You are on page 1of 5

‫اآلثار الحضارية لدولة بني حماد في الجزائر‬

‫‪ ‬مقاالت قصة اإلسالم‬


‫‪ ‬‬
‫‪12:22-2016/11/01‬‬

‫ملخص المقال‬

‫يتناول المقال أهم اآلثار الحضارية لدولة بني حماد في الجزائر‪ ،‬فقد اعتنى الحماديون بالعمران والفنون وكافة‬
‫العلوم‪ ،‬فما شواهد تلك اآلثار؟‬

‫دولة بني حماد أو الدولة الحمادية (‪547 - 398‬هـ‪1152 - 1007/‬م) إحدى دول البربر في‬
‫المغرب األوسط‪ ،‬وتمثــل أول دولــة بربريــة مسـتقلة تحكم الجزائــر في العصــر اإلســالمي‪.‬‬
‫أقامها حماد بن بلكين الزيري‪ ،‬وتنسب إليه‪ .‬يبدأ تاريخها الحقيقي حين اختــط حمــاد القلعــة‪،‬‬
‫وتعاقب على حكم هذه الدولة تسعة أمراء‪ ،‬اختلفوا قوةً وضعفًا وأسلوب حكم‪ ،‬وكان آخــرهم‬
‫يحيى بن العزيز الح ّمادي‪ ،‬كما تركت منشآت عمرانية ومعالم حضارية بارزة إلى اآلن‪.‬‬
‫دور بــــــــــــــــــــــــــــــــــــني حمــــــــــــــــــــــــــــــــــــاد في مجــــــــــــــــــــــــــــــــــــال التعليم‪:‬‬
‫كانت قلعة بني حماد عامرةـ بكتاتيب‪ ‬تعليم الصبيان‪ ،‬وكان من معلميها البارزين أبــو حفص‬
‫لون من التعليم الجامعيـ في المدن الكبرى‪ ،‬ال سيما بجايــة‪ .‬وأنشــأ الناصــر‬ ‫العديري‪ ،‬و ُو ِجد ٌ‬
‫علناس (‪- 454‬ـ ‪481‬هـ‪- 1062/‬ـ ‪1088‬م) في بجاية معهد سيدي التواتي‪ ،‬الذي كان يضم‬
‫ثالثــة آالف طــالب‪ ،‬وتــدرَّس فيــه كــل المــواد بمــا في ذلــك العلــوم الفلكيــة‪ ،‬وعــرف علمــاء‬
‫الجزائر يومذاك منزلة االختصاص‪ .‬كما عرفت‪ ‬المكتبات‪ ‬العامة‪.‬‬
‫وكان بجامع المنار بالقلعة مكتبة مليئة بالكتب المجلوبــة من أقطــار‪ ‬المغــرب‪ ،‬والمتلقــاة عن‬
‫أساتذة الجامعة‪ .‬وكان يحاضر في جامعــة ســيدي التــواتي علمــاء من‪ ‬األنــدلس‪ ‬ومن إفريقيــا‬
‫والشرق خالل عهد العزيز بن المنصــور بن الناصــر علنــاس (‪498‬هــ ‪515 -‬هـ‪- 1105/‬‬
‫‪1121‬م)‪ .‬وغصت بجاية بطالب العلم والعلماء‪.‬‬
‫وكان عصر الحمادييبن عصر إنشاء وترقية في جميع مناحي الحيــاة المدنيــة‪ ،‬فضــربوا في‬
‫العلم واألدب بسهم‪ ،‬ونشطوا أهلهما بالجوائز والصالت‪ ،‬فارتحــل إليهم أمثــال ابن حمــديس‬
‫الصقلي من األدباء وأبي الفضل بن النحوي التـوزري من العلمـاء وكـان يشـبه بـأبي حامـد‬
‫الغزالي‪ .‬فغصة عواصمهم بطالب المعارفـ وناشريها‪ .‬وكان العلماء يتناظرون في مجالس‬
‫بني حماد ويؤلفون لهم الكتب‪ .‬وذكر ابن األبار في التكملة أن حمــاد بن إبــراهم المخــزوميـ‬
‫ألف كتابا في التاريخ للعزيز‪.‬‬
‫وبرز الفقهاءـ والشعراء والمؤرخون واألطباء والرياضيون وغيرهم ببجاية والقلعــة وطبنــة‬
‫والزاب والمسيلة برو ًزا لم تعهده الجزائر من قبــل‪ .‬وقــد أورد الغبريــني في كتابــه "عنــوان‬
‫الدراية في علماء المائة الســابعة ببجايــة"‪ ،‬مــا يــنيف على مائــة وثالثين ترجمــة‪ ،‬ثم اعتــذر‬
‫بقوله‪" :‬وقـد بقي خلـق كثـير من أهــل المائــة السادسـة ممن لهم جالل وكمــال‪ ،‬ولكن شـرط‬
‫الكتاب منع ذكرهم"‪ .‬ونقل لنا قول الشيخ أبي علي المسيلي‪" :‬أدركت ببجاية مــا يــنيف على‬
‫تسعين مفتيًا ما منهم من يعرفني‪ ،‬فإذا كان المفتون تسعين‪ ،‬فكم يكون عدد المحدثين والنحاة‬
‫واألدباء وغيرهم؟!‬
‫ولم يخل مسجد من الطالب والمدرسـين‪ ،‬واشـتملت بجايـة وحـدها على ‪ 73‬مسـجدًا‪ .‬وكـان‬
‫لبعض علماء هذه الدولة شهرة واسعة على امتداد العالم اإلســالمي‪ ،‬أمثــال مــروان بن علي‬
‫األسدي وموسى بن حماد الصنهاجي‪.‬‬
‫االهتمـــــــــــــــــــــــــــام بعلـــــــــــــــــــــــــــوم الـــــــــــــــــــــــــــدين والعربيـــــــــــــــــــــــــــة‪:‬‬
‫وكانت لعلوم الــدين المنزلــة األولى ويليهــا علــوم العربيــة‪ .‬وينســب إلى القلعــة وبجايــة فمــا‬
‫دونهمــا من ممالــك الدولــة الحماديــة علمــاء كثــيرون تجــد نبــذا من أخبــارهم متفرقــة في‬
‫الدواوين‪ .‬ولكي تتصور إجماال مبلغ الحركةـ العلمية بهذا العصر ننقل كلمة لياقوت الحموي‬
‫ذكرها لما ذكر ريغة وأنها قرب القلعة‪ .‬قال‪" :‬قال أبو طــاهر بن ســكينة‪ :‬ســمعت أبــا محمــد‬
‫عبد هللا بن محمد بن يوسـف الزنـاتي الضـرير بـالثغر يقـول‪ :‬حضـرت هـارون بن النضـر‬
‫الريغي بالريغ في قراءة كتاب البخــاري والموطــأ وغيرهمــا عليــه وكــان يتكلّم على معـاني‬
‫أمي ال يقرأ وال يكتب‪ ،‬ورأيتــه يقــرأ كتــاب التلقين لعبـد الوهــاب البغــدادي في‬ ‫الحديث وهو ٌّ‬
‫مذهب مالك من حفظهـ كما يقرأ اإلنســان فاتحــة الكتــاب‪ ،‬ويحضــر عنــده دوين مائــة طــالب‬
‫لقراءة المد ّونة وغيرها من كتب المذهب عليه" اهـ‪.‬‬
‫ولتقدم العلوم العربية في هذا الدور ظهر من اليهرد الذين دأبهم مسايرة الوســط نبغــاء طــار‬
‫صيتهم في اآلفاق وكانوا من بلغاء الكتـاب العربـيين‪ .‬وكـانت العربيـة هي اللسـان الرسـمي‬
‫للدولة‪ .‬وجاء الهالليون بلغتهم القريبة يومئذ جدا من الفصحى فنشروها بين ســائر الطبقــات‬
‫وسهلوا على الخاصة تعلم العربية وعلى العامة تعلم دينها‪.‬‬
‫ولم يبق كبير حاجةـ إلى التدريس أو التأليف باللسان الــبربري في الجزائــر كمــا كــان األمــر‬
‫في أيام‪ ‬الرستميين‪ ،‬حيث تقهقرت البربرية من الميدان العلمي واألدبي‪ ،‬وزاحمتهــا العربيــة‬
‫في المجالس العامة فاستعرب كثير من البربر‪ .‬ولم يبــق للبربريــة مــوطن إال جبــال أوراس‬
‫وتيطري وجرجرة ونحوها حيث لم يختلط البربر بالعرب‪.‬‬
‫والذي دعا البربر إلى هذا االستعراب والدولة دولتهم والحكومة حكــومتهم مــا يعتقدونــه من‬
‫شرف العربية وغناها وكونها لغة الدين‪ .‬فصاروا يتشرفون بإجادة النطق بها‪ .‬وهكــذا تــأثير‬
‫األديان في رفع الفوارق الجنسية‪.‬‬
‫عنايـــــــــــــــــــــة بـــــــــــــــــــــني حمـــــــــــــــــــــاد بـــــــــــــــــــــالعلوم التجريبيـــــــــــــــــــــة‪:‬‬
‫عرف في عصر بني حماد كثير من المهتمين بالعلوم التجريبية إلى جانب اهتمامهم بالعلوم‬
‫اإلسالمية‪ ،‬وعرف متخصصون في العلوم التجريبية‪ ،‬كــابن أبي المليح الطــبيب المشــهور‪،‬‬
‫وابن النبــاش البجــائي‪ ،‬الطــبيب الــذي ألم بــالعلوم الطبيعيــة والفلســفية‪ ،‬وعمــر بن البيــدوخ‬
‫القلعي‪ ،‬الذي كان خبيرًا في األدوية المركبة والمفردة‪ ،‬وعارفًا بــاألمراض وعالجهــا‪ ،‬وقــد‬
‫صنف كثيرًا من الكتب مثل حواش على كتاب القانون البن سينا‪ ،‬وشرح الفصول ألبقراط‪،‬‬
‫ومحمد بن أبي بكر المنصور القلعي نسبة إلى القلعة عاصمة بــني ح ّمــاد األولى‪ ،‬الــذي نبــغ‬
‫في‪ ‬الطب‪ ‬والرياضيات والفـرائض‪ ،‬واشـتهر في علم‪ ‬الفلك‪ ‬علي بن أبي الرجـال التـاهرتي‪،‬‬
‫وله كتاب البارع في أحكام النجوم‪ ،‬الذي نقــل إلى األســبانية والالتينيــة العلــوم عنــد العــرب‬
‫والمسلمين‪.‬‬
‫الحيـــــــــــــــــــــــــاة االقتصـــــــــــــــــــــــــادية في الدولـــــــــــــــــــــــــة الحماديـــــــــــــــــــــــــة‪:‬‬
‫كانت مملكة الدولة الحمادية تشتمل على أرض طيبة وجبال جالبة لألمطار وأوديــة حافظ ـةـ‬
‫لها‪ ،‬وعني الحماديون بحفظ األمن واستخراج خيرات المملكة‪ ،‬فلم ينوا في إطفــاء الثــورات‬
‫الداخلية وصد الهجومات الخارجيةـ وتنظيم البريد وتأمين السبل‪.‬‬
‫نشطت‪ ‬الفالحة‪ ‬فأحيي موات األرضين وازينت البوادي وضواحي المدن والقرى بالمزارع‬
‫على اختالف أنواعها‪ ،‬ونصبت األرحاء على أرجاءـ األودية والجداول‪ ،‬وغرسـت البسـاتين‬
‫الجامعة ألنواع األشجار واألزهار‪.‬‬
‫ونفقت األسواق بمختلف البضائع‪ .‬فكانت الطرق البرية غاصة بالقوافــل والبحــارـ واألوديــة‬
‫الكبار تشقها أسراب السفن التجارية غادية رائحة‪ .‬وتعــددت الصــنائع والحــرف من خشــابة‬
‫ونجارةـ وخراطةـ وحدادة وحياكة صوف وقطن وكتــان وحريــر‪ ،‬واســتخرجت المعــادن من‬
‫مختلف الجهات‪.‬‬
‫العمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــران والفنــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــون‪:‬‬
‫وزاد الحركة العمرانية نموا فــرار النــاس من إفريقيــة إلى الحمــاديين أمــام الهجــوم الهاللي‬
‫ومن‪ ‬صقلية‪ ‬أمام استيالء النورمان ومن األندلس أمام استيالء‪ ‬المرابطين‪ .‬ووطد أركان هذه‬
‫الحركة بسط المرابطين لنفوذهم الفعلي على عواصم القوة الزناتية غربــا الــتي كــانت أكــبر‬
‫شاغل للحماديين‪.‬‬
‫وساعد هـذا العمـران على إنشــاء حضـارةـ من أرقى الحضــارات من نقش وتزويـق وغنــاء‬
‫وبنــاء‪ ،‬وقــد عــثر على أوان من الخــزف المطلي فيهــا كتابــات عربيــة بــارزة‪ ،‬وقــارورات‬
‫وبعض أدوات من الزجاج‪ .‬وكلها تدل على صناعة خزفية وزجاجيـةـ راقيـة‪ .‬وذكـر‪ ‬يـاقوت‬
‫الحموي‪ ‬القلعة‪ ،‬فقال‪" :‬ويتخذ بها لبابيد الطيلقان جيدة غاية‪ ،‬وبها األكســية القلعيــة الصــفيقة‬
‫النسج الحسنة المطرّزةـ بالذهب‪ ،‬ولصوفها من النعومة والبصيص بحيث يــن ّزل مــع الــذهب‬
‫بمنزلة اإلبريسم" اهـ‪ .‬وقــال جــورج مارصــي‪" :‬وحــوالي ســنة ‪457‬هــ ‪1065 /‬م صــارت‬
‫القلعــة مدينــة تجاريــة عظيمــة وارفــة الخــيرات‪ ،‬وقصــدها أربــاب الصــنائع من المشــرق‬
‫وإفريقية‪ ،‬ويظهـر أن صـناعة الفخــار يومئـذ بلغت بهــا مبلغـا عظيمـا ويظهـر عليهــا تـأثير‬
‫الفرس ومصر‪ ‬فنا وعمال‪ ،‬وجد بها من ذلك آثار كثيرة‪ ،‬ثم ترقَّت الصناعة وتطورت حسب‬
‫تطور الدولة في العظمة" اهـ‪.‬‬
‫وكانت موسيقى الجزائر الحمادية متأثرة بالموسيقى اإلفريقية واألندلســية‪ ،‬ينشــطها الملــوك‬
‫واألمراء‪ ،‬فيتخذون بمجالســتهم المغــنين والمغنيــات‪ .‬وعــاش إلى جنبهــا أغــاني العــرب في‬
‫باديتهم والبربر في جبالهم‪ .‬فكان للحاضرين أغانيهم الفنية القابلة للتهذيب والرقي‪ ،‬وللبادين‬
‫أغانيهم الموروثة عن أسالفهم المتعاصية عن التطور‪.‬‬
‫وعنى الحماديون بالخط والحفر والرسم والنقش والنحت والزخرفة‪ .‬وخلفوا نمــاذج متعــددة‬
‫ومتنوعة من فنونهم الصناعية‪ ،‬كالرخام والخشب المنحوت والرســوم الزخرفيــة والــبرونز‬
‫والزجاج والخــزفـ الصــيني‪ .‬وعرفــوا هندســة تخطيــط المــدن الــتي تتــوافر فيهــا الخــدمات‬
‫األساسية مثل مياه الشرب عن طريق العيــون الجاريـةـ إليهــا‪ ،‬وتخصــيص أمــاكن لألســواق‬
‫والبساتين والجداول واألنهار التي تخترق المدينة‪.‬‬
‫ولم تخل مدنهم من الفنادق وأماكن االحتفاالت والمعارض‪ ،‬وكان قصر البحر الــذي تعــاون‬
‫الناصر والمنصور في إنشائه بالقلعة‪ ،‬يمتاز بتخطيطه الذي أصــبح فيمــا بعــد مثــاالً يحتذيــه‬
‫المعمــاريون في صــقلية‪ ،‬وغرناطة‪ ‬وغيرهمــا‪ .‬وكــان بــرج المنــار واحـدًا من أبــرز معــالم‬
‫اإلبــداع الهندســي الح ّمــادي في القلعــة‪ .‬وكــان الجــامع الكبــير بقســنطينة من أكــبر اآلثــار‬
‫المعمارية اإلسالمية الــتي خلفهــا الحمــاديون‪ ،‬وكــان لحضــارة الح ّمــاديين األثــر البــارز في‬
‫المغرب واألندلس وأوروبا‪.‬‬
‫وقد أنشأ الحمــاديون القصــور في مختلــف المــدن والمســاجد‪ ‬والجوامــع والحــدائق‪ ‬والمنــابر‬
‫واألسواق واألسوار والقناطر‪ ،‬وأصلحوا ما تــداعى من إنشــاء من قبلهم وأسســوا المــدينتين‬
‫العظيمتين القلعة وبجاية‪ ،‬وبنوا حولهما القصور الشاهقة والمباني الجميلة‪ ،‬لذا قال الشاعر‬
‫همم الملوك اذا أرادوا ذكرها‪ *** ‬من بعدهم فبألسن البنيان‬
‫وقد بنى الناصر علناس حول القلعة قصورا شامخة مســماة بعــدة أســماء‪ ،‬قــال‪ ‬ابن خلــدون‪:‬‬
‫"وبني ببجاية قصر اللؤلؤة‪ ،‬وكــان من أعجب قصــور الــدنيا" اهـــ‪ .‬قــال أبــو راس‪" :‬وكــان‬
‫بناؤه حوالي سنة ‪470‬هـ" اهـ‪ .‬والمنصور بن الناصر (‪- 481‬ـ ‪498‬هـ‪- 1088 /‬ـ ‪1104‬م)‬
‫حضـر ملـك بـني حمـاد وصـيَّر بجايـة فـدار المملكــة‪ ،‬وجـدد‬ ‫َّ‬ ‫قـال ابن خلــدون‪" :‬هـو الـذي‬
‫قصورها وشيد جامعها وتأنق في اختطاط المباني وتشييد المصانع واتخاذ القصور وإجراء‬
‫المياه في الرياض والبساتين‪ ،‬فبنى في القلعة قصر المنار والملك والكـوكب وقصـر السـالم‬
‫وفي بجاية قصر اللؤلوة وقصر أميمون" ا‪.‬هـ‪.‬‬
‫قال صاحب االستبصار‪" :‬وفي بجاية موضع يسمى اللؤلؤة‪ ،‬وهو أنف جبل داخل في البحر‬
‫متصل بالمدينة‪ ،‬فيه قصور من بناء ملـوك صـنهاجة لم يـر الـراءون أحسـن منهـا بنـاء وال‬
‫أنــزه موضــعا‪ .‬فيهــا طاقــات مشــرفة على البحــر عليهــا شــبابيك الحديــد‪ ،‬ومجالســها مبنيــة‬
‫حيطانها بالرخام األبيض من أعالها إلى أسفلها‪ ،‬قد نقشــت أحســن نقش‪ ،‬وأنــزلت بالــذهب‪،‬‬
‫وصورت فيها الصور الحسنة‪ ،‬فجاءت من أحسن القصور" ا‪.‬هـ‪.‬‬
‫وقال أحد المستشرقين‪" :‬إن الحضارةـ الحمادية تظهر تحت تأثير المشرق‪ .‬وآثارها ال نظير‬
‫لهــا ببقيــة وطن الــبربر‪ ،‬وهي شــاهد قــوي على رقي الحضــارة اإلســالمية المغروســة‬
‫بالجزائر"‪.‬‬
‫وكان النورمانديون مغرمين بحضارة بني حماد‪ ،‬فوضعوا قصور بلــرم على شــكل قصــور‬
‫بجاية‪ ،‬وكان قصرا زيزة وكوبة ببلرم شديدي الشبه بقصور اللؤلوة والكوكب وأميمون‪.‬‬
‫وقد ذكر المقري في نفح الطيب قصيدة لعبد الجبار بن حمديس الشاعر الصقلي يصــف بهــا‬
‫دارا بناها الملك المنصور ببجاية‪ ،‬ولدقة وصفها وحسن تصويرها للحضارةـ الحمادية نورد‬
‫من مطلعها‪:‬‬
‫أعمـــر بقصــــــــــــر الملـــك ناديـــك الـــذي‪ *** ‬أضـــــــــــحىـ بجـــدك بيتـــه معمـــورا‬
‫قصــــــــــــــر لـــــو أنـــــك قـــــدكحلت بنـــــوره‪ *** ‬أعمى لعـــــاد إلى المقـــــام بصـــــيرا‬
‫واشتق من معنى الجنان نسيمه‪ *** ‬فيكاد يحدث بالعظام نشورا‬
‫ومن ختامها‪:‬‬
‫يــــا مالــــك األرض الــــذي أضـــــحى لـــــه‪ *** ‬ملـــــك الســـــماء على العــــداة نصــــيرا‬
‫كم من قصـــــــور للملـــــــوك تقـــــــدمت ‪ *** ‬واســـــــتوجبت بقصـــــــورك التأخيــــــــرا‬
‫فعمرتها وملكت كل رياسـة‪ *** ‬منها ودمـرت العــدا تدميرا‬
‫قال المقري‪" :‬ولم أر لهذه القصيدة في لفظها ومعناهــا من نظـير غـير أن فيهـا عنـدي عيبــا‬
‫واحدا هو ختمها بلفــظ التــدمير" ا‪.‬هــ‪ .‬واخترنـا هـذا الــبيت لختـام هـذا الكالم من أجــل لفـظ‬
‫التدمير الذي تحقق في العمران والحضارة الحماديين كما هو الشأن في آثار كل الدول ســنة‬
‫هللا قد خلت من قبل ولن تجد لسنة هللا تبديال‪.‬‬

‫المصـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــادر والمراجـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع‪:‬‬
‫‪ -‬ابن خلـــــــــدون‪ ،‬تـــــــــاريخ ابن خلـــــــــدون (مؤسســـــــــة األعلمي‪ ،‬بـــــــــيروت)‪.‬‬
‫‪ -‬مبارك الميلي‪ :‬تاريخ الجزائر في القديم والحديث‪ ،‬تقديم‪ :‬محمد الميلي‪ ،‬الناشر‪ :‬المؤسســة‬
‫الوطنيّـــــــــة للكتـــــــــاب بـــــــــالجزائر‪ ،‬عـــــــــام النشـــــــــر‪1406 :‬هــــــــــ ‪1986 /‬م‪.‬‬
‫‪ -‬عبــد الحليم عــويس‪ :‬دولــة بــني حمــاد صــفحة رائعــة من التــاريخ الجزائــري‪ ،‬ط‪ ،2‬دار‬
‫الصـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــحوة‪ ،‬القـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاهرة‪1991 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬إسماعيل العربي‪ :‬دولة بني حماد ملوك القلعة و بجاية‪ ،‬الشركة الوطنية للنشر و التوزيع‪،‬‬
‫‪1980‬م‪.‬‬
‫‪.L.Goluir, Le Magribe Central de lépoque des Zirides -‬‬
‫‪ -‬موقع الموسوعة اإللكتروني‬

You might also like