You are on page 1of 15

‫وزارة التعليم العايل البحث العلمي‬

‫جامعة أبو القاسم سعد هللا بوزريعة‬

‫كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية‬

‫قسـ ـ ـ ـ ـ ـم‪ :‬التـ ـ ـ ـاري ـ ـ ـ ـخ‬

‫املقياس‪ :‬املشرق اإلسالمي‬

‫الفوج‪05 :‬‬
‫العنوان‪:‬‬

‫حبث حول ‪:‬‬

‫العمارة العسكرية يف العصر الفاطمي‬

‫تحت إشراف األستاذ‪:‬‬ ‫✓ من إعداد الطالب‬


‫* شريف عبد القادر‬ ‫* حمفوظ أمحد طه‬

‫السنة الدراسية ‪2023 – 2022‬‬


‫مقدمة‬

‫العمارة هي فن وعلم تصميم وتخطيط وتشييد المباني والمنشآت ليغطي بها اإلنسان احتياجاته‬
‫المادية أو المعنوية وذلك باستخدام مواد وأساليب إنشائية مختلفة‪ .‬ويتسع مجال العمارة ليشمل‬
‫مجاالت مختلفة من نواحي المعرفة والعلوم اإلنسانية‪ ،‬مثل الرياضيات والعلوم والتكنولوجيا‬
‫والتاريخ وعلم النفس والسياسة والفلسفة والعلوم االجتماعية والثقافة والفن بصيغته الشاملة‪.‬‬

‫قد يعني مصطلح عمارة ما يلي‪:‬‬

‫مصطلح عام لوصف المباني والمنشآت المادية‪.‬‬ ‫•‬

‫فن وعلم تصميم المباني‪.‬‬ ‫•‬

‫أسلوب التصميم وطريقة تشييد المباني والمنشآت‪.‬‬ ‫•‬

‫النشاط التصميمي للمعماري‪ ،‬سوا ًء على المستوى الكلي( تصميم‬ ‫•‬

‫عمراني‪ ،‬وتخطيط عمراني‪ ،‬والتخطيط اإلقليمي‪ ،‬وهندسة عمارة البيئة )أو على‬
‫المستوى الجزئي( التأثيث المدني والتصميم الداخلي‪).‬‬

‫فالعمارة ذات عالقة وثيقة بمجاالت تخطيط المدن والتخطيط العمراني‪ ،‬والتأثيث‬
‫المدني والتصميم الداخلي‪ ،‬فالمطلوب من المعماري في مرحلة التصميم‪ ،‬التالعب المبدع‬
‫والمبتكر بالموارد والتقنيات المتوفرة‪ ،‬وذلك لتحليل المعطيات المتضاربة من أجل وضع‬
‫تصور كامل ومفصل للمشروع يعكس االعتبارات الوظيفية والفنية والجمالية ويربط‬
‫المش روع بالطبيعة والتقاليد والعادات الموجودة بالمنطقة أو البالد‪ ،‬وال سيماإيجاد صيغة‬
‫مناسبة من التصميم تترجم احتياجات الناس المقيمين في والمستخدمين للمكان فيما بعد‪ .‬كما‬
‫يجب عليه أيضا ً إعداد الرسومات والمخططات المعمارية والوصفية لتحديد أسلوب التشييد‬
‫والبناء‪ ،‬وإعداد الجداول الزمنية وتقدير التكلفة وإدارة البناء‪.‬‬

‫كما تستخدم كلمة «العمارة» لتشمل كافة األنظمة المصممة األخرى‪( ،‬معمارية الحاسوب‪،‬‬
‫ومعمارية البرمجيات )وخاصة في مجال تكنولوجيا المعلومات‪.‬‬

‫فماهي العمارة العسكرية في العصر الفاطمي؟‬


‫اط ِميَّةُ أو الد َّْولَةُ العُبَ ْي ِديَّةُ ‪:‬‬
‫َلفَةُ الفَ ِ‬ ‫اط ِميَّةُ أو ِ‬
‫الخ َ ْ‬ ‫المطلب األول‪ :‬الد َّْولَةُ الفَ ِ‬

‫هي إحدى دُول الخالفةُ اإلسالميَّة‪ ،‬والوحيدة ُ بين دُول الخالفة التي اتخذت من‬
‫المذهب الشيعي اإلسماعيلي مذهبًا رسميًّا لها‪ .‬قامت هذه الدولة بعد أن نشط الدُعاة‬
‫ي‬
‫اإلسماعيليّون في إذكاء الجذوة ال ُحسينيَّة ودعوة الناس إلى القتال باسم اإلمام المهد ّ‬
‫ظهوره في القريب العاجل‪ 1،‬وذلك خالل العهد‬ ‫ال ُمنتظر‪ ،‬الذين تنبؤوا جمي ًعا ب ُ‬

‫العبَّاسي فأصابوا بذلك نجا ًحا في األقاليم البعيدة عن مركز ال ُحكم ُخصو ً‬
‫صا‪ ،‬بسبب ُمطاردة‬
‫ُ‬
‫حيث تمكنوا من‬ ‫العبَّاسيين لهم واضطهادهم في المشرق العربي‪ ،‬فانتقلوا إلى المغرب‬
‫صا‪ ،‬وأعلنوا قيام الخالفة بعد حين‪.‬‬
‫استقطاب الجماهير وسط قبيلة كتامة البربريَّة خصو ً‬
‫شملت الدولة الفاطميَّة مناطق وأقاليم واسعة في شمال أفريقيا والشرق األوسط‪ ،‬فامتدَّ نطاقها‬
‫ي من بالد المغرب إلى مصر‪ ،‬ث ُ َّم تو َّ‬
‫سع ال ُخلفاء الفاطميّون أكثر‬ ‫على طول الساحل ال ُمتوسط ّ‬
‫شام‪ ،‬والحجاز‪ ،‬فأصبحت دولتهم أكبر دول ٍة استقلَّت‬
‫فض ّموا إلى ُممتلكاتهم جزيرة صقلية‪ ،‬وال َّ‬
‫ي لها على زعامة األراضي ال ُمقدَّسة وزعامة‬
‫عن الدولة العبَّاسيَّة‪ ،‬وال ُمنافس الرئيس ّ‬
‫ال ُمسلمين‪.‬‬
‫اختلفت المصادر التاريخيَّة حول تحديد نسب الفاطميين‪ ،‬ف ُمعظم المصادر الشيعيَّة ّ‬
‫تؤكد ص َّحة‬
‫عبيد هللا المهدي باهلل‪ ،‬وهو َّ‬
‫أن الفاطميين يرجعون‬ ‫ساللة‪ ،‬اإلمام ُ‬
‫ما قال به مؤسس هذه ال ُ‬
‫علَو ّيون‪ ،‬ومن ُ‬
‫ساللة‬ ‫صادق‪ ،‬ف ُهم بهذا َ‬
‫بنسبهم إلى ُمح َّمد بن إسماعيل بن جعفر ال َّ‬
‫ي بن أبي طالب ‪.‬‬ ‫الرسول ُمح َّمد عبر ابنته فاطمة الزهراء ورابع ال ُخلفاء َّ‬
‫الراشدين اإلمام عل ّ‬
‫بال ُمقابل‪ ،‬أنكرت مصادر أُخرى هذا النسب وأرجعت أصل ُ‬
‫عبيد هللا‬
‫المهدي إلى الفُرس أو اليهود‪ .2‬أسس الفاطميّون مدينة المهدية في‬
‫ي ‪912 - 913‬م‪ ،‬واتخذوها عاصمةً لدولتهم‬
‫والية إفريقية سنة ‪300‬هـ ال ُموافقة لسنت ّ‬
‫الناشئة‪ ،‬وفي سنة ‪336‬هـ ال ُموافقة لسنة ‪948‬م‪ ،‬نقلوا مركز ال ُحكم إلى مدينة المنصوريَّة‪،‬‬
‫ول َّما ت َّم للفاطميين فتح مصر سنة ‪358‬هـ ال ُموافقة لسنة ‪969‬م‪ ،‬أسسوا‬
‫ي‬
‫مدينة القاهرة شمال الفسطاط‪ ،‬وجعلوها عاصمتهم‪ ،‬فأصبحت مصر المركز الروح ّ‬
‫ي للدولة‪ ،‬وبقيت كذلك حتّى انهيارها‪.‬‬
‫ي والسياس ّ‬
‫والثقاف ّ‬

‫‪ -1‬الطالبي ‪ ،1985‬صفحة ‪643-642‬‬


‫‪ -2‬طقوش ‪ ،2014‬صفحة ‪54-53‬‬
‫صبهم للمذهب اإلسماعيلي‪ ،‬فعانى أتباع المذاهب‬‫أظهر عددٌ من ال ُخلفاء الفاطميّون تع ُّ‬
‫والديانات األُخرى خالل عهدهم‪ ،‬وبال ُمقابل اشتهر غيرهم بتسامحه الشديد مع سائر المذاهب‬
‫اإلسالميَّة ومع غير ال ُمسلمين من اليهود والنصارى األقباط والالتين والشوام‬
‫ضا بقدرتهم على االستفادة من كافَّة‬
‫ريان وموارنة‪ ،‬واشتهر الفاطميّون أي ً‬
‫س ٍ‬ ‫روم و ُ‬
‫من ٍ‬
‫تنوعة‪،‬‬
‫عنصريَّة ُم ّ‬ ‫ال ُمكونات البشريَّة لدولتهم ال ُمنتمية لتكتُال ٍ‬
‫ت ُ‬
‫فاستعانوا بالبربر والتُرك واألحباش واألرمن في تسيير شؤون الدولة‪ ،‬إلى جانب ال ُم ّ‬
‫كون‬
‫العُنصري الرئيسي‪ ،‬أي العرب‪.‬‬

‫لكن قُصور ال ُخلفاء لم تحفل بالعُلماء‬


‫ش َّكل العصر الفاطمي امتدادًا للعصر الذهبي لإلسالم‪َّ ،‬‬
‫وال ُكتَّاب البارزين كما فعلت قُصور بغداد قبلها‪ .‬وكان الجامع األزهر ودار الحكمة مركزين‬
‫كبيرين لنشر العلم وتعليم أُصول اللُغة والدين‪ .‬وأبرز ُ‬
‫علماء هذا العصر كان الحسن ابن‬
‫صائي بعلم البصريَّات‪ ،‬وقد جاوزت مؤلَّفاته المائة في‬
‫علماء الطبيعيَّات‪ ،‬واألخ َّ‬
‫الهيثم كبير ُ‬
‫سرع ٍة كبيرة خالل‬
‫الرياضيَّات وعلم الفلك والطب‪ .3‬أخذت الدولة الفاطميَّة تتراجع ب ُ‬
‫ّ‬
‫سلطة وأصبح اختيار‬ ‫القرنين الحادي عشر والثاني عشر الميالديين‪ ،‬فاستبدَّ ُ‬
‫الوزراء بال ُ‬
‫ال ُخلفاء بأيديهم‪ .‬وكان هؤالء ال ُخلفاء غالبًا من األطفال أو الفتيان‪ ،‬واختلف عددٌ ٌ‬
‫كبير من‬
‫ووالة األمصار ورجال القصر‪ ،‬فعاشوا في ج ٍو من الفتن والدسائس‪،‬‬
‫الوزراء مع قادة الجيش ُ‬
‫تاركين الناس يموتون من المجاعة واألوبئة ال ُمتفشية‪ .4‬وخالل ذلك الوقت كانت الخالفة‬
‫العبَّاسيَّة قد أصبحت في حماية السالجقة‪ ،‬الذين أخذوا على عاتقهم استرجاع األراضي التي‬
‫خسرها العبَّاسيّون لصالح الفاطميين‪ ،‬ففتحوا شمال ال َّ‬
‫شام وسواحلها وسيطروا عليها لفترةٍ من‬
‫ً‬
‫طويال‪ ،‬إذ كانت الحملة الصليبيَّة‬ ‫الزمن قبل أن يستردَّها الفاطميّون‪ ،‬لك َّنها لم تلبث بأيديهم‬
‫األولى قد بلغت المشرق‪ ،‬وفتح ال ُملوك واألُمراء اإلفرنج ال ُمدن والقالع الشاميَّة الواحدة تلو‬
‫سقوط‪.‬‬ ‫األُخرى‪ ،‬وبلغ أحد هؤالء ال ُملوك‪ ،‬وهو ع ّموري َّ‬
‫األول أبواب القاهرة وهددها بال ُ‬
‫استمرت الدولة الفاطميَّة تُنازع حتّى سنة ‪1171‬م عندما استق َّل صالح الدين األيوبي بمصر‬
‫َّ‬
‫بعد وفاة آخر ال ُخلفاء الفاطميين‪ ،‬وهو أبو ُمح َّمد عبدُ هللا العاضد لدين هللا‪ ،‬وأزال ُ‬
‫سلطتهم‬
‫سلطتهم الفعليَّة قد زالت ُمنذُ عهد الوزير بدر الدين الجمالي‪.5‬‬
‫اإلسميَّة بعد أن كانت ُ‬

‫‪ -3‬جحا‪/‬البعلبكي‪/‬عثمان ج‪ ،1992 6‬صفحة ‪39‬‬


‫‪ -4‬نفس المرجع ص‪.34،36‬‬
‫‪ -5‬جحا‪/‬البعلبكي‪/‬عثمان ج‪ ،1992 6‬صفحة ‪36-34‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬العمارة الفاطمية‬

‫جمعت العمارة الفاطمية التي تطورت في الدولة الفاطمية (‪ 1167-909‬ميالدي) في شمال‬


‫أفريقيا عناصر من العمارة الشرقية والغربية‪ ،‬حيث استندت على العمارة‬
‫العباسية‪ ،‬والبيزنطية‪ ،‬والمصرية القديمة‪ ،‬والقبطية وتقاليد شمال أفريقيا ‪.‬تقربت العمارة‬
‫الفاطمية من األنماط اإلسالمية المبكرة وعمارة المماليك في مصر التي تعود للعصور‬
‫الوسطى‪ ،‬فقدمت بذلك العديد من االبتكارات‪.‬‬

‫عثر على ثروة العمارة الفاطمية في المدن الرئيسية في المهدية‪(921-‬‬


‫ُ‬
‫)‪ ،948‬والمنصورية )‪ (948-973‬والقاهرة ‪ (973-1169).‬كان قلب النشاط المعماري‬
‫خالل الحكم الفاطمي في القاهرة ‪-‬المدينة القديمة في القاهرة‪ -‬على الجانب الشرقي من النيل‪،‬‬
‫حيث بُنيت العديد من القصور والمساجد والمباني األخرى‪ .‬يعتبر العزيز باهلل (حكم من‬
‫ً‬
‫شموال‪ ،‬ويعود الفضل إليه في ما ال يقل عن ثالثة‬ ‫‪ )996-975‬عمو ًما أكثر البنائين الفاطميين‬
‫ً‬
‫بارزا بما في ذلك إكمال القصور الكبرى‪ ،‬ومسجد القاهرة‪ ،‬والحصن‪ ،‬والبرج‪،‬‬ ‫عشر معل ًما‬
‫[‪]1‬‬
‫والجسر‪ ،‬وحمامات عامة‪.‬‬

‫سلوا في بناء‬
‫تنافس الخلفاء الفاطميون مع حكام اإلمبراطوريتين العباسية والبيزنطية‪ ،‬واستَر َ‬
‫القصور الفخمة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬قصورهم‪ ،‬أعظم إنجازاتهم المعمارية‪ ،‬لم تُعرف إال من خالل‬
‫األوصاف المكتوبة‪ .‬تحتفظ العديد من المقابر والمساجد والبوابات والجدران‪ ،‬خاصة في‬
‫القاهرة‪ ،‬بالعناصر األصلية‪ ،‬على الرغم من تعديلها أو إعادة بنائها بشكل كبير في فترات‬
‫الحقة‪ .‬ومن األمثلة البارزة الموجودة من العمارة الفاطمية الجامع الكبير في المهدية‪ ،‬ومسجد‬
‫األزهر‪ ،‬ومسجد الحاكم بأمر هللا‪ ،‬ومسجد الجيوشي‪ ،‬ومسجد اللؤلؤة في القاهرة‪.‬‬

‫على الرغم من التأثر الكبير بعمارة بالد ما بين النهرين والبيزنطية‪ ،‬قدم الفاطميون أو‬
‫طوروا معالم فريدة مثل قنطرة العامود المقدس ذو المحاور األربعة‪ ،‬وحاملة القبة التي تربط‬
‫حجوم المربعات الداخلية بالقبة‪ .‬اتبعت مساجدهم أسلوب البهو المعمد‪ ،‬حيث كان الفناء‬
‫المركزي محا ً‬
‫طا برواق معمد مع أسقف عادة ما تكون مدعومة بأعمدة مقوسة‪ ،‬التي كانت‬
‫سابقًا تقام على أعمدة ذات رؤوس كورينثية ذات زخرفات نباتية‪ .‬كان لديهم عدة معالم مثل‬
‫المداخل التي تبرز من الجدار والقباب فوق ال َمحاريب والقبلتين‪ ،‬وزخرفة الواجهة بنقوش‬
‫تصويرية‪ ،‬وزخارف جصية‪ .‬غالبًا ما نُحتت األعمال الخشبية لألبواب والتصاميم الداخلية‬
‫ضا‪ .‬المشهد (المزار أو‬
‫كبيرا في بناء األضرحة أي ً‬
‫تطورا ً‬
‫ً‬ ‫للمباني بدقة‪ .‬حقق الفاطميون‬
‫المقام)‪ ،‬هو ضريح يخلد خلف النبي محمد‪ ،‬وهو نوع مميز من العمارة الفاطمية‪.‬‬

‫من البوابات الناجية التي بُنيت في العصر الفاطمي في القاهرة بأمر من الوزير بدر الدين‬
‫الجمالي( حكم ‪ ،)1094-1074‬باب النصر)‪ ، (1087‬وباب الفتوح )‪ (1087‬وباب‬
‫زويلة ‪ (1092).‬على الرغم من تغيرها على مر القرون‪ ،‬تتمتع بسمات معمارية بيزنطية‪،‬‬
‫مع أثر قليل من التقاليد اإلسالمية الشرقية‪ .‬ظهر في اآلونة األخيرة أسلوب «الفاطميون‬
‫الجدد»‪ ،‬استُخدم هذا األسلوب في الترميم أو في المساجد الشيعية الحديثة من قبل البهرة‬
‫الداودية‪ ،‬التي تدعي استمراريتها من العمارة الفاطمية األصلية‪.‬‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬العمارة العسكرية في الدولة الفاطمية‬


‫المطلب األول‪ :‬العمارة واآلثار‬

‫صا في عاصمتيهم‬
‫آثارا معماريَّة كبيرة في المناطق التي حكموها‪ ،‬خصو ً‬
‫ترك الفاطميُّون ً‬
‫للمرة األولى أثناء العصر‬
‫بمصر وتونس‪ .‬ظهرت العديد من األنماط واألفكار المعماريَّة َّ‬
‫ضا‬
‫الفاطمي‪ ،‬منها على سبيل المثال بناء واجهات المساجد بالحجر المنحوت والمزخرف عو ً‬
‫عن الطوب‪ ،‬كما هي الحال في مسجد الحاكم بأمر هللا ‪.‬وقد كانت تُبنَى القباب صغيرة ً‬
‫وبسيطة‪ ،‬وأصبحت تُشيَّد بشك ٍل مضلَّع في الفترة المتأخرة من العصر الفاطمي‪.6‬‬

‫سس الفاطميون مدينة القاهرة على ضفاف نهر النيل سنة ‪ 358‬هـ (‪969‬م)‪ ،‬وذلك بعد‬
‫أ َّ‬
‫فتحهم لمصر مباشرةً‪ ،‬ليجعلوها العاصمة الجديدة لدولتهم‪ .‬وقد أمر جوهر الصقلي بعد‬
‫ب للقاهرة‪ ،‬هي باب النصر والفتوح وباب زويلة والقوس‪،‬‬
‫تأسيس المدينة ببناء أربعة أبوا ٍ‬
‫سعت القاهرة مع َّ‬
‫الزمن‪ ،‬لتتحد‬ ‫وكذلك أمر بال ُّ‬
‫شروع ببناء الجامع األزهر عام ‪ 359‬هـ‪ .7‬وتو َّ‬
‫مدن كانت قد بُنيت سابقًا في المنطقة ذاتها‪ ،‬هي ‪:‬الفسطاط من عصر الفتح‬
‫بثالث ٍ‬
‫اإلسالمي‪ ،‬والعسكر من العصر العباسي‪ ،‬والقطائع من العصر الطولوني‪َّ ،‬‬
‫وإن اتحاد هذه‬
‫المدن كلُّها مع القاهرة الفاطمية هو الذي أدَّى إلى ظهور القاهرة الحديثة‪ .‬وازدهرت العمارة‬
‫كبيرا في القاهرة‪ ،‬ومن أبرز اآلثار المعماريَّة الباقية للفاطميين فيها الجامع‬
‫ازدهارا ً‬
‫ً‬
‫األزهر وجامع الحاكم بأمر هللا ‪.8‬‬

‫‪ 6‬مميزات العمارة في العصر الفاطمي ‪.‬المنظمة الدولية للتحقيق باألنساب والقبائل العربية‪ .‬تاريخ الولوج ‪. 2014-07-25‬نسخة محفوظة ‪ 16‬نوفمبر ‪ 2016‬على موقع واي باك مشين‪.‬‬
‫‪ ↑ -7‬تعدى إلى األعلى ل‪:‬أ ب السرجاني ‪ ،2005‬صفحة ‪419‬‬
‫‪^ -8‬العمارة اإلسالمية في مدينة القاهرة القديمة ‪.‬محمد حسام الدين‪ ،‬موقع أرض الحضارات‪ .‬تاريخ الولوج ‪. 2014-07-25‬نسخة محفوظة ‪ 26‬مارس ‪ 2016‬على موقع واي باك مشين ‪.‬‬
‫تجم ُع العمارة الفاطميَّة‪ ،‬وفقًا للپروفسور إيرا الپيديوس األستاذ في جامعة كاليفورنيا‪ ،‬بركلي‪،‬‬
‫عصور الخالفة اإلسالميَّة وحتّى العصر العبَّاسي‪،‬‬
‫بين عناصر شرقيَّة وغربيَّة‪ ،‬من أوائل ُ‬
‫ث تصنيفها ضمن فئ ٍة ُمحددة‪ ]239[.‬ومن أبرز‬
‫أي باح ٍ‬
‫األمر الذي يجعل من الصعب على ّ‬
‫سامراء‪ ،‬والعمارة القبطيَّة في مصر‪،‬‬
‫َّ‬ ‫المؤثرات في العمارة الفاطميَّة‪ :‬العمارة العبَّاسيَّة في‬
‫أغلب المباني الفاطميَّة تُش َّيدُ‬
‫ُ‬ ‫والعمارة الروميَّة في ال َّ‬
‫شام وبيزنطة‪ ]240[.‬وكانت‬
‫بواسطة الطوب في بادئ األمر‪ ،‬ث ُ َّم َّ‬
‫تحول ال ُمهندسون إلى استعمال الحجر النافر‪ ]241[.‬وعني‬
‫الفاطميّون بإنشاء وتشييد المشاهد والمزارات ال ُمقدَّسة آلل البيت‪ ،‬فزيّنوا عاصمتهم القاهرة‬
‫بعد ٍد منها‪ ،‬استُعمل بع ُ‬
‫ضها لدفن ال ُخلفاء أنفسهم‪ ]242[،‬وما زال عددٌ من هذه المزارات قائ ٌم في‬
‫مصر حتّى الزمن الحالي فيما زال بع ُ‬
‫ضها اآلخر‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬العمارة العسكرية‬


‫كما اهتم العرب بالعمارة الدينية ممثلة في المساجد والمدارس واألربطة (التي جمعت بين‬
‫الوظيفتين الدينية والعسكرية) واألضرحة وذلك ألداء الشعائر الدينية ونشر العلم والتفقه في‬
‫الدين اهتموا كذلك بتحصين مدنهم وإعدادها لصد غارات المعتدين ولذلك انتشرت العمائر‬
‫العسكرية من قالع وحصون وأسوار وأبواب مدن وأبراج وأربطة وقد زودت هذه المنشآت‬
‫بالمتاريس والسقاطات والمزاغل وغيرها‪.‬‬
‫أوالً‪ :‬القَلع‬
‫القلعة‪ :‬برج حصين يشرف على مكان مرتفع يلجأ إليه الناس وقت الخطر وعادة ما تزود‬
‫بكل احتياجاتها من مساجد ودور وحوانيت ودروب وصهاريج للمياه وحمامات وحدائق‬
‫‪9‬‬
‫ومالعب فهي تمثل مدينة داخل المدينة الكبيرة‪.‬‬
‫وقد انتشرت عمارة القالع في العديد من األقطار العربية مثل الشام ومصر واألندلس‬
‫والجزيرة العربية ومن أشهر تلك القالع قلعة حلب بسوريا وقلعة الجبل بمدينة القاهرة‪.‬‬
‫قلعة حلب‪:‬‬
‫هي الحصن الرئيسي لمدينة حلب القديمة وبالرغم من أن أقدم آثارها يرجع إلى معبد حيثي‬
‫من القرن ‪ 10‬ق‪ .‬م إال أن القلعة بأسوارها وأبراجها ومبانيها ترجع للعصر األيوبي‬

‫‪ -9‬عبد الرحيم غالب‪ :‬موسوعة العمارة اإلسالمية صـ ‪.319‬‬


‫والمملوكي وأكثرها يرجع إلى الظاهر غازي وقد جري عليها ترميمات في عهد كل من‪:‬‬
‫قالوون وقايتباي وقانصوه الغوري‪.‬‬
‫وصف القلعة‪:‬‬
‫القلعة مبنية على هضبة طبيعية وركام مباني قديمة وهي ترتفع عن المدينة حوالي ‪ 38‬مترا ً‬
‫ويحيط بها خندق واسع يتراوح عرضه بين ‪ 26‬و‪ 30‬مترا ً وعمقه ‪ 22‬مترا ً تقريبا ً والسفح‬
‫المحيط بالقلعة تكسوه حجارة منحوتة لحماية القلعة أما أسوارها فتأخذ شكالً بيضاويا ً يبلغ‬
‫قطرها األكبر ‪ 310‬مترا ً واألصغر ‪ 170‬متراً‪.‬‬
‫وفي سنة ‪ 1428‬م تم بناء سور جديد صارت به القلعة وجزء من المدينة داخل األسوار‬
‫وللقلعة مدخلين أمامي (سفلي) ويقع في مقدمة الخندق ويرجع إلى القرن ‪ 13‬م وهو عبارة‬
‫عن برج مستطيل الشكل يبلغ ارتفاعه ‪ 20‬مترا ً وبه فتحات إللقاء السوائل الحارقة ورمي‬
‫السهام وكان يتصل بالقلعة عن طريق جسر خشبي متحرك يرفع وقت الخطر‪ .‬أما المدخل‬
‫الخلفي (العلوي) الذي يقع أعلى السفح وهو عبارة عن برج ضخم أيضا ً يرجع إلى القرن‬
‫‪ 15‬م وبه عدة أبواب تفتح على محاور متعامدة تعوق المهاجمين ويتصل من جانبيه بالسور‬
‫وبه باب من الحديد المطروق يؤدي إلى ممر على جانبيه إيوانات إلقامة جنود الحامية ويلي‬
‫ذلك باب أعاله فتحة إللقاء السوائل الحارقة وخلف الباب ممر ينعطف إلى اليمين نحو قاعة‬
‫مستطيلة بها بئر عميقة تنتهي إلى سراديب تؤدي إلى خارج القلعة ويتصل المدخالن أو‬
‫البرجان بجسر مائل تحمله ثمانية عقود عبر الخندق ويزين المدخل نحت على شكل ثعابين‪.‬‬
‫أما الباب األخير ويسمى باب األسدين فمصراعاه من الحديد المطروق وهو من صنع الظاهر‬
‫غازي سنة ‪ 1209‬م وقد بنيت األبراج والسور من الحجر الجيري األبيض وقد اتخذت القلعة‬
‫منذ العصر الفاطمي مقرا ً للحكام فأصبحت عبارة عن مدينة بها قصر ومسجد وصهاريج‬
‫للمياه وسجون وحمامات ومالعب وحدائق ودارا ً لسك العملة بحيث تستطيع الصمود أمام أي‬
‫‪10‬‬
‫حصار‪.‬‬
‫قلعة الجبل (صَلح الدين)‬
‫قام بتأسيسها صالح الدين األيوبي على إحدى الهضاب العالية على امتداد الجهة الشرقية من‬
‫القاهرة ويفصل بينهما وبين جبل المقطم طريق صالح سالم الذي شق في العصر الحديث‬

‫‪ -10‬موسوعة الشروق‪ :‬ج ‪ 1‬صـ ‪ ،244‬حسن الباشا‪ :‬مدخل إلى العمارة صـ ‪ ،137‬فولفغانغ مولر‪ -‬فيز‪ :‬القالع أيام الحروب الصليبية صـ ‪.85‬‬
‫وكانت هذه القلعة عند بنائها تقع في الجهة الجنوبية الشرقية من القاهرة الفاطمية على ارتفاع‬
‫‪ 250‬قدما ً من سطح األرض‪ ،‬وهي تأتي على رأس المنشآت العسكرية التي أقامها األيوبيون‬
‫لدفع الخطر الصليبي وكذلك حماية لهم من خطر نور الدين زنكي وقد اختار لها صالح الدين‬
‫مكانا ً مرتفعا ً من جبل المقطم وقد أراد بها تأمين مدن مصر الممثلة في العسكر والقطائع‬
‫والفسطاط والقاهرة وجمعها بسور واحد مزود بالتحصينات واألبراج والبوابات المنيعة‬
‫فأصبحت القلعة جزء من السور ولكن صالح الدين توفي قبل إتمام القلعة فأتم بنائها أخوه‬
‫الملك العادل سنة ‪ 614‬هـ ‪ 120 /‬م وقد بنيت القلعة من أحجار مقتطعة من جبل المقطم‬
‫وبعض األحجار التي تم حملها من بعض أهرامات الجيزة الصغيرة وقد قام صالح الدين‬
‫بحفر خندق حول القسم الشرقي من القلعة ليضاعف من ارتفاع الجدران وبذلك فصل بين‬
‫القلعة وبين جبل المقطم بهوة كبيرة تمنع أي عدو يسيطر على المقطم من االستفادة من ذلك‬
‫الموقع‪ .‬وقد أشار بن جبير إلى أن أسرى الصليبيين قد سخروا في بناء القلعة وحفر أساسها‬
‫في الصخر ونشر رخامها وحفر الخندق المحيط بالسور‪.‬‬
‫وقد تعرضت أسوار القلعة للتجديد في عصور مختلفة وللقلعة أبواب عديدة منها باب المدرج‬
‫وهو المواجه للقاهرة وكان يجلس بداخله والي القاهرة وهو الباب الرئيسي للقلعة وفي أعاله‬
‫توجد كتابة باسم صالح الدين ووزيره بهاء الدين قراقوش وباب العزب الذي أنشأه األمير‬
‫رضوان كتخدا حوالي ‪ 1168‬هـ ‪ 1754 /‬م) موضع باب السلسلة القديمة ومنها باب الجبل‬
‫والباب الجديد ويقع أمام باب المدرج وقد أنشأه محمد علي (‪ 1241‬هـ ‪ 1825 /‬م) ‪.‬‬
‫ومن أهم أقسام القلعة بئر يوسف الحلزوني يقع خلف جامع الناصر محمد بن قالوون وهذه‬
‫البئر عمقها ‪ 90‬مترا ً حفرها قراقوش في باطن الصخر وكانت تتكون من طابقين العلوي‬
‫عمقه ‪ 50‬مترا ً والسفلي عمقه ‪ 40‬مترا ً تستخرج المياه منها بواسطة سواقي في كل طابق‬
‫تدور األبقار ويقال أن قاع هذه البئر كانت مساوية ألرض بركة الفيل وأن ماءها كان عذبا ً‬
‫في أول األمر فلما أراد قراقوش تعميقها تداخلت معها عين مالحة أفسدت عذوبتها‪ ،‬وجامع‬
‫الناصر محمد بن قالوون سنة ‪ 718‬هـ وجامع سليمان باشا (جامع سارية) وجامع أحمد‬
‫كتخدا العزب وجامع محمد علي وكان بالقلعة العديد من المنشآت كالمساجد والقصور‬
‫واإلسطبالت واإليوانات وغيرها مما يجعلها مدينة قائمة بذاتها‪.‬‬
‫ومنذ عهد صالح الدين اتخذت القلعة مقرا ً للحكم حتى عصر إسماعيل سنة ‪ 1850‬م عندما‬
‫‪11‬‬
‫انتقل إلى قصر عابدين‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬األسوار‬
‫اهتم العرب بتأمين مدنهم وحمايتها ولذلك أقاموا حولها األسوار التي تمنعها عند مهاجمة‬
‫األعداء ومن أشهر األسوار العربية أسوار بغداد وسور دمشق وسور القاهرة‪.‬‬
‫سور بغداد‬
‫عبارة عن سورين أمر المنصور ببنائهما حول مدينة بغداد‪ :‬سور داخلي ويبلغ عرض أسفله‬
‫خمسون ذراعا ً وأعاله عشرون ذراعا ً وسور خارجي عرضه مثل عرض السور الداخلي‬
‫وارتفاعه ثالثون ذراعا ً وليس عليه أبراج وحول السور خندق تجري فيه الماء حافتيه من‬
‫الجص واألجر وفوق الخندق ‪ 163‬برجا ً يبلغ سمك كل منها خمسة أذرع وكان بالسور أبواب‬
‫أربعة منها‪ :‬باب الكوفة في الجنوب الغربي وباب البصرة في الجنوب الشرقي وباب‬
‫خراسان في الشمال الشرقي ويقع على نهر دجلة ويتصل بقنطرة السفن وقد عرف أيضا ً باسم‬
‫باب الدولة وباب الشام في الشمال الغربي وكان بين السورين فاصل مقداره ستون ذراعا ً وقد‬
‫بنيت األسوار باللبن أو اللبن واألجر وكان بين السورين دهاليز تصل السور الخارجي‬
‫بالداخلي‪.‬‬
‫ولما ضاقت بغداد بسكانها امتدت المباني إلى خارجها حتى وصلت الضفة الشرقية لنهر دجلة‬
‫ولذلك بنى سور آخر في القرن الخامس الهجري ‪ 488‬هـ ‪ 1095 /‬م وما زال هذا السور باقيا ً‬
‫وأهم أجزاءه باب الشرجة وباب المعظم وعندما أعاد السالجقة تجديد السور في القرن السابع‬
‫الهجري بنوا بابين باب الطلسم وباب الوسطاني الذي رممته مديرية اآلثار وحولته إلى‬
‫‪12‬‬
‫متحف حربي‪.‬‬
‫سور القاهرة‬
‫عندما بنى جوهر الصقلي مدينة القاهرة ‪ 358‬هـ ‪ 969 /‬م أحاطها بسور من اللبن عرضه‬
‫عدة أذرع يتسع لمرور فارسين وهو على شكل مربع طول ضلعه ‪ 1200‬متر وأضالعه في‬
‫محاور الجهات األصلية وكان الضلع الجنوبي في مواجهة الفسطاط والشمالي حفر حوله‬

‫‪ -11‬المقريزي‪ :‬الخطط ج ‪ 3‬صـ ‪ 34‬وما بعدها‪ ،‬حسن الباشا‪ :‬المرجع السابق صـ ‪ ،138‬الموسوعة‪ :‬ج ‪ 11‬صـ ‪ ،1916‬محمد الكحالوي‪ :‬آثار مصر في كتابات الرحالة صـ ‪ ،151 ،150‬حسني محمد نويصر‪:‬‬
‫العمارة اإلسالمية في مصر (عصر األيوبيين والمماليك) صـ ‪.26 ،8 ،7 ،5‬‬
‫‪ -12‬الموسوعة‪ :‬ج ‪ 8‬صـ ‪.1401 ،1388‬‬
‫خندق والغربي كان يحميه خليج يخرج من نهر النيل والشرقي كان بإزاء جبل المقطم وجعل‬
‫فيه جوهر ثمانية أبواب‪.‬‬
‫وفي سنة ‪ 480‬هـ ‪ 1087 /‬م رأى أمير الجيوش بدر الجمالي أن يجدد هذا السور باللبن‬
‫ولكنه جعل األبواب بالحجارة وجعل فيها عقودا ً وممرات فخمة وأهم هذه األبواب باب الفتوح‬
‫وباب النصر وباب زويلة ويقول المقريزي‪" :‬عن هذه األبواب الثالثة صممها أخوة من الرها‬
‫وبلغ عرض السور حوالي عشرة أذرع وكان بين السور الذي بناه جوهر والذي بناه بدر‬
‫الجمالي حوالي خمسون ذراعاً" ‪.‬‬
‫ويعتبر السور واألبواب الثالثة من أجمل المباني الحربية في العمارة العربية اإلسالمية وفي‬
‫سنة ‪ 569‬هـ ‪ 1173 /‬م بنى صالح الدين يوسف بن أيوب سورا ً آخر أحاط به القاهرة وقلعة‬
‫الجبل حيث قام بمد السور الفاطمي الشمالي إلى الغرب حتى يلتقي بميناء المقس على النيل‬
‫وموضعه اآلن مسجد الفتح الجديد بميدان رمسيس كما قام بحفر خندق حول السور يمتد من‬
‫باب الفتوح إلى قلعة المقس ثم يمتد الخندق من باب النصر في الجهة الشرقية إلى باب‬
‫البرقية كما قام بمد السور من الشرق حتى يتصل بالسور الفاطمي الشمالي القديم كما قام بمد‬
‫سور ثالث من جنوب القلعة حتى يتصل بباب القرافة إلى أن يصل مدينة الفسطاط‪.‬‬
‫وكان بالسور أبراج عديدة لم يتبقى منها غير برج الظفر بالركن الشمالي كما جعل فيها عدة‬
‫أبواب لم يتبق منها غير ثالثة هي باب النصر وباب الفتوح شماالً وباب زويلة جنوبا ً‬
‫وجميعها من عهد بدر الجمالي وال تزال بعض مناطق القاهرة تحتفظ بأسماء بعض هذه‬
‫‪13‬‬
‫األبواب مثل باب الشعرية وباب سعادة وباب البحر‪.‬‬
‫سور دمشق‬
‫من المنشآت الحربية التي ترجع إلى العصر األيوبي ولم يتبقى منه غير أجزاء قليلة وهو‬
‫مبنى باألحجار الضخمة ويوجد عليه برجان أحدهما يرجع للقرن السادس الهجري الثاني‬
‫عشر الميالدي وهو دائري الشكل ويقع جنوب باب الجابية ويعرف ببرج نور الدين زنكي‬
‫أما البرج الثاني فهو مربع الشكل ويعود تاريخه للقرن السابع الهجري الثالث عشر الميالدي‬
‫وعليه اسم الملك الصالح أيوب‪.‬‬

‫‪ -13‬المقريزي‪ :‬الخطط ج ‪ 1‬صـ ‪ ،97 :90‬محمد شفيق‪ :‬الموسوعة العربية ج ‪ 1‬صـ ‪ ،1031‬حسن الباشا‪ :‬موسوعة العمارة واآلثار والفنون ج ‪ 1‬صـ ‪ ،384 ،383‬محمد الكحالوي‪ :‬المرجع السابق هامش صـ‬
‫‪.151 ،150‬‬
‫ومن أهم األجزاء الباقية (باب السالمة) وسمى كذلك تفاؤالً حيث إنه ال يستطيع األعداء‬
‫مهاجمة المدينة من ناحيته لكثرة األشجار واألنهار حوله وقد بنى هذا الباب في عهد نور‬
‫الدين زنكي أيضا ً ثم جدده الملك الصالح نجم الدين أيوب سنة ‪ 641‬هـ وعلى عتبته كتابة‬
‫تشير لذلك‪.‬‬
‫وحول السور كان يوجد خندق يمأل بالماء عند الضرورة وكانت عليه جسور أمام كل باب‬
‫من أبواب المدينة التسعة وال تزال تلك األبواب باقية فيما عدا باب النصر الذي هدم (‪١٢٨٠‬‬
‫هـ ‪ 1863 /‬م) وجميعها ترجع إلى العصر العربي فيما عدا الباب الشرقي الذي يعود للعصر‬
‫الروماني‪.‬‬
‫والسور نموذج لألبنية العسكرية العربية التي تقدمت تقدما ً ملموسا ً في أوائل القرن السابع‬
‫‪14‬‬
‫الهجري‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬أبواب المدن‪:‬‬
‫اهتم العرب بتزويد مدنهم باألبواب الضخمة المصفحة والمصنوعة من الحديد المطروق‬
‫وغيره وكانت تزود أحيانا ً بالباشورات‬
‫‪ -‬أي يكون في المدخل انكسار بحيث يعوق حركة المهاجمين‬
‫‪ -‬كما كانت تزود بالمزاغل والسقاطات إللقاء المواد الحارقة والزيت والمياه المغليين ورمي‬
‫السه ام ومن أشهر األبواب التي بقيت في المدن العربية أبواب مدينة القاهرة‪.‬‬
‫أبواب القاهرة‬
‫كان بالقاهرة أبواب عديدة في الجانب القبلي كان يوجد بابان متالصقان يطلق عليهما بابي‬
‫زويلة وفي الجانب الشمالي بابان متباعدان أحدهما باب الفتوح واآلخر باب النصر وفي‬
‫الجانب الشر قي ثالثة أبواب هم باب البرقية والباب الجديد والباب المحروق ومن الجهة‬
‫الغربية ثالثة أبواب هم باب الفرج وباب القنطرة وباب سعادة وباب آخر يعرف باسم باب‬
‫الخوخة وفي سنة ‪ 485‬هـ بنى بدر الجمالي باب زويلة الكبير الباقي إلى اآلن ولم يتبقى من‬
‫تلك األبواب غير ثالثة أبواب هي التي أنشأها بدر الجمالي ويقال أن ثالثة أخوة من الرها هم‬
‫من قاموا ببناء تلك األبواب الثالثة وهي‪ :‬باب الفتوح‪ ،‬باب النصر‪ ،‬باب زويلة‪.‬‬

‫‪ -14‬الموسوعة‪ :‬ج ‪ 7‬صـ ‪ ،1273‬حسن الباشا‪ ،‬مدخل إلى العمارة صـ ‪.141‬‬


‫باب النصر ‪ 480‬هـ ‪ 1087 /‬م‬
‫سمى بذلك ألن الجيوش المنتصرة كانت تدخل منه عند عودتها ويتكون من برجين مربعين‬
‫عليهما نقوش آلالت حربية وبين البرجين باب مرتفع في أعاله فتحة لصب المواد الحارقة‬
‫والكاوية على المهاجمين ويعلو الفتحة إفريز يحيط بالبرجين به نقش يؤرخ للباب والسور‬
‫وفي أعلى المدخل عتب من الصنج الحجرية المعشقة وفي أعلى المباني مزاغل للرمي كما‬
‫يوجد به سلم من الحجر المعقود بأسلوب مبتكر يوصل إلى أعلى الباب وإلى غرف ذات‬
‫قبوات متنوعة وتلك الغرف تكون طابقين أعلى الطابق المصمت للبرجين‪.‬‬
‫باب الفتوح ‪ 480‬هـ ‪ 1087 /‬م‬
‫ويقع أيضا ً في الجانب الشمالي من السور الثاني الذي أنشأه بدر الجمالي وهو يقع إلى الغرب‬
‫من باب النصر ويتكون من برجين مقوسان بخالف برجي باب النصر المربعان أما فتحة‬
‫الباب فيبلغ ارتفاعها حوالي ‪ 7.50‬متر تحيط به زخارف منحوتة بأشكال هندسية ونباتية‬
‫ونجوم ومحاريب وف صوص وفي واجهة الباب نحت يمثل كبش وبداخل البرجين غرف‬
‫مسقوفة بقبوات متعارضة وفي أعلى السور ممر يصل إلى البرجين‪.‬‬

‫باب زويلة ‪ 485‬هـ ‪ 1092 /‬م‬


‫ويوجد في الجانب الجنوبي من السور وبه برجين يشبهان برجي باب الفتوح وممر مسقف‬
‫بقبة وفوق البرجين تقوم مئذنتا مسجد المؤيد شيخ وقد سمى باب زويلة نسبة إلى أحد قبائل‬
‫‪15‬‬
‫البربر كما سمى بوابة المتولي نسبة إلى متولي الحسبة الذي كان يجلس عنده‪.‬‬

‫‪ -15‬المقريزي‪ :‬الخطط ج ‪ 2‬صـ ‪ ،101 :98‬حسن الباشا‪ :‬المدخل صـ ‪.144 :143‬‬


‫خاتمة‬

‫سليمانيَّة‪ ،‬والعلويَّة‪َّ ،‬‬


‫أن دُعاتهم ُمتحدرون من اإلمام‬ ‫البُهرات ‪:‬الداوديَّة‪ ،‬وال ُ‬ ‫يدَّعي ال ُمنتسبين إلى‬
‫كبير منهم‬
‫اإلسماعيلي الحادي والعشرين الطيب أبو القاسم بن المنصور‪ ،‬ابن اآلمر بأحكام هللا‪ ،‬وقس ٌم ٌ‬
‫اليوم يتمركز في والية ُگجرات بالهند ُمنذ أن أرسلت ملكة اليمن أروى بنت أحمد بن ُمح َّمد‬
‫بن جعفر بن موسى الصليحي اإلسماعيليَّة دُعاتها إلى غرب الهند لنشر الدعوة اإلسماعيليَّة‬
‫ي‪ .‬وفي الزمن الحالي‪َّ ،‬‬
‫فإن إمام‬ ‫خالل النصف الثاني من القرن الحادي عشر الميالد ّ‬
‫اإلسماعيليَّة يُلقَّب آغا خان‪ ،‬ووفقًا للباحث واألكاديمي اإليراني فرهاد دفتري‪َّ ،‬‬
‫فإن هذا اللقب‬
‫كان لقبًا تشريفيًّا خلعه الشاه فتح علي بن ُمح َّمد خان القاجاري على حسن علي بن خلي ُل هللا‬
‫سادس واألربعون‪ ،‬وتلقَّب به ُخلفائه ُمنذ ذلك الحين‪ ،‬وآخرهم شاه كريم‬
‫شاه‪ ،‬إما ُم النزاريَّة ال َّ‬
‫ي سلمان ال ُحسيني‪ ،‬إما ُم اإلسماعيليَّة الحالي‪.‬‬
‫بن عل ّ‬
‫أ َّما من الناحية المذهبيَّة‪ ،‬فقد أعاد الشاه إسماعيل بن حيدر الصفوي إحياء عد ٍد من ال ُ‬
‫سنن‬
‫المذهبيَّة الشيعيَّة التي س َّنها الفاطميّون‪ ،‬عندما فتح مدينة تبريز سنة ‪907‬هـ ال ُموافقة لسنة‬
‫‪1501‬م‪ ،‬وفرض المذهب الشيعي االثنا عشري مذهبًا رسميًّا موحدًا للبالد‪ ،‬فضرب النُقود‬
‫ي هللا»‪ ،‬ث ُ َّم أمر ال ُخطباء‬ ‫باسمه وكتب عليها‪« :‬ال إله َّإال هللا ُمح َّمد رسو ُل هللا عل ٌّ‬
‫ي ول ُّ‬
‫والمؤذنين بإضافة تش ُّهد الشيعة في اآلذان كما كان األمر يجري في الدولة الفاطميَّة‪ ،‬أي‬
‫سالالت‬
‫ي على خير العمل» وقد سارت على أثره باقي ال ُ‬
‫ي هللا» و«ح َّ‬ ‫«أشهدُ َّ‬
‫أن عليًّا ول ُّ‬
‫واستمر األمر خالل عهد الجمهوريَّة اإلسالميَّة‪ ،‬كما سار عليه شيعة‬
‫َّ‬ ‫الشاهانيَّة اإليرانيَّة‪،‬‬
‫العالم في مساجدهم‪.‬‬
‫المصادر والمراجع‬

‫‪ -1‬الطالبي ‪ ،1985‬صفحة ‪643-642‬‬


‫‪ -2‬طقوش ‪ ،2014‬صفحة ‪54-53‬‬
‫‪ -3‬جحا‪/‬البعلبكي‪/‬عثمان ج‪ ،1992 6‬صفحة ‪39‬‬
‫‪ -4‬نفس المرجع ص‪.34،36‬‬
‫‪ -5‬جحا‪/‬البعلبكي‪/‬عثمان ج‪ ،1992 6‬صفحة ‪36-34‬‬
‫‪ -6‬مميزات العمارة في العصر الفاطمي ‪.‬المنظمة الدولية للتحقيق باألنساب والقبائل‬
‫العربية‪ .‬تاريخ الولوج ‪. 2014-07-25‬نسخة محفوظة ‪ 16‬نوفمبر ‪ 2016‬على‬
‫موقع واي باك مشين‪.‬‬
‫‪ -7‬تعدى إلى األعلى ل‪:‬أ ب السرجاني ‪ ،2005‬صفحة ‪419‬‬
‫‪ -8‬العمارة اإلسالمية في مدينة القاهرة القديمة ‪.‬محمد حسام الدين‪ ،‬موقع أرض‬
‫الحضارات‪ .‬تاريخ الولوج ‪. 2014-07-25‬نسخة محفوظة ‪ 26‬مارس ‪ 2016‬على‬
‫موقع واي باك مشين‪.‬‬
‫‪ -9‬عبد الرحيم غالب‪ :‬موسوعة العمارة اإلسالمية صـ ‪.319‬‬
‫موسوعة الشروق‪ :‬ج ‪ 1‬صـ ‪ ،244‬حسن الباشا‪ :‬مدخل إلى العمارة صـ ‪،137‬‬ ‫‪-10‬‬
‫فولفغانغ مولر‪ -‬فيز‪ :‬القالع أيام الحروب الصليبية صـ ‪.85‬‬
‫المقريزي‪ :‬الخطط ج ‪ 3‬صـ ‪ 34‬وما بعدها‪ ،‬حسن الباشا‪ :‬المرجع السابق صـ‬ ‫‪-11‬‬
‫‪ ،138‬الموسوعة‪ :‬ج ‪ 11‬صـ ‪ ،1916‬محمد الكحالوي‪ :‬آثار مصر في كتابات الرحالة‬
‫صـ ‪ ،151 ،150‬حسني محمد نويصر‪ :‬العمارة اإلسالمية في مصر (عصر األيوبيين‬
‫والمماليك) صـ ‪.26 ،8 ،7 ،5‬‬
‫الموسوعة‪ :‬ج ‪ 8‬صـ ‪.1401 ،1388‬‬ ‫‪-12‬‬
‫المقريزي‪ :‬الخطط ج ‪ 1‬صـ ‪ ،97 :90‬محمد شفيق‪ :‬الموسوعة العربية ج ‪1‬‬ ‫‪-13‬‬
‫صـ ‪ ،1031‬حسن الباشا‪ :‬موسوعة العمارة واآلثار والفنون ج ‪ 1‬صـ ‪،384 ،383‬‬
‫محمد الكحالوي‪ :‬المرجع السابق هامش صـ ‪.151 ،150‬‬
‫الموسوعة‪ :‬ج ‪ 7‬صـ ‪ ،1273‬حسن الباشا‪ ،‬مدخل إلى العمارة صـ ‪.141‬‬ ‫‪-14‬‬
‫المقريزي‪ :‬الخطط ج ‪ 2‬صـ ‪ ،101 :98‬حسن الباشا‪ :‬المدخل صـ ‪:143‬‬ ‫‪-15‬‬
‫‪.144‬‬

You might also like