجيوش‪،‬‬
‫بمحذوراتها جميًعا ومحرماتها وبرموزها )المقدسة( وبطقوسها‪ .‬كل!! يذكرنا‬
‫السلم‪) ،‬ل إله إل الله(‪ ،‬الله أكبر وإننا لنعرف بالتأكيد ما لهذا اليقين في‬
‫العقيدة من قوة هدم وتحرير دفعت الجيوش إلى التراجع في حين أن‬
‫عقيدتنا منذ زمن طويل‪ ،‬لم تعد تدفع على التراجع شيًئا ذا بال‪ ..‬فالحوار‬
‫هكذا مع السلم يمكنه أن يساعدنا على ابتعاث خميرة عقيدتنا الحّية فينا‪،‬‬
‫تلك التي تستطيع نقل الجبال من مواضعها‪.(4)"..‬‬
‫______________________________________‬
‫وعود السلم ‪ ،‬ص ‪. 23 – 22‬‬

‫‪73‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 64‬‬


‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 156‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 218 – 217‬‬
‫كامبفماير)‪(1‬‬
‫]‪[1‬‬
‫"‪ ..‬أن العربية‪ ،‬وهي لسان السلم غير مدافع‪ ،‬تدرس وتعرف حق المعرفة‬
‫في العالم السلمي كله من المحيط الطلسي إلى الهند وجاوة وبذلك تسهل‬
‫انتشار الحركات الروحية انتشاًرا يتجاوز بكثير حدود البلد التي تنشأ فيها‬
‫ويعين على انتشارها عوامل أخرى أكبرها الصحافة العربية‪ ..‬ويلعب الحج‬
‫ضا في المزج الروحي بين مختلف شعوب السلم‪ ،‬وأن تجاور البلد‬ ‫دوره أي ً‬
‫في الشرق الدنى الناطق بالضاد‪ ،‬وبوجه أدق في المساحة التي تشغلها‬
‫مصر وجزيرة العرب والعراق وسوريا وفلسطين ورقي وسائل المواصلت‬
‫إلى جانب الصحافة تعمل بوجه خاص على إنماء العواطف والماني السلمية‬
‫العامة")‪.(2‬‬
‫]‪[2‬‬

‫)‪(170 /‬‬

‫"‪ ..‬أستطيع أن أؤكد أن البلد الناطقة بالضاد ول سّيما مركزها العظيم الذي‬
‫يتكون من الكتلة المتماسكة التي قوامها مصر وجزيرة العرب وفلسطين‬
‫ما‪..‬‬ ‫وسوريا والعراق ستلعب دوًرا غاية في الهمية وربما كان دوًرا حاس ً‬
‫ونهضة السلم في هذه البلد أمر واقع ل سبيل إلى رّده‪ ،‬ولن يحدث في‬
‫البلد العربية شيء يشبه ما حدث في تركيا فلن يقطع العرب الصلة‬
‫بتاريخهم السلمي والدبي المجيد‪ ،‬بل إن ذكرى هذا الماضي من عوامل‬
‫النهضة الوطنية والدينية ولن تستبدل هذه الشعوب الكتابة اللتينية بالكتابة‬
‫العربية‪ ..‬ولن ينبذوا هذه الوسيلة المدهشة التي تمكنهم من التصال بالعالم‬
‫السلمي كله‪ ،‬ولن يقوى أحد على إيقاف حركة النهضة السلمية في هذه‬
‫البلد لنها الساس الذي يحتاج إليه الناس لتقوم عليه نهضتهم الوطنية‪..‬‬
‫ما للحياة السلمية‬ ‫وستصير كل من القاهرة والقدس بالتدريج مركًزا عظي ً‬
‫ل( من البلد الناطقة بالضاد في‬ ‫بعد مكة وسيفد طلبة العلم )كما حدث فع ً‬
‫المغرب شطر مصر وفلسطين‪ ..‬ثم سيعودون إلى بلدهم ليزيدوا نهضة‬
‫الشرق شيًئا فشيًئا وسيحدث مثل هذا الثر في الصقاع الخرى من العالم‬
‫السلمي‪ ..‬ولن يقوى النحلل السياسي على تغيير شيء من خصائص‬
‫الحاجات الوطنية والدينية العامة‪.(3)"..‬‬
‫]‪[3‬‬
‫"‪ ..‬أن في الشرق العربي الدنى على وجه التأكيد نهضة إسلمية قوية خلقية‬
‫ودينية واجتماعية‪ ،‬ستكون أساس الحياة القومية الجديدة‪ ،‬وإذا عرفنا هذا‬
‫تجلت حقيقة ]مهمة[ هي أن تنصير المسلمين مستحيل الن‪ ..‬فهل سيعارض‬
‫سا للحياة القومية‬‫المبشرون في جعل الدين – ولو كان السلم – أسا ً‬
‫ً‬
‫الصحيحة؟ وإذا كان تنصير المسلمين في الظروف الحاضرة مستحيل فلم‬
‫يبق أمام هذه الشعوب السلمية إل أحد أمرين‪ :‬إما النهضة السلمية وإما‬
‫المادية والفساد الخلقي‪ ..‬فأّيهما خير للشعوب السلمية؟")‪.(4‬‬
‫]‪[4‬‬
‫"‪ ..‬أن العتداء على السلم ل ترجى منه فائدة‪ ..‬ولن يرد ]المسلمين[ عن‬

‫‪74‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ويها‪.(5)"..‬‬
‫دينهم ولن يعوق النهضة السلمية بل سيق ّ‬
‫______________________________________‬
‫)‪ (1‬د‪ .‬ج‪ .‬كامبفماير )‪G. Kampffmeryer (1936 – 1864‬‬
‫تخرج باللغات الشرقية في ليبزغ‪ ،‬وتخصص في السلم الحديث والعربية‬
‫المعاصرة من معهد اللغات الشرقية ببرلين )‪ ،(1907‬ورأس تحرير مجلة‬
‫)عالم السلم( التي نشر فيها دراسات عن المؤلفات الحديثة في الداب‬
‫المعاصرة‪.‬‬
‫من آثاره‪) :‬النصوص والعمال في تاريخ المة العربية الحديثة( )‪،(1924‬‬
‫)دراسات في الدب العربي المعاصر( )‪ (1926-1925‬و)شعراء العرب في‬
‫العصر الحاضر(‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫وجهة السلم )بإشراف كب(‪ ،‬ص ‪. 69‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 100 – 99‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 102‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 103‬‬
‫كلود كاهن‬
‫]‪[1‬‬
‫"‪ ..‬ثمة ظاهرة تسترعي النتباه في كل مرحلة من مراحل التاريخ السلمي‪،‬‬
‫أل وهي قدرة المسلمين على النهوض من كبوتهم‪ .‬ذلك لن التاريخ الذي‬
‫صنعه في بداية المر نفر قليل من أناس منعزلين قد أصبح العمل المشترك‬
‫لمجموعة من الشعوب انتسبت للسلم على مّر الزمن وظّلت مخلصة له‬
‫قا ويعلم المبشرون المسيحيون أنهم ل يقدرون على تغيير عقيدة‬ ‫صا مطل ً‬
‫إخل ً‬
‫المسلم‪.(1)"..‬‬
‫______________________________________‬
‫)‪ (1‬تاريخ العرب والشعوب السلمية ‪. 405 / 1 ،‬‬
‫هاملتون كب‬
‫]‪[1‬‬
‫"إذن فإذا قام أحد ينكر الشريعة من حيث صلحيتها كان عمله هذا كفًرا‬
‫ومروًقا‪ ،‬وهذه حقيقة تفسر الهزة التي شعر بها المسلمون في جميع أرجاء‬
‫العالم‪ ،‬عندما أقدمت الجمهورية التركية على إلغاء الشريعة جملة‪ .‬ولعلني‬
‫غير مخطئ في اعتقادي‪ ،‬وإن كان اعتقادي صادًرا عن التصور والحدس‪ ،‬أن‬
‫احترام الشريعة ل يزال لب التفكير الجتماعي السلمي‪ ،‬وأن البقاء على‬
‫الشريعة يرتبط به بقاء السلم أو زواله من حيث هو نظام مؤصل‪ .‬أما‬
‫الحترام الذي أتحدث عنه فليس من الضروري أن يعني التقدير لكل تفسير‬
‫ومبنى من تفسيرات القرون الوسطى ومبانيها")‪.(1‬‬
‫]‪[2‬‬

‫)‪(171 /‬‬

‫"‪ ..‬كان للحركة الوهابية تأثير نافع ومجدد انتشر شيًئا فشيًئا في جميع أنحاء‬
‫العالم السلمي وذلك في ميدان الفكار بواسطة الصراع والمقاومة‬
‫الضاريين الموجهين ضد جميع التسربات العملية لميول التعّلق باليمان‬
‫بالرواح ومفاهيم المذهب الحلولي الذي انتشرت عدواه في ذلك الوقت في‬
‫قلب التوحيد السلمي الصرف‪ .‬إل أن العنصر المحرك للمذهب الوهابي بقي‬
‫خلل القسم الكبر من القرن التاسع عشر محتجًبا وراء صفته الثورية‪،‬‬

‫‪75‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فأعطى المثل في الثورة ضد الحكومة السلمية ]الضالة[ وتبع هذا المثل‬


‫بحماسة شديدة في جميع البلد الخرى التي وقعت حكوماتها السلمية‬
‫بشكل مفضوح تحت سيطرة أوروبا ونفوذها وكان مصدر إلهام في القرن‬
‫التاسع عشر ]للعديد[ من الحركات‪, ..‬بعد عدة سنوات في منتصف وخلل‬
‫النصف الثاني للقرن التاسع عشر‪ ،‬أقامت الجمعية الصلحية المؤسسة من‬
‫قبل الشيخ الجزائري محمد بن علي السنوسي دولة تيوقراطية في ليبيا‬
‫جا على فساد التفكير ومساوئ الحكم‬ ‫الجنوبية وفي أفريقيا الستوائية احتجا ً‬
‫السلمي المخالف للدين‪ .‬وكذلك برزت الجماعة المهدية في السودان‬
‫الشرقية من قبل محمد أحمد ]المهدي[ كأداة للثورة ضد – الوروبيين ‪ .-‬كما‬
‫امتد نفوذ الدعوة الصلحية السلفية التي قام بها المام محمد بن عبد‬
‫الوهاب إلى قلب القطار البعيدة مثل نيجيريا وسومطرة‪ ..‬وعلى الرغم من‬
‫أن محاولت العمل السياسي هذه انتهت جميًعا إلى الفشل إذا نظرنا إليها‬
‫من الخارج‪ ،‬لكن نتائجها كانت متينة راسخة في المحيط الديني إذ نشرت في‬
‫كافة أرجاء البلد السلمية‪ ،‬المبدأ الوهابي القائل بضرورة التعلق بالصفاء‬
‫سّني القرآني ل على شكل التبشير ونشر‬ ‫المذهبي وإعادة تأكيد المبدأ ال ّ‬
‫قواعد المذهب ولكن بنشر متطلبات اليمان السلمي لدى الجماهير‬
‫دده‪.(2)"..‬‬‫السلمية والشارة إلى الخطار التي ته ّ‬
‫]‪[3‬‬
‫"ليس بين البلد السلمية بلد أعلن عن رغبته الصريحة في الستغراب أو‬
‫ضا ل تعلن هذه الرغبة‬ ‫)التغّرب( باستثناء البلد التركية‪ ،‬ولكن البلد التركية أي ً‬
‫اليوم بتلك الثقة التي أعربت عنها منذ عشرين سنة‪ ،‬وفيما عدا هذا الستثناء‬
‫الضعيف يغلب على أبناء العصر من المسلمين الذين ينقمون على مساوئ‬
‫العصر الحاضر أن يحملوا الغرب أوزار هذه المساوئ ول يعّلقوا آمالهم في‬
‫الصلح بمشابهة الغرب والقتداء بأممه في جملة أحوالها")‪.(3‬‬
‫______________________________________‬
‫دراسات في حضارة السلم ‪ ،‬ص ‪. 266 – 265‬‬
‫التجاهات الحديثة في السلم ‪ ،‬ص ‪. 55 – 54‬‬
‫الشرق الدنى السلمي )بإشراف جامعة تورنتو(‪ ،‬عن العقاد‪ :‬ما يقال عن‬
‫السلم ‪ ،‬ص ‪. 61‬‬
‫كوستاف فون كرونباوم‬
‫]‪[1‬‬
‫"‪] ..‬أن[ العصر العباسي الول لم يستعر علم الفلك الهندي مثل ً أو حتى‬
‫الدارة الفارسية‪ ،‬لنه رأى في تلك المنتجات الجنبية الوسيلة الوحيدة لعاقة‬
‫التغلغل في السيطرة السياسية أو القتصادية‪ .‬إن السلم لم يكن إذ ذاك في‬
‫موقف دفاعي‪ ،‬ولكنه تبنى تلك المكانيات الجنبية لمصلحته هو‪ ،‬وفعل ذلك‬
‫في ريث وأناة‪ ،‬إذا كان قد وقع تحت تأثير ضغط فلم يكن ذلك من الخارج‬
‫ولكن بدافع من مرحلة التطور التي كان يمّر بها‪ .‬وبالختصار‪ ،‬أن الملبسات‬
‫السياسية التي توجه النقل الثقافي في عصرنا الحاضر هي التي تجعله صعًبا‬
‫كا للجماعات التي تستقبل هذا‬ ‫من الوجهتين النفسية والجتماعية‪ ،‬ومفك ً‬
‫النقل‪ .‬فالختيار‪ ،‬وتحديد الوقت‪ ،‬والتأثر اليجابي‪ ،‬ورد ّ العدوان المعادي‪ ،‬كل‬
‫أولئك لم يعد خاضًعا لحالة النموّ ول للحاجات الذهنية والوجدانية للمستعير‪،‬‬
‫ولكن يخضع للطموح الثقافي‪ ،‬ولسلسلة من الحوال الضطرارية التي ليس‬
‫للمستعير عليها إل تسلط محدود‪ .‬ومن هنا نقول إن مقتضيات الموقف‬
‫ما لموقفنا اليوم – هي‬ ‫السياسي للعصر العباسي الول – وقد كان مغايًرا تما ً‬

‫‪76‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التي مكنت العباسيين من أن يسيروا في طريق‪ ..‬حمى عصرهم من الخطار‬


‫المصاحبة للستمداد الثقافي في عصرنا الحاضر الذي يتحكم في النزوع نحو‬
‫الغرب")‪.(1‬‬
‫]‪[2‬‬
‫"أن طرح السلم – ل في صورة التحويل الكامل للحياة السلمية حياة‬
‫دنيوية ولكن في صورة إدخالها في حركة دينية عامة يبدو أنه المل الخفي‬
‫الذي يحلم به )توينبي( على أساس تحليله للستمداد الثقافي ونتائجه‬
‫ل دليل يؤيد رأي‬‫للمستمد‪ .‬غير أن الملحظ المحايد للسلم ل يرى أق ّ‬
‫ل النهائي للمعضلت الثقافية للعالم‬ ‫)توينبي( في أن هذه العملية هي الح ّ‬
‫السلمي‪ .‬وبالضافة إلى أن فكرة التثقيف الغربي التام من جانب واحد‬
‫للقطار السلمية فكرة غير جديرة بالقبول‪ ،‬فإنه يبدو أن معضلة هذا التثقيف‬
‫ما للزاوية التي اختارها )توينبي(‪.(2)"..‬‬
‫يجب أن تواجه من زاوية مخالفة تما ً‬
‫]‪[3‬‬

‫)‪(172 /‬‬
‫"أن حركة داخلية – كحركة إحياء دين في بيئة ثقافية – تكون عامل ً منش ً‬
‫طا‬
‫فعال ً في إعادة تنظيم نموذج الحياة كله لتلك الجماعة أكبر أثًرا من التصال‬
‫بمدنيات أخرى‪ ،‬مهما كان الفضلية الحقيقية أو المتخّيلة للثقافة المؤثرة‪،‬‬
‫ومهما كان الحرص على التكّيف بها")‪.(3‬‬
‫]‪[4‬‬
‫"ومن حيث إنه ل خطر على السلم من أن ينمحي إنمحاءا ً مادًيا كنتيجة‬
‫لتأثير الغرب‪ ،‬فإنه يلوح أن سريان العناصر الغربية إليه سيظل مقصوًرا على‬
‫ما يمكن أن )يهاجر من قوم إلى آخرين كالفنون الصناعية والعمالية‬
‫والتطبيقية وطرقها(‪ .‬فعملية طبع العالم السلمي بالطابع الغربي‪ ..‬لن‬
‫تشمل – على الراجح – المبادئ الساسية المتضمنة في الدين والفلسفة‬
‫والفن والنظرية العلمية‪ .‬فالسلم – باختصار – سوف ل يفقد نفسه في‬
‫المدنية الغربية إلى درجة انمحاء شخصيته على الرغم من استعمالها‬
‫للمنشط الخارجي حافًزا لبث روح الحياة فيه من جديد")‪.(4‬‬
‫]‪[5‬‬
‫"‪ ..‬ل مفّر لنا من أن نعترف‪ ..‬أن بطء التغيير في موقف العالم السلمي‬
‫عا من الضمان ضد الطراح الطائش للخصائص الساسية لمدنيته‬ ‫يعطي نو ً‬
‫التي ل ينبغي أن تطرح هكذا بسهولة‪ .‬وفي عبارة أخرى‪ ،‬أن هذا البطء في‬
‫تعديل الموقف – ولو أنه في بعض الحيان يفسد التطبيق الناجح للستمداد‬
‫فا لتأثير المواج الجنبية‬ ‫دا ملط ّ ً‬
‫عا داخلًيا قوًيا‪ ،‬أو س ً‬
‫المرغوب فيه – يكون دفا ً‬
‫التي سمح لها بالدخول في ميادين الفكار والنظم")‪.(5‬‬
‫______________________________________‬
‫الوحدة والتنوع في الحضارة السلمية‪) ،‬تحرير كرونباوم(‪ ،‬ص ‪. 189‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 191‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 193‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 193‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 194‬‬
‫كوستاف لوبون‬
‫]‪[1‬‬

‫‪77‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫"‪ ..‬مع ما أصاب حضارة العرب من الدثور‪ ،‬كالحضارات التي ظهرت قبلها‪:‬‬
‫لم يمس الزمن دين النبي ]صلى الله عليه وسلم[ الذي له من النفوذ ما له‬
‫في الماضي‪ ،‬والذي ل يزال ذا سلطان كبير على النفوس‪ ،‬مع أن الديان‬
‫الخرى التي هي أقدم منه تخسر كل يوم شيًئا من قوتها‪ ..‬وتجمع بين مختلف‬
‫الشعوب التي اتخذت القرآن دستوًرا لها وحدة اللغة والصلت التي يسفر‬
‫عنها مجيء الحجيج إلى مكة من جميع بلد العالم السلمي‪ .‬وتجب على‬
‫جميع أتباع محمد ]صلى الله عليه وسلم[ تلوة القرآن باللغة العربية بقدر‬
‫المكان‪ ،‬واللغة العربية هي لذلك أكثر لغات العالم انتشاًرا على ما يحتمل‪،‬‬
‫وعلى ما بين الشعوب السلمية من الفروق العنصرية ترى بينها من التضامن‬
‫الكبير ما يمكن جمعها به تحت علم واحد في أحد اليام")‪.(1‬‬
‫]‪[2‬‬
‫"كان سلطان السلم السياسي والديني قوًيا في بلد الهند‪ ،‬ورسخ فيها‬
‫ثمانية قرون بفضل ملوك السلم الذين تداولوا حكمها‪ ،‬ول يزال سلطان‬
‫ما في بلد الهند‪ ،‬وإن توارى سلطانه السياسي عنها‪ ،‬وهو‬ ‫السلم الديني قائ ً‬
‫ما نحو التساع")‪.(2‬‬ ‫يمضي قد ً‬
‫]‪[3‬‬
‫"تأثير دين محمد ]صلى الله عليه وسلم[ في النفوس أعظم من تأثير أي‬
‫دا لها تعمل‬
‫دين آخر‪ ،‬ول تزال العروق المختلفة التي اتخذت القرآن مرش ً‬
‫بإحكام كما كانت تفعل منذ ثلثة عشر قرًنا‪.(3)"..‬‬
‫]‪[4‬‬
‫"دخلت حضارة العرب في ذمة التاريخ منذ زمن طويل‪ ،‬ول نقول‪ ،‬مع ذلك‬
‫ما‪ ،‬فنرى الن ديانتهم ولغتهم اللتين أدخلوهما إلى العالم أكثر‬ ‫أنهم ماتوا تما ً‬
‫انتشاًرا مما كانتا عليه في أنضر أدوارهم‪ ..‬ول يزال السلم جاًدا في تقدمه‪..‬‬
‫واليوم يدرس القرآن‪ ،‬فيما عدا جزيرة العرب‪ ،‬في مصر وسورية وتركية‬
‫وآسية الصغرى وفارس وقسم مهم من روسية وأفريقية والصين والهند‪،‬‬
‫وتناول القرآن مدغشقر وأفريقية الجنوبية‪ ،‬وعرف في جزر المليو‪ ،‬وعلمه‬
‫أهل جاوة وسومطرة وتقدم إلى غينيا الجديدة‪ ،‬ودخل أمريكا مع زنوج‬
‫ما يقضي بالعجب‪ ..‬حيث اضطر‬ ‫أفريقية‪ ..‬ويتقدم السلم في الصين تقد ً‬
‫المبشرون الوروبيون إلى العتراف بالحدود وسيقوم السلم – كما يقول‬
‫وازيليف – مقام البوذية‪ ،‬ومسلمو الصين ل يشكون في ذلك وهذه المسألة‬
‫على جانب عظيم من الهمية‪ .‬فإذا اعتنقت الصين دين السلم تغيرت‬
‫ما وأمكن دين محمد ]صلى الله‬ ‫علقات العالم القديم السياسية تغيًرا عظي ً‬
‫دد النصرانية من جديد")‪.(4‬‬‫عليه وسلم[ أن يه ّ‬
‫______________________________________‬
‫حضارة العرب ‪ ،‬ص ‪. 126‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 186‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 417‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 7 61 – 616‬‬
‫كولد تسيهر‬
‫]‪[1‬‬

‫)‪(173 /‬‬

‫‪78‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫"أن تاريخ السلم زاخر بالمثلة الكثيرة التي تبين اجتماع مواهب العلم‬
‫الديني بصفات البطولة الحربية‪ ،‬وذلك في شخصيات قوية قادرة على‬
‫التوجيه والتنظيم‪ ..‬وإليك البطل السلمي الحديث‪ :‬المير عبد القادر‬
‫الجزائري الذي قاوم الفرنسيين مقاومة حربية باسلة عندما أخذوا في إخضاع‬
‫بلده الجزائر ولما انتهى جهاده جمع حوله في منفاه بدمشق طلبه ومريديه‬
‫الذين تابعوا في إصغاء واجتهاد دروسه في الفقه المالكي والعلوم الدينية‬
‫الخرى في السلم وممن يمثل هذه الظاهرة الفذة في تاريخ السلم‬
‫الحديث )شامل( بطل الستقلل القوقازي والمهديون الحربيون الذي ظهروا‬
‫في السودان والصومال والذين سمعنا كثيًرا من أخبارهم في أيامنا هذه‪..‬‬
‫ضا من صفوف طلب العلوم الدينية السلمية‪.‬‬ ‫وقد برز هؤلء المجاهدون أي ً‬
‫ومن أهم الحركات الدينية الحربية التي قامت بها المة العربية‪ ،‬تلك التي‬
‫أثارها في الزمنة الحديثة في أواسط بلد العرب محمد بن عبد الوهاب‬
‫المتوفى سنة ‪1787‬م‪ .‬فبعد أن درس مؤلفات ابن تيمية‪ ،‬وقد أقبل عليها‬
‫بشغف زائد‪ ،‬أثار في مواطنيه حركة دينية أساسها بواعث دينية‪ ،‬وسرعان ما‬
‫عظم أثرها وكثر أنصارها‪ ،‬ودفعت بالمة العربية المفطورة على الحرب إلى‬
‫خوض غمار القتال‪ ،‬فأحرزت عدة انتصارات حربية باهرة نشرت من نفوذها‬
‫وبسطت من سلطانها حتى تجاوزت شبه الجزيرة العربية إلى بلد العراق‪)"..‬‬
‫‪.(1‬‬
‫]‪[2‬‬
‫"أن المسلمين‪ ..‬ممن ناصروا المام محمد بن عبد الوهاب في دعوته ممن‬
‫تدفعهم الغيرة الدينية لتطهير السلم مما علق به من الشوائب‪ ،‬ليجدون في‬
‫السلم ميداًنا رحيًبا للعمل والنتاج‪ ..‬وقد شاهد السلم في الهند منذ قرن‬
‫حركات دينية من هذا القبيل‪ .‬فدعوة الشيخ محمد الصلحية انتشرت تعاليمها‬
‫وانبعثت من بلد العرب حتى بلغت هذا القطر السلمي‪ .‬وأن ما يهيئه الحج‬
‫إلى مكة من فرض الختلط والتصال بين المسلمين‪ ،‬لمما يعمل على إيقاظ‬
‫الهمم الدينية في نفوسهم‪ ،‬وتوجه الماني التي تجيش بها قلوبهم‪ ،‬وعلى‬
‫السعي لتحقيقها في القطار السلمية النائية")‪.(2‬‬
‫______________________________________‬
‫العقيدة والشريعة في السلم ‪ ،‬ص ‪. 266 – 265‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪ ، 283‬وانظر المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 284‬‬
‫برنادر لويس‬
‫]‪[1‬‬
‫"‪ ..‬أن السلم التركي نفسه الذي أظهر حديًثا‪ ،‬برغم فترة من الخفوت قوة‬
‫سا‪ ،‬إن لم يكن الرئيس الوحيد‬ ‫متجددة في تركية‪ ،‬ل يزال بوضوح عنصًرا رئي ً‬
‫في الوعي الجماعي لنسبة عظيمة من المة التركية")‪.(1‬‬
‫]‪[2‬‬
‫"أن الفكار التي يعبر عنها بالنكليزية والفرنسية للجانب ليست لها علقة‬
‫بالحياة الحقيقية للبلد ]السلمية[‪ .‬ومن جهة أخرى حينما تتجه العواطف‬
‫الشعبية لمكافحة الكفار‪ ،‬كما وقع في منطقة القنال ]‪،[1952 – 1951‬‬
‫تلقي استجابة قوية")‪.(2‬‬
‫______________________________________‬
‫الوحدة والتنوع في الحضارة السلمية‪) ،‬تحرير كرونباوم(‪ ،‬ص ‪. 465‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 520‬‬
‫ليندون هاريس‬

‫‪79‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]‪[1‬‬
‫"‪ ..‬أن السلم هو الديانة الوحيدة التي تعد على الدوام )تحدًيا( أو مناجزة‬
‫لجهود التبشير والمبشرين")‪.(1‬‬
‫]‪[2‬‬
‫"أن وسائل السلم ]في أفريقيا[ أقل من وسائل المبشرين‪ ..‬وليس في‬
‫الوسع أن ينبئ أحد بمصير المور في بلد تتوالى فيها المفاجآت على غير‬
‫انتظار‪ ،‬فل يبعد أن يميل رقاص الساعة كرة أخرى إلى جانب السلم‪ ،‬لنه‬
‫دا في هذه البلد")‪.(2‬‬‫عامل من العوامل الحاضرة أب ً‬
‫______________________________________‬
‫السلم في أفريقيا الشرقية‪ ،‬عن العقاد‪ :‬ما يقال عن السلم‪ ،‬ص ‪– 65‬‬
‫‪. 66‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 69‬‬
‫عائشة برجت هوني‬
‫]‪[1‬‬
‫"يعيش العالم الغربي اليوم في ظلم‪ ،‬وليس هناك أي بصيص من المل في‬
‫قيام الحضارة الغربية بتوفير سبيل لتخليص الروح والنفس‪ .‬فكل من يعرف‬
‫الوضع الحقيقي للمجتمعات الغربية يلمس هذا القلق والحيرة العالمية التي‬
‫تختفي خلف بريق التقدم والبداع المادي الزائف‪ .‬فالناس في الغرب‬
‫)والشرق( يبحثون عن مخّلص من العقبات التي تحيق بهم‪ .‬ولكنهم ل يرون‬
‫جا‪ .‬فبحثهم عقيم‪ ..‬والنسجام اللطيف في السلم بين مستلزمات‬ ‫منها مخر ً‬
‫الجسد ومتطلبات الروح يمكن أن يمارس تأثيًرا قوًيا في أيامنا هذه‪ .‬وبوسعه‬
‫أن يبّين للحضارة الغربية السبيل المؤدي إلى الفلح والخلص الحقيقيين وأن‬
‫يقدم للرجل الغربي التصور الحقيقي للحياة وأن يقنعه بالجهاد في سبيل‬
‫مرضاة الله‪.(1)"..‬‬
‫______________________________________‬
‫رجال ونساء أسلموا ‪. 64 – 63 / 1 ،‬‬
‫مونتكومري وات‬
‫]‪[1‬‬

‫)‪(174 /‬‬

‫"ل تزال – للمسلمين – إمكانية في تقديم دفاعهم بشكل أفضل وأكمل‬


‫لسائر العالم‪ .‬فهل بإمكانهم اللتفات إلى حياة محمد ]صلى الله عليه‬
‫وسلم[‪ ،‬واستخلص القيم العامة بعد فصلها عن التأثيرات الخاصة‪ ،‬واكتشاف‬
‫مبادئ أخلقية تكون إضافة فعلية لتحسين حالة العالم اليوم؟ أو هل‬
‫يستطيعون‪ ،‬على القل‪ ،‬أن يظهروا أن نبيهم ]صلى الله عليه وسلم[ يقدم‪،‬‬
‫بحياته‪ ،‬أحد النماذج الممكنة للنسان المثالي الذي يعيش في عالم موحد‬
‫عا‪ ،‬فهناك مسيحيون على‬ ‫عا بار ً‬
‫القيم الخلقية؟ إذا قدم المسلمون دفا ً‬
‫استعداد للستماع إليهم والخذ عنهم كل ما يمكن أخذه")‪.(1‬‬
‫]‪[2‬‬
‫"‪ ..‬لسوف ينجح المسلمون بصعوبة في جهدهم للتأثير على الرأي العام‬
‫العالمي‪ ،‬على القل فيما يتعلق بالمبادئ الخلقية‪ .‬وربما أمكنهم‪ ،‬في ميدان‬
‫الفكار الدينية الوسع أن يساعدوا على إغناء العالم لنهم احتفظوا بقوة‬
‫كبرى في التعبير عن بعض الفكار كحقيقة الله‪ ،‬تلك الفكار التي أهملت‬

‫‪80‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ونسيت في كثير من الطوائف والديان الخرى الموحدة")‪.(2‬‬


‫______________________________________‬
‫محمد في المدينة ‪ ،‬ص ‪. 509 – 508‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 509‬‬
‫كويلر يونغ‬
‫]‪[1‬‬
‫"‪ ..‬ليس من المعقول لثقافة حية كثقافة السلم‪ ،‬يدين بها ثلثمائة مليون من‬
‫النفس‪ ،‬أل يكون لها تأثير – بالفعل أو بالقوة – في الحضارة العالمية التي‬
‫أخذت في الظهور والتكامل في العصر الحديث‪.(1)"..‬‬
‫]‪[2‬‬
‫"‪ ..‬أن الوحدة السلمية قد أصيبت بالعطل‪ ،‬والمسؤول عن ذلك هو الحضارة‬
‫الغربية وعناصرها الدنيوية‪ ..‬ومع ذلك فإن بين شعوب السلم المتعددة‬
‫كا‪ ،‬وأصول ً عقدية تقوم عليها وحدة في الثقافة‪ ،‬ومن‬ ‫المختلفة مثال ً مشتر ً‬
‫واجب المسيحية أن تقدر هذه الظاهرة وتقلدها‪ .‬إن عالمنا هذا الذي مزقته‬
‫ما أعلى بيده مصير النسانية‪ ،‬ليجدر‬ ‫الجماعات المتحاربة‪ ،‬والذي ل يعرف حك ً‬
‫لسلم‪ ،‬ول شك أن‬ ‫ور الوحدة الجوهرية للحياة كما أسسها ا ٍ‬ ‫به أن يتدبر تص ّ‬
‫هذه الوحدة – في أحسن صورها – سيكون لها أثرها – بالقوة إن لم يكن‬
‫بالفعل – في الحاجات الروحية للناس في أيامنا الحاضرة")‪.(2‬‬
‫]‪[3‬‬
‫"للسلم نصيب آخر من الفضل متفرع عن سابقه‪ ،‬وهو ما حققه من‬
‫التسامح بين أجناس البشر‪ ..‬أن السلم – في إطار الخوة السلمية –‬
‫حا حقيقًيا فعلًيا في ميادين التسامح البشري")‬‫يستطيع أن يرى المسيحية نجا ً‬
‫‪.(3‬‬
‫]‪[4‬‬
‫"الفضل الثالث من أفضال السلم ذلك الروح الحقيقي من الديمقراطية في‬
‫عالم – ل شك – محتاج إلى أن يطابق فعله قوله في هذه الناحية‪.(4)"..‬‬
‫______________________________________‬
‫الثقافة السلمية والحياة المعاصرة‪ ،‬ص ‪. 255‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 256‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 256‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪. 256‬‬
‫لويس يونغ‬
‫]‪[1‬‬
‫"بدأ بعث الفكر السلمي في منتصف القرن الثالث عشر ]الهجري[ بظهور‬
‫دعوة محمد بن عبد الوهاب في نجد عام ‪1744‬م‪ .‬وقد هاجمت الدعوة‬
‫الوهابية النحلل الذي اعترى الناس في ممارستهم للدين‪ ،‬كما أدانت تقديس‬
‫الولياء‪ ،‬والشعائر التي أتى بها المتصوفة‪ ،‬وقد انتصرت هذه الحركة في‬
‫مكان نشوئها رغم النكسات التي تعرضت لها‪ .‬وكان لفكرة العودة إلى تعاليم‬
‫السلف الول أثر عميق في نفوس المسلمين أحدثته الدعوة الوهابية‪ ..‬كما‬
‫عادت سيادة العرب ومكانة السلم في القرن التاسع عشر في مصر على‬
‫إثر حركة الصلح التي قادها محمد عبده وخلل القرنين الثامن عشر والتاسع‬
‫عشر انتعشت الحركة الصوفية‪ ..‬ولعبت دوًرا في مقاومة المد الوروبي‪.‬‬
‫ففي عام ‪1871‬م ظهرت التيجانية نسبة إلى التيجاني وفي عام ‪1873‬‬
‫ظهرت السنوسية نسبة إلى محمد بن علي السنوسي‪ .‬ولم تكن السنوسية‬

‫‪81‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حركة انتعاش ديني فحسب وإنما كانت منظمة لمقاومة الستعمار الوروبي‪،‬‬
‫وقد قاومت الفرنسيين في أفريقيا واليطاليين في ليبيا‪ ..‬ولقد بدأ المصلحون‬
‫الدينيون على المناشدة المستمرة الداعية إلى تطهير المعتقدات الدينية‬
‫وتصعيد المستويات الفكرية من خلل توسيع آفاق الثقافة")‪.(1‬‬
‫_________________________________________‬
‫)‪ (1‬العرب وأوروبا ‪ ،‬ص ‪. 185 – 184‬‬
‫مدخل‬
‫الفصل الول ‪ -‬القرآن الكريم‬
‫الفصل الثاني ‪ -‬رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫الفصل الثالث‪ -‬السلم‬
‫الفصل الرابع‪ -‬معطيات السلم التاريخية‬
‫الفصل الخامس الحضارة السلمية‬
‫الفصل السادس ‪ -‬المرأة والسرة‬
‫الفصل السابع‪ -‬واقع السلم الراهن ومستقبله القريب والبعيد‬

‫)‪(175 /‬‬

‫قالوا في القراءات القرآنية‬


‫كتب القراءات القرآنية عبارات ومصطلحات مهمة‪ ،‬تكشف حقيقة‬ ‫وردت في ُ‬
‫ضا منه؛ وفي مقالنا هذا نسلط الضوء على‬ ‫ضح ما كان غام ً‬ ‫هذا العلم‪ ،‬وتو ّ‬
‫بعض تلك العبارات التي وقفنا عليها في مراجع هذا العلم‪ .‬من ذلك قولهم‪:‬‬
‫سّنة مت ّب ََعة‪ ،‬يلزم َقبولها‪ ،‬والمصير إليها‪.‬‬ ‫‪ -‬القراءة ُ‬
‫ً‬
‫‪ -‬وقالوا‪ :‬أصح القراءات سندا‪ ،‬قراءة نافع و عاصم‪ ،‬وأفصحها قراءة أبي‬
‫عمرو والكسائي‪.‬‬
‫‪ -‬وقالوا‪ :‬ضابط القراءة الصحيحة‪ :‬صحة السند‪ ،‬وموافقة الرسم العثماني‪،‬‬
‫وموافقة العربية‪ ،‬واشتهارها بالقبول عند علماء القراءات‪.‬‬
‫‪ -‬وأجمعوا على لزوم اتباع رسم المصاحف العثمانية في الوقف؛ إبدال‪ً،‬‬
‫ل‪ ،‬وقطعًا‪.‬‬ ‫وإثباتًا‪ ،‬وحذفًا‪ ،‬ووص ً‬
‫‪ -‬وقالوا‪ :‬كل ما جاز الوقف عليه‪ ،‬جاز البتداء بما بعده‪.‬‬
‫‪ -‬وقالوا‪ :‬ل ُيعمل في شيء من حروف القرآن على الفشى في اللغة‪،‬‬
‫والقيس في العربية‪ ،‬بل الثبت في الثر‪ ،‬والصح في النقل والرواية؛ فإذا‬
‫س عربية‪ ،‬ول فشو لغة‪.‬‬ ‫ثبتت القراءة لم يردها قيا ُ‬
‫ضا‪ :‬اللغة إنما تثبت بالقراءة‪ ،‬وليس العكس‪.‬‬ ‫‪ -‬وقالوا أي ً‬
‫ونضيف أخيًرا‪ :‬إن من أهم الكتب التي أّلفت في علم القراءات‪ ،‬الكتب التية‪:‬‬
‫‪ -‬كتاب "السبعة" ومؤلفه ابن مجاهد‪ ،‬المتوفى ‪324‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬كتاب "التبصرة في القراءات السبع" ومؤلفه مكي بن طالب‪ ،‬المتوفى‬
‫‪437‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬كتاب "التيسير في القراءات السبع" ومؤلفه عثمان بن سعيد الداني‪،‬‬
‫المتوفى ‪444‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬منظومة "حرز الماني ووجه التهاني" في القراءات السبع‪ ،‬ومؤلفه قاسم‬
‫بن فِي ُّرة الشاطبي‪ ،‬المتوفى ‪590‬هـ‪ ،‬وهو نظم لكتاب "التيسير" للداني‪.‬‬
‫حا‪ ،‬واختصاًرا‪ ،‬وزيادة‪،‬‬
‫واشتهرت باسم الشاطبية‪ ،‬اشتغل بها العلماء شر ً‬
‫ولقت قبول ً بين الناس‪.‬‬
‫‪ -‬كتاب "النشر في القراءات العشر" مؤلفه ابن الجزري‪ ،‬المتوفى ‪833‬هـ؛‬

‫‪82‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وهو من أجمع الكتب المصنفة في علم القراءات‪ ،‬حتى وصفه بعض أهل‬
‫العلم بقوله‪" :‬الكتاب الذي لم ُيسبق إلى مثله" والواقع أن كل من صّنف في‬
‫القراءات بعده كان عالة عليه‪.‬‬
‫إضافة إلى العديد من الكتب المتقدمة والمعاصرة التي كتبت في علم‬
‫القراءات‪ ،‬مما ل يتسع المقام لذكرها‪ ،‬وفيما ذكرنا ُ‬
‫غنية إن شاء الله وبالله‬
‫التوفيق‪ ،‬وهو حسبنا ونعم الوكيل‪ ،‬والحمد لله رب العالمين‪.‬‬
‫‪29/12/2003‬‬
‫‪ http://www.islamweb.net‬المصدر ‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫قانون الخلق‬
‫زهير سالم‬
‫من أين تنبع الخلق ؟‬
‫سؤال قديم متجدد طرحه الفلسفة والمفكرون وعلماء السياسة والجتماع‪.‬‬
‫أجاب عليه الرسل عليهم السلم‪ ،‬واختلف فيه البشر ومايزالون‪..‬‬
‫في الرؤية )الحداثية( المنبتة عن الجذور النسانية المهومة في آفاق الرغبة‬
‫المنفلتة تنبع الخلق من )المجتمع(‪.‬‬
‫فلكل مجتمع أن يصوغ قيمه وقوانينه الخلقية‪ ،‬ثم يفرضها على أبنائه‪ ،‬وعلى‬
‫الخرين إن كان يمتلك القوة المادية التي تخوله ذلك‪.‬‬
‫فمهما قلنا إن الحرب على أفغانستان والعراق كانت بوشية‪ ،‬ومهما حاولنا أن‬
‫نحيد النسان المريكي عن معادلة إمبراطورية الشر في سعيها لفرض قيمها‬
‫على الشعوب الخرى‪ ،‬ومنها شعوبنا في إطار مشروع )الشرق الوسط‬
‫الكبير( ؛ فإن هذه الحروب قد نالت موافقة الكونغرس المريكي‪ ،‬ومجلس‬
‫العموم البريطاني على حد سواء‪ .‬وهي حسب المنطوق الديموقراطي‬
‫الرأسمالي‪ ،‬بوجهيها )العنيف( و)الديبلوماسي( حرب أخلقية خيرة تعبر عن‬
‫رؤية أكثرية متحضرة ومقتدرة‪.‬‬
‫المثل الذي ضربناه في هذا السياق مثل صارخ فاقع‪ ،‬ولكنه في الوقت نفسه‬
‫صالح لبيان خطورة ما يطرحه البعض حول تحطيم كل الثوابت في حياة‬
‫المم‪ ،‬والجري دائما ً وراء رأي الكثرية واعتباره المرجعية الولى والخيرة‪..‬‬
‫قد تشرب الكثرية يوما ً من نهر الجنون‪ ،‬وقد تصاب بعمى اللوان‪ ،‬وقد‬
‫تغشى بصيرتها الرغبة أو الغضب ؛ وهنا تبرز الثوابت كعاصم ومستند تضع‬
‫خطا ً أحمر أمام غرور النسان واندفاعه وصلفه‪..‬‬
‫الشرائع الربانية أكدت على أن هذه الخطوط الحمراء تنبع من الشريعة‬
‫نفسها )الحسن ما حسنه الشرع والقبيح ما قبحه‪ .(..‬والفلسفة والمفكرون‬
‫تحدثوا عن القانون الطبيعي )قانون الفطرة( في أصل الخلق‪ .‬القانون الذي‬
‫يجعل قطك حين تطعمه يأكل لقمته بجانبك‪ ،‬ويجعله حين يخطف تلك اللقمة‬
‫من بين يديك يمضي بها بعيدًا‪.‬‬
‫في شرعة السلم أخذت كل المقاييس أبعادها‪ .‬فسبقت الشريعة إلى تحديد‬
‫الحسن والقبيح والخير والشر‪ ..‬وحين تختلط المور على الفرد في بعض‬
‫الحايين‪ ،‬رد النسان إلى الحقيقة الفطرية تعزز الحقيقة الشرعية‪) :‬استفت‬
‫قلبك‪ ..‬وإن أفتوك وأفتوك( وقال له ثانية )والثم ما حاك في صدرك وكرهت‬
‫أن يطلع عليه الناس(‪.‬‬
‫ثم أعطى الجماعة )الكثرية( دورها في تحديد بعض المساحات الخيرة‬

‫‪83‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والشريرة‪ ..‬فسمى ما تعارف عليه الناس وألفوه )معروفًا( وما أعرضوا عنه‬
‫واستهجنوه )منكرًا(‪.‬‬
‫حقيقة أن الضمير الفطري ضمير رباني‪ ،‬وليس ضميرا ً اجتماعيا ً فقط هي‬
‫تلك التي يغالط فيها المغالطون‪ ،‬وهي ركيزة أساس في التفريق بين‬
‫مجتمعات الرغبة والهوى ومجتمعات السداد والرشاد‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫قانون العرض والطلب‪ ,‬بين تحكيمه‪ ,‬والتحكم فيه!‬


‫د ‪ .‬يوسف بن أحمد القاسم ‪30/3/1427‬‬
‫‪28/04/2006‬‬
‫رجع أحمد إلى بيته من صالة التداول يجر رجليه في خطى متثاقلة‪ ،‬وعينين‬
‫حائرتين‪ ،‬ونفس مثقلة بالهموم‪ ،‬وقد بدت على وجهه ملمح الدهشة‬
‫والوجوم‪ ،‬فلم يأت لهله وأولده بوجبة الطعام كعادته‪ ,‬ولم يجلس مع أطفاله‬
‫يمازحهم ويمازحونه كما عودهم‪ ,‬بل ألقى بنفسه على الرض ل يلوي على‬
‫شيء‪ ,‬مثقل ً بالهموم والديون التي ألقاها على عاتقه من يعبد الدرهم‬
‫والدينار‪ ,‬والصبية من حوله يتضاغون عند قدمه من فرط الجوع والدهشة‪,‬‬
‫وحين سألته أم أولده عن حاله؟ أجابها بصوته المنكسر‪ :‬لقد ظهرت هوامير‬
‫بشرية في السوق تأكل اليابس والخضر‪ ,‬وتلفظه فيتحول بقدرة الله تعالى‬
‫إلى أحمر فاقع لونه ل يسر الناظرين!! وهذه الهوامير المخيفة وإن كانت‬
‫كبيرة الحجم لكنها ل ترى في النور‪ ,‬يصطادون في وضح النهار صيودا ً ل‬
‫يذكرون اسم الله عليها؛ لن الحلل عندهم ما حل في أيديهم‪ ,‬والحرام ما‬
‫رموه!!‬‫ح ِ‬
‫ُ‬
‫واكتشف أحمد بعد فوات الوان‪ ,‬أن السوق الذي ابتلع ماله فلم يبق منه إل‬
‫كالنقطة البيضاء في جلد الثور السود‪ ,‬أو كالرقمة في ذراع الحمار‪ ,‬أن ذلك‬
‫السوق ل يتحكم فيه قانون العرض والطلب‪ ,‬بل يتحكم فيه من يعبث بكمية‬
‫السهم بيعا ً وشراء بقصد قلب موازين السوق لملء جيوبه‪ ,‬وشق جيوب‬
‫الخرين!! أل ساء مايزرون‪.‬‬
‫وهذه قضية جد خطيرة‪ ,‬وهي العبث بقانون العرض والطلب لتحقيق مصالح‬
‫شخصية‪ ,‬وإن كانت على حساب الخرين‪ ،‬ولشك أن من أبجديات نظام‬
‫سوق البيع والشراء التي ل تحتاج إلى برهان‪:‬‬
‫أن ارتفاع قيم السلع وانخفاضها خاضع لقانون العرض والطلب‪ ,‬فكلما زاد‬
‫الطلب على سلعة أو على أسهم ما زادت القيمة‪ ,‬وكلما انخفض الطلب وزاد‬
‫العرض انخفضت القيمة‪ ,‬تبعا ً لذلك‪.‬‬
‫وحيث إن هذا القانون المألوف جزء ل يتجزأ من حياة السوق الطبيعية‪ ,‬لذا‬
‫منع شرعنا الحنيف من التدخل في هذا النظام بأي أسلوب كان؛ لما يؤدي‬
‫إليه هذا التدخل أو التحكم من إلحاق الضرر بالمتعاملين في السوق في‬
‫أغلب الحوال‪ ,‬وأقرب شاهد على هذا ما تشهده سوق السهم السعودية من‬
‫تحكم بعض المضاربين في قوى العرض والطلب‪ ,‬حتى أصبح كثير من الغرار‬
‫عالة يتكففون الناس‪.‬‬
‫وفي سوق العصر القديم أساليب كثيرة للتحكم في قانون العرض والطلب‪,‬‬
‫وقد حرمها الشارع وحذر منها‪ ,‬وهي ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬النجش في البيع والشراء‪ ,‬وهو أن يوهم الناجشون بأن لهم رغبة في‬
‫السلعة ‪-‬بأي أسلوب كان‪ -‬مما يرغب فيها السوام الحاضرون للشراء‪ ,‬فيزيد‬

‫‪84‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ثمنها؛ إما ليجر الناجش لنفسه أو للبائع نفعًا‪ ,‬أو بقصد الضرار بالمشتري‪,‬‬
‫وحيث إن هذا السلوب مما ل يتفق مع خلق المسلم‪ ,‬لذا جاء النهي عنه‪ ,‬كما‬
‫في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنه )أن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫نهى عن النجش( وفي رواية لهما )ول تناجشوا( ومن صور النجش المعاصرة‬
‫ما يقوم به بعض أولئك المضاربين في سوق السهم من تقديم عروض أو‬
‫طلبات وهمية بأسعار معينة يقصد بها التأثير على أسعار السوق من أجل‬
‫جني الرباح ولو على حساب من يبحث عن لقمة عيش لولده! وهو أسلوب‬
‫بالغ في القبح والدناءة‪.‬‬
‫‪ -2‬ومن هذا الباب ممارسة الكذب‪ ,‬ونشر الشائعات في السوق‪ ,‬كإشاعة‬
‫خبر تنامي الطلب على أسهم شركة ما‪ ,‬مما يرغب الناس في الشراء‪ ,‬حتى‬
‫أصبح من المقولت السائدة في السوق‪) :‬اشتر على الشاعة وبع على‬
‫الخبر( وهذا السلوك الخاطئ حذر منه نبينا صلى الله عليه وسلم في قوله‪:‬‬
‫)ثلثة ل يكلمهم الله ول ينظر إليهم يوم القيامة ول يزكيهم ولهم عذاب أليم(‬
‫وذكر منهم‪) :‬المنفق سلعته بالحلف الكاذب( وفي الصحيحين عنه صلى الله‬
‫عليه وسلم أنه قال عن المتبايعين‪) :‬إن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما ‪,‬‬
‫وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما(‪.‬‬
‫‪ -3‬ومن أساليب التحكم في قانون العرض والطلب‪ :‬الحتكار للسلع التي‬
‫تمس حاجة الناس إليها‪ ,‬حيث يحبس المحتكر السلعة عن المستهلكين حتى‬
‫تقل في السوق ويكثر طلبها والبحث عنها‪ ,‬ثم يعرضها في السوق بعد ارتفاع‬
‫قيمتها‪ ,‬وهو أسلوب ينم عن ضعة نفس صاحبه‪,‬ولهذا حرمه الشارع‪ ,‬كما في‬
‫صحيح مسلم عن معمر بن عبد الله رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪) :‬من احتكر فهو خاطئ( أي ‪ :‬مذنب؛ لن الخاطئ في‬
‫لغة العرب‪ :‬من يتعمد الخطأ‪ ,‬ولهذا قال تعالى في طعام أهل النار‪) :‬ل يأكله‬
‫إل الخاطئون( وهذا بخلف المخطئ‪ ,‬فهو من يقع منه الخطأ بغير قصد‪ ,‬وهذا‬
‫مما عفا الله تعالى عنه‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪-4‬ومن أساليب التحكم في قانون العرض والطلب‪ :‬ما جاءت به النصوص‬


‫الشريفة من النهي عن تلقي الجلب والركبان‪ ,‬وذلك بأن يتلقى المقيم من‬
‫يقدم إليه من الباعة الغرباء‪ ,‬ممن يحملون معهم البضائع والسلع التي تمس‬
‫الحاجة إليها‪ ,‬وذلك لبيعها في السوق‪ ,‬فمنع المقيم )الحاضر( من تلقيهم‬
‫لحكم كثيرة‪ ,‬منها‪ :‬أن الفرد إذا تلقى الركبان فاشترى منهم جميع البضاعة‪,‬‬
‫أو كان لهم سمسارًا‪ ,‬فإنه بطبيعة الحال سيقل العرض؛ لن العارض واحد‪,‬‬
‫وليسوا جماعة‪ ,‬وبهذا تغلو السعار‪ ,‬ويتضرر أهل السوق‪ ,‬ولهذا ‪-‬وغيره‪ -‬منع‬
‫الشارع الحكيم من تلقي الركبان‪ ,‬كما في الصحيحين عن ابن عباس رضي‬
‫الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪) :‬ل تلقوا الركبان‪ ,‬ول‬
‫يبع حاضر لباد( وفي لفظ لمسلم‪) :‬ل تلقوا الجلب(‪.‬‬
‫‪ -5‬ومن أساليب التحكم في قانون العرض والطلب‪ :‬تسعير السلع‪ ,‬وتحديدها‬
‫بأثمان معينة‪ ,‬ولهذا لما طلب الصحابة رضي الله عنهم من النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ذات مرة أن يسعر لهم حين غلت السعار في المدينة‪ ,‬رفض‬
‫ذلك‪ ,‬وقال عليه الصلة والسلم‪) :‬إن الله هو المسعر القابض‪ ,‬الباسط‬
‫الرازق‪ ,‬وإني لرجو أن ألقى الله تعالى وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في‬
‫دم ول مال(‪ ،‬وفي هذا إشارة إلى أن التدخل في شأن السوق دون مسوغ‬

‫‪85‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫شرعي ذريعة للحاق الظلم بالمتبايعين‪ .‬والحديث أخرجه الخمسة إل‬


‫النسائي‪ ,‬وإسناده على شرط مسلم‪ .‬واستثنى أهل العلم من المنع من‬
‫التسعير‪ ,‬ما إذا احتكر بعض الباعة سلعة من السلع مما تمس الحاجة إليها‪,‬‬
‫فإن لولي المر حينئذ أن يتدخل بتسعير تلك السلعة؛ حتى ل يصبح الناس‬
‫بعامة ألعوبة بيد حفنة من الناس ل يهمها إل مصالحها الخاصة‪ ,‬ولهذا كان من‬
‫المر الرشيد أن تسعر بعض السلع والخدمات التي تحتكرها جهة واحدة‪,‬‬
‫كالغاز‪ ,‬والكهرباء‪ ,‬والماء‪.... ,‬الخ‬
‫ومما تقدم‪ ,‬يتبين لنا أن ما يقوم به بعض كبار المضاربين في سوق السهم‬
‫من تحكم في قانون العرض والطلب أنه من الممارسات الخاطئة التي‬
‫حرمها السلم منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا‪ ,‬ولهذا رأينا له آثاره الخطيرة‬
‫في السوق‪ ,‬والتي أدت إلى انتكاسات ل يعلم عاقبتها إل الله‪ ,‬ناهيك عما في‬
‫ل‪ -‬من إشكالت كثيرة أشرت إليها في المقال السابق‪.‬‬ ‫أسلوب المضاربة‪-‬أص ً‬
‫ومن الواجب أن تقوم هيئة سوق المال بالقضاء على هذه المظاهر السلبية‬
‫المؤدية إلى استنساخ عروض وطلبات وهمية ل طعم لها ول رائحة‪ ,‬أثرت‬
‫سلبا ً على القانون الطبيعي للعرض والطلب‪ ,‬كما أثر الستنساخ في قانون‬
‫التوالد الطبيعي عبر التكاثر غير المشروع‪ ,‬والذي ما يفتأ أن يموت في‬
‫لحظته‪ ,‬أو بعدها بقليل‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫قانون الهدى والضلل‬


‫الدكتور عبدالكريم زيدان‬
‫هدى الله هو الهدى ‪:‬‬
‫قال تعالى ‪ ) :‬ولن ترضى عنك اليهود ول النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن‬
‫هدى الله هو الهدى( ‪ ،‬أي قل يا محمد إن هدى الله الذي بعثني به هو الدين‬
‫المستقيم الصحيح الشامل ‪ ،‬وهو الهدى الحقيقي الذي يصح أن يسمى هدى‬
‫وهو الهدى كله ليس وراءه هدى‪.‬‬
‫هدى الله هو السلم‪:‬‬
‫ً‬
‫وهدى الله الذي هو الهدى ‪ ،‬أرسل به محمدا صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬قال‬
‫تعالى ‪ ) :‬هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق( ‪ ،‬هذا الهدى هو السلم‬
‫الذي فيه الهدى كله ليس وراءه هدى ‪ ،‬قال الزمخشري في قوله تعالى ‪:‬‬
‫) قل إن هدى الله هو الهدى( يعني أن هدى الله الذي هو السلم هو الهدى‬
‫الحق والذي يسمى هدى الله وهو الهدى كله ليس وراءه هدى ‪ ،‬وما تدعون‬
‫اتباعه أيها اليهود والنصارى ما هو بهدى إنما هو هوى‪.‬‬
‫من يترك هدى الله يتركه الله وما اختاره ‪:‬‬
‫قال تعالى ‪ ) :‬ومن يشاقق الرسول من بعد منا تبين له الهدى ويتبع غير‬
‫سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرًا( ‪ ،‬هدى الله هو‬
‫السلم وهو سبيل المؤمنين ‪ ،‬فمن يشاقق الرسول صلى الله عليه وسلم –‬
‫أي يعاديه – فل يتبع السلم ويتبع غير سبيل المؤمنين بعد أن تبين له هدى‬
‫الله فإن الله تعالى يتركه وشأنه وما اختاره لنفسه من ضلل ‪ .‬ومن المعلوم‬
‫أن ما اختاره لنفسه هو سبيل الضلل لنه ليس بعد الحق – السلم الذي‬
‫تركه‪ -‬إل الضلل ‪ ،‬قال تعالى ‪ ) :‬فماذا بعد الحق إل الضلل فأنى تصرفون ( ‪.‬‬
‫تهديد من يتبع غير هدى الله ‪:‬‬
‫هدى الله هو السلم وهو الحق الواجب التباع وما عداه هو الضلل الواجب‬

‫‪86‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تركه والقلع عنه ‪ ،‬فمن تمسك به خسر تولي الله له ونصرته إياه وكان من‬
‫الظالمين ‪ ،‬قال تعالى مخاطبا ً رسوله صلى الله عليه وسلم والمر لمته ‪:‬‬
‫) ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ول‬
‫نصير(‪ .‬قال ابن كثير في تفسيرها‪ :‬في هذه الية تهديد ووعيد شديد للمة‬
‫عن اتباع طوائف اليهود والنصارى بعدما علموا من القرآن والسنة عياذا ً بالله‬
‫من ذلك‪ .‬فإن الخطاب مع الرسول والمر لمته‪.‬‬
‫وفي آية أخرى قال تعالى ‪ ) :‬ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من‬
‫العلم إنك إذن من الظالمين(‪ .‬والذي جاءه من العلم هو هدى الله وما شرعه‬
‫له من أمور السلم ‪ ،‬فإذا فرض مجرد فرض أن تتبع ما يهواه اليهود‬
‫والنصارى إنك إذن لمن الظالمين ‪ ،‬فالخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫والمراد أمته‪.‬‬
‫وفي الية تهديد ووعيد لمن يتبع أهل الباطل في باطلهم وأهوائهم استمالة‬
‫لهم ‪ ،‬فقد جاء في تفسير المنار بشأن هذه الية‪ :‬هذا الخطاب بهذا الوعيد‬
‫لعلى الناس مقاما ً عند الله تعالى وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫هو أشد وعيد لغيره ممن يتبع الهوى ويحاول استرضاء الناس بمجاراتهم على‬
‫ما هم عليه من الباطل ‪ ،‬فإنه أورده بالخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫مع أن المراد أمته ليعلم المؤمنين أن أتباع أهواء الناس ولو لغرض صحيح هو‬
‫من الظلم العظيم الذي يقطع طريق الحق ويردي الناس في مهاوي الباطل‪.‬‬
‫ل حزن ول خوف على متبع هدى الله ‪:‬‬
‫قال تعالى ‪ ) :‬قلنا اهبطوا منها جميعا ً فإما يأتيكم منى هدى فمن تبع هداي‬
‫فل خوف عليهم ول هم يحزنون(‪ .‬قال ابن كثير في تفسير الية‪ :‬أي من أقبل‬
‫على ما أنزلت به الكتب وأرسلت به الرسل فل خوف عليهم فيما يستقبلونه‬
‫من أمر الخرة ول هم يحزنون على ما فاتهم من أمور الدنيا‪.‬‬
‫وفي تفسير المنار ‪ :‬المهتدون بهدى الله تعالى ل يخافون مما هو آت ول‬
‫يحزنون على ما فات لن أتباع الهدى يسهل عليهم سبيل اكتساب الخيرات‬
‫ويعدهم لسعادة الدنيا والخرة ‪ ،‬ومن كانت هذه وجهته يسهل عليه كل ما‬
‫يستقبله ويهون عليه كل ما أصابه أو فقده لنه موقن بأن الله يخلفه‪.‬‬
‫طيب العيش لمتبع الهدى ‪ ،‬والعيش الضنك للمعرض عنه ‪:‬‬
‫قال تعالى ‪ ) :‬قال اهبطا منها جميعا ً بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني‬
‫هدى فمن اتبع هداي فل يضل ول يشقى ‪ .‬ومن أعرض عن ذكري فإن له‬
‫معيشة ضنكا ً ونحشره يوم القيامة أعمى‪ .‬قال رب لم حشرتني أعمى وقد‬
‫كنت بصيرا ً ؟ قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى‪ .‬وكذلك نجزي‬
‫من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الخرة أشد وأبقى(‪ .‬فهذه اليات‬
‫بينت سنة الله في متبع هداه وسنته في المعرض عنها‪ .‬والمقصود بهدى الله‬
‫في هذه الية كتبه التي أنزلها على رسله لتبليغها للناس‪ .‬وفسر بعضهم‬
‫)هدى الله( بأنه القرآن الكريم لما روي عن ابن عباس أنه قال‪) :‬أجار الله‬
‫تعالى تابع القرآن من أن يضل في الدنيا أو يشقى في الخرة‪ .‬ثم قرأ هذه‬
‫الية(‪.‬‬
‫والواقع أن )هدى الله( يشمل جميع كتبه التي أنزلها الله تعالى على رسله‬
‫وأمرهم بتبليغ محتوياتها من الهدى للناس ‪ ،‬ول شك أن القرآن من جملتها ‪،‬‬
‫بل وأفضلها ‪ ،‬وحيث أنه آخرها ‪ ،‬وأن اتباعه هو الواجب دونها ‪ ،‬فبهذا العتبار‬
‫جاز وصح تفسير )هدى الله( في هذه الية بأنه القرآن الكريم كما هو المروي‬
‫عن ابن عباس‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫سنة الله في متبع هداه ‪ ،‬ودليلها ‪:‬‬


‫قلنا ‪ :‬إن سنة الله في متبع هداه – أي القرآن – هو تمتعه بطيب العيش في‬
‫الدنيا ‪ ،‬ودليل هذه السنة قوله تعالى ‪ ) :‬فمن اتبع هداي فل يضل ول يشقى(‪.‬‬
‫قال ابن عباس ‪) :‬ل يضل في الدنيا ول يشقى في الخرة( ‪ ،‬والضلل في‬
‫الدنيا النحراف عن السلم ‪ ،‬والشقاء في الخرة العقاب فيها‪.‬‬
‫قال الزمخشري في قوله تعالى ‪ ) :‬فل يضل ول يشقى( ‪ ،‬والمعنى أن‬
‫الشقاء في الخرة هو عقاب من ضل في الدنيا عن طريق الدين فمن اتبع‬
‫كتاب الله وامتثل أوامره وانتهى عن نواهيه نجا من الضلل ومن عقابه(‪.‬‬
‫ولكن نظم الية وسياقها يتسعان للقول بأن الشقاء المنتفي عن متبع القرآن‬
‫يشمل انتفاءه عنه في الدنيا والخرة ‪ ،‬وهذا التفسير هو أحد الوجوه في‬
‫تفسير قوله تعالى ‪) :‬فل يضل ول يشقى( والذي ذكره المام الرازي في‬
‫تفسيره لهذه الية ‪ ،‬وأورد على هذا الوجه من التفسير سؤال ً فقال ‪ ) :‬الوجه‬
‫الثالث ‪ -‬أي في تفسيرها – ل يضل ول يشقى في الدنيا‪ .‬فإن قيل‪ :‬المتبع‬
‫لهدى الله قد يلحقه الشقاء في الدنيا‪ .‬قلنا‪ :‬المراد ل يضل في الدين ول‬
‫يشقى بسبب الدين ‪ ،‬فإن حصل الشقاء بسبب آخر فل بأس(‪.‬‬
‫والواقع أن متبع هدى الله – أي القرآن الكريم – يحيا حياة طيبة كما وعد الله‬
‫تعالى وكما هو مقتضى سنته ‪ ،‬قال تعالى ‪ ) :‬من عمل صالحا ً من ذكر أو‬
‫أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا‬
‫يعلمون( ‪ ،‬والشأن بمتبع هدى الله – القرآن الكريم – أنه مؤمن ويعمل‬
‫الصالحات وإل لما كان متبعا ً للقرآن ‪ ،‬والحياة الطيبة التي يحياها ل يشقى‬
‫فيها قطعا ً ‪ ،‬لنها تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت كما قال ابن كثير في‬
‫تفسيره‪ .‬ولن الشقاء ينافي الحياة الطيبة التي يتمتع بها متبع القرآن ‪،‬‬
‫فالشقاء إذن منفي عنه في الدنيا ‪ ،‬كما أن الضلل منفي عنه في الدنيا‪ .‬ولن‬
‫متبع هدى الله همه مرضاة الله فهو قانع بما قسمه الله له في الدنيا غير‬
‫متسخط على ذلك ‪ ،‬لنه سعيد بما أنعم الله عليه من نعمة الدين ‪ ،‬فهو في‬
‫عيش طيب رغيد ‪ ،‬لن تطلعه – بعد أن أنعم الله عليه بالسلم – إلى ما عند‬
‫الله ل إلى الدنيا ومتاعها الزائل ‪ ،‬فهو ل يحرص على تحصيله وإن كان ل‬
‫يرفضه إذا جاءه ول يأسف إذا فاته فهو في طيب عيش وحياة طيبة قطعا‪ً.‬‬
‫سنة الله في المعرض عن هداه ودليلها ‪:‬‬
‫وأما سنة الله في المعرض عن هداه ‪ ،‬وهي عيشة الضنك ‪ ،‬كما قلنا ‪ ،‬فهذه‬
‫السنة ودليلها في قوله تعالى ‪) :‬ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا(ً‬
‫إلخ ‪ ،‬وذكر الله هو قرآنه أو دينه السلم ‪ ،‬والعراض عنه يعني تركه وعدم‬
‫اتباعه ‪ ،‬وابتغاء الهدى من غيره‪ .‬قال ابن كثير رحمه الله تعالى ‪ ) :‬ومن‬
‫أعرض عن ذكري( أي خالف أمري وما أنزلته على رسولي وأعرض عنه‬
‫وتناساه وأخذ من غيره هداه‪.‬‬
‫وهذا المعرض عن هدى الله له المعيشة الضنك أي الضيقة في الدنيا ‪ ،‬لن‬
‫الضنك أصله الضيق والشدة‪ .‬ووجه ضيق معيشته أنه شديد الحرص على‬
‫الدنيا متهالك عليها وعلى الزيادة منها خائف من انتقاصها ‪ ،‬ل طمأنينة له ول‬
‫انشراح لصدره ‪ ،‬بل صدره ضيق حرج لضلله ‪ ،‬وإن تنعم ظاهره ولبس ما‬
‫شاء وأكل ما شاء وسكن حيث شاء فإن قلبه ما لم يعمره هدى الله ل يحس‬
‫بسعادة ول بطيب العيش‪ .‬وهذا في الدنيا‪.‬‬
‫أما في الخرة فقد مضت سنة الله في الجزاء أنه سيصيبه عقاب المعرضين‬

‫‪88‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عن هداه ‪ ،‬ومن هذا العقاب حشره يوم القيامة أعمى لعماه عن آيات الله‬
‫وهداه ‪ ،‬قال تعالى مخبرا ً عن هذا الجزاء وسببه ‪ ) :‬ومن أعرض عن ذكري‬
‫فإن له معيشة ضنكا ً ونحشره يوم القيامة أعمى‪ .‬قال رب لم حشرتني أعمي‬
‫وقد كنت بصيرًا‪ .‬قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى( ‪ ،‬والمعنى‬
‫أن هذا المعرض عن هدى الله يحشر يوم القيامة أعمى فيقول ‪ ) :‬رب لم‬
‫حشرتني أعمى وقد كنت بصيرًا( أي في الدنيا فيقول الله تعالى له ‪ ) :‬كذلك‬
‫أتتك آياتنا فنسيتها( أي لما أعرضت عن آيات الله وعاملتها معاملة من لم‬
‫يذكرها بعد بلغها إليك فأنت قد عميت عنها لن من عمي عن شيء نسيه‬
‫وتركه ) وكذلك اليوم تنسى( أي تترك في العمى كما كنت أعمى عن آيات‬
‫الله ‪ ،‬جزاء وفاقا ً لن الجزاء من جنس العمل‪.‬‬
‫وهذا العقاب الذي ينتظر المعرض عن هدى الله هو أشد وأبقى من عذاب‬
‫الدنيا‪ .‬وسيصيب أيضا ً المسرفين المكذبين بآيات الله ما أصاب المعرضين‬
‫عن هدى الله من العيش الضنك في الدنيا والعذاب في الخرة لقوله تعالى ‪:‬‬
‫) وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الخرة أشد وأبقى(‪.‬‬
‫ومن يعرض عن هدى الله يقيض له شيطانا ً ‪:‬‬
‫والمعرض عن هدى الله ‪ ،‬أي القرآن ‪ ،‬يقيض الله له شيطانا ً يصاحبه ول‬
‫يفارقه ‪ ،‬يزين له عمل الشر يصده عن سبيل الحق ‪ ،‬ويحسب أنه على هدى‬
‫وصواب ‪ ،‬وبهذا جرت سنة الله في المعرضين عن هداه قال تعالى ‪ ) :‬ومن‬
‫يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا ً فهو له قرين‪ .‬وإنهم ليصدونهم عن‬
‫السبيل ويحسبون أنهم مهتدون(‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وجاء في تفسير هاتين اليتين ‪ :‬أن من يتعامى ويتغافل ويعرض عن ذكر الله‬
‫أي عن القرآن الكريم وما أنزل الله فيه ‪ ،‬ويأخذ بأقوال المضلين وأباطيلهم ‪،‬‬
‫نقيض له شيطانا ً أي نتح له شيطانا ً فهو له قرين دائما ً ل يفارقه ‪ ،‬يمنعه من‬
‫الحلل ويبعثه على الحرام وينهاه عن الطاعة ويأمره بالمعصية ويزين له‬
‫سيئ العمال وهذا عقاب له عن إعراضه عن هدى القرآن كما يقال ‪ :‬إن الله‬
‫تعالى يعاقب على المعصية بمزيد اكتساب السيئات‪ .‬وإن الشياطين ليصدون‬
‫أولئك المعرضين عن هدى الله عن سبيل الحق ويحسب أولئك المعرضون‬
‫عن هدى الله أنهم مهتدون إلى الحق‪ .‬وهؤلء الضالون المعرضون عن هدى‬
‫الله يصدق عليهم قول الله تعالى ‪ ) :‬قل هل ننبئكم بالخسرين أعمال ً الذين‬
‫ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا(‪.‬‬
‫السنن اللهية ‪ ،‬للدكتور عبدالكريم زيدان‪ ،‬بتصرف ‪ ،‬ص ‪42-35‬‬
‫‪http://altareekh.com/doc/article.php?sid=696‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫قبس وينبوع‬
‫إلى العلمة الشيخ محمد المين الشنقيطي‬
‫محمد المجذوب‬
‫ن لدين ‪ii‬الله‬
‫دمت يا شيخنا المي َ‬
‫ث‬
‫ة من ‪ii‬ترا ٍ‬
‫إنما أنت نفح ٌ‬
‫س من كتاب ربي‪،‬‬ ‫قب ٌ‬

‫‪89‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ذكرتني أضواؤك الغر ‪ii‬أفذا‬


‫أورثونا من فضلهم كل ‪ii‬علم ٍ‬
‫لو قضينا حياتنا ننعم ‪ii‬الفكر‬
‫ر‬
‫فليمتعك ذو الجلل ‪ii‬بعم ٍ‬
‫ل لو يستطيع له مدا ً‬ ‫ود ك ٌ‬
‫ل في عمر مثلك ‪ii‬طو ٌ‬
‫ل‬ ‫ل طو ٍ‬‫ك ُ‬
‫وكثيرون إن يعيشوا فل ‪ii‬خير ‪ ...‬ذخرا ً وعصم ً‬
‫ة ‪ii‬للحيارى‬
‫كان في ظلمةِ الوجود ‪ii‬منارا‬
‫وينبوع هدى من بيانه ل ُيمارى‬
‫ذا ً من السابقين فاقوا البحارا‬
‫ب حيث ‪ii‬سارا‬ ‫لم يسر ق ّ‬
‫ط كوك ٌ‬
‫بأغواره لفاتت ‪ii‬وخارا‬
‫يمل الخصب ليله ‪ii‬والنهارا‬
‫بشطرٍ من عمره مختارا‬
‫في قوى الحق ُيرهب ‪ii‬الكفارا‬
‫وإن يهلكوا فشٌر ‪ii‬توارى‬

‫)‪(1 /‬‬

‫قبسات من القرآن الكريم ) ‪( 1‬‬


‫عبد العزيز الحميدي‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله‪..‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫جادُِلوا ْ‬
‫ي‬‫ِ َ‬ ‫ه‬ ‫تي‬ ‫ل‬ ‫با‬ ‫ل‬
‫َِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫إ‬ ‫ب‬ ‫تا‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ه‬ ‫أ‬ ‫وبعد‪ :‬يقول الله‪ -‬تبارك وتعالى ‪) :-‬وََل ت ُ َ‬
‫م وَإ ِل َهَُنا‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ل إ ِل َي ْك ُ ْ‬ ‫ل إ ِل َي َْنا وَأنزِ َ‬ ‫ذي أنزِ َ‬ ‫مّنا ِبال ّ ِ‬ ‫م وَُقوُلوا آ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫موا ِ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫ذي َ‬‫ن إ ِّل ال ّ ِ‬‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫أ ْ‬
‫ن( )العنكبوت‪ (46 :‬يعني‪ :‬إذا اختلفتم أيها‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬‫م ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ح ُ‬‫حد ٌ وَن َ ْ‬‫م َوا ِ‬ ‫وَإ ِل َهُك ُ ْ‬
‫المسلمون مع اليهود والنصاري فل تجادلوهم إل بالخصلة التي هي أحسن‪،‬‬
‫لنهم أهل علم سماوي‪ ،‬فيرجى منهم أن يتعرفوا على الحق وأن يؤمنوا‬
‫بالسلم إذا كانوا من المعتدلين الذين يريدون معرفة الحق‪ ،‬أما إذا كانوا من‬
‫الجامحين المتعصبين لهوائهم المنحرفة وموروثاتهم الباطلة فهؤلء الذين‬
‫ظلموا أنفسهم بتعصبهم للباطل وعدم النظر لمستقبلهم الخروي‪ ،‬وظلموكم‬
‫أيها المسلمون بجحد الحق الذي تدعونهم إليه‪ ،‬فأغلظوا عليهم في المجادلة‬
‫حتى تذهب منهم نخوة الشيطان وتتهيأ نفوسهم لقبول الحق‪ ،‬وقولوا لهم آمنا‬
‫بالقرآن الذي ُأنزل إلينا وبالتوارة والنجيل الذين ُأنزل إليكم قبل أن يدخل‬
‫إليهما التحريف‪ ،‬آمنا بهما على أنهما من وحي الله ‪ -‬تعالى ‪-‬وأنهما مصدران‬
‫لشريعة إلهية إلى زمن البعثة المحمدية‪ ،‬وإلهنا وإلهكم واحد هو الله ‪ -‬جل‬
‫وعل ‪ ،-‬فأنبياؤكم ومن سبقوهم عليهم الصلة والسلم دعوا إلى توحيد الله ‪-‬‬
‫عز وجل ‪ ،-‬ونبينا محمد ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬دعا إلى التوحيد كذلك‪ ،‬فإذا‬
‫تركتم الشرك الذي أحدثتموه وطبقتم ما أمركم به أنبياؤكم عليهم الصلة‬
‫والسلم من اليمان بمحمد محمد ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬إذا بعث فإن ذلك‬
‫سيهديكم إلى اليمان بالسلم‪ ،‬ونحن المسلمين خاضعون لله ‪ -‬تعالى ‪-‬وحده‬
‫مطيعون له فأسلموا لله وحده يا أهل الكتاب تفلحوا‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ض‬‫ت َوالْر َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫خل َقَ ال ّ‬
‫س َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫سأل ْت َُهم ّ‬ ‫ويقول الله ‪ -‬تبارك وتعالى ‪) :-‬وَل َِئن َ‬
‫َ‬
‫ن( )العنكبوت‪ (61 :‬أي‪ :‬ولئن‬ ‫كو َ‬ ‫ه فَأّنى ي ُؤْفَ ُ‬ ‫ن الل ّ ُ‬
‫قول ُ ّ‬ ‫مَر ل َي َ ُ‬
‫ق َ‬ ‫س َوال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ش ْ‬‫خَر ال ّ‬ ‫س ّ‬‫وَ َ‬
‫سألت أيها الرسول كفار مكة عن الله الذي خلق السموات والرض التي‬

‫‪90‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هي أعظم ما يشاهده النسان وسخر الشمس والقمر لنفع الكائنات ليقول ُ ّ‬
‫ن‪:‬‬
‫الله‪ ،‬فهم يؤمنون بأن الله هو الرب الخالق وحده‪ ،‬فكيف ُيصرفون عن‬
‫إفراده بالعبادة؟ وكيف يعبدون معه أوثاًنا ليس لها أي شيء من الربوبية؟!‬
‫م(‬
‫يٍء عَِلي ٌ‬ ‫ش ْ‬‫ل َ‬ ‫ه ب ِك ُ ّ‬‫ن الل ّ َ‬
‫ه إِ ّ‬‫قدُِر ل َ ُ‬
‫عَبادِهِ وَي َ ْ‬‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫شاُء ِ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫س ُ‬
‫ط الّرْزقَ ل ِ َ‬ ‫)الل ّ ُ‬
‫ه ي َب ْ ُ‬
‫)العنكبوت‪ (62 :‬فهو ‪ -‬جل وعل ‪ -‬الرازق وحده فيوسع الرزق على من يشاء‬
‫ويضّيق على من يشاء حسب ما تقتضيه حكمته‪ ،‬وليس للوثان ول لجميع‬
‫الخلق مشاركة معه ‪ -‬تعالى ‪-‬فهو ‪ -‬سبحانه ‪ -‬بكل شيء عليم‪ ،‬ومن ذلك‬
‫مافيه صلح العباد وفسادهم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫قول ّ‬ ‫موْت َِها لي َ ُ‬
‫من ب َعْد ِ َ‬ ‫ض ِ‬ ‫حَيا ب ِهِ الْر َ‬ ‫ماًء فَأ ْ‬ ‫ماِء َ‬ ‫س َ‬‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫من ن ّّز َ‬ ‫سأل ْت َُهم ّ‬ ‫)وَل َِئن َ‬
‫الل ّه قُل ال ْحمد ل ِل ّه ب ْ َ‬
‫ن( )العنكبوت‪ (63 :‬أي‪ :‬أنهم يعترفون‬ ‫قُلو َ‬
‫م َل ي َعْ ِ‬‫ل أك ْث َُرهُ ْ‬ ‫َ ْ ُ ِ َ‬ ‫ُ ِ‬
‫بأن الله وحده هو الذي نزل المطر وأحيا به الرض‪ ،‬وماداموا يعترفون بذلك‬
‫فلماذا يشركون معه غيره في العبادة؟‪ :‬فقل يا محمد لهؤلء المشركين‪:‬‬
‫الحمد لله الذي أظهر الحق وهدى إليه خلقه‪ ،‬فليس الذي منع هؤلء‬
‫المشركين من إفراد الله ‪ -‬تعالى ‪-‬بالعبادة هو عدم ظهور الحق بل أكثرهم‬
‫ليستعملون عقولهم فيما خلقها الله ‪ -‬جل وعل ‪ -‬من أجله‪ ،‬حيث اعترفوا‬
‫بتوحيد الله ‪ -‬تعالى ‪-‬في ربوبيته وجحدوا توحيده في ألوهيته‪ ،‬وهذا تناقض مع‬
‫العقل السليم‪.‬‬
‫‪ http://www.olamaalshareah.net‬المصدر ‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫قبسات من القرآن الكريم ) ‪( 2‬‬


‫د‪ .‬عبد العزيز الحميدي‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله‪..‬‬
‫ن‬‫حي َ‬‫ن وَ ِ‬‫سو َ‬ ‫م ُ‬ ‫ن تُ ْ‬ ‫حي َ‬ ‫ّ‬
‫ن اللهِ ِ‬ ‫حا َ‬ ‫وبعد‪ :‬يقول الله‪ -‬تبارك وتعالى ‪) :-‬فَ ُ‬
‫سب ْ َ‬
‫ْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ه ال ْ َ‬
‫ن( )الروم‪:‬‬ ‫ن ت ُظهُِرو َ‬ ‫حي َ‬ ‫شي ّا وَ ِ‬ ‫ض وَعَ ِ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫مد ُ ِفي ال ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن( )وَل َ ُ‬ ‫حو َ‬ ‫صب ِ ُ‬‫تُ ْ‬
‫‪(18 ،17‬‬
‫في هاتين اليتين ينزه الله ‪ -‬تعالى ‪ -‬نفسه عما يعتقده المشركون من‬
‫الشرك وغيره من صفات النقص التي يصفون بها الله ‪ -‬سبحانه ‪ ،-‬ويثبت ‪-‬‬
‫جل وعل ‪ -‬أنه المستحق للحمد وحده في السموات والرض‪ ،‬ويوجه عباده‬
‫ي وهو ما‬ ‫إلى تسبيحه والثناء عليه في المساء والصباح وفي الظهر والعش ّ‬
‫بعد العصر‪.‬‬
‫موْت َِها‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ض‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫ا‬ ‫يي‬ ‫ح‬‫ي‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ج‬ ‫ر‬‫خ‬ ‫ي‬‫و‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ج ال ْ َ‬
‫ْ َ َْ َ َ‬ ‫َ ّ َُ ْ ِ‬ ‫َ ّ َ ِ َ‬ ‫َ ّ ِ َُ ْ ِ ُ‬ ‫ح ّ ِ َ‬
‫م‬ ‫ي‬ ‫خرِ ُ‬ ‫)ي ُ ْ‬
‫ن( )الروم‪(19 :‬‬ ‫جو َ‬ ‫خَر ُ‬‫ك تُ ْ‬‫وَك َذ َل ِ َ‬
‫ففي هذه الية يبين الله ‪ -‬تعالى ‪-‬حقيقة البعث بعد الموت وأنه ‪ -‬جل وعل ‪-‬‬
‫قادر على ذلك كمقدرته على إخراج الحي من الميت كالنسان من النطفة‬
‫والطير من البيضة‪ ،‬وكمقدرته على إخراج الميت من الحي كالنطفة والبيضة‬
‫من الحيوان‪ ،‬وكمقدرته على إحياء الرض بالنبات بعد موتها بالجدب‪ ،‬فكذلك‬
‫ُيخرج الله ‪ -‬سبحانه ‪ -‬الناس من قبورهم ويبعثهم أحياء يوم القيامة‪.‬‬
‫ن( )الروم‪ (20 :‬أي‬ ‫شُرو َ‬ ‫شٌر َتنت َ ِ‬ ‫م إ َِذا َأنُتم ب َ َ‬ ‫ب ثُ ّ‬ ‫من ت َُرا ٍ‬‫كم ّ‬ ‫ق ُ‬ ‫خل َ َ‬‫ن َ‬ ‫َ‬
‫ن آَيات ِهِ أ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫)وَ ِ‬
‫ومن دلئل ألوهيته وقدرته ‪ -‬جل وعل ‪ -‬على بعثكم بعد الموت أن خلق أباكم‬
‫آدم ‪ -‬عليه الصلة والسلم ‪ -‬من تراب‪ ،‬فكان خلق آدم ُيعد ّ خلقا لذريته من‬
‫ول هذا الواحد المخلوق من التراب إلى‬ ‫التراب لنه مشتمل عليهم‪ ،‬ثم تح ّ‬
‫بشر ينتشرون في الرض عن طريق التناسل‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سك ُُنوا إ ِل َي َْها‬ ‫فسك ُ َ‬ ‫كم م َ‬ ‫َ‬


‫م أْزَواجا ً ل ّت َ ْ‬ ‫ن أن ُ ِ ْ‬ ‫خل َقَ ل َ ُ ّ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ن آَيات ِهِ أ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ويقول الله تبارك )وَ ِ‬
‫ْ‬
‫خلقُ‬ ‫ن آَيات ِهِ َ‬ ‫م ْ‬‫ن( )وَ ِ‬ ‫ّ‬
‫فكُرو َ‬ ‫قوْم ٍ ي َت َ َ‬ ‫ّ‬
‫تل َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ِفي ذ َل ِك لَيا ٍ‬ ‫ة إِ ّ‬
‫م ً‬‫ح َ‬ ‫موَد ّة ً وََر ْ‬ ‫ل ب َي ْن َ ُ‬
‫كم ّ‬ ‫جعَ َ‬
‫وَ َ‬
‫ن(‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫مي َ‬ ‫ت للَعال ِ ِ‬ ‫ن ِفي ذل ِك لَيا ٍ‬ ‫م إِ ّ‬‫وان ِك ْ‬‫م وَأل َ‬ ‫سن َت ِك ْ‬
‫ف أل ِ‬ ‫خت ِل ُ‬ ‫ض َوا ْ‬‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬
‫ال ّ‬
‫)الروم‪(21 ،22 :‬‬
‫يبين الله ‪ -‬تعالى ‪-‬أن من العلمات الواضحة الدالة على قدرته ‪ -‬جل وعل ‪-‬‬
‫العظيمة أن خلق لكم أيها الناس من جنسكم في البشرية نساء تتخذونهن‬
‫أزواجا لكم لتستريحوا إليهن‪ ،‬وجعل في قلوبكم وقلوبهن محبة وشفقة في‬
‫ظل عصمة الزوجية من غير أن يكون ذلك قبل الزواج‪ ،‬إن في ذلك التقدير‬
‫والتأليف َلعلمات ظاهرة ً على قدرة الله ‪ -‬تعالى ‪-‬وحكمته‪.‬‬
‫خل ْقُ السموات‬ ‫ومن الدللت الظاهرة على عظيم قدرة الله ‪ -‬جل وعل ‪َ -‬‬
‫والرض‪ ،‬هذه الجرام العظيمة التي هي في منتهى الضخامة في التكوين‬
‫والدقة في التقدير‪ ،‬وكذلك من هذه العلمات اختلف لغات البشر وألوانهم‬
‫مع كونهم ينحدرون جميعا من أبيهم آدم ‪ -‬عليه الصلة والسلم ‪ ،-‬إن في ذلك‬
‫الخلق البديع والتقدير الدقيق َلعلمات بينة لصحاب العقول المبصرة والفكار‬
‫النيرة‪ ،‬تدل على عظمة الخالق ‪ -‬جل وعل ‪ -‬وقدرته البالغة‪.‬‬
‫فإذا كان المر كذلك وأدركتم أيها الناس مقدرة الله ‪ -‬تعالى ‪-‬العظيمة على‬
‫الخلق والتكوين والتقدير الدقيق البليغ فلماذا ل تستدلون بذلك على مقدرته‬
‫على إحياء الناس بعد موتهم بالبعث في الخرة؟!‬
‫‪ http://www.olamaalshareah.net‬المصدر‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫قبسات من القرآن الكريم )‪(15‬‬


‫الكاتب‪ :‬الشيخ د‪.‬عبد العزيز بن عبد الله الحميدي‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله ‪..‬‬
‫وبعد ‪ :‬يقول الله تبارك وتعالى ‪:‬‬
‫ه‬
‫ج بِ ِ‬‫خرِ ُ‬ ‫ض ثُ ّ‬
‫م يُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ه ي ََناِبيعَ ِفي الْر ِ‬
‫َ‬
‫سل ك ُ‬‫َ‬ ‫ماًء فَ َ‬ ‫ماِء َ‬ ‫س َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ه َأنَز َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫َ‬
‫م ت ََر أ ّ‬
‫َ‬
‫)أل َ ْ‬
‫ك ل َذِك َْرى‬ ‫َ‬
‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫طاما ً إ ِ ّ‬‫ح َ‬
‫ه ُ‬‫جعَل ُ ُ‬‫م يَ ْ‬‫فّرا ً ث ُ ّ‬‫ص َ‬
‫م ْ‬ ‫ج فَت ََراه ُ ُ‬ ‫ه ثُ ّ‬
‫م ي َِهي ُ‬ ‫خت َِلفا ً أل ْ َ‬
‫وان ُ ُ‬ ‫م ْ‬‫َزْرعا ً ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ل‬‫من ّرب ّهِ فَوَي ْ ٌ‬ ‫سَلم ِ فَهُوَ عََلى ُنورٍ ّ‬ ‫صد َْره ُ ل ِْل ِ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ح الل ّ ُ‬ ‫شَر َ‬ ‫من َ‬ ‫ب( )أفَ َ‬ ‫ِلوِْلي اْلل َْبا ِ‬
‫ن( )الزمر ‪( 22 -21:‬‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ل ُ‬ ‫ضَل ٍ‬ ‫ك ِفي َ‬ ‫من ذِك ْرِ الل ّهِ أ ُوْل َئ ِ َ‬ ‫سي َةِ قُُلوب ُُهم ّ‬ ‫قا ِ‬ ‫ل ّل ْ َ‬
‫]‪ [21‬يذكر الله جل وعل أمثلة من قدرته العظيمة وصنعه البديع ‪ ,‬وذلك في‬
‫تكوين الماء وإيجاده على هذا النحو النافع لكل حي في هذه الرض ‪ ,‬ثم في‬
‫إنزاله من السحاب وحفظه في الرض في نسبة من النخفاض معتدلة ‪ ,‬فلو‬
‫كان غائًرا في طبقات الرض السفلي لما أمكن خروجه ول استخراجه ‪ ,‬ثم‬
‫في إخراجه من الرض في ينابيع تكون منها النهار والعيون الجارية ‪ ,‬ثم إذا‬
‫سقيت به الرض أخرج الله به نباتا‬ ‫نزل الماء على الرض من المطر أو ُ‬
‫مختلفا ألوانه وأنواعه وأحجامه‪ ,‬ثم إذا انقطع عنه الماء يبس بعد رطوبته ‪,‬‬
‫واصفر لونه بعد خضرته ونضارته ‪ ,‬ثم تحول إلى حطام متفتت ‪ ,‬إن في ذلك‬
‫ة لصحاب العقول السليمة ‪ ,‬حيث إن‬ ‫الخلق والتقدير من الله تعالى لموعظ ً‬
‫في ذلك مثل بليغا للدنيا ‪ ,‬فإن حالها كحال هذا النبات في نضارته المحدودة‬
‫وبهجته المؤقتة ‪ ,‬ثم في سرعة ذبوله وفنائه ‪.‬‬
‫]‪ [22‬ثم يبين الله تعالى الفرق الشاسع بين أهل الهداية وأهل الضللة ‪ ,‬فهل‬
‫سع الله صدره وأناره بقبول السلم وتطبيق تكاليفه ‪ ,‬فأصبح على نور‬ ‫نو ّ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫يفيض عليه من ربه ‪ ,‬كمن كان ضيق الصدر بالسلم منطويا على ماهو فيه‬

‫‪92‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من غواية وضللة ؟!‬


‫ليستوون عند الله تعالى ‪ ,‬فالهلك والمصير السيء للكافرين الذين تحجرت‬
‫قلوبهم فأعرضوا عن ذكر الله جل وعل واليمان به ‪ ,‬فإنهم في ضلل واضح‬
‫عن الطريق المستقيم ‪.‬‬
‫ويقول الله تبارك وتعالى ‪:‬‬
‫)الل ّه نز َ َ‬
‫ن‬
‫شو ْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫جُلود ُ ال ّ ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫من ْ ُ‬
‫شعِّر ِ‬ ‫ق َ‬ ‫ي تَ ْ‬ ‫مَثان ِ َ‬ ‫شاِبها ً ّ‬ ‫مت َ َ‬ ‫ث ك َِتابا ً ّ‬ ‫دي ِ‬ ‫ح ِ‬‫ن ال ْ َ‬‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ُ َّ‬
‫شاُء‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م‬
‫ِ َ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫دي‬ ‫ِ‬ ‫ه‬
‫َْ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫دى‬‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫ك‬‫ِ‬ ‫ذ‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫م‬
‫ُُ ْ ِ‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ُ‬
‫ُ ُ ُ ْ َ‬‫ه‬ ‫د‬‫لو‬ ‫ُ‬ ‫ج‬ ‫ن‬ ‫لي‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫م ثُ ّ‬
‫م‬ ‫َرب ّهُ ْ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ة‬
‫م ِ‬
‫قَيا َ‬‫م ال ِ‬ ‫ب ي َوْ َ‬ ‫ذا ِ‬ ‫سوَء العَ َ‬ ‫جهِهِ ُ‬ ‫قي ب ِوَ ْ‬ ‫من ي َت ّ ِ‬ ‫هاٍد( )أفَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ما ل ُ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫ضل ِ ْ‬ ‫من ي ُ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫ن( )الزمر ‪( 24 -23:‬‬ ‫سُبو َ‬ ‫م ت َك ْ ِ‬ ‫كنت ُ ْ‬‫ما ُ‬ ‫ن ُذوُقوا َ‬ ‫مي َ‬ ‫ّ‬
‫ل ِللظال ِ ِ‬ ‫وَِقي َ‬
‫] ‪ [23‬يبين الله سبحانه شيئا من مزايا القرآن العظيم وأثره على المؤمنين‬
‫عند تلوته ‪ ,‬فالله تعالى هو الذي نزل هذا القرآن الذي هو أحسن الحديث ‪,‬‬
‫وسماه جل وعل حديثا من باب أن النبي صلى الله عليه وسام كان يحدث به‬
‫قومه ‪ ,‬ووصفه الله تعالى بأنه متشابه وذلك في الحسن والحكام والبلغة‪,‬‬
‫وأنه مثاني بمعنى أنه تثنى فيه القصص والحكام من غير أن يكون فيه‬
‫تناقض ‪ ,‬وأنه من قوة تأثيره على سامعه تقشعر منه جلود المؤمنين الذين‬
‫يعظمون ربهم ويخافونه لما فيه من وعيد وترهيب وعبر‪ ,‬ثم تلين جلودهم‬
‫وقلوبهم حينما يتذكرون رحمة الله تعالى وقربه من أوليائه وفرحه بتوبتهم‬
‫وإنابتهم‪ ,‬وهذا التأثر بالقرآن من توفيق الله تعالى لمن يشاء من عباده ‪,‬‬
‫لتوجه قلوبهم نحو الهداية ‪ ,‬ومن يضلله عن التأثر بالقرآن واليمان به لجنوحه‬
‫نحو هوى نفسه فماله من هاد يوفق قلبه لليمان ‪.‬‬
‫دا من مشاهد الضالين يوم القيامة ‪ ,‬حيث‬ ‫]‪ [24‬ثم يذكر الله جل وعل مشه ً‬
‫يردون النار وقد غلت أيديهم ‪ ,‬فهم يتقون حرها بوجوههم ‪ ,‬فهل هؤلء خير أم‬
‫المهتدون الذين يكونون يوم القيامة آمنين من عذاب الله تعالى سعداء‬
‫بنعيمه في الجنة ؟ حيث يقال للكفار في ذلك اليوم‪ -‬على سبيل التوبيخ‬
‫والتحسير – ذوقوا من عذاب النار جزاء أعمالكم السيئة التي قدمتموها في‬
‫الدنيا ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫قبسات من القرآن الكريم )‪(16‬‬


‫الكاتب‪ :‬الشيخ د‪.‬عبد العزيز بن عبد الله الحميدي‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله‪...‬وبعد ‪:‬‬
‫يقول الله تبارك وتعالى ‪:‬‬
‫ما‬ ‫ل فَإ ِن ّ َ‬ ‫ض ّ‬
‫من َ‬ ‫سهِ وَ َ‬ ‫ف ِ‬‫دى فَل ِن َ ْ‬ ‫ن اهْت َ َ‬‫ِ‬ ‫حق ّ ف َ َ‬
‫م‬ ‫س ِبال ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ب ِللّنا‬‫ك ال ْك َِتا َ‬ ‫)إ ِّنا َأنَزل َْنا عَل َي ْ َ‬
‫كيل()الل ّه ي َت َوّفى ا ْ َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫موْت َِها َوال ِّتي ل َ ْ‬‫ن َ‬ ‫حي َ‬‫س ِ‬ ‫ف َ‬ ‫لن ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫ت عَل َي ِْهم ب ِوَ ِ ٍ‬ ‫ما أن َ‬ ‫ل عَل َي َْها وَ َ‬ ‫ض ّ‬‫يَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫س ُ‬
‫ل‬‫ج ٍ‬ ‫خَرى إ ِلى أ َ‬ ‫ل ال ْ‬ ‫س ُ‬ ‫ت وَي ُْر ِ‬ ‫موْ َ‬ ‫ضى عَلي َْها ال َ‬ ‫ك الِتي قَ َ‬ ‫م ِ‬‫مَها فَي ُ ْ‬ ‫مَنا ِ‬‫ت ِفي َ‬ ‫م ْ‬‫تَ ُ‬
‫ن ()الزمر‪(42-41:‬‬ ‫فك ُّرو َ‬ ‫قوْم ٍ ي َت َ َ‬ ‫ّ‬
‫تل َ‬ ‫َ‬
‫ك لَيا ٍ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫مى إ ِ ّ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫]‪ [41‬يبين الله جل وعل في الية الولى الهدف من إنزال القرآن الكريم ‪,‬‬
‫ة الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬فيقول تعالى ‪ :‬إنا أنزلنا عليك أيها‬ ‫ومهم َ‬
‫الرسول القرآن من أجل هداية الناس بالحق إلى الطريق المستقيم‪ ,‬فمن‬
‫اهتدى بنور هذا القرآن وطبق مافيه من أحكام وتوجيهات فإنما ينفع بذلك‬
‫نفسه لنه يظفر بسعادة الدارين ‪ ,‬ومن انحرف عن الهدى فإنما يضر نفسه‬
‫لما ينتظره من المصير السيء في الخرة‪ ,‬وماأنت أيها الرسول عليهم بوكيل‬
‫فلست مكلفا بتوفيقهم إلى اليمان ‪ ,‬وإنما أنت مبلغ عن الله تعالى ‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]‪ [42‬والله جل وعل هو الذي يقبض النفس بالموت حين يأتي أجلها ‪ ,‬وهذه‬
‫هي الموتة الكبرى‪ ,‬والنفس التي لم َيكتب عليها الوفاة الكبرى يقبضها في‬
‫منامها بالنوم ‪ ,‬وهذه هي الموتة الصغرى‪ ,‬فإذا قضى عليها الموتة الكبرى‬
‫أمسكها عنده ولم يعدها إلى جسدها ‪ ,‬أما في حال الوفاة الصغرى وذلك‬
‫بالنوم فإنه تعالى يعيد النفس إلى أجسادها إلى أن يحين أجلها المحدد‬
‫للوفاة الكبرى‪ ,‬وإن في قبض النفسين في حال الموت والنوم ‪ ,‬ثم في إعادة‬
‫ت‬
‫النفس إلى الجسم في حال النوم وعدم إعادتها إليه في حال الموت لعلما ٍ‬
‫ة لمن تفكر واعتبر ‪ ,‬فليتعظ المسلم في مروره بحال الوفاة الصغرى‬ ‫واضح ً‬
‫كل يوم وليتزود بما ينفعه بعد الوفاة الكبرى من اليمان والعمل الصالح ‪.‬‬
‫ويقول الله تبارك وتعالى ‪:‬‬
‫ن(‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ن َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫فَعاء قُ ْ‬ ‫ن الل ّهِ ُ‬ ‫خ ُ‬ ‫)أ َم ِ ات ّ َ‬
‫قلو َ‬ ‫شْيئا وَل ي َعْ ِ‬ ‫مل ِكو َ‬ ‫ل أوَلوْ كاُنوا ل ي َ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫من ُدو ِ‬ ‫ذوا ِ‬
‫م إ ِل َي ْهِ ت ُْر َ‬ ‫َْ‬ ‫مل ْ ُ‬
‫ن ( )وَإ َِذا‬ ‫جُعو َ‬ ‫ض ثُ ّ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫ه ُ‬‫ميعا ً ل ّ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫ة َ‬ ‫فاعَ ُ‬ ‫ش َ‬ ‫)ُقل ل ّل ّهِ ال ّ‬
‫َ‬
‫من‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫خَرةِ وَإ َِذا ذ ُك َِر ال ّ ِ‬ ‫ن ِباْل ِ‬ ‫ن َل ي ُؤْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬ ‫ت قُُلو ُ‬ ‫مأّز ْ‬ ‫ش َ‬ ‫حد َهُ ا ْ‬ ‫ه وَ ْ‬‫ذ ُك َِر الل ّ ُ‬
‫َ‬
‫ب‬‫م ال ْغَي ْ ِ‬ ‫عال ِ َ‬ ‫ض َ‬ ‫ت َوالْر ِ‬
‫ْ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫م َفاط َِر ال ّ‬ ‫ل الل ّهُ ّ‬ ‫ن ( )قُ ِ‬ ‫شُرو َ‬ ‫ست َب ْ ِ‬‫م يَ ْ‬ ‫ُدون ِهِ إ َِذا هُ ْ‬
‫ن ()الزمر‪. (46-43:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َوال ّ‬
‫فو َ‬ ‫خت َل ِ ُ‬ ‫ما كاُنوا ِفيهِ ي َ ْ‬ ‫عَبادِك ِفي َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ب َي ْ َ‬ ‫حك ُ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫شَهاد َةِ أن َ‬
‫]‪ [43-44‬ينكر الله جل وعل على المشركين الذين يزعمون بأنهم إنما عبدوا‬
‫الوثان لنها تشفع لهم عنده تعالى ‪ ,‬فقل لهم أيها الرسول ‪ :‬أتتخذون هذه‬
‫الوثان شعفاء عند الله سبحانه ولو كانوا ليملكون شيئا من الشفاعة‬
‫ولغيرها وليفقهون شيئا من عبادة عابديهم ؟! بل لله عز وجل الشفاعة‬
‫جميعا فليس لحد منها شيئا إل أن يكون الشافع ممن يرضاه الله والمشفوع‬
‫له ممن يأذن الله بالشفاعة له ‪.‬‬
‫]‪ [46 – 45‬ثم ذكر الله سبحانه حال المشركين في نفورهم من توحيد الله‬
‫تعالى وترحيبهم بالشرك به ‪ ,‬فإذا ُذكر الله وحده انقبضت قلوب الذين‬
‫ليؤمنون بالخرة ‪ ,‬ولو كانوا يؤمنون بها لتغيرت حالهم تماما ‪ ,‬لنهم سيوقنون‬
‫بأن سعادتهم في الخرة في اليمان بالله تعالى وحده ‪ ,‬وإذا ُذكر الذين‬
‫ُيعبدون من دونه من الوثان إذا هم يفرحون لن ذلك يوافق أهواءهم ‪ ,‬ولقد‬
‫كان الشرك في الذين خاطبهم النبي صلى الله عليه وسلم متمثل ً في عبادة‬
‫الصنام كاللت والعزى ‪ ,‬ومدلول الية يشمل كل أنواع الشرك فالذين‬
‫يشركون غير الله معه في الطاعة فيحكمون بغير شريعته إذا ُدعوا إلى‬
‫ض القوانين البشرية اشمأزوا من ذلك ووضعوا‬ ‫تحكيم السلم وحده ورفْ ِ‬
‫العراقيل دون تحكيم شريعة الله تعالى ‪ ,‬وإذا دعوا إلى تحكيم القوانين‬
‫الوضعية هشوا لذلك واستبشروا ‪ ,‬فقل لعموم المشركين أيها الرسول ‪:‬‬
‫اللهم ياخالق السموات والرض عالم السر والعلنية أنت تفصل بين عبادك‬
‫يوم القيامة فيما اختلفوا فيه فتجازي المحسن بإحسانه وتعاقب المسيء‬
‫بإساءته ‪ ,‬فيتبين الحق لمن لم يتبين له قبل ذلك ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫قبسات من القرآن الكريم )‪(3‬‬


‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله‪..‬وبعد‪:‬‬
‫ما‬
‫من ّ‬ ‫ُ‬
‫هل لكم ّ‬ ‫ّ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫سك ْ‬ ‫ن َأن ُ‬
‫ف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مث َل ً ِ‬ ‫كم ّ‬ ‫ب لَ ُ‬ ‫ضَر َ‬ ‫يقول الله‪ -‬تبارك وتعالى ‪َ ) :-‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫فت ِك ْ‬
‫خي َ‬ ‫َ‬
‫مك ِ‬ ‫خاُفون َهُ ْ‬‫واء ت َ َ‬ ‫س َ‬ ‫م ِفيهِ َ‬ ‫م فَأنت ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫ما َرَزقَْناك ْ‬ ‫كاء ِفي َ‬ ‫شَر َ‬ ‫من ُ‬ ‫كم ّ‬ ‫مان ُ ُ‬‫ت أي ْ َ‬ ‫مل َك َ ْ‬‫َ‬
‫ن( )الروم‪(28 :‬‬ ‫قلو َ‬‫ُ‬ ‫قوْم ٍ ي َعْ ِ‬ ‫ت لِ َ‬ ‫ْ‬
‫ل الَيا ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ف ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م كذ َل ِك ن ُ َ‬ ‫ُ‬
‫سك ْ‬ ‫ف َ‬ ‫َأن ُ‬
‫ما ل َُهم‬ ‫عل ْم فَمن يهدي م َ‬ ‫َ‬
‫ه وَ َ‬‫ل الل ّ ُ‬‫ض ّ‬ ‫نأ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫هم ب ِغَي ْرِ ِ ٍ َ َ ْ ِ‬ ‫واء ُ‬
‫موا أهْ َ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫ذي َ‬‫ل ات ّب َعَ ال ّ ِ‬ ‫)ب َ ِ‬

‫‪94‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن( )الروم‪(29 :‬‬ ‫ري َ‬


‫ص ِ‬ ‫من ّنا ِ‬ ‫ّ‬
‫يضرب الله ‪ -‬تعالى ‪-‬مثل للمشركين مأخوًذا من أنفسهم على بطلن الشرك‬
‫فيقول‪ :‬هل ترضون لنفسكم أن يشارككم عبيدكم في أموالكم التي رزقكم‬
‫الله إياها إلى حد ّ أنكم تهتمون بهم وتخافون من مخالفتهم كما تخافون من‬
‫شركائكم من الحرار؟ فسيقولون‪ :‬ل لن يكون ذلك‪ ،‬فإذا كنتم ل ترضون‬
‫دا من خلق‬ ‫مشاركتهم إياكم والحال أنكم وإياهم َبشر فكيف تعتقدون بأن أح ً‬
‫الله ‪ -‬جل وعل ‪ -‬يشاركه في اللوهية والربوبية ‪ -‬تعالى ‪ -‬عن ذلك علوا كبيرا‪،‬‬
‫وبمثل هذا البيان الواضح يبين الله ‪ -‬تعالى ‪-‬البراهين والحجج لصحاب‬
‫العقول السليمة كي يجتنبوا الشرك ويستقيموا على عبادة الله ‪ -‬جل وعل ‪.-‬‬
‫وهكذا فإنه ل يمكن التسوية بين الخالق ‪ -‬جل وعل ‪ -‬والمخلوق‪ ،‬لكن هؤلء‬
‫الذين ظلموا أنفسهم بالشرك اتبعوا في ذلك أهواءهم المنحرفة عن جهل بما‬
‫يجب لله ‪ -‬تعالى ‪ -‬من الفراد بالعبادة‪ ،‬فمن الذي يستطيع هداية من أضله‬
‫الله بسبب تماديه في الكفر والعناد؟‬
‫ل أحد يستطيع ذلك‪ ،‬وسيبوء هؤلء المشركون في الخرة بعذاب جهنم‪ ،‬ولن‬
‫يجدوا لهم من ينصرهم ويخلصهم من عذاب الله ‪ -‬تعالى ‪.-‬ويقول الله‪ -‬تبارك‬
‫َ‬
‫ل‬‫دي َ‬ ‫س عَل َي َْها َل ت َب ْ ِ‬
‫حِنيفا ً فِط َْرةَ الل ّهِ ال ِّتي فَط ََر الّنا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ِ‬ ‫دي‬
‫ك ِلل ّ‬‫جهَ َ‬‫م وَ ْ‬ ‫وتعالى ‪)-‬فَأقِ ْ‬
‫قيم ول َك َ‬
‫ن‬‫مِنيِبي َ‬ ‫ن( )الروم‪ُ ) (30 :‬‬ ‫مو َ‬ ‫س َل ي َعْل َ ُ‬ ‫ن أك ْث ََر الّنا ِ‬ ‫ن ال ْ َ ّ ُ َ ِ ّ‬ ‫دي ُ‬
‫ك ال ّ‬ ‫ق الل ّهِ ذ َل ِ َ‬ ‫لِ َ ْ‬
‫خل ِ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫م َ‬‫ن( )الروم‪ِ ) (31 :‬‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫كوُنوا ِ‬ ‫صَلة َ وََل ت َ ُ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫قوه ُ وَأِقي ُ‬ ‫إ ِل َي ْهِ َوات ّ ُ‬
‫ن( )الروم‪(32 :‬‬ ‫حو َ‬ ‫م فَرِ ُ‬ ‫ما ل َد َي ْهِ ْ‬
‫ب بِ َ‬‫حْز ٍ‬ ‫ل ِ‬ ‫شَيعا ً ك ُ ّ‬
‫كاُنوا ِ‬ ‫م وَ َ‬ ‫فَّرُقوا ِدين َهُ ْ‬
‫في هذه اليات الكريمة يأمر الله ‪ -‬جل وعل ‪ -‬رسوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‬
‫‪ -‬أن يقيم وجهه لدين السلم مائل إليه غير ملتفت إلى غيره‪ ،‬فإنه الدين‬
‫الذي خلق الله الناس عليه‪ ،‬كما جاء في الحديث الصحيح "ما من مولود إل‬
‫دل بعض الناس الدين الذي خلق‬ ‫يولد على الفطرة" فل يصح وليستقيم أن يب ّ‬
‫الله البشر عليه‪ ،‬فإن السلم هو الدين القويم الموافق للفطرة‪ ،‬ولكن أكثر‬
‫الناس يجهلون هذه الحقيقة‪ ،‬فلذلك ضلوا عن الطريق المستقيم‪.‬‬
‫فأقيموا وجوهكم أيها المسلمون راجعين إلى الله ‪ -‬تعالى ‪-‬مخلصين له‪،‬‬
‫واتقوا سخطه‪ ،‬وذلك بفعل أوامره‪ ،‬واجتناب نواهيه‪ ،‬وأدوا الصلة تامة‬
‫بشروطها وأركانها وواجباتها‪ ،‬واجتنبوا جميع أنواع الشرك مع الله ‪ -‬تعالى ‪-‬‬
‫حتى ل تكونوا من المشركين‪ ،‬من الذين فرقوا الدين فلم يأخذوا به كله‪ ،‬بل‬
‫أخذوا ببعضه وتركوا بعضه تبعا لهوائهم‪ ،‬فصاروا بذلك فرًقا وأحزاًبا يتعصبون‬
‫لحزابهم ورؤسائهم‪ ،‬كل حزب بما عندهم من الراء والهواء مسرورون من‬
‫غير نظر على كون ما هم عليه من الحق أو من الباطل‪.‬‬
‫‪ http://www.olamaalshareah.net‬المصدر‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫قبسات من القرآن الكريم )‪(4‬‬


‫الكاتب‪ :‬الشيخ د‪.‬عبد العزيز بن عبد الله الحميدي‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله ‪..‬‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫جهَ َ‬ ‫َ‬
‫مَرد ّ‬
‫مل َ‬ ‫ي ي َوْ ٌ‬‫ل أن ي َأت ِ َ‬ ‫من قَب ْ ِ‬ ‫قي ّم ِ ِ‬ ‫دي ِ‬‫ك ِلل ّ‬ ‫وبعد ‪ :‬يقول الله تبارك )فَأقِ ْ‬
‫م وَ ْ‬
‫م َ‬
‫ل‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫فُرهُ وَ َ‬ ‫فَر فَعَل َي ْهِ ك ُ ْ‬ ‫من ك َ َ‬ ‫ن( )الروم ‪َ )( 43 :‬‬ ‫عو َ‬ ‫صد ّ ُ‬ ‫ن الل ّهِ ي َوْ َ‬
‫مئ ِذ ٍ ي َ ّ‬ ‫م َ‬‫ه ِ‬ ‫لَ ُ‬
‫مُلوا‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫جزِيَ ال ّ ِ‬ ‫َ‬
‫صاِلحا ً فَِلن ُ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن( )الروم ‪)( 44 :‬ل ِي َ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫مهَ ُ‬ ‫م يَ ْ‬‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫َ‬
‫ن( )الروم ‪( 45 :‬‬ ‫ري َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ب الكافِ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫َ‬
‫ه ل يُ ِ‬ ‫ضل ِهِ إ ِن ّ ُ‬ ‫َ‬
‫من ف ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫حا ِ‬
‫صال ِ َ‬
‫ال ّ‬
‫تبين لنا في حلقة سابقة مايترتب على النحراف عن سبيل الله القويم من‬

‫‪95‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫النكبات في الدنيا والعذاب في الخرة ‪ ,‬فلهذا وجه الله عز وجل رسوله صلى‬
‫الله عليه وسلم إلى أن يجعل اتجاهه الذي يسير عليه هو الثبات على دين‬
‫السلم المستقيم ‪ ,‬هو ومن اتبعه من المسلمين ‪ ,‬ماداموا في دار الدنيا التي‬
‫هي دار العمل ‪ ,‬من قبل أن يأتي يوم القيامة الذي لسبيل إلى رده ول إلى‬
‫تأجيله إذا حان أجله ‪ ,‬فإنه في ذلك اليوم يتفرق الناس أشتاًتا إلى مصائرهم ‪,‬‬
‫فأهل الستقامة يصار بهم إلى الجنة ‪ ,‬وأهل النحراف يساقون إلى النار ‪,‬‬
‫فإن من كفر في الدنيا بالله تعالى فعليه جزاء كفره وهو الخلود في النار‪,‬‬
‫ومن آمن وعمل صالحا في الدنيا فإنهم بذلك يهيئون لنفسهم المنازل في‬
‫الجنة على قدر إيمانهم وعملهم الصالح ‪.‬‬
‫در الله جل وعل على الناس أن يتفرقوا في الخرة ليكاِفئ سبحانه‬ ‫ولقد ق ّ‬
‫الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الثواب الجزيل بأضعاف مايستحقونه تفضل‬
‫منه وتكرما ‪ ,‬أما الكافرون فإنه يعذبهم بما يستحقونه من العذاب لنه‬
‫دموا من أعمال سيئة ‪.‬‬ ‫ليحبهم ‪ ,‬بل يبغضهم لما ق ّ‬
‫ه ِفي‬ ‫ُ‬
‫سط ُ‬ ‫َ‬
‫حابا في َب ْ ُ‬‫ً‬ ‫س َ‬ ‫َ‬
‫ح فت ُِثيُر َ‬ ‫ل الّرَيا َ‬ ‫س ُ‬
‫ذي ي ُْر ِ‬ ‫ّ‬
‫ه ال ِ‬ ‫ّ‬
‫ويقول الله تبارك وتعالى‪) :‬الل ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬
‫ه‬
‫ب بِ ِ‬ ‫صا َ‬ ‫َ‬
‫خلل ِهِ فإ َِذا أ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫خُر ُ‬ ‫َ‬
‫سفا فت ََرى الوَد ْقَ ي َ ْ‬ ‫ه كِ َ‬ ‫جعَل ُ ُ‬
‫شاُء وَي َ ْ‬ ‫ف يَ َ‬ ‫ماء ك َي ْ َ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬
‫ل أن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫من قب ْ ِ‬ ‫ن( )الروم ‪)( 48 :‬وَِإن كاُنوا ِ‬ ‫شُرو َ‬ ‫ست َب ْ ِ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫عَبادِهِ إ ِذا هُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫من ي َشاُء ِ‬ ‫َ‬
‫ت الل ِّ‬
‫ه‬ ‫م‬‫ح‬
‫ِ َ ْ َ ِ‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫ثا‬ ‫آ‬ ‫َ‬
‫لى‬ ‫إ‬
‫ْ ِ‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫ظ‬ ‫فان‬‫َ‬ ‫()‬ ‫‪49‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)الروم‬ ‫ن(‬ ‫سي‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫م‬
‫ِْ ِ ُ ِْ ِ َ‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫من‬ ‫هم‬
‫َ ِْ ّ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫ع‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ز‬
‫يُ َ ّ‬
‫ن‬
‫موَْتى وَهُوَ عََلى ك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫يٍء‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫حِيي ال ْ َ‬ ‫م ْ‬‫ك لَ ُ‬
‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫موْت َِها إ ِ ّ‬ ‫ض ب َعْد َ َ‬ ‫حِيي اْلْر َ‬ ‫ف يُ ْ‬ ‫ك َي ْ َ‬
‫ديٌر( )الروم ‪( 50 :‬‬ ‫قَ ِ‬
‫يبين الله سبحانه في هذه اليات أن من نعمه العظيمة على عباده أن ينشئ‬
‫الرياح فيرسلها فوق الرض فترفع السحاب من بخار مياه البحار وغيرها‬
‫ضا ‪ ,‬وتارة مطبقا ‪,‬‬ ‫فينشره في السماء كيف يشاء ‪ ,‬تارة مرتفًعا وتارة منخف ً‬
‫وتارة خفيفا ‪ ,‬ويجعله قطعا متفرقة ‪ ,‬فترى أيها الناظر المطر ينزل من بين‬
‫السحاب ‪ ,‬فإذا أنزله الله سبحانه على من يشاء من عباده على زروعهم‬
‫ومراعيهم إذا هم يستبشرون فرحين بما نزل عليهم من الخير ‪ ,‬وإن كانوا‬
‫ة على زروعهم‬ ‫من قبل أن ينزل عليهم الغيث لمكتئبين حزنين خشي ً‬
‫ومواشيهم ‪ ,‬فتبدلت حالهم بنزول المطر إلى الفرح والسرور بعد الكتئاب‬
‫والحزن ‪.‬‬
‫فانظر أيها المشاهد نظر تأمل واعتبار إلى آثار نزول المطر الذي هو من‬
‫رحمة الله تعالى كيف يحيى الله به الرض وذلك بالنبات والخضرة بعد موتها‬
‫بالجفاف والقحط ! أليس ذلك يدل على أنه من صنع إله عظيم قادر ؟!‬
‫در على إحياء الرض بعد موتها قادر على‬ ‫فتدبر أيها المشاهد فإن الذي قَ ِ‬
‫إحياء الموتى وهو – سبحانه – على كل شيء قدير ليعجزه شيء ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫قبسات من القرآن الكريم)‪(1‬‬


‫الكاتب‪ :‬الشيخ د‪.‬عبد العزيز بن عبد الله الحميدي‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله ‪..‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫جادُِلوا أ َهْ َ‬
‫ن‬
‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫يأ ْ‬ ‫ب إ ِل ِبالِتي هِ َ‬ ‫ل الك َِتا ِ‬ ‫وبعد ‪ :‬يقول الله تبارك وتعالى ‪) :‬وََل ت ُ َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫م‬‫م وَإ ِل َهَُنا وَإ ِل َهُك ُ ْ‬‫ل إ ِل َي ْك ُ ْ‬‫ل إ ِل َي َْنا وَأنزِ َ‬
‫ذي أنزِ َ‬ ‫مّنا ِبال ّ ِ‬
‫م وَُقوُلوا آ َ‬
‫من ْهُ ْ‬
‫موا ِ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫إ ِّل ال ّ ِ‬
‫ن( )العنكبوت ‪ ( 46 :‬يعني ‪ :‬إذا اختلفتم أيها‬ ‫مو َ‬‫سل ِ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ن لَ ُ‬
‫ه ُ‬ ‫ح ُ‬
‫حد ٌ وَن َ ْ‬‫َوا ِ‬
‫المسلمون مع اليهود والنصاري فل تجادلوهم إل بالخصلة التي هي أحسن ‪,‬‬
‫لنهم أهل علم سماوي ‪ ,‬فيرجى منهم أن يتعرفوا على الحق وأن يؤمنوا‬

‫‪96‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بالسلم إذا كانوا من المعتدلين الذين يريدون معرفة الحق ‪ ,‬أما إذا كانوا من‬
‫الجامحين المتعصبين لهوائهم المنحرفة وموروثاتهم الباطلة فهؤلء الذين‬
‫ظلموا أنفسهم بتعصبهم للباطل وعدم النظر لمستقبلهم الخروي‪ ,‬وظلموكم‬
‫أيها المسلمون بجحد الحق الذي تدعونهم إليه ‪ ,‬فأغلظوا عليهم في المجادلة‬
‫حتى تذهب منهم نخوة الشيطان وتتهيأ نفوسهم لقبول الحق ‪ ,‬وقولوا لهم‬
‫آمنا بالقرآن الذي ُأنزل إلينا وبالتوارة والنجيل الذين ُأنزل إليكم قبل أن‬
‫يدخل إليهما التحريف ‪ ,‬آمنا بهما على أنهما من وحي الله تعالى وأنهما‬
‫مصدران لشريعة إلهية إلى زمن البعثة المحمدية ‪ ,‬وإلهنا وإلهكم واحد هو‬
‫الله جل وعل ‪ ,‬فأنبياؤكم ومن سبقوهم عليهم الصلة والسلم دعوا إلى‬
‫توحيد الله عز وجل‪ ,‬ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم دعا إلى التوحيد كذلك‬
‫‪ ,‬فإذا تركتم الشرك الذي أحدثتموه وطبقتم ما أمركم به أنبياؤكم عليهم‬
‫الصلة والسلم من اليمان بمحمد محمد صلى الله عليه وسلم إذا بعث فإن‬
‫ذلك سيهديكم إلى اليمان بالسلم ‪ ,‬ونحن المسلمين خاضعون لله تعالى‬
‫وحده مطيعون له فأسلموا لله وحده يا أهل الكتاب تفلحوا ‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫خَر‬ ‫س ّ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ت َوالْر َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫خل َقَ ال ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫سأل ْت َُهم ّ‬ ‫ويقول الله تبارك وتعالى ‪) :‬وَل َِئن َ‬
‫ن( )العنكبوت ‪ ( 61 :‬أي‪ :‬ولئن‬ ‫كو َ‬ ‫ه فَأ َّنى ي ُؤْفَ ُ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫قول ُ ّ‬ ‫مَر ل َي َ ُ‬ ‫س َوال ْ َ‬
‫ق َ‬ ‫م َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ال ّ‬
‫سألت أيها الرسول كفار مكة عن الله الذي خلق السموات والرض التي‬
‫ن‪:‬‬ ‫هي أعظم ما يشاهده النسان وسخر الشمس والقمر لنفع الكائنات ليقول ُ ّ‬
‫الله ‪ ,‬فهم يؤمنون بأن الله هو الرب الخالق وحده ‪ ,‬فكيف ُيصرفون عن‬
‫إفراده بالعبادة ؟ وكيف يعبدون معه أوثاًنا ليس لها أي شيء من الربوبية ؟!‬
‫م(‬‫يٍء عَِلي ٌ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه ب ِك ُ ّ‬‫ن الل ّ َ‬
‫ه إِ ّ‬‫قدُِر ل َ ُ‬‫عَبادِهِ وَي َ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫شاُء ِ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫ط الّرْزقَ ل ِ َ‬ ‫س ُ‬ ‫)الل ّ ُ‬
‫ه ي َب ْ ُ‬
‫)العنكبوت ‪ ( 62 :‬فهو جل وعل الرازق وحده فيوسع الرزق على من يشاء‬
‫ويضّيق على من يشاء حسب ما تقتضيه حكمته ‪ ,‬وليس للوثان ول لجميع‬
‫الخلق مشاركة معه تعالى فهو سبحانه بكل شيء عليم ‪ ,‬ومن ذلك مافيه‬
‫صلح العباد وفسادهم ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫قول ّ‬ ‫موْت َِها لي َ ُ‬ ‫من ب َعْد ِ َ‬ ‫ض ِ‬ ‫حَيا ب ِهِ الْر َ‬ ‫ماًء فَأ ْ‬ ‫ماِء َ‬ ‫س َ‬‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬‫ل ِ‬ ‫من ن ّّز َ‬ ‫سأل ْت َُهم ّ‬ ‫)وَل َِئن َ‬
‫َ‬
‫ن( )العنكبوت ‪ ( 63 :‬أي‪ :‬أنهم‬ ‫قُلو َ‬ ‫م َل ي َعْ ِ‬‫ل أك ْث َُرهُ ْ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ ب َ ْ‬‫ح ْ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫ه قُ ِ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫يعترفون بأن الله وحده هو الذي نزل المطر وأحيا به الرض ‪ ,‬وماداموا‬
‫يعترفون بذلك فلماذا يشركون معه غيره في العبادة ؟ ‪ :‬فقل يامحمد لهؤلء‬
‫المشركين ‪ :‬الحمد لله الذي أظهر الحق وهدى إليه خلقه ‪ ,‬فليس الذي منع‬
‫هؤلء المشركين من إفراد الله تعالى بالعبادة هو عدم ظهور الحق بل‬
‫أكثرهم ليستعملون عقولهم فيما خلقها الله جل وعل من أجله ‪ ,‬حيث‬
‫اعترفوا بتوحيد الله تعالى في ربوبيته وجحدوا توحيده في ألوهيته ‪ ,‬وهذا‬
‫تناقض مع العقل السليم ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫قبسات من القرآن الكريم)‪(10‬‬


‫الكاتب‪ :‬الشيخ د‪.‬عبد العزيز بن عبد الله الحميدي‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله ‪ ..‬وبعد ‪:‬‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ج ك ُل َّها ِ‬ ‫خل َقَ اْل َْزَوا َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ض وَ ِ‬
‫ت الْر ُ‬ ‫ما ُتنب ِ ُ‬‫م ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬‫يقول الله تبارك ) ُ‬
‫ن(‬
‫مو َ‬ ‫ْ‬
‫مظل ِ ُ‬ ‫هم ّ‬ ‫ه الن َّهاَر فَإ َِذا ُ‬ ‫من ْ ُ‬
‫خ ِ‬ ‫َ‬
‫سل ُ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫ّ‬
‫م اللي ْ ُ‬ ‫ّ‬
‫ة لهُ ْ‬ ‫ن()َوآي َ ٌ‬ ‫مو َ‬ ‫ما َل ي َعْل َ ُ‬ ‫م ّ‬‫م وَ ِ‬
‫سهِ ْ‬ ‫َأن ُ‬
‫ف ِ‬
‫مَنازِ َ‬
‫ل‬ ‫مَر قَد ّْرَناه ُ َ‬ ‫ق َ‬ ‫م()َوال ْ َ‬ ‫ْ‬
‫زيزِ العَ َِلي ِ‬ ‫ديُر ال ْعَ ِ‬ ‫ق ِ‬ ‫ك تَ ْ‬ ‫قّر ل َّها ذ َل ِ َ‬ ‫ست َ َ‬‫م ْ‬ ‫ري ل ِ ُ‬ ‫ج ِ‬
‫س تَ ْ‬ ‫م ُ‬‫ش ْ‬‫)َوال ّ‬
‫مَر وََل الل ّي ْلُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫س َينب َِغي لَها أن ت ُد ْرِك القَ َ‬ ‫َ‬ ‫م ُ‬ ‫ش ْ‬‫م()ل ال ّ‬ ‫َ‬
‫دي ِ‬‫ق ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫جو ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫عاد َ كالعُْر ُ‬ ‫حّتى َ‬ ‫َ‬

‫‪97‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن(]يس ‪. [40 – 39 – 38 – 37 : 36 :‬‬ ‫حو َ‬ ‫سب َ ُ‬ ‫ك يَ ْ‬ ‫ل ِفي فَل َ ٍ‬ ‫ساب ِقُ الن َّهارِ وَك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫]‪ [36‬ينزه الله عز وجل نفسه عن أن يكون له شركاء ُيعبدون معه وهو الذي‬
‫خلق الحياء كلها أزواجا ذكوًرا وإناثا ‪ ,‬حتى النبات الذي قد يظن ظان أنه‬
‫ليس فيه ذكورة وأنوثه ‪ ,‬فهو كالنسان والحيوان في ذلك ‪ ,‬وخلق الزواج مما‬
‫لنعلمه كالجمادات ‪ ,‬فسبحانه جل وعل الذي وحد هؤلء الخلق على نظام‬
‫واحد ‪.‬‬
‫]‪ [38 – 37‬وآيات أخرى باهرة تدل على إنفراد الله جل وعل باللوهية‬
‫والربوبية‪ ,‬فالنهار يكون متلبسا بالليل ‪ ,‬ثم ينزع الله النهار من الليل فإذا‬
‫الناس في ظلم ‪ ,‬والشمس تدور حول نفسها إلى أن تبلغ مستقرها الذي‬
‫يعلمه الله ‪ ,‬وحينما نتصور – كما يقول الفلكيون – أن حجم الشمس يبلغ نحو‬
‫مليون ضعف لحجم أرضنا هذه ‪ ,‬وأن هذه الكتلة الهائلة تتحرك وتجري ندرك‬
‫شيًئا من قدرة الله تعالى العظيمة ‪ ,‬فإن ذلك تقدير العزيز القوي العليم‬
‫بجميع أمور خلقه ‪.‬‬
‫]‪ [39‬والقمر قدره الله جل وعل منازل ‪ ,‬يولد هلل دقيقا ضعيفا ثم يكبر حتى‬
‫يصير بدرا مستديًرا ‪ ,‬ثم يدق ويضعف حتى يعود هلل كعذق النخل القديم‬
‫المتقوس ‪ ,‬إن العقل البشري المستنير حينما يتأمل ذلك يدرك أن وراء هذه‬
‫التحولت ي َد ٌ قادرة حكيمة ‪ [40].‬ثم إن هذا النظام الكوني في سير الليل‬
‫والنهار والشمس والقمر يتم بدقة متناهية فل يطغى شيء على شيء ‪ ,‬وكل‬
‫جرم من الجرام السماوية يسير في فلكه المخصص له ‪ ,‬وإن هذه الدقة‬
‫المتناهية والحكام البديع في الصنع ليدل دللة ظاهرة على تفرد خالق هذا‬
‫الكون عز وجل بالربوبية واللوهية ‪.‬‬
‫ْ‬
‫شأ ن ُغْرِقْهُ ْ‬
‫م‬ ‫ن()وَِإن ن ّ َ‬ ‫ما ي َْرك َُبو َ‬‫مث ْل ِهِ َ‬
‫من ّ‬ ‫قَنا ل َُهم ّ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ويقول الله تبارك وتعالى‪) :‬وَ َ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫ل لهُ ُ‬ ‫ن()وَإ َِذا ِقي َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ق ُ‬ ‫م وََل هُ ْ‬ ‫خ ل َهُ ْ‬ ‫ري َ‬ ‫فََل َ‬
‫حي ٍ‬‫مَتاعا إ ِلى ِ‬
‫ْ‬
‫مّنا وَ َ‬ ‫ة ّ‬‫م ً‬‫ح َ‬ ‫ن()إ ِل َر ْ‬ ‫ذو َ‬ ‫م ُين َ‬
‫َ‬ ‫ص ِ‬
‫ت‬‫ن آَيا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن آي َةٍ ّ‬
‫م ْ‬ ‫ما ت َأِتيِهم ّ‬ ‫ن()وَ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ح ُ‬
‫م ت ُْر َ‬‫م ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫فك ُ ْ‬‫خل ْ َ‬‫ما َ‬ ‫م وَ َ‬‫ديك ُ ْ‬‫ن أي ْ ِ‬ ‫ما ب َي ْ َ‬ ‫قوا َ‬ ‫ات ّ ُ‬
‫ن( ]يس ‪.[46-45-44-43-42 – 41:‬‬ ‫ضي َ‬ ‫معْرِ ِ‬ ‫َ‬
‫م إ ِل كاُنوا عَن َْها ُ‬ ‫ّ‬ ‫َرب ّهِ ْ‬
‫]‪ [41-44‬يذكر الله جل وعل للمشركين علمة ظاهرة على قدرته البالغة‬
‫وهي أنه عّلم أبا البشر الثاني نوحا عليه الصلة والسلم صناعة السفينة‬
‫وحمل أبناءه الذين هم أصل من بقي من البشر فيها ‪ ,‬ولول ذلك لهلك‬
‫البشر ‪ ,‬وأنه تعالى أوجد للمشركين وغيرهم مثل سفينة نوح وغيرها من‬
‫المراكب التي تحملهم في أسفارهم ‪ ,‬وهيأ لهم العوامل التي تكفل وصولهم‬
‫ونجاتهم كالرياح وغيرها من اللت التي ألهمهم صنعها ‪ ,‬ولو شاء الله تعالى‬
‫هلكهم لغرقهم في البحار مهما كانت جودة صناعتهم ‪ ,‬ولو فعل ذلك فلن‬
‫يجدوا من ينجدهم ول من ينقذهم من الغرق‪ ,‬إل إذا أدركتهم رحمة الله عز‬
‫وجل فينجيهم ويبقيهم إلى أجل لعلهم يهتدون إلى الصراط المستقيم‪.‬‬
‫]‪ [46 – 45‬ومع هذه اليات البينة التي توقظ المشاعر فإن الله تعالى لم‬
‫يقتصر عليها في التذكير‪ ,‬بل أرسل لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ليذكرهم بما ينتظرهم في مستقبل أمرهم في آخرتهم من العذاب الليم‬
‫كرهم بما خلفهم‬ ‫والحرمان من النعيم المقيم إن استمروا على كفرهم ‪ ,‬وليذ ّ‬
‫من أخبار المم الماضية وماجرى لهم من الهلك لما كذبوا رسلهم عليهم‬
‫الصلة والسلم لعلهم يؤمنون فيفوزون برحمة الله تعالى بهم ‪ ,‬ولكنهم مع‬
‫تلك اليات الواضحات والتذكير المتواصل بما فيه نجاتهم وفلحهم مايزالون‬
‫معرضين عن الهداية والستقامة ‪ ,‬وهذا يعني أنهم قد ضلوا عن علم واتبعوا‬
‫أهواءهم ‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫قبسات من القرآن الكريم)‪(11‬‬


‫الكاتب‪ :‬الشيخ د‪.‬عبد العزيز بن عبد الله الحميدي‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله ‪..‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م أعْهَد ْ‬ ‫ن()أل ْ‬ ‫مو َ‬ ‫جرِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م أي َّها ال ُ‬ ‫مَتاُزوا ال ْي َوْ َ‬ ‫وبعد ‪ :‬يقول الله تبارك وتعالى‪َ) :‬وا ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫إل َيك ُم يا بِني آد َ‬
‫ذا‬‫دوِني هَ َ‬ ‫ن اعْب ُ ُ‬ ‫ن()وَأ ْ‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫م عَد ُوّ ّ‬ ‫ه لك ْ‬ ‫ُ‬ ‫ن إ ِن ّ ُ‬ ‫طا َ‬ ‫دوا ال ّ‬ ‫م أن ّل ت َعْب ُ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ِ ْ ْ َ َ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ض ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫صَرا ٌ‬
‫جهَن ّ ُ‬ ‫ن()هَذِهِ َ‬ ‫قلو َ‬ ‫م ت َكوُنوا ت َعْ ِ‬ ‫جب ِل كِثيرا أفل ْ‬ ‫م ِ‬ ‫منك ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫قد ْ أ َ‬ ‫م()وَل َ‬ ‫قي ٌ‬ ‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ط ّ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫واهِهِ ْ‬ ‫ْ‬
‫م عَلى أف َ‬ ‫خت ِ ُ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫ن()الي َوْ َ‬ ‫فُرو َ‬ ‫ْ‬
‫م ت َك ُ‬ ‫ما كنت ُ ْ‬‫ُ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ها الي َوْ َ‬ ‫صلو ْ َ‬ ‫ن()ا ْ‬ ‫دو َ‬ ‫م ُتوعَ ُ‬ ‫ال ِّتي كنت ُ ْ‬
‫ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن( ]يس ‪-62-61 – 60 – 59:‬‬ ‫سُبو َ‬ ‫كاُنوا ي َك ْ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫جل ُهُ ْ‬ ‫شهَد ُ أْر ُ‬ ‫م وَت َ ْ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫مَنا أي ْ ِ‬ ‫وَت ُك َل ّ ُ‬
‫‪.[65-64-63‬‬
‫دا آخر من مشاهد الخرة‬ ‫]‪ [60 – 59‬في هذه اليات يذكر الله جل وعل مشه ً‬
‫‪ ,‬حيث يقال للكفار في ذلك اليوم ‪ :‬تميزوا عن المؤمنين بعيدا فلستم أهل‬
‫لمرافقتهم ‪ ,‬وفي هذا تبكيت لهم مقابل تميزهم في الدنيا بالضلل والنحراف‬
‫‪ ,‬ويقول الله تعالى لهم توبيخا وتحسيرا ‪ :‬ألم آخذ عليكم العهد يابني آدم‬
‫الذي عاداه الشيطان وأخرجه من الجنة أن لتطيعوا الشيطان في معصيتي‬
‫فإنه لكم عدو ظاهر العداوة ‪ ,‬وأن أخلصوا لي العبادة فإن هذا هو الطريق‬
‫المستقيم الموصل إلى رضواني وجنتي؟!‬
‫غفلتم فلم تكونوا‬ ‫]‪ [62‬ولقد أضل منكم ذلكم الشيطان أجيال كثيرة ‪ ,‬أ َ‬
‫م لم تتذكروا ماحصل لولئك الضالين من نهايات مؤلمة فتعتبروا‬ ‫تعقلون ؟ فل ِ َ‬
‫بذلك وتحذروا من الشيطان الرجيم؟!‬
‫]‪ [64 – 63‬ثم يقال لهم في تأنيب وتحسير ‪ :‬هذه جهنم التي كان الرسل‬
‫عليهم السلم أوعدوكم بها‪ ,‬ادخلوها اليوم وقاسوا حرها بسبب كفركم بالله‬
‫تعالى ورسله عليهم السلم ‪.‬‬
‫]‪ [65‬وفي ذلكم اليوم الرهيب يختم الله عز وجل على أفواههم فل‬
‫يستطيعون الكلم ‪ ,‬ويخلق في جوارحهم المقدرة على الكلم ‪ ,‬فتتكلم‬
‫أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يعملونه من المعاصي في الحياة الدنيا ‪ ,‬وهذا‬
‫زيادة في التحسير والتبكيت حيث كان النسان يعتقد بأن جميع أعضائه ملك‬
‫له يدبرها بعقله‪ ,‬فإذا كل عضو منه مستقل بنفسه يواجه ربه بالستسلم‬
‫والبراءة من العمال السيئة التي اسُتخدم بها في الدنيا ‪.‬‬
‫ن(‬ ‫ري َ‬ ‫َ‬
‫ل عَلى الكافِ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫قو ْ ُ‬ ‫حقّ ال ْ َ‬ ‫حي ّا ً وَي َ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫من َ‬ ‫ويقول الله تبارك وتعالى‪) :‬ل ُِينذَِر َ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫م ي ََرْوا أ َّنا َ‬ ‫َ‬
‫ها‬ ‫ن()وَذ َللَنا َ‬ ‫مال ِكو َ‬ ‫ُ‬ ‫م لَها َ‬ ‫ديَنا أن َْعاما فَهُ ْ‬ ‫ت أي ْ ِ‬ ‫مل َ ْ‬ ‫ما عَ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫م ِ‬ ‫قَنا ل َهُ ْ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫)أوَل َ ْ‬
‫ب أ َفََل ي َ ْ‬ ‫ْ‬
‫ن(‬ ‫شك ُُرو َ‬ ‫شارِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫مَنافِعُ وَ َ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫ن()وَل َهُ ْ‬ ‫من َْها ي َأك ُُلو َ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫كوب ُهُ ْ‬ ‫من َْها َر ُ‬ ‫م فَ ِ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫م‬‫م ل َهُ ْ‬ ‫م وَهُ ْ‬ ‫صَرهُ ْ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫طيُعو َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ن()َل ي َ ْ‬ ‫صُرو َ‬ ‫م ُين َ‬ ‫ة ل َعَل ّهُ ْ‬ ‫ن الل ّهِ آل ِهَ ً‬ ‫من ُدو ِ‬ ‫ذوا ِ‬ ‫خ ُ‬ ‫)َوات ّ َ‬
‫ن(]يس‪– 71:‬‬ ‫ما ي ُعْل ُِنو َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫سّرو َ‬ ‫ما ي ُ ِ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫م إ ِّنا ن َعْل ُ‬ ‫ُ‬
‫حُزنك قوْلهُ ْ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن()فل ي َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ضُرو َ‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬ ‫جند ٌ ّ‬ ‫ُ‬
‫‪. [76 – 75 – 74 – 73 – 72‬‬
‫كر الله سبحانه عباده بما أنعم عليهم مما خلق لهم من‬ ‫]‪ [73 – 71‬يذ ّ‬
‫النعام ‪ :‬البل والبقر والغنم‪ ,‬ولم تكن من صنعهم بل هي مما هيأه الله جل‬
‫وعل لهم وملكهم إياها ‪ ,‬وجعلها مذللة لهم يقودونها حيث شاؤوا بسهولة ولم‬
‫يجعلها وحشية تنفر منهم ‪ ,‬فمنها مايركبونه في تنقلتهم‪ ,‬ومنها مايأكلونه ‪,‬‬
‫ولهم فيها منافع عديدة من شعرها ووبرها وجلودها مما يصنعون منه بيوتهم‬
‫وملبسهم‪ ,‬مع مايستفيدونه منها من شرب ألبانها ‪ ,‬هذه النعم وغيرها توجب‬
‫عليهم شكر الباري جل وعل‪ ,‬فهل شكروه فأخلصوا له العبادة !!‬
‫]‪ [75 – 74‬لكن واقعهم السيء أنهم اتخذوا من دون الله أوثانا يعبدونها‬

‫‪99‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫طمعا في نصرها إياهم في حياتهم والشفاعة لهم عند الله تعالى ‪ .‬غير أن‬
‫هذه الوثان لتستطيع نصر عابديها ‪ ,‬وهي لحول لها ولقوة ‪ ,‬بل هي بحاجة‬
‫دون لنصرها وحمايتها ‪,‬‬ ‫مع ّ‬
‫إلى حماية عابديها من العتداء عليها ‪ ,‬فهم لها جند ُ‬
‫وسواء كانت اللهة من الصنام التي يسجد لها عابدوها أو كانت من الطغاة‬
‫الذين يأمرون الناس بمعصية الله تعالى فيطيعونهم في ذلك فإن كل هذه‬
‫اللهة لهم جند مهيؤون لخدمتهم وحمايتهم ‪.‬‬
‫طمئن الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم نحو أولئك‬ ‫]‪ [76‬ثم ي ُ َ‬
‫المشركين ومايدبرونه من عداء ومكائد ‪ ,‬حيث إنه تعالى مطلع على كل‬
‫مايصدر منهم حتى مايضمرونه في أنفسهم ‪ ,‬فهم في قبضته وتحت مقدرته ‪,‬‬
‫وكذلك كل الظالمين فإنهم لن يستطيعوا القضاء على المؤمنين ول على‬
‫دعوتهم مادام هؤلء المؤمنون معتصمين بالله تعالى معتمدين عليه وحده ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫قبسات من القرآن الكريم)‪(12‬‬


‫الكاتب‪ :‬الشيخ د‪.‬عبد العزيز بن عبد الله الحميدي‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله ‪..‬‬
‫وبعد ‪ :‬يقول الله تبارك وتعالى‪:‬‬
‫ن)‬ ‫بو‬ ‫ّ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ت‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ُ‬
‫كن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ل‬ ‫ص‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫ذا‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫(‬ ‫‪20‬‬ ‫ن)‬ ‫)وََقاُلوا َيا وَي ْل ََنا هَ َ‬
‫ُ ْ ِ ِ ُ ُ َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ ِ‬ ‫َ َ ْ ُ‬ ‫دي َ ِ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ذا ي َوْ ُ‬
‫ن الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫من ُدو ِ‬ ‫ن )‪ِ (22‬‬ ‫دو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْب ُ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫جهُ ْ‬ ‫موا وَأْزَوا َ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫شُروا ال ّ ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫‪(21‬ا ْ‬
‫م َل‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬ ‫ن )‪َ (24‬‬ ‫سُئوُلو َ‬ ‫م ْ‬ ‫م إ ِن ُّهم ّ‬ ‫فوهُ ْ‬ ‫حيم ِ )‪(23‬وَقِ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫ط ال ْ َ‬ ‫صَرا ِ‬ ‫م إ َِلى ِ‬ ‫دوهُ ْ‬ ‫َفاهْ ُ‬
‫ضهُ ْ َ‬ ‫َ‬
‫ض‬
‫م عَلى ب َعْ ٍ‬ ‫ل ب َعْ ُ‬ ‫ن )‪(26‬وَأقْب َ َ‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫م ال ْي َوْ َ‬ ‫ل هُ ُ‬ ‫ن )‪(25‬ب َ ْ‬ ‫صُرو َ‬ ‫ت ََنا َ‬
‫م تَ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫كوُنوا‬ ‫ن )‪َ(28‬قالوا َبل ل ْ‬ ‫مي ِ‬ ‫ن الي َ ِ‬ ‫م ت َأُتون ََنا عَ ِ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫ن )‪َ(27‬قالوا إ ِن ّك ُ ْ‬ ‫ساءلو َ‬ ‫ي َت َ َ‬
‫ق‬
‫ح ّ‬ ‫ن )‪(30‬فَ َ‬ ‫ما طاِغي َ‬ ‫َ‬ ‫م قَوْ ً‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫ن بَ ْ‬ ‫سلطا ٍ‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫من ُ‬ ‫كم ّ‬ ‫َ‬
‫ن لَنا عَلي ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن )‪(29‬وَ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ُ‬
‫مئ ِذ ٍ ِفي‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫(‬ ‫‪32‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫وي‬ ‫غا‬ ‫َ‬ ‫نا‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫نا‬ ‫إ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫نا‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ْ‬ ‫غ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫(‬ ‫‪31‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫ئ‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫نا‬ ‫إ‬ ‫نا‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫نا‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬
‫َ‬
‫ِ ُ ْ ْ َ‬ ‫ّ‬ ‫ِ َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪]((33‬سورة الصافات[‬ ‫كو َ‬ ‫شت َرِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ُ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ال ْعَ َ‬
‫]‪ [20‬في يوم القيامة حينما ينفخ إسرافيل عليه السلم في الصور يقوم‬
‫الناس من قبورهم فيصرخ الكفار مبهوتين قائلين ‪ :‬ياهلكنا هذا يوم الحساب‬
‫والجزاء الذي ُيدان فيه كل إنسان بعمله ‪.‬‬
‫]‪ [21‬فيقال لهم على سبيل التبكيت والتقريع ‪ :‬هذا يوم القضاء بالعدل بين‬
‫الخلق الذي كنتم تكذبون به في الحياة الدنيا ‪.‬‬
‫]‪ [22-24‬ثم يقال ‪ :‬اجمعوا الذين كفروا وأمثالهم في الكفر والضلل‬
‫وأوثانهم التي كانوا يعبدونها من غير العقلء ‪ ,‬أو من العقلء الذين رضوا بأن‬
‫يكونوا طواغيت ُيعبدون من دون الله تعالى فوجهوهم إلى طريق النار ‪,‬‬
‫واحبسوهم قبل أن يصلوا إلى جهنم للحساب ‪ ,‬فإنهم مسؤولون عن أعمالهم‬
‫التي صدرت منهم في حياتهم الدنيا ‪.‬‬
‫]‪ [26 -25‬ثم يقال لهم تبكيتا وتحسيرا ‪ :‬مالكم اليوم لينصر بعضكم بعضا‬
‫كما كنتم تتناصرون في الدنيا ؟ ولجواب عندكم لنشغال كل إنسان بنفسه ‪,‬‬
‫بل هم في ذلك اليوم منقادون لمر الله تعالى ‪ ,‬سواء في ذلك العابدون‬
‫والطغاة المعبودون ‪.‬‬
‫]‪ [32 – 27‬ورجعوا إلى أنفسهم يتساءلون ‪ ,‬فيقول التباع للرؤساء ‪ :‬إنكم‬
‫كنتم تأتوننا بما لكم من سلطان وقوة فتخدعوننا وتضللوننا عن الدين الحق ‪,‬‬
‫فيقول لهم الرؤساء ‪ :‬ليس المر كما زعمتم ‪ ,‬بل لم يكن عندكم استعداد‬
‫وقابلية لليمان ‪ ,‬ولم يكن لنا عليكم من حجة أو سلطة نرغمكم بها على‬

‫‪100‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫رفض الحق وقبول الباطل ‪ ,‬بل كان الدافع لكم إلى ذلك تجاوزكم الحد في‬
‫منا جميعا وعيد ربنا بالعذاب إذا عصينا ‪ ,‬فإنا لذائقوا‬ ‫اتباع أهوائكم ‪ ,‬فلز َ‬
‫العذاب نحن وأنتم بما قدمنا من عمل سيء‪ ,‬فنحن أضللناكم عن طريق‬
‫الهدى لننا كنا ضالين من قبلكم ‪.‬‬
‫]‪ [33‬أما عن مصيرهم بعد هذا الحوار فيخبرنا الله تعالى بأنهم جميًعا في‬
‫ذلك اليوم في عذاب جهنم مشتركون ‪.‬‬
‫ويقول الله تبارك وتعالى ‪:‬‬
‫ن)‬ ‫ري ٌ‬ ‫ن ِلي قَ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫م إ ِّني َ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫ل ّ‬ ‫ل َقائ ِ ٌ‬ ‫ن )‪َ(50‬قا َ‬ ‫ُ‬
‫ساءلو َ‬ ‫ض ي َت َ َ‬ ‫ٍ‬ ‫م عََلى ب َعْ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫ل ب َعْ ُ‬ ‫)فَأ َقْب َ َ‬
‫َ‬ ‫ن )‪(52‬أ َئ ِ َ‬ ‫ل أ َئ ِن ّ َ‬
‫ن)‬ ‫ديُنو َ‬ ‫ما أئ ِّنا ل َ َ‬
‫م ِ‬ ‫ظا ً‬‫ع َ‬ ‫مت َْنا وَك ُّنا ت َُراًبا وَ ِ‬ ‫ذا ِ‬ ‫صد ِّقي َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ك لَ ِ‬ ‫قو ُ‬ ‫‪(51‬ي َ ُ‬
‫هّ‬ ‫حيم ِ )‪َ(55‬قا َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ل َتالل ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫واء ال َ‬ ‫س َ‬ ‫ن )‪َ(54‬فاطلعَ فََرآه ُ ِفي َ‬ ‫مطل ُِعو َ‬ ‫ل أنُتم ّ‬ ‫ل هَ ْ‬ ‫‪َ(53‬قا َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ح ُ‬‫ما ن َ ْ‬ ‫ن )‪(57‬أفَ َ‬ ‫ري َ‬ ‫ض ِ‬
‫ح َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ة َرّبي لكن ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ن )‪(56‬وَلوْل ن ِعْ َ‬ ‫ت لت ُْرِدي ِ‬ ‫كد ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫إِ ْ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫م‬
‫ظي ُ‬‫فوُْز العَ ِ‬ ‫ذا لهُوَ ال َ‬ ‫ن )‪(59‬إ ِ ّ‬ ‫معَذ ِّبي َ‬ ‫ن بِ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ما ن َ ْ‬ ‫موْت َت ََنا الولى وَ َ‬ ‫ن )‪(58‬إ ِل َ‬ ‫مي ِّتي َ‬ ‫بِ َ‬
‫ن )‪] ((61‬الصافات[‬ ‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫ل الَعا ِ‬ ‫ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ذا فَلي َعْ َ‬ ‫ل هَ َ‬ ‫مث ْ ِ‬‫)‪(60‬ل ِ ِ‬
‫]‪ [50‬بعد أن ذكر الله جل وعل ألواًنا من نعيم أهل الجنة ذكر خبر واحد منهم‬
‫كان له صاحب من الكفار ‪ ,‬فذكر أن المؤمنين في الجنة بعد أن حظوا بما‬
‫هم فيه من نعيم أقبل بعضهم على بعض يتساءلون بينهم عن أحوالهم في‬
‫الدنيا وما آل إليه أمرهم في الجنة ‪ ,‬والمقارنة بين كدر المس ونعيم اليوم‬
‫من كمال السعادة ‪.‬‬
‫]‪ [51-53‬وبينما هم يتساءلون عن أحوالهم تذكر أحدهم صاحبا له في الدنيا‬
‫فقال لخوانه‪ :‬إنه كان لي صاحب في الدنيا ملزم لي ‪ ,‬كان يقول لي ‪ :‬هل‬
‫أنت مازلت من المصدقين بالبعث بعد الموت ؟ كيف إذا متنا وبليت أجسادنا‬
‫وأصبحنا ترابا وبقايا عظام بالية ُنبعث ثم نحاسب ونجازي بأعمالنا ؟!‬
‫]‪ [57 – 54‬ثم بدا لهذا المؤمن أن يطلع على صاحبه وأن ُيطلع إخوانه عليه‬
‫وهو يعلم أن مصيره إلى النار فقال لخوانه ‪ :‬هل تحبون أن تطلعوا مثلي‬
‫لنرى ذلك الصاحب وما آل إليه أمره؟ فاطلع على النار ذلك المؤمن فرأى‬
‫صاحبه في وسط النار ‪ ,‬فقال له ذلك المؤمن – والسعادة تغمره في نجاته‬
‫ت أن تهلكني بإغرائك إياي بالكفر‬ ‫من النار وظفره بالجنة ‪ : -‬والله لقد قارب َ‬
‫ت‬
‫لو أطعتك‪ ,‬ولول فضل ربي علي بهدايتي إلى اليمان والعمل الصالح لكن ُ‬
‫من المحضرين معك في عذاب جهنم‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫]‪ [58-60‬ثم يستثيره منظر قرينه وهو يعذب في النار فيتذكر ماهو فيه هو‬
‫وأخوانه من النعيم في الجنة فيتساءل عن الخلود فيها من باب تذكر النعيم‬
‫للظفر بكمال السعادة فيقول ‪ :‬أحقا أننا مخلدون في نعيم الجنة ‪ ,‬فما نحن‬
‫بميتين بعد موتتنا الولى ولن يمر علينا شيء من العذاب والكدر؟ إن مانحن‬
‫فيه لهو الظفر العظيم بالسعادة التي ليماثلها سعادة ‪.‬‬
‫]‪ [61‬فيقول الله جل وعل ‪ :‬لمثل هذا النعيم العظيم والخلود الدائم فليعمل‬
‫العاملون في الدنيا وليتنافس المتنافسون ‪ ,‬ل على متاع الدنيا الزائل مهما‬
‫كان كبيرا في أعين بعض الناس ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪101‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قبسات من القرآن الكريم)‪(13‬‬


‫الكاتب‪ :‬الشيخ د‪.‬عبد العزيز بن عبد الله الحميدي‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله ‪..‬‬
‫ش ّ‬
‫ك‬ ‫م ِفي َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ل عَل َي ْهِ ال ُ ِ َ ْ ِ َ َ‬
‫ب‬ ‫نا‬ ‫ن‬ ‫ي‬‫ب‬ ‫من‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ّ‬ ‫ذ‬ ‫وبعد ‪ :‬يقول الله تبارك وتعالى‪):‬أ َُأنزِ َ‬
‫َ‬
‫ز‬
‫زي ِ‬ ‫ك ال ْعَ ِ‬ ‫مةِ َرب ّ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن َر ْ‬ ‫خَزائ ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫عند َهُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ب )‪(8‬أ ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ذوُقوا عَ َ‬ ‫ما ي َ ُ‬ ‫ل لَ ّ‬ ‫ري ب َ ْ‬
‫َ‬ ‫من ذِك ْ ِ‬ ‫ّ‬
‫ب)‬ ‫با‬ ‫س‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫في‬ ‫قوا‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ما‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ما‬ ‫و‬ ‫ض‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫وا‬ ‫ت‬ ‫وا‬ ‫ما‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫ُ‬
‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫هم‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫أ‬ ‫(‬ ‫‪9‬‬ ‫)‬ ‫ب‬ ‫ها‬ ‫ْ‬
‫ْ َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َْ َ‬ ‫ّ َ َ ِ َ ْ ِ َ َ ََُْ َ‬ ‫ْ ُ ّ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ا َ‬
‫و‬ ‫ل‬
‫ب )‪] (11‬سورة‪:‬ص[‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ما هَُنال ِ َ‬
‫حَزا ِ‬ ‫ن ال ْ‬ ‫م َ‬ ‫م ّ‬ ‫مهُْزو ٌ‬ ‫ك َ‬ ‫جند ٌ ّ‬ ‫‪ُ (10‬‬
‫]‪ [8‬حينما رد المشركون رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا في‬
‫ص محمد ابن عبد الله بإنزال الوحي عليه من‬ ‫خ ّ‬ ‫تسويغ هذا الرد ‪ :‬لماذا ُ‬
‫دوننا ؟ هل لديه مؤهلت لهذا التخصيص ؟ وقد حكى الله جل وعل شيئا من‬
‫مسوغات هذا العتراض بقوله‬
‫م( )الزخرف‪(31:‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ذا ال ْ ُ‬ ‫ل هَ َ‬ ‫)وََقاُلوا ل َوَْل ن ُّز َ‬
‫ظي ٍ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫قْري َت َي ْ ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م َ‬‫ل ّ‬ ‫ج ٍ‬ ‫ن عَلى َر ُ‬ ‫قْرآ ُ‬
‫ويعنون بالقريتين مكة والطائف ‪ ,‬فهم يرون أن الرسالة يجب أن تكون لرجل‬
‫ذي مال وسيادة كبيرة في قومه ‪.‬‬
‫ري( أي إن‬ ‫ْ‬
‫من ذِك ِ‬ ‫شك ّ‬ ‫ّ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫ْ‬
‫وقد رد الله عليهم هذا العتراض بقوله )ب َل هُ ْ‬
‫اعتراضهم الحقيقي ليس على شخص الرسول ‪ ,‬بل على الوحي نفسه ‪,‬‬
‫حيث إنهم يشكون في كونه نازل من عند الله تعالى ‪ ,‬بل إنهم في شك من‬
‫وقوع العذاب الخروي ‪ ,‬إذ لو كانوا يؤمنون به لسارعوا إلى تفاديه باليمان‬
‫بالسلم ‪.‬‬
‫]‪ [9‬وهم بهذا التساؤل يعترضون على إرادة الله جل وعل واختياره ‪ ,‬فهل هم‬
‫يملكون خزائن فضل الله سبحانه العزيز في سلطانه ‪ ,‬الوهاب مايشاء من‬
‫فضله ؟ إنهم ليملكون ذلك ‪ ,‬ومادام أنه عز وجل هو المالك وحده وهم‬
‫عبيده فكيف يعترضون على اصطفائه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟!‬
‫ك السموات والرض فيعطوا من شاؤوا‬ ‫]‪ [10-11‬أم إن لهؤلء المشركين مل َ‬
‫ويمنعوا من شاؤوا ؟ فليأخذوا بالوسائل الموصلة لهم إلى السماء ‪ ,‬ثم‬
‫ليمنعوا الملئكة من إنزال الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬بل‬
‫هزم‬ ‫إنهم جند مهزومون قطعا لنهم إنما يحاربون خالقهم جل وعل كما ُ‬
‫الحزاب من المم قبلهم ‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫كيم ِ )‪(1‬إ ِّنا أنَزلَنا‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ح ِ‬ ‫زيزِ ال َ‬ ‫ن اللهِ العَ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ب ِ‬ ‫زيل الك َِتا ِ‬ ‫ويقول الله تبارك وتعالى‪َ) :‬تن ِ‬
‫ن )‪(2‬‬ ‫ّ َ‬ ‫دي‬ ‫ال‬ ‫ه‬ ‫ّ‬
‫ه ُ ْ ِ ً ُ‬
‫ل‬ ‫صا‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫م‬ ‫حقّ َفاعْب ُدِ الل ّ َ‬ ‫ب ِبال ْ َ‬ ‫ك ال ْك َِتا َ‬ ‫إ ِل َي ْ َ‬
‫قّرُبوَنا إ َِلى‬ ‫م إ ِّل ل ِي ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما ن َعْب ُد ُهُ ْ‬ ‫من ُدون ِهِ أوْل َِياء َ‬ ‫ذوا ِ‬ ‫خ ُ‬ ‫ن ات ّ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ص َوال ّ ِ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫دي ُ‬ ‫أَل ل ِل ّهِ ال ّ‬
‫و‬
‫ن هُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫دي َ‬ ‫ه َل ي َهْ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫فو َ‬ ‫خت َل ِ ُ‬ ‫م ِفيهِ ي َ ْ‬ ‫ما هُ ْ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫م ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫حك ُ ُ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫فى إ ِ ّ‬ ‫الل ّهِ ُزل ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫حان َ ُ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫شاء ُ‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫خل ُقُ َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫فى ِ‬ ‫صط َ َ‬ ‫دا ّل ْ‬ ‫خذ َ وَل َ ً‬ ‫ن ي َت ّ ِ‬ ‫هأ ْ‬ ‫فاٌر )‪(3‬ل َوْ أَراد َ الل ّ ُ‬ ‫ب كَ ّ‬ ‫كاذِ ٌ‬ ‫َ‬
‫قّهاُر )‪]((4‬سورة‪ :‬الزمر[‪.‬‬ ‫ْ‬
‫حد ُ ال َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ْ‬
‫ه ال َ‬ ‫ّ‬
‫هُوَ الل ُ‬
‫]‪ [1-2‬يخبرنا الله جل وعل بأن تنزيل القرآن إنما هو من الله العزيز في‬
‫قدرته الحكيم في تدبيره للمور ‪ ,‬ثم يقول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ :‬إنا أنزلنا إليك القرآن مشتمل على الحق في كل أمر من أمور الدنيا‬
‫والخرة فاعبد الله وحده وأخلص له دينك كله ‪.‬‬
‫]‪ [3‬ثم يبين الله عز وجل أن الدين الخالص له وحده ‪ ,‬فهو الذي يستحق أن‬
‫يفرد بالعبادة لنه هو الخالق وماسواه مخلوق ‪ ,‬فهذا هو الطريق المستقيم‬
‫الموصل إلى رضوان الله جل وعل وجنته‪ ,‬وليس طريقَ المشركين الذين‬
‫اتخذوا من دونه أولياء من الملئكة والنبيين عليهم السلم والصالحين ‪,‬‬
‫وزعموا أنهم بعبادتهم هؤلء المقربين عند الله تعالى سيحصلون على رضوانه‬
‫وترتفع منزلتهم عنده ‪ ,‬وغفلوا عن أن هؤلء مهما علت منزلتهم عند الله‬

‫‪102‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تعالى فإنهم مخلوقون مثلهم‪ ,‬ومن الجهل والضلل أن ُيرفع المخلوق ليكون‬
‫بمنزلة الخالق جل وعل ‪ ,‬وإذا كان هؤلء المشركون قد اختلفوا مع المرسلين‬
‫عليهم السلم ومن تبعهم من دعاة الحق فزعموا بأن عملهم هذا ليس من‬
‫الشرك وأنه مما يقرب من الله سبحانه فإنه جل وعل سيحكم بينهم فيما‬
‫اختلفوا فيه يوم الحساب حينما تتميز العمال الصالحة من العمال السيئة ‪,‬‬
‫ثم يجازى كل إنسان بعمله ‪ ,‬إن الله تعالى ليوفق إلى الصراط المستقيم‬
‫المفترين عليه الجاحدين حقه بالتفرد بالربوبية واللوهية ‪.‬‬
‫]‪ [4‬أما الذين يزعمون بأن الملئكة بنات الله أو أن عيسى عليه السلم ابن‬
‫الله أو أن عزيًرا ابن الله فقد ضلوا ضلل بعيدا ‪ ,‬لن الله تعالى لو أراد أن‬
‫يتخذ ولدا لختاره من خلقه ‪ ,‬ولكن تنزه الله سبحانه عن أن يكون له ولد‬
‫وهو الله الواحد الحد الفرد الصمد القهار لجميع خلقه ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫قبسات من القرآن الكريم)‪(14‬‬


‫الكاتب‪ :‬الشيخ د‪.‬عبد العزيز بن عبد الله الحميدي‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله ‪..‬‬
‫ضى‬ ‫َ‬
‫م وَل ي َْر َ‬ ‫ُ‬
‫عنك ْ‬ ‫ي َ‬ ‫ه غن ِ ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫فُروا فَإ ِ ّ‬ ‫وبعد ‪ :‬يقول الله تبارك وتعالى‪ِ) :‬إن ت َك ْ ُ‬
‫م إ َِلى َرب ّ ُ‬ ‫ُ‬
‫م وََل ت َزُِر َوازَِرة ٌ وِْزَر أ ْ‬
‫كم‬ ‫خَرى ث ُ ّ‬ ‫ه ل َك ُ ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫شك ُُروا ي َْر َ‬ ‫فَر وَِإن ت َ ْ‬ ‫ل ِعَِبادِهِ ال ْك ُ ْ‬
‫ن‬‫سا َ‬ ‫لن َ‬ ‫ساِْ‬ ‫م ّ‬ ‫دوِر‪.‬وَإ َِذا َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ذا ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ن إ ِن ّ ُ‬ ‫مُلو َ‬ ‫م ت َعْ َ‬‫كنت ُ ْ‬‫ما ُ‬ ‫كم ب ِ َ‬ ‫م فَي ُن َب ّئ ُ ُ‬ ‫جعُك ُ ْ‬ ‫مْر ِ‬‫ّ‬
‫من قَب ْ ُ‬
‫ل‬ ‫ه‬ ‫ي‬
‫ِ ْ ِ ِ‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫عو‬ ‫ُ‬ ‫د‬ ‫ي‬
‫َ َ ْ‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ما‬ ‫ي‬ ‫س‬ ‫ن‬ ‫ه‬
‫ّ ُ ْ َ ّ ْ ُ َ ِ َ َ‬‫ن‬ ‫م‬ ‫ة‬
‫ً‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫ذا‬‫َ‬ ‫إ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ث‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫َ ّ َُ ُ ً ِ ْ ِ ّ ِ‬ ‫ل‬‫إ‬ ‫با‬ ‫ني‬
‫ِ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫عا‬ ‫َ‬ ‫د‬
‫ُ ّ َ‬‫ر‬ ‫ض‬
‫ب‬ ‫حا‬ ‫ص‬ ‫ك من أ َ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ل‬ ‫ً‬ ‫لي‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ب‬ ‫ع‬ ‫ت‬‫م‬ ‫ت‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫بي‬ ‫س‬ ‫عن‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ض‬ ‫ي‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫دا‬ ‫دا‬ ‫أن‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ل‬
‫ْ ْ َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ ْ ِ‬‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ ً ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫جعَ‬
‫وَ َ‬
‫الّنارِ (]الزمر ‪.[8 – 7 :‬‬
‫]‪ [7‬يبين الله جل وعل سعة ملكه وأنه غني عن الناس سواء كفروا به أو‬
‫آمنوا فإيمانهم ليزيد في ملكه ‪ ,‬وكفرهم لينقص منه ‪ ,‬ولكنه جل وعل‬
‫ليرضى لعباده الكفر وليحبه منهم ‪ ,‬بل الذي يرضيه منهم ويبلغ محبته أن‬
‫يشكروه باليمان به وطاعته ‪ ,‬فإن كفروا بالله تعالى ولم يشكروه فإنهم‬
‫محاسبون ومجازون على سوء أعمالهم ‪ ,‬وكل واحد منهم مسؤول عن نفسه‬
‫ومحاسب على كسبه‪ ,‬فل تحمل نفس آثمة إثم نفس أخرى ‪ ,‬فل يغتر التباع‬
‫في الضلل بكونهم تابعين وأن المسؤولية تقع على من أضلهم ‪ ,‬فإن‬
‫مرجعهم جميعا إلى الله تعالى فيطلعهم على أعمالهم ويحاسبهم عليها ‪ ,‬إنه‬
‫عليم بما تضمره القلوب وتخفيه فكيف بما تظهره ؟‬
‫]‪ [8‬وفي الية الثانية يبين الله جل وعل طبيعة النسان حينما يتجرد من‬
‫اليمان بالله تعالى ‪ ,‬وتصبح نفسه مرتعا لشياطين النس والجن ‪ ,‬فهو في‬
‫هذه الحال يكون مع الله تعالى إذا أصابه بلء وشدة وشعر بحاجته إلى ربه‬
‫فيرجع إليه ويستغيث به لكشف ضره لنه في هذه الحال تنقشع عنه الحجب‬
‫التي تحول بينه وبين ربه جل وعل ‪ ,‬فإذا انكشف عنه الضر وتمتع بنعمة الله‬
‫تعالى عادت إليه الحجب الكثيفة وغلبه هوى النفس المارة بالسوء ووساوس‬
‫الشياطين فنسي تضرعه إلى الله تعالى في حال الشدة وخضع لعبادة‬
‫الوثان سواء في ذلك الصنام أو طغاة البشر الذين يزينون له طاعتهم في‬
‫معصية الله جل وعل ‪ ,‬وأصبح في شركه هذا داعيا إلى النحراف عن سبيل‬
‫الله القويم‪ ,‬فالله تعالى يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول لهذا‬
‫الكافر ‪ :‬تمتع بكفرك قليل من الوقت حتى يحين أجلك فإنك من أهل النار‬
‫المخلدين فيها ‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬
‫حذ َُر‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫دا وََقائ ِ ً‬ ‫ج ً‬ ‫سا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ت آَناء الل ّي ْ ِ‬ ‫ن هُوَ َقان ِ ٌ‬ ‫م ْ‬‫ويقول الله تبارك وتعالى‪) :‬أ ّ‬
‫ما‬‫ن إ ِن ّ َ‬
‫مو َ‬ ‫ن َل ي َعْل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن َوال ّ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫ن ي َعْل َ ُ‬
‫ذي َ‬ ‫وي ال ّ ِ‬ ‫ست َ ِ‬‫ل يَ ْ‬ ‫ل هَ ْ‬ ‫ة َرب ّهِ قُ ْ‬
‫م َ‬‫ح َ‬‫جو َر ْ‬ ‫اْل ِ‬
‫خَرة َ وَي َْر ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ه‬
‫سُنوا ِفي هَذِ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ل ِل ّ ِ‬ ‫قوا َرب ّك ُ ْ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫عَبادِ ال ّ ِ‬ ‫ل َيا ِ‬ ‫ب‪.‬قُ ْ‬ ‫ي َت َذ َك ُّر أوُْلوا اْلل َْبا ِ‬
‫َ‬ ‫الدنيا حسن ٌ َ‬
‫ب(‬‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫هم ب ِغَي ْرِ ِ‬ ‫جَر ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫صاب ُِرو َ‬ ‫ما ي ُوَّفى ال ّ‬ ‫ة إ ِن ّ َ‬‫سعَ ٌ‬ ‫ض الل ّهِ َوا ِ‬ ‫ة وَأْر ُ‬ ‫َّْ َ َ َ‬
‫]الزمر ‪. [10 – 9 :‬‬
‫في الية الولى يقارن الله جل وعل بين ذلك الكافر الذي ليعرف ربه إل في‬
‫الشدائد وبين المؤمن العابد لربه الذي يقضي ساعات الليل في القيام لله‬
‫سبحانه والسجود له ‪ ,‬وهو في كل أحواله بين مقامي الخوف من عذاب الله‬
‫تعالى والرجاء بنعيمه ‪ ,‬لفرق في حياته بين حالتي السراء والضراء‪ ,‬فقل‬
‫يارسول الله لهؤلء الذين ليؤمنون بالله واليوم الخر ‪ :‬هل يستوي الذين‬
‫يعلمون عظمة ربهم والصراط المستقيم الموصل إلى رضوانه وجنته والذين‬
‫ليعلمون ذلك ؟ ليستوون عند الله ‪ ,‬إنما َيعتبر ويتعظ أصحاب العقول‬
‫السليمة الذين لم ينقادوا لهوائهم المنحرفة ‪.‬‬
‫]‪ [10‬وفي الية الثانية يأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يقول‬
‫لعباد الله المؤمنين اتقوا سخط ربكم وعذابه وذلك بفعل أوامره واجتناب‬
‫نواهيه ‪ ,‬وقل لهم ‪ :‬للذين أحسنوا إلى أنفسهم في هذه الحياة الدنيا بطاعة‬
‫ربهم واجتناب معصيته الجزاء الحسن في الخرة وذلك بالخلود في نعيم‬
‫الجنة ‪ ,‬فاستقيموا على أمور دينكم ‪ ,‬وإذا كنتم لتستطيعون ذلك في بلدكم‬
‫فهاجروا منها إلى بلد تتمكنون فيها من إقامة أمور دينكم فإن أرض الله‬
‫طى‬ ‫واسعة ‪ ,‬واصبروا على مايصيبكم في سبيل الله من مصائب فإنما يع َ‬
‫الصابرون ثوابهم في الخرة كامل لَيتصور أحد أن يحصيه من كثرته ‪ ,‬وفي‬
‫هذه الية حث ظاهر على الصبر على أقدار الله المؤلمة ‪ ,‬حيث ترتب عليه‬
‫هذا الثواب الجزيل ‪ ,‬والصبر على كمال العقل لن عدم الصبر ليرفع‬
‫المصيبة ‪ ,‬فالصابر يظفر بالجر الكبير ‪ ,‬والمتضجر يخسر ذلك الجر ويبوء‬
‫بالثم فتجتمع عليه مصيبتان ‪ ,‬مصيبة الدنيا ومصيبة الخرة ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫قبسات من القرآن الكريم)‪(2‬‬


‫الكاتب‪ :‬الشيخ د‪.‬عبد العزيز بن عبد الله الحميدي‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله ‪..‬‬
‫وبعد ‪ :‬يقول الله تبارك وتعالى‬
‫ت‬ ‫ماَوا ِ‬‫س َ‬‫مد ُ ِفي ال ّ‬
‫ح ْ‬‫ه ال ْ َ‬ ‫ن( )وَل َ ُ‬ ‫حو َ‬ ‫صب ِ ُ‬‫ن تُ ْ‬‫حي َ‬ ‫ن وَ ِ‬‫سو َ‬ ‫م ُ‬ ‫ن تُ ْ‬ ‫حي َ‬ ‫ن الل ّهِ ِ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬‫)ف َ ُ‬
‫ن( )الروم ‪( 18 ،17:‬‬ ‫ن ت ُظ ْهُِرو َ‬ ‫شي ّا ً وَ ِ‬ ‫َْ‬
‫حي َ‬ ‫ض وَعَ ِ‬ ‫َوالْر ِ‬
‫في هاتين اليتين ينزه الله تعالى نفسه عما يعتقده المشركون من الشرك‬
‫وغيره من صفات النقص التي يصفون بها الله سبحانه‪ ,‬ويثبت جل وعل أنه‬
‫المستحق للحمد وحده في السموات والرض ‪ ,‬ويوجه عباده إلى تسبيحه‬
‫ي وهو مابعد العصر ‪.‬‬ ‫والثناء عليه في المساء والصباح وفي الظهر والعش ّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫موْت َِها‬
‫ض ب َعْد َ َ‬
‫حِيي الْر َ‬ ‫ي وَي ُ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬
‫ت ِ‬ ‫ج ال ْ َ‬
‫مي ّ َ‬ ‫خرِ ُ‬
‫ت وَي ُ ْ‬‫مي ّ ِ‬‫ن ال ْ َ‬‫م َ‬ ‫ي ِ‬ ‫ح ّ‬‫ج ال ْ َ‬ ‫خرِ ُ‬‫)ي ُ ْ‬
‫ن( )الروم ‪(19 :‬‬ ‫جو َ‬ ‫خَر ُ‬‫وَك َذ َل ِك ت ُ ْ‬
‫َ‬
‫ففي هذه الية يبين الله تعالى حقيقة البعث بعد الموت وأنه جل وعل قادر‬
‫على ذلك كمقدرته على إخراج الحي من الميت كالنسان من النطفة والطير‬
‫من البيضة‪ ,‬وكمقدرته على إخراج الميت من الحي كالنطفة والبيضة من‬
‫الحيوان ‪ ,‬وكمقدرته على إحياء الرض بالنبات بعد موتها بالجدب ‪ ,‬فكذلك‬

‫‪104‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ُيخرج الله سبحانه الناس من قبورهم ويبعثهم أحياء يوم القيامة ‪.‬‬
‫ن( )الروم ‪ ( 20 :‬أي‬ ‫شُرو َ‬ ‫شٌر َتنت َ ِ‬ ‫م إ َِذا َأنُتم ب َ َ‬ ‫ب ثُ ّ‬ ‫من ت َُرا ٍ‬ ‫كم ّ‬ ‫ق ُ‬‫خل َ َ‬
‫ن َ‬ ‫َ‬
‫ن آَيات ِهِ أ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫)وَ ِ‬
‫ومن دلئل ألوهيته وقدرته جل وعل على بعثكم بعد الموت أن خلق أباكم آدم‬
‫عليه الصلة والسلم من تراب ‪ ,‬فكان خلق آدم ُيعد ّ خلقا لذريته من التراب‬
‫ول هذا الواحد المخلوق من التراب إلى بشر‬ ‫لنه مشتمل عليهم ‪ ,‬ثم تح ّ‬
‫ينتشرون في الرض عن طريق التناسل ‪.‬‬
‫َ‬
‫سك ُُنوا إ ِلي َْها‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫خل َقَ ل َ ُ‬ ‫َ‬
‫م أْزَواجا لت َ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن أن ُ‬ ‫م ْ‬
‫كم ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ن آَيات ِهِ أ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ويقول الله تبارك )وَ ِ‬
‫ق‬ ‫ْ‬
‫خل ُ‬ ‫ن آَيات ِهِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن( )وَ ِ‬‫فك ُّرو َ‬ ‫قوْم ٍ ي َت َ َ‬ ‫تل َ‬‫ّ‬ ‫ك لَيا ٍ‬ ‫َ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫ة إِ ّ‬
‫م ً‬‫ح َ‬ ‫موَد ّة ً وََر ْ‬ ‫كم ّ‬ ‫ل ب َي ْن َ ُ‬
‫جعَ َ‬ ‫وَ َ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن(‬‫مي َ‬ ‫ت للَعال ِ ِ‬ ‫ك لَيا ٍ‬‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫وان ِك ُ ْ‬
‫م وَأل َ‬ ‫سن َت ِك ُ ْ‬
‫ف أل ِ‬ ‫خت ِل ُ‬ ‫ض َوا ْ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬
‫ال ّ‬
‫)الروم ‪( 21،22 :‬‬
‫يبين الله تعالى أن من العلمات الواضحة الدالة على قدرته جل وعل‬
‫العظيمة أن خلق لكم أيها الناس من جنسكم في البشرية نساء تتخذونهن‬
‫أزواجا لكم لتستريحوا إليهن ‪ ,‬وجعل في قلوبكم وقلوبهن محبة وشفقة في‬
‫ظل عصمة الزوجية من غير أن يكون ذلك قبل الزواج ‪ ,‬إن في ذلك التقدير‬
‫والتأليف َلعلمات ظاهرة ً على قدرة الله تعالى وحكمته ‪.‬‬
‫خل ْقُ السموات‬ ‫ومن الدللت الظاهرة على عظيم قدرة الله جل وعل َ‬
‫والرض ‪ ,‬هذه الجرام العظيمة التي هي في منتهى الضخامة في التكوين‬
‫والدقة في التقدير ‪ ,‬وكذلك من هذه العلمات اختلف لغات البشر وألوانهم‬
‫مع كونهم ينحدرون جميعا من أبيهم آدم عليه الصلة والسلم‪,‬إن في ذلك‬
‫الخلق البديع والتقدير الدقيق َلعلمات بينة لصحاب العقول المبصرة والفكار‬
‫النيرة ‪ ,‬تدل على عظمة الخالق جل وعل وقدرته البالغة ‪.‬‬
‫فإذا كان المر كذلك وأدركتم أيها الناس مقدرة الله تعالى العظيمة على‬
‫الخلق والتكوين والتقدير الدقيق البليغ فلماذا لتستدلون بذلك على مقدرته‬
‫على إحياء الناس بعد موتهم بالبعث في الخرة ؟!‬

‫)‪(1 /‬‬

‫قبسات من القرآن الكريم)‪(3‬‬


‫الكاتب‪ :‬الشيخ د‪.‬عبد العزيز بن عبد الله الحميدي‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله ‪..‬وبعد ‪:‬‬
‫يقول الله تبارك وتعالى ‪:‬‬
‫شَر َ‬ ‫ُ‬ ‫كم من ما مل َك َت أ َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ن َأن ُ‬ ‫ب لَ ُ‬
‫كاء ِفي‬ ‫من ُ‬ ‫ّ‬ ‫كم‬ ‫ن‬ ‫ما‬
‫ْ ْ َ ُ‬ ‫ي‬ ‫ّ َ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫هل‬ ‫ف ِ ْ َ‬
‫م‬ ‫ك‬ ‫س‬ ‫م ْ‬‫مث َل ً ِ‬ ‫كم ّ‬ ‫ضَر َ‬‫) َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل اْلَيا ِ‬
‫ت‬ ‫ص ُ‬‫ف ّ‬ ‫ك نُ َ‬ ‫م ك َذ َل ِ َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف َ‬‫م أن ُ‬ ‫فت ِك ُ ْ‬ ‫م كَ ِ‬
‫خي َ‬ ‫خاُفون َهُ ْ‬‫واء ت َ َ‬ ‫س َ‬‫م ِفيهِ َ‬ ‫م فَأنت ُ ْ‬ ‫ما َرَزقَْناك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن( )الروم ‪( 28 :‬‬ ‫َ‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫ق‬
‫لِ ْ ٍ َ ْ ِ‬
‫ع‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬
‫ما ل َُهم‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه وَ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ض ّ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬‫دي َ‬ ‫من ي َهْ ِ‬ ‫عل ْم ٍ فَ َ‬
‫هم ب ِغَي ْرِ ِ‬ ‫واء ُ‬ ‫موا أهْ َ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫ذي َ‬‫ل ات ّب َعَ ال ّ ِ‬
‫)ب َ ِ‬
‫ن( )الروم ‪( 29 :‬‬ ‫ري َ‬ ‫ص ِ‬ ‫من ّنا ِ‬ ‫ّ‬
‫يضرب الله تعالى مثل للمشركين مأخوًذا من أنفسهم على بطلن الشرك‬
‫فيقول ‪ :‬هل ترضون لنفسكم أن يشارككم عبيدكم في أموالكم التي رزقكم‬
‫الله إياها إلى حد ّ أنكم تهتمون بهم وتخافون من مخالفتهم كما تخافون من‬
‫شركائكم من الحرار ؟ فسيقولون ‪ :‬ل لن يكون ذلك‪ ,‬فإذا كنتم لترضون‬
‫دا من‬ ‫مشاركتهم إياكم – والحال أنكم وإياهم َبشر – فكيف تعتقدون بأن أح ً‬
‫خلق الله جل وعل يشاركه في اللوهية والربوبية تعالى عن ذلك علوا كبيرا ‪,‬‬
‫وبمثل هذا البيان الواضح يبين الله تعالى البراهين والحجج لصحاب العقول‬
‫السليمة كي يجتنبوا الشرك ويستقيموا على عبادة الله جل وعل ‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وهكذا فإنه ليمكن التسوية بين الخالق جل وعل والمخلوق ‪ ,‬لكن هؤلء‬
‫الذين ظلموا أنفسهم بالشرك اتبعوا في ذلك أهواءهم المنحرفة عن جهل بما‬
‫يجب لله تعالى من الفراد بالعبادة ‪ ,‬فمن الذي يستطيع هداية من أضله الله‬
‫بسبب تماديه في الكفر والعناد ؟‬
‫ل أحد يستطيع ذلك ‪ ,‬وسيبوء هؤلء المشركون في الخرة بعذاب جهنم ‪,‬‬
‫ولن يجدوا لهم من ينصرهم ويخلصهم من عذاب الله تعالى ‪.‬‬
‫ويقول الله تبارك وتعالى‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫جهَ َ‬ ‫َ‬
‫ق‬
‫خل ِ‬ ‫دي َ‬
‫ل لِ َ‬ ‫س عَلي َْها ل ت َب ْ ِ‬ ‫حِنيفا فِطَرةَ اللهِ الِتي فَطَر الّنا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ِ‬ ‫دي‬
‫ك ِلل ّ‬ ‫م وَ ْ‬ ‫)فَأقِ ْ‬
‫قيم ول َك َ‬
‫ن( )الروم ‪( 30 :‬‬ ‫مو َ‬ ‫س َل ي َعْل َ ُ‬ ‫ن أك ْث ََر الّنا ِ‬ ‫ن ال ْ َ ّ ُ َ ِ ّ‬ ‫دي ُ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫الل ّهِ ذ َل ِ َ‬
‫َ‬
‫ن( )الروم ‪( 31 :‬‬ ‫كي َ‬
‫شرِ ِ‬‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫م َ‬ ‫كوُنوا ِ‬ ‫صَلة َ وََل ت َ ُ‬
‫موا ال ّ‬ ‫قوه ُ وَأِقي ُ‬ ‫ن إ ِل َي ْهِ َوات ّ ُ‬ ‫مِنيِبي َ‬ ‫) ُ‬
‫ن( )الروم ‪:‬‬ ‫حو َ‬ ‫م فَرِ ُ‬ ‫َ‬
‫ما لد َي ْهِ ْ‬ ‫ب بِ َ‬ ‫حْز ٍ‬ ‫ل ِ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫شَيعا ك ّ‬ ‫َ‬
‫م وَكاُنوا ِ‬ ‫ن فَّرُقوا ِدين َهُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫) ِ‬
‫‪( 32‬‬
‫في هذه اليات الكريمة يأمر الله جل وعل رسوله صلى الله عليه وسلم أن‬
‫يقيم وجهه لدين السلم مائل إليه غير ملتفت إلى غيره ‪ ,‬فإنه الدين الذي‬
‫خلق الله الناس عليه ‪ ,‬كما جاء في الحديث الصحيح "ما من مولود إل يولد‬
‫دل بعض الناس الدين الذي خلق الله‬ ‫على الفطرة" فل يصح وليستقيم أن يب ّ‬
‫البشر عليه ‪ ,‬فإن السلم هو الدين القويم الموافق للفطرة ‪ ,‬ولكن أكثر‬
‫الناس يجهلون هذه الحقيقة‪ ,‬فلذلك ضلوا عن الطريق المستقيم ‪.‬‬
‫فأقيموا وجوهكم أيها المسلمون راجعين إلى الله تعالى مخلصين له ‪ ,‬واتقوا‬
‫سخطه ‪ ,‬وذلك بفعل أوامره ‪ ,‬واجتناب نواهيه ‪ ,‬وأدوا الصلة تامة بشروطها‬
‫وأركانها وواجباتها ‪ ,‬واجتنبوا جميع أنواع الشرك مع الله تعالى حتى لتكونوا‬
‫من المشركين ‪ ,‬من الذين فرقوا الدين فلم يأخذوا به كله‪ ,‬بل أخذوا ببعضه‬
‫وتركوا بعضه تبعا لهوائهم ‪ ,‬فصاروا بذلك فرًقا وأحزاًبا يتعصبون لحزابهم‬
‫ورؤسائهم ‪ ,‬كل حزب بما عندهم من الراء والهواء مسرورون من غير نظر‬
‫على كون ماهم عليه من الحق أو من الباطل ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫قبسات من القرآن الكريم)‪(5‬‬


‫الكاتب‪ :‬الشيخ د‪.‬عبد العزيز بن عبد الله الحميدي‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله ‪ ..‬وبعد ‪:‬‬
‫ن‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫كو‬ ‫ل‬ ‫م‬
‫َ ْ ِ‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬‫من ُ ِ‬
‫دو‬ ‫مُتم ّ‬ ‫ن َزعَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫عوا ال ّ ِ‬ ‫ل اد ْ ُ‬ ‫يقول الله تبارك وتعالى )قُ ِ‬
‫َ‬
‫ما ل َ ُ‬
‫ه‬ ‫ك وَ َ‬ ‫شْر ٍ‬ ‫من ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫م ِفيهِ َ‬ ‫ما ل َهُ ْ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ْ‬
‫ت وَل ِفي الْر ِ‬
‫ماَوا ِ َ‬ ‫س َ‬ ‫ل ذ َّرةٍ ِفي ال ّ‬ ‫قا َ‬
‫مث ْ َ‬‫ِ‬
‫حّتى إ َِذا‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫ذ‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫إ‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫عن‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫فا‬‫َ‬ ‫ش‬‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫تن‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫و‬ ‫()‬ ‫‪22‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)سبأ‬ ‫ر(‬ ‫هي‬ ‫َ‬ ‫ظ‬ ‫من‬ ‫هم‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ُ ِ َ ُ ِ ِ َ ْ ِ َ ُ َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ ُْ ّ‬
‫ي ال ْك َِبيُر( )سبأ ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ع‬‫ْ‬ ‫ل‬
‫َ ّ َ َ َ ّ‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫ه‬‫و‬ ‫ق‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫م‬ ‫َ ّ ْ‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫ما‬
‫َ‬ ‫لوا‬‫ُ‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫ِِ ْ‬ ‫ب‬ ‫لو‬‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫عن‬‫فُّزع َ َ‬
‫‪( 23‬‬
‫يأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يقول للمشركين ‪ :‬ادعوا‬
‫أوثانكم الذين عبدتموهم من دون الله سواء من الصنام أو من البشر أو من‬
‫الجن واطلبوا منهم أن يوجدوا شيئا مما في السموات والرض من العدم ولو‬
‫كان هذا الشيء مثقال ذرة ‪ ,‬ثم انظروا هل يستطيعون ذلك ؟! إنهم لن‬
‫يستطيعوا ذلك لن خالق السموات والرض ومافيهن هو الله وحده ‪ ,‬وليس‬
‫للمعبودين من دونه مشاركة في ذلك‪ ,‬وليس له منهم معين على تدبير أمور‬
‫خلقه جل وعل عن ذلك ‪ ,‬وإن المفكرين المعاصرين والسابقين الذين ظهرت‬
‫على أيديهم المخترعات الباهرة وعبدهم بعض الناس من أجل ذلك لم يوجدوا‬

‫‪106‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كبوها من الموجودات التي خلقها‬ ‫تلك المخترعات من العدم ‪ ,‬وإنما أّلفوها ور ّ‬


‫الله عز وجل‪.‬‬
‫وإذا كان بعض المشركين يرجون من عبادة الوثان أن تشفع لهم عند الله‬
‫تعالى فإنهم لن يحصلوا على ذلك ‪ ,‬لن شفاعة الشافعين لتقبل عند الله‬
‫تعالى إل لمن أذن لهم ‪ ,‬ولن يأذن إل لمن ارتضى شفاعتهم من الملئكة‬
‫والنبيين عليهم السلم والصالحين ‪ ,‬وهؤلء لن يشفعوا إل لمن استحق‬
‫الشفاعة‪ ,‬حتى إن الملئكة عليهم السلم – على جللة قدرهم – إذا سمعوا‬
‫دا ‪ ,‬فإذا كان الملئكة هذا شأنهم فكيف‬ ‫عا شدي ً‬ ‫أمر الله عز وجل فزعوا فز ً‬
‫يشفعون لمن ليرضى الله عمله ؟ وإذا كان الملئكة كذلك فكيف بمن هم‬
‫دونهم في الخلق ؟!‬
‫هّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شَركاء كل ب َ ْ‬ ‫قُتم ب ِهِ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ويقول الله تبارك وتعالى )قُ ْ‬
‫ل هُوَ الل ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن أل َ‬ ‫ذي َ‬
‫ل أُروِني ال ِ‬
‫م( )سبأ ‪( 27 :‬‬ ‫كي ُ‬
‫ح ِ‬ ‫زيُز ال ْ َ‬ ‫ال ْعَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن( )سبأ‬ ‫مو َ‬‫س َل ي َعْل َ ُ‬
‫ن أك ْث ََر الّنا ِ‬ ‫ذيرا ً وَل َك ِ ّ‬ ‫شيرا ً وَن َ ِ‬ ‫س بَ ِ‬ ‫ة للّنا ِ‬
‫كافّ ً ّ‬ ‫ك إ ِّل َ‬ ‫سل َْنا َ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫)وَ َ‬
‫‪( 28 :‬‬
‫ن( )سبأ ‪( 29 :‬‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫ذا الوَعْد ُ ِإن كنت ُ ْ‬‫ْ‬ ‫مَتى هَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫)وَي َ ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ن( )سبأ ‪( 30 :‬‬ ‫مو َ‬ ‫قد ِ ُ‬
‫ست َ ْ‬
‫ة وَل ت َ ْ‬ ‫ساعَ ً‬‫ه َ‬ ‫ن عَن ْ ُ‬‫خُرو َ‬ ‫ست َأ ِ‬
‫ميَعاد ُ ي َوْم ٍ ل ت َ ْ‬‫)ُقل لكم ّ‬
‫يأمر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لولئك المشركين ‪:‬‬
‫أروني بالحجة والبرهان الوثان الذين عبدتموهم مع الله تعالى وجعلتموهم‬
‫شركاء له هل شاركوا الله جل وعل في الخلق حتى تجعلوهم شركاء له في‬
‫العبادة ؟ ! كل لم يفعلوا ذلك وليملكونه ‪ ,‬بل الله عز وجل وحده هو الخالق‪,‬‬
‫وبالتالي فهو المعبود بحق وحده ‪ ,‬وهو القوي في انتقامه ممن عصاه ‪,‬‬
‫الحكيم في أقواله وأفعاله ‪.‬‬
‫ثم يبين الله تعالى مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم التي بعثه الله عز‬
‫وجل بها ‪ ,‬وهي أنه ابتعثه إلى الناس جميعا مبشًرا بثوابه جل وعل لمن اطاع‬
‫وآمن وعمل صالحا ‪ ,‬ومنذرا من عقابه لمن عصى وكفر ولكن أكثر الناس‬
‫ليعلمون الحق ومصير أتباعه والمعارضين له في الخرة ‪ ,‬ولهذا الجهل من‬
‫المشركين فإنهم يقولون مستهزئين ‪ :‬متى هذا الوعد الذي تعدوننا أن الله‬
‫يجمعنا فيه ثم يحكم بيننا إن كنتم صادقين في هذا الوعد ؟ فقل لهم – أيها‬
‫الرسول ‪ : -‬لكم معياد هو آتيكم ل محالة وهو يوم القيامة ‪ ,‬وكل إنسان‬
‫قيامته موته ‪ ,‬فإذا حان أجله قامت قيامته ‪ ,‬ليتأخر عن ذلك وليتقدم ‪,‬‬
‫فالسعيد كل السعادة من أعد نفسه لذلك اليوم باليمان الصادق والعمل‬
‫الصالح ‪ ,‬والشقي كل الشقاوة من فاجأه ذلك اليوم وهو في شك أو عمل‬
‫سيء ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫قبسات من القرآن الكريم)‪(6‬‬


‫الكاتب‪ :‬الشيخ د‪.‬عبد العزيز بن عبد الله الحميدي‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله ‪..‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ذيرٍ إ ِل َقا َ‬
‫ل‬ ‫من ن ّ ِ‬ ‫سل َْنا ِفي قَْري َةٍ ّ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫وبعد ‪ :‬يقول الله تبارك وتعالى ‪) :‬وَ َ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫سل ُْتم ب ِهِ َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬
‫ح ُ‬ ‫ما ن َ ْ‬ ‫وال وَأوْلدا وَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن أكث َُر أ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن()وََقالوا ن َ ْ‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫ما أْر ِ‬ ‫ها إ ِّنا ب ِ َ‬ ‫مت َْرُفو َ‬ ‫ُ‬
‫ن أ َك ْث ََر الّناس لَ‬ ‫َ‬
‫قدُِر وَلك ِ ّ‬ ‫شاُء وَي َ ْ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫سط الّرْزقَ ل ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫ن َرّبي ي َب ْ ُ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫ن()قُ ْ‬ ‫معَذ ِّبي َ‬‫بِ ُ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م َ‬
‫ل‬ ‫ن وَعَ ِ‬ ‫م َ‬ ‫نآ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ّ‬
‫فى إ ِل َ‬ ‫ْ‬
‫عند ََنا ُزل َ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫قّرب ُك ْ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م وَل أوْلد ُكم ِبالِتي ت ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫والك ْ‬ ‫ُ‬ ‫م َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫ن()وَ َ‬ ‫مو َ‬ ‫َ‬
‫ي َعْل ُ‬
‫ن‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ذي َ‬ ‫ن()َوال ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫تآ ِ‬ ‫م ِفي الغُُرفا ِ‬ ‫ملوا وَهُ ْ‬ ‫ما عَ ِ‬ ‫ف بِ َ‬
‫ضعْ ِ‬ ‫جَزاء ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫صاِلحا فأوْلئ ِك لهُ ْ‬ ‫َ‬

‫‪107‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن(]سبأ ‪– 35 – 34 :‬‬ ‫ضُرو َ‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬


‫ب ُ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ك ِفي ال ْعَ َ‬ ‫ن أ ُوْل َئ ِ َ‬ ‫زي َ‬ ‫ج ِ‬‫مَعا ِ‬ ‫ن ِفي آَيات َِنا ُ‬ ‫سعَوْ َ‬ ‫يَ ْ‬
‫‪. [38 – 37 – 36‬‬
‫في الية الولى يخبرنا الله جل وعل عن النوعية الغالبة من مكذبي الرسل‬
‫عليهم السلم ‪ ,‬فيخبرنا بأن المترفين المنغمسين في الشهوات والملذات هم‬
‫الذين يردون الرسالت السماوية ويكفرون بها ‪.‬‬
‫ولقد اغتر هؤلء المترفون بكثرة أموالهم وأولدهم وتوهموا أن الله عز وجل‬
‫لم يعطهم هذه النعم إل لكونه قد رضي عنهم ومن رضي الله عنهم فلن‬
‫يكونوا من المعذبين ‪.‬‬
‫وقد رد الله عليهم أوهامهم هذه ببيان أنه جل وعل يوسع الرزق في الدنيا‬
‫لمن يشاء من عباده ويضيق على من يشاء ‪ ,‬ل لمحبة من وسع عليهم ول‬
‫در ذلك اختبارا لهم ليتبين من يشكر ممن‬ ‫لبغض من ضيق عليهم ‪ ,‬وإنما يق ّ‬
‫يكفر ‪ ,‬ولكن أكثر الناس يجهلون هذه الحقيقة فتكون تصوراتهم خاطئة ‪.‬‬
‫فما أموال الناس ول أولدهم هي التي تقربهم وترفع درجاتهم عند الله‬
‫سبحانه ‪ ,‬لكن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جزاؤهم مضاعفا من‬
‫الحسنات ‪ ,‬فالحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف‪ ,‬ومأواهم في الجنة‬
‫في الغرفات التي أعدها الله لهم وهم آمنون من العذاب والمصائب ‪.‬‬
‫أما الكفار الذين يسعون جاهدين في رد رسالة الرسل عليهم السلم وإبطال‬
‫ما معهم من الحجج والبراهين ويشاّقون في ذلك فاولئك في عذاب جهنم‬
‫يوم القيامة ‪ُ ,‬تحضرهم الزبانية فيقذفونهم فيها فل يخرجون منها ‪.‬‬
‫مث َْنى‬‫موا ل ِل ّهِ َ‬ ‫قو ُ‬‫حد َةٍ َأن ت َ ُ‬ ‫وا ِ‬‫كم ب ِ َ‬ ‫عظ ُ ُ‬ ‫ما أ َ ِ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬‫ويقول الله تبارك وتعالى ‪) :‬قُ ْ‬
‫ب‬
‫ذا ٍ‬‫ن ي َد َيْ عَ َ‬ ‫كم ب َي ْ َ‬ ‫ّ‬
‫ذيٌر ل ُ‬ ‫ّ‬
‫ن هُوَ إ ِل ن َ ِ‬ ‫جن ّةٍ إ ِ ْ‬ ‫من ِ‬ ‫كم ّ‬ ‫حب ِ ُ‬ ‫صا ِ‬ ‫ما ب ِ َ‬‫فك ُّروا َ‬ ‫م ت َت َ َ‬‫وَفَُراَدى ث ُ ّ‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫جرِيَ إ ِل عَلى اللهِ وَهُوَ عَلى ك ُ ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫نأ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫جرٍ فَهُوَ لك ُ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬‫كم ّ‬ ‫سألت ُ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ل َ‬ ‫د()قُ ْ‬ ‫دي ٍ‬‫ش ِ‬ ‫َ‬
‫ب( ] سبأ ‪– 47 – 46 :‬‬ ‫ْ‬
‫م الغُُيو ِ‬ ‫ّ‬
‫حقّ عَل ُ‬ ‫ْ‬
‫ف ِبال َ‬ ‫قذ ِ ُ‬ ‫ن َرّبي ي َ ْ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫د()قُ ْ‬ ‫شِهي ٌ‬ ‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫‪. [48‬‬
‫يأمر الله جل وعل رسوله صلى الله عليه وسلم بأن ينصح المشركين بخصلة‬
‫واحدة وهي أن ينهضوا للتفكير في دعوة السلم بدون تقيد بالجماعة لن‬
‫اجتماعهم على الباطل يلغي تفكيرهم السليم ويجعلهم ينطلقون من الحماس‬
‫المتأجج من العواطف الثائرة ‪ ,‬وغالًبا مايكون التفكير والتوجيه من فرد أو‬
‫أفراد يتزعمون أفراد المجتمع ‪ ,‬فيبقى أغلب الفراد تابعين لهؤلء الزعماء‬
‫من غير تفكير في صواب مادعوهم إليه من خطئه ‪ ,‬فإذا خل النسان بنفسه‬
‫ثم تفكر في أمر النبي صلى الله عليه وسلم فإنه سيلغي من حسابه اتهامه‬
‫بالجنون ‪ ,‬وكذلك إذا خل بصاحبه وقارنا بين النبي صلى الله عليه وسلم ومن‬
‫عرف عنهم الصابة بالجنون‪ ,‬لن الفكر – والحال هذه – ينطلق من العقل‬
‫المتجرد من العاطفة والقوى المهيمنة على العقول‪ ,‬فل بد أن يصل إلى‬
‫النتيجة الصحيحة الموافقة للعقل السليم ‪.‬‬
‫وحينما يخلو النسان إلى عقله السليم فإنه سيدرك أن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ماهو إل نذير أمام عذاب جهنم الشديد الهائل لمن أصر على الكفر‬
‫ولم يدخل في السلم ‪.‬‬
‫وإن مما يؤيد كون النبي صلى الله عليه وسلم صادًقا في دعوته تجرده من‬
‫طلب الدنيا ‪ ,‬فهو ليريد ممن يهتدي على يديه أجرا على هدايته وإنما يريد‬
‫الثواب من الله تعالى ‪ ,‬وهو سبحانه مطلع على أعماله وأعمالهم ليخفى‬
‫عليه شيء ‪.‬‬
‫ولئن استطاع المشركون أن يلبسوا الحق بالباطل وأن يهيمنوا على عقول‬
‫بعض الناس فإن الله سبحانه سيقذف الباطل ببراهين الحق فيدمغه وينصر‬

‫‪108‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الحق ‪ ,‬وهو جل وعل علم الغيوب ليخفى عليه شيء في الرض ول في‬
‫السماء ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ل ِإن‬ ‫د()قُ ْ‬ ‫ما ي ُِعي ُ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫ما ي ُب ْدِئُ ال َْباط ِ ُ‬ ‫حقّ وَ َ‬ ‫جاء ال ْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ويقول الله تبارك وتعالى ‪) :‬قُ ْ‬
‫َ‬
‫ع‬
‫مي ٌ‬ ‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ي َرّبي إ ِن ّ ُ‬ ‫حي إ ِل َ ّ‬ ‫ما ُيو ِ‬ ‫ت فَب ِ َ‬‫ن اهْت َد َي ْ ُ‬ ‫سي وَإ ِ ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫ل عََلى ن َ ْ‬ ‫ض ّ‬‫ما أ ِ‬ ‫ت فَإ ِن ّ َ‬ ‫ضل َل ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫ب‬
‫َ ّ ِ ِ‬‫نا‬ ‫م‬‫آ‬ ‫لوا‬ ‫قا‬ ‫و‬ ‫ب()‬
‫ّ ٍ ِ ٍ َ‬ ‫ري‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫كا‬ ‫م‬ ‫من‬ ‫ِ‬ ‫ذوا‬ ‫ُ‬ ‫خ‬
‫ِ‬ ‫أ‬ ‫و‬
‫ْ َ َ‬‫ت‬ ‫و‬ ‫ف‬ ‫ل‬ ‫ف‬ ‫عوا‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ز‬ ‫ف‬ ‫ْ‬ ‫ذ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫رى‬ ‫قَ ِ ٌ َ ْ َ َ‬
‫ت‬ ‫و‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ب()‬ ‫ري‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ب‬
‫ن ِبالغَي ْ ِ‬ ‫قذُِفو َ‬ ‫ل وَي َ ْ‬ ‫من قَب ْ ُ‬ ‫فُروا ب ِهِ ِ‬ ‫د()وَقَد ْ ك َ َ‬ ‫ن ب َِعي ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫م َ‬
‫كا‬ ‫من َ‬ ‫ش ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫م الت َّناو‬ ‫وَأّنى ل َهُ ُ‬
‫من قَب ْ ُ‬
‫ل‬ ‫عِهم ّ‬ ‫شَيا ِ‬ ‫ل ب ِأ َ ْ‬ ‫ما فُعِ َ‬‫ن كَ َ‬ ‫شت َُهو َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م وَب َي ْ َ‬ ‫ل ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫حي َ‬ ‫د()وَ ِ‬ ‫ن ب َِعي ٍ‬ ‫كا ٍ‬‫م َ‬ ‫من ّ‬ ‫ِ‬
‫ب( ]سبأ ‪. [54 – 53 – 52 – 51 – 50 – 49 :‬‬ ‫ري ٍ‬ ‫م ِ‬ ‫ك ّ‬ ‫ش ّ‬ ‫كاُنوا ِفي َ‬ ‫م َ‬ ‫إ ِن ّهُ ْ‬
‫يأمر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول للكفار ‪ :‬جاء الحق‬
‫المتمثل بدين السلم وذهب باطل الجاهلية فلم يبق له شيء ُيبدئُ فيه ويعيد‬
‫‪.‬‬
‫ت عن الحق فإثم انحرافي على نفسي ‪ ,‬وإن استقمت‬ ‫وقل لهم ‪ :‬إن انحرف ُ‬
‫عليه فإن ذلك بوحي الله الذي يوحيه إلي ‪ ,‬إن ربي سميع لما يدور بيني‬
‫عوا مابينكم وبين‬ ‫وبينكم ‪ ,‬قريب مني ومنكم فلست وحدي في الميدان ‪ ,‬فرا ُ‬
‫الله تعالى قبل أن تراعوا مابيني وبينكم ‪.‬‬
‫ولو تشاهد أيها الرسول هؤلء الكفار المعاندين ونظراءهم وقت فزعهم في‬
‫ما حيث لنجاة لهم ولمهرب‬ ‫الخرة حين معاينتهم العذاب لرأيت أمًرا عظي ً‬
‫وقد أخذْتهم ملئكة العذاب إلى النار من مكان قريب التناول ولحول لهم‬
‫ولقوة ‪.‬‬
‫وفي ذلك اليوم الرهيب يقول الكفار آمنا بما كان الرسل يدعوننا إليه ‪ ,‬وكيف‬
‫لهم تناول اليمان وظفرهم به من مكان بعيد ؟ وهو الحياة الدنيا فإنه ليمكن‬
‫لهم أن يعودوا لتلك الحياة ‪ ,‬وإنما اليمان والعمل في الحياة الدنيا وهم قد‬
‫كفروا بالسلم في تلك الحياة ‪ ,‬وكانوا يرمون بالظن في اتهام الرسل عليهم‬
‫السلم وتكذيبهم من منطق بعيد عن الصواب ‪.‬‬
‫ولقد حيل بين الكفار ومايشتهون من التوبة والعودة إلى الحياة الدنيا ليؤمنوا‬
‫ويعملوا الصالحات كما فعل الله تعالى بأمثالهم من كفار المم السابقة ‪ ,‬ذلك‬
‫دث للريب والتردد فيما دعاهم إليه الرسل‬ ‫لنهم كانوا في الدنيا في شك مح ِ‬
‫عليهم السلم ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫قبسات من القرآن الكريم)‪(7‬‬


‫الكاتب‪ :‬الشيخ د‪.‬عبد العزيز بن عبد الله الحميدي‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله ‪..‬‬
‫حابا ً‬ ‫َ‬
‫ح فَت ُِثيُر َ‬
‫س َ‬ ‫ل الّرَيا َ‬ ‫س َ‬
‫ذي أْر َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬‫وبعد ‪ :‬يقول الله تبارك وتعالى ‪َ) :‬والل ّ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ريد ُ‬‫ن يُ ِ‬ ‫كا َ‬‫من َ‬ ‫شوُر() َ‬ ‫ك الن ّ ُ‬ ‫موْت َِها ك َذ َل ِ َ‬‫ض ب َعْد َ َ‬ ‫حي َي َْنا ب ِهِ اْلْر َ‬ ‫ت فَأ ْ‬ ‫مي ّ ٍ‬‫قَناه ُ إ َِلى ب َل َد ٍ ّ‬ ‫فَ ُ‬
‫س ْ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ه َوال ِ‬ ‫ح ي َْرفَعُ ُ‬
‫صال ِ ُ‬
‫ل ال ّ‬ ‫م ُ‬ ‫ْ‬
‫ب َوالعَ َ‬ ‫ّ‬
‫م الطي ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫صعَد ُ الكل ِ ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ميعا إ ِلي ْهِ ي َ ْ‬ ‫ج ِ‬‫ال ْعِّزة َ فَل ِلهِ العِّزةُ َ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ك هُوَ ي َُبوُر( ] فاطر ‪. [10 – 9 :‬‬ ‫مك ُْر أ ُوْل َئ ِ َ‬ ‫ديد ٌ وَ َ‬
‫ش ِ‬‫ب َ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬‫سي َّئا ِ‬ ‫ن ال ّ‬‫مك ُُرو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫يخبرنا الله جل وعل عن بالغ نعمته وعظيم قدرته فهو الذي أرسل الرياح‬
‫ون منه‬ ‫لتهب على الرض فترفع بخار الماء إلى طبقات الجو العالية ليتك ّ‬
‫السحاب ‪ ,‬ثم يسوق السحاب بالرياح إلى بلد قد مات نباته وظمئ أحياؤه‬

‫‪109‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فَُينزل منه المطر ويحيي به الرض بالنبات بعد موتها بالجدب‪ ,‬فإذا كان‬
‫سبحانه قادًرا على هذا المر المشاهد للناس فكذلك هو قادر على إحياء‬
‫الناس بعد موتهم وهو الذي ليعجزه شيء ‪.‬‬
‫والله سبحانه مولى المؤمنين وناصرهم ‪ ,‬فمن كان يريد العزة في الدنيا‬
‫والخرة فليطلبها من الله جل وعل وحده فإن العزة لله جميعا ‪ ,‬فإذا كان‬
‫المشركون يريدون الشرف والرفعة في الدنيا عند كبرائهم وزعمائهم فإنهم‬
‫قد وهموا في ذلك لن الله تعالى هو الذي خلقهم وخلق زعماءهم وسيذلهم‬
‫وينصر أولياءه عليهم ‪ ,‬فليحرص المؤمنون على الظفر بأسباب العزة وهي‬
‫طاعة الله تعالى‪ ,‬فإنه هو الذي يرتفع إليه القول الطيب والعمل الصالح ‪ ,‬أما‬
‫الكفار الذين يدبرون العمال السيئة ويطلبون بها العزة الوهمية فإنهم وإن‬
‫حصلوا على غلبة وهيمنة مؤقتة فإنهم لن يحصلوا على سعادة في الخرة بل‬
‫مصيرهم العذاب الشديد في جهنم لن تدبيرهم السيء إلى هلك وفساد ‪,‬‬
‫ولن يفيدهم شيئا في الخرة ‪ ,‬ولئن أفادهم بعض الشيء في الدنيا فإن الدنيا‬
‫لُتعد ّ شيئا لنها فانية والخرة هي الباقية ‪.‬‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫جعَلك ْ‬‫َ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫فةٍ ث ّ‬ ‫ْ‬
‫من ن ّط َ‬ ‫م ِ‬ ‫بث ّ‬ ‫ُ‬ ‫من ت َُرا ٍ‬ ‫كم ّ‬ ‫ق ُ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ويقول الله تبارك وتعالى ‪َ) :‬والل ّ ُ‬
‫مرٍ وََل ُين َ‬ ‫لم ُ‬ ‫َ‬
‫ص‬‫ق ُ‬ ‫معَ ّ‬ ‫من ّ‬ ‫مُر ِ‬ ‫ما ي ُعَ ّ‬ ‫مهِ وَ َ‬ ‫ضعُ إ ِّل ب ِعِل ْ ِ‬ ‫ن أنَثى وََل ت َ َ‬ ‫م ُ ِ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫أْزَواجا ً وَ َ‬
‫ما ت َ ْ‬
‫ذا‬ ‫ن هَ َ‬ ‫حَرا ِ‬ ‫وي ال ْب َ ْ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫سيٌر()وَ َ‬ ‫ك عََلى الل ّهِ ي َ ِ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫ب إِ ّ‬ ‫مرِهِ إ ِّل ِفي ك َِتا ٍ‬ ‫ن عُ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫حما ً ط َرِي ّا ً‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫لو‬‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫من‬ ‫و‬ ‫ج‬ ‫جا‬ ‫ُ‬ ‫أ‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ذا‬‫َ‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫را‬ ‫َ‬
‫ش‬ ‫غ‬ ‫ئ‬ ‫سا‬ ‫ت‬ ‫را‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫ب‬ ‫ْ‬ ‫ذ‬ ‫ع‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ ٌ َ ٌ َ ِ‬ ‫َ ُ ُ َ َ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ َ ٌ َ ِ‬ ‫َ‬
‫ضل ِهِ وَل َعَل ّك ُْ‬
‫م‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫من‬ ‫ِ‬ ‫غوا‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫ِ‬ ‫ل‬
‫ِ ِ َ َ َ ََْ‬ ‫ر‬ ‫خ‬
‫ِ‬ ‫وا‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫في‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫رى‬ ‫حل ْ َ َ َ ُ َ َ َ َ َ‬
‫ت‬ ‫و‬ ‫ها‬ ‫ن‬ ‫سو‬ ‫ب‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫ة‬
‫ً‬ ‫ي‬ ‫ن ِ‬ ‫جو َ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫ست َ ْ‬
‫وَت َ ْ‬
‫ن(]فاطر ‪. [12 – 11 :‬‬ ‫شك ُُرو َ‬ ‫تَ ْ‬
‫يبين الله تعالى في الية الولى مثل من قدرته العظيمة ‪ ,‬وذلك في نشأة‬
‫النسان الولى ‪ ,‬حيث خلق الله تعالى آدم عليه الصلة والسلم من تراب ‪,‬‬
‫وفي ذلك مافيه من عظمة القدرة اللهية لبعد مابين التراب الجامد والنسان‬
‫الحي ‪ ,‬ثم يذكر تعالى قدرته العالية في خلق بني آدم من نطفة ضئيلة لحياة‬
‫فيها إلى إنسان كامل سوي ينبض بالحياة ‪ ,‬ثم يذكر تعالى حكمته في خلق‬
‫هذا النسان أن جعل منه أزواجا رجال ً ونساء ليستمر الوجود النساني ‪ ,‬وإلى‬
‫جانب هذه الشارة إلى مثل من حكمته في خلقه يذكر سبحانه مثل من سعة‬
‫علمه الذي شمل كل ماتحمله أنثى وماتضعه في هذا الوجود ‪ ,‬كما أن علمه‬
‫الواسع شمل أعمار كل حي في هذه الحياة من إنسان وحيوان ونبات‬
‫وأحصى ذلك عنده في كتاب ‪ ,‬فما تنمو من ورقة في شجر ول يولد حي من‬
‫إنسان أو حيوان إل والله جل وعل يعلم متى سيتطرق إليه الفناء ‪ ,‬وإن ذلك‬
‫وغيره ليسيٌر على الله سبحانه ‪.‬‬
‫ثم يذكر الله جل وعل في الية الثانية جانبا من عظيم قدرته وبليغ حكمته‬
‫وذلك في خلق البحار والنهار ‪ ,‬فقد خلق الله تعالى لنا المياه العذبة‬
‫كم عظيمة‬ ‫لستعمالها المباشر في الشرب والري ‪ ,‬وخلق المياه المالحة ِلح َ‬
‫منها تصاعد البخرة التي يتكون منها السحاب ‪ ,‬ومن عجيب قدرته تعالى أن‬
‫خر البحرين لنمو السماك ونحوها مما يأكله النسان ‪ ,‬والجواهر الثمينة‬ ‫س ّ‬
‫مما يلبسه النسان في الزينة وغير ذلك مع أن البحرين يختلفان تماما ‪ .‬فهذا‬
‫عذب يستسيغه كل حي وهذا ملح شديد الملوحة ‪ ,‬ثم ذكر سبحانه حكمة من‬
‫خلق هذه المياه العظيمة وهي تهيئتها لسير السفن فوقها مما ليمكن أن‬
‫يتهيأ في البر لضخامة حجم السفن ‪ ,‬سخر ذلك جل وعل لنستفيد منه في‬
‫سفرنا وتجارتنا ‪ ,‬ومن أجل أن نشكره عز وجل على هذه النعم‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪110‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قبسات من القرآن الكريم)‪(8‬‬


‫الكاتب‪ :‬الشيخ د‪.‬عبد العزيز بن عبد الله الحميدي‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله ‪..‬‬
‫ت‬ ‫ما‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫ظ‬ ‫ال‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫و‬ ‫ر()‬ ‫صي‬ ‫ب‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫مى‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َ ُ‬ ‫َ َ ِ ُ َ‬ ‫وي ا ْ َ‬
‫ع‬ ‫ل‬ ‫ست َ ِ‬‫ما ي َ ْ‬ ‫وبعد ‪ :‬يقول الله تبارك وتعالى‪) :‬وَ َ‬
‫وََل الّنوُر(‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫من‬ ‫مع ُ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ه يُ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ت إِ ّ‬ ‫وا ُ‬ ‫م َ‬ ‫حَياء وََل اْل ْ‬ ‫وي اْل ْ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ما ي َ ْ‬‫حُروُر()وَ َ‬ ‫ل وََل ال ْ َ‬ ‫)وََل الظ ّ ّ‬
‫ذيٌر( ]فاطر ‪– 20 – 19 :‬‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫يَ َ‬
‫ت إ ِل ن َ ِ‬ ‫ن أن َ‬ ‫قُبوِر()إ ِ ْ‬ ‫من ِفي ال ُ‬ ‫مٍع ّ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت بِ ُ‬ ‫ما أن َ‬ ‫شاُء وَ َ‬
‫‪. [23-22-21‬‬
‫في هذه اليات يضرب الله جل وعل أمثلة لبيان الفرق الشاسع بين الضللة‬
‫والهداية‪ ,‬وهذه المثلة يدركها الناس بحسهم وخبرتهم ‪ ,‬فالعمى ليستوي مع‬
‫البصير‪ ,‬والظلمات لتستوي مع النور‪ ,‬وليستوي الظل البارد المنعش مع‬
‫المكان الشديد الحرارة المزعج ‪ ,‬وليستوي الحياء الذين يتحركون بالحياة‬
‫مع الموات الذين هم جثث هامدة ‪ ,‬فكذلك المهتدون فإنهم يبصرون الحقائق‬
‫ويدركون سبيل النجاة والفلح ‪ ,‬وهم يتحركون في نور يغمرهم ويضيء لهم‬
‫الطريق‪ ,‬ويعيشون في ظل وارف من الطمأنينة واليقين ‪ ,‬كما أنهم يإيمانهم‬
‫وم السلوك ‪.‬‬ ‫يكتسبون حياة القلوب التي تصحح المشاعر وُتق ّ‬
‫أما الضالون فإنهم ليبصرون المور على حقيقتها وليرون سبيل النجاة‬
‫والفلح وهو أقرب شيء إليهم ‪ ,‬وهم يعيشون في ظلمات مطبقة وشك‬
‫وقلق وحيرة وموت قلبي يحول بينهم وبين النظر السليم والسلوك القويم ‪.‬‬
‫خر قلوبهم‬ ‫والله وحده هو الذي يهدي من يشاء من هؤلء الضالين ‪ ,‬فيس ّ‬
‫ويهيئ أفكارهم لفهم مايسمعون من الهدى والتأثر به ‪ ,‬واليمان بدلئله‬
‫وبيناته والعمل بتكاليفه وتوجيهاته ‪ ,‬أما أنت أيها الرسول فإنك لتوّفق من‬
‫أضل الله ‪ ,‬فكما أنك لُتسمع الموات في قبورهم فإنك لتسمع من أمات‬
‫الكفر قلوبهم ‪ ,‬فمهمتك في هذه الحياة ورسالتك التي تحملها هي دللة‬
‫الناس على طريق الهلك وتحذيرهم منه ‪ ,‬وعلى طريق النجاة وحثهم على‬
‫سلوكه ‪ ,‬ولتحزن من كثرة الضالين فإنك إذا قمت بمهمتك في التبشير‬
‫والنذار فإنك قد أديت رسالتك على الوجه الكمل ‪.‬‬
‫َ‬ ‫ه َأنَز َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫جَنا ب ِ ِ‬ ‫خَر ْ‬ ‫َ‬
‫ماًء فأ ْ‬ ‫ماِء َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م ت ََر أ ّ‬ ‫ويقول الله تبارك وتعالى‪) :‬أل َ ْ‬
‫ختل ِ ٌ َ‬ ‫َ‬
‫وان َُها وَغََراِبي ُ‬
‫ب‬ ‫ف أل ْ َ‬ ‫م ْ َ‬‫مٌر ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫ض وَ ُ‬ ‫جد َد ٌ ِبي ٌ‬ ‫ل ُ‬ ‫جَبا ِ‬ ‫ن ال ْ ِ‬‫م َ‬ ‫وان َُها وَ ِ‬ ‫خت َِلفا ً أل ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ّ‬ ‫مَرا ٍ‬‫ثَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫شى الل ّ َ‬ ‫خ َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫ك إ ِن ّ َ‬ ‫ه ك َذ َل ِ َ‬ ‫وان ُ ُ‬ ‫ف أل ْ َ‬ ‫خت َل ِ ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ب َواْلن َْعام ِ ُ‬ ‫س َوالد َّوا ّ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫سوٌد()وَ ِ‬ ‫ُ‬
‫فوٌر(] فاطر ‪. [28 – 27 :‬‬ ‫زيٌز غ َ ُ‬ ‫َ ِ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬‫ِ ّ‬ ‫إ‬ ‫ماء‬ ‫َ‬
‫ع َ ِ ِ ُ َ‬
‫ل‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ه‬ ‫د‬‫با‬ ‫ِ‬
‫في هاتين اليتين يأمرنا الله عز وجل بالتأمل والتدبر في مخلوقاته من النبات‬
‫والجماد والحيوان من ناحية اختلف اللوان بين الجناس وفي الجنس‬
‫الواحد ‪ ,‬فالثمرات في النباتات ُتسقى بماء واحد هو ماينزله الله تعالى من‬
‫دا والرض واحدة فإن الثمرات‬ ‫السحاب فينبت به النبات ‪ ,‬ومع كون الماء واح ً‬
‫تأتي مختلفة اللوان ‪ ,‬وجعل سبحانه من الجبال طرائق متعددة اللوان‪,‬‬
‫فمنها البيض ومنها الحمر ومنها السود الشديدات السواد ‪ ,‬وهي في هذه‬
‫اللوان مختلفات فمنها الغامق ومنها الفاتح ‪ ,‬وجعل من الصخور طبقات‬
‫دا ‪ ,‬وكذلك جعل ألوان الناس وجميع‬ ‫مختلفة ألوانها مع كونها جسما واح ً‬
‫الدواب التي تدب على الرض مختلفات ‪ ,‬وخص بالذكر من الدواب النعام‬
‫وهي البل والبقر والغنم لهميتها ‪ .‬هذا التوجيه من الله تعالى لنا لنعلم بذلك‬
‫بليغ قدرته وعجيب صنعه‪.‬‬
‫كر آياته في خلقه وتدبيره يبعث على خشيته والنابة‬ ‫ثم يبين جل وعل أن تذ ّ‬
‫إليه ‪ ,‬حيث يبين أن الذين يخشونه من عباده هم العلماء به وبعظمته‬

‫‪111‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقدرته ‪ ,‬وعلى قدر علمهم بعظمة الله جل وعل وإبداعه في هذا الكون‬
‫يكون خشوعهم له وخشيتهم إياه ‪ ,‬فكلما دقق العلماء في تحليل هذه‬
‫المخلوقات واكتشاف حقائقها وبديع صنعها زاد تعظيمهم لخالقها جل وعل ‪,‬‬
‫ودفعهم ذلك إلى الخضوع له وعبادته وحده ‪.‬‬
‫إن الله جل جلله عزيز قادر على ثواب من أطاعه وعقاب من عصاه ‪ ,‬غفور‬
‫ساتر لذنوب عباده إذا أنابوا إليه ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫قبسات من القرآن الكريم)‪(9‬‬


‫الكاتب‪ :‬الشيخ د‪.‬عبد العزيز بن عبد الله الحميدي‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله ‪ ..‬وبعد ‪:‬‬
‫يقول الله تبارك وتعالى ‪:‬‬
‫ن‬ ‫م ْ‬‫ف عَن ُْهم ّ‬ ‫ف ُ‬ ‫خ ّ‬ ‫َ‬
‫موُتوا وَل ي ُ َ‬ ‫م فَي َ ُ‬ ‫َ‬
‫ضى عَلي ْهِ ْ‬ ‫ق َ‬ ‫م ل يُ ْ‬ ‫َ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫م َناُر َ‬ ‫فُروا ل َهُ ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫)َوال ّ ِ‬
‫صاِلحا ً‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬ ‫صط َرِ ُ‬ ‫ل كَ ُ‬ ‫زي ك ُ ّ‬ ‫ذاب َِها ك َذ َل ِ َ‬ ‫عَ َ‬
‫ل َ‬ ‫جَنا ن َعْ َ‬ ‫خرِ ْ‬ ‫ن ِفيَها َرب َّنا أ ْ‬ ‫خو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫فوٍر()وَهُ ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫ك نَ ْ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ذيُر‬ ‫م الن ّ ِ‬ ‫جاءك ُ‬ ‫من ت َذ َكَر وَ َ‬ ‫ما ي َت َذ َكُر ِفيهِ َ‬ ‫مْركم ّ‬ ‫م ن ُعَ ّ‬ ‫ل أوَل ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ذي كّنا ن َعْ َ‬ ‫غَي َْر ال ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ه‬
‫ض إ ِن ّ ُ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬‫ب ال ّ‬ ‫م غَي ْ ِ‬ ‫عال ِ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ر()إ ِ ّ‬ ‫صي ٍ‬ ‫من ن ّ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫ما ِلل ّ‬ ‫ذوُقوا فَ َ‬ ‫فَ ُ‬
‫فَر فَعَل َي ْهِ ك ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫خَلئ ِ َ‬
‫فُرهُ‬ ‫من ك َ َ‬ ‫ض فَ َ‬ ‫ف ِفي الْر ِ‬ ‫م َ‬ ‫جعَل َك ُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫دوِر()هُوَ ال ّ ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ذا ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫عَِلي ٌ‬
‫م إ ِّل‬ ‫ُ ُ ْ‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬‫ِ ِ َ‬‫ري‬ ‫ف‬ ‫كا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫د‬
‫َ َ ِ ُ‬ ‫زي‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫و‬ ‫ً‬ ‫ا‬‫قت‬‫ْ‬ ‫م‬ ‫ل‬‫ّ‬ ‫إ‬ ‫م‬
‫ُ ُ ْ ِ َ َ ِّ ْ ِ َ‬‫ه‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫د‬ ‫عن‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬
‫ِ ِ َ‬ ‫ري‬ ‫ف‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫وََل ي َ ِ ُ‬
‫د‬ ‫زي‬
‫سارًا( ]فاطر‪. [39-38-37-36:‬‬ ‫خ َ‬ ‫َ‬
‫]‪[36‬بعد أن ذكر الله سبحانه في آيات سابقة ما أعده للمؤمنين في الجنة‬
‫من النعيم المقيم ذكر ماأعده للكافرين من العذاب الليم الدائم في نار‬
‫ضى عليهم بالموت فيستريحون من عذابها بالكلية‬ ‫م بالذين ُيق َ‬ ‫جهنم ‪ ,‬فلهُ ْ‬
‫ولهم الذين يخفف عنهم من عذابها فيستريحون بعض الشيء‪ ,‬وبمثل هذا‬
‫قه في اللوهية والربوبية ‪.‬‬ ‫العقاب الشديد يجزي الله كل إنسان جحود لح ّ‬
‫]‪ [37‬ثم ذكر الله تعالى أن أولئك الكفار يصرخون بأعلى صوتهم من شدة‬
‫العذاب في نار جهنم قائلين ‪ :‬ربنا أخرجنا من نار جهنم وأعدنا إلى الحياة‬
‫الدنيا من أجل أن نعمل عمل صالحا مخالفا للعمل السيء الذي كنا نعمله في‬
‫حياتنا الولى ‪ ,‬فيقول الله عز وجل لهم ‪ :‬أَولم نمهلكم في حياتكم الولى‬
‫بالقدر الكافي من العمر للتذكر والتعاظ ‪ ,‬وجاءكم النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم نذيًرا لكم فلم تتذكروا ولم تتعظوا ؟ فذوقوا عذاب جهنم ‪ ,‬فما‬
‫للظالمين الذين ظلموا أنفسهم بالكفر من ناصر ينصرهم من عذاب الله‬
‫تعالى ‪.‬‬
‫]‪ [38‬إن الله جل وعل مطلع على كل ماغاب في السموات والرض وهو‬
‫العليم بما ُتخفي الصدور ‪ ,‬فراقبوه مراقبة دقيقة واحذروا من أن يطلع‬
‫عليكم وأنتم تضمرون معصيته أو ترك طاعته في أي أمر من أمور الدين ‪.‬‬
‫]‪ [39‬ثم ذكر تعالى أنه هو الذي جعل الناس خلئف في الرض َيخلف بعضهم‬
‫بعضا ليعمروا الرض بطاعته ‪ ,‬فمن جحد حق الله تعالى في العبادة وعصاه‬
‫فإنه يكون قد جنى على نفسه‪ ,‬ولن يحظى برحمة الله جل وعل بل ببغضه‬
‫وغضبه ‪ ,‬ولن يكسب الكافرون من كفرهم إل النقص والهلك ‪.‬‬
‫ويقول الله تبارك وتعالى‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫)ق ُ ْ َ َ‬
‫ض‬
‫ن الْر ِ‬ ‫م َ‬ ‫قوا ِ‬ ‫خل ُ‬ ‫ماَذا َ‬ ‫ن اللهِ أُروِني َ‬ ‫من ُدو ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ت َد ْ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫كاءك ُ ُ‬ ‫شَر َ‬ ‫م ُ‬ ‫ل أَرأي ْت ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل ِإن ي َعِد ُ‬ ‫ه بَ ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫م عََلى ب َي ّن َةٍ ّ‬ ‫م ك َِتابا ً فَهُ ْ‬ ‫م آت َي َْناهُ ْ‬ ‫تأ ْ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ك ِفي ال ّ‬ ‫شْر ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫م ل َهُ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫ض َأن ت َُزوَل‬ ‫ت َواْلْر َ‬
‫َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫س ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ه يُ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ضُهم ب َْعضا ً إ ِّل غُُرورًا()إ ِ ّ‬ ‫ن ب َعْ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬ ‫ال ّ‬

‫‪112‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فورًا(]فاطر ‪– 40 :‬‬ ‫حِليما ً غَ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ول َِئن زال َتا إن أ َمسك َهما م َ‬


‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫من ب َعْدِهِ إ ِن ّ ُ‬
‫حد ٍ ّ‬
‫نأ َ‬‫َ َ ِ ْ ْ َ ُ َ ِ ْ‬ ‫َ‬
‫‪. [41‬‬
‫]‪ [40‬يأمر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم بان يحاور المشركين‬
‫حول شرعية أوثانهم التي يشركونها مع الله تعالى في العبادة ‪ ,‬وذلك بأن‬
‫يقول لهم ‪ :‬أخبروني عن أولئك الشركاء هل خلقوا شيئا مما في الرض ؟‬
‫فسيقولون ‪ :‬ل ‪ ,‬لن كل مافي الرض يشهد بأنه من خلق الله تعالى وحده ‪,‬‬
‫ول يمكن لمد ٍّع أن يدعي بأن أحدا خلق شيئا مع الله تعالى لن آثار الخلق‬
‫تشهد بتفرد الله سبحانه بذلك‪ ,‬وإذا كانوا لم يخلقوا شيئا مما في الرض فهل‬
‫شاركوا في خلق السموات ؟ إنهم – وهم عاجزون عن أن يوجدوا شيئا في‬
‫الرض من العدم – أعجز من أن يخلقوا شيًئا في السموات ‪ ,‬بل هل أنزلنا‬
‫على المشركين كتابا من السماء يسوغ لهم إشراك أوثانهم مع الله في‬
‫الخلق حتى يكون لهم حجة في إشراكهم مع الله في العبادة ؟ إنه لم يكن‬
‫شيء من ذلك فل حجة لهم في عبادة أوثانهم من دون الله تعالى ‪ ,‬أما ماي َعِد ُ‬
‫به سادة المشركين أتباعهم من أن أوثانهم تقربهم من الله وتشفع لهم عنده‬
‫فهو خداع لهم وباطل من القول ‪.‬‬
‫]‪ [41‬وإذا كان المشركون يتوهمون بأن لوثانهم شيئا من القدرة والتدبير‬
‫فليتذكروا بأن الله تعالى وحده هو الذي يمسك السموات والرض ويدبر سْير‬
‫جميع الفلك في مساراتها بانتظام دقيق من غير أن يحصل فيها شيء من‬
‫در الله تعالى زوال السماء والرض ومافيهما عن مواضعها‬ ‫الخلل ‪ ,‬ولئن ق ّ‬
‫فما من أحد يستطيع أن يمسكها بعد ذلك أبدا ‪ ,‬إنه – جل وعل – كان حليما‬
‫في إمهال الكافرين والعصاة وعدم معاجلتهم بالعقوبة لعلهم يرجعون ‪ ,‬غفورا‬
‫لمن تاب منهم واستقام‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫قبسات من كتاب الله ‪3 - 1‬‬


‫الدكتور محمد بن عبدالعزيز المسند‬
‫القبس الّول‪)) :‬إّنهم أناس يتطّهرون(( )العراف‪.(82 :‬‬
‫ن لوطا ـ عليه السلم‬ ‫ً‬ ‫هذا القبس من كتاب الله جاء على لسان قوم لوط‪ .‬فإ ّ‬
‫ما نهاهم عن فعل الفاحشة المنكرة‪ ،‬ما كان جوابهم إل أن قالوا‪:‬‬ ‫ـل ّ‬
‫ن(( )لعراف‪ :‬من الية ‪.(82‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫))أ َ ْ‬
‫س ي َت َطهُّرو َ‬
‫م أَنا ٌ‬ ‫م إ ِن ّهُ ْ‬
‫ن قْري َت ِك ْ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬
‫جوهُ ْ‬
‫خرِ ُ‬
‫ق‬
‫فة والطهارة في شريعة الطغاة والمنافقين جريمة‪ ،‬يستح ّ‬ ‫وهكذا تصبح الع ّ‬
‫صاحبها الطرد والبعاد والخراج‪ !! ،‬وهذا هو السّر في هجوم كثير من‬
‫فة والطهارة‪،‬‬ ‫المجرمين والمنافقين‪ ،‬على العلماء والدعاة الداعين إلى الع ّ‬
‫واستعداء السلطان عليهم‪ ،‬وهو السّر أيضا ً في هجومهم على الفنانات‬
‫ن السنة النتنة‪.‬‬ ‫جبات‪ ،‬الهاربات من مستنقعات الف ّ‬ ‫التائبات المتح ّ‬
‫دم والرقي والحرية بل العلمانية ساءها أن تضع‬ ‫دعي التق ّ‬ ‫وفي دولةٍ غربية‪ ،‬ت ّ‬
‫الطالبات المسلمات الصغيرات‪ ،‬منديل ً على رؤوسهن لستر شعورهن‪ ،‬ولم‬
‫يهدأ لهم بال حتى أصدروا قرارا ً بالمنع‪ ،‬خشية انتشار العفةٍ والطهار ٍ‬
‫ة‬
‫والفضيلة‪.‬‬
‫ما ظهرت قناة المجد الفضائية‪ ،‬والتي تتميز دون سائر القنوات بعدم ظهور‬ ‫ول ّ‬
‫ودوا بعض الصحف في الطعن في هذه‬ ‫النساء‪ ،‬ثارت ثائرة بعض الناس‪ ،‬وس ّ‬
‫القناة‪ ،‬والتشكيك فيها‪ ،‬وتطّرف بعضهم في صحيفة محلّية‪ ،‬فجعلها أشد ّ‬
‫خطرا ً من القنوات الماجنة الداعية إلى الرذيلة‪ ،‬وصدق فهي أشد ّ خطرا على‬
‫ً‬

‫‪113‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هؤلِء المنافقين والباحية‪ ،‬حيث إّنها كشفت حقيقتهم‪ ،‬وسحبت البساط من‬
‫تحت أرجلهم‪ ،‬ولله الحمد والمّنة‪.‬‬
‫ولعلنا نشهد قريبا ً ـ بإذن الله ـ ولدة قنوات أخرى‪ ،‬تحذو حذوها‪ ،‬لتضييق‬
‫الخناق على تلك القنوات الماجنة الفاضحة‪.‬‬
‫‪ 8/2/1426‬هـ‬
‫‪ http://www.islamlight.net‬المصدر‪:‬‬
‫قبسات من كتاب الله ‪3 - 3‬‬
‫سعًا((‬ ‫))َواْزَداُدوا ت ِ ْ‬
‫الدكتور محمد بن عبدالعزيز المسند‬
‫ً‬
‫سعا(( )الكهف‪:‬‬ ‫ن َواْزَداُدوا ت ِ ْ‬ ‫مائ َةٍ ِ‬
‫سِني َ‬ ‫ث ِ‬‫م َثل َ‬ ‫قال تعالى‪)) :‬وَل َب ُِثوا ِفي ك َهْ ِ‬
‫فهِ ْ‬
‫‪.(25‬‬
‫ن السنين التسع‬ ‫حها أ ّ‬ ‫دة‪ ،‬أص ّ‬ ‫ً‬
‫سرون في معنى هذه الية أقوال ع ّ‬ ‫ذكر المف ّ‬
‫الزائدة هي الفارق بين السنين القمرية والسنين الشمسية‪.‬‬
‫ن العرب كانوا يحسبون بالسنة القمرية‪ ،‬وهي التي نسميها‬ ‫وبيان ذلك أ ّ‬
‫)الهجرية(‪ ،‬وهي تكون بسير القمر‪.‬‬
‫وأهل الكتاب كانوا يحسبون بالسنة الشمسية‪ ،‬والتي نسميها اليوم )الميلدية(‬
‫ما كان السائل عن أهل الكهف‪ ،‬هم‬ ‫وهي التي تكون بسير الشمس‪ ،‬ول ّ‬
‫المشركون بإيعازٍ من اليهود‪ ،‬ذكر الله مقدار لبثهم بالسنين الشمسية‬
‫ن السنة الشمسية )الميلدية( تزيد على السنة‬ ‫ن من المعلوم أ ّ‬ ‫والقمرية‪ .‬وإ ّ‬
‫القمرية )الهجرية( بأحد عشر يوما ً على وجه التقريب‪) ،‬وعلى وجه الضبط‪:‬‬
‫عشرة أيام وإحدى وعشرون ساعة وخمس دقائق(‪.‬‬
‫فإذا ضربنا هذا العدد في ثلث مائةٍ هي مقدار السنين التي لبثوها‪ ،‬كان‬
‫الناتج‪ 3300 :‬تقريبًا‪ ،‬فإذا قسمنا هذا العدد على عدد أيام السنة الواحدة كان‬
‫الناتج‪ :‬تسعة‪ ،‬هي الفارق ما بين ثلث مائة سنة شمسية وقمرية‪ ،‬وهذا‬
‫التعبير من بلغة القرآن الكريم اللفظية والمعنوية‪.‬‬
‫والله تعالى أعلم‬
‫‪ 10/2/1426‬هـ‬
‫‪ http://www.islamlight.net‬المصدر‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫قبل أن تضيع الفرصة‬


‫رسالة إلى علماء المة ودعاتها‬
‫محمد جلل القصاص‬
‫>‪TD/‬‬
‫إخواني وشيوخي الكرام !‬
‫السلم عليكم ورحمة الله وبركاته ‪ ،‬وبعد ‪ :‬ــــ‬
‫عجلة الحداث تدور سريعا وتجرنا ــ نحن السلميين ـــ ورائها ‪ ،‬فإلى اليوم‬
‫نقف موقف المشاهد للحدث نحكيه ‪ ،‬وفي أحسن الحوال نحلله ‪.‬‬
‫إن فريقا منا أصبحت الغاية عندهم معرفة الخبار ‪ .‬دون التحرك إيجابيا نحو‬
‫ل عملي لوقف نزيف الدم الذي يسيل من العروق ومن الفروج ‪.‬‬ ‫ح ّ‬
‫وفريقا آخر جلس هادئا مستريحا يحلل الحدث ‪ ...‬يبحث عن دوافعه‬
‫وأهدافه ‪ ،‬ليصبغها مقال أو كتابا ‪ ...‬ربما ليقتات منه رزقا ‪.‬‬
‫وتضج الصوات على المنابر تحكي عن غدر يهود وجبنهم وخيانتهم للعهود ‪،‬‬

‫‪114‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وعن حرية أمريكا الكاذبة ‪ ،‬وحقوق النسان التي جعلته كالحيوان ‪ ، . . .‬وكله‬
‫خير ‪ ،‬إل أنه دون ما نريد ‪.‬‬
‫وعلى مستوى العلماء والدعاة وطلبة العلم ‪ ،‬ل زلنا وراء الحداث ‪ ،‬نتحرك‬
‫بحركتها ‪ ،‬نبحث في شرعيتها ‪ ،‬ونرد على من خالف رأينا من إخواننا ‪ ،‬نكشف‬
‫شيئا من خطط أعدائنا ‪ .‬وهو خير إل أنه دون ما نريد ‪.‬‬
‫شيوخي الكرام !‬
‫هناك من يفعل ويتركنا نكتب ‪ ،‬ول ينبغي أن يظل المر هكذا ‪ ،‬فلبد من اتخاذ‬
‫الخطوات اللزمة للخذ بزمام الحداث ‪ .‬وفي رسالتي هذه أعرض بعض‬
‫المور التي تؤرقني على الساحة السلمية ‪ .‬وأتبعها ببعض المقترحات ‪ .‬والله‬
‫أسأل أن يبارك لي في كلماتي هذه ‪ ،‬وأن تجد أذنا تسمع ‪.‬‬
‫في العقدين الخامس والسادس من القرن الماضي ‪ ،‬فيما عرف تاريخيا‬
‫بفترة الثورات ‪ ،‬كانت المة تعيش حالة من الغليان على الغرب كله ‪ ،‬وكانت‬
‫جماهير المة تنادي بتطبيق الشريعة السلمية وإعادة الخلفة السلمية ‪،‬‬
‫وطرد اليهود من بيت المقدس وفلسطين ‪ ،‬ثم انتهت هذه الحقبة بالعلمانية ــ‬
‫فصل الدين عن الحياة ــ كمنهج حياة ‪ ،‬وبالعلمانيين في سدة الحكم الذين‬
‫أضاعوا الثورات ‪ ،‬ومزقوا المة ‪ ،‬ومهدوا لمجيء المحتل ثانية ‪.‬ولم تستطع‬
‫الصحوة السلمية يومها قيادة المة السلمية ‪ ،‬وخسرت معركتها مع‬
‫العلمانية المدعومة من الغرب ‪ .‬وكتبرير لما حدث قيل أن الصحوة لم تنضج‬
‫بعد ‪.‬‬
‫وبعد أكثر من ستين عاما عادت الفرصة مرة ثانية ‪.‬‬
‫فهاهي القومية العربية تسقط جماهيريا ‪ ،‬بعد أن فشلت في تحقيق أي من‬
‫أهدافها ‪ ،‬وأتت أمريكا تجر الغرب الصليبي الضال والشرق الوثني الملحد ــ‬
‫يحركهم جميعا اليهود ـــ وتتدرع بعملئها من بني جلدتنا للقضاء على‬
‫ضع العمل السلمي بكل حركاته ومؤسساته‬ ‫) الرهاب ( وتجفيف منابعه ‪ ،‬وو ِ‬
‫ورموزه هدفا للقضاء عليه ‪ ،‬وباتت كل الخطط مكشوفة ‪ ،‬وأصبحنا في‬
‫موطن الدفاع غاية ما يرجوه أغلبنا هو السلمة والخروج بالكفاف ل له ول‬
‫عليه ‪ ،‬فماذا أنتم فاعلون ؟!‬
‫وأمريكا اليوم تتكلم عن البديل ) السلمي ( ‪ ،‬بعد أن قسمت السلم إلى‬
‫إسلم سياسي ‪ ،‬وإسلم سلفي ‪ ،‬وإسلم جهادي ) متشدد ( ‪ ،‬وهي تغازل من‬
‫تصفهم بالتيارات المعتدلة للتحاور معهم كي يكونوا بدلء أو شركاء في‬
‫التغيرات القادمة ‪ .‬أو أنهم أخبث من هذا ويرمون إلى تشتيت صف الحركة‬
‫السلمية بين مؤيد لهم ومعارض ‪ ،‬وينشأ تصادم داخلي ) إسلمي إسلمي (‬
‫حين يتولى المؤيدون الرد على المعارضين ‪ ،‬وندخل في دوامة جديدة‬
‫تستقطب جهدنا ‪ ،‬وتشتت شملنا ‪.‬‬
‫وقبل أن يحدث أي شيء على الرض اشرأبت بعض الرؤوس تريد أن تحظى‬
‫مدعية أنه ظرف تاريخي قد ل يتكرر ‪،‬‬ ‫بعطية أمريكا وتشارك في السياسة ُ‬
‫وأنها فرصة سانحة ) للتخلص من هذه النظمة التي أذاقتهم كل صنوف‬
‫التعذيب والقتل خارج دائرة القانون ( ‪ .‬وأنه ) لبد من الفصل بين ) الدروشة‬
‫( و السياسة ( ‪.‬‬
‫أو أن الكفر يستثير النظمة العلمانية لتقدم مزيدا من التنازلت ‪ ،‬وكثيرا من‬
‫التعاون في حرب ) الرهاب ( ‪ .‬وكله شر ‪ .‬فماذا انتم فاعلون ؟‬
‫ومع كثرة الدماء التي تسيل من فروج نساء المة ومن شرايين رجالها ‪ ،‬ومع‬
‫مفتين ‪ ،‬ومع قلة الفقهاء‬‫انتشار البطالة وزيادة معدلت الفقر ‪ ,‬ومع كثرة ال ُ‬
‫الراسخين ‪ ،‬وكثرة الخطباء الحماسيين ‪ ،‬بدأت طائفة من أحداث السنان ‪..‬‬

‫‪115‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تتحرك من تلقاء نفسها لنصرة الدين ‪ ،‬وفي حادث تفجير المدرسة البريطانية‬
‫في قطر ‪ ،‬وتفجيرات طابا ‪ ،‬وتفجير الزهر بالقاهرة وما تله من أحداث ‪،‬‬
‫دليل على قولي ‪ ،‬فيجمعها جميعا أنها حوادث فردية أو شبه فردية من أناس‬
‫ل علقة لهم بالعمل السلمي المنظم ‪ .‬ودوافعها جميعا ما يحدث للمسلمين‬
‫في العراق وفلسطين ‪ ،‬وهذه الحداث قابلة للتكرار ‪ ،‬ويمكن أن تصبح‬
‫قها‬
‫س ُ‬
‫ظاهرة ‪ ،‬وهي حالة صحية تحتاج من يرشدها ويستثمرها ‪ ،‬ل من يف ّ‬
‫وُيبدعها فيدفعها للشطط والغلو وأخذ موقف معادي من علماء المة ورموزها‬
‫‪ ،‬ويعطي مسوغا للنظمة العلمانية المجرمة لمزيد من البطش بأبناء الصحوة‬
‫السلمية ‪ .‬فما ذا أنتم فاعلون ؟‬
‫وأفرزت الحملة الصليبية الجديدة ـ العولمة ]‪[1‬ـــ في بعدها الفكري توجها‬
‫دعي الليبرالية ) السلمية ( ‪ ،‬ويدعو إلى إزالة‬
‫جديدا داخل التيار السلمي ‪ ،‬ي ّ‬
‫العقبات من أجل التقدم الحضاري والرقي المادي‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ويعتبر ــ أهل هذا التيار أن ) الصلح والتجديد هو المدخل المناسب للتقدم‬


‫والقوة والمنعة ‪ ،‬وأن الصلح الديني يقع في مقدمة أوليات الصلح (]‪ [2‬ثم‬
‫هم تحت دعوى التجديد هذه تسللوا إلى الفقه السلمي من باب المقاصد‬
‫لعادة صياغته ]‪. [3‬‬
‫ولو سلمت النفوس من أهوائها لعلمت أن الشكال ليس في الشرع وإنما‬
‫فيمن يحملون الشرع ‪ .‬وكل هؤلء الليبراليين يحاولون أخذ زمام المة‬
‫والسير بها خلف الغرب ‪ ،‬وإن ألبسها البعض حلة الدين ‪.‬‬
‫وهذا شر ـــ في جملته ـــ يحتاج من يتصدى له ‪ ،‬فما ذا أنتم فاعلون ؟‬
‫ـــ وهناك أمر أكثر أهمية مما مضى من وجهة نظري ‪ ،‬وهو يتعلق بما يحدث‬
‫في العراق وفلسطين وفي باقي المواطن التي ُترفع فيها للجهاد راية ‪ .‬ولي‬
‫دة ملحظات ‪:‬‬ ‫بخصوص هؤلء ع ّ‬
‫ـــ الولى ‪ :‬تتعلق بأهل الجهاد أنفسهم ‪ ،‬وهو أن مرجعيتهم في تحديد‬
‫الهداف والوسائل ذاتية ‪ ،‬والشأن أن يكون أهل الجهاد تبع للعلماء الربانيين‬
‫الراسخين في العلم الناصحين للمة ‪ .‬وأن إمارتهم إمارة سرايا ل إمارة حل‬
‫وعقد ‪ .‬وأنهم ليسوا أهل للفتوى ‪ ،‬فل بد ـــ من وجهة نظري ـــ من توجيه‬
‫الرسائل إلي أعيانهم ‪ ،‬ومناصحتهم ‪ ،‬والتصال بهم ‪ ،‬كي يثمر الحوار ‪ ,‬أعرف‬
‫أن هناك رسائل ومناصحات ‪ .‬ولكنها تأخذ شكل العموم الذي قد ُيصغى إليه‬
‫وقد ل يصغى إليه ‪ ،‬وما أنادي به هو الحوار المباشر ‪ . . .‬أشبه ما يكون‬
‫بالمناظرة ‪.‬‬
‫أيها الكرام !‬
‫من بديهيات العقل أنه لبد للحق من قوة تحميه ‪ . . .‬ل بد من أهل الجهاد‬
‫كي يقوم سلطان الرحمن ويندحر سلطان الشيطان ‪ ,‬ول أحسب أن عاقل ــ‬
‫فضل عن عالم ـــ يخالف في هذا ‪ .‬ثم هم قاموا ولن يتراجعوا ‪ .‬ولهم مدد‬
‫من بين أجيال الصاعدة ‪ .‬فلكل قوم وريث ‪ .‬فل مناص إذا من التصال بهم‬
‫ومناصحتهم شفويا وجها لوجه ‪ .‬وهذا المر يحتاج من يتجشم الصعاب ‪،‬‬
‫وموضوع الحوار معهم يتبين من الملحظات التالية ‪.‬‬
‫ف عن ظاهرة تعدد فرق‬ ‫ل من يتابع ما يحدث في العراق الطر َ‬ ‫ضك ُ‬‫أول ً ‪َ :‬يغ ُ‬
‫المجاهدين ]‪ [4‬أو ) المقاومة ( ولم أَر أحدا حاول قراءتها على غرار التجربة‬
‫الفغانية ‪ ،‬رغم التشابه الكبير بين التجربتين ‪ ،‬فالجهاد من أجل تحرير العراق‬

‫‪116‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ـــ الرض ـــ وهذا من شأنه أن يعيد القضية ثانية أدبارها إلى قضية وطنية ‪ ،‬و‬
‫مسحة دينية ‪.‬وبين الصفوف وطنيون ‪ ،‬وليس بعيدا أن يدخل بين‬ ‫إن أخذت َ‬
‫الصفوف حين تبدوا بشائر النصر بعض المنافقين ويتكرر ما حدث في الجزائر‬
‫من قبل ‪ . .‬لذا نريد حوارا يدعوا إلى وحدة الصف وتنقيته ‪ .‬فهل تفعلون ؟‬
‫ثانيا ‪ :‬نظر حكيم ]‪ [5‬للتاريخ ‪ ,‬فوجد أن من قاتلهم السلف الصالح ‪ ...‬رضوان‬
‫الله عليهم من الصحابة والتابعين وتابعيهم أسلموا ودخل السلم بلدهم‬
‫وصاروا جندا ً من جنود السلم ‪ ,‬ومن قاتلهم الخلف ـ الذين تخلو عن هدي‬
‫السلف ـ لم يسلموا بل عاندوا واستكبروا وملئت قلوبهم حقدا ً وِغل ً على‬
‫السلم والمسلمين ‪ .‬فقد رأوا مقاتلين ولم يجدوا دعاة ‪ .‬وهذا هو الحال‬
‫اليوم قتال أكثر منه جهاد ــ ل أشكك في النوايا وإنما أصف الفعال ـــ فحرق‬
‫وتمثيل ‪ ،‬وثأر للشخاص ‪ ،‬وشعارات جاهلية تبرز من حين لخر ‪ ,‬مما يضيع به‬
‫غاية الجهاد ‪ .‬ونحتاج منكم أيها الكرام أن تبينوا لهؤلء أنهم دعاة قبل أن‬
‫يكونوا مقاتلين ‪ . . .‬أعرف جيدا ما يطرح من نصائح وما أطالب به غير ذلك ‪.‬‬
‫‪ . .‬حوار مباشر كما أسلفت ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬اتصال العلماء المباشر بالمجاهدين ‪ ،‬وقيادتهم لصفوفهم فيه حماية‬
‫للمجاهدين من أنفسهم ‪ ،‬إذ أنه لو استمر الحال على ما هو عليه اليوم ربما‬
‫تكرر ما حدث في أفغانستان من قبل كما أسلفت ‪ ،‬وحماية للمة وعلمائها‬
‫من المجاهدين ‪ ،‬فما ذا لو انتصروا وهم قد صنفوا كثيرا من علماء المة‬
‫من خذلهم ( ؟ ‪.‬‬‫من خالفهم أو َ‬‫ودعاتها ضمن ) َ‬
‫رابعا ‪ :‬نريد من طلبة العلم ) تغطية ( الحداث ‪ ،‬وأن ل يتركوا المر‬
‫للصحافيين و ) المفكرين ( ‪ ،‬فهؤلء غير هؤلء ‪ .‬الصحفيون يتكلمون عن‬
‫فلسطين الرض والعراق الرض ‪ ،‬وأمريكا ) البلد ( ‪ ،‬ويتكلمون عن‬
‫ق صحفي ‪.‬‬ ‫جلهم بادي الرأي يبحث عن سب ٍ‬ ‫) المقاومة الوطنية الشريفة ( ‪ ،‬و ُ‬
‫ومنطق طلبة العلم أنه جهاد يستهدف الكفر أيا كان جنسه أو لغته أو‬
‫موطنه ‪ ،‬وأن الغزاة مشركون ل يرقبون في مؤمن إل ول ذمة وإن كان‬
‫المال أحد أهدافهم ‪ ،‬وأن للنصر أسباب أخرى غير التي يدندن بها‬
‫العلمانيون ‪ . . .‬نعم هؤلء غير هؤلء في الهداف والمنطلقات ‪ .‬وهم ـــ أي‬
‫طلبة العلم ـــ تبعا لكم أيها العلماء ‪ .‬فهل توجهونهم لتغطية الحداث ؟‬
‫وحتى ل أطيل عليكم أعرض بعض المور كحل للخروج من هذه الزمة ‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ـــــ قبل أي شيء لم شمل علماء المة ‪ ،‬وليس العدد من الهمية بمكان ‪,‬‬
‫ففي كل مواطن الفتن عبر التاريخ ‪ ،‬نجد أن من يثبتون قلة يعدون على‬
‫أصابع اليد الواحدة ‪ .‬ويصور لي الخيال اليام كأنها أرض والرجال فيها نبت‬
‫طيب ونبت خبيث ‪ ،‬وفي أيام المام أحمد مثل ‪ . . .‬أجد أن أرض العراق بها‬
‫شجرة أو اثنتين ‪ ،‬وكذا الشام ومصر والجزيرة العربية ‪ ،‬والباقي عشب أخضر‬
‫م ُ‬
‫ل عليه متاعا ول تجد له‬ ‫ح ِ‬
‫طيب الرائحة نضر ‪ ،‬بيد أنه ضعيف الساق ‪ ،‬ل ت َ ْ‬
‫ظل تفيء إليه ‪.‬‬
‫ثم إن فكرة تجميع أكبر قدر ممكن مع التنازل عن بعض الضروريات تحتاج‬
‫إلى مراجعة على ضوء قوله تعالى " لو خرجوا فيكم ما زادوكم إل خبال " ‪.‬‬
‫ـــ كان جمال الدين الفغاني عجول يريد أن ينقلب على أبناء جيله في يوم‬
‫وليلة ‪ ،‬وأن يعتنق الناس أفكاره بخطبة أو خطبتين ‪ ،‬فجلس إليه تلميذه‬
‫المخلص محمد عبده ـــ وكلهما إلي بغيض ــــ وقال له ‪ :‬عَّلم عشرة وكل‬

‫‪117‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫واحد من هؤلء العشرة يعلم عشرة فيكون عندك في ثلثين أو أربعين عاما‬
‫مائة من القيادات التي تستطيع الخذ بزمام المة حيث تريد]‪ . [6‬وهو ما كان‬
‫‪ ،‬فإن رحت تعدد من اشتركوا في تغريب المة والسير بها على درب‬
‫الكافرين وهي تحسب أنها مهتدية وجدتهم قلة ‪ .‬وهو ما أنادي به اليوم ‪.‬‬
‫ثم إن الهتمام بخاصة الطلبة له ُبعد آخر ‪ ،‬وهو حفظ التراث العلمي للشيخ ‪،‬‬
‫فما ضيع الليث بن سعد إل إهمال طلبته ‪ ،‬ولم يترك أبو حنيفة كتبا وإنما ترك‬
‫أبرارا عرفوا فضل أستاذهم فدونوا ودّرسوا ‪.‬‬
‫فمن أراد أن تكون له صدقة جارية ‪ ،‬وأن يترك أثرا فليجب طلبي ‪.‬‬
‫ثم إنه ل بد من الخذ بيد المة ــ أعني عامة الناس ــــ وإشراكهم في‬
‫الحلول ‪.‬‬
‫أي يكون الخطاب ذو شقين شق تربوي للخاصة ‪ ،‬وآخر يخاطب به العامة‬
‫‪.‬ولعل النقاط التالية تزيد المر بيانا ‪.‬‬
‫ــــ زمام المة ليس بيد علمائها ‪ .‬وهناك من تنصت إليه الجماهير من غير‬
‫العلماء ‪ ،‬بل إن الجماهير تشارك في صناعة القرار ‪،‬وما أراه هو أن نتوجه‬
‫بخطاب إلى عامة الناس يبين حق العلماء في قيادة المة أو بكلمات أوضح ‪:‬‬
‫م العامة على الئمة الربانيين ‪ .‬وإسناد المر إلى أهله ‪.‬‬ ‫لَ ّ‬
‫ة في‬‫ــ )الكثرة الغالبة من المجادلين ل تجادل بحثا ً عن الحقيقة ‪ .‬ول رغب ً‬
‫المعرفة ‪ ،‬وإنما فقط لثارة الشبهات ومحاولة الفتنة ‪ .‬والرد الحقيقي عليهم‬
‫ليس هو الدخول معهم في معركة جدلية ولو أفحمهم الرد في لحظتهم !‬
‫إنما الرد الحقيقي يكون بإخراج نماذج من المسلمين تربت على حقيقة‬
‫السلم فأصبحت نموذجا ً تطبيقيا ً واقعيا ً لهذه الحقيقة ‪ ،‬يراه الناس فيحبونه‬
‫ويسعون إلى الكثار منه وتوسيع رقعته في واقع الحياة ‪ .‬هذا هو الذي ) ينفع‬
‫الناس فيمكث في الرض ( ]‪ [7‬أطالب بالستقلل في الخطاب وعدم السير‬
‫وراء ردود الفعال ‪ . . . .‬عدم النشغال بالخر كثيرا ‪ ،‬وإنما خط طريق جديد‬
‫في الطرح ‪ ،‬ويكون بيان فساد آراء المخالف ضمن بيان الحق ‪.‬‬
‫محمد جلل القصاص‬
‫صباح الثنين ‪1426/ 04/ 15‬‬
‫الموافق ‪2005/ 05/ 23‬‬
‫‪--------------------------------------‬‬
‫]‪ [1‬هكذا أرى أن العولمة بأبعادها الثلث ــــ الفكرية والعسكرية والقتصادية‬
‫ــــ هي المسمى الحقيقي للحملة الصليبية ‪،‬وقد شرحت هذا في تقريري عن‬
‫المقاومة السلمية في العراق المنشور في موقع المسلم بعنوان " المقاومة‬
‫السلمية في العراق من يحصد ثمارها ؟‬
‫]‪ [2‬محمد أبو رمان ــ من مقال ) محمد عبده وعوده لمشروع الصلح‬
‫ت ‪ :‬الهوى هو السبب في النحراف عن‬ ‫الديني ( ‪ .‬موقع السلم اليوم ‪ .‬قل ُ‬
‫الجادة بإفراط أو تفريط ‪ ,‬و النصوص بريئة من ذلك ‪ .‬و يقيني بأن النهزامية‬
‫والنبهار بالخر وثقل الواقع في حس الليبراليين ــ كل الليبراليين إسلميين‬
‫وعلمانيين ـــ هما اللذان أوجد الرغبة عند هؤلء في تحسين الصورة أمام‬
‫الغرب الكافر ‪ ،‬والتشبه به واقتفاء أثره عند بعضهم ‪ .‬وهما ــ النهزامية‬
‫والهوى ــ السبب في إلقاء هؤلء تبعية التخلف الذي وصلت إليه المة في‬
‫عصورها الخيرة على الشريعة السلمية ل على النسان المعاصر الذي‬
‫أقعده الرجاء عن حمل الرسالة الصحيحة كما حملها الجيل الول رضوان‬
‫الله عليهم ‪ .‬وهذا أمر بين الفساد ‪ ،‬إذ أن الفكرة هي التي تصوغ الواقع ‪ ،‬ل‬
‫أن الواقع هو الذي يصوغ الفكرة ‪ .‬وهذا أمر بديهي لو تدبروا ولكنها ل تعمى‬

‫‪118‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫البصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ‪ .‬ثم الجهل المطبق هو الذي‬
‫جعل هؤلء يتناسون أن الرسالة التي نحملها هي تعبيد الناس لله وليس‬
‫النهوض بمستوياتهم المعيشية ‪ .‬وإن كانت الثانية ــــ النهوض المادي ــ إحدى‬
‫نتائج الستقامة على شرع الله ‪.‬‬
‫]‪ [3‬ومن يتدبر يعرف أن الحكام الشرعية سابقة على المقاصد ‪ .‬فمن‬
‫الحكام تستنبط المقاصد ‪ .‬ل العكس كما يريدون اليوم ‪ .‬راجع إن شئت‬
‫مقال ) المقاصديون الجدد ( لسعد مقيل العنزي ‪ .‬المحايد العدد ‪132 :‬‬
‫]‪ [4‬قرات في موقع المفكرة ــ وهي أقرب المواقع لهم ـــ أن هناك ‪23‬‬
‫مجموعة ضمن المقامة ‪ .‬وكذا الحال في فلسطين ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫]‪ [5‬هو الشيخ الدكتور سفر الحوالي في " مقدمة في التطور الفكري‬
‫والحداثة "‬
‫]‪ [6‬أكتب من حفظي والمقصود هو المعنى ‪.‬‬
‫]‪ . [7‬محمد قطب مقدمة شبهات حول السلم بتصرف يسير‬

‫)‪(4 /‬‬

‫قبل أن تعانق رمضان‬


‫المصدر‪/‬المؤلف‪ :‬موقع صيد الفوائد ‪...‬‬
‫ها هي المة تنتظر قدوم شهر رمضان المبارك‪ ،‬ومن هذه المة أنت أخي‬
‫الشاب‪ ،‬وقد استوقفني هذا القدوم كثيرًا‪ ،‬ودعتني نفسي للمشاركة في‬
‫الترحاب به‪ ،‬غير أن الماني اجتالت في خاطري كثيرًا‪ ،‬بمن توجه له هذه‬
‫المشاركة‪ ،‬فرأيت أن الشباب على وجه العموم هم المل‪ ،‬وبعد الله هم عون‬
‫أمتهم على النجاح‪ ،‬فجاءت هذه الرسالة مؤمل ً أن تكون عربون وفاء بيني‬
‫وبين أحبتي الشباب‪ .‬فجاء خطابي يحمل في طياته كثيرا ً من المال تجاه‬
‫هذه الفئة من المة‪ ،‬فكانت هذه النداءات‪:‬‬
‫أخي الشاب‪ :‬أجدني مضطرا ً للقاء بك هذه الوهلة على جانب من الرصيف‪،‬‬
‫أو في زوايا الملعب الرياضية‪ ،‬أو حتى في تجمعاتكم الليلية على ضفاف‬
‫البحر أو على أطراف صحرائنا الجميلة‪ .‬لنقل لك مع إقبال رمضان مشاعر‬
‫حب اجتالت في قلبي‪ ،‬وعاشت في كل مشاعري لشخصك الكريم‪ .‬فأعطني‬
‫بضع دقائق من وقتك‪ ،‬وآمل وأنت تقرأ حديثي أو تسمع لكلماتي أن تدرك‬
‫جليا ً أن مشاعر الحب هي الوحيدة التي ساقتني للقاء بك عبر بوابة الكلمة‬
‫الهادفة‪.‬‬
‫أخي الشاب‪ :‬لعله ولج أذنك كثيرا ً هذه اليام حداء المحبين لستقبال شهرهم‪،‬‬
‫ولعلك رأيت بعينيك ابتسامات عريضة على ثغور كثير من المسلمين‪،‬‬
‫واستعداد بهيج لستقبال هذا الضيف الكريم ولكأني بك تتساءل لماذا هذا‬
‫الحداء؟ وما السبب الحقيقي لهذه البسمات‪ ،‬وما الشيء الجديد في عالم‬
‫هذا الشهر لمثل هذه الستعدادات؟ ومن حقك أن أقول لك‪ :‬إن رمضان‬
‫بالذات شهر له ميزة‪ ،‬ووقت له فضل‪ ،‬وزمان له مكرمات‪ ،‬ولو تأملت قليل ً‬
‫في هذا الشهر لدركت حفظك الله برعايته أن قليل ً من أسرار رمضان توصل‬
‫إلى عالم عظيم من الفرحة والسرور‪.‬‬
‫أخي الشاب‪ :‬جاء رمضان ولك أن تتأمل أخي الشاب بين رمضان الفائت‪،‬‬

‫‪119‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ورمضان القادم‪ :‬كم من قوم رحلوا؟ كم من أخ جمعتنا به اليام رحل إلى‬


‫عالم الخرة‪ ،‬ولكأني به اليوم رهين قبر‪ ،‬وأسير ظلمات‪ ،‬فما أجدرك أخي‬
‫الفاضل بمحاسبة نفسك قبل رحيل كهذا الرحيل‪ .‬لقد حفظ لنا الزمن آمال ً‬
‫كانوا يعيشونها‪ ،‬وطموحات يسعون لتحقيقها‪ ،‬وكانوا ينتظرون رمضان لتحقيق‬
‫بعض هذه المال‪ ،‬وإنجاز هذه الطموحات غير أن الموت عاجلهم‪ ،‬والقدر‬
‫فاجأهم‪ ،‬فكان الرحيل بل ميعاد‪ .‬بات القوم ولكأني بهم ما بين فرح مسرور‪،‬‬
‫جل بقيام الساعة !‬ ‫فتح له باب إلى الجنة فرأى فيها ما يتمناه فقال‪ :‬يارب ع ّ‬
‫وآخر ضاق قبره عليه حتى اختلفت أضلعه‪ ،‬وعاش بقرب أنيس ل أسوأ منه‪،‬‬
‫ورأى بعينيه وعاش بحاله منظر الحيات والعقارب تتسلى على جسده فقال‪:‬‬
‫يارب ل تقم الساعة‪.‬‬
‫أخي الشاب‪ :‬أولئك الذين حدثتك عنهم في الصورة السابقة رحلوا‪ ،‬ونسيهم‬
‫أهلهم وذووهم‪ ،‬وجاء رمضان هذه الوهلة على آخرين تعرضوا لحوادث‬
‫ً‬
‫مؤلمة‪ ،‬فعاشوا مضاجعين للسرة البيض‪ ،‬لهم سنوات لم يشهدوا شمسا ول‬
‫قمرا ً ولم يروا ليل ً ول نهارًا‪ ،‬فماذا يعني لهم رمضان هذا العام؟ غير تجديد‬
‫الحسرة‪ ،‬ونفاذ الدمعة‪ ،‬وحسرات الحاضر المر‪ ..‬وأنت حفظك الله برعايته‬
‫في ريعان شبابك‪ ،‬وفي كامل قواك فماذا يا ترى أنت فاعل في ظل هذه‬
‫النعم‪ ،‬وتجاه مثل هذه المكرمات؟‬
‫أخي الشاب‪ :‬عاد رمضان هذا العام وفي بلد المسلمين أحزان ماثلة‪،‬‬
‫وظلمات عاتية‪ ،‬عاد وقد خّلفت الحرب في بلد المسلمين يتيم يترقرق الدمع‬
‫في عينيه أل يجد من يواسيه‪ ،‬وأسرة فقدت معيلها فباتت تساهر القمر‪،‬‬
‫وتنتظر بلج الصبح لعرض شكواها على عامة المسلمين في سؤال عشاء‪ ،‬أو‬
‫البحث عن كساء‪ ،‬وأحوال ترصدها العين‪ ،‬من أشلء ودماء‪ ،‬وفراق وشتات‪،‬‬
‫وأنت آمن في بيتك‪ ،‬مطمئن في حياتك‪ ،‬مسرور بأفراحك‪ ،‬فماذا أنت فاعل‬
‫مع هذا القدوم المبارك‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫أخي الشاب‪ :‬الجرأة على المعصية‪ ،‬والقدام عليها‪ ،‬سبب من أسباب سوء‬
‫الخاتمة أجارك الله تعالى‪ ،‬وقد صّرح ابن القّيم رحمه الله تعالى بمثل هذا‬
‫فقال‪ ) :‬ومن عقوبات المعاصي‪ :‬أنها تخون العبد أحوج ما يكون إلى نفسه‪..‬‬
‫ومن ثم أمر أخوف من ذلك وأدهى منه وأمّر وهو أن يخونه قلبه ولسانه عند‬
‫ذر عليه النطق بالشهادة كما شهد‬ ‫الحتضار والنتقال إلى الله تعالى فربما تع ّ‬
‫الناس كثيرا ً من المحتضرين أصابهم ذلك‪ ،‬حتى قيل لبعضهم‪ :‬قل‪ :‬ل إله إل‬
‫الله فقال‪ :‬آهـ ! آهـ ! ل أستطيع أن أقولها ! وقيل لخر‪ :‬قل‪ :‬لإله إل الله‪،‬‬
‫فقال‪ :‬ما ينفعني ما تقول‪ ،‬ولم أدع معصية إل ارتكبتها ثم مات ولم يقلها‪.‬‬
‫وقيل لخر‪ :‬قل‪ :‬لإله إل الله فقال‪ :‬وما يغني عني وما أعرف أني صليت لله‬
‫صلة؟ ! فمات ولم يقلها ( اهـ إلى غير ذلك من الحوال المؤسفة التي تكون‬
‫مؤسفة نتيجة الصرار على المعصية عافاك الله‪ .‬ومن عرف قدر هذه‬ ‫ّّ‬ ‫نهايتها‬
‫العواقب تفكر في حاله‪ ،‬وحاسب نفسه قبل فوات الوان‪.‬فكم من معصية‬ ‫ّ‬
‫ف بها‪ ،‬وتعّلق بها حتى أصبحت‬ ‫استعذبها النسان مع مرور الزمن‪ ،‬وصار له إل ٌ‬
‫حدثه في خلواته فلما ازداد به هذا الحال‬ ‫وأمست تسيطر على فكره‪ ،‬وت ُ‬
‫وصار يعرف به في حياته كلها أصابته فاجعة الموت‪،‬إثر حادث على الطريق‬
‫فإذا بالرجل يردد في سكرات الموت الشهوة التي تعّلق بها‪ ،‬واستمر‬
‫المسكين على حاله حتى فاضت روحه وهو على هذه الحالة فإن لله وإن إليه‬

‫‪120‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫راجعون من الخذلن‪.‬‬
‫أخي الشاب‪ :‬أقبل رمضان وبين طياته حديث عظيم يقول فيه النبي ‪ } :‬إذا‬
‫دخل رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار‪ ،‬وصفدت الشياطين {‬
‫وشهر تفتح فيه أبواب الجنان ما أجدرنا إلى اغتنامه بصيام النهار الذي تحدث‬
‫رسول الله عن فضله فقال‪ } :‬من صام رمضان إيمانا ً واحتسابا ً غفر له ما‬
‫تقدم من ذنبه { وصلة الليل مع عامة المسلمين في بيوت الله تعالى‪ ،‬التي‬
‫بلغ من فضلها أن رسول الله قال‪ } :‬من قام رمضان إيمانا ً واحتسابا ً غفر له‬
‫ما تقدم من ذنبه {‪ .‬فإن أبيت إل أن تكون حريصا ً على المعصية‪ ،‬مصرا ً على‬
‫التقصير في الطاعة‪ ،‬حتى في زمن الخيرات فأخشى أن ُيحال بينك وبين‬
‫الهداية‪ ،‬وحينئذ تتحقق فيك عظيم الخسارة‪ .‬فياليت شعري من يفيق من‬
‫غفلته قبل فوات أزمان الطاعة فإن للربح أيامًا‪ ،‬وللتجارة أوقاتًا‪ .‬والخاسر‬
‫من فاتته الفضائل وتمنى على الله الماني‪ .‬فإياك إياك‪.‬‬
‫وأخيرا ً أخي الشاب‪ :‬هذه رسالتي بين يديك‪ ،‬ولم يكن دافعها إليك إل فيض‬
‫مشاعر الحب لشخصك الكريم‪ ،‬وأمنية تؤجج في نفسي آمال ً أن تكون بعد‬
‫هذه السطر أحسن حال من سالف اليام‪ .‬حفظك الله وسترك‪ ،‬وأقر عين‬
‫أمتك بصلحك وتوبتك‪ .‬إنه أكرم مسؤول‬

‫)‪(2 /‬‬

‫قبل أن تعصي الله‬


‫إخواني ‪ ...‬أخواتي ‪...‬‬
‫اسمعوا الله عز وجل وهو يقول ‪ } :‬تسبح له السموات السبع والرض ومن‬
‫فيهن وإن من شىء إل يسبح بحمده ولكن ل تفقهون تسبيحهم { ‪ .‬سبحان‬
‫الله هذا الكون كله بكل صغير وكبير فيه متوجه إلى الله يسبحه ويمجده ‪...‬‬
‫ولكن يبقى فى هذا الكون مخلوقات خلقت من نطفة فإذا هى خصيمة مبينة‬
‫هى تسير فى واد والكون كله فى واد آخر تترك الصلة بالرغم أن كل‬
‫ماحولها يلهج بالذكر والتسبيح ‪ ...‬إن هذه النفس العاصية لله ماأشد غرورها‬
‫وماأعظم حقارتها عندما أرادة أن تكون شاذة فى هذا الكون المنتظم ‪ ..‬كم‬
‫عرضت عليها التوبة ولم تتب ‪..‬وكم عرض عليها الرجوع وهى فى شرور‬
‫وهروب من الله ‪...‬‬
‫إخواني‪...‬أخواتي ‪.‬‬
‫عليكم قبل أن تعصوا الله تعالى أن تتفكروا فى هذه الدنيا وحقارتها وقلة‬
‫وفائها وكثرة جفاءها وخسة شركائها وسرعة إنقضاءها ‪ ..‬وتتفكروا فى أهلها‬
‫وعشاقها وهم صرعى حولها قد عذبتهم بأنواع العذاب ‪ ،‬أضحكتهم قليل ً‬
‫وأبكتهم كثيرا ً ‪..‬‬
‫عليكم قبل أن تعصوا الله تعالى أن تتفكروا بالخرة ودوامها وأنها هى دار‬
‫القرار ومحط الرحال ومنتهى السير‪..‬‬
‫عليكم قبل أن تعصوا الله أن تتفكروا فى النار وحرها وعظم عذاب أهلها ‪..‬‬
‫تفكروا فى أهلها وهم فى الحميم وعلى وجوههم يسحبون وفي النار‬
‫كالحطب سيجرون قال تعالى ‪ } :‬لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش { ‪.‬‬
‫عليكم قبل أن تعصوا الله أن تتفكروا في الجنة وما أعد الله لهلها من النعيم‬
‫ن رأت ولأذن سمعت ول خطر على قلب بشر ‪..‬‬ ‫الوافر وما هيأ لهم مما لعي ٌ‬
‫تفكروا في الجنة وتربتها المسك وحصباؤها الدر وشرابها أحلى من العسل‬
‫ولباسهم الحرير ‪ ..‬وهم على الرآئك متكئون وفي تلك الرياض يجرون وهم‬

‫‪121‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فيها خالدون ‪..‬‬


‫عليكم قبل أن تعصوا الله قيوما ً قاهرا ً فوق عباده مستويا ً على عرشه آمرا ً‬
‫ناهيا ً مرسل ً رسله ومنزل ً كتبه يرضى ويغضب ويثيب ويعاقب ويعطي ويمنع‬
‫ويغفر إذا استغفر ويجيب إذا دعي ‪ ..‬تذكروا الله وهو أكبر من كل شىء‬
‫وأعظم من كل شىء وأعز من كل شىء وأحكم من كل شىء ‪ ،‬يسمع‬
‫ضجيج الصوات باختلف اللغات وهى تلهج بالدعاء فل يتبرم بالحاح الملحين‬
‫سواء عنده من أسر القول ومن جهر به فالسر عنده علنية والغيب عنده‬
‫شهادة يرى دبيب النمل السود على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء‬
‫ويرى نياط عروقها ومجاري القوت فى أعضاءها ‪.‬‬
‫وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‬

‫)‪(1 /‬‬

‫قبل أن ُتغّير عتبة بابك؟‬


‫فوزية الخليوي ‪26/5/1427‬‬
‫‪22/06/2006‬‬
‫ن كما يفعل الغنياء؟‬ ‫ددون مثالبه ّ‬ ‫مر الفقراء من زوجاتهم‪...‬ويع ّ‬ ‫لماذا ل يتذ ّ‬
‫ة من السكينة‪..‬رأفة‬ ‫ة من الرحمة! ومسح ً‬ ‫ن هال ً‬‫هل لن الحظ أسبغ عليه ّ‬
‫ن!!!‬
‫بحاله ّ‬
‫هد من حال بعض الرجال مع زوجته غريب‪ ...‬فبعد أن يتبدل عيشه‬ ‫إن المشا َ‬
‫ي‪.‬‬
‫من العسر إلى اليسر‪..‬ومن الجوع إلى الشبع‪..‬ومن الظمأ إلى الر ّ‬
‫ض مضجعه وصوتها يؤلم مسمعه!!‬ ‫يصبح مرآها يق ّ‬
‫عندها يطلقها أو يستبدلها بأخرى مع هجرانه لها‪....‬‬
‫إذا انصرفت نفسي عن الشيء ‪... ...‬‬
‫ل‬‫لم تكد ْ إليه بوجه آخر الدهر تقب ُ‬
‫جرساعة‪..‬‬ ‫بعد أن كانت يداها تمتد إليه إذا أِرق ليلة‪..‬أو ض ِ‬
‫تمسح على رأسه بطيب الكلم‪ ..‬فما تلبث أن تطرد اللم‪..‬فهي معه كالنهر‬
‫الجاري المتدفق الذي يحمل معه كل القذار والكدار!! لينوء بها كاهلها‬
‫فتتجرع غصاتها ‪ ..‬وتبتلع آهاتها!!‬
‫ن من كانت تسهر الليالي تحيك الملبس لتعينه‪.‬‬ ‫فمنه ّ‬
‫ن من كانت تقرأ وتكتب له درسه‪.‬‬ ‫ومنه ّ‬
‫ن أحلمها وآفاقها البعيدة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫منه‬ ‫ولكل‬
‫فكان العالم كله مملكتها الواسعة‪.‬‬
‫ملة نفسها‬ ‫تركب مطّيتها كل ليلة وهى تؤنس وحشتها‪...‬وتبعد غربتها مؤ ّ‬
‫بالعيش الناعم المترف‪..‬فى ظل حبيبها ومع ذريتها!!‬
‫ولكن سرعان ما تنقلب هذه الحديقة إلى فلة موحشة مظلمة ليضيُئها‬
‫كوكب ول يلمع فيها نجم ‪..‬‬
‫ل شوقي ‪... ...‬‬ ‫فيا أسفي عليك وطو َ‬
‫إليك لو أن ذلك رد ّ شيئا‬
‫ل بها ‪..‬من خطب جسيم وبلء عظيم‪.‬‬ ‫فليت شعرى ما الذي ح ّ‬
‫ُ‬
‫حزينة تتلظى بنارها‪..‬وتعتلج أوارها‪.‬‬
‫يجيش صدرها بكوامن الحب ولواعج الهوى‪..‬‬
‫ة قلَبك؟!‬ ‫ل المال فى جيبك فارَقت الرحم ُ‬ ‫فلماذا عندما ح ّ‬
‫لماذا طار لّبك‪..‬واضطغن عليها صدرك‪،‬‬

‫‪122‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مك؟‬ ‫ض مضجعك‪..‬ويطيل غ ّ‬ ‫وأصبح مرآها يق ّ‬


‫إن الجمال الحقيقي الذي فقده الزوج بنكرانه كاللؤلؤ المكنون في صدفاته‬
‫ليمكن إدراكه إل ّ بعد الغوص فى غياهبه‪.‬‬
‫عن عائشة قالت‪ :‬كان رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬ل يكاد يخرج من‬
‫البيت حتى يذكر خديجة‪ ،‬فيحسن الثناء عليها‪ ،‬فذكرها يوما ً من اليام فأخذتني‬
‫الغيرة فقلت‪ :‬هل كانت إل عجوزا ً قد أبدلك الله خيرًا! منها‪ ،‬فغضب ثم قال‪:‬‬
‫ذبني‬‫ل والله ما أبدلني الله خيرا ً منها! آمنت إذ كفر الناس‪ ،‬وصدقتني إذ ك ّ‬
‫الناس‪ ،‬وواستني بمالها إذ حرمني الناس‪ ،‬ورزقني منها الله الولد دون غيرها‬
‫من النساء!!‬
‫قالت عائشة‪ :‬فقلت في نفسي ل أذكرها بعدها بسبة أبدا‪ً.‬‬
‫ولم يكن ينافح عنها فقط في القول بل كان يترجمه إلى أفعال‪ ،‬ففي الصحيح‬
‫عن عائشة كان رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬إذا ذبح الشاة يقول‪:‬‬
‫أرسلوا إلى أصدقاء خديجة!!‬
‫ب حبيبها؟!‬ ‫ذكرت له يوما ً فقال‪ :‬إني لح ّ‬ ‫فقال‪ :‬ف ُ‬
‫ت أراها ‪... ...‬‬
‫ت لس ُ‬‫أنت روحي إن كن ُ‬
‫ّ‬
‫ي من كل داني‬ ‫فهي أدنى إل ّ‬
‫ولهذا صدرت مواقف من بعض النساء يعجب لها السامع عند أول وهلة ولكن‬
‫وغاتها‪:‬‬ ‫لها مس ّ‬
‫• فقد نشرت الصحف الردنية عن عجوز طالبت زوجها بالطلق حتى لتكون‬
‫زوجته في الجنة؟!!‬
‫دث عن امرأة فى أوساطنا أوصت أولدها بعدم إشراكها هي وأبوهم‬ ‫ح ّ‬ ‫• وقد ُ‬
‫فى أضحية واحدة بعد موتها؟؟‬
‫• ولن الطبيعة البشرية واحدة ففى الغرب حيث انقلبت الدوار‪ ،‬فقام الزوج‬
‫بدور الزوجة والعكس‪ ,‬فكان تولستوي الروائي الروسي صاحب أشهر‬
‫الروايات مبيعًا‪ ,‬بعدما هرب من منزله ذات ليلة على غير هدى‪ ,‬وقد ركب أحد‬
‫القطارات فى جو بارد مثلج ُوجد ميتا ً بعد إحدى عشرة ليلة فى القطار‪ ,‬وقد‬
‫ترك بجانبه ورقة أوصى فيها أل ّ تراه زوجته بعد موته‪ ,‬ول تشارك فى جنازته؟‬

‫)‪(1 /‬‬

‫قبل أن نشتكي!!‬
‫مفكرة السلم ‪ :‬إن حجم القلق والضطراب الذي يتعرض له كل البوين عند‬
‫وجود مشكلة لدى البن أو البنة يجعلنا ل نستطيع منع أنفسنا من التساؤل‪،‬‬
‫ألم يكن من الممكن تجنب الوصول إلى هذه الدرجة من المشكلة؟!‬
‫ألم يكن باستطاعتنا بعون الله تعالى تلفي الوقوع في هذه المشكلة؟!‬
‫إن التربية بقدر ما يظن الناس أنها صعبة وشاقة بقدر ما هي يسيرة هينة إذا‬
‫توفرت لها في البوين مطالب‪:‬‬
‫‪ .1‬رغبة صادقة في صلح البناء تثمر انشغال ً حقيقًيا بهم‪.‬‬
‫‪ .2‬تحديد للهدف المراد تحقيقه في البناء‪.‬‬
‫‪ .3‬علم بقواعد التربية الساسية وأساليبها لتحقيق الوصول إلى الهدف‬
‫المنشود‪.‬‬
‫‪ .4‬وقت لتنفيذ كل ما سبق‪.‬‬
‫‪ .5‬دعاء مستمر صادق للبن بالطبع وليس عليه‪.‬‬
‫وللتربية شقان رئيسان‪:‬‬

‫‪123‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ .1‬وقاية قبل الشكوى‪.‬‬


‫‪ .2‬علج بعد الشكوى‪.‬‬
‫قا ويعتمد عليه‪ ،‬فعلى قدر الجهد‬ ‫ً‬
‫ويرتبط كل واحد منهما بالخر ارتباطا وثي ً‬
‫المبذول في شق الوقاية يقل الجهد المطلوب في شق العلج‪ ,‬والعكس‬
‫دقيق صحيح‪.‬‬
‫ما على الباء والمهات بذل الجهد الحقيقي الوافر في كيفية‬ ‫لذا كان لزا ً‬
‫تحقيق الوقاية قبل التعرض للمشاكل‪ ،‬ولقد ذكرنا في مقالت أخرى كيف‬
‫يستطيع البوان تحديد هل ابنهما في أزمة حقيقية طارئة أم في موقف عابر‬
‫سيمر منه بحفظ الله وتثبيته له؟! وذكرنا أن المعيار في ذلك هو اطمئنان‬
‫البوين أنهما قد ربيا أبناءهما على ثوابت وقواعد راسخة تجعل البناء‬
‫يحسنون التصرف والستشارة والتوجيه‪.‬‬
‫إذن لكي نحفظ أبناءنا من الزمات والمشاكل‪ ،‬ولكي نجنب أنفسنا مرارة‬
‫كا‪ ،‬كان ل بد من العناية‬ ‫رؤية أبنائنا على أبواب انحراف ول نملك لهم حرا ً‬
‫الشديدة بتحقيق أساليب الوقاية ومعرفتها وتنفيذها وبيان معوقاتها‪.‬‬
‫وتتلخص أساليب الوقاية من المشاكل أو الشكوى من جانب الباء في هذه‬
‫المرحلة في التي‪:‬‬
‫‪ .1‬تحديد الهوية والنتماء بتحديد المرجعية والهدف‪.‬‬
‫‪ .2‬الرفقة والصحبة الصالحة‪.‬‬
‫‪ .3‬ضبط وتوجيه الشهوات ]الفرج ـ البطن ـ الكلم‪.[...‬‬
‫‪ .4‬التوجيه لحسن شغل وقت الفراغ‪.‬‬
‫‪ .5‬انضباط الباء والمهات بالشرع في التعامل مع البناء‪.‬‬
‫‪ .6‬خصوصية النوع ومحاربة التشبه بالغير ]النوع الخر ـ القدوة السيئة[‪.‬‬
‫وسنعرض لكل واحد من هذه الساليب بإيجاز شديد على مدى هذا المقال‬
‫والجزء الثاني منه‪:‬‬
‫ل‪ :‬تحديد الهوية والنتماء بتحديد المرجعية الهدف‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫َ‬
‫ن{‪.‬‬‫دو َ‬‫عاب ِ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ن لَ ُ‬‫ح ُ‬‫ة وَن َ ْ‬ ‫ن الل ّهِ ِ‬
‫صب ْغَ ً‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫س ُ‬‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬‫ة الل ّهِ وَ َ‬ ‫صب ْغَ َ‬‫]‪ِ } [1‬‬
‫أخبرني عن نفسك‪ ..‬تفكيرك‪ ..‬مشاعرك‪ ..‬آرائك‪ ..‬نظرتك لنفسك وللخرين‪،‬‬
‫هذه هي الجابة الدقيقة عن السؤال‪ :‬من أنت؟!‬
‫إنه ل بد من تحديد الهوية التي سنصوغ أبناءنا وفقها ونصبغهم بصبغتها فتحكم‬
‫مشاعرهم وأفكارهم وآراءهم وتوجاتهم‪ ،‬ودرجة التقان في تحقيق هذا المر‬
‫تكون بالثقة المتولدة لدى الشباب عند الجابة على السؤال من أنت؟!‬
‫فيجيب‪ :‬أنا مسلم‪.‬‬
‫ن{‪.‬‬ ‫م ال َْغال ُِبو َ‬
‫ب الل ّهِ هُ ُ‬‫حْز َ‬ ‫ن ِ‬ ‫مُنوا فَإ ِ ّ‬ ‫نآ َ‬ ‫ه َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫سول َ ُ‬‫ه وََر ُ‬‫ل الل ّ َ‬
‫ن ي َت َوَ ّ‬‫م ْ‬ ‫]‪} [2‬وَ َ‬
‫تحديد النتماء ومقياس الموالة والمعاداة والمحبة والبغض‪ ،‬ولتحديد كل من‬
‫الهوية والنتماء ل بد من تحديد المرجعية والهدف‪.‬‬
‫]‪ [3‬المرجعية‪:‬‬
‫في حجة الوداع يوم عرفة وقف النبي صلى الله عليه وسلم خطيًبا‪ ,‬فاستفتح‬
‫خطبته بسؤال‪ :‬في أي بلد نحن؟! من المؤكد وضوح الجابة؛ فهم في مكة‬
‫في أرض عرفة‪ ،‬لكن العجيب كان في الجابة التي رد بها الحاضرون من‬
‫الصحابة رضوان الله عليهم‪ ,‬فقد قالوا‪ :‬الله ورسوله أعلم!!‬
‫وينطق السؤال الثاني‪ :‬في أي شهر نحن؟!‬
‫وهل يحج الناس إل في شهر ذي الحجة من يوم أذن إبراهيم عليه السلم‬
‫بالحج في الناس‪ ,‬وتتكرر الجابة العجيبة‪ :‬الله ورسوله أعلم‪ .‬في أي يوم‬
‫نحن؟! الله ورسوله أعلم‪.‬‬

‫‪124‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قال‪ :‬ألسنا في بلد الله الحرام مكة‪ ،‬ألسنا في شهر ذي الحجة‪ ،‬ألسنا في‬
‫يوم عرفة‪ ،‬قالوا‪ :‬بلى يا رسول الله قال‪.'... :‬‬
‫م يجيبوا رسول الله صلى الله‬ ‫َ‬
‫مل ْ‬ ‫الشاهد من الحديث عندما سئل الصحابة ل ِ َ‬
‫عليه وسلم وهم يعرفون الجابة؟!‬
‫فكان الرد منهم‪ :‬خفنا أن يغيره‪.‬‬
‫إن تحديد المرجعية في كل المور هي الصورة التي تجعل الشاب قبل إتيان‬
‫الفعل أو الفكر أو القول يسأل‪ :‬هل يحبه الله أم يبغضه؟! وكيف يجب مني‬
‫أن أفعله أو أؤديه؟!‬
‫وهذا مما يرسخ قضية الهوية والنتماء‪ ،‬ليست الفكرة أن يعمل ابنك الصواب‪,‬‬
‫م يفعله؟!‬ ‫لكن أن يعرف ل َ‬
‫]‪ [4‬الهدف‪:‬‬
‫وأعني به معرفة البن للهدف من الحياة ووضوحه في ذهنه‪ ،‬وفهم رسالته‪:‬‬
‫ن{ ]الذاريات‪.[56 :‬‬ ‫س إ ِل ّ ل ِي َعْب ُ ُ‬
‫دو ِ‬ ‫ن َوال ِن ْ َ‬‫ج ّ‬‫ت ال ْ ِ‬ ‫خل َ ْ‬
‫ق ُ‬ ‫ما َ‬
‫}وَ َ‬
‫فيعبده في نفسه‪ ،‬ويسعى في تعبيد الناس لله تعالى على قدر وسعه‬
‫وطاقته‪ ،‬والعبادة هنا بمفهومها الواسع ل الضيق‪ ,‬فكل ما في الحياة عبادة إذا‬
‫ابُتغي به وجه الله تعالى وكان وفق شرعه ورضاه‪.‬‬
‫ثانًيا‪ :‬الرفقة والصحبة الصالحة‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪' :‬مثل الجليس الصالح والجليس‬
‫السوء‪ ،‬كمثل حامل المسك ونافخ الكير‪ ,‬فحامل المسك إما أن يحذيك ]يضع‬
‫حا طيبة‪ ،‬ونافخ‬ ‫الطيب على يدك[‪ ،‬وأما أن تبتاع منه‪ ،‬وإما أن تجد منه ري ً‬
‫حا خبيثة' ]رواه البخاري[‪.‬‬ ‫الكير إما أن يحرق ثيابك‪ ,‬وإما أن تجد منه ري ً‬
‫أنت في الناس تقاس بالذي اخترت خليل‬
‫ل وتنل ذكًرا جميل‬ ‫فاصحب الخيار تع ُ‬
‫صحبة الخامل تكسو من يواخيه خمول‬
‫ل بد أن يتفهم البوان أن هناك مرحلة أساسية ل بد من أن يمر بها الشاب‪,‬‬
‫يكون الدور الرئيس في التأثير في توجيهاته وأفكاره وتصوراته هو لقرانه‬
‫ممن هم في نفس سنه‪ ،‬وذلك لتحاد الرغبات والمشاعر والتطلعات‪ ،‬وتنبه‬
‫معي لهذا المثل القرآني اللطيف لخوة يوسف عليه السلم مع أنهم قد‬
‫دا لمنزلته عند أبيه‪ ,‬إل أن التأمل في‬ ‫اجتمعوا على التخلص من أخيهم حس ً‬
‫درجات الكيد يؤكد لنا أن صلحهم وتربية أبيهم قد أثمرت‪ ،‬فها هي رفقة‬
‫صالحة أغواها الشيطان في معصية‪ ،‬لكن لصلحها تجد التصعيد كما سماه‬
‫دا نحو الخير ل الشر‪ ،‬أو بمعنى أدق إلى تقليل الشر }اقْت ُُلوا‬ ‫المفسرون تصعي ً‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫يوس َ َ‬
‫قوه ُ ِفي‬
‫ف وَأل ُ‬
‫س َ‬
‫قت ُلوا ُيو ُ‬
‫م ل تَ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ل َقائ ِ ٌ‬ ‫حوه ُ أْرضا‪َ} ,{...‬قا َ‬ ‫ف أوِ اط َْر ُ‬ ‫ُ ُ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫َ‬ ‫لي‬
‫ِ‬ ‫ع‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫فا‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫ن‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫إ‬ ‫ِ‬
‫ّ َ ِ‬ ‫ة‬ ‫ر‬ ‫يا‬
‫ّ‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫ض‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫ب‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ط‬ ‫ق‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ي‬ ‫ب‬‫ّ‬ ‫ج‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ت‬
‫ِ‬ ‫غََياب َ‬
‫ضا‪ ،‬فاللقاء في الجب ليلتقطه‬ ‫ضا‪ ..‬كل أي ً‬ ‫إنه القتل‪ ..‬كل هذا كثير‪ ،‬فالطرح أر ً‬
‫ن‬‫بعض المارة فيظل على قيد الحياة‪ ،‬ثم محاولة للغاء المر كله بقوله‪} :‬إ ِ ْ‬
‫دا نحو الخير‪ ,‬بعكس رفقة السوء تجدهم‬ ‫ن{ هذا يسمى تصعي ً‬ ‫م َفا ِ‬
‫عِلي َ‬ ‫ك ُن ْت ُ ْ‬
‫دا تحقيق هذه‬ ‫يتبارون في التصعيد نحو الشر ويتنافسون فيه‪ ,‬ويسهل ج ً‬
‫الوسيلة من وسائل الوقاية بضبط الوسيلة الولى وهي تحديد الهوية والنتماء‬
‫بتحديد المرجعية والهدف‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬ضبط وتوجيه الشهوات‪:‬‬

‫‪125‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪' :‬من يضمن ليس ما بين لحييه وما بين‬
‫رجليه أضمن له الجنة'‪.‬‬
‫هناك ثلث شهوات ل بد من الستعداد لها بالوقاية‪.‬‬
‫‪1‬ـ شهوة الفرج‪2 .‬ـ شهوة الطعام‪3 .‬ـ شهوة الكلم‬
‫َ‬
‫ي‬
‫ة هِ َ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫جن ّ َ‬ ‫ن ال ْهَ َ‬
‫وى فَإ ِ ّ‬ ‫س عَ ِ‬
‫ف َ‬‫م َرب ّهِ وَن ََهى الن ّ ْ‬‫قا َ‬
‫م َ‬
‫ف َ‬
‫خا َ‬‫ن َ‬
‫م ْ‬ ‫ما َ‬
‫القاعدة‪} :‬وَأ ّ‬
‫مأ َْوى{ ]النازعات‪40 :‬ـ ‪.[41‬‬ ‫ال ْ َ‬
‫أـ خوف من مقام الله‪ .‬ب ـ نفس محكومة بالعقل المنضبط بالشرع‪.‬‬
‫]‪ [1‬شهوة الفرج‪:‬‬
‫ل بد من توضيح حدود العلقة بالنوع الخر‪ ,‬وبيان فضيلة العفة والحفظ‬
‫والصون للنفس عن الحرام‪ ،‬وتعظيم نماذج المتعففين‪ ،‬والتوعية الكاملة‬
‫الشرعية بمعاني البلوغ وسن التكليف الشرعي‪ ،‬وكذلك توضيح الممارسات‬
‫الخطأ ومدى خطورتها نظًرا لما وصلته مجتمعاتنا من انفتاح وتعدد لصور‬
‫الفساد‪ ,‬أو على القل فتح قناة اتصال قوية تكفي لكي يتحدث الشاب عما‬
‫وصل سمعه وبصره من صور غير طبيعية ليمكن التوجيه من البوين فيها‪.‬‬
‫]‪ [2‬شهوة البطن‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪' :‬ما مل آدمي وعاًء شًرا من بطنه‪ ,‬إنما‬
‫يكفي ابن آدم لقيمات يقمن صلبه‪.'...‬‬
‫الكل وسيلة وليس غاية في حد ذاته‪ ،‬فل يحرم التمتع بطيب الطعام لكن‬
‫بغير إسراف ول مباهاة‪ ،‬والعتدال والتزان في كل المور مطلوب‪.‬‬
‫]‪ [3‬شهوة الكلم‪:‬‬
‫وفيه يراعي أوجًها‪:‬‬
‫أـ نوع الكلم‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪' :‬ليس المؤمن بالطعان‬
‫ول اللعان ول الفاحش البذيء‪.'...‬‬
‫وقال صلى الله عليه وسلم‪' :‬الكلمة الطيبة صدقة'‪ ,‬وتنبه لللفاظ الدائرة في‬
‫المحيط المعيشي للبن وأهمية تنقيتها أول ً بأول‪ ,‬والتنبه المبكر للخلق‬
‫الكلمية من نوع الكذب والغش والنميمة والغيبة وغيرها‪ ،‬وبدء التعامل معها‬
‫مبكًرا‪ ،‬أو وضع الصول التي تقي من الصابة بها واجتناب كل ما يدفع البناء‬
‫إلى ارتكابها‪.‬‬
‫ب ـ كمية الكلم‪ :‬ورد في الشرع ذم الثرثرة وبيان أن من كثر كلمه كثر‬
‫خطؤه‪.‬‬
‫د ـ تحديد وقت الكلم ووقت الصمت‪ ،‬وبيان ما يناسب كل موقف وتعليمه‬
‫للبناء‪.‬‬
‫ومثال ذلك موقف عمر بن الخطاب من ابنه عبد الله عندما عرف إجابة‬
‫السؤال عن النخلة فلم يجب‪.‬‬
‫وفي الجزء الثاني نواصل توضيح باقي النقاط الواجب العتناء بها للوقاية من‬
‫الوقوع في المشكلت مع البناء‬

‫)‪(2 /‬‬

‫قبل أن يقضي الفراغ على أطفالنا!!‬


‫)‪ (1-2‬لقمان عطا المنان*‬
‫تتعدد المدارس على طول البلد وعرضها وعلى وجه الخصوص ما يسمى‬
‫بمرحلة الساس الحكومية أو الخاصة التي صارت تجارة رائجة رابحة‪ ..‬هذه‬
‫المدارس التي تحوي جيوشا ً جرارة من التلميذ الذين تتراوح أعمارهم في‬

‫‪126‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الغالب ما بين ست سنوات إلى أربع عشرة سنة حيث يقضون ثمان سنوات‬
‫بين أركانها وجدرانها‪ ..‬ولكن السؤال الذي يطرح ويفرض نفسه هو‪ :‬كيف‬
‫يقضي هؤلء التلميذ أوقات فراغهم في العطلة أو الجازة؟!‪..‬‬
‫ذات مرة سمعت بأذني ‪ -‬وأنا أشق طريقي وسط أحد الحياء العاصمية أثناء‬
‫شجار وقع بين اثنين من الطفال ل يتجاوز عمر أحدهما إحدى عشرة سنة ‪-‬‬
‫ألفاظا ً متبادلة بينهم يعف القلم عن ذكرها!!‪..‬‬
‫وه بها هذان الطفلن‪ ،‬وتساءلت وفي‬ ‫توقفت وتأملت هذه اللفاظ التي تف ّ‬
‫نفسي مرارة‪ :‬من أين أتى هؤلء الصغار بهذه اللفاظ البذيئة‪ ،‬وهذا السلوك‬
‫المشين؟!‪..‬‬
‫كانت السئلة تحاصرني‪ ،‬لكنني لم أجد لها إجابة شافية سوى أنها حدثت‬
‫بسبب الفراغات العريضة التي تتركها بعض السر والمدارس‪ ..‬والنبي صلى‬
‫الله عليه وآله وسلم يقول في ذلك‪) :‬نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس‪:‬‬
‫الصحة والفراغ(‪..‬‬
‫ولكم أن تتصوروا معي هؤلء الصغار وهم يجلسون في الطرقات‪،‬‬
‫ويتشاغبون في أشياء ل تسمن ول تغني عن جوع‪ ..‬أو انظروا إلى جلوسهم‬
‫أمام الحوانيت وهم يحملون اللعاب النارية التي يفجرونها بين الفينة والخرى‬
‫بعد أن يقوموا بوضعها خلسة تحت أقدام الكبار أو الصغار ثم تنفجر مسببة‬
‫الهلع والفزع والروع للجالسين والمارة‪ ،‬بينما هم يقهقهون!!‪..‬‬
‫إن أخطر ما يواجهه هؤلء الصغار هو الفراغ القاتل الذي إن لم يستثمر في‬
‫شيء مفيد ضاع الصغير وفسد؛ ل سيما من كان في مرحلة المراهقة وبداية‬
‫طور النضوج!!‪..‬‬
‫ً‬
‫* نود من خلل هذا التحقيق أن تتناول موضوعا طالما غفل عنه الكثيرون!!‪..‬‬
‫* ما أكثر ما يعانيه المارة بالشارع من تلفظ الصغار بألفاظ وكلمات بذيئة؛‬
‫فيجب على أولياء المور أن يحاولوا علجها بشتى الطرق بالتي هي أحسن؛‬
‫بطرق كثيرة مثل ملء فراغهم بأشياء مفيدة يمكن أن يسدوا بها هذا الفراغ‬
‫القاتل الذي يذهب كثيرا ً في أشياء تنعكس على سلوكهم‪ ،‬ويجب على الباء‬
‫أن يعلموا أنه )لكل داء دواء(؛ فإن معرفة السباب الكامنة وراء الداء تمثل‬
‫نصف الدواء‪..‬‬
‫إن على الب أو الم أن يسمع بعقل القاضي وروح الب لسباب انفعال‬
‫الطفل بعد أن يهدئ من روعه‪ ،‬ويذكر له أنه على استعداد لسماعه؛ وحل‬
‫مشكلته‪ ،‬وإزالة أسباب انفعاله‪ ..‬وهذا ممكن إذا تحلى بالهدوء والذوق في‬
‫التعبير عن مسببات غضبه‪..‬‬
‫ثانًيا‪ :‬إحلل السلوك القويم محل السلوك المرفوض‪:‬‬
‫ثم بعد ذلك البحث عن مصدر تواجد اللفاظ البذيئة في قاموس الطفل؛‬
‫فالطفل جهاز محاكاة للبيئة المحيطة؛ فهذه اللفاظ هي محاكاة لما قد‬
‫سمعه في بيئته المحيطة‪) :‬السرة – الشارع – القران(‪ ..‬كما يجب أن‬
‫يراعى أن يعزل الطفل عن مصدر اللفاظ البذيئة المصدر؛ كأن يبعد عن‬
‫قرناء السوء إن كانوا هم المصدر؛ فالصل كما قيل في تأديب الصبيان‬
‫)الحفظ من قرناء السوء‪ ،‬وإظهار الرفض لهذا السلوك؛ وذمه علًنا‪ ،‬مع إدراك‬
‫أن طبيعة تغيير أي سلوك هي طبيعة تدريجية؛ وبالتالي التحلي بالصبر‪،‬‬
‫والهدوء في علج المر أمر ل مفر منه(؛ )واستعينوا بالصبر والصلة وإنها‬
‫لكبيرة إل على الخاشعين(‪..‬‬
‫ود سلوك )السف( كلما تلفظ بكلمة بذيئة‪ ..‬ول بد من توقع أن سلوك‬ ‫ي ُعَ ّ‬
‫السف سيكون صعًبا في بادئ المر على الصغير؛ فتتم مقاطعته حتى يعتذر‪،‬‬

‫‪127‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ويناول هذا المر بنوع من الحزم والثبات والستمرارية‪..‬‬


‫* عبد القادر عوض ‪ -‬معلم بالمرحلة الثانوية‪:‬‬
‫يمكن لولياء المور أن يرشدوا أطفالهم؛ بأن يبتعدوا عن كل ما هو قبيح‬
‫وضار لهم؛ من سوء السلوك‪ ،‬واللفاظ البذئية‪ ،‬وإبعادهم عن قرناء السوء‪،‬‬
‫مع استعمال اللين معهم‪ ،‬والحكمة والموعظة بالتي هي أحسن‪ ،‬وإرساء‬
‫مناهج سلوكية ذات صبغة إسلمية لهم؛ ل سيما في عطلتهم المدرسية التي‬
‫هي مرحلة النحراف الحقيقية للطفال؛ ففيها يتعلمون السلوك المشين!!‪..‬‬
‫أهمية التربية‬
‫ذين‬ ‫تلعب التربية السليمة داخل السرة المسلمة الدور الكبير من الوالدين ال َ‬
‫يقومان بمهمة التوعية والرشاد لبنائهما؛ ل سيما عند نعومة أظافرهم‪،‬‬
‫وغرس القيم الدينية التي ينادي بها السلم والتي يمكن للطفل أن يمل‬
‫فراغه بها‪..‬‬
‫وهنالك عدة أمور ينبغي على الب والم أن يراعياها في تربية أبنائهما منذ‬
‫الصغر؛ حتى يصيروا أبناًءا صالحين ينتفع بهم آبائهم ومجتمعاتهم‪..‬‬
‫ويرى الكثير من علماء التربية أن هناك عدة أمور يمكن أن تلعب دورا ً كبيرا ً‬
‫في تنشئة الطفل تنشئة قويمة إذا عمل بها أولياء المور منها‪:‬‬
‫* إلزام الطفل بالستجابة لقواعد تهذيب السلوك التي تم وضعها‪ :‬فمن‬
‫المهم أن يعتاد الطفل الستجابة بصورة لئقة إلى توجيهات والديه قبل‬
‫دخوله المدرسة بفترة طويلة‪..‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫* ومن هذه التوجيهات‪ :‬جلوسه في مقعد السيارة‪ ،‬وعدم ضرب الطفال‬


‫الخرين‪ ،‬وأن يكون مستعدا ً لمغادرة المنزل في الوقت المحدد صباحًا‪ ،‬أو‬
‫عند الذهاب إلى الفراش‪ ،‬وهكذا‪..‬‬
‫وهذه النظم التي يضعها الكبار ليست محل نقاش للطفل إذا كان المر ل‬
‫يحتمل ذلك‪..‬‬
‫ً‬
‫واجعل الطفل يمّيز بين الشياء التي يكون مخّيرا فيها وبين قواعد السلوك‬
‫المحددة التي ليس فيها مجال للختيار‪..‬‬
‫* التمييز بين احتياجات الطفل ورغباته‪:‬‬
‫فقد يبكي الطفل إحساسا ً باللم‪ ،‬أو الجوع‪ ،‬أو الخوف‪ ..‬وفي هذه الحالت‬
‫يجب الستجابة له في الحال‪ ..‬أما بكاؤه لسباب أخرى فلن يسبب أية أضرار‬
‫له‪ ..‬وفي العادة يرتبط بكاء الطفل برغباته‪ ،‬وأهوائه‪ ..‬والبكاء حالة طبيعية‬
‫نتيجة حدوث تغير‪ ،‬أو إحباط للطفل‪ ..‬وقد يكون البكاء جزءا ً من نوبات‬
‫الغضب الحادة؛ فيجب فى هذه الحال تجاهله‪ ،‬مع عدم معاقبته؛ وإنما يخبر‬
‫بأنه طفل كثير البكاء؛ وعليه أن يكف عن ذلك‪..‬‬
‫جّنب فيها الهتمام بالطفل‪ ،‬أو ملعبته‬ ‫وهناك بعض الحيان التي يجب أن ي ُت َ َ‬
‫مؤقتًا‪..‬‬
‫* يجب أل ّ يغفل الوالدان عن التهذيب؛ حتى في وقت المتعة‪ ،‬والمرح‪:‬‬
‫إذا كان كل الوالدين يعملن فربما يرغبان في قضاء جزء من المساء بصحبة‬
‫الطفل‪ ،‬وهذا الوقت الخاص يجب أن يكون ممتعًا‪ ،‬ولكن ليس معنى هذا أن‬
‫يتهاونا في تطبيق قواعد التهذيب؛ فإذا أساء الطفل السلوك فيجب تذكيره‬
‫بالحدود التي عليه التزامها‪.‬‬
‫* قواعد السلوك مع الطفل‪:‬‬

‫‪128‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الطفال في هذه السن ل يتقيدون بهذه القواعد‪ ،‬أما عندما يبلغ الطفل أربع‬
‫أو خمس سنوات من العمر فيمكن أن تشرح له الموضوعات التي تتعلق‬
‫بتهذيب السلوك؛ ل سيما قبل دخوله مرحلة الساس‪ ،‬أما عندما يبلغ الطفل‬
‫سن المراهقة ‪ -‬من أربع عشرة سنة إلى ست عشرة سنة ‪ -‬فيمكن مناقشته‬
‫كشخص بالغ؛ وفي تلك المرحلة يمكن أن يسأل عن رأيه في أي من هذه‬
‫القواعد‪ ،‬والعقوبات‪.‬‬
‫َ‬
‫سأم‪:‬‬ ‫* تعليم الطفل كيفية التغلب على ال َ‬
‫إذا كنت تلعب وتتحدث مع الطفل عدة ساعات كل يوم فليس من المتعّين‬
‫أن تشاركه اللعب دائمًا؛ أو تحضر له بصفة دائمة صديقا ً من خارج المنزل‬
‫ليلعب معه؛ فعندها وعندما تكون مشغول فتوّقع من طفلك أن يسّلي نفسه‬
‫بمفرده؛ فالطفل البالغ من العمر أربعة أعوام يستطيع تسلية نفسه نصف‬
‫الوقت‪ ،‬أما الذي يبلغ من العمر خمسة أعوام مثل ً فيستطيع أن يشغل نفسه‬
‫ساعات طويلة يوميا‪..‬‬
‫* ثم حدوث التغيرات؛ مثل الخروج من المنزل‪ ،‬وبدء الحياة المدرسية يعد‬
‫من ضغوط الحياة العادية‪ ،‬ومثل هذا يعلم الطفل‪ ،‬ويجعله قادرا ً على حل‬
‫مشاكله؛ فعلى الباء أن يكونوا دائما قريبين‪ ،‬ومستعدين لمساعدة الطفل‬
‫عند اللزوم‪ ،‬لكن يجب أل تقدم له المساعدة إذا كان بمقدوره أن يفعل ذلك‬
‫الشيء بمفرده‪..‬‬
‫* وعموما ً فعلى الباء أن يجعلوا حياة الطفل واقعية‪ ،‬وطبيعية؛ بالقدر الذي‬
‫يستطيع تحمله وفقا لسّنه؛ بدل ً من الجتهاد في توفير أكبر قدر من المتعة‬
‫له؛ لن قدرات الطفل على التكيف‪ ،‬وثقته بنفسه سوف تنشط بتلك‬
‫التجارب؛ وسيستفيد من خوضها‪..‬‬
‫* ومن الشياء المهمة تعليم الطفل احترام حقوق والديه‪:‬‬
‫تأتي احتياجات الطفال ‪ -‬من حب‪ ،‬وطعام‪ ،‬وملبس‪ ،‬وأمن‪ ،‬وطمأنينة ‪ -‬في‬
‫المقام الول‪ ،‬ثم تأتي احتياجات الباء في المقام الثاني‪ ،‬أما رغبات الطفل‬
‫)مثل اللعب(‪ ،‬أو نزواته )مثل حاجته إلى مزيد من القصص السلمية( فيجب‬
‫أن تأتي في المقام الثالث ووفقا ً لما يسمح به وقت آبائهم‪ ..‬ويزداد هذا المر‬
‫أهمية بالنسبة للوالدين العاملين الذين يكون وقتهما الذي يقضيانه مع‬
‫أطفالهما محدودًا‪ ..‬والشيء المهم هنا هو مقدار الوقت الذي يقضيانه مع‬
‫طفلهما وفعاليته؛ فالوقت المثمر ‪ -‬والذي يجب أن يتفاعل فيه مع الطفل‬
‫بأسلوب ممتع ‪ -‬هو وقت العطلت‪ ..‬ويحتاج الطفال إلى مثل هذا النوع من‬
‫الوقت مع والديهم يوميًا‪..‬‬
‫أما قضاء الباء كل لحظة من وقت فراغهم أو من عطلتهم مع الطفل فإنه‬
‫ليس في صالح الطفل أو صالحهم؛ حيث يجب أن يكون هناك توازن؛ يحافظ‬
‫به الباء على استقرارهم النفسي والذهني؛ بحيث يمنحهم قدرة أكبر على‬
‫العطاء‪..‬‬
‫وليعلم الباء أن الطفل إذا لم يتعلم احترام حقوق والديه فقد ل يحترم حقوق‬
‫الخرين؛ ل سيما عندما ينطلق في وقت فراغه في الجازة‪ ،‬ويقترن مع‬
‫أصدقائه؛ حيث يجد الطريق أمامه ليتعلم كل شيء منهم؛ المر الذي يجعله‬
‫أقل تحمسا ً واهتماما ً بالواجبات المدرسية‪..‬‬
‫* علي عز الدين عمر ‪ -‬رب أسرة‪:‬‬
‫ً‬
‫من أهم الشياء التي تجعل الطفل سويا على الستقامة الهتمام برعايته‪،‬‬
‫وتربيته تربية مستقيمة وفق ما أمر به الدين السلمي‪ ،‬ولكن للسف الشديد‬
‫فإن أغلب الطفال اليوم صاروا ل يحترمون أحدا ً من الكبار؛ وهذا يعود‬

‫‪129‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بالطبع إلى عدم التربية!!‪..‬‬


‫* الزبير محمد إبراهيم – معلم‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫التربية السليمة دوما ً هي التي توجه الطفل إلى الستفادة من أوقات فراغه‬
‫عند الجازات‪ ،‬والتربية ل بد أن تزرع من الوالدين في المقام الول؛ لن‬
‫المدارس اليوم صارت تؤدي واجبها في الناحية الكاديمية فقط؛ على عكس‬
‫ما كان عليه المر في الماضي حيث كان التعليم فيه يقوم بواجبه كامل نحو‬
‫التلميذ؛ بإرشادهم للسلوك القويم الذي يجب عليهم أن يسلكوه في‬
‫حياتهم!!‪..‬‬
‫* المين عبد الله ‪ -‬رب أسرة‪:‬‬
‫ً‬
‫والله يا ابني! منذ أن تأتي الجازة نضع أيدينا على قلوبنا!؛ خوفا من الصخب‬
‫والضجيج الذي سيسببه لنا هؤلء الطفال!!‪ ..‬والمشكلة تكمن في أن الكثير‬
‫من الباء يضع الحبل على الغارب فل يهمه أمر ابنه؛ أين خرج؟!‪ ،‬وإلى أين‬
‫اتجه؟!‪ ..‬ويمكن أن يكون ل يعلم شيئا ً عن مستواه الدراسي في‬
‫المدرسة!!‪..‬‬
‫اللعب مفيد ولكن!!‪..‬‬
‫اللعب في سن المدرسة هو أكثر أنشطة الطفل ممارسة؛ يستغرق معظم‬
‫ساعات يقظته‪ ،‬وقد يفضله على النوم والكل‪ ،‬ولكن ل بد أل ّ يشغله ذلك عن‬
‫أداء صلواته بانتظام‪ ،‬وأل ّ يأخرها عن موعدها المحدد‪..‬‬
‫وغياب اللعب لدى الطفل يدل على أن هذا الطفل غير عادي‪ ..‬فاللعب نشاط‬
‫تلقائي؛ طبيعي؛ ل ُيتعلم!!‪..‬‬
‫ل مهارات حركية؛ فيتقوى جسمه‪..‬‬ ‫اللعب له عدة فوائد؛ فهو ُيكسب الطف َ‬
‫وأيضا عمليات معرفية كالستكشاف‪ ،‬ويزيد من المخزون اللغوي لديه‪ ،‬وغير‬
‫ذلك من الفوائد‪..‬‬
‫* وليد سليمان ‪ -‬أعمال حرة‪:‬‬
‫الطفل هو في سن اكتساب‪ ،‬وهو يقوم بأي عمل يريد أن يتعرف عليه‪..‬‬
‫والطفل الذي ل يلعب طفل غير طبيعي‪..‬‬
‫ومن الشياء المهمة أن الطفال ل يعرفون الكذب‪ ،‬ولكن من المؤسف أن‬
‫بعض المهات والباء يعلمون أبنائهم الكذب!‪ ..‬والب التقي حقا ً هو الذي‬
‫يقوم بمراقبة أبنائه حتى ل ينحرفوا ويسيروا في طرق متعرجة!!‪.‬‬
‫* عبد الحميد حسن ‪ -‬رب أسرة‬
‫في ظل الظروف المعيشية القاسية‪ ،‬وتقلب الحوال القتصادية ابتعد الناس‬
‫عن مراقبة أبنائهم وعن متابعتهم في حال خروجهم للشارع أو التقائهم‬
‫بأصدقائهم‪ ،‬بل حتى لدرجة عدم وقوفهم على مستوياتهم الدراسية!!‪..‬‬
‫وأقول‪ :‬إن الفراغ الواسع الذي يعيشه الطفال اليوم لهو من إهمال الباء‬
‫أنفسهم!؛ فمهما كانت الظروف فل بد من رعاية تسد خلل هذا الفراغ!‪..‬‬
‫والله المستعان‪.‬‬
‫* محمد جابر ‪ -‬سائق ترحيل أطفال‬
‫حقيقة الطفال في حاجة ماسة إلى أن يملوا الفراغ بأشياء مفيدة‪ ،‬وبرامج‬
‫نافعة‪ ،‬وكثيرا ً ما أسمع بعض اللفاظ القبيحة من الطفال؛ وأندهش لها‪..‬‬
‫وذات مرة سمعت من أحد الطفال كلمات يقولها لخيه‪ ،‬وعندما قلت له‪:‬‬
‫لماذا تقول مثل هذه اللفاظ القبيحة؟! قال لي‪ :‬إن أخاه قد سبقه بكلم‬

‫‪130‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أقبح!!‪ ..‬وفيما بعد علمت أن هذين الطفلين قد تعلما هذه اللفاظ من بعض‬
‫أصدقائهم الذين يجالسونهم من أولئك الذين تطلقهم أسرهم دون رقابة!!‪..‬‬
‫* إبراهيم غالي – مواطن‪:‬‬
‫عدم رعاية الباء لطفالهم‪ ،‬إضافة لعدم التنظيم الجيد لوقاتهم‪ ،‬مع غياب‬
‫المتابعة‪ ..‬كلها عوامل تساهم في تدني أخلقهم‪ ،‬ومستواهم الدراسي!!‪..‬‬
‫* حمد عباس أيوب – معلم‪:‬‬
‫الواجب على الدولة ممثلة في وزارة التربية والتعليم أن تضع برامج مفيدة‬
‫للطفال؛ ل سيما في مرحلة الساس في الجازات الصيفية؛ بحيث ل تكون‬
‫مملة ومنفرة‪ ،‬وأن تسطيع هذه البرامج أن تمل الفراغ الذي تخّلفه المدارس؛‬
‫فالجرعات المدرسية غير كافية لشباع حاجة هؤلء الصغار‪.‬‬
‫* محمد عثمان نمر – معلم‪:‬‬
‫الطفال هم أمل المستقبل ويمثلون الحاضر؛ فل بد من الخذ بأياديهم إلى‬
‫طريق النور؛ وذلك بسد فجوة العطلت والجازات التي تمر بهم مرور الكرام‬
‫دون أن يكون هناك أي برامج تفيدهم في الدنيا والخرة‪..‬‬
‫* زينب حماد – معلمة‪:‬‬
‫ً‬
‫اللعب شيء طبيعي للطفال؛ ول بد منه‪ ،‬ولكن يجب أن تتماشى أيضا معه‬
‫أشياء مفيدة‪ ،‬بل ل بد للمدارس التي ينتمي لها الطفال خاصة مرحلة‬
‫الساس أن تقدم لهم برامج خلل العطلة الصيفية‪.‬‬
‫فترة المراهقة‬
‫ليس سهل ً أن تربي طفل ً في زماننا هذا المشحون بالتوتر‪ ،‬وضيق الوقت‪،‬‬
‫واللهث خلف الظروف المعيشية الصعبة التي شغلت الكثير من الباء‪ ..‬ولكن‬
‫التربية مسؤولية عظيمة سيسأل عنها الله تعالى يوم ل ينفع مال ول بنون؛‬
‫لنه بمثل ما على البناء من حق لباءهم فأيضا ً وضع السلم حقا للبناء على‬
‫الباء!!‪..‬‬
‫فما بالك بابنك وأنت غافل عنه وقد تعدى عتبة الطفولة؛ وخط شاربه‪ ،‬وغلظ‬
‫ت وصرعات ل تنتهي؛ من موسيقى‪ ،‬وقصات‬ ‫ن حوله مستجدا ٌ‬ ‫م ْ‬
‫صوته‪ ،‬و ِ‬
‫شعر‪ ،‬وأزياء غربية غريبة‪ ،‬وتمرد‪ ،‬وعناد‪ ،‬وعالم انفتحت أبوابه على‬
‫مصراعيه!!‪..‬‬
‫ً‬
‫المراهقون‪ :‬هل هم حقا مشاكل متحركة‪ ،‬أو براكين ثائرة‪ ،‬وحروب‬
‫مستمرة؟!‪ ،‬أم هم أطفال ولجوا عالم الكبار؛ ويحتاجون في دخولهم هذا إلى‬
‫تهيئة‪ ،‬وعناية‪ ،‬وتكوين علقة حميمة؟!‪..‬‬
‫* عبد المعطي أحمد علي ‪ -‬معلم‪:‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫أكثر ما يفسد الطفال ل سيما المراهقين منهم هو اهتمامهم باللبس الغربي‪،‬‬


‫والفلم الغربية‪ ،‬والموسيقى‪ ،‬وعالم الموضة؛ خاصة التسريحات‪ ،‬والحلقات‬
‫الغريبة على مجتمعنا هذا كله‪ ..‬وفي تقديري هذا كله بسبب الفراغ العريض‪..‬‬
‫وللسف ليحترمون أحدا ً من الكبار عندما يدخنون السجائر‪ ،‬أو يتعاطي‬
‫بعضهم )التمباك(‪ ،‬أوالشيشة التي صارت شغلهم الشاغل‪..‬‬
‫وبالطبع إن كثيرا من الباء ل يدرون شيئا ً عنهم؛ لعدم مراقبتهم لهم؛ خاصة‬
‫في العطلت والجازات!!‪..‬‬
‫* عبد السلم يوسف ‪ -‬مشرف تربوي سابق‪..‬‬
‫للسف الفراغ الذي يعيش فيه هؤلء الصغار هو مفسدة عظيمة لهم إن لم‬

‫‪131‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫توضع لهم برامج مفيدة من قبل آبائهم‪ ..‬وأكبر مشكلة تواجه هؤلء الصغار ‪-‬‬
‫ول يدري عنها آباءهم شئيا ً ‪ -‬هي مصاحبتهم للذين يكبرونهم سًنا وفكًرا!!‪..‬‬
‫الخفاق المدرسي‬
‫مستويات الخفاق )الفشل( قد تحدث أزمة ليس فقط في مستوى الطفل‬
‫الكاديمي والتعليمي‪ ،‬ولكن أيضا ً في نفسية الطفل؛ بل ربما السبب يعود‬
‫لصدقائه‪ ،‬وما تأثر به خلل الجازات والعطلت المدرسية؛ فاجعل نظرة‬
‫الطفل للفشل‪ ،‬والخفاق بطريقة ل تؤثر عليه؛ بحيث ترفع من معنوياته‪،‬‬
‫وتشجعه على المزاكرة؛ حتى ل يترك الدراسه؛ وذلك عن طريق إدخاله‬
‫معهدا‪ ،‬أو كورسا يقوي من مستواه أثناء فترة الجازة‪ ،‬والعطلة؛ وبهذا تكون‬
‫قد أغلقت عليه فجوة كبيرة أثناء فراغه‪..‬‬
‫* علي أحمد ‪ -‬معلم أساس‪:‬‬
‫ً‬
‫أكثر ما يؤدي لنحراف الطفل مبكرا هو فشله في دراسته؛ والذي ربما يعود‬
‫سببه إلى الفراغ في إجازته؛ حيث يكون قد انشغل بأشياء قد تصاحبه حتى‬
‫أصدقائه في هذه العطلة؛‬ ‫ًًً‬ ‫أثناء العام الدراسي؛ وأعني بهذا أشياء يتعلمها من‬
‫ويتمسك بها؛ وبالتالي تؤثر في دراسته؛ ويفشل دراسيا!!‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫قبل انقضاء العشرالواخر‬


‫‪...‬‬
‫‪...‬‬
‫التاريخ ‪16/10/2005 :‬‬
‫الكاتب ‪ :‬حمد الكوس ‪ ...‬الزوار ‪2319 :‬‬
‫كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم رجلن من بني قضاعة أسلما مع‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪،‬فاستشهد أحدهما وأخر الخر سنة فرأى‬
‫طلحة بن عبيدالله رضي الله عنه المؤخر منهما دخل الجنة فتعجب من ذلك‬
‫وكذلك الناس تعجبو! فلما ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم قال‪:‬أليس‬
‫قد صام رمضان وصلى كذا وكذا ركعة صلة سنة؟‪.‬رواه أحمد وحسنه اللباني‬
‫رحمه الله‬
‫في زيادة عند ابن ماجة وابن حبان والبيهقي صححها اللباني" فلما بينهما‬
‫أبعد ممابين السماء والرض"‪..‬‬
‫في هذا الحديث يتبين فضل رمضان وعظم أجره‪ ،‬وعظم أجر الصلة ‪،‬وإذا‬
‫كانت عبادة سنة رفعت هذا الصحابي فوق المجاهد الذي ضحى بنفسه في‬
‫سبيل الله! فكيف بمن يستغل ليالي العشر الواخر التي هي خير ليالي‬
‫السنة‪،‬بله ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر؟‬
‫فياعبادالله هذا شهركم المبارك قد أزف على الرحيل‪ ،‬فمن كان مقصرا‬
‫فليتب وليعتذر ‪،‬ومن كان محسنا فليحمد الله وليسأل الله القبول ‪،‬واختموا‬
‫هذه العشر بخير أعمالكم وسابقوا فيها الى ربكم قال الحسن ‪":‬إن الله جعل‬
‫رمضان مضمارا لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته فسبق قوم ففازوا‬
‫وتأخر قوم فخابوفالعجب من اللعب الضاحك في يوم يفوز فيه المحسنون‬
‫ة‬
‫جن ّ ٍ‬ ‫من ّرب ّك ُ ْ‬
‫م وَ َ‬ ‫فَرةٍ ّ‬ ‫عوا ْ إ َِلى َ‬
‫مغْ ِ‬ ‫سارِ ُ‬
‫ويخسر فيه المبطلون"‪ .‬وقال تعالى‪ ":‬وَ َ‬
‫ن"‪ .‬آل عمران‪.133 /‬‬ ‫قي َ‬ ‫ت ل ِل ْ ُ‬
‫مت ّ ِ‬ ‫عد ّ ْ‬‫ض أُ ِ‬ ‫َ‬
‫ت َوالْر ُ‬
‫ماَوا ُ‬
‫س َ‬
‫ضَها ال ّ‬
‫عَْر ُ‬
‫قال ابن سعدي‪:‬أمرهم الله –أي أهل التقوى‪-‬بالمسارعة إلى مغفرته وإدراك‬
‫جنته التي عرضها السموات والرض فكيف بطولها؟‬

‫‪132‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التي أعدها الله للمتقين فهم أهلها وأعمال التقوى هي الموصلة إليها‪.‬انتهى‬
‫وفي سورة الحديد بعد أن حقر الله الدنيا وبين أنها مثل الزرع المصفر‬
‫المتحطم وبين أنها متاع الغرور أي تغر صاحبها ‪،‬فلهو ملكها ولهو استكمل‬
‫نعيمه بها ‪،‬فأي نعيم للدنيا وهي مليئة بالمنغصات والمكدرات؟ بعد هذه‬
‫ة‬
‫فَر ٍ‬ ‫قوا إ َِلى َ‬
‫مغْ ِ‬ ‫ساب ِ ُ‬
‫اليات ذكر الله أمرعباده بالمسارعة الى الخيرات فقال‪َ ":‬‬
‫مُنوا ِبالل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫نآ َ‬ ‫ت ل ِل ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫عد ّ ْ‬ ‫ض أُ ِ‬ ‫َْ‬
‫ماء َوالْر ِ‬ ‫س َ‬ ‫ض ال ّ‬ ‫َ‬
‫ضَها كعَْر ِ‬ ‫جن ّةٍ عَْر ُ‬‫م وَ َ‬ ‫من ّرب ّك ُ ْ‬ ‫ّ‬
‫م"‪.‬الحديد‪21/‬‬ ‫ظي‬
‫ِ‬ ‫ع‬ ‫ْ‬
‫ْ ِ َ‬‫ل‬‫ا‬ ‫ل‬ ‫ض‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ُ‬
‫ذو‬ ‫ه‬ ‫ّ‬
‫َ ُ‬ ‫ل‬ ‫وال‬ ‫ُ‬ ‫ء‬‫شا‬ ‫َ‬ ‫ي‬
‫َ َ‬‫من‬ ‫ِ‬ ‫ه‬‫تي‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫ض‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫س‬
‫وَ ُ ُ‬
‫ر‬
‫ِ‬
‫وتطل علينا في مثل هذه اليام ليلة عظيمة مباركة تتنزل فيها الملئكة‪،‬‬
‫ويتنزل فيها الروح المين وهو جبريل‪ ،‬وماذاك إل لعظمها وشرفها‪ ،‬فهوعليه‬
‫السلم موكل بالوحي والنزول به على النبياء‪،‬وهذه الليلة سلم لهل الرض‪،‬‬
‫وهي شرف عظيم لمن أدركها كما قال بعض أهل العلم بأن القدر‬
‫هو‪:‬الشرف‪ ،‬وليلة القدر هي ليلة الشرف العظيم ‪،‬وهي خير من الف ليلة؛اي‬
‫خيرمن عبادة ثلث وثمانين عاما‪،‬فعلينا بحبس النفس والمسابقة بكل خير‬
‫فيها‪،‬وهي أرجى ماتكون في اليام العشر وفي الوتر منه ‪،‬وورد عن بعض‬
‫السلف أنها ليلة السابع والعشرين‪،‬ورجح ابن حجر انها تتنقل في الوتر من‬
‫العشرالوخر من رمضان‪ ،‬فياليت شعري من المقبول في مثل هذه اليام‬
‫فنهنيه‪ ،‬ومن المحروم فنعزيه وصدق عليه الصلة والسلم حين قال عن‬
‫رمضان ‪) :‬فيه ليلة خير من الف شهر من حرم خيرها فقد حرم( فلتكونو من‬
‫المحرمين المبعدين في هذا الشهر الكريم ‪.‬‬
‫غدا توفى النفوس ماكسبت ويحصد الزارعون مازرعو‬
‫إن أحسنوا أحسنوا لنفسهم وإن أساؤوا فبئس ماصنعوا‬
‫بقلم ‪:‬حمد عبدالرحمن يوسف الكوس‬

‫)‪(1 /‬‬

‫قبل عمر رأسه‬


‫أ‪.‬د‪/‬محمد أديب الصالح‬
‫رئيس تحرير مجلة حضارة السلم‬
‫أخرج أبو بكر البيهقي وابن عساكر عن أبي رافع قال‪:‬‬
‫جه عمر بن الخطاب رضي الله عنه جيشا ً إلى الروم وفيهم رجل يقال له‪:‬‬ ‫و ّ‬
‫عبد الله بن حذافة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فأسره الروم‪،‬‬
‫فذهبوا به إلى ملكهم‪ ،‬فقالوا له‪ :‬إن هذا من أصحاب محمد –صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.-‬‬
‫فقال له الطاغية‪ :‬هل لك أن تنتصر وأشركك في ملكي وسلطاني؟‬
‫فقال له عبد الله‪ :‬لو أعطيتني ما تملك وجميع ما ملكته العرب‪ ،‬على أن‬
‫أرجع عن دين محمد صلى الله عليه وسلم طرفة عين ما فعلت‪.‬‬
‫قال‪ :‬إذا ً أقتلك‪..‬‬
‫قال‪ :‬أنت وذاك!!‬
‫فأمر به فصلب‪ ،‬وقال للرماة‪:‬‬
‫‪ -‬ارموه قريبا ً من يديه‪ ،‬قريبا ً من رجليه وهو يعرض عليه التنصر وهو يأبى‪.‬‬
‫ب فيها ماء حتى احترقت‪ ،‬ثم دعا بأسيرين‬ ‫ص ّ‬
‫ثم أمر به فأنزل‪ ،‬ثم دعا ِبقد ْرٍ ف َ‬
‫من المسلمين‪ ،‬فأمر بأحدهما فألقي فيها وهو يعرض عليه النصرانية وهو‬
‫يأبى‪ ،‬ثم أمر به أن يلقى فهيا‪ .‬فلما ذهب به بكى‪ ،‬فقيل له‪ :‬إنه قد بكى‪،‬‬
‫ن أنه جزع‪ ،‬فقال‪ :‬ردوه‪ ،‬فعرض عليه النصرانية‪ ،‬فأبى‪.‬‬ ‫فظ ّ‬

‫‪133‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فقال‪ :‬ما أبكاك إذًا؟‬


‫قال‪ :‬أبكاني أني قلت في نفسي‪ ،‬تلقى الساعة في هذه القدر فتذهب!‬
‫ت أشتهي أن يكون بعدد كل شعرة في جسدي نفس تلقى في الله‪.‬‬ ‫وكن ُ‬
‫قال له الطاغية‪ :‬هل لك أن تقّبل رأسي وأخلي عنك؟‬
‫قال‪ :‬وعن جميع أسارى المسلمين؟‬
‫قال‪ :‬وعن جميع أسارى المسلمين‪.‬‬
‫قال عبد الله‪ :‬فقلت في نفسي‪ :‬عدو من أعداء الله أقّبل رأسه يخلي عني‬
‫وعن أسارى المسلمين‪ ،‬ل أبالي‪.‬‬
‫فدنا منه‪ ،‬فقّبل رأسه‪ ،‬فدفع إليه السارى‪ ،‬فقدم بهم إلى عمر رضي الله‬
‫عنه‪ ،‬فأخذ عمر بخبره‪ .‬فقال عمر‪:‬‬
‫حقّ على كل مسلم أن يقّبل رأس عبد الله بن حذافة‪ ،‬وأنا أبدأ‪.‬‬
‫فقام عمر فقّبل رأسه‪.‬‬
‫موعظة‬
‫ن ُزّر بن حبيش –وهو من التابعين‪ -‬كتب إلى عبد الملك‬ ‫عن سويد الكلبي‪ :‬أ ّ‬
‫ابن مروان كتابا ً يعظه‪ .‬وكان في آخر الكتاب‪ :‬ول يطمعك يا أمير المؤمنين‬
‫في طول الحياة ما يظهر من صحتك فأنت أعلم بنفسك‪ ،‬واذكر ما تكلم به‬
‫الولون‪:‬‬
‫إذا الرجال ولدت أولدها=وبليت من كبر أجسادها‬
‫وجعلت أسقامها تعتادها=تلك زروع قد دنا حصادها‬
‫ل طرف ثوبه‪ ،‬ثم قال‪:‬‬ ‫فلما قرأ عبد الملك الكتاب‪ ،‬بكى حتى ب ّ‬
‫صدق ُزّر‪ ،‬لو كتب إلينا بغير هذا لكان أرفق‪.‬‬
‫ما الذي ينتظرون؟‬
‫يروى‪ :‬أن راهبين دخل البصرة من ناحية الشام‪ ،‬فنظرا إلى الحسن البصري‪،‬‬
‫ل بنا إلى هذا الذي كان سمته سمت المسيح‪.‬‬ ‫فقال أحدهما لصاحبه‪ :‬م ْ‬
‫ً‬
‫فعدل إليه‪ ،‬فألفياه مفترشا بذقنه ظاهر كفه وهو يقول‪:‬‬
‫يا عجبا ً لقوم قد أمروا بالزاد‪ ،‬وُأذنوا بالرحيل‪ ،‬وأقام أولهم على آخرهم‪ ،‬فليت‬
‫شعري ما الذي ينتظرون؟!‬
‫* مجلة حضارة السلم –السنة ‪– 9‬العدد ‪– 1‬ربيع الول ‪1388‬هـ ‪-‬حزيران‬
‫‪1968‬م‬

‫)‪(1 /‬‬

‫قبلي يا رياض !‬
‫بقلم الدكتورعدنان علي رضا النحوي‬
‫ن‬
‫حنا ِ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬‫ة ِ‬‫ن َوفاٍء وط َل ْعَ ٌ‬ ‫م ْ‬‫ب ‪ِ ... ...‬‬ ‫ك د َْر ٌ‬ ‫ض ! ُدون َ ِ‬ ‫أقِبلي يا ريا ُ‬
‫ن‬‫ج ملء الزما ِ‬ ‫ً‬
‫ل ندي ّا يمو ُ‬ ‫مازا ‪َ ... ...‬‬ ‫ج في الفق َ‬ ‫مو ُ‬ ‫ونداٌء ي َ ُ‬
‫ن‬‫ة وعّزة َ شا ِ‬ ‫م رحم ً‬ ‫ي ‪ ... ...‬خات َ ٌ‬ ‫أْقبلي يا رياض ! هذا ن َب ِ ّ‬
‫م الباني‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫نَ َ‬
‫ة فِن ِعْ َ‬‫م ً‬‫ديا ‪ ... ...‬وب ََنى أ ّ‬ ‫ك هَ ْ‬ ‫شَر الّنوَر في ديارِ ِ‬
‫ل ساٍح بآيةٍ وبيان‬ ‫ل ُنوُره َيفيض وي ُْغني ‪ ... ...‬ك ّ‬ ‫لم َيز ْ‬
‫ً‬
‫طيبي ‪ ... ...‬وانَعمي في ِرضا وخيرٍ داني‬ ‫ن ! فَ ِ‬ ‫مل الّزما َ‬ ‫عَب َقٌ ي َ ْ‬
‫ي الشذا نديّ الماني‬ ‫م غن ّ‬ ‫كبك الي َوْ ‪َ ... ...‬‬ ‫مو ِ‬ ‫ملي ب ِ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫أقِْبلي وا ْ‬
‫وفاَء الحاني‬‫ك ال َ‬‫ك الّنـ ‪ ... ...‬ـوَر وِإقبال ِ‬ ‫ض " مطلعَ ِ‬ ‫جعلي يا " ريا ُ‬ ‫وا ْ‬
‫ن‬
‫ض ! أنيري السبيل للنسا ِ‬ ‫شَعل الحقيقة في الر ‪ِ ... ...‬‬ ‫م ْ‬ ‫واحملي ِ‬
‫ن‬
‫ق والزما ِ‬ ‫ج ب ُِنور الـ ‪ ... ...‬ـحقّ ملَء الفا ِ‬ ‫ة تمو ُ‬ ‫ّ‬
‫ل مك ٌ‬ ‫لم تز ْ‬

‫‪134‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن‬‫جنا ِ‬ ‫ن الليالي ‪ ... ...‬بين وهِْج الُهدى ونفح ال ِ‬ ‫طيب َةٍ حني ُ‬ ‫وربى ِ‬
‫ن‬
‫ة وهَد ْيَ أما ِ‬ ‫حم ً‬ ‫ت َر ْ‬ ‫شَرق ْ‬‫َ‬ ‫شرى ‪ ... ...‬أ ْ‬ ‫والرسول المين أحمد ب ُ ْ‬
‫ن‬
‫مَعامعَ الميدا ِ‬ ‫خوضي َ‬ ‫ملي يا " رياض " من قَبس الحـ ‪ ... ...‬ـقّ و ُ‬ ‫َ‬ ‫ح ِ‬ ‫فا ْ‬
‫ن‬ ‫الحسا‬ ‫ية‬ ‫غن‬ ‫ض‬ ‫أر‬ ‫!‬ ‫ريخ‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫التا‬ ‫بها‬ ‫ج‬ ‫يمو‬ ‫حة‬ ‫سا‬ ‫من‬ ‫ت‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫أن ْ ِ‬
‫ن‬ ‫ه دعاة َ التوحيدِ و اليما ِ‬ ‫ة ي ُعِّز بها اللـ ‪ ... ...‬ــ ُ‬ ‫فارفعي راي ً‬
‫معان ؟!‬‫ت في الَهجيرِ ؟! كم من ُ‬ ‫مئ َ ْ‬ ‫س ‪ ... ...‬ظ ِ‬ ‫من ُنفو ٍ‬ ‫م ِ‬ ‫ض!ك ْ‬ ‫أقِْبلي يا ريا ُ‬
‫ن‬
‫هوا ِ‬ ‫مهٍ و َ‬ ‫مهْ َ‬ ‫ت في َ‬ ‫م تهاو ْ‬ ‫ها ‪ٌ ... ...‬‬ ‫ب وأوْ َ‬ ‫سرا ِ‬ ‫وَقْد َة ُ الّتيهِ وال ّ‬
‫ن‬
‫غضبة الُبركا ِ‬ ‫م الشديد يزحف والعـ ‪ ... ...‬ـصاُر دّوى و َ‬ ‫والظل ُ‬
‫ن‬‫س به وجمعُ مبا ِ‬ ‫ل تنها ‪ُ ... ...‬ر روا ٍ‬ ‫ف من الزلز ِ‬ ‫ج ٍ‬ ‫بين ر ْ‬
‫ن‬‫مكرِ جبا ِ‬ ‫ْ‬ ‫والعصابات يملؤون نواحي الر ‪ ... ...‬ض في فتنة و َ‬
‫ن‬ ‫مرٍ وافتتا ِ‬ ‫ك مد ّ‬ ‫معوا الحشود وجاؤوا ‪ ... ...‬بهل ٍ‬ ‫ج ّ‬‫كلهم َ‬
‫ق ونورٍ حاني‬ ‫ب ‪ ... ...‬من هدى صادِ ٍ‬ ‫ضي يا " رياض " دونك در ٌ‬ ‫فان ْهَ ِ‬
‫ن‬‫ة من َبيا ِ‬ ‫س بلغا وآي ً‬‫ً‬
‫ة الله ِإلى الّنا ‪ِ ... ...‬‬ ‫سال َ‬ ‫مليها رِ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫وا ْ‬
‫ن‬
‫جعَ الكفر صاِغرا في هوا ِ‬ ‫ً‬ ‫دقي الله في بلِغك حتى ‪ ... ...‬ير ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫وا ْ‬
‫طعان‬ ‫دي لهم من الّرباط و ُ‬ ‫َ‬
‫جلى ليوم ِ‬ ‫سلٍح ي ُ ْ‬ ‫دي ‪ ... ...‬من ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫وأع ّ‬
‫م وذّلة شا ِ‬
‫ن‬ ‫خزيه ْ‬ ‫م ِإلى ِ‬ ‫ن في الرض وي ُْلقيـ ‪ ... ...‬ـه ْ‬ ‫رمي َ‬ ‫ب المج ِ‬ ‫ي ُْرهِ ُ‬
‫ن‬
‫ِ‬ ‫الغصا‬ ‫ية‬
‫ّ‬ ‫ند‬ ‫ل‬
‫ٍ‬ ‫وظل‬ ‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫ي‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫غن‬ ‫ع‬‫ٍ‬ ‫ربي‬ ‫في‬ ‫الرض‬ ‫وإذا‬
‫ن‬ ‫عدالةٍ وأما ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ق ‪ ... ...‬وهدىً ِ‬ ‫صد ٍ‬ ‫وسلم من الوفاء و ِ‬
‫َ‬
‫ه و الماني‬ ‫يا ل َ ِ‬
‫دي ُ‬
‫ب وفي السلم هَ ْ‬ ‫دق في الحر ‪ِ ... ...‬‬ ‫ص ُ‬ ‫لسلم ي َ ْ‬ ‫دين ا ِ‬
‫*** ‪*** ... ...‬‬
‫دك عهد ٌ ‪ ... ...‬فانهضي للوفاء و الحسان‬ ‫يا ديار السلم عه ُ‬
‫ن‬‫ل ناٍء ودا ِ‬ ‫وارفعي الظلم واسكبي العدل نورا ‪ ... ...‬من وفاٍء لك ّ‬ ‫ً‬
‫ن‬
‫ة الحرما ِ‬ ‫ي عناًء ورعش َ‬ ‫ق السعـ ‪ ... ...‬ـ ِ‬ ‫ب من عََر ِ‬ ‫ل ساع يص ّ‬ ‫ك ّ‬
‫ي عمَره وهو يشقى ‪ ... ...‬بين دنيا منّعم أو جاني‬ ‫أ كل السع ُ‬
‫ت و حبل تداني‬ ‫ً‬
‫وأقيموا به أخوة إسل ‪ ... ...‬م ٍ عرا وّثق َ‬
‫ل وفتنةٍ وتواني‬ ‫ت وجه ٍ‬ ‫وارفعوا عنكم هوى عصبيا ‪ٍ ... ...‬‬
‫ن‬
‫واصدقوا الله ـ أمة الحق ـ هذا ‪ ... ...‬هو درب النجاة والسلطا ِ‬
‫*** ‪*** ... ...‬‬
‫‪1/6/1424 ... ...‬هـ‬
‫‪30/7/2003‬م‬

‫)‪(1 /‬‬

‫قبول المساعدة من شركات اليانصيب‬


‫المجيب ‪ ...‬أ‪.‬د‪ .‬سعود بن عبدالله الفنيسان‬
‫عميد كلية الشريعة بجامعة المام محمد بن سعود السلمية سابقا ً‬
‫التصنيف ‪ ...‬الفهرسة‪ /‬المعاملت‪/‬الهبة والعطية‬
‫التاريخ ‪12/8/1424 ...‬هـ‬
‫السؤال‬
‫جمعية إسلمية في بريطانيا‪ ،‬تقيم برامج رياضية للطفال والشباب‪ ،‬هل يجوز‬
‫لها قبول مساعدات من مؤسسة تقدم الدعم لمثل هذه البرامج الرياضية‪ ،‬إذا‬
‫كانت هذه المؤسسة تحصل على الدعم من اليانصب المسمى )لوتري(‬
‫‪.LOTTERY‬‬
‫الجواب‬

‫‪135‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إذا كان مال هذه المؤسسة الداعمة للجمعية كله من اليانصب )لوتري(‬
‫فالولى عدم قبول تلك المساعدة‪ ،‬أما إذا كان مال هذه المؤسسة مختلطا ً‬
‫من حرام وغيره فل بأس بقبوله‪ ،‬لعدم تعين الحرام فيما تدفعه من‬
‫مساعدات لهذه الجمعية‪ ،‬ولنه ل يدفع ويملك لشخص بعينه‪ ،‬وإنما يدفع‬
‫للجمعية التي تصرفه في شؤونها فل بأس حينئذ‪ ،‬هذا كله إذا كانت المؤسسة‬
‫الدافعة إسلمية‪ ،‬أما إن كانت هذه المؤسسة كافرة فيجوز قبول مساعدتها‬
‫من باب أولى‪ ،‬فليس بعد الكفر ذنب‪ ،‬وقد عامل رسول الله – صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ -‬الكفار والمشركين‪ ،‬وقبل الهدايا من أهل الكتاب والمشركين‪،‬‬
‫كما هو ثابت في كتب السنة النبوية‪ ،‬فقد أهدى ملك )أيلة( للنبي – صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ -‬بغلة بيضاء وكساه بردا ً البخاري )‪ ،(1481‬ومسلم )‪،(1392‬‬
‫وقبل من المقوقس ملك مصر هديته‪ :‬مارية القبطية وبغلة انظر الصابة )‬
‫‪ .(6/297‬والهدية للكافر أو أخذها منه تدخل في معنى البر والحسان‪ ،‬كقوله‬
‫تعالى‪":‬ل ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من‬
‫دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين" ]الممتحنة‪،[8 :‬‬
‫والله أعلم‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫صدورهم أكبر !‬ ‫قد بدت البغضاء من أفواههم وما ُتخفي ُ‬


‫بقلم الدكتور عدنان علي رضا النحوي‬
‫بعد وقت قصير من سقوط البرجين أعلن الرئيس " بوش " اتهامه‬
‫للمسلمين وخاصة حركة طالبان وتنظيم القاعدة‪ ،‬اّتهاما ً مباشرا ً صيغ بصورة‬
‫تأكيد بعد اللحظات الولى للحادث‪ .‬ل ن ُعَّلق كثيرا ً على موجة التهامات للحياء‬
‫والموات‪ .‬لقد أفلتت من لسان الرئيس "بوش " كلمات تنطوي على كثير‬
‫مما يموج في داخل نفسه وفي داخل نفس غيره‪ .‬لقد قال ما معناه ‪ " :‬لقد‬
‫دل أسلوب خطاباته بعد ذلك‪،‬‬ ‫بدأت الحروب الصليبية " ! ولكنه سرعان ما ع ّ‬
‫ربما بناء على توصية مستشاريه كي يخفي حقيقة ما يمكرون‪.‬‬
‫كرني هذا الموقف‪ ،‬وهذا الكلم‪ ،‬بقول " أللنبي " النجليزي الذي ساعده‬ ‫َيذ ّ‬
‫حرهم الجيش‬ ‫بعض العرب والمسلمين حتى دخل القدس بفضل دعمهم ود َ ْ‬
‫التركي‪ .‬قال وقد خرج علماء المسلمين والنصارى يستقبلونه على مشارف‬
‫القدس ‪ " :‬الن انتهت الحروب الصليبية "! وقول غورو الفرنسي وهو واقف‬
‫على قبر صلح الدين وهو يقول ‪ " :‬قم يا صلح الدين …‪!"..‬‬
‫العدوان على العالم السلمي‪ ،‬أمر يسري في دمائهم‪ ،‬غارقٌ في ضمائرهم‪،‬‬
‫يخرج من فلتات اللسان أو من دويّ التصريح‪.‬‬
‫وبعد هذه التصريحات اشتدت قضّية الصراع مع طالبان لتسليم أسامة بن‬
‫لدن لمريكا‪ ،‬وطالبت طالبان بالدلة التي تثبت إدانته قانونيا ً ليحاكم على‬
‫أساس السلم‪.‬‬
‫دت خطتها لغزو أفغانستان‪،‬‬ ‫ً‬
‫ن المر كان مقضي ّا به‪ ،‬فأمريكا كانت قد أع ّ‬‫ولك ّ‬
‫وغ هذا العدوان أمام حلفائها‪ ،‬وأمام العالم‪،‬‬ ‫وأخذت تترّقب الفرص لتس ّ‬
‫وجاءتها الفرصة واتفقت أوروبا وكذلك روسيا على هذا العدوان‪ ،‬بعد أن‬
‫رفعوا شعارا ً واحدا ً ‪" :‬الحرب على الرهاب "!‬
‫وأعلن الرئيس بوش آنذاك بأنه ليس من خيار ثالث ليّ أحد ‪ " :‬إما معنا في‬
‫قَبل موقف حيادي‪.‬‬ ‫دنا ومع الرهاب‪ ،‬ل ي ُ ْ‬ ‫ما ض ّ‬
‫هذه الحرب على الرهاب وإ ّ‬
‫طى هذا العلن مشارق الرض ومغاربها‪ ،‬واضطرب الكثيرون‪ ،‬وحار‬ ‫غَ ّ‬

‫‪136‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دد‪ .‬وكلما طلب أحد تحديد معنى‬ ‫مْعنى الرهاب لم يح ّ‬ ‫ن َ‬ ‫الكثيرون‪ ،‬ذلك ل ّ‬
‫دت الذان‬ ‫س ّ‬ ‫ّ‬
‫دت الفواه فل تتكلم‪ ،‬و َ‬ ‫الرهاب تجاهلت وسائل العلم ذلك‪ ،‬وس ّ‬
‫سمع الطلب ول اللحاح به‪.‬‬ ‫فل ت َ ْ‬
‫فما هي نتائج الحرب في أفغانستان ؟! وما هي الستراتيجيات الموضوعة‬
‫آنذاك في أفغانستان وعلقتها بما يدور الن في العراق وفلسطين ؟!‬
‫وهل أخذنا العبر والدروس وتمت الوقفة اليمانية على أساس من منهاج الله‬
‫حول هذه الحداث ؟!‬
‫إذا كان سقوط البرجين في )‪23/6/1422‬هـ ‪11/9/2001‬م( فإن تداعيات‬
‫الحرب والدعاية لها والتهديد بها‪ ،‬بدأ فورا ً في)‪24/6/1422‬هـ )‬
‫ن السبب الجوهري ليس سقوط البرجين‪.‬‬ ‫‪12/9/2001‬م( ذلك ل ّ‬
‫ن لواشنطن مطامع جاّدة في وسط‬ ‫مْعظم المحّللين السياسيين يؤكدون أ ّ‬
‫ّ‬ ‫ن ُ‬ ‫إ ّ‬
‫آسيا‪ ،‬في منطقة بحر قزوين‪ ،‬وأفغانستان‪ ،‬وسائر تلك المناطق‪ .‬وفي الوقت‬
‫نفسه كان لروسيا مطامع جاّدة‪ ،‬وكانت هذه المناطق تابعة للتحاد‬
‫السوفياتي فترة غير قصيرة‪ .‬وإنكلترا ومطامعها كالعادة فاغرة فاهها‪ ،‬باسطة‬
‫دوان‪ ،‬ومعها تاريخ طويل في أفغانستان‪.‬‬ ‫أيديها للعُ ْ‬
‫بعضهم يرى أن واشنطن تريد من تواجدها في وسط آسيا محاصرة الصين‪،‬‬
‫ن الهدف هو حماية أنظمة فاشّية في مناطق كانت خاضعة‬ ‫وآخرون يرون أ ّ‬
‫خل‬ ‫ن هذا التد ّ‬ ‫مدة‪ .‬ولك ّ‬ ‫متع ّ‬
‫من قبل للتحاد السوفياتي ولو بصورة غير ُ‬
‫درك روسيا من تاريخ‬ ‫ن تُ ْ‬ ‫ل مصدر قلق وغيظ لروسيا ‪ .‬ول ب ُد ّ أ ْ‬ ‫المريكي َيظ ّ‬
‫ن‬‫الحداث في المنطقة أّنها ساهمت بجلب أمريكا إلى مناطقها السابقة‪ .‬إ ّ‬
‫ي‬
‫وته العسكرية أ ّ‬ ‫دم بق ّ‬ ‫ق ّ‬‫جهة الّنظر الغربّية‪ ،‬ل ي ُ َ‬ ‫موقف روسيا‪ ،‬بالنسبة لو ْ‬
‫ما ي َْعتبرونه تهديدا ً‬ ‫ن َتقدم روسيا من حلول ل ِ َ‬ ‫مكن أ ْ‬ ‫إجابة شافية لهم حول ما ي ُ ْ‬
‫خف هذه الّناحية‪.‬‬ ‫ي لم ي ُ ْ‬ ‫محلي ّا ً ودولي ّا ً بوجود دولة طالبان‪.‬والعلم الغرب ّ‬
‫ي واضح حول ُقدرة روسيا العسكرية لمعالجة ما‬ ‫لقد كان هناك قلق غرب ّ‬
‫ي َْعتبرونه خطرا ً حقيقي ّا ً في داخل المنطقة وعلى المستوى الدولي من قيام‬
‫منع‬ ‫سّنة‪ ،‬ت َ ْ‬ ‫دولة إسلمية في وسط آسيا ُتطّبق السلم من خلل الكتاب وال ُ‬
‫منع الّزنا واختلط المرأة بالرجل‪ ،‬ول ترى مساواة المرأة‬ ‫الخمور وأشباهها‪ ،‬وت َ ْ‬
‫دول‪ ،‬وتمنع‬ ‫ّ‬
‫بالرجل وفق النظرة الغربّية‪ ،‬وتمنع الظلم بين الفراد وبين ال ّ‬
‫ظالم‪ ،‬وتقطع يد السارق‪ ،‬وتقيم سائر حدود السلم‪ ،‬وتنطلق‬ ‫دوان ال ّ‬ ‫العُ ْ‬
‫ن عَّبر عنه‬ ‫ْ‬ ‫أ‬ ‫سبق‬ ‫هذه‬ ‫مثل‬ ‫دولة‬ ‫قيام‬ ‫ن‬‫ّ‬ ‫إ‬ ‫ّ‬
‫له‪.‬‬ ‫ك‬ ‫العالم‬ ‫إلى‬ ‫السلمية‬ ‫بالدعوة‬
‫نيكسون في كتابه " نصر بل حرب " حين قال ‪ " :‬أمامنا عد ُّوان ‪ :‬الشيوعية‬
‫حتمل أو ل‬ ‫ل يريد أن يتسّلم زمام الحكم ليطّبق مبادئه التي ل ت ُ ْ‬ ‫والسلم‪ ،‬وك ّ‬
‫ُتطاق …‪! ".‬‬
‫ملها ! كيف تحجب المرأة عن الرجل فل‬ ‫نعم! إنها مبادئ ل يستطيعون َتح ّ‬
‫مى " إدارّية "‪ُ ،‬يديران فيها شؤون الفتنة‬ ‫تكون معه في مكتبه في خلوة تس ّ‬
‫والفساد‪ .‬إن أقوى رجل في الرض من حيث السلطة والنفوذ‪ ،‬وهو رئيس‬
‫الوليات المتحدة كلينتون‪ ،‬كان أضعف ما يكون أثناء خلوته مع " مونيكا‬
‫لوينسكي"‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫نعم ! إنها مبادئ ل يحتملونها لنها ستمنع نشر فضيحة كلينتون والفحش الذي‬
‫حتمل لنها‬
‫دار فيها على الناس‪ ،‬وبكل وسائل العلم‪ .‬نعم ! إنها مبادئ ل ت ُ ْ‬
‫تمنع الظلم والعدوان ونهب الشعوب وإفقارها تحت شعارات الحضارة‬

‫‪137‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الغربية !‬
‫نعم ! إنها مبادئ ل يحتملونها لنها تقيم العدل في الرض على أسس رّبانية‬
‫وتمنع الظلم‪ ،‬وهم ظالمون ل يعرفون العدل إل شعارًا‪!.‬‬
‫مصّرون على الظلم والعدوان ونهب‬ ‫إّنها قضّية خطيرة بالنسبة لهم‪ ،‬لّنهم ُ‬
‫الشعوب وتخديرها بالجنس وغير الجنس‪ ،‬ولّنهم عرفوا من خلل تجارب‬
‫لقرون طويلة عديدة مع السلم الذي ُأنزل على محمد صلى الله عليه‬
‫ق‬
‫وسلم‪ ،‬فوجدوا أّنه ل يمكن الدخول مع هذا الدين في مساومات على الح ّ‬
‫ول في تنازلت عنه‪ ،‬ول في قبول الظلم والعدوان في الرض أبدًا‪ .‬فليس‬
‫أمامهم إل حجزه أو منعه أو تدمير من ل يستجيب لهواهم ‪:‬‬
‫) أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيل ً (‪.‬‬
‫] الفرقان ‪[43 :‬‬
‫ل عقبة ل تستجيب‬ ‫ُ‬
‫من خلل هذه التجارب اقتنعوا أّنه لب ُد ّ من القضاء على ك ّ‬
‫درون لمحاربة الله‪ ،‬والله‬ ‫لطماعهم‪ .‬وأّول ذلك هو السلم‪ ،‬وهم بذلك يتص ّ‬
‫يملي للظالم حتى إذا أخذه لم ُيفلته‪ .‬وليس إصرارهم على تسليم فلسطين‬
‫ططهم لتدمير العالم السلمي أو‬ ‫لليهود إل أن تكون قاعدة رئيسة في مخ ّ‬
‫تحويله إلى عالم الفتنة والفساد والجرام‪.‬‬
‫كد هذا الّتجاه‪ .‬دعم الحركات التنصيرّية وبذل الموال الطائلة‬ ‫الحداث ك ُّلها ُتؤ ّ‬
‫لهم‪ ،‬ودعم مؤتمراتهم التي ُيجاهرون فيها بعداء السلم‪ ،‬وبرغبتهم في تحويل‬
‫المسلمين جميعا ً إلى النصرانّية‪ ،‬وبمنع قيام دولة مسلمة في البوسنة‬
‫مونه‬ ‫والهرسك‪ ،‬وبأيّ أرض أخرى‪ ،‬وبدعم أيّ انحراف عن السلم مما ُيس ّ‬
‫خترعون له من السماء والزخارف التي يظّنون أّنها‬ ‫السلم المعتدل‪ ،‬ومما ي َ ْ‬
‫ّ‬
‫ُتقّربه من الناس وُتحّببه إليهم‪ ،‬وقد َتعّهدوا بذلك ك ُله بالمال والعلم‪ ،‬كما ب َّين‬
‫ذلك نيكسون في كتابه الخير " اغتنام الفرصة ‪ " seize the moment‬أحداث‬
‫ل على تصميمهم على هذه الحرب‪ ،‬أي ُْعقل أل ي َْلتفت إليها‬ ‫حصر َتد ّ‬ ‫تكاد ل ت ُ ْ‬
‫المسلمون ؟! أيعقل مع توالي القوارع والحداث أل يستيقظ المسلمون‬
‫فيظّلوا في غفوتهم وتمّزقهم وهوانهم ؟! أُيعقل ذلك ؟!‬
‫خبثها هي محاولة شراء الضمائر بالمال‪ .‬فقد بسطت‬ ‫ن أشد ّ المحاولت و أ ْ‬ ‫إ ّ‬
‫مم القبائل والفراد سواء‬ ‫أمريكا يدها بالمال الوفير‪ ،‬يحمله عبيدها ليشتروا ذِ َ‬
‫مهم إلى صفوفها‪.‬‬ ‫في أفغانستان أو في العراق َوض ّ‬
‫ن هنالك كثيرين من‬ ‫فقد أعلن هذه الحقيقة سفير طالبان في باكستان‪ ،‬وأ ّ‬
‫الفغان أخذوا يتعاونون مع الغزاة ومع الحلف الشمالي تحت تأثير إغراء‬
‫دفق من الغزاة‪ .‬وقد انكشف هذا الخطر عندما بدأت تنسحب‬ ‫المال المت ّ‬
‫ن عددا ً من‬ ‫طالبان بصورة سريعة من معظم مناطقها‪ ،‬بعد أن اكتشف أ ّ‬
‫م شراؤهم‪.‬‬ ‫القادة في الخطوط المامية ت ّ‬
‫كرة‪ .‬فقد كان لها‬ ‫لقد كانت محاولت أمريكا لشراء بعض قبائل الفغان مب ّ‬
‫إلمام غير قليل بواقع القبائل الفغانية والعصبّيات الجاهلية الّثائرة بينها‪ .‬لقد‬
‫خْبرة خلل فترة الجهاد الفغاني ضد ّ التحاد السوفياتي‪ ،‬ومن‬ ‫جمعت هذه ال ِ‬
‫خلها وتقديمها المساعدات المالّية والمساعدة بالسلح‪.‬‬ ‫تد ّ‬
‫ي في أفغانستان‬ ‫وفي الوقت الذي كانت فيه أمريكا تحاول إقامة تحالف داخل ّ‬
‫ً‬
‫ي أيضا ضد ّ طالبان‪،‬‬ ‫ي خارج ّ‬ ‫ضد ّ طالبان‪ ،‬فإّنها كانت تحاول إقامة تحالف دول ّ‬
‫دون أن ت ُْعلن أهدافها الحقيقّية‪.‬‬
‫ي‪ ،‬واستفادت من‬ ‫حلف داخل ّ‬ ‫ْ‬ ‫استفادت أمريكا من الّتحالف الشمالي من أجل ِ‬
‫ن تقف ضد ّ‬ ‫روسيا وإيران‪ ،‬وبدا كأّنه لم يكن أمام باكستان من خيار إل أ ْ‬
‫الدولة التي أنشأتها‪ .‬واستغّلت ملك أفغانستان السابق ظاهر شاه البالغ من‬

‫‪138‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العمر )‪ (86‬عامًا‪ ،‬وهو بشتوني‪.‬‬


‫طوى المبادئ‬ ‫ي َْعجب المرء كيف يتساقط الناس وتتساقط الدول‪ ،‬وكيف ت ُ ْ‬
‫وة العسكرّية وأمام قوى الطغيان‪ ،‬مع اختلل الموازين‪.‬‬ ‫قَيم أمام الق ّ‬
‫وال ِ‬
‫رجل بلغ السادسة والثمانين من عمره مثل ظاهر شاه بقيت الدنيا تمل قلبه‪،‬‬
‫وشهوة الملك والرئاسة حتى سقط مع غيره في بيع بلده !‬
‫صارع لُتوّفر لها دورا ً‬‫ل الدول المذكورة ‪ :‬روسيا وإيران وباكستان‪ ،‬ت ُ َ‬ ‫وستظ ّ‬
‫في مستقبل أفغانستان‪.‬‬
‫كتبت الشرق الوسط في عددها )‪ (8474‬يوم السبت في ) ‪26‬ذي القعدة‬
‫‪1423‬هـ الموافق ‪9‬شباط ـ فبراير ـ ‪2002‬م( السنة ) ‪ (24‬أن الرئيس‬
‫اليراني السابق " علي أكبر هاشم رفسنجاني " أكد يوم الجمعة )‪ 25‬ذي‬
‫القعدة (‬
‫ن القوات اليرانية قاتلت طالبان‪ ،‬وساهمت‬ ‫في خطبته في جامعة طهران ‪ :‬أ ّ‬
‫واتهم في قتال طالبان لغرق المريكيون في‬ ‫في دحرها‪ ،‬وأّنه لو لم ُتساعد ق ّ‬
‫المستنقع الفغاني‪ .‬وتابع قائل ً ‪ " :‬يجب على أمريكا أن تعلم أّنه لول الجيش‬
‫سقط طالبان "‪.‬‬ ‫ن تُ ْ‬
‫ي ما استطاعت أمريكا أ ْ‬ ‫اليراني الشعب ّ‬
‫)‪(2 /‬‬

‫ن مساهمتهم كانت‬ ‫م ذلك‪ ،‬ولكّنه من الواضح أ ّ‬ ‫ضح رفسنجاني كيف ت َ ّ‬ ‫لم ُيو ّ‬
‫في داخل أفغانستان‪ ،‬مستفيدين من تلك اللحظات التي تكاتفت القوى على‬
‫طالبان‪ .‬وقال ‪ " :‬إن اتهام أمريكا ليران بإيواء عناصر من القاعدة أو‬
‫ن أسوأ ما فعله‬ ‫مسؤولين من طالبان اتهام باطل‪ ،‬فهؤلء خصوم للشيعة‪ ،‬وإ ّ‬
‫سماح بإنشاء طالبان " !‬ ‫المريكان ضدهم في الونة الخيرة هو ال ّ‬
‫كيف ينسجم هذا المنطق مع اّدعاءات إيران بضرورة التقارب بين الشيعة‬
‫والسنة؟!‬
‫ونشرت الحياة في عددها )‪ (14219‬يوم الجمعة في ) ‪1‬محرم ‪1423‬هـ‬
‫ن الرئيس اليراني عرض فتح حوار مع واشنطن‪.‬‬ ‫الموافق ‪15/3/2002‬م( أ ّ‬
‫ذر مرشد الجمهورية السلمية في إيران "آية الله علي خامنئي "‬ ‫فح ّ‬
‫المسؤولين من النجراف وراء الوهام‪ .‬وفي الوقت نفسه كشف نائب رئيس‬
‫مجلس الشورى اليراني الصلحي " محسن أرمين " وجود اتصالت بين‬
‫طهران وواشنطن " على رغم تأّزم العلقات ومن أجل السيطرة على‬
‫الزمات والتعّرف على خطط الطرف المريكي دون وسيط "!‬
‫م في " فيينا " قبل بضعة أشهر بين دبلوماسيين‬ ‫ن لقاًء ت ّ‬
‫وكتبت الحياة أ ّ‬
‫إيرانيين وأمريكيين قبل بدء الحملة العسكرية على أفغانستان‪ .‬وأشارت‬
‫مصادر في طهران إلى قيام لقاءات مماثلة في نيقوسيا وأنقرة ‪ ,‬وتزامنت‬
‫تصريحات " آرمين " مع دعوة رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس‬
‫واب إيرانيّين بزيارة واشنطن‪.‬‬ ‫الشيوخ المريكي "جوزف بيدن " إلى قيام ن ّ‬
‫ودعا الصلحّيون اليرانّيون إلى حوارات مع المؤسسات المريكّية غير‬
‫كرين المريكيّين‪.‬‬ ‫الحكومّية وأعضاء الكونغرس‪ ،‬ومع المف ّ‬
‫هذا خلل الفترة التي أعلن الرئيس بوش فيها عن " محور الشر "‪.‬الذي كان‬
‫منه إيران‪ ،‬وعن التهديدات المصاحبة لعلن محور الشر‪ .‬ويبدو أن محادثات‬
‫كلت أساسا ً لتدخل أورّبي للحد ّ من التوّتر‬ ‫خاتمي في فيّنا كما في أثينا قد ش ّ‬
‫كد خاتمي استعداد بلده لحوار مع واشنطن‪ .‬وقال ‪:‬‬ ‫بين طهران وواشنطن‪ .‬وأ ّ‬
‫" أنا واثق من أّنه في حال أن خطا المريكيون خطوة وأظهروا حسن نّيتهم‬

‫‪139‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن الشعب اليراني العظيم مستعد ّ لجراء حوار ومحادثات مثمرة‬ ‫تجاهنا‪ ،‬فإ ّ‬
‫وعلى قدم المساواة "‪.‬‬
‫مونه قبل حين‬ ‫ن كانوا ُيس ّ‬ ‫م ْ‬‫ن مثل هذه الخدمات تقّربهم م ّ‬ ‫ن هؤلء أ ّ‬ ‫وظ ّ‬
‫ن تنازلهم‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫نوا‬‫ّ‬ ‫ظ‬ ‫آخرون‬ ‫هؤلء‬ ‫سبق‬ ‫ولقد‬ ‫ـ‬ ‫أمريكا‬ ‫ـ‬ ‫الكبر‬ ‫بالشيطان‬
‫ن كل الذين‬‫ّ‬ ‫أ‬ ‫لمنا‬ ‫ّ‬ ‫ومراءاتهم للشيطان الكبر يقّربهم إليه‪ .‬وجاء التاريخ ي ُعَ‬
‫تنازلوا عن دينهم ورسالتهم كانوا أّول ضحايا من تنازلوا إليهم ومن خضعوا‬
‫لهم ذّلة ومراءاة وطلبا ً للدنيا‪.‬‬
‫ماري ويتنازل أّنه سيفقد رضاء الله وعونه‪،‬‬ ‫سّنة الله ماضية فيمن ي ُ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫ذلك أ ّ‬
‫ن والهم‪.‬‬ ‫م ْ‬‫ويفقد احترام َ‬
‫ل ُيعقل أن ُيحصر هدف أمريكا بالمطالبة برأس أسامة بن لدن ! الهداف‬
‫ل بترول بحر قزوين‬ ‫سيظ ّ‬ ‫واسعة جد ًّا‪ ،‬أهداف الجشعين الطامعين المجرمين َ‬
‫وضع أطماع أمريكا التي ل تقف عند حد‪.‬‬ ‫م ْ‬ ‫ي َ‬‫وبترول إيران والعالم العرب ّ‬
‫دعم منذ سنة)‪1416‬هـ ‪1996‬م(‪.‬‬ ‫وروسيا كانت تمد ّ التحالف الشمالي بال ّ‬
‫دهم بالمستشارين والخبراء والطيارين‪ .‬وكانت طائراتهم تقصف‬ ‫كانت تم ّ‬
‫ً‬
‫ن سياسة المريكان كانت أبعد نظرا‪ ،‬فقد‬ ‫ن وآخر‪ .‬ويبدو أ ّ‬ ‫طالبان بين حي ٍ‬
‫أعطت طاجكستان )‪3‬مليين ( دولر لمحاربة الجفاف والقحط‪ ،‬فقابلت‬
‫سمحت للمريكان باستخدام مطاراتهم في حربهم في‬ ‫ن َ‬ ‫طاجكستان ذلك بأ ْ‬
‫أفغانستان‪.‬‬
‫وفي الوقت الذي دعا فيه علماء المسلمين في القوقاز إلى وقف القصف‬
‫المريكي في أفغانستان في شهر رمضان ) المر الذي رفضته أمريكا وكثفت‬
‫قصفها كالعادة في شهر رمضان المبارك (‪ ،‬طلب الرئيس الفغاني المخلوع‬
‫دات‬ ‫برهان الدين رباني من الرئيس التركي أحمد نجدت سيزر‪ ،‬أسلحة ومع ّ‬
‫عسكرّية لسحق طالبان‪.‬‬
‫وأبدى رحمانوف خلل محادثاته مع الرئيس التركي استعداد بلده لوضع‬
‫مطاراتها تحت تصرف الئتلف الدولي المناوئ للرهاب‪ .‬وقد عرضت‬
‫طاجكستان استخدام مطارين عسكريين في مدينتي "قلب " و"كرغان تبة "‬
‫القريبين من الحدود الفغانية‪ .‬إضافة إلى مطار " جوخند " المدني في شمال‬
‫البلد‪ ،‬إضافة إلى مستشفيات عسكرّية لمعالجة الجرحى والمصابين‬
‫المريكان‪.‬‬
‫ن بلده تريد أن يقوم في كابل حكومة صديقة‪ ،‬وأنه من حق‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫رحمانوف‬ ‫وأ ّ‬
‫كد‬
‫الدول المجاورة أن يكون لها رأي مسموع في هذه الحكومة‪.‬‬
‫أما في تركيا ! فقد نقل مستشار الرئيس التركي للشؤون الدولية " شابان‬
‫إيلدن " أن ‪ %90‬من أفراد القوات الخاصة التركية سيتولون تدريب قوات‬
‫دد‬
‫التحالف الشمالي والشراف على نقل المساعدات النسانية وتوزيعها‪ .‬وش ّ‬
‫على أن تركيا ترفض مشاركة " طالبان "في أي حكومة مقبلة‪.‬‬
‫وباكستان ! فقد أعلن الرئيس "برويز مشرف " استعداد بلده للتعاون مع‬
‫أمريكا والتحالف الدولي لمحاربة الرهاب‪ ،‬وتقديم المساعدات اللوجستية‬
‫والستخبارية وغيرها‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ن محادثاته مع المسؤولين الفرنسيين في باريس‬‫صّرح أ ّ‬


‫وفي زيارته لفرنسا َ‬
‫أظهرت إجماعا ً تاما ً في وجهات النظر الفرنسية والباكستانية‪ .‬كما صرح أن‬
‫رئيس وزراء فرنسا " ليونيل جوسبان " أكد عزمه على معالجة مشكلتها‬

‫‪140‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫القتصادية‪ .‬وأّنه أشاد بشجاعة باكستان واتخاذها هذا الموقف الجريء‬


‫وتفهمها للواقع‪.‬‬
‫ن القضاء على ابن لدن وزعيم طالبان‬ ‫ذر مسؤولون في البنتاغون آنذاك أ ّ‬ ‫وح ّ‬
‫م‬‫المل ّ محمد عمر‪ ،‬ل يعني نهاية الحملة العسكرية على أفغانستان‪ .‬و حتى يت ّ‬
‫ن المر يتطلب إرسال المزيد من القوات المريكية إلى أفغانستان‬ ‫ذلك فإ ّ‬
‫ن هذه القوات تحتاج إلى وقت طويل‪ ،‬وربما إلى سنوات‪ ،‬حتى تحقق‬ ‫وأ ّ‬
‫الهداف المرجوة منها !! وأخذ هذا المعنى يتكّرر ويترّدد على ألسنة‬
‫وة من‬ ‫مسؤولين كبار في أمريكا تدور كلها حول تحقيق الهداف المرج ّ‬
‫دد الهداف‬ ‫ل‪ .‬ولكن ل أحد يح ّ‬ ‫الحملة على أفغانستان ستستغرق زمنا ً طوي ً‬
‫ويعلنها‪ .‬وقد أعلن ذلك بوش نفسه وكبار أركان إدارته منذ بدء الحملة على‬
‫أفغانستان‪.‬‬
‫ً‬
‫م جد ّا أن يتفّهم‬ ‫وصّرح نائب وزير الدفاع المريكي "وولفوتيز" ‪ " :‬من المه ّ‬
‫ً‬
‫ن أهدافنا في أفغانستان ل تزال كبيرة جدا ويجب علينا‬ ‫الشعب المريكي بأ ّ‬
‫ن أعداءنا الذين لحقت بهم نصف الهزيمة يمكن أن يكونوا‬ ‫تحقيقها‪ ،‬وأ ّ‬
‫ن‬‫خطرين جد ًّا‪ ،‬وربما يمضي وقت طويل قبل القضاء عليهم "‪ ،‬وأضاف ‪ " :‬إ ّ‬
‫قدا ً وخطيرا ً "‪ ،‬وأضاف نائب وزير الدفاع‬ ‫الوضع في أفغانستان ل يزال مع ّ‬
‫م قتل عدد من رجال القاعدة‪ ،‬ولكن من المستحيل تقويم عدد‬ ‫المريكي أّنه ت ّ‬
‫القتلى‪ ،‬ول يزال الكثيرون أحرارًا‪ ،‬وما قتلناه حتى الن يكون عددا ٌ قلي ً‬
‫ل‪.‬‬
‫ن عناصر القاعدة متوّزعون في أكثر من )‪ (60‬بلدا ً بينها أمريكا‪.‬‬ ‫كما أوضح أ ّ‬
‫والقضاء على جزء ل يعني القضاء عليه كّله‪ .‬وأعلن أنه تم القبض على اثنين‬
‫أو ثلثة من القادة في حركة طالبان اعتقلتهم المعارضة‪ .‬و قوات القاعدة‬
‫قي علينا كثير ‪.‬‬ ‫دة‪ .‬والعمل المتب ّ‬ ‫المتحصنون في الكهوف والنفاق ُتقاتل بش ّ‬
‫وخلل هذه الجواء كانت الخطط جاهزة لضرب العراق‪،‬فقد قال الدميرال‬
‫ن الرئيس بوش ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد أوضحا أّنه ل بد ّ‬ ‫جون ‪ " :‬إ ّ‬
‫للعراق أن يتخلص من أسلحة الدمار الشامل‪ ،‬وعليه أن يسمح للمفتشين‬ ‫ّ‬
‫الدوليين بالعودة‪ ،‬وإن لم يسمح فهناك طرق عدة للتفكير في المر‪".‬‬
‫ن الرئيس قال منذ البداية في خطابه أمام الكونجرس‬ ‫وأضاف وولفويتز ‪ ":‬إ ّ‬
‫ن الحملة ضد ّ الرهاب حملة طويلة‪ ،‬وليست ضد القاعدة وطالبان فقط‪،‬‬ ‫إ ّ‬
‫فهناك )‪ (60‬بلدا للقاعدة وجود فيها‪ ،‬وهناك مشكلة الدول الداعمة للرهاب‬ ‫ً‬
‫ول بد ّ من حلها‪(1)".‬‬
‫كدها الدارة في خطاب بعد‬ ‫لبد ّ من وقفة هنا ‪ :‬ما هي هذه الهداف التي تؤ ّ‬
‫خطاب‪ ،‬وتصريح بعد تصريح ؟!‬
‫هل الهداف هي القاعدة وامتدادها وطالبان ؟!‬
‫قا ً محاربة الرهاب ؟!‬ ‫هل الهداف ح ّ‬
‫ددون معنى الرهاب ؟!‬ ‫ولماذا ل يح ّ‬
‫أليست دولة اليهود المغتصبة دولة عدوان وظلم وإرهاب‪ ،‬وأسلحة تدمير‬
‫شامل ؟! فلماذا ل أحد في الرض يشير إلى هذا الرهاب ‍‬
‫؟‬
‫ن لمريكا ومن‬ ‫من مجمل التصريحات يمكن أن نخرج بنتيجة واضحة هي أ ّ‬
‫طة طويلة المدى موضوعة منذ زمن طويل‪ ،‬يمضون‬ ‫معها من دول الغرب خ ّ‬
‫بها على مراحل يستهدفون العالم السلمي وثرواته‪ ،‬ومناطق أخرى في‬
‫العالم‪ ،‬وجعلوا من دولة اليهود قاعدة أساسية في سياستهم في المنطقة‪،‬‬
‫دد بها المنطقة‬ ‫لتكون قاعدة فكرّية وسياسية واستخباراتية وعسكرية‪ ،‬ولته ّ‬
‫كّلها ورّبما لم ينكشف دورها الكامل حتى الن‪ ،‬ولكنه سينكشف قريبا !‬
‫ً‬
‫طتهم اليوم هو قضية الرهاب‪ ،‬ومحاربة الرهاب‪ ،‬ليّتهموا‬ ‫ن مفتاح خ ّ‬ ‫ويبدو أ ّ‬

‫‪141‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م يستحّلون دمه‪،‬‬ ‫من يشاؤون به‪ ،‬ثم ل يكون له حق الدفاع عن نفسه‪ ،‬ث ّ‬
‫وأرضه وبلده‪ ،‬بلدا ً بعد بلد‪ ،‬ودارا ً بعد دار‪.‬‬
‫مروا ويعتدوا‪ .‬واليوم‬‫لقد كانوا يستغّلون فيما مضى تهمة الشيوعية ليقتلوا ويد ّ‬
‫يستغّلون قضّية الرهاب‪.‬‬
‫هل العالم كّله راض عن هذه المظالم‪ ،‬وما يتسّببه من ردود فعل ل ندري‬
‫مداها؟! هل يقف العالم مكتوف اليدي مستخذيا ً أمام الديكتاتورية العاتية ؟!‬
‫إّني أرى فيها آية من آيات الله وعبرة وعظة‪ ،‬والقلوب قاسية ل تعتبر ول‬
‫تقبل الموعظة ! ولله المر من قبل ومن بعد‪ ،‬وله الملك كله‪ ،‬يقضي بما‬
‫يشاء والذين يدعون من دونه ل يقضون بشيء‪ ،‬وقضاؤه حق عادل حكيم !‬
‫ول حول ول قوة إل بالله !‬
‫ن بذلت أمريكا هذا الجهد والمال‬ ‫َ‬
‫ومن هذه العتبارات والحداث‪ ،‬أب َعْد َ أ ْ‬
‫ً‬
‫والعتاد‪ ،‬فهل ستترك أفغانستان أو العراق يوما ما عن طيب خاطر ؟!‬
‫وكذلك ما هو البلد الخر الذي تنوي أمريكا احتلله بعد أفغانستان والعراق؟!‬
‫فهل هو "محور الشر " الذي أعلن عنه الرئيس بوش !‬
‫مر عمائرها وتجعل من ساحاتها‬ ‫مة تقتل نفسها وتد ّ‬ ‫أصبح واقع أفغانستان أ ّ‬
‫أراضي قاحلة‪ .‬خسرت كل شيء!‬
‫أين شعارات السلم ؟‬
‫؟!‬
‫أين اليمان بالله وأين خشيته ‍‬
‫أين القيم والمبادئ التي يتغنى بها الدعاة والقادة والمجاهدون ؟!‬
‫زم السلم ؟!‬ ‫هذه النتائج تحتاج إلى وقفة حقيقية‪ ،‬لنتساءل هل هُ ِ‬
‫)‪(4 /‬‬

‫دعون أنهم يحملون السلم‪ ،‬فمضت عليهم سنة الله‬ ‫زم الذين ي ّ‬
‫كل ! لقد هُ ِ‬
‫حص ما في قلوبهم وصدورهم‪.‬‬ ‫في أن يبتلي عباده وُيم ّ‬
‫ق‬
‫دم إلى العالم بهذه المآسي صورة مشرقة أمينة عن السلم ! من ح ّ‬ ‫لم نق ّ‬
‫الناس أن يتساءلوا أهذا هو السلم الذي يريدوننا أن ندعى إليه ؟!‬
‫كل ! ليس هذا هو السلم !‬
‫و ل هو الستسلم والخضوع والذلة والهوان !‬
‫السلم أعظم ما تحتاجه البشرية كلها‪.‬‬
‫والسلم يحتاج إلى دعاته !‬
‫ن الجهاد في أفغانستان استحوذ على قلوب الجماهير المسلمة في المرحلة‬ ‫إ ّ‬
‫الولى وهم يجاهدون ضد السوفيات‪ .‬فاندفع عشرات اللف من مختلف‬
‫مناطق العالم إلى ميدانه‪ ،‬يدفعهم إيمانهم وعاطفتهم‪ ،‬وبشائر النصر التي‬
‫كانت تلوح في الفق‪.‬‬
‫جدوا رّواده ودعاته‪ .‬وتناوله العلم تناول ً‬ ‫جد الجميع يومئذ هذا التجاه‪ ،‬وم ّ‬ ‫وم ّ‬
‫ً‬
‫دافعا للعواطف وملهبا للحماسة‪.‬‬ ‫ً‬
‫ولم يكن يدري هؤلء أنهم سيصبحون بعد حين مجرمين يطاردون‪ ،‬ومتهمين‬
‫كمون‪ ،‬وإرهابيين ظالمين‪ ،‬تطاردهم أمريكا وأوروبا ودول أخرى كثيرة !‬ ‫حا َ‬‫يُ َ‬
‫لم يكن يخطر ببالهم هذا المصير أبدا‪ً.‬‬
‫ولم يكن يخطر ببالهم أن الشعب الفغاني أو بعضهم سيحاربهم ويسلمهم‬
‫إلى أعدائهم مقابل دريهمات معدودة !‬
‫أين المشكلة إذن ؟!‬
‫لماذا تتكرر الهزائم في معظم الميادين أو فيها كلها ؟!‬

‫‪142‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إذا كان السلم في قلوبنا صادقا ً وإذا كان ديننا واحدًا‪ ،‬فهل ُيعقل أن نتمّزق‬
‫هذا التمّزق؟!‬
‫هل هناك خلل كبير في واقع المسلمين !‬
‫ربما خطط العداء لشعال نار الفتنة بين المسلمين !‬
‫ربما خططوا لتجهيل المسلمين !‬
‫وربما خططوا لتمزيق المسلمين ! وخططوا لنحرافهم !‬
‫حتى لو كان هذا كّله حقا ً فمن المسؤول ؟! نحن المسؤولون ونحن‬
‫المحاسبون ونحن الملومون‪ ،‬لن العداء دخلوا من الّثغرات التي فتحناها‬
‫لهم‪ ،‬دخلوا من بين ضعفنا وهواننا وجهلنا ! دخلوا من خلل كبرنا وغرورنا‬
‫حتى عميت بصائرنا فلم نعد نرى عيوبنا وأخطاءنا‪ ،‬ولم نعد نريد أن نعرفها‪،‬‬
‫تملكنا الكبر والغرور ! نحن المسؤولون والملومون لّنه حارب بعضنا بعضًا‪،‬‬
‫فتمزقت أخوة السلم ! وتقطعت روابط اليمان !‬
‫حي َْينا المراء والنفاق‪،‬‬
‫نحن المسؤولون والملومون لننا قتلنا النصيحة بيننا‪ ،‬وأ ْ‬
‫طمست الدرب أمامنا ولم نعد‬ ‫عادينا الناصح‪ ،‬وأحببنا المنافق والمرائي‪ ،‬ف ُ‬
‫نرى الصراط المستقيم !‬
‫مم ؟!‬ ‫فو الن ّْهج والهِ َ‬ ‫ص ْ‬
‫دعاة و َ‬ ‫أين ال ّ‬
‫‪...‬‬
‫‪...‬‬
‫خد ٍَر‬‫ن …؟! في ل َهْوٍ وفي َ‬ ‫أين المليي ُ‬
‫ميهِ بالّتهم‬ ‫ب أو أر ِ‬ ‫بي المصائ ُ‬
‫‪...‬‬
‫‪...‬‬
‫ت‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫مالي ألوم عدّوي كلما ن ََزل ْ‬
‫مم‬‫ت في النفس إل زّلةاّلل َ‬ ‫حمل ُ‬
‫‪...‬‬
‫‪...‬‬
‫ً‬
‫وأّدعي أبدا أني البريُء وما‬
‫ه غيري من المم‬ ‫حمل ُ ُ‬ ‫وليس ي ْ‬
‫‪...‬‬
‫‪...‬‬
‫ه‬‫مل ُ ُ‬
‫ح ِ‬
‫م‪ ..‬فعهد الله أ ْ‬ ‫مُلو ُ‬ ‫أنا ال َ‬
‫أخذ العزيز بليل واسع النقم‬
‫‪...‬‬
‫‪...‬‬
‫والمجرمون هم ! والله يأخذهم‬
‫صدق واليمان والشمم‬ ‫عزائم ال ّ‬
‫‪...‬‬
‫‪...‬‬
‫إذا نهضنا لعهد الله وانطلقت‬
‫تملكنا الكبر والغرور‪ ،‬حتى أصبح كل يقول أنا الذي سأنقذ المة وأقيم‬
‫ل فئة أطلقت شعاراتها بذلك‪ ،‬فإذا اختلف‬ ‫السلم‪ ،‬أنا وحدي سأفعل ذلك ! ك ّ‬
‫الحال تغّير الشعار أو دارت الفتاوى والجتهادات‪ ،‬وما أيسرها اليوم‪.‬‬
‫ن قال أنا الذي سآتي بالنصر‪ ،‬أصبح يذوق مّر الهزيمة‬ ‫م ْ‬
‫وجاءت اليام‪ ،‬فإذا َ‬
‫وذلها وهوانها ‪:‬‬

‫‪143‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ليس الذي ! يا ويل من لم يعدل !‬


‫‪...‬‬
‫‪...‬‬
‫ل يقول أنا الذي فإذا الذي‬ ‫ك ّ‬
‫أصبح واقع أفغانستان مؤلما ً محزنا ً مزريًا‪ ،‬القتال بين الفئات المختلفة‬
‫مستمّر‪ ،‬التدمير مستمّر‪ ،‬انتشار زراعة الفيون والمتاجرة بها‪ ،‬سيطرة‬
‫بعضهم على وليته يجبي الضرائب ويقطع الطريق‪ ،‬ويعتدي على الناس‪،‬‬
‫وعلى النساء وينهب الموال‪ ،‬ويتاجر بالمخدرات وبأيّ شيء يقع بين يديه‪.‬‬
‫واختفى المن ! كأنما كان شبحا ً ثم اختفى ! اختفى بأيدي الناس أنفسهم‪،‬‬
‫جرت‬ ‫بعد أن عصف الهوى‪ ،‬هوى القبيلة والحزبّية والعصبيات الجاهلّية التي تف ّ‬
‫لهيبا ً وفتنا ً ودمارا ً !‬
‫هزمت طالبان ؟‬ ‫والسؤال لماذا ُ‬
‫حمل رسالة الله وتدعو إلى تحكيم السلم ؟!‬ ‫ت وهي ت َ ْ‬ ‫هزم ْ‬‫لماذا ُ‬
‫ّ‬
‫ت والّنصر والهزيمة بيد الله‪ ،‬والمر كله لله ؟!‬ ‫هزم ْ‬‫لماذا ُ‬
‫دة والعدد‪ ،‬وبين دولة‬ ‫ن المعركة بين دولة ضعيفة الع ّ‬ ‫السباب كثيرة‪ .‬وأولها أ ّ‬
‫هي أكبر دولة في الرض‪ ،‬غزت البلد بأخطر أنواع أسلحة الدمار وأفتكها‬
‫وأحدثها‪ ،‬وغزا معها وأّيدها عدد غير قليل من الدول النصرانّية العلمانّية‪.‬‬
‫فالمعركة محسومة النتائج في جولتها هذه بكل ميزان‪ .‬ودولة طالبان َتخّلى‬
‫عنها الكثيرون وبقيت وحدها في الميدان ‪.‬‬
‫دة أطول وتقّلل من خسائرها لول خيانة عدد‬ ‫مكن لها أن تصمد م ّ‬ ‫ن كان ي ُ ْ‬‫ولك ْ‬
‫صّرح به سفيرها في باكستان‬ ‫غير قليل من قادتها في الجبهة المامّية‪ .‬كما َ‬
‫وما أعلنه صريحا ً بليغًا‪.‬‬
‫طمنا طالبان بسبعين مليون دولر " وهذا يعني‬ ‫ح ّ‬
‫وصّرح بوش قائل ً ‪ " :‬إّننا َ‬
‫أنهم اشتروا الذمم والنفوس بالدولر‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫ي في أفغانستان مضى عليه‬ ‫هنا نحتاج إلى وقفة طويلة‪ .‬فالعمل السلم ّ‬ ‫و ُ‬
‫شترى‬ ‫دة غير قليلة لم ي ُْبن فيها " الجيل المؤمن المتماسك " الذي ل ي ُ ْ‬ ‫م ّ‬
‫دولر ول بغيره‪ .‬لقد كان بناء المسلمين ضعيفا‪ً.‬‬ ‫بال ّ‬
‫دة في مناطق‬ ‫وهذه الظاهرة لم تكن محصورة في أفغانستان‪ ،‬ولكّنها ممت ّ‬ ‫ّ‬
‫ن هؤلء الضعفاء‪ ،‬في‬ ‫صادقين التائبين‪ ،‬إل أ ّ‬ ‫كثيرة‪ ،‬بالّرغم من وجود القوياء ال ّ‬
‫جسم المة وميدانها‪ ،‬يكونون عادة سببا ً رئيسا ً للهزيمة‪.‬‬
‫ح بصفوف ممّزقة بعضها‬ ‫صل ُ‬
‫ف متساند من العداء ل ي َ ْ‬ ‫ن خوض معركة مع ص ّ‬ ‫إ ّ‬
‫معزول عن بعض‪ ،‬وبعضها ُيحارب بعضًا‪.‬‬
‫ن البناء يجب أن يكون متينًا‪ ،‬ل َيخترقه العداء بالمال والزخرف وشهوات‬ ‫إ ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الدنيا‪ .‬لقد استطاعت أمريكا وغيرها أيضا أن يشتروا نفوسا كثيرة بوسائل‬
‫ن ُقوى الجرام أّيام‬ ‫مختلفة من الغراءات والفتنة في عالمنا اليوم‪ .‬ولك ّ‬
‫ف المؤمنين المّتقين‪ ،‬ول أن تشتري‬ ‫ن تخترق ص ّ‬ ‫وة الخاتمة لم تستطع أ ْ‬ ‫النب ّ‬
‫أحدا منهم‪ .‬وحسبك أن ترى موقف كعب بن مالك رضي الله عنه‪ ،‬وكان أحد‬ ‫ً‬
‫منع المسلمون أن ُيكّلموهم واشتد ّ‬ ‫ن ُ‬
‫م ْ‬ ‫خّلفوا عن غزوة تبوك‪ ،‬وم ّ‬ ‫الثلثة الذين ُ‬
‫ي من أنباط الشام يسأل عن كعب رضي الله عنه‪،‬‬ ‫م جاء نبط ّ‬ ‫عليهم المر‪ .‬ث ّ‬
‫سان‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فأشار الناس إليه حتى يدلوه ول ُيكلموه‪ .‬فدفع إليه كتابا من ملك غ ّ‬
‫ن الله لم‬ ‫ن صاحبك قد جفاك‪ ،‬وأ ّ‬ ‫ما بعد فقد بلغنا أ ّ‬ ‫فقرأه‪ ،‬فإذا فيه ‪ " :‬أ ّ‬

‫‪144‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يجعلك في دار هوان ول مضيعة ‪ ،‬فالحق بنا نواسيك " فقال كعب ‪ " :‬وهذا‬
‫ت به التّنور فسجْرُته به‪ .‬حتى إذا مضت أربعون‬ ‫مم ُ‬ ‫أيضا ً من البلء "‪ .‬قال ‪ :‬فتي ّ‬
‫ليلة من الخمسين إذا برسول رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني‬
‫يقول ‪ :‬يأمرك رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تعتزل امرأتك‪ .‬قال‬
‫طلقها أم ماذا أفعل ؟ فقال ‪ :‬بل اعتزلها ول َتقرْبها‪ .‬قال وأرسل‬ ‫فقلت ‪ :‬أ ُ ّ‬
‫خّلفوا ( بمثل ذلك‪ .‬فقلت لمرأتي الحقي‬ ‫ي ) من الثلثة الذين ُ‬ ‫إلى صاحب ّ‬
‫صة …‬ ‫بأهلك فتكوني عندهم حتى يقضي الله " إلى آخر الق ّ‬
‫هذه مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وهذا هو الجيل المؤمن الذي بناه‪،‬‬
‫مة السلم التي قال عنها الله سبحانه وتعالى ‪:‬‬ ‫وهذه هي أ ّ‬
‫مة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر‬ ‫) كنتم خير أ ّ‬
‫ً‬
‫وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم‬
‫الفاسقون (‬
‫] آل عمران ‪[ 110 :‬‬
‫حمل‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫خرجت للناس حين ت َ ْ‬ ‫مة أ ْ‬ ‫ن خير أ ّ‬ ‫مة المسلمة الواحدة‪ ،‬تكو ُ‬ ‫هذه هي ال ّ‬
‫فا واحدا كالبينان المرصوص‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الخصائص اليمانية الرّبانية‪ ،‬وحين تكون ص ّ‬
‫وحين يكون أبناؤها وجنودها حملة لرسالة الله‪ ،‬ي َْعرضونها للبشرّية ك ُّلها بيانا ً‬
‫ة إيمانية‪.‬‬ ‫ف وممارس ً‬ ‫وبلغًا‪ ،‬وتعّهدًا‪ ،‬وسلوكا ً ومواقِ َ‬
‫مت‬ ‫ُ‬
‫مة المسلمة الواحدة‪ ،‬اشترى الله منهم أنفسهم وأموالهم‪ ،‬وت ّ‬ ‫هذه هي ال ّ‬
‫صل‪،‬‬ ‫الصفقة وثمنها الجّنة‪ ،‬وتوّثق البيع والشراء بعهد عظيم وميثاق صادق مف ّ‬
‫فما عاد أحد من الناس يستطيع أن يشتريهم بزخرف من الدنيا زائل‪ ،‬أو‬
‫يضّلهم عن سبيل الله‪.‬‬
‫فا ً كالبنيان المرصوص‪ ،‬الولء الّول لله‬ ‫مة المسلمة الواحدة ص ّ‬ ‫هذه هي ال ّ‬
‫ب الكبر لله ورسوله‪ ،‬ومن هذا الولء الّول‬ ‫وحده‪ ،‬والعهد الّول لله‪ ،‬والح ّ‬
‫ل عهد وكل‬ ‫ل موالة في الحياة الدنيا‪ ،‬وك ّ‬ ‫ُ‬
‫ب الكبر َتنبع ك ّ‬ ‫والعهد الّول والح ّ‬
‫ب‪.‬‬‫ح ّ‬
‫ً‬
‫فلنقارن حال بحال‪ ،‬وواقعا بواقع‪ ،‬وبناء ببناء‪ ،‬وجيل بجيل‪ .‬ومن مثل هذه‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫المقارنة في وقفة إيمانية تقوم على ميزان أمين‪ ،‬ميزان منهاج الله‪ ،‬نعرف‬
‫أخطاءنا ونعرف وسائل العلج‪.‬‬
‫ن المعالجة ل تكون‬ ‫نعرف من ذلك‪ ،‬من الوقفة اليمانية والمقارنة اليمانّية‪ ،‬أ ّ‬
‫طة‬ ‫خ ّ‬
‫ُ‬ ‫وال‬ ‫المتكامل‬ ‫م بالّنهج‬ ‫شعارات ول بالعمال الرتجالية‪ ،‬ولكّنها تت ّ‬ ‫بال ّ‬
‫طة من منهاج الله‪ ،‬وَنرّده إلى منهاج الله‪.‬‬ ‫خ ّ‬ ‫المدروسة‪ ،‬حين ي َْنبع النهج وال ُ‬
‫صلة الجامعة التي تقوم ك ُّلها‬ ‫دراسات المف ّ‬ ‫دم له ال ّ‬ ‫إلى هذا النهج ندعو‪ ،‬وُنق ّ‬
‫دعوة السلمّية " ببنودها وعناصرها‬ ‫ُ‬
‫مة لل ّ‬ ‫ميه ‪ " :‬النظرّية العا ّ‬ ‫على ما أس ّ‬
‫طتها وأهدافها‪.‬‬ ‫وخ ّ‬
‫ي لحاجة الواقع قاعدة‬ ‫وكذلك ليكون هذا النهج النابع من منهاج الله والملب ّ‬
‫دار الخرة‪.‬‬ ‫للقاء المؤمنين المّتقين الذين يرجون الله وال ّ‬
‫ضِعف‬‫ن هذا التمّزق الذي نعيشه‪ ،‬وعدم رد ّ المور إلى منهاج الله‪ ،‬ي ُ ْ‬ ‫إ ّ‬
‫دخل منها العداء والمنافقون‪،‬‬ ‫فتح ثغرات واسعة ي َ ْ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫المسلمين إضعافا كبيرا‪ ،‬وي َ ْ‬
‫سهل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ويأخذون المسلمين الممّزقين قطعة قطعة‪ ،‬وبلدا بلدا‪ِ ،‬قطعا متناثرة ي َ ْ‬
‫سهل غزوها‪ .‬إّنهم ينتقلون عندئذ من بلد إلى بلد‬ ‫أخذها‪ ،‬وديارا ً متفّرقة ي َ ْ‬
‫طة مدروسة لديهم‪ ،‬ل يكاد يشعر هذا البلد أو ذاك‬ ‫خ ّ‬ ‫ستعينين ببلد آخر‪ ،‬على ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫ن المعركة قادمة إليه !‬ ‫أ ّ‬
‫)‪ (1‬جريدة الشرق الوسط على النترنت ‪11/12/2001 :‬م‪.‬‬

‫‪145‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫قد عقدنا العزم أن تحيا فلسطين‬


‫العكام‬
‫أما بعد ‪ ،‬أيها الخوة المؤمنون ‪:‬‬
‫منذ يومين احتفلنا بذكرى الجلء أو بذكرى الستقلل ‪ ،‬فلقد مر السابع عشر‬
‫من نيسان منذ يومين ‪ ،‬والسابع عشر من نيسان هو ذكرى الستقلل أو‬
‫ضل أن أسميه ذكرى الجلء ‪ ،‬لن المستعمر ُأجلي ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫الجلء ‪ ،‬وإن كنت أفَ ّ‬
‫على كل ‪ :‬فكرت بيني وبين نفسي فقلت ‪ :‬هل نحن مستقلون فعل ً ؟! ربما‬
‫كان جواب البعض ‪ :‬نعم والحمد لله ‪ ،‬وها نحن نعيش باستقلل تام ‪ ،‬لكن‬
‫أليست سورية وفلسطين شيئا ً واحدا ً ؟! ألم ن ُعَّلم ونحن صغار وفق اللهجة‬
‫القومية العربية ‪:‬‬
‫بلد العرب أوطاني‬
‫ن‬
‫من الشام لبغدا ِ‬
‫ن‬
‫م ٍ‬ ‫ومن نجد إلى ي َ َ‬
‫ن‬‫إلى مصر فتطوا ِ‬
‫فعلى المنطق القومي العربي استقللنا ناقص ومخدوش ‪ ،‬لننا ل نفرق بين‬
‫سورية وفلسطين في لهجتنا العربية والقومية ‪ ،‬ولكن يمكن أن نسمى‬
‫سم ‪ ،‬وأظن أن فرحتنا‬ ‫مستقلين على لهجة سايكس بيكو العدو الذي قَ ّ‬
‫بالستقلل جد ناقصة ‪ ،‬لن الستقلل مجروح من دون تردد ما دامت‬
‫محت َّلة ‪ ،‬وما دام المستعمر يعيث فسادا ً في‬ ‫فلسطين شقيقة سوريا ُ‬
‫فلسطين البلد الجار والبلد الشقيق والتوأم والخ ‪ ،‬والبلد الواحد في المنطق‬
‫القومي العربي ‪.‬‬
‫كما أننا وفق لهجة إسلمية ومنطق إسلمي تعلمنا في صغرنا ‪ ،‬فما بال من‬
‫علمنا اليوم ل يريدنا أن نكون منسجمين مع المنطق الذي ت َعَّلمناه ‪ ،‬تعّلمنا ‪:‬‬
‫الصين لنا والكل لنا‬
‫أضحى السلم لنا دينا ً‬
‫وجميع الكون لنا وطنا ً‬
‫هكذا قلنا ورددنا في بيوتنا ومساجدنا ومسيراتنا ‪ ،‬وبهذا تغنينا ‪ ،‬فعلى أساس‬
‫اللهجتين القومية والسلمية ‪ ،‬استقللنا مخدوش ونازف ‪ ،‬وبحاجة إلى إتمام ‪،‬‬
‫استقللنا كالوليد الخديج ‪ -‬الناقص ‪ . -‬يجب أن ن ُِعد الُعدة والِعدة ليوم‬
‫الستقلل الصحيح ‪ ،‬ول يكون هذا الستقلل إل بتحرر الراضي العربية‬
‫والسلمية من كل براثن الستعمار والجرام والحتلل والثم والبغي والقتل‬
‫والتدمير ‪.‬‬
‫أذكر أيضا ً أننا يوم كنا صغارا كنا نردد في مدارسنا ‪ ،‬وكانت الجزائر محت َلة من‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫قبل المستعمر الفرنسي ‪ ،‬كنا نردد حينما نود الدخول إلى الصفوف ‪ ،‬وننشد‬
‫معا ً النشيد الوطني الجزائري ‪ ،‬وتركنا النشيد السوري يومها ‪ ،‬ونردد ‪:‬‬
‫قد عقدنا العزم أن تحيا الجزائر فاشهدوا‬
‫وتحررت الجزائر في عام ‪ُ ، 1963‬ترى هل نعيد التاريخ من أجل أن ينشد‬
‫أبناؤنا في مدارسهم ‪ :‬قد عقدنا العزم أن تحيا فلسطين فاشهدوا ‪ ،‬وُنشهد‬
‫ب فوق الثرى ‪ ،‬وُنشِهد من هو تحت السماء ‪ ،‬ونشهد الغرب والشرق ‪،‬‬ ‫من د ّ‬
‫أننا قد عقدنا العزم أن تحيا فلسطين مستقلة أم أننا تأثرنا بسايكس بيكو ‪،‬‬
‫وتأثرنا بالقليمية القاتلة ونسينا المنطق العروبي والسلمي ‪ ،‬نسينا أن نقول‬
‫بلسان إخواننا وبلسان جارنا ‪ :‬قد عقدنا العزم أن تحيا الجزائر حتى إذا ل‬

‫‪146‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سمح الله لو لم تكن الجزائر محررة هل سنكرر قد عقدنا العزم أن تحيا‬


‫ض أعطيها وقيل له هذه حدودك ‪،‬‬ ‫الجزائر ‪ ،‬أم أن بعضنا سيكتفي ببعض أر ٍ‬
‫واجعلوا بينكم جوازات سفر وتأشيرات خروج ‪.‬‬
‫ليكن كل واحد بينه وبين طلبه ‪ ،‬بينه وبين من معه ‪ ،‬ليقل الرؤساء والحكام‬
‫والطلب والساتيذ ‪ :‬قد عقدنا العزم أن تحيا فلسطين ‪ ،‬أن تستقل‬
‫فلسطين ‪ ،‬وينبغي أن نعود إلى أنفسنا هل عقدنا العزم فعل ً أن تحيا‬
‫فلسطين ؟ لعلكم تسألون كيف ُيعقد العزم ؟ العزم كما ارتأيت وكما درست‬
‫وتابعت ‪ ،‬العزم خمسة أمور ‪:‬‬
‫المر الول ‪ :‬عود حميد إلى شرع مجيد ‪ :‬ول أستثني فئة دون فئة ول أخص‬
‫بالذكر جماعة دون جماعة ‪ ،‬عود حميد إلى الشرع المجيد ‪ ،‬أيها القضاة‬
‫عودوا إلى دينكم ‪ ،‬أيها الحكام ‪ ،‬أيها العلماء ‪ ،‬أيها الخطباء عودوا إلى دينكم ‪،‬‬
‫ل إل‬‫من أجل أن يتحول عقد العزم الذي نريد أن نقرره إلى واقع ‪ ،‬ول يتحو ُ‬
‫بالعود الحميد إلى الشرع المجيد ‪ ،‬نطبق قوله تعالى ) واعتصموا بحبل الله‬
‫جميعا ً ( وحبل الله شرعه وقرآنه ودينه ‪ ،‬واعتصموا بحبل الله جميعا ً ‪ .‬حينما‬
‫نقول بيننا وبين أنفسنا قد عقدنا العزم أن تحيا فلسطين بكلها ‪ ،‬بكل ما‬
‫فيها ‪ ،‬بقيامتها وبأقصاها ‪ ،‬بجنينها وبالضفة الغربية فيها ‪ ،‬بمناطق الـ ‪ 67‬والـ‬
‫‪. 48‬‬
‫المر الثاني ‪ :‬أن نقدم الشهيد تلو الشهيد ‪ :‬كنا نتغنى يوم كنا صغارا ً بقول‬
‫من قال ‪:‬‬
‫دم الثوار تعرفه فرنسا‬
‫وتعرف أنه نوٌر وحق‬
‫وللحرية الحمراء باب‬
‫بكل يد مضرجة يدق‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فع‬‫قال عليه وآله الصلة والسلم كما يروي ابن ماجه وابن حبان ‪ُ " :‬يش ّ‬
‫الشهيد في سبعين رجل ً من أهله " أو في سبعين امرءا ً بين رجل وامرأة ‪،‬‬
‫على مستوى الخرة وعلى مستوى الدنيا لن دم الشهيد ‪ -‬هكذا شاءت‬
‫القدار اللهية ‪ -‬أن يكون الزيت الذي ُيسَرج به مصباح الحرية والنتصار ‪،‬‬
‫دم في عقد‬ ‫شاءت القدار أن تكون دماء الشهداء الرسم الول الذي ُيق ّ‬
‫النتصار المطلوب ‪ .‬يروي البخاري أن أم حارثة فقدت ولدها في معركة بدر‬
‫شهيدا ً ‪ ،‬جاءت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت يا رسول الله لقد‬
‫استشهد حارثة ولكن ) وهذه القصة أهديها لكل أم في أرضنا المحتلة ‪،‬‬
‫أهديها لمهات الشهداء في مخيمات جينين ‪ ،‬في نابلس ‪ ،‬في حي القصبة ‪،‬‬
‫في حي الياسمينة ‪ ،‬في طولكرم ‪ ،‬في قلقيلية ‪ ،‬في عسكر ‪ ،‬في الدهيشة ‪،‬‬
‫في المعري ‪ ،‬في كل مكان من أرضنا الفلسطينية المحتلة ( قالت يا رسول‬
‫الله ‪ :‬تعلم منزلة حارثة مني ‪ ،‬إن كان في الجنة صبرت ‪ ،‬وإن كان في النار‬
‫ماذا أفعل ‪ ،‬قال لها " يا أم حارثة أجنة هي ! إنها جنات وإن ابنك أصاب‬
‫الفردوس العلى " طريق النصر مكتوب فيه شهادة ‪ ،‬طريق النصر مكتوب‬
‫فيه إحدى الحسنيين ‪.‬‬
‫المر الثالث ‪ :‬تحويل حلم وحدة العرب والمسلمين إلى واقع أكيد ‪ :‬كم تغنينا‬
‫بالوحدة ‪ ،‬كم تغنينا ‪:‬‬
‫أضحى السلم لنا دينا‬

‫‪147‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وجميع الكون لنا وطنا‬


‫ً‬
‫وكم تلونا قوله تعالى ‪ ) :‬إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم‬
‫حدوا ‪،‬‬‫بنيان مرصوص ( يا زعماء العرب اتحدوا ‪ ،‬ويا حكام العرب اتحدوا ووَ ّ‬
‫وهذه فريضة ‪ ،‬نحن الشعوب نطالب الحكام وأنفسنا بتحويل الوحدة العربية‬
‫والسلمية إلى واقع أكيد ‪ ،‬ل نريد أن تبقى الوحدة شعارا ً ‪ ،‬ول نريد أن تبقى‬
‫الوحدة كشكول ً نجمع من أجله ‪ ،‬ول أن تبقى عبارة جوفاء ‪ ،‬يدرك عدونا أنها‬
‫كذلك ‪ ،‬وبالتالي يهاجمنا فردا ً َفردا ً ويقول أهاجمهم جميعا ً ‪ ،‬لنه ينظر‬
‫اّدعاءنا ‪ ،‬نحن ندعي الوحدة لكن الوحدة ليست واقعا ً قائما ً بيننا ‪ .‬وهل ثمة‬
‫مناسبة أدعى إلى الوحدة من الن ‪ ،‬أ ََرأيت إلى السرائيليين كيف اتحدوا على‬
‫الباطل ؟! أرأيت إلى الحزاب السرائيلية على اختلف تسمياتها كيف‬
‫اتحدوا ؟! أرأيت إلى إسرائيل وأمريكا كيف اتحدا ؟! أرأيت إلى بعض الدول‬
‫الغربية كيف اتحدت مع إسرائيل ؟! يا ناس ‪ :‬هل إسرائيل على الحق أم على‬
‫الباطل ‪ ،‬إنها على الباطل كما تقولون ‪ .‬هم توحدوا على الباطل فأين‬
‫وحدتكم على الحق ؟! إلى متى يا حكامنا ويا وعلماءنا ‪ ،‬إلى متى سنبقى‬
‫ُنعّلم شعوبنا أن الوحدة أمل ‪ ،‬وأن الوحدة حلم ‪ ،‬ولكن إياكم أيها الشعوب أن‬
‫تفكروا بالوحدة حقيقة قائمة ‪ .‬إلى متى ؟!‬
‫المر الرابع ‪ :‬التسلح بالعلم الرشيد والعمل السديد ‪ ) .‬قل هل يستوي الذين‬
‫يعلمون والذين ل يعلمون ( نحن نحتاج إلى علم في السلح والقتصاد‬
‫والسياسة والجتماع والصناعة والزراعة ‪ ،‬نحتاج إلى علم بعدونا ‪ ،‬لن عدونا‬
‫يعلم عنا أكثر مما نعلم عنه ‪ ،‬فهو يمسك بزمام المعلومة ‪ ،‬فنحن نتعلم منه ‪،‬‬
‫طارة ( أما نحن الذين نقول ‪ " :‬طلب العلم‬ ‫ق ّ‬‫وهو يقدم لنا المعلومة ) بال َ‬
‫ً‬
‫فريضة على كل مسلم " أي ومسلمة أيضا ‪ ،‬على كل من اتصف بالسلم ‪ ،‬ل‬
‫بد من التسلح بالمعلومة ‪ ،‬بالعلم الرشيد والعمل السديد ‪ ،‬فنحن نريد مخابر‬
‫ومعامل ُتبنى على أساس من العلم ‪ ،‬نريد جامعات جادة ‪ ،‬نريد طلبا ً‬
‫دارسين ‪ ،‬نريد تقنية عالية في كل ميادين الحياة ‪ ،‬نريد علما ً بالتاريخ‬
‫والجغرافية ‪ ،‬ونريد لهذه العلوم أن تتحول إلى مؤسسات وجماعات وهيئات‬
‫حتى تقدم الفائدة بشكل أكبر ) قل هل يستوي الذين يعلمون والذين ل‬
‫يعلمون ( ‪ ،‬نحن الذين نردد حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم ‪ " :‬إذا‬
‫ي يوم ل أزداد فيه علما ً فل بورك لي في شمس ذلك اليوم " نردد ‪" :‬‬ ‫أتى عل ّ‬
‫إن الله وملئكته وأهل السموات والرض ليصلون على معلم الناس الخير "‬
‫حاسب نفسك في كل مساء ‪ :‬هل ازددت علما ً أيها السياسي في مجال‬
‫السياسة ‪ ،‬أيها القتصادي في مجال القتصاد ‪ ،‬أيها الشرعي في مجال‬
‫الشرع ‪ ،‬أيها الطبيب في مجال الطب ‪ ،‬أنت أيها النسان حيثما كنت ‪.‬‬
‫الحرب اليوم حرب علم وجهالة ‪ ،‬حرب استراتيجيات وتكتيكات ‪ ،‬وكل ذلك‬
‫قائم على العلم ‪ ،‬الحرب ل بد لها من عاملين على أساس من العلم ‪ ،‬وإل ل‬
‫تتصوروا أن ‪ -‬ل سمح الله ‪ -‬إذ يفشو الجهل بيننا يمكن أن ننتصر ‪ ،‬فلقد كتب‬
‫الله أن ينتصر العلم على الجهل ‪ ،‬وأن تنتصر المعرفة على الجهالة ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫المر الخامس ‪ :‬الستغناء عن الطواغيت ونتاجهم قدر المستطاع وبذل‬


‫المزيد ‪ :‬الستغناء عن أمريكا ‪ ،‬ومقاطعة أمريكا ‪ ،‬وكراهيتنا للمريكان كراهية‬
‫مشروعة ‪ ،‬لنها كراهية معتد ٍ على النسان ‪ ،‬معتد على الخير ‪ ،‬معتد على‬
‫الحقيقة والفطرة ‪ .‬الستغناء عن الطواغيت ونتاجهم قدر المستطاع وبذل‬

‫‪148‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المزيد ‪ ،‬قاطعوا إسرائيل ومن يدعم إسرائيل ‪ ،‬ول تخافوا من أحد أو من‬
‫شيء ‪ ،‬فالموت سيأتيكم ويأتيكم ‪ ،‬فاجعلوا الموت يأتيكم وأنتم أعزاء ‪ " :‬إن‬
‫روح القدس نفث في روعي أن نفسا ً لن تموت حتى تستوفي رزقها وأجلها "‬
‫فعلى أي شيء أنتم خائفون ؟! أيها الحكام ‪ :‬ستموتون وسنموت ‪ ،‬ولن‬
‫يلقانا الموت ونحن أعزاء نطبق مبادئ الفطرة والحق لهو خير بآلف آلف‬
‫المرات ‪ ،‬بل لهو الخير ذاته من أن يأتينا الموت ونحن أذلة لولئك الذين‬
‫يريدون استعمارنا‪ ،‬ويريدوننا أن نكون أذلء بكل معنى الكلمة ‪ .‬سمعتم منذ‬
‫أسبوع ما قاله رئيس الوليات المتحدة المريكية ذلك الرجل الغبي اللعين‬
‫الذي قال عن شارون بأنه رجل سلم ‪ ،‬والبارحة أكد هذه الكلمة حين‬
‫استقبل وزير خارجيته اللعن والخبث قال عن شارون بأنه رجل سلم ‪ ،‬أما‬
‫قّتلون بالجملة ل لجريرة ارتكبوها وإنما لنهم يدافعون‬ ‫الفلسطينيون الذين ي ُ َ‬
‫عن أرضهم ‪.‬‬
‫يا ناس ‪ ....‬يدافعون عن حقهم ووجودهم ولقمة عيشهم ‪ ،‬يقال عنهم بأنهم‬
‫إرهابيون ‪ ،‬من يستشهد وهو يضرب المصالح السرائيلية المعتدية يقال عنه‬
‫إرهابي ‪.‬‬
‫ولئن استنصحني حكامنا هل نبذل المزيد ‪ ،‬فأنا صادق لقول لهم ‪ :‬ل والله‬
‫أنتم مقصرون ‪ ،‬وأكرر ما قلته في السابيع الماضية بأنني لست ضد الحكام ‪،‬‬
‫ولكنني حريص على أن يكونوا مع الحق ل مع الباطل ‪ ،‬أن أقول لهم ‪ :‬إن‬
‫الباطل إذ يضحك في وجوهكم فمن أجل افتراسكم ‪ ،‬ولن يوفركم ‪ ،‬وربما‬
‫ترككم للطلقة الخيرة ‪ .‬ل أريد أن تكون هناك معاداة بين الشعوب والحكام ‪،‬‬
‫لكنني أريد أن تكون النصيحة مستمرة وأن تكون العلقة قائمة على النصيحة‬
‫الصادقة والتعاون ‪ ،‬وما كلمي الذي قلت إل من هذا المنطلق لنهم أبناء هذا‬
‫م لكل فرد ‪ ،‬ول تريد الم أن يكون ولدها عاقا ً فهي إن‬ ‫الشعب ‪ ،‬والشعب أ ّ‬
‫قست عليه فمن أجل أن ل يدخل ساحة العقوق فيهلك ويضيع ‪.‬‬
‫قد عقدنا العزم أن تحيا فلسطين فهل أنتم جاهزون ؟! أسأل الله أن يوفقنا‬
‫من أجل أن نرى فلسطين كما رأينا الجزائر ‪ ،‬أن يرينا فلسطين محررة ‪،‬‬
‫ليس فلسطين التي يطلق عليها مناطق الـ ‪ 1967‬بل كل فلسطين ‪ ،‬كل‬
‫فلسطين ‪.‬‬
‫عد لنا فلسطين والقدس والقصى‬ ‫َ‬
‫أسأل الله أن يثبتنا على شريعته ‪ ،‬اللهم أ ِ‬
‫والقيامة وكل مكان في فلسطين ‪ ،‬وكل مكان في بلد العرب والمسلمين ‪،‬‬
‫أقول هذا القول وأستغفر الله ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫قد كنت ناعمة‬


‫بقلم الدكتورعدنان علي رضا النحوي‬
‫جَزعا ً‬ ‫دس ‪ ...‬ل َ َ‬ ‫ق ْ‬‫فتي َيا َرَوابي ال ُ‬ ‫َتل ّ‬
‫َ‬
‫عصُر الد ّهُم ِ‬ ‫وادي ال ْ‬ ‫ن الّردى أو عَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫ت َفاِغَرةُ‬ ‫فتي ‪ ! ..‬وَليالي الموْ ِ‬ ‫َ‬ ‫تل ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫واِج أوْ َنهم ِ‬ ‫مةِ الفْ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ى َز َ‬ ‫عل َ‬ ‫َفاها َ‬
‫ت‬ ‫َ‬
‫سكب َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫ن ‪ ! ..‬ك ْ‬ ‫ُ‬
‫مى لب َْنا ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ك ِريعَ ال ِ‬ ‫هَُنا َ‬
‫مم ِ‬ ‫ل والغ َ‬ ‫معَةِ ال ِذ ْل َ ِ‬ ‫ن دَ ْ‬ ‫م ْ‬‫ك ِ‬ ‫ُرَبا ِ‬
‫ت‬ ‫َ‬
‫ن فالت َهَب َ ْ‬ ‫ُ‬
‫ك يا لب َْنا ُ‬ ‫ت َرَوابي ِ‬ ‫جن ّ ْ‬ ‫ُ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫حم ِ‬ ‫ل من الّر ِ‬ ‫صو ٍ‬ ‫مو ْ ُ‬ ‫ت كل َ‬ ‫وَقطعَ ْ‬

‫‪149‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫عم ً َ‬
‫ى‬ ‫عل َ‬ ‫ت َ‬ ‫م ك ُن ْ ِ‬ ‫ة أّيا َ‬ ‫ت نا ِ‬ ‫قَد ْ ك ُن ْ ِ‬
‫ق والّنعم ِ‬ ‫دى وَن َدِيّ الّرْز ِ‬ ‫ُنورِ الهُ َ‬
‫ت‬ ‫قطعَ ْ‬ ‫َ‬ ‫ل الله فان ْ َ‬ ‫حَبا ِ‬ ‫ت ِ‬ ‫حّتى قَطعْ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ْ ْ ٍ َ ْ َِ ِ‬ ‫ي‬ ‫د‬ ‫ن‬ ‫وم‬ ‫ث‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫غ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ر‬‫َ َ ُِ‬‫ط‬ ‫وا‬ ‫م‬ ‫ال‬ ‫ك‬‫َْ ِ‬ ‫ن‬ ‫ع‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫سو‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫قطعان‬ ‫ك‬ ‫هلو‬ ‫وصار أ َْ‬
‫ُ ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ َ‬
‫م")‪(1‬‬ ‫م‬ ‫ةال ُ‬ ‫ب‬ ‫ع‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ن"‬ ‫م‬ ‫ة‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ج‬ ‫دى‬ ‫ِإلى ّ َ‬
‫ر‬ ‫ال‬
‫َْ ِ َ ِ‬ ‫ِ ْ‬ ‫َ ْ‬
‫م‬
‫ت مكائ ِد ُهُ ْ‬ ‫س ماَزال ْ‬ ‫َ‬ ‫جُنود ُ ِإبلي َ‬ ‫ُ‬
‫م‬ ‫ع‬ ‫د‬ ‫أو‬ ‫َ‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ز‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ت ُ‬
‫ه‬
‫ة‬ ‫حها في ك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫حي َ ٍ‬ ‫ل نا ِ‬ ‫دوُر أشبا ُ‬ ‫تَ ُ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن الظلم ِ‬ ‫م َ‬ ‫سَتارٍ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ختفي ب َي ْ َ‬ ‫وَت َ ْ‬
‫ة‬
‫مت َ ٌ‬ ‫صا ِ‬ ‫ي َ‬ ‫جيٍج فَهْ َ‬ ‫ض ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫مْهما عَل ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫قم ِ‬ ‫من ْت َ ِ‬ ‫ف ُ‬ ‫فت ك ّ‬ ‫خ َ‬ ‫جأ ْ‬ ‫وِإن طَغى الهَْر ُ‬
‫جبا ً‬ ‫ن"ترىعَ َ‬ ‫شن ْط ْ‬ ‫ُ‬ ‫كو"و"َوا ِ‬ ‫وس ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن" ُ‬ ‫ما ب َي ْ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫سلم ِ‬ ‫م تهد َأ إلى َ‬
‫َ‬
‫جَراِئم ل ْ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫مب َعْثرةً‬ ‫َ‬ ‫ساِح أكواما ُ‬ ‫ً‬ ‫ت عَلى ال ّ‬ ‫َ‬ ‫ق ْ‬ ‫َأل َ‬
‫َ‬
‫مم ِ‬ ‫ن الّر َ‬ ‫م َ‬ ‫جم ‪ ...‬أشلًء ِ‬ ‫جما ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ة‬‫ِ ً‬ ‫فل‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ِ‬ ‫المو‬ ‫ب‬ ‫ُُ ِ‬ ‫رو‬ ‫د‬ ‫في‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫أط‬ ‫وَ‬
‫قم ِ‬ ‫ن الن ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫وال ً ِ‬ ‫ن الن ُّزوِح َوأهْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫ما‬ ‫و‬ ‫جوء‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫رب‬ ‫د‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ري‬ ‫َ‬ ‫غ‬ ‫ال‬ ‫أنا‬ ‫َ‬
‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َْ‬ ‫ِ ُ‬
‫دمي‬ ‫ي َلها قَ َ‬ ‫مض ِ‬ ‫سبيل ال ِّتي ت َ ْ‬ ‫أد ِْري ال ّ‬
‫ص‬ ‫صب َْرا")‪َ (2‬وبي غُ َ‬
‫ص ٌ‬ ‫ن" َ‬ ‫ي عَ ْ‬ ‫ت ط َْرف ِ‬ ‫م ُ‬ ‫َلم ْ‬
‫ظ والن ّد َم ِ‬ ‫ن د َْفق الغَي ْ ِ‬ ‫قُتها َبي َ‬ ‫خن َ ْ‬ ‫َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫قطعَ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ي ُ‬ ‫شِتيل ّ " وَأْنفاس ِ‬ ‫ن" َ‬ ‫وَعَ ْ‬
‫ق وَفَم ِ‬ ‫خاف ٍ‬ ‫صد ْرٍ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ست َُها ب َي ْ َ‬ ‫حب َ ْ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫ي ل ُيقال هَوَ ْ‬ ‫َ‬
‫مت َُها ب َِيدي ‪ ...‬ك ْ‬ ‫كت َ ْ‬ ‫َ‬
‫دان ِهِ العَرِم ِ‬ ‫مي ْ َ‬ ‫حّر في َ‬
‫َ‬
‫ة ال ُ‬ ‫م ُ‬ ‫زي َ‬ ‫عَ ِ‬
‫ة‬ ‫عناقَ هّين ً‬ ‫م ال ْ‬ ‫سل َ‬ ‫َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫قو ُ‬ ‫تَ ُ‬
‫مي ؟ !‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫إلى ال ّ‬
‫فارِ ‪! .‬؟ وَألقاها ل ِكل ظ ِ‬ ‫ش َ‬
‫طيع إلى‬ ‫وق الق ِ‬ ‫س ْ‬ ‫ساقَها َ‬ ‫َ‬ ‫ن اّلذي َ‬ ‫م ِ‬ ‫َ‬
‫ك عَم ِ ؟ !‬ ‫هنا َ‬ ‫ٍ ُ‬ ‫و‬ ‫ْ‬ ‫ط‬ ‫خ‬ ‫في‬ ‫ت‬ ‫َ ِ ِ َ ْ ِ‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ال‬ ‫ر‬ ‫ز‬ ‫مجا‬
‫طوي َوالّلجوُء ُدنا ً‬ ‫ت أ َد ْفَعُ خ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫وَقَ ْ‬
‫َ‬
‫ج د َم ِ‬ ‫مو ْ ُ‬
‫َ‬
‫ض َ‬ ‫ي الْر ِ‬ ‫دود َة ٌ ‪ ..‬وََراَواب ِ‬ ‫مم ُ‬
‫ت لي أمل ً‬ ‫ف ُ‬ ‫خل ّ ْ‬ ‫ب ‪ .‬وقَد ْ َ‬ ‫ري ُ‬ ‫ِ‬ ‫أ ََنا الغَ‬
‫ََ‬ ‫دفَنته بي َ‬
‫من اللم ِ‬ ‫ن أكوام ٍ ِ‬ ‫َ ُْ ُ َْ َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫· ملحمة الغرباء ـ ‪1415‬هـ ‪1994‬م ‪.‬‬
‫)‪(1) (1‬لعبة المم ‪ :‬إشارة إلى اسم كتاب ألفه ما يلز كوبلند ‪.‬‬
‫)‪(2) (2‬صبرا ‪ :‬مخيم للجئين الفلسطينيين في لبنان يقع جنوب بيروت‬

‫)‪(1 /‬‬

‫قدر ميل‬
‫الحمد لله ‪ ،‬خالق الدجى ‪ ،‬وفالق الصباح ‪ ،‬ومنزل الكتاب نورا يهدي إلى‬
‫الفلح ‪ .‬أحمده سبحانه ‪ ،‬عز فارتفع ‪ ،‬وفرق وجمع ‪ ،‬ووصل وقطع ‪ ،‬وحرم‬

‫‪150‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأباح ‪ .‬وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له ‪ ،‬منع ومنح ‪ ،‬وذم ومدح ‪،‬‬
‫ملك فقدر ‪ ،‬وطوى ونشر ‪ ،‬فهو الرقيب على خلقه في غدوهم والرواح ‪.‬‬
‫وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ‪ ،‬النبي المجاهد ‪ ،‬الراكع الساجد ‪ ،‬مع علمه‬
‫بمغفرة ذنوبه ‪ ،‬عمر أوقاته يستغفر الله في المساء والصباح ‪ .‬صلى الله‬
‫عليه وعلى آله وصحبه ‪ ،‬ما تغير فصل ‪ ،‬وما بقي عقل ‪ ،‬يعمل بجد ‪ ،‬حتى ل‬
‫يكون عمله هباء تذروه الرياح ‪ ،‬وسلم تسليما ‪ .‬أما بعد ‪ ،،،‬فقد أوصاكم ربكم‬
‫بتقواه ‪ ،‬فاتقوه ‪ ،‬وأمركم بطاعته ‪ ،‬فأطيعوه ‪ ،‬ونهاكم عن عصيانه ‪ ،‬فل‬
‫تعصوه ‪ ،‬وسارعوا إلى مغفرته ‪ ،‬وسابقوا إلى جنته ‪ ،‬فإنكم إليه راجعون ‪،‬‬
‫وبين يديه موقوفون ‪ ،‬فاستعدوا لهذا الموقف ‪ ،‬بكل عمل صالح ينجيكم من‬
‫هوله ‪ ،‬قبل أن يأتيكم الموت ‪ ،‬فتتحسروا على عمر ضاع منكم فلم تعمروه ‪.‬‬
‫أيها المسلمون ‪ :‬لهيب ‪ ،‬وسموم ‪ ،‬يلفح الوجوه ‪ ،‬ويكاد سنا حره أن يحرق‬
‫الجلود ‪ ،‬فيذكرنا لفح حرارته شمس ذلك اليوم الطويل ‪ ،‬وأهوال يوم النشور‬
‫‪ .‬هاهي الشمس ترتفع فوق رؤوسنا أكثر من تسعين مليون ميل ‪ ،‬ولهبها يكاد‬
‫يخنقنا ‪ ،‬ولفح سمومها يكاد يسلخ منا الجلود ‪ ،‬فل نطيق بقاء تحت سمومها ‪،‬‬
‫ونفر منه إلى غرف مكيفة ‪ ،‬وأماكن مبردة ‪ ،‬نبحث عن الظلل ‪ ،‬ونعرف‬
‫قيمة الماء البارد العذب الزلل ‪ .‬إنها صورة مصغرة جدا لحوال ‪ ،‬وأهوال يوم‬
‫التغابن ‪ .‬نعيشها في الصيف وفي الشتاء ‪ ،‬فشدة القيض ل ترضينا ‪ ،‬كما أن‬
‫شدة البرد تؤذينا ‪ ،‬فسبحان من من على أهل الجنة بالنعيم في كل حال ‪،‬‬
‫} ل يرون فيها شمسا ول زمهريرا { وتأمل كيف تذكروا منة الله ‪ ،‬وكيف‬
‫استشعروا نعمة الله ‪ ،‬واستمع لهم يتحاورون فقالوا ‪ :‬إنا كنا قبل في أهلنا‬
‫مشفقين ‪ ،‬فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم ‪ .‬عباد الله ‪ :‬قال صلى الله‬
‫س يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار‬ ‫عليه وسلم ‪ :‬تدنى الشم ُ‬
‫سليم بن عامر ‪ :‬فوالله ما أدري ما يعني بالميل ‪ ،‬أمسافة الرض ‪،‬‬ ‫ميل ‪ .‬قال ُ‬
‫أم الميل الذي تكتحل به العين ؟ قال ‪ :‬فيكون الناس على قدر أعمالهم في‬
‫العرق ‪ ،‬فمنهم من يكون إلى كعبيه ‪ ،‬ومنهم من يكون إلى ركبتيه ‪ ،‬ومنهم‬
‫من يكون إلى حقويه ‪ ،‬ومنهم من يلجمه العرق إلجاما ‪ .‬قال ‪ :‬وأشار رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى فيه ‪ .‬أخرجه مسلم من حديث المقداد‬
‫بن السود ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ .‬وفي الكتاب العزيز يقول ربنا تبارك وتعالى عن‬
‫أصحاب الشمال ‪ :‬في سموم وحميم ‪ ،‬وظل من يحموم ‪ ،‬ل بارد ول كريم ‪.‬‬
‫فالسموم ‪ ،‬هو الهواء الحار ‪ ،‬والحميم ‪ ،‬هو الماء الحار ‪ ،‬واليحموم ‪ :‬هو الظل‬
‫الحار ‪ ،‬ظل الدخان ‪ ،‬فجمع الله على أهل النار جميع أنواع الحرارة ‪ ،‬حرارةَ‬
‫النار ‪ ،‬وحرارة الظل ‪ ،‬والهواء ‪ ،‬والماء ‪ ،‬فاستمع إلى ندائهم لهل الجنة ‪:‬‬
‫أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله ‪ .‬واستمع إلى وصف تلك‬
‫الستغاثة ‪ ،‬وبم أغيثوا ‪ ،‬يقول تبارك وتعالى ‪ :‬إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط‬
‫بهم سرادقها ‪ .‬والسرادق ‪ :‬هو الحاجز الذي يحيط بالخيمة ‪ ،‬وهو ما يعرف‬
‫بالرواق ‪ ،‬فهم هنا يشبه النار بالخيمة ‪ ،‬لها سور ‪ ،‬وهذا في العادة ل يكون إل‬
‫عند أهل الترف ‪ ،‬ممن يزيد استظلله ‪ ،‬وتنعمه ‪ ،‬فأثبته هنا زيادة في التهكم‬
‫به ‪ ،‬وإمعانا في إهانته ‪ .‬وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫قال ‪ :‬لسرادق النار أربعة جدر ‪ ،‬كثافة كل جدار مثل مسافة أربعين سنة ‪.‬‬
‫أخرجه أحمد والترمذي ‪ .‬وابن جرير في تفسيره ‪ .‬قال ابن عباس رضي الله‬
‫عنهما في قوله تعالى ‪ :‬أحاط بهم سرادقها ‪ .‬قال ‪ :‬حائط من نار ‪ .‬قال جل‬
‫وعل ‪ :‬وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه ‪ .‬والمهل مثل الدم‬
‫والقيح ‪ ،‬قد انتهى حره ‪ ،‬فأصبح كالحديد المذاب ‪ .‬قال الضحاك ‪ :‬ماء جهنم‬
‫أسود ‪ .‬فالمهل أسود منتن غليظ حار ‪ ،‬تشوي حرارته الوجوه ‪ ،‬كلما قربه‬

‫‪151‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الكافر ليشرب شواه حتى يسقط جلد وجهه ‪ .‬ووصفه الحبيب صلى الله عليه‬
‫وسلم فقال ‪ :‬كعكر الزيت ‪ ،‬فإذا قربه إليه سقطت فروة وجهه فيه ‪ .‬أخرجه‬
‫أحمد والترمذي ‪ ،‬من حديث أبي سعيد رضي الله عنه ‪ .‬وقال جل وعل في‬
‫وصف سقيا القوم ‪ :‬ويسقى من ماء صديد ‪ ،‬يتجرعه ول يكاد يسيغه ‪ .‬فهو‬
‫يتكرهه ‪ ،‬ول بد له منه ‪ ،‬فإذا أدناه شوى وجهه ‪ ،‬وإذا شربه قطع أمعاءه ‪ ،‬كما‬
‫قال جل وعل ‪ :‬وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم ‪ .‬وقال سبحانه ‪ :‬تسقى من‬
‫عين آنية ‪ .‬أي بلغت الغاية من شدة الحر ‪ .‬كما في قوله تعالى ‪ :‬يطوفون‬
‫بينها وبين حميم آن ‪ .‬أي شديد الحرارة ‪ .‬قد بلغ مرحلة النضج والستواء ‪،‬‬
‫فجمع الله تعالى على أهل الشرك والكفر به وبرسله الحر من كل جهة‬
‫عليهم ‪ ،‬حتى في بطونهم ‪ ،‬يصب من فوق رؤوسهم الحميم ‪ ،‬يصهر به ما في‬
‫بطونهم والجلود ‪ .‬وأما الظل فقد قيل لهم ‪ :‬انطلقوا إلى ظل ذي ثلث شعب‬
‫‪ ،‬ل ظليل ول يغني من اللهب ‪ .‬فليس يفيد فائدة الظل ‪ ،‬ول يقي حرارة ‪ ،‬بل‬
‫هو كما جاء في الية الخرى ‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل ‪ .‬أعاذني الله وإياكم ‪،‬‬
‫ووالدينا من ذلك كله ‪ .‬أيها المسلمون ‪ :‬على العكس من ذلك ما وعد‬
‫المتقون ‪ ،‬جنة تجري من تحتها النهار ‪ ،‬أكلها دائم وظلها ‪ .‬قال ابن مسعود‬
‫رضي الله عنه ‪ :‬الجنة سجسج ‪ ،‬كما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ‪.‬‬
‫يعني معتدلة ‪ ،‬ليس فيها حر مؤذ ‪ ،‬ول برد شديد ‪ .‬فجمعت لهم الخير كله ‪،‬‬
‫بجري الماء تحتهم ‪ ،‬والكل والظل ‪ .‬لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظل‬
‫ظليل ‪ .‬في سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود ‪ .‬وماء مسكوب ‪ .‬ذواتا‬
‫أفنان ‪ .‬والفنن الغصن ‪ .‬فلها أغصان ‪ ،‬متشابكة ‪ ،‬فهو ظل الشجر ‪ ،‬وفي‬
‫الحديث إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مئة سنة ‪ .‬أخرجه‬
‫مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ‪ .‬وفي رواية أبي سعيد رضي‬
‫الله عنه قال صلى الله عليه وسلم ‪ :‬إن في الجنة شجرة يسير الراكب‬
‫الجواد المضمر السريع مئة عام ما يقطعها ‪ .‬وتكرر في القرآن الكريم القول‬
‫بجري النهار تحت الجنة ‪ .‬أو تحت أهل الجنة ‪ .‬وكل عربي يدرك معنى جري‬
‫النهار في بلد ما ‪ ،‬أن هناك خضرة وظل ‪ ،‬وفواكه ‪ ،‬ونعيما ‪ .‬وقد حذر الله‬
‫تعالى نبيه وعبده آدم عليه السلم من كيد عدوه اللعين ‪ ،‬فقال له ‪ :‬إن هذا‬
‫عدو لك ولزوجك فل يخرجنكما من الجنة فتشقى ‪ .‬ثم عدد عليه من أفضل‬
‫ما فيها فقال ‪ :‬إن لك أل تجوع فيها ول تعرى ‪ ،‬وإنك ل تظمأ فيها ول تضحى ‪.‬‬
‫فالظمأ والضحي متناغمان ‪ ،‬فأضحى أي تعرض للشمس والضحى ‪ :‬هو وقت‬
‫انبساط الشمس ‪ ،‬وامتداد النهار ‪ .‬ولهذا قال تعالى ‪ :‬والشمس وضحاها ‪.‬‬
‫وقال تعالى ‪ :‬والضحى ‪ ،‬والليل إذا سجى ‪ .‬والضاحية من كل شيء ‪ :‬ناحيته‬
‫البارزة ‪ .‬وبقي أن نشير إلى لطيفة مهمة ‪ ،‬وهي أن الجنة ليس فيها فيء ‪،‬‬
‫ولكنها ظلل ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ :‬إن المتقين في ظلل وعيون ‪ .‬فالظل هو‬
‫لشيء لم تصله الشمس ‪ .‬وأما الفيء فأخص منه ‪ ،‬وهو ما زالت عنه‬
‫الشمس ‪ ،‬أو كان من أثر الشمس ولهذا قال تعالى ‪ :‬أولم يروا إلى ما خلق‬
‫الله من شيء يتفيؤ ظلله ‪ .‬فيقال ‪ :‬فاء الظل فيئا ‪ ،‬أي ‪ :‬عاد بعد أن أزالته‬
‫الشمس ‪ .‬والجنة ليس فيها شمس ‪ ،‬إذ إن أهلها ‪ :‬ل يرون فيها شمسا ول‬
‫زمهريرا ‪ .‬فالظل أعم من الفيء ‪ .‬ولهذا كثر في القرآن استخدام الظلل ‪،‬‬
‫كما في قوله تعالى ‪ :‬هم وأزواجهم في ظلل ‪ .‬وقوله ‪ :‬ودانية عليهم ظللها ‪.‬‬

‫‪152‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأما شرابهم ‪ :‬فيسقون من رحيق مختوم ختامه مسك ‪ .‬من كأس كان‬
‫مزاجها كافورا ‪ ،‬عينا يشرب بها عباد الرحمن يفجرونها تفجيرها ‪ ،‬عينان‬
‫تجريان ‪ ،‬وعينان نضاختان ‪ ،‬ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيل ‪ ،‬عينا‬
‫فيها تسمى سلسبيل ‪ .‬أيها المستظلون ‪ :‬إذا خرجتم من هذا المسجد عرفتم‬
‫قيمة الظل ‪ ،‬فمن مشى منكم قليل عرف قيمة كأس من الماء البارد ‪.‬‬
‫فأغلى شيء يفقد ظل وماء بارد ‪ .‬وفي الدعاء المأثور ‪ :‬اللهم اجعل حبك‬
‫أحب إلى من الماء البارد على الظمأ ‪ .‬فأحب شيء إلى الظمآن ماء زلل ‪،‬‬
‫بارد عذب ‪ .‬وأحب شيء إلى من مشى في الهجير الحار أن يجد شيئا‬
‫يستظل تحته ‪ ،‬ويتفيؤ ظلله ‪ .‬فأما الظل في القيامة ‪ ،‬فل ظل إل ظل عرش‬
‫الرحمن ‪ ،‬ولن يستظل أحد تحت الظل إل من سعى إليه بعمل صالح يؤهله‬
‫لتلك الظلل الوارفة ‪ .‬وفي شدة الحر ‪ ،‬تزداد القيمة المعنوية للماء البارد ‪،‬‬
‫ولن يسقى أحد في القيامة إل من حوض النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وهم‬
‫من اتبعه ‪ ،‬وترسم هديه ‪ ،‬فأما من بدل وغير ‪ ،‬فليس له منه أدنى نصيب ‪،‬‬
‫وماء الحوض مداده من الكوثر الذي أعطاه الله تعالى لنبيه صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬كما في الحديث عن أنس رضي الله تعالى عنه قال ‪ :‬بينا رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة ‪ ،‬ثم رفع رأسه‬
‫متبسما ‪ ،‬فقلنا ‪ :‬ما أضحكك يا رسول الله ؟ قال ‪ :‬أنزلت علي آنفا سورة ‪،‬‬
‫فقرأ ‪ :‬إنا أعطيناك الكوثر ‪ ،‬فصل لربك وانحر ‪ ،‬إن شانئك هو البتر ‪ .‬ثم‬
‫قال ‪ :‬أتدرون ما الكوثر ؟ فقلنا ‪ :‬الله ورسوله أعلم ‪ .‬قال ‪ :‬فإنه نهر وعدنيه‬
‫ربي عز وجل ‪ ،‬عليه خير كثير ‪ ،‬عليه حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة ‪ ،‬آنيته‬
‫عدد النجوم ‪ ،‬فيختلج العبد منهم فأقول ‪ :‬رب ‪ ،‬إنه من أمتي ‪ .‬فيقول ‪ :‬ما‬
‫تدري ما أحد ََثت بعدك ‪ .‬رواه مسلم ‪ .‬أل ‪ ،‬فاسعوا أيها المسلمون إلى‬
‫الظل ‪ ،‬والسقيا في يوم العرض الكبر ‪ ،‬طال زمانه ‪ ،‬وقرب أوانه ‪ ،‬وتخلى‬
‫فيه عن كل أحد أحبابه وأعوانه ‪ ،‬وتعددت فيه أصناف الهوال ‪ ،‬كأنه هول‬
‫تعددت ألوانه ‪ ،‬تشهد على المرء فيه حواسه وأركانه ‪ ،‬فما أسعد من استظل‬
‫بظل الرحمن ‪ ،‬وشرب من حوض سيد ولد عدنان صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫وثقل في ذلك اليوم ميزانه ‪ .‬وكل من شرب من الحوض ‪ ،‬واستظل تحت‬
‫ظل العرش سيكون من الوارثين للجنات والعيون ‪ ،‬في ظلل على الرائك‬
‫متكئون ‪ .‬جعلني الله وإياكم من أهل الجنة ‪ ،‬المتنعمين في الظلل ‪ ،‬ونجانا‬
‫بفضله من النار ‪ ،‬وما أعد لهلها من الزقوم والغلل ‪ .‬أعوذ بالله من‬
‫الشيطان الرجيم ‪ :‬وما يستوي العمى والبصير ‪ ،‬ول الظلمات ول النور ‪ ،‬ول‬
‫الظل ول الحرور ‪ ،‬وما يستوي الحياء ول الموات ‪ ،‬إن الله يسمع‬

‫)‪(2 /‬‬

‫من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور ‪ .‬بارك الله لي ولكم ‪ ....‬الخطبة‬
‫الثانية ‪ :‬الحمد لله ‪ ،‬خلق الخلق من تراب ‪ ،‬وباين بينهم في الصور والداب ‪.‬‬
‫وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له ‪ ،‬شهادة مقر بوحدانيته ‪ ،‬من غير‬
‫شك ول ارتياب ‪ .‬وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ‪ ،‬ليس من طريق للجنة إل‬
‫طريقه ‪ ،‬ومن أعرض عنها أغلق دونه الباب ‪ .‬صلى الله وسلم عليه وعلى آله‬
‫وصحبه ‪ ،‬اطمأنت قلوبهم بذكر الله ‪ ،‬فطوبى لهم وحسن مآب ‪ .‬أما بعد ‪،‬‬
‫فاتقوا الله ‪ ،‬عباد الله ‪ ،‬وليكن لكم في حر الدنيا عظة ‪ ،‬وتذكرة بعذاب‬
‫الخرة ‪ ،‬وجدوا السير للظل الممدود ‪ ،‬والحوض المورود ‪ ،‬فل والله ما أفلح‬
‫من تنعم في الظلل والخضرة في دنياه ‪ ،‬وقد أغفل آخرته فجعلها أشد جفافا‬

‫‪153‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ ،‬وأكثر حرا من دنياه فلم ينقل لها زادا يقيه حر ذلك اليوم ‪ ،‬ذلك هو‬
‫الخسران المبين ‪ .‬إخوة الدين والعقيدة ‪ :‬يقول المصطفى صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ :‬إن الله يقول يوم القيامة ‪ :‬أين المتحابون بجللي ‪ ،‬اليوم أظلهم في‬
‫ظلي ‪ ،‬يوم ل ظل إل ظلي ‪ .‬رواه مسلم ‪ .‬ويقول عليه الصلة والسلم ‪ :‬كل‬
‫امرىء في ظل صدقته حتى يقضى بين الناس ‪ .‬أخرجه أحمد والحاكم ‪.‬‬
‫ويقول بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم ‪ :‬من أنظر معسرا أو وضع عنه‬
‫أظله الله في ظله ‪ .‬أخرجه مسلم ‪ .‬وكلكم يحفظ حديث السبعة الذين‬
‫يظلهم الله في ظله يوم ل ظل إل ظله ‪ .‬وهو مخرج في الصحيحين ‪ .‬فبادروا‬
‫أيها الراجون لرحمة ربكم ‪ ،‬بادروا العمال ‪ ،‬قبل انقضاء العمار ‪ ،‬واخشوا‬
‫أليم عقابه ‪ ،‬فشدة الحر يوم القيامة عظيمة جدا ‪ ،‬حتى إن الرجل ليلجمه‬
‫العرق يوم القيامة فيقول ‪ :‬يا رب أرحني ولو إلى النار ‪ .‬رواه الطبراني في‬
‫الكبير ‪ ،‬وإسناده جيد ‪ .‬فدونك أخي الحبيب هدية مجانية ‪ ،‬أعظم من كل‬
‫الهدايا في كل المهرجانات ‪ ،‬واجعلها لك سهما سيكون سعره أعلى سعر في‬
‫مؤشر الربح والخسارة ‪ ،‬يوم التغابن ‪ ،‬فارفع رصيدك من اليمان ‪ ،‬واجمع‬
‫أسهمك من العمال ‪ ،‬فإنها فرصة العمر ‪ ،‬وكبرى المساهمات ‪ ،‬إن ربح‬
‫سهمك فيها فلن تخسر بعده أبدا ‪ .‬ستبني القصور ‪ ،‬وتنال الحبور ‪ ،‬وتنظر‬
‫إلى وجه الغفور ‪ .‬فسابق ‪ ،‬ونافس ‪ ،‬وسارع ‪ ،‬واستهم فإن أكثر القوم عن‬
‫سهم الخرة غافلون ‪ ،‬وإن رأيتهم عند أبواب المصارف يقتتلون ‪ ،‬ليساهموا‬
‫في دنيا قد ينلهم نصيبهم منها ‪ ،‬وقد ل ينالون ‪ ،‬فدونك باب الخرة قل عنده‬
‫الواردون ‪ ،‬وأكثر الناس عنه معرضون ‪ .‬فاضرب بسهم ‪ ،‬وأقدم بعزم ‪ ،‬وشمر‬
‫بحزم ‪ ،‬فما فاز إل المشمرون ‪ .‬أيها المسافرون ‪ :‬يا من شددتم الرحال‬
‫للصطياف والسياحة ‪ ،‬وأنفقتم أموالكم بحثا عن المتعة والراحة ‪ ،‬تذكروا‬
‫وأنتم ترحلون ‪ ،‬أنكم عما قريب سترحلون ‪ .‬وتذكروا وأنتم ترجعون ‪ ،‬أنكم‬
‫إلى ربكم ترجعون ‪ .‬وإذا قفلتم عائدين ‪ ،‬سألكم الهل والصدقاء عن رحلتكم‬
‫‪ ،‬وما فعلتم واستمتعتم ‪ ،‬وهكذا أيضا ‪ ،‬ستسألون عن رحلة عمركم عن‬
‫أعماركم ‪ ،‬وعن شبابكم ‪ ،‬وعن علمكم ‪ ،‬وعن أموالكم ‪ ،‬من أين ؟ وفيم ؟‬
‫فأعدوا الجواب ‪ ،‬وإياكم أن تنعموا أجسادكم ‪ ،‬وتعمروا قلوبكم بالخراب ‪،‬‬
‫وتعملوا للدنيا عمل المحتار والمرتاب ‪ ،‬وليكن سفركم إذا سافرتم عونا على‬
‫الطاعة ‪ ،‬واجعلوه من اتخاذ السباب ‪ .‬ول يكن سفركم معصية للمولى ‪،‬‬
‫وإسرافا وتفاخرا ‪ ،‬ورب مسافر على مقعد ‪ ،‬عاد إلى دياره في تابوت ‪،‬‬
‫ووالله لقد نغص الموت على أهل النعيم نعيمهم ‪ ،‬ولكن أكثر الناس ل يوقنون‬
‫‪ .‬وصلوا على الرحمة المهداة ‪ ،‬والنعمة المسداة ‪ ،‬النبي المي ‪ ،‬محمد بن‬
‫عبدالله ‪ ،‬كما أمركم بذلك الله في قوله ‪ :‬إن الله وملئكته ‪....‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫قذائف إسلمية في قلب الحرام العلمي‬


‫أ‪.‬د‪/‬‬
‫جابر قميحة‬
‫‪komeha@menanet.net‬‬
‫يتعرض السلم ومبادئه وقيمه والداعون إليه لهجمات شرسة خسيسة‪,‬‬
‫يتولي كبرها ً أفراد وجماعات يحملون أسماء عربية إسلمية‪ .‬وتتمادي هذه‬
‫الهجمات‪ ,‬وتزداد شراسة ووقاحة بازدياد امتداد العولمة ‪-‬وبتعبير أدق‪-‬‬
‫»المركة«‪ ,‬وازدياد نفوذها بالترهيب أو الترغيب‪ ,‬أو بهما مًعا‪ ,‬كما كان غلة‬

‫‪154‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اليسارين من الشيوعيين أصحاب النصيب الوفى في هذه الهجمات‪,‬‬


‫واستهدفوا بعدوانهم الرسالة والرسول صلي الله عليه وسلم‪ ,‬وشخصيات‬
‫الصحابة‪ ,‬ولغة القرآن‪ ,‬والداعين إلي »إسلمية الحل«‪ ,‬والتمسك بثوابت ديننا‬
‫الحنيف‪.‬‬
‫موقف السلميين‬
‫كتاب والمفكرين السلميين لهذه الهجمات واستطاعوا‬ ‫وقد تصدي عدد من ال ُ‬
‫تفنيدها وقصمها‪ ,‬منهم الشيخ محمد الغزالي ‪-‬رحمه الله‪ -‬والدكتور يوسف‬
‫القرضاوي‪ ,‬والدكتور محمد عمارة وغيرهم‪.‬‬
‫ولكن السلميين ‪-‬أمام هذه الهجمات‪ -‬كانوا ‪-‬وما زالوا‪ -‬فريقين‪ :‬الفريق‬
‫الول يري أننا يجب أن نتصدي لهؤلء أول ً بأول‪ ,‬ونفحمهم‪ ,‬أما الفريق الثاني‬
‫فيرى أن نغفلهم ‪ ,‬ول نعطيهم أي اهتمام ؛ لن تصدينا لهم سُيكسبهم شهرة‬
‫ل يستحقونها‪ ,‬والسلم باق خالد لن يضيره أمثال هؤلء‪ .‬فهم‪:‬‬
‫عل‬‫كناطح صخرة ً يوما ليوهنها فلم ُييضرها وأوهى قرَنه الوَ ِ‬
‫وآمل أن أكون مصيًبا إذا أخذت نفسي بالرأي الول‪ ,‬ورجحته علي الرأي‬
‫الثاني‪:‬‬
‫‪ -1‬لنه أقرب إلي طبيعة السلم‪ ,‬ودعوته إلي المر بالمعروف والنهي عن‬
‫المنكر‪ ,‬قول وفعل‪ .‬كل بقدر استطاعته‪ .‬حتي لو كان المنكر من صغائر‬
‫المور‪ .‬وهذا هو النهج الذي سار فيه الرسول صلي الله عليه وسلم والرعيل‬
‫الول من المسلمين‪.‬‬
‫‪ -2‬ولننا إذا أغفلنا هؤلء‪ ,‬فإن شرهم سيتفاقم‪ ,‬وبالغرور سيتمادون في‬
‫غرورهم‪ ,‬ويتمادون في التمادي‪ .‬يقول المثل العربي »معظم النار من‬
‫مستصغر الشرر«‪ ,‬ويقول الشاعر عبد الرحمن شكري‪:‬‬
‫ما أن تساغ الكبائُر‬
‫ل صغيرة فلبد ّ يو ً‬ ‫إذا نحن طامّنا لك ّ‬
‫‪ -3‬صحيح أنهم قد يكتسبون شهرة بتصدي السلميين لهم‪ ,‬فيعرفهم من كان‬
‫يجهلهم‪ .‬ليكن‪ ..‬فذلك في مصلحة السلم والمسلمين‪ .‬فهذه الشهرة إنما‬
‫هي من قبيل »الفضح والكشف والتعرية«‪ .‬وإشهار هؤلء المفترين المزورين‬
‫صن متين في‬ ‫المتقولين علي السلم يجعل المسلمين علي حذر دائم‪ ,‬وتح ّ‬
‫موقفهم من أكاذيبهم وأضاليلهم‪.‬‬
‫أقزام يبصقون إلي أعلي‬
‫من هؤلء محمد سعيد عشماوي ونصر أبو زيد وخليل عبد الكريم‪ ,‬وسيد‬
‫يء(‪:‬‬‫القمني‪ ,‬ورفعت السعيد‪ ,‬وآخرون‪ .‬ومن إفرازات هؤلء وقيوئهم )جمع ق ٍ‬
‫القول بأن محمد صلي الله عليه وسلم من صناعة بشرية لتحقيق أهداف‬
‫سياسية‪ ,‬والقول ببشرية القرآن‪ ,‬وأنه من تأليف محمد‪ ,‬وتجريح الصحابة‬
‫وأخلقياتهم‪ ,‬والقول بأن السلم دين تعبدي ل علقة له بالحكم والسياسة‬
‫والتنظيم الجتماعي ‪ ,‬والتشكيك في قدرة اللغة العربية ‪-‬لغة القرآن‪-‬‬
‫ووصفها بالتخلف والجمود‪.‬‬
‫ومن هؤلء من عاد إلي الحق بشجاعة وإيمان وثيق كخالد محمد خالد‪ ,‬الذي‬
‫خا‪ ,‬و»مسحه‬ ‫اعتذر عن كتابه »من هنا نبدأ« بعد أن ُنشر وانتشر انتشاًرا صار ً‬
‫ومحقه« بكتابه عن »الحكومة السلمية«‪ .‬ويقال إن علي عبد الرازق تاب‬
‫كتب له‪ -‬وكتب اسمه عليه وهو »السلم‬ ‫إلي الله عن كتابه ‪-‬الذي كتبه أو ُ‬
‫وأصول الحكم« وإن لم تشتهر توبته‪ ,‬وتوصيته لبنائه بأل يعيدوا طبع هذا‬
‫الكتاب‪ .‬ومنهم من انسحب سريًعا في اضطراب وحسرة بعد توالي الصفعات‬
‫التي انهمرت عليه وهو ذلك الذي هتف بسقوط سيبويه‪.‬‬
‫ولكن أغلب هؤلء مازالوا في الساحة يستمرئون أضاليلهم‪ ,‬ويتمادون في‬

‫‪155‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قح رفعت السعيد زعيم »‬ ‫زيوفهم‪ .‬وأشهر هؤلء »المحترم« الماركسي ال ُ‬


‫حزْيب التجمع« الذي خصص أغلب إفرازاته في الهجوم علي الخوان‬ ‫ُ‬
‫ودعوتهم ومرشدهم المام الشهيد حسن البنا‪ .‬وكل هؤلء العلمانيين‬
‫صا »المحترم« رفعت السعيد‪ -‬يذكرونني بالمثل الصيني »يا للعار!!‬ ‫‪-‬وخصو ً‬
‫إنهم أقزام ‪ ,‬ويظنون أنهم عمالقة لنهم يبصقون إلي أعلي«‪.‬‬
‫حزيب يفسر تعفف الخوان عن‬ ‫فل عجب إذن أن نري »المحترم« زعيم ال ُ‬
‫الرد عليه بانه جبن وعجز‪ ,‬ودليل علي تسليمهم بصحة ما يقول‪.‬‬
‫غرور‪ ...‬وتردد‬
‫ول أخفي أن كثيرين من الخوان ترددوا في الرد علي هذا الرجل ‪-‬ل جبنا‬
‫وخوفا‪ -‬ولكن كسل‪ ,‬وإن شئت فقل لنهم مشغولون بكتاباتهم فيما هو أهم‬
‫وأحق من قضايا المسلمين وقضايا الوطن‪.‬‬
‫ولكن »المحترم« تمادي في التمادي‪ ,‬وتوالت بصقاته إلي أعلي‪ ,‬فكتب‪..‬‬
‫حزيبه« أنه ل يوجد في »الخوان‬ ‫وأخذ يصرح في جلساته‪ ,‬وبين رجالت » ُ‬
‫المتمسلمين« من يستطيع أن يجابهه‪ ,‬ويتصدي له بسبب منهجه العلمي‪,‬‬
‫ونصوصه الموثقة)!!(‬

‫)‪(1 /‬‬

‫دا من المترددين المتهيبين« لن »المحترم« يستشهد‬ ‫وأعترف أنني كنت واح ً‬


‫ما‪ .‬وأنا‬
‫بنصوص من صحف صدرت من نصف قرن أو ستين أو سبعين عا ً‬
‫عاجز عن الوصول إلي هذه الصحف لكثر من سبب‪ .‬والمنهج العلمي في‬
‫الرد يقتضي أن أعود إلي هذه الصول‪ .‬ولكني قلت »فلستعن بالله«‪,‬‬
‫وأمدني عالم جليل ‪-‬يحمل دكتوراه حقيقية‪ -‬بعدد من البيانات والوثائق‬
‫والمعلومات الحاسمة عن »المحترم« يمكن العتماد عليها ‪-‬إلي حد كبير‪ -‬في‬
‫الرد عليه‪ .‬وبدأت الكتابة‪ .‬وفجأة ظهرت مفاجأة لم تخطر ببالي‪:‬‬
‫وظهر‪ ..‬منصور أبو شافعي‬
‫ي‬
‫إنه شاب ‪-‬أو كهل‪ -‬في الربعين من عمره‪ .‬رحبت به في بيتي‪ ..‬قدم إل ّ‬
‫‪-‬علي استحياء‪ -‬كتبه الثلثة‪ ,‬وهي كل إنتاجه‪:‬‬
‫‪ -1‬مركسة السلم )صدر في أغسطس ‪.(1999‬‬
‫‪ -2‬مركسة التاريخ النبوي )صدر في نوفمبر ‪.(2000‬‬
‫‪ -3‬العلمانيون والحرام العلمي‪ :‬مراجعة نقدية لعلمية كتابات د‪ .‬رفعت‬
‫السعيد عن حسن البنا )صدر في سبتمبر ‪.(2004‬‬
‫الكتابان الول والثاني في نقد ‪-‬بل نقض‪ -‬فكر سيد القمني والكتاب الثالث‬
‫في التصدي لفرازات »المحترم« عن الخوان وحسن البنا ‪-‬رحمه الله‪ -‬وهو‬
‫دا‪ ,‬ولو ُ‬
‫طبع‬ ‫من ‪ 200‬صفحة من القطع الكبير مطبوع بحروف صغيرة ج ً‬
‫بحروف عادية لشغل الكتاب ما ل يقل عن ‪ 400‬صفحة‪.‬‬
‫دا من الهتمام للكتاب الخير‪..‬‬ ‫بعد أن قرأت الكتب الثلثة‪ ,‬وأعطيت مزي ً‬
‫عرفت أن الستاذ منصور الشافعي كان هو المفاجأة السارة لي‪ .‬لنه أراحني‬
‫صا أنني لم يكن في حوزتي‬ ‫من الكتابة عن »المحترم« والتصدي له‪ .‬وخصو ً‬
‫صا‬‫ما يمكنني من الرد‪ ,‬أو النقد الذي أريده بالصورة التي أنشدها‪ ,‬وخصو ً‬
‫الصحف‪.‬‬
‫تعرية »المحترم«‪ ..‬والحرام العلمي‬
‫ولم يسرف الدكتور محمد عمارة إذ كتب في تقديمه لهذا الكتاب‪..» :‬لقد‬
‫وضع هذا الكتاب د‪ .‬رفعت السعيد في حالة ل يحسد عليها‪ ..‬حال ل يتمناها‬

‫‪156‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إنسان لعدو أو حبيب‪ ,‬حتي لكأنه قد عّراه‪ ,‬ثم قام بتجريسه‪ ...‬بالعلم‬
‫والوثائق والمنطق والحجج والبراهين‪ ,‬كان الله في عون الدكتور رفعت بعد‬
‫صدور هذا الكتاب‪ .‬وكان الله في عون الباحث منصور أبو شافعي ليواصل‬
‫مسيرته المظفرة ‪-‬إن شاء الله‪ -‬في تعرية الزيف العلماني‪ ,‬والغلو اللديني‬
‫الذي يمثل في واقعنا الفكري المتداد السرطاني للحرب‪ :‬الصلييبية‪-‬‬
‫الصهيونية‪ ..‬المعلنة ضد السلم والمسلمين‪.«..‬‬
‫ومنصور يقصد بالحرام العلمي ما يفعله المحترم من إيهام المتلقين بعلمية‬
‫معالجة موضوع ما‪ ,‬واتباع قواعد الموضوعية في هذه المعالجة‪ ,‬والتجرد من‬
‫الهوي والتزييف والتزوير‪.‬‬
‫وأنا أقرأ هذا التعبير »الحرام العلمي« لول مرة في حياتي‪ ,‬وأعتقد أنه‬
‫حا‪ ,‬لن العلمانيين غارقون حتي آذانهم في هذا‬ ‫سيصير بمرور اليام مصطل ً‬
‫الحرام العلمي‪.‬‬
‫فسه ‪-‬في صبر‬ ‫وفي حملة منصور أبو شافعي علي هذا الحرام العلمي يأخذ ن َ‬
‫عجيب‪ -‬بقواعد صارمة‪ ..‬منها‪:‬‬
‫‪ -1‬الرجوع إلي المراجع التي أحال عليها ‪-‬وأخذ منها‪» -‬المحترم«‪ ,‬أو ادعي‬
‫صا المواضع التي أشار إليها‪ .‬واتبع ذلك حتى في الصحف‬ ‫أنه أخذ منها‪ .‬وخصو ً‬
‫والمجلت مع صعوبة الحصول عليها‪.‬‬
‫‪ -2‬الرجوع إلي أكثر من طبعة للمرجع‪ ,‬وقد يعود إلي كل طبعاته‪.‬‬
‫‪ -3‬استقراء كل رؤي المحترم رفعت السعيد للمسألة الواحدة« فمنصور ل‬
‫ما القارئ بأن هذا هو رأيه‬ ‫يكتفي بالرأي الحدث للمحترم في مسألة ما‪ ,‬موه ً‬
‫من قديم‪ ,‬بل يعود منصور إلي أول الخيط التاريخي لرؤيته ‪-‬أو رؤاه‪-‬‬
‫السابقة‪ .‬وهذا ساعد »منصور« علي اكتشاف عشرات من التناقضات‬
‫السعيدية الفادحة‪.‬‬
‫‪ -4‬التدرج المنطقي في مناقشة »المحترم« ونقض ادعاءاته‪ ..‬فهو يسير في‬
‫صا إلي‬‫تؤدة وأناة سيًرا تصاعدًيا ابتداء من المقدمات السهلة البسيطة خلو ً‬
‫الحكم الحاسم الذي يجد القارئ السوي نفسه مقتنًعا به‪ ,‬لنه لم يفاجئه‪.‬‬
‫‪ -5‬التزام الوقار العقلي‪ ,‬وكبح القلم عن الندفاع بالحماسة حتي في‬
‫المسائل التي قد تحتاج إلي الحماسة والوجدانية كادعاء المحترم بأن حسن‬
‫البنا كان يقول بتكفير المسلمين في كتاباته وخطبه ومؤتمراته‪ ,‬من أول‬
‫قيامه بدعوته‪.‬‬
‫من التزوير السعيدي‬
‫ويورد منصور عشرات من التزوير المقصود في نصوص سماها »المحترم«‬
‫وثائق‪ ,‬وللحق تمكن المحترم من توظيف كل أنواع التزوير المعروفة قانوًنا‪,‬‬
‫وأشهرها »التزوير بالضافة« و»التزوير بالحذف والسقاط« حتي يحقق‬
‫أهدافه التي يحرص عليها‪ ,‬وهي أهداف مناقضة للحق والحقيقة والقيم‬
‫النسانية‪ .‬فمثل‪ :‬يحرص المحترم علي إيهام القارئ‪ ,‬بل الناس جميًعا بأن‬
‫الماركسية ل تناقض الدين‪ ,‬ول تتعارض معه فيورد النص التالي لكارل‬
‫ماركس‪» :‬إن الدين عند الكثيرين هو النظرية العامة لهذا العالم‪ ,‬وهو‬
‫مجموعة معارفهم الموسوعية‪ ,‬وهو منطقهم الذي يتخذ شكل ً شعبًيا‪ ,‬وهو‬
‫صهم‪ ,‬ومنهجهم‬ ‫صا ً‬
‫موضوع اعتزازهم الروحي‪ ,‬وموقع حماستهم‪ ,‬وهو أداة ق ّ‬
‫الخلقي«‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪157‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ويرجع منصور كعادته إلي مصدر »المحترم« ويكتشف أنه حذف من النص ما‬
‫ما‪ .‬فقبل النص السابق مباشرة حذف »المحترم« السطور‬ ‫يعكس معناه تما ً‬
‫التية‪ :‬يقول ماركس »إن النسان هو الذي يصنع الدين وليس العكس‪,‬‬
‫فالدين في حقيقته هو الوعي الذاتي للنسان‪ «..‬أي أن الدين ليس من عند‬
‫الله‪ ,‬بل هو صناعة بشرية‪..‬‬
‫ويعرض أبو شافعي عشرات من التناقضات المرة للمحترم‪ ,‬وكثيًرا من‬
‫الخطاء الموضوعية منها أن المحترم يتعامل مع كتاب »من هنا نعلم« للشيخ‬
‫محمد الغزالي علي أنه من تأليف سيد قطب‪ ,‬رحمهما الله‪ .‬ومن أخطائه‬
‫المنهجية استخدامه مراجع وسيطة دون الرجوع إلي الصل‪.‬‬
‫وأخيًرا أقول‪ :‬إني أري في »منصور أبو شافعي« امتداًدا طبعًيا للدكتور محمد‬
‫عمارة أطال الله في عمره‪ .‬كان هذا ‪-‬ومازال‪ -‬انطباعي وآمل أن يكون‬
‫صادًقا‪..‬‬
‫واللغة يا منصور‪..‬‬
‫أكدت للخ منصور أن هذا الكتاب لم يقع في يد »مصحح طٍبعي« فالخطاء‬
‫دا من لغته التي‬ ‫ضا إن فكر منصور أرقي بكثير ج ً‬ ‫اللفظية غزيرة‪ .‬وأقول أي ً‬
‫دا عن لغة أجنبية‪ .‬وكثيًرا ما‬‫تبدو عبارات كثيرة منها وكأنها ترجمة حرفية ج ً‬
‫يعطف علي المضاف قبل استغراقه )في كل كتبه( كقوله »تخلي عن‬
‫موضوعية وحياد وأمانة الباحث« والصحيح‪ :‬تخلي عن موضوعية الباحث‬
‫وحياده وأمانته‪ ,‬مركسة التاريخ النبوي ص ‪ ,4‬ومثل »الكتابة عن وضد حسن‬
‫البنا« والصحيح »عن حسن البنا وضده‪) -‬العلمانيون ‪ (14‬ومثل الدعوة إلي‬
‫شمول والدفاع عن السلم )السابق ‪ (133‬والصحيح ‪ :‬الدعوة إلي شمول‬
‫السلم والدفاع عنه‪ ..‬إلخ‪.‬‬
‫وأخيًرا‪ ..‬أدعو لكاتبنا الستاذ منصور بالتوفيق والتقدم المطرد‬

‫)‪(3 /‬‬

‫قذف المحصنات من كبائر الذنوب‬


‫السؤال ‪:‬‬
‫ً‬
‫مسلمة اتهمتها إحداهن زورا بالفاحشة مع فتاة تعريضا و أشاعت ذلك بين‬ ‫ً‬
‫الناس ‪.‬‬
‫ماذا يجب على المت َّهمة إذا كانت ل تستطيع أن تدفع عن نفسها ؟ و هل يعد‬
‫هذا قذفا ً ؟‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫أقول مستعينا ً بالله تعالى ‪:‬‬
‫لقد حّرم الله تعالى على المسلم الستطالة في عرض أخيه المسلم ) و‬
‫سواء في هذا الحكم الرجال و النساء ( ‪.‬‬
‫قد ِ‬ ‫ما اك ْت َ َ‬
‫سُبوا فَ َ‬ ‫ت ب ِغَي ْرِ َ‬
‫مَنا ِ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن وَ ال ُ‬ ‫مؤْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫ن ي ُؤُْذو َ‬ ‫ذي َ‬‫قال تعالى ‪ ) :‬وَ ال ّ ِ‬
‫مِبيًنا ( ] الحزاب ‪. [ 58 :‬‬ ‫ما ُ‬ ‫مُلوا ب ُهَْتاًنا وَ إ ِث ْ ً‬
‫حت َ َ‬
‫ا ْ‬
‫و المعنّيون بالوعيد في هذه الية هم الذين يستطيلون في أعراض المسلمين‬
‫ظلما ً و عدوانا ً ) أي ينسبون إليهم ما هم برآء منه لم يعملوه و لم يفعلوه "‬
‫ي أو ينقل‬ ‫فقد احتملوا بهتانا ً و إثما ً مبينا ً " و هذا هو الَبهت الكبير ‪ :‬أن يحك َ‬
‫عن المؤمنين و المؤمنات ما لم يفعلوه على سبيل العيب و التنقص لهم (‬
‫كما قال ابن كثيرٍ في تفسيره ‪.‬‬
‫ُ‬
‫ت لعُِنوا ِفي‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مَنا ِ‬ ‫ْ‬
‫ت ال ُ‬‫ت الَغاِفل ِ‬‫ْ‬ ‫صَنا ِ‬ ‫ح َ‬‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ن ي َْر ُ‬
‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ل و عل ‪ ) :‬إ ِ ّ‬ ‫و قال ج ّ‬

‫‪158‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م ( ] النور ‪. [ 23 :‬‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ب عَ ِ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫خَرةِ وَ ل َهُ ْ‬ ‫الد ّن َْيا وَ ال ِ‬


‫م ِفي ك ُلّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫ت هَذِهِ الَية ِفي َ‬ ‫َ‬
‫عا ّ‬ ‫حكم ب َِها َ‬ ‫شة ‪ ,‬وَ ال ُ‬ ‫شأن َ‬ ‫قال ابن جرير ‪ ) :‬ن ََزل ْ‬
‫ه الله ب َِها ِفيَها ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ف ُ‬‫ص َ‬ ‫فةِ ال ِّتي وَْ َ‬ ‫ص َ‬ ‫ن ِبال ّ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫"‬ ‫‪:‬‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ق‬
‫َ‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫له‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫;‬ ‫ب‬ ‫وا‬ ‫ص‬ ‫بال‬ ‫ويلته‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫و‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫نا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ما‬
‫ِ َ‬ ‫ِ ّ‬ ‫َ ّ ِ ِْ ِ‬ ‫ّ‬ ‫ِ ّ َ ِ‬ ‫َ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ ِ‬ ‫وَ ِ ّ َ‬
‫ن‬ ‫إ‬
‫ها َرام ٍ‬ ‫ما َ‬ ‫مَنة َر َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫غافَِلة ُ‬ ‫صَنة َ‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫مَنات " ك ُ ّ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫صَنات ال َْغاِفلت ال ْ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ي َْر ُ‬
‫ضا ُدون ب َْعض ‪ ,‬فَك ُ ّ‬ ‫ص ب ِذ َل ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫صَنة‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َرام ٍ ُ‬ ‫ك ب َعْ ً‬ ‫خ ّ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫ن غَْير أ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫شةِ ‪ِ ,‬‬ ‫ح َ‬ ‫فا ِ‬
‫خَرة َو‬ ‫ملُعون ِفي الد ّن َْيا وَ ال ِ‬ ‫ْ‬ ‫ل ث ََناؤُه ُ ِفي هَذِهِ الَية فَ َ‬ ‫ج ّ‬ ‫ّ‬
‫فةِ الِتي ذ َك ََر الله َ‬ ‫ّ‬ ‫ص َ‬ ‫ِبال ّ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ن الله د َ ّ‬ ‫ك قَْبل وََفاته ‪ ,‬فَإ ِ ّ‬ ‫ن ذ َْنبه ذ َل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ي َُتوب ِ‬ ‫ظيم ‪ِ ,‬إل أ ْ‬ ‫ذاب عَ ِ‬ ‫ه عَ َ‬ ‫لَ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫كم‬ ‫ح ْ‬ ‫ك ُ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫حوا " عََلى أ ّ‬ ‫صل َ ُ‬‫ك وَ أ ْ‬ ‫ن ب َْعد ذ َل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َتاُبوا ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫قوْل ِهِ ‪ " :‬إل ال ّ ِ‬ ‫ست ِث َْنائ ِهِ ب ِ َ‬ ‫ِبا ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫وله‬ ‫ن قَ ْ‬ ‫مّية ‪ ,‬وَ عَلى أ ّ‬ ‫مْر ِ‬ ‫مَنة ال َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫صَنة ال ُ‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ال ُ‬ ‫فة كان َ ْ‬ ‫ص َ‬ ‫صَنة ب ِأيّ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫مي ك ّ‬ ‫َرا ِ‬
‫ُ‬
‫ن هَلكوا‬ ‫َ‬ ‫م ذ َل ِك إ ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫معَْناهُ ‪ :‬لهُ ْ‬ ‫ظيم " َ‬ ‫ذاب عَ ِ‬ ‫م عَ َ‬ ‫َ‬
‫خَرة وَ لهُ ْ‬ ‫‪ " :‬لعُِنوا ِفي الد ّن َْيا وَ ال ِ‬ ‫ُ‬
‫م ي َُتوُبوا ( ‪.‬‬ ‫وَ ل َ ْ‬
‫ن َزي ْدٍ‬ ‫سِعيد ِ ب ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫و روى أبو داود في سننه و أحمد في مسنده بإسناد ٍ صحيٍح عَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل ‪ ) :‬إن م َ‬
‫ة ِفي‬ ‫ست ِطال َ‬ ‫ن أْرَبى الّرَبا ال ْ‬ ‫ِ ّ ِ ْ‬ ‫م َقا َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫عَ ْ‬
‫حق ّ ( ‪.‬‬ ‫سل ِم ِ ب ِغَي ْرِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ض ال ُ‬ ‫ْ‬
‫عْر ِ‬ ‫ِ‬
‫و المنهي عنه في هذا الحديث هو إطالة اللسان في عرض المسلم ؛‬
‫ب ‪ ,‬و إنما يكون هذا‬ ‫ف أو س ٍ‬ ‫باحتقاره و الترفع عليه ‪ ,‬و الوقيعة فيه بنحو قذ ٍ‬
‫أشد تحريما ً من المراباة في الموال لن العرض أعز على النفس من‬
‫المال ‪ ،‬كما قال أبو الطيب العظيم آبادي في ) عون المعبود ( ‪.‬‬
‫ما كان القذف من أشنع الذنوب ‪ ،‬و أبلغها في الضرار بالمقذوف و‬ ‫ول ّ‬
‫ً‬
‫الساءة إليه ‪ ،‬كان التحذير منه في القرآن الكريم شديدا ‪ ،‬و مقرونا بما يردع‬ ‫ً‬
‫الواقع فيه من العقوبة ‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م‬‫دوهُ ْ‬ ‫جل ِ ُ‬ ‫داَء َفا ْ‬ ‫شهَ َ‬ ‫م ي َأُتوا ب ِأْرب َعَةِ ُ‬ ‫مل ْ‬ ‫ت ثُ ّ‬ ‫صَنا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ن ي َْر ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫قال تعالى ‪ ) :‬وَ ال ّ ِ‬
‫م ال ْ َ‬ ‫دا وَ أول َئ ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن ( ] النور ‪:‬‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫فا ِ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫شَهاد َةً أب َ ً‬ ‫م َ‬ ‫قب َُلوا ل َهُ ْ‬ ‫جل ْد َة ً وَ ل ت َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ماِني َ‬ ‫ثَ َ‬
‫‪.[4‬‬
‫قال المام الطبري رحمه الله في تفسير هذه الية ‪ ) :‬يقول تعالى ذكره ‪ :‬و‬
‫الذين يشتمون العفائف من حرائر المسلمين ‪ ,‬فيرمونهن بالزنا ‪ ,‬ثم لم يأتوا‬
‫على ما رموهن به من ذلك بأربعة شهداء عدول يشهدون عليهن أنهم رأوهن‬
‫يفعلن ذلك ‪ ,‬فاجلدوا الذين رموهن بذلك ثمانين جلدة ‪ ,‬و ل تقبلوا لهم شهادة‬
‫أبدا ً ‪ ,‬و أولئك هم الذين خالفوا أمر الله و خرجوا من طاعته ففسقوا عنها ( ‪.‬‬
‫و قال الحافظ ابن كثيرٍ رحمه الله ‪ ) :‬هذه الية الكريمة فيها بيان حكم جلد‬
‫القاذف للمحصنة ؛ و هي ‪ :‬الحرة البالغة العفيفة فإذا كان المقذوف رجل‬
‫فكذلك يجلد قاذفه أيضا ‪ ،‬وليس فيه نزاع بين العلماء ‪ ...‬و أوجب الله على‬
‫القاذف إذا لم ُُيقم البينة على صحة ما قال ثلثة أحكام ‪:‬‬
‫أحدها ‪ :‬أن يجلد ثمانين جلدة ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أنه ترد شهادته أبدا ً ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬أن يكون فاسقا ً ليس بعدل ل عند الله و ل عند الناس ( ‪.‬‬
‫و القذف الذي يوجب الحد هو الرمي بالزنا أو اللواط أو ما يقتضيهما‬
‫مهات تصريحا ً على الراجح ) و هو‬ ‫كالتشكيك في النساب و الطعن في ال ّ‬
‫ً‬
‫مذهب أبي حنيفة و الشافعي ( ‪ ،‬ل تعريضا و ل تلميحا ) خلفا لمذهب المام‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫مالك و من وافقه ( ‪ ،‬إل ّ إن أقّر المعّرض بأن مراده هو القذف الصريح ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪159‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قال المام القرطبي في تفسير آية النور ‪ ) :‬للقذف شروط عند العلماء‬
‫تسعة ‪ :‬شرطان في القاذف ؛ و هما ‪ :‬العقل و البلوغ ; لنهما أصل التكليف ‪,‬‬
‫إذ التكليف ساقط دونهما ‪.‬‬
‫و شرطان في الشيء المقذوف به ‪ ,‬و هو ‪ :‬أن يقذف بوطء يلزمه فيه‬
‫الحد ‪ ,‬وهو الزنى و اللواط ; أو بنفيه من أبيه دون سائر المعاصي ‪.‬‬
‫و خمسة من المقذوف ؛ و هي ‪ :‬العقل و البلوغ و السلم و الحرية و العفة‬
‫عن الفاحشة التي رمي بها ‪ ،‬كان عفيفا ً من غيرها أم ل ( ‪.‬‬
‫ت ‪ :‬و الحال المذكورة في السؤال هي من قبيل الطعن في العراض‬ ‫قل ُ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بالتعريض و التلميح ‪ ،‬و تعتبر قذفا موجبا للحد ّ عند المالكّية ‪ ،‬و ل تعتبر كذلك‬
‫دم ‪ ،‬و في كلتي الحالتين فإن الوقوع في‬ ‫عند الحنفّية و الشافعّية كما تق ّ‬
‫العراض بالتلميح أو التصريح من الذنوب الكبائر ‪ ،‬الموجبة للتوبة و استباحة‬
‫ل و ل بنون إل‬‫من تسببت في الساءة إليه ‪ ،‬قبل أن يأتي يوم ل ينفع فيه ما ٌ‬
‫ب سليم ٍ ‪.‬‬
‫من أتى الله بقل ٍ‬
‫و التوبة من القذف كالتوبة من الغيبة من حيث حكمها و كيفّيتها و شروط‬
‫قبولها ‪ ،‬و قد بسطناها في مكان آخر ‪ ،‬فليرجع إليها من أراد الستزادة ‪.‬‬
‫هذا ‪ ،‬و الله المستعان ‪ ،‬و عليه التكلن‬
‫ب العالمين ‪.‬‬‫و الحمد لله ر ّ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫قراءات في علم الستغراب )‪(1/2‬‬


‫قراءة في كتاب )مقدمات الستتباع)‬
‫د‪ .‬بدران بن الحسن ‪30/7/1426‬‬
‫‪04/09/2005‬‬
‫لماذا علم الستغراب؟‬
‫من المسائل الشائكة في عالم أفكارنا كيفية التعرف على الغرب ومعرفة‬
‫أنساقه الفكرية وتجربته الحضارية وخصائصه التي تميزه عن غيره من‬
‫الكيانات الحضارية‪ .‬ولذلك تواجهنا مجموعة من السئلة التي تحتاج إلى‬
‫إجابات علمية دقيقة تساهم في فهم الغرب وتوفير آليات منهجية للتعامل‬
‫معه‪.‬‬
‫وهنا ُيثار تساؤل عن كيفية ضبط العلقة مع الغرب؛ إذ إن الشعاع العالمي‬
‫الشامل الذي تتمتع به ثقافة الغرب‪ ،‬هو الذي جعلنا في موقف ينبغي أن‬
‫نحدد الصلة به‪ ،‬وخاصة أن ما يفيض علينا وعلى غيرنا من المم والشعوب‬
‫من إنجازاته الحضارية ومن فوضاه الحالية جعل منه مشكلة عالمية‪ ،‬ينبغي‬
‫أن نحللها وأن نتفهمها في صلتها بالعالم كله وبالعالم السلمي بوجه خاص‪.‬‬
‫وهنا يأتي ما يمكن أن نسميه علم الستغراب كما ذهب إلى ذلك الستاذ‬
‫حسن حنفي وغيره من المهتمين بالتأسيس لعلم يقوم على دراسة الغرب‪.‬‬
‫وهذا ل يجعل العالم السلمي تابًعا في حلوله للغرب ‪-‬كما يعتقد كثير من‬
‫التغريبيين أو غيرهم من دعاة الصالة السلمية‪ -‬وإنما يتطلب منا أن نعرف‬
‫التجارب الحضارية المختلفة لنتحقق من مدى نسبيتها ومدى قابليتها للنقل‬
‫والستفادة‪.‬‬
‫فإذا ما أدرك العالم السلمي أن الظاهرة الحضارية الغربية مسألة نسبية‪،‬‬
‫فسيكون من السهل عليه أن يعرف أوجه النقص فيها‪ ،‬كما سيعرف عظمتها‬
‫الحقيقية‪ ،‬وبهذا تصبح الصلت مع العالم الغربي أكثر خصوبة‪ ،‬ويسمح ذلك‬

‫‪160‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫للنخبة المسلمة أن تمتلك نموذجها الخاص‪ ،‬تنسج عليه فكرها ونشاطها‪.‬‬


‫فالمر يتعلق بكيفية تنظيم العلقة‪ ،‬وعدم الوقوع في الضطراب كلما تعلق‬
‫المر بالغرب‪.‬‬
‫فالعالم السلمي منذ بداية الجهود التجديدية الحديثة يضطرب‪ ،‬كلما تعلق‬
‫المر بالغرب‪ ،‬غير أنه لم يعد بذلك البريق الذي كان عليه منذ قرن تقريبًا‪،‬‬
‫ولم يعد له ما كان يتمتع به من تأثير ساحر‪ ،‬وجاذبية ظفر بها على عهد‬
‫ل‪ ،‬فالعالم الغربي صار حافل ً بالفوضى‪ ،‬ولم يعد المسلم الباحث‬ ‫أتاتورك مث ً‬
‫جا‬
‫عن تنظيم نفسه وإعادة بناء حضارته السلمية يجد في الغرب نموذ ً‬
‫يحتذيه‪ ،‬بقدر ما يجد فيه نتائج تجربة هائلة ذات قيمة ل تقدر‪ ،‬على الرغم مما‬
‫تحتوي من أخطاء‪.‬‬
‫ً‬
‫سا خطيًرا ومهما لفهم مصائر الشعوب‬ ‫فالغرب تجربة حضارية ُتعد ّ در ً‬
‫والحضارات‪ ،‬فهي تجربة مفيدة لعادة دراسة حركة البناء الحضاري‪ ،‬وحركة‬
‫التاريخ‪ ،‬ولبناء الفكر السلمي على أسسه الصيلة‪ ،‬وتحقيق الوعي السنني‪،‬‬
‫الذي ينسجم مع البعد الكوني لحركة التاريخ‪ ،‬ذلك البعد الذي يسبغ على‬
‫حركة انتقال الحضارة قانوًنا أزلًيا أشار إليه القرآن في قوله تعالى‪) :‬وتلك‬
‫اليام نداولها بين الناس(]آل عمران‪.[140:‬‬
‫فالتأمل في هذه التجربة التي صادفت أعظم ما تصادفه عبقرية النسان من‬
‫نجاح‪ ،‬وأخطر ما باءت به من إخفاق‪ ،‬وإدراك الحداث من الوجهين كليهما‪،‬‬
‫ضرورة ملحة للعالم السلمي في وقفته الحالية؛ إذ هو يحاول أن يفهم‬
‫وم أسباب فوضاه‬ ‫وم أسباب نهضته كما يق ّ‬‫ما واقعًيا‪ ،‬وأن يق ّ‬ ‫مشكلته فه ً‬
‫ما موضوعًيا‪.‬‬ ‫تقوي ً‬
‫وحتى ُتنظم هذه العلقات‪ ،‬وُيستفاد من هذه التجربة البشرية‪ ،‬وُيدرك مغزى‬ ‫ّ‬
‫التاريخ‪ ،‬ل بد من فهم هذا الغرب في عمقه‪ ،‬وتحديد خصائصه‪ ،‬ومعرفة ما‬
‫يتميز به من إيجابيات وسلبيات‪ ،‬حتى ل تكون معرفتنا به سطحية مبتسرة‪،‬‬
‫وأفكارنا عنه عامة‪ ،‬وغير نابعة من اطلع متأمل‪ ،‬وبالتالي يكون وعينا به‬
‫ها أو جزئًيا‪.‬‬ ‫مشو ً‬
‫ً‬
‫ولقد أضاع المسلمون كثيرا من الوقت منبهرين بما حققه الغرب‪ ،‬دون أن‬
‫يتأملوا ويدركوا سر حركة التاريخ في الغرب‪ ،‬فنرى كثيرا ً من الباحثين‬
‫والمفكرين المسلمين بمختلف انتماءاتهم يجهلون حقيقة الحياة الغربية‬
‫والحضارة الغربية بالرغم من أنهم يعرفونها نظريًا‪ ،‬كما أنهم ما زالوا يجهلون‬
‫تاريخ حضارتها‪ .‬وإنه بدون معرفة حركة تاريخ هذه الحضارة والمنطق‬
‫الداخلي الذي يحكمها‪ ،‬فإننا لم ندرك سر قوتها ول مكامن ضعفها‪ ،‬ولم نعرف‬
‫ونت‪ ،‬وكيف أنها في طريق التحّلل والزوال ِلما اشتملت عليه من‬ ‫كيف تك ّ‬
‫ألوان التناقض‪ ،‬وضروب التعارض مع القوانين النسانية‪.‬‬
‫وإذا كانت المائة سنة الخيرة قد تميزت بتقريب المسافات‪ ،‬واتجاه البشرية‬
‫حد‪ ،‬في مصيرها‪ ،‬وفي علقاتها‪ ،‬فإن المثقف المسلم نفسه ملزم‬ ‫نحو التو ّ‬
‫بأن ينظر إلى الشياء من زاويتها النسانية الرحبة‪ ،‬ويرتقي إلى إطار الحضور‬
‫العالمي‪ ،‬وعًيا وإنجاًزا‪ ،‬حتى يدرك دوره الخاص ودور ثقافته في هذا الطار‬
‫العالمي؛ إذ ل يمكن أن نطرح مشاكلنا في زمن العولمة والكونية‪ ،‬دون أن‬
‫نأخذ في العتبار كل المعطيات السياسية والجغرافية والستراتيجية‪.‬‬
‫وتحديد الصلة بالغرب وبغيره من الكيانات الحضارية‪ ،‬يعطينا تحديدين مهمين‬
‫في إنجاز مشروعنا التجديدي‪:‬‬
‫التحديد الول‪ :‬هو التحديد السلبي‪ ،‬وذلك من خلل إدراك نسبية الظواهر‬
‫الغربية‪ ،‬ومعرفة أوجه النقص فيها وأوجه العظمة الحقيقية‪.‬‬

‫‪161‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫أما التحديد الثاني‪ :‬فهو التحديد اليجابي‪ ،‬من خلل تحديد ما يمكن أن نساهم‬
‫به في ترشيد الحضارة النسانية وهدايتها‪.‬‬
‫وهذا في حد ذاته ينضج ثقافتنا ويعطيها توجًها عالمًيا‪ ،‬فمن المفيد قطًعا أن‬
‫ننظر إلى حركة التاريخ والواقع من زاوية عالمية لنكتسب بذلك وعيا ً عالميا‪ً،‬‬
‫فإذا أدركنا مشكلتنا في هذا المستوى‪ ،‬فإننا سندرك ‪-‬ل محالة‪ -‬حقيقة الدور‬
‫الذي ُيناط بنا في حضارة القرن الحادي والعشرين‪.‬‬
‫ما هو منظور علم الستغراب؟‬
‫إن مسألة تحديد النسق أو المنظور الذي من خلله نتناول القضايا ومناقشة‬
‫كن‬‫المشكلت المختلفة من الهمية بمكان‪ .‬ذلك أن تحديد المنظور يم ّ‬
‫الباحث أو الدارس من الحاطة بالمسألة‪ ،‬وامتلك القدرة على إدراك مختلف‬
‫أبعادها‪ ،‬وكذلك إمكانية صياغة حلول متناسقة قائمة على منهج واضح‪.‬‬
‫وبعبارة أخرى فإن منظور رؤية الشياء هو الذي يحدد المنهج المقتضي للتباع‬
‫وتناول تفاصيل المسائل‪ .‬وفي هذا السياق فإن النظر إلى مسألة ما من‬
‫ل‪ -‬يؤدي إلى اعتماد منهج يختلف بالضرورة عن المنهج‬ ‫منظور فقهي –مث ً‬
‫الذي يعتمد على منظور كلمي أو ثقافي أو حضاري أو سياسي‪.‬‬
‫وتحديد المنظور الذي من خلله نعالج المسائل يسهل مهمتين للدارس؛ من‬
‫حيث التساق في صياغة المنهج المراد اتباعه لعلج المسألة موضوع البحث‪،‬‬
‫ومن حيث القدرة على نقد مدى علمية المنهج المتبع في حل قضية ما ومدى‬
‫اتساقه مع نفسه واتساقه مع الحقيقة الخارجية‪.‬‬
‫ويمكن القول‪ :‬إنه بتحديدنا للمنظور‪ ،‬وبالتالي تحديدنا للمنهج المنبني عليه‬
‫يمكن معرفة مدى شمولية ودقة واستيعاب هذا المنظور أو ذاك لمختلف‬
‫البعاد‪ ،‬ومدى قدرة المنهج المنبني عليه على علج المشكلت المختلفة‬
‫للقضية أو الظاهرة أو المسألة موضوع البحث والدراسة‪.‬‬
‫والكتاب الذي بين أيدينا ُيعد ّ حلقة مهمة في بناء منظور ومنهجية للتعامل مع‬
‫الخر الغربي‪ ،‬ذلك أنه يبحث في جذور الغرب الثقافية والمعرفية التي‬
‫مَله مع غيره‪ ،‬كما يظهر الكتاب الستعدادات الثقافية‬ ‫كلت ‪-‬ول تزال‪ -‬تعا ُ‬ ‫ش ّ‬
‫التي مكنت الغرب من أن يبلور‪ ،‬بوساطتها صورة عن ذاته‪ ،‬ويشكل صورة‬
‫مشوهة للخر لتأكيد ذاته‪ ،‬والتمركز المستعلي على غيره‪ .‬ويتناول مصادر‬
‫خطاب السيطرة على البشر بعد السيطرة على الطبيعة‪ ،‬ثم الستشراق‪،‬‬
‫وأيديولوجية الهيمنة‪.‬‬
‫محتوى الكتاب‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يقع الكتاب في )‪ (160‬صفحة من القطع المتوسط‪ ،‬متضمنا تصديرا للدكتور‬
‫طه جابر العلواني‪ ،‬ومقدمة وأربعة فصول وخاتمة‪.‬‬
‫في التصدير أشار الدكتور العلواني إلى أن عنوان الكتاب "الستتباع"‬
‫يستدعي إلى الذاكرة مجموعة من المفاهيم والمصطلحات سادت في‬
‫أوساط مثقفي المة منذ منتصف القرن الماضي‪ ،‬مثل‪ :‬الستعمار‪،‬‬
‫والستشراق‪ ،‬والستغراب‪ ،‬والستكبار‪ ... ،‬النظام العالمي الجديد والرهاب‪،‬‬
‫والصولية‪ ،‬والظلمية ونحوها‪.‬‬
‫والكتاب يستدعي هذه المفاهيم لنه يعالج "حقل ً معرفيًا" واسعا ً يتصل بكل‬
‫هذه المفاهيم‪ .‬وهذا الكتاب يتناول الغرب بتحليل بنائه وأطره المنهجية‪،‬‬
‫ومسلماته المعرفية )البستمولوجية( وفلسفته ونظرياته وقواعده المعرفية‪،‬‬
‫قب عن كيفية تحول الغرب إلى المركزية في رؤيته لذاته وتهميشه‬ ‫وين ّ‬

‫‪162‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫للخرين‪ ،‬بل واستتباعهم‪.‬‬


‫ويشير إلى الطريقة التي تناول بها العقل المسلم ظاهرة الستشراق‪ ،‬وأنها‬
‫كانت دون مستوى الحاطة بالظاهرة‪ ،‬وانعدام الهتمام بتحليل البنى‬
‫المعرفية والطر المنهجية للستشراق بوصفه حقل ً معرفيا ً نشأ في إطار‬
‫العلم الغربي وفلسفته ونظرياته وأسسه المعرفية‪ ،‬وكان موضوعه الخر غير‬
‫الغربي‪ ،‬مستمرا ً في الشرق المسلم‪ ،‬وأن هذا الحقل المعرفي قد أسس‬
‫لنفسه علوما ً لبناء شبكات في الشرق المسلم‪ ،‬وأن هذا الحقل المعرفي قد‬
‫أسس لنفسه علوما ً لبناء شبكات المفاهيم الجديدة والمنظومات المعرفية‬
‫المؤطرة في فلسفته )التصدير‪.(10 ،‬‬
‫في المقدمة يشير المؤلف إلى عدة أفكار مهمة في سياق معالجته‬
‫للموضوع‪ ،‬أهمها‪:‬‬
‫‪ -‬التناول الجتزائي للستشراق‪ :‬فيرى الباحث أن الكتابات حول الستشراق‬
‫ونتائجه منذ عقدين من الزمن ونيف‪ ،‬وقع معظمها ضحية منظورات اجتزائية‬
‫لم تضع الستشراق ضمن النسق المعرفي المؤسسي العام للحضارة‬
‫الغربية‪ ،‬فهو ليس ظاهرة موازية للنسق المعرفي المؤسسي الغربي‬
‫المهيمن ول منقطعة عنه أو عرضية فيه‪ ،‬إنما على العكس استمدت جذورها‬
‫من هذا النسق بكل مكوناته المعرفية والمذهبية‪ ،‬نسجت خيوطها في كنفه‪،‬‬
‫كل جزءا ً أساسيا ً في إنشاء نموذج )الدولة‪-‬المة( في الغرب‪.‬‬
‫وتش ّ‬
‫‪ -‬طرق الستعمار في بسط الهيمنة‪ :‬إذ لم يلجأ الستعمار ‪-‬في فرض هيمنته‬
‫ونمط إنتاجه وإملء شروطه‪ ،‬بوصفها حقيقة وحيدة لزدهار الحضارة‪ -‬دائما ً‬
‫إلى سياسة النهب الخالص وسياسة المدفع السافرة‪ ،‬إنما اعتمد على‬
‫أساليب أخرى أيضا ً في مرحلة ما قبل الستعمار المباشر‪ ،‬وذلك عن طريق‬
‫التفاقيات التجارية والعسكرية والعلمية مع حكام دول الطراف وتكوين‬
‫أنصار وزبائن مفتونين بمبادئه وقيمه ومؤسساته في المجتمعات المحلية‪،‬‬
‫والتسلل إلى الضمائر وتطويعها وتسخيرها لصالحه‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪ -‬عقدة التفوق الغربي التي تحكم الغرب؛ إذ لكي يستأثر بزمام المبادرة في‬
‫معالجة التاريخ العالمي يرفض العتراف بالقيم والرموز الخاصة بالثقافات‬
‫المغايرة‪ ،‬أو بفكرة تاريخ متعدد‪ ،‬ويلجأ إلى تقطيع مجتمعات الطراف إلى‬
‫ول تواريخ الشعوب‬ ‫شرائح وكيانات قبلية وطائفية‪ ،‬أو عرقية وإقليمية‪ ،‬ويح ّ‬
‫إلى أصفار على هامش الحضارة‪ ،‬ل قيمة لها إل بقدر اندماجها في دائرة‬
‫السوق المتمم لحاجات إنتاجية المركز الوروبي‪.‬‬
‫‪ -‬الجذور اليديولوجية والمعرفية للغرب‪ :‬فالجذور اليديولوجية للغرب‬
‫ونظريته المعرفية تأسست ابتداًء من عصر النهضة‪ ،‬ومشروع الغرب يتجه‬
‫نحو تطوير قيم أخلقية جديدة متحررة شيئا فشيئا ً من الدين لصالح نظرية‬
‫جديدة عن المعرفة‪ ،‬ممثلة في أولوية المعرفة الموضوعية المستمدة من‬
‫مجالي التجريب والرياضيات‪.‬‬
‫‪ -‬ذهنية الصراع والسيطرة على الطبيعة والنسان التي تحكم الغرب في‬
‫تعامله مع الشرق‪ ،‬ضمن تراتبية تنطوي على إقامة فوارق جوهرية ثابتة بينه‬
‫وبين سكان الشرق‪ ،‬وجعل نفسه وصيا ً وحيدا ً في تقرير مصائرهم تحت‬
‫شعار تحرير الوثنيين والكفار "الوحوش" أو "الهمج" من "الظلمية"‬
‫و"العبودية"‪.‬‬

‫‪163‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بمقتضى هذه الستراتيجية راح الغرب ُيساوي نفسه مع التاريخ‪ ،‬وله وحده‬
‫الستحواذ على مواقع النجاح‪ ،‬ولو على حساب ثقافات وتواريخ الشعوب‬
‫الخرى ومحوها‪.‬‬
‫‪ -‬نشأة )النثروبولوجيا( الغربية‪ :‬فالغرب أنشأ هذا العلم لدراسة إنسان ما‬
‫وراء البحار بمناهج جديدة تهدف إلى عزله عن كل الظروف الجتماعية‬
‫التاريخية‪ ،‬ونكران ما يمثله من قيم ثقافية مغايرة‪ .‬وحسب منظور‬
‫)النثروبولوجيا( الغربية لم يعد ثمة شيء عقلني‪ ،‬بالمعنى الحرفي سوى‬
‫النظرية )النثروبولوجيا( "النسانية" عن ثقافة الشعوب التي اصطلح على‬
‫تسميتها "بالبدائية" أو "الوحشية"‪ ،‬ولم يعد هناك من ثقافة سوى ثقافتهم من‬
‫وجهة نظرهم هذه‪.‬‬
‫وإذا تم العتراف بعظمة حضارات )الغير( فبمقدار استجابتها لمصالح‬
‫وترميزات المركزية الغربية‪) .‬ص ‪.(21 – 19‬‬
‫‪) -‬إيديولوجيا( الفتح‪ ،‬والتسويغ لخطاب السيطرة‪ :‬إن الخطاب المسيطر‬
‫والمؤسس في القرن التاسع عشر‪ ،‬تحالف تحت قيادته الدولة المركزية‬
‫الدستورية والعلم‪ ،‬والجيش والصناعة والكنيسة حاملة رسالة التبشير‪ ،‬لتوزيع‬
‫المهام وتقاسم النفوذ ضمن إستراتيجية منظمة رّوج لها رواد )أيديولوجيا(‬
‫الفتح أمثال مونتسكيو وهيجيل وماركس ووايتفوغل‪...‬‬
‫في علم الستغراب‪ :‬قراءة في كتاب )مقدمات الستتباع( )‪(2/2‬‬
‫د‪ .‬بدران بن الحسن ‪14/8/1426‬‬
‫‪18/09/2005‬‬
‫كز عليها كتاب‬ ‫في الحلقة الولى من هذا المقال تناولنا أهم المحاور التي ر ّ‬
‫)مقدمات الستتباع( من خلل التصدير والمقدمة‪ ،‬وفي هذه الحلقة نتناول‬
‫أهم النقاط الواردة في بقية الفصول‪.‬‬
‫ففي الفصل الول من الكتاب تناول الكاتب مظاهر نشوء النظام الغربي‬
‫مركزا ً على كيفية اشتغال القوانين الجديدة التي تحكمت في الحملت‬
‫ي بالشرق وتشويه صورته‪ ،‬ثم‬ ‫م َ‬
‫س ّ‬‫التبشيرية والمهام التي ك ُّلفت بها لغزو ما ُ‬
‫أبرز كيف انخرطت الدول الغربية‪ ،‬لحل مسائلها السياسية الداخلية‪ ،‬في‬
‫سعّية ما قبل الستعمارية فيما وراء البحار‪ ،‬ثم كيف أسهمت في‬ ‫الحملت التو ّ‬
‫ً‬
‫ديا سافرا للغرب آنذاك‪-‬‬ ‫ً‬ ‫إضعاف المبراطورية العثمانية ‪-‬التي كانت تشكل تح ّ‬
‫وترسيخ النشقاقات الطائفية والعرقية والقبلية والقليمية بين الجماعات‬
‫المتعايشة في ظلها‪.‬‬
‫وفي خمس نقاط يتناول النشوء والنماء الذي سار عليه النظام الغربي؛‬
‫ففي النقطة الولى يتناول عملية التداخل بين السلطة الدينية للكنيسة مع‬
‫الغزوات التجارية )المركنتيلية(؛ إذ ستتبلور )أيديولوجيا( تجعل من الربح‬
‫قاعدة لـ"التقدم"‪ ،‬ومن المبادلة الحرة أداة أكثر فّعالية وضمانة لـ"الحضارة"‪،‬‬
‫ولت التجارة عند التجار وأصحاب المصارف إلى "فضيلة"‪،‬‬ ‫وذلك حين تح ّ‬
‫والمال إلى "صنم" بوصفهما شرطين أساسيين لضمان "النجاح" في الحياة‬
‫العملية‪) .‬ص ‪.(28‬‬
‫وفي مسار تشريع اللهوت للناسوت "المركنتيلي" اضطرت كل الكنائس أن‬
‫تتكّيف مع التنمية الخارجية للروح التجارية أو التشجيع لها‪ ،‬ثم الخذ بالعقلية‬
‫الصناعية‪ ...‬لقد أوجدت الرأسمالية روحها الخاصة‪ ،‬ووضعت الكنائس أمام‬
‫ضرورة الندماج بالقانون الطبيعي )للدولة‪-‬المة( )ص ‪.(36–35‬‬
‫وفي النقطتين الثانية والثالثة‪ :‬تناول الصراع الذي حدث بين الكنائس على‬
‫الشرق ودخول البروتستانت )‪ (protestant‬حلبة المنافسة لما كان للمراسلين‬

‫‪164‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م هذا الصراع كان نشر "اليمان‬


‫ض ّ‬
‫خ َ‬
‫الكاثوليك من نشاط مكثف‪ ،‬وفي ِ‬
‫المسيحي" يجري من خلل ثلث قنوات‪ :‬الصحافة والرساليات ثم الطباعة‬
‫لكونها وسيلة فّعالة لنشر الفكار‪) .‬ص ‪.(45‬‬
‫أما النقطة الرابعة فيتناول فيها اشتداد الهيمنة الوروبية على الشرق الوسط‬
‫في مختلف المجالت في الثلثينيات من القرن التاسع عشر‪ ،‬بخاصة في عهد‬
‫محمد علي باشا إثر الشروع في "التنظيمات" الصلحية عام ‪1839‬م‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وقد قدم المؤلف في هذا السياق حشدا ً من المعلومات عن الرساليات‬


‫الغربية وعن أنشطتها المتشعبة والفعالة بين أهل الشرق‪ ،‬مبينا ً ارتباطاتها‬
‫المباشرة بإستراتيجيات الدول الغربية‪.‬‬
‫وأما في النقطة الخامسة فقد تطرق الباحث إلى النتائج الضارة التي سّببتها‬
‫الرساليات الجنبية بمختلف أنشطتها سواء للمسلمين أو للمسيحيين‬
‫الشرقيين أو غيرهم؛ إذ في إطار التوسع الستعماري وترسيخ دعائم‬
‫السيطرة الوروبية في وعي الهالي‪ ،‬خاصة باحتواء القليات الدينية‬
‫والمذهبية والثنية‪ ،‬ثم استقطابها‪ ،‬ثم عزلها وجعلها معادية لقيمها ومحيطها‬
‫الديني الثقافي والحضاري‪.‬‬
‫وكانت أهم هذه النتائج الضارة تتمثل في‪ :‬تأصيل الطائفية‪ ،‬وتفاقم الصراع‬
‫بين الجماعات‪ ،‬وغرس المشروعين النفصاليين الماروني‪ ،‬واليهودي‪.‬‬
‫فمن أجل تأصيل الطائفية‪ ،‬أنشأ النظام الغربي قاعدة للطائفية بزرعه لفكرة‬
‫سد للطائفية نظاما ً اجتماعيًا‪ ،‬وقد ُرِبطت‬ ‫"الدولة – المة" )‪ (nation-state‬المج ّ‬
‫هذه الدولة عموديا ً بدول المركز وبعجلتها القتصادية‪ ،‬وقام بتلغيم القواسم‬
‫سع هوة الفوارق الجتماعية‪ ،‬وأثار النزعات الطائفية بين‬ ‫المشتركة‪ ،‬وو ّ‬
‫الجماعات الدينية والمذهبية والعرقية‪.‬‬
‫أما فيما يخص تفاقم الصراع بين الجماعات‪ ،‬فهو على ضربين‪ :‬صراع بين‬
‫الجماعات الدينية والمذهبية والعرقية‪ ،‬وصراع من مستوى آخر‪ ،‬وهو صراع‬
‫النخبة المستغربة مع الغلبية الشعبية‪.‬‬
‫لقد لحظنا سابقا ً ضمن إستراتيجية التغلغل التبشيري‪ ،‬أن كل القوى‬
‫الستعمارية حاولت أن تدعم بطريقة منفردة أو مشتركة‪ ،‬جماعة على‬
‫حساب جماعة أو جماعات أخرى‪ ،‬متعايشة سابقا ً في ظل الخلفة العثمانية‪،‬‬
‫من أجل مد هيمنتها وتكريسها على الخلفة العثمانية وتفكيكها‪ ،‬ثم الوصول‬
‫إلى اصطناع دويلت مبنية على قواعد عرقية وطائفية وقبلية وإقليمية‬
‫وجهورية‪ .‬لكن المشروعين الذين استأثرا أكثر من غيرهما باهتمام القنصليات‬
‫الجنبية‪ ،‬في القرن التاسع عشر‪ ،‬هما إنشاء كيانين لليهود الوروبيين والخر‬
‫دمين‬‫للمسيحيين المحليين‪ ،‬وبالتحديد الموارنة‪ ،‬ليكونا بمنزلة حصنين متق ّ‬
‫للمركزية الغربية في الشرق الوسط‪ ،‬ومنطلقين للمرافعة عن "العالم‬
‫الحر"‪.‬‬
‫معنون "من السيطرة على الطبيعة إلى السيطرة على‬ ‫وفي الفصل الثاني ال ُ‬
‫مت بها بلورة مفاهيم المركزية‬ ‫البشر" قام الكاتب بتحليل الكيفية التي ت ّ‬
‫العرقية الغربية‪ ،‬وكيف تضافرت هذه المفاهيم مع حملت التبشير باسم‬
‫"العقل" و"العقلنية" أو "الموضوعية العلمية"‪.‬‬
‫ولبراز المعايير والقيم والعادات الذهنية التي تسكن الخطاب التاريخي‬
‫المتعالي للنظام الغربي الصاعد‪ ،‬قام الباحث بمقاربة تلمس المقدمات‬

‫‪165‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والعناصر الجرائية المنظمة و "المعقلنة" التي مكنت هذا النظام من تدعيم‬


‫أسس الستشراق‪ ،‬كعنصر مكتمل لهيمنته‪ ،‬وتبيان كيفية المحاججات‬
‫"العقلنية" التي سمحت له بفرض ثقافته على الشعوب المهمشة وخاصة‬
‫بعد "عصر النوار"‪.‬‬
‫هذه المقاربة تناولها في عناصر أربعة‪ :‬مصادر الخطاب الكوني في منعطف‬
‫القرنين السادس عشر والسابع عشر‪ ،‬والعرقية المركزية الكامنة في‬
‫مام أمان "للدولة‪-‬المة"‪ ،‬ثم استغلل‬ ‫الخطاب الكوني‪ ،‬والحروب بوصفها ص ّ‬
‫أسطورة "النسان المتوحش الطيب"‪.‬‬
‫فالمثقفون في أوروبا في بداية عصر النهضة انكبوا على استنطاق أنفسهم‬
‫سع‬ ‫حول السباب التي تم إنشاؤها عن طريق الملحظة الحسية من أجل تو ّ‬
‫سع التجارة‪ ،‬وظهور‬ ‫الحد القصى من فضاء السيطرة على الطبيعة‪ .‬ومع تو ّ‬
‫سسية من المعارف السياسية‬ ‫علم )النثروبولوجيا(‪ُ ،‬ولدت شبكة مؤ ّ‬
‫و)اليديولوجية(‪ ،‬فمكيافيلي عندما اكتشف التاريخ الروماني بحث فيه عن‬
‫القوانين البدية لسيطرة البشر بعضهم على بعض‪ ،‬في كتابه "المير"‪،‬‬
‫وظهرت نظرته في العصر التالي مع مذهب "المصلحة العليا للدولة" التي ما‬
‫كان لها أن تقوم لول تبرير وسائل السيطرة الوحشية‪ ،...‬فمكيافيلي بمبدأ‬
‫"الغاية تبرر الوسيلة" الذي كان خلصة كتابه أسس للغزو الستعماري‬
‫وأخلقه النفعية‪.‬‬
‫أما )هوبز( فقد دفع بهذا المفهوم إلى الحد القصى‪ ،‬واعتبر الحرية ليس شيئا ً‬
‫غير غياب كل ما يحول دون الحركة‪ ،‬كما أعلن أن على الدولة أن تضع‬
‫الكنيسة والدين في خدمتها‪ ،‬ثم )كوندورسيه(‪ ،‬و)ديكارت( الذي قدم حججا ً‬
‫جعها على تكييف لهوتها مع التقدم والرتقاء‬ ‫)لليديولوجية( الكاثوليكية وش ّ‬
‫الثقافي العقلني بوجه كوني‪.‬‬
‫ومع )هيجل( كشف الخطاب الكوني للغرب عن عرقيته المركزية الكامنة‪،‬‬
‫ذلك أن هيجل لكي يدعم خطابه ويتفادى تحديد نفسه فقط بخطاب كوني‬
‫متعارف عليه في عصره لجأ إلى التاريخ اليوناني الذي يعده المنطلق العام‬
‫للتاريخ النساني برمته‪ ،‬وهو في أطروحته ينطلق من شقين‪ :‬في الشق‬
‫الول يشيد بالتاريخ الغربي مرجعا ً واحدا ً جديرا ً بالعتبار‪ .‬أما الشق الثاني‬
‫فيحط من شأن تاريخ الحضارات المسماة بالشرقية ويعدها مرحلة زائلة‪.‬‬
‫فالجدلية الفكرية عند )هيجل( ل تتجاوز حدود الغرب‪ ،‬وكل فكر خارج هذه‬
‫الحدود موسوم بالظلمية والستبداد وانعدام الحرية والتاريخ‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ولت إلى بداهات تعزز خطاب المركزية الغربية عن طريق‬ ‫هذه التعميمات تح ّ‬
‫ورية الداروينية‪ -‬السبنسرية‪ ،‬والوضعية‬ ‫"العلوم النسانية"‪ ،‬في إطار التط ّ‬
‫الوغيست‪-‬كونتية‪ ،‬والمادية التاريخية )ص ‪.(80-77‬‬
‫ضمن هذا المنظور العام ستغدو كل المسوغات العقلنية ناجزة لشن‬
‫الحملت والحروب على هذه المم الموسومة ب"غير المتحضرة" وقد‬
‫أصبحت‪ ،‬لحقًا‪ ،‬حقا ً قانونيا ً ومطلبا ً حيويا ً "للدولة‪-‬المة "الغربية‪.‬‬
‫ولنقاذ المجتمع المدني الغربي من الركود والموت يقترح )هيجل( سلسلة‬
‫من العلجات تنطوي على القيام بالحرب والستعمار‪ .‬فالحرب لها الفضل‬
‫في إعادة بناء التجانس الوطني تجاه التهديد المقبل من الخارج‪ ،‬والستعمار‬
‫سيسمح للدور الغنية بالتخلص من غير المرغوب فيهم‪.‬‬

‫‪166‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أما أسطورة "النسان المتوحش الطيب" الموروثة عن العصور الوسطى‬


‫وعصر النهضة فقد رسخت في الذهان على شكل استيهامات غرائبية حتى‬
‫وغ غزو الشعوب "الوحشية" و‬ ‫بات الستعمار ُيعد ّ عمل ً إنسانيا ً يس ّ‬
‫"الكسولة"‪ ،‬أي‪ :‬العاجزة عن النتاج واستغلل الثروات الطبيعية‪ .‬المر الذي‬
‫يثير شهوة التوسع والهيمنة عند الغزاة‪.‬‬
‫أما الفصل الثالث فقد تناول فيها الستشراق و)أيديولوجية( الهيمنة‪ :‬فلكي‬
‫تضفي الدوائر الستعمارية على )أيديولوجيتها( التوسعية صبغة قانونية‬
‫وعقلنية كان عليها أن تقدم علومها في مجال النسان بصفة علوم حيادية‬
‫عالمية شبيهة بالعلوم الطبيعية‪ ...‬ولم تترّدد "العلوم النسانية" في توظيف‬
‫أسطورة النسان المتوحش" بما يخدم مصالح دولها‪ .‬والقصد ليس تجريده‬
‫من مزاياه الفكرية فحسب‪ ،‬إنما هو تأسيس خطاب علمي مخصص للخرين‬
‫يبرز للمركزية العرقية الغربية زعزعة ثقة الشعوب الشرقية بذاتها‬
‫وبمعاييرها وتدمير مجتمعاتها وعوامل الستمرارية عندها‪ ،‬ولعل هذا ما جعل‬
‫العلماء ‪-‬على الرغم من اختلف مشاربهم )اليديولوجية(‪ -‬يجمعون على‬
‫إسقاط أحكام معيارية مسبقة الصنع على الشرق وإلصاق كل النعوت‬
‫السلبية به‪ :‬من قبيل الستبداد‪ ،‬والتأخر‪ ،‬والكسل‪ ،‬واللعقلنية‪ ،‬واللتاريخية‪.‬‬
‫من أجل "البحث عن آدم جديد" للوروبي البيض والمتفوق والعنصري‪ ،‬عمل‬
‫الستشراق على خطين‪ :‬الوعي اللغوي بمنظار أوروبا ومقاييسها‪ ،‬والميل إلى‬
‫التجزئة والتفريع وإعادة التجزئة لمباحثه دون أن يغير من رأيه حول الشرق‪.‬‬
‫أما الحتمية العرقية التي نهجها علماء اللسانيات والسللت فقد أّدت إلى‬
‫جعل العرق صنما ً محركا ً للتاريخ على يد )شارك كونت(‪ ،‬و)فيكتور دوليل(‪،‬‬
‫و)غوبينو( الذي يرى أن العرق البيض يظهر فيه بوضوح الجمال والذكاء‬
‫والقوة‪ ،‬ويمتلك عنصرين أساسيين لكل حضارة هما‪ :‬دين وتاريخ‪ ،‬فضل ً عن‬
‫سعه عن طريق الغزو )ص ‪.(95‬‬ ‫اجتماعيته المتحضرة‪ ،‬وتفاوته وتو ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أما )أرنست رينان( فيرى أن العرق السامي ُيعد ّ شكل منحطا ذا تركيب أدنى‬
‫من الطبيعة النسانية بالمعنى الخلقي والبيولوجي )ص ‪ ،(96‬يستثنى اليهود‬
‫بإدراجهم في دائرة المركزية العرقية الغربية بدعوى أن العرق "السرائيلي"‬
‫قدم للعالم أكبر الخدمات العظيمة )ص ‪.(97‬‬
‫والخط نفسه سار عليه )كوفييه(‪ ،‬و)سانت فانسان(‪ ،‬و)كاتروفاج(‪ ،‬و)دوبلج(‬
‫في فرنسا و)توما أرنولد(‪ ،‬و)كنوكس( و)داروين( و)سبنسر( في بريطانيا ثم‬
‫في الوليات المتحدة على يد )ميرتون(‪ ،‬و)جيرون(‪ ،‬و)نوت( من دعاة‬
‫الشكال المتطرفة للنظرية العنصرية المعادية للسود‪ ،‬وبلغ الخطاب العرقي‬
‫العنصري على يد علماء الناسة اللمان ابتداء من القرن التاسع عشر حدا ً‬
‫وق العرق الجرماني‪.‬‬ ‫متطرفا ً مع مبدأ تف ّ‬
‫وتحت قيادة هذا الخطاب "العلمي" المسيطر والمؤسس في القرن التاسع‬
‫عشر تحالفت الدولة الممركزة الدستورية‪ ،‬والعلم‪ ،‬والجيش‪ ،‬والصناعة‬
‫والكنيسة لتوزيع الدوار وتقاسم المهمات ضمن إستراتيجية منظمة‪ ،‬تراوحت‬
‫مهماتها حسب الظروف‪ ،‬بين مطاردة السكان المحليين وتهميشهم وبين‬
‫تسخيرهم وتصفيتهم‪ .‬كل ذلك باسم الحضارة والحرية وحقوق النسان‪،‬‬
‫وتقدم النسانية‪.‬‬
‫هذا التقدم‪) :‬الستعمار والتحضير( نظر له كل فلسفة أوروبا من )أوغست‬
‫كونت(‪ ،‬و)هيجل(‪ ،‬إلى المدرسة الماركسية التي لم تفلت من السطورة‬
‫الخاصة بالتقدم الحادي والحتمي للنسانية‪ ،‬ولم ينقطعا معرفيا ً ول إيديولوجيا ً‬
‫مع ثوابتهما الداعية إلى رسالة حضارية في الشرق‪ ،‬وفي الحقيقة ما قامت‬

‫‪167‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫به الماركسية في أدبياتها حول الشرق كان امتدادا ً للمدرسة الستشراقية‬


‫)الليبرالية(‪.‬‬
‫وخلصة الكلم حول الستشراق و)أيديولوجية( الهيمنة التي أنتجتها أن ما‬
‫يريده المنظرون والمستشرقون هو وضع شعوب الشرق أمام خيارين ل‬
‫ثالث لهما‪ :‬إما الرضوخ النهائي لمنطق الغرب‪ ،‬وإما أنها ستظل تعتبر‪ ،‬من‬
‫قبل الخارج‪ ،‬محكومة بعدم قدرتها على مواجهة الحياة‪.‬‬
‫وأما في الفصل الخير فقد تناول المؤلف "حملة بونابرت على مصر" التي‬
‫ورات الغرائبية التي يحملها‬‫هي نموذج تطبيقي للدوات والترميزات والتص ّ‬
‫الغرب نحو الشرق‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫إذ الحملة على مصر ‪-‬حسب رأي الكاتب‪ -‬لم تكن ثمرة مشروع عرضي‬
‫هدفه محاولة بث التفرقة العرقية بين المماليك والمصريين من جهة‪ ،‬وبين‬
‫العرب والعثمانيين من جهة ثانية باسم السلم‪ ،‬ثم تعميق الشقاق والصراع‬
‫الجتماعي ما بين الديان والمذاهب باسم تقديم حلول علمانية زمنية‬
‫مستمدة من مبادئ عصر النوار‪ ،‬للقليات الدينية والمذهبية‪.‬‬
‫استخدم نابليون مجموعات من النخب المحلية لضمان سريان أوامره‪ ،‬وعمل‬
‫على تأييد المارونيين‪ ،‬واستعطف اليهود ودعاهم إلى النهوض لتحقيق‬
‫مطالبهم واستغلل الفرصة للعودة إلى أرض الميعاد‪.‬‬
‫ورغم أن احتلل بونابرت لمصر باء بالفشل على الصعيد العسكري‪ ،‬إل أن‬
‫آثاره ل تزال حتى اليوم تسيطر على منظوراتنا الثقافية والسياسية‪ ،‬ولقد‬
‫انقسمت غالبية النخب المحلية المحدثة إزاء هذه الحملة إلى اتجاهين‪:‬‬
‫الول‪ :‬رأى فيها منعطفا ً حاسما ً في تشكل تاريخهم الحديث‪ ،‬لكونها كانت‬
‫مبعثا ً على "النهضة العربية" بفعل آليات المثاقفة مع الخر الغربي‪.‬‬
‫أما الثاني‪ :‬فيتمثل في التوفيق ما بين العلوم الحديثة المستجلبة والتراث‬
‫العربي السلمي‪ ،‬وذلك بتطويعه للنموذج الغربي‪.‬‬
‫ول يزال الصراع يدور بشكل سحالي دون نقاط مضيئة حول السس‬
‫المشتركة لتحقيق النهضة‪.‬‬
‫في الخاتمة يناقش الباحث فكرة تجاوز الغرب لمقولته المعرفية‪ ،‬غير أن‬
‫الباحث ‪-‬وأظنه محقا ً في ذلك‪ -‬يرى أل ّ نستعجل ونعمم الحكم على غالبية‬
‫)النثروبولوجيين( والمؤرخين والمستشرقين بأنهم قد قطعوا‪ ،‬من حيث‬
‫المضمون‪ ،‬مع مركزية النظام الغربي لكونهم انتقدوه أو انتقدوا مظاهره‪.‬‬
‫ذلك لن عملية القطيعة تستدعي إعادة نظر جذرية في العديد من‬
‫المسلمات الغرائبية والستيهامية الثاوية في النظام المعرفي الغربي‬
‫المؤسسي‪ ،‬ول يكفي أن تطلق صفة القطيعة حتى يسلم آليا ً بكل أشكال‬
‫التطبيقات المعرفية‪ ،‬وما تتضمنه من إسقاطات ماسخة على شعوب الشرق‬
‫وثقافاته‪.‬‬
‫إن أي ترويج اعتباطي لمفهوم القطيعة ‪-‬دون قيام نوع من علقة المحاورة‬
‫المتفاعلة بين الغربي والطرف الخر‪ُ -‬يعد ّ إضافة أيديولوجية إلى جملة ما هو‬
‫سائد‪.‬‬
‫وفي الختام‪:‬‬
‫هذا وإن الكتاب مليء بالفكار يحتاج إليه كل مثقف يريد لنفسه أن يتفاعل‬
‫إيجابيا ً مع الغرب المهيمن بخيله ورجله وأفكاره وإنتاجه‪ ،‬ذلك أنه يبحث في‬

‫‪168‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الجذور المعرفية التي أسست للخطاب الغربي المستعلي‪ ،‬ويقوم بالحفر في‬
‫عمق مدلولت الخطاب ليبرزها‪ ،‬ويناقش "حقل ً معرفيًا" يحتاج إلى ارتياد‬
‫الكثير من ذوي البصائر وأولي اللباب‪ ،‬حتى يؤسس التعامل مع الغرب على‬
‫علم‪ ،‬وُتختصر الكثير من المعارك الوهمية‪ ،‬وُتقتصد الجهود‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫قراءة القرآن في مكبرات الصوت قبل الجمعة‬


‫السؤال ‪:‬‬
‫في بعض المساجد في أنحاء كثيرة من العالم السلمي تتلى آيات من‬
‫القرآن الكريم بمكبرات الصوت وذلك قبل صلة الجمعة فما الحكم ؟‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫ل نعلم لذلك أصل ل من الكتاب ول من السنة ول من عمل الصحابة ول‬
‫السلف الصالح رضي الله عن الجميع ‪ .‬ويعتبر ذلك حسب الطريقة المذكورة‬
‫من المور المحدثة التي ينبغي تركها؛ لنه أمر محدث ‪ .‬ولنه قد يشغل‬
‫المصلين والقراء عن صلتهم وقراءتهم ‪.‬‬
‫والله سبحانه وتعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه ‪.‬‬
‫من فتاوى سماحة الشيخ‬
‫عبدالعزيز بن باز‬
‫كتاب الدعوة ‪2/131‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫قراءة تحليلية في الهجمة المسيحية الجديدة‬


‫)‪ (1‬خلفية الحملة وأهدافها ‪... ...‬‬
‫بقلم‪ :‬تميم أبو دقة ‪... ...‬‬
‫في السنوات الخيرة‪ ،‬بدأت المسيحية منهجا من العمل في العالم العربي لم‬
‫يسبق له مثيل‪ .‬فقد كان عملها في العالم العربي في السابق محدودا‪ ،‬ولم‬
‫تكن تجنح إلى النزال أو الدخول في معركة فكرية معلنة مع السلم‪ .‬وربما‬
‫كان أكثر ما تطمح إليه هو أن تحافظ على وجودها المحدود في البلد العربية‬
‫كي ل تزول وتنمحي بفعل عوامل كثيرة؛ منها الهجرة إلى البلدان الغربية‪،‬‬
‫ومنها تدني نسبة المواليد وارتفاع معدل سن الزواج بشكل ملحوظ في‬
‫أوساط المسيحيين خاصة‪.‬‬
‫وبالخذ بعين العتبار أن الزيادة السكانية والوجود المسيحي في العالم‬
‫العربي منوط بالولدات فقط‪ ،‬ولن المؤشرات تدل إلى تدني نسبة‬
‫المسيحيين وعددهم في هذه البلد‪ ،‬فيبدو أن كل ذلك أدى إلى دق ناقوس‬
‫الخطر عند زعماء المسيحية‪ ،‬وأصبح لزاما عليهم أن يقوموا بخطوات توقف‬
‫هذا الوضع المنذر بتراجع حاد في وضع المسيحية مع الوقت‪.‬‬
‫ومع وجود المسيحيين في محيط عربي إسلمي‪ ،‬ومع كون الغالبية ل‬
‫يختلفون عرقيا عن إخوانهم من المسلمين‪ ،‬ومع وجود قدر كبير من النسجام‬
‫والتعايش والعلقات الجيدة والثقافة المشتركة بين المسلمين والمسيحيين‬
‫في مجتمعهم‪ ،‬فقد كان التحول من المسيحية إلى السلم هو التجاه الغالب‬
‫المعتاد‪ .‬ولم يكن العامل الجتماعي والنسجام هو العامل الحاسم في هذا‬
‫المر‪ ،‬بل إن وضوح العقائد السلمية وتوافقها مع العقل وجمالها وانسجامها‬

‫‪169‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مع الفطرة النسانية كان لها الدور الكبر‪ ،‬إضافة إلى استمرار بقاء أثر القيم‬
‫السلمية العظيمة في المجتمعات السلمية‪ ،‬والتي مهما تراجعت بسبب‬
‫ابتعاد المسلمين عن دينهم فإنها ل تزال متقدمة ول تزال تحمل بريقا ملفتا‬
‫للنظر‪.‬‬
‫ولعل ما زاد من ذعرهم أيضا أن التحول إلى السلم لم يكن مقتصرا على‬
‫البلد العربية والسلمية فقط‪ ،‬بل إن العدد الكبر من المتحولين إلى السلم‬
‫هم في خارج البلدان العربية والسلمية‪ .‬فكل المؤشرات تدل على أن‬
‫السلم هو الدين الكثر نموا في العالم‪ ..‬ووفقا للدراسات والمؤشرات فإن‬
‫السلم يسير بخطوات ثابتة لكي يصبح بعد عقود دين العالم‪.‬‬
‫وعلى ضوء كل تلك العوامل‪ ،‬ومع الخذ بعين العتبار أن الوجود المسيحي‬
‫والمحافظة عليه يشكل مصلحة سياسية غربية متعددة الجوانب أيضا‪ ،‬فقد‬
‫كان المسيحيون يلجأون إلى أساليب متعددة للدفاع عن وجودهم وبقائهم في‬
‫العالم العربي‪ .‬وكان من أهم وسائلهم الداخلية هو الرهاب والرعب والوعيد‬
‫بممارسات وحشية تجاه من أسلم منهم‪ ،‬والتي واجهها الكثيرون ول يزالون‪،‬‬
‫والتي ترتعد منها فرائص كل من سولت له نفسه أن يخطو هذه الخطوة‪ .‬هذا‬
‫إضافة إلى محاولة إثارة الرأي العام‪ ،‬ومحاولة تحريف قصة إسلم الشخص‬
‫الذي ل يستطيعون الوصول إليه‪ ،‬بحيث تبدو كأنها جريمة تم ارتكابها بحقه‬
‫وأنهم يدافعون عنه أو يريدون تخليصه! لكن هذا الرهاب ل يجدي نفعا ول‬
‫يمكن أن يوقف نزيف الخارجين من المسيحية إذا سنحت لهم الفرصة‪.‬‬
‫أما أهم وسائل الدفاع الهجومية التي لجأوا لها فهي محاولة طمس البريق‬
‫الخاذ للسلم ومحاولة إخماد نوره بأفواههم لكي ل يشكل عامل جذب‬
‫للمسيحيين‪ .‬فلجأ المستشرقون خاصة وبعض المسيحيين من المنطقة أيضا‬
‫إلى دراسة السلم لكي يستخرجوا بعض النقاط التي ستكون عامل تنفير‬
‫ب في‬ ‫من السلم وعامل طمس لبريقه الخاذ ولنوره العظيم الذي لم يخ ُ‬
‫يوم من اليام مهما تراجع‪ .‬وقد رافق الستشراق الحملة الستعمارية الغربية‬
‫للبلد العربية والسلمية‪ ،‬وكان من المنتظر أن يترك أثرا أكبر مما حققه‬
‫فعليا‪ ،‬ولكن عمل المستشرقين على كل حال لم يذهب هباًء‪ ،‬بل أصبح‬
‫ذخيرة بيد المسيحيين في البلد العربية لكي يكون سلح دفاع سري‬
‫يستطيعون به الحفاظ على وجودهم وبقائهم‪ .‬ولذلك فقد كانوا يروجون لتلك‬
‫النقاط فيما بينهم ويتعلمونها وإن كانوا ل يصرحون بها خارج محيطهم‪ ،‬مع‬
‫أنها كانت تبدو على شفاههم أحيانا كلما تسنح الفرصة‪ .‬وهكذا فقد كانت تلك‬
‫النقاط هي الساس الذي استمدت منه المسيحية بقاءها‪ .‬ول أدري كيف لم‬
‫يلتفت عامة المسيحيين إلى طبيعة تلك الستراتيجية التي لجأ إليها أحبارهم‬
‫ورهبانهم الذين عملوا على تثبيتهم‪ ،‬ليس بإثبات صحة العقائد المسيحية‪ ،‬بل‬
‫بمحاولة طمس حقيقة السلم!‬
‫وعلى كل حال‪ ،‬فقائمة تلك المطاعن طويلة‪ ،‬وهم ما زالوا يجتهدون لجل‬
‫استخراج الجديد أيضا‪ ،‬ولكنها كلها ل تناقش صلب العقائد السلمية مطلقا‪،‬‬
‫بل أكثرها ليس له علقة بالعقيدة بتاتا‪ .‬وهي إما مجرد ُتهم ل دليل عليها‪ ،‬أو‬
‫مجرد تشويه وإخراج لبعض النقاط من سياقها‪ ،‬أو لجوء إلى إثبات أمور شاذة‬
‫من مرويات وأحاديث ل تصح‪ ،‬أو أخذ كلم شاذ لبعض الكتاب والعلماء‬
‫المسلمين من مختلف العصور والدعاء بأن هذا القول هو قول المسلمين‬
‫عامة‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪170‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولعل أهم التهم التي وجهوها للسلم ادعاؤهم أن مصدره لم يكن سوى‬
‫توليفة من أفكار الهراطقة النصارى‪ ،‬حسب زعمهم‪ ،‬وقد حاولوا التدليل على‬
‫ذلك بعرض تطابق بعض أفكار هؤلء مع بعض الفكار السلمية‪ .‬وليس صعبا‬
‫أن يجدوا بعض التطابق في أفكار هؤلء الذين اتهموا بالهرطقة مع الفكار‬
‫السلمية‪ ،‬وهذا لن غالبية هؤلء قد اضطهدوا لنهم عارضوا العقيدة‬
‫المسيحية الشركية‪ ،‬وكانوا يحاولون التأكيد على بعض النقاط الصيلة مثل‬
‫الوحدانية وإنسانية المسيح وغيرها مما جاء به المسيح‪ ،‬والتي ل تختلف عما‬
‫جاء به كل النبياء والمرسلين‪ .‬وهذا المر وإن كان يبدو ظاهريا أنه يمس‬
‫صلب السلم‪ ،‬إل أنه أمر ل علقة له بصحة العقائد أو بطلنها‪ .‬فالولى أن‬
‫يتم مناقشة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ومحاولة تبيان بطلنه‬
‫إن كانوا يستطيعون ذلك‪ ،‬ل أن يشككوا في مصدره‪ .‬وعلى كل حال‪ ،‬فإن‬
‫تشكيكهم في المصدر وتجنب التطرق للعقائد إنما يدل على اعترافهم بقوة‬
‫تلك العقائد مما جعلهم يحاولون القول أنها عقائد مسروقة أو مستعارة!‬
‫وفي الحقيقة‪ ،‬فإن العقائد السلمية هي من المتانة بحيث اضطرتهم هم إلى‬
‫محاولة التمحك بها ومحاولة تقريب عقائدهم الشركية لكي تماثلها‪ .‬فمثل‬
‫اضطروا إلى قضية الدعاء باليمان بالوحدانية وبالثالوث في آن معا‪ ،‬مع أن‬
‫هذا المر متناقض ول يمكن الجمع بينه‪ .‬ولكنهم اضطروا لذلك لسخافة فكرة‬
‫التثليث التي كانت فكرة مقبولة في الماضي عندما كان تعدد اللهة هو‬
‫الفكرة الوسع انتشارا‪ .‬وقد يلحظ المتتبع كيف أنهم يكادون يقتلون أنفسهم‬
‫كي يدللوا على أن الثالوث إله واحد‪ ،‬وتراهم يبذلون كل ما في وسعهم‬
‫لللتفاف على حقيقة منطقية بسيطة ترفض أن تكون الثلثة تساوي الواحد!‬
‫بينما لو أنهم لم يلجأوا إلى ذلك واعترفوا بشجاعة بأنهم يؤمنون بثلثة آلهة‬
‫لكان موقفهم أجدر بالحترام والتفهم‪.‬‬
‫ة‪ ،‬كما يوجد‬ ‫أما بخصوص النقاط الخرى فكانت اعتراضاتهم ل قيمة لها حقيق ً‬
‫عليها كم كبير من الردود والتوضيحات التي يعلمون بوجودها‪ .‬ولكنهم يريدون‬
‫أن يأخذوا الكلم الشاذ ويتناسوا تلك الردود والتوضيحات تماما‪ .‬وفي هذا‬
‫دجل وتشويه متعمد‪.‬‬
‫والحقيقة أن المسيحيين لو كانوا واثقين من رسوخ مبادئ عقيدتهم ومن‬
‫جمال تعاليمهم لسلكوا مسلكا مختلفا يستند إلى التبشير بتلك العقائد‬
‫والمبادئ‪ ،‬ولما كان من حق أحد أن يعترض عليهم‪ .‬ولكنهم أدركوا حقيقة‬
‫ول‬‫ضعف تلك العقائد وتناقضها‪ ،‬فوجدوا أن نقض السلم بشبهات واهية سيح ّ‬
‫مجرى المعركة ويحمي عقائدهم الفاسدة ول يضعها في المواجهة‪ .‬ومن‬
‫العجيب أن ينخدع عامة المسيحيين بهذه الحيلة ويطمئنوا‪ .‬فدينهم يجب أن‬
‫يقوم على عقائده وعلى مبادئه وليس على نقض غيره‪ .‬فلو سلمنا جدل بعدم‬
‫صحة السلم فل يعني ذلك مطلقا أن المسيحية هي الصحيحة بالضرورة!‬
‫وكما ذكرنا سابقا‪ ،‬فإن كل هذا العمل قد بقي محصورا ومخفيا وغير معلن‬
‫إلى فترات طويلة من الزمن حتى جاء هذا الوقت‪ .‬صحيح أن بعضهم كان‬
‫يتشدق في الماضي بمحاولة إثبات بعض العقائد النصرانية من القرآن دون‬
‫هجوم على السلم‪ ،‬ولكن هذا المر لم يكن يواجه بمعارضة من جانب‬
‫المسلمين كونهم كانوا يرون فيها اعترافا ضمنيا بالقرآن الكريم وبالسلم‪،‬‬
‫رغم غرابة المنهج وشذوذ الفهم‪ .‬وكانوا يقبلون بذلك من باب الشفقة أو‬
‫المجاملة الفكرية لبناء مجتمعهم وقومهم‪.‬‬
‫مني المسلمون بهزائم مادية ساحقة‪ ،‬وتم تدمير‬ ‫أما في هذه اليام‪ ،‬وبعد أن ُ‬
‫كيانهم المادي بطريقة لم يسبق لها مثيل‪ .‬وبعد أن أصبحت الدول العربية‬

‫‪171‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والسلمية أكثر خضوعا للعالم الغربي وأكثر اعتمادا عليه‪ ،‬مما جعل الغرب‬
‫يتصرف فيها دون رادع أو وازع‪ .‬وجد المسيحيون أن تلك هي الفرصة الذهبية‬
‫للنقضاض على المسلمين معنويا بعد أن تم تدميرهم ماديا! فبدأت هذه‬
‫الحملة في النطلق كوسيلة هجومية لها هدفان أساسيان؛ الول تثبيت‬
‫النصارى من خلل إعادة إثارة تلك النقاط القديمة الحديثة كي ل ينجذبوا إلى‬
‫السلم‪ ،‬وبالتالي درء المخاطر التي أشرنا إليها سابقا والتي تهدد الوجود‬
‫المسيحي في العالم العربي والتي لم تتراجع‪ ،‬بل على العكس تزايدت في‬
‫ظل الظروف الصعبة الحالية )وهذا ما سنوضحه في مقالت أخرى(‪ ،‬والثاني‬
‫تدمير صورة السلم العظيم في نفوس المسلمين كي يتخلوا عنه نهائيا وإلى‬
‫البد‪ ،‬وكي ل يستمر في حفظ ما تبقى من كيانهم المادي‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ول عجب أنهم قد حاولوا استهداف القليات العرقية في العالم العربي‬


‫وعملوا على تذكيرهم بمظالم مزعومة لقيها هؤلء تحت حكم العرب‬
‫المسلمين‪ .‬وظنوا أنهم بتحطيم رابطة السلم بين هؤلء القليات وبين‬
‫العرب سيكون بمقدورهم تمزيق العالم العربي بشكل أكبر‪ ،‬كما أن هذه‬
‫القليات ستجد في المسيحية الطريق للتحرر من العرب من جهة ولكي‬
‫تحصل على مكاسب من الغرب الذي يدين بهذه المسيحية ويدعمها‪ .‬وقد‬
‫يخطئ البعض الظن أن من ضمن أهدافهم تبشير المسلمين وتنصيرهم؛‬
‫ولكن كل المؤشرات تدل على أن هذا ليس من أهدافهم‪ ،‬وذلك لن الوسائل‬
‫المتبعة غاية في الشراسة والتنفير وهي ليست وسائل تبشيرية أبدا‪.‬‬
‫فكلماتهم تنم عن حقد عميق لكل ما هو عربي ومسلم‪ ،‬ول يرون غضاضة‬
‫في ترديد ذلك في كل مناسبة متاحة‪.‬‬
‫والحقيقة أن هذه الحملة ل يمكن أن تخدم المسيحية ول المسيحيين ول‬
‫مصالحهم في العالم العربي‪ .‬فالمسيحيون هم أكثر من يحتاج إلى مزيد من‬
‫النسجام والتفاهم مع هذا المحيط‪ .‬وإن تأليب المسيحيين لكي يحتقروا‬
‫عقائد المسلمين ويهاجموها إنما يعمل على تحويلهم إلى عناصر نافرة‬
‫رافضة مما سيخلق ردة فعل في مجتمعاتهم ويعمل على خلق مناخ متوتر‬
‫وغير مستقر‪ ،‬وهم سيكونون أكبر المتضررين من هذا التوتر‪ .‬إن هذه الحملة‬
‫إنما هي حملة حمقاء يقودها مجموعة من المتطرفين المأفونين قصيري‬
‫النظر الذين يحركهم الحقد العمى‪ ،‬وهم أبعد ما يكون عن جوهر القيم‬
‫الدينية العامة أو عن السعي إلى تحقيق مصالح المسيحيين الذين يدعون‬
‫أنهم قد أثاروا هذه الحملة لجلها‪ .‬فعلى المسيحيين أن يتنبهوا ول يسلموا‬
‫قيادهم لهؤلء الذين يقودونهم إلى مصير مجهول غير آبهين بالعواقب‪.‬‬
‫إن هذه الفواه الخبيثة لن تقدر إلى إطفاء نور السلم‪ ،‬بل على العكس‪ ،‬إنها‬
‫ستعمل على توجيه الناس ليعرفوا حقيقة السلم العظيمة الناصعة‪ .‬ول شك‬
‫أن مصير هذه الحملة هو الفشل بإذن الله‪ ،‬ولكنها ستنتهي بهزيمة ساحقة‬
‫للمسيحية‪ ،‬وستنتهي بالخيبة والخسران لرباب هذه الحملة ودعاتها‪ ،‬وسيخرج‬
‫السلم منها أكثر قوة وتماسكا‪ .‬وهذا ما سيكون مشهودا قريبا إن شاء الله‪.‬‬
‫فارتقبوا إنا معكم مرتقبون‪.‬‬
‫‪------------‬‬
‫قراءة تحليلية في الهجمة المسيحية الجديدة )‪ (2‬ظاهرة الدعاة المسلمين‬
‫الجدد‬

‫‪172‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بقلم‪ :‬تميم أبو دقة ‪...‬‬


‫كانت المسيحية سباقة في ظاهرة الدعاة الجدد التي بدأت تتسرب إلى‬
‫العالم السلمي والعربي مؤخرا‪ .‬فقد بدأ هؤلء الدعاة‪ ،‬الذين ل يرتدون لباس‬
‫رجال الدين ويخاطبون الناس بطريقة بسيطة سهلة يشوبها المرح والفكاهة‬
‫أحيانا‪ ،‬إبان اختبار الغرب وتلمسه لهمية العلم ودوره في التأثير على‬
‫الجمهور‪ .‬فقد لحظ الغربيون أن المسرحيات والحفلت الغنائية والفلم‬
‫وغيرها تستقطب عددا كبيرا من الناس‪ ،‬كما تعمل على التلعب بعواطفهم‬
‫وإضحاكهم حينا وإبكائهم حينا آخر‪ ،‬وبالتالي التأثير عليهم وتوجيه هذه‬
‫العواطف لغراض مختلفة‪ .‬فاستغلوا الفرصة للترويج للمسيحية بهذه‬
‫الوسيلة التي آتت أكلها بطريقة مذهلة أحيانا‪.‬‬
‫هؤلء الدعاة المسيحيون الجدد لم يركزوا على أحقية العقائد المسيحية‬
‫وصدقها‪ ،‬بل لم يتناولوا هذا الجانب مطلقا‪ .‬وعندما كانوا يشيرون إلى العقائد‬
‫إنما كانوا يتناولونها بشكل إعلمي سطحي عاطفي‪ .‬فأصبح هؤلء يمسرحون‬
‫قصة موت المسيح وفدائه للبشرية مثل‪ ،‬ويحاولون إبكاء الجمهور على ذلك‬
‫البطل الذي مات لكي يحمل خطاياهم! ولكون بطل المسرحية قد مات لجل‬
‫الجمهور‪ ،‬فقد أصبح الجمهور جزًء من هذه المسرحية‪ ،‬مما يجعل تعاطفهم‬
‫وتأثرهم أكبر بكثير مما لو كانوا يشاهدون معاناة بطل ل علقة لهم به‪ .‬هذا‬
‫التعاطف يترك أثره في إمالة الجمهور تجاه القيم المسيحية وتجاه توحيد‬
‫المسيحيين ليكونوا مسخرين لمشاريع تخدم أهدافا سياسية أبعد ما تكون عن‬
‫مبادئ المسيحية أو مبادئ أي دين آخر‪.‬‬
‫وتاريخيا كان التبشير المسيحي الذي يقوده رجال الدين الرسميون دوما‬
‫ذراعا للستعمار من أجل توطيده ثقافيا في البلدان التي يدخلونها‪ .‬ولكن دور‬
‫الدعاة الجدد مختلف نسبيا‪ ،‬حيث إنهم مبشرون داخليون يتوجهون‬
‫للمسيحيين كي يربطوهم بالمسيحية إعلميا وعاطفيا‪ ،‬وكي ل يكونوا عنصر‬
‫مناهضة للمشاريع السياسية الخارجية التي ل تقيم وزنا للقيم ول للخلق‪،‬‬
‫وخاصة بعد بروز حركات مناهضة بشكل قوي في تلك البلدان لتلك‬
‫السياسات‪ ،‬ولكي يكونوا الجبهة الداخلية المساندة لتلك الحملت الخارجية‬
‫التي بدأت تظهر بصور قديمة جديدة‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫المهم أن أبرز سماتهم هو أنهم يبتعدون عن الخوض في العقائد‪ ،‬ويظهرون‬


‫بمظهر مقرب ومحبب للناس ويشابهون نجوم العلم في المظهر‪ ،‬وأنهم‬
‫يقدمون الخلقيات العامة والعلوم والتجارب النسانية الحديثة ويحاولون‬
‫التأكيد على أنها من صلب المسيحية ومن إفرازاتها الطبيعية! هذا مع أن كل‬
‫الديانات تشترك في جوانب كثيرة في الخلقيات والدعوة إلى الرتقاء بها‪،‬‬
‫كما أن العلوم والتجارب النسانية هي إرث مشترك ساهم فيه كل شعوب‬
‫الرض على عصور مختلفة بنسب متفاوتة‪.‬‬
‫وبظهور الدعاة المسلمين الجدد‪ ،‬بنفس الساليب التي اتبعها الدعاة‬
‫المسيحيون الجدد‪ ،‬أدرك المسيحيون خطورة هذه الوسيلة التي طالما‬
‫استخدموها لخدمة مصالحهم‪ .‬وقد أدرك المسيحيون أن تأثير الدعاة‬
‫المسلمين على عامة المسلمين سيكون أبلغ أثرا‪ ،‬وهذا بسبب ما يمتاز به‬
‫السلم عن المسيحية من عناصر تصلح لهذا العمل العلمي وتقدر على‬
‫إنجاحه بطريقة منقطعة النظير‪ .‬وكما قلنا سابقا‪ ،‬فقد اتبع هؤلء الدعاة نفس‬

‫‪173‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السلوب‪ ،‬فهم لم يخوضوا في العقائد وإنما لجأوا إلى إبراز جمال السلم‬
‫الخارجي‪ .‬وكان حديثهم عن شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته‬
‫يخلب اللباب‪ ،‬وهذا بسبب أن تلك الشخصية هي شخصية حقيقية آسرة ل‬
‫شك ستترك أثرا في كل من يعرف عنها‪ ،‬فكيف بالمسلمين الذين ينتمون‬
‫إلى هذا النبي‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ويشعرون أنه منهم وأنهم منه! كما أن‬
‫التاريخ السلمي زاخر بالقصص العظيمة لشخصيات عديدة تترك أثرها في‬
‫النفوس وتجعل المشاهدين يعيشون معها ويستمتعون‪ ،‬مع إحساسهم‬
‫بالمشاركة‪.‬‬
‫كذلك فإن علقة السلم بالقيم والخلق النسانية السامية علقة وثيقة‪ ،‬كما‬
‫أن القرآن الكريم يفيض دائما بالمعارف التي يرى العلماء تطابقا فيها مع‬
‫العلم‪ .‬وقد انقسم الدعاة المسلمون الجدد إلى نوعين أساسيين؛ أحدهما‬
‫يتناول قصص السيرة والتراث والخر يتناول علقة القرآن بالعلم أو ما يعرف‬
‫بالعجاز العلمي في القرآن‪ .‬ومع أن القصاصين قد ارتكبوا أخطاء فادحة‪ ،‬إذ‬
‫خلطوا الغث بالسمين وقصوا قصصا ل تصح‪ ،‬ومع أن العلماء قد وقعوا في‬
‫أخطاء أحيانا فيما يتعلق بأبحاثهم في العجاز العلمي‪ ،‬إل أن هذه الخطاء لم‬
‫تكن لتلفت انتباه عامة المسلمين أو تخفف من اندفاعهم نحوهم‪ .‬كذلك فإن‬
‫هذا العمل بدأ يستقطب المسيحيين من العرب أيضا‪ ،‬الذين رأوا جمال سيرة‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم كما رأوا تقدم القرآن عن كتبهم وتطابقه مع‬
‫العلوم الحالية‪ .‬وهكذا‪ ،‬ومع غياب دعاة مسيحيين جدد في العالم العربي‪،‬‬
‫ومع طبيعة الوضع الصعب المنذر بالندثار للمسيحية في العالم العربي وفي‬
‫العالم‪ ،‬فقد شعر المسيحيون بخطر داهم‪ .‬ولذا فل عجب أنهم قد بدأوا‬
‫بمهاجمة شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم والشخصيات السلمية‬
‫الخرى‪ ،‬التي كانت مادة القصاصين من الدعاة‪ ،‬إضافة إلى هجومهم على‬
‫دعاة العجاز العلمي في القرآن وأفكارهم‪.‬‬
‫والحق أن المسيحية محقة في هذا الذعر‪ ،‬وذلك لن هذه هي الساحة‬
‫الحقيقية التي يجب أن تركز عليها وتختارها‪ ،‬وهي الساحة التي ل تتناول‬
‫العقائد وإنما تتجاوزها وتركز على المور غير الجوهرية‪ .‬ذلك لن المسيحية‬
‫لو اختارت أن تنزل في ساحة تحقيق العقائد والستدلل عليها فإنها تدرك‬
‫أنها خاسرة حتما‪ .‬المهم أن هذه الساحة هي في الحقيقة ساحة هامشية‬
‫بالنسبة للسلم‪ ،‬وإن كانت هي الساحة الوحيدة التي تصلح لعمل المسيحية‪.‬‬
‫وهذا ما سيتضح للمسلمين وللمسيحيين ولو بعد حين‪.‬‬
‫إن المشكلة الساسية في المسلمين المعاصرين هي التخبط في مسائل‬
‫هامة في العقيدة‪ ،‬وتجاوز هذه المور ل يمكن أن يقدم حلول جذرية للمشاكل‬
‫التي يقع فيها المسلمون‪ .‬ويكفي التذكر تاريخيا أن تقدم المسلمين كان دوما‬
‫مرتبط بعودتهم إلى صلب الدين وجوهره‪ ،‬بينما كان الدين المسيحي وبال‬
‫على المم المسيحية وسببا في تخلفها‪ ،‬وقد حققوا التقدم المادي بعد أن‬
‫ابتعدوا عمليا عن المسيحية وعن جوهرها وعن عقائدتها‪ .‬لذلك فإن البتعاد‬
‫عن مسألة العقائد وتجاوزها يعد نقطة مفصلية هامة أحسن الغرب المسيحي‬
‫فيها‪ ،‬بينما تجاوز العقائد في السلم وعدم التطرق لها لن يؤدي إل إلى‬
‫تفاقم الحال التي وقعت فيه المم السلمية حاليا‪ ،‬وهي مزيد من التبعية‬
‫المادية والثقافية للغرب‪ .‬لقد اجتهد الدعاة المسلمون الجدد في مسعاهم‬
‫هذا‪ ،‬وظنوا أنهم بذلك يردون الناس إلى دينهم‪ ،‬ولكنهم طالما ل يعالجون‬
‫الصلب والجوهر فإن عملهم لن يكون جوهريا‪ ،‬ولن يفلح في إحداث تغيير‬

‫‪174‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حقيقي‪ ،‬وستستمر الشكالت الناتجة عن الفساد في الجوهر تطل برأسها‪،‬‬


‫كما ستحول دون أي تقدم ديني أو مادي‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫أما ما هي النتائج المرجوة من عمل هؤلء الدعاة الجدد؟ ل شك أنها قد بدأت‬


‫تظهر للعيان لكل متدبر‪ .‬لقد خلق هؤلء الدعاة جيل من الشباب والفتيات‬
‫المتأثرين عاطفيا بالقصص الجذابة دون أن يكونوا على ثقافة كافية في‬
‫العقائد‪ .‬كما أن لهؤلء الشباب موقفا من التطرق للعقائد مدعين أنها تفرق‬
‫ول تجمع! وبذلك فهم مخدرون ويتعاملون مع المر بسطحية دون أن تتحقق‬
‫فيهم التزكية الحقيقية التي هي الغرض الساس من بعثة السلم‪ .‬إن أتباع‬
‫الدعاة المسلمين الجدد هم نسخة من أتباع الدعاة المسيحيين الجدد ولكن‬
‫بطابع ومذاق إسلمي‪ .‬هذا طبعا مع فارق مهم‪ ،‬وهو أن الدعاة المسيحيين‬
‫الجدد كانوا يخدمون أهدافا مسيحية عامة‪ ،‬بينما قد ل يهدف الدعاة‬
‫المسلمون الجدد إل إلى أهداف سياسية محلية‪ ،‬أو في كثير من الحيان‬
‫أهداف شخصية تتعلق بنجوميتهم واكتسابهم للموال باسم الدين‪ .‬وقد‬
‫استخدم البعض هذا الجيش من التباع لخدمة مشاريعهم الشخصية التي‬
‫تسعى إلى مزيد من النجومية لهم‪.‬‬
‫على كل حال‪ ،‬فقد أخطأ المسيحيون الهدف‪ ،‬وقاموا بالهجوم على السلم‬
‫العظيم ظانين أن الدعاة الجدد والمدارس والمؤسسات الدينية المتهالكة‬
‫التي عفا عليها الزمن هم وحدهم في الميدان‪ ،‬ولذلك استهدفوهم بالهجوم‬
‫بشكل خاص‪ ،‬وأرادوا أن يؤكدوا على قناعة المسلمين عامة أنهم هم‬
‫الممثلون الحقيقيون للسلم‪ .‬ولكن أخطا ظنهم هذا‪ .‬فنتيجة عجز المدارس‬
‫التقليدية والدعاة الجدد وعدم مقدرتهم على الرد‪ ،‬توجه الرأي العام‬
‫السلمي حاليا لكي يترقب ويرى من الذي سيذود عن حياض السلم‪ .‬فبرز‬
‫هؤلء الرجال المدافعون الذين كانوا موجودين في السابق‪ ،‬ولكن كانت‬
‫حولهم غمامة من الكذب والفتراء التي أثارها التقليديون وأصحاب المدارس‬
‫الفكرية المتهالكة من المسلمين‪ .‬فعندما سيرون أنهم يحملون الحق وأنهم‬
‫خير المدافعين عن السلم‪ ،‬فسيقترب منهم عامة المسلمين على بينة وعلى‬
‫علم‪ .‬وسيرون ما بأيديهم من عقائد إسلمية ثابتة راسخة‪ ،‬وما بأيديهم أيضا‬
‫من أسلحة تفتك بالعقيدة المسيحية وتكسر الصليب وتقتل الخنزير‪ ،‬ويظهر‬
‫بهم الله السلم على الدين كله‪ .‬وعندها سيعلم الذين ظلموا أي منقلب‬
‫ينقلبون‪.‬‬
‫لقد قدم المسيحيون بهجومهم هذا خدمة للسلم دون أن يشعروا بأن دفعوا‬
‫الناس نحو التجاه الصحيح‪ .‬فهذه الحملة ستجعل المسلمين يتركون كل‬
‫المور الفاسدة التي ل أصل لها في الدين وسيصحبون أكثر قربا من العقائد‬
‫والمفاهيم السلمية الصحيحة‪ .‬وكل العمل الذي يقوم به المسلمون سيكون‬
‫بين يدي الله‪ .‬فأما الزبد منه فسيذهب جفاًء وأما ما ينفع الناس فسيمكث‬
‫في الرض‪ .‬وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون‪.‬‬
‫‪... ...‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫‪175‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قراءة في إنجيل متى‪1 -‬‬


‫مص المنكوح‪:‬‬ ‫ق ّ‬ ‫إلى ال ُ‬
‫"قراءة في إنجيل متى‪"1 -‬‬
‫أ‪.‬‬
‫د‪/‬إبراهيم عوض‬
‫‪ibrahim_awad9@yahoo.com‬‬
‫لم نكن نحب أبدا أن نتعرض لدين أحد لمعرفتنا أن كل إنسان يعتز بدينه أيما‬
‫اعتزاز ويتألم إذا تعرض له أحد بغض النظر عما إذا كان هذا الدين صوابا أو‬
‫خطأ‪ ،‬بيد أن القوم فى المهجر دأبوا منذ سنين على التباذؤ فى حق السلم‬
‫ونبيه وأتباعه وقلة الدب مع الله رب العالمين على نحو لم يسبق له مثيل‬
‫مص المنكوح‪ ،‬زيكو ذى الدبر‬ ‫ق ّ‬‫ة لل ُ‬ ‫وفتحوا لذات الغرض الخسيس دكان ً‬
‫المقروح‪ ،‬ظانين أن أحدا لن يرد عليهم ومتصورين أن أمريكا ستضرب‬
‫هب كل من تسول له نفسه الكريمة الغيرة على دينه ورسوله وأمته‪ ،‬إلى‬ ‫وت ُْر ِ‬
‫أن فاض الكيل وتكرر عتب الناس علينا لسكوتنا عن هذا الجرام وهذه‬
‫السفاهة‪ ،‬فكان ل بد من وقفة نعّرف فيها السفهاء ذوى الدبار المنتنة التى ل‬
‫تعرف الطهارة وتراها رجسا من عمل الشيطان حجمهم الحقيقى ون ُظ ِْهر‬
‫هشاشة ما يعتقدون ويعتنقون من دين‪ .‬والشر بالشر‪ ،‬والبادئ أظلم‪ ،‬وعلى‬
‫نفسها جنت براقش! وفى هذا المقال نتناول بالدراسة النقدية السريعة‬
‫الناجيل كما يؤمن بها هؤلء وأمثالهم‪ ،‬متخذين من "إنجيل متى" نموذجا لها‪.‬‬
‫وسوف نبدأ دائما بنقل كل فصل ندرسه بنصه‪ ،‬ثم نثّنى بعد ذلك بنقده‪.‬‬
‫وغايتنا هنا ليست كغاية زيكو العجيب‪ ،‬ذى الدبر الرحيب‪ ،‬هو وأشباهه ممن‬
‫يلجأون إلى الكذب لنصرة مذهبهم بالباطل‪ ،‬فتراهم ينتقون أشياء ويهملون‬
‫مد ٍ أشياء‪ ،‬ويخترعون أشياء ويلوون عنق أشياء‪ ...‬إلى آخر الوسائل‬ ‫عن عَ ْ‬
‫وق‬ ‫س ْ‬ ‫المريبة التى يستعملونها فى هذا الغرض‪ ،‬بل سنكتفى فى كل مرة ب َ‬
‫النص كما هو فى النجيل دون بتر شىء منه وت َْركه يتكلم بلسانه هو ل‬
‫بلساننا‪ ،‬محترمين المنطق والمنهج العلمى تمام الحترام‪ ،‬وكذلك حرية كل‬
‫إنسان فى اليمان بما يشاء والكفر بما يشاء‪ ،‬مبرزا ما أراه يستحق الثناء‬
‫مما أعتقد أنه وحى سماوى أو يشبه أن يكون وحيا سماويا‪ .‬وسوف يكون‬
‫اعتمادنا على نسخة الكتاب المقدس التى تقدمها جمعية الكتاب المقدس‬
‫بلبنان كما هو على المشباك‪ ،‬أما الشواهد فمن ترجمة سميث وفانديك‪.‬‬
‫والن على بركة الله نبدأ‪:‬‬
‫الفصل الول‪:‬‬
‫"نسب يسوع‬
‫م ولد َ إسحق‪ .‬وإسحق‬ ‫َ‬ ‫م‪2 :‬إبراهي ُ‬ ‫ن إبراهي َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن داود َ اب ِ‬ ‫ب يسوع َ المسيِح اب ِ‬ ‫س ُ‬ ‫هذا ن َ‬
‫ن ثاماَر‪.‬‬ ‫م ْ‬ ‫ح ِ‬‫ص وزاَر َ‬ ‫َ‬
‫ب ولد َ َيهوذا وإخوَته‪3 .‬وَيهوذا ولد َ فارِ َ‬ ‫َ‬ ‫ب‪ .‬وَيعقو ُ‬ ‫وَل َد َ َيعقو َ‬
‫ب‬‫مينادا ُ‬ ‫ب‪ .‬وعَ ّ‬ ‫مينادا َ‬ ‫م ول َد َ عَ ّ‬ ‫م‪4 .‬وأرا ُ‬ ‫ن ول َد َ أرا َ‬ ‫صرو ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن‪ .‬و َ‬ ‫صرو َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ص ول َد َ َ‬ ‫وفارِ ُ‬
‫ب‪ .‬وُبوعَُز‬ ‫ن راحا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ولد َ ُبوعََز ِ‬ ‫َ‬ ‫سلمو ُ‬ ‫َ‬ ‫ن‪5 .‬و َ‬ ‫سلمو َ‬ ‫َ‬ ‫ن ولد َ َ‬ ‫َ‬ ‫حشو ُ‬ ‫ن‪ .‬ون َ ْ‬ ‫حشو َ‬ ‫ول َد َ ن َ ْ‬
‫ك‪.‬‬ ‫مل ِ َ‬‫سى ول َد َ داود َ ال َ‬ ‫سى‪6 .‬وي َ ّ‬ ‫عوبيد ُ ول َد َ ي َ ّ‬ ‫ث‪ .‬و ُ‬ ‫عو َ‬ ‫ن را ُ‬ ‫م ْ‬ ‫عوبيد َ ِ‬ ‫ول َد َ ُ‬
‫م ول َد َ أبّيا‪.‬‬ ‫حَبعا ُ‬ ‫م‪ .‬وَر ْ‬ ‫حَبعا َ‬ ‫ن ول َد َ َر ْ‬ ‫سل َْيما ُ‬ ‫من َامرأةِ أورّيا‪7 .‬و ُ‬ ‫ن ِ‬‫سل َْيما َ‬ ‫وداود ُ ول َد َ ُ‬
‫م ول َد َ عُّزّيا‪.‬‬ ‫م‪ .‬وُيورا ُ‬ ‫ط ول َد َ ُيورا َ‬ ‫ط‪ .‬ويوشافا ُ‬ ‫وأبّيا ول َد َ آسا‪8 .‬وآسا ول َد َ يوشافا َ‬
‫سى‪.‬‬ ‫من َ ّ‬‫حْزقِّيا ول َد َ َ‬ ‫حْزقِّيا‪10 .‬و َ‬ ‫م ول َد َ أحاَز‪ .‬وأحاُز ول َد َ ‪َ .‬‬ ‫م‪ .‬وُيوثا ُ‬ ‫‪9‬وعُّزّيا ول َد َ ُيوثا َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫كنّيا وإخوََته َز َ‬ ‫شّيا ول َد َ ي َ ُ‬ ‫شّيا‪11 .‬ويو ِ‬ ‫ن ول َد َ يو ِ‬ ‫ن‪ .‬وآمو ُ‬ ‫سى ول َد َ آمو َ‬ ‫من َ ّ‬‫و َ‬
‫ل‪.‬‬‫ي إلى باب ِ َ‬ ‫ْ ِ‬ ‫ب‬ ‫الس‬
‫ل‪.‬‬ ‫ل ول َد َ َزُرباب ِ َ‬ ‫شأ َْلتيئي ُ‬ ‫ل‪ .‬و َ‬ ‫شأ َل َْتئي َ‬‫ل ي َك ُن ِّيا ول َد َ َ‬ ‫سْبي إلى باب ِ َ‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫‪12‬وب َعْ َ‬
‫د‬

‫‪176‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م ول َد َ عاُزوَر‪َ14 .‬وعاُزوُر‬ ‫م‪ .‬وأِلياقي ُ‬ ‫ل ول َد َ أبيُهوَد‪ .‬وأبيُهود ُ ول َد َ أِلياقي َ‬ ‫‪13‬وَزُرباب ِ ُ‬


‫َ‬
‫م ولد َ ألُيوَد‪15 .‬وألُيود ُ ولد َ أليعاَزَر‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ول َد َ صاُدو َ‬
‫م‪ .‬وأخي ُ‬ ‫ق‪ .‬وصاُدوقُ ولد َ أخي َ‬
‫م‬
‫مْري َ‬ ‫ل َ‬ ‫ج َ‬ ‫ف َر ُ‬ ‫ب ول َد َ يوس َ‬ ‫ب‪16 .‬وَيعقو ُ‬ ‫ن ول َد َ َيعقو َ‬ ‫مّتا ُ‬ ‫ن‪ .‬و َ‬ ‫مّتا َ‬ ‫وأليعاَزُر ول َد َ َ‬
‫ح‪.‬‬‫مسي َ‬ ‫ت َيسوعَ الذي ُيدعى ال َ‬ ‫التي ول َد َ ْ‬
‫ن داود َ إلى‬ ‫م ْ‬ ‫ل‪ .‬و ِ‬ ‫شَر جي ً‬ ‫ة عَ َ‬ ‫م إلى داود َ أْرب َعَ َ‬ ‫ن إبراهي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫جيا ِ‬ ‫جموعُ ال ْ‬ ‫م ْ‬ ‫‪17‬ف َ‬
‫ل‪.‬‬‫شَر جي ً‬ ‫ة عَ َ‬ ‫مسيِح أْرب َعَ َ‬ ‫ل إلى ال َ‬ ‫ي باب ِ َ‬ ‫سب ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل‪ .‬و ِ‬ ‫شَر جي ً‬ ‫ة عَ َ‬ ‫ل أْرب َعَ َ‬ ‫ي باب ِ َ‬ ‫سب ْ ِ‬ ‫َ‬
‫ميلد يسوع‬
‫ُ‬
‫ن‬‫ف‪َ ،‬فتبي ّ َ‬ ‫ة ليوس َ‬ ‫خطوب َ ً‬ ‫م ْ‬‫م َ‬ ‫مري َ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫م ُ‬ ‫مسيِح‪ :‬كاَنت أ ّ‬ ‫‪18‬وهذِهِ سيَرة ُ ميلد ِ َيسوعَ ال َ‬
‫حا‬‫جل ً صال ِ ً‬ ‫ف َر ُ‬ ‫ن يوس ُ‬ ‫س‪19 .‬وكا َ‬ ‫قد ُ ِ‬ ‫ن الّروِح ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫حْبلى ِ‬ ‫ه أّنها ُ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫سك ُ َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫لأ ْ‬ ‫قَب ْ َ‬
‫سُرا‪.‬‬ ‫ن َيتُركها ِ‬‫َ‬ ‫م على أ ْ‬ ‫مَرها‪َ ،‬فعَز َ‬ ‫فأ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ن يك ِ‬ ‫ْ‬ ‫َفما أراد َ أ ْ‬
‫ل له‪" :‬يا‬ ‫َ‬ ‫حلم ِ وقا َ‬ ‫ُ‬ ‫ب‪ .‬في ال ُ‬ ‫ملك الّر ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ر‪ ،‬ظهََر له َ‬ ‫َ‬ ‫م ِ‬ ‫فكُر في هذا ال ْ‬ ‫ّ‬ ‫‪20‬وَبيَنما هوَ ي ُ َ‬
‫ن الروِح‬ ‫م َ‬ ‫حْبلى ِ‬ ‫ي ُ‬ ‫َ‬
‫م امرأة ً لك‪َ .‬فه َ‬ ‫َ‬ ‫مْري َ‬ ‫خذ َ َ‬ ‫ن تأ ُ‬ ‫فأ ْ‬ ‫خ ْ‬ ‫ن داوَد‪ ،‬ل ت َ‬ ‫ف َاب َ‬ ‫يوس ُ‬
‫م"‪.‬‬ ‫خطاياهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ص شعْب َ ُ‬ ‫خل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ه يُ َ‬ ‫ع‪ ،‬لن ّ ُ‬ ‫ميهِ َيسو َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫ست َل ِد ُ ابنا ُتس ّ‬ ‫س‪21 ،‬و َ‬ ‫قد ُ ِ‬ ‫ال ُ‬
‫ذراُء‪ ،‬فت َل ِد ُ‬ ‫ل العَ ْ‬ ‫حب َ ُ‬
‫ست ْ‬ ‫ي‪َ "23 :‬‬ ‫ن الّنب ّ‬ ‫ب بِلسا ِ‬ ‫ل الّر ّ‬ ‫م ما قا َ‬ ‫ّ‬
‫ث هذا كله ل ِي َت ِ ّ‬ ‫ُ‬ ‫حد َ َ‬ ‫‪َ 22‬‬
‫مَعنا‪.‬‬ ‫مانوئيل"‪ ،‬أي الله َ‬ ‫َ‬ ‫ع ّ‬ ‫دعى " ِ‬ ‫ا َْبنا ً ي ُ ْ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ب‪َ .‬فجاَء با َ ْ‬
‫مَرأت ِهِ إلى‬ ‫مل ُ‬
‫ك الّر ّ‬ ‫مَره ُ َ‬‫ل ِبما أ َ‬ ‫م َ‬‫م‪ ،‬عَ ِ‬‫ن الّنو ِ‬
‫م َ‬
‫ف ِ‬ ‫م يوس ُ‬ ‫ما قا َ‬
‫‪24‬فل ّ‬
‫ماه ُ َيسوعَ"‪.‬‬‫س ّ‬‫ت ا َب َْنها فَ َ‬‫ه ما عََرَفها حتى ول َد َ ِ‬ ‫َبيِته‪25 ،‬ولك ِن ّ ُ‬
‫أول شىء نلحظه أن متى )إن كان كاتب هذا النجيل هو متى حقا( يقول عن‬
‫عيسى عليه السلم إنه "ابن دواد بن إبراهيم"‪ .‬ول يمكن أن يكون عيسى هو‬
‫ابن داود ول أن يكون داود هو ابن إبراهيم إل على المجاز‪ ،‬إذ بين كل ابن من‬
‫البنين وأبيه أجيال وأجيال‪ .‬ومع ذلك نسمع القوم يتصايحون ويولولون لن‬
‫القرآن يقول عن مريم‪" :‬ابنة عمران"‪ .‬فما الفرق بين هذا وذاك؟ ولماذا‬
‫يبتلعون تلك ويرفضون هذه‪ ،‬وهما شىء واحد؟ وهذا بافتراض أن مريم‬
‫ليست ابنة عمران حقيقة‪ ،‬إذ ل يوجد فى أناجيلهم الربعة التى قبلتها الكنيسة‬
‫أنها ابنة يواقيم الذى على أساسه يجأرون بتكذيب القرآن‪ ،‬بل ل يوجد مصدر‬
‫أكيد يقول إن أبا مريم هو هذا اليواقيم‪ ،‬بل الذى قال ذلك أحد الناجيل التى‬
‫ل تعترف بها الكنيسة‪ .‬أليس ذلك أمرا مضحكا؟‬
‫المر الثانى أن مؤلف الصحاح يقول عن داود إنه قد أنجب سليمان من‬
‫امرأة أورّيا‪ .‬أيدرى القارئ معنى هذه الشارة؟ معناها أن جد عيسى وجدته‬
‫هذين زانيان من الزناة القارحين الذين ل يخجلون‪ :‬فداود‪ ،‬حسبما كتب مؤلفو‬
‫الكتاب المقدس‪ ،‬كان ذات يوم يتنزه فوق قصره )أو ل أدرى ماذا كان يفعل‬
‫هناك‪ ،‬ولعله كان يتفرج على ِغّية الحمام فوق القصر‪ ،‬أو يطّير طيارة ورقية‬
‫من التى يلعب بها العيال‪ ،‬يقتل بها الوقت ويتسلى من الملل(‪ ،‬فتصادف أن‬
‫شَبع امرأة جاره وقائده العسكرى وهى تستحم عارية كما‬ ‫وقعت عيناه على ب َت ْ َ‬
‫ولدتها أمها فى فناء بيتها المجاور للقصر‪ .‬ويبدو أنها كانت تشتغل ممثلة‬
‫ت أن داود سوف‬ ‫ست ِرِب ِْتيز الساخنة‪ ،‬وعرف ْ‬ ‫كس فى هوليود وتقوم بأدوار ال ْ‬ ‫س ْ‬
‫ِ‬
‫يصعد إلى سطح القصر بعد قليل فاستعدت له بالطست والكوز والليفة‬
‫سيل ل َُعاب الرجال إياهم‪ ،‬أو ربما اتصلت به‬ ‫والصابونة والحركات إياها التى ت ُ ِ‬
‫رع إليها ليتلذذ بمفاتنها العارية‪،‬‬ ‫هاتفيا أو برسالة فورية على الماسنجر فهُ ِ‬
‫وكانت هى قد اتخذت أسخن الوضاع وأشدها دفقا للدم فى العروق‪ ،‬اللهم‬
‫مام‬
‫إل إذا أحسّنا بها الظن كما ينبغى للمؤمن أن يفعل‪ ،‬وقلنا إن غرفة الح ّ‬

‫‪177‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ك الستحمام ولم يعد لتأجيله من سبيل‪،‬‬ ‫حب ِ َ‬


‫كانت تحت الصيانة حينئذ‪ ،‬و ُ‬
‫وكانت السيدة الجليلة ربة الصون والعفاف مطمئنة إلى جارهم النبى الملك‬
‫شوْرَبة وأى كلم" فلم يكن عند حسن الظن به وصعد إلى‬ ‫الذى "طلع ُ‬
‫السطح غير مراٍع للجيرة ول لعِْرض قائده حرمة‪ .‬وكان ما كان مما ل بد أن‬
‫جل حتى الوباش‪،‬‬ ‫خ ِ‬
‫شّرا واسأل كما تحب عن الخبر‪ ،‬فهو خبر ي ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫نذكره‪ ،‬فظ ُ ّ‬
‫إذ أرسل داود إليها فجاءته وزنى بها‪ ،‬ثم لم يكتف بهذا بل تآمر على قتل‬
‫زوجها ليخلو له وجه المرأة على الدوام‪ ،‬ثم لما نجحت المؤامرة وقُِتل الزوج‬
‫ن بطبيعة الحال بعد استيفائها العدة! يا سلم على قوة‬ ‫استلحقها بحريمه‪ ،‬لك ْ‬
‫اليمان واحترام الشريعة! وقد أنجب منها سليمان‪ ،‬وربما كان سليمان )على‬
‫دة يسوع‪ ،‬وهذا‬ ‫كلمهم هم ل كلمنا( هو فَْرخ الزنا‪ ،‬أستغفر الله! وهذه هى َ‬
‫ج ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م! ثم يقولون إن هذا كلم الله! أستغفر الله!‬ ‫م وأك ْرِ ْ‬‫ده! أن ْعِ ْ‬
‫ج ّ‬
‫هو َ‬
‫صم يسوع وأمه وصمة عار‪ ،‬لن نسب‬ ‫فر ي َ ِ‬ ‫س ْ‬
‫المر الثالث أن مؤلف ال ّ‬
‫المسيح‪ ،‬حسبما ذكر‪ ،‬يبدأ من لدن آدم‪ ،‬وينتهى بيوسف النجار رجل مريم كما‬
‫يقول! ول أظن أن هناك ما يمكن أن يقال من جانبى تعليقا على هذا‪ ،‬فهو‬
‫شْنع بحيث ل أستطيع أن أضيف له شيئا من عندى‪ ،‬والعياذ‬ ‫من الوضوح وال ّ‬
‫بالله‪ .‬أى أن المؤلف يردد ما يتهم اليهود به مريم‪ ،‬عليهم لعنات الله‪ ،‬إذ‬
‫يجعلون من عيسى ابنا ليوسف منها‪ .‬ولما لم يكن يوسف قد تزوج من مريم‪،‬‬
‫فلم يبق إل أن يكون ابنا لهما من الحرام‪ .‬أستغفر الله استغفارا يوائم هذا‬
‫الكفر‪ ،‬الذى نقول نحن )بسببه ولسباب أخرى مشابهة له فى الشناعة( إن‬
‫رفونه بكل نقيصة غباًء‬ ‫ق ِ‬
‫القوم قد حّرفوا كتابهم فيسّبون الرسول الكريم وي َ ْ‬
‫ل‪ ،‬إذ المفروض أن النسان العاقل يحب من يدافع عنه ومن يفتح‬ ‫منهم وضل ً‬
‫جد ّ بعيد!‬
‫دى ِ‬ ‫له بابا يخرج به من ورطته‪ ،‬لكن هؤلء قد بلغوا فى الغباء م ً‬

‫)‪(2 /‬‬

‫دم للسيد المسيح‬ ‫المر الرابع أن مؤلف النجيل الذى يحمل اسم لوقا يق ّ‬
‫نسبا مختلفا إلى حد بعيد عن سلسلة النسب المذكورة له هنا‪ :‬مختلفا من‬
‫حيث عدد حلقات السلسلة‪ ،‬ومختلفا من حيث سقوط بعض الجداد هنا‬
‫وهناك‪ ،‬ومختلفا من حيث اختلف طائفة من السماء فى الولى عنها فى‬
‫الثانية‪ .‬ثم يقولون بكل بجاحة إن هذا كلم الله! وإلى القارئ الكريم نسب‬
‫السيد المسيح عليه السلم كما ورد فى الصحاح الثالث من إنجيل لوقا‪،‬‬
‫وأترك له مهمة المقارنة بين النسبين ليتسلى ويضحك ملء أشداقه‪" :‬‬
‫س‬ ‫َ‬
‫ن النا ُ‬ ‫ه‪ .‬وكا َ‬ ‫دما بد َأ ِرسالت َ ُ‬ ‫عن َ‬ ‫ن الُعمرِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن َيسوعُ في نحوِ الثلثي َ‬ ‫‪23‬وكا َ‬
‫ن‬ ‫ث‪ ،‬بن لِوي‪ ،‬بن َ ْ‬ ‫ه َاب َ‬
‫ن ي َّنا‪ ،‬ب ِ‬‫ملكي‪ ،‬ب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مْتثا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ن عالي‪24 ،‬ب ِ‬ ‫ف‪ ،‬ب ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن يو ُ‬ ‫سبون َ ُ‬ ‫َيح ِ‬
‫ن‬‫ي‪26 ،‬ب ِ‬ ‫جا ِ‬ ‫ن نَ ّ‬ ‫سلي‪ ،‬ب ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م‪ ،‬ب ِ‬ ‫ن ناحو َ‬ ‫ص‪ ،‬ب ِ‬ ‫ن عامو َ‬ ‫ن مّتاِثيا‪ ،‬ب ِ‬ ‫ف‪25 ،‬ب ِ‬ ‫س َ‬ ‫يو ُ‬
‫ن‬
‫ن ِريسا‪ ،‬ب ِ‬ ‫ن يوحّنا‪ ،‬ب ِ‬ ‫ن َيهوذا‪27 ،‬ب ِ‬ ‫ف‪ ،‬ب ِ‬ ‫ن يوس َ‬ ‫معي‪ ،‬ب ِ‬ ‫ش ْ‬‫ن َ‬ ‫تاثيا‪ ،‬ب ِ‬ ‫نم ّ‬ ‫ت‪ ،‬ب ِ‬ ‫مآ َ‬
‫ن‬ ‫ن شألتيئي َ‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫زُرّباب ِ َ‬
‫م‪ ،‬ب ِ‬ ‫ص َ‬ ‫ن قو َ‬ ‫ن أّدي‪ ،‬ب ِ‬ ‫مِلكي‪ ،‬ب ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن نيري‪28 ،‬ب ِ‬ ‫ل‪ ،‬ب ِ‬ ‫ل‪ ،‬ب ِ‬
‫ن لوي‪،‬‬ ‫ث‪ ،‬ب ِ‬ ‫متثا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م‪ ،‬ب ِ‬ ‫ن يوري َ َ‬ ‫ن أليعازاَر‪ ،‬ب ِ‬ ‫ع‪ ،‬ب ِ‬ ‫ن يشو َ‬ ‫ر‪29 ،‬ب ِ‬ ‫عي ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م‪ ،‬ب ِ‬ ‫مودا ِ‬ ‫ال ُ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ن َ‬
‫مليا‪ ،‬ب ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ألياقيم‪31 ،‬ب ِ‬ ‫ن‪ ،‬ب ِ‬ ‫ن يونا َ‬ ‫ف‪ ،‬ب ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن يو ُ‬ ‫ن َيهوذا‪ ،‬ب ِ‬ ‫ن‪ ،‬ب ِ‬ ‫شمُعو َ‬ ‫‪30‬ب ِ‬
‫ن‬
‫ن ُبوعَز‪ ،‬ب ِ‬ ‫د‪ ،‬ب ِ‬ ‫عوبي َ‬ ‫ن ُ‬ ‫سى‪ ،‬ب ِ‬ ‫ني ّ‬ ‫ن داوَد‪32 ،‬ب ِ‬ ‫ن‪ ،‬ب ِ‬‫ن ناثا َ‬ ‫ن‪ ،‬بن مّتاثا‪ .‬ب ِ‬ ‫مْينا َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ن‪ ،‬ب ِ‬ ‫حصرو َ‬ ‫ن َ‬ ‫ن عرني‪ ،‬ب ِ‬ ‫ن أدمي‪ ،‬ب ِ‬ ‫ب‪ ،‬ب ِ‬ ‫مينادا َ‬ ‫ن عَ ّ‬‫ن‪33 ،‬ب ِ‬ ‫حشو َ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫شالح‪ ،‬ب ِ‬
‫ن ناحوَر‪،‬‬ ‫َ‬
‫ح‪ ،‬ب ِ‬ ‫ن تاَر َ‬ ‫م‪ ،‬ب ِ‬ ‫ن إبراهي َ‬ ‫ق‪ ،‬ب ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن اس َ‬ ‫ب‪ ،‬ب ِ‬ ‫ن َيعقو َ‬ ‫ن َيهوذا‪34 ،‬ب ِ‬ ‫ص‪ ،‬ب ِ‬ ‫فارِ َ‬
‫ن‬
‫ن‪ ،‬ب ِ‬ ‫ن قينا َ‬ ‫َ‬ ‫ح‪36 ،‬ب ِ‬ ‫ن شال َ‬ ‫ن عابَر‪ ،‬ب ِ‬ ‫ج‪ ،‬ب ِ‬ ‫ن فال َ‬ ‫عو‪ ،‬ب ِ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ج‪ ،‬ب ِ‬ ‫سرو َ‬ ‫ن َ‬ ‫‪35‬ب ِ‬
‫ن يارَِد‪،‬‬ ‫خ‪ ،‬ب ِ‬ ‫ن أخنو َ‬ ‫ح‪ ،‬ب ِ‬ ‫متوشال ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫مك‪37 ،‬ب ِ‬ ‫َ‬ ‫نل ِ‬ ‫ن نوِح‪ ،‬ب ِ‬ ‫م‪ ،‬ب ِ‬ ‫ن سا ِ‬ ‫كشاَد‪ ،‬ب ِ‬ ‫أرف ْ‬

‫‪178‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن الله"‪.‬‬ ‫ت‪ ،‬بن آد َ َ‬ ‫مهل َْلئي َ‬


‫م‪ ،‬اب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن شي َ‬ ‫ش‪ ،‬ب ِ‬ ‫ن أنو َ‬ ‫ن‪38 ،‬ب ِ‬ ‫ن قينا َ‬ ‫ل‪ ،‬ب ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ب ِ‬
‫ضا حاّدا ل يمكن َرْتقه بين ما قاله المؤلف فى‬ ‫المر الخامس أن هناك تناق ً‬
‫الفقرة رقم ‪ 18‬عن السر الخاص بحمل مريم وما قاله هو نفسه فى الفقرة‬
‫رقم ‪ ،20‬إذ مرة يقول‪ :‬لقد تبين أنها حبلى من الروح القدس‪ ،‬ومرة يقول إن‬
‫هاتفا جاء ليوسف بعد ذلك فى المنام قائل له إنها حبلى من الروح القدس‪،‬‬
‫طبتها ول يتركها‪ .‬والسؤال‬ ‫خ ْ‬ ‫وينبغى من ثم أن يقف إلى جوارها ويستمر فى ِ‬
‫ن تبّين إذن من قبل أنها حبلى من الروح القدس؟ ليوسف؟ أبدا‪ ،‬فها‬ ‫م ْ‬‫هو‪ :‬ل ِ َ‬
‫هو ذا يوسف كان يريد تركها بسبب شكه فيها لول المنام الذى قيل له فيه‬
‫حب َْلى من الروح القدس‪ .‬للناس إذن؟ ول تلك أيضا‪ ،‬فها هو ذا لوقا يقول‬ ‫إنها ُ‬
‫إن الناس كانت تظن أنه ابن يوسف‪ .‬أى أنه حتى بعد وقوع الولدة لم يكن‬
‫الناس يعرفون أنه من الروح القدس! بل لقد ظلوا يقولون عنه إنه ابن‬
‫ن‬‫م ْ‬‫ب ِ‬ ‫ل‪ ،‬ذهَ َ‬ ‫م َيسوع ُ هذِهِ المثا َ‬ ‫ما أت َ ّ‬
‫يوسف النجار حتى بعد أن أصبح نبيا‪" :‬ول ّ‬
‫ن لهَ‬ ‫ن أي َ‬ ‫م ْ‬ ‫جبوا وَتساَءلوا‪ِ " :‬‬ ‫معِِهم‪ ،‬فت َعَ ّ‬ ‫مج َ‬ ‫م في َ‬ ‫خذ َ ُيعل ّ ُ‬ ‫ه‪ ،‬وأ َ‬ ‫ك وعاد َ إلى بل َدِ ِ‬ ‫هنا َ‬ ‫ُ‬
‫ه‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م‪ ،‬وِإخوت ُ ُ‬ ‫مري َ‬ ‫ه ُتدعى َ‬ ‫م ُ‬‫جاِر؟ أ ّ‬ ‫ن الن ّ‬ ‫ت؟ أما هوَ اب ُ‬ ‫مْعجزا ُ‬ ‫ة وت ِلك ال ُ‬ ‫حكم ُ‬ ‫هذِهِ ال ِ‬
‫ن وَيهوذا؟" )‪ .(55 -53 /13‬والن إلى الفقرتين‬ ‫معا َ‬ ‫س ْ‬ ‫فو ِ‬ ‫ب ويوس َ‬ ‫َيعقو َ‬
‫ه‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫معَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫سك َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫ن قب ْل أ ْ‬ ‫ف‪ ،‬فتبي ّ َ‬ ‫ة ليوس َ‬ ‫خطوب َ ً‬ ‫م ْ‬
‫م َ‬ ‫مري َ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫م ُ‬ ‫المضحكتين‪" :‬كاَنت أ ّ‬
‫ف‬
‫ِ َ‬ ‫ش‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫ن‬
‫َ ْ‬ ‫أ‬ ‫د‬ ‫أرا‬ ‫فما‬‫َ‬ ‫حا‬
‫ِ ً‬ ‫ل‬ ‫صا‬ ‫ً‬ ‫ل‬ ‫ج‬ ‫ر‬
‫ُ َ ُ‬ ‫ف‬ ‫يوس‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫وكا‬ ‫‪19‬‬ ‫س‪.‬‬ ‫ن الّروِح ال ُ ِ‬
‫د‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫م َ‬ ‫حْبلى ِ‬ ‫أّنها ُ‬
‫ر‪ ،‬ظ َهََر َله‬ ‫م ِ‬ ‫فك ُّر في هذا ال ْ‬ ‫سّرا‪20 .‬وَبيَنما هوَ ي ُ َ‬ ‫كها ِ‬ ‫ن َيتُر َ‬ ‫م على أ ْ‬ ‫مَرها‪َ ،‬فعَز َ‬ ‫أ ْ‬
‫م‬
‫مْري َ‬ ‫خذ َ َ‬ ‫ن تأ ُ‬ ‫فأ ْ‬ ‫خ ْ‬ ‫ن داوَد‪ ،‬ل ت َ‬ ‫ف َاب َ‬ ‫ل َله‪" :‬يا يوس ُ‬ ‫حل ُم ِ وقا َ‬ ‫ب‪ .‬في ال ُ‬ ‫ك الّر ّ‬ ‫مل ُ‬ ‫َ‬
‫دسِ"‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬‫ال‬ ‫ح‬ ‫الرو‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫بلى‬ ‫ح‬
‫َ ُ ْ‬ ‫ي‬ ‫فه‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك‪.‬‬ ‫ل‬ ‫ً‬ ‫ة‬ ‫امرأ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫)‪(3 /‬‬

‫المر السادس أن الكاتب يقول إن هناك نبوءة بأن مريم ستلد ولدا وتسميه‪:‬‬
‫"عمانوئيل"‪ ،‬ثم ينسى المؤلف المغّيب الذهن فيقول قبل ذلك مباشرة‪،‬‬
‫وعقب ذلك مباشرة أيضا‪ ،‬إن يوسف سماه‪" :‬يسوع" تحقيقا لهذه النبوءة‪.‬‬
‫ب حمارى! إن هذا‬ ‫ت وغُل ِ َ‬ ‫كيف؟ أفتونى أنتم أيها القراء الكرام‪ ،‬فقد غُل ِب ْ ُ‬
‫كرنا بأغنية شادية التى تقول فيها إنها‪ ،‬من ارتباكها بسبب مشاغلة حبيبها‬ ‫يذ ّ‬
‫لها‪ ،‬إذا طلب أبوها أن ت ُعِد ّ له كوبا من القهوة فإنها تعد بدل من ذلك كوبا من‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ه ِ‬‫ص شعْب َ ُ‬ ‫خل ّ ُ‬
‫ه يُ َ‬ ‫ع‪ ،‬لن ّ ُ‬ ‫ميهِ َيسو َ‬ ‫ست َل ِد ُ َابنا ً ُتس ّ‬ ‫الشاى وتعطيه لمها‪21" :‬و َ‬
‫حب َلُ‬
‫ست ْ‬ ‫ي‪َ "23 :‬‬ ‫ن الّنب ّ‬ ‫ب بِلسا ِ‬ ‫َ‬
‫م ما قال الّر ّ‬ ‫ث هذا ك ُّله ل ِي َت ِ ّ‬ ‫حد َ َ‬ ‫م"‪َ 22.‬‬ ‫خطاياهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫م‬
‫ُ ِ َ‬ ‫ف‬ ‫يوس‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫قا‬ ‫ما‬
‫ّ‬ ‫فل‬ ‫‪24‬‬ ‫عنا‪.‬‬‫َ َ‬‫م‬ ‫الله‬ ‫أي‬ ‫ل"‪،‬‬‫َ‬ ‫مانوئي‬ ‫ع‬
‫ِ ّ‬ ‫"‬ ‫دعى‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ا‬
‫َِ ُ ْ ُ ْ‬‫بن‬‫َ‬ ‫ا‬ ‫د‬‫ل‬ ‫ت‬‫ف‬ ‫ء‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ذرا‬ ‫َ‬ ‫ع‬‫ال‬
‫ه ما عََرَفها‬ ‫ن‬ ‫ك‬ ‫ول‬ ‫‪25‬‬ ‫ته‪،‬‬ ‫بي‬ ‫إلى‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫رأ‬‫م‬‫َ‬ ‫ا‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ء‬‫فجا‬‫َ‬ ‫ب‪.‬‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫ُ‬
‫ك‬ ‫مل‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫أ‬ ‫بما‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫م‪،‬‬
‫ِّ ُ‬ ‫َ ِ‬ ‫ْ َ ِ ِ‬ ‫ّ ّ‬ ‫َ َ ُ َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫نو‬
‫ماه ُ َيسوعَ"‪ .‬وبالمناسبة فلم يحدث أن سمى أحد سيدنا‬ ‫س ّ‬ ‫ت ا َب َْنها فَ َ‬ ‫حتى ول َد َ ِ‬
‫عيسى عليه السلم فى يوم من اليام‪" :‬عمانوئيل" رغم أن كثيرا من‬
‫ون‪" :‬عمانوئيل"! كما‬ ‫م ْ‬‫س ّ‬ ‫ت لله ي ُ َ‬ ‫ت ممن ليسوا أبناًء أو بنا ٍ‬ ‫النصارى صبياًنا وبنا ٍ‬
‫مى‪:‬‬ ‫حَبل العذراء وولدتها طفل يس ّ‬ ‫شعَْيا عن َ‬ ‫أن بقية النبوءة التى تنسب ل ِ َ‬
‫"عمانوئيل" تقول‪" :‬زبدا وعسل يأكل متى عرف أن يرفض الشر ويختار‬
‫خَلى الرض‬ ‫الخير‪ ،‬لنه قبل أن يعرف الصبى أن يرفض الشر ويختار الخير ت ُ ْ‬
‫مل ِك َْيها" )إشعيا‪ ،(16 -15 /7 /‬ولم يرد فى الناجيل قط‬ ‫ش من َ‬ ‫التى أنت خا ٍ‬
‫أنه‪ ،‬عليه السلم‪ ،‬قد أكل زبدا وعسل‪ ،‬فهل نقول‪ ،‬بناء على هذا وطبقا لما‬
‫جاء فى النبوءة‪ ،‬إنه لم يستطع أن يرفض الشر ويختار الخير؟ يا للداهية‬
‫الثقيلة!‬
‫ل يجرى عليه ما يجرى على كل‬ ‫ل بشرى تماما‪ ،‬طف ٍ‬ ‫ثم إن الكلم هنا عن طف ٍ‬

‫‪179‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أطفال البشر‪ ،‬فهو لم ينزل من بطن أمه عارفا الخير والشر كما ينبغى لبن‬
‫الله أن يكون‪ ،‬وهذا إن كان من الممكن أو حتى من اللئق أن ينزل ابن الله‬
‫من بطن امرأة )وهو المر المستحيل بطبيعة الحال(‪ ،‬بل عليه أن يمر بعدة‬
‫مراحل حتى يكتسب موهبة التعرف إلى الخير والشر والتمييز بينهما‪ .‬ولقد‬
‫رجعت إلى كتاب "‪) "A New Commentary on Holy Scripture‬لندن‪1929 /‬م(‬
‫لمحص ما أرى أنه هو التفسير الصحيح أو القرب إلى الصحة على القل‪،‬‬
‫فوجدت محرريه‪ :‬تشارلز جور وهنرى جاودج وألفرد جيوم يقولون إن إشعيا‬
‫حَبل‬‫إنما كان يتنبأ بما سيحدث لبنى إسرائيل فى المستقبل القريب‪ ،‬وإن َ‬
‫العذراء ليس إل إشارة إلى الية التى سيقع عندها ما أخبر به‪ ،‬إل أن النصارى‬
‫قد استغلوا تلك النبوءة فى الكلم عن ميلد عيسى عليه السلم‪ ،‬وهو ما ل‬
‫يوافق عليه اليهود أبدا‪ .‬وقد ورد فى شرح المحررين المذكورين أن النبوءة‬
‫تقول إن التى ستحبل وتلد طفل يسمى عمانوئيل هى "‪ ،"damsel‬وليس "‬
‫‪ "virgin‬التى تستعمل للعذراء مريم عليها السلم‪ ،‬وهو ما يعضده استخدام‬
‫بعض الترجمات الفرنسية عندى لكلمة "‪ ،"la jeune fille‬وإن كنت وجدتها فى‬
‫بعض الترجمات الفرنسية والنجليزية الخرى "‪ :vierge, virgin‬عذراء"‪ .‬وقد‬
‫انقدح فى ذهنى عندئذ أن السبب فى هذا الضطراب هو أن الكلمة الصلية‬
‫تعنى "‪ ،"damsel‬التى تعنى أيضا "غادة‪ ،‬آنسة‪ ،‬صبية"‪ ،‬وأن رغبة النصارى فى‬
‫تحميلها المعنى الذى يريدون هى المسؤولة عن ترجمتهم لها بـ"عذراء"‪.‬‬
‫ت خطوة أخرى فرجعت إلى‬ ‫ومرة أخرى لم يكتف العبد لله بذلك‪ ،‬بل اتخذ ُ‬
‫مادة "‪ "IMMANUEL‬فى موسوعة "‪The International Standard Bible‬‬
‫‪ "Encyclopedia‬لقرأ تحت هذا العنوان الجانبى‪"The Sign of Immanuel" :‬‬
‫السطور التالية عن النبى إشعيا والعلمة الثانية التى عرضها على الملك أحاز‬
‫كى ي َث ْن َِيه عن تحالفه مع مملكة آشور‪ ،‬هذا التحالف الذى رأى أنه يؤدى إلى‬
‫التبعية لتلك الدولة‪:‬‬
‫‪He then proceeds to give him a sign from God Himself, the sign of‬‬
‫‪"Immanuel" (Isaiah 7:14). The interpretation of this sign is not clear, even‬‬
‫‪apart from its New Testament application to Christ. The Hebrew word‬‬
‫‪translated "virgin" in English Versions of the Bible means, more correctly,‬‬
‫‪"bride," in the Old English sense of one who is about to become a wife, or is‬‬
‫‪still a young wife. Psalms 68:25 English Versions of the Bible gives‬‬
‫‪"."damsels‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫‪Isaiah predicts that a young bride shall conceive and bear a son. The miracle‬‬
‫‪of virgin-conception, therefore, is not implied. The use of the definite article‬‬
‫‪before "virgin" (ha-`almah) does not of itself indicate that the prophet had‬‬
‫‪any particular young woman in his mind, as the Hebrew idiom often uses‬‬
‫‪the definite article indefinitely. The fact that two other children of the‬‬
‫‪prophet, like Hosea's, bore prophetic and mysterious names, invites the‬‬
‫‪conjecture that the bride referred to was his own wife. The hypothesis of‬‬
‫‪some critics that a woman of the harem of Ahaz became the mother of‬‬
‫‪Hezekiah, and that he was the Immanuel of the prophet's thought is not‬‬
‫‪feasible. Hezekiah was at least 9 years of age when the prophecy was given‬‬

‫‪180‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪.((2 Kings 16:2‬‬


‫‪Immanuel, in the prophetic economy, evidently stands on the same level‬‬
‫‪with Shear-jashub (Isaiah 7:3) as the embodiment of a great idea, to which‬‬
‫‪.(Isaiah again appeals in Isaiah 8:8 (see ISAIAH, VII‬‬
‫وفيه‪ ،‬كما يرى القارئ بنفسه‪ ،‬أن الكلمة المستخدمة فى الصل معناها‬
‫"عروس" أو "شابة على وشك الزواج" أو "زوجة جديدة"‪ ،‬وليس "عذراء"‪،‬‬
‫ن كان التفسير القائل‬‫وأن تفسير الية المذكورة فى النبوءة ليس واضحا‪ ،‬وإ ْ‬
‫بالحمل العجازىّ مستبَعدا رغم ذلك‪ ،‬فضل عن أن هناك من يقول إن‬
‫المقصود بالغادة هو زوجة إشعيا نفسه‪ ،‬ومن يقول إن المقصود بـ"عمانوئبل"‬
‫ليس شخصا بل فكرة من الفكار العظيمة!‬
‫ومرة أخرى غير المرة الخرى السابقة ل يكتفى العبد لله بهذا‪ ،‬بل أعود‬
‫لـ"دائرة المعارف الكتابية" )مادة "عمانوئيل"( فأجد التى‪"" :‬عمانوئيل" كلمة‬
‫عبرية معناها "الله معنا" أو بالحري "معنا الله"‪ .‬وهو اسم رمزي جاء في‬
‫نبوة إشعياء لحاز ملك يهوذا كعلمة على أن الله سينقذ يهوذا من أعدائها‬
‫)إش ‪ 8 ،14 :7‬و ‪ .(10‬وقد جاء في إنجيل متى أنها كانت نبوة عن "الرب‬
‫يسوع المسيح" )مت ‪ .(23 :1‬لقد نطق إشعياء بهذه النبوة في حوالي ‪753‬‬
‫ق‪ .‬م في أثناء مأزق حرج كان فيه الملك آحاز‪ ،‬حيث تحالف ضده فقح بن‬
‫رمليا ملك إسرائيل ورصين ملك أرام‪ ،‬لنهما أراداه أن ينضم إليهما في حلف‬
‫ضل الوقوف إلى جانب أشور )انظر ‪ 2‬مل‬ ‫ضد أشور القوة الصاعدة‪ ،‬لكنه ف ّ‬
‫‪ 2 ،9 -5 :16‬أخ ‪ . (21 -16 :28‬ولكن إشعياء النبي أكد لحاز أنه ليس في‬
‫حاجة إلى أن يخشى رصين وفقح‪ ،‬ول إلى التحالف مع أشور‪ ،‬وقال له ‪:‬‬
‫"اطلب لنفسك آية" ليتأكد من صدق ما قاله النبي‪ .‬ولكن آحاز‪ ،‬بدافع من‬
‫عدم اليمان‪ ،‬وتحت ستار التقوى الكاذبة‪ ،‬قال له‪" :‬ل أطلب ول أجّرب‬
‫الرب"‪ .‬وعندئذ أعلن إشعياء أن السيد الرب نفسه سيعطيهم آية‪" :‬ها العذراء‬
‫تحبل وتلد ابنا ً وتدعو اسمه عمانوئيل"‪ ،‬وفي سنواته الباكرة ستنتهي الدولتان‬
‫اللتان كان يخشاهما )أرام وإسرائيل(‪ .‬وهو ما تم على يد تغلث فلسر الثالث‬
‫ملك أشور الذي صعد إلى دمشق وفتحها وسبى أهلها وقتل رصين ملكها في‬
‫‪ 732‬ق‪ .‬م‪ .‬وبعد ذلك بعشر سنوات حاصر شلمنأسر ملك أشور السامرة‬
‫مدة ثلث سنوات‪ ،‬وأخيرا ً سقطت في يد الشوريين في ‪ 722‬ق‪ .‬م‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫وتتباين الراء حول من كان هذا "البن المدعو عمانوئيل" ‪ ،‬ومن أمه التي‬
‫توصف بأنها "عذراء" )"عُْلمة"‪ .(...‬ويرى كثيرون من حيث أنها كانت علمة‬
‫لحاز‪ ،‬فلبد أنها كانت تشير أول ً إلى مرمى قريب يستطيع آحاز أن يميزه‪.‬‬
‫وهناك أربعة آراء تدور حول هذا اللغز‪ (1) :‬يرى بعض المفسرين أن كلمة‬
‫"عُْلمة" )العذراء( ل تدل على واحدة بالذات‪ ،‬بل هي اسم جنس‪ ،‬فيكون‬
‫"عمانوئيل" في هذه الحالة رمزا ً للجيل الجديد الذي ستتم النبوة في باكر‬
‫أيامه‪ .‬ولكن هذا التفسير ل يتفق مع ما جاء بالعهد الجديد‪ ،‬ويقطع الصلة بين‬
‫هذه النبوة وسائر النبوات المتعلقة بالمسيا‪ (2) .‬إنها نبوة تشير إلى إحدى‬
‫إمرأتين‪ :‬إما امرأة إشعياء‪ ،‬أو امرأة آحاز‪ .‬وفي الحالة الولى يكون المقصود‬
‫"بعمانوئيل" هو "مهير شلل حاش بز" )إش ‪ ،(4-1 : 8‬وأمه هي زوجة‬
‫إشعياء الموصوفة بأنها "النبية" )إش ‪ ،(3 : 8‬التي كان إشعياء على وشك‬
‫القتران بها‪ ،‬أي أنها كانت مازالت عذراء في وقت النطق بالنبوة‪ ،‬ويؤيدون‬

‫‪181‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذا الرأي بأن أولد إشعياء كانوا رموزا ً )انظر عب ‪ 13 :2‬مع إش ‪.(18 :8‬‬
‫ويرى آخرون أن "العذراء" المقصودة هي إحدى زوجات آحاز‪ ،‬وأن البن‬
‫المقصود هو "حزقيا"‪ ،‬ولكن هذا الرأي تعترضه صعوبات خطيرة‪ ،‬فحزقيا كان‬
‫قد ُولد فعل ً منذ نحو تسع سنوات قبل النطق بالنبوة )انظر ‪ 2‬مل ‪، 2 :16‬‬
‫‪ ،(2 :18‬بينما من الواضح أن النبوة لم تكن عن أمر قد حدث‪ ،‬بل عن أمر‬
‫سيحدث‪ (3) .‬أن النبوءة تشير إلى المستقبل البعيد‪ ،‬وبخاصة في ضوء ما‬
‫جاء في إنجيل متى )‪ (23 :1‬عن العذراء مريم وابنها يسوع الذي "ُيدعى‬
‫اسمه عمانوئيل‪ ،‬الذي تفسيره الله معنا" لنه كان هو الله الذي "ظهر في‬
‫الجسد" )‪ 1‬تى ‪ ، (16 :3‬والذي "فيه يحل كل ملء اللهوت جسديًا" )كو ‪:2‬‬
‫‪ .(9‬ومع أنه تفسير سليم بالنسبة لمرمى النبوة البعيد لكنه يتغاضى عن أن‬
‫النبوة كانت علمة لحاز‪ (4) .‬أن النبوة مزدوجة المرمى‪ ،‬كالكثير من نبوات‬
‫العهد القديم‪ ،‬فعمانوئيل والعذراء رمزان‪ ،‬فالعذراء يرمز بها في المرمى‬
‫القريب إلى امرأة إشعياء أو امرأة آحاز‪ ،‬وفي المرمى البعيد إلى العذراء‬
‫مريم‪ .‬و"عمانوئيل" يرمز في المرمى القريب إلى "مهيرشلل حاش بز" أو‬
‫إلى "حزقيا"‪ ،‬أما في المرمى البعيد فإلى الرب يسوع‪.‬‬
‫ولشك في أن النبوة كانت في مرماها البعيد تتعلق بولدة الرب يسوع‬
‫المسيح من مريم العذراء‪ ،‬وهو ما نراه بكل وضوح في إنجيل متى حيث‬
‫نقرأ‪" :‬هذا كله كان ليتم ما قيل من الرب بالنبي القائل‪" :‬هو ذا العذراء تحبل‬
‫وتلد ابنا ً ويدعون اسمه عمانوئيل‪ ،‬الذي تفسيره الله معنا" )مت ‪-21 :1‬‬
‫‪ .(23‬وهو الذي يقول عنه إشعياء أيضًا‪" :‬لنه يولد لنا ولد‪ ،‬ونعطى ابنا ً وتكون‬
‫الرياسة على كتفه‪ ،‬ويدعى اسمه عجيبا ً مشيرا ً إلها ً قديرًا‪ ،‬أبا ً أبديا ً رئيس‬
‫السلم " )إش ‪ ،(9 :6‬فهو وحده الذي يحق أن يقال عنه "الله معنا"‪ ،‬ولم‬
‫يكن مولده خلصا ً من ضيقة وقتية‪ ،‬بل خلصا ً أبديا ً من الخطية والموت"‪.‬‬
‫ومن هذه المادة يتضح المر كله‪ ،‬فالقوم يلوون عنق النص كى ينطق بما‬
‫يريدون رغم أنه ل علقة له بهذا الذى يريدون‪ ،‬وذلك على مبدإ‪" :‬عنزة ولو‬
‫طارت"!‬
‫الفصل الثانى‪:‬‬
‫"المجوس‬
‫س‪ ،‬جاَء إلى‬ ‫هيرود ُ َ‬ ‫ك ِ‬ ‫مل ِ ِ‬ ‫ة‪ ،‬على عَهْدِ ال َ‬ ‫حم ِ الَيهودِي ّ ِ‬ ‫َ‬
‫تل ْ‬ ‫ما وُل ِد َ َيسوعُ في َبي َ‬ ‫ول ّ‬
‫ك الَيهوِد؟ َرأ َْينا‬ ‫مل ِ ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫د‪،‬‬ ‫مولو‬ ‫َ َ َ‬ ‫ال‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫"أي‬ ‫وقالوا‪:‬‬ ‫‪2‬‬ ‫ق‬
‫َ ِ ِ‬ ‫ر‬ ‫مش‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫ٌ ِ َ‬ ‫م‬ ‫س‪.‬‬ ‫مجو‬ ‫َ َ‬ ‫م‬ ‫رشلي‬ ‫أو ُ‬
‫ُ‬
‫جد َ َله"‪.‬‬ ‫س ُ‬ ‫جْئنا ل ِن َ ْ‬ ‫ق‪ ،‬فَ ِ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه في ال َ‬ ‫م ُ‬ ‫ج َ‬ ‫نَ ْ‬
‫ُ‬
‫ل ُرؤساِء‬ ‫مع َ ك ُ َ‬ ‫ج َ‬ ‫م‪4 .‬ف َ‬ ‫ل أوُرشلي َ‬ ‫ب هوَ وك ُ ّ‬ ‫ضط ََر َ‬ ‫س‪ ،‬فا َ ْ‬ ‫هيرود ُ ُ‬ ‫ك ِ‬ ‫مل ِ ُ‬ ‫معَ ال َ‬ ‫س ِ‬ ‫‪3‬و َ‬
‫ت‬ ‫ح؟" ‪5‬فأجابوا‪" :‬في َبي َ‬ ‫مسي ُ‬ ‫ن يول َد ُ ال َ‬ ‫ب وسأل َُهم‪" :‬أي َ‬ ‫شعْ ِ‬ ‫معَّلمي ال ّ‬ ‫الك ََهنةِ و ُ‬
‫ت‬ ‫ض َيهوذا‪ ،‬ما أن ِ‬ ‫م‪ ،‬أر َ‬ ‫ح ُ‬ ‫َ‬
‫تل ْ‬ ‫ي‪"6 :‬يا َبي َ‬ ‫ب الن َب ِ ّ‬ ‫ن هذا ما ك َت َ َ‬ ‫ة‪ ،‬ل ّ‬ ‫حم ِ الَيهودِي ّ ِ‬ ‫لَ ْ‬
‫شْعبي ِإسرائي َ‬
‫ل"‪.‬‬ ‫س َيرعى َ‬ ‫ج َرئي ٌ‬ ‫خُر ُ‬ ‫ك يَ ْ‬ ‫من ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن َيهوذا‪ ،‬ل ّ‬ ‫مد ُ ِ‬ ‫صْغرى في ُ‬ ‫ال ّ‬
‫سلُهم‬ ‫َ‬ ‫م أر َ‬ ‫م‪8 ،‬ث ُ ّ‬ ‫ج ُ‬ ‫متى ظهََر الن ّ ْ‬ ‫َ‬ ‫من ُْهم َ‬ ‫قق َ ِ‬ ‫سُرا وَتح ّ‬ ‫س ِ‬ ‫مجو َ‬ ‫س ال َ‬ ‫دعا هيرود ُ ُ‬ ‫‪7‬فَ َ‬
‫ه‪،‬‬ ‫جد ُْتمو ُ‬ ‫ل‪ .‬فإذا و َ‬ ‫ّ‬
‫ن الطف ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل لُهم‪" :‬اذ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫م وقا َ‬ ‫َ‬
‫دا عَ ِ‬ ‫حثوا جي ّ ً‬ ‫هبوا واب ْ َ‬ ‫ح َ‬ ‫تل ْ‬ ‫إلى َبي َ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫جد َ له"‪.‬‬ ‫س ُ‬ ‫ضا وأ ْ‬ ‫ب أنا أي ً‬ ‫خِبروني حتى أذهَ َ‬ ‫فأ ْ‬
‫م الذي‬ ‫ج ُ‬ ‫ق إذا الن ّ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ك ا َن ْ َ‬
‫م في الطري ِ‬ ‫صَرفوا‪ .‬وَبيَنما هُ ْ‬ ‫مل ِ ِ‬ ‫م ال َ‬ ‫معوا كل َ‬ ‫س ِ‬ ‫ما َ‬ ‫‪9‬فل ّ‬
‫َ‬
‫ف فَوَْقه‪.‬‬ ‫ل فوَقَ َ‬ ‫طف ُ‬ ‫ن الذي فيهِ ال ِ‬ ‫م حتى ب َلغَ المكا َ‬ ‫َ‬ ‫مهُ ْ‬ ‫قد ّ ُ‬ ‫ق‪ ،‬ي َت َ َ‬ ‫شر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫َرأوْهُ في ال َ‬
‫ل‬‫ف َ‬ ‫جدوا الط ّ ْ‬ ‫ت فوَ َ‬ ‫خلوا الَبي َ‬ ‫دا‪11 ،‬ود َ َ‬ ‫ج ُ‬‫ما ِ‬ ‫عظي ً‬ ‫حا َ‬ ‫رحوا فََر ً‬ ‫م فَ ِ‬ ‫ج َ‬ ‫ما َرأوا الن ّ ْ‬ ‫‪10‬فل ّ‬
‫م وأهْد َْوا إليهِ ذ َهًَبا وَبخوًرا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫سهُ ْ‬ ‫م فَتحوا أكيا َ‬ ‫جدوا له‪ ،‬ث ّ‬ ‫س َ‬ ‫م‪ .‬فَركعوا و َ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫مهِ َ‬ ‫مع َ أ ّ‬
‫مّرا‪.‬‬ ‫و ُ‬
‫خَر‬ ‫َ‬ ‫آ‬ ‫قا‬‫ً‬ ‫طري‬ ‫َ‬ ‫خذوا‬ ‫َ‬ ‫فأ‬ ‫س‪،‬‬ ‫ُ َ‬ ‫د‬ ‫هيرو‬ ‫إلى‬ ‫جعوا‬ ‫َ ِ‬ ‫ير‬ ‫ل‬ ‫ن‬‫ُ ِ ْ‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ح‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫الله‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫ْ َ ُ ُ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ن‬ ‫وأ‬ ‫‪12‬‬

‫‪182‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هم‪.‬‬
‫إلى ِبلدِ ِ‬
‫الهرب إلى مصر‬

‫)‪(6 /‬‬

‫ل َله‪:‬‬ ‫حل ُم ِ وقا َ‬ ‫ف في ال ُ‬ ‫ب ِليوس َ‬ ‫ك الّر ّ‬ ‫مل ُ‬ ‫س‪ ،‬ظ َهََر َ‬ ‫مجو ُ‬ ‫ف ال َ‬ ‫دما ا َْنصَر َ‬ ‫‪13‬وَبع َ‬
‫ُ‬
‫ك متى َتعوُد‪،‬‬ ‫لل َ‬ ‫م فيها‪ ،‬حتى أقو َ‬ ‫صَر وأقِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ب إلى ِ‬ ‫ه وَاهر ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ل وأ ّ‬ ‫ف َ‬ ‫خذِ الط ِ ْ‬ ‫م‪ُ ،‬‬ ‫"ق ُ ْ‬
‫ُ‬ ‫ف وأخذ َ الط ّ ْ‬
‫ه‬
‫م ُ‬‫ل وأ ّ‬ ‫ف َ‬ ‫م يوس ُ‬ ‫ه"‪14 .‬فقا َ‬ ‫ل لَيقت ُل َ ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن الط ّ ْ‬ ‫ث عَ ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫س سَيب َ‬ ‫ن هيرود ُ َ‬ ‫ل ّ‬
‫ب‬ ‫ل الر ّ‬ ‫م ما قا َ‬ ‫س‪ ،‬ليت ِ ّ‬ ‫ت هيرود ُ ُ‬ ‫ن ما َ‬ ‫م فيها إلى أ ْ‬ ‫صَر‪15 .‬فأقا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل إلى ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ليل ً ور َ‬
‫ت ابني"‪.‬‬ ‫َ‬ ‫صَر د َعَوْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫ي‪ِ " :‬‬ ‫ن النب ّ‬ ‫ِبلسا ِ‬
‫مقتل أولد بيت لحم‬
‫ُ‬
‫ل‪.‬ك ٌ‬
‫ل‬ ‫قت ِ‬ ‫دا وأمَر ب َ‬ ‫بج ُ‬ ‫ض َ‬ ‫س استهَزأوا ِبه‪ ،‬غَ ِ‬ ‫َ‬ ‫مجو َ‬ ‫ن ال َ‬ ‫سأ ّ‬ ‫ما َرأى هيرود ُ ُ‬ ‫‪َ16‬فل ّ‬
‫ت‬‫وق ِ‬ ‫ب ال َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ذل ِك‪ ،‬ح َ‬ ‫َ‬ ‫ن َفما دو َ‬ ‫َ‬
‫سن ََتي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن اب ِ‬ ‫م ِ‬ ‫جواِرها‪ِ ،‬‬ ‫مو ِ‬ ‫ت لح َ‬ ‫ل في َبي َ‬ ‫ف ٍ‬ ‫طِ ْ‬
‫مَعفي‬ ‫س ِ‬‫خ ُ‬ ‫صرا ٌ‬ ‫ي إْرميا‪ُ "18 :‬‬ ‫ل النب ّ‬ ‫م ما قا َ‬ ‫س‪17 ،‬فت َ َ‬ ‫مجو ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ق ُ‬‫ق َ‬ ‫اّلذي تح ّ‬
‫ن ت ََتعّزى‪ ،‬لن ُّهم‬ ‫ل َتبكي على أولِدها ول ُتريد ُ أ ْ‬ ‫ب كثيٌر‪ ،‬راحي ُ‬ ‫ة‪ُ ،‬بكاٌء وَنحي ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫را َ‬ ‫ال ٍ‬
‫ن الوجوِد"‪.‬‬ ‫زالوا عَ ِ‬
‫الرجوع من مصر إلى الناصرة‬
‫صَر‬ ‫م ْ‬ ‫م‪ ،‬وهوَ في ِ‬ ‫حل ِ‬ ‫ف في ال ُ‬ ‫ب ليوس َ‬ ‫ُ‬
‫هيروُدس ظهََر ملك الّر ّ‬ ‫ت ِ‬ ‫ما ما َ‬ ‫‪19‬ول ّ‬
‫ن‬ ‫لذي‬ ‫ّ‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ل‪،‬‬ ‫إسرائي‬ ‫ض‬ ‫أر‬ ‫إلى‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫ار‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫م‬ ‫ل وأ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ف‬‫ّ‬ ‫ط‬ ‫ال‬ ‫ذ‬ ‫خ‬ ‫م‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫"‬ ‫له‪:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫‪20‬وقا‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ ِ ِ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ّ ُ‬ ‫ْ ُ ِ‬
‫ل‪.‬‬ ‫ض ِإسرائي َ‬ ‫جعَ إلى أر ِ‬ ‫ه وَر َ‬ ‫م ُ‬ ‫ل وأ ّ‬ ‫ف َ‬ ‫خذ َ الط ّ ْ‬ ‫م وأ َ‬ ‫ن َيقُتلوه ُ ماتوا"‪21 .‬فقا َ‬ ‫أرادوا أ ْ‬
‫ف‬
‫س‪ ،‬فخا َ‬ ‫هيرود ُ َ‬ ‫فا لبيهِ ِ‬ ‫ك على الَيهودِي ّةِ خل َ ً‬ ‫س َيمل ِ ُ‬ ‫ن َأرخيلوُ َ‬ ‫مع َ أ ّ‬ ‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫‪22‬لك ِن ّ ُ‬
‫َ‬
‫ة‬
‫ل‪23 .‬وجاَء إلى مدين ٍ‬ ‫جلي ِ‬ ‫م‪ ،‬فَلجأ إلى ال َ‬ ‫حل ِ‬
‫ب إَليها‪ .‬فأنذ ََرهُ الله في ال ُ ُ‬ ‫أن يذهَ َ‬
‫صرّيا"‪.‬‬ ‫ل النبياُء‪ُ" :‬يدعى نا ِ‬ ‫م ما قا َ‬ ‫ن فيها‪ ،‬ل َِيت ّ‬ ‫صَرةُ فسك َ َ‬ ‫مها الّنا ِ‬ ‫َاس ُ‬
‫أول ما يخطر على البال هنا هو أمر أولئك المجوس‪ :‬من أين لهم العلم بأن‬
‫كر ذلك فى كتبهم؟ لكن أين النص عندهم‬ ‫كا لليهود قد وُِلد؟ أوقد ذ ُ ِ‬ ‫مل ِ ً‬ ‫هناك َ‬
‫على ذلك؟ ولماذا ي ُذ ْكر مثل هذا المر لديهم‪ ،‬وهم ليسوا من بنى إسرائيل‪،‬‬ ‫َ‬
‫سل لهم وحدهم السيد المسيح وليس إلى المجوس بأى حال؟‬ ‫ُ‬
‫الذين إنما أْر ِ‬
‫وإذا غضضنا النظر عن هذا فإن السؤال سرعان ما يجلجل فى الذهن‪ :‬فما‬
‫عْلم المجوس بولدة عيسى؟ هل آمنوا؟ إنهم لم يقولوا‪ :‬لقد جئنا لنعلن‬ ‫فائدة ِ‬
‫إيماننا بعيسى‪ ،‬بل ليسجدوا له‪ .‬وهل السجود من علمات اليمان أو‬
‫مقتضياته؟ لقد أجاب المسيح‪ ،‬حسبما سنقرأ بعد قليل‪ ،‬بأنه قد قيل‪ :‬للرب‬
‫إلهك وحده تسجد! ول يمكن القول بأنهم كانوا يعتقدون أنه ابن الله أو الله‪،‬‬
‫إذ كل ما قالوه عنه هو أنه "ملك اليهود" كما مّر‪ .‬كما ل يمكن القول بأنهم‬
‫أرادوا أن يعظموا هذا الملك‪ ،‬أول لنه لم يصبح ملكا بعد )ولن يصبح أبدا‬
‫طبعا(‪ ،‬وثانيا لنه ليس ملكا فارسيا ول مجوسيا‪ ،‬فلماذا يسجدون له؟ وعلى‬
‫أية حال لماذا لم نسمع بهؤلء المجوس بعد ذلك؟ الطبيعى أن يظهروا بعد‬
‫هذا حين يئين الوان ويكبر عليه السلم ويبلغ مبلغ النبياء ويعلن دعوته كى‬
‫يكونوا من حوارييه ما داموا قد تجشموا المجىء من بلدهم وتعّرضوا بسبب‬
‫ذلك للخطر كما رأينا! أليس كذلك؟ واضح أن كاتب هذه التخاريف ل يستطيع‬
‫سِبك التأليف كما ينبغى‪ ،‬ولذلك ترك فيه ثغرات كثيرة! ثم من هؤلء‬ ‫أن ي َ ْ‬
‫القوم؟ من أى بلد فى فارس؟ ما أسماؤهم؟ ماذا كانوا يعملون فى بلدهم‬
‫وا إلى فلسطين؟ وماذا صنعوا عند‬ ‫َ‬
‫قبل أن يفدوا إلى فلسطين؟ ثم كيف أت َ ْ‬
‫عودتهم إلى بلدهم؟ ولماذا لم يدعوا قومهم إلى الدخول فى دين عيسى؟‬
‫إن فارس تكاد أن تكون هى البلد الوحيد فى الشرق الوسط الذى لم يعتنق‬

‫‪183‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ة بميلد المسيح‬
‫النصرانية رغم أن ذلك النفر المجوسى هم أول البشر معرف ً‬
‫وإظهاًرا لمشاعرهم نحوه وتبجيلهم له؟‬

‫)‪(7 /‬‬

‫مه مولد عيسى كل هذا الهم‪،‬‬ ‫ثم أليس غريبا أن يعتمد هيرودس‪ ،‬الذى أه ّ‬
‫على أولئك المجوس الغرباء فى معرفة المكان الذى وُِلد فيه المسيح؟ أليس‬
‫عنده العيون والجواسيس الذين يستطيعون أن يأتوه بهذا الخبر؟ ألم يكن‬
‫بمقدوره على القل أن يرسل فى أعقابهم من يرقب حركاتهم وسكناتهم‬
‫حتى يعرف بيت الوليد الجديد بدل من أن ينتظر حتى يأتوه هم بالخبر كما‬
‫وى‬‫قال المؤلف السقيم الخيال؟ ثم هناك حكاية النجم‪ ،‬وهذه فى حد ذاتها ب َل ْ َ‬
‫ف على بيت من البيوت من‬ ‫سّيحة! كيف يا ترى يمكن أىّ إنسان التعر ُ‬ ‫م َ‬‫ُ‬
‫وقوف أحد النجوم فوقه؟ إن هذا لهو المستحيل بعينه! إن الكاتب الجاهل‬
‫يظن أن النجم المذكور قد ظهر إثر ميلد عيسى‪ ،‬غافل )لنه مغفل( أن‬
‫الضوء الذى زعم أن المجوس كانوا ي ََروَْنه آنذاك إنما صدر من النجم قبل‬
‫ذلك بآلف السنين‪ ،‬ولم يأت لتوه كما توهم بجهله! ولقد كتب لى أحدهم منذ‬
‫ة يحاول أن يقنعنى فيها بأنه كان من السهل على أولئك‬ ‫ة مشباكي ً‬‫شهُرٍ رسال ً‬‫أَ ْ‬
‫خْبط ل َْزق‬
‫المجوس أن يعرفوا أن النجم واقف فوق بيت الطفل الوليد َ‬
‫باستعمال بعض اللت الفلكية! يا حلوة يا أولد! معنى ذلك أنهم كانوا علماء‬
‫فى الفلك والرياضيات )ولعلهم من أحفاد عمر الخيام‪ ،‬لكن بالمقلوب!(‪،‬‬
‫جاؤوا من بلدهم ومعهم مرصد وضعوه على ظهر حمار مثل )تخيلوا مرصدا‬
‫على ظهر حمار!(‪ ،‬فنصبوه فى زقاق من أزقة بيت لحم وأخذوا يرصدون‬
‫ويكتبون ويحسبون ويتجادلون برطانتهم الفارسية‪ ،‬وفى أيديهم اللت‬
‫الحاسبة ومسطرة حرف "تى" لزوم المنظرة‪ ،‬والناس تنظر إليهم وتتفرج‬
‫عليهم )كما كنا نفعل ونحن ل نزال فى الجامعة حين نرى طلب كلية‬
‫الهندسة أثناء تدريباتهم على أعمال المساحة والقياس فى حديقة الورمان(‪،‬‬
‫لينتهوا فى آخر المطاف بعد فشلهم فى حسابات الفلك إلى اللجوء للطريقة‬
‫التقليدية فى بلدنا التى ل يوجد أحسن منها للشعوب المتخلفة )أما كان من‬
‫الول بدل من تضييع كل هذا الوقت؟( فينادوا فى الشوارع عن "عَّيل مولود‬
‫حديثا يا أولد الحلل‪ ،‬ولبس بيجامة كستور مقّلمة وفى فمه بّزازة‪ ،‬وفى‬
‫رجله فردة ل َك ُْلوك واحدة بأبزيم صفيح‪ ،‬فمن يدلنا على بيته له مكافأة ثمينة!‬
‫وشىء لله يا عَد َِوى"! ثم كيف يا ترى كان النجم يتقدمهم أثناء سفرهم‪،‬‬
‫والنجوم ل تظهر إل ليل؟ هل معنى هذا أنهم كانوا ينامون نهارا ثم يستيقظون‬
‫ليل ليستأنفوا المسير؟ أم ترى مخترع النجيل كان يظن أن المسافة بين‬
‫طع فى بضع‬ ‫ق َ‬‫كة ك َْعب" وت ُ ْ‬
‫فارس وبيت لحم فى فلسطين ل تزيد عن "فَْر َ‬
‫ساعات من الليل؟ أليس ذلك أمرا يبعث على الشمئزاز؟ ثم إذا أردنا أن‬
‫ننصحهم ونأخذ بيدهم كى ننتشلهم من هذا التخريف لن حالهم يصعب علينا‬
‫شتموا نبينا وأقّلوا أدبهم عليه!‬

‫)‪(8 /‬‬

‫ص الذى بين أيدينا إلى النبوءة الخاصة بولدة‬ ‫كما أشار الكاتب فى الن ّ‬
‫شْعبي ِإسرائي َ‬
‫ل"‪ ،‬وهى تعنى‬ ‫س َيرعى َ‬
‫ج َرئي ٌ‬
‫خُر ُ‬
‫ك يَ ْ‬
‫من ِ‬
‫المسيح فى بيت لحم‪ِ " :‬‬
‫)كما هو واضح( أن المسيح سوف يكون راعيا لبنى إسرائيل‪ .‬فهل تحقق‬

‫‪184‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫شىء من هذا؟ أبدا‪ ،‬فقد كفر به بنو إسرائيل واتهموا أمه فى شرفها وتآمروا‬
‫على قتله‪ ،‬بل إنهم والنصارى يقولون إنهم قد استطاعوا فعل أن يقتلوه‪.‬‬
‫ط الفرصة لرعاية بنى إسرائيل ل روحيا ول‬ ‫ح له قَ ّ‬ ‫وعلى أية حال فإنه لم ت ُت َ ْ‬
‫شْنك كمعظم نبوءات الكتاب المقدس بعهديه‬ ‫سياسيا! إنها إذن نبوءةٌ فِ ِ‬
‫القديم والجديد! ول ننس ما أبديته قبل قليل من استغرابى اهتمام المجوس‬
‫سل عليه السلم‬ ‫ُ‬
‫بولدة المسيح‪ ،‬إذ ليسوا من بنى إسرائيل‪ ،‬الذين إنما أْر ِ‬
‫إليهم ل إلى المجوس‪ .‬كذلك سمى المجوس سيدنا عيسى‪" :‬ملك اليهود"‪،‬‬
‫كا لليهود؟ لقد قال عليه‬ ‫مل ِ ً‬ ‫وهى أيضا تسمية كاذبة‪ ،‬إذ متى كان المسيح َ‬
‫ملك ِّية‬‫َ‬ ‫السلم مرارا إن مملكته ليست من هذا العالم‪ ،‬فما صلته إذن بال َ‬
‫والملوك؟ ثم ألم يجد المجوس من اللطاف ما يتحفونه به عليه السلم إل‬
‫الذهب؟ وهل يحتاج ابن الله إلى مثل هذه الشياء‪ ،‬وهو الذى فى يد أبيه كل‬
‫كنوز الرض والسماء؟ إن الكاتب البله يقيس أبناء اللهة على أبناء حكام‬
‫الدول المتخلفة الذين ل يشبعون من المال والذهب رغم أن ميزانية الدولة‬
‫ما‬‫كلها فى أيديهم يغرفون منها ما يشاؤون‪ ،‬أو على الباباوات المغرمين غرا ً‬
‫مرضّيا باستعراض أنفسهم فى الستبرق والسندس والذهب والياقوت وسائر‬
‫الجواهر الثمينة رغم ما يزعجوننا به من كلم عن الوداعة والتواضع والزهد‬
‫والرهبانية والتشبه بالمسيح فى النصراف عن زخارف الحياة الدنيا! يا له من‬
‫عّز‬‫مّتى يا ابن الحلل‪ ،‬الله ل يسوءك‪ ،‬أولد اللهة هؤلء أولد ِ‬ ‫خيال سقيم! يا َ‬
‫شب َْعى ل ينظرون إلى ذهب أو ألماس! والعجيب‪ ،‬كما سوف نرى‪ ،‬أن المسيح‬ ‫َ‬
‫يدعو إلى مخاصمة الدنيا خصومة ل هوادة فيها ول تفاهم بأى حال مما من‬
‫شأنه أن يوقف دولب الحياة ويشجع على العدمية والموت‪ ،‬فكيف لم يلهم‬
‫الله سبحانه وتعالى المجوس أن يقدموا لبنه شيئا يليق به وباهتماماته من‬
‫أشياء الروح ل من ملذات الدنيا‪ ،‬وليكن نسخة مصورة من العهد القديم‬
‫للطفال مثل؟‬
‫َ‬
‫س‪ ،‬ظهََر‬ ‫مجو ُ‬ ‫ف ال َ‬ ‫دما اْنصَر َ‬ ‫َ‬ ‫وتقول الفقرة الثالثة عشرة من الصحاح‪" :‬وَبع َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ب إلى‬ ‫ه واهر ْ‬ ‫م ُ‬‫ل وأ ّ‬ ‫ف َ‬ ‫خذِ الط ِ ْ‬ ‫م‪ُ ،‬‬ ‫ل َله‪" :‬قُ ْ‬‫حل ُم ِ وقا َ‬ ‫ف في ال ُ‬ ‫ب ِليوس َ‬‫ك الّر ّ‬ ‫مل ُ‬ ‫َ‬
‫ل‬
‫ف ِ‬ ‫ّ‬
‫ن الط ْ‬ ‫َ‬ ‫م فيها‪ ،‬حتى أقو َ‬
‫ث عَ ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫س سَيب َ‬ ‫ن هيرود ُ َ‬ ‫ل لك متى َتعوُد‪ ،‬ل ّ‬
‫ُ‬
‫صَر وأقِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫صَر"‪ .‬ونقول نحن‬ ‫م ْ‬ ‫حل إلى ِ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ه ليل ور َ‬ ‫م ُ‬ ‫َ‬
‫فل وأ ّ‬ ‫ّ‬
‫ف وأخذ َ الط ْ‬ ‫م يوس ُ‬ ‫ه"‪14 .‬فقا َ‬ ‫َ‬
‫لَيقت ُل ُ‬
‫بدورنا‪ :‬ولماذا اهتمام السماء بإنقاذ الطفل يسوع من القتل إذا كان قد أتى‬
‫قَتل تكفيًرا عن الخطيئة البشرية؟ ألم يكن‬ ‫إلى العالم كما يزعم القوم لي ُ ْ‬
‫الفضل أن تتركه السماء يموت فى صغره فتنتهى مهمته سريعا بدل النتظار‬
‫إلى أن يكبر وتضيع كل الجهود التى بذلتها أمه فى تربيته وتعليمه والنفاق‬
‫عليه فى الهواء؟ وخير البر عاجله كما يقولون‪ ،‬وما دام مقتول ً مقتول ً‬
‫فالفضل الن‪ ،‬والذى تعرف ديته اقتله وانته من أمره سريعا‪ ،‬فالوقت من‬
‫ذهب! آه‪ ،‬لكن فاتنا أننا فى منطقة الشرق الوسط حيث الوقت ل قيمة له‪،‬‬
‫فهو ي ُعَد ّ بالكوم وليس بالثوانى ول الدقائق‪ ،‬فضل عن الساعات أو اليام‪،‬‬
‫ودعنا من السنين!‬

‫)‪(9 /‬‬

‫ت ابني" دليل على أنه‪ ،‬عليه‬ ‫صَر د َعَوْ ُ‬


‫م ْ‬
‫ن ِ‬
‫م ْ‬
‫أما اتخاذ القوم من عبارة " ِ‬
‫السلم‪ ،‬هو ابن الله حقا‪ ،‬فالرد عليه بسيط جدا جدا أسهل مما يتصور‬
‫النسان‪ ،‬إذ الناجيل مفعمة بعبارة "أبناء الله" و"أبوك أو أبوكم الذى فى‬
‫السماوات" على قفا من يشيل‪ ،‬وكلها من كلم المسيح ذاته‪" :‬هنيًئا ِلصاِنعي‬

‫‪185‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل‬ ‫صّلوا لج ِ‬ ‫كم‪ ،‬و َ‬ ‫حّبوا َأعداَء ُ‬ ‫ن" )متى‪" ،(9 /5 /‬أ ِ‬ ‫عو َ‬ ‫م‪ ،‬لن ُّهم أبناَء الله ي ُد ْ َ‬ ‫سل ِ‬ ‫ال ّ‬
‫ت" )‪،(45 -44 /5‬‬ ‫سماوا ِ‬ ‫م الذي في ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ضطِهدونكم‪ ،‬فتكونوا أبناَء أبيك ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ني ْ‬ ‫اّلذي َ‬
‫ن‬
‫مأ ْ‬ ‫ل" )‪" ،(48 /5‬إّياك ُ ْ‬ ‫م ٌ‬ ‫سماويّ كا ِ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ن أباك ُ ُ‬ ‫ن‪ ،‬كما أ ّ‬ ‫"فكونوا أنُتم كاملي َ‬
‫م اّلذي في‬ ‫عند َ أبيك ُُ‬ ‫ِ‬ ‫كم‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫أج‬ ‫فل‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وإ‬ ‫كم‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫هدو‬ ‫ِ‬ ‫يشا‬ ‫م ال ّ ِ ُ‬
‫ل‬ ‫س‬ ‫نا‬ ‫خيَر أما َ‬ ‫ملوا ال َ‬ ‫تع َ‬
‫ك اّلذي‬ ‫ل لبي َ‬ ‫ص ٌ‬ ‫ك وأغل ِقْ باَبها و َ‬ ‫غرفَت َ َ‬ ‫ل ُ‬ ‫خ ْ‬ ‫ت فَاد ُ‬ ‫صّلي َ‬ ‫ت" )‪" ،(1 /6‬فإذا َ‬ ‫سماوا ِ‬ ‫ال ّ‬
‫مثل َُهم‪ ،‬ل ّ‬
‫ن‬ ‫ك"‪" ،‬ل تكونوا ِ‬ ‫في َةِ هوَ ُيكافِئ ُ َ‬ ‫خ ْ‬ ‫ك اّلذي َيرى في ال ِ‬ ‫ن‪ ،‬وأبو َ‬ ‫عي ٌ‬ ‫ل َتراه ُ َ‬
‫ه‬
‫ه" )‪" ،(8 /6‬فصلوا أنُتم هذِ ِ‬ ‫ّ‬ ‫ن تسألو ُ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ن إليهِ َقب َ‬ ‫َ‬ ‫ف ما َتحتاجو َ‬ ‫كم َيعرِ ُ‬ ‫الله أبا ُ‬
‫كنُتم‬ ‫ن ُ‬ ‫ك" )‪" ،(9 /6‬فإ ْ‬ ‫م َ‬ ‫س اس ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ت‪ ،‬ليَتقد ّ ِ‬ ‫سماوا ِ‬ ‫ة‪ :‬أبانا الذي في ال ّ‬ ‫صل َ‬ ‫ال ّ‬
‫ن‬‫فرو َ‬ ‫كنُتم ل َتغ ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫كم‪ .‬وإ ْ‬ ‫سماويّ زل ّت ِ ُ‬ ‫م ال ّ‬ ‫كم أبوك ُ ُ‬ ‫فْر ل ُ‬ ‫س َزل ّت ِِهم‪َ ،‬يغ ِ‬ ‫ن ِللّنا ِ‬ ‫فرو َ‬ ‫َتغ ِ‬
‫سماويّ زل ّت ِكم" )‪ ..." ،(15 -14 /6‬حتى‬ ‫ُ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ُ‬
‫فُر لكم أبوك ُ‬ ‫ُ‬ ‫س زل ّت ِِهم‪ ،‬ل َيغ ِ‬ ‫ِللّنا ِ‬
‫ن‪ ،‬وأبوك الذي َيرى في‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫عي ٌ‬ ‫م‪ ،‬بل لبيك الذي ل َتراه ُ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫س أن ّك صائ ِ ٌ‬‫َ‬ ‫ل َيظهََر ِللّنا ِ‬
‫صد ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ف ل َتزَرعُ ول ت َ ْ‬ ‫سماِء كي َ‬ ‫ُ‬
‫في َةِ هوَ ُيكافِئ ُك" )‪" ،(18 /6‬انظروا طيوَر ال ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫خ ْ‬ ‫ال ِ‬
‫م الشراَر‬ ‫ُ‬
‫سماويّ َيرُزُقها" )‪" ،(26 /6‬فإذا كنُتم أنت ُ ُ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ُ‬
‫ن‪ ،‬وأبوك ُ‬ ‫ول َتخُز ُ‬
‫سماويّ الَعطاَء‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م ال ّ‬ ‫ن أبوك ُ‬ ‫س ُ‬ ‫م ُيح ِ‬ ‫ن الَعطاَء لبنائ ِكم‪ ،‬فك ْ‬ ‫سنو َ‬ ‫ف ُتح ِ‬ ‫ن كي َ‬ ‫رفو َ‬ ‫َتع ِ‬
‫ت‬‫ملكو ِ‬ ‫س في َ‬ ‫شم ِ‬ ‫ن كال ّ‬ ‫رقو َ‬ ‫ما البراُر‪ ،‬فُيش ِ‬ ‫ه؟" )‪" ،(11 /7‬وأ ّ‬ ‫ن َيسألون َ ُ‬ ‫لّلذي َ‬
‫ك واحد ٌ‬ ‫ن َيهل ِ َ‬ ‫تأ ْ‬ ‫سماوا ِ‬ ‫م اّلذي في ال ّ‬ ‫أبيِهم" )‪" ،(43 /13‬وهكذا ل ُيريد ُ أبوك ُ ُ‬
‫كم أًبا‬ ‫نل ُ‬ ‫ض يا أبانا‪ ،‬ل ّ‬ ‫دا على الر ِ‬ ‫دعوا أح ً‬ ‫صغاِر" )‪" ،(14 /18‬ول ت َ ْ‬ ‫هؤلِء ال ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ي" )‪ ،(9 /23‬فضل عن أن المسيح عليه السلم كثيرا‬ ‫ّ‬ ‫سماو‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ب‬ ‫ُ‬ ‫ال‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫دا‬ ‫ً‬ ‫واح‬
‫ما سمى نفسه‪" :‬ابن النسان" كما هو معروف‪ ،‬كما أكد أن أمه وإخوته‬
‫الحقيقيين هم المؤمنون الذين يطيعون الله ويخلصون له سبحانه‪ ،‬وهو ما‬
‫يدل دللة قاطعة على أن بنوة البشر لله إنما تعنى فى مثل هذه السياقات‬
‫ت‬ ‫ع‪ ،‬جاَء ْ‬ ‫جمو َ‬ ‫م ال ُ‬ ‫اليمان والطاعة المطلقة له عز وجل‪" :‬وَبيَنما َيسوع ُ ُيكل ّ ُ‬
‫حد ُ‬ ‫ل َله أ َ‬ ‫ه‪ .‬فقا َ‬ ‫ن أن ُيكّلمو ُ‬ ‫دارِ َيطُلبو َ‬ ‫ه ووَقفوا في خارِِج ال ّ‬ ‫ه وإخوَت ُ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫أ ّ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫نأ ْ‬ ‫دارِ ُيريدو َ‬ ‫ن في خارِج ال ّ‬ ‫مك وإخوت ُك واقفو َ‬ ‫ن‪" :‬أ ّ‬ ‫ضري َ‬ ‫الحا ِ‬
‫ُ‬
‫وتي؟" وأشاَر بيدِهِ إلى‬ ‫خ َ‬ ‫مإ ْ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫مي؟ و َ‬ ‫يأ ّ‬ ‫نه َ‬ ‫م ْ‬ ‫ع‪َ " :‬‬ ‫ه َيسو ُ‬ ‫ُيكّلموك"‪.‬فأجاب َ ُ‬ ‫َ‬
‫ل بمشيئةِ أبي اّلذي في‬ ‫م ُ‬ ‫ُ‬ ‫ل‪" :‬ه ُ‬ ‫تلميذِهِ وقا َ‬
‫ن يع َ‬ ‫م ْ‬‫ن َ‬ ‫وتي‪ .‬ل ّ‬ ‫مي وإخ َ‬ ‫مأ ّ‬ ‫ؤلِء هُ ْ‬
‫مي" )‪.(50 -46 /12‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ت هوَ أخي وأختي وأ ّ‬ ‫سماوا ِ‬ ‫ال ّ‬

‫)‪(10 /‬‬

‫ثم إن ابن الله ل يمكن أن ينزل بنفسه إلى مرتبة النبى أبدا‪ ،‬لكننا نسمع‬
‫عيسى بأذننا هذه التى سيأكلها الدود يقول لهل الناصرة حين رفضوا اليمان‬
‫ه" )‪ .(57 /13‬كذلك ففى كل من‬ ‫ي ِبل كرامةٍ إل ّ في وَط َن ِهِ وَبيت ِ ِ‬
‫به‪" :‬ل نب ّ‬
‫العهد القديم وكلم الرسل فى العهد الجديد كثيرا ما نقابل عبارة"أبونا"‬
‫مقصودا بها الله سبحانه وتعالى‪ ،‬ومنها قول إشعيا مثل‪" :‬تطل ّعْ من السماء‪،‬‬
‫وانظر من مسكن قدسك‪ ،...‬فإنك أنت أبونا‪ ،‬وإن لم يعرفنا إبراهيم‪ ،‬وإن لم‬
‫يدرنا إسرائيل‪ .‬أنت يا رب أبونا" )إشعيا‪" ،(16 -15 /63 /‬والن يا رب انت‬
‫ابونا‪ .‬نحن الطين وانت جابلنا وكلنا عمل يديك" )إشعيا‪ " ،(8 /64 /‬هو‬
‫يدعوني ابي انت‪ .‬الهي وصخرة خلصي " )مزامير‪ ،26 /89 /‬والمتكلم هو‬
‫الله‪ ،‬والحديث عن داود(‪" ،‬ارجعوا ايها البنون العصاة‪ ،‬يقول الرب‪ ...‬وانا قلت‬
‫كيف اضعك بين البنين واعطيك ارضا شهية ميراث مجد امجاد المم‪ .‬وقلت‬
‫تدعينني يا ابي ومن ورائي ل ترجعين" )إرميا‪" ،(18 ،14 /3 /‬نعمة لكم‬
‫وسلم من الله ابينا" )إفسوس‪ ،2 /1 /‬وكورنثوس‪ ،2 /1 /‬وتسالونيكى‪/1 /‬‬
‫‪" ،(1‬يثّبت قلوبكم بل لوم في القداسة امام الله ابينا" )تسالونيكى‪.(13 /3 /‬‬

‫‪186‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذا‪ ،‬ولمعلومّية القارئ نشير إلى أن هناك فرقة تنسب نفسها إلى السلم‬
‫ظهرت فى العصر الحديث )لكن المسلمين يتبرأون منها ويرمونها بالكفر‪،‬‬
‫وهى فرقة القاديانية( لها تفسير غريب لميلد عيسى من غير أب‪ ،‬إذ يقولون‬
‫حَبل الذاتى اعتمادا على ما قاله بعض الطباء من أنهم ل يستبعدون أن يتم‬ ‫بال َ‬
‫الحمل فى رحم امرأة دون تلقيح من رجل )انظر تفسير الية ‪48) 47‬‬
‫عندهم( من سورة "آل عمران" فى التفسير الكبير )‪ 5‬مجلدات( الذى وضعه‬
‫ميرزا بشير الدين محمود )الخليفة الثانى للمسيح الموعود عندهم غلم ميرزا‬
‫أحمد نبى قاديان المزيف(‪Mirza Bashir-ud-Din Mahmood Ahmad (1889- :‬‬
‫‪ ،(1965‬وترجمه أتباعه إلى النجليزية بعنوان "‪ /"The Holy Quran‬م ‪ /1‬ص‬
‫‪ /398‬هـ ‪ .(337‬أى أنه لم يكن هناك روح قدس ول يحزنون‪ .‬ول شك أن هذا‬
‫التفسير‪ ،‬رغم عدم اتساقه مع ظاهر القرآن ورغم أنى ل أوافق عليه وأراه‬
‫حيلة من الحيل التى يلجأ إليها القاديانيون لنكار المعجزات كى يبدوا‬
‫عصريين يحترمون كلمة العلم‪ ،‬هو أفضل ألف مرة من الكفر الذى يرتفع‬
‫بمقام السيد المسيح عليه السلم عن مقام البشرية ويقول إنه هو الله أو‬
‫ابن الله‪ ،‬تعالى الله عن ذلك الشرك تعاليا عظيما يليق بجلل ألوهيته!‬

‫)‪(11 /‬‬

‫ونأتى لما قاله مؤلف السفر من أن هيرودس قد أمر بقتل أطفال بنى‬
‫س‬
‫ُ ُ‬ ‫د‬‫هيرو‬ ‫ما َرأى‬ ‫إسرائيل من سن سنتين فنازل‪ ،‬وهذا نص كلمه حرفيا‪َ" :‬فل ّ‬
‫م‬
‫ت لح َ‬ ‫ل في َبي َ‬ ‫ف ٍ‬
‫ل طِ ْ‬ ‫ل‪.‬ك ُ ٌ‬ ‫قت ِ‬
‫دا وأمَر ب َ‬ ‫بج ُ‬ ‫ض َ‬‫س َاستهَزأوا ِبه‪ ،‬غَ ِ‬ ‫مجو َ‬ ‫ن ال َ‬ ‫أ ّ‬
‫ن‬
‫م َ‬
‫ه ِ‬‫ق ُ‬‫ق َ‬‫ت اّلذي تح ّ‬ ‫وق ِ‬ ‫ب ال َ‬ ‫س َ‬ ‫ك‪ ،‬ح َ‬ ‫ن ذل ِ َ‬
‫ن َفما دو َ‬ ‫سن ََتي ِ‬
‫ن َ‬ ‫م َ‬
‫ن اب ِ‬‫جواِرها‪ِ ِ ،‬‬ ‫و ِ‬
‫ة‪ُ ،‬بكاٌء‬‫م ِ‬‫معَ في الّرا َ‬ ‫س ِ‬‫خ ُ‬ ‫صرا ٌ‬ ‫ي إْرميا‪ُ "18 :‬‬ ‫م ما قا َ‬
‫ل النب ّ‬ ‫س‪17 ،‬فت َ َ‬‫مجو ِ‬ ‫ال َ‬
‫ن‬‫ن ت ََتعّزى‪ ،‬لن ُّهم زالوا عَ ِ‬ ‫ل َتبكي على أولِدها ول ُتريد ُ أ ْ‬ ‫ب كثيٌر‪ ،‬راحي ُ‬ ‫وَنحي ٌ‬
‫الوجوِد"‪ .‬ولست أطمئن لهذا الكلم الذى لم يسجل التاريخ عنه شيئا ول‬
‫تكلمت عنه الناجيل ول السيد المسيح بعد ذلك وكأن هؤلء الطفال "شوّية‬
‫دام التلفزيون وانتهى المر!‬ ‫ب فى قرطاس" قزقزهم هيرودس فى سهرة ق ّ‬ ‫ل ّ‬
‫أما النبوءة الجاهزة التى ساقها المؤلف عقب القصة كعادته فى كل خطوة‬
‫ف عن الستشهاد بالمثال فى‬ ‫مَبة التى لم تكن تك ّ‬ ‫يخطوها وكأنه خالتى ب َ ْ‬
‫برنامج المرأة فى الذاعة المصرية‪ ،‬فل معنى لها هنا كما هو الحال فى كثير‬
‫من المواضع‪ ،‬لن راحيل هذه هى أم يوسف‪ ،‬فل علقة لها من ثم بتلك‬
‫الواقعة غير القابلة للتصديق‪ .‬ومن قال إنها فى القصة لم تتعّز عن موت‬
‫أولدها بل ظلت تصرخ وتنتحب وتبكى فى حرقة‪ ،‬وقد رأينا أن أحدا لم يبال‬
‫بالطفال المساكين أو يذرف عليهم دمعة؟ وهل الرامة هى بيت لحم؟ إن‬
‫الرامة تقع إلى الشمال من أورشليم على بعد عدة كيلومترات‪ ،‬أما بيت لحم‬
‫فشىء آخر‪ .‬وأقرب شىء إلى أن يكون هو المراد من تلك النبوءة رجوع بنى‬
‫إسرائيل من المنفى إلى بلدهم‪ ،‬وليس قتل هيرودس المزعوم لطفال بنى‬
‫إسرائيل‪ ،‬لنها تفتقد التناظر الذى ينبغى أن يتوفر فى الرمز‪ .‬إننى لتعجب‬
‫فى كل مرة أقرأ فيها لمثال زيكو حين يتكلمون عن نبوءات الكتاب المقدس‬
‫وا جيدا قبل الخلد إلى الفراش‬ ‫ويحاولون تفسيرها‪ ،‬وأتساءل‪ :‬ترى هل ت َغَط ّ ْ‬
‫فلم تتعّر أردافهم وهم نائمون؟ الواقع أن النبوءة المذكورة التى رآها إرميا‬
‫حسبما جاء فى العهد القديم )إرميا‪ (17 -15 /31 /‬ل علقة لها بحادثة قتل‬
‫طا‪ ،‬إذ الكلم عن تغيب‬ ‫مْين فهاب ً‬ ‫ن عا َ‬‫س ّ‬‫هيرودس أطفال بنى إسرائيل من ِ‬
‫أبناء راحيل عن البلد فى أرض العدو‪ .‬وهذا نص النبوءة كما ورد فى ترجمة‬

‫‪187‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مّر‪.‬‬ ‫ح‪ ،‬بكاٌء ُ‬ ‫مع فى الرامة‪ .‬ن َوْ ٌ‬ ‫س ِ‬ ‫ت ُ‬ ‫جمعيات الكتاب المقدس المتحدة‪" :‬صو ٌ‬
‫راحيل تبكى على أولدها وتأبى أن تتعزى عن أولدها لنهم ليسوا بموجودين‪،‬‬
‫هكذا قال الرب‪ .‬امنعى صوتك عن البكاء وعينيك عن الدموع لنه يوجد جزاء‬
‫لعملك‪ ،‬يقول الرب‪ ،‬فيرجعون من أرض العدو‪ ،‬ويوجد رجاء لخرتك‪ ،‬يقول‬
‫خمهم"‪ .‬وفى "دائرة المعارف الكتابية" تحت عنوان‬ ‫الرب‪ ،‬فيرجع البناء إلى ت ُ ْ‬
‫ور فى عبارة شعرية عويل راحيل‬ ‫"راحيل" نقرأ أن "النبى )أى النبى إرميا( ص ّ‬
‫على أبنائها‪ ،‬إما لنه سبق فرأى أن المسبّبين من يهوذا وبنيامين سيجتمعون‬
‫فى الرامة بعد سقوط أورشليم وقبل اقتيادهم إلى السبى فى بابل )إرميا‬
‫‪ ،(1 :40‬أو لن الرامة كانت أكمة مرتفعة فى أرض بنيامين يمكن منها رؤية‬
‫الخراب الذى أصاب البلد"‪ .‬وطبعا هذا كله لو أن النبى إرميا قال فعل ذلك‬
‫الكلم‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫"بشارة يوحنا المعمدان‬
‫ل‪ُ" :‬توبوا‪،‬‬ ‫شر في بّري ّةِ اليهودِي ّةِ ‪2‬فيقو ُ‬ ‫ن ُيب ّ‬ ‫معمدا ُ‬ ‫ك الّيام ِ جاَء يوحّنا ال َ‬ ‫وفي ِتل َ‬
‫ه‪:‬‬ ‫شْعيا ِبقول ِ ِ‬ ‫يإ َ‬ ‫عناهُ النب ّ‬ ‫حّنا هوَ الذي َ‬ ‫ب!" ‪3‬ويو َ‬ ‫سماوات َاقتر َ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ملكو َ‬ ‫ن َ‬ ‫ل ّ‬
‫ة"‪.‬‬ ‫مسَتقيم ً‬ ‫ه ُ‬ ‫َ‬
‫سب ُل ُ‬ ‫ب واجَعلوا ُ‬ ‫َ‬ ‫ة‪ :‬هَّيئوا طريقَ الر ّ‬ ‫ت صارِِخ في البّري ّ ِ‬ ‫"صو ُ‬
‫ت‬
‫ُ‬ ‫قتا‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫جلد‪،‬‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫َ ِ ِ ِ ٌ ِ ْ ِ‬ ‫م‬ ‫حزا‬ ‫ه‬ ‫ط‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫وعلى‬ ‫ل‪،‬‬‫ِ‬ ‫جما‬ ‫ال‬ ‫ر‬
‫ً ِ ْ َ ِ ِ‬ ‫ب‬‫و‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫با‬ ‫ثو‬ ‫س‬
‫ّ َ َ ُ‬ ‫ب‬ ‫يل‬ ‫نا‬ ‫يوح‬ ‫ن‬ ‫‪4‬وكا َ‬
‫جميِع‬ ‫ُ‬
‫مو َ‬ ‫ن أوُرشلي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن إليهِ ِ‬ ‫س َيخُرجو َ‬ ‫ن الّنا ُ‬ ‫ي‪5 .‬وكا َ‬ ‫ل البّر ّ‬ ‫س ِ‬ ‫جرادِ والعَ َ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫ن‬ ‫رفي‬ ‫ت‬ ‫مع‬ ‫ن‪،‬‬ ‫د‬‫الر‬ ‫ر‬ ‫نه‬ ‫في‬ ‫هم‬ ‫ُ‬ ‫د‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫‪6‬‬ ‫ن‪.‬‬ ‫لرد‬ ‫ُ‬ ‫با‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ط‬ ‫محي‬ ‫ال‬ ‫ِ‬ ‫ء‬ ‫الرجا‬ ‫ل‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫د‬ ‫يهو‬ ‫ال‬
‫ُ ِ ُ َ ِ َ‬ ‫َ ِ‬ ‫َُ ّ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ ِّ ِ‬
‫هم‪.‬‬ ‫خطايا ُ‬ ‫بِ َ‬
‫مدوا‪،‬‬ ‫ن إليهِ لَيعت َ ِ‬ ‫َ‬ ‫ن َيجيئو َ‬ ‫دوقّيي َ‬ ‫ص ّ‬ ‫ن وال َ‬ ‫فّريسّيي َ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ن كثيًرا ِ‬ ‫حّنا أ ّ‬ ‫‪7‬ورأى يو َ‬
‫ب التي؟‬ ‫ض ِ‬ ‫ن الغَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن َتهُربوا ِ‬ ‫كم أ ْ‬ ‫ن علم ُ‬ ‫ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ل َُهم‪" :‬يا أولد َ الفاعي‪َ ،‬‬ ‫فقا َ‬
‫م‪.‬‬ ‫ن أبانا هوَ إبراهي ُ‬ ‫سكم‪ :‬إ ّ‬ ‫ُ‬ ‫وبت ِكم‪9 ،‬ول تقولوا لنف ِ‬ ‫ُ‬ ‫ن على ت َ ْ‬ ‫مًرا ي ُب َْرهِ ُ‬ ‫مروا ث َ‬ ‫‪8‬أث ْ ِ‬
‫ي‬
‫م‪10 .‬ها ه َ‬ ‫حجاَرةِ أبناًء لبراهي َ‬ ‫ن هذِهِ ال ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ن َيجعَ َ‬ ‫ن الله قادٌر أ ْ‬ ‫ل لكم‪ :‬إ ّ‬ ‫ُ‬ ‫أقو ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫دا ُتقطعُ وُترمى في‬ ‫جَرةٍ ل ُتعطي َثمًرا جي ّ ً‬ ‫لش َ‬ ‫ر‪ .‬فك ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫س على أصو ِ‬ ‫الفأ ُ‬
‫ما الذي َيجيُء َبعدي فهوَ أقوى‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ة‪ ،‬وأ ّ‬ ‫ل الّتوب ِ‬ ‫ن أج ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م بالماِء ِ‬ ‫مد ُك ْ‬ ‫الّناِر‪11 .‬أنا أع ّ‬
‫س والّناِر‪،‬‬ ‫قد ُ ِ‬ ‫مد ُكم بالّروِح ال ُ‬ ‫ُ‬ ‫ه‪ .‬هوَ ُيع ّ‬ ‫حذاَء ُ‬ ‫ل ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن أح ِ‬ ‫لل ْ‬ ‫مّني‪ ،‬وما أنا أه ٌ‬ ‫ِ‬
‫ن‬
‫مخَزِنه وَيحُرقُ الّتب َ‬ ‫ح في َ‬ ‫قم َ‬ ‫معُ ال َ‬ ‫قي َبيد ََره‪ ،‬فَيج َ‬ ‫مذراَته‪ .‬بيدِهِ وي ُن َ ّ‬ ‫‪12‬ويأخذ ُ ِ‬
‫ئ‪.‬‬ ‫طف ُ‬ ‫بنارٍ ل َتن َ‬
‫مد يسوع‬ ‫يوحنا يع ّ‬

‫)‪(12 /‬‬

‫ه يوحّنا‬ ‫ُ‬
‫مد َ على يدِ يوحّنا‪14 .‬فمان َعَ ُ‬ ‫ن ليت َعَ ّ‬ ‫ل إلى الرد ِ‬ ‫ن الجلي ِ‬ ‫م َ‬ ‫‪13‬وجاَء َيسوع ُ ِ‬
‫َ‬
‫ه‬‫ي ‪15‬فأجاب َ ُ‬ ‫ت إل ّ‬ ‫ف َتجيُء أن َ‬ ‫ك‪ ،‬فكي َ‬ ‫مد َ على يدِ َ‬ ‫ن أتع ّ‬ ‫جأ ْ‬ ‫ل َله‪" :‬أنا أحتا ُ‬ ‫وقا َ‬
‫ه يوحّنا‪.‬‬‫ق ُ‬ ‫ة الله"‪َ .‬فوافَ َ‬ ‫مشيئ َ‬ ‫م َ‬ ‫م ُ‬‫ن‪ ،‬لّننا ِبه ن ُت َ ّ‬ ‫ن هذا ال َ‬ ‫ع‪" :‬ليك ُ ْ‬
‫َيسو ُ‬
‫ت له‪ ،‬فرأى‬ ‫َ‬ ‫سماوا ُ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫فَتح ِ‬ ‫َ‬
‫ن الماِء‪ .‬وان َ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ج في الحا ِ‬ ‫خَر َ‬
‫مد َ َيسوعُ و َ‬ ‫‪16‬وتع ّ‬
‫و‬
‫سماِء‪" :‬هذا ه َ‬ ‫ن ال ّ‬
‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ل صو ٌ‬ ‫ه‪17 .‬وقا َ‬ ‫َ‬
‫ل علي ِ‬ ‫ة وَينزِ ُ‬ ‫م ٌ‬
‫حما َ‬ ‫ه َ‬ ‫ُ‬
‫ح الله َيهب ِط كأن ّ ُ‬ ‫ُرو َ‬
‫ت"‪.‬‬ ‫ضي ُ‬ ‫ب الذي بهِ َر ِ‬ ‫ّ‬ ‫َابني الحبي ُ‬
‫من الغريب غير المفهوم أن يستقبل يحيى عليه السلم من أتاه من‬
‫دوقيين ليتعمدوا على يديه ويعترفوا بخطاياهم‪ ،‬بهذه‬ ‫ص ُ‬‫فّريسّيين وال ّ‬ ‫ال َ‬
‫الشتائم‪ ،‬مع أنهم بمجيئهم إليه قد برهنوا على أنهم يشعرون بالذنب ويريدون‬
‫التوبة‪ ،‬وإل فهل يحق لنا أن نشق عن قلوب الناس ونقول إننا نعرف ما فى‬
‫طيات ضمائرهم أفضل مما يعرفونه ثم نتهمهم بأنهم ل يصلحون للتوبة؟‬

‫‪188‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أليس هذا افتئاتا منا على شأن من شؤون الله؟ ألم يكن ينبغى أن يعطيهم‬
‫معهم تلك الشتائم القارصة‬ ‫س ِ‬ ‫يحيى عليه السلم فرصة يجربهم فيها قبل أن ي ُ ْ‬
‫دق أبدا أن يحيى كان بهذه الخشونة مع من جاء‬ ‫المهينة دون داٍع؟ إننى ل أص ّ‬
‫ليتوب حتى لو كانت توبته ظاهرية لم تخرج من العماق! إن عبارة كاتب‬
‫ة"‪.‬‬‫شر في بّري ّةِ اليهودِي ّ ِ‬ ‫ن ُيب ّ‬ ‫معمدا ُ‬ ‫ك الّيام ِ جاَء يوحّنا ال َ‬ ‫السفر تقول‪" :‬وفي ِتل َ‬
‫والواقع أن هذا ليس تبشيرا على الطلق‪ ،‬بل هو تنفير من التوبة وتعسير لها‬
‫وتبغيض للناس فى الدين والعمل الصالح كله!‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ما الذي َيجيُء‬ ‫ة‪ ،‬وأ ّ‬ ‫ل الّتوب ِ‬ ‫ن أج ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م بالماِء ِ‬ ‫مد ُك ُ ْ‬‫ثم إننا نسمعه يقول‪11" :‬أنا أع ّ‬
‫كم بالّروِح‬ ‫مد ُ ُ‬‫ه‪ .‬هوَ ُيع ّ‬ ‫حذاَء ُ‬ ‫ل ِ‬ ‫م َ‬‫ن أح ِ‬ ‫لل ْ‬ ‫مّني‪ ،‬وما أنا أه ٌ‬ ‫َبعدي فهوَ أقوى ِ‬
‫مخَزِنه‬ ‫ح في َ‬ ‫قم َ‬ ‫معُ ال َ‬ ‫قي َبيد ََره‪ ،‬فَيج َ‬ ‫مذراَته‪ .‬بيدِهِ وي ُن َ ّ‬ ‫س والّناِر‪12 ،‬ويأخذ ُ ِ‬ ‫قد ُ ِ‬‫ال ُ‬
‫ئ"‪ .‬وتعليقنا على هذا أن المسيح عليه السلم لم‬ ‫َ‬
‫ن بنارٍ ل َتنطف ُ‬ ‫وَيحُرقُ الّتب َ‬
‫رنى فيها المعترض على‬ ‫ْ‬
‫يعمد أحدا بالنار‪ ،‬وهذه هى الناجيل بين أيدينا‪ ،‬فلي ُ ِ‬
‫كلمى ما يخالفه! ول يقل أحد إن الكلم هنا على المجاز‪ ،‬لن النار إنما ذ ُك َِر ْ‬
‫ت‬
‫مد الناس )كما‬ ‫فى مقابل الماء‪ ،‬والماء هنا على الحقيقة‪ ،‬فقد كان يحيى يع ّ‬
‫يقول الكاتب( فى نهر الردن‪ ،‬كما أنه عليه السلم قد قال بنفسه إنه إذا كان‬
‫مدهم فيه بالماء فسوف يأتى ذلك الشخص الخر )الذى يفسره النصارى‬ ‫يع ّ‬
‫بأنه السيد المسيح( فيعمدهم بالنار‪ ،‬مع أنه ل نار هناك ول دياولو! والعجيب‪،‬‬
‫مدون أولدهم والمتنصرين من‬ ‫وكل أمور القوم عجب‪ ،‬أن النصارى إنما يع ّ‬
‫أهل الديان الخرى بالماء رغم ذلك ل بالنار‪ .‬ثم نقول‪ ،‬من أجل ذلك ومن‬
‫ب الرسول الكريم‬ ‫أجل غير ذلك‪ ،‬إن كتابهم محّرف فيرد ّ سفلة المهجر بس ّ‬
‫ما وكفًرا!‬ ‫فًها منهم وإجرا ً‬ ‫س َ‬
‫ويتطاولون عليه َ‬
‫ما الذي َيجيُء َبعدي فهوَ أقوى‬ ‫ّ‬ ‫كذلك يقول يحيى حسب كلم المؤلف‪" :‬وأ ّ‬
‫ه"‪ .‬ومرة أخرى يرى القوم أن المقصود هو‬ ‫حذاَء ُ‬ ‫م َ‬
‫ل ِ‬ ‫ن أح ِ‬ ‫لل ْ‬ ‫مّني‪ ،‬وما أنا أه ٌ‬ ‫ِ‬
‫مد السيد المسيح‪ ،‬فكيف ذلك؟ ولقد جاء فى‬ ‫السيد المسيح‪ ،‬ومع هذا نراه يع ّ‬
‫الترجمة التفسيرية لكتاب الحياة على لسان عيسى حين امتنع يحيى فى‬
‫م كل ب ِّر"‪ ،‬وهو ما‬ ‫البداية عن تعميده‪" :‬أسمح الن بذلك‪ ،‬فهكذا يليق بنا أن ن ُت ِ ّ‬
‫صا ب ِّرا‪ ،‬فكيف يكون‬ ‫يعنى أن المسيح من دون هذا التعميد سوف يكون ناق ً‬
‫صا ب ِّرا؟ بل كيف يكون التى لتكفير الخطايا البشرية من لدن آدم‬ ‫ابن الله ناق ً‬
‫صا ب ِّرا ويحتاج من ثم للتعميد؟ على رأى المثل‪" :‬جئتك يا‬ ‫إلى يوم الدينونة ناق ً‬
‫عبد المعين تعيننى‪ ،‬فوجدتك يا عبد المعين ت َُعان"‪ .‬أما فى الترجمة التى‬
‫م‬
‫م ُ‬ ‫ن‪ ،‬لّننا ِبه ن ُت َ ّ‬ ‫ن هذا ال َ‬ ‫أعتمد عليها هنا فقد جاء كلم المسيح هكذا‪" :‬ليك ُ ْ‬
‫ة الله"‪ ،‬ويا له من فارق فى المعنى! ثم نقول لهم إن فى كتابكم‬ ‫مشيئ َ‬ ‫َ‬
‫تحريفات وتخريفات كثيرة فيسبوننا ويهدوننا بأمريكا! يا للعجب‪ ،‬وهل تستطيع‬
‫قوة أمريكا أن تغير من حقائق المور؟ وهل يليق بمن يزعمون أنهم على‬
‫الحق وأنهم ل يعتمدون إل على "قوة الله" أن يستقووا بأمريكا؟ ليس أمامى‬
‫إل أن أقول أنا إذن كما كان يقول فريد شوقى‪" :‬يا قوة الله"!‬

‫)‪(13 /‬‬

‫ن الماِء‪.‬‬
‫م َ‬‫ل ِ‬ ‫ج في الحا ِ‬ ‫خَر َ‬‫مد َ َيسوعُ و َ‬ ‫وفى الفقرة الخيرة نقرأ التى‪16" :‬وتع ّ‬
‫ه‪.‬‬ ‫َ‬
‫ل علي ِ‬ ‫ة وَينزِ ُ‬
‫م ٌ‬‫حما َ‬ ‫ه َ‬ ‫ُ‬ ‫ت َله‪ ،‬فرأى ُرو َ‬
‫ح الله َيهب ِط كأن ّ ُ‬ ‫سماوا ُ‬‫ت ال ّ‬ ‫وَان َ‬
‫فَتح ِ‬
‫ت"‪ ،‬ثم‬ ‫ضي ُ‬‫ب اّلذي بهِ َر ِ‬ ‫سماِء‪" :‬هذا هوَ َابني الحبي ُ‬ ‫ن ال ّ‬‫م َ‬
‫ت ِ‬
‫ل صو ٌ‬ ‫‪17‬وقا َ‬
‫نتساءل‪ :‬كيف يا ترى انفتحت السماوات؟ هل كانت مغلقة؟ إن التصور‬
‫الكامن وراء هذه العبارة يشى بالكثير‪ ،‬إذ من الواضح أن كاتب هذا الكلم‬

‫‪189‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المضحك يحسب أن السماء سقف معدنى ينفتح وينغلق كسقف جراج‬


‫ألكترونى مثل‪ .‬ثم من أدرانا أن الحمامة التى رآها المسيح )لو كانت هناك‬
‫حمامة فعل وليست من ب ُن َّيات خيال الكاتب( هى الروح القدس؟ إن هناك‬
‫أغنية مصرية جميلة من أغانى أواسط الخمسينات من القرن المنصرم تغنيها‬
‫ف*‬ ‫ق ْ‬ ‫س ّ‬
‫مام الب َّر َ‬‫ح َ‬ ‫المطربة أحلم بصوتها الناحل الخجول تقول كلماتها‪" :‬يا َ‬
‫ط الغَّلة"‪ ،‬فإذا‬ ‫ق ِ‬ ‫ف * وال ْ ُ‬ ‫حّر وقّ ْ‬
‫ف * على ك ِْتف ال ُ‬ ‫م وَرفَْر ْ‬
‫حو ْ‬‫ف* ُ‬ ‫فهَ ْ‬
‫طيْر وهَ ْ‬
‫ِ‬
‫نظرنا فى هذه الغنية وجدنا هاهنا أيضا حماما ينزل على كتف إنسان كما‬
‫هبطت الحمامة على السيد المسيح إن صحت القصة‪ ،‬لكننا ل نستطيع أن‬
‫نقول إن الحمامة هنا هى الروح القدس‪ ،‬لن الروح القدس ليس مسألة هينة‬
‫دعيها كل من هب ودب‪ ،‬فما الدليل إذن على أن الحمامة الواردة فى القصة‬ ‫ي ّ‬
‫النجيلية هى الروح القدس فعل؟ لقد ذكرت القصة أن ثمة حمامة نزلت على‬
‫المسيح‪ ،‬وهذا كل ما هنالك‪ ،‬فبأى حق يقال إنها الروح القدس؟ إنها لم تنطق‬
‫ولم تأت من التصرفات ما يمكن أن يكون أساسا لبحث هذه المسألة‪ ،‬بل‬
‫حّر وعلى رأس العبد‬ ‫نزلت وحسب‪ .‬وكم من الحمام يطير وينزل على كتف ال ُ‬
‫وفى الجران وفوق الغصان وعلى ضفاف النهار وأسلك البرق‪ ...‬إلخ‪،‬‬
‫فكيف نميز بين حمامة هى روح القدس وحمامة أخرى هى روح البؤس؟ إنه‬
‫كله حمام‪ ،‬والحمام أكثر من الهم على القلب‪ ،‬أفكلما رأينا حمامة تهبط من‬
‫الفضاء قلنا إنها الروح القدس؟ كل وحاشا! ثم من الذى رأى هذه الحمامة‬
‫وروى قصتها؟ ل يمكن أن يكون هو السيد المسيح لنه كان دائم الحرص‬
‫على أل يعرف أحد بما يعمله من آيات‪ ،‬فمن هو إذن يا ترى؟ وكيف عرف أن‬
‫الحمامة هى الروح القدس؟ فإذا كان الناس هم الذين َرأ َْوها فهل من‬
‫الممكن أن يكونوا قد َرأ َْوها ثم سكتوا رغم ذلك فلم يعلقوا على هذه الحادثة‬
‫ل يوم ينزل الروح القدس؟ لقد كان ينبغى أن يكون هذا‬ ‫العجيبة؟ وهل ك ّ‬
‫دقنا أوّل ً‬ ‫فر والدنيا كلها! وهذا إذا ص ّ‬ ‫َ‬
‫جع والك ْ‬ ‫المر حديث المدينة والقرية والن ّ ْ‬
‫أن متى هو كاتب هذا النجيل‪ ،‬وثانًيا أنه أهل للتصديق‪ ،‬وثالًثا أن الذى حكى‬
‫له القصة صادق أيضا‪ ،‬ورابًعا أنها ل تناقض العقل والمنطق‪ .‬وأين نحن من‬
‫هذا؟‬
‫ثم هذا الصوت النازل من السماء‪ ،‬من يا ترى سمعه غير المسيح‪ ،‬إذ النص‬
‫قد سكت عن هذا؟ ذلك أن الناس جميعا‪ ،‬كما رأينا‪ ،‬كانوا يقولون إنه ابن‬
‫يوسف النجار لن كل الظواهر والمظاهر تقول ذلك‪ ،‬وهو ما شاركهم فى‬
‫وا نتأمل فى العبارة‬ ‫ترديده الكاتب عدة مرات على ما سيأتى بيانه! وتعال َ ْ‬
‫ت"‪ :‬ما معناها يا ترى؟ هل كان‬ ‫ضي ُ‬‫ب اّلذي بهِ َر ِ‬ ‫التالية‪" :‬هذا هوَ َابني الحبي ُ‬
‫الله قبل ذلك غير راض عن ابنه؟ ولماذا؟ أم هل سبب الرضا أنه أصبح أخيرا‪،‬‬
‫وبعد طول انتظار‪ ،‬أًبا بعد أن كاد اليأس يستولى عليه من أن تحمل زوجته‬
‫وتنجب له طفل بعد كل تلك الحقاب الطويلة؟ وهل يمكن أن يقال بعد ذلك‬
‫إن عيسى )الذى هو القنوم الثانى‪ ،‬أى البن( هو نفسه القنوم الول‪ ،‬لكن‬
‫من وجهٍ آخر‪ ،‬فى الوقت الذى يتحدث فيه الله )الب‪ ،‬وهو القنوم الول( عنه‬
‫بوصفه شخصا ثانيا مختلفا تمام الختلف‪ ،‬مثلما هو نفسه القنوم الثالث‪،‬‬
‫مد هو فيه الناس بالروح القدس‬ ‫لكن من وجه آخر أيضا‪ ،‬فى الوقت الذى يع ّ‬
‫بما يدل على أن الروح القدس شخص ثالث مختلف تمام الختلف؟ والذى‬
‫يغيظ أننا كلما قلنا إن دين القوم محّرف هّبوا يشتمون وينادون "ماما أمريكا"‬
‫يهددوننا بها‪ ،‬ول يريدون أبدا أن يفكروا معنا ولو مرة واحدة بالعقل‬
‫والمنطق!‬
‫الفصل الرابع‬

‫‪190‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫"إبليس يجرب يسوع‬


‫ما‬
‫ن يو ً‬‫م أربعي َ‬ ‫س‪2 .‬فصا َ‬ ‫ه ِإبلي ُ‬ ‫جّرب َ ُ‬
‫س َيسوع َ إلى البّري ّةِ لي ُ َ‬ ‫قد ُ ُ‬ ‫ح ال ُ‬‫وقاد َ الّرو ُ‬
‫قلْ‬‫ن الله‪ ،‬ف ُ‬ ‫َ‬
‫ت اب َ‬ ‫ُ‬
‫ن كن ْ َ‬ ‫َ‬
‫ب وقال له‪" :‬إ ْ‬ ‫َ‬ ‫جّر ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ال ُ‬‫من ُ‬ ‫ع‪3 .‬فدنا ِ‬‫َ‬ ‫ة حّتى جا َ‬ ‫ن َليل ً‬ ‫وأربعي َ‬
‫ب‪ :‬ما ِبالخبزِ وحد َه ُ يحيا‬ ‫ِ ُ‬ ‫كتا‬ ‫ال‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫"يقو‬ ‫ه‪:‬‬‫َ ُ‬ ‫ب‬ ‫فأجا‬ ‫‪4‬‬ ‫زا"‪.‬‬ ‫خب‬
‫َ ُ ً‬ ‫ر‬ ‫تصي‬ ‫ِلهذِهِ ال ِ َ ِ ْ َ‬
‫ن‬ ‫أ‬ ‫ة‬ ‫ر‬‫حجا‬
‫ن فم ِ الله"‪.‬‬ ‫م ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫مةٍ َتخُر ُ‬ ‫ل ك َل ِ َ‬ ‫ن‪ ،‬بل بك ٌ‬ ‫النسا ُ‬
‫ل َله‪:‬‬
‫شرفَةِ الَهيكل ‪6‬وقا َ‬ ‫ه على ُ‬ ‫ف ُ‬‫ة‪ ،‬فأوْقَ َ‬ ‫س ِ‬
‫قد ّ َ‬‫م َ‬‫س إلى المدينةِ ال ُ‬ ‫‪5‬وأخذ َهُ إبلي ُ‬
‫َ‬
‫ل‪ُ :‬يوصي‬ ‫ب يقو ُ‬ ‫كتا َ‬‫ن ال ِ‬ ‫ل‪ ،‬ل ّ‬ ‫ف ِ‬ ‫ك إلى الس َ‬ ‫س َ‬ ‫ق ب َِنف ِ‬‫ن الله فأل ِ‬ ‫ت َاب َ‬ ‫كن َ‬ ‫ن ُ‬ ‫"إ ْ‬
‫ر"‪.‬‬ ‫ك ِبحج ٍ‬ ‫ُ‬
‫م ِرجل َ‬ ‫ك على أيديِهم لئل ّ َتصدِ َ‬ ‫ملون َ َ‬ ‫ك‪ ،‬فَيح ِ‬ ‫هب َ‬ ‫ملئ ِك َت َ ُ‬
‫ك"‪.‬‬ ‫ب إلهَ َ‬ ‫ب الّر ّ‬ ‫ضا‪ :‬ل ُتجّر ِ‬ ‫ب أي ً‬ ‫كتا ُ‬ ‫ع‪" :‬يقو ُ‬
‫ل ال ِ‬ ‫ه َيسو ُ‬ ‫‪7‬فأجاب َ ُ‬

‫)‪(14 /‬‬

‫ل‬‫دها ‪9‬وقا َ‬ ‫دنيا ومج َ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫ممال ِ ِ‬ ‫جميعَ َ‬ ‫دا‪َ ،‬فأراه ُ َ‬ ‫لج ُ‬ ‫ل عا ٍ‬ ‫س إلى جب َ ٍ‬ ‫خذ َهُ إبلي ُ‬ ‫‪8‬وأ َ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ع‪ِ" :‬إبت َعِد ْ عّني‬ ‫ه َيسو ُ‬ ‫عبد َْتني"‪10 .‬فأجاب َ ُ‬ ‫ت لي و َ‬ ‫جد ْ َ‬ ‫نس َ‬ ‫ه‪ ،‬إ ْ‬ ‫طيك هذا كل ُ‬ ‫َ‬ ‫َله‪" :‬أع ِ‬
‫د"‪.‬‬ ‫د‪ ،‬وإّياهُ وحد َه ُ َتعب ُ ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫ك َتس ُ‬ ‫ب إلهِ َ‬ ‫ل‪ :‬للر ّ‬ ‫ب يقو ُ‬ ‫كتا َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫ن! ل ّ‬ ‫شيطا ُ‬ ‫يا َ‬
‫ه‪.‬‬‫دمون َ ُ‬ ‫ض الملِئكةِ يخ ِ‬ ‫س‪ ،‬فجاَء َبع ُ‬ ‫ه إبلي ُ‬ ‫َ‬
‫م َترك ُ‬ ‫‪11‬ث ُ ّ‬
‫يسوع يبشر في الجليل‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫صرةَ وسك َ‬ ‫م تَرك الّنا ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ل‪13 .‬ث ّ‬ ‫جعَ إلى الجلي ِ‬ ‫ل يوحّنا‪ ،‬فر َ‬ ‫معَ َيسوعُ بَاعِتقا ِ‬ ‫س ِ‬ ‫‪12‬و َ‬
‫م ما‬ ‫َِ ّ‬‫ت‬‫ي‬ ‫ل‬‫‪14‬‬ ‫نفتالي‪،‬‬ ‫و‬
‫َ َ‬ ‫ن‬ ‫زبولو‬ ‫َ‬ ‫بلد‬ ‫في‬ ‫ل‬
‫ِ‬ ‫الجلي‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫بح‬ ‫ِ‬ ‫ء‬ ‫طى‬ ‫ِ‬ ‫شا‬ ‫على‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ناحو‬ ‫فر‬ ‫ْ‬ ‫في ك َ‬
‫ر‪ ،‬عَب َْر‬ ‫ق البح ِ‬ ‫ض َنفتالي‪ ،‬على طري ِ‬ ‫ن وأر َ‬ ‫ض َزبولو َ‬ ‫شْعيا‪"15 :‬يا أر َ‬ ‫يإ َ‬ ‫ل الّنب ّ‬ ‫قا َ‬
‫ظلم ِ رأى نوًرا ساط ًِعا‪،‬‬ ‫س في ال ّ‬ ‫م! ‪16‬ال ّ‬ ‫ُ‬ ‫ن‪ ،‬يا جلي َ‬
‫ب الجال ِ ُ‬ ‫شعْ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ل ال َ‬ ‫الرد ِ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ظلل ِهِ أشَرقَ عَليهِم ِ الّنوُر"‪17 .‬وبدأ َيسوع ُ ِ‬ ‫ت وَ ِ‬ ‫مو ِ‬ ‫ض ال َ‬ ‫ن في أر ِ‬ ‫والجاِلسو َ‬
‫ب"‪.‬‬ ‫ت اقت ََر َ‬ ‫َ‬ ‫سماوا ِ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ملكو َ‬ ‫ن َ‬ ‫ل‪" :‬توبوا‪ ،‬ل ّ‬ ‫شُر فَيقو ُ‬ ‫ت ُيب ّ‬ ‫ك الوق ِ‬ ‫ذل ِ َ‬
‫يسوع يدعو التلميذ الّولين‬
‫ن‬
‫سمعا ُ‬ ‫هما ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫وي ِ‬
‫خ َ‬ ‫ل‪ ،‬فرأى أ َ‬ ‫ئ بحرِ الجلي ِ‬ ‫ن َيسوع ُ َيمشي على شاط ِ‬ ‫‪18‬وكا َ‬
‫ر‪ ،‬لن ُّهما كانا‬ ‫ة في البح ِ‬ ‫َ‬
‫شبك َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫قيا ِ‬ ‫س ُيل ِ‬ ‫س وأخوهُ أندراوُ ُ‬ ‫ب ب ُِبطُر َ‬ ‫ق ُ‬ ‫مل ّ‬ ‫ال ُ‬
‫شباكُهما‬‫َ‬ ‫ر"‪20 .‬فَتركا ِ‬ ‫ل لُهما‪" :‬إتَبعاني‪ ،‬أجعَلكما صّياد َيْ بش ٍ‬‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن‪19 .‬فقا َ‬ ‫صّياد َي ْ ِ‬
‫ه‪.‬‬‫ل وت َِبعا ُ‬ ‫في الحا ِ‬
‫ن َزبدي وأخوه ُ يوحّنا‪،‬‬ ‫بب ُ‬ ‫هما يعقو ُ‬ ‫ن‪ُ ،‬‬ ‫خري ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫وي ِ‬ ‫هناك فرأى أخ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫‪21‬وساَر ِ‬
‫ب‬‫ه‪22 .‬فَتركا القارِ َ‬ ‫َ‬
‫هما إلي ِ‬ ‫دعا ُ‬ ‫شباكُهما‪ ،‬ف َ‬ ‫َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ب ُيصِلحا ِ‬ ‫معَ أبيِهما َزبدي في قارِ ٍ‬ ‫َ‬
‫ه‪.‬‬ ‫ل وت َِبعا ُ‬ ‫هما في الحا ِ‬ ‫وأبا ُ‬
‫شر ويشفي المرضى‬ ‫يسوع يعّلم ويب ّ‬
‫ل‬‫ن إنجي َ‬ ‫م في المجامِع وُيعل ِ ُ‬ ‫ل‪ُ ،‬يعل ّ ُ‬ ‫ن َيسوع ُ َيسيُر في أنحاِء الجلي ِ‬ ‫‪23‬وكا َ‬
‫ة‬
‫ه في سوري َ‬ ‫ض وداٍء‪24 .‬فَانَتشَر صيت ُ ُ‬ ‫مَر ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫ن كُ ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ت وَيشفي الّنا َ‬ ‫ملكو ِ‬ ‫ال َ‬
‫ن‬
‫مصروعي َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة‪ِ :‬‬ ‫ض متنوّعَ ٍ‬ ‫ن بأوجاِع وأمرا ٍ‬ ‫مصابي َ‬ ‫ك ُّلها‪ ،‬فجاؤوا إَليهِ ِبجميِع ال ُ‬
‫ل‬
‫ن الجلي ِ‬ ‫م َ‬‫ه جموع ٌ كبيرة ٌ ِ‬ ‫هم‪25 .‬فت َب ِعَت ْ ُ‬ ‫ن‪ ،‬فشفا ُ‬ ‫م شياطي ُ‬ ‫ن ب ِهِ ْ‬ ‫ن والذي َ‬ ‫قَعدي َ‬ ‫م ْ‬ ‫و ُ‬
‫ُ‬
‫م واليهودي ّةِ وعَب ْرِ الردنِ"‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ن العَ ْ‬
‫شرِ وأوُرشلي َ‬ ‫مد ُ ِ‬ ‫وال ُ‬
‫والن أى إله ذلك الذى يقوده إبليس ليجربه؟ إن الله هو الذى يجّرب ل الذى‬
‫يجّرب! وأى إله ذلك الذى يجوع ويعطش ويحتاج من ثم إلى الطعام‬
‫ج‬ ‫ف محتا ٌ‬ ‫ن ضعي ٌ‬ ‫والشراب؟ هذا ليس إلها ول يمكن أن يكونه‪ .‬هذا مخلوقٌ فا ٍ‬
‫إلى أن يمل معدته بالكل والشرب حتى يمكنه الحياة‪ ،‬وإل مات‪ .‬وأى إله أيضا‬
‫ذلك الذى يتجرأ عليه إبليس ويعرض عليه أن يسجد له؟ لقد عَي َّلت اللوهية‬
‫تماما! ثم أى إله أو أى ابن إله ذلك الذى ل يعرفه أبو العفاريت ويتصرف معه‬
‫على أساس أنه ليس إل عبدا مخلوقا يستطيع أن يخدعه ويتلعب به ويمسكه‬

‫‪191‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فى قبضته أربعين يوما ويدفعه إلى الصوم والمعاناة‪ ،‬والمفروض أن أبا‬
‫ص‪ :‬نعم‪ ،‬لكنه ل يمكن‬ ‫فت ذاته؟ إن الشيطان مخلوقٌ عا ٍ‬ ‫العفاريت يعرف الك ُ ْ‬
‫أن يكون جاهل بهذا الشكل‪ ،‬فليس هذا عهدنا بأبى الباليس ول عشمنا فيه!‬
‫وأى إله ذلك الذى ل يستطيع أن يرى العالم وممالكه إل إذا أراه إياها إبليس؟‬
‫إن إبليس هو مخلوق من مخلوقات الله‪ ،‬فما الذى جعل له كل هذا السلطان‬
‫يا ترى على خالقه‪ ،‬أو على القل‪ :‬على ابن خالقه؟ ول تقف الطامة عند هذا‬
‫الحد‪ ،‬فقد عرض إبليس على ابن الله )أو قل‪ :‬على الله نفسه‪ ،‬فل فرق( أن‬
‫يعطيه ملك الدنيا‪ ،‬وهو ما ل معنى له إل أن المسيح لم يكن ابن الله بحق‬
‫وحقيق‪ ،‬بل مجرد كلم وابن عمه حديث‪ ،‬وإل لجاء رده على الفور‪ :‬ومن أنت‬
‫يا صعلوك‪ ،‬حتى تحشر نفسك بين اللهة والملوك؟ أل تعرف من أنا؟ قم‬
‫انهض وأنت تكلمنى! لكننا ننصت فنجد عجبا‪ ،‬إذ كل ما قاله له‪" :‬ابتعد عنى يا‬
‫شيطان‪ .‬مكتوب أنه للرب إلهك وحده تسجد"! وواضح ما فى الرد من‬
‫تخاذل! والحمد لله أن الكاتب لم يجعله يبكى ويقول له‪ :‬ابعد عنى‪ ،‬وإل‬
‫ناديت لك ماما!‬

‫)‪(15 /‬‬

‫وفى هذا الفصل أيضا نقرأ أن الشيطان قد اقترح عليه أن يحول الحجارة‬
‫ج‬
‫مةٍ َ ُ ُ‬
‫ر‬ ‫تخ‬ ‫ل ك َل ِ َ‬ ‫ن‪ ،‬بل بك ٌ‬ ‫خبزا‪ ،‬لكنه رفض بحجة أنه "ما ِبالخبزِ وحد َهُ يحيا النسا ُ‬
‫ن فم ِ الله"‪ .‬فكيف يرفض عيسى أن يقوم بمعجزة هنا‪ ،‬ولسوف نراه بعد‬ ‫م ْ‬
‫ِ‬
‫سر‬ ‫ِ َ‬ ‫ك‬ ‫ال‬ ‫ول‬ ‫ّ‬ ‫ويح‬ ‫خمرا‬ ‫الماء‬ ‫ول‬‫ّ‬ ‫فيح‬ ‫ة‬
‫ً‬ ‫ي‬ ‫ب‬‫را‬
‫َ ِّ‬ ‫َ‬
‫ش‬ ‫و‬ ‫ية‬ ‫ّ‬ ‫طعام‬ ‫بمعجزات‬ ‫يقوم‬ ‫ذلك‬
‫صى‬ ‫ْ َ‬ ‫ح‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫مشوية‬ ‫وأسماك‬ ‫أرغفة‬ ‫إلى‬ ‫المعدودة‬ ‫اليابسة القليلة والسمكات‬
‫حتى لَتأكل منها الجموع وتفيض عن حاجتها؟ كيف نسى المسيح المبدأ الذى‬
‫استند إليه فى رفض القيام بتلك المعجزة؟ كما أن الحجة التى استند إليها‬
‫السيد المسيح فى رفض عمل المعجزة هى من الضعف والتهافت بحيث ل‬
‫ح فى أنه ليس بالخبز وحده يحيا النسان‪ ،‬لكن فى‬ ‫تقنع أحدا‪ ،‬إذ ل أحد يشا ّ‬
‫نفس الوقت ل أحد يشاح أيضا فى أننا‪ ،‬وإن لم نعش بالخبز وحده‪ ،‬ل يمكننا‬
‫أن نعيش بدون الخبز أيضا‪ ،‬وهو ما يعنى أن هناك مكانا هاما للخبز فى حياتنا‪،‬‬
‫وكذلك لمثل هذه المعجزة فى منظومة اليمان العيسوى‪ ،‬وهو ما سنراه بعد‬
‫ذلك حين يقوم عليه السلم بمعجزات طعامّية وشرابّية كما قلنا‪ .‬ثم ما الفرق‬
‫س‬ ‫مى والم ّ‬ ‫خَرس والعَ َ‬ ‫بين هذه المعجزة ومعجزات الشفاء من الب ََرص وال َ‬
‫مى؟ إنها أيضا يصدق عليها ما يصدق على معجزة‬ ‫ح ّ‬
‫والنزيف والشلل وال ُ‬
‫الخبز فى أنها أيضا ليس مما يحيا بها وحدها النسان‪ .‬فما العمل إذن؟ إنها‬
‫مشكلة دون شك!‬
‫ب‬‫كما أن قوله عليه السلم للشيطان ردا على طلبه منه السجود له‪" :‬للر ّ‬
‫د" ل يعنى إل شيئا واحدا ل غير‪ ،‬أل وهو أن‬ ‫د‪ ،‬وإّياه ُ وحد َهُ َتعب ُ ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫ك َتس ُ‬ ‫إلهِ َ‬
‫العلقة بين عيسى والله سبحانه وتعالى هى علقة اللوهية بالعبودية ل علقة‬
‫ضها سيرةً ول ْن ُل ِْغ‬ ‫البوة بالبنوة أبدا‪ ،‬وإل فل معنى لشىء اسمه اللغة‪ .‬فلنف ّ‬
‫ة‪،‬‬ ‫س ِ‬ ‫قد ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫س إلى المدينةِ ال ُ‬
‫َ‬ ‫اللغة فنريح ونستريح! ونتابع فنقرأ‪" :‬أخذ َهُ إبلي ُ‬
‫سك إلى‬ ‫َ‬ ‫ق ب َِنف ِ‬ ‫َ‬ ‫ن ُ‬ ‫ل َله‪" :‬إ ْ‬ ‫شرفَةِ الَهيكل ‪6‬وقا َ‬ ‫ه على ُ‬ ‫فأوْقَ َ‬
‫ن الله فأل ِ‬ ‫ت اب َ‬ ‫كن َ‬ ‫ف ُ‬
‫ك على أيديِهم لئل ّ‬ ‫ملون َ َ‬ ‫َ‬
‫ه بك‪ ،‬فَيح ِ‬ ‫َ‬
‫ل‪ُ :‬يوصي ملئ ِكت َ ُ‬ ‫ب يقو ُ‬ ‫كتا َ‬
‫ن ال ِ‬
‫ل‪ ،‬ل ّ‬ ‫ف ِ‬ ‫الس َ‬
‫ب‬‫ب الّر ّ‬ ‫ضا‪ :‬ل ُتجّر ِ‬ ‫ب أي ً‬‫كتا ُ‬ ‫ل ال ِ‬ ‫ع‪" :‬يقو ُ‬ ‫ه َيسو ُ‬ ‫ر"‪7.‬فأجاب َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م ِرجلك ِبحج ٍ‬ ‫َتصدِ َ‬
‫ك"‪ .‬وهنا كذلك يقر المسيح عليه السلم أن العلقة بينه وبين الله هى‬ ‫إلهَ َ‬
‫علقة العبد بإلهه‪ ،‬ل جدال فى ذلك!‬

‫‪192‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لكن ثمة مشكلة كبيرة ل حل لها‪ ،‬أل وهى قول القصة إن إبليس أخذ المسيح‬
‫وأوقفه على شرفة الهيكل‪ ...‬إلخ‪ ،‬إذ هاهنا يثور فى التوّ سؤال يحتاج لجواب‬
‫عاجل‪ :‬أين كان الناس يا ترى‪ ،‬والمسيح يعتلى شرفة الهيكل ويدور بينه وبين‬
‫سّلى؟ من المؤكد أنه كان سيكون منظرا مثيرا يخفف‬ ‫م َ‬
‫إبليس ذلك الحوار ال ُ‬
‫من جهامة الواقع اليومى الكئيب آنذاك حيث لم يكن هناك تلفاز ول مذياع ول‬
‫دور خيالة ول كاتوب ول‪ ...‬ول‪ ،...‬فكيف لم نسمع بأن الناس قد اجتمعوا‬
‫ل يوم يرى الناس‬ ‫يشاهدون هذا المنظر الفريد‪ ،‬منظر إبليس )وهل ك ّ‬
‫جل العنكبوت؟ ل‬ ‫إبليس؟( وهو يحاول إغراء المسيح بالقفز فى الهواء كالّر ُ‬
‫شك أنها كانت ستكون نمرة ساحرة من نمر السيرك البليسى تساوى أن‬
‫يقطع الناس لها تذكرة بالشىء الفلنى! ثم كيف يا ترى أخذه إبليس من‬
‫فوق قمة الجبل إلى هناك؟ أساقه أمامه ماشيا على قدميه أم أخذه على‬
‫جناحه أم قذفه فى الهواء فانتقل فى غمضة عين من الجبل إلى شرفة‬
‫الهيكل أم ماذا؟ وأين كان الناس طوال كل ذلك الوقت؟ وقبل ذلك كله ما‬
‫الذى كان يجبر المسيح على طاعة الشيطان طوال تلك الفترة ويصبر على‬
‫قلة أدبه معه إلى هذا الحد؟ إن القصة تريد أن تقول إنه‪ ،‬لعنه الله‪ ،‬لم تكن‬
‫صد ّْقنا! لكن أل يقول المنطق‬ ‫مّنا و َ‬
‫له على عيسى عليه السلم أية سلطة‪ .‬آ َ‬
‫إنه كان ينبغى أن يشخط فيه عيسى منذ أول لحظة شخطة عنترية تجعل‬
‫كبه تسيب ويتبول على نفسه‪ ،‬ومن ثم ل يعطيه فرصة للتساخف كما‬ ‫ُر َ‬
‫قّلون أدبهم على سيد النبياء‪ ،‬بل يسكعه قلمين‬ ‫يتساخف أوغاد المهجر وي ُ ِ‬
‫دغه تعيد له رشده المفقود وتجعله يمشى على العجين فل يلخبطه؟‬ ‫ص ْ‬
‫على ُ‬
‫أظن أن هذا هو ما كان ينبغى أن يكون‪ ،‬فما رأيكم أنتم أيها القراء العزاء؟‬

‫)‪(16 /‬‬

‫وإذا كان المسيح هو ابن الله‪ ،‬والملئكة فى خدمته بهذا العتبار‪ ،‬فلماذا لم‬
‫يهتم بإنقاذ يحيى عليه السلم من المصير السئ الذى انتهى إليه‪ ،‬أو على‬
‫القل بإعادته للحياة كرة أخرى كما فعل مع ناس آخرين؟ أيكون يحيى‬
‫ح بعد أن كانوا قد‬ ‫أرخص عنده من فلن وعلن وترتان ممن َرد ّ فيهم الرو َ‬
‫فارقوا الحياة؟ لكننا ننظر فنجده عليه السلم‪ ،‬حسبما كتب مؤلف النجيل‪ ،‬ما‬
‫ضع‬‫إن يتم القبض على يحيى حتى يتحول للجليل وكأن شيئا لم يكن‪ .‬وحين وُ ِ‬
‫يحيى فى السجن لم يهتم المسيح به‪ ،‬اللهم إل عندما جاءه تلميذ يحيى‬
‫وسألوه عن بعض المور وانصرفوا‪ ،‬فعندئذ أثنى المسيح عليه وعلى إيمانه‪،‬‬
‫مسيِح‪،‬‬ ‫َ‬
‫ل ال َ‬ ‫ن بأعما ِ‬ ‫سج ِ‬ ‫معَ يوحّنا وهوَ في ال ّ‬ ‫ثم ل شىء آخر البتة‪2" :‬وس ِ‬
‫ت هوَ اّلذي َيجيُء‪ ،‬أو َننتظُر‬ ‫ل أن َ‬ ‫ه‪" :‬ه ْ‬ ‫ض تلميذِهِ ‪3‬ليقولوا ل َ ُ‬ ‫ل إَليهِ َبع َ‬ ‫س َ‬ ‫فأر َ‬
‫ن‪:‬‬
‫ن وت ََروْ َ‬ ‫معو َ‬ ‫خِبروا يوحّنا ِبما َتس َ‬ ‫جعوا وأ ْ‬ ‫ع‪" :‬ا َْر ِ‬ ‫خَر؟" ‪4‬فأجاب َُهم َيسو ُ‬ ‫آ َ‬
‫ن‪،‬‬‫معو َ‬ ‫م َيس َ‬ ‫ن‪ ،‬والص ّ‬ ‫ص ُيطّهرو َ‬ ‫ن‪ ،‬والُبر ُ‬ ‫ج يمشو َ‬ ‫ن‪ ،‬والُعر ُ‬ ‫ن ُيبصرو َ‬ ‫‪5‬العميا ُ‬
‫ه‬‫قد ُ إيمان َ ُ‬ ‫ة‪6 .‬وهنيًئا لمن ل يف ُ‬ ‫ن الِبشار َ‬ ‫قو َ‬ ‫ن َيتل ّ‬ ‫مساكي ُ‬ ‫ن‪ ،‬وال َ‬ ‫موتى َيقومو َ‬ ‫وال َ‬
‫ل‪" :‬ماذا‬ ‫ن يوحّنا فقا َ‬ ‫جموِع عَ ْ‬ ‫ث َيسوع ُ ِلل ُ‬ ‫ف تلميذ ُ يوحّنا‪َ ،‬تحد ّ َ‬ ‫صَر َ‬ ‫َ‬
‫ما ان َ‬ ‫بي"‪7.‬فل ّ‬
‫ن؟‬ ‫خَرجُتم تَروْ َ‬ ‫ل ماذا َ‬ ‫ح؟ ‪8‬ب ْ‬ ‫ة ت َهُّزها الّري ُ‬ ‫صب ً‬ ‫ن؟ أقَ َ‬ ‫ُ‬
‫خَرجُتم إلى البّري ّةِ َتنظرو َ‬ ‫َ‬
‫م في ُقصوِر‬ ‫ة هُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ع َ‬ ‫ب الّنا ِ‬ ‫ن الّثيا َ‬ ‫ن َيلَبسو َ‬ ‫ّ‬
‫ة؟ والذي َ‬ ‫م َ‬ ‫ع َ‬
‫ب الّنا ِ‬ ‫س الّثيا َ‬ ‫ً‬
‫جل يلب َ ُ‬ ‫أَر ُ‬
‫ض َ‬
‫ل‬ ‫ل أف َ‬ ‫ل لكم‪ :‬نَعم‪ ،‬ب ْ‬ ‫ُ‬ ‫ن؟ أنبُيا؟ أقو ُ‬ ‫ُ‬
‫خَرجُتم َتنظرو َ‬ ‫ك! ‪9‬قولوا لي‪ :‬ماذا َ‬ ‫ملو ِ‬ ‫ال ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ئ‬
‫مك‪ ،‬لُيهي ّ َ‬ ‫دا َ‬ ‫ل َرسولي قُ ّ‬ ‫س ُ‬‫ب‪ :‬أنا أر ِ‬ ‫كتا ُ‬ ‫ل فيهِ ال ِ‬ ‫ي‪10 .‬فهوَ الذي يقو ُ‬ ‫ن ن َب ِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ن يوحّنا‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫س أعظ ُ‬ ‫ُ‬ ‫مك‪11 .‬الحقّ أقو ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ل لكم‪ :‬ما ظهََر في الّنا ِ‬ ‫الطريقَ أما َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن أّيام ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه‪12 .‬ف ِ‬ ‫من ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ت أعظ ُ‬ ‫سماوا ِ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ملكو ِ‬ ‫ن في َ‬ ‫ن أصغََر الذي َ‬ ‫ن‪ ،‬ولك ِ ّ‬ ‫معمدا ِ‬ ‫ال َ‬

‫‪193‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ت‪،‬‬ ‫سماوا ِ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ملكو ِ‬ ‫ل َ‬ ‫دخو ِ‬ ‫هم ل ِ ُ‬ ‫جهد َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذلو َ‬ ‫س َيب ُ‬ ‫م‪ ،‬والّنا ُ‬ ‫ن إلى اليو ِ‬ ‫معمدا ِ‬ ‫يوحّنا ال َ‬
‫ت النبياِء‬ ‫هناك ُنبوءا ُ‬ ‫َ‬ ‫ن ُ‬ ‫ن جاَء يوحّنا كا َ‬ ‫ه‪13 .‬فإلى أ ْ‬ ‫خلون َ ُ‬ ‫ن َيد ُ‬ ‫هدو َ‬ ‫مجا ِ‬ ‫وال ُ‬
‫ن يوحّنا هوَ إيلّيا‬ ‫دقوا‪ ،‬فاعلموا أ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ص ّ‬ ‫ن تُ َ‬ ‫شئُتم أ ْ‬ ‫ة موسى‪14 .‬فإذا ِ‬ ‫شريعَ ُ‬ ‫و َ‬
‫ُ‬
‫ع!"‪.‬‬ ‫م ْ‬ ‫ن‪ ،‬فَل َْيس َ‬ ‫ن َله أُذنا ِ‬ ‫ن كا َ‬ ‫م ْ‬ ‫منَتظُر‪َ 15 .‬‬ ‫ال ُ‬
‫ك يوحّنا‬ ‫س َ‬ ‫س أم َ‬ ‫ن هيرود ُ ُ‬ ‫قَتل عليه السلم‪3" :‬وكا َ‬ ‫وهو ما سوف يتكرر عندما ي ُ ْ‬
‫ل َله‪:‬‬ ‫ن يقو ُ‬ ‫ن يوحّنا كا َ‬ ‫س‪4 ،‬ل ّ‬ ‫ة َامرأةِ أخيهِ فيلب ّ َ‬ ‫ل هيرودِي ّ َ‬ ‫ن أج ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫جن َ ُ‬ ‫س َ‬ ‫وقَي ّد َهُ و َ‬
‫ب لن ُّهم كانوا‬ ‫شع ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ه‪ ،‬فخا َ‬ ‫َ‬
‫ن َيقت ُل ُ‬ ‫جها"‪5 .‬وأراد َ أ ْ‬ ‫ن ت ََتزوّ َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ل لَ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫"ل ي َ ِ‬
‫ة في‬ ‫ة هيرودِي ّ َ‬ ‫ت ابن َ ُ‬‫َ‬ ‫ص ِ‬ ‫ه‪ ،‬رقَ َ‬ ‫مول ِدِ ِ‬ ‫س ِذكرى َ‬ ‫م هيرود ُ ُ‬ ‫ما أقا َ‬ ‫ه َنبُيا‪6 .‬ول ّ‬ ‫دون َ ُ‬ ‫َيع ّ‬
‫مها‪،‬‬ ‫قن َْتها أ ّ‬ ‫ن ُيعط َِيها ما َتشاُء‪8 .‬فل ّ‬ ‫م لها أ ْ‬ ‫س َ‬ ‫س‪7 ،‬فأق َ‬ ‫ت هيرود ُ َ‬ ‫جب َ ْ‬ ‫ة‪ ،‬فأع َ‬ ‫حفل ِ‬ ‫ال َ‬
‫ن‬‫حزِ َ‬ ‫ن!" ‪9‬ف َ‬ ‫معمدا ِ‬ ‫س يوحّنا ال َ‬ ‫ق َرأ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫هنا على طب َ ٍ‬ ‫طني ُ‬ ‫س‪" :‬أع ِ‬ ‫فقالت ِلهيرود ُ َ‬
‫مِع‬‫فها على مسا ِ‬ ‫َ‬
‫حل َ‬ ‫ن التي َ‬ ‫مل ِ ُ‬
‫ل الَيمي ِ‬ ‫ن أج ِ‬ ‫م ْ‬ ‫د‪ِ ،‬‬ ‫مَر بإعطاِئها ما ُتري ُ‬ ‫هأ َ‬ ‫ك‪ ،‬ولكن ّ ُ‬ ‫ال َ‬
‫سجن ‪11‬وجاَء ِبه على‬ ‫س يوحّنا في ال ّ‬ ‫قطعَ رأ َ‬ ‫َ‬ ‫جندُيا‪ ،‬ف َ‬ ‫ل ُ‬ ‫س َ‬ ‫ن‪10 .‬وأر َ‬ ‫الحاضري َ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ملوا‬ ‫ح َ‬ ‫مها‪12 .‬وجاَء تلميذ ُ يوحّنا‪ ،‬ف َ‬ ‫ه إلى أ ّ‬ ‫ملت ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ة‪ ،‬ف َ‬ ‫ه إلى الفتا ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ق‪ .‬وسل َ‬ ‫طب َ ٍ‬
‫هناكَ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫ع‪ ،‬خَر َ‬ ‫معَ َيسو ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ما َ‬ ‫ع‪13 .‬فل ّ‬ ‫هبوا وأخَبروا َيسو َ‬ ‫م ذَ َ‬ ‫ة ود َفنوها‪ ،‬ث ُ ّ‬ ‫َ‬ ‫جث ّ َ‬ ‫ال ُ‬
‫مشًيا‬ ‫ن َ‬ ‫مد ُ ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫س‪ ،‬فت َِبعوه ُ ِ‬ ‫ف الّنا ُ‬ ‫ه‪ .‬وعَر َ‬ ‫ُ‬
‫فرٍ َيعت َزِل في ِ‬ ‫ق ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫ب إلى مكا ٍ‬ ‫في قارِ ٍ‬
‫فقَ عليِهم‬ ‫َ‬ ‫ة‪ ،‬فأش َ‬ ‫عا كبير ً‬ ‫جمو ً‬ ‫ب رأى ُ‬ ‫ن القار ِ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫ما نَزل ِ‬ ‫م‪14 .‬فل ّ‬ ‫على القدا ِ‬
‫ت‪ ،‬وهذا‬ ‫ُ‬ ‫الوق‬ ‫ت‬‫َ‬ ‫"فا‬ ‫وقالوا‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ذ‬ ‫تلمي‬ ‫ه‬‫َ ِ ُ‬‫من‬ ‫دنا‬ ‫ء‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫المسا‬ ‫وفي‬ ‫‪15‬‬ ‫هم‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫مرضا‬ ‫فى َ‬ ‫وش َ‬
‫ما"‪.‬‬ ‫قرى ِليشَتروا لُهم طعا ً‬ ‫رفوا إلى ال ُ‬ ‫ن َينص ِ‬ ‫سأ ْ‬ ‫ل ِللّنا ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫فٌر‪ ،‬ف ُ‬ ‫مق ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫المكا ُ‬
‫ن"‪17 .‬فقالوا‬ ‫هم أنُتم ما يأكلو َ‬ ‫لنصرافِِهم‪ .‬أعطو ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ع‪" :‬ل داع َ‬ ‫‪16‬فأجاب َُهم َيسو ُ‬
‫ع‪" :‬هاتوا ما‬ ‫ل َيسو ُ‬ ‫ن"‪18.‬فقا َ‬ ‫سمكَتي ِ‬ ‫خمسةِ أرِغفةٍ و َ‬ ‫هنا غيُر َ‬ ‫دنا ُ‬ ‫عن َ‬ ‫َله‪" :‬ما ِ‬
‫ة" )متى‪/‬‬ ‫ف َ‬ ‫خذ َ الرِغ َ‬ ‫ب‪ ،‬وأ َ‬ ‫ن َيقُعدوا على الُعش ِ‬ ‫جموعَ أ ْ‬ ‫مَر ال ُ‬ ‫مأ َ‬ ‫كم"‪19 .‬ث ُ ّ‬ ‫عند َ ُ‬
‫‪ !(14‬أين الرحمة؟ أين عاطفة القرابة؟ إنه لم يذرف عليه دمعة واحدة وكأنه‬
‫ة كما‬ ‫ة وروحي ٌ‬ ‫ة أسري ٌ‬ ‫ة وثيق ٌ‬ ‫لم يكن هناك شخص اسمه يحيى تربطه به قراب ٌ‬
‫جعَ إلى‬ ‫ل يوحّنا‪ ،‬فر َ‬ ‫معَ َيسوعُ باعِتقا ِ‬‫َ‬ ‫س ِ‬ ‫لم يكن بينه وبين أى شخص آخر‪" :‬و َ‬
‫ل"‪.‬‬ ‫الجلي ِ‬
‫)‪(17 /‬‬

‫أولو كان المسيح ابن الله على الحقيقة أكان يمكن أن يتصرف هكذا أمام‬
‫تلك المأساة الدموية التى كانت كفيلة بتحريك قلب الحجر‪ ،‬وكأنه عليه‬
‫السلم بل قلب؟ إن هذا لو وقع من بشر يستطيع أن يبادر لنقاذ يحيى ثم لم‬
‫يفعل لكانت سبة الدهر وفضيحة البد‪ ،‬فما بالنا بابن الله؟ أيعقل أن يهتم‬
‫بتوفير الطعام لبعض الناس ول يهتم بإنقاذ قريبه هذا الذى كان نبيا مثله‬
‫مده ليكمل ب ِّره؟ ولنلحظ أن المعجزات‬ ‫والذى بشر به ومهد له الطريق وع ّ‬
‫التى عملها هنا إنما هى المعجزات التى رفض عملها من قبل بالحجة التى‬
‫ذكرناها ووجدنا أنها ليست بحجة على الطلق! إن هذا وغيره من السباب‬
‫لدليل على أن فى المر خلل‪ ،‬ونحن نستبعد أن يكون المسيح على ذلك النحو‬
‫من تبلد الحساس وموتان القلب واللمبالة بموت قريبه وصديقه وصاحب‬
‫الفضل عليه فى المعمودية ورصيفه بل رائده فى النبوة‪ ،‬ونقول إنه بالحرى‬
‫العبث بالنجيل‪ .‬إن النجيل الذى نؤمن نحن المسلمين به والذى يغالط‬
‫المبشرون الكذابون فيحاولون أن يوهموا الغرار منا قائلين لهم إن المسلم‬
‫ل يكمل إيمانه إل باليمان بالناجيل الحالية‪ ،‬هذا النجيل ل علقة له بالناجيل‬
‫التى بين أيدينا الن‪ .‬إن الناجيل التى بين أيدينا شىء‪ ،‬والنجيل الذى نزل‬
‫جح‬‫على عيسى عليه السلم شىء آخر‪ .‬النجيل السماوى ضاع‪ ،‬وإن كنا نر ّ‬

‫‪194‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سب للمسيح فى الناجيل‬ ‫ى منه بعض العبارات التى ت ُن ْ َ‬ ‫ق َ‬ ‫أن يكون قد ب َ ِ‬


‫سَير‬ ‫سَير العيسوية تشبه ال ّ‬ ‫الحالية‪ ،‬أما ما نقرؤه الن فهو مجموعة من ال ّ‬
‫سَير الرسول‬ ‫النبوية لدينا‪ ،‬وإن لم تقم على نفس الساس الذى تقوم عليه ِ‬
‫عليه الصلة والسلم من الرغبة على القل فى التمحيص وإعلن أسماء‬
‫الرواة حتى يكون لدى من يهمه المر الفرصة للتحقق بنفسه من مدى‬
‫مصداقية هذه الروايات؟ وكيل يمارى القوم مراءهم المشهور فيقولوا إنه لم‬
‫يكن هناك إل هذه الناجيل التى بين أيدينا أنبه القراء إلى قول الكاتب ذاته ل‬
‫ن‬
‫م في المجامِع وُيعل ِ ُ‬ ‫ل‪ُ ،‬يعل ّ ُ‬ ‫ن َيسوع ُ َيسيُر في أنحاِء الجلي ِ‬ ‫قولى أنا‪" :‬وكا َ‬
‫ت"‪ .‬فأين ذلك النجيل الذى كان يعلنه عيسى عليه السلم‬ ‫ملكو ِ‬ ‫ل ال َ‬ ‫إنجي َ‬
‫ويعلمه للناس؟ اللهم إل إذا قيل‪ :‬لقد أكلته القطة!‬
‫الفصل الخامس‪:‬‬
‫"الموعظة على الجبل‬
‫خذ َ‬ ‫ه‪2 ،‬فأ َ‬ ‫س‪َ .‬فدنا إليهِ تلميذ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ل وجل َ‬ ‫َ‬ ‫صعِد َ إلى الجب َ ِ‬ ‫جموع َ َ‬ ‫ما رأى َيسوعُ ال ُ‬ ‫فل ّ‬
‫ت‪.‬‬ ‫سماوا ِ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ملكو َ‬ ‫ن لُهم َ‬ ‫ن في الّروِح‪ ،‬ل ّ‬ ‫ل‪3" :‬هنيئا للمساكي ِ‬ ‫ً‬ ‫مُهم قا َ‬ ‫ُيعل ّ ُ‬
‫ض‪6 .‬هنيًئا‬ ‫ن الر َ‬ ‫رثو َ‬ ‫ن‪5 .‬هنيًئا للوَُدعاِء‪ ،‬لن ُّهم ي َ ِ‬ ‫ن‪ ،‬لن ُّهم ُيعّزو َ‬ ‫محزوني َ‬ ‫‪4‬هنيًئا لل َ‬
‫ن‪.‬‬‫حماِء‪ ،‬لن ُّهم ُيرحمو َ‬ ‫ن‪7 .‬هنيًئا للُر َ‬ ‫ق‪ ،‬لن ُّهم ُيشَبعو َ‬ ‫ش إلى الح ّ‬ ‫جياِع والِعطا ِ‬ ‫لل ِ‬
‫م‪ ،‬لن ُّهم أبناءَ‬ ‫ّ ِ‬ ‫سل‬ ‫ال‬ ‫نعي‬ ‫ِ ِ‬ ‫لصا‬ ‫ئا‬ ‫ً‬ ‫هني‬ ‫‪9‬‬ ‫الله‪.‬‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫هدو‬ ‫ِ‬ ‫يشا‬ ‫ُّ ُ‬ ‫هم‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫ب‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫قلو‬ ‫ُ‬ ‫ال‬ ‫ِ‬ ‫ء‬ ‫لنقيا‬ ‫ئا‬‫ً‬ ‫هني‬ ‫‪8‬‬
‫ت‬‫ملكو َ‬ ‫ن لُهم َ‬ ‫ق‪ ،‬ل ّ‬ ‫ل الح ّ‬ ‫ن أج ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫مضط ََهدي َ‬ ‫ن‪10 .‬هنيًئا لل ُ‬ ‫عو َ‬ ‫الله ي ُد ْ َ‬
‫ل ك َِلم ِ‬
‫ة‬ ‫م ك َذًِبا ك ُ َ‬ ‫كم وقالوا عَليك ُ ْ‬ ‫كم وَاضط ََهدو ُ‬ ‫كم إذا عَّيرو ُ‬ ‫ت‪11 .‬هنيًئا ل ُ‬ ‫سماوا ِ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬
‫م‪ .‬هكذا‬ ‫ت عظي ٌ‬ ‫سماوا ِ‬ ‫كم في ال ّ‬ ‫ن أجَر ُ‬ ‫ن أجلي‪َ12 .‬افَرحوا وَابت َِهجوا‪ ،‬ل ّ‬ ‫م ْ‬ ‫سوٍء ِ‬
‫كم‪.‬‬ ‫َاضط ََهدوا النبياَء قبل ُ‬
‫َ‬
‫الملح والنور‪.‬‬
‫َ‬
‫ح إل ّ ل ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫مى‬ ‫ن ُير َ‬ ‫ه؟ ل َيصل ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫مل ُ‬ ‫ح‪َ ،‬فماذا ي ُ َ‬ ‫مل ُ‬ ‫سد َ ال ِ‬ ‫ض‪ ،‬فإذا ف َ‬ ‫ح الر ِ‬ ‫مل ُ‬ ‫‪"13‬أنُتم ِ‬
‫س‪.‬‬ ‫ه الّنا ُ‬ ‫س ُ‬ ‫في الخارِِج فيدو َ‬
‫ت‬ ‫ضعُ َتح َ‬ ‫ج ويو َ‬ ‫سرا ٌ‬ ‫ل‪15 ،‬ول ُيوقَد ُ ِ‬ ‫ة على جب َ ٍ‬ ‫فى مدين ٌ‬ ‫م‪ .‬ل َتخ َ‬ ‫َ‬
‫‪14‬أنُتم نوُر العال ِ‬
‫ت‪.‬‬ ‫م في الَبي ِ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫فِع حّتى ُيضيَء ِلجميِع اّلذي َ‬ ‫مرت َ ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫ن على مكا ٍ‬ ‫ل‪ ،‬ولك ِ ْ‬ ‫مكيا ِ‬ ‫ال ِ‬
‫جدوا‬ ‫م ّ‬ ‫ة وي ُ َ‬ ‫صاِلح َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫هدوا أعمالك ُ‬ ‫س لُيشا ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫م الّنا ِ‬ ‫دا َ‬ ‫ضىْء نوُركم هكذا ق ّ‬ ‫‪16‬فلي ُ ِ‬
‫ت‪.‬‬ ‫سماوا ِ‬ ‫م الذي في ال ّ‬ ‫أباك ُ ُ‬
‫الشريعة‪.‬‬
‫ل‪ ،‬بل‬ ‫لبط ِ َ‬ ‫ة وَتعاليم النبياِء‪ :‬ما جئت ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ع‬ ‫شري‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ط‬ ‫ُ‬
‫لب‬ ‫ت‬ ‫جئ‬ ‫ني‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫نوا‬ ‫ُ‬
‫‪"17‬ل ت َ ّ‬
‫ظ‬
‫ِ ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ ُ‬
‫ف واحد ٌ‬ ‫ل حر ٌ‬ ‫ض ل َيزو ُ‬ ‫ن َتزو َ‬ ‫لل ُ‬ ‫ل‪18 .‬الحقّ أقو ُ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫سماُء والر ُ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫كم‪ :‬إلى أ ْ‬ ‫لك ّ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫ف َوصي ّ ً‬ ‫ن خال َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل شيٍء‪19 .‬ف َ‬ ‫م كُ ّ‬ ‫شريعةِ حتى يت ِ ّ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ة واحدة ٌ ِ‬ ‫أو نقط ٌ‬
‫ت‬ ‫ملكو ِ‬ ‫ه‪ ،‬عُد ّ صغيًرا في َ‬ ‫مثل َ ُ‬ ‫ملوا ِ‬ ‫ن َيع َ‬ ‫سأ ْ‬ ‫م الّنا َ‬ ‫أصغَرِ هذِهِ الوصايا وعل ّ َ‬
‫ت‪.‬‬ ‫سماوا ِ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ملكو ِ‬ ‫ما في َ‬ ‫مها‪ ،‬فهوَ ي ُعَد ّ عظي ً‬ ‫ّ‬
‫ل ِبها وعَل َ‬ ‫م َ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ت‪ .‬وأ ّ‬ ‫سماوا ِ‬ ‫ال ّ‬
‫ن‪،‬‬ ‫فّريسّيي َ‬ ‫معَلمي الشريعةِ وال َ‬ ‫ّ‬ ‫قوى ُ‬ ‫كم ل َتفوقُ ت َ ْ‬ ‫ن كاَنت َتقوا ُ‬ ‫كم‪ :‬إ ْ‬ ‫لل ُ‬ ‫‪20‬أقو ُ‬
‫ت‪.‬‬ ‫سماوا ِ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ملكو َ‬ ‫خلوا َ‬ ‫لن َتد ُ‬
‫الغضب‪.‬‬
‫م القاضي‪.‬‬ ‫حك َ‬‫ْ‬ ‫ب ُ‬ ‫ج ْ‬ ‫ست َوْ ِ‬ ‫ل يَ ْ‬ ‫ن َيقت ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ل‪ ،‬ف َ‬ ‫ل لبائ ِكم‪ :‬ل َتقت ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ه ِقي َ‬ ‫معُتم أن ّ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫‪َ "21‬‬
‫ن قا َ‬
‫ل‬ ‫م ْ‬ ‫م القاضي‪ ،‬و َ‬ ‫حك َ‬ ‫ب ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ب على أخيهِ اسَتو َ‬ ‫َ‬ ‫ض َ‬ ‫ن غَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل لكم‪َ :‬‬ ‫ُ‬ ‫ما أنا فأقو ُ‬ ‫‪22‬أ ّ‬
‫ب ناَر‬ ‫ج َ‬ ‫َ‬
‫ل له‪ :‬يا أحمقُ استو َ‬ ‫َ‬ ‫ن قا َ‬ ‫م ْ‬ ‫س‪ ،‬و َ‬ ‫َ‬ ‫ه‪ :‬يا جاه ُ‬
‫م المجل ِ ِ‬ ‫حك َ‬ ‫ب ُ‬ ‫ل استوج َ‬ ‫لخي ِ‬
‫م‪.‬‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫َ‬

‫)‪(18 /‬‬

‫‪195‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ك‪،‬‬ ‫ك شيًئا علي َ‬ ‫ن لخي َ‬ ‫كأ ّ‬ ‫هنا َ‬ ‫ت ُ‬ ‫كر َ‬ ‫مذب َِح وتذ ّ‬ ‫ك إلى ال َ‬ ‫م ُقربان َ َ‬ ‫قد ّ ُ‬ ‫ت تُ َ‬ ‫كن َ‬ ‫‪23‬وإذا ُ‬
‫دم‬ ‫ل وقَ ّ‬ ‫م َتعا َ‬ ‫ك‪ ،‬ث ُ ّ‬ ‫ح أخا َ‬ ‫ب أوّل ً وصال ِ ْ‬ ‫ك‪ ،‬وَاذهَ ْ‬ ‫هنا َ‬ ‫مذب َِح ُ‬ ‫عند َ ال َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ك ُقربان َ َ‬ ‫‪24‬فَاتُر ْ‬
‫ق‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫م َ‬ ‫ُقربان َ َ‬
‫ه في الطري ِ‬ ‫ت معَ ُ‬ ‫م َ‬ ‫د‪ ،‬فسارِع ْ إلى إْرضائ ِهِ ما د ُ ْ‬ ‫ح ٌ‬ ‫كأ َ‬ ‫ص َ‬ ‫ك‪25.‬وإذا خا َ‬
‫شرطي‪ ،‬فَُتلقى في‬ ‫م إلى القاضي‪ ،‬والقاضي إلى ال ّ‬ ‫خص ُ‬ ‫مك ال َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ِلئل ّ ي ُ َ‬
‫م‪.‬‬‫خَر ِدرهَ ِ‬ ‫يآ ِ‬ ‫ك حّتى ُتوف َ‬ ‫هنا َ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫ك‪ :‬لن تخُر َ‬ ‫لل َ‬ ‫ن‪26 .‬الحقّ أقو ُ‬ ‫سج ِ‬ ‫ال ّ‬
‫الزنى‪.‬‬
‫ة‬
‫ن نظَر إلى امرأ ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫كم‪َ :‬‬ ‫لل ُ‬ ‫ما أنا فأقو ُ‬ ‫ن‪28 .‬أ ّ‬ ‫ل‪ :‬ل َتز ِ‬ ‫ه قي َ‬ ‫م أن ّ ُ‬ ‫معت ُ ْ‬ ‫‪"27‬وس ِ‬
‫قها‬ ‫ْ‬
‫خطأ‪ ،‬فاقلْعها وأل ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫عيُنك الُيمَنى ت َ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫جعَلت ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ه‪29 .‬فإذا َ‬ ‫ل َِيشَتهَيها‪َ ،‬زنى ِبها في قلب ِ ِ‬
‫ه في‬ ‫ّ‬
‫ك ك ُل ُ‬ ‫جسد ُ َ‬ ‫قى َ‬ ‫ك ول ُيل َ‬ ‫ن أعضائ ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫وا ِ‬ ‫عض ً‬ ‫قد َ ُ‬ ‫ن َتف ِ‬ ‫كأ ْ‬ ‫خيٌر ل َ‬ ‫ه َ‬ ‫ك‪ ،‬لن ّ ُ‬ ‫عن َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫خيٌر ل َ‬ ‫قها عن َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ك يد ُ َ‬ ‫جعَلت ْ َ‬ ‫َ‬
‫ه َ‬ ‫ك‪ ،‬لن ّ ُ‬ ‫ك الُيمَنى َتخطأ‪ ،‬فاقطْعها وأل ِ‬ ‫م‪30 .‬وإذا َ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫َ‬
‫م‪.‬‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫سد ُك كله إلى َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫بج َ‬ ‫ن أعضائ ِك ول يذهَ ُ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫وا ِ‬ ‫عض ً‬ ‫قد َ ُ‬ ‫ن َتف ِ‬ ‫أ ْ‬
‫الطلق‪.‬‬
‫ل لكم‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ما أنا فأقو ُ‬ ‫ق‪32 .‬أ ّ‬ ‫ب طل ٍ‬ ‫َ‬ ‫كتا َ‬ ‫طها ِ‬ ‫ه‪ ،‬فلُيع ِ‬ ‫ْ‬ ‫ن طلقَ امرأت َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫ضا‪َ :‬‬ ‫ل أي ً‬ ‫‪"31‬وِقي َ‬
‫ة زَنى‪.‬‬ ‫مطلق ً‬ ‫ّ‬ ‫ج ُ‬ ‫ن َتزوّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه إل في حالةِ الّزَنى يجعلها ت َْزني‪ ،‬و َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ن طل ّقَ امرأت َ ُ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫حلف اليمين‪.‬‬
‫ما أنا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ب ُنذوَرك‪34 .‬أ ّ‬ ‫ف للّر ّ‬ ‫ف‪ ،‬بل أو ِ‬ ‫ه قيل لبائ ِكم‪ :‬ل تحل ِ ْ‬ ‫م أن ّ ُ‬ ‫معْت ُ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫‪"33‬و َ‬
‫ض لّنها‬ ‫بالر‬ ‫ول‬ ‫‪35‬‬ ‫الله‪،‬‬ ‫ش‬‫ُ‬ ‫عر‬ ‫نها‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ء‬ ‫سما‬ ‫ّ‬ ‫بال‬ ‫ل‬ ‫قا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫مط‬ ‫ُ‬ ‫لفوا‬ ‫َ ِ‬ ‫تح‬ ‫ل‬ ‫كم‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫فأقو ُ‬
‫ل‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫ف‬ ‫م‪36 .‬ول تحل ِ ْ‬ ‫ك العظي ِ‬ ‫مل ِ ِ‬ ‫ة ال َ‬ ‫م لّنها مدين ُ‬ ‫ه‪ ،‬ول بأوُرشلي َ‬ ‫مي ْ ِ‬ ‫طىُء قد َ َ‬ ‫مو ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫فلي‬ ‫‪37‬‬ ‫ء‪.‬‬ ‫َ‬ ‫سودا‬ ‫أو‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫بيضا‬ ‫ه‬ ‫من‬ ‫ً‬ ‫ة‬ ‫واحد‬ ‫ً‬ ‫ة‬ ‫عر‬ ‫ش‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫تجع‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫ر‬ ‫د‬ ‫تق‬ ‫ل‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫ك‪،‬‬ ‫َ‬ ‫س‬ ‫برأ ْ‬
‫ْ‬ ‫ِ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُِ ْ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ ِ‬
‫ر‪.‬‬
‫ّ ِ‬ ‫ري‬ ‫ش‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫فه‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ذ‬ ‫على‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫زا‬ ‫وما‬ ‫"ل"‪،‬‬ ‫أو‬ ‫م"‬ ‫َ ْ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫"‬ ‫كم‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫م‬
‫كل ُ‬
‫النتقام‪.‬‬
‫كم‪ :‬ل ُتقاِوموا‬ ‫لل ُ‬ ‫ما أنا فأقو ُ‬ ‫ن‪39 .‬أ ّ‬ ‫س ّ‬ ‫نب ِ‬ ‫س ّ‬ ‫نو ِ‬ ‫ن ب َِعي ٍ‬ ‫عي ٌ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫ه ِقي َ‬ ‫م أن ّ ُ‬ ‫معْت ُ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫‪َ "38‬‬
‫ن أراد َ‬ ‫م ْ‬ ‫خَر‪40 .‬و َ‬ ‫ل له ال َ‬ ‫َ‬ ‫حوّ ْ‬ ‫ن‪ ،‬ف َ‬ ‫خد ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ك الْيم ِ‬ ‫ك على َ‬ ‫ن لط َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ُيسيُء إليكم‪َ .‬‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ي‬
‫َ‬ ‫تمش‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫أ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ر‬ ‫ََ‬ ‫خ‬
‫ّ‬ ‫س‬
‫َ‬ ‫ن‬ ‫َ ْ‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫‪41‬‬ ‫ضا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أي‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫ردا‬ ‫ِ‬ ‫له‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ر‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ا‬ ‫ف‬ ‫ك‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ثو‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫خ‬
‫ُ‬ ‫ليأ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ص‬
‫ِ‬ ‫يخا‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫أ‬
‫ن أراد َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه‪ ،‬و َ‬ ‫منك شيًئا فأعط ِ‬ ‫َ‬ ‫ب ِ‬ ‫ن طل َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫ميلْين‪َ 42 .‬‬ ‫َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ش معَ ُ‬ ‫َ‬
‫دا‪ ،‬فام ِ‬ ‫ميل واح ً‬ ‫ه ِ‬ ‫معَ ُ‬
‫َ‬
‫منك شيًئا فل تُرد ّه ُ خائ ًِبا‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ن َيستعيَر ِ‬ ‫أ ْ‬
‫محبة العداء‪.‬‬
‫حّبوا‬ ‫ما أنا فأقول لكم‪ :‬أ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ض عَد ُوّك‪44 .‬أ ّ‬ ‫َ‬ ‫ب قريب َك وأبغِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ِقيل‪ :‬أ ِ‬ ‫َ‬ ‫معُتم أن ّ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫‪َ "43‬‬
‫م الذي في‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ضطِهدونكم‪45 ،‬فتكونوا أبناَء أبيك ُ‬ ‫ني ْ‬ ‫ل الذي َ‬ ‫صلوا لج ِ‬ ‫أعداَءكم‪ ،‬و َ‬
‫ن‪ ،‬وُيمط ُِر على البراِر‬ ‫صالحي َ‬ ‫ه على الشرارِ وال ّ‬ ‫س ُ‬ ‫م َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ت‪ .‬فهوَ ُيطل ِعُ َ‬ ‫سماوا ِ‬ ‫ال ّ‬
‫جباةُ‬ ‫ل ُ‬ ‫م ُ‬ ‫كم‪ ،‬فأيّ أجرٍ لكم؟ أما يع َ‬ ‫ن ُيحّبون ُ‬ ‫ن اّلذي َ‬ ‫حّبو َ‬ ‫كنُتم ت ُ ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫ن‪46 .‬فإ ْ‬ ‫ظالمي َ‬ ‫وال ّ‬
‫ملُتم أكثَر‬ ‫كم‪ ،‬فماذا ع ِ‬ ‫ن إل ّ على إخوَت ِ ُ‬ ‫ن كنُتم ل ُتسّلمو َ‬ ‫ضراِئب هذا؟ ‪47‬وإ ْ‬ ‫ال ّ‬
‫ن أباك ُ ُ‬
‫م‬ ‫ن‪ ،‬كما أ ّ‬ ‫ن هذا؟ ‪48‬فكونوا أنُتم كاملي َ‬ ‫ل الوََثنّيو َ‬ ‫م ُ‬ ‫كم؟ أما يع َ‬ ‫غيرِ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ل"‪.‬‬ ‫م ٌ‬ ‫سماويّ كا ِ‬ ‫ّ‬ ‫ال‬

‫)‪(19 /‬‬

‫ل شك على الطلق فى حلوة الكلم تحت العنوان الول والثانى وعظمته‪،‬‬


‫وهو جدير فعل بأن يكون صادرا عن السيد المسيح‪ ،‬إن لم يكن بالفعل‬
‫شَبه‪ .‬كما أرجو أن يتنبه القارئ لتكرار الشارة فى كلم السيد‬ ‫فبالقوة وال ّ‬
‫المسيح عليه السلم إلى النبياء‪ ،‬بما يدل على أننا هنا بإزاء واحد منهم‪ :‬نبى‬
‫من أنبياء الله ل ابن من أبنائه! تعالى الله عن ذلك الشرك! لكن الوضع‬
‫فر )منه لله!( ينسب‬
‫س ْ‬
‫يختلف مع بدء الكلم عن الشريعة‪ .‬لماذا؟ لن كاتب ال ّ‬
‫للسيد المسيح عليه السلم كلما‪ ،‬ليجعله عقب ذلك أول ناقض له‪ .‬خذ مثل‬

‫‪196‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل‪ ،‬بل‬ ‫لبط ِ َ‬ ‫ة وَتعاليم النبياِء‪ :‬ما جئت ُ‬ ‫شريعَ َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫لبط ِ َ‬ ‫قوله‪" :‬ل ت َظ ُّنوا أّني جئت ُ‬
‫ِ ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ ُ‬
‫ف واحد ٌ‬ ‫ض ل َيزول حر ٌ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ل‪18 .‬الحقّ أقو ُ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫سماُء والر ُ‬ ‫ن َتزول ال ّ‬ ‫ل لكم‪ :‬إلى أ ْ‬ ‫لك ّ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫ف َوصي ّ ً‬ ‫ن خال َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل شيٍء‪19 .‬ف َ‬ ‫م كُ ّ‬ ‫شريعةِ حتى يت ِ ّ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ة واحدة ٌ ِ‬ ‫أو نقط ٌ‬
‫ت‬ ‫ِ‬ ‫ملكو‬ ‫َ‬ ‫في‬ ‫را‬ ‫ً‬ ‫صغي‬ ‫د‬ ‫ع‬
‫ِ ُ ُ ّ‬ ‫ه‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫مث‬ ‫ملوا‬ ‫يع‬
‫َ ّ َ ْ َ َ‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫س‬ ‫نا‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وع‬ ‫الوصايا‬ ‫أصغَرِ ه ِ ِ‬
‫ه‬ ‫ذ‬
‫ت‬ ‫ملكو ِ‬ ‫ما في َ‬ ‫مها‪ ،‬فهوَ ي ُعَد ّ عظي ً‬ ‫ل ِبها وعَل ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ت‪ .‬وأ ّ‬ ‫سماوا ِ‬ ‫ال ّ‬
‫ت"‪ .‬فمن يقرأ هذا الكلم سوف يتوهم أنه عليه السلم لم يغير شيئا‬ ‫سماوا ِ‬ ‫ال ّ‬
‫أى شىء فى الشريعة التى جاء بها موسى‪ ،‬لكنه ما إن يمضى فى القراءة‬
‫ل‪،‬‬ ‫كم‪ :‬ل َتقت ُ ْ‬ ‫ل لبائ ِ ُ‬ ‫ه ِقي َ‬ ‫معُتم أن ّ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫بضع كلمات حتى تتبين له الحقيقة المرة‪َ " :‬‬
‫ب على‬ ‫ض َ‬ ‫ن غَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫كم‪َ :‬‬ ‫لل ُ‬ ‫ما أنا فأقو ُ‬ ‫م القاضي‪22 .‬أ ّ‬ ‫حك ْ َ‬ ‫ب ُ‬ ‫ج ْ‬ ‫ست َوْ ِ‬ ‫ل يَ ْ‬ ‫ن َيقت ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ف َ‬
‫م‬‫حك َ‬ ‫ب ُ‬ ‫ل استوج َ‬ ‫َ‬ ‫ه‪ :‬يا جاه ُ‬ ‫ل لخي ِ‬ ‫ن قا َ‬ ‫م ْ‬ ‫م القاضي‪ ،‬و َ‬ ‫حك َ‬ ‫ب ُ‬ ‫ج َ‬ ‫أخيهِ اسَتو َ‬ ‫َ‬
‫ل‪ :‬ل‬ ‫ه قي َ‬ ‫م أن ّ ُ‬ ‫معت ُ ْ‬ ‫م‪ ...‬وس ِ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫ب ناَر َ‬ ‫ج َ‬ ‫ل له‪ :‬يا أحمقُ استو َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن قا َ‬ ‫م ْ‬ ‫س‪ ،‬و َ‬ ‫المجل ِ ِ‬
‫ه‪.‬‬ ‫ن نظَر إلى امرأةٍ ل َِيشَتهَيها‪َ ،‬زنى ِبها في قلب ِ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬‫ل لكم‪َ :‬‬ ‫ُ‬ ‫م? أنا فأقو ُ‬ ‫ن‪28 .‬أ ّ‬ ‫َتز ِ‬
‫قد َ‬‫ن َتف ِ‬ ‫خيٌر لك أ ْ‬ ‫َ‬ ‫ه َ‬ ‫عنك‪ ،‬لن ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫قها َ‬ ‫ْ‬
‫خطأ‪ ،‬فاقلْعها وأل ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫عيُنك الُيمَنى ت َ ْ‬ ‫َ‬
‫جعَلت ْك َ‬ ‫َ‬ ‫‪29‬فإذا َ‬
‫ق‬
‫ن طل َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫ضا‪َ :‬‬ ‫ل أي ً‬ ‫م‪ .‬وِقي َ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫ه في َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫جسد ُك كل ُ‬ ‫َ‬ ‫قى َ‬ ‫ن أعضائ ِك ول ُيل َ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫وا ِ‬ ‫عض ً‬ ‫ُ‬
‫ه إل في‬ ‫ّ‬ ‫ن طلقَ امرأت َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫ما أنا فأقول لكم‪َ :‬‬ ‫ُ‬ ‫ق‪32 .‬أ ّ‬ ‫ب طل ٍ‬ ‫َ‬ ‫كتا َ‬ ‫طها ِ‬ ‫ه‪ ،‬فلُيع ِ‬ ‫ْ‬ ‫َامرأت َ ُ‬
‫كم‪ :‬ل‬ ‫ل لبائ ِ ُ‬ ‫ه قي َ‬ ‫م أن ّ ُ‬ ‫معْت ُ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ة زَنى‪ .‬و َ‬ ‫مطّلق ً‬ ‫ج ُ‬ ‫ن َتزوّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫حال َةِ الّزَنى يجعُلها ت َْزني‪ ،‬و َ‬
‫قا‪ ،‬ل‬ ‫مطل َ ً‬ ‫لل ُ‬ ‫ما أنا فأقو ُ‬ ‫ب ُنذوَر َ‬ ‫َ‬
‫كم‪ :‬ل َتحِلفوا ُ‬ ‫ك‪34 .‬أ ّ‬ ‫ف للّر ّ‬ ‫ف‪ ،‬بل أو ِ‬ ‫تحل ِ ْ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫ه‪ ،‬ول بأوُرشلي َ‬ ‫مي ْ ِ‬ ‫طىُء قد َ َ‬ ‫مو ِ‬ ‫ض لّنها َ‬ ‫ش الله‪35 ،‬ول بالر ِ‬ ‫سماِء لّنها عر ُ‬ ‫بال ّ‬
‫شْعرةً‬ ‫ل َ‬ ‫ن َتجع َ‬ ‫ك‪ ،‬لن ّ َ‬ ‫س َ‬ ‫ْ‬
‫ك ل َتقدُِر أ ْ‬ ‫ف بَرأ ِ‬ ‫م‪36 .‬ول تحل ِ ْ‬ ‫ك العظي ِ‬ ‫مل ِ ِ‬ ‫ة ال َ‬ ‫لّنها مدين ُ‬
‫م" أو "ل"‪ ،‬وما زاد َ على‬ ‫كم‪" :‬ن َعَ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ن كل ُ‬ ‫ه بيضاَء أو سوداَء‪37 .‬فليك ُ ْ‬ ‫من ُ‬ ‫واحدة ً ِ‬
‫ما أنا‬ ‫ن‪39 .‬أ ّ‬ ‫س ّ‬ ‫نب ِ‬ ‫س ّ‬ ‫نو ِ‬ ‫ن ب َِعي ٍ‬ ‫عي ٌ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫ه ِقي َ‬ ‫م أن ّ ُ‬ ‫معْت ُ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ر‪َ .‬‬ ‫شّري ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ك فهوَ ِ‬ ‫ذل ِ َ‬
‫حو ّ ْ‬
‫ل‬ ‫ن‪ ،‬ف َ‬ ‫خد ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ُيسيُء إلي ُ‬ ‫لل ُ‬ ‫فأقو ُ‬
‫ك الْيم ِ‬ ‫ك على َ‬ ‫ن لط َ‬ ‫م ْ‬ ‫كم‪َ .‬‬ ‫م ْ‬ ‫كم‪ :‬ل ُتقاِوموا َ‬
‫خَر"‪.‬‬ ‫َله ال َ‬
‫والن أليس هذا هو نقض الشريعة بقضه وقضيضه؟ أليس قد قال عليه‬
‫السلم شيئا ثم عمل عكسه تماما؟ أما نحن المسلمين فنبرئ المسيح من‬
‫مثل هذا السلوك‪ ،‬إذ ل يعقل أن يقول نبى من أنبياء الله الكرام شيئا ويكون‬
‫هو أول من ينقضه! وهذا هو النسخ‪ ،‬الذى يأخذه أوغاد المهجر على السلم‪،‬‬
‫لكن نسخ السلم هو نسخ التدرج‪ ،‬أما هنا فالنسخ يتخذ صورة الهدم والمحو‬
‫الفجائى دون تمهيد ول تنبيه‪ ،‬كما أنه يتسم بالكذب والخداع‪ ،‬أو بالهوائية على‬
‫القل! ومن النسخ فى الناجيل أيضا أن السيد المسيح يرفض فى البداية‬
‫سل لهم وحدهم‬ ‫ُ‬
‫شفاء ابنة الكنعانية لنها ليست من بنى إسرائيل‪ ،‬وهو إنما أْر ِ‬
‫ل إلى الكنعانيين ول غير الكنعانيين‪ ،‬ثم سرعان ما رأيناه يستجيب بعد أخذ‬
‫ورد وإلحاح وتذلل مهين من المرأة فيشفى لها ابنتها ناعتا إياها بقوة اليمان‪.‬‬
‫ثم جاء بولس فأجهز على القليل الباقى فلم يعد للشريعة بعدها من أثر‪ ،‬ومع‬
‫ذلك يظلون يرددون فى سماجة ل نظير لها أن السلم هو وحده الدين الذى‬
‫يقوم على الناسخ والمنسوخ‪ ،‬وأنه عيب ل يليق بدين من الديان السماوية‪.‬‬
‫اللهم إل إذا كان قصدهم أن دينهم‪ ،‬لكونه ليس من لدن رب العالمين‪ ،‬فإنه ل‬
‫يعيبه أن يكون فيه ناسخ ومنسوخ‪ ،‬ول أن يكون الناسخ والمنسوخ فيه قائما‬
‫على الكذب والهوائية! أما إذا كان المر هو ذاك فليس لدىّ حينئذ أدنى‬
‫اعتراض‪ ،‬لن هذا هو رأيى فعل!‬

‫)‪(20 /‬‬

‫‪197‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ب الوصايا المثالية‬ ‫كذلك لست أظن إل أن القارئ قد لحظ باستغرا ٍ‬


‫المتشنجة التى تضمنتها تلك الموعظة والتى ل تناسب الحياة البشرية على‬
‫الطلق‪ ،‬إذ إننا ل نعيش فى مجتمع من مجتمعات الملئكة رغم تطلعنا إلى‬
‫الكمال والسكينة والعدل والتراحم والتسامح‪ ،‬بل فى مجتمع بشرى تحركه‬
‫الغرائز والشهوات‪ ،‬وتتحكم فى تصرفات أفراده ألوان من الضعف والعجز‬
‫ل تلك‬ ‫والخوف والشك والقلق والتطلع والطمع‪ ...‬إلخ‪ ،‬وهو ما ل يناسبه بحا ٍ‬
‫النبرة المتشنجة التى ل يمكن أحدا الوفاء بها ول المسيح نفسه‪ :‬فهو مثل قد‬
‫نهى عن شتم الخرين ولو بكلمة "يا أحمق" وجعل عقابها عند الله كبيرا‪،‬‬
‫ومع ذلك فما أكثر المرات التى كال فيها عليه السلم السباب لليهود من‬
‫ن التى‬ ‫َ‬
‫معَ المد َ‬ ‫س َ‬ ‫فريسيين وصدوقيين وكهنة‪ ،‬وكذلك لتلميذه الحواريين‪ ،‬وأ ْ‬
‫ن التي أجرى فيها أكثَر‬ ‫مد ُ َ‬ ‫ب ال ُ‬ ‫خذ َ َيسوع ُ ي ُؤَن ّ ُ‬ ‫خ له قارص القول‪20" :‬وأ َ‬ ‫ص ْ‬ ‫لم ت ُ ِ‬
‫ت‬ ‫ك يا بي َ‬ ‫لل ِ‬ ‫ن! الوي ُ‬ ‫ك يا كوَرزي َ‬ ‫لل ِ‬ ‫ل‪" :‬الوي ُ‬ ‫ب أهلها‪21 ،‬فقا َ‬ ‫ُ‬ ‫معجزات ِهِ وما تا َ‬ ‫ُ‬
‫ب‬ ‫ت في صوَر وصيدا‪ ،‬لتا َ‬ ‫ت فيكما جَر ْ‬ ‫ت التي جَر ْ‬ ‫معجزا ُ‬ ‫ت ال ُ‬ ‫صيدا! فلو كان ِ‬
‫ل لكم‪:‬‬ ‫ح وقَعدوا على الرماِد‪22 .‬لكّني أقو ُ‬ ‫ن بعيدٍ ولِبسوا المسو َ‬ ‫ُ‬
‫أهلها من زم ٍ‬
‫ت‬‫كما‪23 .‬وأن ِ‬ ‫ب أكثَر َاحتمال ً من مصيرِ ُ‬ ‫حسا ِ‬ ‫م ال ِ‬ ‫ن مصيُر صوَر وصيدا يو َ‬ ‫سيكو ُ‬
‫ن‪ .‬فلو جَرى في‬ ‫َ‬ ‫ستهُبطي َ‬ ‫جحيم ِ َ‬ ‫سماِء؟ ل‪ ،‬إلى ال َ‬ ‫ن إلى ال ّ‬ ‫م! أَترَتفعي َ‬ ‫فَر ناحو ُ‬ ‫يا ك َ ْ‬
‫كم‪:‬‬ ‫لل ُ‬ ‫م‪24 .‬لكّني أقو ُ‬ ‫ت إلى اليو ِ‬ ‫قي َ ْ‬ ‫ت‪ ،‬لب َ ِ‬ ‫جزا ِ‬ ‫مع ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫م ما جَرى في ِ‬ ‫سدو َ‬ ‫َ‬
‫ك" )متى‪.(11 /‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ر‬ ‫مصي‬ ‫ِ ْ َ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ً‬ ‫ل‬ ‫تما‬ ‫ِ‬ ‫اح‬ ‫َ‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫أكث‬ ‫ب‬ ‫ِ‬ ‫حسا‬ ‫ِ‬ ‫ال‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫يو‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫سدو‬ ‫ر‬‫ُ‬ ‫مصي‬ ‫ن‬‫ُ‬ ‫سيكو‬
‫ضَرب به المثال فى الوداعة‬ ‫ُ ْ‬ ‫ت‬ ‫الذى‬ ‫عيسى‬ ‫هو‬ ‫أهذا‬ ‫ليتساءل‪:‬‬ ‫النسان‬ ‫وإن‬
‫والطيبة وحب السلم؟ فما بالنا لو عرفنا بم رد على أحدهم حين أخبره أن‬
‫أمه وإخوته يريدون أن ي ََرْوه بالخارج؟ وما الذى قاله فى تلك الم وأولئك‬
‫الخوة؟ أو لو عرفنا ما الذى قاله عندما ظن الناس أنه قد أتى بدعوة السلم‬
‫والسكينة فأكد لهم أنه لم يأت ليلقى سلما على الرض بل نارا وسيفا‪ ،‬وأنه‬
‫إنما جاء ليفّرق بين أفراد السرة الواحدة ويبث بينهم العداوة والبغضاء؟ ل‬
‫ليس هذا هو عيسى الذى عمل القوم على تسويقه رغم أن الصورة التى‬
‫ترسمها له أناجيلهم المؤلفة تختلف عن ذلك اختلفا بعيدا ل يمكن معه‬
‫التوفيق بين الصل والصورة!‬
‫الفصل السادس‪:‬‬
‫الصدقة‬
‫عند َ أبيك ُُ‬
‫م‬ ‫ِ‬ ‫كم‬‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫أج‬ ‫فل‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وإ‬ ‫كم‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫هدو‬ ‫ِ‬ ‫يشا‬ ‫ل‬ ‫س‬
‫َ ّ ِ ُ‬ ‫نا‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫أما‬ ‫ر‬
‫َ َ‬ ‫خي‬ ‫ال‬ ‫ملوا‬ ‫َ‬ ‫تع‬ ‫ن‬ ‫م ْ‬‫أ‬ ‫"إّياك ُ ْ‬
‫ت‪.‬‬ ‫سماوا ِ‬ ‫اّلذي في ال ّ‬
‫ن في المجامِع‬ ‫مراؤو َ‬ ‫ل ال ُ‬ ‫م ُ‬ ‫مثَلما َيع َ‬ ‫مْر ِ‬ ‫ل ول ُتز ّ‬ ‫د‪ ،‬فل ت ُط َب ّ ْ‬ ‫ت إلى أح ٍ‬ ‫سن ْ َ‬ ‫‪2‬فإذا أح َ‬
‫ما‬‫هم‪3 .‬أ ّ‬ ‫خذوا أجَر ُ‬ ‫كم‪ :‬هؤلِء أ َ‬ ‫لل ُ‬ ‫س‪ .‬الحقّ أقو ُ‬ ‫م الّنا ُ‬ ‫حهُ ُ‬ ‫والشوارِع حتى َيمد َ َ‬
‫ك‪4 ،‬حتى‬ ‫ل يمين ُ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ف ما تع َ‬ ‫ك َتعرِ ُ‬ ‫شمال َ‬‫َ‬ ‫ل ِ‬ ‫جعَ ْ‬ ‫ت إلى أحد ٍ فل ت َ ْ‬ ‫ت‪ ،‬فإذا أحسن َ‬ ‫أن َ‬
‫ك‪.‬‬ ‫خفي َةِ هوَ ُيكافِئ ُ َ‬ ‫ك الذي يرى في ال ِ‬ ‫ة‪ ،‬وأبو َ‬ ‫في َ ِ‬ ‫خ ْ‬ ‫ك في ال ِ‬ ‫ن إحسان ُ َ‬ ‫يكو َ‬
‫الصلة والصوم‪.‬‬
‫مِع‬ ‫مجا ِ‬ ‫ن في ال َ‬ ‫صلةَ قاِئمي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫حّبو َ‬ ‫ن‪ ،‬ي ُ ِ‬ ‫مرائي َ‬ ‫ل ال ُ‬ ‫مث َ‬ ‫م‪ ،‬فل تكونوا ِ‬ ‫صّليت ُ ْ‬ ‫‪"5‬وإذا َ‬
‫ما‬ ‫هم‪6 .‬أ ّ‬ ‫ؤلِء أخذوا أجَر ُ‬ ‫ل لكم‪ :‬ه ُ‬ ‫ُ‬ ‫س‪ .‬الحقّ أقو ُ‬ ‫م الّنا ُ‬ ‫ق لُيشاهِد َهُ ُ‬ ‫ق الطُر ِ‬ ‫ّ‬ ‫مفارِ ِ‬ ‫و َ‬
‫ن‪،‬‬ ‫عي ٌ‬ ‫ل لبيك الذي ل َتراه ُ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ص ٌ‬ ‫غرفَت َك وأغل ِقْ باَبها و َ‬ ‫َ‬ ‫ل ُ‬ ‫خ ْ‬ ‫ت فاد ُ‬ ‫َ‬ ‫صلي َ‬ ‫ّ‬ ‫ت‪ ،‬فإذا َ‬ ‫أن َ‬
‫في َةِ هوَ ُيكافِئ ُك‪َ.‬‬ ‫خ ْ‬ ‫وأبوك الذي َيرى في ال ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ب‬‫ن الله َيسَتجي ُ‬ ‫نأ ّ‬ ‫ن‪ ،‬ي َظّنو َ‬ ‫ُ‬ ‫وثنّيي َ‬ ‫ل ال َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫صلوات ِكم ِ‬ ‫ُ‬ ‫م َترداًدا في َ‬ ‫‪7‬ول ت َُرّددوا الكل َ‬
‫ه‬
‫ن إلي ِ‬ ‫َ‬ ‫ف ما َتحتاجو َ‬ ‫ن الله أباكم َيعرِ ُ‬ ‫ُ‬ ‫مثلُهم‪ ،‬ل ّ‬ ‫َ‬ ‫مِهم‪8 .‬ل تكونوا ِ‬ ‫كثرةِ كل ِ‬ ‫لُهم ل ِ َ‬
‫س‬
‫ت‪ ،‬ليَتقد ّ ِ‬ ‫سماوا ِ‬ ‫ة‪ :‬أبانا اّلذي في ال ّ‬ ‫صل َ‬ ‫ه‪9 .‬فصّلوا أنُتم هذِهِ ال ّ‬ ‫ن تسألو ُ‬ ‫لأ ْ‬ ‫َقب َ‬
‫طنا‬‫سماِء‪11 .‬أع ِ‬ ‫ض كما في ال ّ‬ ‫ك في الر ِ‬ ‫ن مشيئت ُ َ‬ ‫ك لتك ُ ْ‬ ‫ملكوت ُ َ‬ ‫ت َ‬ ‫ك ‪10‬ليأ ِ‬ ‫م َ‬ ‫َاس ُ‬

‫‪198‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫خْلنا‬ ‫ن إَلينا‪13 ،‬ول ُتد ِ‬ ‫مذِنبي َ‬


‫ن ِلل ُ‬‫فرنا َنح ُ‬ ‫فْر لنا ُذنوَبنا كما غَ َ‬ ‫ي‪12 ،‬وَاغ ِ‬ ‫خبَزنا الَيوم ّ‬ ‫ُ‬
‫فْر‬ ‫ّ‬
‫س َزلت ِِهم‪َ ،‬يغ ِ‬ ‫ن ِللّنا ِ‬ ‫فرو َ‬‫ن كنُتم َتغ ِ‬‫ُ‬ ‫ر‪14 .‬فإ ْ‬ ‫شّري ِ‬‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫جنا ِ‬ ‫نن ّ‬ ‫ة‪ ،‬لك ْ‬ ‫في الّتجرِب َ ِ‬
‫فُر‬ ‫ّ‬
‫س زلت ِِهم‪ ،‬ل َيغ ِ‬ ‫ن ِللّنا ِ‬ ‫فرو َ‬ ‫ن كنُتم ل َتغ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫سماويّ زلت ِكم‪15 .‬وإ ْ‬ ‫ّ‬ ‫م ال ّ‬ ‫كم أبوك ُ ُ‬ ‫ل ُ‬
‫كم‪.‬‬ ‫سماويّ زل ّت ِ ُ‬ ‫م ال ّ‬ ‫كم أبوك ُ ُ‬ ‫ل ُ‬
‫ة‬
‫ح ً‬‫ن وجوهَُهم كال ِ َ‬ ‫ن‪َ ،‬يجعلو َ‬ ‫مرائي َ‬ ‫ل ال ُ‬ ‫مث َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م‪ ،‬فل تكونوا عاِبسي َ‬ ‫مت ُ‬ ‫ص ْ‬ ‫‪16‬وإذا ُ‬
‫ما‬ ‫هم‪17 .‬أ ّ‬ ‫ؤلِء أخذوا أجَر ُ‬ ‫كم‪ :‬ه ُ‬ ‫لل ُ‬ ‫ن‪ .‬الحقَ أقو ُ‬ ‫س أن ُّهم صاِئمو َ‬ ‫لُيظِهروا ِللّنا ِ‬
‫س أن ّ َ‬
‫ك‬ ‫شعَر َ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬ ‫ل وجهَ َ‬ ‫س ْ‬ ‫َ‬
‫ك‪18 ،‬حّتى ل َيظهََر ِللّنا ِ‬ ‫ك وادهَ ْ‬ ‫ت فاغ ِ‬ ‫صم َ‬ ‫ت‪ ،‬فإذا ُ‬ ‫أن َ‬
‫ك‪.‬‬ ‫في َةِ هوَ ُيكافِئ ُ َ‬
‫خ ْ‬
‫ك الذي َيرى في ال ِ‬ ‫ّ‬ ‫ن‪ ،‬وأبو َ‬ ‫عي ٌ‬
‫ك الذي ل َتراه ُ َ‬ ‫ّ‬ ‫م‪ ،‬بل لبي َ‬ ‫صائ ِ ٌ‬
‫الغنى‪.‬‬

‫)‪(21 /‬‬

‫ل شيٍء‪،‬‬ ‫صد َأ ُ ك ُ َ‬ ‫س وال ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫سد ُ ال ّ‬ ‫ث ُيف ِ‬ ‫حي ُ‬ ‫ض‪َ ،‬‬ ‫م كنوًزا على الر ِ‬
‫معوا لك ُ ْ ُ‬ ‫‪"19‬ل َتج َ‬
‫ثل‬ ‫حي ُ‬ ‫سماِء‪َ ،‬‬ ‫معوا لكم كنوًزا في ال ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ل اج َ‬ ‫َ‬ ‫ن‪20 .‬ب ِ‬ ‫رقو َ‬ ‫ص وَيس ُِ‬ ‫ب الّلصو ُ‬ ‫ق ُ‬ ‫وين ُ‬
‫ث‬‫حي ُ‬ ‫ن‪21 .‬ف َ‬ ‫رقو َ‬ ‫ص ول َيس ِ‬ ‫ب اللصو ُ‬ ‫ّ‬ ‫ق ُ‬ ‫صدأ أيّ شيٍء‪ ،‬ول ين ُ‬ ‫س وال ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫سد ُ ال ّ‬ ‫ف ِ‬ ‫يُ ْ‬
‫ن َقلب ُك‪َ.‬‬ ‫ن كنُزك يكو ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫يكو ُ‬
‫نور الجسد‪.‬‬
‫منيًرا‪.‬‬ ‫ه ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫سد ُك كل ُ‬ ‫َ‬ ‫نج َ‬ ‫ة‪ ،‬كا َ‬ ‫م ً‬ ‫سلي َ‬ ‫عين ُك َ‬ ‫َ‬ ‫ن كاَنت َ‬ ‫ن‪ .‬فإ ْ‬ ‫ج الجسدِ هوَ الَعي ُ‬ ‫سرا ُ‬ ‫‪ِ "22‬‬
‫ن الّنوُر اّلذي‬ ‫َ‬ ‫كا‬ ‫فإذا‬ ‫ما‪.‬‬ ‫ل‬
‫ُ ُ ِ ً‬ ‫مظ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫د‬
‫َ ُ‬ ‫س‬ ‫ج‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫كا‬ ‫ة‪،‬‬ ‫َ ً‬ ‫ض‬ ‫مري‬ ‫َ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ن‬
‫َ ُ‬‫عي‬ ‫نت‬ ‫َ‬ ‫كا‬ ‫ن‬
‫‪23‬وإ ْ‬
‫م!‬
‫ن ظل ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ما‪ ،‬فيا َله ِ‬ ‫ظل ً‬ ‫ك َ‬ ‫في َ‬
‫الله والمال‪.‬‬
‫ما‬
‫خَر‪ ،‬وإ ّ‬ ‫ب ال َ‬ ‫هما وُيح ّ‬ ‫ض أحد َ ُ‬ ‫ن ُيبغِ َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫هإ ّ‬ ‫ن‪ ،‬لن ّ ُ‬ ‫دي ِ‬ ‫سي ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن َيخد ُ َ‬ ‫حد ٌ أ ْ‬ ‫‪"24‬ل َيقدُِر أ َ‬
‫دموا الله والما َ‬
‫ل‪.‬‬ ‫ن تخ ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫درو َ‬ ‫خَر‪ .‬فأنُتم ل َتق ِ‬ ‫هما وَينب ُذ َ ال َ‬ ‫ن َيتبعَ أحد َ ُ‬ ‫أ ْ‬
‫ن‪ ،‬ول ِللجسد ِ ما‬ ‫ن وما تشَربو َ‬ ‫كلو َ‬ ‫كم ما تأ ُ‬ ‫كم لحيات ِ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫كم‪ :‬ل ي َهُ ّ‬ ‫لل ُ‬ ‫ك أقو ُ‬ ‫‪25‬لذل ِ َ‬
‫ُ‬
‫س? ‪26‬أنظروا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ن اللبا ِ‬ ‫م َ‬ ‫خيٌر ِ‬ ‫م‪ ،‬والجسد ُ َ‬ ‫ن الطعا ِ‬ ‫م َ‬ ‫خيٌر ِ‬ ‫حياة ُ َ‬ ‫ن‪ .‬أما ال َ‬ ‫َتلَبسو َ‬
‫سماويّ َيرُزُقها‪ .‬أما‬ ‫م ال ّ‬ ‫ُ‬
‫ن‪ ،‬وأبوك ُ‬ ‫صد ُ ول َتخُز ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ف ل َتزَرعُ ول ت َ ْ‬ ‫سماِء كي َ‬ ‫طيوَر ال ّ‬ ‫ُ‬
‫عا‬ ‫مت ِهِ ِذرا ً‬ ‫ن َيزيد َ على قا َ‬ ‫م َيقدُِر أ ْ‬ ‫م إذا َاهت َ ّ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫منها كثيًرا؟ ‪27‬و َ‬ ‫ل ِ‬ ‫أنُتم أفض ُ‬
‫ة؟‬ ‫واحد ً‬
‫ب‪.‬‬ ‫ل ول َتتعَ ُ‬ ‫ف َتنمو‪ :‬ل َتغزِ ُ‬ ‫ل كي َ‬ ‫حق ِ‬ ‫ملوا َزنابقَ ال َ‬ ‫س؟ تأ ّ‬ ‫م اللبا ُ‬ ‫ّ‬ ‫مك ُ‬‫ُ‬ ‫‪28‬وِلماذا َيه ّ‬
‫ن‬
‫منها‪30 .‬فإذا كا َ‬ ‫مثل واحد َةٍ ِ‬ ‫َ‬ ‫س ِ‬ ‫مجدهِ لب ِ َ‬ ‫ٌ‬
‫ن في كل َ‬ ‫ُ‬ ‫سليما ُ‬ ‫كم‪ :‬ول ُ‬ ‫لل ُ‬ ‫‪29‬أقو ُ‬
‫م‬‫دا في الت ّّنوِر‪ ،‬فك َ ْ‬ ‫م وُيرمى غَ ً‬ ‫جد ُ اليو َ‬ ‫ل‪ ،‬وهوَ يو َ‬ ‫حق ِ‬ ‫ب ال َ‬ ‫عش َ‬ ‫س ُ‬ ‫الله هكذا ُيلب ِ ُ‬
‫موا فتقولوا‪ :‬ماذا‬ ‫َ ّ‬ ‫تهت‬ ‫ل‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫لذ‬ ‫‪31‬‬ ‫ن؟‬ ‫ِ‬ ‫اليما‬ ‫قليلي‬ ‫يا‬ ‫كم‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫س‬
‫ْ ُ ِ َ‬ ‫ب‬ ‫يل‬ ‫ن‬ ‫بأ‬ ‫ه‬
‫من ُ‬ ‫أنُتم أولى ِ‬
‫ي‬
‫سماو ّ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ن‪ .‬وأبوك ُ ُ‬ ‫وثنّيو َ‬ ‫س؟ ‪32‬فهذا يطل ُُبه ال َ‬ ‫ب؟ وماذا َنلب َ ُ‬ ‫ل؟ وماذا نشَر ُ‬ ‫نأك ُ ُ‬
‫ه‪،‬‬‫ت الله ومشيئ َت َ ُ‬ ‫ملكو َ‬ ‫ه‪33 .‬فَاطلبوا أوّل ً َ‬ ‫ن إلى هذا ك ُل ّ ِ‬ ‫كم َتحتاجو َ‬ ‫ف أن ّ ُ‬ ‫يعرِ ُ‬
‫ل يوم ِ‬ ‫ه‪ .‬ول ِك ُ ٌ‬ ‫س ِ‬ ‫م بنف ِ‬ ‫د‪ ،‬فالغد ُ َيهت ّ‬ ‫كم أمُر الغ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫م الله هذا ك ُّله‪34 .‬ل ي َهُ ّ‬ ‫فيزيد َك ُ ُ‬
‫ه"‪.‬‬ ‫كفي ِ‬ ‫ب ما ي ْ‬ ‫ع ِ‬ ‫ن المتا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫ة فكلم رائع ل يصدر إل عن‬ ‫فأما الكلم عن الصدقة وأفضلية إخراجها خفي ً‬
‫نفس نبيلة‪ ،‬وإن لم يمنع هذا من إخراج المال علنية إذا اقتضى المقام ذلك‪:‬‬
‫ب الِغيبة عن نفسه حتى ل يظن الظانون أنه ل‬ ‫ج ّ‬ ‫كأن يريد المتصدق أن ي َ ُ‬
‫يخرج صدقة ماله‪ ،‬أو أن يريد تشجيع البخلء والمترددين فيخرج الصدقة‬
‫أمامهم فيقلدوه ويتشجعوا على عمل الخير‪ ...‬وهلم جرا‪ .‬والعبرة فى كل‬
‫ن‬‫مأ ْ‬ ‫حال بالنية والضمير‪ ،‬ومن هنا سمعنا المسيح عليه السلم يقول‪" :‬إّياك ُ ْ‬
‫كم"‪ ،‬أما إذا لم تكن الرغبة فى لفت أنظار‬ ‫هدو ُ‬ ‫س لُيشا ِ‬ ‫م الّنا ِ‬ ‫خيَر أما َ‬ ‫ملوا ال َ‬ ‫تع َ‬
‫الناس فى الخاطر ول النية فل بأس بإظهار الصدقات‪ ،‬وإن كان الخفاء‬

‫‪199‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أفضل بوجه عام‪ .‬وما يصدق على الصدقة يصدق على الصلة والصوم إذا‬
‫كانت النية وراء ت َي ِْنك العبادتين هى المراءاة والسمعة‪ ،‬وإل فهما عبادتان‬
‫جماعيتان ل فضل لحد على غيره فى أدائهما‪ ،‬اللهم إل إذا تحولتا إلى تجارة‬
‫وخداع‪ .‬ولنلحظ كيف أن المسيح‪ ،‬إذا كان هو قائل هذا الكلم فعل‪ ،‬قد سمى‬
‫الله فى كلمه لمن يخاطبهم بكلمة "أبوك‪ /‬أبوكم الذى فى السماوات"‪ ،‬وهو‬
‫ما من شأنه أن يؤكد ما قلناه فيما مّر من أن هذا التعبير وأمثاله إنما هو‬
‫تعبير رمزى أو مجازى‪ ،‬ول يمكن ول يصح أن يؤخذ على حرفيته!‬

‫)‪(22 /‬‬

‫سد ُ‬‫ث ُيف ِ‬ ‫حي ُ‬ ‫ض‪َ ،‬‬ ‫معوا لك ُ ْ ُ‬


‫م كنوًزا على الر ِ‬ ‫وأما قوله عن الغَِنى‪19" :‬ل َتج َ‬
‫ُ‬
‫معوا لكم‬ ‫ل اج َ‬‫َ‬ ‫ن‪20 .‬ب ِ‬ ‫رقو َ‬ ‫ص وَيس ُ ِ‬ ‫ب اللصو ُ‬ ‫ّ‬ ‫ق ُ‬ ‫ل شيٍء‪ ،‬وين ُ‬ ‫صد َأ ُ ك ُ َ‬
‫س وال ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫ال ّ‬
‫ب‬‫ق ُ‬‫صدأ أيّ شيٍء‪ ،‬ول ين ُ‬ ‫س وال ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫سد ُ ال ّ‬ ‫ف ِ‬ ‫ث ل يُ ْ‬ ‫حي ُ‬ ‫سماِء‪َ ،‬‬ ‫كنوًزا في ال ّ‬ ‫ُ‬
‫ك" فبحاجة إلى‬ ‫ن َقلب ُ َ‬ ‫ك يكو ُ‬ ‫كنُز َ‬ ‫ن َ‬ ‫ث يكو ُ‬ ‫حي ُ‬ ‫ن‪21 .‬ف َ‬ ‫رقو َ‬ ‫ص ول َيس ِ‬ ‫الّلصو ُ‬
‫تعديل‪ ،‬إذ ليس المال ول الغنى سيئا فى ذاته‪ ،‬بل فى الحالت التى يتحول‬
‫مٍع للثروات ل لشىء سوى الكنز لمجرد الكنز بحيث تفقد‬ ‫ج ْ‬‫سَعارٍ و َ‬ ‫فيها إلى ُ‬
‫النفس إنسانيتها ونقاءها ول تعود تشعر بالفقراء وذوى الحاجة الضعفاء ول‬
‫تعمل لهم حسابا‪ ،‬وإل فالمال عصب مهم من أعصاب الحياة‪ ،‬ولول هو ما‬
‫استطاع الناس العيش ول الحصول على حاجاتهم‪ ،‬إذ هو ترجمة لجهدهم‬
‫دهم وتحويل لها إلى دراهم ودنانير‪ .‬إن الحياة ومتعها هى نعمة‬ ‫وعملهم وك ّ‬
‫من نعم الله سبحانه‪ ،‬ول يعقل أن يدير العاقل ظهره لنعم الله‪ ،‬على القل‬
‫لن ذلك باب من أبواب الجلفة‪ ،‬ول أظننى أغالى إذا قلت إنه قد يكون دليل‬
‫على قلة اليمان‪ .‬لقد خلق الله لنا أجسادا ونفوسا تتطلع وتتشهى‪ ،‬ول عيب‬
‫فى التطلع والتشهى فى نفسه‪ ،‬إنما العيب كل العيب فى النانية والتمركز‬
‫ظه من‬ ‫صح ّ‬ ‫حول الذات‪ ،‬وكذلك فى اللهفة والجزع والسخط إذا فات الشخ َ‬
‫تلك المتع! ترى ما الثم فى الطعام الطيب أو الشراب اللذيذ أو العطر‬
‫ى أو الملبس النيق أو البيت الرحيب النظيف الجميل؟ أمن المعقول أن‬ ‫الزك ّ‬
‫يكون حرص النسان على المأكل والمشرب الردىء والرائحة المنتنة‬
‫فر والملبس الّزرِىّ هو الدليل على صدق اليمان‬ ‫والمسكن الضيق القبيح المن ّ‬
‫شكْرَنا وآمّنا؟ ولمن خلق‬ ‫َ‬ ‫والرغبة فى شكر الله؟ ترى ما يفعل الله بعذابنا إن َ‬
‫الله الدنيا وأطايبها ولذاتها إذا عملنا نحن على حرمان أنفسنا منها؟ المهم أل‬
‫تشغلنا هذه الدنيا عن كنوز السماء التى تبقى بعد فناء هذه اللذائذ والطايب‬
‫الدنيوية‪ ،‬وإل فما الذى يعود على النسان إذا ربح العالم كله وخسر نفسه؟‬
‫الواقع أنه ل تعارض بالضرورة بين المرين‪ ،‬وإل فكنز السماء مقدم على كل‬
‫كنوز الرض فى حالة التعارض ما لم تكن هناك ضرورة قاهرة‪ ،‬فعندئذ‬
‫جُبر نقصنا ويعفو عن كثير‪ ،‬فهو‬ ‫فالرجاء أن يغفر الله بفضله وكرمه ذنوبنا وي َ ْ‬
‫وب! أما ما جاء فى هذه‬ ‫الكريم الودود اللطيف الرحيم غافر الذ ّْنب وقابل الت ّ ْ‬
‫هما‬ ‫ض أحد َ ُ‬ ‫ن ُيبغِ َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫هإ ّ‬ ‫ن‪ ،‬لن ّ ُ‬ ‫دي ِ‬ ‫سي ّ َ‬‫م َ‬ ‫ن َيخد ُ َ‬‫حد ٌ أ ْ‬ ‫الموعظة من أنه "ل َيقدُِر أ َ‬
‫دموا‬ ‫ن تخ ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫درو َ‬ ‫خَر‪ .‬فأنُتم ل َتق ِ‬ ‫هما وَينب ُذ َ ال َ‬ ‫ن َيتبعَ أحد َ ُ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫خَر‪ ،‬وإ ّ‬ ‫ب ال َ‬‫وُيح ّ‬
‫ل" فليس على إطلقه‪ ،‬إذ الواحد يستطيع أن يكسب المال‬ ‫الله والما َ‬
‫ويستعمله فى إنجاز حاجاته وإشباع تطلعاته‪ ،‬وفى ذات الوقت يؤدى واجب‬
‫الشكر لله ويعطى الفقراء حقوقهم فيه‪ ،‬فينال الخيرين جميعا‪ :‬خير الدنيا‪،‬‬
‫وخير الخرة‪ ،‬فهو يعبد الله من خلل شكره سبحانه على ما أغدق عليه من‬
‫مال‪ .‬وصدق الله العظيم إذ يقول‪":‬ومن الناس من يقول‪ :‬رّبنا‪ ،‬آتنا فى الدنيا‬

‫‪200‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ذاب النار* أولئك لهم نصيب مما كسبوا‪،‬‬ ‫حسنة‪ ،‬وفى الخرة حسنة‪ ،‬وقَِنا عَ َ‬
‫م المالُ‬
‫والله سريع الحساب"‪ ،‬وصدق رسوله الكريم حين يعلمنا قائل‪" :‬ن ِعْ َ‬
‫دا‬
‫ح للعبد الصالح"‪ ،‬اللهم إل إذا كان المسيح عليه السلم قد قصد قص ً‬ ‫الصال ُ‬
‫حد ّ من جشع اليهود الجرامى وعبادتهم المتوحشة للدرهم والدينار‪ ،‬واليورو‬ ‫ال َ‬
‫والدولر‪.‬‬

‫)‪(23 /‬‬

‫على أن من القوال المنسوبة للسيد المسيح ما ل يمكن الموافقة عليه البتة‬


‫كم ما‬ ‫كم لحيات ِ ُ‬ ‫م ُ‬‫كم‪ :‬ل ي َهُ ّ‬ ‫لل ُ‬‫ك أقو ُ‬ ‫لنه يقود إلى العدم‪ ،‬ومنه قوله‪25" :‬لذل ِ َ‬
‫م‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫تأ ُ‬
‫ن الطعا ِ‬ ‫م َ‬‫خيٌر ِ‬ ‫حياة ُ َ‬
‫ن‪ .‬أما ال َ‬ ‫ن‪ ،‬ول ِللجسد ِ ما َتلَبسو َ‬ ‫ن وما تشَربو َ‬ ‫كلو َ‬
‫صد ُ ول‬ ‫ح ُ‬ ‫ف ل َتزَرعُ ول ت َ ْ‬ ‫سماِء كي َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫س? ‪26‬أنظروا طيوَر ال ّ‬ ‫ّ‬
‫ن اللبا ِ‬ ‫م َ‬‫خيٌر ِ‬ ‫والجسد ُ َ‬
‫م إذا‬ ‫ُ‬
‫منك ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬
‫منها كثيًرا؟ ‪27‬و َ‬ ‫ل ِ‬ ‫سماويّ َيرُزُقها‪ .‬أما أنُتم أفض ُ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ُ‬
‫ن‪ ،‬وأبوك ُ‬ ‫َتخُز ُ‬
‫ة؟"‪ .‬إن الجسد يشكل جانبا من‬ ‫عا واحد ً‬ ‫مت ِهِ ِذرا ً‬
‫ن َيزيد َ على قا َ‬ ‫م َيقدُِر أ ْ‬ ‫َاهت َ ّ‬
‫وجودنا‪ ،‬ول يمكن من ثم تجاهله وإهمال مطالبه‪ .‬ترى كيف يستطيع النسان‬
‫أل يهتم بما يأكل أو يشرب أو يلبس؟ كما أن القياس على حياة الطيور هو‬
‫قياس خاطئ تماما‪ :‬فالطيور إنما تعيش بغرائزها ول تفكر فى بناء حضارة‪،‬‬
‫وليس لها ثقافة‪ ،‬ول يعترى حياتها أى تطوير‪ ،‬أما نحن فل نستطيع أن نعيش‬
‫حياة الفطرة التى تحياها الطيور‪ ،‬وإل فكيف نأكل ونشرب ونلبس ونسكن؟‬
‫ب مثل متوفران فى الطبيعة بكميات تفوق حاجة الطيور‪،‬‬ ‫ح ّ‬ ‫إن الديدان وال َ‬
‫ومن ثم فل مشكلة فى الحصول عليها‪ ،‬كما أنه ل مانع يمنعها من الحصول‬
‫من ذلك على ما تريد‪ ،‬أما نحن فليس هناك وفرة فى الطبيعة فيما نحتاجه‪،‬‬
‫بل ل بد من العمل والنتاج والبداع والتنظيم والدارة والتخطيط‪ ...‬إلخ‪ .‬ولو‬
‫تركنا أنفسنا مثل دون ملبس ولم نهتم بنظافتنا أو زينتنا كما تفعل الطيور‬
‫لمتنا من البرد والحر‪ ،‬فضل عن أن هذا ل يليق‪ :‬ل أخلقيا ول اجتماعيا ول‬
‫صحيا‪ ،‬ول جماليا أيضا‪ ،‬إذ على القل سوف تتراكم الوساخ على أجسادنا‬
‫وتطول شعورنا وأظافرنا وتنتن رائحتنا ونصبح أقرب للوحوش منا للبشر!‬
‫وأذكر أنى قرأت فى شبابى الول فى بداية سبعينات القرن الفائت رواية‬
‫لبريخت فى سلسلة "روايات الهلل" اسمها "ثلثة بنسات" تناول فيها ذلك‬
‫الكاتب‪ ،‬ضمن ما تناول‪ ،‬مثل ضربه السيد المسيح فأخذ يسخر منه ومن‬
‫تداعياته المتوقعة لو أخذنا به وسرنا على ضوئه‪ .‬وأذكر كذلك أنى لم تعجبنى‬
‫الطريقة التى فهم بها الروائى اللمانى المثل المنسوب لعيسى عليه السلم‬
‫والتهكم الذى استقبله به‪ ،‬إل أن الكلمات التى نحن بصددها الن ل تترك لنا‬
‫فرصة للقول بأن هناك معنى آخر لها يمكن توجيهها نحوه‪ ،‬فهى دعوة صريحة‬
‫سا إلى النصراف عن الهتمام بالدنيا والستنان بسنة الطيور‪،‬‬ ‫ل تحتمل ل َب ْ ً‬
‫وهو ما ل يمكن أن يكون نظًرا لختلف طبيعة الحياة البشرية عن حياة‬
‫الطير‪.‬‬
‫نعم هناك حديث للرسول الكريم يقول صلى الله عليه وسلم فيه‪" :‬لو توكلتم‬
‫طاًنا"‪ ،‬ب َي ْد َ‬ ‫صا‪ ،‬وتروح ب ِ َ‬ ‫ما ً‬ ‫خ َ‬‫كله لرزقكم كما يرزق الطير‪ :‬تغدو ِ‬ ‫حقّ تو ّ‬ ‫على الله َ‬
‫أن ثمة فرقا كبيرا وحاسما بين الكلمين‪ :‬فالرسول يتحدث عن التوكل الحق‪،‬‬
‫وهذا التوكل معناه أن يبذل النسان كل جهده فى سبيل الحصول على ما‬
‫يريد مثلما تفعل الطيور‪ ،‬إذ ل تبقى فى أعشاشها كتنابلة السلطان تنتظر‬
‫كرة‬ ‫ب أن يسقط فى مناقيرها وهى راقدة‪ ،‬بل تفارق كل صباح فى الب ُ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ال َ‬
‫الندّية أعشاشها بحثا عن الحبة والدودة‪ ،‬فتعود آخر النهار وقد امتلت بطونها‬ ‫ً‬

‫‪201‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وى! الحديث إذن ل يقيس‬ ‫بالطعام بعد أن غادرت بيوتها فى أوله على الط ّ َ‬
‫على الطير فى عدم اهتمامها بتدبير أمور معاشها‪ ،‬بل يقيس عليها فى سعيها‬
‫على قدر وسعها وراء هذا المعاش‪ .‬وقد صرح الرسول العظم بهذا المعنى‬
‫فى أحاديث كثيرة متنوعة‪ ،‬وهذا هو الفرق الكبير والخطير بين الكلمين!‬
‫وليس من المعقول أن نطلب من النسان أن يقوم كل يوم من النوم وهو ل‬
‫يدرى ماذا يأكل فى يومه الغبر ول كيف يدبر أمر ملبسه وسكنه‪ :‬فمرة ينام‬
‫على الرصيف‪ ،‬وأخرى فى لوكاندة‪ ،‬وثالثة فى الكراكون‪ ،‬ورابعة فى ملجإ‬
‫للعجزة أو لليتام‪ ،‬وخامسة فى حقل من حقول الذرة مع اللصوص والقتلة‬
‫طاع الطريق وما إلى ذلك‪ .‬وهذا على مستوى الفراد‪ ،‬فما بالنا بالدول؟‬ ‫وق ُ ّ‬
‫ومن التخطيط والستعداد المسّبق العمل على إقامة المدارس ومؤسسات‬
‫الضمان الجتماعى ووضع البرامج للرتقاء بالذوق والحس الجمالى‪ ...‬إلى‬
‫آخر تلك الهداف النبيلة التى ل يمكن الغض منها تحت أية حجة‪.‬‬

‫)‪(24 /‬‬

‫ف‬
‫ل كي َ‬ ‫حق ِ‬ ‫ملوا َزنابقَ ال َ‬ ‫س؟ تأ ّ‬ ‫م الّلبا ُ‬ ‫مك ُ ُ‬ ‫ومما قاله المسيح أيضا‪28" :‬وِلماذا َيه ّ‬
‫مثلَ‬ ‫س ِ‬ ‫مجدهِ لب ِ َ‬ ‫ٌ‬
‫ن في كل َ‬ ‫ُ‬ ‫سليما ُ‬ ‫كم‪ :‬ول ُ‬ ‫لل ُ‬ ‫ب‪29 .‬أقو ُ‬ ‫ل ول َتتعَ ُ‬ ‫َتنمو‪ :‬ل َتغزِ ُ‬
‫م‬
‫جد ُ اليو َ‬ ‫ل‪ ،‬وهوَ يو َ‬ ‫حق ِ‬ ‫ب ال َ‬ ‫عش َ‬ ‫س ُ‬ ‫ن الله هكذا ُيلب ِ ُ‬ ‫منها‪30 .‬فإذا كا َ‬ ‫واحد َةٍ ِ‬
‫ن؟‬ ‫ِ‬ ‫اليما‬ ‫قليلي‬ ‫يا‬ ‫كم‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫س‬ ‫ب‬
‫ْ ُ ِ َ‬ ‫يل‬ ‫ن‬ ‫بأ‬ ‫ه‬
‫ِ ُ‬ ‫من‬ ‫أولى‬ ‫تم‬‫ْ ُ‬‫أن‬ ‫م‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫ف‬ ‫ر‪،‬‬ ‫نو‬
‫ّّ ِ‬ ‫ت‬‫ال‬ ‫في‬ ‫دا‬ ‫َ‬
‫وُيرمى ً‬
‫غ‬
‫س؟ ‪32‬فهذا‬ ‫ب؟ وماذا َنلب َ ُ‬ ‫ل؟ وماذا نشَر ُ‬ ‫موا فتقولوا‪ :‬ماذا نأك ُ ُ‬ ‫ك ل َتهت ّ‬ ‫‪31‬لذل ِ َ‬
‫ه‪.‬‬‫ن إلى هذا ك ُل ّ ِ‬ ‫كم َتحتاجو َ‬ ‫ف أن ّ ُ‬ ‫سماويّ يعرِ ُ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ن‪ .‬وأبوك ُ ُ‬ ‫وثنّيو َ‬ ‫يطل ُُبه ال َ‬
‫كم أمُر‬ ‫م ُ‬ ‫م الله هذا ك ُّله‪34 .‬ل ي َهُ ّ‬ ‫ه‪ ،‬فيزيد َك ُ ُ‬ ‫ت الله ومشيئ َت َ ُ‬ ‫ملكو َ‬ ‫‪33‬فَاطلبوا أوّل ً َ‬
‫ه"‪ .‬وهنا ل يهمل‬ ‫كفي ِ‬ ‫ب ما ي ْ‬ ‫ع ِ‬ ‫ن المتا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل يوم ِ ِ‬ ‫ه‪ .‬ول ِك ُ ٌ‬ ‫س ِ‬ ‫م بنف ِ‬ ‫د‪ ،‬فالغد ُ َيهت ّ‬ ‫الغ ِ‬
‫المسيح‪ ،‬إن كان هو قائل هذا الكلم‪ ،‬أمور الدنيا تماما كما أهملها فى النص‬
‫الذى فرغنا منه لتونا‪ ،‬لكنه يضعها تالية لمطالب الملكوت السماوى‪ .‬ول ريب‬
‫فى أن من يؤمن بالحياة الخرة يضع‪ ،‬مثل عيسى‪ ،‬الخرة على الولى‪ ،‬إل أن‬
‫تأكيد المسيح بأننا إذا اهتممنا بملكوت السماوات فلسوف تدبر الحياة أمورها‬
‫بنفسها دون تدخل من جانبنا‪ ،‬هو تأكيد ل ينهض على أساس‪ ،‬إذ السماء ل‬
‫تمطر ذهبا ول فضة كما قال عبقرى السلم عمر بن الخطاب‪ ،‬كما أننا قد‬
‫سبق أن نبهنا إلى الدرة المحمدية الثمينة فى هذا الشأن‪ ،‬وهى قوله صلى‬
‫كله لرزقكم كما يرزق الطير‪:‬‬ ‫الله عليه وسلم‪" :‬لو توكلتم على الله حق تو ّ‬
‫طاًنا"‪ .‬أى أنه ل بد من العمل وبذل الجهد والجرى وراء‬ ‫صا‪ ،‬وتروح ب ِ َ‬ ‫ما ً‬ ‫خ َ‬‫تغدو ِ‬
‫ب‪ ،‬ل بل‬ ‫ح ّ‬ ‫ست َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫الرزق‪ .‬أما صرف الوقت كله فى العبادة فهو فى السلم غير ُ‬
‫ن فى كل الحوال ينبغى أل‬ ‫هو خطأ فادح وجريمة ل يستهان بها عند الله‪ .‬لك ْ‬
‫يتحول النسان‪ ،‬بسبب هذا الجرى خلف المعاش‪ ،‬إلى آلة عديمة المشاعر‬
‫والضمير ل تبالى بحق ول باطل‪ ،‬ول تأخذ فى حسبانها أن هناك أمورا شديدة‬
‫الهمية تتخطى حدود الحياة الدنيا‪ ،‬وحقوقا للخرين يجب أداؤها‪.‬‬
‫الفصل السابع‪:‬‬
‫"إدانة الخرين‪.‬‬
‫ل لكم‪3 .‬لماذا‬ ‫ُ‬ ‫ن ُيكا ُ‬ ‫ن‪ ،‬وِبما تكيلو َ‬ ‫ن ُتدانو َ‬ ‫"ل َتدينوا ِلئل ّ ُتدانوا‪2 .‬فكما َتدينو َ‬
‫ف‬‫ل كي َ‬ ‫ك؟ ‪4‬ب ْ‬ ‫عين ِ َ‬ ‫شب َةِ في َ‬ ‫خ َ‬ ‫ك‪ ،‬ول ُتبالي بال َ‬ ‫ن أخي َ‬ ‫عي ِ‬ ‫شةِ في َ‬ ‫ق ّ‬ ‫َتنظ ُُر إلى ال َ‬
‫ت؟‬ ‫ة في عين ِ َ‬ ‫عين ِ َ‬ ‫ق ّ‬ ‫ُ‬ ‫ل لخي َ‬ ‫تقو ُ‬
‫ك أن َ‬ ‫خشب َ ُ‬ ‫ي ال َ‬ ‫ك‪ ،‬وها ه َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬‫ش َ‬ ‫عني أخرِج ال َ‬ ‫ك‪ :‬د َ ْ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ق ّ‬ ‫ج ال َ‬ ‫َ‬
‫دا فُتخرِ َ‬ ‫صَر جي ّ ً‬ ‫عيِنك أوّل‪ ،‬حتى ُتب ِ‬ ‫ً‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫شب َ َ‬ ‫خرِج الخ َ‬ ‫ي‪ ،‬أ ْ‬ ‫مرائ ّ‬ ‫‪5‬يا ُ‬
‫ن أخيك‪َ.‬‬ ‫عي ِ‬
‫َ‬

‫‪202‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سها‬ ‫ر‪ِ ،‬لئل َ َتدو َ‬ ‫كم إلى الخنازي ِ‬ ‫س‪ ،‬ول َترموا د َُرَر ُ‬ ‫قد ّ ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ب ما هوَ ُ‬ ‫كل َ‬ ‫‪6‬ل ُتعطوا ال ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ت إليكم فُتمّزقكم‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ف َ‬ ‫جِلها وتلت َ ِ‬ ‫بأر ُ‬
‫أطلبوا تجدوا‪.‬‬
‫ن‬
‫َ ْ‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ل‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫ن‬
‫ََ‬ ‫ي‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫يسأ‬ ‫َ َ‬ ‫من‬ ‫ف‬ ‫‪8‬‬ ‫كم‪.‬‬‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ح‬ ‫يفت‬
‫َ ُ ْ‬ ‫ب‬ ‫البا‬ ‫قوا‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫د‬ ‫جدوا‪،‬‬ ‫َ ِ‬ ‫ت‬ ‫لبوا‬ ‫ُ‬ ‫إط‬ ‫طوا‪،‬‬ ‫َ‬ ‫‪"7‬إسأُلوا ُتع‬
‫فا أعطاهُ‬ ‫ه َرغي ً‬ ‫ه َابن ُ ُ‬ ‫كم إذا سأل َ ُ‬ ‫من ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ح َله‪َ 9 .‬‬ ‫ب ُيفت َ ْ‬ ‫ن ي َد ُقّ البا َ‬ ‫م ْ‬ ‫د‪ ،‬و َ‬ ‫ج ْ‬ ‫ب يَ ِ‬ ‫َيطل ُ ْ‬
‫ن‬
‫رفو َ‬ ‫م الشراَر َتع ِ‬ ‫كنُتم أنت ُ ُ‬ ‫ة؟ ‪11‬فإذا ُ‬ ‫حي ّ ً‬ ‫ة أعطاه ُ َ‬ ‫مك ً‬ ‫س َ‬ ‫ه َ‬ ‫سأل َ ُ‬ ‫جًرا‪10 ،‬أو َ‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫لذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫عطا‬ ‫ّ َ‬ ‫ال‬ ‫ي‬ ‫سماو‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫أبو‬ ‫ن‬ ‫س‬‫ِ‬ ‫يح‬ ‫ْ ُ‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ف‬ ‫كم‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫لبنا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫عطا‬ ‫َ َ‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫سنو‬ ‫ِ‬ ‫تح‬ ‫ُ‬ ‫ف‬‫َ‬ ‫كي‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ه؟‬ ‫َيسألون َ ُ‬
‫ة‬
‫شريع ِ‬ ‫ة ال ّ‬ ‫خلص ُ‬ ‫ي ُ‬ ‫كم‪ .‬هذِهِ ه َ‬ ‫ملو ُ‬ ‫ن ُيعا ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫مثلما ُتريدو َ‬ ‫َ‬ ‫ن ِ‬ ‫خري َ‬ ‫ملوا ال َ‬ ‫‪12‬عا ِ‬
‫وَتعاليم ِ النبياِء‪.‬‬
‫الباب الضّيق‪.‬‬
‫ة إلى‬ ‫ل الطريقَ المؤّدي َ‬ ‫ّ‬ ‫ب وأسه َ‬ ‫سعَ البا َ‬ ‫ق‪ .‬فما أو َ‬ ‫ب الضي ّ ِ‬ ‫ن البا ِ‬ ‫م َ‬ ‫خلوا ِ‬ ‫‪"13‬أ ُد ْ ُ‬
‫ق‬
‫طري َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ب وأصع َ‬ ‫ن ما أضيقَ البا َ‬ ‫ن يسُلكوَنها‪14 .‬لك ِ ْ‬ ‫ك‪ ،‬وما أكثَر اّلذي َ‬ ‫الهل ِ‬
‫ن إليها‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ن َيهتدو َ‬ ‫ل الذي َ‬ ‫ّ‬ ‫ة‪ ،‬وما أق َ‬ ‫ة إلى الحيا ِ‬ ‫المؤّدي َ‬
‫الشجرة وثمرها‪.‬‬
‫ب‬‫هم في باط ِن ِِهم ِذئا ٌ‬ ‫نو ُ‬ ‫حمل ِ‬ ‫ب ال ُ‬ ‫ن‪َ ،‬يجيئون َكم بِثيا ِ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫كم والنبياَء الكذابي َ‬ ‫‪"15‬إّيا ُ‬
‫عن ًَبا‪ ،‬أم ِ العُّليقُ ِتيًنا؟ ‪17‬ك ُ ّ‬
‫ل‬ ‫ك ِ‬ ‫شو ُ‬ ‫مُر ال ّ‬ ‫رفون َُهم‪ .‬أُيث ِ‬ ‫هم تع ِ‬ ‫ن ِثمارِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ة‪ِ 16 .‬‬ ‫طف ٌ‬ ‫خا ِ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ل َثمًرا َرديًئا‪18 .‬فما ِ‬ ‫م ُ‬ ‫جرةٍ َرديئةٍ تح ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ل َ‬ ‫دا‪ ،‬وك ُ ّ‬ ‫ل َثمًرا جي ّ ً‬ ‫م ُ‬ ‫شجَرةٍ جّيدةٍ تح ِ‬ ‫َ‬
‫دا‪19 .‬ك ُ ّ‬
‫ل‬ ‫ل َثمًرا جي ّ ً‬ ‫م ُ‬ ‫شجَرةٍ َرديئةٍ َتح ِ‬ ‫ل َثمًرا َرديًئا‪ ،‬وما من َ‬ ‫م ُ‬ ‫شجَرةٍ جّيدةٍ َتح ِ‬ ‫َ‬
‫رفون َُهم‪.‬‬ ‫هم َتع ِ‬ ‫ن ِثمارِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مى في الّناِر‪20 .‬ف ِ‬ ‫دا ُتقط َعُ وُتر َ‬ ‫ل َثمًرا جي ّ ً‬ ‫م ُ‬ ‫شجَرةٍ ل َتح ِ‬ ‫َ‬
‫القول والعمل‪.‬‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ت‪ ،‬بل َ‬ ‫سماوا ِ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ملكو َ‬ ‫ل َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ب! يد ُ‬ ‫ب‪ ،‬يا ر ّ‬ ‫ل لي‪ :‬يا ر ّ‬ ‫ن يقو ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫‪"21‬ما ك ُ ّ‬
‫س في‬ ‫ت‪22 .‬سَيقو ُ‬ ‫ّ‬ ‫َيعم ُ‬
‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل لي كثيٌر ِ‬ ‫سماوا ِ‬ ‫ل بمشيئةِ أبي الذي في ال ّ‬
‫مك طَرْدنا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت؟ وباس ِ‬ ‫َ‬ ‫قنا بالّنبوءا ِ‬ ‫َ‬
‫مك ن َط ْ‬ ‫َ‬ ‫ب‪ ،‬أما باس ِ‬‫َ‬ ‫ب‪ ،‬يا ر ّ‬ ‫ب‪ :‬يا ر ّ‬ ‫حسا ِ‬ ‫يوم ِ ال ِ‬
‫ُ‬
‫ل لُهم‪ :‬ما عََرفت ُكم‬ ‫ة؟ ‪23‬فأقو ُ‬ ‫ب الكثير َ‬ ‫ملنا العجائ َ‬ ‫مك ع َ ِ‬ ‫َ‬ ‫ن؟ وباس ِ‬ ‫َ‬ ‫شياطي َ‬ ‫ال ّ‬
‫ة‪ .‬ابت َِعدوا عّني يا أشراُر!‬ ‫َ‬ ‫مّر ً‬
‫مثل البيتين‪.‬‬

‫)‪(25 /‬‬

‫ه على‬ ‫ل َبنى َبيت َ ُ‬ ‫ل عاقِ ٍ‬ ‫ج ٍ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ل ِبه يكو ُ‬ ‫م َ‬ ‫معَ كلمي هذا وع ِ‬ ‫نس ِ‬ ‫م ْ‬‫‪"24‬ف َ‬
‫ت فما‬ ‫َ ِ‬ ‫بي‬ ‫ال‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫ذ‬ ‫على‬ ‫ح‬ ‫ريا‬
‫ِ ُ‬ ‫ال‬ ‫ت‬ ‫َّ ِ‬ ‫ب‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫سيو‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ت‬
‫ِ‬ ‫وفاض‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫َ ُ‬ ‫ط‬ ‫م‬ ‫ال‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ز‬
‫َ‬ ‫فن‬ ‫‪25‬‬ ‫ر‪.‬‬‫خ ِ‬ ‫ص ْ‬ ‫ال ّ‬
‫ن‬
‫ل ِبه يكو ُ‬ ‫م َ‬ ‫معَ كلمي هذا وما ع ِ‬ ‫س ِ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫صخرِ ‪26‬و َ‬ ‫ه على ال ّ‬ ‫س ُ‬ ‫ن أسا َ‬ ‫ط‪ ،‬ل ّ‬ ‫ق َ‬ ‫س َ‬
‫ت‬
‫ل وهَب ّ ِ‬ ‫سيو ُ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ل المط َُر وفا َ‬
‫ض ِ‬ ‫ل‪27 .‬فن ََز َ‬ ‫ه على الّرم ِ‬ ‫ي بَنى َبيت َ ُ‬ ‫غب ّ‬ ‫ل َ‬ ‫ل َرج ٍ‬ ‫مث َ‬ ‫ِ‬
‫ما"‪.‬‬‫ً‬ ‫عظي‬ ‫َ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ط‬ ‫سقو‬ ‫َ ُ‬ ‫ن‬ ‫وكا‬ ‫ط‪،‬‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫س‬
‫َ‬ ‫ف‬ ‫ت‬‫َ ِ‬ ‫بي‬ ‫ال‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ذ‬ ‫على‬ ‫ح‬
‫ّ ُ‬ ‫ريا‬ ‫ال‬
‫ن ي ُعَل ُّ‬
‫مُهم‬ ‫َ‬ ‫كا‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬‫ل‬ ‫‪29‬‬ ‫مه‪،‬‬‫ِ‬ ‫تعلي‬ ‫َ‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ع‬ ‫جمو‬ ‫ُ‬ ‫ال‬ ‫ت‬ ‫ِ‬ ‫جب‬ ‫ع‬
‫َ َ ّ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫م‪،‬‬ ‫الكل‬ ‫هذا‬ ‫ُ‬ ‫ع‬ ‫يسو‬ ‫ّ َ‬‫م‬ ‫أت‬ ‫ما‬ ‫‪28‬ول ّ‬
‫ة"‪.‬‬ ‫شريع ِ‬ ‫معلمي ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫ل ُ‬ ‫مث َ‬
‫ن‪ ،‬ل ِ‬ ‫سلطا ٌ‬ ‫ن له ُ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫مث َ‬ ‫ِ‬
‫هذا كلم نبيل ونفيس فى مجمله‪ ،‬لكنه يحتاج لبعض توضيح‪ :‬فالحياة ل‬
‫تستغنى أبدا عن الدينونة‪ ،‬وإل لم تستقم أمورها ولستطال البغاة فى غَّيهم‬
‫وعدوانهم ما داموا ل يجدون من يدينهم‪ ،‬فضل عمن يردعهم! بيد أن المسيح‪،‬‬
‫فيما أتصور )إذا كان هو قائل هذا الكلم‪ ،‬وهو فى الواقع أشبه بأن يكون‬
‫صادرا من فم نبى(‪ ،‬ل يقصد هذا‪ ،‬بل مقصده أن يشتغل كل شخص بعيوبه‬
‫م ونعام عين! أما فى السلم‬ ‫قبل النتباه لعيوب سواه‪ .‬فإن كان كذلك فن َعَ ْ‬
‫دان"‪ ،‬وفرق كبير بين هذا وذاك‪ ،‬فكلم‬ ‫دين ت ُ َ‬ ‫فيقول الرسول الكريم‪" :‬كما ت َ ِ‬

‫‪203‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الرسول معناه أن علينا تحرى العدل عند محاسبة الخرين مثلما نريد منهم‬
‫مراعاته فى محاسبتنا‪ .‬أى أنه ل بد من الحساب‪ ،‬لكن بالعدل ل بترك‬
‫ب السلم فى العفو والتسامح لكن دون أن يوجبه أو‬ ‫حب ّ َ‬
‫ن َ‬
‫ة‪ ،‬وإ ْ‬
‫الحساب جمل ً‬
‫يجعله هو الصل‪ ،‬وإل لستحالت الحياة الجتماعية وأصبح المر فوضى ل‬
‫شْرطة ول محاكم ول قضاة‪ ،‬ولنتصور الرزايا‬ ‫تطاق‪ .‬ولنتصور مجتمعا دون ُ‬
‫التى يمكن أن تنهال على رؤوس الناس حينئذ‪ ،‬ولنتساءل‪ :‬هل من المستطاع‬
‫العيش فى مثل ذلك المجتمع؟ يا له من عذاب! ومن اليات التى تحبب فى‬
‫العفو قوله تعالى‪" :‬فمن عفا وأصلح فأجره على الله" )الشورى‪" ،(40 /‬وأن‬
‫وا الفضل بينكم" )البقرة‪" ،(237 /‬وإن تعفوا‬ ‫س ُ‬‫تعفوا أقرب للتقوى‪ ،‬ول ت َن ْ َ‬
‫مْر‬ ‫ْ‬
‫وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم" )التغابن‪" ،(14 /‬خذ العفو‪ ،‬وأ ُ‬
‫ض عن الجاهلين" )العراف‪" ،(199 /‬إن تبدوا خيرا أو تخفوه‬ ‫َ‬
‫بالعُْرف‪ ،‬وأعْرِ ْ‬
‫وا قديرا" )النساء‪ ...(149 /‬إلخ‪ .‬كذلك‬ ‫أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عف ّ‬
‫يحتاج الباب الضيق )وهو أيضا عنوان رواية لندريه جيد كتب مقدمة ترجمتها‬
‫العربية د‪ .‬طه حسين( إلى شىء من التوضيح‪ ،‬وأغلب الظن أنه هو نفسه ما‬
‫فت النار بالشهوات"‪ .‬أى‬ ‫ح ّ‬
‫فت الجنة بالمكاره‪ ،‬و ُ‬ ‫ح ّ‬‫أراده الرسول حين قال‪ُ " :‬‬
‫أن طريق النار سهل لن النسان ل يبذل فيه جهدا بل يكفى أن يتبع صوت‬
‫شهواته‪ ،‬أما طريق الجنة فكله مجاهدات وحرمانات‪ .‬لكن ليس معنى إيثار‬
‫الباب الضيق أن يترك النسان اليسر إلى العسر‪ ،‬فهذه مسألة أخرى‪ ،‬وإل‬
‫فالمراد هو أن يختار‪ ،‬من طريق الجنة المحفوف بالمكاره كما رأينا‪ ،‬المسار‬
‫الكثر يسرا‪.‬‬

‫)‪(26 /‬‬

‫ح‬
‫ب ُيفت ْ‬ ‫جدوا‪ ،‬د ُّقوا البا َ‬ ‫طوا‪ ،‬إطُلبوا ت َ ِ‬ ‫أما قول المسيح عليه السلم‪" :‬إسأُلوا ُتع َ‬
‫كم‬‫من ُ‬ ‫ن ِ‬‫م ْ‬ ‫ح َله‪َ 9 .‬‬ ‫ب ُيفت َ ْ‬
‫ن ي َد ُقّ البا َ‬ ‫م ْ‬ ‫د‪ ،‬و َ‬ ‫ج ْ‬ ‫ن َيطل ُ ْ‬
‫ب يَ ِ‬ ‫م ْ‬
‫ل‪ ،‬و َ‬‫ل ي َن َ ْ‬‫من َيسأ ْ‬ ‫كم‪8 .‬ف َ‬ ‫ل ُ‬
‫ة؟ ‪11‬فإذا‬ ‫حي ّ ً‬‫ة أعطاه ُ َ‬ ‫مك ً‬ ‫س َ‬
‫ه َ‬ ‫سأل َ ُ‬
‫جًرا‪10 ،‬أو َ‬ ‫ح َ‬
‫فا أعطاه ُ َ‬ ‫ه َابن ُ ُ‬
‫ه َرغي ً‬ ‫إذا سأل َ ُ‬
‫ن الَعطاَء َ‬
‫م‬‫ن أبوك ُ ُ‬ ‫س ُ‬ ‫م ُيح ِ‬ ‫كم‪ ،‬فك َ ْ‬ ‫لبنائ ِ ُ‬ ‫سنو َ‬ ‫ف ُتح ِ‬ ‫ن كي َ‬ ‫رفو َ‬‫م الشراَر َتع ِ‬ ‫كنُتم أنت ُ ُ‬ ‫ُ‬
‫ن‬
‫نأ ْ‬‫مثَلما ُتريدو َ‬ ‫ن ِ‬‫خري َ‬ ‫ملوا ال َ‬ ‫ه؟‪12‬عا ِ‬ ‫ن َيسألون َ ُ‬ ‫سماويّ الَعطاَء لّلذي َ‬ ‫ال ّ‬
‫شريعةِ وَتعاليم ِ النبياء" فإن كثيرا من الناس‬ ‫ة ال ّ‬ ‫خلص ُ‬ ‫ي ُ‬ ‫ملوكم‪ .‬هذِهِ ه َ‬ ‫ُ‬ ‫ُيعا ِ‬
‫سوف يخطئون فهمه‪ ،‬إذ يظنون أن المقصود الدعاء‪ ،‬على حين أن عيسى بن‬
‫مريم‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‪ ،‬لم يحدد طبيعة الطلب المذكور هنا‪ ،‬ول شك أن‬
‫الكلم أبعد مرمى من الشارة إلى الدعاء‪ ،‬وأن المقصود هو أن النسان إذا‬
‫ما أراد الحصول على خير من خيرات الدنيا فعليه أن يبذل جهده فى سبيل‬
‫الوصول إلى ما يريد ول يكتفى بالدعاء‪ ،‬وإل فلن يطول شيئا بالمرة‪ ،‬فالسماء‬
‫ل تمطر من تلقاء نفسها ذهبا ول فضة‪ ،‬وإنما تمطر ذهبا وفضة وياقوتا ولؤلؤا‬
‫ومرجانا وألماسا وكل ما تشتهيه النفس إذا ما عمل النسان واجتهد كما‬
‫يحدث فى كل المم المتقدمة‪ ،‬أما المم المتخلفة مثلنا فتظن أنه يكفى أن‬
‫يرفع الواحد أكف الضراعة والنهنهة نحو السماء فيسقط الحمام فى فمه‬
‫مشويا وينهضم حتى دون أن يبذل جهدا فى المضغ والبلع والهضم‪ .‬ولم ل‪،‬‬
‫وهو تنبل من تنابلة السلطان يظن نفسه فى تكية قد ورثها عن أبيه وأمه؟ ل‬
‫بد إذن‪ ،‬كما قال السيد المسيح وكما كرر رسولنا الكريم‪ ،‬من العمل بأسناننا‬
‫ل ألمنا فيها إلى أدنى درجة‬ ‫وأظافرنا كى ننجح ونتفوق ونستمتع بالحياة ويق ّ‬
‫ممكنة‪ .‬أما ما نراه حولنا فى كل مكان من الكسل والتنبلة حتى فى الدعاء‪،‬‬
‫أو أسلوب سلق البيض إذا تخلينا عن تنبلتنا‪ ،‬فنتيجته هى ضيق المساكن‬

‫‪204‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وطفح المجارى وزحام المواصلت وقذارة الشوارع والتشويه الذى يحاصر‬


‫رى العصاب والشتائم‬ ‫ف ِ‬‫م الذان وي َ ْ‬ ‫ص ّ‬ ‫ت والضجيج الذى ي ُ ِ‬ ‫العين أينما اتجه ْ‬
‫المقذعة التى تنم عن قلة أدب متأصلة والنتاج القليل الهزيل الذى ل‬
‫يستطيع الصمود ول المنافسة مع النتاج المستورد والجهل المطبق‬
‫والوسواس القهرى عند الطلب والطالبات الذى ل يعطى الستاذ َ فرصة‬
‫للراحة أبدا من السئلة السخيفة التى تنهال عليه منذ أول الدراسة وقبل أن‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫يقول أحد من الساتذة فى أى مقرر‪" :‬يا فتاح يا عليم! يا رزاق يا كريم!" ِ‬
‫مثل‪ :‬ما الذى ستحذفه من المقرر؟ كيف سيأتى المتحان؟ كم سؤال إجباريا؟‬
‫وكم سؤال اختياريا؟ ما الذى ينبغى أن نركز عليه من أبواب المقرر؟ كيف‬
‫عونا من البراشيم وأدعية الصباح يوم‬ ‫نستذكر الكتاب‪ :‬نحفظه أم نفهمه؟ ود َ ُ‬
‫المتحان أن يكرمهم الله فيوقف لهم فى اللجنة ابن الحلل الذى يساعدهم‬
‫على الغش‪ ،‬أو على القل يتركهم يغشون حتى يكرم الله أولده ويوقف لهم‬
‫صاًبا مثله‪ ،‬ل بارك الله له فيما يأخذه من أجر على المراقبة‬ ‫ظا ن ّ‬‫بدورهم ملح ً‬
‫الكاذبة الخاطئة! ونادرا ما يخطئ طالب فيسأل أستاذه فى شىء من العلم!‬
‫والنتيجة هى هذا التخلف العقلى الذى نعانى كلنا منه رغم المليارات التى‬
‫فق عبثا على ما يسمى‪" :‬العملية التعليمية"‪ ،‬والذى يجعلنا نردد فى حسرة‬ ‫ت ُن ْ َ‬
‫نرجو من الله أل تجلب لنا الضغط والسكر‪" :‬أمة "اقرأ" ل تقرأ"! أما الطلب‬
‫فل أسعد ول أرضى عن حياتهم وأنفسهم! وليخبط أجعص أستاذ رأسه فى‬
‫جدوا‪ ،‬د ُّقوا‬ ‫طوا‪ ،‬إطُلبوا ت َ ِ‬ ‫أصلب حائط! يا خلق هوووووووووووه‪" :‬إسأُلوا ُتع َ‬
‫ح‬
‫ب ُيفت َ ْ‬
‫ن ي َد ُقّ البا َ‬ ‫م ْ‬
‫د‪ ،‬و َ‬ ‫ج ْ‬ ‫ب يَ ِ‬ ‫ن َيطل ُ ْ‬‫م ْ‬ ‫ل‪ ،‬و َ‬ ‫ل ي َن َ ْ‬
‫من َيسأ ْ‬ ‫كم‪8 .‬ف َ‬ ‫حل ُ‬ ‫ب ُيفت ْ‬
‫البا َ‬
‫َله"‪.‬‬
‫كم إلى‬ ‫س‪ ،‬ول َترموا د َُرَر ُ‬ ‫قد ّ ٌ‬ ‫م َ‬‫ب ما هوَ ُ‬ ‫كل َ‬ ‫لكن الكلمة التالية‪" :‬ل ُتعطوا ال ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سب للسيد‬ ‫ت إليكم فُتمّزقَكم"‪ ،‬التى ت ُن ْ َ‬ ‫ف َ‬‫جِلها وتلت َ ِ‬ ‫سها بأر ُ‬ ‫ر‪ِ ،‬لئل َ َتدو َ‬‫الخنازي ِ‬
‫المسيح‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وإن بدت سهلة التنفيذ‪ ،‬فإنها عند التطبيق‬
‫تسبب مشكلة كبيرة‪ ،‬إذ كيف نميز بين الكلب والخنازير من جهة‪ ،‬وبين‬
‫البشر الذين يعرفون قيمة ما نلقيه أمامهم من درر ويستطيعون الستفادة‬
‫منه من جهة أخرى‪ ،‬قبل أن نجرب الناس جميعا؟ بل كيف يمكننا الطمئنان‬
‫ب وخنازيُر الن لن ينقلبوا مع اليام فيصبحوا بشرا عاقلين‬ ‫إلى أن من هم كل ٌ‬
‫راقين يمكنهم تقدير تلك الجواهر والنتفاع بها؟ ثم هل من صلحيتنا القيام‬
‫بفرز الطيبين من الخبيثين وإهمال الخيرين والتركيز على الولين وحدهم؟‬
‫ذل للجميع دون تفرقة أو تمييز كما هو‬ ‫الذى أعرفه أن دعوة الله ينبغى أن ت ُب ْ َ‬
‫الحال مع ضياء الشمس وذرات الهواء‪ ،‬ثم إن لكل إنسان بعد هذا عقله‬
‫وتقديره‪ ،‬وهو المسؤول عن مصيره وخلصه‪ .‬من هنا فإن الفقرة المذكورة‬
‫تربك عقلى قليل ول أدرى كيف ينبغى التصرف إزاءها‪.‬‬

‫)‪(27 /‬‬

‫دلون بعد رحيل السيد‬ ‫كذلك هناك الكلمة التى تتوعد بالنار والعذاب من يب ّ‬
‫ت‪،‬‬ ‫سماوا ِ‬ ‫ت ال ّ‬‫ملكو َ‬ ‫ل َ‬‫خ ُ‬‫ب! يد ُ‬ ‫ب‪ ،‬يا ر ّ‬ ‫ل لي‪ :‬يا ر ّ‬ ‫ن يقو ُ‬ ‫م ْ‬ ‫عنهم‪"21" :‬ما ك ُ ّ‬
‫ل َ‬
‫س‬
‫ن الّنا ِ‬
‫م َ‬‫ل لي كثيٌر ِ‬ ‫ت‪22 .‬سَيقو ُ‬ ‫سماوا ِ‬ ‫ل بمشيئةِ أبي اّلذي في ال ّ‬ ‫ن َيعم ُ‬ ‫م ْ‬‫بل َ‬
‫مكَ‬ ‫َ‬
‫ت؟ وباس ِ‬ ‫قنا بالّنبوءا ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مك ن َط ْ‬ ‫َ‬
‫ب‪ ،‬أما باس ِ‬ ‫ب‪ ،‬يا ر ّ‬ ‫ب‪ :‬يا ر ّ‬ ‫حسا ِ‬ ‫في يوم ِ ال ِ‬
‫ل لُهم‪ :‬ما‬ ‫ة؟ ‪23‬فأقو ُ‬ ‫ب الكثير َ‬ ‫ملنا العجائ َ‬ ‫َ‬
‫مك ع َ ِ‬ ‫َ‬
‫ن؟ وباس ِ‬ ‫شياطي َ‬ ‫ط ََرْدنا ال ّ‬
‫ة‪َ .‬ابت َِعدوا عّني يا أشراُر!"‪ .‬وأنا ل أستطيع إل أن أرى فيها إشارة‬ ‫كم مّر ً‬ ‫عََرفت ُ ُ‬
‫إلى تلميذه‪ ،‬إذ هم الوحيدون الذين أعطاهم مقدرة على صنع المعجزات‬

‫‪205‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الشفائية‪ ،‬وسلطانا على الشياطين يخرجونهم به من أجساد الممسوسين‪.‬‬


‫وهذا الكلم ل أقوله من لدّنى‪ ،‬بل الذى قاله كاتب النجيل‪" :‬وَدعا َيسوعُ‬
‫ن‬
‫شفو َ‬ ‫ة وي َ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ح الّنج َ‬ ‫ن ِبه الروا َ‬ ‫سلطاًنا َيطُردو َ‬ ‫هم ُ‬ ‫عطا ُ‬ ‫شَر وأ ْ‬ ‫يع َ‬ ‫تلميذ َهُ الثن َ‬
‫ض" )متى‪.(1 /10 /‬‬ ‫ل داٍء ومَر ٍ‬ ‫ن كُ ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫س ِ‬ ‫الّنا َ‬
‫الفصل الثامن‪:‬‬
‫"شفاء البرص‪.‬‬
‫جد َ لهَ‬ ‫ص‪ ،‬فس َ‬ ‫ه أبَر ُ‬ ‫من ُ‬ ‫ة‪2 .‬وَدنا ِ‬ ‫جموع ٌ كبير ٌ‬ ‫ه ُ‬ ‫ل‪ ،‬ت َب ِعَت ْ ُ‬ ‫ن الجب َ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل َيسوع ُ ِ‬ ‫ما نَز َ‬ ‫ول ّ‬
‫ه‬
‫مس ُ‬ ‫َ‬
‫ده ول َ‬ ‫مد ّ َيسوعُ ي َ‬ ‫ن ت ُطهَّرني"‪3 .‬ف َ‬ ‫َ‬ ‫ت قادٌِر أ ْ‬ ‫ت فأن ْ َ‬ ‫ن أَرد ْ َ‬ ‫ل‪" :‬يا سّيدي‪ ،‬إ ْ‬ ‫وقا َ‬
‫ك‬‫ع‪" :‬إّيا َ‬ ‫ل له َيسو ُ‬ ‫َ‬ ‫ل‪4 .‬فقا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫وقا َ‬
‫صهِ في الحا ِ‬ ‫ن ب ََر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫د‪ ،‬فاطهُْر!" فطهَُر ِ‬ ‫ل‪" :‬أري ُ‬
‫ن الذي‬ ‫ّ‬ ‫قربا َ‬ ‫م قَد ّم ِ ال ُ‬ ‫ك‪ .‬ث ُ ّ‬ ‫س َ‬ ‫ن وأرِهِ َنف َ‬ ‫َ‬
‫ب إلى الكاه ِ‬ ‫دا‪ .‬ولكن اذهَ ْ‬ ‫أن ُتخب َِر أح ً‬
‫هم"‪.‬‬ ‫عند َ ُ‬ ‫شهادة ً ِ‬ ‫أمَر ِبه موسى‪َ ،‬‬
‫شفاء خادم الضابط‪.‬‬
‫ه‪"6 :‬يا‬ ‫ل إليهِ ِبقول ِ ِ‬ ‫َ‬ ‫س َ‬ ‫ي وت َوَ ّ‬ ‫م‪ ،‬فجاَءهُ ضاب ِط رومان ِ ّ‬ ‫ٌ‬ ‫فَرناحو َ‬ ‫ل َيسوع ُ ك َ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫‪5‬ود َ‬
‫ن َيتحّرك"‪.‬‬‫َ‬ ‫جعُ كثيًرا ول َيقدُِر أ ْ‬ ‫ت َيتوَ ّ‬ ‫ش في الَبي ِ‬ ‫َ‬
‫فرا ِ‬ ‫ح ال ِ‬ ‫د‪ ،‬خاِدمي طري ُ‬ ‫سي ّ ُ‬
‫ق‪ ،‬يا‬ ‫ح ّ‬ ‫ضاب ِط‪" :‬أنا ل أست ِ‬ ‫ُ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ه"‪8 .‬فأجا َ‬ ‫في َ ُ‬ ‫ب لش ِ‬ ‫ع‪" :‬أنا ذاه ٌ‬ ‫‪7‬فقال له َيسو ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة فُيشفى‬ ‫م ً‬ ‫ن َتقول كل ِ َ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن يكفي أ ْ‬ ‫ف َبيتي‪ .‬ولك ِ ْ‬ ‫ت سق ِ‬ ‫خل َتح َ‬ ‫َ‬ ‫ن َتد ُ‬ ‫سّيدي‪ ،‬أ ْ‬
‫ب‪،‬‬ ‫َ ُ‬ ‫ه‬ ‫فيذ‬ ‫ب!‬ ‫َ ْ‬ ‫ه‬ ‫إذ‬ ‫لهذا‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫أقو‬ ‫أمري‪،‬‬ ‫ت‬ ‫ُ ٌ َ َ‬ ‫تح‬ ‫د‬ ‫جنو‬ ‫ولي‬ ‫س‬
‫ٌ‬ ‫مرؤو‬ ‫َ‬ ‫فأنا‬ ‫خاِدمي‪9 .‬‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ب َيسوع ُ ِ‬ ‫ج َ‬ ‫ل"‪10 .‬فتع ّ‬ ‫م ُ‬ ‫ل هذا‪ ،‬في َعْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل! فيجيُء‪ ،‬وِلخاِدمي‪ :‬إع َ‬ ‫ر‪َ :‬تعا َ‬ ‫خ ِ‬ ‫وِلل َ‬
‫عند َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ل هذا اليما ِ‬ ‫مث َ‬ ‫ت ِ‬ ‫جد ُ‬ ‫كم‪ :‬ما و َ‬ ‫لل ُ‬ ‫ه‪" :‬الحقّ أقو ُ‬ ‫ن َيتَبعون َ ُ‬ ‫ل ل ِّلذي َ‬ ‫مهِ وقا َ‬ ‫كل ِ‬
‫ق‬
‫مشرِ ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫س سَيجيئو َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كم‪ :‬كثيرو َ‬ ‫لل ُ‬ ‫ل‪11 .‬أقو ُ‬ ‫سرائي َ‬ ‫حد ٍ في إ ِ ْ‬ ‫أ َ‬
‫ت‬‫ملكو ِ‬ ‫ب في َ‬ ‫م وإسحقَ ويعقو َ‬ ‫ن إلى المائدةِ معَ إبراهي َ‬ ‫ب وَيجِلسو َ‬ ‫مغرِ ِ‬ ‫وال َ‬
‫ة‪،‬‬ ‫م ِ‬ ‫جا في الظل َ‬‫ّ‬ ‫ن خارِ ً‬ ‫ت‪ ،‬في ُطَرحو َ‬ ‫ْ‬ ‫ملكو ُ‬ ‫م ال َ‬ ‫ن لهُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ن كا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ت‪12 .‬وأ ّ‬ ‫سماوا ِ‬ ‫ال ّ‬
‫ن"‪.‬‬ ‫ف السنا ِ‬ ‫صري ُ‬ ‫ك الُبكاُء و َ‬ ‫هنا َ‬ ‫و ُ‬
‫م‬
‫ي الخادِ ُ‬ ‫ف َ‬ ‫ش ِ‬‫ن لك على قَد ْرِ إيمان ِك"‪ .‬ف ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ب‪ ،‬ولي َك ْ‬ ‫ُ‬ ‫ط‪" :‬إذهَ ْ‬ ‫ضاب ِ ِ‬ ‫ل َيسوع ُ لل ّ‬ ‫‪13‬وقا َ‬
‫ة‪.‬‬ ‫ساع ِ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫في ِتل َ‬
‫شفاء حماة بطرس‪.‬‬
‫ش‬ ‫َ‬ ‫خ َ‬
‫فرا ِ‬ ‫ة ال ِ‬ ‫ح َ‬ ‫س طري َ‬ ‫حماة َ ُبطُر َ‬ ‫جد َ َ‬ ‫س‪ ،‬فوَ َ‬ ‫ت ُبطُر َ‬ ‫ل َيسوع ُ إلى َبي ِ‬ ‫‪14‬ود َ َ‬
‫مه‪.‬‬ ‫ت َتخد ُ ُ‬ ‫خذ َ ْ‬ ‫مت وأ َ‬ ‫مى‪ .‬فقا َ‬ ‫ح ّ‬ ‫دها‪ ،‬فَتركْتها ال ُ‬ ‫َ‬ ‫سي َ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫مى‪15 .‬فل َ‬ ‫ح ّ‬ ‫بال ُ‬
‫ة‬
‫جها ب ِكِلم ٍ‬ ‫َ‬ ‫ن‪ ،‬فأخَر َ‬ ‫شياطي ُ‬ ‫ن فيِهم َ‬ ‫ن الذي َ‬ ‫ّ‬ ‫م َ‬ ‫س ِبكثيرٍ ِ‬ ‫عند َ المساِء‪ ،‬جاَءهُ الّنا ُ‬ ‫‪16‬و ِ‬
‫ل‬‫م َ‬ ‫َ‬ ‫وح‬ ‫عنا‬ ‫َ‬ ‫أوجا‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫"أخ‬ ‫عيا‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ش‬ ‫إ‬ ‫ي‬
‫ّ ّ‬ ‫نب‬ ‫ال‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫قا‬ ‫ما‬ ‫م‬
‫َ ّ‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫‪17‬‬ ‫مرضى‪.‬‬ ‫َ َ‬ ‫ال‬ ‫ع‬ ‫جمي‬ ‫فى‬ ‫َ‬ ‫وش‬ ‫ه‪،‬‬ ‫من ُ‬ ‫ِ‬
‫ضنا‪.‬‬ ‫َ‬ ‫أمرا‬
‫يسوع أم العالم‪.‬‬
‫ل‪.‬‬ ‫مقاب ِ ِ‬ ‫ئ ال ُ‬ ‫شاط ِ ِ‬ ‫مَر تلميذ َه ُ بالُعبورِ إلى ال ّ‬ ‫ه‪ ،‬فأ َ‬ ‫حول َ ُ‬ ‫جمهوًرا َ‬ ‫‪18‬ورأى َيسوع ُ ُ‬
‫ب"‪.‬‬ ‫ك أي َْنما َتذهَ ُ‬ ‫م‪ ،‬أتب َعُ َ‬ ‫معل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل له‪" :‬يا ُ‬ ‫َ‬ ‫شريعةِ وقا َ‬ ‫معلمي ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫حد ُ ُ‬ ‫هأ َ‬ ‫من ُ‬ ‫دنا ِ‬ ‫‪19‬ف َ‬
‫ن‪،‬‬ ‫ن النسا ِ‬ ‫ما اب ُ‬ ‫َ‬ ‫ش‪ ،‬وأ ّ‬ ‫سماِء أعشا ٌ‬ ‫ب أوكاٌر‪ ،‬ول ِطيورِ ال ّ‬ ‫ُ‬ ‫ع‪" :‬للّثعال ِ ِ‬ ‫ه َيسو ُ‬ ‫‪20‬فأجاب َ ُ‬
‫ه"‪.‬‬ ‫س ُ‬ ‫ن ُيسن ِد ُ رأ َ‬ ‫جد ُ أي َ‬ ‫فل ي َ ِ‬
‫ن أبي"‪.‬‬ ‫ب أوّل وأدفِ ُ‬ ‫ً‬ ‫عني أذهَ ُ‬ ‫د‪ ،‬د َ ْ‬ ‫ه‪" :‬يا سي ّ ُ‬ ‫ن تلميذِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل له واحد ٌ ِ‬ ‫َ‬ ‫‪21‬وقا َ‬
‫هم!"‬ ‫موتا ُ‬ ‫ن َ‬ ‫موتى َيدِفنو َ‬ ‫ك ال َ‬ ‫َ‬
‫ع‪" :‬إتب َْعني واتُر ِ‬ ‫ل له َيسو ُ‬ ‫َ‬ ‫‪22‬فقا َ‬
‫يسوع يهدئ العاصفة‪.‬‬
‫ر‬
‫ة شديدةٌ في الَبح ِ‬ ‫صف ٌ‬ ‫ت عا ِ‬ ‫ه‪24 .‬وهَب ّ ْ‬ ‫ه تلميذ ُ ُ‬ ‫ب‪ ،‬فت َب ِعَ ُ‬ ‫ب َيسوعُ القارِ َ‬ ‫‪23‬وَرك ِ َ‬
‫قظوهُ‬ ‫ه تلميذ ُهُ وأي َ‬ ‫من ُ‬ ‫دنا ِ‬ ‫ما‪25 .‬ف َ‬ ‫ن َيسوعُ نائ ً‬ ‫ب‪ .‬وكا َ‬ ‫ج القارِ َ‬ ‫ت الموا ُ‬ ‫مر ِ‬ ‫حتى غَ َ‬
‫ن‪ ،‬يا‬ ‫م خاِئفي َ‬ ‫ع‪" :‬ما لك ُ ْ‬ ‫ك!" ‪26‬فأجاب َُهم َيسو ُ‬ ‫ن َنهل ِ ُ‬ ‫د‪ ،‬فَنح ُ‬ ‫جنا يا سي ّ ُ‬ ‫وقالوا َله‪" :‬ن َ ّ‬
‫ب‬ ‫ج َ‬ ‫م‪27 .‬فتعَ ّ‬ ‫هدوٌء تا ّ‬ ‫ث ُ‬ ‫حد َ َ‬ ‫ح والبحَر‪ ،‬ف َ‬ ‫م وَانَتهَر الّريا َ‬ ‫ن؟" وقا َ‬ ‫قليلي اليما ِ‬
‫ح والبحُر؟"‬ ‫َ ُ ّ ُ‬ ‫ريا‬ ‫ال‬ ‫ه‬ ‫ع‬ ‫تطي‬ ‫ُ‬ ‫حتى‬ ‫هذا‬ ‫ن‬ ‫َ ْ‬ ‫م‬ ‫"‬ ‫وقالوا‪:‬‬ ‫س‬‫الّنا ُ‬

‫‪206‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫طرد الشياطين وغرق الخنازير‪.‬‬


‫هَ‬
‫قب َل ُ‬ ‫َ‬
‫ن است ْ‬ ‫ل في ناحيةِ الجدرّيي َ‬ ‫مقاب ِ ِ‬
‫ئ ال ُ‬
‫شاط ِ‬ ‫ل َيسوع ُ إلى ال ّ‬ ‫ص َ‬‫ما و َ‬‫‪28‬ول ّ‬
‫دا‪ ،‬حتى ل َيقدَِر‬ ‫نج ُ‬ ‫سي ْ ِ‬ ‫َ‬
‫ن‪ .‬وكانا شرِ َ‬
‫ر‪ ،‬وفيهما شياطي ُ‬ ‫مقاب ِ ِ‬‫ن ال َ‬‫م َ‬
‫خَرجا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫جل ِ‬ ‫َر ُ‬
‫ن الله؟‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اب‬ ‫يا‬ ‫ك‪،‬‬‫َ‬ ‫ول‬ ‫لنا‬ ‫"ما‬ ‫ن‪:‬‬
‫ِ‬ ‫يصيحا‬ ‫َ‬ ‫فأخذا‬ ‫‪29‬‬ ‫ق‪.‬‬ ‫ّ‬
‫طري‬ ‫ال‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫تل‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ُ ّ ِ ْ ِ‬‫ر‬‫م‬‫ي‬ ‫أن‬ ‫أح ٌ‬
‫د‬
‫ِ‬
‫ن؟"‬‫ل الوا ِ‬‫هنا ل ُِتعذ َّبنا َقب َ‬
‫ت إلى ُ‬ ‫جئ َ‬ ‫أ ِ‬

‫)‪(28 /‬‬

‫ن‬‫شياطي ُ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫س َ‬ ‫ر‪31 ،‬فتوَ ّ‬ ‫ن الخنازي ِ‬ ‫م َ‬ ‫ك قطيعٌ كبيٌر ِ‬ ‫هنا َ‬


‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫دا ِ‬ ‫عى َبعي ً‬ ‫ن َير َ‬ ‫‪30‬وكا َ‬
‫ل لُهم‪:‬‬ ‫ر"‪32 .‬فقا َ‬ ‫سلنا إلى قطيِع الخنازي ِ‬ ‫ن طَرد َْتنا‪ ،‬فأْر ِ‬ ‫إلى َيسوعَ بقول ِِهم‪" :‬إ ْ‬
‫حد َرِ إلى‬ ‫من َ‬‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬‫ه ِ‬ ‫ّ‬
‫ر‪ ،‬فاندفَعَ القطيعُ ك ُل ُ‬ ‫َ‬ ‫خلوا في الخنازي ِ‬ ‫خرجوا ود َ َ‬ ‫هبوا!" ف َ‬ ‫"َاذ َ‬
‫ث وِبما‬ ‫ب الّرعاة ُ إلى المدينةِ وأخَبروا ِبما حد َ َ‬ ‫ك في الماِء‪33 .‬فهَر َ‬ ‫البحرِ وهَل َ َ‬
‫ل المدينةِ ك ُل ُّهم إلى‬ ‫ج أه ُ‬ ‫خَر َ‬
‫ن‪34 .‬ف َ‬ ‫ن فيِهما شياطي ُ‬ ‫ن كا َ‬ ‫ذي ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫جلي ِ‬
‫جَرى للر ُ َ‬
‫هم"‪.‬‬‫ن ِديارِ ِ‬ ‫ل عَ ْ‬ ‫ح َ‬‫ن َير َ‬ ‫ما رأوْهُ طَلبوا إَليهِ أ ْ‬ ‫ع‪ .‬ول ّ‬‫َيسو َ‬
‫الملحظ أن الجموع التى كانت تنصت عادة للسيد المسيح عليه السلم‬
‫ص أو‬‫وتتبعه من مكان إلى آخر إنما كانت تبحث عن شفاء لعاهاتها من ب ََر ٍ‬
‫س‪ ،‬وقلما يقابلنا بينهم من يسعى إلى خلص روحه‪ .‬وعادة‬ ‫مهٍ أو عََرٍج أو م ّ‬ ‫كَ َ‬
‫ما تنتهى واقعة الية التى تحققت على يد السيد المسيح بقوله للشخص الذى‬
‫دا"‪ ،‬إل أنه يقوم برغم ذلك بإخبار الناس‬ ‫ك أن ُتخب َِر أح ً‬ ‫استفاد منها‪" :‬إّيا َ‬
‫جميعا‪ .‬كما نلحظ أيضا أنه‪ ،‬عليه السلم‪ ،‬دائم الحركة والتنقل دون سبب‬
‫على القل ظاهر‪ :‬فهو يصعد الجبل لينزل منه بعد قليل‪ ،‬ويركب السفينة‬
‫ليعود بها بعد قليل‪ ،‬ويذهب لبيت فلن ليخرج منه بعد قليل‪ ،‬وفى كل ذلك فل‬
‫كاتب النجيل يذكر ول نحن من تلقاء أنفسنا نستطيع أن نخمن السبب وراء‬
‫قا قلقا‬ ‫كل هذه التحركات والتنقلت‪ ،‬وكأنما كان عليه الصلة والسلم قَل ِ ً‬
‫مرضيا لسبب ل نعرفه! هكذا يفهم القارئ مما يقرؤه فى النجيل‪ ،‬لكننا‬
‫بطبيعة الحال ل نطمئن لهذا‪ ،‬وإن كنا ل ندرى ماذا نفعل‪ .‬ومع هذا يظل القوم‬
‫ي ُط ِْنبون فى الحديث عن السيد المسيح بوصفه كائنا خارقا‪ :‬إلها أو ابن إله‬
‫رغم أن هذه هى كل بضاعته تقريبا‪ ،‬وهى إذا ما قورنت بما عند الرسول‬
‫الكريم من كنوز عبقرية فى مجال العقيدة والعبادة والتعاملت المالية‬
‫والجتماعية والسياسية والمبادئ الخلقية والتوجيهات السلوكية والرشادات‬
‫العلمية والمنهجية والتحليلت الحضارية‪ ...‬إلخ راعنا أنها ل تمثل سوى زاوية‬
‫ضيقة جدا من هذا العالم المحمدى الرحيب هى الزاوية الخلقية التى هى مع‬
‫ذلك عند رسولنا أرحب وأعمق وأجدى‪ ،‬إذ إن فى وصايا المسيح مغالة‬
‫ومجاوزة للقدرة البشرية وتطرفا فى المثالية بحيث ل يستطاع تطبيقها‬
‫ش رغم دغدغتها المشاعر واستفزازها عاطفة الزهو‬ ‫مِعي ٍ‬ ‫وتحويلها إلى واقٍع َ‬
‫عند بعض الناس المغرمين بالشقشقة المحبين للفرقعة والد ّوِىّ لمجرد‬
‫ى!‬
‫الفرقعة والد ّوِ ّ‬
‫كن السيد المسيح فى أعيننا وسويداء قلوبنا ول نرضى‬ ‫س ِ‬ ‫إننا نحن المسلمين ن ُ ْ‬
‫فيه بكلمة سوء لن تبجيله وحبه والعتقاد فى نبوته وطهارته وسمو خلقه هو‬
‫قَبل من دونه‪ ،‬بيد أن هذا ل يمنعنا من‬ ‫جزء ل يتجزأ من اليمان فى ديننا ل ي ُ ْ‬
‫كشف وجه الغُل ُوّ فيه صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ذلك الغُلوّ الذى حذرنا منه سيد‬
‫ُ‬
‫النبيين والمرسلين فقال‪" :‬ل ت ُط ُْرونى كما أ َط َْرت النصارى ابن مريم"!‬
‫رى إننى لتألم الن بعد مرور ألفى عام لحال أولئك المساكين من‬ ‫م ِ‬‫ول َعَ ْ‬
‫دا‪ ،‬وأستطيع أن‬ ‫ما شدي ً‬ ‫مى أل ً‬ ‫مصروعين ومجذومين ومبروصين وعُْرج وعُ ْ‬

‫‪207‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أدرك‪ ،‬رغم البعد الزمنى الشاسع‪ ،‬مدى العذاب البدنى والنفسى الرهيب‬
‫الذى كان عليهم أن يصطلوه إلى أن ظهر فى أفق حياتهم سيدنا عيسى‬
‫فمّثل لهم نقطة الضوء والمل الوحيدة فى حياتهم‪ .‬رحمنا الله جميعا ورحم‬
‫كل ضعيف مسكين يقاسى متاعب الحياة‪ ،‬وما أكثر متاعبها ومصاعبها وأثقل‬
‫عبئها وأفدحه! إن اللوحة التى تعرضها علينا الناجيل لتدعو إلى الرثاء وتوجع‬
‫فِعمه بالوحشة لما تمتلئ به من البشاعة واللم! والغريب‪ ،‬وجميع‬ ‫القلب وت ُ ْ‬
‫وى الشر لم تكن مرتاحة لما يفعله ويدعو إليه‬ ‫أمور الحياة تدعو للعجب‪ ،‬أن قُ َ‬
‫السيد المسيح وظلت تتربص به الفرص كى تتخلص منه وتقتله‪ .‬وهنا نفترق‬
‫جاه‬‫عن النصارى‪ :‬فنحن نقول‪ ،‬حسبما يخبرنا القرآن‪ ،‬إن الله سبحانه قد ن ّ‬
‫صا لهذه الغاية‪،‬‬‫صي ً‬
‫خ ّ‬
‫من هذا المصير التعيس‪ ،‬أما هم فيقولون إنه إنما جاء ِ‬
‫صِلب ومات على الصليب تكفيرا عن خطيئة آدم وحواء وأبنائهما‬ ‫وإنه قد ُ‬
‫الذين يستأهلون ضرب الحذاء! ترى ما ذنبه حتى لو قلنا إنه الله أو ابن الله‬
‫وا كبيًرا؟ ألم يكن الله قادرا على‬ ‫كما يقولون‪ ،‬تعالى الله عن ذلك الغشم عُل ُ ّ‬
‫س بين البشر ويتعرض‬ ‫الغفران دون أن يتجسد سبحانه وتعالى بشًرا ويند ّ‬
‫لتلك الهانات والعذابات التى تعّرض لها ويجأر ويصرخ على الصليب دون‬
‫جد ّ وحانت ساعة التنفيذ قد نسى تماما كل ما جاء‬ ‫جدوى‪ ،‬وكأنه حين جد ال ِ‬
‫خصوصا من أجله‪ ،‬وأخذ يتألم كما أتألم أنا أو أى واحد فيكم أيها القراء إذا‬
‫كتبت عليه القدار أن يتجرع تلك الكأس العلقم‪ ،‬ل كتب الله علينا شيئا من‬
‫جْلف الغبى واللم الغليظ المرعب الذى ل معنى له!‬ ‫هذا الظلم ال ِ‬

‫)‪(29 /‬‬

‫‪208‬‬

You might also like