Professional Documents
Culture Documents
مقدمة:
المطلب األول :الوسائل التي تعتمدها الجماعات الضاغطة للتأثير على نواب البرلمان
المطلب الثاني :تكوين البرلمان ونظام انتخابه وأهميته بالنسبة لجماعات الضغط
خاتمة:
إن ظاهرة الجماعات بشكل عام هي ظاهرة قديمة ،تمحورت اهتماماتها األولى حول
مصالح اقتصادية وماليــة ولم يتعد نطاقها المصالح األسرية أو العائلية .أما الجماعات
الضاغطة بمفهومها الحديث فهي جماعات مصلحة في شكل تنظيم يسعى للضغط على
الجهاز الحكومي أو على أعضاء البرلمان من أجل تحقيق مصلحة اقتصادية أو اجتماعية أو
سياسية معينة.
لقد ظهر هذا النوع من الجماعات في الواليات المتحدة األمريكية والمجتمعات األوروبية
الغربية على الخصوص حيث ساهم المناخ الديمقراطي في ظهورها وتقوية نفوذها وتعدد
أنواعها .أما بالنســـبة للدول المغاربية والجزائر خصوصا فإن تأثير هذا النوع من الجماعات
ال يكاد يتجاوز مرحلة االنتخابات ،مما يوحي بهشاشة الرابطة السياسية والمصلحية بين
أفراد الجماعة ،وضعف مستوى التجنيد لدى منتسبيها.
وفي ظل الحراك السياسي الذي يشهده الشـارع العربي والمغاربــــي خاصة في
اآلونــــــــــة األخيـــرة ،ورغم انفتاح األفق السياسي ومجال الممارسة الديمقراطية ،يبدو أن
األحزاب السياسية عاجزة عن تأطير هذا الطموح والتعبير عن مطالب المجتمع ،وهنا تبرز
جماعات الضغط أو جماعات المصالح كقوة فاعلة في المجتمع اعتبارا أن شرائح واسعة منه
تحجم عن االنضواء تحت األطر الحزبية وتفضل البقاء ضمن ما يعرف باألغلبية الصامتة
أو غير الحزبية .فقد يكون لجماعات الضغط دور ايجابي في التعبير عن مصالح ومطالب
الجماهير ،كما يمكن أن تتحالف مع السلطة وتتبنى أجنداتها السياسية مقابل تحقيق مطالبها
الخاصة .
ولعل التجارب التي عرفتها بعض الدول العربية كتونس ومصر توحي بتشكل جماعات
ضغط من نوع خاص رغم صعوبة هيكلتها وقلة ضمانات استمراريتها وحجم المخاطر التي
قد تخلفها ،إنها جماعة ضغط الشارع المعبر عن طموحات شرائح واسعة من
المجتمع ،تسعى لتكريس ممارسة ديمقراطية حقيقية تكفل المشاركة الفعلية في إدارة شؤون
بلدانها .
تتمحور مداخلتنا حول إشكالية الدور الذي يمكن أن تلعبه الجماعات والقوى الضاغطة في
توجيه سياســات البرلمان .
لمعالجة اإلشكالية المطروحة يكون من الواجب الوقوف على ماهية الجماعات الضاغطة
(المبحث األول) ،لنتوصل لتحليل الدور الذي يمكنها أن تلعبه في توجيه سياسات
البرلمان(المبحث الثاني).
المبحث األول :ماهية الجماعات الضاغطة .
عرفها " " JEAN MEYNAUDبقوله إنه " ال توجد جماعات المصلحة في شكل
تنظيم الضغط إال ابتداءا من اللحظة التي يبدأ فيها المسؤولون استخدام التأثير على الجهاز
الحكومي ،وذلك من أجل تحقيق مطامحها أو مطالبها ".
1
ويمكن تعريفها بأنها جماعات تسعى لتحقيق هدف أو أهداف مرتبطة بمصالح أعضائها
بكافة الوسائل الممكنة ،عبر التأثير والضغط على قرارات وسياسات السلطة السياسية ولكن
2
ليس من أهدافها الوصول إلى السلطة.
كما عرفها آخرون بأنها مجموعة من األفراد يلتقون في أهداف وصفات أو خصائص
معينة يسعون إلحداث التأثيرات المطلوبة في السلوك الذي يتخذه صناع القرار تجاه
3
قضـــاياهم ومطالبـــــــهم ،وتوجيهه لتحقيق مصالحهم المشتركة.
وقد سميت بجماعات الضغط لكونها تمارس ضغطا على صناع القرار أو السلطات من أجل
تحقيق أهدافها ،وتتفاوت درجة ونوعية الضغط الذي تمارسه بحسب إمكانيات الجماعة
4
ومستوى تنظيمها ،بل ومكانتها االجتماعية.
ويفضل بعض الكتاب تسميتها بجماعات المصلحة لكونها تمثل فعال فئات تبحث عن
مصالحها بالدرجة األولى بغض النظر عن الوسائل المستخدمة لتحقيقها ،وألنها تمارس
اإلقناع أيضا 5،كما أن لفظ جماعات الضغط منتقد من وجه آخر حيث يفهم منه أنه يتضمن
تهديدا باستعمال جزء معين من التهديد أو القدرة على الثأر بطريقة ما في حال عدم استجابة
6
الحكومة على المطالب التي تقدمت بها.
- 2ناجي عبد النور،المدخل إلى علم السياسة،دار العلوم للنشر و التوزيع،عنابة ،الجزائر ،2007 ،ص.163
-3ناجي عبد النور ،المرجع السابق ،ص . 163
-4قجطان أحمد سليمان الحمداني،األساس في العلوم السياسية ،عمان ،األردن ،ط،2004 ،1ص.337
-5نفس المرجع السابق ،ص.335
-6علي محمد شمبش،العلوم السياسية،المؤسسة العربية للعلوم و الثقافة،بنغازي ،ليبيا،2008 ،ص.117
- 2خصائصها:
من التعاريف السابقة يتبين أن جماعات الضغط تتميز بعدد من الخصائص ،وهي على النحو
التالي:
ب -توفر شعور يوحد أفراد التنظيم من أجل الدفاع عن مصالح معينة
ج -تربط بين هؤالء األشخاص مصالح مشتركة بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبيــــــة
واإليديولوجية.
د -ال تستهدف الوصول إلى السلطة بل أن هدفها األساسي هو التأثير على قرارات السلطة
وسياساتها بما يخدم أهداف ومصالح الجماعة .
ه -قد تكون جماعات عامة كالنقابات والجمعيات بمختلف اختصاصاتها وقد تكون جماعات
خاصة يربط بين أفرادها مصالح شخصية خاصة .وقد تكون جماعات اجتماعية تسعى
للدفاع عن بعض المصالح االجتماعية كجمعيات الدفاع عن البطالين أو ذوي االحتياجات
الخاصة أو جمعيات الدفاع عن حقوق المرأة وقد تكون جماعات سياسية تحدد مصالحها في
الدفاع عن مصالح سياسية كالجماعات الصهيونية في أمريكا ،وقد تكون جماعات اقتصادية
أو إدارية أو غيرها بحسب اهتمامها واألهداف التي تسعى إلى تحقيقها .
-3أنواعها :
تصنف جماعات الضغط إلى عدة أصناف تبعا لمعايير مختلفة ،فيمكن تصنيفها بحسب
طبيعتها أو من حيث تنظيمها أو نطاق المصلحة التي تستهدفها.
أ /بحسب طبيعتها :تصنف الجماعات الضاغطة إلى أصناف ثالثة هي
جماعات المصالح السياسية :هي جماعات لها مصالح سياسية بحتة ،ويطلق عليها اسم -
اللوبي( ) Lobbiesوهي األكثر سعيا للتأثير على القرارات الحكومية ،واألكثر تأثيرا
على أعضاء البرلمان من خالل وسائلها المباشرة وغير المباشرة المشروعة وغير
المشروعة لذلك تعمل على أن تكون لها عالقة دائمة مع رجال السلطة وتمارس الضغط
بشكل مستمر للحصول على مزيد من االمتيازات .
جماعات المصالح شبه السياسية :لها أهداف سياسية واقتصادية في آن واحد، -
كالنقابات العمالية واتحادات أصحاب األعمال.
جماعات المصالح اإلنسانية :تمارس نشاطات متعلقة بمجاالت حقوق اإلنسان أو -
رعاية الطفولة والرفق بالحيوان أو الجمعيات النسائية والجمعيات الخيرية وهي ال
تنشط إال بقصد الحصول على إعانات مالية .
جماعات المصالح المهنية :تهتم بمصالح أصحاب المهنة الواحدة كاتحاد التجار -
7
والحرفيين أو اتحاد المحامين.
ب /بحسب تنظيمها :تصنف الجماعات الضاغطة بحسب معيار التنظيم إلى نوعين هما:
-جماعات المصالح المنظمة :هي جماعات منظمة في تركيبتها وعضويتها وهي شبيهة
باألحزاب السياسية ،ونجد أمثلة كثيرة لهذا النوع في الدول المتقدمة ،منها اللوبي اليهودي
في الواليات المتحدة األمريكية.
-جماعات المصالح غير المنظمة :هي الطبيعة الغالبة على معظم الجماعات ،خاصة في
الدول النامية ،حيث تواجه الجماعات مشكلة التمويل وقلة المقرات ،فتكون بذلك أداة في يد
الحكومة التي غالبا ما تقدم لها الدعم المادي لتتمكن من استخدامها في تمرير مشاريعها
وتنفيذ خططها.
جماعات المبادئ أو البرامج :هي جماعات تدافع عن مبادئ وقيم معينة على مستوى -
محلي أو وطني أو دولي مثل جمعية السالم األخضر التي تناهض استعمال السالح
النووي وتلوث البيئة.
وقام جابرييل المون بتسميتها بجماعات المصلحة وصنفها إلى أربعة أصناف على الشكل
التالي :
جماعات المصلحة الترابطية :هي التي تربط بين أعضائها مصلحة معينة . أ-
جماعات المصلحة غير الترابطية :هي الجماعات التي يكون أساسها رباط جغرافي ب-
أو طبقي أو ديني أو لغوي أو فكري أو مهني.
جماعات المصلحة المؤسسة :يغلب عليها الطابع الحكومي الرسمي ،كالبيروقراطية ت-
المدنية والعسكرية ،لكن العاملين فيها يصبحون جماعة مصلحة حينما يعمدون للتأثير
في صانعي القرار لتحقيق أهدافهم الخاصة.
جماعات المصلحة الفوضوية :هي جماعات يغلب على نشاطها طابع التلقائية ث-
والعنف وتسعى لتحقيق أغراضها عن طريق أساليب اإلضرابات والمظاهرات
8
وأعمال الشغب.
تتميز الجماعات الضاغطة عن األحزاب السياسية في عدة أوجه يمكن ذكرها فيما يلي:
تختلف عن األحزاب في كونها ال تسعى إلى السلطة بل لتحقيق مصالح معينة مادية -1
أو معنوية لذا تعمل على وضع من يخدمها في السلطة .
ورغم االختالفات العديدة بين األحزاب وجماعات الضغط إال أنه يمكن أن توجد
عالقات وطيدة بينهما ،إذ كثيرا ما تسيطر األحزاب على الجماعات مثل النقابات أو
االتحادات المهنية كما أن كثير من الجماعات تمول أحزابا سياسية وتدفعها للتعبير والدفاع
عن مطالبها وقد تتحول بعض الجماعات إلى أحزاب سياسية كنقابة التضامن البولندية التي
كان لها دور كبير في زعزعة النظام االشتراكي في بولندية ثم تحولت إلى حزب سياسي فاز
9
في أول انتخابات بعد انهيار الحكم السابق ووصل إلى الحكم بزعامة فاليسا.
ربط المواطنين بالدولة :تعتبر جماعات المصالح من أهم حلقات الوصل بين أ-
المواطن والحكومة ،فالمصلحة الوطنية يتم تحقيقها عندما تسعى جماعات المصالح
لتحقيق مصالحها الذاتية.
تقوية المشاركة السياسية :تمتنع شرائح واسعة من المجتمع عن االنخراط في ب-
األحزاب السياسية ،فتجد أمامها فرصة لبلوغ أهدافها وطموحاتها باالنتساب إلى
جماعات المصالح التي تدفع بأعضائها للمشاركة في النشاطات السياسية وخصوصا
في الحمالت االنتخابية من أجل الدفاع عن مصالحها .ففي الواليات المتحدة األمريكية
مثال الكثير من المواطنين ال ينتمون إلى الحزبين الرئيسيين( الحزب الديمقراطي
والحزب الجمهوري) .ولكنهم يشاركون في العمليات االنتخابية كمستقلين ،فهم في
حقيقة األمر ينتمون بطريقة أو أخرى إلى جماعات المصالح.
تأطير المجتمع المدني :تقوم جماعات المصالح بحمالت مكثفة لتعليم وتثقيف ت-
وتدريب أعضائها على المشاركة في العمل الجمعوي وتوعيتهم المشاكل والتحديات
التي تهدد مصالحهم .
بناء األجندات :تعمل جماعات المصالح على التأثير في وضع وبناء األجندات التي ث-
تتبناها الحكومة والمسئولين في الدولة.
هناك العديد من االنتقادات التي يمكن توجيهها إلى جماعات المصالح ودورها في المجتمع
لعل من أهمها:
جماعات أنانية :إن بعض علماء السياسة ينتقدون هذه الظاهرة على أنها 'أنانية '.وان أ-
كل ما يهم هذه الجماعات هي مصالح أعضائها بالدرجة األولى .وهنا البد من التأكيد
على أن مصالح هذه الجماعات ال يعنى أنها غير مشروعة أو غير قانونية وإنما يعنى
أن بعض هذه المصالح ال تقود إلى تحقيق المصلحة العامة.
انتشار الالمساواة :إن انتشار ظاهرة جماعات المصالح سوف يقود حتما النتشار ب-
ظاهرة الالمساواة في المجتمع.
مشكلة عدم التمثيل :عند وجود هذه الجماعات في الدولة ،هل تمثل أعضائها فقط أم ت-
أنها تمثل كل المجتمع ،فمثال الجمعيات النسوية المطالبة بحقوق المرأة هل تمثل كل
النساء في المجتمع أم أنها ال تمثل سوى المنتسبات إليها.
تفكك العملية السياسية :إن ظاهرة جماعات المصالح إذا لم يتم تنظيمها فقد تقود إلى ث-
تشرذم العملية السياسية ومن ثم إنتاج سياسات متفككة وغير مترابطة وأيضا إنتاج
كفاءات غير فاعلة وغير منتجة.
تعتبر البرلمان مجاال رئيسيا لنشاط الجماعات الضاغطة من خالل سعيها للتأثير في
النواب الستصدار قانون يخدم أهدافها أو تعديل قانون أو استبعاد قانون معين ،بل ربما
تضغط لتغيير الدستور نفسه.
قد يكون هذا التأثير إيجابيا إذا تعلق األمر بتفعيل آليات الرقابة البرلمانية التي يكفلها
المشرع ألعضاء البرلمان ،كتشكيل لجان التحقيق البرلمانية أو تقديم األسئلة أو
االستجوابات للحكومة والوزراء ،إال أنه في المقابل قد تستغل بعض الجماعات الضاغطة
ذات النفوذ المالي عالقاتها مع أعضاء البرلمان لتحقيق منافعها الخاصة على حساب مصالح
غالبية الشعب.
وتستعمل جماعات الضغط وسائل متنوعة للتأثير على المرشحين للعضوية في البرلمان
خالل مرحلة االنتخابات ،ويشتد تأثيرها في مرحلة ما بعد االنتخابات.
لذلك فإن لطبيعة تكوين البرلمان وطريقة انتخاب أعضائه أهمية بالغة بالنسبة للجماعات
الضاغطة.
المطلب األول :الوسائل التي تعتمدها الجماعات الضاغطة للتأثير على نواب البرلمان
تستعمل جماعات الضغط عددا من الوسائل للتأثير على الحكومة أو البرلمان ،وقد يكون
ضغط الجماعات على النواب أو الحكومة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
تكون بمطالبة النواب بتنفيذ وعودهم االنتخابية بإرسال رسائل إليهم قبل التصويت على
قانون معين ،قد تتضمن التهديد بعدم المساعدة والدعم االنتخابي أو إرسال ممثلين عن
الجماعة للتفاوض مع النواب وإقناعهم.
-حشد وفود غفيرة من األشخاص أمام أبوابهم أو في مقرات عملهم لمطالبتهم بإقرار
مطالبها.
-تزويد النواب بالمعلومات والمعطيات الوثائقية الالزمة حول موضوع معين إلقناعهم
بمطالبها وبوجهة نظرها.
-تزويدهم بالتقارير التي تعرض على لجان البرلمان للدفاع عن قضاياها مقابل مكافآت .
-تمويل النواب في حمالتهم االنتخابية.
-2الطريقة غير المباشرة:
كثيرا ما تلجأ جماعات الضغط إلى استعمال وسائل غير مباشرة تتمثل فيما يلي:
تعبئة الرأي العام : مختلف األنظمة الحاكمة تهمها مساندة الرأي العام لها ،لذا تلجأ -1
الجماعات الضاغطة إلى استخدام الرأي العام ضد السلطة بتعبئته خدمة لمصالحها،
مستخدمة في ذلك عددا من الوسائل كإصدار النشرات وعقد الندوات وإلقاء
المحاضرات واستخدام اإلذاعة والتلفزيون وإصدار الجرائد والمجالت وكل وسائل
اإلعالم .كما يمكنها حث الرأي العام على كتابة الرسائل والبرقيات إلى السلطة أو
الوزراء أو النواب.
ورغم أن هذه الجماعات ال تسعى للوصول إلى السلطة إال أنها قد تغري بعض الشخصيات
والمسؤولين السابقين لالنضمام إليها لتستعملهم في التأثير على زمالئهم السابقين في الحكومة
أو البرلمان.
التمويل :تعمل جماعات الضغط على تمويل األحزاب وغيرها من التنظيمات -2
والهياكل التي يمكن أن تتبنى مطالبها ،كما تقوم بتمويل الحمالت االنتخابية لبعض
المرشحين لعضوية البرلمان ،خاصة منهم المرشحين المستقلين.
وتعتبر وسيلة التمويل من أخطر الوسائل التي تستطيع الجماعات الضاغطة أن تستخدمها
لبلوغ أغراضها ،فقد تقوم بإغراء بعض كبار الموظفين بامتيازات عينية أو دفعهم لترك
مناصبهم الحكومية وتوليتهم مناصب قيادية بمرتبات ضخمة 10.
العنف :ال تتردد الجماعات الضاغطة من أجل الوصول إلى أهدافها في استعمال -3
أنواع معينة من العنف كاإلضرابات وعرقلة العمل الحكومي ورفض التعاون مع
السلطة وإجهاض بعض المشاريع الحكومية عمدا والعمل على خلق األزمات المالية
الخانقة ورفض دفع الضرائب وحتى اللجوء لزرع الشائعات المغرضة وغيرها من
الوسائل التي تكون ذات فعالية كبيرة في التأثير على الجهاز الحكومي أو على نواب
البرلمان.
-10محمد طه بدوي،ليلى أمين مرسي،مدخل إلى العلوم السياسية،منشأة المعارف،االسكندرية،مصر ،2001 ،ص .307
وتعتبر فترة االنتخابات فرصة سانحة تستغلها جماعات الضغط أو جماعات المصلحة
للضغط على النواب في سبيل تحقيق أهدافها ،وعادة ما يتم االتصال بأعضاء البرلمان 11أو
المرشحين لعضوية البرلمان قبل إجراء االنتخابات وفي أثنائها وبعد إعالن النتائج.
فالنفقات الباهظة للحمالت االنتخابية تتيح لجماعات الضغط فرصة لإلنفاق على الدعاية
االنتخابية ،فتلجأ إلى دعم بعض المرشحين مقابل اتفاقيات مسبقة تنص على خدمات يقدمها
المرشح الحاصل على مقعد في البرلمان من خالل موقعه البرلماني.
وال شك أن مثل تلك الممارسات إنما تعتبر وسيلة للضغط على المرشح مما يشكل خطرا
على استقالل أعضاء البرلمان ،وقد تحجب عنهم رؤية المصلحة العامة في سبيل إشباع
مصالح جماعات الضغط ،لذلك حرصت بعض النظم على النص على بعض الضمانات التي
تكفل استقالل البرلمان وتحرر أعضائه من الضغوط ،ومن هذه الضمانات النص على عدم
12
إمكان الجمع بين عضوية البرلمان ومنصب آخر.
ومما ال شك فيه أن مشروع القانون المحدد لحاالت التنافي مع العهدة البرلمانية في الجزائر
13
يندرج في هذا اإلطار الذي يأتي ضمن السياق العام لإلصالحات السياسية بالجزائر.
ونتيجة لما تتوفر عليه جماعات الضغط من إمكانيات ومعلومات سرية قد تستقيها من
مصادر عدة ،وما تنجزه من دراسات قد تفيد النائب وتتيح له قاعدة بيانات يمكنه االرتكاز
عليها في نشاطه البرلماني ،يكون بمقدورها تجنيد بعض النواب للدفاع عن مصالحها ،خاصة
أولئك الذين تلتقي قناعاتهم مع مبادئ تلك الجماعات.
المطلب الثاني :تكوين البرلمان ونظام انتخابه وأهميته بالنسبة لجماعات الضغط
- -11تولى المشرع في العديد من الدول مسألة تنظيم عملية اتصال جماعات المصالح بأعضاء البرلمان .
حسين عبد الحميد أحمد رشوان،األحزاب السياسية وجماعات المصلحة و الضغط(دراسة في علم االجتماع السياسي)،مركز االسكندرية للكتاب ،2008 ،ص.257
-12
صادق نواب المجلس الشعبي الوطني باألغلبية المطلقة على مشروع القانون العضوي 12/02المتعلق بحاالت التنافي مع العهدة البرلمانية بتاريخ 12/01/2012و تضمنت المادة الثالثة عددا من الحاالت ،منها المهام الممارسة ضمن
-13
الحكومة والمجلس الدستوري واإلدارات والمؤسسات العمومية وفي إطار أية عهدة انتخابية أخرى و مهنة القضاء ،كما يذكر أيضا ممارسة وظيفة أو عمل أو عهدة في مؤسسة أو مجمع اقتصادي والنشاط التجاري والمهن الحرة وكذا كل وظيفة أو عمل
موكل من قبل دولة أجنبية أو منظمة دولية.ويتضمن النص استثناءات محددة من حاالت التنافي هذه منها التعليم الجامعي وممارسة الطب في القطاع العمومي وكذا تولي مهمة مؤقتة لحساب الدولة لمدة سنة.
تؤثر جماعات الضغط على البرلمان على حسب تكوينه ،فإذا كان من مجلسين فإن تشكيل
كال منهما يختلف عن اآلخر ،فغالبا ما يتكون المجلس األدنى عن طريق االنتخاب المباشر،
بينما يكون المجلس األعلى مكونا من فعاليات مختارة بمواصفات معينة.
كما يختلف كال منهما عن اآلخر من حيث مدة العضوية والسن القانوني المطلوب
واالختصاص في المسائل المالية ومدى التأهيل المطلوب في كال منهما.
نظرا لالختالفات السالفة الذكر يكون من الصعب على الجماعات الضاغطة التأثير على
مجلسين في آن واحد ،فإن هي اخترقت أحدهما فإنها ستجد صعوبة في اختراق اآلخر
وتمرير مشاريعها .
أما في حال تكوين البرلمان من مجلس واحد يكون من السهل على جماعات الضغط
اختراقه ،لكونه ينتخب عن طريق االقتراع المباشر الذي يشارك فيه عامة الناخبين ،فيمكن
لهذه الجماعات استعمال وسائلها المختلفة للتأثير على الرأي العام وحشد األصوات
للمرشحين الذين يبدون استعدادا لتلبية مطالبها وتحقيق أهدافها.
تشكل االنتخابات البرلمانية مرحلة حاسمة بالنسبة لجماعات الضغط ،فعن طريقها يتم
الحصول على عدد من األصوات تمكنها من تمرير مشاريعها من خالل التشريعات التي
سيصدرها البرلمان.
أ /الترشح لالنتخابات :في ظل األنظمة الحديثة يكون الترشح لالنتخابات متاحا لعدد كبير من
األفراد من مختلف التوجهات واألفكار سواء بصفتهم ممثلين ألحزابهم أو كمستقلين.
محمد أبوضياف باشا خليل،جماعات الضغط وتأثيرها على القرارات االدارية و الدولية،دار الجامعة الجديدة،االسكندرية،مصر،2008 ،ص (.)99-96
-14
عمليا تختلف أغراض األفراد من الترشح لالنتخابات البرلمانية ،فقد يكونون ممثلين ألفكار
أحزابهم ويدافعون عنها بكل تفان وإخالص ،وقد يكون غرضهم استغالل العضوية في
البرلمان للحصول على مكاسب سياسية أو مادية معينة.
هذه الفئة األخيرة يمكن لجماعات المصالح اختراقها وتجنيدها لتحقيق أهدافها ،وقد يترشح
هؤالء بإيعاز وتأييد من هذه الجماعات ،واألخطر من ذلك أن بعض ممثلي األحزاب يغيرون
انتماءاتهم الحزبية ،بمجرد عدم تزكيتهم للترشح باسم أحزابهم األصلية ،وال أدل على ذلك
من الوضع الذي عاشته الجزائر خالل االنتخابات التشريعية الماضية.
ب /نظام االنتخاب :تعتمد الدول أنظمة مختلفة لالنتخابات البرلمانية ،فقد يكون االنتخاب
مباشرا أو غير مباشر ،فردي أو باالنتخاب على القائمة ،يعتمد نظام األغلبية أو التمثيل
النسبي ،كما أن انتخاب أعضاء الغرفة األولى للبرلمان يختلف عن انتخاب أعضاء الغرفة
الثانية.
ولكل من األنظمة السابقة مزاياه وعيوبه ،إال أن جماعات الضغط يمكنها االستفادة أكثر من
نظام انتخابي معين أقل من استفادتها من نظام آخر.
فاالنتخاب على القائمة يمكن جماعات الضغط من الوصول إلى البرلمان أكثر من استفادتها
من نظام االنتخاب الفردي ،وإمكانية وصولها للغرفة األولى للبرلمان أكثر من احتماالت
وصولها للغرفة الثانية.
خاتمة:
يتفق جل الباحثين على أن اإلصالح الدستوري ،ومطلب االنتقال إلى أنظمة حكم
ديمقراطي حقيقي في الدول العربية إنما هو مطلب جماهيري ملح ،يتطلب من السلطة
شجاعة وحنكة في معالجة أولويات الشارع العربي ،كما يتطلب من األحزاب السياسية
وتنظيمات المجتمع المدني إعادة النظر في مدى استقطابها الهتمامات وتطلعات مختلف فئات
المجتمع.
فإذا كان التنافس بين فئات المجتمع ظاهرة صحية بوجه عام ،فإن غياب الشفافية ،
وتمكن فئة معينة من فرض وجهة نظرها لعوامل تتعلق بقدرتها على التأثير أو بمركزها
المالي ونفوذها السياسي ،من شأنه أن يفصل السلطتين التنفيذية والتشريعية عن اهتمامات
المواطنين ،ويزعزع الثقة بين الحاكم والمحكوم.
وفي سياق تفعيل اإلصالحات بالجزائر صدرت القوانين العضوية المتعلقة بنظام
االنتخابات(قانون )12/01وحاالت التنافي مع العهدة البرلمانية(قانون )12/02وكيفيات
توسيع حظوظ المرأة في المجالس المنتخبة (قانون )12/03لتضمن نوعا من االستقاللية
للنائب ،وتحميه من الضغوطات التي يمكن أن يتعرض لها من قبل جماعات المصالح ،كما
تتيح فرصا جديدة لتمثيل المرأة بالمجالس المنتخبة ،وكل ذلك من شأنه أن يعطي تمثيلية أكبر
للبرلمان باعتباره السلطة التي لها صالحية التشريع باسم الشعب.