You are on page 1of 10

‫نقوال زيادة في مرآة شيخ الـمؤرخين الـجزائريين بقلم‪ :‬د‪.

‬محمد سيف اإلسالم بوفالقة‬


‫تاريخ النشر ‪17-04-2018 :‬‬

‫الدكتور محمد سيف اإلسالم بـوفالقــــة‬


‫نقوال زيادة في مرآة شيخ الـمؤرخين الـجزائريين‬

‫بقلم‪ :‬الدكتور محمد سيف اإلسالم بـوفـالقـــة‬


‫قسم اللغة العربية‪-‬جامعة عنابة‪-‬الجزائر‬
‫يؤكد الدكتور سليمان إبراهيم العسكري على ضرورة معاودة قراءة كتب العّالمة نقوال‬
‫زيادة الرحالة في جغرافيا وتاريخ الوطن العربي‪«،‬ليس فقط لالستمتاع بلغته وأسلوبه‪،‬وإنما‬
‫لكونه أحد القالئل الذين احترموا ماهية التاريخ‪،‬ومدرسته التي تحتمل الشك بقدر احتمائها‬
‫باليقين»‪.‬‬
‫كما يشير الدكتور سليمان العسكري إلى حيادية العّالمة نقوال زيادة تجاه أمته العربية في‬
‫مشرقها ومغربها‪،‬حيث إنه لم يدع منطقة إال وكتب عنها‪.‬‬
‫وبعد قراءتي لدعوة الدكتور العسكري ‪،‬وجدت نفسي مياًال إلى تقديم رؤية العّالمة‬

‫الدكتور (أبو القاسم سعد اهلل)؛شيخ المؤرخين الجزائريين‪،‬كونها تكشف النقاب عن جوانب مهمة‬
‫من عالقة نقوال زيادة بالمغرب العربي وشمال إفريقيا من خالل منجزاته ومؤلفاته التي درس‬
‫فيها تاريخ المنطقة‪،‬ففي مسيرة العّالمة نقوال زيادة جملة من الجوانب التي تستحق البحث‬
‫والتنقيب والدراسة واالكتشاف‪،‬فهو رمز من رموز الحضارة العربية ‪،‬وصوت تاريخ سيظل صداه‬
‫يتردد على مر األجيال والعصور‪.‬‬
‫لقد كان الدكتور سعد اهلل أحد أصدقاء العّالمة نقوال زيادة‪،‬وكان زميًال له بمعهد البحوث‬
‫والدراسات العربية بالقاهرة‪،‬وهذا ما يشير إليه شيخ المؤرخين الجزائريين ‪،‬حيث يقول موضحًا‬

‫عالقته به‪«:‬صدفًة كنا معًا في القاهرة أستاذين زائرين في وقت واحد بمعهد البحوث‬
‫والدراسات العربية‪.‬وفي صباح الثامن من أبريل سنة‪1976:‬م جاءني الدكتور نقوال زيادة إلى‬
‫الفندق مودعًا‪،‬فقد أخبرته قبل ذلك بيوم بأنني مغادر القاهرة‪.‬وأثناء الحديث القصير الذي دار‬
‫بيننا أخبرني أنه كان قد زار الجزائر سنة‪1951:‬م‪،‬وأنه لقي بها عددًا من المثقفين ذكر لي منهم‬
‫الشيوخ‪:‬محمد البشير اإلبراهيمي‪،‬ومحمد خير الدين‪،‬والطيب العقبي‪،‬وأحمد بن زكري‪.‬كما‬
‫أخبرني أنه زار العاصمة وقسنطينة وتلمسان وغيرها من المدن‪.‬وأنه كتب بعد رجوعه إلى‬

‫بيروت مقالة عن حركة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين‪،‬ونشرها في مجلة(األبحاث)التي‬


‫كانت تصدر عن الجامعة األمريكية( عدد مارس‪.)1952،‬‬
‫بحكم وجودنا في معهد واحد‪،‬وتخصص واحد‪،‬وتدريسنا للطلبة أنفسهم؛فقد تعددت‬
‫لقاءاتنا‪،‬كما كنا ضيفين مرات عدة على موائد بعض المؤرخين المصريين أمثال د‪.‬أحمد عزت عبد‬
‫الكريم‪،‬ود‪.‬جمال زكريا قاسم‪...‬وقد تراسلنا بعض الوقت بعد ذلك ثم انقطعت الصلة بيننا ألسباب‬
‫»‪.‬‬
‫و في الجزء الثالث من كتابه الموسوم ب«مسار قلم» الذي هو عبارة عن يوميات‪ ،‬استعاد‬
‫شيخ المؤرخين الجزائريين ذكرياته مع العّالمة نقوال زيادة‪،‬ومن بين ما ذكره أنه التقى‬
‫يوم‪21:‬مارس‪1976‬م بنقوال زيادة حينما كان جالسًا مع عبد المنعم ماجد؛رئيس قسم التاريخ‬
‫بجامعة عين شمس‪،‬وقد أخبره الدكتور نقوال زيادة خالل هذا اللقاء أنه كتب بحثًا سنة‪1970:‬‬
‫عن أربعة مؤرخين جزائريين هم‪:‬مبارك الميلي‪،‬ومحمد علي دبوز‪،‬وعبد الرحمن الجياللي‪،‬وأبو‬
‫القاسم سعد اهلل‪،‬كما أشار الدكتور أبو القاسم سعد اهلل إلى لقائه بالدكتور نقوال زيادة بمقر‬
‫الجمعية المصرية للدراسات التاريخية حينما حضر لالستماع لمحاضرته التي ألقاها عن«الطرق‬
‫التجارية في الصحراء بين المغرب العربي والسودان القديم»‪،‬وقد أعجب المؤرخ سعد اهلل أيما‬

‫إعجاب بالعّالمة نقوال زيادة ووصف محاضرته بالمفيدة‪،‬وبأنه كان يملك ناصية اللغة العربية‬
‫واإلنجليزية‪.‬‬
‫وقد تعددت لقاءات شيخ المؤرخين الجزائريين بالعّالمة نقوال زيادة‪،‬ودارت بينهما الكثير‬
‫من المناقشات العلمية المعمقة رفقة عدد من كبار مؤرخي وأدباء األمة العربية مثل‪:‬الدكتور‬
‫يونان لبيب رزق‪،‬وعبد العزيز نوار‪،‬وصالح العقاد‪،‬وأحمد عبد الرزاق وغيرهم‪.‬حيث يقول الدكتور‬
‫سعد اهلل وهو بصدد وصف لقاءاته به «‪...‬ولكن لقاءاتنا كانت مثمرة لكلينا‪،‬فهو قادم من لبنان‬
‫محمًال بأفكار ومشاريع وأنا قادم من الجزائر محمًال بأفكار ومشاريع‪.‬فكنا نجلس في بهو‬
‫الفندق‪،‬أو في قاعة األساتذة بالمعهد أو على مائدة بعض األصدقاء المصريين ونتحدث ونرسم‬
‫خططًا لتعاون ثقافي الحقًا‪،‬ولكن عندما يرجع كل منا إلى البلد الذي جاء منه تصطدم األحالم‬
‫بالواقع وتتوقف أو تتبخر لألسف‪.‬وأذكر أننا التقينا أيضًا في بيروت عدة مرات عند بعض دور‬
‫النشر‪،‬وبعض هذه اللقاءات في القاهرة وفي بيروت مسجلة في يومياتي»‪.‬‬
‫وحينما قررت إحدى المؤسسات الثقافية األردنية إصدار كتاب تكريمي يخصص للعّالمة‬
‫نقوال زيادة طلبت اللجنة المشرفة على الكتاب من أبي القاسم سعد اهلل أن ُي شارك ببحث عن‬

‫التاريخ العربي ُي نشر ضمن الكتاب التكريمي‪،‬فساهم الدكتور سعد اهلل بدراسة مطولة عن«األمير‬
‫شكيب أرسالن والقضية الجزائرية»‪.‬‬
‫ومن أهم األبحاث التي كتبها شيخ المؤرخين الجزائريين عن المؤرخ الكبير نقوال زيادة‪،‬‬
‫بحثه المعنون ب«نقوال زيادة وشمال إفريقيا»والذي نشر في كتاب«حصاد الخريف»الصادر‬
‫في طبعته األولى سنة‪2010:‬م‪،‬إذ تتجلى أهمية هذا البحث في تقديمه رصدًا شامًال عن جهود‬
‫نقوال زيادة في دراسة تاريخ شمال إفريقيا‪،‬كما يميط اللثام عن رؤى نقوال زيادة للتحوالت‬
‫التاريخية التي وقعت بالمغرب العربي‪.‬‬
‫منذ البداية يؤكد شيخ المؤرخين الجزائريين على أن أعمال نقوال زيادة تدل على اهتمامه‬
‫بأهل المغرب العربي وكفاحهم‪،‬وتاريخهم‪ ،‬وذلك‪-‬كما يذكر‪-‬خالفًا لمعظم المثقفين والمؤرخين‬
‫العرب في المشرق في عهده‪،‬ويشير إلى أن ما لفت نقوال زيادة هو الصراع ضد االستعمار‪،‬كما‬
‫يظهر في كتبه عن ليبيا وتونس‪،‬ثم أدب الرحلة‪.‬‬
‫يقول الدكتور سعد اهلل في مستهل بحثه«إن ورقتنا تدرس عالقة الدكتور نقوال زيادة‬
‫بالمغرب العربي( شمال إفريقيا)من خالل كتاباته‪.‬وسنبدأ باألقدم منها ثم نتابع تطور أفكاره‬
‫حول المنطقة‪.‬وقد الحظنا أنه باإلضافة إلى الكتب نشر بحوثًا ومقاالت بالعربية واإلنجليزية عن‬

‫المنطقة أشار بنفسه إلى بعضها في ثنايا مؤلفاته‪.‬وال ندري متى بدأت بالضبط عالقته بأقطار‬
‫المغرب العربي وأهلها‪،‬ولكن يبدو لنا أنها ال ترجع إلى أبعد من سنة‪1946:‬م حين نشر أول كتاب‬
‫له دعاه(صور من التاريخ العربي)‪،‬وهو كتاب‪-‬كما يدل عنوانه‪-‬ليس خاصًا بالمغرب العربي‪.‬فقد‬
‫ضمنه صورًا تاريخية عنه وعن األندلس»‪.‬‬
‫ويتساءل شيخ المؤرخين الجزائريين عن أسباب اهتمام نقوال زيادة بالمغرب العربي‬
‫خالفًا لمعظم المثقفين الشرقيين في ذلك العهد؟ويقول عن هذا السؤال بأنه قد ال يجد الجواب‬
‫الشافي له اآلن‪.‬‬
‫«ذلك أنه لم يكشف عن الجواب في مؤلفاته وبحوثه‪:‬فهل هو مجرد االهتمام بمنطقة معزولة‬
‫في زمن أخذت فيه حركات التحرير تنشط‪،‬ومنها حركات المغرب العربي التي كان على رأسها‬
‫في المشرق خالل الثالثينيات أمثال‪:‬عبد العزيز الثعالبي(تونس)‪،‬و عبد الكريم الخطابي(مراكش‪-‬‬
‫المغرب)‪،‬والفضيل الورتالني(الجزائر)‪،‬وإدريس السنوسي(ليبيا)؟»‬
‫ويضيف الدكتور سعد اهلل«هل كان اهتمام أهل الشام باألندلس هو الذي قاد الدكتور زيادة‬
‫إلى البحث في آداب وسفارات األندلسيين والمغاربة فكان البد من الدخول إلى البيوت من‬

‫أبوابها؟‬
‫وربما تكون هناك عالقة بينه وبين اإلنجليز خالل الحرب العالمية الثانية وهي التي كانت‬
‫وراء اهتمامه بالجناح المغربي للطائر العربي الكبير‪،‬وهذه العالقة هي التي عبرت عنها رحلته‬
‫األولى إلى برقة(بنغازي) سنة‪1949:‬م‪،‬ونتج عنها كتابه(برقة الدولة العربية الثامنة)‪.‬‬
‫وربما يقول آخر‪:‬إن االهتمام األكاديمي هو الذي كان وراء عالقة نقوال زيادة بالمغرب‬
‫العربي‪.‬ذلك أنه فيما بدا لنا كان من أوائل المهتمين بالتاريخ في خدمة المجتمع أو التاريخ‬
‫االجتماعي وإعادة تفسير التاريخ في ضوء الواقع‪،‬وبأدب الرحالت كفن وتاريخ اجتماعي‪.‬وقد‬
‫كان المغاربة من أبرز من كتب في الرحلة ووصف العالم‪،‬ابتداًء من اإلدريسي مرورًا بعشرات‬
‫الرحالت التي انطلقت من األندلس وبالد المغرب‪.‬ويبدو أن الجغرافية والرحالت كانت تجد‬
‫اهتمامًا خاصًا لدى نقوال زيادة فبدأ بها‪،‬وقد ظهر ذلك في كتابه(الرحالت والجغرافية عند‬
‫العرب)‪،‬وهو الكتاب الذي تحدث فيه عن رحالة المغرب العربي وكتاباتهم عن مدنهم وأهلهم‬
‫وأحوالهم»‪.‬‬
‫كما الحظ شيخ المؤرخين الجزائريين أن العّالمة نقوال زيادة لم يغط بمؤلفاته السياسية‬
‫الحديثة كل أقطار المغرب العربي‪،‬واكتفى بقطرين حديثي العهد باالستقالل هما ليبيا‬

‫وتونس‪،‬حيث خص ليبيا بمؤلفين أحدهما تناول فيه إقليم برقة أو بنغازي فقط‪،‬ووصل فيه إلى‬
‫مشارف االستقالل‪.‬أما الكتاب الثاني فقد تطرق فيه إلى القطر الليبي وهو يقاوم االحتالل‬
‫اإليطالي ويعاني من تداول اإلدارات(العثمانية واإليطالية واإلنجليزية) عليه ثم هو دولة‬
‫مستقلة‪ .‬في حين تناول القطر التونسي في عهد االحتالل‪،‬وتوقف مع سنوات اإلصالح الوطني‬
‫التي انطلقت مع أحمد باي‪،‬ثم الحماية الفرنسية‪.‬‬
‫توقف الدكتور أبو القاسم سعد اهلل مع مؤلفات العّالمة الرائد نقوال زيادة حسب تسلسل‬
‫ظهورها‪:‬‬
‫‪-1‬بالنسبة لكتاب«صور من التاريخ العربي» فهو يحتوي على سبعة أقسام تتناول المجتمع‬
‫العربي في مشرقه ومغربه‪،‬وفي القسم الثاني منه تحدث عن جزر البحر األبيض‬
‫المتوسط‪،‬وتطرق إلى أخبار الفتوح العربية في هذه‬
‫الجزر(قبرص‪،‬كريت‪،‬صقلية‪،‬مالطة‪،‬سردينية‪،)...‬ولم يغفل الحديث عن العمران العربي اإلسالمي‬
‫الذي نشأ في هذه الجزر‪،‬وبالط روجر ملك النورمان‪،‬والرحالة ابن جبير‪.‬‬
‫كما تطرق فيه إلى األندلس وتاريخها األدبي والحضاري‪،‬وهو كتاب لم يكن مخصًص ا كله‬

‫للمغرب العربي(شمال إفريقيا)‪،‬ولذلك فقد اتسم بالتنوع فتحدث نقوال زيادة عن‬
‫كاهن(حائك)الوادي آشي‪،‬والعالقات األندلسية‪-‬البيزنطية‪،‬وحياة األندلس من مجالس أنس وأدب‬
‫وبذخ اجتماعي‪.‬‬
‫‪-2‬أما كتاب«برقة الدولة العربية الثامنة»‪،‬والذي صدر سنة‪1950:‬م‪،‬بعد أن زارها نقوال زيادة‬
‫سنة‪،1949:‬وعمل فيها لمدة سنة مساعدًا لمدير المعارف البريطاني‪،‬وهذا ما جعله‪-‬كما يقول‬
‫الدكتور سعد اهلل‪-‬يعرف البالد وأهلها عن كثب‪،‬ويشعر بحب شديد لها ولهم‪،‬وهذا الكتاب في‬
‫أصله ألف للتعبير عن وفائه ألهلها كما أوضح ذلك في المقدمة‪.‬‬
‫انطلق نقوال زيادة في كتابه هذا من وصف المدينة وصفًا جغرافيًا‪،‬فذكر«شواطئها‬
‫وتعرجاتها كما ظهرت له من الطائرة التي نزل بها المدينة المخربة التي كانت مسرح معارك خالل‬
‫الحرب العالمية الثانية‪،‬فوصف اتصالها بالصحراء وصعوبة الصعود منها ومن سواحلها إلى الجبل‬
‫األخضر مهما كان اتجاه الصعود‪،‬وذكر باألسماء الرومانية بعض األماكن التي أصبحت لها أسماء‬
‫عربية‪.‬وصرح بأنه قد أخذ معلومات الكتاب من الرسائل التي كان يبعث بها إلى زوجه‪،‬فكان‬
‫ينقل أحيانًا من نصوص الرسائل حرفيًا‪.‬كما جاء ببعض الخرائط االقتصادية للمدينة وإحصاءات‬
‫عن ثروات برقة من الجمال والخيول واألبقار واألغنام وحتى الماعز والحمير‪،‬باإلضافة إلى‬

‫القمح والشعير والخضار والفواكه وأشجار النخيل والثروة السمكية»‪.‬‬


‫كما تحدث كذلك عن الفتح اإلسالمي لبرقة على يد عمرو بن العاص ثم عقبة بن نافع‪،‬وقد‬
‫وقع ذلك بعد فتح اإلسكندرية‪،‬حيث تابع عمرو بن العاص مسيرته إلى طرابلس‪،‬وتابع عقبة‬
‫مسيرته إلى فزان‪،‬وبعدها توالى الوالة المسلمون على مصر وبالد المغرب التي كانت تابعة إلى‬
‫والة مصر في بداية األمر‪.‬‬
‫وقد نقل الدكتور نقوال زيادة ما أورده اإلدريسي عن انتشار اإلسالم واللغة العربية بين‬
‫البربر‪،‬وكيف قدمهم المسلمون وشاركوهم في كل شيء‪ ،‬األمر الذي سهل اعتناقهم الجماعي‬
‫لإلسالم‪،‬ولم تكن لهم لغة مكتوبة فوجدوها في اللغة العربية‪،‬كما نقل كذلك ما كتبه ليون‬
‫اإلفريقي(الحسن الوزان) عن المنطقة‪،‬وتحدث عن فرسان القديس يوحنا‪،‬وعن التقسيم اإلداري‬
‫في ليبيا في العهد العثماني‪،‬ودخولها تحت مظلة الدولة العثمانية‪.‬‬
‫وقد أشار الدكتور أبو القاسم سعد اهلل إلى أن العّالمة نقوال زيادة قد أعطى اهتمامًا خاصًا‬

‫للسنوسية بصفتها طريقة وحركة«فتحدث عن ظهورها وتعاليمها ونظام زواياها وتأثيرها‪،‬وعن‬


‫زعمائها األربعة‪،‬وهم‪:‬محمد بن علي(ت‪،)1859:‬وابنه المهدي(ت‪،)1902:‬وأحمد‬

‫الشريف(ت‪،) 1918:‬ومحمد إدريس الذي كان حيًا عند كتابة الكتاب‪.‬وذكر من زواياها البيضاء‬
‫والكفرة وجغبوب‪.‬ودعم انتشارها بخريطة‪،‬كما تحدث عن عالقة السنوسية بتركيا الفتاة‪ ،‬وعن‬
‫االعتداء اإليطالي على ليبيا بجيش قوامه‪،34.000‬و‪6.300‬فارس‪،‬بينما عدد القوات العثمانية‬
‫في القطر الليبي كله ال تتجاوز‪4.210‬جنود‪.‬‬
‫وفي الكتاب وصف لمقاومة أهل برقة لالحتالل اإليطالي وحركة الجهاد الليبي التي‬
‫استغرقت حوالي عقدين‪،‬وقد وصف القائد غرازياني بالفاتك ألنه أسر رمز المقاومة عمر‬
‫المختار‪،‬ونصب له محكمة صورية حكمت بإعدامه‪.‬وقد زار مكان اإلعدام فاندهش من قلة‬
‫المترددين عليه بعد أن كان يعج بالناس‪-‬حسب تعبيره‪-‬فاقترح إقامة نصب تذكاري لعمر‬
‫المختار‪.‬وقسم مراحل النظام السياسي واإلداري بعد ذلك بحسب السلطة‪،‬فهذا االستعمار‬
‫اإليطالي بقي إلى‪ 1942‬بإدارة عسكرية‪،‬وأنشأ عدة قرى أصبحت لها اليوم أسماء عربية‪،‬كما‬
‫استولى اإليطاليون على األراضي الخصبة‪،‬وعملوا على تجهيل السكان‪.‬ثم ظهرت حركة التحرر‬
‫بعد هجرة كثير من الليبيين إلى مصر حيث انطلقت المقاومة ضد إيطاليا‪.‬‬
‫أما الوضع سنة‪ 1949:‬فقد اختلف‪،‬إذ كان السنوسي يتردد على ليبيا مما أسهم في تهدئة‬
‫الخواطر‪،‬حسب رأي المؤلف‪.‬ثم جاء الحكم البريطاني فوضع أسسًا لنظام مختلف‪،‬واعترف‬

‫بإدريس حاكمًا(ملكًا)على برقة‪،‬ثم تطور هذا الحكم إلى االستقالل الداخلي قبل أن تنال ليبيا‬
‫استقاللها الكامل في فاتح سنة‪،1952:‬بينما أعلنت فرنسا استقالل فزان في سنة‪.»1950:‬‬
‫‪-3‬الجغرافية والرحالت عند العرب‪:‬وهو كتاب يشتمل على عدة فصول من ضمنها فصل‬
‫بعنوان«تونس وجغرافيو العرب»‪،‬وآخر عن ابن بطوطة الذي يسميه الدكتور نقوال زيادة شيخ‬
‫الرحالين‪،‬إضافة إلى فصل عن رحلة التجاني التونسي‪،‬وفصل موسوم ب«رحالة من المغرب»‪.‬‬
‫تطرق نقوال زيادة في أحد فصول الكتاب إلى بالد المغرب في عرف الجغرافيين‬
‫العرب‪،‬حيث إنها تعني عندهم«المنطقة الممتدة من مصر إلى المحيط األطلسي»‪،‬وربما أدخلوا‬
‫في ذلك األندلس أيضًا‪،‬وقد أشار إلى ما كتبه ابن حوقل في كتابه«صورة األرض» عن مدن‬
‫القطر التونسي‪،‬وبالنسبة للجزائر أو المغرب األوسط‪،‬فقد أورد ما جاء في كتاب أبي الفداء من‬
‫تعريف لمدينة وهران‪،‬حين قال عنها‪«:‬إنها مدينة في بالد البربر على ضفة البحر‪،‬وهي تبعد عن‬
‫تلمسان مسيرة يوم»‪ .‬ونقل أبو الفداء عن المقدسي أن وهران تقابل األندلس‪.‬كما لم يهمل‬
‫الحديث عن بعض المدن الصحراوية النائية وعمرانها في تونس وليبيا مثل‪ :‬غدامس وفزان‬
‫وودان وزويلة‪،‬وبعض الجبال مثل‪ :‬جبل قفصة وجبل وسالت‪.‬‬

‫وقد نقل نقوال زيادة عن ابن سعيد ما ذكره بالنسبة لمدينة أوجلة الصغيرة المتحضرة‬
‫الرابطة في الميدان التجاري بين الصحراء وبالد السودان‪ ،‬كما تحدث عن مدن المغرب األقصى‬
‫طنجة وسبتة وفاس‪،‬وكما كانت تلمسان محل اهتمام ابن سعيد فقد شغلت اهتمام نقوال زيادة‬
‫كذلك‪،‬حيث وصفها كل منهما بأنها« مدينة مشهورة مسورة‪،‬لها ثالثة عشر بابًا‪،‬وبخارجها أشجار‬
‫وأنهار‪.‬وهي قاعدة ملوك بني عبد الواد(الزيانيين)‪.‬وقد أضافا إليها بجاية الواقعة وسط الجزائر‬
‫وقسنطينة الواقعة بشرقها‪.‬واعتبر ابن سعيد بجاية قاعدة المغرب األوسط ‪،‬ولها بساتين على‬
‫ضفتي نهرها‪،‬وتقابلها مدينة طرطوشة في األندلس‪.‬وقال‪:‬إن جزائر بني مزغنة(مدينة الجزائر‬
‫حاليًا) تقع غربي بجاية بينما مرسى الخرز الشهيرة بالمرجان فتقابله جزيرة سردينية‪.‬كما ذكر‬
‫أن قسنطينة لها نهر يصب في خندق سحيق حتى أنه يحدث دويًا هائًال‪.‬وقسنطينة هي آخر‬
‫مملكة بجاية وأول مملكة إفريقية(تونس)‪.‬وتحدث عن ثرائها بالحبوب التي تحفظ في المطامير‬
‫مائة سنة وال تفسد‪.‬ولها أسواق وتجارة‪،‬وسكانها من البربر‪،‬ويصلها بالمسيلة جبل متصل»‪.‬‬
‫وقد قدم نقوال زيادة رأيه في تاريخ الرحلة من المغرب إلى المشرق‪،‬و ذهب إلى أن رحالت‬
‫المغاربة إلى المشرق أكثر من رحالت المشارقة إلى المغرب ألسباب منها أداء فريضة‬
‫الحج‪،‬ووجود مراكز العلم األولى‪.‬وقد اختار ثالثة رحالة هم‪:‬ابن جبير وابن سعيد‬

‫والعبدري‪.‬وبعضهم من مثقفي األندلس وبعضهم من مثقفي المغرب وهذا يدل‪-‬كما يقول الدكتور‬
‫سعد اهلل‪-‬على عناية نقوال زيادة بهذه المنطقة من العالم العربي واإلسالمي‪.‬‬
‫كما اهتم كذلك بالرحالة المغربي ابن بطوطة‪،‬واستغرب من كونه قضى ثمانية وعشرين عامًا‬

‫في الرحلة قاطعًا مائة وعشرين ألف كلم‪،‬لذلك فقد دعاه«شيخ الرحالين العرب وسيد الرحالين‬
‫في القرن الثامن الهجري(الرابع عشر الميالدي)»‪.‬‬
‫وقد الحظ نقوال زيادة أن من خصائص رحالت ابن بطوطة أنه كان قليل االهتمام بالمدن‬
‫واألرض كثير االهتمام بالناس‪،‬ومنهم العلماء واألولياء‪،‬ولذلك اعتبره رحالة متميزًا ومؤرخًا‬

‫اجتماعيًا بارعًا‪،‬كما أورد كذلك بعض النصوص من رحلة ابن بطوطة عن المغرب وحكم السلطان‬
‫أبي عنان المريني‪،‬وقارن فيها بين خيرات ورخص السلع في المغرب وغالئها في مصر والشام‬
‫والخليج‪،‬كما تحدث فيها عن بعض عادات المغرب والمشرق‪.‬‬
‫‪-4‬محاضرات في تاريخ ليبيا من االستعمار اإليطالي إلى االستقالل‪ :‬أصل هذا الكتاب مجموعة‬
‫من المحاضرات عن تاريخ ليبيا ألقاها نقوال زيادة على طلبة قسم الدراسات التاريخية‬
‫والجغرافية بمعهد البحوث والدراسات العربية التابع لجامعة الدول العربية ‪ .‬وقد ذكر أنه يضعها‬

‫«بين يدي القارئ العربي‪،‬آمًال أن يفيد منها بالقدر الذي أفدته أنا في إعدادها»‪.‬‬
‫وقد بدأ كتابه هذا بخريطة شاملة لليبيا‪«،‬وقسمه إلى عشرة فصول هي‪:‬البلد‬
‫وأهله‪،‬وشيء من التاريخ‪،‬وهما فصالن تمهيديان فقط ألن اهتمامه كان منصبًا على االحتالل‬
‫اإليطالي وما بعده ثم على ليبيا في القرن‪،19‬والسنوسية‪،‬وليبيا وإيطاليا(في فصلين بنفس‬
‫العنوان)‪،‬وليبيا من‪1943‬إلى‪،1949‬ثم مصر وجامعة الدول العربية‪،‬وقضية ليبيا في المحافل‬
‫الدولية ونحو االستقالل‪.‬‬
‫احتوى كتاب المحاضرات أيضًا على عدد هام من المالحق‪:‬منها دستور المملكة الليبية‬
‫المتحدة‪،‬والقانون األساسي لوالية برقة‪،‬والقانون األساسي لوالية فزان مذكرًا بأنه لم يسجل‬
‫جميع الوثائق التي صدرت عن مندوب األمم المتحدة مثل التقارير ومناقشات الجمعية العامة‬
‫لقضية ليبيا‪.‬ولكنه أورد قائمة بكتب مختارة باللغتين العربية واألجنبية‪،‬ناقًال عن القدماء‬
‫والمحدثين من الليبيين وغيرهم؛مثل‪:‬الزاوي والسنوسي والحشائشي وشكري والكعاك»‪.‬‬
‫وقد ركز نقوال زيادة على السنوسية والعالقات الليبية اإليطالية‪،‬وأشار إلى عالقة‬
‫السنوسية بحركة تركيا الفتاة‪،‬حيث رأى أنها لم تتأثر بها‪،‬كما لم تتأثر بسقوط السلطان عبد‬
‫الحميد سنة‪1908:‬م‪،‬ألن السنوسية لم تكن راضية عما كانت ترمي إليه حركة تركيا الفتاة من‬

‫تتريك العرب‪،‬وال راضية عن خطط الحركة إللغاء الخالفة‪،‬حتى أن النائبين اللذين انتخبا لمجلس‬
‫النواب العثماني كانا معارضين لجمعية االتحاد والترقي‪.‬‬
‫كما نبه الدكتور نقوال زيادة إلى أن«اإليطاليين اعتقدوا خطًأ أن تسامح السنوسية مع‬
‫األتراك عن طريق تمكينهم من رفع علمهم على واحتي الكفرة وجغبوب سيجعل السكان‬
‫يستقبلون اإليطاليين باألحضان ويثورون ضد األتراك‪،‬ولكنهم كانوا مخطئين‪.‬وتحدث عما عرف‬
‫بالجمهورية الطرابلسية سنة‪،1918:‬أي‪ :‬بعد خروج العثمانيين نهائيًا‪،‬وعن تكوين مجلس شورى‬
‫من خمسة وعشرين عضوًا من أعضاء الحكومة الجديدة‪.‬وقال‪:‬إن طرابلس لم يصبها ما أصاب‬
‫بني غازي وطبرق من تدمير خالل الحرب العالمية الثانية‪.‬‬
‫أما بريطانيا التي حلت محل إيطاليا بعد انتهاء الحكم الفاشيستي‪،‬فقد اهتمت باإلدارة رغم‬
‫أن ليبيا ظلت تتبع وزارة الحربية البريطانية ال وزارة الخارجية‪.‬وقد أشاد بما قامت به بريطانيا‬
‫من أعمال في ليبيا مثل فتحها‪ 103‬مدارس ومستشفيين اثنين في مصراتة وطرابلس‪.‬ولمح‬
‫إلى أن ما قامت به بريطانيا في ليبيا يعتبر في درجة اإلنجازات‪،‬وربما كان ذلك هو السبب الذي‬
‫جعل اإليطاليين يرغبون في الرجوع إلى ليبيا بعد أن كانوا غادروها»‪.‬‬

‫‪-5‬تونس في عهد الحماية‪ :1934-1881‬وصف الدكتور أبو القاسم سعد اهلل هذا الكتاب بأنه‬
‫كتاب ظرفي كتبه نقوال زيادة بعد مرور بضع سنوات على استقالل تونس وقدمه لمعهد‬
‫الدراسات العربية العالمية في شكل محاضرات ألقاها على طلبة قسم الدراسات التاريخية‬
‫والجغرافية بالقاهرة‪،‬وقد جعله في خمسة فصول ومجموعة من المالحق‪.‬‬
‫خصص الفصل األول للحديث عن جغرافية وتاريخ تونس منذ أقدم العصور مع التركيز‬
‫على الفتح اإلسالمي العربي‪،‬ثم عصور الوالة‪،‬واألغالبة‪،‬والدولة الفاطمية‪،‬والدولة‬
‫الصنهاجية‪،‬والتغريبة الهاللية‪،‬والدولة الموحدية‪،‬والدولة الحفصية‪،‬واالحتالل اإلسباني‪،‬واالحتالل‬
‫العثماني‪،‬ثم الحماية أو االحتالل الفرنسي‪،‬مع نبذة عن العالقات بين تونس والدول الكبرى‬
‫األخرى‪.‬‬
‫وتحدث في الفصل الثاني منه عن النهضة التونسية في القرن التاسع عشر‪،‬فذكر إصالحات‬
‫أحمد باي‪،‬ومحمد باي‪،‬ثم محمد الصادق باي‪،‬وإصالحات خير الدين باشا التونسي‪،‬ومساهمة‬
‫محمد قبادو‪،‬ومن هذه اإلصالحات حصول تونس على شبه دستور ألول مرة في تاريخ دولة‬
‫عربية مسلمة‪،‬وهو المعروف بعهد األمان(‪.)1858‬‬
‫وقد كرس نقوال زيادة الفصل الرابع من كتابه هذا للحديث عن عالقات تونس مع أوروبا‬

‫أثناء العهد العثماني‪،‬وكيف تطورت إلى االحتالل الفرنسي‪،‬وتحدث في الفصل الخامس عن‬
‫الحماية الفرنسية وما أحدثته من تغييرات في المجتمع التونسي‪،‬والسيما منها تلك التغييرات‬
‫التي أدخلها المقيم العام الفرنسي‪.‬كما دعم كتابه هذا بمجموعة من المالحق التي تتصل بتاريخ‬
‫تونس الدبلوماسي من مراسالت ومعاهدات ونحوها قبل الحماية الفرنسية‪.‬‬
‫يؤكد شيخ المؤرخين الجزائريين في ختام بحثه هذا على أن نقوال زيادة قد تعمق في‬
‫دراسة أحوال المغرب العربي وتجول في مراحله التاريخية من العصور اإلسالمية المزدهرة إلى‬
‫مراحل االستعمار المزرية‪.‬وقد كانت دراسته للمنطقة تبعًا للمنهجية التاريخية التي اتبعها‬
‫المسلمون السابقون باعتمادهم الوصف أكثر من التحليل والنقد‪.‬وقد كان نقوال زيادة في(صور‬
‫من التاريخ العربي)‪،‬وفي(الجغرافية والرحالت عند العرب)معجبًا بمساهمة أهل المغرب في‬
‫هذين التخصصين(الجغرافية والرحلة)فنقل عن بعضهم وأعجب باستنتاجاتهم وتعاطف مع‬
‫محزونهم ‪،‬و« ال يخفى أن نقوال زيادة مؤرخ اجتماعي‪،‬فقد اهتم بحركة الناس في مختلف‬
‫ميادينهم اليومية‪،‬من عادات وأسعار وتجارة ومصاهرة بين العائالت وحياة الحضر والبدو‬
‫ونشاط األسواق‪،‬ثم الحياة الدينية والعلمية واألدبية‪،‬ودور المدن وما إلى ذلك‪.‬كما اهتم‬

‫بالعالقات بين الشرق والغرب والسيما السفارات بين الحكام المسلمين والحكام الغربيين‪.‬هذا عن‬
‫بعض كتبه العامة والتي تناول فيها أخبار بالد المغرب‪.‬أما كتبه التي تناول فيها بالتحديد ليبيا‬
‫وتونس فقد اهتم بالحركات اإلصالحية والتحررية وبالنظم اإلدارية التي سنتها كل دولة‬
‫مستعمرة ثم مقاومة االحتالل بمختلف أشكال المقاومة‪.‬أما لغته فلم تكن هجومية وال سافرة‬
‫رغم قرب العهد من األحداث‪،‬بل كان يعالج مواضيعه بلغة محايدة هادئة مع أسلوب شفاف هو‬
‫أقرب إلى الصياغة األدبية الطلية منه إلى الصياغة العلمية الجافة»‪.‬‬

‫جميع الحقوق محفوظة لدنيا الوطن © ‪2017 - 2003‬‬

You might also like